مهديُّ الأُمم

مهديُّ الأُمم

تأليف: الشيخ عبد الله حسن آل درويش

الطبعة الأولى 1432هـ - 2011م

الفهرس

مقدمة الكتاب..................9
الفصل الأول: الإمامة والإمام المهدي في عقيدة الشيعة الإمامية..................13
الإمامة في الأدلة العقلية والشرعية..................15
الأول: الدليل العقلي (ضرورة وجود إمام في كل زمان)..................15
مزيد بيان وتوضيح..................16
اللطف قسمان..................17
الثاني: الدليل الشرعي (الإمامة في القرآن والسنة الشريفة)..................21
حديث رزية الخميس في مصادر السنة..................29
إمامة أهل البيت (عليهم السلام) في الأحاديث الشريفة..................33
١ - حديث الثقلين..................33
معنى الحديث..................37
اقترانهم بالقرآن الكريم..................40
دلالة حديث الثقلين على وجود الإمام المهدي (عليه السلام)..................42
٢ - حديث (يكون بعدي اثنا عشر خليفة)..................43
تحير السنة في معنى الحديث وأقوالهم فيه..................49
لماذ خفي صوت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على الراوي..................51
قول بعض المحققين: (لأنهم لا يحسّنون خلافة بني هاشم)..................57
هل بيّن النبي (صلّى الله عليه وآله) أسماء الخلفاء الاثني عشر أم لا؟..................63
الحديث في ميزان الدلالة..................66
الأمر الأول: دلالة الحديث على تولي الخلفاء مباشرة بعد النبي (صلّى الله عليه وآله)..................66
الأمر الثاني: دلالة الحديث على إمامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيت..................67
الإمام المهدي (عليه السلام) أحد الخلفاء الاثني عشر..................79
الأمر الثالث: إن الأرض لا تخلو منهم أبداً..................83
الأمر الرابع: انتهاء العالم بذهابهم جميعاً..................85
ردود ونقود:..................86
دعوى أن الخلفاء الاثني عشر قد انتهوا بنهاية خلافة هشام بن عبد الملك..................86
دعوى أن هؤلاء الخلفاء ليسوا على التوالي..................87
زعمهم أنا نقول: إن الدين لم يظهر بالخلفاء الاثني عشر..................90
ظهور الدين بالأئمة (عليهم السلام)..................99
زعمهم أن الخلفاء الاثني عشر لم يُستخلفوا فلا يشملهم الحديث..................105
٣ - حديث (وأهل بيتي أمان لأمتي)..................109
كلمات بعض أعلام السنة في معنى الحديث الشريف..................111
المراد بأهل البيت (عليهم السلام)..................112
دلالة الحديث على إمامة أهل البيت وأن الأرض لا تخلو منهم أبدا..................113
الإمام المهدي إمام أهل هذا الزمان..................117
زعم بعضهم أن المراد من (أهل البيت) هم أهل التقوى وأبدال الأنبياء وجوابه..................118
٤ - حديث السفينة..................122
معنى الحديث..................124
خلاصة الكلام في حديث السفينة..................127
الأول: وجوب اتباعهم..................127
الثاني: اتباعهم يوجب النجاة..................127
الثالث: دلالته على أفضليتهم..................128
الرابع: دلالته على وجوب محبتهم..................128
الخامس: دلالته على عصمتهم..................129
السادس: من تخلف عنهم ضل..................129
السابع: هم الميزان لمعرفة المؤمن والكافر..................129
دلالة الحديث على وجود إمام في كل عصر..................129
٥ حديث (من مات وليس له إمام..)..................130
أولاً: قوله: (من مات وليس له إمام)..................137
ثانياً: قوله: (مات ميتة جاهلية)..................139
انطباق الحديث على الإمام المهدي (عليه السلام)..................143
الأدلة الأخرى على إمامة أهل البيت (عليهم السلام)..................146
خلاصة البحث..................151
الإمام المهدي المنتظر في مؤلفات الشيعة الإمامية..................152
الفصل الثاني: الإمام المهدي (عليه السلام) في عقيدة السنة..................157
هل الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر عقيدة شيعية؟..................160
الإيمان بظهور الإمام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان..................163
ردود السنة على من أنكر الإمام المهدي (عليه السلام)..................168
1 - الرد على من زعم (لا مهدي إلا عيسى بن مريم)..................168
٢ - الردود على كتاب (لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر (صلّى الله عليه وآله))..................170
الرد الأول: كتاب (الاحتجاج بالأثر في الرد على من أنكر المهدي المنتظر)..................170
دعوى أن المهدي ليس له ذكر في القرآن..................171
الرد الثاني: كتاب (الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي (عليه السلام)، ويليه عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر)..................172
٣ - رد الشيخ الألباني على السيد رشيد رضا صاحب تفسير المنار..................173
4 - رد الشبهات حول المهدي..................174
٥ - الردود على ابن خلدون (ت ٨٠٨ هـ)..................174
الرد الأول: رد الحافظ أبي العلاء المباركفوري (ت ١٣٥٣ ه)..................174
الرد الثاني: إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون:..................175
الرد الثالث: رد الشيخ ناصر الدين الألباني الشامي..................177
الرد الرابع: رد الأستاذ أحمد محمد شاكر..................177
الرد الخامس: رد الشيخ عبد المحسن بن محمد العباد..................178
الرد السادس: رد الدكتور عبد العليم البستوي..................178
الإمام المهدي (عليه السلام) في أحاديث الصحابة عند السنة..................181
ممن خرّج أحاديث الصحابة حول المهدي من الحفاظ والعلماء..................182
شهرة أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) عند الصحابة والتابعين..................183
صحة أحاديث الإمام المهدي عند أعلام السنة..................185
١ - الترمذي (ت ٢٩٧ ه)..................185
٢ - الحافظ أبو جعفر العقيلي (ت ٣٢٣ ه)..................185
٣ - أبو حاتم ابن حبان البستي (ت ٣٥٤ ه)..................186
٤ - البيهقي (ت ٤٥٨ ه)..................186
٥ - ابن تيمية الحراني (ت ٧٢٨ ه)..................186
٦ - القرطبي (ت ٧٦١ ه)..................186
٧ - سعد الدين التفتازاني (ت ٧٩٣ ه)..................187
٨ - الشيخ علي المتقي الهندي (ت ٩٧٥ ه)..................187
٩ - الشيخ ناصر الدين الألباني (ت ١٤٢٠ ه)..................187
تواتر أحاديث الإمام المهدي عند أعلام السنة..................188
١ - الحافظ أبو الحسن محمد بن الحسين الآبري السجزي (ت ٣٦٣ ه)..................189
٢ - الحافظ أبو عبد الله الكنجي الشافعي (ت ٦٥٨ ه)..................189
٣ - ابن خلدون (ت ٨٠٨ ه)..................190
٤ - محمد بن رسول الحسيني البرزنجي (ت ١١٠٣ ه)..................190
٥ - الشيخ محمد السفاريني (ت ١١٨٨ ه)..................191
٦ - القاضي محمد بن علي الشوكاني (ت ١٢٥٠ ه)..................191
٧ - النواب صديق حسن خان القنوجي (ت ١٣٠٧ ه)..................192
٨ - الشيخ محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني (ت ١٣٤٥ ه)..................192
٩ - المباركفوري (ت ١٣٥٣ ه)..................195
١٠ - الشريف أبو الفيض الغماري الحسيني المغربي (ت ١٣٨٠ ه)..................196
١١ - الشيخ عبد العزيز بن باز..................197
الحفاظ والمحدثون والمؤرخون الذين ذكروا أخبار المهدي (عليه السلام)..................199
لماذا لم يصرح البخاري باسم المهدي في صحيحه..................208
الإمام المهدي من أهل البيت (عليهم السلام)..................215
حديث بنا فتح الله وبنا يختم..................220
الإمام المهدي من ولد فاطمة (عليها السلام)..................223
الإمام المهدي من ولد الحسين (عليه السلام)..................227
علماء السنة الذين ذكروا ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)..................234
١ - أبو نعيم الأصبهاني (ت ٤٣٠ ه)..................237
٢ - أحمد بن الحسين البيهقي (ت ٤٥٨ ه)..................237
٣ - أبو محمد عبد الله بن الخشاب (ت ٥٦٧ ه)..................237
٤ - ابن الأزرق المؤرخ (ت ٥٩٠ ه)..................237
٥ - ابن الأثير عز الدين الجزري (ت ٦٣٠ ه)..................237
٦ - محيي الدين بن العربي الأندلسي (ت ٦٣٨ ه)..................238
٧ - كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي (ت ٦٥٢ ه)..................239
٨ - شمس الدين أبو المظفر، يوسف بن فزاعلي سبط ابن الجوزي الحنبلي (ت ٦٥٤ ه)..................240
٩ - محمد بن يوسف أبو عبد الله الكنجي الشافعي (المقتول سنة ٦٥٨ ه)..................240
١٠ - ابن خلكان (ت ٦٨١ ه)..................241
١١ - الجويني الحموئي الشافعي (ت ٧٣٢ ه)..................241
١٢ - الذهبي(ت ٧٤٨ ه)..................241
١٣ - عمر بن الوردي (ت ٧٤٩ ه)..................241
١٤ - نور الدين علي بن محمد بن الصباغ المالكي (ت ٨٥٥ ه)..................242
١٥ - الفضل بن روزبهان (ت بعد ٩٠٩ ه)..................242
١٦ - جلال الدين السيوطي (ت ٩١١ ه)..................243
١٧ - شمس الدين محمد بن طولون الحنفي مؤرخ دمشق (ت ٩٥٣ ه)..................243
١٨ - عبد الوهاب بن أحمد الشعراني الشافعي (ت ٩٧٣ ه)..................244
١٩ - أحمد بن حجر المكي الهيتمي الشافعي (ت ٩٧٤ ه)..................244
٢٠ - أحمد بن يوسف أبو العباس القرماني الحنفي (ت ١٠١٩ ه)..................245
٢١ - الشيخ عبد الله الشبراوي الشافعي (ت ١١٧١ ه)..................245
٢٢ - الشاه ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي الحنفي (ت ١١٧٦ ه)..................245
٢٣ - سليمان بن إبراهيم المعروف بالقندوزي الحنفي (ت ١٢٩٤ ه)..................246
٢٤ - مؤمن بن حسن الشبلنجي (ت ١٣٠٨ ه)..................246
٢٥ - خير الدين الزركلي (ت ١٣٩٦ ه)..................246
التعريف بجملة من مؤلفات السنة حول الإمام المهدي (عليه السلام)..................248
تعتيم وتجاهل بعض السنة ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)..................257
الفصل الثالث: البشارة بالإمام المهدي (عليه السلام) وولادته ونشأته في حياة أبيه والنص عليه بالإمامة وخصاله وخصائصه الشريفة..................269
البشارات بالإمام المهدي (عليه السلام)..................271

بشارة النبي (صلّى الله عليه وآله) بالإمام المهدي (عليه السلام)..................271
بشارة الإمام الصادق (عليه السلام) بالإمام المهدي (عليه السلام)..................275
بشارة الإمام الرضا بالإمام المهدي (عليهما السلام) وقصيدة دعبل..................276
قيام الإمام الرضا (عليه السلام) عند ذكر الحجة (عليه السلام)..................278
ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)..................279
كلام بعض الأعلام في ولادة الإمام (عليه السلام)..................279
بركة الليلة التي ولد فيها الإمام (عليه السلام)..................280
أمّ الإمام (عليه السلام)..................280
ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) برواية حكيمة (عليها السلام)..................281
عقيقة الإمام (عليه السلام)..................286
الأدلة على ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)..................287
أسماء الإمام وألقابه الشريفة..................290
١ - المهدي..................290
٢ - القائم..................291
٣ - المنتظر..................292
٤ - المنصور..................293
كنيته (عليه السلام)..................293
صفات الإمام (عليه السلام) وشمائله الشريفة..................295
١ - أشبه الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله)..................295
٢ - وجهه كالكوكب الدري..................295
٣ - شاب مربوع حسن الوجه، حسن الشعر، لا يهرم..................296
٤ - واسع الصدر، مسترسل المنكبين..................297
٥ - أبيض اللون، مشرّب بالحمرة وفيه علامتان..................297
6 - عريض مابين المنكبين..................298
الإمام المهدي (عليه السلام) في حياة أبيه (عليه السلام)..................299
مع أبيه (عليه السلام) في مرضه ووفاته ونصه عليه..................299
النص عليه بالإمامة..................303
من خصائص الإمام (عليه السلام) وماحباه الله تعالى به..................308
الأول: خفاء ولادته على الناس..................308
الثاني: طول عمر الإمام المهدي (عليه السلام)..................309
الثالث: عنده مواريث الأنبياء (عليهم السلام)..................314
١ درع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)..................314
٢ عنده عصا موسى وخاتم سليمان (عليهما السلام)..................315
٣ - قميص يوسف (عليه السلام)..................315
الرابع: فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام)..................316
الخامس: قوة الإمام (عليه السلام)..................317
السادس: مثله مثل الخضر..................317
السابع: يصلح الله أمره في ليلة واحدة..................318
الثامن: معه راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله)..................318
التاسع: راية المهدي (عليه السلام) تضيء بين المشرق والمغرب..................319
العاشر: ما هو مكتوب في راية المهدي (عليه السلام)..................319
الحادي عشر: يطهر الله به الأرض من الكفر ويذل له كلّ صعب..................320
الثاني عشر: يصلي خلفه عيسى بن مريم (عليه السلام)..................320
كلام الإربلي في صلاة عيسى (عليه السلام) خلف المهدي (عليه السلام)..................324
كلام سبط ابن الجوزي في صلاة عيسى خلف المهدي..................326
الثالث عشر: أجر الشهادة بين يديه (عليه السلام)..................327
الرابع عشر: يُكبر عليه سبعاً في الصلاة عليه..................327
الخامس عشر: الإمام المهدي (عليه السلام) في القرآن الكريم..................328
الفصل الرابع: غيبة الإمام المهدي (عليه السلام)..................343
الأمر الأول: إعلام أئمة أهل البيت شيعتهم بأمر الغيبة..................345
الأمر الثاني: الغيبة غيبتان صغرى وكبرى..................346
الغيبة الصغرى..................349
سفراء الإمام (عليه السلام) في الغيبة الصغرى..................349
الأول: أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عمرو العمري (ت ٢٦٥)..................350
الثاني: ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري (ت ٣٠٥)..................351
الثالث: أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحير النوبختي (ت ٣٢٦)..................354
الرابع: أبو الحسن علي بن محمد السمري (ت ٣٢٨)..................357
الغيبة الكبرى..................358
الأمر الثالث: الحكمة من الغيبة..................359
الحكمة من الغيبة في الروايات الشريفة..................368
١ - لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف..................369
٢ - لعدم الأمن على نفسه..................370
٣ - حتى تظهر ودائع الله (عزَّ وجلَّ)..................370
٤ - حتى يجتمع للإمام (عليه السلام) عدة أهل بدر..................371
٥ - لتجري فيه سنن الأنبياء وغيباتهم..................371
الأمر الرابع: انتفاع الناس من وجود الإمام (عليه السلام)..................372
الأمر الخامس: يشهد موسم الحج كل عام..................373
الأمر السادس: التقية في زمن الغيبة..................373
الأمر السابع: انتظار الفرج في زمن الغيبة وفضله..................374
الأمر الثامن: من حقوق الإمام علينا في زمن الغيبة..................377
زيارة الإمام المهدي (عليه السلام) والدعاء له..................386
تعّهد زيارة الإمام المهدي (عليه السلام)..................386
زيارة: السلام على الحق الجديد..................386
الاستغاثة بالإمام المهدي (عليه السلام)..................387
زيارة آل يس..................389
كيفية التسليم عليه (عليه السلام) إذا خرج..................391
الصلاة على الحجة وعلى آبائه وأجداده الطاهرين (عليهم السلام)..................392
صلوات أخرى..................393
٢ الدعاء للإمام المهدي (عليه السلام)..................393
الدعاء للإمام (عليه السلام) في الخطبة..................397
الدعاء للإمام (عليه السلام) في يوم عرفة..................397
الدعاء للإمام (عليه السلام) في يوم العيد..................398
الدعاء للإمام (عليه السلام) في يوم الجمعة..................398
الدعاء للإمام (عليه السلام) بعد كلّ صلاة..................399
الدعاء للإمام (عليه السلام) بعد صلاة الفجر وبعد صلاة الظهر..................400
دعاء الإمام الكاظم (عليه السلام) بعد صلاة العصر..................400
الدعاء له في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان وفي كلّ وقت..................400
دعاء العهد الشريف يدعى به أربعين صباحاً..................401
الدعاء في غيبة القائم (عليه السلام)..................403
دعاء الإمام الرضا (عليه السلام) للإمام المهدي (عليه السلام)..................406
من أدعية الإمام المهدي (عليه السلام)..................409
دعاء علّمه لبعضهم ففرج الله عنه..................409
دعاؤه (عليه السلام) في مطالب الدنيا والآخرة..................410
دعاؤه (عليه السلام) في صلاة الحاجة والاستخارة..................410
دعاؤه (عليه السلام) للخلاص من الشدائد..................411
دعاؤه (عليه السلام) لتفريج الهموم والغموم..................411
دعاؤه (عليه السلام) لتفريج الهموم..................411
دعاؤه (عليه السلام) لقضاء الحوائج، المسمى بسهم الليل..................412
دعاؤه (عليه السلام) لقضاء الحوائج في ليلة الجمعة..................413
دعاؤه (عليه السلام) في الاحتراز..................414
الفصل الخامس: علامات الظهور والرجعة..................415
خروج السفياني..................418
خروج الدجال وفتنته..................419
كسوف الشمس..................425
طلوع الشمس من المغرب..................425
ظهور النار بالحجاز..................427
ظهور صحيفة مكتوب عليها طاعة معروفة..................427
نداء: ألا إن الحق في آل محمد..................428
مطر الناس في جمادى الآخرة..................428
الإياس والقنوط، والاختلاف الشديد بين الناس..................429
علامات أخرى..................429
الرجعة عند ظهور الإمام الحجة (عليه السلام)..................430
كلام الشريف المرتضى (رحمه الله تعالى) في الرجعة..................433
الفصل السادس: أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) خصائصهم وأحوالهم..................435
أسماؤهم مكتوبة في صحيفة عند الإمام (عليه السلام)..................437
يخرج معه جماعة من قوم موسى (عليه السلام) وأصحاب الكهف وغيرهم..................437
عدتهم كعدة بدر وهم أصحاب الألوية..................438
يجمعهم الله في يوم واحد..................439
افتخار الأرض بأصحاب الإمام (عليه السلام)..................439
أصحاب المهدي (عليه السلام) شباب لا كهول فيهم إلا قليلاً..................440
من طالقان..................440

مساكن أصحاب الإمام (عليه السلام)..................440
الفصل السابع: ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وما جاء فيه من الأخبار الشريفة ومسيره من مكة إلى الكوفة..................443
ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)..................443
١ - حتمية الظهور..................443
٢ - ظهور الإمام (عليه السلام) عند بيت الله الحرام بين الركن والمقام يوم عاشوراء..................444
٣ - النداء من السماء باسمه، يسمعه جميع أهل الأرض..................444
٤ - نداء الملك على رأسه الشريف..................445
٥ - إذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة وأول ما ينطق به الآية الشريفة..................446
٦ - تضرع الإمام (عليه السلام) عند المقام..................446
٧ - خطبة الإمام (عليه السلام) في مكة وبعثه الجنود في الآفاق..................447
٨ - صعوده (عليه السلام) المنبر وبيعة جبرئيل له ومجيء أصحابه إليه..................448
٩ - إن الله تعالى ينصره بالملائكة المسومين..................448
١٠ - بيعة الأصحاب للإمام (عليه السلام) بين الركن والمقام..................448
١١ - إذا كمل له عشرة آلاف رجل خرج..................449
خروج الإمام (عليه السلام) من مكة إلى الكوفة ومسيره إلى الكوفة وما يقوم به..................451
خروج الإمام (عليه السلام) من مكة إلى الكوفة..................451
أهل الكوفة أسعد الناس بالإمام (عليه السلام)..................452
سبعون ألف صدّيق يكونون في أصحابه (عليه السلام)..................452
دخوله (عليه السلام) الكوفة ويقتل كلّ منافق مرتاب..................452
ظهوره في الكوفة وينشر راية جده رسول الله (صلّى الله عليه وآله)..................453
خطبته على منبر الكوفة وخروجه إلى الغري..................455
أصحاب القائم (عليه السلام) يضربون فساطيطهم في مسجد الكوفة..................455
بناء مسجد له ألف باب..................456
يستخرج من الكوفة اثني عشر ألف درع..................457
تخفق على رأسه الأعلام البيض في نجف الكوفة..................457
نزول الإمام (عليه السلام) في مسجد السهلة..................458
يرسل أصحابه إلى الآفاق كلها..................459
صلاة الإمام الصادق (عليه السلام) عند موضع منبر القائم (عليه السلام)..................459
الفصل الثامن: ملامح دولة الإمام المهدي (عليه السلام) وكيفية حكمه الشريف..................459
ملامح من سيرة الإمام (عليه السلام) وحكمه وقضائه..................463
لباس الإمام وطعامه..................463
خضوع الأشياء إليه..................465
معرفته بكل إنسان صالح هو أم طالح؟..................465
دولة الإمام آخر الدول..................466
القصاص والانتقام من الظلمة والعمل بما في الجفر الأحمر..................466
أ - بنو شيبة..................468
ب - فئة من قريش..................468
ج - ينتقم لجدته فاطمة (عليها السلام)..................468
د - ذراري قتلة الحسين (عليه السلام)..................468
ه - النواصب..................470
قتاله اليهود والنصارى والزنادقة والكفار..................470
لا يأخذ جزية من أحد ويأتي بملوك الروم مصفّدين..................471
يحكم بحكم داود ولايسأل الناس بينة..................472
يقوم بأمر جديد، وسنة جديدة، وقضاء جديد..................473
وقفة قصيرة مع النص الشريف..................474
قوله (عليه السلام): (يقوم بأمر جديد)..................474
قوله (عليه السلام): (وسنة جديدة)..................474
إنكار أنس بن مالك على تضييعهم الفرائض والسنن..................475
إنكار ابن عباس على تركهم السنة..................475
تصريح عمران بن الحصين..................476
قوله (عليه السلام): (على العرب شديد)..................477
قوله (عليه السلام): (وليس شأنه إلا القتل)..................478
قوله (عليه السلام): (ولا يستتيب أحداً)..................478
ينقض البدع ويحيي سنة النبي (صلّى الله عليه وآله)..................479
الفتوحات في عصره الشريف..................481
يستخرج من أنطاكية التوراة وعصا موسى وخاتم سليمان (عليهما السلام)..................483
حال العالم والناس في دولته المباركة..................486
١ - الوضع الديني للعالم في دولة الإمام (عليه السلام)..................487
لا يبقى أحد إلا وحّد الله وأقرّ بالنبي (صلّى الله عليه وآله)..................487
يبلغ سلطانه المشرق والمغرب، وظهور الدين..................489
٢ - صحة المؤمن ومناعته..................490
٣ - قوة المؤمن الروحية والبدنية..................490
استبشار الأموات وفرحتهم بظهوره (عليه السلام)..................492
٤ - تطور وسائل الاتصال..................493
٥ - التطور الاقتصادي والاكتفاء الذاتي..................493
٦ - النهضة الصناعية واستخراج كنوز الأرض..................499
٧ - الثروة الزراعية..................500
٨ - الثروة الحيوانية..................503
٩ - النهضة العمرانية..................504
١٠ - الوضع الاجتماعي لعامة الناس..................505
١١ - الوضع الأمني في دولة الإمام (عليه السلام)..................507
١٢ - مدة حكم الإمام (عليه السلام) وحركة الفلك في زمانه..................508
الدعائم التي يرسيها الإمام (عليه السلام) في دولته والإصلاحات..................509
١ - تعليم الناس القرآن..................509
٢ - بث العلم في الناس والتطور العلمي والمعرفي عند الناس..................510
٣ - الناس سواء أمام القانون وردّ الحقوق إلى أهلها..................512
٤ - تقسيم المال بالتساوي ووفرته..................512
٥ - يعطي الناس عطايا مرتين في الشهر وفي السنة..................514
٦ - إصلاح المساجد والطرقات..................514
الفصل التاسع: ألطاف الإمام المهدي (عليه السلام) ورعايته لأوليائه..................519
ألطاف الإمام (عليه السلام) ورعايته لأوليائه..................521
١ - تأبين الشيخ المفيد (رحمه الله تعالى)..................521
٢ - الشيخ الصدوق (رحمه الله) - ولد بدعاء الإمام - (عليه السلام)..................522
٣ - نجاة أحد الصالحين ببركة الإمام (عليه السلام)..................524
٤ - إستغاثة أبي الوفاء الشيرازي بالإمام (عليه السلام) وخروجه من السجن..................526
٥ - لطفه مع العلامة الحلي..................527
٦ - لطفه بزائريه في سرداب سامراء..................528
٧ - رؤيا السيد باقر الهندي الإمام (عليه السلام) في المنام..................529
٨ - نجاة قافلة تاهت في الصحراء بعدما كادت أن تموت من العطش..................530
الفصل العاشر: شذرات من القصائد والأشعار في مدح وندبة الإمام المهدي (عليه السلام)..................533
السيد الحميري..................536
دعبل بن علي الخزاعي..................538
أبو الحسن الشفهيني..................539
رضي الدين رجب البرسي..................539
رباعيات الشيخ البهائي العاملي..................541
وسيلة الفوز والأمان في مدح صاحب الزمان..................543
الشيخ عبد الحسين الأعسم النجفي..................547
الشيخ محمد جواد البلاغي..................548
السيد حيدر الحلي..................549
السيد جعفر الحلي..................551
الشيخ محمد حسين الأصفهاني..................552
الإمام العسكري..................554
انهض على اسم الله..................555
ألا ترى قد هتكوا أستاره..................555
انشر لواك..................556
يا لثارات النبي الهادي (صلّى الله عليه وآله وسلم)..................556
السيد رضا الهندي..................557
الشيخ عبد الله بن معتوق..................559
السيد محمد جمال الهاشمي..................560
يا صاحب الأمر..................560
الشيخ فرج بن حسن آل عمران..................562
ميلاد الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)..................562
الشاعر محمد سعيد الجشي..................563
يا مطلع الفجر..................563
الدكتور الشيخ محمد حسين علي الصغير..................564
الشيخ محسن المعلم..................566
الشيخ عبد الكريم الزرع..................567
يا منقذ الإسلام..................567
وله أيضاً: يا أملاً..................570
الشيخ مهدي المصلي..................572
يا باسط العدل..................572
الشاعر معتوق المعتوق..................574
نجوى مع الفجر..................574
وله أيضاً: الأمَلُ المُرَجَّى..................576
مصادر الكتاب..................580

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمّ كُن لوليّك الحجّة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كلّ ساعة ولياً وحافظاً، وقائداً وناصراً، ودليلاً وعيناً حتّى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتّعه فيها طويلاً.
اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا صلواتك عليه وآله وغيبة ولينا، وكثرة عدونا، وقلة عددنا، وشدة الفتن بنا، وتظاهر الزمان علينا، وصل على محمد واله، وأعنا على ذلك بفتح منك تعجله، وبضر تكشفه، ونصر تعزه، وسلطان حق تظهره، ورحمة منك تجللناها، وعافية منك تلبسناها، برحمتك يا أرحم الراحمين.

(٥)

الإهداء

إليك أيها المرتجى لإزالة الجور والعدوان، والمدخر لتجديد الفرائض والسنن.
إليك يا صاحب يوم الفتح، وناشر راية الهدى.. ومؤلف شمل الصلاح والرضا.. والطالب بدم المقتول بكربلاء.
إليك أيها الإمام المنتظر المصلح الذي تملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
إليك سيدي هذا المجهود القليل..أهدي هذا الكتاب فعسى أن ينال رضاك.
(يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللهَ يَجْزِي المُتَصَدِّقِينَ) (يوسف: 88).

أهدي لمجلسه الكريم وإنما * * * أهدي له ما حزتُ من نعمائه
كالبحر يمطره السحابُ ومالهُ * * * منٌّ عليه لأنه من مائه

(٧)

مقدمة الكتاب

الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين, واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

إلى الحشر حتى يبعث اللهُ قائماً * * * يفرج عنّا الهم والكرباتِ

إن الحديث حول الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) مما تتوق إليه النفس، فهو الذي سوف يتحقق على يديه العدل، وتبديد الجور والظلم، وبه يفرّج الله تعالى عن المؤمنين، فهو أمل المستضعفين والمحرومين، وهو الذي سوف ينعم في دولته الأنام، وبفضله يعمّ الأمن والسلام.
وكم نحن بأمس الحاجة في أن نتعرف على هذا التأريخ المشرق، ونتزود من هذا النور الذي ستضيء به الدنيا في نهاية المطاف بعد صراع دام طويلاً بين الحق والباطل، فلابد أن تأتي شمس العدل والحرية لتشرق على آفاق هذه الأرض التي عانت ما عانت من ظلم وجور.
وهذا الكتاب أخي الكريم يستهدف التعريف على نحو الإجمال للسيرة

(٩)

العطرة لمولانا الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، من خلال ما جاء فيه من الأخبار والأحاديث الشريفة، وما يرتبط بخصائصه وخصاله، وما حباه الله تعالى من كرامات ونفحات، وما يتعلق بغيبته وظهوره الشريف، وتأريخ سفرائه وأصحابه، وخصائص دولته المباركة.. وحقوقه على الأمة.
ونشير هنا إلى أن هذا الكتاب قد صدر في عام ١٤٢٦ باسم (المختصر في حياة الإمام المنتظر (عليه السلام)) وكان عدد صفحاته في حدود ٢٢٠ صفحة، وقد وزّع منه نسخ محدودة إلى أن اطلع عليه سماحة العلامة الأستاذ الشيخ محسن المعلم أيده الله تعالى، والذي لا يزال يرفدنا بتوجيهاته النافعة جزاه الله تعالى خير جزاء المحسنين، فاقترح علينا إضافة بعض البحوث المهمة إلى هذا الكتاب ليخرج بصورة أكمل مما كان عليه سابقاً، وأكثر نفعاً للقارئ، فحفزني دام فضله على الإسراع في إنجاز هذا الكتاب، فالفضل يعود إليه، فقمت بعون الله تعالى وتوفيقه ممتثلاً لهذا الواجب الولائي.
ويتلخص عملي الجديد في هذا الكتاب في ما يلي:
١ - قمت بتنسيق الكتاب من جديد، مع إضافة بعض البحوث المهمة، منها: الإمامة والإمام المهدي (عليه السلام) عند الشيعة الإمامية، وسرد بعض الأدلة على إمامة أهل البيت (عليهم السلام) بنحو الإجمال، والإشارة إلى بعض مصادر الإمامية التي تناولت موضوع الإمامة وأدلتها.
٢ - تناولت ملامح من عقيدة السنة حول الإمام المهدي (عليه السلام)، مع ذكر بعض الجهات المشتركة بيننا وبينهم في ذلك، والإشارة إلى جملة من مصادرهم التي روت أخبار ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، ليرى الباحث الكم الهائل المتنوع عند الفرق الإسلامية في هذا الأمر، كما أشرنا أيضاً إلى جملة من حفاظهم ومحدثيهم الذين دونوا أحاديث المهدي (عليه السلام) وأثبتوها في مصنفاتهم، وذكرنا أيضاً جملة ممن نصّ منهم على صحتها وتواترها، كما ذكرنا أيضاً ردود بعض أعلام السنة على من أنكر أو ضعّف أخبار المهدي (عليه السلام).

(١٠)

٣ - ذكرت جملة من حقوق الإمام المهدي (عليه السلام) علينا، وما ينبغي علينا تجاهه، وفضل انتظار الفرج في زمن الغيبة، كما ذكرت بعض الأدعية المروية عن الإمام (عليه السلام).
وأخيراً أرجو أن يكون هذا الكتاب قد ساهم في إثراء المكتبة الإسلامية في ما يرتبط بتأريخ وحياة مولانا الإمام المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)، وأنَّى لنا أن نفي بحقه، أو نعرّفه بأكثر مما أفصحت به الأحاديث الشريفة التي جاءت من المنبع الصافي، والنمير الذي لا ينضب، فنحن قاصرون في بيان ذلك.

فيمَ الكلام لسابقٍ في غايةٍ * * * والناس بين مقصّر ومبلدِ
إن الذي يجري ليدرك شأوه * * * يُنمى بغير مسودٍ ومسدّدِ
بل كيف يدرك نور بدر ساطع * * * خير الأنام وفرع آل محمدِ(1)

وأسأل الله العلي القدير أن ينفع بهذا الكتاب إخواني المؤمنين، وأخص بالذكر أيضاً طلاب الحقيقة الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يتقبل مني هذا المجهود القليل في حقِّ مولانا صاحب العصر والزمان أرواحنا له الفداء إنه سميع الدعاء، والحمد لله ربِّ العالمين.

عبد الله حسن آل درويش
حُرر في مدينة مشهد المقدسة
الجمعة ١١ شعبان المعظم سنة ١٤٣١

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأبيات لذكوان مولى الإمام الحسين (عليه السلام) قالها فيه.

(١١)

الإمامة في الأدلة العقلية والشرعية
الأول: الدليل العقلي (ضرورة وجود إمام في كل زمان)
تستدل الشيعة الإمامية على وجوب تنصيب الإمام بعد النبي (صلّى الله عليه وآله)، وعدم خلو الزمان منه، بالأدلة العقلية والشرعية.
أما الأدلة العقلية، فمنها ما يسمى بقاعدة اللطف الإلهي(2)، ولبيان هذه القاعدة، نقول:
تقتضي قاعدة اللطف إعلام العباد بما فيه صلاحهم وما فيه فسادهم لطفاً بهم، فكلُّ شيء يترتب عليه صلاحهم يرشدهم إليه، وكلُّ شيء فيه فسادهم ينهاهم عنه، ومن هنا اقتضت قاعدة اللطف بعث الرسل والأنبياء ليتم البلاغ على أيديهم، فيبشرون الناس وينذرونهم، ويبلغون لهم الأحكام، فوجود الأنبياء في الأرض يمثل اللطف الإلهي، فعلى هذا يكون كلُّ لطف واجباً فعله.
وبنفس هذا المناط أيضاً نقول: بعد الأنبياء لا يمكن أن تخلو الأرض من حجة لله تعالى في كلّ زمان، ومما لا نقاش فيه أن صلاح البشر يتوقف على وجود

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) راجع أيضاً فيما يرتبط بالأدلة العقلية على وجوب الإمامة كتاب الألفين للعلامة الحلي (رحمه الله تعالى) فقد سرد فيه أكثر من ألف دليل من الأدلة العقلية وغيرها على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام).

(١٥)

إمام يرعاهم في كلّ زمان، عالم بأمورهم، خبير بما يصلحهم وما يفسدهم، وما يقرّبهم إلى الله تعالى، فيتمّ بوجود الإمام نظم أمور الناس، وصلاح شأنهم في الدين والدنيا، فمن هنا قالوا: إن وجود الإمام بين الناس من اللطف الإلهي، فوجوده إذن أمر ضروري، وهذا ما تقتضيه قاعدة اللطف.
وأما كون الإمامة من اللطف الواجب فلا إشكال فيه، لأن الإمام يقرِّب الناس إلى طاعة الله، ويبعدهم عن معصيته بلا إلجاء، ويقيم عليهم الحجة، ويعرفهم التكاليف الشرعية، وهذا ما يفعله الله تعالى بعباده من إرسال الرسل، وإنزال الكتب، وقد اعترف بهذه القاعدة أيضاً الرازي، فقد قال: إن كلّ ما في مقدور الله تعالى من الألطاف في حقّ الكل فقد فعله.. وفعل اللطف واجب...(3)
مزيد بيان وتوضيح
ولتوضيح استدلال الشيعة الإمامية بقاعدة اللطف الإلهي على ضرورة نصب الإمام بعد النبي (صلّى الله عليه وآله) لا بأس أن نورد هنا بعض كلمات الأعلام في بيان هذه القاعدة المهمة وحدودها ومواردها ليقف القارئ الكريم على حقيقة هذه القاعدة.
قال الشيخ المفيد (رحمه الله تعالى): اللطف هو ما يقرّب المكلف معه من الطاعة ويبعده عن المعصية، ولاحظ له في التمكين ولم يبلغ الإلجاء، فإن قيل: ما الدليل على أن اللطف واجب في الحكمة؟ فالجواب: الدليل على وجوبه توقف غرض المكلف عليه، فيكون واجباً في الحكمة، وهو المطلوب.(4)
وقال أيضاً في مبحث الإمامة: فإن قيل: حكمة الله تعالى تقتضي نصب الإمام وتوجبه أم لا؟ فالجواب: الحكمة تقتضي ذلك وتوجبه، فإن قيل: ما حد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(3) راجع التفسير الكبير، الرازي: ٤/ ١١٠، والمحصول، الرازي: ٤/ ١٠٢ - ١٠٣.
(4) النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: ٣٥.

(١٦)

الإمام؟ فالجواب: الإمام هو الإنسان الذي له رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي (عليه السلام).
فإن قيل: ما الدليل على أن الإمامة واجبة في الحكمة؟ فالجواب: الدليل على ذلك أنها لطف، واللطف واجب في الحكمة على الله تعالى فالإمامة واجبة في الحكمة.(5)
اللطف قسمان:
على ضوء تعريف الشيخ المفيد (رحمه الله تعالى) السابق للطف نلاحظ أمراً مهماً في التعريف هو: أن شرط اللطف أن لا يبلغ حدّ الإلجاء، لأنه خلاف التكليف.
ويقول الشيخ الميرزا أبو الحسن الشعراني في بيان هذه المسألة: إن كلَّ مقرب إلى الطاعة ومبعد عن المعصية يجب على الله تعالى إن لم يوجب الجبر والقهر.(6)
وقال الشيخ محمد صالح المازندراني: واعتقادنا أن التكليف من الشارع حسن، إذ خلق الشهوة والميل إلى القبيح، والتكليف زاجر عنه، وكلُّ شيء يقرّب العبد إلى ارتكاب المحاسن ويبعده عن المكاره كبعث الأنبياء، وتأييدهم بالمعجزات، والأمر والنهي، والتخويف من العقاب، والترغيب في الثواب لطف، كما قيل: التكاليف الشرعية ألطاف في الواجبات العقلية.
واعتقادنا أن اللطف واجب في حكمته ورحمته كما قال: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)(7) وشرط اللطف أن لا يبلغ الإلجاء بأن يسبب الأسباب بحيث لا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) نفس المصدر: ٣٩.
(6) راجع: شرح أصول الكافي، محمد صالح المازندراني: ج ٥ هامش: ص ٢٢٦ - ٢٢٩.
(7) سورة الأنعام، الآية: ٥٤.

(١٧)

يتمكن العبد من المعصية، مثلاً لا يجب على الله أن لا يخلق الخمر حتى لا يشربها أحد، أو لا يخلق فيه الشهوة حتى لا يزني، فإن ذلك وإن كان يقرب العبد إلى الطاعة لكن يبلغ حدّ الإلجاء، وهو ينافي التكليف كما قال: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا)(8) يعني بالإلجاء، لكن خيّرهم ولم يجبرهم، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ).(9)
ويجب أيضاً عليه إقدار العبد وتمكينه من الفعل المكلف به، وهذا شرط التكليف، ولا يسمى لطفاً، فإن قيل: نرى كثيراً مما يقرب العبد إلى الطاعة يقيناً لم يحصل، مثلاً لو رأى الفاسق في كلّ يوم معجزة من وليٍّ ربما يرتدع، ولو ابتلى كلُّ فاسق ببلاء بعد عمله ربما انزجر، وأمثال ذلك.
قلنا: جميع ما يتوهم من ذلك، إما أمور غير ممكنة في حكمة الله تعالى، وإما يصير إلى حدّ الإلجاء، وإن لم نعلم تفصيله...(10)
وقال ابن جبر أيضاً في بيان حدّ اللطف في جهة أخرى غير ما ذكر: إن اللطف واجب على الله تعالى من حيث الحكمة وعدله يقتضي ذلك، ولا يماري في ذلك من يقول بالعدل، ولأن اللطف أيضاً لطفان: لطف يؤدي تركه إلى فساد، وذلك يجب فعله على الله تعالى كنصب النبيِّ أو الإمام للخلق يهتدون به، ولطف لا يؤدي تركه إلى فساد، كترك زيد أن يدخله الله الجنة تفضلاً منه وتلطفاً بزيد.(11)
ويقول الشيخ الأميني (رحمه الله تعالى) في بيان هذه القاعدة، وعقيدتنا في الإمامة: الذي نرتأيه في الخلافة أنها إمرة إلهية كالنبوة، وإن كان الرسول خص بالتشريع والوحي الإلهي، وشأن الخليفة التبليغ والبيان، وتفصيل المجمل،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(8) سورة يونس، الآية: ٩٩.
(9) سورة الأنفال، الآية: ٤٢.
(10) نفس المصدر السابق: ١/ ١٢.
(11) نهج الإيمان، ابن جبر: ٣٧.

(١٨)

وتفسير المعضل، وتطبيق الكلمات بمصاديقها، والقتال دون التأويل كما يقاتل النبيُّ دون التنزيل، وإظهار ما لم يتسن للنبيِّ الإشادة به إما لتأخر ظرفه، أو لعدم تهيأ النفوس له، أو لغير ذلك من العلل، فكل منهما داخل في اللطف الإلهي الواجب عليه، بمعنى تقريب العباد إلى الطاعة وتبعيدهم عن المعصية، ولذلك خلقهم واستعبدهم وعلّمهم ما لم يعلموا، فلم يدع البشر كالبهائم ليأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل، ولكن خلقهم ليعرفوه، وليمكنهم من الحصول على مرضاته، وسهّل لهم الطريق إلى ذلك ببعث الرسل، وإنزال الكتب، وتواصل الوحي في الفينة بعد الفينة، وبما أن أيّ نبيّ لم ينط عمره بمنصرم الدنيا، ولا قدّر له البقاء مع الأبد، وللشرايع ظروف مديدة، كما أن للشريعة الخاتمة أمداً لا منتهى له، فإذا مات الرسول ولشريعته إحدى المدتين وفي كلّ منهما نفوس لم تكمل بعد، وأحكام لم تبلغ وإن كانت مشرعة، وأخرى لم تأت ظروفها، ومواليد قدر تأخير تكوينها، ليس من المعقول بعد أن تترك الأمة سدى والحالة هذه، والناس كلهم في شمول ذلك اللطف، والواجب عليه سبحانه شرع سواء، فيجب عليه جلّت عظمته أن يقيض لهم من يكمل الشريعة ببيانه، ويزيح شبه الملحدين ببرهانه، ويجلو ظلم الجهل بعرفانه، ويدرأ عن الدين عادية أعدائه بسيفه وسنانه، ويقيم الأمت والعوج بيده ولسانه.
ومهما كان للمولى جلّت مننه عناية بعبيده، وقد ألزم نفسه بإسداء البر إليهم، وأن لا يوليهم إلا الخير والسعادة، فعليه أن يختار لهم من ينوء بذلك العبء الثقيل، ويمثل مخلفه الرسول في الوظايف كلها، فينص عليه بلسان ذلك النبيّ المبعوث، ولا يجوز أن يخلي سربهم، ويتركهم سدى، ألا ترى أن عبد الله بن عمر قال لأبيه: إن الناس يتحدثون أنك غير مستخلف، ولو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثم جاء وترك رعيته رأيت أن قد فرّط - لرأيت أن قد ضيّع - ورعاية الناس أشد من رعاية الإبل والغنم، ماذا تقول لله (عزَّ وجلَّ) إذا لقيته ولم تستخلف على عباده؟!.(12)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(12) صحيح مسلم: ٦/ ٥، السنن الكبرى، البيهقي: ٨/ ١٤٩، سيرة عمر، ابن الجوزي: ١٩٠، المصنف، الصنعاني: ٥/ ٤٤٩، فتح الباري، ابن حجر: ١٣/ ١٧٧.

(١٩)

وقالت عائشة لابن عمر: يا بني أبلغ عمر سلامي وقل له: لا تدع أمة محمد بلا راعٍ، استخلف عليهم، ولا تدعهم بعدك هملاً، فإني أخشى عليهم الفتنة.(13)
فترك الناس مهملين فيه خشية الفتنة عليهم، وقال عبد الله بن عمر لأبيه: لو استخلفت؟ قال: من؟ قال: تجتهد فإنك لست لهم برب، تجتهد، أرأيت لو أنك بعثت إلى قيّم أرضك ألم تكن تحب أن يستخلف مكانه حتى يرجع إلى الأرض؟ قال: بلى. قال: أرأيت لو بعثت إلى راعي غنمك ألم تكن تحب أن يستخلف رجلاً حتى يرجع؟.(14)
وهذا معاوية بن أبي سفيان يتمسك بهذا الحكم العقلي المسلم في استخلاف يزيد، ويقول: إني أرهب أن أدع أمة محمد بعدي كالضأن لا راعي لها!.(15)
ليت شعري هذا الدليل العقلي المتسالم عليه لِمَ أهملته الأمة في استخلاف النبيّ الأعظم واتهمته بالصفح عنه؟ أنا لا أدري، ولا يجوز أيضاً توكيل الأمر إلى أفراد الأمة، أو إلى أهل الحل والعقد منهم، لأن مما أوجبه العقل السليم أن يكون الإمام مكتنفاً بشرايط بعضها من النفسيات الخفية، والملكات التي لا يعلمها إلا العالم بالسرائر كالعصمة والقداسة الروحية، والنزاهة النفسية لتبعده عن الأهواء والشهوات، والعلم الذي لا يضل معه في شيء من الأحكام إلى كثير من الأوصاف التي تقوم بها النفس، ولا يظهر في الخارج منها إلا جزئيات من المستصعب الحكم باستقرائها على ثبوت كلياتها، (وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ)(16) والله يعلم حيث يجعل رسالته.(17)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(13) الإمامة والسياسة، ابن قتيبة: ١/ ٢٨.
(14) الطبقات الكبرى، ابن سعد: ٣ / ٣٤٣، المعجم الأوسط، الطبراني: ٢/ ٨٤.
(15) تاريخ الطبري: ٤/ ٢٢٦، الإمامة والسياسة، ابن قتيبة: ١/ ١٥٩.
(16) سورة القصص، الآية: ٦٩.
(17) الغدير، الشيخ الأميني: ٧ / ١٣١ - ١٣٣.

(٢٠)

إذن فمن هذا المنطلق تحكم الضرورة العقلية بعدم جواز إهمال أمر الإمامة عند الشارع المقدس، فإن الشريعة التي بينت الكثير من المستحبات والآداب، وهي أمور دون الواجبات، وكذلك بينت الكثير من المكروهات وهي دون المحرمات، إذن لا يمكن أن تغفل أهم بند من بنود الشريعة، والتي يتوقف عليه نظام البشر وصلاحهم، وهي الإمامة، كما تبانت على ذلك أيضاً سيرة العقلاء المستمرة إلى يومنا هذا في جميع أمورهم الضرورية، فقد دأبوا في سيرتهم على تنصيب من يتولى الأمور عنهم في حال غيابهم حفظاً لها من الضياع والإهمال.
الثاني: الدليل الشرعي (الإمامة في القرآن والسنة الشريفة)
تناول القرآن الكريم موضوع الإمامة في عدة من الآيات الشريفة، وقد أشبع علماء الطائفة البحث فيها وبينوا دلالتها على إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بما لا مزيد عليه، فراجع على سبيل المثال: كتاب الشافي للشريف المرتضى، وكتاب نهج الحق وكشف الصدق للعلامة الحلي، وكتاب المراجعات للسيد شرف الدين العاملي، وكتاب دلائل الصدق للشيخ المظفر، وكتاب إحقاق الحق وملحقاته للسيد المرعشي، وغيرها الكثير جداً.
وأما السنة الشريفة فقد بينت بما لا مزيد عليه، وقد تضافرت في ذلك النصوص الشريفة في مواطن عديدة أن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لم يمت حتى نصّ على الخليفة من بعده، وهو علي أمير المؤمنين (عليه السلام) إماماً للأمة من بعده(18) في عدة مواطن، ابتداءً من يوم الدار لما نزل قوله تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)(19)...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(18) راجع: نفس المصادر التي ذكرناها آنفاً.
(19) سورة الشعراء، الآية: ٢١٤. وممن روى ذلك تاريخ الطبري: ٢/ ٦٢ - ٦٣، بالإسناد عن عبد الله بن عباس، عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) دعاني رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) فقال لي: يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين إلى أن ذكر دعوته لبني عبد المطلب وهم أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب.. وساق الحديث إلى أن قال: ثم تكلم رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) فقال: يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت وإني لأحدثهم سناً، وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي ثم قال: إن هذا أخي ووصيي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا، قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.

(٢١)

ومروراً بيوم خروجه إلى تبوك(20) ويوم الغدير بعد حجة الوداع حينما خطب فيهم في مكان يقال له: غدير خمّ(21) وقال لهم وقد أخذ بيد أمير المؤمنين (عليه السلام): من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله(22)، وانتهاءً بأيام مرضه في آخر أيام حياته، وهو لا يزال يذكّرهم بخليفته عليهم، قائلاً لهم: ائتوني بكتاب أكتب لكم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(20) وذلك حينما قال له (صلّى الله عليه وآله): (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي). راجع: صحيح البخاري: ٥/ ١٢٩، صحيح مسلم: ٧/ ١٢٠ - ١٢١، وجاء في رواية الحاكم مثله بزيادة.. فإن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. راجع: المستدرك، الحاكم: ٢/ ٣٣٧ و٣ / ١٠٩ و١٣٣.
(21) راجع: كتاب الغدير للعلامة الأميني فقد أشبع البحث في حديث الغدير سنداً ودلالة من طرق جمهور المسلمين، كما تناول شعراء الغدير من القرن الأول حتى نهاية القرن الثاني عشر.
(22) راجع: مسند أحمد بن حنبل: ١/ ١١٨ - ١١٩، المعجم الكبير، الطبراني: ٤/ ١٧، و٥/ ١٩٢، المستدرك، الحاكم النيسابوري: ٣/ ١٠٩، ذكره مختصراً وصححه، وص١١٦، تأريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ٤٢/ ٢٠٧ - ٢١٢، مجمع الزوائد، الهيثمي: ٩/ ١٠٤، شواهد التنزيل، الحاكم الحسكاني: ١/ ٢٠١ ح٢١١.

(٢٢)

كتاباً لن تضلوا بعده أبداً...(23)
فأراد للأمة أن يعصمها من الضلال إلى الأبد بهذا الكتاب ليكون دستوراً شرعياً لجميع الأمة، وللأجيال القادمة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولكن جرى ما لم يكن في الحسبان (رزية يوم الخميس) كما يسميها ابن عباس، نعم رزية خلّفت في قلب النبي (صلّى الله عليه وآله) أسى وكمداً على هذه الأمة التي يريد لها خير الدنيا والآخرة، ولكن عارضه بعضهم فحال بينه وبين كتابة الكتاب، بطريقته الخاصة، واختصر ذلك كله بعبارة واحدة.. (إنه يهجر) وهي كفيلة لأن تغيِّر مجرى التأريخ كله، وبذلك يكونون قد قرَّروا مصير أمة كاملة، وبجميع أجيالها السابقة واللاحقة، فرسموا لها خطة تسير عليها أحقاب الزمان، شعارها (حسبنا كتاب الله) أفترى بعد هذا المجلس يوصيهم بوصية، وقد قالوا ما قالوا حتى رفضوا كتابة الكتاب!!
ومن هنا أصبح ابن عباس يتأسف ويتأوه لذلك حتى بلّت دموعه الحصى، قائلاً: الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم.(24)
فالعجب كلّ العجب حينما يهمُّ النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) بالوصية بالخلفاء من بعده، يحصل ما يحصل من النزاع والاختلاف بمحضره الشريف حتى تتعالى الأصوات بين يديه، وقد نهاهم القرآن عن ذلك، وقد حكم بحبط عمل من يرفع صوته فوق صوت النبي (صلّى الله عليه وآله)، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ).(25)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(23) صحيح البخاري: ٤/ ٣١، و٥ / ١٣٧.
(24) صحيح البخاري: ٧/ ٩، و٨/ ١٦١.
(25) سورة الحجرات، الآية: ٢.

(٢٣)

فكيف إذن بمخالفته وأذيته، هذا وقد حذّرهم القرآن من ذلك، وتوعدهم، قال تعالى: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(26) وقال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).(27)
إلى غير ذلك من الآيات الشريفة التي جاءت تحذرهم من مخالفته، وترغّب إليهم في اتباعه، وتأمرهم بالتأدب بين يديه، وإظهار الإحترام والتعظيم له، وغير ذلك مما أوجبه الله له من الحقوق، ليكونوا من المؤمنين المفلحين قال تعالى: (فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(28) فقد جاء في التفسير: (وَعَزَّرُوهُ) أي: عظّموه، ووقّروه، ومنعوا عنه أعداءه...(29)
فما جرى بمحضر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أمر لا يليق بشأنه العظيم عند الله تعالى، ويخالف ما افترضه عليهم من الطاعة والمودة، والتسليم له والانقياد التام، وهذا أمر غير قابل للاجتهاد في قباله أو إنكاره! كما لا يسوغ على الإطلاق تبرئة من تسبب في حصول ذلك النزاع الذي لا مبرر له فحدث ما حدث بسببه، فهو الذي يتحمل المسؤولية الكاملة فيما جرى وترتب عليه من أمور لم تُحمد عقباها!!.
قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)(30) وقال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(26) سورة النور، الآية: ٦٣.
(27) سورة آل عمران، الآية: ٣١.
(28) سورة الأعراف، الآية: ١٥٧.
(29) مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ٤/ ٣٧٤، تفسير القرطبي: ٧/ ٣٠١.
(30) سورة الأحزاب، الآية: ٣٦.

(٢٤)

تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)(31) وقال تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا).(32)
ولكن جرى ما جرى وحصل ما حصل بمحضر النبي (صلّى الله عليه وآله) في أيامه الأخيرة مع ما هو فيه من ألم المرض وثقله، فرفعوا الأصوات بمحضره، وتنازعوا فيما بينهم، حتى حيل بينه وبين كتابة الكتاب، فكانت الرزية العظمى، والمصيبة الكبرى.
ومتى كان لأحد الحق في أن يفرض على الأمة شيئاً بمحضر النبي (صلّى الله عليه وآله)، وينهاهم عن الرجوع إليه ويقول: (حسبنا كتاب الله)؟!
ويذكرنا هذا اللغط وهذا الاختلاف أيضاً بما حصل في حجة الوداع في قصة حديث (يكون بعدي اثنا عشر خليفة) فقد حدث أيضاً لغط وضجة من بعضهم، حينما أخذ النبي (صلّى الله عليه وآله) يتلو عليهم هذا الحديث فتعالت أصوات بعضهم وحدث ما حدث حتى خفي صوت النبي (صلّى الله عليه وآله) على الراوي، فلم يسمع تتمة الحديث، وسوف تأتي الإشارة إلى هذا الأمر في محله إن شاء الله تعالى، فإذن هذا اللغط الذي حصل بين يديه ليس هو الأول من نوعه!
ولعل قوله تعالى: (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(33) إشارة إلى هؤلاء الناس - كما في بعض الروايات - الذين أخذوا على أنفسهم معارضة النبي (صلّى الله عليه وآله) كلما أراد أن ينص على الخليفة من بعده انبروا له بالمعارضة والمقاطعة!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(31) سورة النساء، الآية: ٦٥.
(32) سورة النساء، الآية: ٦٩.
(33) سورة المائدة، الآية: ٦٧.

(٢٥)

فإن هذه الآية نزلت في غدير خم في علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد روى ذلك أيضاً جملة من أعلام السنة.(34)
فما هو هذا الأمر العظيم والخطير الذي يريد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) تبليغه للناس؟ فجاء الوحي يبلغه بأن الله تعالى سوف يحميه ويعصمه من هؤلاء الناس، فلا يخاف تدبيرهم! إنه إذن أمر استخلاف علي (عليه السلام) على الناس، ووجدنا من ناحية أخرى يحذره قائلاً: (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) وقد وقال السيوطي في الدر المنثور: ٢/ ٦٠: وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب (رضي الله عنه).
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) إن عليًّا مولى المؤمنين (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).
وممن روى ذلك أيضاً أبو إسحاق الثعلبي النيسابوري (المتوفى سنة ٤٢٧) في تفسيره الكشف والبيان: ٤/ ٩٢، والحافظ أبو نعيم الأصبهاني (المتوفى سنة ٤٣٠) في كتابه ما نزل من القرآن في علي (عليه السلام)، والحافظ أبو القاسم ابن عساكر الشافعي (المتوفى سنة ٥٧١) في تأريخ مدينة دمشق: ٤٢/ ٢٣٧، وغيرهم، راجع كتاب الغدير للعلامة الأميني: ١/ ٢١٤ - ٢٢٤.
مضى على التبليغ نحو ثلاث وعشرين سنة؟!
وفي الروايات ما يشير لهؤلاء الناس الذين تخوف النبي (صلّى الله عليه وآله) من ردود فعلهم، فممن روى ذلك الحافظ الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل لقواعد التفضيل بإسناده عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس وجابر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(34) فقد روى أبو الحسن الواحدي النيسابوري (ت ٤٦٨) في أسباب النزول: ١٣٥: عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية يوم غدير خم في علي بن أبي طالب (رضي الله عنه).

(٢٦)

الأنصاري قالا: أمر الله محمداً أن ينصب علياً للناس ليخبرهم بولايته، فتخوَّف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أن يقولوا: حابى ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلك عليه، فأوحى الله إليه: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) الآية، فقام رسول الله بولايته يوم غدير خم.(35)
ومن ذلك أيضاً ما روي عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) في هذه الآية، وساق الحديث إلى أن قال: ثم هبط - أي جبرئيل (عليه السلام) - فقال: إن الله يأمرك أن تدل أمتك على وليّهم على مثل ما دللتهم عليه من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وحجهم ليلزمهم الحجة في جميع ذلك، فقال رسول الله: يا ربّ إن قومي قريبو عهد بالجاهلية وفيهم تنافس وفخر، وما منهم رجل إلا وقد وتره وليهم وإني أخاف! فأنزل الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) يريد: فما بلغتها تامة (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فلما ضمن الله له بالعصمة وخوفه أخذ بيد علي بن أبي طالب ثم قال: يا أيها الناس من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه...(36)
قال العلامة الأميني (رحمه الله تعالى): وعن قتادة: أنه سيكفيه الناس ويعصمه منهم وأمره بالبلاغ، وهو أيضاً غير مضاد لما نقوله إذ ليس فيه غير أن الله سبحانه ضمن له العصمة والكفاية في تبليغ أمر كان يحاذر فيه اختلاف أمته ومناكرتهم له، ولا يمتنع أن يكون ذلك الأمر هو نص الغدير، ويتعين ذلك بنص هذه الأحاديث..
وروى الطبري عن ابن جريج: أن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) كان يهاب قريشاً، فلما نزلت: (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) استلقى ثم قال: من شاء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(35) شواهد التنزيل، الحاكم الحسكاني: ١/ ٢٥٥ - ٢٥٦ ح٢٤٩.
(36) شواهد التنزيل، الحاكم الحسكاني: ١/ ٢٥٣ح٢٤٨.

(٢٧)

فليخذلني، مرتين أو ثلاثاً.(37)
وأي وازع من أن يكون الأمر الذي كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يهاب قريشاً لأجله هو نص الخلافة؟ كما فصَّلته الأحاديث الآنفة، فليس هو بمضاد لما نقوله!.(38)
أقول: وقد روي في الأحاديث أيضاً أن النبي (صلّى الله عليه وآله) لما نصّب علياً إماماً يوم غدير خمّ عارضه بعضهم لما بلغه ذلك! فقد روى الثعلبي في التفسير، قال: سئل سفيان بن عيينة عن قول الله سبحانه: (سَأَلَ سَائِلٌ)(39) فيمن نزلت؟ فقال: لقد سألتني عن مسألة ما سألني أحد قبلك، حدثني أبي، عن جعفر بن محمد، عن آبائه، فقال: لما كان رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) بغدير خم، نادى بالناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.
فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحرث بن النعمان الفهري، فأتى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) على ناقة له حتى أتى الأبطح، فنزل عن ناقته وأناخها وعقلها، ثم أتى النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) وهو في ملأ من أصحابه فقال: يا محمد، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله فقبلناه منك، وأمرتنا أن نصلي خمساً فقبلناه منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا، وأمرتنا بالحج فقبلنا، وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلنا، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أم من الله تعالى؟! فقال: والذي لا إله إلا هو هذا من الله، فولى الحرث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقوله حقاً فأمطر علينا حجارة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(37) جامع البيان، ابن جرير الطبري: ٦/ ٤١٦، الدر المنثور، السيوطي: ٢/ ٢٩٩.
(38) الغدير، الأميني: ١/ ٢٢٤ - ٢٢٥.
(39) سورة المعارج، الآية: ١.

(٢٨)

من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته، وخرج من دبره فقتله، وأنزل الله سبحانه: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ، لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ).(40)
حديث رزية الخميس في مصادر السنة
وإليك هنا حديث النبي (صلّى الله عليه وآله) في مرضه، والذي أمرهم فيه بكتابة الكتاب العاصم للأمة من الضلال كما جاء في مصادر السنة لكي ترى صحة ما قدّمناه، واحكم بنفسك:
روى البخاري في صحيحه عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (رضي الله عنهما) أنه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم بكى حتى خضّب دمعُه الحصباء فقال: اشتدّ برسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) وجعُه يوم الخميس، فقال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: هجر رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قال: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه.(41)
وعن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: لما حضر رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده، فقال عمر: إن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(40) تفسير الثعلبي: ١٠/ ٣٥، تفسير القرطبي: ١٨/ ٢٧٨ - ٢٧٩، نظم درر السمطين، الزرندي الحنفي: ٩٣، تفسير أبي السعود: ٩/ ٢٩, تفسير الآلوسي: ٢٩/٥٥، فيض القدير، المناوي: ٦/ ٢٨٢، رقم: ٩٠٠٠.
(41) صحيح البخاري: ٤/ ٣١، و٥/ ١٣٧.

(٢٩)

يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): قوموا.(42)
قال عبيد الله: وكان ابن عباس يقول: إن الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم.(43)
وجاء أيضاً في صحيح مسلم عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): ائتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فقالوا: إن رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) يهجر.(44)
وفي رواية ابن سعد في الطبقات: عن ابن عباس قال: اشتكى النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) يوم الخميس فجعل يعني ابن عباس يبكي ويقول: يوم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(42) ربما يقال: من المفترض أن القوم أذعنوا لأمر النبي (صلّى الله عليه وآله) لما أمرهم بالخروج من عنده لما حدث ما حدث! فقال لهم: قوموا عني..، ومن الواضح أن القوم حملوا كلام النبي (صلّى الله عليه وآله) هنا على الجد فسارعوا للخروج من داره امتثالاً لأمره، خصوصاً وقد حقّقوا ما يريدونه من عدم كتابة الكتاب، فمن غير المناسب لهم أن يصرّوا على مخالفته والجلوس عنده وهو كاره لبقائهم، فإذا افترضنا هذا! فهو إذن من المفارقات عند القوم إذ كيف حمل هؤلاء كلام النبي (صلّى الله عليه وآله) حينما أمرهم بالخروج من عنده، على الوعي التام والجد والإدراك فقاموا من عنده وتركوه، بينما حملوا كلامه الأول حينما قال لهم: (هلم أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده) على الهجر وغلبة الوجع الذي هو الهذيان! ألا تجد في ذلك مفارقة؟! مع أن المتكلم واحد في مجلس واحد وفي وقت واحد!!. وعليك تفسير ذلك..
(43) صحيح البخاري: ٧/ ٩، و٨/ ١٦١.
(44) صحيح مسلم: ٥ /٧٦.

(٣٠)

الخميس وما يوم الخميس! اشتدّ بالنبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) وجعه، فقال: ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً، قال: فقال بعض من كان عنده: إنَّ نبي الله ليهجر، قال: فقيل له: ألا نأتيك بما طلبت؟ قال: أو بعد ماذا! قال: فلم يدع به.(45)
وجاء في رواية أحمد: عن أبي الزبير، عن جابر أن النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً لا يضلون بعده، قال: فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها.(46)
فقوله: (ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً) فيه دلالة واضحة على أن المراد بالكتاب هو النص على خلافة أهل بيته وعترته (عليهم السلام)، وأولهم علي بن أبي طالب (عليه السلام).(47)
ويؤيد ذلك: أولاً: ما ظهر من معارضته الشديدة، فإنه يكشف عن فهمهم هذا الأمر جيداً، وإلا لماذا إذن عارضوا النبيَّ (صلّى الله عليه وآله) وأصرّوا على مخالفة أمره حتى ترك الكتاب، فما هو هذا الشيء الذي دعاهم لمخالفته، وقد أمرهم الله تعالى باتباعه وطاعته؟
ثانياً: إن التعبير بهذا اللفظ (لا تضلوا بعده أبداً) ليس هو الأول من نوعه، بل جاء مثله مراراً على لسان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومن سياق هذا الحديث نفهم أنه يريد بذلك أهل بيته (عليهم السلام)، إذ لم يعهد منه (صلى الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(45) الطبقات الكبرى، ابن سعد: ٢/ ٢٤٢.
(46) مسند أحمد بن حنبل: ٣/ ٣٤٦.
(47) هذا وقد فهم أيضاً سفيان بن عيينة أن هذا الكتاب يرمي إلى النص على أسماء الخلفاء من بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، كما جاء في كتاب فتح الباري، لابن حجر: ١/ ١٨٦، قال: وقيل: بل أراد أن ينص على أسامي الخلفاء بعده حتى لا يقع بينهم الاختلاف، قاله سفيان بن عيينة.

(٣١)

عليه وآله) قط أنه ذكر هذه الألفاظ بهذا النحو في غير أهل بيته (عليهم السلام)، فقد نص على أن التمسك بهم عاصم للأمة من الضلال، ولم يذكر غيرهم في ذلك أبداً.
فقد جاء في حديث الثقلين(48)، كلمة (لن تضلوا) وذلك حينما أمر بالتمسك بأهل بيته (عليهم السلام) الذين هم أحد الثقلين، فقال: (يا أيها الناس إني تركت فيكم من [ما] إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي).(49)
ولكي تقف على هذه الحقيقة عليك بمراجعة هذا الحديث بمختلف ألفاظه، وقارن بينه وبين الحديث الأول الذي ذكرناه سابقاً، وستقف على حقيقة الأمر، وأنهما من واد واحد، ومن هنا فهم هذا المعنى من عارض كتابة الكتاب، وأصر على منع النبيّ (صلّى الله عليه وآله) من ذلك، فإن هذا الحديث وأمثاله سمعوه منه مراراً.
والجدير بالذكر أيضاً أنه جاء في بعض روايات حديث الثقلين، التصريح بذكر علي (عليه السلام)، كما في رواية الحاكم في المستدرك: إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض، ثم قال: إن الله (عزَّ وجلَّ) مولاي، وأنا مولى كلّ مؤمن، ثم أخذ بيد علي (رضي الله عنه) فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه.
قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.(50)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(48) وسوف يأتي في محله قريباً.
(49) سنن الترمذي: ٥ / ٣٢٧ - ٣٢٨ ح٣٨٧٤.
(50) المستدرك، الحاكم النيسابوري: ٣/ ١٠٩.

(٣٢)

إمامة أهل البيت (عليهم السلام) في الأحاديث الشريفة
الأدلة على إمامة أهل البيت (عليهم السلام) من الأحاديث الشريفة كثيرة جداً، وسوف نذكر جملة منها من كتب ومصادر السنة، وإليك هنا ما يلي:
١ - حديث الثقلين:
حديث الثقلين من الأحاديث المتواترة، وقد جاء بأسانيد وطرق كثيرة جداً في كتب الحديث عند جمهور المسلمين، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقد اعترف بذلك ابن حجر الهيتمي، قال بعدما أورد حديث الثقلين: ثم اعلم أن لحديث التمسك طرقاً كثيرة، وردت عن نيف وعشرين صحابياً، ومرّ له طرق مبسوطة في حادي عشر الشبه، وفي بعض تلك الطرق أنه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة، وفي أخرى أنه قاله بالمدينة في مرضه، وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفي أخرى أنه قال ذلك بغدير خم، وفي أخرى أنه قال ذلك لما قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف كما مر، ولا تنافي إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها، اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة.(51)
وقال المناوي بعدما أورد الحديث عن مسند أحمد بن حنبل، والطبراني: عن زيد بن ثابت، قال الهيثمي: رجاله موثقون، ورواه أيضاً أبو يعلى بسند لا بأس به، والحافظ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(51) الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي: ١٥٠، أواخر الفصل الأول من الباب الحادي عشر (الآية الرابعة).

(٣٣)

عبد العزيز بن الأخضر وزاد أنه قال في حجة الوداع، ووهم من زعم وضعه كابن الجوزي، قال السمهودي: وفي الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة.(52)
وإليك هنا بعض ألفاظ الحديث الشريف:
روى أحمد في مسنده: عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): إني تارك فيكم خليفتين، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، أو ما بين السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض.(53)
قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد وإسناده جيد.(54)
ورواه الطبراني أيضاً عن زيد بن ثابت مثله(55) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات.(56)
وجاء في رواية الطبراني: عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): إني تارك فيكم الثقلين من بعدي كتاب الله (عزَّ وجلَّ)، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض.(57)
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): إني خلّفت فيكم اثنين لن تضلوا بعدهما أبداً، كتاب الله ونسبي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض. رواه البزار.(58)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(52) فيض القدير، المناوي: ٣/ ٢٠.
(53) مسند أحمد بن حنبل: ٥ / ١٨١ - ١٨٢.
(54) مجمع الزوائد، الهيثمي: ٩ /١٦٢ - ١٦٣.
(55) المعجم الكبير، الطبراني: ٥ / ١٥٣ - ١٥٤ ح٤٩٢١ وح ٤٩٢٢.
(56) مجمع الزوائد، الهيثمي: ١/١٧٠.
(57) المعجم الكبير، الطبراني: ٥ / ١٥٤ ح٤٩٢٣.
(58) مجمع الزوائد، الهيثمي: ٩ /١٦٣.

(٣٤)

ورواه الترمذي بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي.
قال: وفي الباب عن أبي ذر، وأبي سعيد، وزيد بن أرقم، وحذيفة بن أسيد. هذا حديث غريب حسن من هذا الوجه.(59)
وروى الترمذي أيضاً عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي; أحدهما أعظم من الآخر ; كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.
قال: هذا حديث حسن غريب.(60)
وروى الحاكم النيسابوري أيضاً بإسناده عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن، فقال: كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض، ثم قال: إن الله (عزَّ وجلَّ) مولاي، وأنا مولى كلّ مؤمن، ثم أخذ بيد علي (رضي الله عنه) فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.. وذكر الحديث بطوله.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله.
(شاهده) حديث سلمة بن كهيل، عن أبي الطفيل أيضاً صحيح على شرطهما.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(59) سنن الترمذي: ٥ / ٣٢٧ - ٣٢٨ ح٣٨٧٤.
(60) سنن الترمذي: ٥/ ٣٢٨ - ٣٢٩ ح٣٨٧٦.

(٣٥)

ورواه أيضاً عن ابن واثلة أنه سمع زيد بن أرقم يقول: نزل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بين مكة والمدينة عند شجرات خمس دوحات عظام، فكنس الناس ما تحت الشجرات، ثم راح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عشية فصلى، ثم قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، وذكَّر ووعظ، فقال ما شاء الله أن يقول، ثم قال: أيها الناس، إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن اتبعتموهما، وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي، ثم قال: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ ثلاث مرات، قالوا: نعم، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من كنت مولاه فعليٌّ مولاه.
قال: وحديث بريدة الأسلمي صحيح على شرط الشيخين.(61)
وروى الطبراني بإسناده عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): إني لكم فرط، وإنكم واردون عليَّ الحوض، عرضه ما بين صنعاء إلى بصرى، فيه عدد الكواكب من قدحان الذهب والفضة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين، فقام رجل فقال: يا رسول الله وما الثقلان؟ فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به لن تزالوا ولا تضلوا، والأصغر عترتي، وإنهم لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، وسألت لهما ذاك ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تعلِّموهما فإنهما أعلم منكم.(62)
وجاء في لفظ آخر عن الطبراني عن زيد بن أرقم: وإن اللطيف الخبير نبّأني أنهما لن يتفرّقا حتى يردا عليَّ الحوض، وسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، ثم أخذ بيد علي (رضي الله عنه) فقال: من كنت أولى به من نفسي فعليٌ وليّهُ، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه.(63)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(61) المستدرك، الحاكم النيسابوري: ٣/ ١٠٩ - ١١٠، وراجع أيضاً: ص٥٣٣.
(62) المعجم الكبير، الطبراني: ٣/ ٦٦ ح٢٦٨١، الدر المنثور، السيوطي: ٢/ ٦٠.
(63) المعجم الكبير، الطبراني: ٥/١٦٦ - ١٦٧، كنز العمال، المتقي الهندي: ١/ ١٨٨ ح٩٥٧، مجمع الزوائد، الهيثمي: ٩/ ١٦٣ - ١٦٤.

(٣٦)

وقال السيوطي: وأخرج ابن سعد وأحمد والطبراني عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): أيها الناس إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي، أمرين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرَّقا حتى يردا عليَّ الحوض.(64)
إلى غير ذلك من ألفاظ هذا الحديث المتواتر الذي لا يمكن لأحد أن ينكره أو يرده!.
معنى الحديث
أقول: هل تجد أصرح وأبلغ من هذا الحديث المتواتر، الذي هو نص صريح في إمامة عترة النبي (صلّى الله عليه وآله)، وأولهم سيد العترة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقد نصّ على أنّ التمسك بالكتاب والعترة عاصمان من الضلال، ومن لم يتمسك بهما وقع في الضلال.
قال السيد شرف الدين في كتابه المراجعات(65): على أن المفهوم من قوله: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي، إنما هو ضلال من لم يستمسك بهما معاً كما لا يخفى، ويؤيد ذلك قوله (صلّى الله عليه وآله) في حديث الثقلين عند الطبراني: فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم.(66)
وقال ابن حجر: وفي قوله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): (لا تقدموهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم) دليل على أن من تأهل منهم للمراتب العلية، والوظائف الدينية، كان مقدماً على غيره.. إلى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(64) الدر المنثور، السيوطي: ٢/ ٦٠.
(65) المراجعات، السيد شرف الدين العاملي: ٧٥.
(66) المعجم الكبير، الطبراني: ٥/ ١٦٧.

(٣٧)

آخر كلامه.(67)
وقال ابن حجر أيضاً في معنى حديث الثقلين: (تنبيه) سمى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) القرآن وعترته، وهي بالمثناة الفوقية، الأهل والنسل والرهط الأدنون ثقلين، لأن الثقل كلّ نفيس خطير مصون، وهذان كذلك إذ كلّ منهما معدن للعلوم اللدنية، والأسرار والحكم العلية، والأحكام الشرعية، ولذا حث (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) على الاقتداء والتمسك بهم والتعلم منهم، وقال: الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت.
وقيل: سميا ثقلين، لثقل وجوب رعاية حقوقهما، ثم الذين وقع الحث عليهم منهم إنما هم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض، ويؤيده الخبر السابق: (ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم) وتميزوا بذلك عن بقية العلماء، لأن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وشرفهم بالكرامات الباهرة، والمزايا المتكاثرة، وقد مر بعضها.(68)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(67) الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي: ٢٢٩.
جاء في هامش المراجعات: فراجعه في باب وصية النبي بهم ص ٢٢٧ من الصواعق، ثم سله لماذا قدم الأشعري عليهم في أصول الدين، والفقهاء الأربعة في الفروع، وكيف قدم في الحديث عليهم عمران بن حطان وأمثاله من الخوارج، وقدّم في التفسير عليهم مقاتل بن سليمان المرجئ المجسم، وقدم في علم الأخلاق والسلوك وأدواء النفس وعلاجها معروفاً وأضرابه، وكيف أخّر في الخلافة العامة والنيابة عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أخاه، ووليه الذي لا يؤدي عنه سواه، ثم قدّم فيها أبناء الوزغ على أبناء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ومن أعرض عن العترة الطاهرة في كل ما ذكرناه من المراتب العلية، والوظائف الدينية، واقتفى فيها مخالفيهم فما عسى أن يصنع بصحاح الثقلين وأمثالها، وكيف يتسنى له القول بأنه متمسك بالعترة، وراكب سفينتها، وداخل باب حطتها!!.
(68) الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي: ١٥١، الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم (عليهم السلام)، الآية الرابعة).

(٣٨)

وقال المناوي من أعلام السنة في شرح الحديث في كتابه فيض القدير: (إني تارك فيكم) بعد وفاتي (خليفتين) زاد في رواية أحدهما أكبر من الآخر، وفي رواية بدل خليفتين (ثقلين)، سماهما به لعظم شأنهما (كتاب الله) القرآن (حبل) أي هو حبل (ممدود ما بين السماء والأرض) قيل: أراد به عهده، وقيل السبب الموصل إلى رضاه (وعترتي) بمثناة فوقية (أهل بيتي) تفصيل بعد إجمال بدلاً أو بياناً، وهم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
وقيل: من حرمت عليه الزكاة ورجحه القرطبي، يعني إن ائتمرتم بأوامر كتابه، وانتهيتم بنواهيه، واهتديتم بهدي عترتي، واقتديتم بسيرتهم اهتديتم فلم تضلوا.
قال القرطبي: وهذه الوصية، وهذا التأكيد العظيم يقتضي وجوب احترام أهله، وإبرارهم، وتوقيرهم، ومحبتهم، ووجوب الفروض المؤكدة التي لا عذر لأحد في التخلف عنها، هذا مع ما علم من خصوصيتهم بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبأنهم جزء منه، فإنهم أصوله التي نشأ عنها، وفروعه التي نشأوا عنه، كما قال: فاطمة بضعة مني، ومع ذلك فقابل بنو أمية عظيم هذه الحقوق بالمخالفة والعقوق، فسفكوا من أهل البيت دماءهم، وسبوا نساءهم، وأسروا صغارهم، وخرّبوا ديارهم، وجحدوا شرفهم وفضلهم، واستباحوا سبهم ولعنهم، فخالفوا المصطفى (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) في وصيته، وقابلوه بنقيض مقصوده وأمنيته، فواخجلهم إذا وقفوا بين يديه، ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه!!
(وإنهما) أي والحال أنهما، وفي رواية: أن اللطيف أخبرني أنهما (لن يفترقا) أي الكتاب والعترة أي يستمرا متلازمين (حتى يردا على الحوض) أي الكوثر يوم القيامة، زاد في رواية: كهاتين، وأشار بأصبعيه، وفي هذا مع قوله
أولا: إني تارك فيكم، تلويح بل تصريح بأنهما كتوأمين، خلفهما ووصى أمته بحسن معاملتهما، وإيثار حقهما على أنفسهما واستمساك بهما في الدين.

(٣٩)

أما الكتاب: فلأنه معدن العلوم الدينية، والأسرار والحكم الشرعية، وكنوز الحقائق، وخفايا الدقائق.
وأما العترة: فلأن العنصر إذا طاب أعان على فهم الدين، فطيب العنصر يؤدي إلى حسن الأخلاق، ومحاسنها تؤدي إلى صفاء القلب ونزاهته وطهارته....(69)
ونعم ما قيل:

إليكم وإلا لا تشد الركائبُ * * * ومنكم وإلا لا تنال الرغائبُ
وعنكم وإلا فالحديثُ مزخرفٌ * * * وفيكم وإلا فالمحدثُ كاذبُ

اقترانهم بالقرآن الكريم
ومن الحجج الدامغة التي ينص عليها حديث الثقلين، هو: اقترانهم بالقرآن الكريم الدستور السماوي الذي جعله الله تعالى مصدراً للتشريع الإسلامي، ولو لم يكن أهل البيت (عليهم السلام) حجة على البشر كالقرآن لما قرنهم النبي (صلّى الله عليه وآله) به، وجعلهم عدله وفي عرض واحد، فعلى هذا لا يسوغ الاستغناء عن العترة بحال، وكذلك لو كان الكتاب وحده يغني عن العترة في الدين لما قرنه النبي (صلّى الله عليه وآله) بهم، ومن هنا نقول: أن الأمر بهما معاً فيه دلالة واضحة على حجيتهما، وعدم الاستغناء بأحدهما عن الآخر، ولذا أخبر أنهما عاصمان من الضلال حين التمسك بهما، وإلا لاستلزم لغوية اقترانهم بالقرآن الكريم، وقول النبي (صلّى الله عليه وآله) في ذلك حقٌّ لا ريب فيه، قال تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)(70) فبعد هذا البرهان الواضح، والدليل الناصع هل تسوغ مخالفة النبي (صلّى الله عليه وآله) فيما أمر به وحكم، ويقال له: (حسبنا كتاب الله)؟!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(69) فيض القدير، المناوي: ٣/ ١٩ - ٢٠ ح٢٦٣١.
(70) سورة النجم، الآية: ٣و٤.

(٤٠)

يقول السيد محمد تقي الحكيم في أصول الفقه المقارن: لزوم التمسك بهما معاً لا بواحد منهما منعاً من الضلالة، لقوله (صلّى الله عليه وآله) فيه: ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، ولقوله: فانظروا كيف تخلفونني فيهما، وأوضح من ذلك دلالة ما ورد في رواية الطبراني في تتمتها: (فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم).
وبالطبع أن معنى التمسك بالقرآن، هو الأخذ بتعاليمه، والسير على وفقها، وهو نفسه معنى التمسك بأهل البيت عدل القرآن.
ومن هذا الحديث يتضح أن التمسك بأحدهما لا يغني عن الآخر (ما إن تمسكتم بهما)، (ولا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا) ولم يقل: ما إن تمسكتم بأحدهما، أو تقدمتم أحدهما! وسيأتي السّر في ذلك من أنهما معاً يشكلان وحدة يتمثل بها الإسلام على واقعه، وبكامل أحكامه ووظائفه.(71)
ويقول العلامة السيد علي الميلاني: ومن أقوى الأدلة من الأحاديث في هذا الباب، حديث الثقلين المشهور المتواتر القطعي الذي اتفقت الأمة على روايته.. فإنه يدل على وجوب اتباع الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) كوجوب اتباع القرآن، وهذا يستلزم العصمة، وعلى أنهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، ولا يغني أحدهما عن الآخر، وعلى أن الأئمة باقون ما بقي القرآن، وعلى أنه كما لا يسقط وجوب اتباع القرآن بالإعراض عنه وعدم العمل به، فكذلك الأئمة لا تسقط إمامتهم بإعراض الناس عنهم! وعلى أنه من لم يتبعهم ضل! ولذلك قال (صلّى الله عليه وآله) في حديث آخر متفق عليه مشهور:
(من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية)(72) وهو يدل - هو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(71) الأصول العامة للفقه المقارن، السيد محمد تقي الحكيم: ١٦٧ - ١٦٨.
(72) سوف يأتي تخريج هذا الحديث.

(٤١)

الآخر - على وجود الإمام في كلّ زمان، وعلى وجوب اتباعه.(73)
دلالة حديث الثقلين على وجود الإمام المهدي (عليه السلام)
مما لا شك فيه أن حديث الثقلين يدل دلالة واضحة لا نقاش فيها على بقاء العترة مع القرآن إلى يوم القيامة، ويفهم هذا من قوله: (لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض) فيستفاد منه: وجود إمام من أهل البيت (عليهم السلام) في كلّ عصر إلى جنب القرآن الكريم إلى يوم القيامة، فلا يفترقان أبداً، وهذا مايفرضه ظاهر نص الحديث، وهذا المعنى يفهمه كلُّ من له أدنى مسكة من الفهم.
يقول السيد محمد تقي الحكيم: بقاء العترة إلى جنب الكتاب إلى يوم القيامة، أي لا يخلو منهما زمان من الأزمنة ما داما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض، وهي كناية عن بقائهما إلى يوم القيامة.(74)
هذا وقد اعترف بعض أعلام السنة بوجوب الرجوع إلى المتأهل من أهل البيت (عليهم السلام) بمقتضى هذا الحديث، وأن الزمان لا يخلو منهم إلى يوم القيامة، حكى الإمام الزرقاني المالكي في شرح المواهب عن العلامة السمهودي أنه قال: هذا الخبر يفهم منه وجود من يكون أهلاً للتمسك به من عترته في كل زمن إلى قيام الساعة حتى يتوجه الحث المذكور على التمسك به كما أن الكتاب كذلك، فلذا كانوا أماناً لأهل الأرض فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض.(75)
وقد اعترف بهذا المعنى أيضاً ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة قال: وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة، كما أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما يأتي،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(73) الإمام الثاني عشر (عليه السلام)، السيد محمد سعيد الموسوي، هامش: ص ٩٤.
(74) الأصول العامة للفقه المقارن، السيد محمد تقي الحكيم: ١٦٧ - ١٦٨.
(75) شرح المواهب: ٨، فيض القدير، المناوي: ٣/ ٢٠ ح٢٦٣١.

(٤٢)

ويشهد لذلك الخبر السابق: في كلّ خلف من أمتي عدول من أهل بيتي.(76)
ويقول الأستاذ مروان خليفات الأردني أحد المستبصرين الذين اهتدوا بهدي أهل البيت (عليهم السلام)، وأخذوا بمنهجهم، حينما استوقفه نص حديث الثقلين قال: على أن حديث الثقلين ينص على وجود إمام من أئمة آل البيت في كلّ زمان، عدلاً للقرآن لا يفترق عنه، وإذا قلنا بعدم ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) فمعنى ذلك أن هناك افتراقاً بين آل البيت والقرآن، وهذا خلاف الحديث فيلزمنا إثبات ولادة المهدي (عليه السلام)! وقد كان أئمة آل البيت يبشرون بالمهدي، ويقولون إنه ابن الحسن العسكري (عليه السلام) حتى ساد هذا الاعتقاد بين الشعراء...(77)
٢ - حديث (يكون بعدي اثنا عشر خليفة)
يعد هذا الحديث من الأحاديث القطعية الصحيحة، وقد أورده كلٌّ من صحيح البخاري وصحيح مسلم والترمذي وأحمد بن حنبل والطبراني والحاكم في مستدركه وغيرهم، وقد ورد هذا الحديث بألفاظ عديدة، ومعناه واحد، عن جابر بن سمرة وعن أبي جحيفة، وعن أنس بن مالك وحديث النقباء عن عبد الله بن مسعود.
وإليك ما يلي:
روى أحمد بن حنبل: عن الشعبي، عن مسروق قال: كنا جلوساً عند عبد الله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) كم تملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال عبد الله بن مسعود: ما سألني عنها أحدٌ منذ قدمت العراق قبلك، ثم قال: نعم، ولقد سألنا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(76) الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي: ١٥١، ذكره في (الفصل الأول، في الآية الرابعة من الآيات الواردة فيهم (عليهم السلام)).
(77) وركبت السفينة، مروان خليفات: ٥٦٩ - ٥٧٠.

(٤٣)

رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) فقال: اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل.(78)
قال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، وفيه مجالد بن سعيد وثقه النسائي وضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات.(79)
وفي لفظ آخر عن مسروق، قال: سأل رجل عبد الله بن مسعود هل حدثكم نبيكم (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) بعدة الخلفاء من بعده؟ قال: نعم، وما سألني عنها أحدٌ قبلك! قال: إن عدة الخلفاء بعدي عدة نقباء موسى (عليه السلام).(80)
ومن ذلك أيضاً ما جاء في صحيح البخاري: عن عبد الملك قال: سمعت جابر بن سمرة، قال: سمعت النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) يقول: يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها! فقال أبي: أنه قال: كلهم من قريش.(81)
وفي مسند أحمد عن عامر يعني الشعبي، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) يقول: لا يزال هذا الأمر عزيزاً إلى اثني عشر خليفة، فكبر الناس وضجوا!(82) وقال كلمة خفية؟ قلت لأبي: يا أبت ما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(78) مسند أحمد بن حنبل: ١/ ٣٩٨، المستدرك، الحاكم النيسابوري: ٤/ ٥٠١، مسند أبي يعلى: ٨/ ٤٤٣ - ٤٤٤ ح٥٠٣١، و٩/ ٢٢٢ ح٥٣٢٢، المعجم الكبير، الطبراني: ١٠/ ١٥٧ - ١٥٨ ح١٠٣١٠، كنز العمال، المتقي الهندي: ١٢/ ٣٣ ح٣٣٨٥٧.
(79) مجمع الزوائد، الهيثمي: ٥/ ١٩٠.
(80) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ١٦/ ٢٨٦، الكامل، عبد الله بن عدي: ٣/ ١٥، فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي: ٢/٥٨٢ ح٢٢٩٧، كنز العمال، المتقي الهندي: ٦/ ٨٩ ح١٤٩٧١، الجامع الصغير، جلال الدين السيوطي: ١/ ٣٥٠ ح٢٢٩٧.
(81) صحيح البخاري: ٨/ ١٢٧.
(82) وفي بعض الروايات عن أحمد: (ثم تكلم بكلمة لم أفهمها وضج الناس).

(٤٤)

قال؟ قال: كلهم من قريش.(83)
وروى أيضاً عن ابن عون، عن الشعبي قال: سمعت جابر بن سمرة يقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً، ينصرون على من ناواهم عليه إلى اثني عشر خليفة، قال: فجعل الناس يقومون ويقعدون!.(84)
وفي رواية عنه أيضاً عن الشعبي، عن جابر بن سمرة قال: خطبنا رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) بعرفات، فقال: لا يزال هذا الأمر عزيزاً منيعاً ظاهراً على من ناواه حتى يملك اثنا عشر كلهم...(85)
وروى مسلم في صحيحه: عن حصين، عن جابر بن سمرة، قال: دخلت مع أبي على النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) فسمعته يقول: إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضى فيهم اثنا عشر خليفة، قال: ثم تكلم بكلام خفي عليّ! قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش.
وعن جابر بن سمرة أيضاً جاء بلفظ: لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً.. الخ.
وفي لفظ آخر، قال: لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة، ثم قال كلمة لم أفهمها! فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: كلهم من قريش.
وفي لفظ أيضاً: لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة، فقال كلمة صمنيها الناس! فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(83) مسند أحمد بن حنبل: ٥/ ٩٨، سنن أبي داود: ٢/ ٣٠٩ ح٤٢٨٠، تأريخ بغداد، الخطيب البغدادي: ٢/ ١٢٤، رقم: ٥١٦، فتح الباري، ابن حجر: ١٣/ ١٨١.
(84) مسند أحمد بن حنبل: ٥/ ٩٩.
(85) مسند أحمد بن حنبل: ٥/ ٩٣.

(٤٥)

وفي لفظ أيضاً: لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش.(86)
وفي صحيح ابن حبان أيضاً: عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) يقول: يكون بعدي اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش، فلما رجع إلى منزله أتته قريش قالوا: ثم يكون ماذا؟ قال: ثم يكون الهرج.(87)
وعن سماك بن حرب، قال: سمعت جابر بن سمرة يقول: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يقول: لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة، قال: فقال كلمة لم أفهمها! قلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش.(88)
وروى الطبراني: عن عامر بن سعد، عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): لا يزال الدين قائماً حتى يكون اثنا عشر خليفة من قريش، ثم يخرج كذابون بين يدي الساعة.(89)
وروى أيضاً عن أبي خالد، قال: سمعت جابر بن سمرة يقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): لا يضر هذا الدين من ناوأه حتى يقوم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش.(90)
وعن جابر بن سمرة قال: كنت مع أبي ورسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) يخطب فقال: لا تبرحون بخير ما قام عليكم اثنا عشر أميراً، قلت لأبي:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(86) صحيح مسلم: ٦ / ٣ - ٥.
(87) صحيح ابن حبان: ١٥/ ٤٣ - ٤٤، مسند أحمد بن حنبل: ٥/ ٩٢، سنن أبي داود: ٢/ ٣٠٩ ح٤٢٨١، المعجم الأوسط، الطبراني: ٦/ ٢٦٨، المعجم الكبير، الطبراني: ٢/ ٢٥٣.
(88) صحيح ابن حبان: ١٥/ ٤٣ - ٤٤.
(89) المعجم الكبير، الطبراني: ٢/ ١٩٩و ٢٠٨.
(90) المعجم الكبير، الطبراني: ٢/ ٢٠٨.

(٤٦)

سمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) يقول آنفاً كذلك، قال أبي: قد قال: كلهم من قريش.(91)
وعن الشعبي عن جابر قال: خطبنا رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) يوماً فسمعته يقول: لن يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً ظاهراً على من ناوأه حتى يملك اثنا عشر كلهم، ثم لغط الناس، وتكلموا! فلم أفهم قوله بعد كلهم، فقلت لأبي: يا أبتاه ما بعد قوله كلهم؟ قال: كلهم من قريش.
وعن الشعبي عن جابر قال: سمعت النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) في حجة الوداع يقول: لا يزال هذا الأمر ظاهراً على من ناوأه، لا يضره مخالف ولا مفارق حتى يمضي اثنا عشر خليفة من قريش.(92)
وعن الشعبي أيضاً عن جابر بن سمرة، قال: كنت مع أبي عند النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) فقال: يكون لهذه الأمة اثنا عشر قيماً لا يضرهم من خذلهم، ثم همس رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) بكلمة لم أسمعها! فقلت لأبي: ما الكلمة التي همس بها النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم)؟ قال: كلهم من قريش.(93)
وعن عطاء بن أبي ميمونة، عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) وهو يخطب على المنبر ويقول: اثنا عشر قيماً من قريش لا يضرهم عداوة من عاداهم، قال: فالتفت خلفي فإذا أنا بعمر بن الخطاب، وأبي في ناس فأثبتوا لي الحديث كما سمعت.(94)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(91) المعجم الكبير، الطبراني: ٢/ ٢٥٣ - ٢٥٤.
(92) المعجم الكبير، الطبراني: ٢/ ١٩٦.
(93) المعجم الكبير، الطبراني: ٢/ ١٩٦، و٣/ ٢٠١، كنز العمال، المتقي الهندي:١٢/ ٣٣ ح٣٣٨٥٨.
(94) المعجم الكبير، الطبراني: ٢/ ٢٥٦، مجمع الزوائد، الهيثمي: ٥/ ١٩١.

(٤٧)

وفي ينابيع المودة: عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، قال: كنت مع أبي عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فسمعته يقول: بعدي إثنا عشر خليفة، ثم أخفى صوته! فقلت لأبي: ما الذي أخفى صوته؟ قال: قال: كلهم من بني هاشم.(95)
وروى الطبراني: عن أبي جحيفة، قال: كنت مع عمي عند النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) وهو يخطب، فقال: لا يزال أمر أمتي صالحاً حتى يمض اثنا عشر خليفة، وخفض بها صوته! فقلت لعمي وكان أمامي: ما قال يا عم؟ قال: كلهم من قريش.(96)
قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير والبزار، ورجال الطبراني رجال الصحيح.(97)
وروى المتقي الهندي: عن ابن النجار، عن أنس، عن رسول الله صلى الله (صلّى الله عليه وآله): لن يزال هذا الدين قائماً إلى اثني عشر من قريش، فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها.(98)
وعن ابن نجران أن أبا الخالد حدثه وحلف له عليه: ألا تهلك هذه الأمة حتى يكون فيها اثنا عشر خليفة، كلهم يعمل بالهدى ودين الحق.(99)
إلى غير ذلك من ألفاظ الحديث الذي ورد بألفاظ عديدة في معنى واحد،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(95) ينابيع المودة، القندوزي: ٢/ ٣١٥ح٩٠٨.
(96) المعجم الكبير، الطبراني: ٢٢/ ١٢٠، المعجم الأوسط، الطبراني: ٦/ ٢٠٩، المستدرك، الحاكم النيسابوري: ٣/ ٦١٨.
(97) مجمع الزوائد، الهيثمي: ٥/ ١٩٠ - ١٩١.
(98) كنز العمال، المتقي الهندي: ١٢/ ٣٣ - ٣٤ ح٣٣٨٦١.
(99) الخصال، الشيخ الصدوق: ٤٧٤ ح٣٢، تأريخ دمشق، ابن عساكر: ٤٥/ ١٨٩، فتح الباري، ابن حجر: ١٣/ ١٨٤.

(٤٨)

وهو استخلاف اثني عشر خليفة من بعد النبي (صلّى الله عليه وآله).
تحير السنة في معنى الحديث وأقوالهم فيه
قد تحير علماء السنة ومحدثوهم في تفسير معنى الحديث، وقد ذهب كلّ منهم إلى معنى لا يتفق فيه مع الآخر، وتطرقوا إلى محتملاته، ولكن يعسر عليهم الإعتراف بمعناه الصحيح، ويعترفوا بالأئمة الاثني عشر الذين تقول الشيعة بإمامتهم، فإن هذا صعب مستصعب عليهم لا تتحمله نفوسهم، حتى اعترفوا بالعجز عن الوصول إلى معناه، واستعصى عليهم تأويل الحديث وتفسيره، ولم تزدهم رواية الحديث إلا حيرة، حتى اتهم بعضهم الرواة في التخليط في هذا الحديث، واضطروا أن يوردوا جملة من محتملات الحديث حتى الغريب منها (100) لكنهم إلا احتمالاً واحداً لم يتطرقوا إليه، ولم يذكروه حتى من المحتملات الغريبة، وهو احتمال انطباق الحديث على أئمة أهل البيت الاثني عشر (عليهم السلام)! وأنى لهم أن يوردوا مثل هذا الاحتمال، وهو يخالف أصولهم التي بنوا عليها مذهبهم.
هذا وقد اعترف علماء السنة بالعجز في تفسير هذا الحديث، وتحيروا حيرة شديدة في تأويله والوقوف على معناه الصحيح، قال الدكتور البستوي: ولما رجعت إلى الأئمة والعلماء في تفسير هذا الحديث وجدتهم مختلفين اختلافاً كثيرا.(101)
وإليك هنا بعض كلمات علماء السنة حول تفسير هذا الحديث، لتقف على حقيقة الأمر، وكلّ منهم تشبث برأي تفرّد به خلاف الآخر:
قال ابن الجوزي في كشف المشكل: قد أطلت البحث عن معنى هذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(100) راجع كتاب: المهدي المنتظر (عليه السلام)، عبد العليم البستوي: ٣٣٣ - ٣٣٦.
(101) المهدي المنتظر (عليه السلام)، عبد العليم البستوي: ٣٣٣.

(٤٩)

الحديث، وتطلبت مظانه وسألت عنه؟ فلم أقع على المقصود به! لأن ألفاظه مختلفة، ولا أشك أن التخليط فيها من الرواة!
وقال ابن بطال عن المهلب: لم ألق أحداً يقطع في هذا الحديث! يعني بشيء معين.
وقال ابن حجر: وقد مضى منهم الخلفاء الأربعة، ولابد من تمام العدد قبل قيام الساعة.(102)
وقال أبو بكر ابن العربي: ولم أعلم للحديث معنى.(103)
وقال المقريزي: وقد وجد هذا العدد بالصفة المذكورة إلى وقت الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ثم وقع الهرج والفتنة العظيمة، كما أخبر في هذه الرواية(104)، ثم ظهر ملك العباسيين كما أشار إليه في الباب قبله.(105)
إلى غير ذلك من سائر تأويلاتهم وتمحلاتهم التي أفصحوا فيها عن عجزهم، وتحيرهم في الوصول إلى معنى الحديث الصحيح!
أقول: ولو أنهم أخذوا بما جاء عن النبي (صلّى الله عليه وآله) في تفسير هذا الحديث، ورجعوا إلى العترة، لما ضلوا في فهم معناه، وتضاربت أقوالهم فيه!!.
يقول الأستاذ أبو رية المصري متعجباً من تفسير السيوطي للحديث: أما السيوطي فبعد أن أورد ما قاله العلماء في هذه الأحاديث المشكلة، خرج برأي غريب نورده هنا تفكهة للقراء! وهو: وعلى هذا فقد وجد من الاثني عشر،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(102) فتح الباري، ابن حجر: ١٣/ ١٨٢ - ١٨٣.
(103) شرح ابن العربي على صحيح الترمذي: ٩/ ٦٨ - ٦٩.
(104) يعني رواية (لا تزال هذه الأمة مستقيم أمرها، ظاهرة على عدوها، أو على غيرها، حتى يمض منهم اثنا عشر خليفة.. ثم يكون الهرج).
(105) إمتاع الأسماع، المقريزي: ١٢/ ٣٠٤.

(٥٠)

الخلفاء الأربعة، والحسن، ومعاوية، وابن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، وهؤلاء ثمانية، ويحتمل أن يضم إليهم المهدي من العباسيين لأنه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني أمية، وكذلك الظاهر لما أوتيه من العدل، وبقي الاثنان المنتظران!! أحدهما المهدي! لأنه من أهل بيت محمد.(106)
قال أبو رية: ولم يبين المنتظر الثاني! ورحم الله من قال في السيوطي: إنه حاطب ليل!.(107)
لماذ خفي صوت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على الراوي
وهنا سؤال يطرح نفسه، حول الحديث يلفت النظر، ويبعث على التساؤل، وهو: ما هو سبب خفاء صوت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على راوي الحديث جابر بن سمرة؟ بحيث خفي عليه تتمة الحديث حتى سأل أباه عنه؟ وكذلك الراوي الآخر أبو جحيفة حتى سأل عمّه عنه؟
الجواب:
يفهم من جملة الأحاديث التي أوردناها آنفاً هو حدوث ضجة تتألف من أصوات وقيام وقعود من البعض أوجب ذلك كله خفاء صوت النبي (صلّى الله عليه وآله)، فمن هنا لم يسمع الراوي تتمة الحديث.
وهنا يبرز السؤال الآخر: إن في ملابسات الحديث أيضاً ما يبعث على الاستغراب والحيرة! فلِما كل هذا الضجيج والقيام والقعود المتكرر بين يدي النبي (صلّى الله عليه وآله) وهو يخطب فيهم، وهو (عليه السلام) الرؤوف الرحيم بهم، وأحرص الناس على هدايتهم، وتبليغ الأحكام إليهم، أفليس من اللازم عليهم أن يخفضوا أصواتهم بين يدي النبي (صلّى الله عليه وآله) كما أمرهم القرآن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(106) راجع: تأريخ الخلفاء، السيوطي: ١٢، فيض القدير، المناوي: ٢/ ٥٨٢.
(107) أضواء على السنة المحمدية، محمود أبو رية: ٢٣٥ - ٢٣٨.

(٥١)

الكريم بذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ).(108)
فما هو المبرر لكل هذا الضجيج المفتعل؟! بينما النبي (صلّى الله عليه وآله) يخطب فيهم ويحدثهم؟! أليس يفترض أنهم مصغون لحديثه (صلّى الله عليه وآله)!! أفهل كان في حديث النبي (صلّى الله عليه وآله) ما يثير النفوس بحيث يبعث على حدوث كل هذه الضجة، وهذا اللغط في مجلس النبي (صلّى الله عليه وآله)!! وهو يخطب فيهم!
وخصوصاً إذا لا حظنا قول الراوي: (فقال كلمة أصمنيها الناس) فهو يدل على أن الأصوات تعالت على صوت النبي (صلّى الله عليه وآله) حتى أخفته فحال ذلك بين الراوي وسماع تتمة الحديث؟! ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تطور وتجاوزه إلى القيام والقعود، وهذه سابقة خطيرة تنذر بحدوث أمر غير مرضي عند البعض، فبماذا يفسر ذلك كله؟ وما هو سببه؟ وما هو أهمية هذا الحديث في الأمة؟
الجواب في أمور:
أولاً: أقول: إن هذا الحديث من أهم الأحاديث التي جاءت على لسان النبي (صلّى الله عليه وآله) فقد جاء في خطبته الشريفة، كما جاء في رواية أبي جحيفة، ورواية عطاء بن أبي ميمونة أيضاً عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) وهو يخطب على المنبر..الخ.
كما اكتنفه أيضاً أمران مقدسان من حيث الزمن ومن حيث المكان، إذ حددت لنا بعض الروايات أن ذلك كان في حجة الوداع في عرفات، وهذا يقتضي أنه كان في جمع غفير من الناس كما هي العادة في موسم الحج الذي يضم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(108) سورة الحجرات، الآية: ٢.

(٥٢)

طائفة كبيرة من الناس الذين جاءوا من مختلف الأصقاع والبلدان.
ويستفاد من هذا كله أيضاً أن الأمر الذي يريد بيانه النبي (صلّى الله عليه وآله) لهم هو في غاية من الأهمية للحاضرين ومن يأتي من بعدهم من الأمة، وهذا الأمر يرتبط بمصير الأمة، وهو النص على الخلفاء من بعده، وبيان عددهم وخصوصياتهم الأخرى.. كما ينبئ الحديث عن ذلك كله!
كما أن هذه الأحاديث تدل بمجموعها على أنها في مجلس واحد، أعني التي ورد فيها التعليل بخفاء صوته، كما في رواية جابر بن سمرة، ورواية أبي جحيفة، وإن كان لا يمنع أيضاً تكرر ذلك في موطنين مع تكرر الضجيج أيضاً في كل منهما لنفس السبب! مادام هناك إصرار من لدن البعض على إحداث ذلك وما شابهه!
ثانياً: بمجموع هذه القرائن من الحديث نفهم أن هناك فئة من الناس لا يروق لها أن يسمع الناس أمثال هذا الحديث من النبي (صلّى الله عليه وآله)، والذي يراد منه تقرير مصير الأمة سلفاً بتسمية اثني عشر خليفة من بعده، وتعيينهم مسبقاً، فأحدثوا ما أحدثوا ليفوتوا على الناس ذلك، وخصوصاً أن الخلفاء الذين يريد تعيينهم النبي (صلّى الله عليه وآله) هم علي وأولاده (عليهم السلام).
فهذا النص يعد نصاً صريحاً، ومن أبلغ الأدلة على إمامة هؤلاء الخلفاء في الأمة، وعلى ما يبدو أن هذا الأمر لا ينسجم مع توجهات البعض منهم! وإلا فبماذا تفسر حصول كل هذه الضجة الغريبة، بينما النبي (صلّى الله عليه وآله) يحدثهم أن بعده اثنا عشر خليفة وهو في المشاعر المقدسة..
وإليك القرائن التي تؤكد ذلك:
من خلال تفحص مفردات هذا الحديث واجهتنا عدة قرائن، تفسر بعضها بعضاً، وكلها ترجع إلى علة واحدة لا أكثر..!

(٥٣)

فلا حظ هذه العبارات التي جاءت في الحديث، فإنك سوف تقطع بحدوث أمر غريب له علاقة بنفس حديث النبي (صلّى الله عليه وآله)، ومن المؤكد لو كان النبي يبين لهم حكماً شرعياً ذات علاقة بالصلاة أو الحج أو الزكاة لما حدث ما حدث!!.
وهذه الكلمات أكثرها عن راوي واحد، وهو جابر بن سمرة وهي: (فقال كلمة لم أسمعها) (ثم تكلم بكلام خفي عليّ!) (ثم قال كلمة لم أفهمها!) (وخفض بها صوته!) (ثم لغط الناس، وتكلموا! فلم أفهم قوله بعد كلهم) (فقال كلمة صمنيها الناس!) (فكبر الناس وضجوا! وقال كلمة خفية؟) (لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً، ينصرون على من ناواهم عليه إلى اثني عشر خليفة، قال: فجعل الناس يقومون ويقعدون!).
فإن الملاحظ في هذه الكلمات أن الراوي أوعز سبب عدم سماعه تتمة الحديث إلى انخفاض صوت النبي (صلّى الله عليه وآله)، وتارة أخرى إلى تعالي أصوات الناس بالتكبير والضجيج والقيام والقعود، وهذه الكلمات الأخيرة توضح لنا السبب كله في الأمر!
كما أن هذه الضجة لم تحدث صدفة أو بصورة عشوائية بل كانت مقصودة، فقد حدثت لما بلغ النبي (صلّى الله عليه وآله) في حديثه وبالتحديد إلى كلمة (كلهم) فهنا اختفى صوته على الراوي، وأن الكلام جاء في سياق بيان من هم هؤلاء الاثنا عشر ومن أي قبيلة هم؟ مما يدل على أن النبي (صلّى الله عليه وآله) لما أخذ في بيان كونهم من بني هاشم كما هو المرجح تعالت حينئذ الأصوات فخفي صوته على الراوي.
وإليك الحديث نصاً كما رواه الطبراني: عن الشعبي، عن جابر قال: خطبنا رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) يوماً فسمعته يقول: لن يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً ظاهراً على من ناوأه حتى يملك اثنا عشر كلهم، ثم لغط الناس، وتكلموا! فلم أفهم قوله بعد كلهم، فقلت لأبي: يا أبتاه ما بعد قوله: كلهم؟

(٥٤)

قال: كلهم من قريش.
فهذه دلالات يتلو بعضها بعضاً تدل على أن البعض أحدث لغطاً وصخباً! بالقول تارة، وبالفعل أخرى! أما الضجة المفتعلة بالقول فالدليل عليها، قول الراوي: (فقال كلمة صمّنيها الناس!) وقوله: (فكبر الناس وضجوا، وقال كلمة خفية؟) وأما الفعل فقوله: (فجعل الناس يقومون ويقعدون!)وهذا كله يكفي في أن يصدّ الناس عن سماع الحديث، ويوجد حالة من الإرباك والفوضى! بحيث تقطع على المتحدث حديثه! أو لا يصل صوته إلى كافة الناس!
ثالثاً: قد وردت رواية تذكر بدل (كلهم من قريش) (كلهم من بني هاشم) كما في رواية ينابيع المودة: (عن جابر بن سمرة، فقلت لأبي: ما الذي أخفى صوته؟ قال: قال: كلهم من بني هاشم).(109)
وهذا يعد نصاً صريحاً في كون الخلافة في بني هاشم وليست في غيرهم، فبالتالي ليس لسائر قريش نصيب في الخلافة، وهذا الأمر يتعارض مع ما يريده بعضهم من إدخال قريش في الأمر، لئلا تقتصر الخلافة فقط على بني هاشم.(110)
قال بعض المحققين كما في ينابيع المودة للقندوزي: (وإخفاء صوته (صلّى الله عليه وآله) في هذا القول يرجح هذه الرواية(3)، لأنهم لا يحسّنون خلافة بني في هذا القول يرجح هذه الرواية(111)، لأنهم لا يحسّنون خلافة بني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(109) ينابيع المودة، القندوزي: ٢/ ٣١٥ح٩٠٨.
(110) وهذا كما يروى عن عمر بن شبة أن المغيرة بن شعبة مر على أبي بكر وعمر، وهما جالسان على باب النبي حين قبض، فقال لهما: ما يقعدكما؟.. أتريدون أن تنظروا حبل الحبلة من أهل هذا البيت! وسعوها في قريش تتسع. قال: فقاما إلى سقيفة بنى ساعدة، أو كلاما هذا معناه. راجع: (السقيفة وفدك، الجوهري: ٧٠، شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: ٦/ ٤٣).
(111) يعني رواية (كلهم من بني هاشم) كما في ينابيع المودة.

(٥٥)

 هاشم)(112) استظهار في محله، ومعنى ذلك كما قلنا أن فيهم أناساً أحدثوا ضجيجاً لئلا يسمع الناس النص على الخلفاء من بني هاشم! وهذا مالا يتوافق مع نوايا بعض الحاضرين.
رابعاً: إن هذا الأمر ليس هو الأخير من نوعه! بل حدث ما يشابهه في مرض النبي (صلّى الله عليه وآله) عيناً، ولكن بصورة أخرى مما يؤكد ما قدمناه، وذلك حينما أمرهم بكتابة الكتاب، ولا نشك أن هذا الكتاب هو في النص على الخلافة من بعده للقرائن التي في الحديث، فقال لهم: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده.. فتنازعوا حتى ارتفعت أصواتهم عند النبي (صلّى الله عليه وآله)، كما في صحيح البخاري: (فاختلفوا وكثر اللغط، قال: قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع! فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله وبين كتابته!).(113)
وجاء في صحيح البخاري أيضاً عن ابن عباس قال: لما حضر رسول الله وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده، فقال عمر: إن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): قد غلب عليه الوجع! وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا! منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف(114) عند النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): قوموا، قال عبيد الله: وكان ابن عباس يقول: إن الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) وبين أن يكتب لهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(112) ينابيع المودة، القندوزي الحنفي: ٣/ ٢٩٢ ح١٢.
(113) صحيح البخاري: ١/٣٧، وراجع أيضاً: ٤/٣١، و٦٦، و٥/ ١٣٧.
(114) وفي رواية أخرى في صحيح البخاري:٨/ ١٦١: (فلما أكثروا اللغط والاختلاف).

(٥٦)

ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم.(115)
فهذه الرواية ورواية (أصمنيها الناس) في حديث (يكون بعدي اثنا عشر خليفة)، من باب واحد في حدوث الضوضاء والاختلاف، وكلاهما في وصية النبي (صلّى الله عليه وآله) في النص على الخلفاء من بعده..!
قول بعض المحققين: (لأنهم لا يحسّنون خلافة بني هاشم)
أحب أن أقف هنا قليلاً مع هذا الكلام، وأريد أن أبينه بشيء من النصوص لئلا يدعي ممن لا خبرة له بالأحاديث والتأريخ أن هذا الكلام مجرد دعوى لا نصيب له من الواقع،أو أن فيه شيئاً من المبالغة التأريخية! فأقول: أما كون عامة الناس في ذلك العصر (لا يحسّنون خلافة بني هاشم) فإنه كلام واقعي لا يمكن رده بحال،(116) فإن في تأريخ الإسلام والسيرة ما يثبت ذلك، بل لم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(115) صحيح البخاري: ٧/٩.
(116) أقول: ولهم أسوة بجدهم النبي (صلّى الله عليه وآله) فقد كره مشركو مكة أن تكون فيه النبوة، فعانى منهم ما عانى في ذلك! قال تعالى حكاية عنهم: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) سورة الزخرف، الآية: ٣١.
روى سلام بن مسكين عن أبي يزيد المدني أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لقى أبا جهل فصافحه أبو جهل، فقيل له: يا أبا الحكم أتصافح هذا الصابئ؟! فقال: والله إني لاعلم أنه نبي، ولكن متى كنا تبعاً لبني عبد مناف؟! فأنزل الله الآية (إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ الله يَجْحَدُونَ) سورة الأنعام، الآية: ٣٣.
وفي خبر آخر أن الأخنس بن شريق خلا بأبي جهل فقال له: يا أبا الحكم أخبرني عن محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس ههنا من قريش أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا! فقال له أبو جهل: ويحك والله إن محمداً لصادق وما كذب محمد قط! ولكن إذا ذهب بنو قصي باللوى والحجابة والسقاية والندوة والنبوة، ماذا يكون لسائر قريش!!.
(الأمالي، السيد المرتضى: ٤/ ١٧٤، تفسير الثعلبي: ٤/ ١٤٤، جامع البيان، الطبري: ٧/ ٢٤٠، أسباب النزول، الواحدي: ١٤٥)
وفي كتاب المصنف لابن أبي شيبة: ٨/ ٤٧٧، رقم:٤٤، عن سليمان بن المغيرة عن ثابت قال: قال أصحاب أبي جهل وهو يسير إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر: أرأيت مسيرك إلى محمد؟ أتعلم أنه نبي؟ قال: نعم ولكن متى كنا تبعاً لعبد مناف؟!

(٥٧)

يقف الأمر عند هذا الحد بل تجاوزه إلى اضطهادهم وإقصائهم حتى آل أمرهم إلى أن أصبحوا في هذه الأمة مستضعفين، وأي استضعاف أعظم مما جرى عليهم من القتل والتشريد والترويع!!.
ويكفي ما جرى عليهم من الحوادث والوقائع الدامية عبر العصور، وقد أنبأت بذلك أيضاً الأحاديث الشريفة قبل أن يجري عليهم ما جرى! فهناك نصوص كثيرة تثبت ذلك! ولو كان سائر الناس يحسّنون خلافة العترة لما جرى عليهم ماجرى من الإقصاء والتشريد والقتل!! ومما يدل على ذلك كله من النصوص ما يلي:
مارواه الحاكم: عن عبد الله بن مسعود قال: أتينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فخرج إلينا مستبشراً يعرف السرور في وجهه فما سألناه عن شيء الا أخبرنا به، ولا سكتنا إلا ابتدأنا حتى مرت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسين، فلما رآهم التزمهم وانهملت عيناه فقلنا: يا رسول الله ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه؟! فقال: إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وأنه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً أو تشريداً في البلاد.. الخ.(117)
وفي رواية ابن ماجة: (سيلقون بعدي بلاءً وتشريداً وتطريداً).(118)
وروى الترمذي: عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(117) المستدرك، الحاكم: ٤/ ٤٦٤، المصنف، ابن أبي شيبة: ٨/ ٦٩٧ح٧٤.
(118) سنن ابن ماجة: ٢/ ١٣٦٦ح٤٠٨٢.

(٥٨)

العباس بن عبد المطلب دخل على رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) مغضباً وأنا عنده، فقال: ما أغضبك؟ قال: يا رسول الله ما لنا ولقريش؟ إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة، وإذا لقونا لقونا بغير ذلك! قال: فغضب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) حتى أحمر وجهه، ثم قال: والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله.. الخ
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.(119)
وروى أبو جعفر الإسكافي أيضا أن النبي (صلّى الله عليه وآله) دخل على فاطمة (عليها السلام)، فوجد علياً نائماً، فذهبت تنبهه، فقال: دعيه فرب سهر له بعدي طويل، ورب جفوة لأهل بيتي من أجله شديدة! فبكت، فقال: لا تبكي فإنكما معي، وفي موقف الكرامة عندي.(120)
وروى الحاكم النيسابوري: عن حيان الأسدي سمعت علياً يقول: قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إن الأمة ستغدر بك بعدي، وأنت تعيش على ملتي، وتقتل على سنتي، من أحبك أحبني، ومن أبغضك أبغضني، وأن هذه ستخضب من هذا. يعني لحيته من رأسه.
قال الحاكم: صحيح.(121)
وروى أبو يعلى الموصلي: عن أبي عثمان عن علي بن أبي طالب قال: بينما

 

(119) سنن الترمذي: ٥/ ٣١٨ ح٣٨٤٧، مسند أحمد بن حنبل: ١/ ٢٠٧.
(120) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ٤/ ١٠٧.
(121) المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري: ٣/ ١٤٢، التأريخ الكبير، البخاري: ٢/ ١٧٤ح٢١٠٣، تأريخ بغداد، الخطيب البغدادي:١١/ ٢١٦، رقم: ٥٩٢٨، تأريخ دمشق، ابن عساكر: ٤٢/ ٤٤٧ - ٤٤٨، تذكرة الحفاظ، الذهبي: ٣/ ٩٩٥، البداية والنهاية، ابن كثير: ٧/ ٣٦٠، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ٤/ ١٠٧، كنز العمال، المتقي الهندي: ١١/ ٢٩٧ ح٣١٥٦١.

(٥٩)

رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) آخذ بيدي ونحن نمشي في بعض سكك المدينة، إذ أتينا على حديقة، فقلت: يا رسول الله ما أحسنها من حديقة! قال: لك في الجنة أحسن منها، ثم مررنا بأخرى، فقلت: يا رسول الله ما أحسنها من حديقة! قال: لك في الجنة أحسن منها، حتى مررنا بسبع حدائق كل ذلك أقول ما أحسنها! ويقول: لك في الجنة أحسن منها، فلما خلا له الطريق اعتنقني ثم أجهش باكياً! قال: قلت: يا رسول الله ما يبكيك؟ قال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي، قال: قلت: يا رسول الله في سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك.(122)
قال الهيثمي: رواه أبو يعلى والبزار، وفيه الفضل بن عميرة، وثقه ابن حبان وضعفه غيره، وبقية رجاله ثقات.(123)
وروى الطبراني: عن بن عباس (رضي الله عنهما) قال: خرجت أنا والنبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) وعلي (رضي الله عنه) في حشان المدينة، فمررنا بحديقة فقال علي (رضي الله عنه): ما أحسن هذه الحديقة يا رسول الله! فقال: حديقتك في الجنة أحسن منها، ثم أومأ بيده إلى رأسه ولحيته، ثم بكى حتى علا بكاؤه قيل: ما يبكيك؟ قال: ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني.(124)
وفي رواية أنس بن مالك، قال: ثم وضع النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم)) رأسه على إحدى منكبي علي فبكى، فقال له علي: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك حتى أفارق الدنيا! فقال علي (رضي الله عنه):

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(122) مسند أبي يعلى الموصلي: ١/ ٤٢٧ ح٥٦٥، كنز العمال، المتقي الهندي: ١٣/ ١٧٦ ح٣٦٥٢٣، تأريخ بغداد، الخطيب البغدادي: ١٢/ ٣٩٤، رقم: ٦٨٥٩، تأريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ٤٢/ ٣٢٢ - ٣٢٣، المناقب، الخوارزمي: ٦٥ح٣٥.
(123) مجمع الزوائد، الهيثمي: ٩/ ١١٨.
(124) المعجم الكبير، الطبراني: ١١/ ٦١، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ٤/ ١٠٧، مجمع الزوائد، الهيثمي: ٩/ ١١٨.

(٦٠)

فما أصنع يا رسول الله؟ قال: تصبر، قال: فإن لم أستطع قال: تلقى جميلا.(125)
وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: كلّ حقد حقدته قريش على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أظهرته فيَّ! وستظهره في ولدي من بعدي، ما لي ولقريش! إنما وترتهم بأمر الله وأمر رسوله، أفهذا جزاء من أطاع الله ورسوله إن كانوا مسلمين!.(126)
وقالت الزهراء (عليها السلام) في خطبتها في المهاجرين والأنصار: وما الذي نقموا من أبي الحسن! نقموا والله منه نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته، وتنمره في ذات الله، ويا لله! لو تكافئوا على زمام نبذه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لسار بهم سيراً سجحاً لا يكلم خشاشه، ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم منهلاً روياً فضفاضاً تطفح ضفتاه، ولأ صدرهم بطاناً قد تحرى بهم الري...(127)
وعن ابن عساكر في تأريخ دمشق: عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: قلت لعلي بن حسين بن علي: ما بال قريش لا تحب علياً؟! فقال: لأنه أورد أولهم النار، وألزم آخرهم العار!.(128)
وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: قال عمر لابن عباس في حوار له معه: يا بن عباس، أتدري ما منع الناس منكم؟ قال لا يا أمير المؤمنين، قال: لكني أدري، قال: ما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة فيجخفوا جخفاً فنظرت قريش لنفسها فاختارت ووفقت فأصابت.. الخ!.(129)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(125) تأريخ دمشق، ابن عساكر: ٤٢/ ٣٢٤
(126) شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: ٢٠/ ٣٢٨ ح٧٦٤.
(127) بلاغات النساء، ابن طيفور: ٢٠، السقيفة وفدك، الجوهري: ١٢٠، شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: ١٦، مناقب أهل البيت، الشيراوي: ٤٢٤.
(128) تأريخ دمشق، ابن عساكر: ٤٢/ ٢٩٠.
(129) شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: ١٢/ ٥٣، السقيفة وفدك، الجوهري: ١٣١، أخبار الدولة العباسية: ٣٣، مناقب أهل البيت، المولى حيدر الشيرواني: ٤٥٢.

(٦١)

وفي تأريخ الطبري: فقال عمر كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحاً بجحاً، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت...(130)
وروى أبو سعد الآبي في كتابه عن ابن عباس، قال: وقع بين عثمان وعلي (عليه السلام) كلام، فقال عثمان: ما أصنع إن كانت قريش لا تحبكم، وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين، كأن وجوههم شنوف الذهب، تصرع أنفهم قبل شفاههم!.(131)
وقال عثمان لابن عباس: ولقد علمت أن الأمر لكم، ولكن قومكم دفعوكم عنه، واختزلوه دونكم.(132)
وعن ابن سعد في الطبقات: عن المنهال يعني بن عمرو قال: دخلت على علي بن حسين فقلت: كيف أصبحت أصلحك الله؟ فقال: ما كنت أرى شيخاً من أهل المصر مثلك لا يدري كيف أصبحنا! فأما إذ لم تدر أو تعلم! فسأخبرك، أصبحنا في قومنا بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون إذ كانوا يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، وأصبح شيخنا وسيدنا يتقرب إلى عدونا بشتمه أو سبه على المنابر! وأصبحت قريش تعد أن لها الفضل على العرب لأن محمداً (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) منها، لا يعد لها فضل إلا به، وأصبحت العرب مقرة لهم بذلك، وأصبحت العرب تعد أن لها الفضل على العجم لأن محمداً (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) منها لا يعد لها فضل إلا به، وأصبحت العجم مقرة لهم بذلك، فلئن كانت العرب صدّقت أن لها الفضل على العجم، وصدّقت قريش أن لها الفضل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(130) تأريخ الطبري: ٣/ ٢٨٩، الكامل في التأريخ، ابن الأثير: ٣/ ٦٣.
(131) نثر الدر، الآبي: ٢/ ٦٨، شرح نهج البلاغة، لابن ابي الحديد: ٩/ ٢٢ - ٢٣، مناقب أهل البيت، الشيراوي: ٣٧٥.
(132) راجع: التحفة العسجدية، يحيى بن الحسين بن القاسم: ص ١٣١، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ٩/ ٩.

(٦٢)

على العرب لأن محمداً (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) (منها) إن لنا أهل البيت الفضل على قريش لأن محمداً (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) منا، فأصبحوا يأخذون بحقنا، ولا يعرفون لنا حقاً! فهكذا أصبحنا إذ لم تعلم كيف أصبحنا!!...(133)
إلى غير ذلك من النصوص التي ملأت كتب جمهور المسلمين، والتي تنبى عن مواقف القوم تجاه العترة (عليهم السلام)، وما جرى عليهم من بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) شاهد صدق على ماقدمناه.
هل بيّن النبي (صلّى الله عليه وآله) أسماء الخلفاء الاثني عشر أم لا؟
ولنا هنا أن نسائل هؤلاء الذين توقفوا في فهم هذا الحديث، هل كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يتكلم مع الناس بالمجملات! ولايبين المراد منها، ويترك الحديث على عواهنه؟ ليقعوا بعد ذلك في حيرة التفسير والتأويل! فيكون وجوده وعدمه سواء.
وهل يُظن أن الصحابة أنفسهم حينما سمعوا هذا الحديث الشريف اكتفوا بهذا المجمل؟! ولم يكلفوا أنفسهم عناء السؤال عن تفسيره، ومن هم هؤلاء الاثنا عشر؟ فآثروا السكوت عن ذلك، ولا حاجة لهم في معرفة تفاصيل الحديث، وكأنه لا يعنيهم ولا يمت إليهم بصلة، وهم الذين يسألونه في الدين عن كل صغيرة وكبيرة! إلا هذا الحديث فهو خارج عن اهتمامهم!!.
ثم لو فرض أن النبي (صلّى الله عليه وآله) لم يبين أسماء هؤلاء الاثني عشر بالمرة.. ولو في أحاديث أخرى..ألا يبعث هذا على الاستغراب والتساؤل، وسبب تركه لذلك؟!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(133) الطبقات الكبرى، ابن سعد: ٥/ ٢١٩ - ٢٢٠، تأريخ دمشق، ابن عساكر: ٤١/ ٣٩٦، تهذيب الكمال، المزي: ٢٠/ ٣٩٩، المنتخب من ذيل المذيل، الطبري: ١٢٠.

(٦٣)

والكل يعلم أن النبي (صلّى الله عليه وآله) أحرص الناس على هداية الأمة وإرشادهم، فما كان يضن عليهم بالجواب عن ذلك لو سألوه؟!
ولو رضينا بكل هذه الافتراضات، وحكمنا على الحديث بالإجمال يبرز لدينا سؤال مهم أيضاً وهو: ما هي الفائدة في أن يعرف المسلمون من هذا الحديث مجرد اثني عشر خليفة من قريش يكون الدين عزيزاً في أيام خلافتهم، وهم لا يعرفونهم لا بأسمائهم ولا بأوصافهم؟! فماذا سوف يضيف هذا الحديث المبهم من معلومة إلى علمهم وعقيدتهم مع هذا الإجمال الذي لم يزدهم إلا حيرة!
ولكننا نقول: حاشا النبي (صلّى الله عليه وآله) أن يظن أو يكتم عليهم ما فيه صلاحٌ ونفعٌ لهم، وهو الذي قال عنه القرآن الكريم: (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)(134) فلا مناص من القول أنه قد بين لهم أسماء هؤلاء الخلفاء، ليعرفوهم فيتبعوهم ويهتدوا بهديهم، وليتميز الحق من الباطل، لأن هؤلاء الخلفاء خلفاء الله في أرضه، بهم قوام الدين وعزته، ومَن من الناس لا يود أن يعيش تحت ظلهم ورعايتهم، ويحضى بشرف رؤيتهم وصحبتهم!
أقول: ويكفي ما رواه جابر بن عبد الله الأنصاري وغيره في هذا الباب، عن النبي (صلّى الله عليه وآله)(135) وكذلك ما رواه عن الزهراء (عليها السلام) في خبر اللوح الذي رأه، وقرأ فيه الأسماء كلها، وغيره.(136)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(134) سورة يونس، الآية: ١٢٨.
(135) راجع: كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٢٥٣ح٣، و٢٥٨ ح٣و٤، كفاية الأثر، الخزاز القمي: ٥٣، ينابيع المودة، القندوزي الحنفي: ٢/ ٣١٦ ح٩١٢، شرح إحقاق الحق، السيد المرعشي: ١٣/ ٦٩ - ٧٠ عن فرائد السمطين وغيره.
(136) راجع: كفاية الأثر، الخزاز القمي: ١٩٥ - ١٩٧، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٣٦/ ٣١٢ الخ

(٦٤)

الحديث في ميزان الدلالة
ويدل الحديث على أمور:
الأمر الأول: دلالة الحديث على تولي الخلفاء مباشرة بعد النبي (صلّى الله عليه وآله)
جاء في مسند أحمد: يكون بعدي اثنا عشر أميراً..(137) وفي سنن الترمذي: يكون من بعدي اثنا عشر أميراً..(138) وفي النقباء عن مسروق، قال: سأل رجل عبد الله بن مسعود هل حدثكم نبيكم (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) بعدة الخلفاء من بعده؟ قال: نعم، وما سألني عنها أحدٌ قبلك! قال: إن عدة الخلفاء بعدي عدة نقباء موسى (عليه السلام).(139)
وهذا الحديث وأمثاله واضح الدلالة على تولي الأئمة (عليهم السلام) الأمر بعد النبي (صلّى الله عليه وآله) مباشرة بلا فصل، وكونهم على التوالي، وخصوصاً حديث النقباء فيه دلالة ظاهرة على ذلك، فقوله: (عدة الخلفاء بعدي عدة نقباء موسى عليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(137) مسند أحمد بن حنبل: ٥/ ٩٢.
(138) سنن الترمذي: ٣/ ٣٤٠ح٢٣٢٣.
(139) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ١٦/ ٢٨٦، الكامل، عبد الله بن عدي: ٣/ ١٥، فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي: ٢/٥٨٢ ح٢٢٩٧، كنز العمال، المتقي الهندي: ٦/ ٨٩ ح١٤٩٧١، الجامع الصغير، جلال الدين السيوطي: ١/ ٣٥٠ ح٢٢٩٧.

(٦٦)

السلام) نص على حصر الخلفاء الشرعيين فيهم فقط، ومعنى هذا أن غير هؤلاء ليسوا شرعيين في خلافتهم, وخصوصاً مع ملاحظة سؤال السائل عنهم! وهذا لا ينطبق إلا على قول الإمامية التي تقول بإمامة اثني عشر إماماً بعد النبي (صلّى الله عليه وآله)، ولا ينطبق على قول السنة إذ أن الذين تولوا الأمر بعد النبي (صلّى الله عليه وآله) يزيدون عن هذا العدد بكثير، واختيار بعضهم دون بعض خلاف معنى الحديث، فليس عليه برهان ولا دليل! ولهذا وقع أكثرهم في حيرة فلم يهتدوا إلى معناه إلى يومك هذا!
الأمر الثاني: دلالة الحديث على إمامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيت
ويدل الحديث أيضاً دلالة واضحة على إمامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام).
أولاً: هذا الحديث بيان واضح، ونص ظاهر في إمامة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) من أهل البيت (عليهم السلام) أولهم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وآخرهم الإمام المهدي بن الحسن (عليهم السلام) فليس هناك أئمة حق اثنا عشر غيرهم في تأريخ الأمة، فهذا الحديث لا ينطبق إلا عليهم، فليس له مصداق غير أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فقد نص الحديث على استمرار هذا الدين إلى آخر الزمان ببقائهم، وهذا يعني أن خلافتهم خلافة إلهية، بيد الله تعالى وبأمره وبتأييد منه، بحيث يتوقف الدين على وجودهم، وهذا لا يتأتى إلا لمن اختاره الله واصطفاه، ضرورة أن الدين لا يضمحل ولا يزول بذهاب من يوليه الناس وينتخبونه، وهذا المعنى أمر ظاهر يُفهم من ألفاظ الحديث، وما أخبر النبي (صلّى الله عليه وآله) الصحابة بهذا الحديث إلا ليبين لهم قادة الأمة وأئمتهم الذين تجب عليهم طاعتهم وولايتهم.
أضف إلى ذلك أن النبي (صلّى الله عليه وآله) نص على أسمائهم واحداً واحداً، كما في أحاديث أخرى(140) هذا ولم تتفق الأمة جميعاً على نزاهة وطهارة اثني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(140) راجع فرائد السمطين، للجويني، وكذلك ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ففيها جملة من النصوص في ذلك.

(٦٧)

عشر رجلاً على التوالي من الأمة غيرهم، ويؤيد ذلك ما ورد في بعض الأحاديث: (كلهم يعمل بالهدى ودين الحق).(141)
وتشهد على ذلك أيضاً عشرات المصادر من كتب التأريخ والحديث والسيرة والأدب عند جمهور المسلمين، فقد تضافرت فيها كلمات كثير من أعلامهم بالثناء والمدح على أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وهذا لم يتأتى لأحد غيرهم.(142)
ولعل هذا هو المقصود مما جاء في الحديث المروي (كلهم تجتمع عليه الأمة) مع فرض صحة هذه العبارة يحتمل أن يكون المقصود منها اجتماع الأمة على القول بنزاهتهم واعترافهم بفضلهم، حتى خصومهم الذين جحدوهم لا يقدرون على ذمهم! فإن الله تعالى أظهر شأنهم وأعلى مكانهم مع ما جرى عليهم.
كما أن هذه العبارة وردت بهذا اللفظ فقط في رواية إسماعيل، عن أبيه بلفظ: (أظن ظناً أن أبي قال: كلهم تجتمع عليه الأمة)(143) فراوي الحديث هنا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(141) الخصال، الشيخ الصدوق: ٤٧٤ ح٣٢، تأريخ دمشق، ابن عساكر: ٤٥/ ١٨٩، فتح الباري، ابن حجر: ١٣/ ١٨٤.
(142) فراجع على سبيل المثال ما كتبه ابن طولون في كتابه (الأئمة الاثنا عشر (عليهم السلام)) وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة، وابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة في تراجمهم، والشبلنجي في نور الأبصار، وكذلك كتاب سير أعلام النبلاء في أجزائه المتفرقة، وكتاب صفوة الصفوة، وغير ذلك من الكتب التي تناولت سير أهل البيت (عليهم السلام) وحياتهم.
(143) والرواية هي عن الطبراني في المعجم الكبير: ٢/ ٢٠٨: عن ابن أبي خالد، عن أبيه، عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): لا يزال هذا الدين قائماً حتى يقوم اثنا عشر خليفة، قال إسماعيل: أظن ظناً أن أبي قال: كلهم تجتمع عليه الأمة.

(٦٨)

ليس قاطعاً بصدور هذه الجملة من النبي (صلّى الله عليه وآله)، بل هو مجرد ظن! والظن لا يغني من الحق شيئاً.
وهناك وجه آخر ذكر في كتاب ينابيع المودة، قال: وأما قوله (صلّى الله عليه وآله) في الحديث: (كلهم تجتمع عليه الأمة) في رواية عن جابر بن سمرة فمراده (صلّى الله عليه وآله) أن الأمة تجتمع على الإقرار بإمامة كلهم وقت ظهور قائمهم المهدي (رضي الله عنهم)(144) والله العالم بحقائق الأمور.
فهذا الحديث لا يقبل التأويل، ولا يحتمل التشكيك في أن المراد منهم هم أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فقد جاء التعبير عنهم في الروايات الواردة في هذا الشأن تارة بلفظ (خليفة)، وتارة بلفظ (قيم) وتارة بلفظ (أمير) الخ.. وكلها تدل على إمامتهم وولايتهم العامة على الناس كافة، وخلافتهم هذه ليست مجرد حكم أو رئاسة دنيا تنتخب من الناس، إن شاءوا ولوهم، وإن شاءوا عزلوهم! وإنما خلافة إلهية بيد الله تعالى جعلها فيمن انتجبهم واصطفاهم على الناس كافة.
هذا ولم يوجد إمامة اثني عشر على التوالي، وبهذا العدد في الأمة غيرهم، ولم يعرف الناس سواهم بهذه الخصوصية، وعلى كل حال إن هذا الحديث ليس له تفسير إلا بالأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) الذين خلفهم النبي (صلّى الله عليه وآله) في الأمة.
جاء في كتاب ينابيع المودة للقندوزي الحنفي قال بعض المحققين: إن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده (صلّى الله عليه وآله) إثنا عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان، علم أن مراد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من حديثه هذا الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته وعترته، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه، لقلتهم عن اثني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(144) ينابيع المودة، القندوزي: ٣ / ٢٩٢ - ٢٩٣.

(٦٩)

عشر، ولا يمكن أن يحمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر، ولظلمهم الفاحش إلا عمر بن عبد العزيز، ولكونهم غير بني هاشم، لأن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: كلهم من بني هاشم في رواية عبد الملك عن جابر، وإخفاء صوته (صلّى الله عليه وآله) في هذا القول يرجح هذه الرواية، لأنهم لا يُحسِّنون خلافة بني هاشم، ولا يمكن أن يحمله على الملوك العباسية لزيادتهم على العدد المذكور، ولقلة رعايتهم الآية (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(145) وحديث الكساء، فلا بد من أن يحمل هذا الحديث على الأئمة الاثني عشر من أهل بيته وعترته (صلّى الله عليه وآله) لأنهم كانوا أعلم أهل زمانهم، وأجلهم وأورعهم وأتقاهم، وأعلاهم نسباً، وأفضلهم حسباً، وأكرمهم عند الله، وكان علومهم عن آبائهم متصلاً بجدهم (صلّى الله عليه وآله) وبالوراثة واللدنية، كذا عرفهم أهل العلم والتحقيق، وأهل الكشف والتوفيق.
ويؤيد هذا المعنى - أي أن مراد النبي (صلّى الله عليه وآله) الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته - ويشهده ويرجحه حديث الثقلين، والأحاديث المتكثرة المذكورة في هذا الكتاب وغيرها.(146)
ثانياً: مما يدل على أن خلافة هؤلاء خلافة إلهية، هو تشبيههم بنقباء بني إسرائيل الذين اصطفاهم الله تعالى على الناس في زمانهم كما في حديث عبد الله بن مسعود الذي مر عليك آنفاً، يقول آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني دام ظله الشريف: إن اختياره (صلّى الله عليه وآله وسلم) للتنظير نقباء بني إسرائيل مع أن النظير للعدد متعدد، تنبيه على أن خلافتهم ليست بانتخاب من الناس، بل تعيين من الله، فقد قال الله تعالى عن النقباء: (وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا).(147)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(145) سورة الشورى، الآية: ٢٣.
(146) ينابيع المودة، القندوزي: ٣ / ٢٩٢ - ٢٩٣.
(147) سورة المائدة، الآية: ١٢.

(٧٠)

إن هؤلاء الأئمة من قريش، فهل يوجد خلفاء فيهم هذه المزايا، إلا على المذهب الحق؟ وهل يمكن تفسير الأئمة الاثني عشر إلا بأئمتنا (عليهم السلام)؟ وهل تحققت عزّة الإسلام وأهدافه في خلافة يزيد بن معاوية وأمثاله؟! لقد اعترف بعض المحققين من علماء العامة بأن بشارة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) لا تقبل الانطباق إلا على الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)...(148)
يقول السيد محمد رضا المدرسي اليزدي: وبغض النظر عن سائر الروايات التي بينت مسألة الخلافة والإمامة فإن هذه الطائفة من الأحاديث تدل بمفردها على بطلان كافة المذاهب غير مذهب الشيعة الاثني عشرية; بل أبعد من ذلك فهي دلالة صريحة على صحة وأحقية مذهب الشيعة الاثني عشرية; وذلك لأن أحداً من تلك المذاهب الإسلامية لا يعتقد بحصر الإمامة في اثني عشر فرداً سوى مذهب الشيعة، سيما بالالتفات للروايات التي صرحت بأن لكل زمان إماماً، لعدم اعتقاد أية جماعة وفرقة باثني عشر إماماً على طول الدهور والأزمان، بحيث لم يخل أي زمان من إمام من أولئك الأئمة الاثني عشر.
ولذلك تفتخر الشيعة الاثني عشرية من بين سائر الفرق الإسلامية بالاعتقاد بهؤلاء الأئمة الاثني عشر، وأن أولهم علي (عليه السلام) وآخرهم القائم بالحق المهدي صاحب الزمان (عليه السلام) وهو حي مغيب.
وعليه فالروايات القطعية والمتواترة (الأئمة اثنا عشر) سيما إذا ضمت إليها الروايات الدالة على استمرار الإمامة على مدى الزمان، لدلالة كافية وافية على بطلان جميع المذاهب غير مذهب الشيعة الاثني عشرية، إلى جانب دلالتها على أحقية المذهب...(149)
ويقول السيد محمد تقي الحكيم: والذي يستفاد من هذه الروايات:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(148) منهاج الصالحين، الشيخ الوحيد الخراساني: ١/١٩٩.
(149) التشيع من رأي التسنن، السيد محمد رضا المدرسي اليزدي: ٤٦.

(٧١)

١ - إن عدد الأمراء أو الخلفاء لا يتجاوز الاثني عشر، وكلهم من قريش.
٢ - وإن هؤلاء الأمراء معينون بالنص، كما هو مقتضى تشبيههم بنقباء بني إسرائيل لقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا).
٣ - إن هذه الروايات افترضت لهم البقاء ما بقي الدين الإسلامي، أو حتى تقوم الساعة، كما هو مقتضى رواية مسلم السابقة، وأصرح من ذلك روايته الأخرى في نفس الباب: لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان.(150)
وإذا صحت هذه الاستفادة فهي لا تلتئم إلا مع مبنى الإمامية في عدد الأئمة وبقائهم، وكونهم من المنصوص عليهم من قبله (صلّى الله عليه وآله)، وهي منسجمة جداً مع حديث الثقلين وبقائهما حتى يردا عليه الحوض.
وصحة هذه الاستفادة موقوفة على أن يكون المراد من بقاء الأمر فيهم بقاء الإمامة والخلافة - بالاستحقاق - لا السلطة الظاهرية، لأن الخليفة الشرعي خليفة يستمد سلطته من الله، وهي في حدود السلطنة التشريعية لا التكوينية، لأن هذا النوع من السلطنة هو الذي تقتضيه وظيفته كمشرع، ولا ينافي ذلك ذهاب السلطنة منهم في واقعها الخارجي لتسلط الآخرين عليهم.
على أن الروايات تبقى بلا تفسير لو تخلينا عن حملها على هذا المعنى لبداهة أن السلطنة الظاهرية قد تولاها من قريش أضعاف أضعاف هذا العدد، فضلاً عن انقراض دولهم، وعدم النص على أحد منهم - أمويين وعباسيين - باتفاق المسلمين.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الروايات كانت مأثورة في بعض الصحاح والمسانيد قبل أن يكتمل عدد الأئمة، فلا يحتمل أن تكون من الموضوعات بعد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(150) صحيح مسلم: ٦/ ٣، صحيح البخاري: ٤/ ١٥٥.

(٧٢)

اكتمال العدد المذكور، على أن جميع رواتها من أهل السنة، ومن الموثوقين لديهم.
ولعل حيرة كثير من العلماء في توجيه هذه الأحاديث وملاءمتها للواقع التأريخي، كان منشؤها عدم تمكنهم من تكذيبها، ومن هنا تضاربت الأقوال في توجيهها وبيان المراد منها..
والحقيقة إن هذه الأحاديث لا تقبل توجيهاً إلا على مذهب الإمامية في أئمتهم، واعتبارها من دلائل النبوة في صدقها عن الإخبار بالمغيبات، أولى من محاولة إثارة الشكوك حولها كما صنعه بعض الباحثين المحدثين متخطياً في ذلك جميع الاعتبارات العلمية، وبخاصة بعد أن ثبت صدقها بانطباقها على الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) على أنا في غنى عن هذه الروايات وغيرها بحديث الثقلين نفسه، فهو الذي ترك بأيدينا مقياساً لتشخيص العصمة في أصحابها، وقديماً قيل: (اعرف الحق تعرف أهله).(151)
والمقياس في العصمة هو عدم الافتراق عن القرآن، فلنمسك بأيدينا هذا المقياس، ونسبر به الواقع السلوكي لجميع من تسموا بالأئمة لدى فرق الشيعة، ونختار أجدرهم بالانطباق عليه لنتمسك بإمامته.
وأظن أن الأنسب والأبعد عن الإدعاء أن نهمل كتب الشيعة على اختلافها، وننزع إلى كتب إخواننا من أهل السنة ونجعلها الحكم في تطبيق هذا المقياس عليهم، فإنها أقرب إلى الموضوعية عادة من كتب قد يقال في حق أصحابها أن كل طائفة تريد التزيد لأئمتها بالخصوص.
ولنا من ابن طولون مؤرخ دمشق في كتابه (الأئمة الاثنا عشر)، وابن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(151) من أقوال وحكم مولانا أمير المؤمنين علي (عليه السلام): الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله. راجع: روضة الواعظين، الفتال النيسابوري: ٣١، تفسير القرطبي: ١/ ٣٤١.

(٧٣)

حجر في صواعقه، والشيخ سليمان البلخي وغيرهم رادة لأمثال هذه البحوث.
ولنترك قراءة تراجمهم جميعاً للأخ أبي زهرة ليرى أيهم أكثر انسجاماً في واقعه مع المقياس الذي استفدناه من حديث الثقلين، يقول أحمد وهو يعلق على حديث الإمام الرضا عن آبائه (عليهم السلام) حين مرَّ بنيسابور: لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جنته.(152)
والذي نرجوه ونأمل أن لا ننساه ونحن نستعرض تراجمهم، أن هؤلاء الأئمة الاثني عشر قد ادعوا لأنفسهم الإمامة في عرض السلطة الزمنية، واتخذوا من أنفسهم كما اتخذهم الملايين من أتباعهم قادة للمعارضة السلمية للحكم القائم في زمنهم، وكانوا عرضة للسجون والمراقبة، وكثير منهم قُتل بالسم، وفيهم من استُشهد في ميدان الجهاد على يد القائمين بالحكم.
وفي هؤلاء الأئمة من تولى الإمامة وهو ابن عشرين سنة كالحسن العسكري، بل فيهم من تولى منصبها وهو ابن ثمان كالإمامين الجواد والهادي.
ومن المعروف عن الشيعة ادعاؤهم العصمة لأئمتهم الملازمة لدعوى الإحاطة في شؤون الشريعة جميعها، بل ادعوا الأعلمية لهم في جميع الشؤون، وهم أنفسهم صرّحوا بذلك.
ومن كلمات أئمتهم في ذلك كله ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهجه الخالد: نحن شجرة النبوة، ومحط الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحِكَم..(153) وقوله (عليه السلام): أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذباً وبغياً علينا، أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم، بنا يستعطى الهدى، ويستجلى العمى، إن الأئمة من قريش غرسوا في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(152) الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي: ٢٠٥، (الفصل الثالث).
(153) نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السلام): ١/ ٢١٥، خطبة رقم: ١٠٩.

(٧٤)

هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم...(154)
وقول علي بن الحسين السجاد (عليه السلام): وذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا! واحتجوا بمتشابه القرآن، فتأولوا بآرائهم، واتهموا مأثور الخبر فينا، إلى أن يقول: فإلى من يفزع خلف هذه الأمة، وقد درست أعلام هذه الأمة، ودانت الأمة بالفرقة والاختلاف يكفر بعضهم بعضاً، والله تعالى يقول: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ)(155) فمن الموثوق به على إبلاغ الحجة، وتأويل الحكم إلا أعدال الكتاب، وأبناء أئمة الهدى، ومصابيح الدجى الذين احتج الله بهم على عباده، ولم يدع الخلق سدى من غير حجة، هل تعرفونهم أو تجدونهم إلا من فروع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا...(156)
ومع هذه الأقوال ونظيرها صادر عن أكثر الأئمة، وهم مصحرون بمبادئهم، أما كان بوسع السلطة وهي تملك ما تملك من وسائل القمع أن تقضي على هذه الجبهة من المعارضة ذات الدعاوى العريضة من أيسر طرقها، وذلك بتعريض أئمتها لشيء من الامتحان العسير في بعض ما يملكه العصر من معارف، وبخاصة ما يتصل منها بغوامض الفقه والتشريع ليسقط دعواها في الأعلمية من الأساس، أو يعرضهم إلى شيء من الامتحان في الأخلاق والسلوك ليسقط ادعاءهم العصمة.
وإذا كان في الكبار منهم عصمة وعلم، نتيجة دربة ومعاناة فما هو الشأن في ابن عشرين عاماً أو ابن ثمان، فهل تملك الوسائل الطبيعية تعليلاً لتمثلهم لذلك كله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(154) نفس المصدر: ٢/ ٢٧، خطبة رقم: ١٤٤.
(155) سورة آل عمران، الآية: ١٠٥.
(156) الصحيفة السجادية، الإمام زين العابدين (عليه السلام): ٥٢٤، رقم: ٢١٩.

(٧٥)

ولو كان هؤلاء الأئمة في زوايا أو تكايا، وكانوا محجوبين عن الرأي العام، كما هو الشأن في أئمة الإسماعيلية أو بعض الفرق الباطنية لكان لإضفاء الغموض والمناقبية على سلوكهم من الاتباع مجال، ولكن ما نصنع وهم مصحرون بأفكارهم وسلوكهم وواقعهم، تجاه السلطة وغيرها من خصومهم في الفكر، والتأريخ حافل بمواقف السلطة منهم، ومحاربتها لأفكارهم، وتعريضهم لمختلف وسائل الإغراء والاختبار، ومع ذلك فقد حفل التأريخ بنتائج اختباراتهم المشرفة وسجلها بإكبار.(157)
ونخلص من ذلك كله إلى أن: (هذه الأحاديث لا تنطبق إلا على مذهب الإمامية، لأنه ليس في الأمة من قد ادعى هذا العدد غير الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) ولا تنطبق على غيرهم كائناً من كان، وقد صنف في هذه الأحاديث العلامة محمد معين السندي كتاباً مفرداً سماه (مواهب سيد البشر في حديث أئمة الاثني عشر) وأثبت أن المراد بهذه الأحاديث أئمتنا الاثني عشر المعروفين بأسمائهم (عليهم السلام) كما أنه أثبت أيضاً في كتابه (دراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب) إن الذين أمر بالرجوع إليهم من العترة في حديث الثقلين هم الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) الذين لا شائبة في كونهم معصومين، ومختصين بالعلوم التي تلقوها عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
ومنها: النصوص المصرحة بأسمائهم وأوصافهم (عليهم السلام)، وقد أخرجها من طرق العامة القندوزي في ينابيع المودة عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): يا علي أنت وصيي، حربك حربي، وسلمك سلمي، وأنت الإمام، وأبو الأئمة الإحدى عشر الذين هم المطهرون المعصومون، ومنهم المهدي الذي يملأ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(157) الأصول العامة للفقه المقارن، السيد محمد تقي الحكيم: ١٧٨ - ١٨٣.

(٧٦)

الأرض قسطاً وعدلاً.(158)
وأخرج (أيضاً) قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): الأئمة من بعدي اثنا عشر، أولهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي يفتح الله (عزَّ وجلَّ) على يديه مشارق الأرض ومغاربها.(159)
وأخرج الحموئي في فرايد السمطين، والسيد علي الهمداني في مودة القربى: عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): أنا سيد النبيين، وعلي بن أبي طالب سيد الوصيين، وأن أوصيائي اثنا عشر، أولهم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم(160) إلى آخر تلك النصوص الواردة في حقهم (عليهم السلام)).(161)
وكل هذه الأحاديث التي سقناها إليك آنفاً تدل بمجموعها على ما بيناه، ويفسر بعضها بعضاً، فهي جميعها من باب واحد، يفهمها كل من له أدنى اطلاع على فقه الحديث الشريف، ومن الأساتذة الذين توصلوا إلى ذلك، واعترفوا بانطباقها على أئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) هو الأستاذ سعيد أيوب المصري في كتابه ابتلاءات الأمم، إذ يقول: ولما كانت منزلة علي بن أبي طالب من النبي صلى لله عليه وآله وسلم كمنزلة هارون من موسى، ولما كان أهل موسى من ذرية هارون هم وحدهم أهل الاختصاص بتفسير الشريعة، وأهل محمد (صلّى الله عليه وآله) هم وحدهم مع القرآن الكريم في حبل واحد، ولن يفترقا حتى يردوا على الحوض، فعلى هذا يمكن فهم حديث الاثني عشر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(158) ينابيع المودة، القندوزي: ١/ ٢٥٣ح١٠.
(159) نفس المصدر: ٣/ ٣٩٥ح٤٦.
(160) فرائد السمطين، الجويني: ٢/ ٣١٣ ح٥٦٤، ينابيع المودة، القندوزي:٢/ ٣١٦ ح٩١١، و٣/ ٢٩١ح٧، و٢٩٥ ح٣، مودة القربى: ٢٩.
(161) راجع كتاب مقتضب الأثر، (المقدمة): ص١٠.

(٧٧)

أميراً السابق ذكره، والذي روي بألفاظ متعددة، ومنها قول النبي (صلّى الله عليه وآله): إن عدة الخلفاء بعدي عدة نقباء موسى، وفي رواية: اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل.
والأمة الخاتمة امتحنها الله تعالى بأهل بيت النبي (صلّى الله عليه وآله) كما امتحن سبحانه بني إسرائيل بأهل بيت موسى من بعده، وروي أن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي.(162)
وقال (صلّى الله عليه وآله): يا أيها الناس، إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي.(163)
وانطلقت المسيرة تحت مظلة الامتحان، لينظر الله تعالى إلى عباده كيف يعملون! بعد أن استخلفهم كما استخلف الذين من قبلهم، ومن معجزات النبوة قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم): لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لا تبعتموهم، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى، قال: فمن؟!.(164)
المراد بالشبر والذراع وجحر الضب: التمثيل بشدة الموافقة لهم.. وكل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(162) صحيح مسلم: ٧/ ١٢٣، فضائل الصحابة، النسائي: ٢٢، صحيح ابن خزيمة: ٤/ ٦٣، المعجم الكبير، الطبراني: ٥/ ١٨٢، مسند أحمد بن حنبل: ٤/ ٣٦٧.
(163) سنن الترمذي:٥/ ٣٢٨ ح٣٨٧٤ وحسنه، كتاب السنة، عمرو بن أبي عاصم: ٦٣٠ ح١٥٥٣ - ١٥٥٨، فضائل الصحابة، النسائي: ١٥، المعجم الكبير، الطبراني: ٣/ ٦٦، مسند أبي يعلى الموصلي: ٢/ ٣٧٦ح١٦٦، المستدرك، الحاكم النيسابوري: ٣/ ١٠٩.
(164) صحيح البخاري: ٨/ ١٥١، صحيح مسلم: ٨/ ٥٧، مسند أحمد بن حنبل: ٢/ ٣٢٧.

(٧٨)

مقدمة أول الزمان ستلحق بها نتيجتها آخر الزمان، والناس في بداية الطريق، يعرفون طريق الخير وطريق الشر، ولكن للأهواء زخرف وزينة، ومع الأهواء يسيرون في طريق لا يرون إلا بدايته أو وسطه ولا يرون في نهاية الطريق، لأن نهاية الطريق لا ترى إلا بعد أن تجيء.(165)
الإمام المهدي (عليه السلام) أحد الخلفاء الاثني عشر
قد اعترف بعض أكابر السنة بأن الإمام المهدي (عليه السلام) هو أحد الخلفاء الاثني عشر الذين بشر بهم النبي (صلّى الله عليه وآله)، ولا سبيل لإنكار ذلك، مع وضوح الحديث الذي لا يقبل الشك في كون الإمام المهدي (عليه السلام) هو أحد الذين سوف يكون الدين عزيزاً منيعاً في أيامهم، والقول خلاف ذلك، وإخراجه من هذه الدائرة يلزم منه تكذيب هذه الأحاديث الشريفة.
ومما لا شك فيه أن عصر الإمام المهدي (عليه السلام) من أظهر مصاديق العزة والكرامة، إذ سوف تظهر هذه العزة بشكلٍ بيّن لسائر الأمم، وأي منعة وعزة للدين أعظم من ظهوره على سائر الأديان في زمنه حتى لايبقى ظلمٌ على وجه الأرض، ولا دينٌ غير الإسلام، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ).(166)
قال البستوي: إلا أن هناك أقوالاً تفسر هذا الحديث (أي حديث الخلفاء اثنا عشر) بحيث أن المهدي يدخل فيه، ولعل الإمام أبا داود يفسر الحديث بهذه الأقوال أيضاً، ولذلك أورد هذا الحديث في باب المهدي(167).(168)
وقال البستوي في موضع آخر: إن الحديث لا شك في صحته، وإن بعض

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(165) ابتلاءات الأمم، سعيد أيوب: ٣٨ - ٤٠.
(166) سورة التوبة، الآية:٣٣.
(167) راجع: سنن أبي داود: ٢/ ٣٠٩ (٣١ - كتاب المهدي).
(168) المهدي المنتظر (عليه السلام)، البستوي: ٣٣٤.

(٧٩)

العلماء يعد المهدي المبشر من هؤلاء الاثني عشر، وعلى هذا ذكره الإمام أبو داود في باب المهدي من سننه.(169)
وأضيف القول هنا أيضاً: قد أصحرت نصوص أخرى على إمامة الإمام المهدي (عليه السلام) من كتب السنة، فعلى هذا لا يسوغ لأحد أن ينكر إمامته التي جاءت بالنص عليه كما في جملة من الروايات المتواترة عند السنة، فليست إمامته إذن بالإنتخاب أو البيعة أو الشورى، فليس لأحد من الناس يد في توليته، ويكفي في دلائل إمامته (عليه السلام) أن المسيح عيسى بن مريم يصلي خلفه.
فعلى هذا لابد للسنة إذن أن يلتزموا بالقول أن إمامته من الله تعالى، وكذلك ما يتفرع عليها من شؤون الإمامة وخصائصها،، ويتفرع على هذا أيضاً الإلتزام ببطلان جميع خلافة الخلفاء والحكام في وقت خروجه وظهوره، ووجوب تسليم أزمة الأمور كلها إليه، فليس لأحد غيره أمر أو نهي، ووجب على الجميع طاعته والإنقياد إليه، لأنه ليس هناك خليفة حقّ غيره.
ونخلص من هذا كله أن إمامة المهدي (عليه السلام) إمامة شرعية من الله تعالى، وبتأييد منه، وقد اعترف الدكتور عبد العليم البستوي بذلك في قوله: وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) بذكر المهدي، وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين.. ويصلي عيسى خلفه، ولقد كان الأمر سهلاً ميسوراً، فلم يكن وجود خلافة من هذا القبيل أمراً مستبعداً على العقول والأذهان، ولا بعيداً عن القلوب والوجدان...(170)
أقول: ومن الروايات الواردة في كتب السنة والتي نصت على إمامته، وكونه خليفة الله تعالى، هو ما جاء في مسند أحمد بن حنبل: عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(169) المهدي المنتظر (عليه السلام)، البستوي: ٣٣٧.
(170) المهدي المنتظر (عليه السلام)، البستوي: ٦٠ - ٦١.

(٨٠)

قبل خراسان، فائتوها، فإن فيها خليفة الله المهدي.(171)
وفي بعضها الأخرى أيضاً جاء بلفظ (ليبعثن الله) وهي صريحة في كونه إماماً من الله تعالى، كما في رواية أبي سعيد الخدري عن رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قال: ليبعثن الله (عزَّ وجلَّ) في هذه الأمة خليفة يحثي المال حثياً، ولا يعده عداً.(172)
وقد جاء ذلك أيضاً على لسان بعض الصحابة كابن عباس، فقد كان يقول: يبعث الله تعالى المهدي بعد أياس، وحتى يقول الناس: لا مهدي.(173)
هذا وقد نصت أيضاً بعض الروايات على أن الله تعالى يصلح أمره في ليلة(174) وأيّ تأييد إلهي أعظم من هذا! إذ يجمع الله له أمره كله في ليلة واحدة، ويهيأ له أسباب النصر والظفر، ويورثه جميع الأمور، فهذا لا يتسنى إلا لذي حظ عظيم عند الله تعالى قد اصطفاه على سائر الناس كافة.
كما أن هذه الروايات وأمثالها تؤيد ما ذهبت إليه الشيعة الإمامية من أن تعيين الإمام هو بيد الله تعالى، وليس خاضعاً للبشر، وليس لهم في ذلك يد، فالإمامة لا تنعقد بالشورى أو البيعة!
ونخلص من هذا أيضاً: أنه قد ثبتت إمامة الإمام المهدي (عليه السلام) من الله تعالى بالنص عليه، وأنه خليفة الله كما في روايات السنة، وهو أيضاً أحد الخلفاء الاثني عشر الذين بشّر بهم النبي (صلّى الله عليه وآله) ونص على خلافتهم،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(171) مسند أحمد بن حنبل: ٥/ ٢٧٧، كتاب الفتن، نعيم بن حماد المروزي: ١٨٨، البداية والنهاية، ابن كثير: ٦/ ٢٧٦.
(172) مسند أحمد بن حنبل: ٣/ ٩٦.
(173) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ٣٢/ ٢٨١.
(174) راجع: مسند أحمد بن حنبل:١/٨٤، سنن ابن ماجة: ٢/ ١٣٦٧ ح٤٠٨٥،المصنف، ابن أبي شيبة الكوفي: ٨/ ٦٧٨ ح١٩٠.

(٨١)

وعزة الدين في أيامهم، وذهاب الحياة بذهابهم.
فعلى هذا لا بد من القول بإمامة جميع هؤلاء الخلفاء الاثني عشر على حدّ سواء، وأن خلافتهم من الله تعالى، اصطفاهم لعزة دينه، وجعلهم ولاة على الناس بأمره، وافترض طاعتهم على الناس كافة، فلا يمكن أبداً التفكيك في إمامة بعض دون آخرين من هؤلاء الاثني عشر، فكلهم في فلك واحد، ومن سنخ واحد، والقول بإمامة بعض دون بعض منهم، وانتقاء آخرين من غير هذه المنظومة ما هو إلا تخبط وافتراء يرفضه منطق البحث العلمي الموضوعي.(175)
وما زعمه السنة أنهم من الخلفاء الاثني عشر، ممن انتقوهم من هنا وهناك! ليسوا على الإطلاق من سنخ الإمام المهدي (عليه السلام)، وحاشا أن يُخلط هذا الإمام الذي يصلي خلفه نبي الله عيسى بن مريم، ويُحشر في عداد من ذكروهم من سائر الخلفاء الذين اختاروهم بلا دليل ولا برهان، ممن لا يوزنون بالإمام المهدي (عليه السلام) لا في علم ولا حلم، ولا في سائر الخصال الأخرى.. وهذا الأمر غير قابل للإنكار!
وأنى يقاس به أحد! وهو من أهل البيت الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.. وهو الذي قال في حقه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كما روي عنه: المهدي طاووس أهل الجنة(176) فهو الإمام النقي التقي الذي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(175) ومن الواضح جداً أن ممن ذكروهم من الحكام والخلفاء، وزعموا أنهم من الخلفاء الاثني عشر الذين بشّر بهم النبي (صلّى الله عليه وآله) لاينطبق عليهم الحديث! لأن بعضهم جاء للسلطة والخلافة من طريق البيعة، وآخرون من طريق الغلبة، وآخرون أخذوها وراثة ممن كان قبلهم، فهؤلاء إذن ولاهم الناس، وليس الله تعالى! مع أن الحديث ظاهره أن الله تعالى هو الذي اختارهم، وهو الذي أيدهم واصطفاهم، فإن لم يكونوا أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فأين هم إذن خلفاء الله تعالى الذين اصطفاهم لعزة دينه؟! وما هي علاماتهم التي تقود الناس إليهم؟!.
(176) كشف الغمة, الإربلي: ٣ / ٢٨٢، ينابيع المودة، القندوزي: ٢/٨٢ ح١٢٤، عن الديلمي في الفردوس: ٤/ ٢٢٢ح٦٦٦٨.

(٨٢)

يبعثه الله تعالى فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً، وقد جاء في بعض الروايات (كلهم يعمل بالهدى ودين الحق)(177) إن هذه شهادة عظيمة لا تنطبق إلا على من اصطفاه الله تعالى وعصمه، وهم الأئمة المعصومون الاثنا عشر من أهل البيت (عليهم السلام) فهم الذين كانوا على نسق واحد حلماً وعلماً وطهارة، وفي سائر الخصال الأخرى، فكيف يقاس به هؤلاء؟! وهو من قد علمت، لا يدرك شأوه..!
ولكننا نرى أن السنة لم يعولوا على مضامين هذه الأحاديث الشريفة مع ظهورها البيّن في إمامة أهل البيت (عليهم السلام) على الأمة، مع روايتهم لها في مصادرهم، فإن مفاد هذه النصوص كلها لا ينطبق إلا على الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) الذين تقول الشيعة الإمامية بإمامتهم وعصمتهم (عليهم السلام)، فتركوهم إلى غيرهم، ومع ذلك تحيروا في تطبيق هذا الحديث على أي من الخلفاء، وكثير منهم ممن سمى بعض الخلفاء أورده على سبيل الاحتمال لا القطع إلى غير ذلك مما تلمسوه للحديث من التفاسير الواهية والعشوائية التي لا يتحملها منطق البحث العلمي!.
الأمر الثالث: إن الأرض لا تخلو منهم أبداً
وقد نصت هذه الروايات أيضاً على استمرار هذا الدين وعدم انقطاعه إلى آخر الزمان على وجود الخلفاء الاثني عشر، ولو كان الدين يبقى بدونهم لأصبحت كلّ هذه الأحاديث لغواً.
فقد جاء في صدر بعض هذه الروايات (لا يزال هذا الدين قائماً) وفي عبارة أخرى (لا يضر هذا الدين من ناوأه) وفي عبارة ثالثة (لا تبرحون بخير ما قام عليكم اثنا عشر أميراً) وفي عبارة رابعة (لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(177) الخصال، الشيخ الصدوق: ٤٧٤ ح٣٢، تأريخ دمشق، ابن عساكر: ٤٥/ ١٨٩، فتح الباري، ابن حجر: ١٣/ ١٨٤.

(٨٣)

عشر خليفة) وفي خامسة كما في رواية أبي جحيفة (لا يزال أمر أمتي صالحاً حتى يمضى اثنا عشر خليفة) وكلّ هذه التعابير والألفاظ عبارة عن استمرار الدين ببقائهم ووجودهم، ومعنى هذا هم عماد الدين وسنامه، فإذا ذهبوا انتهى العالم.
وهذا الأمر ينطبق تمام الانطباق على قول الشيعة الإمامية أن الأرض لا تخلو من حجة لله تعالى في الأرض، لا يستقيم الدين إلا به، وقد ورد عندنا نفس معاني هذه الأحاديث في مصادرنا في حق الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، والتي منها:
ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: اللهم إنك لا تخلي الأرض من حجة لك على خلقك ظاهر أو خاف مغمور لئلا تبطل حججك وبيناتك.
وعن أبي عبد الله، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) أنه قال في خطبة له على منبر الكوفة: اللهم إنه لابد لأرضك من حجة لك على خلقك، يهديهم إلى دينك، ويعلمهم علمك، لئلا تبطل حجتك، ولا يضل أتباع أوليائك بعد إذ هديتهم به، إما ظاهر ليس بالمطاع، أو مكتتم مترقب، إن غاب عن الناس شخصه في حال هدايتهم، فإن علمه وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة، فهم بها عاملون.(178)
وعن يعقوب السراج قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): تبقى الأرض بلا عالم حي ظاهر يفزع إليه الناس في حلالهم وحرامهم؟ فقال لي: إذاً لا يعبد الله يا أبا يوسف.
وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله لا يدع الأرض إلا وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردهم، وإذا نقصوا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(178) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٣٠٢ح١٠ و١١.

(٨٤)

أكمله لهم، فقال: خذوه كاملاً، ولولا ذلك لالتبس على المؤمنين أمرهم، ولم يفرق بين الحق والباطل.(179)
الأمر الرابع: انتهاء العالم بذهابهم جميعاً
ويستفاد من مجموع هذه الأحاديث أيضاً أن نهاية العالم تكون بموت الخليفة الثاني عشر، ويفهم هذا من كلمة (ثم يكون الهرج)(180) وهو عبارة عن الفتنة والقتل(181) ويؤيده أيضاً كلمة (ثم يخرج كذابون بين يدي الساعة) وكذلك قوله: (لن يزال هذا الدين قائماً إلى اثني عشر من قريش، فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها).(182)
وفي فتح الباري عن ابن الجوزي: (ثم يكون الهرج) أي الفتن المؤذنة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(179) علل الشرائع، الشيخ الصدوق: ١/ ١٩٥ - ١٩٦ح٢ - ٤.
(180) ومثله ما جاء في إعلام الورى: للشيخ الطبرسي: ٢/ ١٦١ عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): لن يزال هذا الدين قائماً إلى اثني عشر من قريش، فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها.
(181) جاء في صحيح البخاري: ٧/ ٨٢: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، ويكثر الهرج! قالوا: وما الهرج؟ قال: القتل! القتل!.
وفي مسند أحمد بن حنبل: ١/ ٣٨٩ عن أبي وائل، قال: كنت جالساً مع عبد الله وأبي موسى فقالا: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): إن بين يدي الساعة أياماً ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج! قال: قلنا: وما الهرج؟ قال: القتل.
وفي علل الدارقطني: ٧ / ٢٣٦ ح١٣١٧، وكتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي: ٢٣ - ٢٤: عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): إن بين يدي الساعة لهرجاً! قلت: وما الهرج؟ قال: القتل.. الخ
(182) كنز العمال، المتقي الهندي: ١٢/ ٣٣ - ٣٤ ح٣٣٨٦١.

(٨٥)

بقيام الساعة من خروج الدجال، ثم يأجوج ومأجوج إلى أن تنقضي الدنيا.(183)
ردود ونقود:
دعوى أن الخلفاء الاثني عشر قد انتهوا بنهاية خلافة هشام بن عبد الملك
قال البستوي: ولكن الراجح كما سبق أن الاثني عشر خليفة قد انتهوا بنهاية خلافة هشام بن عبد الملك الأموي، ولا شك أن الدين كان قائماً ظاهراً في أيامهم مع وجود بعض الخلافات الداخلية في فترات مختلفة والله أعلم.(184)
أقول: أولاً: هذه الدعوى لا دليل عليها، وما هي إلا تخرص! ولو كان ذلك صحيحاً لما خفي على أمة الإسلام كلها، وعلمه فقط البستوي وأمثاله! فإن الناس كلهم، وكذلك أهل السير والتاريخ لا يفرقون بين زمن هشام بن عبد الملك وزمن من أتى من بعده، وكلاهما على حدٍّ سواء!
ثانياً: هناك بعض النصوص التي تشير إلى نهاية الحياة بعد الإمام الخليفة الثاني عشر، وهذا لا يتناسب مع هذا القول! فمن الروايات ما رواه المتقي الهندي: عن ابن النجار، عن أنس، عن رسول الله صلى الله (صلّى الله عليه وآله): لن يزال هذا الدين قائماً إلى اثني عشر من قريش، فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها.(185)
وفي المعجم الكبير: (لا يزال الدين قائماً حتى يكون اثنا عشر خليفة من قريش، ثم يخرج كذابون بين يدي الساعة).(186)
وفي صحيح ابن حبان: عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله (صلّى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(183) فتح الباري، ابن حجر: ١٣/ ١٨٤.
(184) المهدي المنتظر (عليه السلام)، البستوي: ٣٣٧.
(185) كنز العمال، المتقي الهندي: ١٢/ ٣٣ - ٣٤ ح٣٣٨٦١.
(186) المعجم الكبير، الطبراني: ٢/ ١٩٩و ٢٠٨.

(٨٦)

الله عليه [وآله] وسلم) يقول: يكون بعدي اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش، فلما رجع إلى منزله أتته قريش، قالوا: ثم يكون ماذا؟ قال: ثم يكون الهرج.(187)
وهي صريحة في أن قيام الساعة تكون بعد موت الخليفة الثاني عشر، وكل هذه العبارات ترجع إلى أمر واحد، وهو قيام الساعة!
ومن هنا ذكر أبو داود في السنن حديث الخلفاء الاثني عشر في باب المهدي، مما يدل على أنه قد عده الثاني عشر من سلسلة الخلفاء، فعلى هذا يكون خاتمة الخلفاء.
دعوى أن هؤلاء الخلفاء ليسوا على التوالي
قال ابن كثير: ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحاً يقيم الحق ويعدل فيهم، ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم بل قد وجد منهم أربعة على نسق، وهم الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند الأئمة وبعض بني العباس، ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة، والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره...(188)
وقال السيوطي: إن المراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدة الإسلام إلى القيامة يعملون بالحق، وإن لم يتوالوا.(189)
وفي المرقاة: قال التوربشتي: السبيل في هذا الحديث، وما يتعقبه في هذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(187) صحيح ابن حبان: ١٥/ ٤٣ - ٤٤، مسند أحمد بن حنبل: ٥/ ٩٢، سنن أبي داود: ٢/ ٣٠٩ ح٤٢٨١، المعجم الأوسط، الطبراني: ٦/ ٢٦٨، المعجم الكبير، الطبراني: ٢/ ٢٥٣.
(188) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٤.
(189) تأريخ الخلفاء، السيوطي: ١٢، فيض القدير، المناوي: ٢/ ٥٨٢.

(٨٧)

المعنى، أن يحمل على المقسطين منهم، فإنهم هم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة، ولا يلزم أن يكونوا على الولاء...(190).
وقال البستوي: ومن جملة هذه الأقوال: إن الحديث يبشر بوجود اثني عشر خليفة من أمراء الإسلام يعملون بسنة النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم)، ولا يلزم أن يكونوا متوالين بل في مدة الإسلام كله إلى يوم القيامة، وقد ذكر العظيم آبادي(191) عن بعض العلماء أنهم قالوا: قد مضى منهم الخلفاء الأربعة، ولا بد من تمام هذا العدد قبل قيام الساعة.(192)
أقول في جوابه: إن هذه الدعوى غير صحيحة، وذلك لأمور، منها:
أولاً: ما جاء في مضامين الحديث يخالف ما ذكر من التوجيه! فقد جاء في بعض ألفاظ الأحاديث، وهي بلا شك تفسر بعضها بعضاً: (لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش)(193) فهو صريح في أن الدين مستمر ببركة هؤلاء الاثني عشر، فلا يمكن أن تخلو فترة زمنية من أحدهم أبداً إلى أن تقوم الساعة.
وقد جاء في حديث آخر أيضاً: (لا يزال الدين عزيزاً) وهو ظاهر في كونهم على التوالي، إذ كونه عزيزاً ومنيعاً إلى يوم القيامة إنما هو بوجودهم، وهذا يقتضي عدم خلو الزمان من أحدهم، وإلا لكان وجودهم وعدمهم سواء، ولا معنى أيضاً لأن يكون الدين عزيزاً في فترة دون أخرى!
ثانياً: لو كان المقصود أنهم ليسوا على التوالي لعرفهم سائر الناس، ولما خفي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(190) عون المعبود: ١١/ ٢٤٥.
(191) عون المعبود: ١١/ ٢٤٤.
(192) المهدي المنتظر (عليه السلام)، البستوي: ٣٣٤ - ٣٣٥.
(193) صحيح مسلم: ٦/ ٤.

(٨٨)

عليهم، ولميزوا عصورهم من عصور غيرهم، لأن أيامهم أيام نور وعزة بخلاف أيام غيرهم، فلو كان الأمر كما يزعمون لاشتهر هذه الأيام بين عامة الناس، ولما خفيت عليهم وعلمها بعض الأفراد فقط ممن يدعي أنهم ليسوا على التوالي! فإن عزة الإسلام ومنعته وقوته في أي زمن لا تخفى على الناس، شدة أو ضعفاً!.
ثم أن هؤلاء أنفسهم مضطربون أيضاً ومختلفون في تحديد هذه العصور من غيرها، فكلٌّ منهم ذهب إلى مذهب خلاف الآخر في تعيين زمن هؤلاء الخلفاء! وتحديد أيامهم، فلماذا لم يهتدوا إلى تمييز هذه الفترات بعينها، إذا كان الدين عزيزاً منيعاً في فترات حكمهم كما يقولون، ولكنهم للأسف ذهبوا إلى الانتقاء العشوائي في تعيين هؤلاء الخلفاء، بلا برهان ولا دليل، وما هو إلا تعسف، مالكم كيف تحكمون!

ثالثاً: لو كان ما يدعونه صحيحاً من كونهم ليسوا على التوالي، فلماذا تجاهل أو جهل كلّ هؤلاء الخلفاء هذا الحديث، ولم يعلموا أنه يعنيهم، فلماذا لم يخبروا الناس بهذا الوسام الخاص بهم، ولماذا لم يحتجوا به يوماً من الأيام على مناوئيهم وخصومهم، ولم يفتخروا به، لأن الدين أصبح عزيزاً منيعاً ظاهراً في أيامهم؟!
وأيّ وسام أعظم شأنا من هذا الوسام الذي يفتخر به كلُّ إنسان، أفكلُّ هؤلاء الخلفاء الذين حكموا لم يعرفوا حقيقة هذا الحديث وأنه يعنيهم! وعلمه فقط بعض الناس ممن أتى من بعدهم بمئات السنوات! ولو كان كما يقولون لذكره هؤلاء الحكام الذين سموهم، ولأطراهم الشعراء، وضمنوا ذلك في أشعارهم، ولكنا لم نجد شيء يذكر من ذلك كله!
ويؤيد أيضاً كون هؤلاء الخلفاء على التوالي حديث الثقلين كما في قوله (صلّى الله عليه وآله): (لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض) وهو ظاهر في عدم خلو الزمان من عترة النبي (صلّى الله عليه وآله)، فعدم افتراق القرآن عن العترة يعني بقاءهم جنباً إلى جنب إلى أن يأتيا الحوض.

(٨٩)

وما أخرجه أيضاً الجويني بإسناده عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) في حديث له: ومثل الأئمة من ولدك بعدي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجى، ومن تخلف عنها غرق، ومثلكم مثل النجوم كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة.(194)
وجاء في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام): ألا إن مثل آل محمد (صلّى الله عليه وآله) كمثل نجوم السماء إذا خوى نجم طلع نجم، فكأنكم قد تكاملت من الله فيكم الصنائع، وأراكم ما كنتم تأملون.(195)
فمفاد هذه الأحاديث هو عدم خلو الزمان منهم أبداً، وأنه كلما غاب نجم منهم طلع آخر.
زعمهم أنا نقول: إن الدين لم يظهر بالخلفاء الاثني عشر
قال ولي الله الدهلوي في كتابه (قرة العينين في تفضيل الشيخين): إن القائلين باثني عشر أئمة لم يقولوا بظهور الدين بهم، بل يزعمون أن الدين قد اختفى بعد وفاته (صلّى الله عليه [وآله] وسلم)، والأئمة كانوا يعملون بالتقية، وما استطاعوا أن يظهروه حتى أن علياً (رضي الله عنه) لم يقدر على إظهار مذهبه ومشربه.(196)
أولاً: قوله: (إن القائلين باثني عشر أئمة لم يقولوا بظهور الدين بهم)؟ هذا كذب محض، بل نحن نقول أن الدين لم يظهر إلا بهم، فهم حماة الدين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(194) فرائد السمطين، الجويني: ٢/ ٤٢٣ ح٥١٧ باب ٤٦، ينابيع المودة، القندوزي الحنفي: ١/٩٥ح٦، و٣٩١ح٣، فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، ابن عقدة الكوفي: ٤٣ - ٤٤.
(195) نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السلام):١/ ١٩٣ - ١٩٤، خطبة رقم: ٩٩.
(196) راجع: عون المعبود، العظيم أبادي: ١١/ ٢٤٦، المهدي المنتظر (عليه السلام)، البستوي: ٣٣٥.

(٩٠)

وعموده، وما كمل الدين إلا بولايتهم، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)(197) كما أصحر النبي (صلّى الله عليه وآله) بذلك في يوم غدير خمٍّ(198)، وكيف لا يظهر الدين بهم! وهم كما قال عنهم النبي (صلّى الله عليه وآله) كما روي: أئمة الهدى، ومصابيح الدجى(199) وقال عنهم: ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.(200)
ثانياً: قوله: (بل يزعمون أن الدين قد اختفى بعد وفاته (صلّى الله عليه [وآله] وسلم)
أقول: وهذا أيضاً كسابقه، فأين مصدر هذا الكلام، وعن أي كتاب أخذه، وما هو إلا افتراء؟! فإن الشيعة لم تقل أن الدين قد اختفى بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وإنما تقول: أن الحق أصبح بيد غير أهله، والكل يعلم ماذا يترتب على ذلك من أمور لا تحمد عقباها في الأمة.(201)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(197) سورة المائدة، الآية:٣.
(198) جاء في كتاب شواهد التنزيل، للحاكم الحسكاني: ١/ ٢٠١ - ٢٠٢ ح٢١٢ بإسناده عن أبي سعيد الخدري أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) دعا الناس إلى علي فأخذ بضبعيه فرفعهما، ثم لم يتفرقا حتى نزلت هذه الآية: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرّب برسالتي، والولاية لعلي ثم قال للقوم: من كنت مولاه فعلي مولاه.
(199) المناقب، الخوارزمي: ٧٥ح٥٥، ينابيع المودة، القندوزي: ١/ ٣٨٣ح١٠.
(200) ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري: ١٧، ينابيع المودة، القندوزي: ٢/ ١١٣ ح٣١٨.
(201) وأترك الكلام هنا للصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه يبين لنا بعض آثار هذا الأمر، وما جرى بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: أصبتم ذا السن منكم وأخطأتم أهل بيت نبيكم، لو جعلتموها فيهم ما اختلف عليكم اثنان ولأكلتموها رغدا. (شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ٢/ ٤٩، و٦/ ٤٣)
ومن ذلك أيضاً قول أبي ذر (رضي الله عنه)، قال ابن لهيعة: لما مات رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأبو ذر غائب، وقدم وقد ولي أبو بكر، فقال: أصبتم قناعه، وتركتم قرابه، لو جعلتم هذا الأمر في أهل بيت نبيكم لما اختلف عليكم اثنان. (السقيفة، الجوهري: ٦٢، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ٦/ ١٣)
ومن ذلك أيضاً قوله لما بويع عثمان (كما في تأريخ اليعقوبي: ٢/ ١٧١) قال: أما لو قدمتم من قدم الله وأخرتم من أخر الله، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم، لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم، ولما عال ولي الله ولا طاش سهم من فرائض الله، ولا اختلف اثنان في حكم الله إلا وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب الله وسنة نبيه، فأما إذا فعلتم ما فعلتم فذوقوا وبال أمركم، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) سورة الشعراء، الآية: ٢٢٧.

(٩١)

وأما دين الله تعالى فهو قائم إلى يوم القيامة، والحق ظاهر على كل حال، ولا يضر انصراف أكثر الناس عنه، ولا استيحاش من قلة سالكي طريق الحق، قال تعالى: (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).(202)
وأما بيان حقيقة ما جرى بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فنترك ذلك للقرآن الكريم لتقف على الحقيقة (وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)(203) قال تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ)(204) فهذه حقيقة الأمر التي جرت بعد وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وقد أنبأ بها القرآن قبل وقوعها، ومما لا شك فيه أن هذا الإنقلاب البغيض ترك آثاره السيئة في الأمة، وصرف أكثر الناس عن اتباع أهل البيت (عليهم السلام)، حتى جرى عليهم ما جرى.
فما حدث من اضمحلال في الدين ومحق في سنة الرسول (صلّى الله عليه وآله)، إنما هو بسبب المعاندين، وولاة الجور الذين تولوا رقاب الناس بغير حق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(202) سورة التوبة، الآية: ٣٢.
(203) سورة فاطر، الآية: ١٤.
(204) سورة آل عمران، الآية: ١٤٤.

(٩٢)

فأهلكوهم، هذا وقد أخبر النبي (صلّى الله عليه وآله) بهذا الخطر المحدق بالأمة، ومن ذلك قوله: هلكة أمتي علي يدي غلمة من قريش..(205) وفي رواية: هلاك هذه الأمة على يدي أغيلمة من قريش.(206)
وقوله أيضاً كما في رواية أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلاً اتخذوا دين الله دغلا، ومال الله دولا، وعباد الله خولا.(207)
وقوله الآخر أيضاً كما عن حذيفة بن اليمان، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس..(208).
وإنما هلك الناس وفتنهم عن دينهم هؤلاء وأمثالهم! من الفراعنة وغيرهم من الذين اتخذوا دين الله لعباً ولهواً، وغرتهم الحياة الدنيا، فأضلوا الناس عن دينهم وفتنوهم.
وأما أهل البيت (عليهم السلام) فهم حماة الدين، وسفينة النجاة، وأمان أهل الأرض إلى يوم القيامة، وكيف لا يكونون كذلك، وهم أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي والتنزيل، ومعدن العلم والتأويل، الذين قال في حقهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (وأهل بيتي أمان لأهل الأرض)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(205) صحيح البخاري: ٨/ ٨٨، مسند أحمد بن حنبل: ٢/ ٢٩٩، مسند إسحاق ابن راهويه: ١/ ٣٥٨ح٣٦٢.
(206) المستدرك، الحاكم: ٤/ ٤٧٩، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ولهذا الحديث توابع وشواهد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
(207) المعجم الصغير، الطبراني: ٢/ ١٣٥، سير أعلام النبلاء، الذهبي: ٣/ ٤٧٩.
(208) صحيح مسلم: ٦/ ٢٠، السنن الكبرى، البيهقي: ٨/ ١٥٧، المعجم الأوسط، الطبراني: ٣/ ١٩٠.

(٩٣)

وقال فيهم: (مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في حقهم أيضاً كما روي عنه: ألا إن أبرار عترتي، وأطايب أرومتي، أحلم الناس صغارا، وأعلم الناس كبارا، ألا وإنا أهل بيت من علم الله علمنا، وبحكم الله حكمنا، ومن قول صادق سمعنا، فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، وإن لم تفعلوا يهلككم الله بأيدينا، ومعنا راية الحق، من تبعها لحق، ومن تأخر عنها غرق، ألا وبنا يدرك ترة كل مؤمن، وبنا تخلع ربقة الذل عن أعناقكم، وبنا فتح لا بكم، ومنا يختم لا بكم.(209)
ثالثاً: إن ما جرى على أهل البيت (عليهم السلام) من اضطهاد وإقصاء وغير ذلك اضطرهم للعمل بالتقية، وعدم الظهور بشكل طبيعي، وما تعرض إليه أيضاً أتباعهم! وهذا كله أثر سلباً في عدم انتشار أمرهم بين كافة الناس، ولكن عمل أهل البيت (عليهم السلام) بالتقية، وإقصائهم، وعدم قدرتهم الكاملة على إظهار عقائدهم ونشرها بين الناس لا يضر إمامتهم وخلافتهم، فإن الدين باق ومستمر ببركة وجودهم في الأمة، وإن جرى عليهم ماجرى! ولكن عامة الناس هم الذين حرموا أنفسهم من علوم أهل البيت (عليهم السلام) وعطائهم، حينما استبدلوا بهم غيرهم! وتخلوا عنهم، فشابه حالهم حينئذ حال الأنبياء الذين لم يُطع لهم أمر، ولم تُرع لهم حرمة، ولم يعرف لهم قدر، وكل ذلك لم يضر بنبوتهم ورسالاتهم، قال تعالى: (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ).(210)
ونعود هنا، ونقول: إن المقصود من قوله: (ظاهرين) كما في الحديث يعني ظهور حجتهم، وعلو شأنهم، لا ظهور سلطنة وحكم! فهم مؤيدون من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(209) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ١/ ٢٧٦، كنز العمال، المتقي الهندي: ١٣/ ١٣٠ح٣٦٤١٣، جواهر المطالب، ابن الدمشقي: ١/ ٣٤٣.
(210) سورة يس، الآية: ٣٠.

(٩٤)

قبل الله تعالى، وحجتهم ظاهرة على الناس، ولهم الولاية عليهم، وبقاء الدين بهم، وإن كانت الغلبة الظاهرية لغيرهم.
وكما تقدم في بعض الأحاديث (لا يضرهم من خذلهم)(211) وفي أخرى (لا يضرهم عداوة من عاداهم)(212) وكذلك قوله: (لا يضر هذا الدين من ناوأه حتى يقوم اثنا عشر خليفة)(213) فكل هذه العبارات تدل على التأييد الإلهي لهم بالنصر والمؤازرة، كما أيد أنبياءه، ورفع شأنهم، مهما اجتهد الظلمة في محو آثارهم وطمس معالمهم، فالغلبة الحقيقية لهم، قال تعالى: (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ)(214) أي عاليين غالبين(215) وقال تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).(216)
فلهم الغلبة بالحجة على الباطل على كلّ حال، وإن قتلوهم في الدنيا وشرّدوهم! قال تعالى: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)(217) وقال تعالى: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)(218) وقال تعالى: (فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْغَالِبُونَ)(219) وفي النهاية هم المنتصرون لا محالة، ولهم الغلبة على جميع أعدائهم، وقد وعدهم الله تعالى بأن يورثهم الأرض بعدما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(211) المعجم الكبير، الطبراني: ٢/ ١٩٦، و٣/ ٢٠١، كنز العمال، المتقي الهندي:١٢/ ٣٣ ح٣٣٨٥٨.
(212) المعجم الكبير، الطبراني: ٢/ ٢٥٦، مجمع الزوائد، الهيتمي: ٥/ ١٩١.
(213) المعجم الكبير، الطبراني: ٢/ ٢٠٨.
(214) سورة الصف، الآية: ١٤.
(215) مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ٩/ ٤٦٧.
(216) سورة غافر، الآية: ٥١.
(217) سورة الإسراء، الآية: ٨١.
(218) سورة الرعد، الآية: ١٧.
(219) سورة المائدة، الآية: ٥٦.

(٩٥)

استضعفوا فيها، كما في قوله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)(220) وأي نصر أعظم من هذا النصر، وأي كرامة أعظم من هذه الكرامة حيث يورثهم جميع الأمور، ويؤتيهم ملكاً عظيماً.
ومن الأحاديث التي تؤيد هذا المعنى الذي قدمناه، وكلها شواهد يتلو بعضها بعضاً فيما قدمناه والتي تدل على النص في استخلاف أهل البيت (عليهم السلام)، والتأييد الإلهي لهم، منها ما يلي:
مارواه ابن ماجة: عن أبي هريرة، أن رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قال: لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها.(221)
وروى ابن سلامة: عن أبي أسماء، عن ثوبان، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله.(222)
وروى ابن حبان: عن معاوية بن قرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): لا تزال طائفة(223) من أمتي منصورين لا يضرهم خذلان من خذلهم حتى تقوم الساعة.(224)
فانظر هذه الأحاديث وأمثالها فإنها لا تنطبق إلا على أهل البيت عليهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(220) سورة القصص، الآية: ٥.
(221) سنن ابن ماجة، القزويني: ١/٥ ح٧، الجامع الصغير، السيوطي: ٢/ ٧٣٤ح٩٧٧٣.
(222) مسند الشهاب، ابن سلامة: ٢/ ٧٦ - ٧٧ ح٩١٤.
(223) في رواية الطبراني والحاكم: (لا يزال أناس من أمتي)

(224) صحيح ابن حبان:١/ ٢٦١، و١٥/ ٢٤٩، المعجم الكبير، الطبراني: ١٩/ ٢٧، معرفة علوم الحديث، الحاكم النيسابوري: ٢، موارد الظمآن، الهيثمي: ٦/ ٩٥ ح١٨٥١.

(٩٦)

السلام، فهم المنصورون رغم ما جرى عليهم من اضطهاد وإقصاء، ولعل في هذه الأحاديث أيضاً إشارة إلى كثرة مخالفي أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من الناس، كما هو حاصل في جميع الأزمنة حتى يظهر الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام).
ونذكر هنا بأمر يناسب المقام، وهو: أن النبي (صلّى الله عليه وآله) قد دعى لسيد العترة علي بن أبي طالب (عليه السلام) بنصر من نصره وخذلان من خذله(225) لعلمه بما سوف يتعرض له من ظلم وخذلان من هذه الأمة، هو وأهل بيته (عليهم السلام) وكم حاول أعداؤهم وجاحدوا حقّهم خمد ذكرهم، والحط من شأنهم، فلا يزدادون إلا تألقاً، ورفعة، وسمواً.
وفي هذا خير شاهد على انطباق هذه الأحاديث عليهم، فهي قد تضمنت التطمين بنصر الله تعالى، وتأييده لهم مهما بلغ من عداوة الناس لهم.
هذا وقد أخبرت بهذه الحقيقة وأصحرت بها مولاتنا زينب ابنة علي (عليهما السلام) قبل أكثر من ألف وثلاث مائة عام حينما قالت للإمام زين العابدين (عليه السلام) وهم في الأسر بعد مقتل الإمام الحسين (عليه السلام): وينصبون لهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والأيام، وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(225) جاء عن الحاكم النيسابوري عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وهو يقول: هذا أمير البررة، قاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، ثم مد بها صوته. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
راجع: المستدرك، الحاكم: ٣/ ١٢٩، كنز العمال، المتقي الهندي: ١١/ ٦٠٣ح٣٢٩٠٩.

(٩٧)

يزداد أثره إلا ظهوراً، وأمره إلا علواً.(226)
وقولها الآخر ليزيد بن معاوية: فما فريت إلا جلدك، ولا حززت إلا لحمك، بئس للظالمين بدلاً، وما ربّك بظلام للعبيد، فإلى الله المشتكى، وعليه المتكل، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، والحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة، ولآخرنا بالشهادة.(227)
والسرُّ في بقاء ذكرهم وأمرهم إلى يومك هذا مع ماجرى عليهم من أحداث دامية، أن الله تعالى هو الذي تولى نصرهم، وخذلان من خذلهم، وهذا كله مصداق لحديث النبي (صلّى الله عليه وآله) الذي مر عليك آنفاً (لا تزال طائفة من أمتي منصورين، لا يضرهم خذلان من خذلهم حتى تقوم الساعة).
ومن الشواهد على ذلك أيضاً هو ما نقله ابن أبي الحديد عن شيخه أبي جعفر الإسكافي، في أن ظهور فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) هو معجزة مع ما جرى عليه من أعدائه ومخالفيه ما جرى، قال: فالأحاديث الواردة في فضله (عليه السلام) لو لم تكن في الشهرة والاستفاضة، وكثرة النقل إلى غاية بعيدة، لا نقطع نقلها للخوف والتقية من بني مروان مع طول المدة، وشدة العداوة، ولولا أن لله تعالى في هذا الرجل سراً يعلمه من يعلمه لم يرو في فضله حديث، ولا عرفت له منقبة، ألا ترى أن رئيس قرية لو سخط على واحد من أهلها، ومنع الناس أن يذكروه بخير وصلاح لخمل ذكره، ونسي اسمه، وصار وهو موجود معدوماً، وهو حي ميتاً!.(228)
ولنعم ما قاله الشيخ الوائلي في هذا المعنى يخاطب أمير المؤمنين (عليه السلام):

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(226) بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٤٥/ ١٨٠.
(227) مثير الأحزان، ابن نما الحلي: ٨١.
(228) راجع: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ٤/ ٦٧.

(٩٨)

ورجعت أعذر شانئيك بفعلهم * * * فمتى التقى المذبوحُ والسكينُ
بدرٌ وأحدٌ والهراسُ وخيبرٌ * * * والنهروانُ ومثلها صفينُ
رأسٌ يطيح بها وينذرُ كاهل * * * ويدٌ تجذ ويجدعُ العرنينُ
هذا رصيدكُ بالنفوس فما ترى * * * أيحبك المذبوحُ والمطعونُ
ومن البداهة والديون ثقيلةٌ * * * في أن يقاضى دائنٌ ومدينُ
حقدٌ إلى حسدٍ وخسةِ معدنٍ * * * مطرت عليك وكلهن هتونُ
راموا بها أن يدفنوك فهالهم * * * أن عاد سعيهمُ هو المدفونُ
وتوهموا أن يغرقوك بشتمهم * * * أتخاف من غرقٍ وأنت سفينُ
ستظل تحسبك الكواكب كوكباً * * * ويهزّ سمع الدهر منك رنينُ
وتعيش من بعد الخلود دلالةً * * * في أن ما تهوى السماء يكونُ

ظهور الدين بالأئمة (عليهم السلام)
ونلفت النظر هنا أنه جاء في بعض الأحاديث (لا تزال أمتي ظاهرين على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم..)(229) فليس المراد منه ظهور جميع الأمة، بل يراد منه فئة خاصة من الأمة، حيث أن هذا الحديث يتفق مع مضامين ما مر من الأحاديث الشريفة، كقوله (صلّى الله عليه وآله) كما روي عنه: (لا يزال هذا الأمر عزيزاً منيعاً ظاهراً على من ناواه حتى يملك اثنا عشر..)(230) وكقوله: (لا يضر هذا الدين من ناوأه..) فظهور هذا الدين إنما هو بهؤلاء الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).
فهذه كلها قرائن تدل على أن المراد من الأمة هنا فئة خاصة وهم أهل البيت (عليهم السلام) وليس جميع الأمة، ويؤيده أيضاً ما جاء في بعض الأحاديث أن ظهور الدين بطائفة من الأمة فقط حيث هم الذين خصهم الله تعالى بذلك،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(229) مسند أبي يعلى الموصلي: ٤/ ٥٩ - ٦٠ح٢٠٧٨.
(230) مسند أحمد بن حنبل: ٥/ ٩٣.

(٩٩)

فمن الأحاديث قوله (صلّى الله عليه وآله): (وأنه لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله (عزَّ وجلَّ) وهي كذلك)(231) ومنها، حديث: لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها (232) ومنها حديث: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله(233) وكذلك حديث: لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم خذلان من خذلهم حتى تقوم الساعة.(234)
فهؤلاء الظاهرون هم فئة مخصوصة من الأمة لا كل الأمة..
والجدير بالذكر هنا ما قاله البخاري في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)(235) فقد اعترف أنه ليس المقصود بها عامة الأمة، قال في كتابه (خلق أفعال العباد): هم الطائفة التي قال النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم(236) ويدل كلامه هذا على أنه ليس المقصود من الأمة في الآية الشريفة عامة الأمة، بل هم الفئة الخاصة منهم، وهم الظاهرون على الحق فقط.
وهناك توجيه أيضاً للسيد الطباطبائي في الميزان في تفسير الآية الشريفة في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(231) الآحاد والمثاني، الضحاك:١/ ٣٣٣.
(232) سنن ابن ماجة، القزويني: ١/٥ ح٧، الجامع الصغير، السيوطي: ٢/ ٧٣٤ح٩٧٧٣.
(233) مسند الشهاب، ابن سلامة: ٢/ ٧٦ - ٧٧ ح٩١٤.
(234) صحيح ابن حبان:١/ ٢٦١، و١٥/ ٢٤٩، المعجم الكبير، الطبراني: ١٩/ ٢٧، معرفة علوم الحديث، الحاكم النيسابوري: ٢، موارد الظمآن، الهيثمي: ٦/ ٩٥ ح١٨٥١.
(235) سورة البقرة، الآية: ١٤٣.
(236) خلق أفعال العباد، البخاري: ٤٢.

(١٠٠)

نسبة هذا الحكم إلى الأمة، قال: المراد بكون الأمة شهيدة أن هذه الشهادة فيهم، كما أن المراد بكون بني إسرائيل فضلوا على العالمين، أن هذه الفضيلة فيهم من غير أن يتصف به كل واحد منهم، بل نسب وصف البعض إلى الكل لكون البعض فيه ومنه، فكون الأمة شهيدة هو أن فيهم من يشهد على الناس، ويشهد الرسول عليهم.(237)
ونخلص من ذلك إلى أن المراد من كلمة (أمتي) في الحديث هم الأئمة الاثنا عشر (عليهم السلام)، فهم أمة النبي (صلّى الله عليه وآله) الكاملة حقاً الذين ساروا على هديه في جميع الأمور.
وأما إطلاق لفظ الأمة على الجماعة أو الفرد أمر وارد في الاستعمالات العربية، هذا وقد أطلق القرآن الكريم على إبراهيم مثل ذلك، وقال في حقه تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لله حَنِيفًا).(238)
قال القرطبي: وأصل الأمة الجماعة... والأمة اسم مشترك يقال على ثمانية أوجه: فالأمة: تكون الجماعة، كقوله تعالى: (وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ)(239) والأمة أيضاً أتباع الأنبياء (عليهم السلام)، والأمة: الرجل الجامع للخير الذي يقتدى به، كقوله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لله حَنِيفًا)(240) والأمة أيضاً: الرجل الجامع للخير.. وقال ابن مسعود: إن الأمة الذي يعلم الناس الخير.(241)
وقال الفخر الرازي في تفسير الآية (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً): الصفة الأول: أنه كان أمة، وفي تفسيره وجوه: الأول: أنه كان وحده أمة من الأمم لكماله في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(237) تفسير الميزان، السيد محمد حسين الطباطبائي: ١/ ٣٢١.
(238) سورة النحل، الآية: ١٢٠.
(239) سورة القصص، الآية: ٢٣.
(240) تفسير القرطبي: ٩/ ٩ - ١٠.
(241) نفس المصدر: ١٠/ ١٩٧ - ١٩٨.

(١٠١)

صفات الخير، كقوله:

ليس على الله بمستنكر * * * أن يجمع العالم في واحد

الثاني: قال مجاهد: كان مؤمناً وحده، والناس كلهم كانوا كفاراً فلهذا المعنى كان وحده أمة(242) وكان رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) يقول في زيد بن عمرو بن نفيل: يبعثه الله أمة وحده.(243)
الثالث: أن يكون أمة فعلة بمعنى مفعول كالرحلة والبغية، فالأمة هو الذي يؤتم به، ودليله قوله: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا).(244)
الرابع: أنه (عليه السلام) هو السبب الذي لأجله جعلت أمته ممتازين عمن سواهم بالتوحيد، والدين الحق، ولما جرى مجرى السبب لحصول تلك الأمة سماه الله تعالى بالأمة إطلاقاً لاسم المسبب على السبب، وعن شهر بن حوشب: لم تبق أرض إلا وفيها أربعة عشر يدفع الله بهم عن أهل الأرض إلا زمن إبراهيم (عليه السلام) فإنه كان وحده.(245)
أقول: وكلّ هذه المعاني تنطبق على أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فهم أعظم الناس إيماناً، وهم الذين يؤتم بهم، وبهم يدفع الله العذاب عن أهل الأرض لأنهم أمان للناس كما في الحديث، وهم سبب هداية الناس وإيمانهم، وسبب نجاتهم كما في حديث السفينة، وهم خير الخلق بعد رسول الله صلى الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(242) جاء في تفسير البحر المحيط، لأبي حيان الأندلسي: ٥/ ٥٢٨: قال مجاهد: سمي أمة لانفراده بالإيمان في وقته مدة ما. وفي البخاري: ٤/١١٢: أنه قال لسارة: ليس على الأرض اليوم مؤمن غيري وغيرك.
(243) راجع: مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب: ١/ ١٦، الخرائج والجرائح، الراوندي: ١/ ١٣٥.
(244) سورة البقرة، الآية: ١٢٤.
(245) تفسير الرازي: ٢٠/ ١٣٤ - ١٣٥.

(١٠٢)

عليه وآله ولذا فرض حبهم والصلاة عليهم، فهم مع الحق والحق معهم أينما كانوا.
ورحم الله الشاعر إذ يقول في حقهم (عليهم السلام):

إليكم كلُّ مكرمة تؤولُ * * * إذا ما قيل جدكمُ الرسولُ
كفاكم من مديح الناس طراً * * * إذا ما قيل أمكمُ البتولُ
وإنكمُ لآل الله حقاً * * * ومنكم ذو الأمانة جبرئيلُ
فلا يبقي لمادحكم كلامٌ * * * إذا تمّ الكلامُ فما يقولُ(246)

فنعود ونقول: إن قوله (صلّى الله عليه وآله) كما روي عنه: (لا تزال أمتي ظاهرين على الحق) وعد إلهي ببقائهم وتأييدهم ونصرهم مهما حاول الأعداء اضطهادهم واستضعافهم فسوف تكون لهم الغلبة في النهاية.. وإلى أن يخرج القائم المهدي (عليه السلام) وحينئذ سوف يعود الدين من جديد مشرقاً على يديه، ويملأ الدنيا قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً.
فمن أحق من أهل البيت (عليهم السلام) بقوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(247) ولا ضير أن نبين هذا المعنى في حقهم (عليهم السلام) بعدما ثبت بالدليل أن المعني بهم هم الأئمة (عليهم السلام)، ومن ذلك ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال لقارئ هذه الآية: (خَيْرَ أُمَّةٍ) يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين بن علي (عليهم السلام)؟!.(248)
قال السيد الطباطبائي في تفسير الميزان: فإن قلت: لو كان المراد بالأمة في هذه الآيات ونظائرها كقوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) عدة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(246) مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب: ٣/ ١٧٦.
(247) سورة آل عمران، الآية: ١١٠.
(248) تفسير القمي: ١/ ١٠.

(١٠٣)

معدودة من الأمة دون الباقين كان لازمه المجاز في الكلام من غير موجب يصحح ذلك، ولا مجوز لنسبة ذلك إلى كلامه تعالى! على أن كون خطابات القرآن متوجهة إلى جميع الأمة ممن آمن بالنبي ضروري لا يحتاج إلى إقامة حجة؟.
قلت: إطلاق أمة محمد وإرادة جميع من آمن بدعوته من الاستعمالات المستحدثة بعد نزول القرآن وانتشار الدعوة الإسلامية، وإلا فالأمة بمعنى القوم كما قال تعالى: (عَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ)(249) وربما أطلق على الواحدة، كقوله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لله) وعلى هذا فمعناها من حيث السعة والضيق يتبع موردها الذي استعمل فيه لفظها، أو أريد فيه معناها.
فقوله تعالى: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ)(250) الآية - والمقام مقام الدعاء بالبيان الذي تقدم - لا يراد به إلا عدة معدودة ممن آمن بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وكذا قوله: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وهو في مقام الامتنان وتعظيم القدر وترفيع الشأن لا يشمل جميع الأمة، وكيف يشمل فراعنة هذه الأمة دجاجلتها الذين لم يجدوا للدين أثراً إلا عفوه ومحوه، ولا لأوليائه عظماً إلا كسروه، وسيجيء تمام البيان في الآية إن شاء الله، فهو من قبيل قوله تعالى لبني إسرائيل: (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)(251) فإن منهم قارون ولا يشمله الآية قطعاً، كما أن قوله تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا)(252) لا يعم جميع هذه الأمة، وفيهم أولياء القرآن، ورجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله تعالى.(253)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(249) سورة هود، الآية: ٤٨.
(250) سورة البقرة، الآية: ١٢٨.
(251) سورة البقرة، الآية: ٤٧.
(252) سورة الفرقان, الآية:٣٠.
(253) تفسير الميزان، السيد محمد حسين الطباطبائي: ١/ ٢٩٨.

(١٠٤)

زعمهم أن الخلفاء الاثني عشر لم يُستخلفوا فلا يشملهم الحديث
قال ولي الله الدهلوي في كتابه (قرة العينين في تفضيل الشيخين): إن المذكور هنا الخلافة لا الإمامة، ولم يكن أكثر هؤلاء الاثني عشر خليفة بالاتفاق بين الفريقين!.(254)
ونقول في جوابه: أولاً: أن معنى (الخليفة) هو المستخلف من الله تعالى على العباد، سواء انقاد الناس له أم لا، فلا يضره عدم استخلاف الناس له، فهو خليفة الله في أمره ونهيه، حتى لو أودعه الناس في غياهب السجون كنبي الله يوسف (عليه السلام)، فهو خليفة على كلّ حال.
وهذا المعنى يفهم من الأحاديث الشريفة، فإن اختيارهم بيد الله تعالى فهو أعلم بعباده، وإن الله لا يجعل أمانته وعهده إلا في الأطهار الأبرار، قال تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)(255) وقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)(256) وقال تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ).(257)
فما جاء في الأحاديث الشريفة من لفظ (الخليفة) فهو عيناً من سنخ ما أريد به في الآيات الشريفة بلا فرق إلا النبوة فقط، فإن منصب الخلافة منصب عظيم، وأنى للناس أن يختاروا لأنفسهم من يخلف الله في أرضه، ويلي أمره ونهيه، وهو ذلك الإنسان الخطاء، فإن هذا المنصب لا يليق إلا بشأن الأولياء الذين اصطفاهم الله على العباد، وطهرهم من الدنس.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(254) راجع: عون المعبود، العظيم أبادي: ١١/ ٢٤٦، المهدي المنتظر (عليه السلام)، البستوي: ٣٣٥.
(255) سورة فاطر، الآية: ٣٢.
(256) سورة البقرة، الآية: ٣٠.
(257) سورة ص، الآية: ٢٦.

(١٠٥)

وقد جاء في هذه الأحاديث الشريفة أيضاً ما يفهم منه ذلك في حقّ هؤلاء الخلفاء الاثني عشر، كقوله: (اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل) وكقوله كما في صحيح مسلم: (إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضى فيهم اثنا عشر خليفة) وكقوله: (لا يزال الدين قائماً) وكقوله: (اثنا عشر قيماً من قريش لا يضرهم عداوة من عاداهم) وغيرها من سائر الألفاظ، فإنما تدل على أن إمامتهم من الله تعالى وتسديده واصطفائه لهم، ومن هنا لا يضرهم عداوة من عاداهم حتى تقوم الساعة، وهذا لا يكون لكل من تولى رقاب الناس، وأن الدين عزيزاً منيعاً بإمامتهم كما أخبر النبي (صلّى الله عليه وآله) بذلك في الأحاديث الشريفة بحيث يتوقف استمرار الدين على وجودهم جميعاً.
فالنتيجة: إن المقصود بكونهم خلفاء يعني خلفاء لله تعالى في أرضه، وكذلك كونهم أُمراء على الناس يعني الإمارة الشرعية بمعنى أن الله تعالى هو الذي أمّرهم على الناس، سواءً دان الناس لهم بذلك أم لا، فعدم استخلاف الناس لهم وتمكينهم من الحكم لا يقدح في إمامتهم على الناس، ولا يضرهم مادام أن الإسلام عزيز ومنيع بوجودهم، وحالهم حال الأنبياء من قبلهم، فكما لم يقدح في نبوة الأنبياء عدم بسط أيديهم، وغلبة فراعنة زمانهم عليهم، وعدم تمكين الناس لهم من الحكم فكذلك أهل البيت (عليهم السلام).
فكثير من الأنبياء استضعفوهم، وحاربوهم كنوح الذي لم يؤمن به إلا القليل من قومه، وبقي في قومه مستضعفاً ألف سنة إلا خمسين عاماً، وموسى، وإبراهيم، (عليهما السلام) ويوسف الصّديق (عليه السلام) الذي بقي في السجن سنيين، وكذلك النبي محمد (صلّى الله عليه وآله) لما كان في مكة، إذ استضعفه قومه حتى كادوا أن يقتلوه، وأرعبوه حتى اضطروه إلى الهجرة، فخرج منها خائفاً يترقب، وغيره من الأنبياء من الذين اضطهدوهم، وجاروا عليهم وآذوهم، فلم يضر ذلك بنبوتهم، فكذلك أهل البيت (عليهم السلام) لا يقدح في إمامتهم اضطهادهم وإقصاؤهم عن الخلافة الظاهرية.

(١٠٦)

هذا وقد جاء في بعض الأحاديث: (اثنا عشر قيماً من قريش لا يضرهم عداوة من عاداهم) يعني لا تضر إمامتهم عداوة الناس لهم، فإن إمامتهم باقية إلى يوم القيامة بتأييد من الله تعالى وإن استضعفهم الناس وجرى عليهم ما جرى! فسوف تظهر كلمتهم وحجتهم على الناس كافة.
ويؤيد هذا المعنى أيضاً حديث (لا يضر هذا الدين من ناوأه حتى يقوم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش)(258) فهذه الأحاديث لا تنطبق إلا على الأئمة المعصومين (عليهم السلام) فهم وحدهم فقط الذين لا تضرهم عداوة من عاداهم، فإن من عاداهم فقد عادى الله تعالى، ومن هنا قال النبي (صلّى الله عليه وآله) في حق علي أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم غدير خمٍّ: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه(259) ومن يكن الله عدوه فهو من الكافرين، قال تعالى: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لله وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ).(260)
وهذا بخلاف سائر الناس من حكام وغيرهم فإنه تضرهم عداوة من عاداهم! أما إمامة الأئمة فإن إمامتهم إمامة إلهية، وقد اصطفاهم الله تعالى على سائر الناس، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ولهذا أورثهم الكتاب وآتاهم الحكمة، قال تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)(261) ومن هنا أيضاً قرنهم النبي (صلّى الله عليه وآله) بالكتاب كما في حديث الثقلين،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(258) المعجم الكبير، الطبراني: ٢/ ٢٠٨.
(259) راجع: مسند أحمد بن حنبل: ١/ ١١٨، و٤/ ٣٧٠، و٣٧٣، و٥/ ٣٧٠، السنن الكبرى، النسائي: ٥/ ٤٥ح٨١٤٨، فضائل الصحابة، النسائي: ١٥، المستدرك، الحاكم: ٣/ ١٠٩، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله، مجمع الزوائد، الهيثمي: ٩/ ١٠٤، رواه عن أحمد، وغيره، وقال: ورجال أحمد ثقات، ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري: ٦٧.
(260) سورة البقرة، الآية: ٩٨.
(261) سورة فاطر، الآية: ٣٢.

(١٠٧)

وشبههم بالنجوم التي يهتدي بها الناس في الظلمات، فهؤلاء هم الذين لا تضرهم عداوة الناس لهم، لأن إمامتهم بجعل منه قال تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ).(262)
ولاحظ أيضاً عبارة (خليفة) و(أميراً) و(قيماً) كما في الأحاديث السابقة، فكلها ألفاظ تدل على الأمارة الشرعية التي هي بيد الله تعالى يؤتيها من يشاء من عباده، قال تعالى: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)(263) وقال تعالى: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا)(264) فكلها من وادي واحد.
ثانياً: وإن لم يسمهم في هذا الحديث بالأئمة إلا أنه ورد في بعض الأحاديث الشريفة تسميتهم صريحاً بالخلفاء وعنى بها أهل بيته (عليهم السلام)، كما في حديث الثقلين فقد روى مسلم في صحيحه: عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، أو ما بين السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض.(265)
قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد وإسناده جيد.(266)
فإنه صريح في كون أهل بيت النبي (صلّى الله عليه وآله) خلفاء على الأمة، وهذا من الأدلة والبراهين التي لا يمكن لأحد أن يردها أو يتجاهلها، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ).(267)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(262) سورة الأنبياء، الآية: ٧٣.
(263) سورة البقرة، الآية: ٣٠.
(264) سورة البقرة، الآية: ١٢٤.
(265) مسند أحمد بن حنبل: ٥ / ١٨١ - ١٨٢.
(266) مجمع الزوائد، الهيثمي: ٩ /١٦٢ - ١٦٣.
(267) سورة ق، الآية: ٣٧.

(١٠٨)

وأما لفظ (الإمام) فقد جاء أيضاً تسميتهم بها في بعض الأحاديث كما في رواية أبي نعيم الأصفهاني عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من سرّه أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن، غرسها ربي، فليوالِ علياً من بعدي، وليوالِ وليه، وليقتدِ بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعلماً، فويلٌ للمكذبين من أمتي، والقاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي.. الخ.(268)
٣ - حديث (وأهل بيتي أمان لأمتي)
هذا الحديث روي بطرق عديدة، منها: عن أمير المؤمن (عليه السلام) وعن جملة من الصحابة منهم: ابن عباس، وجابر الأنصاري وسلمة بن الأكوع، وأنس بن مالك(269) ومن الروايات في ذلك ما يلي: عن ذخائر العقبى عن علي (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض. أخرجه أحمد في المناقب.(270)
وروى الحاكم في المستدرك عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.(271)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(268) راجع: حلية الأولياء: ١ / ٨٦ ط السعادة.
(269) راجع: ينابيع المودة، القندوزي الحنفي: ١/ ٧٢ ح١ - ٧، فرائد السمطين، الجويني: ١/ ٤٥، و٢/ ٢٥٢ ح٥٧١.
(270) ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري: ١٧.
(271) المستدرك، الحاكم النيسابوري: ٣/ ١٤٩.

(١٠٩)

وجاء في حديثه الآخر أيضاً عن جابر (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (وإنه لعلم للساعة)(272) فقال: النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت أتاها ما يوعدون، وأنا أمان لأصحابي ما كنت، فإذا ذهبت أتاهم ما يوعدون، وأهل بيتي أمان لأمتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعدون.
قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.(273)
وروى ابن عساكر بإسناده: عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم): النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي.(274)
وجاء في رواية الكوفي: عن أياس مثله.. وفيه زيادة: وأهل بيتي أمان لأمتي، فإذا ذهب النجوم جاء أهل السماء ما يوعدون، وإذا ذهب أهل بيتي جاء أهل الأرض ما يوعدون.(275)
وروى ابن عساكر بإسناده: عن أبي محمد بن قتيبة في قصة أصحاب الشورى وساق الحديث إلى أن قال: فتكلم علي فقال: الحمد لله الذي اتخذ محمداً منا نبياً، وابتعثه إلينا رسولاً، فنحن بيت النبوة، ومعدن الحكمة، أمان لأهل الأرض، ونجاة لمن طلب...(276)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(272) سورة الزخرف، الآية: ٦١.
(273) نفس المصدر: ٢/ ٤٤٨.
(274) تأريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ٤٠ / ٢٠، ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري: ١٧.
(275) مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، محمد بن سليمان الكوفي: ٢/ ١٤٥ح٦٢٣.
(276) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ٤٢/ ٤٢٨ - ٤٢٩، غريب الحديث، ابن قتيبة: ١/ ٣٧٠، تأريخ الطبري: ٣/ ٣٠٠، الكامل في التأريخ، ابن الأثير: ٣/ ٧٤، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ١/ ١٩٥، و١٩/ ١٣٤.

(١١٠)

كلمات بعض أعلام السنة في معنى الحديث الشريف
عد جملة من أعلام السنة أن كون أهل البيت (عليهم السلام) أماناً للناس هو من خصائصهم، ولم يثبت هذا الأمر في أحد غيرهم، وإليك كلمات بعضهم في ذلك.
أخرج إمام الحنابلة أحمد بإسناده من طريق أنس بن مالك مرفوعاً: النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون.
فقال: إن الله خلق الأرض من أجل النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم)، فجعل دوامها بدوام أهل بيته وعترته (صلّى الله عليه [وآله] وسلم).(277)
وقال الصبان في الإسعاف بعد ذكره: وقد يشير إلى هذا المعنى قوله تعالى:
(وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)(278) أقيم أهل بيته مقامه في الأمان لأنهم منه وهو منهم، كما ورد في بعض الطرق.(279)
وأما الحافظ ابن حجر فقد عدّ في الصواعق من الآيات النازلة في أهل البيت قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) فقال: أشار (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) إلى وجود ذلك المعنى في أهل بيته، وأنهم أمان لأهل الأرض كما كان هو (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) أماناً لهم، وفي ذلك أحاديث كثيرة، يأتي بعضها.. إلى أن قال: وفي رواية صححها الحاكم على شرط الشيخين: النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس.(280)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(277) ينابيع المودة، القندوزي الحنفي: ١/ ٧١ح٢.
(278) سورة الأنفال، الآية: ٣٣.
(279) إسعاف الراغبين: ١٢٩.
(280) الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي:١٥٢ - ١٥٣(الفصل الأول، في الآيات الواردة فيهم (عليهم السلام)، الآية السابعة).

(١١١)

المراد بأهل البيت (عليهم السلام)
لا خلاف في أن المراد بأهل بيته هنا علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريته، فهم الذين يهتدى بهم، ولم يثبت هذا في غيرهم، فهم الأمان للناس.
وقال بعضهم: يحتمل أن المراد بأهل البيت الذين هم أمان علماؤهم، لأنهم الذين يهتدى بهم كالنجوم، والذين إذا فقدوا جاء أهل الأرض من الآيات ما يوعدون، وذلك عند نزول المهدي لما يأتي في أحاديثه: أن عيسى يصلي خلفه،

(١١٢)

ويقتل الدجال في زمنه، وبعد ذلك تتابع الآيات.. إلى أن قال: ويحتمل وهو الأظهر عندي أن المراد بهم سائر أهل البيت، فإن الله لما خلق الدنيا بأسرها من أجل النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) جعل دوامها بدوامه، ودوام أهل بيته، لأنهم يساوونه في أشياء، مر عن الرازي بعضها، ولأنه قال في حقهم: اللهم إنهم مني وأنا منهم، ولأنهم بضعة منه بواسطة أن فاطمة أمهم بضعته، فأقيموا مقامه في الأمان. انتهى ملخصاً.(281)
قال السيد شرف الدين: والمراد بأهل بيته هنا مجموعهم من حيث المجموع باعتبار أئمتهم، وليس المراد جميعهم على سبيل الاستغراق، لأن هذه المنزلة ليست إلا لحجج الله والقوامين بأمره خاصة، بحكم العقل والنقل.
وقد اعترف بهذا جماعة من أعلام الجمهور، ففي الصواعق المحرقة لابن حجر: وقال بعضهم: يحتمل أن المراد بأهل البيت الذين هم أمان، علماؤهم، لأنهم الذين يهتدى بهم كالنجوم، والذين إذا فقدوا جاء أهل الأرض من الآيات ما يوعدون، وذلك عند نزول المهدي، لما يأتي في أحاديثه أن عيسى يصلي خلفه، ويقتل الدجال في زمنه، وبعد ذلك تتابع الآيات(282) إلى آخر كلامه.
وذكر في مقام آخر أنه قيل لرسول الله (صلّى الله عليه وآله): ما بقاء الناس بعدهم؟ قال: بقاء الحمار إذا كُسر صلبه.(283)
وقال السمهودي: يحتمل أن المراد بأهل بيته هنا علماؤهم الذين يقتدى بهم كما يقتدى بالنجوم التي إذا خلت السماء منها جاء أهل الأرض من الآيات ما يوعدون، وذلك عند موت المهدي، لأن نزول عيسى لقتل الدجال في زمنه كما جاءت به الأخبار.
ويحتمل أن المراد مطلق أهل بيته، وهو الأظهر لأنه سبحانه وتعالى لما خلق الدنيا لأجل المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلم) جعل دوامها بدولته، ثم بدوام أهل بيته.(284)
وقال العزيزي في (السراج: ٣ / ٤١٦) لدى شرحه: أراد بأهل بيته علماءهم، ويحتمل الإطلاق لأن الله تعالى لما خلق الدنيا لأجله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) جعل دوامها بدوام أهل بيته.
وقال الحفني: (وأهل بيتي) أي ذريتي، فبسبب وجودهم يرفع البلاء عن الأمة.(285)
دلالة الحديث على إمامة أهل البيت وأن الأرض لا تخلو منهم أبداً
يدل هذا الحديث دلالة قطعية على أن الإهتداء لايتم إلا بالتمسك بأهل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(281) الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي:١٥٢ - ١٥٣ (الفصل الأول، في الآيات الواردة فيهم (عليهم السلام)، الآية السابعة).
(282) الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي: ١٥٢، (ذكره في الفصل الأول في الآية السابعة من الآيات الواردة فيهم (عليهم السلام))
(283) المراجعات، السيد شرف الدين العاملي: ٧٦.
(284) فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي: ٦ / ٣٨٦ - ٣٨٧.
(285) سيرتنا وسنتنا، الشيخ الأميني: ٣٨ - ٤٠.

(١١٣)

البيت (عليهم السلام)، والسير على طريقتهم، وأن ما يصدر عنهم حجة شرعية لا عذر لأحد في خلافهم، وإلا لاستلزم تشبيههم بالنجوم لغواً، ومقتضى كونهم أماناً يستلزم أن لا يصدر عنهم إلا الحق، وهو كذلك، فكما أن عدم متابعة النجوم تستلزم الوقوع في الضلالة والحيرة والهلكة، فكذلك ترك متابعة أهل البيت (عليهم السلام)، يؤدي إلى الهلكة، ولهذا قال كما في رواية الحاكم: (وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف) وهذا يعني أن التمسك بهم يعصم من الوقوع في الضلالة، فمن لم يكن معهم وقع في الضلالة لا محالة، قال تعالى: (فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ)(286) فليس هناك بين الحق والضلال واسطة، فهذا الحديث يعطي قاعدة كلية فيمن خالف أهل البيت (عليهم السلام) أن مصيره الهلاك، وإن فعل ما فعل! فقال: (فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس) فاستحقوا حينئذ غضب الله (عزَّ وجلَّ) وسخطه، قال تعالى: (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى).(287)
وقد اعترف بهذا أيضاً المناوي في فيض القدير، قال: شبههم بنجوم السماء، وهي التي يقع بها الاهتداء، وهي الطوالع والغوارب والسيارات والثابتات، فكذلك بهم الاقتداء، وبهم الأمان من الهلاك.(288)
إن هذا الحديث برهان واضح على انحصار طريق الاهتداء بهم، ونتيجته الأمان الأخروي من العقاب لمن اهتدى بهديهم، وسار على ضوء تعاليمهم، وأما من تخلف عنهم فمصيره الهلاك، والخزي في الدنيا والآخرة.(289)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(286) سورة يونس، الآية: ٣٢.
(287) سورة طه، الآية: ٨١.
(288) فيض القدير، المناوي: ٦/ ٣٨٦، رقم: ٩٣١٣.
(289) جاء في الحديث عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): فوالله لو أن رجلاً عبد الله عمره ما بين الركن والمقام، ثم مات ولم يجئ بولايتنا، لأكبه الله في النار على وجهه.
رواه الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده (مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ٧/ ٤٥)
وعن الخطيب البغدادي بالإسناد عن ابن عباس عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله):.. ولو أن عابداً عبد الله بين الركن والمقام ألف عام، وألف عام حتى يكون كالشن البالي لقى الله مبغضا لآل محمد أكبه الله على منخره في نار جهنم.
(تأريخ بغداد، الخطيب البغدادي: ١٣/ ١٢٣، تأريخ دمشق، ابن عساكر: ٤٢/ ٣٢٨و٤٧١)

(١١٤)

وهم أيضاً أمان من الهلاك في الدنيا كما بينه الحديث، وهو الأمان في البقاء، ويدل عليه قوله: وقوله الآخر: (فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض) فالنتيجة ذهاب الدنيا بذهابهم.
فتلخص من هذا كله.. إذن لا شك في نجاة من تبعهم، وهلاك من تخلف عنهم، ولم تثبت هذه الخصوصية لأحد من سائر الناس غيرهم، فهم الأئمة الهداة الذين أمر الله تعالى الناس باتباعهم والتمسك بهم.
كما أن هذا الأمان لا يخلو منه زمان أيضاً بمقتضى اللطف الإلهي الذي امتن به الباري تعالى على العباد، لئلا يختلف الناس ويقعوا في الضلالة فيهلكوا، فلا تخلو الأرض من إمام منهم إلى قيام الساعة، وقد شبههم بالنجوم التي لا يخلو منها زمان وإلى أن تنقضي الدنيا وتفنى، فكذلك أهل البيت (عليهم السلام) لابد من بقائهم إلى أن تنتهي الحياة.
يقول آية الله الشيخ لطف الله الصافي: إن دلالة هذه الأحاديث على حجية مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وكونهم أماناً من الاختلاف لعصمتهم، ووجود من يكون أهلاً للتمسك به منهم في كلّ زمان إلى قيام الساعة، وإن المراد من أهل البيت الذين هم أمان لأهل الأرض أئمتهم في غاية الوضوح، فإنهم لم يختصوا بهذا التشريف من دون الناس إلا لكونهم معدناً للعلوم النبوية، والأحكام الشرعية، والفضائل المحمودة، فلابد أن لا يخلو الزمان ممن يكون

(١١٥)

منهم موصوفاً بهذا الصفات، وأهلاً لأن يكون مشرفاً بهذا التشريف، وأماناً لهذه الأمة المرحومة، ولجميع أهل الأرض من الزوال والفناء والاختلاف.
وأصرح من الجميع في أن المراد من أهل البيت أئمتهم وعلماؤهم، ما أخرجه الحاكم عن ابن عباس وصححه، فإن اتصاف أهل البيت بكونهم أماناً للأمة من الاختلاف على سبيل الإطلاق في الأمور الدينية وغيرها، كما قال (صلّى الله عليه وآله): (وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف) ليس إلا بعلمائهم وأئمتهم (عليهم السلام) الذين نص عليهم النبي (صلّى الله عليه وآله) في غير هذه الأحاديث.
وهم الذين وصفهم سيدهم وأفضلهم الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فيما قال في أوصافهم: (لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه)(290) (إليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي)(291) (إليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي).(292)

همُ الراقون في أوج الكمالِ * * * وهم أهلُ المعارفِ والمعالي
وهم سفنُ النجاة إذا ترامت * * * بأهل الأرض أمواجُ الضلالِ
أمانُ الأرض من غرقٍ وخسفٍ * * * وحصنُ الملة الصعب المثالِ
وهم في غرة الدين بدورٌ * * * تسامت بالجميل وبالجمالِ
كفى خبرُ الوصية أنهم * * * والكتابُ معاً إلى يوم الحجالِ
عليهم بعد جدّهم صلاةٌ * * * وتسليمٌ ورحمةُ ذي الجلالِ(293)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(290) نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السلام): ٢/ ٢٣٢، رقم الخطبة: ٢٣٩.
(291) نفس المصدر: ١/ ٣٠، رقم الخطبة: ٢.
(292) نفس المصدر: ١/ ١٥٤، رقم الخطبة: ٨٧.
(293) أمان الأمة من الاختلاف، الشيخ لطف الله الصافي: ١٧٢ - ١٧٣.

(١١٦)

الإمام المهدي إمام أهل هذا الزمان
فالخلاصة مما يدل عليه الحديث الشريف أنه لابد من وجود نجم من أهل البيت (عليهم السلام) في كلّ زمان ليكون أماناً للناس، ويؤيده أيضاً ما مرّ آنفاً ما روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنه قال لعلي (عليه السلام): مثلك ومثل الأئمة من ولدك بعدي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجى، ومن تخلف عنها غرق، ومثلكم مثل النجوم كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة.(294)
وما جاء في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام): ألا إنّ مثل آل محمد (صلّى الله عليه وآله) كمثل نجوم السماء إذا خوى نجم طلع نجم، فكأنكم قد تكاملت من الله فيكم الصنائع، وأراكم ما كنتم تأملون.(295)
وفي كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي: عن المعلى بن خنيس قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) في الحيرة، فقال: افرشوا لي في الصحراء، ففعل ذلك، ثم قال: يا معلى! قلت: لبيك، قال: ما ترى النجوم ما أحسنها؟! إنها أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت جاء أهل السماء ما يوعدون، ونحن أمان لأهل الأرض، فإذا ذهبنا جاء أهل الأرض ما يوعدون.(296)
فعلى هذا لا يمكن أن تخلو الأرض أبداً من إمام منهم، وأمان هذا الزمان هو الإمام المهدي (عليه السلام) فهو أمان للناس كافة بحكم هذا الحديث (وأهل بيتي أمان لأهل الأرض) فهو أحد أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ولا يمكن إخراجه من هذا الحديث، وقد تسالم الجميع على أنه آخر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بقاءً في الدنيا، وبذهابه تنتهي الحياة، كما في ذيل الحديث (فإذا ذهب أهل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(294) فرائد السمطين، الجويني: ٢/ ٢٤٣ح ٥١٧، فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، ابن عقدة الكوفي: ٤٣ - ٤٤.
(295) نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السلام): ١/ ١٩٣ - ١٩٤، خطبة رقم: ٩٩.
(296) الغارات، الثقفي:٢/ ٨٥١ - ٨٥٢.

(١١٧)

بيتي ذهب أهل الأرض) وجاء في حديث آخر (فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعدون) فالأمان مستمر ببقائهم لأهل الأرض إلى حين ذهابهم، فعلى هذا لاتخلو الأرض أبداً من إمام منهم ليهتدى به، وإلا جاء أهل الأرض مايوعدون، فهذا الحديث يدل على وجود الإمام المهدي (عليه السلام) في هذا الزمان، وإلا أصبح الحديث لغواً لا أثر له.
زعم بعضهم أن المراد من (أهل البيت) هم أهل التقوى وأبدال الأنبياء وجوابه
قال الحكيم الترمذي: أهل بيته هنا من خلّفه على منهاجه من بعده، وهم الصدّيقون، وهم الأبدال، قال: وذهب قوم إلى أن المراد بأهل بيته هنا أهل بيته في النسب، وهذا مذهب لا نظام له ولا وفاق ولا مساغ! لأن أهل بيته بنو هاشم والمطلب، فمتى كان هؤلاء أمناً للأمة حتى إذا ذهبوا ذهبت الدنيا؟ إنما يكون هذا لمن هم أدلة الهدى في كلّ وقت، ومن قال: أهل بيته ذريته، فموجود في ذريته الميل والفساد كما يوجد في غيرها، فمنهم المحسن والمسيء، فبأيّ شيء صاروا أماناً لأهل الأرض؟.. قال العامري البغدادي في شرح الشهاب: ذهب قوم غلب عليهم الجهل بالآيات والسنن والآثار إلى أن أهل البيت هنا أهل بيته لا غير، وكيف يكونون أماناً مع ما وجد في كثير منهم من الفساد وتعدي الحدود،.. إلى أن قال: وإنما المراد بهم هنا أهل التقوى وأبدال الأنبياء الذين سلكوا طريقه، وأحيوا سنته، وفي حديث: آل محمد كلّ تقي.(297)
أقول: وما عشت أراك الدهر عجباً فهل يشك أحد أن المقصود من أهل بيته هم عترته الذين خلفهم في الأمة، وأولهم سيد العترة علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم أولاده المعصومون، فانظر إلى هذا التخبط الأهوج والتعامي عن عترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، الذين خلّفهم في الأمة، وأمر الناس باتباعهم والتمسك بهم، قال تعالى: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(297) فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي: ٦/ ٣٨٦ - ٣٨٧، رقم: ٩٣١٣.

(١١٨)

الصُّدُورِ)(298) وأي بخس أعظم من هذا البخس الذي يراد منه استنقاص أهل البيت (عليهم السلام) وجحد حقّهم الذي افترضه الله لهم على الأمة، قال تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ).(299)
وهل في الحديث غموض كي يحتاج إلى هذا التأويل الأهوج الذي لا يتفوه به إلا الجهلة الذين طبع الله على قلوبهم وأعمى أبصارهم، أمثال ما يسمى بالحكيم الترمذي والعامري البغدادي اللذين أصمهما التعصب عن اتباع الحق! فجحدا حقّ عترة الرسول (صلّى الله عليه وآله)!
فقوله: (أهل بيته هنا من خلّفه على منهاجه من بعده، وهم الصدّيقون، وهم الأبدال) فأقول: وليت شعري وهل هناك في العالم كله أتقى وأورع من أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟ وهم سادة أهل الجنة، الذين اجتمعت فيهم كلّ هذه الخصال بحق، والتي استكثرها عليهم الحكيم الترمذي وأمثاله، أليس أهل البيت هم الذين خلفوا النبي على منهاجه من بعده، وهم الصدّيقون الذين أول من صدّق به، وهم أهل التقوى، وهم أبدال الأنبياء، وإذا لم يكونوا هم المقصود بذلك فمن هم إذن؟!
ثمّ إن جملة من علمائك، ذكروا هذا الحديث في باب فضائل أهل البيت (عليهم السلام)، ولم يصرفوه إلى غيرهم! وهذا مافهمه سلفك إلى يومك هذا!، فازري عليهم إن كنت زاريا!، فمنهم محب الدين الطبري في ذخائر العقبى فقد ذكره في (باب فضائل أهل البيت (عليهم السلام))(300) وكذلك الحاكم في المستدرك، أورده تحت عنوان (مناقب أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله))(301) وكذلك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(298) سورة الحج, الآية: ٤٦.
(299) سورة النساء، الآية: ٥٤.
(300) ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري: ١٧.
(301) المستدرك، الحاكم: ٣/ ١٤٩.

(١١٩)

ابن حجر الهيثمي في مجمع الزوائد في (باب في فضل أهل البيت (عليهم السلام))(302) وغيرهم.
وأما تعميم أهل البيت (عليهم السلام) لبني هاشم والمطلب أو غيرهما! فهذه مجرد دعوى غبية! وليس عليها دليل أو برهان! وإنما أهل البيت (عليهم السلام) فالمعني بهم خصوص: علي وفاطمة والحسن والحسين، والأئمة المعصومين من ذرية الحسين (عليهم السلام)، الذين نزل فيهم قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)(303) فقال في حقهم:
اللهم هؤلاء أهل بيتي(304)، والذين قال فيهم: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى).(305)
وهم الذين خرج بهم النبي (صلّى الله عليه وآله) في قصة المباهلة، وهم الذين أمر بالصلاة عليهم، وأوصى الأمة برعايتهم وحفظهم قائلاً: أذكركم في أهل بيتي..(306) وكذلك قوله كما روي عنه: من أحب أن يبارك في أجله، وأن يمتعه بما خوله فليخلفني في أهلي خلافة حسنة، فمن لم يخلفني فيهم، بتر عمره، وورد عليَّ يوم القيامة مسوداً وجهه.(307)
وهم الذين قال عنهم (صلّى الله عليه وآله) كما جاء في الرواية: في كلّ خلوف من أمتي عدول أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(302) مجمع الزوائد، الهيثمي: ٩/ ١٧٤.
(303) سورة الأحزاب، الآية: ٣٣.
(304) مسند أحمد بن حنبل: ٤/ ١٠٧، و٦/ ٢٩٢.
(305) سورة الشورى، الآية: ٢٣.
(306) مسند أحمد بن حنبل: ٤/ ٣٦٧.
(307) نظم درر السمطين، الزرندي الحنفي: ٢٣١، كنز العمال، المتقي الهندي: ١٢/ ٩٩ح٣٤١٧١، فيض القدير، المناوي:٢/ ٢٢٠، رقم: ١٦٠٨, الإصابة، ابن حجر: ١/ ٤٠٦ح٦٠٤.

(١٢٠)

وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله (عزَّ وجلَّ) فانظروا بمن توفدون(308) فهم أحد الثقلين الذين أمر الناس باتباعهم، وهم الذين شبههم بسفينة نوح فقال في حقهم: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق.(309)
ثم ينبري الحكيم الترمذي متغاضياً عن أهل البيت رافعاً عقيرته! وكأنه لا يوجد في ذرية النبي (صلّى الله عليه وآله) أئمة حق، فيقول: (فمتى كان هؤلاء أمناً للأمة حتى إذا ذهبوا ذهبت الدنيا) فيتناسى ويتجاهل عترة النبي الأبرار (الأئمة الاثني عشر) الذين فرض الله تعالى ولايتهم، وتعظيم شأنهم(310) فهؤلاء هم الذين حكم بهلاك من تخلف عنهم، وضلالة من لم يتمسك بهم، وهم الذين إذا ذهبوا جاء أهل الأرض ما يوعدون، فبعد هذا كله أيسوغ للحكيم الترمذي أن يحرف كلَّ هذه الأحاديث عن معناها؟! ويدعي أن المقصود بأهل البيت هم الأبدال، والذين هم على طريقة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)..؟!.
ولكن شنشنة أعرفها من أخزم، فإذا وصل الحديث إلى فضل أهل البيت (عليهم السلام) اعترى القوم الدهشة، وأخذتهم الحيرة، واسودت وجوههم! كلّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(308) ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري: ١٧، ينابيع المودة، القندوزي: ٢/ ١١٣ - ١١٤ح٣١٨.
(309) سوف يأتي تخريجه قريباً.
(310) جاء في تفسير الثعلبي: ٧ / ١٠٧ بالإسناد عن أنس بن مالك، وعن بريدة قالا: قرأ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) هذه الآية: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) إلى قوله: (وَالْأَبْصَارُ) فقام رجل فقال: أيّ بيوت هذه يا رسول الله؟ قال: (بيوت الأنبياء). قال: فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منها لبيت عليّ وفاطمة؟ قال: (نعم من أفاضلها).
وراجع أيضاً: شواهد التنزيل، الحاكم الحسكاني: ١/ ٥٣٤ ح٥٦٨، الدر المنثور، جلال الدين السيوطي: ٥ / ٥٠، تفسير الآلوسي: ١٨ / ١٧٤.

(١٢١)

ذلك لأن هذه الأحاديث لا تتوافق مع مذهبهم وأهوائهم، ولأنها تلزمهم بما لا تشتهيه أنفسهم، ولو كانت هذه الأحاديث تعني بعض رجالهم لأصبحت أحاديث صحيحة مبينة غير متشابهة! فلا يلتمس لها تأويل أو تفسير!!.
وما أدري لما كل هذا الامتعاظ من فضائل العترة وجحدها!! وأي ضير عند هؤلاء حينما شاءت حكمة الباري تعالى أن يجعل عترة النبي أماناً للأمة، ولعمري وهل هناك أناس يعدلون بهم، وأحقّ منهم بانطباق الحديث عليهم؟!
٤ - حديث السفينة
وهو من الأحاديث المتواترة، وقد ذكرته كتب الحديث عند السنة، عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وأبي ذر الغفاري، وابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وعبد الله بن الزبير.
فمنها ما يلي:
ما رواه أحمد بن عبد الله الطبري: عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تعلق بها فاز، ومن تخلف عنها زُج في النار. قال: أخرجه ابن السري.(311)
وجاء في النهاية لابن الأثير بهذا اللفظ: (مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من تخلف عنها زخ به في النار) قال: أي دفع ورمي.(312)
وروى الحاكم بإسناده عن حنش الكناني قال: سمعت أبا ذر يقول وهو آخذ بباب الكعبة، أيها الناس من عرفني فأنا من عرفتم، ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(311) ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري: ٢٠.
(312) النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير: ٢/ ٢٩٨.

(١٢٢)

مسلم ولم يخرجاه.(313)
وجاء في رواية الطبراني عن حنش بن المعتمر.. مثله وفيه: مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك، ومثل باب حطة بني إسرائيل.(314)
وروى الطبراني بإسناده عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها غرق.(315)
ورواه أحمد بن عبد الله الطبري في ذخائر العقبى عن ابن عباس بلفظ: مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تعلق بها فاز، ومن تخلف عنها غرق. قال: أخرجه الملا في سيرته.(316)
وروى الطبراني عن عطية، عن أبي سعيد الخدري: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) يقول: إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له.(317)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(313) المستدرك، الحاكم النيسابوري: ٢/ ٣٤٣، مناقب أهل البيت (عليهم السلام)، المولى حيدر الشيرواني: ١٧٥ - ١٧٦.
(314) المعجم الصغير، الطبراني: ١/ ١٣٩ - ١٤٠، المعجم الأوسط، الطبراني: ٤/ ١٠ و٥/ ٣٥٤ - ٣٥٥، المعجم الكبير، الطبراني: ٣/ ٤٥ - ٤٦ ح٢٦٣٦و ٢٦٣٧، مجمع الزوائد، الهيثمي: ٩/ ١٦٨، المعارف، ابن قتيبة: ٢٥٢.
(315) المعجم الكبير، الطبراني: ٣/ ٤٦ ح٢٦٣٨، مجمع الزوائد، الهيثمي: ٩/ ١٦٨.
(316) ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري: ٢٠.
(317) المعجم الصغير، الطبراني: ٢/ ٢٢، المعجم الأوسط، الطبراني: ٦/ ٨٥، مجمع الزوائد، الهيثمي: ٩/ ١٦٨.

(١٢٣)

وعن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): إنما مثلي ومثل أهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق.(318)
وعن البزار: عن عبد الله بن الزبير أن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قال: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها سلم، ومن تركها غرق.(319)
قال ابن حجر: وجاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضاً: إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، وفي رواية مسلم: ومن تخلف عنها غرق، وفي رواية: هلك...(320)
وفي معنى هذا الحديث يقول الشافعي محمد بن إدريس (ت ٢٠٤):

ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم * * * مذاهبهم في أبحر الغي والجهل
ركبت على اسم الله في سفن النجا * * * وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل
وأمسكت حبل الله وهو ولاؤهم * * * كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل(321)

معنى الحديث
معنى الحديث واضح وظاهر في أن طريق النجاة منحصر في اتباع أهل البيت (عليهم السلام) والتمسك بهم، فالمقصود من الحديث هو لزوم السير على ضوء تعاليم أهل بيت النبي (صلّى الله عليه وآله) والأخذ بما يصدر منهم، كما يسير راكب السفينة بسيرها أينما ذهبت، فمقتضى تشبيههم بسفينة نوح أن النجاة منحصر بهم كما انحصر النجاة بالسفينة، كما أن المتخلف عنهم نهايته الهلاك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(318) تأريخ بغداد، الخطيب البغدادي: ١٢/ ٩٠، رقم: ٦٥٠٧.
(319) مجمع الزوائد، الهيثمي: ٩/ ١٦٨.
(320) الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي: ١٥٢، (الفصل الأول، في الآيات الواردة فيهم (عليهم السلام)، الآية السابعة).
(321) رشفة الصادي، الحضرمي: ٢٨.

(١٢٤)

والغرق كما هو شأن كل من تخلف عن سفينة نوح كانت نتيجته الغرق والهلاك.
وقد جاء الحديث ببيان عربي مبين، فليس فيه غموض، فقوله (صلّى الله عليه وآله): (من تخلف عنهم غرق وهوى) وفي رواية أخرى: (ومن تخلف عنها هلك) فيهما دلالة واضحة على هلاك من تخلف عنهم واتبع طريق غيرهم، يعني من أعرض عنهم، واتبع طريقة غيرهم كان مصيره الهلاك، وهو دخول النار وبئس القرار، كما في لفظ آخر، قال: (من تخلف عنها زُخ به في النار).
وأقول بعد هذا: هل تجد في حديث السفينة قصوراً في الدلالة على لزوم طاعة أهل البيت (عليهم السلام) ووجوب السير على منهاجهم وطريقتهم؟ قال تعالى: (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)(322) فإنَّ هذا الحديث برهان واضح كلَّ الوضوح يأخذ بعنق كلِّ مسلم، ويلزمه باتباع عليٍّ وأهل بيته (عليهم السلام)، ولا حجة لأحد أن يتخلف عنهم.
قال السيد شرف الدين (رحمه الله تعالى) في كتابه المراجعات(323): ومما يأخذ بالأعناق إلى أهل البيت، ويضطر المؤمن إلى الانقطاع في الدين إليهم، قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق.. وقوله (صلّى الله عليه وآله): النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف (في الدين) فإذا خالفتها قبيلة من العرب (يعني في أحكام الله (عزَّ وجلَّ)) اختلفوا فصاروا حزب إبليس، هذا غاية ما في الوسع من إلزام الأمة باتباعهم، وردعها عن مخالفتهم، وما أظن في لغات البشر كلها أدل من هذا الحديث على ذلك..
وأنت تعلم أنّ المراد بتشبيههم (عليهم السلام) بسفينة نوح، أن من لجأ إليهم في الدين، فأخذ فروعه وأصوله عن أئمتهم الميامين نجا من عذاب النار،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(322) سورة الحج، الآية: ٤٦.
(323) المراجعات، السيد شرف الدين العاملي: ٧٥ - ٧٨.

(١٢٥)

ومن تخلف عنهم كان كمن آوى (يوم الطوفان) إلى جبل ليعصمه من أمر الله، غير أن ذاك غرق في الماء وهذا في الحميم، والعياذ بالله.. وقد حاوله ابن حجر إذ قال بعد أن أورد هذه الأحاديث وغيرها من أمثالها: ووجه تشبيههم بالسفينة أن من أحبّهم وعظّمهم شكراً لنعمة مشرّفهم (صلّى الله عليه [وآله] وسلم)، وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات، ومن تخلّف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم، وهلك في مفاوز الطغيان.(324)
أقول: فيا للأسف حينما يغض السنة الطرف عن هذا الحديث ومدلوله، فيصبح حينئذٍ وجود هذا الحديث وعدمه عندهم سواء، حتى لو اعترف بعض علمائهم بمدلوله تجده في النهاية لا يرتب عليه أيَّ أثر يُذكر.
قال المناوي - وهو من علماء السنة - في شرح هذا الحديث في ذكر أوجه الشبه بين أهل البيت (عليهم السلام) وبين النجوم: (إن مثل أهل بيتي) فاطمة وعليّ وابنيهما وبنيهما أهل العدل والديانة (فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك) وجه التشبيه أن النجاة ثبتت لأهل السفينة من قوم نوح فأثبت المصطفى (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) لأمته بالتمسك بأهل بيته النجاة، وجعلهم وصلة إليها، ومحصوله الحث على التعلق بحبهم وحبلهم، وإعظامهم شكراً لنعمة مشرفهم، والأخذ بهدي علمائهم، فمن أخذ بذلك نجا من ظلمات المخالفة، وأدّى شكر النعمة المترادفة، ومن تخلّف عنه غرق في بحار الكفران، وتيار الطغيان، فاستحق النيران لما أن بغضهم يوجب النار، كما جاء في عدة أخبار، كيف وهم أبناء أئمة الهدى، ومصابيح الدجى الذين احتج الله بهم على عباده، وهم فروع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم، وبرأهم من الآفات، وافترض مودتهم في كثير من الآيات، وهم العروة الوثقى، ومعدن التقى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(324) الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي: ١٥٣ (الآية السابعة) الباب ١١، الفصل ١.

(١٢٦)

واعلم أن المراد بأهل بيته في هذا المقام العلماء منهم، إذ لا يحث على التمسك بغيرهم، وهم الذين لا يفارقون الكتاب والسنة حتى يردوا معه على الحوض.(325)
خلاصة الكلام في حديث السفينة
أقول: وبعد الذي أوردناه من ثبوت هذا الحديث عند السنة، ووضوح معناه ودلالته على إمامة أهل البيت (عليهم السلام)، فلا يبقى حينئذ أي عذر لأحد في التخلف عن أهل البيت (عليهم السلام) بعدما قامت الحجة عليهم بهذا الحديث وأمثاله ببيان عربي مبين لا يقبل الشك أو التأويل، أو صرفه عن العترة إلى غيرهم.. ممن ادعوا إمامتهم، واتبعوهم.
ولأهمية هذا البحث لا بأس أن نورد هنا ما جاء في كتاب خلاصة عبقات الأنوار للمحقق الحجة السيد حامد حسين في كلامه في (دلالة حديث السفينة على إمامة أهل البيت (عليهم السلام)) وذلك لأهميته ببيان بديع، قال: ويدل حديث السفينة على إمامة أهل البيت (عليهم السلام) من وجوه:
الأول: وجوب اتباعهم
إن هذا الحديث يدل على وجوب اتباع أهل البيت (عليهم السلام) على الإطلاق، ولا يجب اتباع أحد كذلك - بعد الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله) - إلا الإمام كما دريت فيما سبق في وجوه دلالة حديث الثقلين على المطلوب.
ويشهد لدلالته على وجوب اتباعهم مطلقاً كلمات عدة من علماء أهل السنة منهم العجيلي الشافعي، وقد تقدم ذكر بعض تلك الكلمات.
الثاني: اتباعهم يوجب النجاة
إن هذا الحديث يدل على أن اتباع أهل البيت (عليهم السلام) يوجب النجاة والخلاص، ومن المعلوم أن كونهم كذلك دليل العصمة، وهي تستلزم الإمامة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(325) فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي: ٢/ ٦٥٨ - ٦٥٩ ح٢٤٤٢.

(١٢٧)

والخلافة.
وقد نص على دلالة الحديث على ذلك جماعة في بيان وجه تشبيههم بالسفينة: قال الواحدي: أنظر كيف دعا الخلق إلى التسبب إلى ولائهم، والسير تحت لوائهم، بضرب مثلهم بسفينة نوح (عليه السلام)، جعل ما في الآخرة من مخاوف الأخطار وأهوال النار كالبحر الذي لج براكبه، فيورده مشارع المنية، ويفيض عليه سجال البلية، وجعل أهل بيته عليه وعليهم السلام مسبب الخلاص من مخاوفه والنجاة من متألفه، وكما لا يعبر البحر الهياج عند تلاطم الأمواج إلا بالسفينة، كذلك لا يأمن نفخ الجحيم ولا يفوز بدار النعيم إلا من تولى أهل بيت الرسول صلوات الله عليه وعليهم، وتخلى لهم ودّه ونصيحته، وأكد من موالاتهم عقيدته، فإن الذين تخلفوا عن تلك السفينة آلوا شر مآل، وخرجوا من الدنيا إلى أنكال، وجحيم ذات أغلال، وكما ضرب مثلهم بسفينة نوح قرنهم بكتاب الله تعالى فجعلهم ثاني الكتاب وشفع التنزيل...(326).
الثالث: دلالته على أفضليتهم
إن هذا الحديث يدل على أفضلية أهل البيت (عليهم السلام) من سائر الناس مطلقاً، إذ لو كان أحد أفضل منهم - أو في مرتبتهم من الفضل - لأمر الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالاقتداء به دونهم، وإلا لزم أن يكون قد غش أمته، وحاشا لله من ذلك... وقد صرح بدلالة الحديث على ذلك جماعة من أعيان علماء السنة كما تقدم.
الرابع: دلالته على وجوب محبتهم
إن هذا الحديث يدل على وجوب محبة أهل البيت (عليهم السلام) على الإطلاق، ووجوبها كذلك دليل على وجوب عصمتهم وأفضليتهم والانقياد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(326) راجع: فرائد السمطين، الجويني: ٢/ ٢٤٣ باب ٤٧، ح٥١٧.

(١٢٨)

لهم.. وكل ذلك يستلزم الإمامة.
الخامس: دلالته على عصمتهم
إن هذا الحديث يدل على أن محبة أهل البيت (عليهم السلام) توجب النجاة، وهذا المعنى يستلزم عصمتهم، إذ لو كان منهم ما يوجب سخط الباري تعالى لما جازت محبتهم ومتابعتهم فضلاً عن وجوبها وكونها سبباً للنجاة وهذا واضح، وإذا ثبت عصمتهم (عليهم السلام) لم يبق ريب في إمامتهم..
السادس: من تخلف عنهم ضل
إن هذا الحديث يدل على هلاك وضلال المتخلفين عن أهل البيت (عليهم السلام)، وتخلف الخلفاء عنهم من الوضوح بمكان كما أثبته علماؤنا الأعيان في كتب هذا الشأن، فبطل بهذا خلافتهم عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وثبتت خلافة سيدنا أمير المؤمنين (عليه السلام).
السابع: هم الميزان لمعرفة المؤمن والكافر
إن هذا الحديث يدل على أن من اتبعهم كان من المفلحين الناجين، ومن خالفهم وتركهم كان من الكافرين الخاسرين، فبهم وباتباعهم يعرف المؤمن من الكافر، وهذا المعنى أيضاً يقتضي الإمامة والرئاسة العامة، لأنه من شؤون العصمة المستلزمة للإمامة.(327)
دلالة الحديث على وجود إمام في كل عصر
وهذا المعنى نفهمه من الحديث بعدما ثبت الأمر بركوب هذه السفينة للأمن من الغرق، فلابد من وجود هذه السفينة في كل وقت مادام خطر الغرق موجود، فإذن لا يخلو كل زمان منها، فوجب ركوبها للأمن من الغرق، فهي أمان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(327) خلاصة عبقات الأنوار، السيد حامد النقوي: ٤/ ٢٠٩ - ٢١٠.

(١٢٩)

لهم ما تمسكوا بها، وركبوا فيها، ولا يتم كل ذلك إلا بوجود رجل يقود هذه السفينة من أهل البيت (عليهم السلام) في كل زمان، وليس هو إلا الإمام الذي افترض الله على الناس طاعته، وبهذا نعلم بالضرورة عدم خلو الزمان منه أبداً.
جاء في خلاصة العبقات: (دلالته على لزوم الإمام في كل عصر): إن هذا الحديث يدل على لزوم وجود إمام معصوم من أهل البيت (عليهم السلام) في كل زمان إلى يوم القيامة، ليتسنى للأمة في جميع الأدوار ركوب تلك السفينة والنجاة بها من الهلاك، فهو إذاً يدل على صحة مذهب أهل الحق وبطلان المذاهب الأخرى كما لا يخفى.(328)
٥ - حديث (من مات وليس له إمام..)
هذا الحديث رواه الفريقان، مما يدل على تسالمهم على ضرورة وجود إمام في كل زمان، فنحن الإمامية تنعقد عندنا الإمامة بالنص الشرعي، وأما السنة تنعقد عندهم بغير ذلك مما ذكروه في كتبهم.. فمن الروايات في هذا الباب، ما يلي:
روى ابن حبان في صحيحه: عن أبي صالح، عن معاوية قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية.(329)
ومثله أيضاً في مسند أحمد بن حنبل.(330)
وفي صحيح مسلم: عن ابن عمر في حديث له عن رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) يقول: من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.(331)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(328) خلاصة عبقات الأنوار، السيد حامد النقوي: ٤/ ٢١٠.
(329) صحيح ابن حبان: ١٠/ ٤٣٤.
(330) مسند أحمد بن حنبل: ٤/ ٩٦، مجمع الزوائد، الهيثمي: ٥/ ٢١٨.
(331) صحيح مسلم: ٦/ ٢١ - ٢٢، السنن الكبرى، البيهقي: ٨ / ١٥٦ - ١٥٧، المحلى، ابن حزم: ١/ ٤٥ - ٤٦، مسألة ٨٧، المجموع، محيي الدين النووي: ١٩/ ١٩٠.

(١٣٠)

إلى غير ذلك مما ورد عندهم من ألفاظ هذا الحديث..
أقول: ذهبت السنة إلى وجوب بيعة الحاكم وطاعته بمفاد هذا الحديث، وأن كلّ من تخلف عن بيعته مات ميتة جاهلية.
قال ابن حزم: لا يحل لمسلم أن يبيت ليلتين ليس في عنقه لإمام بيعة لما رويناه من طريق مسلم..(332).
وقال القرطبي في شرح مسلم: البيعة مأخوذة من البيع، وذلك أن المبايع للإمام يلزمه أن يقيه بنفسه وماله، فكأنه بذل نفسه وماله لله تعالى، وقد وعد الله تعالى على ذلك بالجنة، فكأنه حصلت معاوضة.
ثم هي واجبة على كل مسلم لقوله (صلّى الله عليه وآله وسلم): من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية، غير أنه من كان من أهل الحل والعقد والشهرة فبيعته بالقول والمباشرة باليد إن كان حاضراً، وبالقول والاشهاد عليه إن كان غائباً، ويكفي من لا يؤبه له ولا يعرف أن يعتقد دخوله تحت طاعة الإمام ويسمع ويطيع له في السر والجهر، ولا يعتقد خلافاً لذلك، فإن أضمره فمات مات ميتة جاهلية، لأنه لم يجعل في عنقه بيعة، انتهى.(333)
ونضيف القول هنا: إذا كان السنة يعطون الشرعية لكل من تسلم مقاليد الناس بأيّ وجه كان! فيوجبون له البيعة والطاعة كما كانتا للنبي (صلّى الله عليه وآله)، بحكم هذا الحديث، لكنا لا نراهم في الوقت نفسه يلتزمون بمفاد هذا الحديث في جميع الموارد؟ فإن في تأريخ صدر الإسلام من لم يعمل بهذه القاعدة، فهل يطبقون عليه ما يوجبه هذا الحديث أم لا؟!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(332) المحلى، ابن حزم: ٩/ ٣٥٩، مسألة: ١٧٦٨.
(333) مواهب الجليل، الحطاب الرعيني: ٨/ ٣٦٧.

(١٣١)

فعلى سبيل المثال، هناك جملة من الصحابة لم يبايعوا أمير المؤمنين (عليه السلام) كسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وغيرهما ولم يحضروا معه في حروبه، وكذلك مثل طلحة والزبير اللذين نكثا بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) وخرجا يقاتلانه! ويؤلّبان الناس على حربه؟ فلم يكن لهما حينئذ إمامٌ، ولا بيعة لأحد! حتى قتلا بلا إمام، فلم نجدهم يلتزمون بتطبيق مفاد هذا الحديث عليهم!!
فكيف ساغ لهؤلاء وأمثالهم أن يتخلّفوا عن بيعة الخليفة الشرعي الذي تجب عليهم بيعته وطاعته، فلم ينقادوا إليه، ولم يحضروا معه في حروبه، بل نكثا بيعته وخرجا عليه؟ مع أن الحديث قد أصحر بأن من مات بغير إمام، أو خلع طاعة مات ميتة جاهلية!
هذا وقد ثبت أيضاً تأريخيًّا أن هناك جملة من علماء السنة لم تكن في أعناقهم بيعة لحكام عصرهم(334)، وهذا ما يدل على أن البيعة ليست لكل من تسنم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(334) وذلك أمثال أبي حنيفة الذي ساند حركة زيد بن علي (عليه السلام)، وغيره من علماء السنة ممن عرف عنهم عدم تأييد الحاكم وبيعته، ومنهم أيضاً ابن تيمية الذي أودعه حاكم عصره السجن بسبب عقائده التي خالف فيها المسلمين! فنقموا عليه حتى مات في قلعة دمشق سنة ٧٢٦.
يقول السيد حسن بن علي السقاف في كتابه (تهنئة الصديق المحبوب: ص٥٠) في معرض كلامه عن ابن تيمية: وينبغي أن نعرف جيداً بأن الذي وضع ابن تيمية في السجن حتى مات فيه هم أئمة الهدى والحق من علماء أهل السنة والجماعة، وأسماؤهم مدونة في كتب التاريخ والتراجم فليراجعها من شاء!!
وراجع أيضاً في الأسباب التي من أجلها حبس ابن تيمية: البداية والنهاية، ابن كثير: ١٤/ ٤٧، وكتاب التشيع والوسطية الإسلامية، لأكرم عبد الكريم ذياب: ٦٢ - ٦٥.
أقول: وحسبك في هذا الصدد أن ترجع إلى كتاب (الإسلام بين العلماء والحكام) للشيخ عبد العزيز البدري البغدادي، ط المكتبة العلمية في المدينة المنورة، فقد سرد فيه جملة من محن علماء السنة مع حكام عصرهم، منها: محنة سعيد بن المسيب، ومحنة سعيد بن جبير، ومحنة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) مع المنصور الدوانيقي، ومحنة أبي حنيفة النعمان، ومحنة مالك بن أنس، ومحنة أحمد بن حنبل، ومحنة محمد الشافعي، ومحنة البخاري ومحنة العز بن عبد السلام، وكذلك ابن تيمية.. الخ ولو كان هؤلاء يدينون لحكام عصرهم بالطاعة والبيعة لما خالفوهم، فسجن من سجن، وعذب من عذب منهم حتى مات بعضهم في السجن!.

(١٣٢)

الخلافة أيًّا كان! فإن هؤلاء لم يرضوا لأنفسهم أن تكون عليهم بيعة لكل من حكم واستولى!
كما أن الحديث لا يسوغ لأحد أن يخرج من هذه القاعدة، فهو عام يشمل جميع الناس ولا يستثني أحداً، كما أنه لا يسوغ القول عمن تخلف عن الإمام الشرعي أو خرج عليه أنه اجتهد فأخطأ؟! فإن الحديث نص ظاهر فيما قدمناه، لا يقبل التأويل! ولا الاجتهاد في قباله!
ونشير هنا إلى أمر مهم لا ينكره السنة فنقول: إذا أصّر السنة على القول بوجوب بيعة وطاعة سائر من تولى من الناس! وإن كان فاسقاً كيزيد بن معاوية! فماذا يقولون إذن في سبط رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الذي لم يبايعه، ولم تكن له بيعة قط لأحد من الناس، والكل يعلم ذلك! فهل يرضى القوم بأن ينسبوا لسيد شباب أهل الجنة، وريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما ينسبونه لسائر الناس بما يفرضه هذا الحديث من الحكم المذكور؟! أو يعترفوا بأن الإمام الشرعي الذي تجب طاعته آنذاك هو سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (عليه السلام) الذي أوجب الله تعالى على الناس محبته وولايته!. فلا يجوز أن يكون عليه إماماً أو غيره، وأن يزيد هو الذي يجب عليه أن ينقاد إليه، وكذلك سائر الأمة!
كما أن هناك أيضاً سؤال يفرض نفسه، وهو وجود عدة حكام في زمن واحد، كما هو الحاصل في هذا الزمان، ومن قبل أيضاً فقد شهد التأريخ، أكثر من خليفة في زمن واحد(335) كما في زمن عبد الملك بن مروان الذي كان خليفة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(335) جاء في كتاب المحلى لابن حزم: ٩/ ٣٦٠: مسألة: (١٧٧١) قال: ولا يحل أن يكون في الدنيا إلا إمام واحد، والأمر للأول بيعة، لما روينا من طريق مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاصي يقول: (أنه سمع رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) يقول في حديث طويل: ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر).. الخ.

(١٣٣)

الشام، وكان عبد الله بن الزبير خليفة الحجاز، وكان أيضاً المأمون العباسي في فترة خليفة على خراسان، بينما كان أخوه الأمين خليفة على بغداد، فمن هو إمام المسلمين منهما الذي تجب بيعته وطاعته على الناس دون غيره، ونحن نعلم أن إمام المسلمين كافة لا يكون إلا واحداً، وترجيح بعضهم على بعض يحتاج إلى الدليل الشرعي، كما أنه لا يمكن القول أيضاً بلزوم طاعتهم جميعاً، وقد وقع ما وقع بينهم من خلاف وقتال؟!
يقول العلامة الأميني (قدس سره) بعد نقل هذه الأحاديث عن صحاح أهل السنة ومسانيدهم: هذه حقيقة راهنة أثبتتها الصحاح والمسانيد، فلا ندحة عن البخوع لمفادها، ولا يتم إسلام مسلم إلا بالنزول لمؤداها، ولم يختلف في ذلك اثنان، ولا أن أحداً خالجه في ذلك شك، وهذا التعبير ينم عن سوء عاقبة من يموت بلا إمام، وأنه في منأى عن أي نجاح وفلاح، فإن ميتة الجاهلية إنما هي شر ميتة، ميتة كفر وإلحاد!
لكن هنا دقيقة لا بد من البحث عنها! وهي أن الصدّيقة الطاهرة المطهرة بنص الكتاب الكريم التي يغضب الله ورسوله لغضبها، ويرضيان لرضاها، ويؤذيهما ما يؤذيها، قضت نحبها وليس في عنقها بيعة لمن زعموا أنه خليفة الوقت! ومثلها بعلها (عليه السلام) طيلة ستة أشهر..! كما جاء في الصحيحين وفيهما: كان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس.(336)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(336) صحيح البخاري: ٥/ ٨٣، صحيح مسلم: ٥/ ١٥٤.

(١٣٤)

قال القرطبي في المفهم: كان الناس يحترمون علياً في حياتها كرامة لها، لأنها بضعة من رسول الله وهو مباشر لها، فلما ماتت وهو لم يبايع أبا بكر انصرف الناس عن ذلك الاحترام ليدخل فيما دخل فيه الناس، ولا يفرق جماعتهم.
فالحقيقة هاهنا مرددة بين أن الصدّيقة سلام الله عليها عزبت عنها ضرورية من ضروريات دين أبيها، وهي أولاها وأعظمها، وقد حفظته الأمة جمعاء حضريها وبدويها، وماتت - والعياذ بالله - على غير سنة أبيها، وبين أن لا يكون للحديث مقيل من الصحة! وقد رواه الحفظة الأثبات من الفريقين، وتلقته الأمة بالقبول، وبين إنها سلام الله عليها لم تك تعترف للمتقمص بالخلافة، ولا توافقه على ما يدعيه، ولم تكن تراه أهلاً لذلك، وكذلك الحال في مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، فهل يسع لمسلم أن يختار الشق الأول! ويرتئي لبضعة النبوة ولزوجها نفس النبي الأمين ووصيه على التعيين ما يأباه العقل والمنطق ويبرأ منه الله ورسوله؟! لا، ليس لأحد أن يقول ذلك!.
وأما الشق الثاني، فلا أظن جاهلاً يسف إلى مثله بعد استكمال شرايط الصحة والقبول، وإصفاق أئمة الحديث، ومهرة الكلام على الخضوع لمفاده، وإطباق الأمم الإسلامية على مؤداه، فلم يبق إلا الشق الثالث، فخلافة لم تعترف لها الصدّيقة الطاهرة! وماتت وهي واجدة عليها وعلى صاحبها،! ويجوِّز مولانا أمير المؤمنين التأخّر عنها ولو آناً ما، ولم يأمر حليلته بالمبادرة إلى البيعة، ولا بايع هو، وهو يعلم أن من مات ولم يعرف إمام زمانه، وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية، فخلافة هذا شأنها حقيقة بالإعراض عنها، والنكوص عن البخوع لصاحبها!!.(337)
وهناك أمر آخر أيضاً نود قوله هنا بمناسبة هذا الحديث، وهو ماذا يقولون أيضاً؟ فيمن مات في فترة ما قبل تعيين الخليفة اللاحق بعد موت الخليفة السابق، كالفترة التي حصلت أيام الشورى بعد مقتل عثمان بن عفان وغيرها..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(337) الغدير، الشيخ الأميني: ١٠/ ٣٦٠ - ٣٦٢.

(١٣٥)

وهذا يلزم على رأيهم أن من مات في خلال هذه الفترة أنه مات بغير إمام فموتته جاهلية؟! فما ذنبه يموت ميتتة جاهلية إذا لم يتعين له الإمام بعد؟.
أما على مذهب الإمامية، فكل هذه الإيرادات لا ترد، فإن الإمامة لا تنقطع أبداً بموت الإمام السابق، ولا للحظة من الزمن، فإن الإمام اللاحق يقوم من بعده مباشرة كما ثبت في إمامة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، وكما جاء في الحديث الذي أخرجه الجويني بإسناده عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) في حديث له: ومثل الأئمة من ولدك بعدي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجى، ومن تخلف عنها غرق، ومثلكم مثل النجوم كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة.(338)
وخلاصة الكلام أن هذا الحديث لا ينطبق إلا على مذهب الشيعة الإمامية، والتي تقول بعدم خلو الزمان من وجود إمام معصوم، فهو الذي يجب على الناس معرفته وطاعته، وهو الذي تستلزم جهالته الميتة الجاهلية، لا كل من جاء من سوقة الناس، ثم حكمهم فيكون حاله حال الأنبياء في وجوب الطاعة والبيعة والمعرفة، فلا يمكن أن يترك الله تعالى الناس هملاً بلا إمام يرعاهم، وينظم أمورهم..

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم * * * ولا سراة إذا جهالهم سادوا

وللمزيد من الإيضاح سوف نتكلم هنا في مضمون الحديث ومفاده:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(338) فرائد السمطين، الجويني: ٢/٢٣ ح ٥١٧ باب ٤٦، ينابيع المودة، القندوزي الحنفي: ١/ ٣٩١ح٣، فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، ابن عقدة الكوفي: ٤٣ - ٤٤، وراجع أيضاً ما جاء في نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السلام):١/ ١٩٣ - ١٩٤، خطبة رقم: ٩٩.

(١٣٦)

أولاً: قوله: (من مات وليس له إمام):
ليس المراد من كلمة الإمام في الحديث هو الحاكم أو السلطان، وذلك لأن الإمام سمي إماماً لأنه يؤتم به، ويقتدى به في أفعاله وأقواله، وهذا لا يتسنى إلا للإمام المعصوم الذي أذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيرا، فهو الذي جعله إماماً للناس ليهتدوا به في الدين، قال تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا)(339) فهؤلاء هم الذين تجب طاعتهم وولايتهم، فهم أحق الناس بالإتباع من غيرهم، وقال تعالى: (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ).(340)
فالإمام التي تجب طاعته في جميع الأحوال، هو الإمام المعصوم المنقاد لأمر الله تعالى في جميع الأمور، المهتدي الهادي لغيره، وإلا استلزم إغراء الناس به، والوقوع في الضلالة والجهالة، وحاشا لله تعالى أن يوجب طاعة مخلوق غير معصوم طاعة مطلقة مع ما يصدر منه من الذنب والعصيان والخطأ، فالإمام المعصوم هو وحده الذي لا يمكن يستزل أو يخدع، أو يحيف في حكمه!.(341)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(339) سورة الأنبياء، الآية: ٧٣.
(340) سورة يونس، الآية: ٣٥.
(341) دخل ابن شهاب على الوليد - أو سليمان - فقال له: يا بن شهاب، ما حديث يرويه أهل الشام؟ قال: ما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: إنهم يروون أن الله تعالى إذا استرعى عبداً رعية كتب له الحسنات، ولم يكتب عليه السيئات، فقال: كذبوا يا أمير المؤمنين، أيما أقرب إلى الله، نبي أم خليفة! قال: بل نبي، قال: فإنه تعالى يقول لنبيه داود: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) (سورة ص، الآية: ٢٦) فقال سليمان: إن الناس ليغروننا عن ديننا.
(شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ١٧/ ٦١)
وفي محاضرات الأدباء: ١٧٢: كان عبد الملك بن مروان يسمى حمامة المسجد للزومه المسجد الحرام، فلما أتاه الخبر بخلافته كان المصحف في حجره فوضعه وقال: هذا فراق بيني وبينك! وقال: إني كنت أتحرج أن أطأ نملة، وإن الحجاج يكتب إليَّ في قتل فئام من الناس فما أحفل بذلك!
وقال له الزهري يوما: بلغني أنك شربت الطلاء! فقال: أي والله والدماء! وقال: عجباً للسلطان كيف يحسن؟! وإذا أساء وجد من يزكيه ويمدحه)!
وعن ابن عائشة قال: أفضي الأمر إلى عبد الملك والمصحف في حجره يقرأ فأطبقه - وقال: هذا آخر العهد بك.
(تاريخ بغداد، الخطيب: ١٠/ ٣٨٩، تأريخ دمشق: ٣٧/ ١٢٧، سير أعلام النبلاء: ٤/ ٢٤٨). إلى غير ذلك من أخبارهم في التأريخ وهي كثيرة.

(١٣٧)

ومن هنا نقول أيضاً إذا ثبت وجوب معرفة الإمام إذن لا تخلو الأرض من إمام مؤيد من الله تعالى مادام قد أوجب عليهم معرفته وطاعته، وليس هو إلا الذي اصطفاه عليهم جميعاً، واسترعاه أمرهم، فالإمام هو الذي يقود الناس ويسير بهم إلى طاعة الله تعالى ورضوانه، وهذا الأمر لا يتسنى لكل من تسنم منصب الخلافة، وحكم في رقاب الناس.
يقول السيد الطباطبائي في الميزان في هذه المسألة: وبالجملة فالإمام يجب أن يكون إنساناً ذا يقين، مكشوفاً له عالم الملكوت - متحققاً بكلمات من الله سبحانه.. قال تعالى: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ)(342) وسيجيء تفسيره بالإمام الحق دون كتاب الأعمال، على ما يظن من ظاهرها، فالإمام هو الذي يسوق الناس إلى الله سبحانه يوم تبلى السرائر، كما أنه يسوقهم إليه في ظاهر هذه الحياة الدنيا وباطنها، والآية مع ذلك تفيد أن الإمام لا يخلو عنه زمان من الأزمنة، وعصر من الأعصار، لمكان قوله تعالى: (كُلَّ أُنَاسٍ) على ما سيجيء في تفسير الآية من تقريبه.
ثم إن هذا المعنى أعني الإمامة، على شرافته وعظمته، لا يقوم إلا بمن كان سعيد الذات بنفسه، إذ الذي ربما تلبّس ذاته بالظلم والشقاء، فإنما سعادته بهداية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(342) سورة الإسراء، الآية: ٧١.

(١٣٨)

من غيره، وقد قال الله تعالى: (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى)(343) وقد قوبل في الآية بين الهادي إلى الحق وبين غير المهتدي إلا بغيره، أعني المهتدي بغيره، وهذه المقابلة تقتضي أن يكون الهادي إلى الحق مهتدياً بنفسه، أن المهتدي بغيره لا يكون هادياً إلى الحق البتة.
ويستنتج من هنا أمران: أحدهما: أن الإمام يجب أن يكون معصوماً عن الضلال والمعصية، وإلا كان غير مهتد بنفسه، كما مر، كما يدل عليه أيضاً قوله تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)(344) فأفعال الإمام خيرات يهتدى إليها لا بهداية من غيره، بل باهتداء من نفسه بتأييد إلهي، وتسديد رباني، والدليل عليه قوله تعالى: (فِعْلَ الخَيْرَاتِ) بناء على أن المصدر المضاف يدل على الوقوع، ففرق بين مثل قولنا: (وأوحينا إليهم أن افعلوا الخيرات) فلا يدل على التحقق والوقوع، بخلاف قوله: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ) فهو يدل على أن ما فعلوه من الخيرات إنما هو بوحي باطني، وتأييد سماوي.
الثاني: عكس الأمر الأول، وهو أن من ليس بمعصوم فلا يكون إماماً هادياً إلى الحق البتة..(345).
فنخلص من هذا كله أن قوله: (من مات وليس له إمام) يعني بالإمام الإمام المعصوم، المؤيد من الله تعالى، المنصوص عليه في الشرع.
ثانياً: قوله: (مات ميتة جاهلية)
يعني يموت على غير دين الإسلام، وهي ميتة أهل الشرك والضلالة، فيكون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(343) سورة يونس، الآية: ٣٥.
(344) سورة الأنبياء، الآية: ٧٣.
(345) تفسير الميزان، السيد الطباطبائي: ١/ ٢٧٣ - ٢٧٤.

(١٣٩)

حاله حال من أنكر نبوة الأنبياء والرسل، ونعلم بالضرورة أن هذا الحكم لا ينسحب على من لم يبايع الحاكم، ولم يدخل في طاعته، فحاشا لله تعالى أن يجعل هذا المنصب العظيم الذي جعله لأنبيائه وأوليائه الذين أمر الناس كافة بطاعتهم وولايتهم، وهم المعصومون المطهرون، فيمنحه لسائر الحكام والسلاطين الذين اختارهم الناس وولوهم، فيعطيهم نفس هذا الحكم من الطاعة والبيعة! فيموت من لم يبايعهم موتة جاهلية، كما أن الحكام والسلاطين أنفسهم أيضاً يحتاجون إلى إمام يقتدون به، ليسير بهم على ضوء كتاب الله وسنة رسوله (صلّى الله عليه وآله) لا يحيد عن الحق أبداً، وهو الإمام المعصوم، فهو المهتدي المطلق الذي لا يحتاج إلى هداية أحد من الناس، فهو غني عنهم بما حباه الله تعالى من الهداية والمعرفة.
ففي عقيدة الشيعة الإمامية أن (الحديث) لا يصح إلا في حقّ من اختاره الله تعالى وسدّده، واسترعاه أمر الأمة، وهو الإمام الذي نصّبه النبي (صلّى الله عليه وآله) إماماً على الأمة، وهو أمير المؤمنين والأئمة من بعده، فهم الذين تستلزم جهالتهم الميتة على الجاهلية(346)، لا كلّ من حكم رقاب الناس، وتسلط

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(346) كما ورد هذا التعبير أيضاً في من أبغض أمير المؤمنين (عليه السلام) أن ميتته ميتة جاهلية، فقد روى الطبراني بإسناده عن ابن عباس أن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قال لعلي (عليه السلام):.. ألا من أحبك حفّ بالأمن والإيمان، ومن أبغضك أماته الله ميتة الجاهلية، وحوسب بعمله في الإسلام.
راجع: المعجم الكبير، الطبراني:١١/ ٦٣، كنز العمال، المتقي الهندي: ١١/ ٦٠٧ ح٣٢٩٣٥، مجمع الزوائد، الهيثمي: ٩/ ١١١.
فعلى هذا تكون جهالة الإمام مساوقة لبغضه، وكلاهما نتيجته واحدة، وهو الميتة الجاهلية، وإن كانت الثانية أشد من الأولى.
وجاء أيضاً في كتاب الخصال للشيخ الصدوق عليه الرحمة: ٢١٩ أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لخالد بن يزيد - وكان من المنحرفين عنه -:وأما أنت يا خالد بن يزيد! فإن كنت سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، ثم لم تشهد لي اليوم بالولاية فلا أماتك الله إلا ميتة جاهلية.. الخ.

(١٤٠)

عليهم حتى لو كان فاسقاً، شارباً للخمر، قاتلاً للنفس المحترمة، فحاشا أن يكون أمره أمر الله تعالى، ونهيه نهي الله تعالى!!.
وهذا ما يدل على أن الإمامة من الأصول وليست من الفروع، فإن ترك شيء من الفروع اجتهاداً وليس عن عمد لا يوجب الموت على الميتة الجاهلية، وكما قلنا: حاشا لله تعالى أن يجعل بيعة الحاكم أصلاً من أصول الدين، وأن من تخلف عنها مات ميتة جاهلية! لأن ذلك لا يكون إلا لمن ولاه على الأمة ونص عليه، وإذا زعموا أنها ليست من الأصول بل هي من الفروع، فنقول: إن التخلف عنها لا يستوجب الموت على غير الإسلام.
يقول الشهيد نور الله التستري: فلا ريب في أن الإمامة إنما هي من الأصول، ولهذا يذكر في الكتب المصنفة فيه، فكيف يمكن إثباتها بالقياس الفقهي الذي لا يكون إلا في الفروع؟.
وأما ما ذكره صاحب المواقف من أن مسألة الإمامة ليست من الأصول، ومجمج فيه العلامة الدواني بأنه بالفروع أشبه! فمعارض بما ذكره القاضي البيضاوي في مبحث الأخبار من كتاب المنهاج، وجمعٌ من شارحي كلامه، أن الإمامة من أعظم مسائل أصول الدين التي مخالفتها توجب الكفر والبدعة، وبما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين وغيره في غيره من أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية، فإنه صريح في أن الإمامة من الأصول ضرورة أن الجاهل بشيء من الفروع وإن كان واجباً لا يكون ميتته ميتة جاهلية، ولا يقدح ذلك في إسلامه..
وأيضاً قد صرحوا بأن الإمامة صنو مرتبة النبوة، وأن حقوق النبوة من حماية بيضة الإسلام، وحفظ الشرع، ونصب الألوية والأعلام في جهاد الكفار والبغاة، والانتصاف للمظلوم، وإنفاذ المعروف، وإزالة المنكر إلى غير ذلك من

(١٤١)

توابع منصب النبوة ثابتة للإمامة لأنها خلافة ونيابة عنها.
وبالجملة لو لم تكن مسألة الإمامة مثل مسألة النبوة في كونها من أصول الدين، وكان يكفي فيها كما في سائر الفروع ظن المجتهدين أو تقليدهم للزم أن لا يجوز تخطئة المجتهد الذي ظن أن أبا بكر ليس بإمام، وكذا تخطئة المقلد! والحال أنهم إذا سمعوا من يقول: إني أعتقد أن أمير المؤمنين (عليه السلام) خليفة للنبي (صلّى الله عليه وآله) بغير فصل بسبب الظن الذي قادني إليه أو بواسطة تقليد المجتهد الفلاني يخطئونه بل يكفرونه..!!.(347)
وأضيف القول هنا أيضاً: إنما أصبحت جهالة هذا الإمام تقتضي الميتة على الجاهلية إنما هي من أجل كونه خليفة لرسول الله (صلّى الله عليه وآله)، الهادي للأمة في دينها، والمبين لهم أحكام الله تعالى وسنة نبيه (صلّى الله عليه وآله)، فإذا جهله أحد من الناس، فكأنما جهل رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فتحبط جميع أعماله، ولا ينفعه عمله، وحاله حال من مات في الجاهلية، فالنتيجة كما أن جهالة النبي تستلزم الموت على الجاهلية، فكذلك جهالة الإمام لأنهما من واد واحد، ومن هنا جاء في الدعاء عندنا: كما في الدعاء في غيبة القائم من آل محمد عليه وعليهم السلام: اللهم! عرفني حجتك، فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني، اللهم! لا تمتني ميتة جاهلية..(348).
يؤيد أيضاً ما قدمناه أمور، منها:
١ - حديث الثقلين: (ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي)
٢ - وكذلك حديث السفينة إذ جاء فيه (ومن تخلف عنهم غرق وهوى)
٣ - قوله: (وإذا خالفتهم قبيلة كانوا حزب إبليس).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(347) الصوارم المهرقة، نور الله التستري: ٢٦٤.
(348) مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي: ٤١٢.

(١٤٢)

فكلمة (لن تضلوا) وكلمة (غرق وهوى) وكلمة (مات ميتة جاهلية) (وحزب إبليس) واردة كلها في معنى واحد، وهو: أن جهالة أهل البيت (عليهم السلام) وعدم الاهتداء بهديهم مما يوجب الوقوع في الضلالة والجاهلية، والدخول في زمرة الضالين، وكل هذه المفردات تحذر من مخالفتهم وجهالتهم، وترشد إلى لزوم اتباعهم، فهم الذين من تبعهم نجا، ومن تخلف عنهم غرق وهوى، فعلى هذا لا يتم الإيمان إلا بولايتهم واتباعهم، فهؤلاء هم الذين تستوجب جهالتهم دخول النار، وهذا ما تفرضه مجموع هذه الأحاديث الشريفة.
انطباق الحديث على الإمام المهدي (عليه السلام)
ومن دلالات الحديث أيضاً هو وجود إمام معصوم يهتدى به في كلّ زمان، كما أشرنا إليه آنفاً بالبيان المتقدم، والخلاصة، أن قوله: (من مات بغير إمام) مقتضاه أن الله تعالى أوجد للناس إماماً في كل زمان، وأخذ عليهم معرفته وطاعته، ومن ثم محاسبتهم على جهالتهم له، وليس الإمام في ذلك إلا الذي اصطفاه الله تعالى على البشر كافة، فحاشا لله تعالى أن يوجب اتباع إمامٍ غير معصوم من رعاع الناس ثم يوجب عليهم معرفته وبيعته فإن لم يعرفوه ويبايعوه ماتوا ميتة جاهلية!
فلابد من القول إذن أنه بين الأسماء لهم، وميّز أولياءه وحججه على عباده الذين تجب طاعتهم ومعرفتهم من غيرهم، وإلا لما صح مؤاخذتهم على ذلك! وحاشا لله تعالى أن يوجب طاعة إمام على الأمة ثم لا يميزه لهم، ولا يرشدهم إليه، فلا يجوز أن يكون مغموراً مجهول الحال لا يتسنى لأحد معرفته واتباعه، ولا يميزه لهم ليعرفوه! ومادام الحديث يفرض مؤاخذة كل من جهل الإمام، فلازمه أنه تعالى بين لهم إمامهم من غيره.
ومن الواضح جداً انطباق هذا الحديث على الإمام المهدي المنتظر عليه

(١٤٣)

السلام في هذا الزمان، وعدم انطباقه على غيره، فإنه الإمام الذي اصطفاه الله تعالى على سائر الناس لنشر العدل في أرجاء المعمورة، كما أن السنة لا يمكن لهم أن ينكروا إمامته في الجملة، فهو الإمام المعصوم الذي يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، فلابد من القول بإمامته، ومَنْ جهله مات ميتة جاهلية.
روى الشيخ الصدوق: عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من أنكر القائم من ولدي في زمان غيبته فمات فقد مات ميتة جاهلية.(349)
وعن محمد بن عثمان العمري - قدس الله روحه - يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه (عليهم السلام): أن الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه إلى يوم القيامة، وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية؟ فقال (عليه السلام): إن هذا حق كما أن النهار حق، فقيل له: يا ابن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدك؟ فقال: ابني محمد، هو الإمام والحجة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية.
أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقاتون، ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة.(350)
وعن فضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية، ومن مات وهو عارف لإمامه لم يضره، تقدم هذا الأمر أو تأخر، ومن مات وهو عارف لإمامه، كان كمن هو مع القائم في فسطاطه.(351)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(349) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٤١٢ ح١٢.
(350) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٤٠٩ ح٩.
(351) الكافي، الشيخ الكليني: ١/ ٣٧٢ ح٥.

(١٤٤)

وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من مات وليس له إمام من ولدي، مات ميتة جاهلية، ويؤخذ بما عمل الجاهلية والإسلام.(352)
وعن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية، ولا يعذر الناس حتى يعرفوا إمامهم.(353)
وروى الشيخ الكليني: عن الحارث بن المغيرة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية؟ قال: نعم، قلت: جاهلية جهلاء أو جاهلية لا يعرف إمامه؟ قال: جاهلية كفر ونفاق وضلال.(354)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(352) عيون أخبار الرضا، الشيخ الصدوق: ١/٦٣ ح٣١٤.
(353) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٤١٢ ح١٠.
(354) الكافي، الشيخ الكليني: ١/ ٣٧٧ ح٣.

(١٤٥)

الأدلة الأخرى على إمامة أهل البيت (عليهم السلام)
قد وردت جملة من الأحاديث الشريفة الدالة على إمامة أهل البيت (عليهم السلام)، ووجوب ولايتهم، والسير على خطاهم في مصادر السنة عن النبي (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، وهي كثيرة جداً، ولم ترد مثل هذه النصوص في حقّ أحد غيرهم، وقد سماهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أئمة تارة، وتارة بين أن مكانهم في الأمة مكان الرأس من الجسد، وغير ذلك من الألفاظ الأخرى الدالة على ما قدمناه ببيان عربي مبين لا تقبل التأويل، فمنها ما يلي:
١ - أبو نعيم الأصفهاني عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من سرّه أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن، غرسها ربي، فليوالِ علياً من بعدي، وليوالِ وليّه، وليقتدِ بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعلماً، فويلٌ للمكذبين من أمتي، والقاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي.. الخ.(355)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(355) راجع: حلية الأولياء، أبو نعيم الأصفهاني: ١/ ٨٦، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ٩/ ١٧٠، كفاية الطالب، الكنجي الشافعي: ص ٢١٤ نشر دار إحياء تراث أهل البيت (عليهم السلام)، وص ٩٤ ط الغري (الباب السابع والخمسون)، مجمع الزوائد، الهيثمي: ٩/ ١٠٨، تأريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ٤٢/ ٢٤١، ينابيع المودة، القندوزي الحنفي: ١/ ٣٨٠ ح٢، فرائد السمطين، الجويني: ١ / ٥٣، مناقب أهل البيت (عليهم السلام)، المولى حيدر الشيرواني: ١٧٥ - ١٧٦.

(١٤٦)

وجاء في رواية أخرى: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من أحبّ أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويدخل الجنة التي وعدني ربّي، فليتولى عليَّ بن أبي طالب وذريته أئمة الهدى، ومصابيح الدجى من بعده، فإنهم لن يخرجوكم من باب الهدى إلى باب الضلالة.(356)
٢ - أحمد بن عبد الله الطبري: عن عمر أن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قال: في كلّ خلوف(357) من أمتي عدول أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله (عزَّ وجلَّ) فانظروا بمن توفدون. أخرجه الملا.(358)
وأخرج علي بن محمد بن عبد الله العباسي العلوي بسنده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: في أهل بيتي عدول ينفون عن الدين تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، ألا وأن أئمتكم وفدكم إلى الله تعالى، فانظروا من تقدمون في دينكم وصلاتكم.(359)
٣ - روى ابن الصباغ المالكي: عن رافع مولى أبي ذر قال: صعد أبو ذر على عتبة باب الكعبة، وأخذ بحلقة الباب وأسند ظهره إليه، وقال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) يقول: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(356) راجع: المناقب، الخوارزمي: ٧٥، ح٥٥، ينابيع المودة، القندوزي الحنفي: ١/ ٣٨٣ ح١٠، الإصابة، ابن حجر العسقلاني الشافعي: ١/ ٥٤١ ط مصطفى محمد، و١ / ٥٥٩ ترجمة: ٢٨٦٥ط السعادة، كنز العمال، المتقي الهندي: ١١/ ٦١٢ ح٣٢٩٦٠.
(357) في ينابيع المودة: خلف.
(358) ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري: ١٧، ينابيع المودة، القندوزي: ٢/ ١١٣ - ١١٤ح٣١٨.
(359) سيرة يحيى بن الحسين: ٣٣.

(١٤٧)

عنها زج في النار، وسمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) يقول: اجعلوا أهل بيتكم منكم مكان الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس، فإن الجسد لا يهتدي إلا بالرأس، ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين.(360)
٤ - روى ابن أعثم الكوفي: عن ابن عباس، قال: إني حضرت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وقد ضمّ الحسين بن عليّ إلى صدره، وهو يقول: هذا من أطائب أرومتي، وأنوار عترتي، وخيار ذريتي، لا بارك الله فيمن لا يحفظه بعدي!.(361)
٥ - روى نعيم بن حماد: عن مكحول، عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: قلت: يا رسول الله المهدي منّا أئمة الهدى أم من غيرنا؟ قال: بل منّا، بنا يختم الدين كما بنا فتح، وبنا يستنقذون من ضلالة الفتنة كما استنقذوا من ضلالة الشرك، وبنا يؤلف الله بين قلوبهم في الدين بعد عداوة الفتنة كما ألف الله بين قلوبهم ودينهم بعد عداوة الشرك.(362)
٦ - المتقي الهندي: عن أبي الزعراء قال: كان علي بن أبي طالب يقول: إني وأطايب أرومتي، وأبرار عترتي، أحلم الناس صغاراً، وأعلم الناس كباراً، بنا ينفي الله الكذب، وبنا يعقر الله أنياب الذئب الكلب، وبنا يفك الله عنوتكم، وينزع ربق أعناقكم، وبنا يفتح الله ويختم. (عبد الغني بن سعيد في إيضاح الاشكال).(363)
قال القندوزي الحنفي: أخرج الحافظ عمرو بن بحر في كتابه: حدثني أبو عبيدة، عن جعفر الصادق، عن آبائه (رضي الله عنهم): إن علياً (كرم الله وجهه) خطب بالمدينة بعد بيعة الناس له، وقال: ألا إن أبرار عترتي، وأطايب أرومتي،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(360) الفصول المهمة في معرفة الأئمة، ابن الصباغ المالكي: ٨.
(361) كتاب الفتوح، أحمد بن أعثم الكوفي: ٤/٣٥٠.
(362) كتاب الفتن، نعيم بن حماد المروزي: ٢٢٩.
(363) كنز العمال، المتقي الهندي: ١٣/ ١٣٠ ح٣٦٤١٣.

(١٤٨)

أحلم الناس صغارا، وأعلمهم كبارا، ألا وإنا أهل بيت من علم الله علمنا، وبحكم الله حكمنا، ومن قول الصادق سمعنا، فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، وإن لم تفعلوا يهلككم الله، ومعنا راية الحق، من تبعها لحق، ومن تأخر عنها غرق، ألا وبنا يدرك كلّ مؤمن ثواب عمله، وبنا يخلع ربقة الذل من أعناقكم، وبنا فتح الله، وبنا يختم.(364)
وعن ابن أبي الحديد: عن شيخه أبي عثمان، عن أبي عبيدة، عن جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السلام)، وساق الحديث مثله، وفيه: ألا وبنا يدرك ترة كلّ مؤمن، وبنا تخلع ربقة الذل عن أعناقكم، وبنا فتح لا بكم، ومنا يختم لا بكم.(365)
٧ - نهج البلاغة: ومن كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل بن زياد: اللهم بلى، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إما ظاهراً مشهوراً، أو خائفاً مغموراً، لئلا تبطل حجج الله وبيناته، وكم ذا وأين! أولئك والله الأقلون عدداً، والأعظمون عند الله قدراً، يحفظ الله بهم حججه وبيناته حتى يودعوها نظراءهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم.(366)
٨ - نهج البلاغة: ومن خطبة له (عليه السلام) يذكر فيها آل محمد (صلّى الله عليه وآله): هم عيش العلم، وموت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم، وصمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه، هم دعائم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(364) ينابيع المودة، القندوزي: ١/٨٠ ح١٩.
(365) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ١/ ٢٧٦، جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (عليه السلام)، ابن الدمشقي: ١/٣٤٢ - ٣٤٣.
(366) نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السلام): ٤ / ٣٨، رقم: ١٤٧، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ١٨/ ٣٤٧، تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ١٤/ ١٨ و٥٠ / ٢٥٣ و٢٥٥، كنز العمال، المتقي الهندي: ١٠/ ٢٦٣ - ٢٦٤ ح٢٩٣٩١،، تهذيب الكمال، المزي: ٢٤/ ٢٢١، تذكرة الحفاظ، الذهبي: ١ / ١٢، الجوهرة في نسب الإمام علي وآله، البري: ٨٤، المناقب، الموفق الخوارزمي: ٣٦٧.

(١٤٩)

الإسلام، وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق في نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية، لا عقل سماع ورواية، فإن رواة العلم كثير، ورعاته قليل.(367)
٩ - نهج البلاغة: لا يقاس بآل محمد (صلّى الله عليه وآله) من هذه الأمة أحد، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا، هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفئ الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حقّ الولاية، وفيهم الوصية والوراثة، الآن إذ رجع الحق إلى أهله، ونقل إلى منتقله.(368)
١٠ - أخرج الشيخ محمد بن إبراهيم الشافعي الحمويني في فرائد السمطين: بسنده عن أبي بصير، عن خيثمة الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر محمد الباقر يقول: نحن جنب الله، ونحن صفوته، ونحن خيرته، ونحن مستودع مواريث الأنبياء، ونحن أمناء الله (عزَّ وجلَّ) ونحن حجج الله، ونحن أركان الإيمان، ونحن دعائم الإسلام، ونحن من رحمة الله على خلقه، وبنا يفتح الله، وبنا يختم، ونحن الأئمة الهداة، والدعاة إلى الله، ونحن مصابيح الدجى، ومنار الهدى، ونحن العلم المرفوع للحق، من تمسك بنا لحق، ومن تأخر عنا غرق، ونحن قادة الغرّ المحجلين، ونحن الطريق الواضح، والصراط المستقيم إلى الله، ونحن من نعمة الله.(369)
١١ - تفسير الثعلبي: عن أبان بن تغلب، عن جعفر بن محمد: نحن حبل الله الذي قال الله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)(370).(371)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(367) نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السلام):٢/ ٢٣١ - ٢٣٢ ح٢٣٩.
(368) نفس المصدر:١/ ٢٩ - ٣٠.
(369) فرائد السمطين: ١/ ٤٥ ح ١١، ينابيع المودة، القندوزي: ٣/ ٣٥٩ - ٣٦٠.
(370) سورة آل عمران، الآية: ١٠٣.
(371) تفسير الثعلبي: ٣/ ١٦٣، شواهد التنزيل، الحاكم الحسكاني: ١/ ١٦٩ح١٧٨ و١٨٠، ينابيع المودة، القندوزي الحنفي: ١/ ٣٥٦ح١٠، و٢/ ٣٦٨ ح٥١.

(١٥٠)

ويقول الفرزدق في أئمة أهل البيت (عليهم السلام):

إن عُدَّ أهلُ التقى كانوا أئمتهم * * * أو قيل من خيرُ أهل الأرض قيل همُ
من معشرٍ حبّهم دينٌ وبغضُهم * * * كفرٌ وقربُهم منجى ومعتصمُ

إلى غير ذلك من كلمات النبي (صلّى الله عليه وآله)، والعترة الطاهرة في النص على إمامة أهل البيت (عليهم السلام).(372)
خلاصة البحث
هذا! وكل من تمعن بعين البصيرة، وتخلى عن التعصب، والتقليد الأعمى، يجد ضالته في مجموع هذه الأحاديث الشريفة التي سقناها من كتب جمهور المسلمين، فهي بحق تأخذ بالأعناق، وتلقي بالحجة على أهل ملة الإسلام جميعاً في أن طريق الحق منحصر بأهل البيت (عليهم السلام)، ولا عذر لأحد أن يتخلف عنهم أبداً، فكلها دلائل وحجج وبراهين لا يمكن لأحد ردها أو تأويلها، فهذه الأحاديث لم تأتي لمجرد التسلية، وما هي بالقول الهزل، وحاشا وكلا، ما هي إلا براهين ناصعة، وحجج دامغة ترشد إلى وجوب العمل على طريقة العترة الطاهرة (عليهم السلام)، والسير بهديهم، وأن الزمان لا يخلو من إمام معصوم منهم يجب الإقتداء به، ومتابعته.
وأقول، كما قال شيخنا لطف الله الصافي أيده الله تعالى: من تدبر حق التدبر في أحاديث السفينة، وما يأتي من أحاديث الأمان، وأحاديث من مات ولم يعرف إمام زمانه، وأحاديث الخلفاء والأئمة الاثني عشر، وأحاديث الثقلين، وحديث في كل خلف.. وحديث من سره. وغيرها من الأحاديث الكثيرة..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(372) وممن كتب حديثاً في هذا الموضوع العلامة الأستاذ الشيخ محسن المعلم أيده الله تعالى في كتابه الجديد (العقائد من نهج البلاغة) فقد تناول في أحد بحوثه القيمة ما جاء من نصوص في الإمامة على لسان أمير المؤمنين (عليه السلام)، فراجع ذلك في ص ٢٣٥ - ٢٦٠، تحت عنوان (الإمامة).

(١٥١)

يحصل له العلم بعدم خلو الزمان من إمام معصوم من أهل بيت النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، يجب التمسك به في الأمور الدينية، ومعرفته ومتابعته، والتأسي به، وأخذ العلم عنه، فهو خليفة الرسول في بيان الأحكام وتبليغ مسائل الحلال والحرام، وتفسير القرآن.
كما أن الكتاب العزيز أيضاً خليفته، وهما لا يفترقان عن الآخر، وعلى هذا الأساس المتين المستفاد من هذه الأخبار المتواترة القطعية وغيرها، بنى مذهب الإمامية القائلين بوجود الإمام المعصوم في كل عصر وزمان من أهل البيت، وانحصار الإمامة في الاثني عشر إلى قيام الساعة.
ويرشد إلى ذلك أي عدم خلو الأرض من الإمام ما رواه الخاص والعام عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: اللهم بلى، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهراً مشهوراً، أو خائفا مغموراً، لئلا تبطل حجج الله وبنياته، وكم ذا، وأين أولئك؟ أولئك والله الأقلون عددا، والأعظمون عند الله قدرا، يحفظ الله بهم حججه وبيناته.
أخرجه الشريف الرضي والذهبي مع اختلاف يسير، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص، والموفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب، وعلي المتقي في كنز العمال، وأبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء.(373)
الإمام المهدي المنتظر في مؤلفات الشيعة الإمامية
إن حركة التدوين للأحاديث الخاصة بالإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) سبقت زمن ولادة الإمام وغيبته بقرون من الزمن، واهتم بها المؤرخون والمحدثون، ثم أخذت شيئاً فشيئاً تتطور حتى أفردت بالجمع والتصنيف وقد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(373) مجموعة الرسائل، الشيخ لطف الله الصافي: ٢/ ٦٦ - ٦٧.

(١٥٢)

سبقت عصر الإمام المهدي (عليه السلام).(374)
كما أنّ جلّ كتب الحديث عندنا عقدت باباً خاصاً في ما جاء من الأحاديث الشريفة حول الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) ككتاب الكافي للشيخ الكليني، وكتاب الإرشاد للشيخ المفيد، وكتاب الاحتجاج، وكتاب إعلام الورى للشيخ الطبرسي، وكتاب كفاية الأثر للخزاز القمي، وكتاب دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري، وكتاب مناقب آل أبي طالب لشهر بن آشوب، وغيرهم، وما جمعه أيضاً العلامة المجلسي (رحمه الله تعالى) من كتب أصول الحديث وغيرها في كتابه القيم بحار الأنوار في الجزء (٥١ و٥٢ و٥٣).
وأما الكتب الخاصة التي أفردت التأليف في حقه (عليه السلام) فهي كثيرة جداً، منها: كتاب الغيبة للشيخ الطوسي، وكتاب الغيبة للشيخ النعماني، وكتاب كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى)، وغيرها من كتب أصول الحديث عندنا..
ومن خيرة ما كتب في هذا العصر من الكتب القيمة في هذا الموضوع، هو: كتاب مكيال المكارم للميرزا محمد تقي الأصفهاني، وما كتبه السيد محسن الأمين في كتابه المجالس السنية في الفصل الخاص بالإمام (عليه السلام)، وقد طبع مستقلاً، وكتاب منتخب الأثر لآية الله الشيخ لطف الله الصافي، يقع في ثلاثة أجزاء، وقد أخرج فيه نحو ١٢٨٧ من الأحاديث المروية في الإمام المهدي (عليه السلام) عن الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) وغيرهم من طرق الفريقين.
ونخص بالذكر أيضاً من الكتب القيمة في هذا الموضوع: كتاب الإمام الثاني عشر للسيد محمد سعيد الموسوي آل صاحب العبقات، قدم له وعلق عليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(374) ومنها: كتاب المهدي لعيسى بن مهران وغيره من الرواة.
راجع: رجال النجاشي: ٢٩٧، رقم: ٨٠٧، معجم رجال الحديث، السيد الخوئي: ١٤/ ٢٢٥، رقم: ٩٢٤٣.

(١٥٣)

السيد علي الحسيني الميلاني، وكتاب المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي، نشر مؤسسة الرسالة، وكتاب حياة الإمام المهدي (عليه السلام) دراسة وتحليل للشيخ باقر شريف القرشي، وكتاب تطبيق المعايير العلمية على ما اختلف وتعارض من أحاديث المهدي بكتب الفريقين للسيد ثامر هاشم حبيب العميدي.
وقد خرجت في هذا العصر أيضاً بعض المعاجم والموسوعات الكبيرة التي تناولت جل ما يرتبط بالإمام المهدي (عليه السلام).
منها: موسوعة الإمام المهدي (عليه السلام) للسيد الصدر فقد تناول فيها تأريخ الغيبة الصغرى والكبرى وسفراء الإمام، وشرائط ظهوره وعلاماته، والدولة العالمية، والعالم بعد الإمام المهدي (عليه السلام).
وكتاب موجز دائرة معارف الغيبة، إعداد وتأليف مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عليه السلام).
وموسوعة الإمام المهدي الميسرة، للأستاذ باسم الأنصاري، وموسوعة بقية الله الأعظم الإمام المهدي، في ثلاثة أجزاء: للشيخ جعفر حسن عتريسي، وكتاب المختار من كلمات الإمام المهدي (عليه السلام)، في ثلاثة أجزاء: للعلامة الحجة الشيخ محمد الشيخ محمد إسماعيل الغروي، وكتاب المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي (عليه السلام)، للشيخ علي الكوراني.
ومن الكتب الموسوعية القيمة التي استوعبت الكثير من تأريخ الإمام المهدي (عليه السلام) هو كتاب معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام)، نشر مؤسسة المعارف الإسلامية، فإنه جمع الأحاديث الخاصة في الإمام المهدي (عليه السلام) من طرق الفريقين، فقد بلغ ما جمعه نحو (١٨٦١) حديثاً مستخرجة من أصول المصادر، والتي بلغت حوالي ٤٠٠ مصدر، وقد ذكر في الأجزاء الثلاثة الأولى (٥٦٣) حديث عن النبي (صلّى الله عليه وآله) من طرق الفريقين، كما ذكر في الجزء الرابع والخامس والسادس(٨٧٦) حديثاً عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

(١٥٤)

وقد حوى أيضاً الجزء السابع: (الآيات المفسرة) (٤٢٢) حديثاً متفرقة فيكون مجموع الأحاديث هي (١٨٦١) حديثاً.
وهذا الرقم من الأحاديث الشريفة من الفريقين لم يتيسر إلا نادراً في الأمور الاعتقادية، مما يشكل ثروة هائلة في مايرتبط بظهور الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام).
وناهيك أيضاً عما ذكره الحجة آغا بزرك الطهراني (قدّس سرّه) في كتابه القيم (الذريعة) من مؤلفات الشيعة الإمامية الكثيرة جداً حول الإمام (عليه السلام) قديماً وحديثاً في أجزائه المتفرقة، وخصوصاً الجزء (٢٣) فقد ذكر فيه جملة من مؤلفات أعلامنا في هذا الموضوع.
وننوه هنا أيضاً بما جمعه الأستاذ مهدي حسن علاء الدين في كتابه القيم (اقرأ حول الإمام المهدي (عليه السلام)) نشر مركز بقية الله الأعظم للدراسات والنشر، إذ ذكر فيه مئات الكتب التي تناولت الحديث عن حياة الإمام المهدي وغيبته، وظهوره ودوره في إصلاح العالم وقد أنهاها إلى ٧٤٤ مؤلفاً من مختلف الفرق الإسلامية.
إلى غير ذلك من الكتب القيمة التي عنيت بهذا الموضوع، وسوف نشير أيضاً إلى جملة منها فيما يناسبها في مواضيع هذا الكتاب، كي يطلع القارئ الكريم على مجمل المؤلفات في هذا الباب.
ومن الخير أيضاً أن نشير هنا إلى ما يبذله مركز الدراسات التخصصية حول الإمام المهدي (عليه السلام) في النجف الأشرف من كتب قيمة في هذا الموضوع، إذ لا يزال هذا المركز يبذل الجهود في إنجاز الكتب والمقالات والمحاضرات النافعة حول الإمام المنتظر (عليه السلام) وكل ما يتعلق به، فجزا الله
القائمين على هذا المركز خير الجزاء، ووفقهم إلى ما يحبه ويرضاه إنه سميع الدعاء.

(١٥٥)

لا بأس أن نستعرض هنا في هذا الفصل ملامح من عقيدة السنة حول الإمام المهدي (عليه السلام) ليقف القارئ الكريم على حقيقة عقيدتهم في ذلك، وما هي أوجه الالتقاء والافتراق بيننا وبينهم حول هذه العقيدة، هذا وقد ألف بعض أعلامنا حول هذا الموضوع وأفرد له كتباً خاصة(375) وسوف نتناول هذا الموضوع في هذا الفصل ضمن العناوين التالية:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(375) ومن الكتب التي عنيت بهذا الموضوع:
كتاب (المهدي المنتظر (عليه السلام)) تأليف آية الله السيد صدر الدين الصدر (المتوفى سنة ١٣٧٣ هـ) أعادت طبعه بالأفست مؤسسة البعثة (بنياد بعثت) في طهران، والكتاب يبحث في إثبات الإمام المهدي (عليه السلام) من كتب العامة.
وكتاب: (الإمام المهدي عند أهل السنة) رتبه وقدم له الشيخ مهدي الفقيه إيماني، الطبعة الثانية ١٤٠٢، طبع دار التعارف للمطبوعات بيروت - لبنان، والكتاب يقع في جزئين، وقد تضمن رسائل مفردة، وفصولاً وأبحاثاً من مؤلفات أئمة الحديث وأعلام التأريخ، ورجالات العلم من أهل السنة خلال اثني عشر قرناً.
وكتاب: (عقيدة المسلمين في المهدي (عليه السلام)) تأليف اللجنة العليا للتحقيق في بنياد نهج البلاغة، برئاسة السيد يحيى العلوي.
وكتاب: (المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنة والإمامية) للشيخ نجم الدين جعفر بن محمد العسكري، يقع في جزأين طبع دار الزهراء، بيروت.

(١٥٩)

هل الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر عقيدة شيعية؟
من العجيب جداً أن نجد بعض السُنة يزعم أن فكرة الاعتقاد بظهور الإمام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان هي فكرة شيعية بحتة، أو على حدِّ تعبير بعضهم: أنها صناعة شيعية، وأن السُنة أخذوا هذه العقيدة منهم، وتأثروا بها لمخالطتهم إياهم، وتناسى هؤلاء أن هذه العقيدة لا تختص بمذهب دون آخر، فهي عقيدة إسلامية، قد تسالم عليها جميع فرق المسلمين، وقد صرّحت بها جلُّ كتبهم، وذكرت الأحاديث الكثيرة الخاصة في ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان، ومن هنا تصدى جملة من علماء السنة للرد على أمثال هؤلاء، وأثبتوا بالأدلة والبراهين أن الاعتقاد بالمهدي (عليه السلام) فكرة إسلامية متفق عليها عند جميع المذاهب، ولا تختص بفرقة دون أخرى.
يقول الدكتور عبد العليم البستوي: هل روايات المهدي كلها من وضع الشيعة؟يزعم بعض الناس أن الأحاديث الواردة في المهدي كلها من وضع الشيعة، أو أنها على الأقل يوجد في روايتها من رُمي بالتشيع، ولذلك فلا تقبل هذه الروايات، لأنها تؤيد بدعتهم، فوقعت التهمة فيها عليهم، ولكنّ هذه الشبهة ليست بصحيحة! لما سيأتي.(376)
أقول: ومن هؤلاء الذين زعموا أن الاعتقاد بالإمام المهدي عقيدة شيعية، هو الشيخ عبد الله بن زيد بن محمود في رسالته المسماة (لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر) والتي طبعت في مطابع علي بن علي بالدوحة، قال: وإن أصل من تبنى هذه الفكرة والعقيدة هم الشيعة الذين من عقائدهم الإيمان بالإمام الغائب المنتظر، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وهو الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري، فسرت هذه، وهذا الاعتقاد بطريق المجالسة والمؤانسة والاختلاط إلى أهل السنة فدخلت في معتقدهم، وهي ليست من أصل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(376) المهدي المنتظر (عليه السلام)، عبد العليم البستوي: ٣٦٧.

(١٦٠)

عقيدتهم، ثم انتقلت بصورة عامة إلى المجتمع الإسلامي حين نادى بها في الناس عبد الله بن سبأ المعروف بصريح الإلحاد والعداء للإسلام والمسلمين، فأخذ هو وشيعته يعملون عملهم في صياغة الأحاديث، ووضعها على لسان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأسانيد منظمة..(377) إلى آخر ما سطّره من هراء وافتراء.(378)
ومن هؤلاء أيضاً رشيد رضا الذي زعم أن الشيعة كانوا يسعون لجعل الخلافة في آل الرسول (صلّى الله عليه وآله) من ذرية علي (عليه السلام) ويضعون الأحاديث تمهيداً لذلك.(379)
ولا نحتاج أن نرد على أمثال هؤلاء بأكثر من قولنا لهم: إن منشأ هذه الدعوى هو الجهل بمعتقداتهم، وما تسالم عليه علماؤهم وأطبقوا عليه من لزوم الاعتقاد بظهور الإمام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان، هذا والكل يعلم أن أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) رواها جملة من الصحابة والتابعين، وقد ذكر ذلك جمهور المسلمين كافة، وقد نصوا على تواترها، وسوف نسرد عليك جملة من مؤلفاتهم الخاصة في أخبار ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان، وكلمات كثير من علمائهم في ذلك، مما يدل على أن العقيدة في المهدي المنتظر لا تختص بطائفة دون أخرى، ولا يمكن بحال رد أو تكذيب كل هذه الروايات الكثيرة المتواترة بلا مسوغ شرعي أو عقلائي!
يقول السيد الشهيد الصدر (قدّس سرّه): (إن فكرة المهدي بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم إلى الأفضل قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم عموماً، وفي روايات أئمة أهل البيت خصوصاً، وأكدت في نصوص كثيرة بدرجة لا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(377) راجع: رسالته: (لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر): ٣ - ٤.
(378) راجع: الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر، التويجري: ٢٣، وهذا الكتاب هو أحد الردود على ابن زيد.
(379) راجع: نفس المصدر: ٣٢.

(١٦١)

يمكن أن يرقى إليها الشك، وقد أحصي أربعمائة حديث عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) من طرق إخواننا أهل السنة، كما أحصي مجموع الأخبار الواردة في الإمام المهدي من طرق الشيعة والسنة فكانت أكثر من (ستة آلاف رواية)، وهذا رقم إحصائي كبير لا يتوفر نظيره في كثير من قضايا الإسلام البديهية، التي لا يشك فيها مسلم عادة).(380)
ويقول الأستاذ آية الله الأستاذ الشيخ الجعفري (رحمه الله تعالى): أما فرق المسلمين التي جعلت من السنة أساساً لعقائدها فلا تشترك معنا في الإيمان بإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولكنها تشترك معنا في القول بالمهدي، وأنه يخرج في آخر الزمان.
وأنا أملك نصوصاً كثيرة تدل بوضوح على أن علماءهم في الحديث، والمعنيين بالدراسات الحديثية، قالوا: بأن أحاديث المهدي متواترة، فقد رواها أكثر من ثلاثين صحابي وصحابية، بل وبعض الحديث الذي جاء عن بعض الصحابة كعبد الله بن مسعود، (والأسانيد) إلى عبد الله عندهم متواترة لكثرة من يرويه من رواتهم عن عبد الله.
إلى أن يقول: قد ذكرت في كتابي الذي جمعت فيه أحاديث المهدي (عليه السلام) من طرق غير الإمامية كلّ ما يرجع إليه (عليه السلام)، وهذه الأحاديث لو قُدّر أن تُطبع لكانت أكثر من أربعمائة أو خمسمائة صفحة بترتيب خاص، والبحوث التي تأتي بعدها قد تفوقه بصفحات وصفحات.(381)
أقول: ويكفي الرجوع إلى مصادر الحديث عند السنة، وكذلك مؤلفاتهم الكثيرة في هذا الموضوع، فقد ذكروا الكثير من الأخبار حول الإمام المهدي عليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(380) البحث حول المهدي (عليه السلام)، السيد محمد باقر الصدر: ٤٠ - ٤١.
(381) الغيبة، الشيخ محمد رضا الجعفري: ١٣ - ١٤.

(١٦٢)

السلام لو جمعت لشكلت موسوعة كبيرة.(382)
الإيمان بظهور الإمام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان
ذكر السنة في كتبهم أن الإيمان بخروج الإمام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان من الواجبات، وهذا ما تفرضه الأحاديث الصحيحة المتواترة عندهم، فإن الإعتقاد بظهوره هو تصديق لهذه الأحاديث التي لا يمكن ردّها بحال من الأحوال، وإلا للزم تكذيب كلّ هذه الأحاديث! وهو أمر غير سائغ عند جميع المذاهب الإسلامية.
ومن هنا اُفردت عندهم كتب كثيرة في أخبار ظهور الإمام (عليه السلام) في آخر الزمان، كما ألفوا أيضاً كتباً خاصة في الرد على من أنكر أخبار ظهوره (عليه السلام) وسوف يأتي الحديث في ذلك قريباً، وإليك هنا كلمات بعض علمائهم في ذلك:
قال ابن أبي الحديد في شرح قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (وبنا تختم لا بكم): إشارة إلى المهدي الذي يظهر في آخر الزمان، وأكثر المحدثين على أنه من ولد فاطمة (عليها السلام)، وأصحابنا المعتزلة لا ينكرونه، وقد صرحوا بذكره في كتبهم، واعترف به شيوخهم، إلا أنه عندنا لم يخلق بعد، وسيخلق.(383)
وقال أيضاً في شرح قوله (عليه السلام): (ثم يطلع الله لهم من يجمعهم ويضمهم): يعني من أهل البيت (عليه السلام)، وهذا إشارة إلى المهدي الذي يظهر في آخر الوقت، وعند أصحابنا أنه غير موجود الآن وسيوجد، وعند الإمامية أنه موجود الآن.(384)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(382) وننوه هنا بكتاب معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) فقد ذكر جملة وافرة منها.
(383) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ١/٢٨٢.
(384) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ٧/ ٩٤.

(١٦٣)

وقال الشيخ محمد جعفر الكتاني: وفي شرح عقيدة الشيخ محمد بن أحمد السفاريني الحنبلي ما نصه: وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حدّ التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عُدّ من معتقداتهم إلى أن قال: فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدوّن في عقائد أهل السنة والجماعة.(385)
وقال الشريف أبو الفيض الغماري في معرض كلامه حول ظهور الإمام المهدي (عليه السلام): الإيمان بخروجه واجب، واعتقاد ظهوره - تصديقاً لخبر الرسول - محتّمٌ لازب.(386)
وقال الشيخ ناصر الدين الألباني الشامي: إن عقيدة خروج المهدي عقيدة ثابتة متواترة عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم)، يجب الإيمان بها، لأنها من أمور الغيب، والإيمان بها من صفات المتقين، كما قال تعالى: (الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)(387) وإن إنكاره لا يصدر إلا من جاهل أو مكابر.(388)
ومنهم الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد المدني، عضو هيئة التدريس في الجامعة الإسلامية، بالمدينة المنورة (المعاصر) في محاضرة بعنوان (عقيدة أهل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(385) راجع: نظم المتناثر من الحديث المتواتر، الكتاني: ٢٢٦ - ٢٢٧، كتاب المهدي المنتظر (عليه السلام)، البستوي: ٤٠ - ٤٦. عن كتاب لوائح الأنوار البهية: ٢/ ٨٠.
(386) مجلة تراثنا، مؤسسة آل البيت: ج٣٢ ص ٢٨ - ٢٩، رقم: ٢٠، من مقال للمحقق العلامة السيد محمد رضا الجلالي. تحت عنوان (نقد الحديث بين الاجتهاد والتقليد، ونظرة جديدة إلى أحاديث عقيدة: المهدي المنتظر (عليه السلام))
(387) سورة البقرة، الآية: ٢ - ٣.
(388) مجلة تراثنا، مؤسسة آل البيت: ج ٣٢ ص ٣١ - ٣٢ عن مقال للشيخ الألباني بعنوان (حول المهدي) في (حقل من القراء وإليهم) من مجلة التمدن الإسلامي الدمشقية، في الجزءين: ٢٧ و٢٨، الصفحة ٦٤٢، للسنة ٢٢.

(١٦٤)

السنة والأثر في المهدي المنتظر) ألقاها في الجامعة المذكورة(389) قال في آخر الفصل السابع: وليعلم أن الأحاديث في المهدي قد تلقتها الأمة من أهل السنة والأشاعرة بالقبول، ورد على كلام ابن خلدون مفصلاً.
وقال في الكلمة الختامية: إن أحاديث المهدي الكثيرة - التي ألف فيها المؤلفون، وحكى تواترها جماعة، واعتقد موجبها أهل السنة والجماعة وغيرهم - تدل على حقيقة ثابتة بلا شك من حصول مقتضاها في آخر الزمان... وقال: فلا عبرة بقول من قفا ما ليس له به علم! فقال: إن الأحاديث في المهدي لا تصح نسبتها إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، لأنها من وضع الشيعة! وإذن، فإن أحاديث المهدي على كثرتها، وتعدد طرقها، وإثباتها في دواوين أهل السنة، يصعب كثيراً القول بأنه لا حقيقة لمقتضاها، إلا على جاهل، أو مكابر، أو من لم يمعن النظر في طرقها وأسانيدها، ولم يقف على كلام أهل العلم المعتد بهم فيها.
والتصديق بها داخل في الإيمان بأنّ محمداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، لأن من الإيمان به (صلّى الله عليه وآله وسلم) تصديقه فيما أخبر به، وداخل في الإيمان بالغيب الذي امتدح الله المؤمنين به، بقوله: (الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ).(390)
ويقول الشيخ صفاء الدين آل شيخ الحلقة - من علماء السنة في العراق -: وأما - المهدي المنتظر - فقد بلغت الأحاديث الواردة فيه حداً من الكثرة يورث الطمأنينة: بأن هذا كائن في آخر الزمان، فيعيد للإسلام سلامته، وللإيمان قوته، وللدّين نضارته، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة، بل يصدق وصف التواتر على ما دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(389) ونشرت أيضاً في مجلة الجامعة الإسلامية، العدد الثالث، من السنة الأولى، لشهر ذي القعدة سنة ١٣٨٨ ه‍..
(390) مجلة تراثنا، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام): ج ٣٢ ص ٣٤.

(١٦٥)

أما الآثار عن الصحابة المصرحة - بالمهدي - فهي كثيرة، لها حكم الرفع، فإن ما أورده: البرزنجي في الإشاعة لأشراط الساعة، والآلوسي في تفسيره، والترمذي، وأبو داود، وابن ماجة، والحاكم، وأبو يعلى، والطبراني، وعبد الرزاق، وابن حنبل، ومسلم، وأبو نعيم، وابن عساكر، والبيهقي، والخطيب في تأريخه، والدارقطني، والردياني، ونعيم بن حماد في الفتن، كذا ابن أبي شيبة، وأبو نعيم الكوفي، والبزاز، والديمي، وعبد الجبار الخولاني في تاريخه، والجويني، وابن حبان، وأبو عمرو الداني في سننه، ففي ذلك كفاية... فالإيمان بخروجه واجب، واعتقاد ظهوره تصديق لأحاديث الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم).(391)
وللمزيد من الإطلاع على عقيدة السنة في الإمام المهدي (عليه السلام)، راجع ما جاء في محاضرة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد المدني، عضو هيئة التدريس في الجامعة الإسلامية، بالمدينة المنورة (المعاصر) تحت عنوان: (محاضرة عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر)(392) فقد ذكر فيها عناصر عشرة مهمة حول الإمام المهدي (عليه السلام)، وهي كالتالي:
الأول: ذكر أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وعددهم - عنده - ستة وعشرون.
الثاني: ذكر أسماء الأئمة الذين خرّجوا الأحاديث في كتبهم، وعددهم ثمانية وثلاثون.
منهم: أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، والنسائي، وأحمد، وابن حبان،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(391) عقيدة المسلمين في المهدي، مؤسسة نهج البلاغة: ١٢ - ١٣، عن كتاب المهدي المنتظر (عليه السلام)، للشيخ محمد حسن آل ياسين.
(392) ولا يخفى أن هذه المحاضرة طبعت في كتاب مستقل مبسوط بنفس الاسم (عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر) الطبعة الأولى سنة ١٤٠٢ طبع في مطابع الرشيد بالمدينة المنورة، وتبلغ عدد صفحات الكتاب ٢٢٢ صفحة.

(١٦٦)

والحاكم، وابن أبي شيبة، وأبو نعيم الأصفهاني، والطبراني، والدارقطني، وأبو يعلى الموصلي، والبزار، والخطيب، وابن عساكر، والديلمي، والبيهقي، وغيرهم من الأئمة المحدثين والعلماء.
الثالث: ذكر الذين أفردوا مسألة المهدي بالتأليف، وهم: أبو خيثمة، وأبو نعيم، والسيوطي، وابن كثير، وابن حجر المكي الهيتمي، والمتقي الهندي، والملا علي القاري، والشوكاني، والأمير الصنعاني، وغيرهم.
الرابع: ذكر الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي.
الخامس: ذكر بعض ما ورد في الصحيحين [البخاري ومسلم] من الأحاديث التي تبشر بالمهدي، ولها تعلق بشأنه.
السادس: ذكر بعض الأحاديث بشأن المهدي.
السابع: ذكر بعض العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي.
الثامن: ذكر من وقف عليه ممن حُكي عنه إنكار أحاديث المهدي مع مناقشة كلامه.
التاسع: ذكر ما يظن تعارضه مع الأحاديث الواردة في المهدي.
العاشر: كلمة ختامية.(393)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(393) راجع: مجلة تراثنا، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام): ج ٣٢ ص ٣٢ - ٣٤.

(١٦٧)

ردود السنة على من أنكر الإمام المهدي (عليه السلام)
ادعى بعض كتّاب السنة أن (لا مهدي إلا عيسى بن مريم)، وبعضهم أنكر بالمرة ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان، وكذّب جميع الأحاديث الواردة في شأنه، وبذلك يكون هؤلاء مخالفين تماماً لعقيدة جميع المسلمين في الإمام المهدي (عليه السلام)، هذا وقد تصدى بعض أعلام السنة ومفكريهم للردّ على هؤلاء، وألفوا ردوداً عليهم، وهنا نذكر بعض الكتب والمقالات والمناقشات التي تصّدت للردّ على هؤلاء وهي كالتالي:
١ - الرد على من زعم (لا مهدي إلا عيسى بن مريم)
قال المقدسي في كتابه (عقد الدرر) رداً على من أنكر خروج المهدي (عليه السلام) وزعم أن (لا مهدي إلا عيسى بن مريم)(394) قال: أما من ينكر هذا كله بالكلية فلا التفات إليه! إذ لا يُعلم له في ذلك مستند يرجع إليه، وأما من زعم أن (لا مهدي إلا عيسى بن مريم) وأصرّ على صحة هذا الحديث وصمّم فربّما أوقعه في ذلك الحمية والالتباس، وكثرة تداول هذا الحديث على ألسنة الناس، وكيف يرتقي إلى درجة الصحيح وهو حديث منكر! أم كيف يحتج بمثله من أمعن النظر في إسناده وأفكر، فقد صرح بكونه منكراً أبو عبد الرحمن النسائي، وإنه لجدير بذلك، إذ مداره على محمد بن خالد الجندي..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(394) سنن ابن ماجة: ٢/ ١٣٤٠ح٤٠٣٩.

(١٦٨)

إلى أن قال: وقد نقل علماء الحديث في حقّ الإمام المهدي من الأحاديث ما لا يحصى كثرة، وكلها معرضة بذكره، ومصرحة عنه من كان له بهذا الفن خبرة، وبعضها لبعض مصححة، وقد ذكر الإمام الحافظ أبو عبد الله الحاكم في كتابه المستدرك على الصحيحين من ذلك مافيه غنية، ونبّه على ترجيح رواته الجم الغفير من كان له في ذلك بغية.. إلى أن قال: فقد اتضح لمن أنصف من جملة هذا الكلام أن المهدي من ولد الزهراء فاطمة (عليها السلام) لا ابن مريم (عليهما السلام).(395)
وقال القرطبي في معرض رده على هذا الحديث الموضوع: وهو غير صحيح، لأن الأخبار الصحاح قد تواترت على أن المهدي من عترة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم)، فلا يجوز حمله على عيسى، والحديث الذي ورد في أنه (لا مهدي إلا عيسى) غير صحيح.
قال البيهقي في كتاب البعث والنشور: لأن راويه محمد بن خالد الجندي وهو مجهول، يروي عن أبان بن أبي عياش - وهو متروك - عن الحسن، عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم)، وهو منقطع.
والأحاديث التي قبله في التنصيص على خروج المهدي، وفيها بيان كون المهدي من عترة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) أصح إسناداً قلت: قد ذكرنا هذا وزدناه بياناً في كتابنا (كتاب التذكرة) وذكرنا أخبار المهدي مستوفاة، والحمد لله.(396)
وقال أيضاً في كتابه الآخر (التذكرة): إسناده ضعيف، والأحاديث عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث، فالحكم بها دونه.(397)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(395) عقد الدرر في أخبار المنتظر، المقدسي: ٦ - ٨.
(396) تفسير القرطبي: ٨/ ١٢١ - ١٢٢.
(397) التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، القرطبي: ٢/ ٧٢٣، الحاوي، السيوطي: ٢ / ١٦٥، المهدي المنتظر (عليه السلام)، البستوي: ٥٠.

(١٦٩)

٢ - الردود على كتاب (لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر (صلّى الله عليه وآله))
وهو من تأليف الشيخ عبد الله بن زيد بن محمود، رئيس المحاكم الشرعية في دولة قطر، وقد طُبع هذا الكتاب الطبعة الأولى سنة ١٤٠٠ في مطابع قطر الوطنية.
وقد زعم فيه مؤلفه عدم صحة أحاديث الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، وادعى أنها موضوعة وخرافة لا أصل لها! وقد تصدى للرّد عليه جماعة من أعلام السنة، منهم ما يلي:
الرد الأول: كتاب (الاحتجاج بالأثر في الرد على من أنكر المهدي المنتظر)
تأليف الشيخ حمود بن عبد الله بن حمود التويجري.
طبع ونشر مكتبة دار العليان الحديثة للطباعة والنشر والتوزيع بريدة
ط الأولى سنة ١٤٠٣ وط الثانية سنة ١٤٠٦، يقع في ٤٢٣ صفحة.
وفي هذا الكتاب يقول مؤلفه الشيخ حمود التويجري: أما بعد، فقد رأيت رسالة للشيخ عبد الله بن زيد بن محمود رئيس المحاكم القطرية أنكر فيها خروج المهدي في آخر الزمان، وزعم أن القول بخروجه نظرية خرافية، وأن الأحاديث الواردة فيها كلها مختلقة ومكذوبة ومصنوعة وموضوعة ومزورة على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وليست من كلامه، وأنها بمثابة حديث ألف ليلة وليلة، وأنه لا مهدي بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وقد سمى رسالته (لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر) وقد جانب في رسالته الصواب، وخالف ما عليه المحققون من أكابر العلماء.
كما أنه نهج على المحدثين والفقهاء المتقدمين ورماهم بالتقليد، ونقل الحديث والقول على علاته، ورمى الإمام أحمد بقلة الأمانة، وعدم الثقة حيث زعم أنه كان يستعير الملازم من طبقات ابن سعد وينقل منها، ورمى الشافعي بالقصور

(١٧٠)

والتقليد.. إلى غير ذلك من الكلمات النابية التي لم يتثبت فيها.. وقد رأيت من الواجب بيان أخطائه لئلا يغتر بها من قلّ نصيبهم من العلم النافع.. الخ.(398)
دعوى أن الإمام المهدي ليس له ذكر في القرآن
قال: وأما قول ابن محمود: كما أنه - أي المهدي - ليس له ذكر في القرآن مما يقلل عدم الاحتفال بها! فجوابه(399):
أن يقال: لو كان عدم ذكر الشيء في القرآن يقلل الاحتفال بالأحاديث الواردة فيه - أي يقلل المبالات بها - لذهبت السنة أو أكثرها، وقد قال الله تعالى: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ)(400) وقال تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)(401) وقد أخبر النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) عن بعض الأنبياء وغيرهم من الماضين بقصص لم تذكر في القرآن، وأخبر أيضاً عما سيكون بعده إلى قيام الساعة، وعمّا يكون بعد ذلك إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، وما يكون بعد ذلك، وكثير مما أخبر به لم يذكر في القرآن، وكذلك الصلاة والزكاة والحج فإنها لم تذكر في القرآن على وجه التفصيل، وإنما ذكرت فيه على وجه الإجمال، وجاء أحكامها في السنة.
وكذلك أكثر الأحكام فإنَّ بعضها لم يذكر في القرآن، وبعضها قد ذكر فيه على وجه الإجمال، وفصّلت أحكامه في السنة، وقد تلقى أهل العلم ما ثبت من ذلك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(398) الرد على من أنكر المهدي المنتظر، التويجري: ٧ - ٨.
(399) كما إنا لا نسلم أيضاً مع الخصم أن الإمام المهدي (عليه السلام) ليس له ذكر في القرآن، بل جاء ذكره في جملة من الآيات، بأوصاف خاصة، وقد نص عليها بعض رواة الآثار من أعلام السنة وغيرهم، فراجع ما ذكرناه من الآيات الواردة في شأن الإمام المهدي (عليه السلام) (عليه السلام) في أواخر الفصل الثالث.
(400) سورة الحشر، الآية: ٧.
(401) سورة النجم، الآية: ٣و٤.

(١٧١)

بالقبول والتسليم، ولا أعلم أحداً قبل ابن محمود توقف عن قبول الأحاديث التي رواها الثقات عن الثقات، وقال إنه لا يحتفل بها من أجل أن ذلك لم يذكر في القرآن، فهذا قول باطل أحدثه ابن محمود، وهو مردود عليه!.. الخ.(402)
الرد الثاني: كتاب (الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي (عليه السلام)، ويليه عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر)
تأليف عبد المحسن بن حمد العباد المدرس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.(403)
وقد نشر هذا الرد أيضاً في مجلة الجامعة الإسلامية، العددين ٤٥ و٤٦، الأول والثاني من السنة ١٢.
والكتاب يستهدف الرد أيضاً على كتاب (لا مهدي ينتظر بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله) خير البشر)
وفي كتابه هذا يقول الأستاذ عبد المحسن العباد: فقد وصل إليَّ في البريد في شهر ربيع الآخر من عام ألف وأربعمائة من الهجرة ظرف من رئاسة المحاكم الشرعية في قطر يحتوي على ثلاث نسخ، من رسالة للشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رئيس المحاكم الشرعية في قطر عنوانها: (لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر) ولما قرأتها وجدت كاتبها نحا فيها منحى بعض الكتّاب في القرن الرابع عشر، ممن ليست لهم خبرة في حديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعرفة صحيحه وسقيمه، وتعويلهم على شبهات عقلية واهية، وكذّب بكلّ ما ورد في المهدي، وقال كما قالوا: أنها حديث خرافة، وأنها وأنها.. الخ ولم يقتصر على ذلك بل تعداه إلى الحط من شأن العلماء المتقدمين والمتأخرين.. إلى أن قال: وقد رأيت كتابة هذه السطور مبيناً جملة كبيرة من أخطائه وأوهامه في هذه الرسالة، وموضحاً أن القول بخروج المهدي في آخر الزمان هو الذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة، وهو الذي عليه أهل السنة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(402) الرد على من أنكر المهدي المنتظر، التويجري: ٦٨ - ٦٩.
(403) الطبعة الأولى سنة ١٤٠٢ نشر مطابع الرشيد بالمدينة المنورة، يقع في ٢٢٢ صفحة.

(١٧٢)

والأثر في القديم والحديث إلا من شذّ ممن لا يُعتد به..
وقد اقترح عليَّ عددٌ من المشايخ طباعة هذا البحث، وفي مقدمتهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وسماحة الشيخ عبد الله بن محمد بن حمد رئيس المجلس الأعلى للقضاء اللذان حثاني على ذلك، وسألاني مراراً عما تمَّ حيال طباعته.. الخ.(404)
٣ - رد الشيخ الألباني على السيد رشيد رضا صاحب تفسير المنار
نشر الشيخ ناصر الدين الألباني الشامي بعنوان (حول المهدي) بحثاً في (حقل من القراء وإليهم) من مجلة التمدن الإسلامي الدمشقية، في الجزءين ٢٧ و٢٨، الصفحة ٦٤٢، للسنة ٢٢.
قال فيه: فليعلم أن في خروج المهدي أحاديث كثيرة صحيحة، قسم كبير منها له أسانيد صحيحة.
ثم أورد قسماً منها، ونقل كلام صديق حسن خان في (الإذاعة) وقال بعنوان: (شبهات حول أحاديث المهدي): إن السيد رشيد رضا وغيره لم يتتبعوا ما ورد في المهدي من الأحاديث حديثاً حديثاً! ولا توسعوا في طلب ما لكل حديث منها من الأسانيد! ولو فعلوا، لوجدوا فيها ما تقوم به الحجة حتى في الأمور الغيبية التي يزعم البعض أنها لا تثبت إلا بحديث متواتر.
ومما يدلك على ذلك: أن السيد رشيد ادعى أن أسانيدها لا تخلو من شيعي! مع أن الأمر ليس كذلك على إطلاقه، فالأحاديث الأربعة التي أوردها ليس فيها رجل معروف بالتشيع.. إلى أن يقول الألباني: وخلاصة القول: إن عقيدة خروج المهدي عقيدة ثابتة متواترة عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم)، يجب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(404) الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي (عليه السلام)، عبد المحسن بن حمد العباد: ٣.

(١٧٣)

الإيمان بها، لأنها من أمور الغيب، والإيمان بها من صفات المتقين، كما قال تعالى: (الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)(405) وإن إنكاره لا يصدر إلا من جاهل أو مكابر.(406)
٤ - رد الشبهات حول المهدي
وممن تناول رد جملة من الشبهات التي أثيرت حول ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) هو كتاب (المهدي حقيقة لا خرافة) لمؤلفه: محمد بن أحمد إسماعيل، فقد ذكر جملة من الردود في ص ٨٥ إلى ص ١٤١.
٥ - الردود على ابن خلدون (ت ٨٠٨ هـ)
من أعلام السنة الذين بالغوا في إنكار أحاديث المهدي (عليه السلام) وجحدوها هو ابن خلدون المتعصب، وقد انبرى للرد عليه ثلة من أعلام السنة ومفكريهم، وعابوه وخطّأوه، ونسبوه لقلة العلم في هذا الباب، وأنه ليس من شأنه تضعيف الأحاديث، وليس هو من أهل الفن في هذا الموضوع، حيث إن هذه الأحاديث متواترة جداً، وقد نصّ على تواترها وصحتها جملة من الأعلام والحفاظ، فمن الردود عليه ما يلي(407):
الرد الأول: رد الحافظ أبي العلاء المباركفوري (ت ١٣٥٣ هـ)
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي في باب (ما جاء في المهدي): وقد بالغ الإمام المؤرخ عبد الرحمن بن خلدون المغربي في تاريخه في تضعيف أحاديث المهدي كلها فلم يصب بل أخطأ.. وربما تمسك المنكرون لشأن المهدي بما روي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(405) سورة البقرة، الآية: ٢ - ٣.
(406) مجلة تراثنا، مؤسسة آل البيت: ج ٣٢ ص ٣١ - ٣٢.
(407) وهناك أيضاً جملة من ردود الشيعة الإمامية على ابن خلدون منها: ما جاء في كتاب (المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي، مركز الرسالة: ص ١٤٩ - ١٥٢) تحت عنوان (تضعيفات ابن خلدون بلغة الأرقام)

(١٧٤)

مرفوعاً أنه قال: لا مهدي إلا عيسى بن مريم، والحديث ضعّفه البيهقي والحاكم، وفيه أبان بن صالح وهو متروك الحديث، والله أعلم كذا في عون المعبود.. قلت: الأحاديث الواردة في خروج الإمام المهدي كثيرة جداً.(408)
الرد الثاني: إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون:
تأليف أبي الفيض أحمد بن محمد بن الصدّيق الغماري الحسني الأزهري الشافعي المغربي نزيل القاهرة (المتوفى سنة ١٣٨٠ هـ).(409)
قال آغا بزرك الطهراني (رحمه الله تعالى) في كتابه الذريعة: ومن الكتب في المهدي (عليه السلام): (إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون في الطعن على أحاديث المهدي (عليه السلام))، طبع بالشام سنة ١٣٤٨(410) لأحمد بن محمد بن الصدّيق، نقل كلام ابن خلدون ثم نقضه، وأورد مائة حديث مروي عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) في أمر المهدي (عليه السلام)، متمماً للستة عشر التي ذكرها ابن خلدون، وليس هو بصدد إثبات المهدي الخاص ابن العسكري على ما يقول به الشيعة.(411)
وقال المحقق العلامة السيد محمد رضا الجلالي: (إبراز الوهم المكنون في كلام ابن خلدون) الذي وضعه للرد على شبهات ابن خلدون وترّهاته التي لفّقها حول أحاديث المهدي المنتظر.. إلى أن قال: ثم تصدى لابن خلدون - الذي أصبح مرجعاً للمنكرين - فنقل كلامه المذكور في فصل من مقدمته بعنوان: أمر الفاطمي، وما يذهب إليه الناس من شأنه، وكشف الغطاء عن ذلك حيث قال: اعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار: أنه لا بد في آخر الزمان من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(408) تحفة الأحوذي، المباركفوري: ٦/ ٤٠١ - ٤٠٢.
(409) من مؤلفاته: علي بن أبي طالب (عليه السلام) إمام العارفين، وفتح الملك العلي، راجع: معجم المؤلفين: ١٣ / ٣٦٨، وكتاب الأعلام، للزركلي: ١ / ٢٥٣.
(410) والكتاب من مطبوعات مطبعة الترقي.
(411) الذريعة، آغا بزرگ الطهراني: ٢٣/ ٢٨٩ ذكره استطراداً تحت رقم: (٩٠١٩).

(١٧٥)

ظهور رجل من أهل البيت، يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، ويسمى بالمهدي، ويحتجون في الباب بأحاديث خرّجها الأئمة...(412) إلى آخر كلامه.. حيث ذكر الأحاديث ونقدها حديثاً حديثاً، وضعف أكثرها، فبدأ الصدّيق الغماري بنقض كلامه حرفاً حرفاً، وكشف الغطاء عن أهدافه كشفاً، وأبرز أوهامه إبرازاً، وناقش تضعيفاته للأحاديث، وأثبت خطأه في نقده.
إلى أن نقل قول ابن خلدون: فهذه جملة الأحاديث التي خرّجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان.
فقال الصدّيق راداً عليه: إن جميع ما ذكره من الأحاديث ثمانية وعشرون حديثاً، لكن الوارد في الباب أضعاف أضعاف ذلك، وها أنا مورد من أخباره ما أكمل به المائة من المرفوعات والموقوفات، دون المقطوعات، إذ لو تتبعتها، خصوصاً الوارد عن أهل البيت، لأتيت منها بعدد كبير، وقدر غير يسير.
ثم أورد الحديث التاسع والعشرين إلى المائة، ثم قال في آخر الفصل: ولنقتصر على هذا القدر من الوارد في المهدي، فإنه لا محالة مبطل لدعوى الطاعن [ابن خلدون] وإلا فالأخبار في الباب كثيرة جداً، ولو جمع منها الوارد عن خصوص أئمة أهل البيت لكان مجلداً حافلاً.(413)
ويقول الدكتور عبد العليم عبد العظيم البستوي: أحمد بن محمد بن الصدّيق: له كتاب (إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون) أو (المرشد المبدي لفساد طعن ابن خلدون في أحاديث المهدي) وقد ردّ به المؤلف على ابن خلدون في تضعيفه لأحاديث المهدي، وهي ثمانية وعشرون حديثاً، ووافق ابن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(412) مقدمة ابن خلدون: ٣١١.
(413) مجلة تراثنا، مؤسسة آل البيت: ٣٢ ص ٢٨ - ٢٩، رقم: ٢٠، من مقال للمحقق العلامة السيد محمد رضا الجلالي تحت عنوان (نقد الحديث بين الاجتهاد والتقليد، ونظرة جديدة إلى أحاديث عقيدة: المهدي المنتظر (عليه السلام)).

(١٧٦)

خلدون في تضعيف بعض الأحاديث، ولكن لما كان الطابع الغالب على الكتاب هو الدفاع والرد على الانتقادات فقد حاول الدفاع عن بعض الأحاديث التي ضعّفها ابن خلدون، وهو محق في ذلك، وبعد مناقشة طعون ابن خلدون في الأحاديث التي ذكرها أضاف إليها أحاديث وآثاراً أخرى بلغ مجموعها إلى المائة، إلا أنه لم يبين درجة هذه الأحاديث.(414)
الرد الثالث: رد الشيخ ناصر الدين الألباني الشامي
قال الألباني: وقد أخطأ ابن خلدون خطأ واضحاً حيث ضعّف أحاديث المهدي كلها، ولا غرابة في ذلك، فإنّ الحديث ليس من صناعته، والحق أن الأحاديث الواردة في المهدي فيها الصحيح والحسن، وفيها الضعيف والموضوع، وتمييز ذلك ليس سهلاً إلا على المتضلع في علم السنة، ومصطلح الحديث.(415)
الرد الرابع: رد الأستاذ أحمد محمد شاكر
قال الأستاذ أحمد محمد شاكر في شرح مسند أحمد بن حنبل: أما ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم، واقتحم قحماً لم يكن من رجاله، وغلبه ما شغله من السياسة، وأمور الدولة، وخدمة من كان يخدم من الملوك والأمراء، فأوهم أنّ شأن المهدي عقيدة شيعية أو أوهمته نفسه ذلك فعقد في مقدمته المشهورة فصلاً طويلاً جعل عنوانه، فصل في أمر الفاطمي وما يذهب إليه الناس من أمره...(416)
ويأخذ الأستاذ أحمد محمد شاكر في تفنيد ابن خلدون، وأن إنكاره للإمام (عليه السلام) إنكار لضروري من ضروريات الدين، فقد تواترت الأخبار عن النبي صلى الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(414) المهدي المنتظر (عليه السلام)، الدكتور عبد العليم البستوي: ص ١٣٦، رقم:٣١.
(415) تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق: ص ١٥ - ١٦، المهدي المنتظر (عليه السلام)، الدكتور عبد العليم البستوي: ص ١٤١ - ١٤٢.
(416) شرح مسند الإمام أحمد بن حنبل: ٥/ ١٩٧.

(١٧٧)

عليه وآله في شأن المهدي (عليه السلام)، وأنه لا مجال بأيّ حال للريب والطعن فيها.(417)
الرد الخامس: رد الشيخ عبد المحسن بن محمد العباد
قال الشيخ العباد: ابن خلدون مؤرخ وليس من رجال الحديث، فلا يعتد به في التصحيح والتضعيف! وإنما الاعتماد بذلك بمثل البيهقي، والعقيلي، والخطابي، والذهبي، وابن تيمية، وابن القيم، وغيرهم من أهل الرواية والدراية الذين قالوا بصحة الكثير من أحاديث المهدي.(418)
الرد السادس: رد الدكتور عبد العليم البستوي
قال في كتابه (المهدي المنتظر (عليه السلام)): ولقد حاول ابن خلدون تضعيف أحاديث المهدي كلها! واستند في رأيه هذا إلى كلام العلماء (إن الجرح مقدم على التعديل) ثم ذكر بعض ما ورد في الطعن في بعض رواة أحاديث المهدي، والحقيقة أن المحدثين حينما يقولون: إن الجرح مقدم على التعديل لا يريدون منه الإطلاق، بل لابد أن يكون الجرح مفسراً حتى يتمكن الباحث من النظر فيه، وهل هو جرح حقيقة أم لا؟ فقد يضعفه الجارح بسبب يراه قادحاً بينما هو ليس بقادح عند غيره.(419)
قال ابن حجر في شرح النخبة: الجرح مقدم على التعديل، وأطلق ذلك جماعة، ولكن محله إن صدر مبيناً من عارف بأسبابه، لأنه إن كان غير مفسر لم يقدح فيمن ثبتت عدالته، وإن صدر من غير عارف بالأسباب لم يعتبر به أيضاً، فإن خلا المجروح عن التعديل قبل الجرح فيه مجملاً غير مبين السبب إذا صدر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(417) حياة الإمام المهدي (عليه السلام)، الشيخ باقر شريف القرشي: ٢٤٣.
(418) الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي، مقال للشيخ عبد المحسن بن محمد العباد، منشور في مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة العدد: ١ سنة ١٢ برقم ٤٦، سنة ١٤٠٠.
(419) انظر الكفاية، للخطيب البغدادي: ١٧٨ - ١٨٦.

(١٧٨)

عن عارف على المختار.(420)
وكذلك نص عليه النووي والسخاوي والسيوطي والسندي وغيرهم.(421) وحتى لو ثبت الجرح في الراوي فليس كلّ جرح يسقط الرواية بل من الجرح ما هو شديد ويستلزم ترك الرواية، ومنه ما ليس كذلك بل يعتضد الراوي المتصف به بغيره من المعتبرين فيحتج بروايته، فأما الجرح الشديد هو الناشئ في الراوي من قبل كونه متهماً في دينه وعدالته، أو كونه سيء الحفظ جداً فاحش الخطأ، فحينذاك تترك روايته بالمرة،ولا يحتج به ولا يعتبر به!
قال الترمذي: فكلّ من كان متهماً في الحديث بالكذب، أو كان مغفلاً يخطئ الكثير! فالذي اختار أكثر أهل الحديث من الأئمة أنه لا يشتغل بالرواية عنه.(422)
وروى الخطيب بسنده عن ابن مهدي أنه قال: سمعت شعبة، وسئل: من الذي يترك حديثه؟ قال: الذي إذا روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون فأكثر طرح حديثه، وإذا روى حديثاً غلطاً مجمعاً عليه فلم يتهم نفسه فيتركه طرح حديثه، وإذا كثر الغلط يترك حديثه، وما كان غير ذلك فاروِ عنه.(423)
إلى أن قال: فابن خلدون كما قال أحمد شاكر: لم يحسن قول المحدثين: الجرح مقدم على التعديل، ولو اطلع على أقوالهم وفقهها ما قال شيئاً مما قال!.(424)
ولذلك رد على ابن خلدون كثير من العلماء:
ومن بينهم العلامة صدّيق حسن خان في (الإذاعة لما كان وما يكون بين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(420) نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: ٧٥.
(421) الرفع والتكميل: ٥٨.
(422) العلل للترمذي مع السنن:١٠/ ٤٨٣.
(423) مسألة الاحتجاج بالشافعي: ٣٨٨ من مجلة البحوث العلمية.
(424) مسند أحمد بن حنبل، بتحقيق أحمد شاكر: ٥/ ١٩٧.

(١٧٩)

يدي الساعة) والشيخ المحدث شمس الحق العظيم آبادي في (عون المعبود)، والشيخ العلامة عبد الرحمن المباركفوري في (تحفة الأحوذي في باب المهدي) من كتابيهما، والشيخ المحدث أحمد شاكر في تعليقاته على (مسند الإمام أحمد)(425)، والشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني في تخريجه لأحاديث فضائل الشام ودمشق(426)، والشيخ عبد الله بن محمد الصدّيق في كتابه (إبراز الوهم المكنون).(427)
وابن خلدون لم يحص الأحاديث الواردة في المهدي! وإنما ذكر جزءاً قليلاً منها، ومع محاولته لتضعيفها لم يجد بداً من الاعتراف بصحة بعضها، فقال: فهذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان، وهي - كما رأيت - لم يخلص منها من النقد إلا القليل والأقل منه(428) أفلا يكفي هذا القليل الصحيح للاستدلال؟!.(429)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(425) المصدر السابق: ٥ / ١٩٧ - ١٩٨.
(426) فضائل الشام ودمشق للربعي: ١٠٠.
(427) المعروف أن مؤلفه هو: أبو الفيض أحمد بن محمد بن الصدّيق الغماري.
(428) تاريخ ابن خلدون (المقدمة): ١/ ٥٧٤.
(429) المهدي المنتظر (عليه السلام)، الدكتور عبد العليم البستوي: ٣٦٤ - ٣٦٦.

(١٨٠)

الإمام المهدي (عليه السلام) في أحاديث الصحابة عند السنة
إن أحاديث الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، كما وردت من طريق أهل البيت (عليهم السلام) في كتب الشيعة الإمامية(430) فكذلك أيضاً رويت جملة وافرة منها في مصادر الحديث عند السنة عن جملة من الصحابة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهي كثيرة جداً مما يدل على بلوغها حداً فوق التواتر، كما رووا أيضاً بعض أخبار المهدي من طريق أهل البيت (عليهم السلام).
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي في باب (ما جاء في المهدي): وخرّج أحاديث المهدي جماعة من الأئمة منهم: أبو داود والترمذي وابن ماجة والبزار والحاكم والطبراني وأبو يعلى الموصلي، وأسندوها إلى جماعة من الصحابة: مثل عليّ، وابن عباس، وابن عمر، وطلحة، وعبد الله بن مسعود، وأبي هريرة، وأنس، وأبي سعيد الخدري، وأم حبيبة، وأم سلمة، وثوبان، وقرة بن إياس، وعلي الهلالي، وعبد الله بن الحارث بن جزء، وأسناد أحاديث هؤلاء بين صحيح، وحسن وضعيف.(431)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(430) راجع: كتاب معجم أحاديث النبي (صلّى الله عليه وآله) في الإمام المهدي.
(431) تحفة الأحوذي، المباركفوري: ٦/ ٤٠١ - ٤٠٢، عون المعبود، العظيم آبادي: ١١/٢٤٢ - ٢٤٤.

(١٨١)

ومنهم أيضاً: عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعمار بن ياسر، وعوف بن مالك، وحذيفة بن اليمان، وعمران بن الحصين، وأبو الطفيل، وجابر الصدفي(432) وعائشة، وسلمان الفارسي، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو أمامة الباهلي، ومجمع بن جارية الأنصاري، وأبو سليمان راعي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وشهر بن حوشب، وجابر بن سمرة.(433)
ممن خرّج أحاديث الصحابة حول المهدي من الحفاظ والعلماء
قال الشيخ محمد جعفر الكتاني في كتابه نظم المتناثر من الحديث المتواتر: خروج المهدي الموعود المنتظر الفاطمي عن:
ابن مسعود: أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
وأم سلمة: أخرجه أبو داود وابن ماجة والحاكم في المستدرك.
وعلي بن أبي طالب: أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة.
وأبي سعيد الخدري: أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وأبو يعلى والحاكم في المستدرك.
وثوبان: أخرجه أحمد وابن ماجة، والحاكم في المستدرك.
وقرة بن إياس المزني: أخرجه البزار، والطبراني في الكبير والأوسط.
وعبد الله بن الحارث بن جزء: أخرجه ابن ماجة والطبراني في الأوسط.
وأبي هريرة: أخرجه أحمد والترمذي وأبو يعلى والبزار في مسندهما،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(432) راجع: كتاب (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون) للسيد فاروق البياتي.
(433) راجع: كتاب (الإمام المهدي وظهوره) للسيد جواد الشاهرودي: ٣١٩ - ٣٢٠.

(١٨٢)

والطبراني في الأوسط وغيرهم.
وحذيفة بن اليمان: أخرجه الروياني.
وابن عباس: أخرجه أبو نعيم في أخبار المهدي.
وجابر بن عبد الله: أخرجه أحمد ومسلم، إلا أنه ليس فيه تصريح بذكر المهدي، بل أحاديث مسلم كلها لم يقع فيها تصريح به.
وعثمان: أخرجه الدارقطني في الإفراد.
وأبي أمامة: أخرجه الطبراني في الكبير.
وعمار بن ياسر: أخرجه الدارقطني في الإفراد، والخطيب، وابن عساكر.
وجابر ابن ماجد الصدفي: أخرجه الطبراني في الكبير.
وابن عمر، وطلحة بن عبيد الله: أخرجهما الطبراني في الأوسط.
وأنس بن مالك: أخرجه ابن ماجة.
وعبد الرحمن بن عوف: أخرجه أبو نعيم.
وعمران بن حصين: أخرجه الإمام أبو عمرو الذاني في سننه.
وغيرهم.(434)
شهرة أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) عند الصحابة والتابعين
يظهر بشكل واضح أن أخبار ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) كانت مشهورة ومتواترة عند عامة الصحابة، والتابعين أيضاً، مما يدل على أن الاعتقاد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(434) نظم المتناثر من الحديث المتواتر، الكتاني: ٢٢٥ - ٢٢٦ ح٢٨٩.

(١٨٣)

بظهور الإمام (عليه السلام) في آخر الزمان أمر ثابت عندهم، ومسلّم فيما بينهم، ولهذا أخذ هذا الأمر قسطاً ومحلاً من اهتماماتهم فيما يرتبط بالإمام المهدي (عليه السلام)، ولهذا كثر السؤال حوله، وحول علامات ظهوره وما يتعلق به، ومن يسبر الأحاديث في ذلك يجد هذا الأمر واضحاً فيها، وأن اسم المهدي كان يتردد كثيراً على ألسنتهم، تارة بالتصريح، وأخرى بالتلويح.
جاء في كتاب الفتن لأبي نعيم: عن صالح بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: أتيناه نعوده في تخمة أصابته، قال: فذكر معاوية فتغيظ عليه، وأغلظ عليه في القول! ثم قال أبو هريرة للحسن بن علي (رضي الله عنهما): لا يكبرن عليك! فوالذي نفسي بيده لو كانت الدنيا يوماً واحداً لطول الله ذلك اليوم حتى تكون الخلافة لبني هاشم.(435)
وأخرج الداني بإسناده: عن فرات القزاز، عن أبي معبد قال: قلت له: سمعت ابن عباس يذكر في المهدي شيئاً؟ قال: نعم، سمعته يقول: والله لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لختم الله بنا هذا الأمر كما فتحه، وقال: بنا فتح هذا الأمر وبنا يختم.(436)
وقال إسحاق بن موسى الأنصاري: سمعت محمد بن جعفر يقول: شكوت إلى مالك بن أنس ما نحن فيه، وما نلقى! فقال: اصبر حتى يجيء تأويل هذه الآية (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)(437).(438)
إلى غير ذلك من الأحاديث التي أفصحت عن عقيدتهم وتسالمهم على ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، وخروجه لنشر العدل في آخر الزمان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(435) كتاب الفتن، نعيم بن حماد المروزي: ١٢١.
(436) السنن الواردة في الفتن: ٥ / ١٠٤٣ ح ٥٥٩، دلائل النبوة، البيهقي: ٦ / ٥١٧.
(437) سورة القصص، الآية: ٥.
(438) مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني: ٣٥٩.

(١٨٤)

صحة أحاديث الإمام المهدي عند أعلام السنة
قد نص جملة من أعلام السنة على صحة أحاديث المهدي (عليه السلام) في كتب السنن والحديث، هذا وإن كانت هناك أحاديث في هذا الباب حكم عليها بالضعف، لكن هناك جملة وافرة من الأحاديث الصحيحة والأحاديث الحسنة ما يغني عن الضعيف، كما أن بعض الأحاديث الضعيفة لها شواهد في الأحاديث الصحيحة.
ونذكر هنا على سبيل المثال بعض الأعلام الذين نصوا على صحة جملة من أحاديث المهدي (عليه السلام)، وهم كما يلي:
١ - الترمذي (ت ٢٩٧هـ)
قال في سننه: ج ٤ ص ٥٠٥ الأحاديث رقم: ٢٢٣٠ و٢٢٣١، وج ٤ ص ٥٠٦ الحديث رقم ٢٢٣٣ عن كلّ واحد من الأحاديث الثلاثة المذكورة: هذا حديث حسن صحيح. وقال في ج ٤ ص ٥٠٦ من سننه عن الحديث رقم ٢٢٣٢: (هذا حديث حسن).(439)
٢ - الحافظ أبو جعفر العقيلي (ت ٣٢٣هـ)
قال بعدما أورد حديث أم سلمة عن رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): المهدي من ولد فاطمة، قال: وفي المهدي أحاديث جياد من غير هذا الوجه بخلاف هذا اللفظ.(440)
وقال أيضاً بعدما أورد حديث ياسين بن سيار العجلي في الإمام المهدي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(439) كتاب المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي، إصدار مركز الرسالة: ص ٣٤.
(440) ضعفاء العقيلي: ٣/ ٢٥٤، رقم: ١٢٥٧، في ترجمة علي بن نفيل، تهذيب التهذيب، ابن حجر: ٧/ ٣٤٢، رقم: ٦٣٣.

(١٨٥)

عليه السلام: وفي المهدي أحاديث صالحة الأسانيد من غير هذا الطريق.(441)
٣ - أبو حاتم ابن حبان البستي (ت ٣٥٤هـ)
فقد ذكر في كتابه الصحيح جملة من الأحاديث في الإمام المهدي (عليه السلام).(442)
٤ - البيهقي (ت ٤٥٨هـ)
قال: والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح إسناداً، وفيها بيان كونه من عترة النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم).(443)
٥ - ابن تيمية الحراني (ت ٧٢٨هـ)
قال في كتابه منهاج السنة: إن الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة، رواها أبو داود والترمذي وأحمد، وغيرهم من حديث ابن مسعود وغيره.(444)
٦ - القرطبي (ت ٧٦١ هـ)
قال: إن الأخبار الصحاح قد تواترت على أن المهدي من عترة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم).(445)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(441) ضعفاء العقيلي: ٤/ ٤٦٥ - ٤٦٦، رقم: ٢١٠.
(442) راجع: صحيح ابن حبان: ١٥/ ١٣٦ تحت عنوان (ذكر البيان بأن خروج المهدي إنما يكون بعد ظهور الظلم والجور في الدنيا وغلبهما على الحق والجد)
(443) تأريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ٤٧/ ٥١٨، تهذيب الكمال، المزي: ٢٥/ ١٥٠، تهذيب التهذيب، ابن حجر: ٩/ ١٢٦، تفسير القرطبي: ٨/ ١٢٢.

(444) منهاج السنة، ابن تيمية: ٤/ ٢١١.
(445) تفسير القرطبي: ٨/ ١٢١ - ١٢٢.

(١٨٦)

وقال أيضاً في كتابه الآخر (التذكرة): والأحاديث عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث، فالحكم بها دونه.(446)
٧ - سعد الدين التفتازاني (ت ٧٩٣هـ)
قال في شرح المقاصد: خاتمة، مما يلحق بباب الإمامة (خروج المهدي ونزول عيسى (عليه السلام)) وهما من أشراط الساعة، وقد وردت في هذا الباب أخبار صحاح وإن كانت آحاداً.(447)
٨ - الشيخ علي المتقي الهندي (ت ٩٧٥هـ)
قال: اعلم - رحمك الله - لا شك أن وجود المهدي الموعود ثبت بالأحاديث والآثار نحو من ثلاثمائة فصاعداً.(448)
٩ - الشيخ ناصر الدين الألباني (ت ١٤٢٠هـ)
قال الألباني في مقال له بمجلة التمدن الإسلامي: أما مسألة المهدي المنتظر فليعلم أن في خروجه أحاديث صحيحة، قسم كبير منها له أسانيد صحيحة(449)، وقال أيضاً: الأحاديث في ذلك كثيرة جداً، وأشهرها حديث عبد الله بن مسعود مرفوعاً... وقد أخطأ ابن خلدون خطأ واضحاً حيث ضعّف أحاديث المهدي كلها، ولا غرابة في ذلك! فإن الحديث ليس من صناعته، والحق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(446) التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، القرطبي: ٢/ ٧٢٣، الحاوي، السيوطي: ٢/ ١٦٥، المهدي المنتظر (عليه السلام)، البستوي: ٥٠.
(447) شرح المقاصد، التفتازاني: ٢/ ٣٠٧.
(448) المهدي المنتظر، البستوي: ٥٥، عن كتاب الرد على من حكم وقضى أن المهدي الموعود جاء ومضى: ١٣٤.
(449) (حول المهدي، الألباني: ٦٤٤) نشر في مجلة التمدن الإسلامي، دمشق السنة ٢٢ ذو القعدة ١٣٧١.

(١٨٧)

أن الأحاديث الواردة في المهدي فيها الصحيح والحسن، وفيها الضعيف والموضوع، وتمييز ذلك ليس سهلاً إلا على المتضلع في علم السنة، ومصطلح الحديث.(450)
إلى غير ذلك من أعلام السنة ممن نصوا على صحة أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام).(451)
تواتر أحاديث الإمام المهدي عند أعلام السنة
وكما نص علماء السنة وأئمتهم على صحة أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) فكذلك أيضاً نصوا على بلوغها حدّ التواتر الذي يغني عن فحص الأسانيد فيها، يقول الدكتور عبد الحليم النجار في مقدمته لكتاب المهدوية في الإسلام: إن علماء الحديث يرون أن فكرة المهدي بلغت مبلغ التواتر المعنوي.(452)
ويقول الشيخ منصور علي ناصف: اشتهر بين العلماء سلفاً وخلفاً: أنه في آخر الزمان لا بد من ظهور رجل من أهل البيت، يسمى: المهدي، يستولي على الممالك الإسلامية، ويتبعه المسلمون، ويعدل بينهم، ويؤيد الدين، وقد روى أحاديث المهدي جماعة من خيار الصحابة، وأخرجها أكابر المحدثين: كأبي داود،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(450) راجع: المهدي المنتظر (عليه السلام)، البستوي: ص ٥٩، رقم: ٢٣، عن كتاب تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق (ص ١٦) الحديث رقم ١٨.
(451) وممن عني بهذا الموضوع وسرد جملة من أعلام السنة الذين نصّوا على صحة أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام): مجلة تراثنا العدد ٣ و٤، سنة ١٤١٣: ج٣٢ ص ١٨ تحت عنوان (أحاديث المهدي بين الصحة والضعف) مقال للعلامة المحقق السيد محمد رضا الجلالي، وكتاب المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي، إصدار مركز الرسالة ص ٣٤ - ٣٨، تحت عنوان (صحة أحاديث المهدي (عليه السلام))، ومن كتب العامة: الإمام المنتظر، للبستوي: ٤٧ تحت عنوان: (الأئمة والعلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي).
(452) أدب الشيعة: ١٠١.

(١٨٨)

والترمذي، وابن ماجة، والطبراني، وأبي يعلى، والبزاز، والإمام أحمد، والحاكم، ولقد أخطأ من ضعف أحاديث المهدي كلها: كابن خلدون وغيره.(453)
وإليك هنا جملة من أعلام السنة من الذين نصّوا على تواتر أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام)، وهم كالتالي:
١ - الحافظ أبو الحسن محمد بن الحسين الآبري السجزي (ت ٣٦٣هـ)
قال ابن حجر في فتح الباري: قال أبو الحسن الخسعي الآبري في مناقب الشافعي: تواترت الأخبار بأن المهدي من هذه الأمة وأن عيسى يصلي خلفه.(454)
وقال أيضاً في كتابه (مناقب الشافعي): وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) بذكر المهدي، وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأن عيسى (عليه السلام) يخرج فيساعده على قتل الدجال، وأنه يؤمُّ هذه الأمة، ويصلي عيسى خلفه في طول من قصته وأمره.(455)
٢ - الحافظ أبو عبد الله الكنجي الشافعي (ت ٦٥٨هـ)
قال يوسف بن يحيى بن علي المقدسي الشافعي السلمي من علماء القرن السابع في كتابه (عقد الدرر في أخبار المنتظر): وقد نقل علماء الحديث في حق الإمام المهدي من الأحاديث ما لا يُحصى كثرةً، وكلها معرِّضة بذكره، ومصرحة عنه من كان له بهذا الفن خبرة، وبعضها لبعض مصححة، وقد ذكر الإمام الحافظ أبو عبد الله الحاكم في كتابه المستدرك على الصحيحين من ذلك ما فيه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(453) التاج الجامع للأصول: ٥/ ٣١٠، عقيدة المسلمين في المهدي، مؤسسة نهج البلاغة: ١٢.
(454) فتح الباري، ابن حجر: ٦/ ٣٥٨، عون المعبود، العظيم آبادي: ١١/ ٣٠٨.
(455) المهدي المنتظر، البستوي: ٤٠، عن كتاب مناقب الشافعي للآبري.

(١٨٩)

غنية، ونبه على ترجيح رواته الجم الغفير من كان له في ذلك بغية.(456)
٣ - ابن خلدون (ت ٨٠٨هـ)
اعترف ابن خلدون بتواتر أحاديث المهدي (عليه السلام) مع تضعيفه لها، قال ابن خلدون في تأريخه: اعلم أن في المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت، يؤيِّد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، ويسمى بالمهدي، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره، وأن عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال، أو ينزل معه فيساعده على قتله، ويأتم بالمهدي في صلاته، ويحتجون في الشأن بأحاديث خرّجها الأئمة.(457)
٤ - محمد بن رسول الحسيني البرزنجي (ت ١١٠٣هـ)
قال في كتابه (الإشاعة في أشراط الساعة): الباب الثالث في الأشراط العظام، والأمارات القريبة التي تعقبها الساعة، وهي أيضاً كثيرة، فمنها المهدي وهو أولها، واعلم أن الأحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها لا تكاد تنحصر.(458)
وقال أيضاً: قد علمت أن أحاديث وجود المهدي وخروجه آخر الزمان، وأنه من عترة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) من ولد فاطمة بلغت حدّ التواتر المعنوي، فلا معنى لإنكارها.(459)
وقال أيضاً: وغاية ما ثبت بالأخبار الصحيحة الكثيرة الشهيرة التي بلغت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(456) راجع: عقد الدرر في أخبار المنتظر: ٦ - ٨.
(457) تاريخ ابن خلدون: ١/٣١١.
(458) الإشاعة في أشراط الساعة: ٨٧.
(459) نفس المصدر: ١١٢.

(١٩٠)

حدّ التواتر المعنوي وجود الآيات العظام التي منها بل أولها خروج المهدي، وأنه يأتي في آخر الزمان من ولد فاطمة يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً.(460)
٥ - الشيخ محمد السفاريني (ت ١١٨٨هـ)
قال في كتابه (لوائح الأنوار البهية): والصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى، وأنه يخرج قبل نزول عيسى (عليه السلام) وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حدّ التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عُدّ من معتقداتهم... وقد روي عن من ذكر من الصحابة وغير من ذكر عنهم بروايات متعددة، وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي، فالإيمان بخروج المهدي واجب، كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة.(461)
٦ - القاضي محمد بن علي الشوكاني (ت ١٢٥٠هـ)
قال في (الفتح الرباني): الذي أمكن الوقوف عليه من الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر خمسون حديثاً وثمانية وعشرون أثراً، ثم سردها مع الكلام عليها ثم قال: وجميع ما سقناه بالغ حدّ التواتر كما لا يخفى على من له فضل اطلاع.(462)
وقال في كتابه الآخر (التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح): والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً، فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة، بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونها في جميع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(460) نفس المصدر: ١٨٩.
(461) لوائح الأنوار البهية: ٢/ ٨٠. عن كتاب المهدي المنتظر (عليه السلام) في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة، عبد العليم البستوي: ٤٠ - ٤٦.
(462) تحفة الأحوذي، المباركفوري: ٦/ ٤٠١ - ٤٠٢، عون المعبود، العظيم آبادي: ١١/٢٤٢ - ٢٤٤.

(١٩١)

الاصطلاحات المحررة في الأصول.(463)
وقال أيضاً: فتقرر أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، والأحاديث الواردة في الدجال متواترة، والأحاديث الواردة في نزول عيسى بن مريم متواترة.(464)
٧ - النواب صديق حسن خان القنوجي (ت ١٣٠٧هـ)
قال في كتابه (الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة): الأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف رواياتها كثيرة جداً تبلغ حدّ التواتر المعنوي، وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد.(465)
وقال أيضاً: لا شك في أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين لشهر وعام، لما تواتر من الأخبار في الباب، واتفق عليه جمهور الأمة سلفاً عن خلف إلا من لا يعتد بخلافه.(466)
وقال أيضاً في معرض ردّه على ابن خلدون: فلا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود المنتظر المدلول عليه بالأدلة، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة البالغة حدّ التواتر.(467)
٨ - الشيخ محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني (ت ١٣٤٥ هـ)
قال في كتابه (نظم المتناثر من الحديث المتواتر): والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، وكذا الواردة في الدجال، وفي نزول سيدنا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(463) الإذاعة: ١١٤.
(464) الإذاعة: ١٦٠، راجع: كتاب المهدي المنتظر (عليه السلام)، البستوي: ٤٠ - ٤٦.
(465) الإذاعة: ١١٢.
(466) الإذاعة: ١٤٥.
(467) الإذاعة: ١٤٦.

(١٩٢)

عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام.(468)
هذا وقد بسط القول في هذه المسألة وأشبعها بحثاً، كما أنه ذكر أيضاً جملة من علماء السنة من الذين نصوا على تواتر أحاديث المهدي (عليه السلام)، وردّ على من ضعّفها، وإليك كلامه في ذلك، قال: قد نقل غير واحد عن الحافظ السخاوي أنها متواترة، والسخاوي ذكر ذلك في فتح المغيث، ونقله عن أبي الحسين الآبري، وقد تقدم نصّه أول هذه الرسالة.
وفي تأليف لأبي العلاء إدريس بن محمد بن إدريس الحسين العراقي: المهدي هذا أن أحاديثه متواترة أو كادت، قال: وجزم بالأول غير واحد من الحفاظ النقاد.
وفي (شرح الرسالة) للشيخ جسوس ما نصّه: ورد خبر المهدي في أحاديث ذكر السخاوي أنها وصلت إلى حدّ التواتر.
وفي (شرح المواهب) نقلاً عن أبي الحسين الآبري في مناقب الشافعي قال: تواترت الأخبار أن المهدي من هذه الأمة، وأن عيسى يصلي خلفه. ذكر ذلك رداً لحديث ابن ماجة، عن أنس: (ولا مهدي إلا عيسى).
وفي (مغاني الوفا بمعاني الاكتفا) قال الشيخ أبو الحسين الآبري: قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) بمجيء المهدي، وأنه سيملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً.
وفي (شرح عقيدة الشيخ محمد بن أحمد السفاريني الحنبلي) ما نصّه: وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حدّ التواتر المعنوي.. الخ.(469)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(468) نظم المتناثر من الحديث المتواتر، الكتاني: ٢٢٩.
(469) وقد تقدم كلامه قريباً.

(١٩٣)

وتتبع ابن خلدون في مقدمته طرق أحاديث خروجه مستوعباً لها على حسب وسعه، فلم تسلم له من علة، لكن ردوا عليه بأن الأحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها كثيرة جداً تبلغ حدّ التواتر، وهي عند أحمد والترمذي وأبي داود وابن ماجة والحاكم والطبراني وأبي يعلى الموصلي والبزار وغيرهم من دواوين الإسلام من السنن والمعاجم والمسانيد، وأسندوها إلى جماعة من الصحابة، فإنكارها مع ذلك مما لا ينبغي..
والأحاديث يشدّ بعضها بعضاً، ويتقوى أمرها بالشواهد والمتابعات، وأحاديث المهدي بعضها صحيح، وبعضها حسن، وبعضها ضعيف، وأمره مشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار، وأنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت النبوي يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، ويسمى بالمهدي، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره، وأن عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال، أو ينزل معه فيساعده على قتله، ويأتم بالمهدي في بعض صلواته. إلى غير ذلك..
وللقاضي العلامة محمد بن علي الشوكاني اليمني رسالة سماها (التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح) قال فيها: والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها: خمسون حديثاً في الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة، بل يصدق وصف التواتر على ما دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول.
وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة أيضاً لها حكم الرفع، إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك.
وانظره، فقد ذكر أحاديثه وتكلم عليها، وفي الصواعق لابن حجر الهيتمي ما نصّه: قال أبو الحسين الآبري: قد تواترت الأخبار، واستفاضت بكثرة رواتها

(١٩٤)

عن المصطفى (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) بخروج المهدي، وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأنه يخرج مع عيسى صلى الله على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، فيساعده على قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين، وأنه يؤمُّ هذه الأمة، ويصلي عيسى خلفه.(470)
ومثله له في (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر) إلا أنه عبّر عن أبي الحسين المذكور ببعض الأئمة ونصه: قال بعض الأئمة: قد تواترت الأخبار.. الخ ما مرَّ عنه في الصواعق، وقال قبله بيسير ما نصّه: قال بعض الأئمة الحفاظ: إن كونه - أي المهدي - من ذريته (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قد تواتر عنه (صلّى الله عليه [وآله] وسلم).
قلت: وأبو الحسين المذكور هو محمد بن الحسين بن إبراهيم الآبري السجستاني مصنف كتاب مناقب الشافعي، وهو كتاب حافل رتبه على أربعة أو خمسة وسبعين باباً، وآبر من قرى سجستان، توفي في رجب سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، راجع ترجمته في الطبقات الكبرى للسبكي، ولولا مخافة التطويل لأوردت هاهنا ما وقفت عليه من أحاديثه، لأني رأيت الكثير من الناس في هذا الوقت يتشككون في أمره، ويقولون: يا ترى هل أحاديثه قطعية أم لا؟ وكثير منهم يقف مع كلام ابن خلدون ويعتمده، مع أنه ليس من أهل هذا الميدان! والحق الرجوع في كلّ فن لأربابه، والعلم لله تبارك وتعالى.(471)
٩ - المباركفوري (ت ١٣٥٣هـ)
قال في تحفة الأحوذي في باب (ما جاء في المهدي): اعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(470) الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي: ١٦٧ (ذكره في الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم (عليهم السلام): الآية الثانية عشرة)
(471) نظم المتناثر من الحديث المتواتر، الكتاني: ٢٢٦ - ٢٢٨.

(١٩٥)

رجل من أهل البيت، يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، ويسمى بالمهدي...إلى أن قال: فالقول بخروج الإمام المهدي وظهوره هو القول الحق والصواب، والله تعالى أعلم.(472)
١٠ - الشريف أبو الفيض الغماري الحسيني المغربي (ت ١٣٨٠هـ)
قال الشريف أبو الفيض أحمد بن محمد بن الصدّيق الغماري في مقدمة كتابه: (إبراز الوهم المكنون في كلام ابن خلدون) الذي وضعه للرد على شبهات ابن خلدون: ظهور الخليفة الأكبر... محمد بن عبد الله المنتظر، قد تواترت بكونه من أعلام الساعة وأشراطها الأخبار، وصحت عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في ذلك الآثار، وشاع ذكره، وانتشر خبره بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الدهور والأعصار، فالإيمان بخروجه واجب، واعتقاد ظهوره - تصديقاً لخبر الرسول - محتم لازب.
ثم نقل الصدّيق الأقوال بتواتر حديث المهدي، عن علماء الأمة ومؤلفاتهم، منهم: الآبري صاحب مناقب الشافعي، والسخاوي صاحب فتح المغيث، والسيوطي في الفوائد المتكاثرة في الأحاديث المتواترة، وفي اختصاره: الأزهار المتناثرة وغيرهما من كتبه، وابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة، وغيره من مصنفاته، والزرقاني في المواهب اللدنية.
وجم غفير من الحفاظ النقاد للحديث، والمحدثين المتقنين لفنون الأثر.
ثم نقل كلمات القنوجي في الإذاعة، والسفاريني في الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية، وشرحه المسمى: لوائح الأنوار، حيث قال: وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حدّ التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عدَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(472) تحفة الأحوذي، المباركفوري: ٦/ ٤٠١ - ٤٠٢، عون المعبود، العظيم آبادي: ١١/٢٤٢ - ٢٤٤.

(١٩٦)

ذلك من معتقداتهم.
وقد روى عمن ذكر من الصحابة، وغير من ذكر منهم روايات متعددة، وعن التابعين من بعدهم، مما يفيد مجموعه العلم القطعي.
ثم عقد الصدّيق فصلاً في البحث عن التواتر وتعريفه، واختلاف الناس فيه، وهو الفصل الأول.
ثم ذكر رواة أحاديث المهدي على كثرتهم، وقال في نهاية الفصل: المراد بالتواتر المعنوي: أن القدر المشترك هو المتواتر، فقال: فكلّ قضية منها باعتبار إسناده لم يتواتر، ولكن القدر المشترك فيها - وهو وجود الخليفة المهدي آخر الزمان - تواتر باعتبار المجموع.(473)
١١ - الشيخ عبد العزيز بن باز
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، في تعليق له على محاضرة الشيخ عبد المحسن العباد، نشرت في مجلة الجامعة نفسها، العدد ٣، السنة الأولى ١٣٨٨، في ذيل المحاضرة ذاتها. قال فيه: أمر المهدي معلوم، والأحاديث فيه مستفيضة، بل متواترة، وقد حكى غير واحد من أهل العلم تواترها، وهي متواترة تواتراً معنوياً، لكثرة طرقها، واختلاف مخارجها، وصحابتها، ورواتها، وألفاظها، فهي بحق تدل على أن هذا الشخص الموعود به أمره ثابت، وخروجه حق.
وقال: وقد رأينا أهل العلم أثبتوا أشياء كثيرة بأقل من ذلك، والحق أن جمهور أهل العلم، بل هو الاتفاق: على ثبوت أمر المهدي، وأنه حق، وأنه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(473) مجلة تراثنا، مؤسسة آل البيت: ٣٢ ص ٢٨ - ٢٩، رقم: ٢٠. من مقال للمحقق العلامة السيد محمد رضا الجلالي، تحت عنوان (نقد الحديث بين الاجتهاد والتقليد، ونظرة جديدة إلى أحاديث عقيدة: المهدي المنتظر (عليه السلام))

(١٩٧)

سيخرج في آخر الزمان، وأما من شذّ من أهل العلم - في هذا الباب - فلا يلتفت إلى كلامه في ذلك!.(474)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(474) مجلة الجامعة الإسلامية: ١٧٢ - العدد(٣)، ذو القعدة ١٣٨٩، مجلة تراثنا، مؤسسة آل البيت - ج ٣٢ ص ٣٤ - ٣٥.

(١٩٨)

الحفاظ والمحدثون والمؤرخون الذين ذكروا أخبار المهدي (عليه السلام)
ذكر جلّ الحفاظ والمحدِّثين والمؤرخين الأحاديث النبوية المبشرة بظهور الإمام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان، وما يرتبط به وبدولته الشريفة، فلا تكاد تجد محدّثاً أو مؤرخاً لم يذكر شيئاً من أخباره، وإليك هنا على سبيل المثال جملة من الحفاظ والمؤرخين الذين رووا في كتبهم أخبار الإمام المهدي (عليه السلام) أو ما يرتبط به، وسوف نشير إلى المجلد والصفحة من باب المثال فقط لبعض ما ذكروه عنه، وهم كالتالي:
١ - الحافظ عبد الرزاق الصنعاني (ت ٢١١هـ)
ذكره في كتابه المصنف: ج ١١ ص ٣٧١ ح٢٠٧٧٠ الخ
٢ - نعيم بن حماد المروزي (ت ٢٢٨هـ)
ذكره في كتابه الفتن.
٣ - ابن أبي شيبة الكوفي (ت ٢٣٥ هـ)
ذكره في كتابه المصنف: ج ٨ ص ٦٧٨ ح١٩٠ الخ
٤ - أحمد بن حنبل (ت ٢٤١هـ)

(١٩٩)

ذكره في كتابه المسند: ج ١ ص ٨٤، وج ٣ ص ٣٦.
٥ - محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري (ت ٢٥٦ ه)
ذكره في كتابه: التاريخ الكبير: ج١ ص ٣٠٧، رقم: ٩٩٤، وج٨ ص٤٠٦، رقم: ٣٤٩٧.
٦ - ابن ماجة (ت ٢٧٣هـ)
ذكره في كتابه سنن ابن ماجة: ج٢ ص١٣٦٦ (باب خروج المهدي)
٧ - أبو داوود (ت ٢٧٥ ه)
ذكره في سنن أبي داود: ج ٢ ص ٣٠٩.
٨ - ابن قتيبة الدينوري (ت ٢٧٦هـ)
ذكره في كتابه غريب الحديث: ج١ ص ٣٥٩.
٩ - الترمذي (ت ٢٧٩هـ)
ذكره في السنن: ج ٣ ص ٣٤٣ (باب ما جاء في المهدي)
١٠ - أبو يعلى الموصلي (ت ٣٠٧ هـ)
ذكره في كتابه المسند: ج ٢ ص ٢٧٤ ح٩٨٧.
١١ - أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت ٣١٠هـ)
ذكره في كتابه جامع البيان: ج١ ص ٦٩٩.
١٢ - الحافظ أبو جعفر العقيلي (ت ٣٢٣هـ)
ذكره في كتابه ضعفاء العقيلي: ج ٤ ص ٢٥٩ - ٢٦٠، وص ٣٨١، وج ٤ ص ٤٦٥ - ٤٦٦، رقم: ٢١٠.

(٢٠٠)

١٣ - أبو حاتم ابن حبان البستي (ت ٣٥٤هـ)
ذكره في كتابه الصحيح: ج ١٥ ص ٢٣٦ الخ
١٤ - الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت ٣٦٠هـ)
ذكره في كتابه المعجم الصغير: ج١ ص٣٧، والمعجم الأوسط: ج ٢ ص ٥٥ - ٥٦، وج ٩ ص ١٧٦، والمعجم الكبير: ج١٠ ص ١٣٣ - ١٣٦ ح١٠٢١٣ الخ، وج١٨ ص٥١، وج١٩ ص ٣٢، وج٢٣ ص٢٦٧، وفي كتابه مسند الشاميين: ج٢ ص٧٢ ح٩٣٧.
١٥ - الحافظ أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني (ت ٣٦٥هـ)
ذكره في كتابه الكامل في ضعفاء الرجال: ج ٣ ص ١٩٦، رقم: ٦٩٧، وص ٤٢٨، رقم: ٨٤٨، وج ٤ ص ١٩٧ - ١٩٨، رقم: ١٠٠٨وص ٢٢٨ - ٢٢٩، رقم: ١٠٤٦، وج ٥ ص ١٤٧، وج ٧ ص ١٨٤ - ١٨٦، رقم: ٢٠٩٥.
١٦ - الدارقطني (ت ٣٨٥ هـ)
ذكره في علل الدارقطني: ج ١٠ ص ١٦٠ ح١٩٥٢، وكتاب الإفراد.
١٧ - الحاكم النيسابوري (ت ٤٠٥هـ)
ذكره في كتابه المستدرك على الصحيحين: ج ٤ ص ٥٥٧.
١٨ - أبو نعيم الإصبهاني (ت ٤٣٠ هـ)
ذكره في كتابه أربعين حديثاً في المهدي.
١٩ - أبو عمرو الداني المقرىء (ت ٤٤٤هـ)
ذكره في كتابه السنن الواردة في الفتن
٢٠ - الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت ٤٥٨هـ)
ذكره في كتابه دلائل النبوة، وفي كتابه شعب الإيمان.

(٢٠١)

٢١ - الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣هـ)
ذكره في تلخيص المتشابه وفي المتفق والمفترق، وكذلك في كتابه تاريخ بغداد: ج ١ ص ٣٨٧، وج ٩ ص ٤٧٧ - ٤٧٨، رقم: ٥١٠١، وج ٩ ص ٤٧٧ - ٤٧٨، رقم: ٥١٠١.
٢٢ - ابن عبد البر يوسف بن عبد الله المالكي (ت ٤٦٣هـ)
ذكره في كتابه الإستيعاب: ج١ ص٢٢١ ح٢٨٨.
٢٣ - ابن عساكر (ت ٥٧١ هـ)
ذكره في تأريخه: ج٢ ص٢١٤، وص٢١٦ وص٢١٧، وج١٩ ص٤٧٥، وج٣٢ ص٢٨١، وج٥٣ ص٤١٤، وج٥٤ ص٢٧٦.
٢٤ - ابن الجوزي (ت ٥٩٧هـ)
ذكره في تاريخه، وكتاب زاد المسير: ج٣ ص٢٩٠، وكذلك في كتابه الموضوعات: ج ٢ ص ٥٧.
٢٥ - ابن الأثير، علي بن أبي الكرم الشيباني (ت ٦٣٠هـ)
ذكره في كتابه أسد الغابة في معرفة الصحابة: ج١ ص٢٥٩ و٢٦٠.
٢٦ - ابن عربي محيي الدين أبو عبد الله محمد بن علي (ت ٦٣٨هـ)
ذكره في كتابه الفتوحات المكية: ج٣ ص ٣٢٧ قال: (الباب السادس والستون وثلاثمائة) في معرفة منزل وزراء المهدي الآتي في آخر الزمان الذي بشر به رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) وهو من الحضرة المحمدية.
وذكره أيضاً في كتاب التفسير: ج١ ص٣١، وص٣٢، وص٧٠، وص١٢٥، وص٢٦٠، وص٢٧٠، وص٢٨٠، وص٤٠٨، وص٤٢٠، وج٢ ص١٢٠، وص١٣٢، وص١٣٩، وص١٤٢، وص١٥٧، وص١٩٦،

(٢٠٢)

وص٢٠٣، وص٢٢٧، وص٢٤٢، وص٢٧٩، وص٢٨٠، وص٢٩٣، وص٣٢٠، وص٣٢١، وص٤١٩.
٢٧ - كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي (ت ٦٥٢هـ)
ذكره في كتابه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (عليهم السلام): ج٢ ص ١٥٢ - ١٦٢، الباب الثاني عشر.
٢٨ - سبط بن الجوزي (ت ٦٥٤هـ)
ذكره في كتابه تذكرة الخواص: ص٣٠٤ - ٣٠٧.
٢٩ - ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي (ت ٦٥٥هـ)
ذكره في كتابه شرح نهج البلاغة: ج١ ص٢٨١، وص٢٨٢، وج٧ ص٩٤، وج٩ ص١٢٨، وج١٩ ص١٠٤.
٣٠ - الكنجي الشافعي (ت ٦٥٨هـ)
ذكره في كتابه: البيان في أخبار صاحب الزمان (عليه السلام).
٣١ - محمد بن أحمد القرطبي المالكي (ت ٦٧١هـ)
ذكره في كتابه: التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، وكتابه الجامع لأحكام القرآن في التفسير: ج ٢ ص ٧٩، وج٨ ص١٢١، و١٢٢، وج١١ ص٤٨، وج١٤ ص١٠٧.
٣٢ - ابن خلكان (ت ٦٨١هـ)
ذكره في كتابه وفيات الأعيان: ج٤ ص١٧٦.
٣٣ - أحمد بن عبد الله محب الدين الطبري (ت ٦٩٤هـ)
ذكره في كتابه ذخائر العقبى: ص ١٧.

(٢٠٣)

٣٤ - ابن منظور الإفريقي(ت ٧١١ هـ)
ذكره في كتابه لسان العرب. ج١١ ص٣١٧، وج١٣ ص٢١٢، وج١٤ ص٤، وص١٥١، وقال في مادة هدى ج١٥ ص٣٥٤: المهدي: الذي قد هداه الله إلى الحق، وقد استعمل في الأسماء حتى صار كالأسماء الغالبة، وبه سمي المهدي الذي بشّر به النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم)، أنه يجيء في آخر الزمان.
٣٥ - الجويني (ت ٧٣٠هـ)
ذكره في كتابه فرائد السمطين: ج٢ ص٣٢٩ ح٥٧٩، وص٣١٠ ح٥٦١ وص٣٢٢ح٥٧٣، وص ٣٢٤ ح٥٧٤، وص٣٢٦ ح٥٧٦ الخ
٣٦ - الحافظ جمال الدين يوسف المزي (ت ٧٤٢هـ)
ذكره في كتابه تهذيب الكمال في أسماء الرجال: ج ٩ ص ٤٣٧، وج٢٥ ص٤٦٧ - ٤٦٨، وج ٣١ ص ١٨١، رقم: ٦٧٧٣
٣٧ - الذهبي (ت ٧٤٨ هـ)
ذكره في سير أعلام النبلاء: ج ٦ ص ١٣١ - ١٣٢، وج ١١ ص ٤١٧، وج ١٥ ص ٢٥٣، وكذلك في كتابه ميزان الاعتدال: ج ٢ ص ٤٢٧، ج ٣ ص ٩٧، رقم: ٥٧١٩، وج ٤ ص ٤٢٣ - ٤٢٤، رقم: ٩٦٩٥، وفي كتابه تذكرة الحفاظ: ج ٢ ص ٧٦٥، وكتابه تاريخ الإسلام: ج ١٧ ص ١٩٣ - ١٩٣، وج ٢٦ ص ٣٩
٣٨ - محمد بن يوسف الزرندي الحنفي (ت ٧٥٠ هـ)
ذكره في كتابه معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول (صلّى الله عليه وآله): ص١٨٦ الخ
٣٩ - الحافظ ابن كثير (ت ٧٧٤ هـ)

(٢٠٤)

ذكره في كتابه رسالة في المهدي، وكتابه البداية والنهاية: ج٦ ص٢١٥ وص٢١٩، وص٢٢١، وص٢٧٦، وص٢٧٨، وج٩ ص ١٧٦، وج١٠ص٥٥ وص١٦٢، وفي كتابه التفسير: ج١ ص١٦٢، وج٢ ص٣٤، وج٣ ص٣١٢.
٤٠ - الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (ت ٨٠٧هـ)
ذكره في كتابه موارد الظمآن: ج ٦ ص ١٢٩ (باب ما جاء في المهدي) الخ
وكتابه مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: ج٧ ص٣١٧.
٤١ - ابن خلدون المغربي (ت ٨٠٨ هـ)
ذكره في كتابه التأريخ: ج ١ ص ٣١٢ - ٣١٦.
٤٢ - الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢هـ)
ذكره في فتح الباري: ج٦ ص ٣٥٨، وص٣٦٥، وص٣٩٧، وكتابه تهذيب التهذيب: ج٩ ص١٢٦، رقم: ٢٠٢، وج١١ ص١٥٢، رقم: ٢٩٤.
٤٣ - الحافظ جلال الدين السيوطي (ت ٩١١هـ)
ألَّف كتاباً خاصاً بالمهدي وهو: العرف الوردي في أخبار المهدي، وكذلك في كتابه الآخر: الدر المنثور: ج ٦ ص ٥٨، وكذلك في كتابه: الجامع الصغير: ج ٢ ص ٤٠٢ ح٧٢٢٩ وص ٤٣٨ ح٧٤٨٩ الخ، وص ٦٧١ ح٩٢٤١ الخ.
٤٤ - المحدث أحمد بن حجر الهيتمي المكي(ت ٩٧٤هـ)
ذكره في كتابه الصواعق المحرقة: ص١٦٣ في الفصل الأول، وكذلك في كتابه: القول المختصر في علامات المهدي المنتظر.
٤٥ - الشيخ علي المتقي الهندي (ت ٩٧٥هـ)
ذكره في كتابه كنز العمال: ج ١٤ ص ٢٦١ - ٢٦٢ باب (خروج المهدي

(٢٠٥)

عليه السلام) وكذلك كتابه البرهان في علامات مهدي آخر الزمان.
٤٦ - الشيخ عبد الرؤوف المناوي (ت ١٠٣١هـ)
ذكره في كتابه فيض القدير شرح الجامع الصغير: ج ٥ ص ٣٣٤ - ٣٣٥ ح٧٢٢٩، وج ٦ ص ٣٦٠ - ٣٦١، رقم: ٩٢٤١ وح٩٢٤٣.
٤٧ - الشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي (ت ١١٦٢هـ)
ذكره في كتابه كشف الخفاء: ج ٢ ص ٢٨٨ ح٢٦٦١.
٤٨ - الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (ت ١٢٩٤هـ)
ذكره في كتابه ينابيع المودة لذوي القربى: ج ٢ ص ٢١٠ ح٦٠٩.
٤٩ - العلامة شمس الحق العظيم آبادي (ت ١٣٢٩هـ)
ذكره في كتابه عون المعبود: ج ١١ ص ٢٥١.
٥٠ - العلامة الشيخ عبد الرحمن المباركفوري (ت ١٣٥٣هـ)
ذكره في كتابه تحفة الأحوذي: ج ٦ ص ٤٠٣.
ومنهم أيضاً: البارودي في معرفة الصحابة، وابن جرير في تهذيب الآثار، وأبو بكر بن المقري في معجمه، وأبو عمرو الداني في سننه، وغيرهم من الحفاظ والمؤرخين الذين ذكروا أخبار المهدي (عليه السلام) وظهوره، ونشير هنا أيضاً إلى بعض الكتب التي سردت جملة من الحفاظ والمؤرخين الذين رروا أخبار المهدي (عليه السلام)، فمنها كتاب (المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي) في ص ٢٦ - ٢٩ إصدار مركز الرسالة, وما ذكره أيضاً الشيخ عبد المحسن العباد - في (مجلة الجامعة الإسلامية): ١٦١ - العدد: الثالث.(475)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(475) راجع: عقيدة المسلمين في المهدي، مؤسسة نهج البلاغة: ١٠ - ١٢.

(٢٠٦)

ومنهم أيضاً البستوي، فقد ذكر جملة منهم في كتابه (المهدي المنتظر (عليه السلام)) قال: زيادة على أولئك الذين نصوا على تواتر أحاديث المهدي هناك علماء آخرون كثيرون صحَّحوا أحاديث المهدي، وذكروها في مؤلفاتهم، ونصوا على الاحتجاج بها، وفي السطور القادمة أذكر بعض التصريحات التي وجدتها في هذا الصدد.. الخ، أقول: وقد عدّ منهم ما يلي:
١ - سفيان بن سعيد الثوري (ت ١٦١هـ)
٢ - أبو الحسين ابن المنادي (ت ٣٣٦هـ)
٣ - أبو سليمان الخطابي (ت ٣٨٨هـ)
٤ - الحافظ أبو القاسم السهيلي (ت ٥٨١هـ).
٥ - ابن تيمية الحراني (ت ٧٢٨هـ)
٦ - ابن قيم الجوزية (ت ٧٥١هـ)
٧ - الشيخ أبو الحسن السمهودي (ت ٩١١هـ)
٨ - الشيخ الملا علي القارئ الهروي (ت ١٠١٤هـ)
٩ - الشيخ محمد بشير السهسواني (ت ١٣٦٢هـ)
١٠ - ومن الذين احتجوا بأحاديث المهدي وردُّوا على من ضعَّفه محدث مصر العلامة الشيخ أحمد شاكر (ت ١٣٧٧هـ)
قال في تعليقاته على مسند الإمام أحمد في معرض رده على ابن خلدون في تضعيفه لحديث عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) في المهدي لأجل عاصم بن أبي النجود فذكر أقوال الأئمة فيه ثم قال: أفمثل هذا يطرح حديثه ويجعل سبيلاً لإنكار شيء ثبت بالسنة الصحيحة من طرق متعددة من حديث كثير من

(٢٠٧)

الصحابة حتى لا يكاد يشك في صحته أحد؟!.(476)
١١- قال: ومن العلماء الموجودين سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز ابن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية وهيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء بالرياض..الخ.(477)
١٢ - العلامة المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني.(478)
لماذا لم يصرح البخاري باسم المهدي في صحيحه
أنكر بعض السنة أخبار ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وتشبث بالبخاري ومسلم أنهما لم يذكرا شيئاً من أخباره، قال السيد محمد رشيد رضا: لم يعتدَّ الشيخان بشيء من رواياتها (479) وقال أحمد أمين المصري: ولم يرو البخاري ومسلم شيئاً عن أحاديث المهدي مما يدل على عدم صحتها عندهما (480) وكذلك سعد محمد حسن في كتابه المهدية في الإسلام.(481)
هذا وقد صدر كتاب في دولة قطر باسم (لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر) قد أنكر فيه ظهور المهدي، ومما استدل به على ذلك أن البخاري لم يذكر حديث المهدي في صحيحه، فمعنى هذا أنه لا يراه صحيحاً!
أقول: أولاً: وإن لم يذكر البخاري أحاديث ظهور الإمام المهدي (عليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(476) شرح مسند أحمد بن حنبل: ٥/ ١٩٨.
(477) مجلة الجامعة الإسلامية، عدد ذي القعدة ١٣٨٩، ص١٧٢، وقد تقدم كلامه قريباً.
(478) تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق: ١٦، حديث رقم: ١٨. وقد تقدم كلامه في صحة أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) في الجملة.
(479) تفسير المنار: ٩ / ٤٩٩.
(480) ضحى الإسلام، أحمد أمين: ٣ / ٢٧٧.
(481) المهدية في الإسلام:٧٠.

(٢٠٨)

السلام) صريحاً إلا أنه ذكر ما يتعلق بالبشارة به، كما نصّ على ذلك الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد المدني، عضو هيئة التدريس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (المعاصر) في محاضرته (عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر) فقد ذكر فيها عناصر عشرة مهمة حول الإمام المهدي (عليه السلام)، ومنها: (العنصر الخامس: ذكر بعض ما ورد في الصحيحين [البخاري ومسلم] من الأحاديث التي تبشر بالمهدي، ولها تعلق بشأنه).(482)
فقد ذكر البخاري (المهدي بالوصف لا بالاسم، وأخرج الأحاديث المتعلقة بعلامات الظهور، وبنزول السيد المسيح، وظهور المسيح الدجال، وأخرج الحديث الذي يؤكد بأن إمام الأمة هو الذي سيؤم المسيح بن مريم عند نزوله، وشرّاح صحيح البخاري أعلنوا بصراحة بأن الإمام الذي عناه البخاري هو المهدي المنتظر)(483).(484)
ثانياً: قد اعترف البخاري أنه ترك أحاديث صحيحة لم يذكرها في كتابه، فليس كلّ صحيح هو مذكور فيه، فما أكثر الأحاديث الصحيحة التي أهملها ولم يذكرها، فهو لم يلتزم بذكر كلّ ما هو صحيح، فإذاً إهماله للأحاديث الصحيحة الأخرى لا يستوجب تضعيفها أو إهمالها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(482) (عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر) الطبعة الأولى سنة ١٤٠٢ طبع في مطابع الرشيد بالمدينة المنورة، مجلة تراثنا، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام): ج ٣٢ ص ٣٢ - ٣٤.
(483) راجع فتح الباري: ٦ / ٣٨٣ - ٣٨٥، وعمدة القاري: ١٦/ ٣٩ - ٤٠ المجلد الثامن، وفيض الباري: ٤ / ٤٤ - ٤٧، وحاشية البدر الساري: ٤/ ٣٣ - ٤٧، والمهدي المنتظر في الفكر الإسلامي: ١٤٠ - ١٤٣.
(484) حقيقة الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر، أحمد حسين يعقوب: ١١١.

(٢٠٩)

قال الحافظ الكبير العراقي: لم يعمّ البخاري ومسلم كلَّ الصحيح..(485)
وقال شعيب الأرنؤوط محقق كتاب صحيح ابن حبان في معرض كلامه على صحيح البخاري وصحيح مسلم: غير أنهما لم يستوعبا الصحيح من الآثار، ولا التزما ذلك أصلاً، فابن الصلاح يروي عن البخاري أنه قال: ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحاح لحال الطول، وقال: أحفظ مئة ألف حديث صحيح(486)، وجملة ما في كتابه الصحيح سبعة آلاف واثنان وخمسة وسبعون حديثاً بالأحاديث المتكررة.(487)
كما نقل ابن الصلاح أيضاً عن مسلم قوله: ليس كلّ شيء عندي صحيح وضعته هنا - يعني في كتابه الصحيح - إنما وضعت ها هنا ما أجمعوا عليه.(488)
ونقل الحازمي عن البخاري قوله: كنت عند إسحاق بن راهويه، فقال لي بعض أصحابنا: لو جمعتم مختصراً لسنن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم)، فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع هذا الكتاب، قال الحازمي: فقد ظهر بهذا أن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(485) فتح المغيث: ١٧.
(486) قال محمد بن حمدويه: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح.
وقال إبراهيم بن معقل: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحاح لحال الطول.
راجع: الكامل، عبد الله بن عدي: ١/١٣١، تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ٥٢/ ٧٣، تهذيب الكمال، المزي: ١/ ١٦٧ - ١٦٨، سير أعلام النبلاء، الذهبي: ١٠/ ٩٥ - ٩٦.
وروى عنه ذلك أيضاً الحازمي في (شروط الأئمة الخمسة: ص ٦٣) قال: لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحاً، وما تركت من الصحيح أكثر.
(487) مقدمة ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن: ٢١ - ٢٣.
(488) نفس المصدر السابق: ٢٢، هدي الساري: ٧، بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث: ٨.

(٢١٠)

قصد البخاري كان وضع مختصر في الحديث، وأنه لم يقصد الاستيعاب لا في الرجال ولا في الحديث.
وبقاء عدد كبير من الأحاديث الصحيحة خارج الصحيحين حرّك همّة الحفاظ إلى جمعها واستيعابها والتصنيف فيها، فكان أن ألّف ابن خزيمة صحيحه، وتبعه تلميذه ابن حبان، فألف صحيحه المسمى بالتقاسيم والأنواع، ثم ألف تلميذه الحاكم مستدركه على الصحيحين.(489)
وقال الحاكم النيسابوري في المستدرك: لم يحكما [يعني البخاري ومسلم] ولا واحد منهما بأنه لم يصح من الحديث غير ما أخرجاه، وقد نبغ في عصرنا هذا جماعة من المبتدعة يشمتون برواة الآثار! بأن جميع ما يصح عندكم من الحديث لا يبلغ عشرة آلاف حديث! وهذه الأسانيد المجموعة المشتملة على ألف جزء أو أقل أو أكثر منه كلها سقيمة غير صحيحة.
وقد سألني جماعة من أعيان أهل العلم بهذه المدينة وغيرها أن أجمع كتاباً يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل [البخاري] ومسلم بن الحجاج بمثلها، إذ لا سبيل إلى إخراج ما لا علة له فإنهما لم يدعيا ذلك لأنفسهما، وقد خرّج جماعة من علماء عصرهما ومن بعدهما عليهما أحاديث قد أخرجاها وهي معلولة، وقد جهدت في الذَّبِّ عنها في المدخل إلى الصحيح بما رضيه أهل الصنعة، وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما، وهذا شرط الصحيح عند كافة فقهاء أهل الإسلام، إن الزيادة في الأسانيد والمتون من الثقات مقبولة.(490)
ويقول البستوي أيضاً وهو من المعاصرين: هناك أحاديث كثيرة جداً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(489) صحيح ابن حبان: ١/ ٥ - ٦ (في المقدمة).
(490) المستدرك، النيسابوري: ١/ ٣، وراجع أيضاً: الغدير، الشيخ الأميني: ١/ ٣١٨ - ٣١٩.

(٢١١)

استدل بها العلماء وعملوا بها ولا توجد في الصحيحين، حتى في أمور العقائد.. إلى أن يقول: فمن الخطأ أن يظن أن عدم إخراج الشيخين أحاديث المهدي يدل على أنها لم تصح عندهما.(491)
وأضيف القول هنا أيضاً: إن البخاري لم يذكر المهدي (عليه السلام) بالاسم لما عرف عنه من مجانبة أهل البيت (عليهم السلام)، فإنه أشح الحفاظ رواية في فضائلهم ومناقبهم، ولا يخفى أن المهدي المنتظر هو من أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وكذلك من أولاد فاطمة (عليها السلام)، فلهذا وغيره لم يذكره بالاسم!
والبخاري لم يقف عند هذا الحد! بل وجدناه يسقط ذكرهم من الأحاديث الشريفة كما في قصة المباهلة وغيرها، وهذه إحدى المؤاخذات عليه! حيث تعمّد إهمال ذكر مناقب أهل البيت (عليهم السلام) في صحيحه إلا شيئاً يسيراً جداً، مما ينمُّ عن موقفه السلبي تجاههم، ولكي تقف على هذه الحقيقة قارن بين ما يرويه البخاري وغيره من الحفاظ في هذا الباب.
ويرى الأستاذ المحامي أحمد حسين يعقوب أمراً آخر دعا البخاري لعدم التصريح بذكر المهدي (عليه السلام)، قال في كتابه (حقيقة الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر): ويبدو أن البخاري قد تحاشى ذكر المهدي بالاسم لأنه عندما وضع صحيحه، كانت فرائص الدولة ترتجف رعباً من هذا المهدي، وتبحث عنه بعد أن تأكدت مخابراتها بأنه قد ولد بالفعل.
كذلك ذكر مسلم في صحيحه المهدي بالوصف لا بالاسم، لأن مسلم قد وضع صحيحه بنفس الفترة الزمنية، ومع هذا فقد ذكر ابن حجر الهيتمي أن مسلم قد ذكر في صحيحه المهدي بالاسم وبالوصف معاً (492) لكن الاسم قد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(491) المهدي المنتظر (عليه السلام)، البستوي: ٣٦٣.
(492) راجع: الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي: ١٦٣، الآية الثانية عشرة، الفصل ١١، كنز العمال، المتقي الهندي: ١٤/ ٢٦٤، حديث ٣٨٦٦٢، إسعاف الراغبين، محمد علي الصبان: ١٤٥.

(٢١٢)

حذف، وبقي الوصف، وليس أدل على ذلك من أن مسلم قد أخرج حديث الخليفة الذي يحثي المال حثياً، ولا يعده عداً (493).(494)
فالخلاصة: (إن من تذرع في إنكار ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) بخلو الصحيحين من الأحاديث الواردة بهذا الشأن، لا علم له بواقع الصحيحين.. فنقول: لا يخفى على أحد، أن الأحاديث الواردة في الإمام المهدي قد تعرضت لبيان مختلف الأمور كبيان اسمه الشريف، وبعض أوصافه، وعلامات ظهوره، وطريقة حكمه بين الرعية وغير ذلك من الأمور الكثيرة الأخرى، ولا شك أنه ليس من الواجب التنصيص على لفظ (المهدي) في كلّ حديث من هذه الأحاديث، لبداهة معرفة المراد من دون حاجة إلى التشخيص.
فمثلاً لو ورد حديث يبين صفة من صفات المهدي الموعود به في آخر الزمان (عليه السلام) مع التصريح بلفظ (المهدي) ثم ذكر الموصوف بهذه الصفة في البخاري مثلاً لا بعنوان المهدي وإنما بعنوان (رجل) مثلاً فهل يشك عاقل في أن الرجل المقصود هو المهدي؟ وإلا فكيف يعرف الإجمال في بعض الأحاديث؟ وهل هناك طريقة عند علماء المسلمين شرقاً وغرباً غير رد المجمل إلى المفصل، سواء كان المجمل والمفصل في كتاب واحد أو كان كلّ منهما في كتاب.
وإذا ما عدنا إلى الصحيحين سنجد أن البخاري ومسلماً قد رويا عشرات الأحاديث المجملة في المهدي (عليه السلام)، وقد أرجع علماء أهل السنة تلك الأحاديث إلى الإمام المهدي لوجود ما يرفع ذلك الإجمال في الأحاديث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(493) فقد روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً لا يعده عددا.
(صحيح مسلم: ٨/١٨٥، مسند أحمد بن حنبل: ٣/ ٩٦)
(494) حقيقة الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر، أحمد حسين يعقوب: ١١٠ - ١١١.

(٢١٣)

الصحيحة المخرجة في بقية كتب الصحاح أو المسانيد أو المستدركات.
بل ونجد أيضاً ما يكاد يكون صريحاً جداً بالإمام المهدي في صحيحي البخاري ومسلم، وقبل أن نبين هذه الحقيقة نود أن نقول بأن حديث: المهدي حق، وهو من ولد فاطمة قد أخرجه أربعة من علماء أهل السنة الموثوق بنقلهم عن صحيح مسلم صراحة، وعند الرجوع إلى طبعات صحيح مسلم المتيسرة لا تجد لهذا الحديث أثراً!!
أما من صرّح بوجود الحديث في صحيح مسلم وأخرجه عنه فهم:
ابن حجر الهيتمي (ت ٩٧٤ هـ) في الصواعق المحرقة، الباب الحادي عشر، الفصل الأول: ص ١٦٣، المتقي الهندي الحنفي (ت ٩٧٥ هـ) في كنز العمال: ج ١٤ ص ٢٦٤ حديث ٣٨٦٦٢، الشيخ محمد علي الصبان (ت ١٢٠٦هـ) في إسعاف الراغبين: ص ١٤٥، الشيخ حسن العدوي الحمزاوي المالكي (ت ١٣٠٣ هـ) في مشارق الأنوار: ص ١١٢..
وعلى أية حال فإن قسماً من أحاديث الصحيحين لا يمكن تفسيره إلا بالإمام المهدي (عليه السلام)).(495)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(495) المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي، مركز الرسالة: ١٣٨ - ١٣٩.

(٢١٤)

الإمام المهدي من أهل البيت (عليهم السلام)
تضافرت الروايات عند جميع المذاهب الإسلامية أن الإمام المهدي (عليه السلام) من أهل البيت (عليهم السلام)، وقد بلغت الروايات في ذلك حدّ التواتر، حتى عدّ من المسلمات عندهم، وقد كان ابن عباس حبر الأمة يحدّث بذلك، فقد روى أبو معبد عن ابن عباس قال: المهدي شاب منّا أهل البيت، قال: قلت: عجز عنها شيوخكم ويرجوها شبابكم؟! قال: يفعل الله ما يشاء، وعن أبان بن الوليد قال: سمعت ابن عباس وهو عند معاوية يقول: يبعث الله المهدي منّا أهل البيت.(496)
ورووا أيضاً عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: هو من آل محمد (صلّى الله عليه [وآله] وسلم).(497)
قال أبو الحسن الآبري (ت ٣٦٣): وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) بذكر المهدي وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأن عيسى (عليه السلام) يخرج فيساعده على قتل الدجال، وأنه يؤمُّ هذه الأمة، ويصلي عيسى خلفه.(498)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(496) كتاب الفتن، نعيم بن حماد المروزي: ٢٢٨.
(497) نفس المصدر: ٢٣١.
(498) المهدي المنتظر، البستوي: ٤٠، عن كتاب مناقب الشافعي للآبري.

(٢١٥)

وبهذا يكون السنة موافقين لنا في هذا المورد أيضاً، إلا أنهم رووا في ضمن هذه الروايات أن اسم أبيه اسم أبي النبي (صلّى الله عليه وآله)، وهذا ما لا يتوافق مع عقيدتنا في اسم أبي الإمام المهدي، فإن الثابت بالبراهين والأدلة عندنا أن اسم أبيه هو الحسن العسكري (عليه السلام).
وأما الروايات عندهم في كون المهدي من عترة النبي (صلّى الله عليه وآله) فهي كثيرة جداً، فقد جاء في بعضها بلفظ (من أهل بيتي) وتارة بلفظ (من عترتي) وتارة ثالثة بلفظ (مني) فمنها ما يلي:
١ - سنن أبي داوود: عن أبي الطفيل، عن علي رضي الله تعالى عنه، عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قال: لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً.(499)
وقال السيوطي: وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن ماجة عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): المهدي منّا أهل البيت يصلحه الله في ليلة.(500)
٢ - سنن أبي داود: عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة، قالت: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة (عليها السلام).
٣ - سنن أبي داود: عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): المهدي منّي، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يملك سبع سنين.(501)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(499) سنن أبي داود: ٢/٣١٠ ح٤٢٨٣.
(500) الدر المنثور، جلال الدين السيوطي: ٦/ ٥٨.
(501) سنن أبي داود: ٢/٣١٠ ح٤٢٨٤ و٤٢٨٥.

(٢١٦)

٤ - ابن حبان: عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً، ثم يخرج رجل من أهل بيتي أو عترتي فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً.(502)
وعن عبد الرزاق بالإسناد عن أبي سعيد الخدري قال: ذكر رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) بلاء يصيب هذه الأمة، حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم، فيبعث الله رجلاً من عترتي من أهل بيتي، فيملأ به الأرض قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدع السماء من قطرها شيئاً إلا صبته مدراراً، ولا تدع الأرض من مائها شيئاً إلا أخرجته، حتى تتمنى الإحياء الأموات، يعيش في ذلك سبع سنين، أو ثمان، وتسع سنين.(503)
٥ - مسند أحمد بن حنبل: عن ذر، عن عبد الله، عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي.
وفي رواية بلفظ: لا تنقضي الأيام، ولا يذهب الدهر حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، اسمه يواطئ اسمي.(504)
قال السيوطي: وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي والحاكم - وصححاه - عن ابن مسعود، عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قال: لو لم يبق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(502) صحيح ابن حبان: ١٥/ ٢٣٦، ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري: ١٧، كتاب الفتن، نعيم بن حماد المروزي: ٢٢٨ بتفاوت.
(503) المصنف، عبد الرزاق الصنعاني: ١١/ ٣٧١ - ٣٧٢ ح٢٠٧٧٠.
(504) مسند أحمد بن حنبل: ١/ ٣٧٦ - ٣٧٧، المستدرك، الحاكم النيسابوري: ٤ / ٤٤٢، سنن أبي داود: ٢/ ٣٠٩ - ٣١٠ ح٤٢٨٢، المعجم الكبير، الطبراني: ١٠/ ١٣٥ - ١٣٧ح١٠٢٢٥ - ١٠٢٢٩.

(٢١٧)

من الدنيا إلا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجل مني أو من أهل بيتي.(505)
٦ - أخرج الترمذي وصحَّحه: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي.(506)
٧ - أحمد بن عبد الله الطبري: عن حذيفة أن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قال: المهدي من ولدي، وجهه كالكوكب الدري.(507)
٨ - الطبراني: عن الأعمش، عن عباية يعني ابن ربعي، عن أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) لفاطمة: نبينا خير الأنبياء، وهو أبوك، وشهيدنا خير الشهداء، وهو عمُّ أبيك حمزة، ومنّا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء، وهو بن عمِّ أبيك جعفر، ومنّا سبطا هذه الأمة الحسن والحسين، وهما ابناك، ومنّا المهدي.(508)
قال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير، وفيه قيس بن الربيع، وهو ضعيف وقد وثق، وبقية رجاله ثقات.(509)
٩ - القندوزي الحنفي: وفي كتاب (فضائل الصحابة لأبي المظفر السمعاني) عن أبي سعيد الخدري قال: دخلت فاطمة على أبيها (صلّى الله عليه وآله وسلم) في مرضه وبكت وقالت: يا أبي، أخشى الضيعة من بعدك! فقال: يا فاطمة، إن الله اطّلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختار منهم أباك فبعثه رسولاً، ثم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(505) الدر المنثور، جلال الدين السيوطي: ٦/ ٥٨.
(506) سنن الترمذي: ٣/ ٣٤٣ح٢٣٣٢.
(507) ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري: ١٣٦.
(508) المعجم الصغير، الطبراني: ١/٣٧، ينابيع المودة، القندوزي: ٣/ ٢٦٤ ح١٥رواه عن الطبراني، وفيه: ومنا المهدي وهو من ولدك، وقال: (أخرجه الطبراني في الأوسط).
(509) مجمع الزوائد، الهيثمي: ٩/ ١٦٦.

(٢١٨)

اطلع ثانية فاختار منهم بعلك، فأمرني أن أزوِّجك منه، فزوَّجتك منه، وهو أعظم المسلمين حلماً، وأكثرهم علماً، وأقدمهم إسلاماً، إنا أهل بيت أعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأولين، ولا يدركها أحد من الآخرين: نبينا خير الأنبياء، وهو أبوك، ووصيّنا خير الأوصياء، وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء، وهو عمُّ أبيك حمزة، ومنّا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء، وهو جعفر، ومنّا سبطا هذه الأمة، وهما ابناك، ومنّا مهدي هذه الأمة.
قال أبو هارون العبدي: لقيت وهب بن منبه أيام الموسم فعرضت عليه هذا الحديث، فقال: إن موسى لما فتن قومه واتخذوا العجل إلهاً! فكبر على موسى! قال الله: يا موسى من كان قبلك من الأنبياء افتتن قومه، وإن أمة أحمد أيضاً ستصيبهم فتنة عظيمة من بعده حتى يلعن بعضهم بعضاً، ثم يصلح الله أمرهم برجل من ذرية أحمد، وهو المهدي.
أخرجه الحافظ أبو نعيم في أربعين حديثاً في المهدي سلام الله عليه.(510)
١٠ - نعيم بن حماد المروزي: عن عروة، عن عائشة، عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قال: هو رجل من عترتي يقاتل على سنتي كما قاتلت أنا على الوحي.(511)
وقد روى السيوطي أيضاً جملة من هذه الأحاديث في الدر المنثور(512) والمتقي الهندي في كنز العمال(513) وغيرهما.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(510) ينابيع المودة، القندوزي:٣/ ٣٨٩ - ٣٩٠ ح٢٦.
(511) كتاب الفتن، نعيم بن حماد المروزي: ٢٢٩.
(512) الدر المنثور، جلال الدين السيوطي: ٦/ ٥٨.
(513) كنز العمال، المتقي الهندي: ١٤/ ٢٦٤ - ٢٦٥ ح٣٨٦٦١ وح٣٨٦٦٢ وح٣٨٦٦٤ الخ.

(٢١٩)

حديث بنا فتح الله وبنا يختم
ومما يدل أيضاً على أن الإمام المهدي من أهل البيت (عليهم السلام) وأن الدين يختم على يديه الشريفتين، هو ما جاء عن النبي (صلّى الله عليه وآله) في بعض الروايات، والتي مفادها أنَّ هذا الدين الذي فُتح بهم في أول الأمر، فكذلك أيضاً سوف يختم على أيديهم، وذلك حينما يظهر الإمام المهدي (عليه السلام) فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً، وقد اشتهرت هذه الكلمة أيضاً على لسان أهل البيت (عليهم السلام) كثيراً كما سوف يأتي، فمن ذلك ما يلي:
روى نعيم بن حماد: عن مكحول، عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: قلت: يا رسول الله المهدي منّا أئمة الهدى أم من غيرنا؟ قال: بل منّا، بنا يختم الدين كما بنا فتح، وبنا يستنقذون من ضلالة الفتنة كما استنقذوا من ضلالة الشرك.. الحديث.(514)
وروى المتقي الهندي: عن يحيى بن عبد الله بن الحسن، عن أبيه، عن علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حديث له:.. يا علي! بنا فتح الله الإسلام وبنا يختمه، بنا أهلك الأوثان ومن يعبدها، وبنا يقصم كلَّ جبار وكلَّ منافق.(515)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(514) كتاب الفتن، نعيم بن حماد المروزي: ٢٢٩.
(515) كنز العمال، المتقي الهندي: ١٦/ ١٨٣ - ١٩٦ ح٤٤٢١٦.

(٢٢٠)

وفي شرح نهج البلاغة: عن علي (عليه السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حديث قال:.. بنا فتح وبنا يختم، وبنا ألّف الله بين القلوب بعد الشرك..(516).
وعن المتقي الهندي: عن أبي الزعراء، قال: كان علي بن أبي طالب يقول: إني وأطايب أرومتي، وأبرار عترتي، أحلم الناس صغاراً، وأعلم الناس كباراً.. إلى أن يقول: وبنا يفتح الله ويختم.(517)
وفي كتاب الفتوح لابن أعثم قال: وأقبل الحسين (عليه السلام) على الوليد بن عتبة وقال: أيها الأمير! إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحل الرحمة، وبنا فتح الله وبنا ختم.(518)
وأخرج أيضاً الشيخ محمد بن إبراهيم الشافعي الحمويني في فرائد السمطين: بسنده عن أبي بصير، عن خيثمة الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر محمد الباقر يقول: نحن جنب الله، ونحن صفوته.. إلى أن قال: وبنا يفتح الله، وبنا يختم.. الحديث.(519)
وأخرج الداني بإسناده عن أبي معبد، قال: قلت له: سمعت ابن عباس يذكر في المهدي شيئاً؟ قال: نعم، سمعته يقول: والله لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لختم الله بنا هذا الأمر كما فتحه، وقال: بنا فتح هذا الأمر وبنا يختم.(520)
وأخرج أيضاً البيهقي بإسناده عن عمرو بن دينار، عن أبي معبد، قال: قال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(516) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ٩ / ٢٠٦ - ٢٠٧.
(517) كنز العمال، المتقي الهندي: ١٣/ ١٣٠ح٣٦٤١٣.
(518) كتاب الفتوح، أحمد بن أعثم الكوفي: ٥/ ١٤.
(519) فرائد السمطين، الجويني: ١/ ٤٥ ح ١١، ينابيع المودة، القندوزي: ٣/ ٣٥٩ - ٣٦٠.
(520) السنن الواردة في الفتن: ٥ / ١٠٤٣ ح ٥٥٩.

(٢٢١)

ابن عباس: كما فتح الله في أولنا فأرجو أن يختمه بنا.(521)
وقال ابن عياش: حدّثني سالم، كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن المهدي (عليه السلام)؟ فقال: إن الله تعالى هدى هذه الأمة بأول أهل هذا البيت، ويستنفذها بآخرهم، لا ينتطح فيه عنزان جماء(522) وذات قرن!.(523)
إلى غير ذلك من الكلمات التي أفصحوا فيها بأن خاتمة هذا الدين الحنيف ستكون على أيديهم، وأن هذا الأمر من المحتومات التي لا نقاش فيها.
قال ابن أبي الحديد، في شرح قوله: (وبنا تختم لا بكم): إشارة إلى المهدي الذي يظهر في آخر الزمان، وأكثر المحدثين على أنه من ولد فاطمة (عليها السلام)، وأصحابنا المعتزلة لا ينكرونه، وقد صرَّحوا بذكره في كتبهم، واعترف به شيوخهم...(524)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(521) دلائل النبوة، البيهقي: ٦ / ٥١٧.
(522) الجماء التي لا قرن لها. النهاية، ابن الأثير: ١/ ٣٠٠.
(523) كتاب الفتن، نعيم بن حماد المروزي: ٢٣١.
(524) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ١/٢٨٢.

(٢٢٢)

الإمام المهدي من ولد فاطمة (عليها السلام)
قد أفصحت روايات السنة أيضاً بأن الإمام المهدي (عليه السلام) هو من ولد فاطمة سيدة نساء العالمين (عليها السلام) بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقد اشتهر ذلك عند المحدثين من بداية صدر الإسلام، حتى أصبح الأمر متسالماً عليه عندهم ولا نقاش فيه، قال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: المهدي حقٌّ هو؟ قال: حقٌّ، قال: قلت: ممن هو؟ قال: من قريش، قلت: من أيّ قريش؟ قال: من بني هاشم، قلت: من أيّ بني هاشم؟ قال: من بني عبد المطلب، قلت: من أيّ عبد المطلب؟ قال: من ولد فاطمة (عليها السلام).(525)
وذكر الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن النخعي السهيلي في كتاب (شرح سيرة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم)) في تفضيل فاطمة (عليها السلام) على نساء العالمين، فذكر قوله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): إنما فاطمة بضعة مني، وقوله (عليه السلام): هي خير بناتي، وشبه ذلك، ثم ذكر سؤددها وتفضيلها على غيرها، فذكر أسباباً كثيرة، منها: أنه قال: ومن سؤددها أن المهدي المبشّر به في آخر الزمان من ذريتها، فهي مخصوصة بهذه الفضيلة دون غيرها (عليها السلام).(526)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(525) كتاب الفتن، نعيم بن حماد المروزي: ٢٢٨، التاريخ الكبير، البخاري: ٨/ ٤٠٦، رقم: ٣٤٩٧.
(526) عقد الدرر في أخبار المنتظر، المقدسي الشافعي: ١٥٣ - ١٥٤.

(٢٢٣)

وقد اعترف بذلك أيضاً ابن حجر الهيتمي في كتابه الصواعق المحرقة في الحديث عن الآية الثانية عشرة من الآيات الواردة في أهل البيت (عليهم السلام)، قال: قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ)(527) قال مقاتل بن سليمان، ومن تبعه من المفسرين: إن هذه الآية نزلت في المهدي، وستأتي الأحاديث المصرحة بأنه من أهل البيت النبوي، وحينئذ ففي الآية دلالة على البركة في نسل فاطمة وعلي (رضي الله عنهما)، وأن الله ليخرج منهما كثيراً طيباً، وأن يجعل نسلهما مفاتيح الحكمة، ومعادن الرحمة، وسرُّ ذلك أن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) أعاذها وذريتها من الشيطان الرجيم، ودعا لعلي بمثل ذلك.. إلى أن قال: وقد ظهرت بركة دعائه (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) في نسلهما، فكان منه من مضى، ومن يأتي، ولو لم يكن في الآيتين إلا الإمام المهدي لكفى.(528)
ومن الروايات في ذلك ما يلي:
ما رواه أحمد بن عبد الله الطبري: عن الحسين بن علي أن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قال لفاطمة: المهدي من ولدك.(529)
ومنها: ما رواه الترمذي: عن أمّ سلمة، قالت: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة.(530)
وعن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة، قالت: دخل عليَّ النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) وهو مسرور، فقال: ألا أبشركم! المهدي من ولد فاطمة.(531)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(527) سورة الزخرف، الآية: ٦١.
(528) الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي: ١٦٢ - ١٦٣ (الفصل الأول).
(529) ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري: ١٣٦.
(530) سنن أبي داود، ابن الأشعث السجستاني: ٢/ ٣١٠ح٤٢٨٤، سنن ابن ماجة: ٢/ ١٣٦٨ ح٤٠٨٦.
(531) تهذيب الكمال، المزي: ٩/ ٤٣٧.

(٢٢٤)

وقال العجلوني في كشف الخفاء: فمن تلك الأحاديث، ما أخرجه أبو داود وابن ماجة: عن أمّ سلمة مرفوعاً (المهدي من ولد فاطمة).(532)
وروى القندوزي الحنفي: عن علي بن بلال، عن أبيه - رفعه - قال: يا فاطمة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً (533) وصارت الفتن، وانقطعت السبل، وأغار بعضهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيراً، ولا صغير يوقر كبيراً، فيبعث الله عند ذلك المهدي من ولدك، يفتح حصون الضلالة وقلوباً غلفاً (534) يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.(535)
وعن أبي أيوب الأنصاري قال: إن النبي (صلّى الله عليه وآله) مرض فأتته فاطمة (عليها السلام) وبكت! فقال: يا فاطمة إن لكرامة الله إياك زوجك من هو أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً، إن الله تعالى اطلع إلى أهل الأرض اطلاعة، فاختارني منهم فجعلني نبياً مرسلاً، ثم اطلع اطلاعة ثانية، فاختار منهم بعلك، فأوحى إليَّ أن أزوجه إياكِ، وأتخذه وصياً.
يا فاطمة منّا خير الأنبياء، وهو أبوك، ومنّا خير الأوصياء، وهو بعلك، ومنّا خير الشهداء، وهو حمزة عمّ أبيك، ومنّا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث شاء، وهو جعفر ابن عمّ أبيك، ومنّا سبطا هذه الأمة وسيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين، وهما ابناك، والذي نفسي بيده منّا مهدي هذه الأمة وهو من ولدك.(536)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(532) كشف الخفاء، العجلوني: ٢/ ٢٨٨ - ٢٨٩ح٢٦٦١.
(533) في ذخائر العقبى: ١٣٦: الهرج والمرج الاقتتال والاختلاط..
(534) غلفاً: أي في غلاف عن سماع الحق.
(535) ينابيع المودة، القندوزي: ٣/ ٣٩٠ ح٢٧، ذخائر العقبى، الطبري: ١٣٦، بتفاوت.
(536) ينابيع المودة، القندوزي: ٣/ ٢٦٩ ح٣٣، المناقب، ابن المغازلي: ١٠١ ح ١٤٤، فرائد السمطين، الجويني: ١ / ٩٢ ح ٦١.

(٢٢٥)

وجاء في كتاب الفتن: عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش، سمع علياً (رضي الله عنه) يقول: المهدي رجل منا، من ولد فاطمة (رضي الله عنها).
وعن جابر، عن أبي جعفر، قال: هو من بني هاشم، من ولد فاطمة.(537)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(537) كتاب الفتن، نعيم بن حماد المروزي: ٢٣٠ - ٢٣١.

(٢٢٦)

الإمام المهدي من ولد الحسين (عليه السلام)
قد ورد عند السنة أيضاً في مصادرهم بعض الروايات التي تنص على أن الإمام المهدي (عليه السلام) هو من ولد الإمام الحسين (عليه السلام)، هذا وقد أصرّ بعض أعلام السنة على أن المهدي (عليه السلام) من ولد الإمام الحسن (عليه السلام)، ويعود هذا الإصرار إلى ما تمسكت به الشيعة من كونه التاسع من ولد الحسين (عليه السلام)، وأن أباه هو الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وهذا ما لا يتوافق مع عقيدتهم في إمامة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، فمن هنا جاءت عدة محاولات للتعتيم على هاتين الصفتين، أعني أنه من ولد الحسين (عليه السلام)، وأن أباه هو الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، فعارضوا الشيعة ببعض المرويات في ذلك، وتمسكوا بما جاء في بعضها (واسم أبيه اسم أبي) فقالوا: إن اسم أبيه هو: عبد الله، هذا مع خلو نفس هذه المرويات من هذه العبارة في بعض المصادر الأخرى، مما يدل على كونها من زيادة بعض الرواة(538) وعلى كل حال هناك بعض من علماء السنة من وافق الشيعة الإمامية في اسم أبي الإمام (عليه السلام)، وأنه من ولد الحسين (عليه السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(538) وقد بحث هذا الموضوع بحثاً كاملاً الأخ المحقق السيد ثامر العميدي النجفي في بحث بعنوان (اختلاف الأحاديث في تشخيص اسم والد المهدي (عليه السلام)) في مجلة تراثنا (العدد: الثالث والرابع، السنة الحادية عشر / رجب - ذو الحجة ١٤١٦ه‍، إعداد: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث: ص ٨٤) وقد فنَّد بالأدلة هذه الزيادة، وأثبت أنها من الموضوعات.

(٢٢٧)

أضف إلى ذلك ما ثبت عن أهل البيت (عليهم السلام) وأهل البيت أدرى بما فيه، فقد أجمعوا على هذه العقيدة، وكل أناس أعلم من غيرهم بأنسابهم وأبنائهم، ومن الواضح جداً أن الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) متضافرة جداً في هذا المورد، بل وجدنا بعض الدلائل على ذلك في كتب السنة أيضاً تشير إلى ذلك، فقد ورد عن داود بن عبد الله الجعفري، عن الدراوردي، عن ابن أخي الزهري قال: تجالسنا بالمدينة أنا وعبد الله بن حسن فتذاكرنا المهدي، فقال عبد الله بن حسن: المهدي من ولد الحسن بن علي. فقلت: يأبى ذاك علماء أهل بيتك. فقال عبد الله: المهدي والله من ولد الحسن بن علي، ثم من ولدي خاصة.(539)
فهذه الرواية تشير إلى أن علماء أهل البيت (عليهم السلام) والذين عليهم المعول كانت هذه عقيدتهم في الإمام المهدي (عليه السلام) وأما ما ذهب إليه عبد الله بن الحسن فشاذ لايعول عليه، إن ثبت ذلك عنه، ويكفي هنا عدم إنكاره على القائل ما نسبه إلى أهل البيت (عليهم السلام)، وهذا إقرار منه.
وقد جاء ذلك أيضاً على لسان بعض المحدثين مما يدل على شهرته عندهم، كما عن أبي قبيل، عن عبد الله بن عمرو قال: يخرج رجل من ولد الحسين من قبل المشرق، ولو استقبلته الجبال لهدّمها، واتخذ فيها طرقاً.(540)
فإن المقصود به هو المهدي (عليه السلام)، فإنه هو الذي يمكنه الله تعالى من ذلك كله في آخر الزمان.
هذا وقد نص ابن العربي على ذلك أيضاً في الفتوحات المكية قال: اعلم أيدنا الله وإياك أن لله خليفة يخرج وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً، فيملؤها قسطاً وعدلاً، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يلي هذا الخليفة من عترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، من ولد فاطمة، يواطئ اسمه اسم رسول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(539) تهذيب الكمال، المزي: ٢٥/ ٤٦٧ - ٤٦٨.
(540) كتاب الفتن، نعيم بن حماد المروزي: ٢٢٩ و٢٣٠.

(٢٢٨)

الله (صلّى الله عليه وآله) جده الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).(541)
وإليك هنا بعض ما جاء في كتبهم من الروايات في ذلك، وهي كما يلي:
١ - القندوزي الحنفي عن كتاب مودة القربى: عن علي (كرم الله وجهه) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا تذهب الدنيا حتى يقوم بأمتي رجل من ولد الحسين يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً.(542)
٢ - الكنجي الشافعي بإسناده عن حذيفة، عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله رجلاً اسمه اسمي، وخلقه خلقي، يكنى أبا عبد الله، يبايع له الناس بين الركن والمقام، يرد الله به الدين، ويفتح له فتوحاً، فلا يبقى على ظهر الأرض إلا من يقول: لا إله إلا الله، فقام سلمان فقال: يا رسول الله، من أيّ ولدك هو؟ قال: من ولد ابني هذا، وضرب بيده على الحسين.
قال: هذا حديث حسن، رزقناه عالياً بحمد الله.(543)
قال أحمد بن عبد الله الطبري: وعنه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): يولد منهما - يعني الحسن والحسين - مهدي هذه الأمة.
وعن حذيفة أن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم.. الخ.
قال الطبري: فيحمل ما ورد مطلقاً فيما تقدم على هذا المقيد.(544)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(541) الفتوحات المكية، ابن العربي: ٣/ ٣٢٧.
(542) ينابيع المودة، القندوزي: ٣ / ٢٩٠ - ٢٩١ ح٦ و٢/ ٣١٦ - ٣١٧ ح٩١٣.
(543) البيان في أخبار صاحب الزمان، الكنجي الشافعي: ٥١٠ (الباب الثالث عشر).
(544) ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري: ١٣٦ - ١٣٧، ينابيع المودة، القندوزي: ٢/ ٢١٠ ح٦٠٩، و٣/ ٣٩٠ ح٢٨، ميزان الاعتدال، الذهبي: ٢/ ٣٨٢، الكشف الحثيث، سبط ابن العجمي: ١٤٨، لسان الميزان، ابن حجر: ٣/ ٢٣٨.

(٢٢٩)

٣ - ابن الصباغ المالكي: عن ابن هارون العبدي(545) قال: لقيت أبا سعيد الخدري فقلت له: هل شهدت بدراً؟ قال: نعم، فقلت: أفلا تحدّثني بما سمعت من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) وفضله؟ قال: بلى، أخبرك أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مرض مرضة نقه منها، فدخلت عليه فاطمة (عليها السلام) وأنا جالس عن يمين النبي (صلّى الله عليه وآله) فلما رأت فاطمة ما برسول الله (صلّى الله عليه وآله) من الضعف خنقتها العبرة حتى بدت دموعها على خدها، فقال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ما يبكيك يا فاطمة؟ قالت: أخشى الضيعة يا رسول الله.
فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا فاطمة، إن الله تعالى اطَّلع إلى الأرض اطلاعة على خلقه فاختار منهم أباك فبعثه نبيًّا، ثم اطلع ثانية فاختار منهم بعلك فأوحى إليَّ أن أنكحه فاطمة، فأنكحته إياك واتخذته وصياً.
أما علمت أنك بكرامة الله تعالى إياك زوجك أغزرهم علما، وأكثرهم حلماً، وأقدمهم سلماً؟
فاستبشرت، فأراد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن يزيدها من مزيد الخير الذي قسمه الله تعالى لمحمد (صلّى الله عليه وآله). قال: فقال لها: يا فاطمة، ولعلي ثمانية أضراس يعني مناقب: إيمان بالله ورسوله، وحكمته، وزوجته، وسبطاه الحسن والحسين، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، يا فاطمة، إنا أهل بيت أعطينا ست خصال لم يعطها أحد من الأولين ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا، فنبينا خير الأنبياء وهو أبوك، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو عمّ أبيك حمزة، ومنّا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء وهو جعفر، ومنّا

(٢٣٠)

سبطا هذه الأمة وهما ابناك، ومنّا مهدي هذه الأمة الذي يصلي خلفه عيسى بن مريم. ثم ضرب على منكب الحسين (عليه السلام) وقال: من هذا مهدي هذه الأمة.
قال ابن الصباغ المالكي: هكذا أخرجه الدار قطني صاحب الجرح والتعديل.(546)
٤ - الطبراني: بإسناده عن علي بن علي المكي الهلالي، عن أبيه، قال: دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) في شكاته التي قبض فيها فإذا فاطمة (رضي الله عنها) عند رأسه، قال: فبكت حتى ارتفع صوتها! فرفع رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) طرفه إليها فقال: حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك؟ فقالت: أخشى الضيعة من بعدك! فقال: يا حبيبتي، أما علمت أن الله (عزَّ وجلَّ) اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك عروبة برسالته، ثم اطلع اطلاعة فاختار منها بعلك، وأوحى إليَّ أن أنكحك إياه يا فاطمة، ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم يعط أحد قبلنا ولا يعطى أحد بعدنا: أنا خاتم النبيين، وأكرم النبيين على الله، وأحبّ المخلوقين إلى الله (عزَّ وجلَّ)، وأنا أبوك، ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله، وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء، وأحبهم إلى الله، وهو عمّك حمزة بن عبد المطلب، وهو عمّ أبيك وعمّ بعلك، ومنّا من له جناحان أخضران يطير في الجنة مع الملائكة حيث يشاء، وهو ابن عمّ أبيك وأخو بعلك، ومنّا سبطا هذه الأمة، وهما ابناك الحسن والحسين، وهما سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما والذي بعثني بالحق خير منهما.
يا فاطمة، والذي بعثني بالحق، إن منهما مهدي هذه الأمة(547) إذا صارت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(545) وممن روى هذا الحديث مع سنده كاملاً ابن عقدة الكوفي في كتابه مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام): ص ٢٤ - ٢٧ ح٢٥، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن إسحاق بن يزيد، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن أبي هارون العبدي، قال: لقيت أبا سعيد الخدري.. الحديث.
(546) الفصول المهمة، ابن الصباغ المالكي: ٢/ ١١١٤.
(547) والتعبير ب(منهما) موافق أيضاً للروايات ولا ينافيها، بل هذا يعد مؤيداً لها، وذلك لأن الإمام زين العابدين (عليه السلام) تزوّج ابنة عمّه الإمام الحسن الزكي (عليه السلام)، فكل أولاده يعد الحسن بن علي (عليه السلام) جدهم من الأم، كما أن جدهم من الأب هو الحسين بن علي (عليه السلام)، فمن هنا كان الإمام المهدي منهما، فالحسن والحسين جداه سلام الله عليهم.

(٢٣١)

الدنيا هرجاً ومرجاً، وتظاهرت الفتن، وتقطعت السبل، وأغار بعضهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيراً، ولا صغير يوقر كبيراً، فيبعث الله (عزَّ وجلَّ) عند ذلك منهما من يفتتح حصون الضلالة، وقلوباً غلفاً يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان، ويملأ الدنيا عدلاً كما ملئت جوراً.. الحديث.(548)
ورواه أيضاً أحمد بن عبد الله الطبري وقال: خرّجه الحافظ أبو العلاء الهمذاني في أربعين حديثاً في المهدي، وقد تقدم مختصراً في مناقب فاطمة من حديث الطبراني، عن أبي أيوب الأنصاري.(549)
٥ - ابن عساكر بإسناده عن سعيد بن محمد الجهني، عن أبي الزبير، قال: كنا عند جابر بن عبد الله فدخل عليه علي بن الحسين ومعه ابنه، فقال جابر: من هذا يا بن رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قال: ابني محمد، فضمّه جابر إليه وبكى! ثم قال: اقترب أجلي يا محمد! رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) يقرئك السلام، فسئل: وما ذاك؟! قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) يقول للحسين بن علي: إنه يولد لابني هذا ابن، يقال له: علي بن الحسين، وهو سيد العابدين، إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ: ليقم سيد العابدين، فيقوم علي بن الحسين، ويولد لعلي بن الحسين ابن يقال له: محمد، إذا رأيته يا جابر فاقرأه مني السلام، يا جابر اعلم أن المهدي من ولده، واعلم يا جابر أن بقاءك بعده قليل.(550)
٦ - ابن أبي الحديد: روى قاضي القضاة، عن كافي الكفاة أبي القاسم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(548) المعجم الكبير، الطبراني: ٣/ ٥٧ - ٥٨ ح٢٦٧٥، تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ٤٢/ ١٣٠ - ١٣١، ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري: ١٣٦، مجمع الزوائد، الهيثمي: ٩/ ١٦٥ - ١٦٦.
(549) ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري: ١٣٥ - ١٣٦.
(550) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ٥٤/٢٧٦.

(٢٣٢)

إسماعيل بن عباد (رحمه الله) بإسناد متصل بعلي (عليه السلام) أنه ذكر المهدي، وقال: إنه من ولد الحسين (عليه السلام)، وذكر حليته...(551)
وقال ابن منظور في لسان العرب: وفي حديث علي كرم الله وجهه: أنه ذكر المهدي، وأنه يكون من ولد الحسين...(552)
٧ - عقد الدرر للمقدسي: عن جابر بن يزيد، عن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث طويل جاء فيه: والمهدي يا جابر رجل من ولد الحسين.(553)
إلى غير ذلك من الروايات الشريفة المروية في كتب السنة والتي تنص على أن الإمام المهدي (عليه السلام) هو من ولد مولانا الإمام الحسين بن علي (عليه السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(551) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ١/٢٨٢.
(552) لسان العرب، ابن منظور: ١٥/ ٣٥٤.
(553) عقد الدرر في أخبار المنتظر، المقدسي: ٨٩، الفصل الثاني.

(٢٣٣)

علماء السنة الذين ذكروا ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)
قد صرّح جملة من علماء السنة ومؤرخيهم بولادة الإمام المهدي (عليه السلام)، وبهذا يكون في السنة من يشارك الشيعة القول بولادة الإمام (عليه السلام)، مما يعني أن أمر ولادته من المتواترات حتى عند غير الشيعة الإمامية، كما أن هذه المسألة لا تحتاج إلى برهنة على ذلك، ومع ذلك أقام الشيعة الكثير من البراهين على ولادة الإمام (عليه السلام)، ومنها:
الأخبار الكثيرة الواردة من طريق أهل البيت (عليهم السلام) والتي تنص على كونه الإمام التاسع من ولد الإمام الحسين (عليه السلام)، وأهل البيت أدرى بما فيه، وإخبارهم حجة، إذ هم أحد الثقلين الذين اُمر الناس باتباعهم.
وكذلك إخبار الإمام العسكري وبعض أهل بيته، بأمر ولادته، وكذلك إخبار جملة من أصحابه.
أضف إلى ذلك ما أثبته علماء الأنساب أيضاً إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة(554)، ويكفي ما جاء في التأريخ والسيرة عن اشتهار أمر ولادته وتواترها،(555)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(554) وسوف يأتي بعضها في الفصل الثالث فراجع.
(555) وممن بحث هذه المسألة الشيخ محمد باقر الإيرواني في كتابه (الإمام المهدي (عليه السلام) بين التواتر وحساب الاحتمال) فقد ذكر عدة عوامل في نشوء اليقين بولادة الإمام المهدي (عليه السلام)، وقال في ص٢٢: وسوف نلاحظ أن هذه العوامل إما تفيد التواتر، أو تفيد اليقين بحساب الاحتمال، كما أوضح لكم فيما بعد.. الخ.

(٢٣٤)

ولو صح التشكيك في ذلك، ولم تكن الشهرة في مثل هذا المورد حجة معتبرة لوجب على أعلام السير والمؤرخين أن يثبتوا بالبينة الشرعية ويبرهنوا على وجود كلّ رجل من الصحابة، وغيرهم ممن ورد ذكرهم في كتب السيرة والتأريخ وأنى لهم أن يثبتوا ذلك بهذا النحو.
والجدير بالذكر أنه لا توجد ولا رواية واحدة عند السنة حسب تتبعي تقول أن الإمام المهدي (عليه السلام) سيولد في آخر الزمان، وإنما جاء التعبير بـ(يظهر) و(يُبعث) كما جاء في الأخبار الكثيرة عندهم في ذلك.
وقد ذكر الشيخ حسين النوري في كتابه (كشف الأستار) أربعين عالماً من علماء السنة الذين يؤمنون بوجود الإمام المنتظر (عليه السلام).
وقال الشيخ محمد بن يوسف الكنجي الشافعي (ت ٦٥٨) في كتابه (البيان في أخبار صاحب الزمان): في الدلالة على كون المهدي (عليه السلام) حياً باقياً منذ غيبته إلى الآن، ولا امتناع في بقائه، بدليل بقاء عيسى(556) وإلياس والخضر من أولياء الله تعالى، وبقاء الدجال وإبليس الملعونين أعداء الله تعالى، وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنة، وقد اتفقوا عليه، ثم أنكروا جواز بقاء المهدي! وها أنا أبيِّن بقاء كل واحد منهم، فلا يسمع بعد هذا لعاقل إنكار جواز بقاء المهدي (عليه السلام)...(557)
وقال الشيخ سليمان القندوزي الحنفي (ت ١٢٩٤ هـ): فالخبر المعلوم المحقق عند الثقات أن ولادة القائم (عليه السلام) كانت ليلة الخامس عشر من شعبان، سنة خمس وخمسين ومائتين في بلدة سامراء.(558)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(556) جاء في كتاب البداية والنهاية، لابن كثير: ٦/ ٣٢٣: ومن خصائصه (عليه السلام) أنه حي لم يمت، وهو الآن بجسده في السماء الدنيا، وسينزل قبل يوم القيامة..
(557) البيان في أخبار صاحب الزمان، الكنجي الشافعي: ٥٢١، (الباب الخامس والعشرون) الفصول المهمة، ابن الصباغ المالكي: ٢/ ١١١٩.
(558) ينابيع المودة، القندوزي الحنفي: ٣/ ٣٠٦.

(٢٣٥)

ومن خيرة الكتب التي تناولت هذا الموضوع واستوعبت البحث بالاستقصاء والتتبع، وسردت جملة من علماء ومؤرخي السنة من الذين ذكروا ولادة الإمام المنتظر (عليه السلام) ونصوا عليها هو: كتاب دفاع عن الكافي للأستاذ المحقق السيد ثامر العميدي النجفي تحت عنوان (اعترافات أهل السنة) فقد استوفى الموضوع حقه في هذا الباب، وقد قام بجمع وترتيب أسماء العلماء الذين ذكروا ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) بحسب القرون فكانوا (١٢٨) عالماً من السنة، وأولهم (أبو بكر محمد بن هارون الروياني (المتوفى سنة ٣٠٧هـ) في كتابه المسند (مخطوط) وآخرهم الأستاذ المعاصر يونس أحمد السامرائي في كتابه: (سامراء في أدب القرن الثالث الهجري).(559)
وهناك كتب أخرى أيضاً ألمّت بالموضوع، وذكرت جملة من أعلام السنة الذين ذكروا أو اعترفوا بولادة الإمام المهدي (عليه السلام).(560)
ونحن نذكر هنا نموذجاً باختصار جملة من المؤرخين من أعلام السنة الذين ذكروا ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) بن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في كتبهم، وهم كما يلي:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(559) راجع كتاب: دفاع عن الكافي، السيد ثامر العميدي: ١ / ٥٦٩ - ٥٩٢، وركبت السفينة، مروان خليفات: ٥٧١ - ٥٧٢.
(560) ومن الكتب القيمة التي تناولت هذا الموضوع تفصيلاً ما يلي:
كتاب (المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي) فقد ذكر جملة من علماء السنة ممن ذكروا ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) تحت عنوان (اعتراف علماء السنة بولادة الإمام المهدي (عليه السلام)).
وكتاب (منتخب الأثر) لآية الله الشيخ لطف الله الصافي الكلپايكاني.
وكتاب (شرح منهاج الكرامة في معرفة الإمامة) للسيد علي الميلاني: ١/ ٢٥٦ - ٢٦٣.
وكتاب (الإمام الثاني عشر (عليه السلام)) للسيد محمد سعيد الموسوي: ص ٧٢ - ١٠٩.

(٢٣٦)

١ - أبو نعيم الأصبهاني (ت٤٣٠هـ)
ذكره في كتابه: الأربعين حديثاً في المهدي (عليه السلام).
٢ - أحمد بن الحسين البيهقي (ت ٤٥٨هـ)
ذكره في: شعب الإيمان، ط ١، دار المعارف - الهند، وقال: اختلف الناس في أمر المهدي فتوقف جماعة وأحالوا العلم إلى عالمه، واعتقدوا أنه واحد من أولاد فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)... ولا امتناع في طول عمره، وامتداد أيامه كعيسى بن مريم والخضر.(561)
٣ - أبو محمد عبد الله بن الخشاب (ت ٥٦٧هـ)
ذكره في كتابه مواليد أهل البيت يرفعه بسنده إلى علي بن موسى الرضا (عليه السلام) أنه قال: الخلف الصالح من ولد أبي محمد الحسن بن علي العسكري، وهو صاحب الزمان القائم، وهو المهدي.(562)
٤ - ابن الأزرق المؤرخ (ت ٥٩٠هـ)
نقل عنه ابن طولون في كتاب (الأئمة الاثنا عشر: ص ١١٧)
٥ - ابن الأثير عز الدين الجزري (ت ٦٣٠هـ)
ذكره في كتابه الكامل في التأريخ (في حوادث سنة ٢٦٠هـ) قال: وفيها توفي الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو محمد العلوي العسكري، وهو أحد الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية، وهو والد محمد الذي يعتقدونه المنتظر بسرداب سامراء...(563)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(561) حياة الإمام المهدي (عليه السلام)، الشيخ باقر شريف القرشي:٢١٩.
(562) الفصول المهمة، ابن الصباغ المالكي: ٢/١١٠٢، الفصل: ١٢، عن تأريخ ابن الخشاب: ١٩٧.
(563) الكامل في التأريخ، ابن الأثير: ٧/ ٢٧٤.

(٢٣٧)

٦ - محيي الدين بن العربي الأندلسي (ت ٦٣٨هـ)
ذكره في الفتوحات المكية، باب ٣٦٦ في المبحث الخامس والستين كما (نص عليه) في اليواقيت والجواهر للشعراني (ت ٩٧٣).(564)
وذكر العلامة المحقق الشيخ باقر القرشي عن نسخة من كتاب الفتوحات، قال: ونص محيي الدين، محمد بن علي المعروف (بابن العربي) الأندلسي على إمامة المهدي وأنه ولد، وسوف يظهر، قال: المهدي الظاهر في آخر الزمان الذي بشّر به رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهو من أهل البيت المطّهر من الحضرة المحمدية.

إن الإمام إلى الوزير فقيرٌ * * * وعليهما فلكُ الوجود يدورُ
والملكُ إن لم تستقم أحوالُه * * * بوجود هذين فسوف يبورُ
إلا إله الحقِّ فهو منزَّهٌ * * * ما عنده فيما يريدُ وزيرُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(564) جاء في كتاب (المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي:١٢٨): محيي الدين بن العربي صرح بهذه الحقيقة في كتابه (الفتوحات المكية) في الباب السادس والستين وثلاثمائة في المبحث الخامس على ما نقله عنه عبد الوهاب بن أحمد الشعراني الشافعي (ت ٩٧٣ هـ) في كتابه (اليواقيت والجواهر: ج٢ المبحث ٦٥)، كما نقل قوله الحمزاوي في (مشارق الأنوار)، والصبان في (إسعاف الراغبين)، ولكن من يدعي الحفاظ على التراث سوَّلت له نفسه حذف هذا الاعتراف من طبعات الكتاب، إذ لا يوجد في الباب المذكور - كما تتبَّعته بنفسي - ما نقله الشعراني عنه، فقال: وعبارة الشيخ محيي الدين في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الفتوحات: واعلموا أنه لا بد من خروج المهدي (عليه السلام)، ولكن لا يخرج حتى تمتلئ الأرض جوراً وظلماً، فيملؤها قسطاً وعدلاً، ولو لم يكن من الدنيا إلا يوم واحد لطوَّل الله تعالى ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة، وهو من عترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، من ولد فاطمة (عليها السلام)، وجدُّه الحسين بن علي بن أبي طالب، ووالده حسن العسكري بن الإمام علي النقي...
راجع: (اليواقيت والجواهر، الشعراني: ٢/ ١٤٣، مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر، لسنة ١٣٧٨ ه‍١٩٥٩ م)

(٢٣٨)

اعلم أيدنا الله وإياك، إن لله خليفة يخرج وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً، فيملأها قسطاً وعدلاً، لو لم يبق في الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يلي هذا الخليفة من عترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومن ولد فاطمة سلام الله عليها، جده الحسين بن علي بن أبي طالب، ووالده الحسن العسكري.(565)
٧ - كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي (ت ٦٥٢هـ)
قال في كتابه (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (عليهم السلام)): أبو القاسم محمد بن الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين بن أبي طالب، المهدي، الحجة، الخلف الصالح، المنتظر (عليهم السلام) ورحمة الله وبركاته، وقال: أما مولده في سرّ من رأى..الخ.(566)
وقال أيضاً: وأما عمره: فإنه ولد في أيام المعتمد على الله، خاف فاختفى وإلى الآن، فلم يمكن ذكر ذلك، إذ من غاب وإن انقطع خبره لا توجب غيبته وانقطاع خبره الحكم بمقدار عمره ولا بانقضاء حياته، وقدرة الله واسعة وحكمه وألطافه بعباده عظيمة عامة، ولوازم عظماء العلماء أن يدركوا حقائق مقدوراته، وكنه قدرته لم يجدوا إلى ذلك سبيلاً، ولا نقل طرف تطلعهم إليه حسيراً وحده كليلاً، وأملى عليهم لسان عجزهم عن الإحاطة به، وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً.
وليس ببدع ولا مستغرب تعمير بعض عباد الله المخلصين، ولا امتداد عمره إلى حين، فقد مدّ الله تعالى أعمار جمع كثير من خلقه من أصفيائه وأوليائه ومن مطروديه وأعدائه، فمن الأصفياء: عيسى (عليه السلام)، ومنهم الخضر، وخلق آخرون من الأنبياء طالت أعمارهم، حتى جاز كل واحد منهم ألف سنة أو قاربها كنوح (عليه السلام) وغيره.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(565) حياة الإمام المهدي، الشيخ باقر القرشي: ٢١٠، عن كتاب الفتوحات المكية: ٣ / ٤٢٩ - ٤٣٠.
(566) مطالب السؤول، ابن طلحة الشافعي: ٢/١٥٢، باب ١٢.

(٢٣٩)

وأما من الأعداء المطرودين: فإبليس، وكذلك الدجال، ومن غيرهم كعاد الأولى، كان فيهم من عمره ما يقارب الألف، وكذلك لقمان صاحب لبد، وكل هذه لبيان اتساع القدرة الربانية في تعمير بعض خلقه، فأي مانع يمنع من امتداد عمر الصالح الخلف الناصح إلى أن يظهر فيعمل ما حكم الله له به؟.(567)
٨ - شمس الدين أبو المظفر، يوسف بن فزاعلي سبط ابن الجوزي الحنبلي (ت٦٥٤هـ)
قال في كتابه (تذكرة الخواص): هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، وكنيته أبو عبد الله، وأبو القاسم، وهو الخلف الحجة، صاحب الزمان، القائم، والمنتظر، والتالي، وهو آخر الأئمة.(568)
٩ - محمد بن يوسف أبو عبد الله الكنجي الشافعي (المقتول سنة ٦٥٨هـ)
ذكره في كتابه (كفاية الطالب) في ترجمة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، قال: مولده بالمدينة في شهر ربيع الآخر، من سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وقبض يوم الجمعة لثمانٍ خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين، وله يومئذ ثمان وعشرون سنة، ودفن في داره بسرّ من رأى في البيت الذي دفن فيه أبوه، وخلّف ابنه وهو الإمام المنتظر صلوات الله عليه.(569)
وذكره أيضاً في كتابه الآخر: (البيان في أخبار صاحب الزمان).(570)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(567) مطالب السؤول، ابن طلحة الشافعي: ٢/١٦٠ - ١٦١، باب ١٢.
(568) تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي: ٣٠٤. (الباب الثاني عشر)
(569) كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الكنجي الشافعي: ٤٥٨.
(570) وهو مطبوع في نهاية كتابه (كفاية الطالب): ص٤٧٣، وقد أثبت فيه حياة الإمام المهدي (عليه السلام) وغيبته الشريفة إلى أن يخرج ويملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، راجع: (الباب الخامس والعشرون) من نفس الكتاب، تحت عنوان (في الدلالة على كون المهدي (عليه السلام) حياً باقياً منذ غيبته إلى الآن)

(٢٤٠)

١٠ - ابن خلكان (ت ٦٨١هـ)
ذكره في كتابه وفيات الأعيان، وقال: أبو القاسم المنتظر، محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد، ثاني عشر الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية، المعروف بالحجة، وهو الذي تزعم الشيعة أنه المنتظر والقائم والمهدي.. كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولما توفي أبوه - وقد سبق ذكره - كان عمره خمس سنين.(571)
١١ - الجويني الحمويني الشافعي (ت ٧٣٢هـ)
ذكره في كتابه فرائد السمطين: ٢/ ٣٣٧، طبع بيروت.
١٢ - الذهبي(ت ٧٤٨هـ)
ذكره في كتابه العبر (في حوادث سنة ٢٥٦هـ) وفي كتابه أيضاً (تأريخ دول الإسلام: ١٩/ ١١٣) في ترجمة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
وقال في كتابه سير أعلام النبلاء: المنتظر الشريف، أبو القاسم، محمد بن الحسن العسكري، بن علي الهادي، بن محمد الجواد، بن علي الرضا، بن موسى الكاظم، بن جعفر الصادق، بن محمد الباقر، بن زين العابدين علي بن الحسين الشهيد، بن الإمام علي بن أبي طالب، العلوي الحسيني، خاتمة الاثني عشر سيداً.. ومحمد هذا هو الذي يزعمون أنه الخلف الحجة، وأنه صاحب الزمان...(572)
١٣ - عمر بن الوردي (ت ٧٤٩هـ)
ذكره في تتمة المختصر في أخبار البشر المعروف بتاريخ ابن الوردي: (ج ١ ص ٣١٩) وقال: ومولد المنتظر سنة خمس وخمسين ومائتين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(571) وفيات الأعيان، ابن خلكان: ٤/ ١٧٦ - ١٧٧، رقم: ٥٦٢.
(572) سير أعلام النبلاء، الذهبي: ١٣/ ١١٩ - ١٢٠، رقم:٦٠.

(٢٤١)

١٤ - نور الدين علي بن محمد بن الصباغ المالكي (ت٨٥٥هـ)
ذكره في كتابه: (الفصول المهمة) قال: (الفصل الثاني عشر) في ذكر أبي القاسم محمد (عليه السلام) الحجة الخلف الصالح ابن أبي محمد الحسن الخالص (عليه السلام) وهو الإمام الثاني عشر، وتاريخ ولادته، ودلائل إمامته وذكر طرف من أخباره وغيبته، ومدة قيام دولته، وذكر كنيته ونسبه وغير ذلك مما يتصل به (رضي الله عنه وأرضاه)..
إلى أن قال: ولد أبو القاسم محمد ابن الحجة، ابن الحسن الخالص بسر من رأى ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين للهجرة.
وأما نسبه أباً وأماً: فهو أبو القاسم محمد الحجة، ابن الحسن الخالص، ابن علي الهادي، ابن محمد الجواد، ابن علي الرضا، ابن موسى الكاظم، ابن جعفر الصادق، ابن محمد الباقر، ابن علي زين العابدين، ابن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين.
وأما أمه: فأم ولد يقال لها نرجس، خير أمة، وقيل: اسمها غير ذلك، وأما كنيته: فأبو القاسم، وأما لقبه فالحجة، والمهدي، والخلف الصالح، والقائم المنتظر، وصاحب الزمان، وأشهرها المهدي.. إلى أن قال: وهذا طرف يسير مما جاء في النصوص الدالة على الإمام الثاني عشر من الأئمة الثقات، والروايات في ذلك كثيرة أضربنا عن ذكرها وقد دونها أصحاب الحديث في كتبهم واعتنوا بجمعها ولم يتركوا شيئاً.(573)
١٥ - الفضل بن روزبهان (ت بعد ٩٠٩هـ)
نص الفضل بن روز بهان من غير تردد أن المهدي المنتظر هو الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، قال في كتابه: (إبطال الباطل) يمدح أهل البيت (عليهم السلام): ونعم ما قلت فيهم منظوماً:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(573) الفصول المهمة، ابن الصباغ المالكي: ٢/ ١١٩٥ - ١١٠٧ (الباب الخامس).

(٢٤٢)

سلامٌ على المصطفى المجتبى * * * سلامٌ على السيد المرتضى
سلامٌ على ستنا فاطمه * * * من اختارها الله خير النسا
سلامٌ من المسك أنفاسه * * * على الحسن الألمعي الرضا
سلامٌ على الأورعي الحسين * * * شهيد يرى جسمه كربلا
سلامٌ على سيد العابدين * * * عليّ بن الحسين المجتبى
سلامٌ على الباقر المهتدى * * * سلامٌ على الصادق المقتدى
سلامٌ على الكاظم الممتحن * * * رضي السجايا إمام التقى
سلامٌ على الثامن المؤتمن * * * عليّ الرضا سيد الأصفيا
سلامٌ على المتقي التقي * * * محمد الطيب المرتجى
سلامٌ على الأريحي النقي * * * عليّ المكرم هادي الورى
سلامٌ على السيد العسكري * * * إمام يجهز جيش الصفا
سلامٌ على القائم المنتظر * * * أبي القاسم القرم نور الهدى
سيطلع كالشمس في غاسق * * * ينجيه من سيفه المنتقى
قوي يملأ الأرض من عدله * * * كما ملئت جور أهل الهوى
سلامٌ عليه وآبائه * * * وأنصاره، ماتدوم السما (574)

١٦ - جلال الدين السيوطي (ت ٩١١هـ)
ذكره في رسالته: إحياء الميت بفضائل أهل البيت (عليهم السلام)
١٧ - شمس الدين محمد بن طولون الحنفي مؤرخ دمشق (ت ٩٥٣هـ)
قال في كتابه (الأئمة الاثنا عشر): كانت ولادته (رضي الله عنه) يوم الجمعة، منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولما توفي أبوه المتقدم ذكره (رضي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(574) دلائل الصدق، المظفر: ٢/ ٥٧٤، عن كتاب إبطال الباطل، إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب، الحائري: ١/ ٢٩٩، المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي: ١٣٠.

(٢٤٣)

الله عنهما) كان عمره خمس سنين.
ثم ذكر الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) وقال: وقد نظمتهم على ذلك، فقلت:

عليك بالأئمة الاثني عشر * * * من آل بيت المصطفى خير البشر
أبو تراب، حسن، حسين * * * وبغض زين العابدين شين
محمد الباقر كم علم درى * * * والصادق ادع جعفراً بين الورى
موسى هو الكاظم، وابنه علي * * * لقّبه بالرضا وقدره علي
محمد التقي قلبه معمورُ * * * علي النقي درّه منثورُ
عسكري الحسن المطهرُ * * * محمد المهدي سوف يظهرُ(575)

١٨ - عبد الوهاب بن أحمد الشعراني الشافعي (ت ٩٧٣هـ)
ذكره في: اليواقيت والجواهر، وقال: ومولده ليلة النصف من شعبان سنة (٢٥٥هـ) وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم، وهو من أولاد الحسن العسكري (عليه السلام).(576)
١٩ - أحمد بن حجر المكي الهيتمي الشافعي (ت ٩٧٤هـ)
ذكره في كتابه (الصواعق المحرقة) في آخر الفصل الثالث من الباب الحادي عشر، قال: ولم يخلف (الحسن العسكري (عليه السلام)) غير ولده أبي القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لكن آتاه الله فيها الحكمة، ويسمى القائم المنتظر.(577)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(575) المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي: ١٣١عن كتاب الأئمة الاثنا عشر، ابن طولون الحنفي: ١١٧.
(576) اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر: ٢/ ١٤٥، طبع القاهرة، ينابيع المودة، القندوزي الحنفي: ٣/ ٣٤٥، إسعاف الراغبين: ١٣٩ - ١٤٠.
(577) الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي: ٢٠٨ (الفصل الثالث).

(٢٤٤)

٢٠ - أحمد بن يوسف أبو العباس القرماني الحنفي (ت ١٠١٩هـ)
قال في كتابه (أخبار الدول وآثار الأول) في الفصل الحادي عشر: في ذكر أبي القاسم محمد الحجة الخلف الصالح: وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه الله فيها الحكمة، كما أوتيها يحيى (عليه السلام) صبياً، وكان مربوع القامة، حسن الوجه والشعر، أقنى الأنف، أجلى الجبهة...
واتفق العلماء على أن المهدي هو القائم في آخر الوقت، وقد تعاضدت الأخبار على ظهوره، وتظاهرت الروايات على إشراق نوره، وستسفر ظلمة الأيام والليالي بسفوره، وينجلي برؤيته الظلم انجلاء الصبح عن ديجوره، ويسير عدله في الآفاق فيكون أضوء من البدر المنير في مسيره.(578)
٢١ - الشيخ عبد الله الشبراوي الشافعي (ت ١١٧١هـ)
ذكره في كتابه (الإتحاف بحب الأشراف) وقال: ولد الإمام محمد الحجة ابن الإمام الحسن الخالص (رضي الله عنه) بسر من رأى، ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، قبل موت أبيه بخمس سنين، وكان أبوه قد أخفاه حين ولد، وستر أمره لصعوبة الوقت، وخوفه من الخلفاء، فإنهم كانوا في ذلك الوقت يتطلبون الهاشميين، ويقصدونهم بالحبس والقتل، ويريدون إعدامهم، وكان الإمام محمد الحجة يلقب أيضاً بالمهدي، والقائم، والمنتظر، والخلف الصالح، وصاحب الزمان، وأشهرها المهدي.(579)
٢٢ - الشاه ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي الحنفي (ت ١١٧٦هـ)
ذكره في: المسلسلات المعروف بالفضل المبين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(578) أخبار الدول وآثار الأول، القرماني: ١/ ٣٥٣ - ٣٥٤ الفصل ١١.
(579) الإتحاف بحب الأشراف، الشبراوي: ص٣٦٩.

(٢٤٥)

٢٣ - سليمان بن إبراهيم المعروف بالقندوزي الحنفي (ت ١٢٩٤هـ)
ذكره في كتابه: (ينابيع المودة) وقال: فالخبر المعلوم المحقق عند الثقات أن ولادة القائم (عليه السلام) كانت ليلة الخامس عشر من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين في بلدة سامراء.(580)
٢٤ - مؤمن بن حسن الشبلنجي (ت ١٣٠٨هـ)
ذكره في كتابه (نور الأبصار) قال: فصل في ذكر مناقب محمد بن الحسن الخالص بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أمه أم ولد، يقال لها: نرجس، وقيل صيقل، وقيل: سوسن، وكنيته، أبو القاسم، ولقبه الإمامية ب‍(الحجة) و(المهدي) و(الخلف الصالح) و(القائم) و(المنتظر) و(صاحب الزمان) وأشهرها (المهدي).(581)
٢٥ - خير الدين الزركلي (ت ١٣٩٦هـ)
ذكره في كتابه (الأعلام) وقال: (المهدي المنتظر) (٢٥٦ - ٢٧٥ه‍ = ٨٧٠ - ٨٨٨م) محمد بن الحسن العسكري (الخالص) بن علي الهادي، أبو القاسم: آخر الأئمة الاثني عشر عند الإمامية، وهو المعروف عندهم بالمهدي، وصاحب الزمان، والمنتظر، والحجة.. ولد في سامراء. ومات أبوه وله من العمر نحو خمس سنين..
وقيل في تاريخ مولده: ليلة نصف شعبان سنة ٢٥٥ وفي تاريخ غيبته: سنة ٢٦٥.(582)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(580) ينابيع المودة، القندوزي الحنفي:٣/ ٣٠٦.
(581) نور الأبصار، الشبلنجي: ١٥٢.
(582) الأعلام، الزركلي: ٦/ ٨٠.

(٢٤٦)

وغيرهم الكثير من أعلام السنة ومؤرخيهم من الذين نصّوا على مولد الإمام المهدي (عليه السلام) الأمر الذي يدل على تواتره وشهرته عند جملة من علماء السنة، وكما يقول الأستاذ مصطفى الرافعي بعد ذكره لسبعة من علماء السنة الذين قالوا بولادة المهدي (عليه السلام): وكثير غيرهم من علماء السنة الأجلاء الذين ذاع صيتهم، ويذكرون بكلّ إعجاب وتقدير، هؤلاء وكثير غيرهم ممن لا يتسع المقام لذكرهم يقولون بمقولة الإمامية من أن المهدي هو: محمد بن الحسن العسكري، وأنه حيّ.. ولا يجدون في مقولتهم هذه ما يناقض العقل، وبخاصة إذا اعتبرت حياة المهدي من الأمور الخارقة للعادة كالتي أجراها الله معجزة لبعض أنبيائه، أو كرامة لبعض أوليائه، وذلك كحياة المسيح والخضر من الأتقياء، وإبليس والدجال من الأشقياء.(583)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(583) إسلامنا: ١٨٩ - ١٩٠.

(٢٤٧)

التعريف بجملة من مؤلفات السنة حول الإمام المهدي (عليه السلام)
قد أفرد علماء السنة ومفكروهم بالتأليف الكثير من الكتب حول ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، فضلاً عمّا ضمته الموسوعات الحديثية عندهم في هذا الموضوع في أبوابها.
قال العجلوني في كشف الخفاء: ورد ذكره في أحاديث أفردها بعض الحفاظ بالتأليف، منهم: الحافظ السخاوي(584) في كتاب سماه (ارتقاء الغرف)(585) ومنهم ابن حجر الهيثمي في جزء سماه (القول المختصر في أحوال المهدي المنتظر)، وكذلك ذكر كثيراً منها في الفتاوى الحديثية، وكذلك شيخنا البرزنجي في الإشاعة.. فمن أراد المزيد فعليه بالتأليفين المذكورين وأمثالهما.(586)
كما ذكر الدكتور عبد العليم البستوي في كتابه (المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة: ص١٢٦) ثلاثاً وثلاثين مؤلفاً من مؤلفات السنة، وقال: سردٌ موجز لما أُلف في المهدي.. بالإضافة إلى ما ذكرت من اعتناء الأئمة بجمع أحاديث المهدي في مصنفاتهم وكتبهم حفاظاً على التراث النبوي وأداء للواجب بالتبليغ إلى من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(584) المتوفى سنة ٩٠٢.
(585) ص: ٢٤٧ - ٢٥٨.
(586) كشف الخفاء، العجلوني: ٢/ ٢٨٨ - ٢٨٩ح٢٦٦١.

(٢٤٨)

بعدهم، أفرد كثير من العلماء قديماً وحديثاً هذا الموضوع بتأليفات مستقلة.
كما أحصى الشيخ مهدي فقيه إيماني في كتابه (أصالة المهدوية في الإسلام): ص ١٠٣: نحو ١٥٩ مؤلفاً بين كتاب ورسالة ومقالة لعلماء السنة ومفكريهم حول الإمام المهدي (عليه السلام)، وكذلك الشيخ لطف الله الصافي ذكر أيضاً جملة منها في كتابه القيم (لمحات في الكتاب والحديث والمذهب: ص ٧٤ - ٧٧)
كما أحصى أيضاً الدكتور عقيقي في كتابه الفارسي (بخشايشي چهارده نور پاك): ج ١٤ ص ١٩٠٢ - ١٩٠٦. سبعة وأربعين كتاباً من كتب السنة.
وإليك هنا جملة من مؤلفات السنة حول الإمام المهدي (عليه السلام) نموذجاً، وهي كالتالي:
حرف الألف
١ - إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون: تأليف: أحمد بن محمد بن الصدّيق، أبو الفيض الغماري الحسني الأزهري الشافعي المغربي (ت ١٣٨٠هـ)، ط في مطبعة الترقي بدمشق عام ١٣٤٧.
٢ - الأحاديث القاضية بخروج المهدي: تأليف: محمد بن إسماعيل الأمير اليماني الصنعاني (ت ٧٥١هـ) ذكره صديق حسن في كتاب الإذاعة.
٣ - أحاديث المهدي من مسند أحمد بن حنبل (ت ٢٤١هـ) ويليه كتاب (البيان في أخبار صاحب الزمان (عليه السلام)) ط الثانية ١٤١٧، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين.
٤ - أحاديث المهدي، وأخبار المهدي: تأليف: أبو بكر بن خيثمة.
٥ - الأحاديث الواردة في المهدي في ميزان الجرح والتعديل: تأليف: عبد العليم بن عبد العظيم البستوي، وهي رسالة ماجستير قدمت بجامعة أم القرى

(٢٤٩)

(مكة المكرمة)
٦ - الاحتجاج بالأثرعلى من أنكر المهدي المنتظر: تأليف: الشيخ حمود بن عبد الله بن حمود التويجري، ط الثانية سنة ١٤٠٦، طبع ونشر مكتبة دار العليان الحديثة للطباعة والنشر والتوزيع بريدة.
٧ - أربعين حديثاً في المهدي: تأليف: الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني (ت٤٣٠هـ)
٨ - الأربعين (من أحاديث المهدي) تأليف: أبو العلاء الهمداني، ذكره أحمد بن عبد الله الطبري في ذخائر العقبى.
٩ - ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول وذوي الشرف: الحافظ محمد بن عبد الرحمن السخاوي الشافعي (ت٩٠٢هـ) نشر مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة الأولى سنة ١٤٢١، قم المقدسة - إيران.
١٠ - إرشاد المستهدي في بعض الأحاديث والآثار الواردة في شأن الإمام المهدي: تأليف: محمد علي حسين البكري المدني.
١١ - الإشاعة لأشراط الساعة: تأليف: البرزنجي (ت ١١٠٣هـ)
١٢ - إقامة البرهان على نزول عيسى في آخر الزمان: تأليف: أبو الفضل عبد الله ابن محمد بن الصدّيق الغماري، الطبعة الثالثة سنة ١٤١٠.
حرف الباء
١٣ - البحور الزاخرة في علوم الآخرة: تأليف: محمد بن الحاج أحمد السفاريني الحنبلي (ت ١٨٨هـ).
١٤ - البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: تأليف: الشيخ علي بن حسام المتقي الهندي (ت ٩٧٥هـ) يقع في جزئين، وقد حققه وعلق عليه: جاسم

(٢٥٠)

ابن محمد بن مهلهل الياسين. طبع شركة ذات السلاسل في (الأردن)
١٥ - بشرى البشر في حقيقة المهدي المنتظر (عليه السلام)، تأليف: الشيخ محمود الغرباوي، نشر دار الكتاب العربي، دمشق - القاهرة ط الاولى سنة ٢٠٠٤م.
١٦ - البيان في أخبار صاحب الزمان (عليه السلام): تأليف: الحافظ أبو عبد الله، محمد بن يوسف الكنجي الشافعي (ت ٦٥٨هـ) تقديم: العلامة المحقق السيد محمد مهدي الخرسان، ملحق بكتاب (أحاديث المهدي من مسند أحمد بن حنبل)، وطبع أيضاً ملحقاً بكتاب كفاية الطالب، نشر دار إحياء تراث أهل البيت (عليهم السلام) سنة ١٤٠٤، الطبعة الثالثة، طهران - إيران.
١٧ - البيانات عن المهدي، تأليف: الماوردي.
حرف التاء
١٨ - تحديق النظر في أخبار المهدي المنتظر، تأليف: الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع من علماء نجد في القرن الرابع عشر، مخطوط توجد نسخة منه بدار الكتب المصرية.
١٩ - التصريح بما تواتر في نزول المسيح، تأليف: الكشميري(ت ١٣٥٢هـ)
٢٠ - تلخيص البيان في أخبار مهدي آخر الزمان، تأليف: علي المتقي.
٢١ - تلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزمان، تأليف: ابن كمال باشا الحنفي (ت ٩٤٠هـ)
٢٢ - تلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزمان، تأليف: الشيخ الأقسرائي، مخطوط بمكتبة عارف حكمت في (المدينة المنورة) برقم ٦٢ / ٢٤٠ / ٧ ق.
٢٣ - التوضيح فيما تواتر في المنتظر والدجال والمسيح، تأليف: الشوكاني الزيدي (ت ١٢٥٠هـ) ذكره الشوكاني في تفسيره (فتح القدير) ١ / ٤٣٩٧.

(٢٥١)

حرف الجيم
٢٤ - الجواب المقنع المحرر في الرد على من طغى وتجبر بدعوى أن عيسى هو المهدي المنتظر: تأليف: محمد حبيب الله الشنقيطي مطبوع.
حرف الحاء
٢٥ - حاشية على القول المختصر في علامات المهدي المنتظر، تأليف: رضي الدين ابن عبد الرحمن الهيثمي.
حرف الخاء
٢٦ - الخطاب المليح في تحقيق: المهدي والمسيح، تأليف: الشيخ أشرف علي التهانوي وهو باللغة الأردية.
حرف الراء
٢٧ - الرد على من حكم وقضى بأن المهدي جاء ومضى، تأليف: الملا علي القاري (ت ١٠١٤هـ)
٢٨ - الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي (عليه السلام)، ويليه عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر، تأليف: عبد المحسن بن حمد العباد، المدرس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ط الأولى سنة ١٤٠٢ طبع في مطابع الرشيد بالمدينة المنورة
٢٩ - رسالة في رد من أنكر أن عيسى (عليه السلام) إذا نزل يصلي خلف المهدي (عليه السلام) صلاة الصبح، تأليف: جلال الدين السيوطي.
٣٠ - رسالة في المهدي (عليه السلام)، تأليف: ابن كثير الدمشقي.
حرف السين
٣١ - السنن الواردة في الفتن، تأليف:أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني المقرئ

(٢٥٢)

(ت ٤٤٤هـ).
حرف الطاء
٣٢ - الطريق إلى المهدي المنتظر (عليه السلام)، تأليف: سعيد أيوب، الطبعة الأولى سنة ١٤١٩، نشر: مركز الغدير للدراسات، بيروت - لبنان.
حرف العين
٣٣ - العرف الوردي في أخبار المهدي، تأليف: جلال الدين عبد الرحمن الشافعي السيوطي (ت ٩١١هـ) جمع فيه ما ذكره أبو نعيم من أحاديث المهدي وزاد عليه، مطبوع ضمن كتاب الحاوي في الفتاوى للسيوطي.
٣٤ - العطر الوردي بشرح القطر الشهدي، تأليف: البليسي.
٣٥ - علامات المهدي، تأليف: جلال الدين السيوطي.
٣٦ - عقد الجواهر والدرر في علامات ظهور المهدي المنتظر، تأليف: ابن حجر، كذا ذكره الدكتور عبد الله الجبوري في تعليقاته على كتاب غريب الحديث لابن قتيبة ١ / ١١٧.
٣٧ - عقد الدرر في أخبار المنتظر، تأليف: يوسف بن يحيى بن علي بن عبد العزيز المقدسي الشافعي السلمي (من علماء القرن السابع) ط الأولى سنة ١٤٠٣ دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، نشر مكتبة عباس أحمد الباز مكة المكرمة، وطبعة أخرى في مكتبة المنار (الأردن) تحقيق: الشيخ مهيب بن صالح بن عبد الرحمن البوريني.
٣٨ - عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر، تأليف: قاضي القضاة أبو الفضل جمال الدين يوسف بن يحيى الشافعي، الدمشقي، المشتهر بالزكي أو ابن الزكي (٦٤٠ - ٦٨٥هـ)
٣٩ - العواصم عن الفتن القواصم، تأليف: علي بن برهان الدين الحلبي الشافعي، كما ذكر في السيرة الحلبية: ج ١ ص ٢٢٧.

(٢٥٣)

حرف الفاء
٤٠ - فرائد فوائد الفكر في الإمام المهدي المنتظر، تأليف: الشيخ مرعي بن يوسف المقدسي الكرمي الحنبلي (ت ١٠٣٣هـ) تحقيق: الشيخ سامي الغريري، ط الأولى سنة ١٤٢١، قم - إيران.
حرف القاف
٤١ - القطر الشهدي في أوصاف المهدي (منظومة)، تأليف: شهاب الدين أحمد ابن أحمد بن إسماعيل الحلواني الشافعي (ت ١٣٠٨ هـ)
٤٢ - القول المختصر في علامات المهدي المنتظر، تأليف: ابن حجر الهيتمي، أبو العباس أحمد بن محمد الهيتمي الشافعي المصري المكي (المتوفى بها سنة ٩٧٤هـ) والحاشية عليه لحفيده رضي الدين بن عبد الرحمن السعدي المصري الشافعي (المتوفى بمكة سنة ١٠٤١هـ)
حرف الكاف
٤٣ - كتاب الفتن، تأليف: أبو عبد الله نعيم بن حماد المروزي (ت ٢٢٨ هـ) حققه وقدم له الأستاذ الدكتور سهيل زكار، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، طبع سنة ١٩٩٣ م - ١٤١٤ ه‍
٤٤ - كلمتان هامتان: ١ - نصف شعبان ٢ - المهدي المنتظر، تأليف: محمد زكي إبراهيم المعاصر.
حرف الميم
٤٥ - مختصر الأخبار المشاعة في الفتن وأشراط الساعة وأخبار المهدي، تأليف: عبد الله بن الشيخ، مطبوع في مطابع (الرياض).
٤٦ - مرآة الفكر في المهدي المنتظر، تأليف: الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي الحنبلي (ت ١٠٣٣ هـ) وقد تقدم له في حرف الفاء: (فرائد فوائد الفكر في المهدي المنتظر) إيضاح المكنون ٢ / ٤٦٢.

(٢٥٤)

٤٧ - المشرب الوردي في مذهب المهدي، تأليف: الملا علي القاري (ت ١٠١٤هـ) ذكره البرزنجي في أشراط الساعة.
٤٨ - الملاحم لأبي الحسن بن المنادي، تأليف: أحمد بن جعفر (ت ٣٣٦ هـ)
٤٩ - مناقب المهدي (عليه السلام)، تأليف: أبو نعيم الأصبهاني (ت٤٣٠ ه)
٥٠ - المنتظر، تأليف: الشيخ محمد حبيب الله بن مايابي الجكني الشنقيطي المدني.
٥١ - منظومة القطر الشهدي في أوصاف المهدي، تأليف: شهاب الدين أحمد الخليجي الحلواني الشافعي.
٥٢ - مهدي آل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم)، تأليف: علي بن سلطان محمد الهروي الحنفي.
٥٣ - المهدي، تأليف: شمس الدين ابن قيم الجوزية (ت ٧٥١ هـ)
٥٤ - المهدي، تأليف: أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت ٢٧٥ه).
٥٥ - المهدي أو أخبار المهدي، تأليف: أبو نعيم الأصفهاني (ت٤٣٠ هـ)
٥٦ - المهدي إلى ما ورد في المهدي، تأليف: شمس الدين محمد بن طولون (ت ٩٥٣هـ).
٥٧ - المهدي حقيقة لا خرافة، تأليف: محمد بن أحمد إسماعيل، ط الأولى سنة ١٤١١ نشر مكتبة التربية الإسلامية لإحياء التراث الإسلامي، مصر.
٥٨ - المهدي المنتظر (عليه السلام)، تأليف: إبراهيم المشوخي، الطبعة الثانية سنة ١٤٠٦، نشر دار ومكتبة المنار، الأردن - الزرقاء.
٥٩ - المهدي المنتظر (عليه السلام) في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة، تأليف: الدكتور عبد العليم عبد العظيم البستوي، نشر المكتبة المكية، مكة المكرمة، ط الأولى ١٣٢٠.

(٢٥٥)

٦٠ - المهدي المنتظر، تأليف: عبد الله بن محمد بن الصدّيق الحسيني الإدريسي المغربي.، نشر: عالم الكتب في بيروت، سنة ١٤٠٥ ه‍.
حرف النون
٦١ - النجم الثاقب في بيان أن المهدي من أولاد علي بن أبي طالب (في ٨٧ صفحة بمكتبة لاله لي سليمانية).
٦٢ - النظم الواضح المبين، تأليف: الشيخ عبد القادر بن محمد سالم.
حرف الهاء
٦٣ - الهدية المهدوية، تأليف: أبو الرجاء محمد هندي.
٦٤ - الهدية الندية فيما جاء في فضل ذات المهدية، تأليف: قطب الدين مصطفى بن كمال الدين علي بن عبد القادر البكري الدمشقي الحنفي (ت ١١٦٢هـ)

(٢٥٦)

تعتيم وتجاهل بعض السنة ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)
في الوقت الذي نجد جملة من المؤلفات عند السنة قديماً وحديثاً حول الإمام المهدي (عليه السلام) لكنا نجد في الوقت نفسه أن شريحة كبيرة منهم لم تول موضوع الإمام المهدي (عليه السلام) عناية بحيث يتناسب مع شأنه الكبير، وفضله على الأمة، فهو الذي بشر النبي (صلّى الله عليه وآله) الأمة بظهوره في آخر الزمان فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، فإن الإمام المهدي (عليه السلام) هو صاحب أكبر نهضة إصلاحية في تأريخ البشر كله حيث تستهدف هذه النهضة استئصال جذور الشر، وإرساء حياة كريمة يعيش فيها جميع الشعوب بعزة وكرامة لا مثيل لها في دنيا الحياة..
فإنا نرى نهضة كبرى كهذه لم تعطى حقّها من البحث والكتابة لدى الكثير منهم! فلم يولوا هذا الموضوع عناية كسائر المواضيع الإسلامية الأخرى، ولم يعطوه أهمية كبرى تنسجم مع ما سُطر في كتبهم من أخبار وأحاديث هائلة جداً تناولت ملامح من سيرته وحكمه ودولته المباركة! كما أنهم وبشكل عام لا يتطرقون إلى التعريف أو التنويه به لا في المناهج الدراسية، ولا في خطب الجمعة، ولا في وسائل الإعلام عندهم، مما يبعث على الاستغراب والتعجب!!.
وبعكس ما عند الشيعة الإمامية تماماً من الاهتمام البالغ بهذا الأمر،

(٢٥٧)

والذي ظهر بشكل واضح جلي في كتاباتهم وخطبهم، ووسائل الإعلام عندهم، فهم يلهجون بذكره، ويسمون أبناءهم باسمه كثيراً لشدة تعلقهم به وحبهم له (عليه السلام)، كما أن كتب الشيعة الإمامية حول الإمام المهدي (عليه السلام) لا تحصى كثرة، وتفوق كثيراً جداً ما كتبه سائر المذاهب الإسلامية في ذلك، وخصوصاً في هذا العصر، وهذا أمر واضح.
كما أن هناك أيضاً جوانب في حياة الإمام المهدي (عليه السلام) واجهت تعتيماً واضحاً من لدن بعض كتاب السنة وسوف نشير إلى بعضها قريباً، كما أن بعض الكتابات الأخرى عندهم أخذت تنحو منحىً سلبياً! وتبذل جهوداً فقط في معارضة الشيعة حول عقيدتهم في الإمام المهدي (عليه السلام)، ولم يتفهموها بحق.
يقول الأستاذ فيصل الدويسان الكويتي في سبب تشيعه: الشرارة الأولى انطلقت للتشيع عام ١٩٧٩(587) عندما دخل الجهيمان(588) الحرم المكي وأعلن من هناك أنه يقدم المهدي المنتظر محمد بن عبد الله القحطاني، أذكر أني سألت سؤالاً من هو المهدي المنتظر؟ أول مرة أسمع بلفظة المهدي المنتظر! فقيل لي: أنه رجل يخرج في آخر الزمان، ويصلي خلفه النبي عيسى (عليه السلام)، قلت: رجل بهذه العظمة ولم نسمع به؟! فأمره جداً خطير! من ذلك اليوم وأنا أبحث عن المهدي المنتظر في كتب أهل السنة والجماعة، فقرأت فإذا هو رجل جليل القدر، عظيم المكانة، له إنجازات كثيرة، وصلاح حال الأمة يكون على يديه، فقرأت.. قرأت.. قرأت.. حتى نضبت مصادر السنة في هذا الموضوع، فذهبت إلى مصادر الشيعة في هذا الموضوع فوجدت فيها بحثاً طويلاً عريضاً، ووجدت أن الشيعة والسنة يشتركان في وجود هذا الرجل، وفي علامات ظهور هذا الرجل، حتى بدأت القراءات تنتشر، وأول مرة أسمع أئمة غير الأئمة الذين عرفناهم غير أئمة بني أمية، وبني العباس، والأيوبيين،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(587) المصادف غرة محرم عام ١٤٠٠.
(588) وهو: جهيمان بن سيف العتيبي.

(٢٥٨)

والمماليك، بعد ذلك وجدت أنهم نعم الأئمة..
إلى أن يقول:.. نحن أهل السنة والجماعة نخفي أمر المهدي بهذه الطريقة حتى أنا عندما سألت من هو المهدي؟ فقيل لي: رجل يخرج في آخر الزمان! بهذه الطريقة، فقلت: رجل بهذه المكانة! رجل يجب أن يكون له مكان في كتبنا، وبالتالي أنا عبت على مذهبنا منذ سنة ١٣٧٩هـ إخفاء حقيقة المهدي المنتظر، ووجدت من يشبع في هذا الشأن هو مذهب الشيعة الإمامية.
أقول: وما ذكره الدويسان حقيقة لا يمكن تجاهلها! فإن هناك تغييباً كاملاً لسيرة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) عندهم، سواء في المناهج الدراسية أوفي وسائل إعلامهم، فلم يتم التعريف بهم بالشكل اللائق مع مكانتهم السامية، ومنزلتهم العظيمة عند الله تعالى ورسوله المصطفى (صلّى الله عليه وآله)، مما ينم عن تقصير مقصود!! وكذلك التعتيم على ظلاماتهم وما جرى عليهم من قتل واضطهاد وإقصاء في الأمة لا مثيل له في تأريخ البشر كله!.
ومثل هذه الشهادة أيضاً ما جاء على لسان مفتي سورية الشيخ أحمد حسون إذ يقول في خطبة له مسجلة: واسمحوا لي أقولها بكل صدق! عشرات من السنين وأنا على مقعد الدراسة، لا أسمعها من أستاذ لي أن يوم عاشوراء كانت فيه مأساة الأمة الإسلامية! لماذا كانوا يخفون عنّا ذلك ؟ سامحهم الله! قال: خوفاً من أن نتأثر فنتشيع.. خوفاً ؟!!.
هل تُخبأ الحقائق خوفاً من المذاهب؟ هل نكتم الحقيقة حتى لا نقوّي مذهباً على مذهب ؟!!.
دعونا من ذلك أيها السادة ! فقد مضى زمان يستعمل فيه الدين متكئاً لسياسة الأشخاص، وقد مضى الزمن الذي يستغله من سمي بأمير المؤمنين ظلماً ليعيث في الأرض فساداً.. الخ.
وكلام الشيخ أحمد هذا أيضاً هو الآخر شهادة حق على واقع الحال الذي

(٢٥٩)

يعيشه أكثر الناس في سبات التضليل والخداع، وحينما تتكشف الحقائق ويتضح الحال لأهل البصائر يتغير كلُّ شيء..!
وإليك هنا أيضاً شهادة ثالثة من بعض كتاب السنة على ما قدمناه كي لا نتهم في هذا الموضوع !! ولترى صحة ما قدمناه آنفاً.
جاء في كتاب الانتصار للشيخ علي الكوراني العاملي الذي جمع فيه ما جاء من محاوارات ومناظرات بين الشيعة والسنة في شبكات الانترنيت تحت عنوان: (وشهد شاهد من أهلها)! قال: فقد نشرت شبكة (القلعة) الناصبية موضوعاً كتبه المدعو (عبد رب الرسول) بتاريخ ٣ - ٢ - ٢٠٠١، الثانية صباحاً، موضوعاً بعنوان (السبب الرئيسي لتشيع بعض أهل السنة.. يجب تداركه) قال: لا شك أن لآل بيت النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) فضائل وردت في كثير من أحاديث النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم)، وكذلك في كتاب الله، النقطة التي أريد أن أقولها هي: أنه يوجد تجاهل نوعاً ما لآل بيت النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم)، ولا أدري لماذا؟! فأنا طوال عمري في دراستي سواء في المدرسة، أو في الجامعة، أو في المحاضرات، أو الخطب، أو الدروس، أو غير ذلك (مع أني خريج كلية شرعية).. نادراً ما سمعت ذكراً لفضائل آل بيت النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم)!! لقد كان هذا التجاهل أعظم سلاح استخدمه الرافضة في الدعوة لمذهبهم، فهم يأتون بأحاديث صحيحة عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) في فضائل آل البيت، مثل حديث الثقلين، وحديث الغدير، وأحاديث أخرى كثيرة، كلها صحيحة.. إلى أن يقول: وخلاصة كل ما قلت هو: لماذا لا يسمع عوام الناس أحاديث فضائل آل البيت مع شروحها من أهل السنة، قبل أن يسمعوها من الرافضة مع استدلالاتهم، فيلقون بها الشبه في قلوبهم! وهو ما أدى فعلاً إلى سلوك بعض أهل السنة طريق الرفض؟!.(589)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(589) الانتصار، العاملي: ٩/ ٣٤٦.

(٢٦٠)

وعلى كل حال، هذا غيض من فيض من تلك الشواهد والاعترافات الكثيرة على تجاهلهم وجهلهم بأهل البيت (عليهم السلام)، والأخ الكاتب (عبد رب الرسول) هو واحد من هؤلاء الذين يجهلون حقيقة ومقام أهل البيت (عليهم السلام)، ولذا لما لم يستوعب نتائج هذه الأحاديث الشريفة والتي أشار إليها في معرض كلامه، وما تقتضيه من وجوب موالاتهم، والسير على منهاجهم عدّ قولنا بذلك من الشُّبه!!
وهذا التجاهل لتأريخ أهل البيت (عليهم السلام) ومقامهم الشريف ليس بالأمر الجديد عند أمثال هؤلاء، وإنما ورثوه قديماً كما تجاهل من قبلهم البخاري ومن حذى حذوه ممن لم يعطوا أهمية لذكر فضائل أهل البيت (عليهم السلام) وتأريخهم المشرق.
ومن ذلك إهماله تلك الأخبار الكثيرة التي وردت في ظهور الإمام المنتظر (عليه السلام)، ومن هنا ورث هؤلاء هذه التركة البغيضة! حتى وجدنا بعضهم قد بالغ في جحود هذه العقيدة حتى أنكرها بالمرة، وعدّها عقيدة شيعية بحتة! لا علاقة للسنة بها (590) وهذه محاولة واهية يراد منها صرف هذا الشرف العظيم عن أهل البيت (عليهم السلام) ليس إلا !!
فهناك أمور حول الإمام المهدي (عليه السلام) حاول بعض السنة التعتيم عليها بشكل ملحوظ - وهذا التعتيم له أسبابه عندهم -: فمن أبرزها:
إن الإمام المهدي (عليه السلام) هو من أهل البيت (عليهم السلام)، ومن ولد فاطمة (عليها السلام)، وقد حدّدت الروايات الشريفة أنه من ولد الحسين (عليه السلام)، والكل يعلم أن هذا التأريخ المشرق واجه ألوان من الحروب العاتية، ومنها الحرب الإعلامية، التي استهدفت التعتيم عليهم، وقلب الحقائق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(590) منهم: الشيخ عبد الله بن زيد بن محمود، رئيس المحاكم الشرعية في دولة قطر، الذي ألف رسالة تحت عنوان (لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر (صلّى الله عليه وآله)) وقد ألمحنا إليه سابقاً.

(٢٦١)

خصوصاً من لدن بني أمية وأتباعهم الذين لا يخلو منهم زمان حتى زماننا هذا!.
فأمثال هؤلاء لا يولون أخبار المهدي عناية! وليس الأمر من اهتماماتهم، ولا يعنيهم شأن هذا المصلح العظيم ! بل يرون أنه ليس من مصلحتهم إثارة مايرتبط بهذا الإمام من الأحاديث والأخبار.
ومن الأمور التي واجهت تعتيماً واضحاً أيضاً:
هو: زعمهم أن الإمام المهدي، هو: المهدي بن عبد الله، مع أن الثابت هو أنه المهدي بن الحسن العسكري (عليه السلام) كما اعترف بذلك بعض علمائهم، ويتشبثون في ذلك بروايات ضعيفة ملفقة كل ذلك فراراً من الاعتراف بأئمة أهل البيت (عليهم السلام).
وكذلك أيضاً دعواهم أن الإمام المهدي (عليه السلام) من ولد الحسن (عليه السلام)، وليس من ولد الحسين (عليه السلام)، وقد تمسكوا في ذلك برواية شاذة تقول أنه من ولد الحسن (عليه السلام).(591)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(591) ونلفت النظر هنا إلى أن دعوى كونه من ولد الإمام الحسن (عليه السلام) جاءت به رواية ضعيفة عندهم، فقد رواها أبو داوود في سننه: ٢/ ٣١١ ح٤٢٩٠، وهي عن شعيب بن خالد، عن أبي إسحاق، قال: قال علي (رضي الله عنه) ونظر إلى ابنه الحسن فقال: إن ابني هذا سيد كما سماه النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم، يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق، ثم ذكر قصة: يملأ الأرض عدلاً.
فقد جاء في كتاب (المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي: ٦٢) أن هذا الحديث باطل من سبعة وجوه: وملخص ذلك، أن سند الحديث منقطع بالسبيعي، واحتوائه أيضاً على راوي مجهول، لأن أبا داود قال: حُدثت عن هارون بن المغيرة! فمن هو الذي حدثه؟ كما أنه يحتمل أيضاً التصحيف في الاسم من الناسخ أو غيره فذكر الحسن بدل الحسين، كما أن الجزري الشافعي نقل في كتابه (المناقب في تهذيب أسنى المطالب: ١٦٥) كلمة الحسين بدلاً من الحسن، كما أن الحديث أيضاً معارض بأحاديث كثيرة من طرق السنة تصرح وتنص بأن الإمام المهدي من ولد الإمام الحسين (عليه السلام).

(٢٦٢)

وهذا التعتيم أيضاً كسابقه يراد منه إخراج الإمام المهدي من دائرة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) الذين نصّ عليهم الرسول (صلّى الله عليه وآله) وعده شخصاً آخر خارجاً عنهم لا يمت إليهم بصلة، مع أن الثابت بالأدلة كونه الإمام التاسع من ولد الحسين (عليه السلام)، والذي عليه إجماع أهل البيت (عليهم السلام)، كما ذكر ذلك أيضاً بعض علمائهم كما أشرنا إلى ذلك في محله من هذا الكتاب.
ونرى أيضاً أن من أسباب هذا التعتيم هو: الخوف الشديد من أن يتعرف الناس على نتائج فكرية تخالف أهواءهم حينما يتعرفون على حقيقة تأريخ الإمام المهدي (عليه السلام) وخصائصه الشريفة، فتنتج من ذلك حقائق عن أهل البيت (عليهم السلام) لا يريدون الإقرار بها أو التعرف عليها، إذ سوف تفتح عليهم أبواباً حينئذٍ يعسر بعد ذلك غلقها لما لها من مردود فكري شيعي، فمنها:
إن أخبار الإمام المهدي (عليه السلام) وملابساتها تفتح الآفاق على موضوع الإمامة التي هي باصطفاء من الله تعالى، والتي منها أيضاً إثارة الحديث في إمامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام).
ومنها: إن هذا الإمام المصلح المهدي (عليه السلام) سيتخذ الكوفة في العراق عاصمة لدولته، ومحلاً لسكناه، ومنطلقاً لإدارة العالم كله، فسوف تكون هذه البلدة المركز الرئيسي للعالم الإسلامي، والمعروف قديماً وحديثاً أن سكانها هم من شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، فهي بلدة شيعية خالصة، فقد جاء في الأخبار أن من هذه البلدة رفقاءه، فلماذا اختصت به هذه البلدة الشيعية دون غيرها من سائر البلادين الأخرى التي يقطنها السنة؟!.
فمن ذلك هو ما ورد عن فطر، عن أبي الطفيل، قال: سمعت علياً عليه

(٢٦٣)

السلام يقول: إذا قام قائم آل محمد جمع الله له أهل المشرق وأهل المغرب، فيجتمعون كما يجتمع قزع الخريف، فأما الرفقاء فمن أهل الكوفة، وأما الأبدال فمن أهل الشام.(592)
كما أن الذين سوف ينصرونه أيضاً ويدعون له هم من أهل خراسان، وهي بلاد شيعية قديماً وحديثاً، فقد جاء في بعض الروايات: (يخرج أهل خراسان في طلب المهدي فيدعون له وينصرونه).(593)
كما أن الدجال الذي يخرج لقتال الإمام المهدي (عليه السلام) أول ما يقصد من المدن هي الكوفة، فقد جاء عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، عن عبد الله قال: أول أهل أبيات يفزعهم الدجال أهل الكوفة(594) وهنا يطرح هذا السؤال: فلماذا بالذات الكوفة دون غيرها من سائر البلاد؟! وهذا ما يدل على أن الكوفة تشكل رعباً لأعداء أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، وذلك بما تكنه هذه البلدة من ولاء وتشيع لعترة النبي (صلّى الله عليه وآله).
كما أن العدو اللدود السفياني الأموي الذي يخرج هو الآخر أيضاً لقتال الإمام المهدي (عليه السلام) أول ما يستهدفه أيضاً من المدن هي الكوفة، وما ذلك إلا لكونها المركز الرئيسي للتشيع في العالم كله، وفيها شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، كما أنها سوف تكون عاصمة لدولة الإمام المهدي (عليه السلام)، ولذا تكون هذه المدينة هدفاً لمطامعه، ونواياه السيئة، فقد ورد أن السفياني يدخل الكوفة، ويقتل فيها أعوان آل محمد وشيعتهم، فمن ذلك ما رواه الحاكم في المستدرك عن أبي رومان، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: (يظهر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(592) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ١/ ٢٩٧، ينابيع المودة، القندوزي: ٣/ ٢٦٤ح١٤.
(593) كتاب الفتن، نعيم بن حماد: ١٨٣.
(594) كتاب الفتن، نعيم بن حماد: ٣٢٥.

(٢٦٤)

السفياني على الشام.. إلى أن قال: وتقبل خيل السفياني ويقتلون شيعة آل محمد (صلّى الله عليه وآله) بالكوفة، ثم يخرج أهل خراسان في طلب المهدي).(595)
وروي أيضاً عن ابن زرير، عن عمار بن ياسر قال: إذا بلغ السفياني الكوفة وقتل أعوان آل محمد خرج المهدي على لوائه...(596)
وفي رواية أخرى: (وتقبل خيل السفياني كالليل والسيل، فلا تمر بشيء إلا أهلكته وهدمته حتى يدخلوا الكوفة فيقتلون شيعة آل محمد (صلّى الله عليه وآله)، ثم يطلبون أهل خراسان في كل وجه، ويخرج أهل خراسان في طلب المهدي فيدعون له وينصرونه.(597)
وقد جاء في الروايات: أن السفياني عثمان بن عنبسة هو من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان.. يخرج من ناحية مدينة دمشق في واد يقال له الوادي اليابس...(598)
ونفهم من مجمل هذه الأخبار أن الحملة التي تقود الحرب والقتال نحو الإمام المهدي (عليه السلام) هي حملة أموية خالصة، وعلى ما يبدو أن السفياني وأتباعه سوف يكونون في بداية أمرهم القوة الضاربة دون غيرهم، ومن المعلوم أن السفياني لا يخرج للقتال بوحده، وإنما يخرج ومعه أتباع وأنصار كُثر يتبنون طريقته الأموية وفكره المنحرف، وهذا الخط بلا شك هو الخط المعادي لخط أهل البيت (عليهم السلام) والذين عرفوا بنصبهم وعدواتهم لهم، وإلا ما هو تفسير سبب قتال السفياني وأتباعه للإمام المهدي (عليه السلام) ومحاربتهم له، وهو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(595) المستدرك، الحاكم: ٤/ ٥٠٢.
(596) كتاب الفتن، نعيم بن حماد: ١٩٠.
(597) كتاب الفتن، نعيم بن حماد: ١٨٣، كنز العمال، المتقي الهندي: ١١/ ٢٧٣، ح ٣١٤٩٧.
(598) عقد الدرر في أخبار المنتظر (عليه السلام)، المقدسي الشافعي: ٧٢ - ٧٣،: الباب٤.

(٢٦٥)

الإمام المصلح من أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولماذا يقصد بالذات الكوفة وخراسان - وهما بلدتان شيعيتان - دون غيرهما من سائر البلاد الإسلامية؟!
وهؤلاء أعني أتباع بني أمية والسفياني لا يخلو منهم زمان، وعلامتهم الدفاع عن بني أمية، وتبني أفكارهم وعقائدهم!!
وهذه الأسرة أسرة أبي سفيان عرفت منذ القدم ببغضها وكراهيتها لعترة النبي (صلّى الله عليه وآله)، ولا عجب في ذلك فقد ورثوا البغضاء أباً عن جد.
هذا وقد جاءت صفة السفياني في بعض الأخبار كما في كتاب الفتن لنعيم بن حماد، عن الحارث بن عبد الله قال: يخرج رجل من ولد أبي سفيان في الوادي اليابس في رايات حمر، دقيق الساعدين والساقين، طويل العنق، شديد الصفرة، به أثر العبادة.(599)
وهذه إحدى الإشارات الواضحة، والدلائل الناصعة أن السفياني يري الناس أنه متدين وعابد، فيأخذ الإسلام ذريعة للتغطية على جرائمه، وكي يخدع الناس بمكره وحيله! كما هو شأن الدجالين والضالين عن طريق الحق.
إلى غير ذلك من الأمور التي تنتج وتتمخض من جملة هذه الأخبار الخاصة بالإمام المهدي (عليه السلام) والتي يخافون من إثارتها.
قال بعض الكتاب في بعض مواقع الانترنيت تحت عنوان (الكثير من الوهابية يتجاهلون قضية الإمام المهدي (عليه السلام)) فقال بتلخيص منا: الكثير من الوهابية يتجاهلون قضية الإمام المهدي (عليه السلام) يريدون صنع تغطية إعلامية كبرى عليها، وذلك لأن ذكر المهدي (عليه السلام) يعني تحطيم يوم السقيفة! لأن نشر خبر المهدي والتمهيد له (عليه السلام) يعني إسقاط مذاهب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(599) كتاب الفتن، نعيم بن حماد: ١٦٦.

(٢٦٦)

بكاملها، وإعلان أحقية مذهب واحد فقط!!
روى الحاكم النيسابوري عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقاتلونكم قتالاً لم يقاتله قوم، ثم ذكر شيئاً فقال: إذا رأيتموه فبايعوه، ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.(600)
فأين إذن هي الشورى، فهل خلافة الإمام المهدي (عليه السلام) شورى أم نصٌّ من الله تعالى؟!، فإنا نجد في هذا الحديث أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد حدّد شخصاً واحداً فقط، وقد عيّنه، وأمر ببيعته فوراً وهو الإمام المهدي (عليه السلام) وأطلق عليه خليفة الله، فإذن هي ليست عن طريق الشورى، وذلك لأن المهدي اختاره الله تعالى وهذا يعني أن خلافته بنص منه تعالى، ولذا أطلق عليه النبي (صلّى الله عليه وآله) (خليفة الله المهدي)، وبمجرد رؤيته وجب فوراً بيعته، فليس إذن اختيار الخليفة بيد الناس، فعلى هذا أن خليفة الله المهدي لا ينطبق إلا على المهدي الذي تعتقد الشيعة بإمامته، وأنه يخرج في آخر الزمان، وأنه المنصوص عليه من الله تعالى ورسوله (صلّى الله عليه وآله)، ولا شأن للناس في إمامته وتعيينه!
فالخلاصة: أقول: من هنا لا يروق لهؤلاء وأمثالهم أن يتعرف الناس على تأريخ الإمام المهدي (عليه السلام) الذي هو في الواقع لا يمكن التفكيك بينه وبين تأريخ آبائه وأجداده الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) فنراهم يعتمون على ذلك كله، ولا يظهرونه بالشكل اللائق به.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(600) المستدرك، الحاكم: ٤/ ٤٦٤.

(٢٦٧)

البشارات بالإمام المهدي (عليه السلام)
بشارة النبي (صلّى الله عليه وآله) بالإمام المهدي (عليه السلام)
لقد جاءت البشارات بظهور الإمام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان على لسان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام)(601) وأنه سوف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وهي كثيرة جداً من طرق الخاصة والعامة, وهنا نستعرض بعض الأحاديث الشريفة التي بشرت بظهوره (عليه السلام)، وأنه الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فمن ذلك ما رواه محمد بن جرير الطبري (رحمه الله تعالى) في كتاب دلائل الإمامة، والشيخ الصدوق في كتاب كمال الدين، بأسانيدهما عن النبي (صلّى الله عليه وآله)، فمنها ما يلي:
١ - عن عبد الله بن مسعود، قال: كنا جلوساً عند النبي (صلّى الله عليه وآله) ذات يوم، إذ أقبل فتية من بني عبد المطلب، فلما نظر إليهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) اغرورقت عيناه، فقلنا: يا رسول الله، لا نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه؟ قال: إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(601) ومن هذه البشارات أيضاً ما جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن الكتب التي عنيت بهذا الموضوع هو كتاب: (الإمام المهدي في نهج البلاغة) تأليف الشيخ مهدي فقيه إيماني.

(٢٧١)

سيلقون بعدي بلاء وتطريداً وتشريداً، حتى يجيء قوم من هاهنا - وأشار بيده إلى المشرق - أصحاب رايات سود، يسألون الحق فلا يعطونه - حتى أعادها ثلاثاً - فيقاتلون فينصرون، ولا يزالون كذلك حتى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي، فيملأها قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، فمن أدركه منكم فليأته ولو حبواً على الثلج.
٢ - عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): كيف تهلك أمة أنا أولها، وعيسى بن مريم في آخرها، والمهدي من أهل بيتي في وسطها؟!
٣ - عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): والذي نفسي بيده، إن مهدي هذه الأمة الذي يصلي خلفه عيسى منا، ثم ضرب منكب الحسين (عليه السلام)، وقال: من هذا، من هذا.
٤ - عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين، عن أبيه (عليهما السلام) أن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال لفاطمة صلوات الله عليها: المهدي من ولدك.
٥ - عن عبد الله بن مسعود، قال: كنت عند النبي (صلّى الله عليه وآله) إذ مرّ فتية من بني هاشم، كأن وجوههم المصابيح، فبكى النبي (صلّى الله عليه وآله) فقلت: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال إنا أهل بيت قد اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنه سيصيب أهل بيتي قتل وتطريد وتشريد في البلاد، حتى يتيح الله لنا راية تجيء من المشرق، من نصرها نصر، ومن يشاقها يشاق، ثم يخرج عليهم رجل من أهل بيتي اسمه كاسمي، وخلقه كخلقي، تؤوب إليه أمتي كما تؤوب الطير إلى أوكارها، فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.
٦ - عن الإمام الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام)، عن أبيه، عن جده الحسين، وعن عمه الحسن، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: قال لي: يا علي، إذا تمّ من ولدك أحد عشر إماماً، فالحادي عشر منهم المهدي من أهل بيتي.

(٢٧٢)

٧ - عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: إذا توالت ثلاثة أسماء من الأئمة من ولدي: محمد وعلي والحسن، فرابعها هو القائم المأمول المنتظر.
٨ - عن سلمان (رضي الله عنه)، قال: قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إن الله (تبارك وتعالى) لم يبعث نبياً ولا رسولاً إلا جعل له اثني عشر نقيباً. فقلت: يا رسول الله، لقد عرفت هذا من أهل الكتابين.
فقال: يا سلمان: هل علمت من نقبائي ومَنْ الاثنا عشر الذين اختارهم الله للأمة من بعدي؟ فقلت: الله ورسوله أعلم.
فقال: يا سلمان، خلقني الله من صفوة نوره، ودعاني فأطعته، وخلق من نوري علياً، ودعاه فأطاعه، وخلق من نور علي فاطمة، ودعاها فأطاعته، وخلق مني ومن علي وفاطمة: الحسن، ودعاه فأطاعه، وخلق مني ومن علي وفاطمة: الحسين، فدعاه فأطاعه، ثم سمانا بخمسة أسماء من أسمائه، فالله المحمود وأنا محمد، والله العلي وهذا علي، والله الفاطر وهذه فاطمة، والله ذو الإحسان وهذا الحسن، والله المحسن وهذا الحسين، ثم خلق منا ومن نور الحسين، تسعة أئمة، فدعاهم فأطاعوه، قبل أن يخلق سماء مبنية، وأرضاً مدحية، ولا ملكاً ولا بشراً، وكنا نوراً نسبح الله، ونسمع له ونطيع.
قال سلمان: فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، فما لمن عرف هؤلاء؟
فقال: يا سلمان، من عرفهم حقّ معرفتهم، واقتدى بهم، ووالى وليّهم، وتبرأ من عدوهم، فهو والله منا، يرد حيث نرد، ويسكن حيث نسكن. فقلت: يا رسول الله، وهل يكون إيمان بهم بغير معرفة بأسمائهم وأنسابهم؟ فقال: لا يا سلمان، فقلت: يا رسول الله، فأنى لي بهم وقد عرفت إلى الحسين؟
قال: ثم سيد العابدين علي بن الحسين، ثم ابنه محمد بن علي باقر علم الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين، ثم ابنه جعفر بن محمد لسان الله الصادق، ثم ابنه موسى بن جعفر الكاظم غيظه صبراً في الله (عزَّ وجلَّ)، ثم ابنه

(٢٧٣)

علي بن موسى الرضي لأمر الله، ثم ابنه محمد بن علي المختار من خلق الله، ثم ابنه علي بن محمد الهادي إلى الله، ثم ابنه الحسن بن علي الصامت الأمين لسرّ الله، ثم ابنه محمد بن الحسن الهادي المهدي الناطق القائم بحق الله.
ثم قال: يا سلمان، إنك مدركه(602) ومن كان مثلك، ومن تولاه بحقيقة المعرفة، قال سلمان: فشكرت الله كثيراً، ثم قلت: يا رسول الله وإني مؤجل إلى عهده؟ قال: يا سلمان اقرأ (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا، ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا).(603)
قال سلمان: فاشتدّ بكائي وشوقي، ثم قلت: يا رسول الله، أبعهد منك؟ فقال: إي والله، الذي أرسل محمداً بالحق، مني ومن علي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة، وكلّ من هو منا ومعنا، ومضام فينا، إي والله يا سلمان، وليحضرن إبليس وجنوده، وكلّ من محّض الإيمان محضاً، ومحّض الكفر محضاً، حتى يؤخذ بالقصاص والأوتار، ولا يظلم ربك أحدا، ويحقق تأويل هذه الآية: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ).(604)
قال سلمان: فقمت من بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وما يبالي سلمان متى لقي الموت، أو الموت لقيه.(605)
٩ - الشيخ الصدوق بالإسناد: عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(602) يعني في الرجعة، والآية الكريمة تشير إلى ذلك.

(603) سورة الإسراء, الآية: ٦ - ٧.
(604) سورة القصص, الآية: ٥ - ٦.
(605) دلائل الإمامة, محمد بن جرير الطبري (الشيعي): ٤٤٢ - ٤٥٠.

(٢٧٤)

صلى الله عليه وآله: إن خلفائي وأوصيائي، وحجج الله على الخلق بعدي اثنا عشر: أولهم أخي وآخرهم ولدي، قيل: يا رسول الله ومن أخوك؟ قال: علي بن أبي طالب، قيل: فمن ولدك؟ قال: المهدي الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحق نبياً لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلي خلفه، وتشرق الأرض بنوره، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب.
١٠ - الشيخ الصدوق بالإسناد: عن الأصبغ بن نباته، عن عبد الله بن عباس قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون.
١١ - الشيخ الصدوق بالإسناد: عن عباية بن ربعي، عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أنا سيد النبيين، وعلي بن أبي طالب سيد الوصيين، وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم (عليهم السلام).(606)
بشارة الإمام الصادق (عليه السلام) بالإمام المهدي (عليه السلام)
قد ورد الكثير من الروايات عن الإمام الصادق (عليه السلام) في البشارة بالإمام المهدي (عليه السلام)، وأمر غيبته وخروجه(607) وجاء في روضة الواعظين أن الإمام الصادق (عليه السلام) كثيراً ما يقول:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(606) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ص ٢٨٠ ح٢٧ - ٢٩.
(607) ومن الكتب المؤلفة في هذا الموضوع هو كتاب (غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) عند الإمام الصادق (عليه السلام)) للسيد ثامر هاشم العميدي نشر وإصدار مركز الرسالة، وكتاب (الإمام المهدي وعلامات ظهوره عند الإمام الصادق (عليه السلام)) لمحسن عقيل.

(٢٧٥)

لكلّ أناس دولةٌ يرقبونها * * * ودولتنا في آخر الدهر تظهرُ(608)

وروى الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى) عن أبي إبراهيم الكوفي قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فكنت عنده إذ دخل عليه أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) وهو غلام فقمت إليه وقبلت رأسه، وجلست فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا أبا إبراهيم أما إنه صاحبك من بعدي، يخرج الله تبارك وتعالى من صلبه تكملة اثني عشر مهدياً، واختصهم الله بكرامته، وأحلهم دار قدسه, المنتظر للثاني عشر كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يذب عنه.
فدخل رجل من موالي بني أمية فانقطع الكلام، وعدت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) خمس عشرة مرة أريد استتمام الكلام فما قدرت على ذلك، فلما كان من قابل دخلت عليه وهو جالس فقال لي: يا أبا إبراهيم، هو المفرج للكرب عن شيعته بعد ضنك شديد، وبلاء طويل وجور، فطوبى لمن أدرك ذلك الزمان، حسبك الله يا أبا إبراهيم، قال أبو إبراهيم: فما رجعت بشيء أسر إليَّ من هذا، ولا أفرح لقلبي منه.(609)
إلى غير ذلك من الروايات الشريفة في هذا الباب، وهي كثيرة جداً.
بشارة الإمام الرضا بالإمام المهدي (عليهما السلام) وقصيدة دعبل
روى ابن شهر آشوب (رحمه الله تعالى): لما أنشد دعبل الخزاعي الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قصيدته: أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً.. وساق القصيدة إلى أن انتهى إلى قوله: وقبر ببغداد لنفس زكية.. قال الرضا (عليه السلام): أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(608) روضة الواعظين، الفتال النيسابوري: ٢٦٧ - ٢٦٨.
(609) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٦٤٧ ح٨، كتاب الغيبة, النعماني: ٩٠ ح٢١.

(٢٧٦)

قال: بلى يا ابن رسول الله، فقال (عليه السلام):

وقبر بطوسٍ يا لها من مصيبةٍ * * * ألحّت بها الأحشاءُ بالزفراتِ
إلى الحشر حتى يبعث اللهُ قائماً * * * يفرجُ عنّا الهّمَ والكرباتِ

فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا الذي بطوس قبر من هو؟ قال: قبري، ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري.
فلما انتهى إلى قوله:

خروجُ إمام لا محالة واقعٌ * * * يقومُ على اسم الله والبركاتِ
يميز فينا كلّ حقٍ وباطلٍ * * * ويجزي على النعماءِ والنقماتِ

قال الرضا (عليه السلام): يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين.
وفي رواية: رزقك الله رؤيته وحشرك في زمرته.
قال: فحباه بمائة دينار، فردّ الصرة، وسأل ثوباً من ثياب الرضا (عليه السلام) ليتبرك به ويتشرف، فأنفذ إليه بجبة خز مع الصرة، وقال للخادم: قل له: خذ هذه الصرة، فإنك ستحتاج إليها، ولا تراجعني فيها. فانصرف دعبل...(610)
وأخرج شيخ الإسلام أبو إسحاق الحموي، عن أحمد بن زياد، عن دعبل الخزاعي، قال: أنشدت قصيدة لمولاي علي الرضا (رضي الله عنه):

مدارسُ آياتٍ خلت من تلاوةٍ * * * ومنزلُ وحيٍّ مقفر العرصاتِ

إلى أن قال دعبل: ثم قرأت باقي القصيدة فلما انتهيت إلى قولي:

خروجُ إمامٍ لا محالة واقعٌ * * * يقومُ على اسم اللهِ والبركاتِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(610) مناقب آل أبي طالب, ابن شهر آشوب: ٣ / ٤٥٠.

(٢٧٧)

بكى الرضا بكاء شديداً ثم قال: يا دعبل نطق روح القدس بلسانك أتعرف من هذا الإمام؟! قلت: لا، إلا أني سمعت خروج إمام منكم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
فقال (عليه السلام): إن الإمام بعدي ابني محمد، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم، وهو المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وأما متى يقوم فإخبار عن الوقت! لقد حدثني أبي، عن آبائه، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلا بغتة.(611)
قيام الإمام الرضا (عليه السلام) عند ذكر الحجة (عليه السلام)
في مشكاة الأنوار ومؤجج الأحزان: روي أنه لما قرأ دعبل قصيدته على الرضا (عليه السلام) وذكر الحجة (عجَّل الله فرجه) بقوله:

فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غدٍ * * * تقطّع نفسي إثرهم حسراتي
خروجُ إمام لا محالة خارجٌ * * * يقوم على اسم اللهِ والبركاتِ

وضع الرضا (عليه السلام) يده على رأسه، وتواضع قائماً، ودعى له بالفرج, وحكاه عن المشكاة صاحب الدمعة الساكبة وغيره.(612)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(611) الغدير, الشيخ الأميني: ٢ / ٣٥٥.
(612) الغدير, الشيخ الأميني: ٢ / ٣٦١.

(٢٧٨)

ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)
كلام بعض الأعلام في ولادة الإمام (عليه السلام)
قال الشيخ المفيد (رحمه الله تعالى): وكان الإمام بعد أبي محمد (عليه السلام) ابنه المسمى باسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، المكنى بكنيته، ولم يخلف أبوه ولداً غيره ظاهراً ولا باطناً، وخلّفه غائباً مستتراً على ما قدمنا ذكره، وكان مولده (عليه السلام) ليلة النصف من شعبان، سنة خمس وخمسين ومائتين.
وكان سنّه عند وفاة أبي محمد خمس سنين، آتاه الله فيها الحكمة وفصل الخطاب، وجعله آية للعالمين، وآتاه الحكمة كما آتاها يحيى صبياً، وجعله إماماً في حال الطفولية الظاهرة كما جعل عيسى بن مريم (عليه السلام) في المهد نبيا.(613)
قال الشهيد (رحمه الله) في الدروس: ولد (عليه السلام) بسرّ من رأى يوم الجمعة ليلاً خامس عشر شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين.(614)
وقال العلامة المجلسي (رحمه الله تعالى): عن الشيخ في المصباحين والسيد ابن طاووس في كتاب الإقبال، وسائر مؤلفي كتب الدعوات، ولادته (عليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(613) الإرشاد, الشيخ المفيد: ٢ / ٣٣٩.
(614) الدروس, الشهيد الأول: ١٦.

(٢٧٩)

السلام) في النصف من شعبان، وقال: في الفصول المهمة(615): ولد (عليه السلام) بسرّ من رأى ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين.(616)
بركة الليلة التي ولد فيها الإمام (عليه السلام)
روى الشيخ الطوسي (رحمه الله تعالى) بالإسناد عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: إن في الليلة التي يولد فيها الإمام لا يولد مولود إلا كان مؤمناً، وإن ولد في أرض الشرك نقله الله إلى الإيمان ببركة الإمام (عليه السلام).(617)
وقال الشيخ المجلسي (رحمه الله تعالى): نُقل من خط الشهيد (رحمه الله تعالى) عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إن الليلة التي يولد فيها القائم (عليه السلام) لا يولد فيها مولود إلا كان مؤمناً...(618)
أمّ الإمام (عليه السلام)
قال الشيخ المفيد (رحمه الله تعالى): وأمه (عليها السلام) أم ولد، يقال لها: نرجس.(619)
وقال الشهيد (رحمه الله) في الدروس: ولد (عليه السلام) بسرّ من رأى يوم الجمعة ليلاً خامس عشر شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين, وأمه (عليها السلام) صقيل، وقيل: نرجس.(620)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(615) الفصول المهمة، ابن الصباغ المالكي: ص١١٠٢.
(616) بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ١٥/٢٨.
(617) الأمالي, الطوسي: ٤١٢ ح٧٣، تأويل الآيات, شرف الدين الحسيني: ١ / ١٦٦.
(618) بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ١٥/٢٨.
(619) الإرشاد، الشيخ المفيد: ٢ / ٣٣٩.
(620) الدروس, الشهيد الأول: ١٦.

(٢٨٠)

وروى الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى): عن محمد بن يحيى العطار، قال: حدثني أبو علي الخيزراني، عن جارية له كان أهداها لأبي محمد (عليه السلام) فلما أغار جعفر الكذاب على الدار جاءته فارَّةً من جعفر، فتزوج بها، قال أبو علي: فحدثتني أنها حضرت ولادة السيد (عليه السلام)، وأن اسم أم السيد صقيل، وأن أبا محمد (عليه السلام) حدثها بما يجري على عياله، فسألته أن يدعو الله (عزَّ وجلَّ) لها أن يجعل منيتها قبله، فماتت في حياة أبي محمد (عليه السلام) وعلى قبرها لوح مكتوب عليه: هذا قبر أمّ محمد.
قال أبو علي: وسمعت هذه الجارية تذكر أنه لما ولد السيد (عليه السلام) رأت لها نوراً ساطعاً قد ظهر منه وبلغ أفق السماء، ورأيت طيوراً بيضاء تهبط من السماء، وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده، ثم تطير، فأخبرنا أبا محمد (عليه السلام) بذلك فضحك، ثم قال: تلك ملائكة نزلت للتبرك بهذا المولود وهي أنصاره إذا خرج.(621)
ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) برواية حكيمة (عليها السلام)
روى الشيخ الصدوق: عن موسى بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: حدثتني حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قالت: بعث إليَّ أبو محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) فقال: يا عمة اجعلي إفطارك هذه الليلة عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان، فإن الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة، وهو حجته في أرضه.
قالت: فقلت له: ومن أمه؟ قال لي: نرجس، قلت له: جعلني الله فداك ما بها أثر؟! فقال: هو ما أقول لك، قالت: فجئت، فلما سلّمت وجلست جاءت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(621) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٤٣١ ح٧.

(٢٨١)

تنزع خفي، وقالت لي: يا سيدتي وسيدة أهلي كيف أمسيت؟ فقلت: بل أنت سيدتي وسيدة أهلي، قالت: فأنكرت قولي وقالت: ما هذا يا عمة؟ قالت: فقلت لها: يا بنية إن الله تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيداً في الدنيا والآخرة، قالت: فخجلت واستحيت!
فلما أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت وأخذت مضجعي فرقدت، فلما أن كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث ثم جلست معقبة، ثم اضطجعت، ثم انتبهت فزعة وهي راقدة، ثم قامت فصلّت ونامت.
قالت حكيمة: وخرجت أتفقد الفجر فإذا أنا بالفجر الأول كذنب السرحان وهي نائمة فدخلني الشكوك، فصاح بي أبو محمد (عليه السلام) من المجلس فقال: لا تعجلي يا عمة فهاك الأمر قد قرب، قالت: فجلست وقرأت ألم السجدة ويس، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة! فوثبت إليها، فقلت: اسم الله عليك، ثم قلت لها: أتحسين شيئاً؟ قالت: نعم يا عمة، فقلت لها: اجمعي نفسك، واجمعي قلبك فهو ما قلت لك.
قالت: فأخذتني فترة وأخذتها فترة فانتبهت بحس سيدي فكشفت الثوب عنه، فإذا أنا به (عليه السلام) ساجداً يتلقى الأرض بمساجده، فضممته إليَّ فإذا أنا به نظيف متنظف فصاح بي أبو محمد (عليه السلام) هلمي إليَّ ابني يا عمة فجئت به إليه فوضع يديه تحت أليتيه وظهره، ووضع قدميه على صدره، ثم أدلى لسانه في فيه، وأمرّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله، ثم قال: تكلم يا بني، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ثم صلّى على أمير المؤمنين، وعلى الأئمة (عليهم السلام) إلى أن وقف على أبيه، ثم أحجم.
ثم قال أبو محمد (عليه السلام): يا عمة اذهبي به إلى أمه ليسلم عليها وائتني به، فذهبت به فسلّم عليها، ورددته فوضعته في المجلس، ثم قال: يا عمة إذا كان يوم السابع فأتينا قالت حكيمة: فلما أصبحت جئت لأسلم على أبي محمد عليه

(٢٨٢)

السلام وكشفت الستر لأتفقد سيدي (عليه السلام) فلم أره، فقلت: جعلت فداك ما فعل سيدي؟
فقال: يا عمة استودعناه الذي استودعته أم موسى موسى (عليه السلام)!
قالت حكيمة: فلما كان في اليوم السابع جئت فسلّمت وجلست فقال: هلمي إليَّ ابني، فجئت بسيدي (عليه السلام) وهو في الخرقة ففعل به كفعلته الأولى، ثم أدلى لسانه في فيه كأنه يغذيه لبناً أو عسلاً، ثم قال: تكلم يا بني، فقال: أشهد أن لا إلا إله الله، وثنى بالصلاة على محمد، وعلى أمير المؤمنين، وعلى الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين حتى وقف على أبيه (عليه السلام)، ثم تلا هذه الآية: بسم الله الرحمن الرحيم (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ).(622)
قال موسى: فسألت عقبة الخادم عن هذه؟ فقال: صدقت حكيمة.(623)
وفي رواية أخرى عن السيدة حكيمة (عليها السلام) في حديث لها عن ولادة الإمام (عليه السلام) قالت: فمضى أبو الحسن (عليه السلام) وجلس أبو محمد (عليه السلام) مكان والده، وكنت أزوره كما كنت أزور والده فجاءتني نرجس يوماً تخلع خفي، فقالت: يا مولاتي ناوليني خفك، فقلت: بل أنت سيدتي ومولاتي، والله لا أدفع إليك خفي لتخلعيه، ولا لتخدميني بل أنا أخدمك على بصري! فسمع أبو محمد (عليه السلام) ذلك فقال: جزاك الله يا عمة خيراً، فجلست عنده إلى وقت غروب الشمس فصحت بالجارية وقلت: ناوليني ثيابي لأنصرف، فقال (عليه السلام): لا يا عمتا، بيتي الليلة عندنا فإنه سيولد الليلة المولود الكريم على الله (عزَّ وجلَّ) الذي يحيى الله (عزَّ وجلَّ) به الأرض بعد موتها،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(622) سورة القصص, الآية: ٥ - ٦.
(623) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٤٢٤ - ٤٢٦ح١.

(٢٨٣)

فقلت: ممن يا سيدي؟ ولست أرى بنرجس شيئاً من أثر الحبل! فقال: من نرجس لا من غيرها.
قالت: فوثبت إليها فقلبتها ظهراً لبطن فلم أر بها أثر حبل، فعدت إليه (عليه السلام) فأخبرته بما فعلت، فتبسم! ثم قال لي: إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل، لأن مثلها مثل أم موسى (عليه السلام) لم يظهر بها الحبل، ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها، لأن فرعون كان يشقّ بطون الحبالى في طلب موسى (عليه السلام)، وهذا نظير موسى (عليه السلام).
قالت حكيمة: فعدت إليها فأخبرتها بما قال، وسألتها عن حالها، فقالت: يا مولاتي ما أرى بي شيئاً من هذا، قالت حكيمة: فلم أزل أرقبها إلى وقت طلوع الفجر وهي نائمة بين يدي لا تقلب جنباً إلى جنب، حتى إذا كان آخر الليل وقت طلوع الفجر وثبت فزعة! فضممتها إلى صدري، وسميت عليها، فصاح إليَّ أبو محمد (عليه السلام) وقال: اقرئي عليها (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) فأقبلت أقرأ عليها وقلت لها: ما حالك؟ قالت: ظهر بي الأمر الذي أخبرك به مولاي، فأقبلت أقرأ كما أمرني، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ مثل ما أقرأ، وسلَّم عليَّ.
قالت حكيمة: ففزعت لما سمعت! فصاح بي أبو محمد (عليه السلام): لا تعجبي من أمر الله (عزَّ وجلَّ)، إن الله تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغاراً، ويجعلنا حجة في أرضه كباراً، فلم يستتم الكلام حتى غيبت عني نرجس، فلم أرها، كأنه ضرب بيني وبينها حجاب! فعدوت نحو أبي محمد (عليه السلام) وأنا صارخة! فقال لي: ارجعي يا عمة، فإنك ستجدينها في مكانها.
قالت: فرجعت، فلم ألبث أن كشف الغطاء الذي كان بيني وبينها، وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشى بصري! وإذا أنا بالصبي (عليه السلام) ساجداً لوجهه، جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبابتيه، وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن جدي محمداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله), وأن أبي أمير المؤمنين، ثم عدّ إماماً إماماً إلى أن بلغ إلى نفسه، ثم قال: اللهم انجز لي ما

(٢٨٤)

وعدتني، وأتمم لي أمري، وثبّت وطأتي، واملأ الأرض بي عدلاً وقسطاً...(624)
وفي رواية الحسين بن حمدان الخصيبي، قال: قالت حكيمة (عليها السلام): فلما كان في اليوم السابع جئت فسلمت، ثم جلست فقال (عليه السلام): هلمي ابني، فجئت بسيدي وهو في ثياب صفر، ففعل به كفعاله الأول، وجعل لسانه (عليه السلام) في فيه ثم قال له: تكلم يا بني، فقال (عليه السلام): أشهد أن لا إله إلا الله، وثنى بالصلاة على محمد وأمير المؤمنين والأئمة حتى وقف على أبيه (عليه السلام)، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ).(625)
ثم قال له: اقرأ يا بني مما أنزل الله على أنبيائه ورسله، فابتدأ بصحف آدم فقرأها بالسريانية، وكتاب إدريس، وكتاب نوح، وكتاب هود، وكتاب صالح، وصحف إبراهيم، وتوراة موسى، وزبور داود، وإنجيل عيسى، وفرقان جدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ثم قصّ قصص الأنبياء والمرسلين إلى عهده، فلما كان بعد أربعين يوماً دخلت دار أبي محمد (عليه السلام) فإذا مولانا صاحب الزمان يمشي في الدار، فلم أر وجهاً أحسن من وجهه (عليه السلام)، ولا لغة أفصح من لغته.
فقال لي أبو محمد (عليه السلام): هذا المولود الكريم على الله (عزَّ وجلَّ)، قلت له: يا سيدي له أربعون يوماً وأنا أرى من أمره ما أرى؟ فقال (عليه السلام): يا عمتي، أما علمت أنا معشر الأوصياء ننشؤ في اليوم ما ينشؤ غيرنا في الجمعة، وننشؤ في الجمعة ما ينشؤ غيرنا في السنة؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(624) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٤٢٧ - ٤٢٨، روضة الواعظين، الفتال النيسابوري: ٢٥٨ - ٢٥٩.
(625) سورة القصص, الآية: ٥ - ٦.

(٢٨٥)

فقمت فقبلت رأسه فانصرفت، فعدت وتفقدته فلم أره! فقلت لسيدي أبي محمد (عليه السلام): ما فعل مولانا؟ فقال: يا عمة، استودعناه الذي استودعته أمُّ موسى (عليه السلام).(626)
عقيقة الإمام (عليه السلام)
عن إبراهيم صاحب أبي محمد (عليه السلام) أنه قال: وجه إليَّ مولاي أبو الحسن (عليه السلام) بأربعة أكبش، وكتب إليَّ: بسم الله الرحمن الرحيم (عق) هذه عن ابني محمد المهدي، وكُل - هنأك الله - وأطعم من وجدت من شيعتنا.(627)
وفي خبر الصدوق في كمال الدين: أن أبا محمد (عليه السلام)، أمر بأن يعق عنه (عجل الله تعالى فرجه) بثلثمائة كبش.(628)
وروى الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى): عن أبي جعفر العمري قال: لما ولد السيد قال أبو محمد (عليه السلام): إبعثوا إلى أبي عمرو - أي عثمان بن سعيد - فبعث إليه فصار إليه فقال: اشتر عشرة آلاف رطل خبزاً, وعشرة آلاف رطل لحماً, وفرّقه، أحسبه قال: على بني هاشم، وعقّ عنه بكذا وكذا شاة.(629)
وروى أيضاً عن عبد الله بن جعفر الحميري قال: حدثني محمد بن إبراهيم الكوفي إن أبا محمد (عليه السلام) بعث إلى بعض من سماه لي بشاة مذبوحة، وقال: هذه من عقيقة ابني محمد.(630)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(626) الهداية الكبرى, الخصيبي:٣٥٦ - ٣٥٧, بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥١/ ٢٧.
(627) بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥١/ ٢٨, مستدرك الوسائل, الميرزا النوري: ١٥/ ١٥٤ ح٣.
(628) مستدرك الوسائل, الميرزا النوري: ١٥/ ١٥٤ ح٣.
(629) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٤٣١ح٦.
(630) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٤٣٢ح١٠.

(٢٨٦)

الأدلة على ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)
والجدير بالذكر أن نشير هنا: من الكتب القيمة التي تناولت موضوع ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)، ومن شهد بولادته، هو كتاب (المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي إصدار مركز الرسالة) فقد ذكر بحوثاً قيمة في ما يرتبط بذلك تحت هذه العناوين التالية:
١ - إخبار الإمام العسكري بولادة ابنه المهدي (عليهما السلام)
٢ - شهادة السيدة الطاهرة حكيمة بنت الإمام الجواد وأخت الإمام الهادي وعمة الإمام العسكري (عليهم السلام)
٣ - من شهد برؤية المهدي من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) وغيرهم.
٤ - رؤية السفراء الأربعة له (عليه السلام) وغيرهم.
٥ - شهادة الخدم والجواري والإماء برؤية المهدي (عليه السلام)
٦ - تصرف السلطة دليل على ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)
٧ - اعترافات علماء الأنساب بولادة الإمام المهدي (عليه السلام)
وجاء فيه تحت هذا العنوان، قال: ولد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في شهر ربيع الآخر سنة ٢٣٢ ه‍، وقد عاصر ثلاثة من سلاطين بني العباس وهم: المعتز (ت ٢٥٥هـ)، والمهتدي (ت ٢٥٦هـ)، والمعتمد (ت٢٧٩هـ) وقد كان المعتمد شديد التعصب والحقد على آل البيت (عليهم السلام) ومن تصفح كتب التاريخ المشهورة كالطبري وغيره، واستقرأ ما في حوادث سنة (٢٥٧هـ) و(٢٥٨هـ) و(٢٥٩هـ) و(٢٦٠هـ)، وهي السنوات الأولى من حكمه، علم مدى حقده على أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
ولقد عاقبه الله في حياته، إذ لم يكن في يده شيء من ملكه حتى إنه احتاج إلى ثلاثمائة دينار فلم ينلها، ومات ميتة سوء! إذ ضجر منه الأتراك فرموه في رصاص مذاب باتفاق المؤرخين.

(٢٨٧)

ومن مواقفه الخسيسة أمره شرطته بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) مباشرة بتفتيش داره تفتيشاً دقيقا،ً والبحث عن الإمام المهدي (عليه السلام) والأمر بحبس جواري أبي محمد (عليه السلام)، واعتقال حلائله يساعدهم بذلك جعفر الكذاب طمعاً في أن ينال منزلة أخيه العسكري (عليه السلام) في نفوس شيعته، حتى جرى بسبب ذلك - كما يقول الشيخ المفيد - على مخلفي أبي محمد (عليه السلام) كلّ عظيمة من اعتقال، وحبس، وتهديد، وتصغير، واستخفاف، وذل.(631)
كلّ هذا والإمام المهدي في الخامسة من عمره الشريف، ولا يهم المعتمد العباسي العمر بعد أن عرف أن هذا الصبي هو الإمام الذي سيهد عرش الطاغوت، نظراً لما تواتر من الخبر بأن الثاني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) سيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.
فكان موقفه من مهدي الأمة كموقف فرعون من نبي الله موسى (عليه السلام) الذي ألقته أمه - خوفاً عليه - في اليّم صبياً، وبعض الشرّ أهون من بعض.
ولم يكن المعتمد العباسي قد عرف هذه الحقيقة وحده، وإنما عرفها من كان قبله كالمعتز والمهدي، ولهذا كان الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) حريصاً على أن لا ينتشر خبر ولادة المهدي إلا بين الخلص من شيعته ومواليه (عليه السلام)، مع أخذ التدابير اللازمة والاحتياطات الكافية لصيانة قادة التشيع من الاختلاف بعد وفاته (عليه السلام)، إذ أوقفهم بنفسه على المهدي الموعود مرات عديدة، وأمرهم بكتمان أمره لمعرفة الطواغيت بأنه (الثاني عشر) الذي ينطبق عليه حديث جابر بن سمرة الذي رواه القوم وأدركوا تواتره، وإلا فأيّ خطر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(631) الإرشاد، الشيخ المفيد: ٢/ ٣٣٦، روضة الواعظين، الفتال النيسابوري: ٢٦٧، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٠/ ٣٣٤.

(٢٨٨)

يهدد كيان المعتمد في مولود يافع لم يتجاوز من العمر خمس سنين؟! لو لم يدرك أنه هو المهدي المنتظر التي رسمت الأحاديث المتواترة دوره العظيم بكلّ وضوح، وبينت موقفه من الجبابرة عند ظهوره.
ولو لم يكن الأمر على ما وصفناه! فلماذا لم تقتنع السلطة بشهادة جعفر الكذاب وزعمه بأن أخاه العسكري (عليه السلام) مات ولم يخلّف ولداً؟! أما كان بوسع السلطة أن تعطي جعفراً الكذاب ميراث أخيه (عليه السلام) من غير ذلك التصرف الأحمق! الذي يدل على ذعرها، وخوفها من ابن الحسن (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)!!...(632)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(632) المهدي المنتظر (عليه السلام) في الفكر الإسلامي، إصدار مركز الرسالة: ١٠٧ - ١١٨.

(٢٨٩)

أسماء الإمام وألقابه الشريفة
للإمام المهدي (عليه السلام) أسماء وألقاب كثيرة، وهي مشتقة من صفاته وخصاله الشريفة، وكلها تشير إلى ماسوف يقوم به من تحقيق القسط والعدل على أرجاء هذه المعمورة، وهي كالتالي:
١ - المهدي
روى الشيخ المجلسي: عن جابر في حديث له عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنما سمي المهدي لأنه يهدي إلى أمر خفي حتى أنه يبعث إلى رجل لا يعلم الناس له ذنباً فيقتله، حتى أن أحدهم يتكلم في بيته فيخاف أن يشهد عليه الجدار.(633)
وجاء في رواية الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى) عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام): فإنما سمي المهدي لأنه يهدي لأمر خفي.(634)
وروى الشيخ الطوسي (رحمه الله تعالى): عن أبي سعيد الخراساني، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): المهدي والقائم واحد؟ فقال: نعم، فقلت: لأيّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(633) بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٩٠ ح٢١٢، تأريخ الكوفة، السيد البراقي: ١١٧.
(634) علل الشرائع, الشيخ الصدوق: ١ / ١٦١ح٣.

(٢٩٠)

شيء سمي المهدي؟ قال: لأنه يهدي إلى كلّ أمر خفي...(635)
٢ - القائم
روى الشيخ المفيد: عن محمد بن عجلان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام القائم (عليه السلام) دعا الناس إلى الإسلام جديداً، وهداهم إلى أمر قد دثر، فضلّ عنه الجمهور، وإنما سمي القائم مهدياً لأنه يهدي إلى أمر قد ضلّوا عنه، وسمي القائم لقيامه بالحق.(636)
وروى الشيخ الصدوق: عن أبي حمزة الثمالي قال: سألت الباقر صلوات الله عليه يا ابن رسول الله ألستم كلكم قائمين بالحق؟ قال: بلى، قلت: فلِمَ سمي القائم قائماً؟
قال: لما قُتل جدي الحسين صلى الله عليه ضجّت الملائكة إلى الله (عزَّ وجلَّ) بالبكاء والنحيب، وقالوا: إلهنا وسيدنا أتغفل عمن قتل صفوتك وابن صفوتك، وخيرتك من خلقك؟! فأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليهم قرّوا ملائكتي، فوعزّتي وجلالي لأنتقمن منهم ولو بعد حين, ثم كشف الله (عزَّ وجلَّ) عن الأئمة من ولد الحسين (عليه السلام) للملائكة، فسرَّت الملائكة بذلك، فإذا أحدهم قائم يصلي، فقال الله (عزَّ وجلَّ): بذلك القائم أنتقم منهم.(637)
وليس هناك تناف في تعدد وجه الحكمة في تسميته (عليه السلام) بالقائم، كما هو شأن الكثير من أسمائهم (عليهم السلام)، والتي تشير إلى أكثر من معنى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(635) كتاب الغيبة، الشيخ الطوسي: ٤٧١ح٤٨٩، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥١ / ٣٠ ح٦.
(636) الإرشاد, الشيخ المفيد: ٢: ٣٨٣، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥١ / ٣٠.
(637) علل الشرائع، الشيخ الصدوق: ١/ ١٦٠ح١، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي:٥١ /٢٨ ح١.

(٢٩١)

٣ - المنتظر
روى الشيخ الصدوق: عن الصقر ابن دلف، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) يقول: إن الإمام بعدي ابني علي أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمامة بعده في ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثم سكت، فقلت له: يا بن رسول الله فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكى (عليه السلام) بكاء شديداً، ثم قال: إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر.
فقلت له: يا بن رسول الله ولم سمي القائم؟
قال: لأنه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته.
فقلت له: ولِم سمي المنتظر؟
قال: لأن له غيبة تكثر أيامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون, ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكثر فيها الوقاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلمون.(638)
قال الحسن النجفي في منتديات السادة المباركة في تسمية الإمام المهدي (عليه السلام) بالمنتظر (بتصرف): إن هذه التسمية لم تأتِ عبثاً أو مصادفة، فقد أكد عليها النبي (صلّى الله عليه وآله) حتى صارت مشهورة عند جميع المسلمين ولا يختلف اثنان في تسمية الإمام بالمهدي المنتظر (عليه السلام)، وقد اعترف بهذه التسمية بعض علماء السنة كابن حجر في كتابه الذي سماه (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر) وكذلك مرعي بن يوسف الحنبلي في كتابه الذي أسماه (فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر) وغيرهما من أعلام السنة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(638) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٣٧٨ح٣، كفاية الأثر، الخزاز القمي: ٢٨٣، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي:٥١ /٣٠ ح٤.

(٢٩٢)

وهذه التسمية لا تصح إلا على الرجل المولود الموجود لا الذي لم يولد بعد، فإن الإنتظار لا يكون إلا للغائب الحي المؤمل رجوعه، ولذا نسأل إخواننا السنة والزيدية عن حكمة هذه التسمية النبوية، ألا يدعو ذلك على أقل تقدير إلى التأمل والتدبر في تلك النبوءة المحمدية الصادقة.
وأضاف بعضهم القول فيما تقدم أنها: نقطة هامة وعليهم أن يدققوا فيها، وهي تلقيبه بالمنتظر فإن سبب هذا اللقب هو قول الرسول (صلّى الله عليه وآله) في الروايات: (سيخرج وسيظهر وسيبعث) مما يعني أنه مولود وينتظر الناس خروجه.
٤ - المنصور
روى فرات الكوفي: عن جعفر بن محمد الفزاري، معنعناً عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: (ومن قُتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً)(639) قال الحسين (عليه السلام): فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا, قال: سمّى الله المهدي المنصور كما سمّى أحمد ومحمد ومحمود، وكما سمّى عيسى المسيح (عليه السلام).(640)
كنيته (عليه السلام)
قال الأربلي: قال ابن الخشاب: حدثني أبو القاسم طاهر بن هارون بن موسى العلوي، عن أبيه، عن جده قال: قال سيدي جعفر بن محمد: الخلف الصالح من ولدي وهو المهدي اسمه محمد، وكنيته أبو القاسم يخرج في آخر الزمان، يقال لأمه: صقيل.
قال لنا أبو بكر الذراع: وفي رواية أخرى بل أمه حكيمة، وفي رواية ثالثة:
يقال لها: نرجس، ويقال: بل سوسن، والله أعلم بذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(639) سورة الإسراء, الآية: ٣٣.
(640) تفسير فرات الكوفي: ٢٤٠ح٣٢٤، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥١ / ٣٠.

(٢٩٣)

ويكنى بأبي القاسم, وهو ذو الإسمين خلف ومحمد، يظهر في آخر الزمان، وعلى رأسه غمامة تظله من الشمس، تدور معه حيثما دار تنادي بصوت فصيح: هذا المهدي.(641)
وقال الشيخ الطوسي (رحمه الله تعالى): ويكنى أبا القاسم، بهذه الكنية أوصى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: اسمه كاسمي، وكنيته كنيتي، لقبه المهدي، وهو الحجة، وهو المنتظر، وهو صاحب الزمان (عليه السلام).(642)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(641) كشف الغمة, الأربلي: ٣ / ٢٧٥، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥١ / ٢٤ ح٣٧، و٣١ ح٩، ينابيع المودة, القندوزي: ٣ / ٣٩٢ ح٣٧.
(642) كتاب الغيبة, الطوسي: ٢٧١ - ٢٧٢ح٢٣٧.

(٢٩٤)

صفات الإمام (عليه السلام) وشمائله الشريفة
١ - أشبه الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله)
روى الشيخ الصدوق: عن أحمد بن إسحاق بن سعد قال: سمعت أبا محمد الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) يقول: الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى أراني الخلف من بعدي، أشبه الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله) خَلقاً وخُلقاً، ويحفظه الله تبارك وتعالى في غيبته، ثم يظهره فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً.(643)
٢ - وجهه كالكوكب الدري
روى محمد بن جرير الطبري: عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): المهدي من ولدي وجهه كالكوكب الدري، إلى أن قال: يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، يرضى بخلافته أهل السماء، والطير في الجو، يملك عشرين سنة.(644)
وروى أحمد بن عبد الله الطبري: عن حذيفة، عن رسول الله صلى الله عليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(643) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٤٠٨ ح٧.
(644) نوادر المعجزات, محمد بن جرير الطبري (الشيعي): ١٩٦ح٥، دلائل الإمامة: ٤٤١ ح١٧.

(٢٩٥)

وآله قال: المهدي من ولدي وجهه كالكوكب الدري.(645)
والكوكب الدري: هو المضيء من الكواكب، وجمعها دراري.
٣ - شاب مربوع حسن الوجه، حسن الشعر، لا يهرم
روى الشيخ الصدوق: عن أبي سعيد عقيصا، عن الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) في حديث له، قال: يطيل الله عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أن الله على كلّ شيء قدير.(646)
وروى قطب الدين الراوندي: عن أبي الصلت الهروي، قلت للرضا (عليه السلام): ما علامة القائم منكم إذا خرج؟ فقال: علامته أن يكون شيخ السن، شاب المنظر حتى أن الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها، وأن من علاماته أن لا يهرم بمرور الأيام والليالي حتى يأتيه أجله.(647)
وروى الشيخ الطوسي: عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: ساير عمر بن الخطاب أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: أخبرني عن المهدي ما اسمه؟ فقال: أما اسمه، فإن حبيبي عهد إليّ أن لا أحدث باسمه حتى يبعثه الله، قال: فأخبرني عن صفته؟ قال: هو شاب مربوع، حسن الوجه، حسن الشعر، يسيل شعره على منكبيه، ونور وجهه يعلو سواد لحيته ورأسه، بأبي ابن خيرة الإماء.(648)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(645) ذخاير العقبى, أحمد بن عبد الله الطبري: ١٣٦.
(646) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣١٦.
(647) الخرائج والجرائح, قطب الدين الراوندي: ٣ / ١١٧٠.
(648) كتاب الغيبة، الشيخ الطوسي: ٤٧٠ ح٤٨٧، الإرشاد، الشيخ المفيد: ٢/ ٣٨٢، كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٦٤٨ح٣، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥١ / ٣٦ ح٦.

(٢٩٦)

٤ - واسع الصدر، مسترسل المنكبين
روى الصفار: عن أبي أيوب الحذاء، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك إني أريد أن أمس صدرك، فقال: افعل! فمسست صدره ومناكبه، فقال: ولم يا أبا محمد؟ فقلت: جعلت فداك إني سمعت أباك وهو يقول: إن القائم واسع الصدر، مسترسل المنكبين، عريض ما بينهما.. فقال: يا أبا محمد ان أبي لبس درع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكانت تسحب على الأرض، وأنا لبستها فكانت وكانت، وأنها تكون من القائم كما كانت من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مشمرة كأنه ترفع نطاقها بحلقتين، وليس صاحب هذا الأمر من جاز أربعين.(649)
٥ - أبيض اللون، مشرّب بالحمرة وفيه علامتان
روى الشيخ الصدوق: عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) - وهو على المنبر -: يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون، مشرّب بالحمرة، مبدح البطن، عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين، بظهره شامتان: شامة على لون جلده، وشامة على شبه شامة النبي (صلّى الله عليه وآله)، له اسمان: اسم يخفى، واسم يُعلن، فأما الذي يخفى فأحمد، وأما الذي يُعلن فمحمد.. الحديث.(650)
وروى النعماني: عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) أو أبو عبد الله (عليه السلام) الشك من ابن عصام: يا أبا محمد بالقائم علامتان: شامة في رأسه، وداء الحزاز برأسه، وشامة بين كتفيه، من جانبه الأيسر تحت كتفيه ورقة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(649) بصائر الدرجات، الصفار: ٢٠٩ح٥٦، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي:٥٢ / ٣١٩ ح٢٠.
(650) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٦٥٣ ح١٧.

(٢٩٧)

مثل ورقة الآس، ابن سبية وابن خيرة الإماء.(651)
٦ - عريض مابين المنكبين
النعماني: عن حمران قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك إني قد دخلت المدينة وفي حقوي هميان فيه ألف دينار، وقد أعطيت الله عهداً أنني أنفقها ببابك ديناراً ديناراً، أو تجيبني فيما أسألك عنه؟ فقال: يا حمران سل تجب، ولا تبعض دنانيرك، فقلت: سألتك بقرابتك من رسول الله أنت صاحب هذا الأمر والقائم به؟ قال: لا، قلت: فمن هو بأبي أنت وأمي؟ فقال: ذاك المشرّب حمرة، الغائر العينين، المشرف الحاجبين، عريض مابين المنكبين، برأسه حزاز، وبوجهه أثر، رحم الله موسى.(652)
قال العلامة المجلسي (رحمه الله تعالى): بيان, المشرف الحاجبين أي في وسطهما ارتفاع من الشرفة، والحزاز ما يكون في الشعر مثل النخالة، وقوله (عليه السلام): رحم الله موسى، لعله إشارة إلى أنه سيظن بعض الناس أنه القائم وليس كذلك أو أنه قال: (فلانا) كما سيأتي فعبر عنه الواقفية بموسى.(653)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(651) الغيبة، النعماني: ٢٢٤ح٥، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥١ / ٤١ ح٢٢.
(652) الغيبة، النعماني: ٣٢٣ح٣.
(653) بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥١ / ٤٠ ح٢٠.

(٢٩٨)

الإمام المهدي (عليه السلام) في حياة أبيه (عليه السلام)
مع أبيه (عليه السلام) في مرضه ووفاته ونصه عليه
١ - الشيخ الطوسي: قال إسماعيل بن علي: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) في المرضة التي مات فيها وأنا عنده، إذ قال لخادمه عقيد - وكان الخادم أسود نوبياً قد خدم من قبله علي بن محمد وهو ربى الحسن (عليه السلام)، فقال له: يا عقيد إغل لي ماء بمصطكي، فأغلى له ثم جاءت به صقيل الجارية أم الخلف (عليه السلام).
فلما صار القدح في يديه، وهمّ بشربه فجعلت يده ترتعد حتى ضرب القدح ثنايا الحسن (عليه السلام)، فتركه من يده، وقال لعقيد: أدخل البيت فإنك ترى صبياً ساجداً فأتني به.
قال أبو سهل: قال عقيد: فدخلت أتحرى فإذا أنا بصبي ساجد رافع سبابته نحو السماء، فسلّمت عليه، فأوجز في صلاته فقلت: إن سيدي يأمرك بالخروج إليه، إذ جاءت أمه صقيل فأخذت بيده وأخرجته إلى أبيه الحسن (عليه السلام).
قال أبو سهل: فلما مثل الصبي بين يديه سلّم وإذا هو دريُّ اللون، وفي شعر رأسه قطط، مفلج الأسنان، فلما رآه الحسن (عليه السلام) بكى وقال: يا سيد

(٢٩٩)

أهل بيته إسقني الماء فإني ذاهب إلى ربي، وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكي بيده، ثم حرّك شفتيه، ثم سقاه، فلما شربه قال: هيئوني للصلاة، فطرح في حجره منديل فوضأه الصبي واحدة واحدة ومسح على رأسه وقدميه.
فقال له أبو محمد (عليه السلام): إبشر يا بني فأنت صاحب الزمان، وأنت المهدي، وأنت حجة الله على أرضه، وأنت ولدي ووصيي, وأنا ولدتك, وأنت محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، ولدك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأنت خاتم الأوصياء الأئمة الطاهرين، وبشّر بك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وسمّاك وكنّاك، بذلك عهد إليَّ أبي عن آبائك الطاهرين صلى الله على أهل البيت، ربنا إنه حميد مجيد، ومات الحسن بن علي من وقته صلوات الله عليهم أجمعين.(654)
٢ - قال الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى): وحدّث أبو الأديان قال: كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) وأحمل كتبه إلى الأمصار فدخلت عليه في علته التي توفي فيها صلوات الله عليه فكتب معي كتباً وقال: امض بها إلى المدائن فإنك ستغيب خمسة عشر يوماً، وتدخل إلى سرّ من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري، وتجدني على المغتسل.
قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي فإذا كان ذلك فمن؟ قال: من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي، فقلت: زدني، فقال: من يصلي عليَّ فهو القائم بعدي، فقلت: زدني، فقال: من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي.
ثم منعتني هيبته أن أسأله عما في الهميان، وخرجت بالكتب إلى المدائن، وأخذت جواباتها ودخلت سرّ من رأى يوم الخامس عشر كما ذكر لي عليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(654) الغيبة, الطوسي: ٢٧٢ - ٢٧٣ح٢٣٧.

(٣٠٠)

السلام فإذا أنا بالواعية في داره وإذا به على المغتسل، وإذا أنا بجعفر ابن علي أخيه بباب الدار والشيعة من حوله يعزّونه ويهنونه، فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة، لأني كنت أعرفه يشرب النبيذ، ويقامر في الجوسق، ويلعب بالطنبور، فتقدمت فعزّيت وهنيت فلم يسألني عن شيء!
ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي قد كُفّن أخوك فقم وصلّ عليه فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان، والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة، فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفناً فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلما همّ بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجبذ برداء جعفر بن علي وقال: تأخر يا عم فأنا أحقّ بالصلاة على أبي، فتأخر جعفر، وقد أربد وجهه واصفر! فتقدم الصبي وصلّى عليه، ودفن إلى جانب قبر أبيه (عليهما السلام).
ثم قال: يا بصري هات جوابات الكتب التي معك، فدفعتها إليه، فقلت في نفسي: هذه بينتان، بقي الهميان، ثم خرجت إلى جعفر بن علي وهو يزفر، فقال له حاجز الوشاء: يا سيدي من الصبي لنقيم الحجة عليه؟ فقال: والله ما رأيته قط ولا أعرفه.
فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي (عليهما السلام) فعرفوا موته، فقالوا: فمن نعزي؟ فأشار الناس إلى جعفر بن علي فسلّموا عليه، وعزّوه وهنوه، وقالوا: إن معنا كتباً ومالاً، فتقول: ممن الكتب؟ وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: تريدون منا أن نعلم الغيب!
قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان (وفلان) وهميان فيه ألف دينار، وعشرة دنانير منها مطلية، فدفعوا إليه الكتب والمال، وقالوا: الذي وجّه بك لأخذ ذلك هو الإمام.
فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف له ذلك، فوجه المعتمد بخدمه

(٣٠١)

فقبضوا على صقيل الجارية، فطالبوها بالصبي فأنكرته! وادعت حبلاً بها لتغطي حال الصبي! فسلّمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية، فخرجت عن أيديهم، والحمد لله ربِّ العالمين.(655)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(655) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٤٧٥ - ٤٧٦.

(٣٠٢)

النص عليه بالإمامة
قال الشيخ المفيد (رحمه الله تعالى): وقد سبق النص عليه في ملة الإسلام من نبي الهدى (عليه السلام) ثم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، ونص عليه الأئمة (عليهم السلام) واحداً بعد واحد إلى أبيه الحسن (عليه السلام)، ونصّ أبوه عليه عند ثقاته، وخاصة شيعته.(656)
وقال الشيخ الطبرسي (رحمه الله تعالى) في النص على الإمام المهدي (عليه السلام): في ذكر الدلالة على إثبات غيبته (عليه السلام) وصحة إمامته من جهة الأخبار التي تقدم ذكرها، وذكر أحوال غيبته تدل على إمامته (عليه السلام) ما أثبتناها من أخبار النصوص، وهي على ثلاثة أوجه:
أحدها: النص على عدد الأئمة الاثني عشر، وقد جاءت تسميته (عليه السلام) في بعض تلك الأخبار، ودل البعض على إمامته بما فيه من ذكر العدد من قبل أنه لا قائل بهذا العدد في الأمة إلا من دان بإمامته، وكلّ ما طابق الحق فهو حق.
والوجه الثاني: النص عليه من جهة أبيه خاصة.
الوجه الثالث: النص عليه بذكر غيبته وصفتها التي يختصها، ووقوعها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(656) الإرشاد، الشيخ المفيد: ٢ / ٣٣٩.

(٣٠٣)

على الحد المذكور من غير اختلاف، حتى لم يخرم منه شيئاً، وليس يجوز في العادات أن تولد جماعة كذباً يكون خبراً عن كائن فيتفق لهم ذلك على حسب ما وصفوه، وإذا كانت أخبار الغيبة قد سبقت زمان الحجة (عليه السلام)، بل زمان أبيه وجده، حتى تعلقت الكيسانية(657) بها في إمامة ابن الحنفية، والناووسية(658) والممطورة(659) في أبي عبد الله، وأبي الحسن موسى (عليهما السلام)، وخلدها المحدثون من الشيعة في أصولهم المؤلفة في أيام السيدين الباقر والصادق (عليهما السلام)، وآثروها عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) واحداً بعد واحد، صح بذلك القول في إمامة صاحب الزمان (عليه السلام) بوجود هذه الصفة له، والغيبة المذكورة في دلائله وإعلام إمامته، وليس يمكن لأحد دفع ذلك.
ومن جملة ثقات المحدثين والمصنفين من الشيعة: الحسن بن محبوب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(657) الكيسانية: يذهب أصحاب هذه الفرقة إلى إمامة محمد بن الحنفية بعد أخويه الحسن والحسين (عليهما السلام)، وأنه لم يمت بل اختفى في جبال رضوى حتى يؤذن له بالخروج على اعتبار أنه هو المهدي المنتظر. انظر: فرق الشيعة للنوبختي: ٢٣.
(658) الناووسية: يزعم أصحاب هذه الفرقة أن الإمام الصادق (عليه السلام) لم يمت، وأنه سيظهر بعد لإحياء الحق، وإماتة الباطل، وأنه هو الإمام المهدي المنتظر. وقيل: أنهم اتباع رجل يقال له ناووس، أو عجلان بن ناووس. وقيل: أنهم ينسبون إلى قرية ناووسا. انظر: فرق الشيعة للنوبختي: ٦٧، الملل والنحل:١/ ١٦٦.
(659) الممطورة: هم من الواقفين على الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، والذاهبين إلى أنه (عليه السلام) لم يمت، وأنه هو المهدي الذي يخرج لإقامة العدل وإماتة البدع والأهواء، وأن الأئمة (عليهم السلام) من بعده ليسوا إلا خلفاء له لا أئمة، ينوبون عنه حتى ظهوره، وسموا بذلك الاسم من خلال جدال قام بين علي بن إسماعيل وبينهم حتى قال لهم بعد أن اشتد الجدال فيما بينهم: ما أنتم إلا كلاب ممطورة. أي أنهم أنتن من جيف، لأن الكلاب إذا أصابها المطر تنبعث منها رائحة نتنة. انظر: فرق الشيعة: ٨١، الملل والنحل:١ /١٦٩.

(٣٠٤)

الزراد، وقد صنف كتاب المشيخة الذي هو في أصول الشيعة أشهر من كتاب المزني وأمثاله قبل زمان الغيبة بأكثر من مائة سنة، فذكر فيه بعض ما أوردناه من أخبار الغيبة، فوافق الخبر الخبر، وحصل كلّ ما تضمنه الخبر بلا اختلاف.
ومن جملة ذلك: ما رواه عن إبراهيم الخارقي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: لقائم آل محمد (عليه السلام) غيبتان واحدة طويلة والأخرى قصيرة، قال: فقال لي: نعم يا أبا بصير، إحداهما أطول من الأخرى، ثم لا يكون ذلك - يعني ظهوره - حتى يختلف ولد فلان، وتضيق الحلقة، ويظهر السفياني، ويشتد البلاء، ويشمل الناس موت وقتل، ويلجأون منه إلى حرم الله تعالى وحرم رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
فانظر كيف قد حصلت الغيبتان لصاحب الأمر (عليه السلام) على حسب ما تضمنته الأخبار السابقة لوجوده عن آبائه وجدوده (عليهم السلام).(660)
أقول: ومما روي من النصوص عليه بالإمامة هو ما يلي:
ما رواه الشيخ الصدوق بالإسناد عن أبي غانم الخادم قال: ولد لأبي محمد (عليه السلام) ولد فسماه محمداً، فعرضه على أصحابه يوم الثالث، وقال: هذا صاحبكم من بعدي، وخليفتي عليكم، وهو القائم الذي تمتد إليه الأعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً.(661)
ومنها: ما رواه الخزاز القمي: عن محمد بن عثمان العمري (قدس الله روحه) يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه (عليهم السلام) أن الأرض لا تخلو من حجة الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(660) إعلام الورى بأعلام الهدى، الشيخ الطبرسي: ٢/ ٢٥٧ - ٢٥٩.
(661) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق:٤٣١ح٨.

(٣٠٥)

على خلقه إلى يوم القيامة، وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.
فقال: إن هذا حقّ كما أن النهار حق، فقيل له: يا ابن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدك؟ قال: ابني محمد هو الإمام والحجة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية.(662)
ومنها: ما رواه الشيخ الطوسي (رحمه الله تعالى): قال جعفر بن محمد بن مالك الفزاري البزاز، عن جماعة من الشيعة منهم علي بن بلال، وأحمد بن هلال، ومحمد بن معاوية بن حكيم، والحسن بن أيوب بن نوح في خبر طويل مشهور قالوا جميعاً: اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) نسأله عن الحجة من بعده،؟وفي مجلسه (عليه السلام) أربعون رجلاً، فقام إليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري فقال له: يا بن رسول الله أريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به مني؟
فقال له: إجلس يا عثمان، فقام مغضباً ليخرج فقال: لا يخرجن أحد! فلم يخرج منا أحد إلى أن كان بعد ساعة، فصاح (عليه السلام) بعثمان، فقام على قدميه، فقال: أخبركم بما جئتم؟ قالوا: نعم يا بن رسول الله، قال: جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي؟ قالوا: نعم، فإذا غلام كأنه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمد (عليه السلام) فقال: هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم أطيعوه, ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عُمرٌ، فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا إلى أمره، واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم، والأمر إليه.. في حديث طويل.(663)
ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق: عن علي بن عبد الله الوراق، عن سعد، عن أحمد بن إسحاق قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(662) كفاية الأثر, الخزاز القمي: ٢٩٦.
(663) الغيبة, الطوسي: ٣٥٧ ح٣١٩.

(٣٠٦)

وأنا أريد أن أسأله عن الخلف بعده؟ فقال لي مبتدءاً: يا أحمد بن إسحاق، إن الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم، ولا تخلو إلى يوم القيامة من حجة الله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض.
قال: فقلت: يا ابن رسول الله فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض (عليه السلام) فدخل البيت ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء ثلاث سنين فقال: يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله وعلى حججه، ما عرضت عليك ابني هذا! إنه سمي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكنيّه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يا أحمد بن إسحاق، مثله في هذه الأمة مثل الخضر (عليه السلام)، ومثله كمثل ذي القرنين، والله ليغيبن غيبة لا ينجو فيها من التهلكة إلا من يثبته الله على القول بإمامته، ووفقه للدعاء بتعجيل فرجه.
قال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي هل من علامة يطمئن إليها قلبي؟ فنطق الغلام (عليه السلام) بلسان عربي فصيح، فقال: أنا بقية الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق.
قال أحمد بن إسحاق: فخرجت مسروراً فرحاً، فلما كان من الغد عدت إليه فقلت له: يا ابن رسول الله لقد عظم سروري بما أنعمت عليَّ فما السنة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال: طول الغيبة يا أحمد.. الحديث.(664)
إلى غير ذلك من الأحاديث الشريفة التي نصّت على إمامته (عليه السلام) من طريق أهل بيت العصمة (عليهم السلام) والتي لا تحصى كثرةً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(664) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٣٨٤ - ٣٨٥ح١، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢/ ٢٣ - ٢٤ ح١٦.

(٣٠٧)

من خصائص الإمام (عليه السلام) وما حباه الله تعالى به
الأول: خفاء ولادته على الناس
اقتضت حكمة الباري تعالى أن يخفي ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) على الناس، حفظاً له من بطش طغاة عصره وأتباعهم الذين يتربصون بالإمام الدوائر، فقد شهد التأريخ عدة محاولات للنظام العباسي الظالم في البحث عنه وهو حمل في بطن أمه لاغتياله.
روى الشيخ الصدوق: عن أبي سعيد عقيصا عن الإمام الحسن بن علي (عليه السلام): أما علمتم أنه ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم.. إلى أن قال: فإن الله (عزَّ وجلَّ) يخفي ولادته، ويغيب شخصه...(665)
وروى أيضاً عن عبد الله بن عطاء قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن شيعتك بالعراق كثيرون، فوالله ما في أهل بيتك مثلك فكيف لا تخرج؟ فقال: يا عبد الله بن عطاء قد أمكنت الحشو(666) من أذنيك، والله ما أنا بصاحبكم! قلت: فمن صاحبنا؟ قال: انظروا من تخفى على الناس ولادته فهو صاحبكم.(667)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(665) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣١٦ ح٢.
(666) الحشو: فضل الكلام.
(667) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣٢٥ ح٢، إعلام الورى، الطبرسي: ٢/ ٢٣٢، كشف الغمة، الإربلي: ٣/ ٣٢٩، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥١/ ٣٤ح٢.

(٣٠٨)

الثاني: طول عمر الإمام المهدي (عليه السلام)
روى الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى) عن سعيد بن جبير قال: سمعت سيد العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: في القائم سنة من نوح وهو طول العمر.(668)
وروى عن أمير المؤمنين قال (عليه السلام): إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة، فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه.(669)
وروى عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن سنن الأنبياء (عليهم السلام) بما وقع بهم من الغيبات حادثة في القائم منا أهل البيت حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، قال أبو بصير: فقلت: يا ابن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت؟ فقال: يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسى، ذلك ابن سيدة الإماء، يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون، ثم يظهره الله (عزَّ وجلَّ) فيفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها، وينزل روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) فيصلي خلفه وتشرق الأرض بنور ربها، ولا تبقى في الأرض بقعة عبد فيها غير الله (عزَّ وجلَّ) إلا عبد الله فيها، ويكون الدين كله لله ولو كره المشركون.(670)
هذا وقد أشبع علماؤنا مسألة طول عمر الإمام وبقائه (عليه السلام) بالأدلة والبراهين العلمية، وعدم المانع من طول عمره(671)، كما أبقى الله تعالى المسيح

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(668) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣٢٢ ح٤.
(669) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣٠٣ ح١٤.
(670) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣٤٦ ح٣١.
(671) ومن الكتب في ذلك ما يلي:
 - كتاب (البراهين الاثنا عشر على وجود الإمام الثاني عشر (عليه السلام))، تأليف السيد طيب الجزائري في ثلاثة أجزاء، الطبعة الأولى سنة ١٤١٧، نشر مؤسسة دار الكتاب الجزائري، قم - إيران.
 - كتاب (البرهان على صحة طول عمر الإمام صاحب الزمان (عليه السلام)) تأليف أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي (ت ٤٤٩) عن النسخة الخطية من مكتبة الإمام الرضا (عليه السلام)، تأريخ النسخ سنة ٦٧٧.
 - كتاب (عمر الإمام المهدي (عليه السلام)) تأليف السيد علي السبزواري، تقديم وتحقيق مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عليه السلام)، النجف الأشرف.
 - كتاب (عمر الإمام المهدي (عليه السلام) في كفة الحسابات) تأليف الشيخ نجم السبتي، الطبعة الأولى سنة ١٣٨٤ شمسي، نشر دار المجتبى.

(٣٠٩)

عيسى بن مريم والخضر (عليهما السلام) من الصالحين، وإبليس والدجال من الشريرين.
قال الشيخ الصدوق عليه الرحمة: إن أهل العناد والجحود يصدقون بمثل هذا الخبر ويروونه في الدجال وغيبته وطول بقائه المدة الطويلة وخروجه في آخر الزمان، ولا يصدقون بأمر القائم (عليه السلام) وأنه يغيب مدة طويلة، ثم يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، مع نص النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) بعده عليه باسمه وغيبته ونسبه، وإخبارهم بطول غيبته إرادة لإطفاء نور الله (عزَّ وجلَّ) وإبطالاً لأمر ولي الله، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون، وأكثر ما يحتجون به في دفعهم لأمر الحجة (عليه السلام) أنهم يقولون: لم نرو هذه الأخبار التي تروونها في شأنه ولا نعرفها.
وهكذا يقول من يجحد نبوة نبينا (صلّى الله عليه وآله) من الملحدين والبراهمة واليهود والنصارى والمجوس أنه ما صح عندنا شيء مما تروونه من معجزاته ودلائله ولا نعرفها، فنعتقد ببطلان أمره لهذه الجهة، ومتى لزمنا ما يقولون لزمهم ما تقوله هذه الطوائف وهم أكثر عدداً منهم، ويقولون أيضاً: ليس في موجب عقولنا أن يعمر أحد في زماننا هذا عمراً يتجاوز عمر أهل الزمان، فقد تجاوز عمر صاحبكم على زعمكم عمر أهل الزمان.
فنقول لهم: أتصدقون على أن الدجال في الغيبة يجوز أن يعمر عمراً يتجاوز عمر أهل الزمان، وكذلك إبليس اللعين ولا تصدقون بمثل ذلك لقائم

(٣١٠)

آل محمد صلى (عليهم السلام)؟ مع النصوص الواردة فيه بالغيبة وطول العمر والظهور بعد ذلك للقيام بأمر الله (عزَّ وجلَّ) وما روي في ذلك من الأخبار التي قد ذكرتها في هذا الكتاب ومع ما صح عن النبي (صلّى الله عليه وآله) إذ قال: كل ما كان في الأمم السالفة يكون في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة.
وقد كان فيمن مضى من أنبياء الله (عزَّ وجلَّ) وحججه (عليهم السلام) معمرون، أما نوح (عليه السلام) فإنه عاش ألفي سنة وخمسمائة سنة، ونطق القرآن بأنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً (672) وقد روي في الخبر الذي قد أسندته في هذا الكتاب أن في القائم (عليه السلام) سنة من نوح (عليه السلام) وهي طول العمر فكيف يدفع أمره، ولا يدفع ما يشبهه من الأمور التي ليس شيء منها في موجب العقول، بل لزم الإقرار بها لأنها رويت عن النبي (صلّى الله عليه وآله).
وهكذا يلزم الاقرار بالقائم (عليه السلام) من طريق السمع وفي موجب أي عقل من العقول أنه يجوز أن يلبث أصحاب الكهف في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا (673) هل وقع التصديق بذلك إلا من طريق السمع، فلم لا يقع التصديق بأمر القائم (عليه السلام) أيضاً من طريق السمع، وكيف يصدقون ما يرد من الأخبار عن وهب بن المنبه، وعن كعب الأحبار في المحالات التي لا يصح شيء منها في قول الرسول (صلّى الله عليه وآله) ولا في موجب العقول، ولا يصدقون بما يرد عن النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) في القائم وغيبته وظهوره بعد شك أكثر الناس في أمره وارتدادهم عن القول به، كما تنطق به الآثار الصحيحة عنهم (عليه السلام) هل هذا إلا مكابرة في دفع الحق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(672) قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) سورة العنكبوت، الآية: ١٤.
(673) قال تعالى: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) سورة الكهف، الآية:٢٥.

(٣١١)

وجحوده.
كيف لا يقولون: إنه لما كان في الزمان غير محتمل للتعمير وجب أن تجري سنة الأولين بالتعمير في أشهر الأجناس تصديقاً لقول صاحب الشريعة (صلّى الله عليه وآله) ولا جنس أشهر من جنس القائم (صلّى الله عليه وآله) لأنه مذكور في الشرق والغرب على ألسنة المقرين به وألسنة المنكرين له.
ومتى بطل وقوع الغيبة بالقائم الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام) مع الروايات الصحيحة عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنه أخبر بوقوعها به (عليه السلام) بطلت نبوته لأنه يكون قد أخبر بوقوع الغيبة بمن لم يقع به، ومتى صح كذبه في شيء لم يكن نبياً وكيف يصدق (عليه السلام) فيما أخبر به في أمر عمار بن ياسر (رضي الله عنه) أنه تقتله الفئة الباغية، وفي أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه تخضب لحيته من دم رأسه، وفي الحسن بن علي (عليهما السلام) أنه مقتول بالسم، وفي الحسين بن علي (عليهما السلام) أنه مقتول بالسيف؟ ولا يصدق فيما أخبر به من أمر القائم ووقوع الغيبة به والتعيين عليه باسمه ونسبه؟!
بلى هو (عليه السلام) صادق في جميع أقواله، مصيب في جميع أحواله، ولا يصح إيمان عبد حتى لا يجد في نفسه حرجاً مما قضى ويسلم له في جميع الأمور تسليما، ولا يخالطه شك ولا ارتياب، وهذا هو الإسلام، والإسلام هو الاستسلام والانقياد (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).(674)
ومن أعجب العجائب أن مخالفينا يروون أن عيسى بن مريم (عليه السلام) مرّ بأرض كربلا فرأى عدة من الظباء هناك مجتمعة، فأقبلت إليه وهي تبكي وأنه جلس وجلس الحواريون فبكى وبكى الحواريون، وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى، فقالوا: يا روح الله وكلمته ما يبكيك؟ قال: أتعلمون أي أرض هذه؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(674) سورة آل عمران، الآية: ٨٨.

(٣١٢)

قالوا: لا، قال: هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد وفرخ الحرة الطاهرة البتول شبيهة أمي، ويلحد فيها، هي أطيب من المسك لأنها طينة الفرخ المستشهد، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء، وهذه الظباء تكلمني وتقول: إنها ترعى في هذه الأرض شوقاً إلى تربة الفرخ المستشهد المبارك، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض، ثم ضرب بيده إلى بعر تلك الظباء فشمها فقال: اللهم أبقها أبداً حتى يشمها أبوه فيكون له عزاء وسلوة، وإنها بقيت إلى أيام أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى شمها وبكى وأخبر بقصتها لما مر بكربلاء.
فيصدقون بأن بعر تلك الظباء تبقى زيادة على خمسمائة سنة لم تغيرها الأمطار والرياح ومرور الأيام والليالي والسنين عليه، ولا يصدقون بأن القائم من آل محمد (عليهم السلام) يبقى حتى يخرج بالسيف فيبير أعداء الله (عزَّ وجلَّ) ويظهر دين الله مع الأخبار الواردة عن النبي والأئمة صلوات الله عليهم بالنص عليه باسمه ونسبه وغيبته المدة الطويلة، وجرى سنن الأولين فيه بالتعمير، هل هذا إلا عناد وجحود للحق؟ نعوذ بالله من الخذلان.(675)
كما اعترف أيضاً بعض أعلام السنة بطول عمر الإمام وأنه لا ضير في ذلك منهم: أحمد بن الحسين البيهقي (ت ٤٥٨هـ) قال في: شعب الإيمان، ط ١، دار المعارف - الهند، وقال: اختلف الناس في أمر المهدي فتوقف جماعة وأحالوا العلم إلى عالمه، واعتقدوا أنه واحد من أولاد فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)... ولا امتناع في طول عمره، وامتداد أيامه كعيسى بن مريم والخضر.(676)
وقال الشيخ محمد بن يوسف الكنجي الشافعي (ت ٦٥٨) في كتابه (البيان في أخبار صاحب الزمان): في الدلالة على كون المهدي (عليه السلام) حياً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(675) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٥٢٩ - ٥٣٢.
(676) حياة الإمام المهدي (عليه السلام)، الشيخ باقر شريف القرشي:٢١٦.

(٣١٣)

باقياً منذ غيبته إلى الآن، ولا امتناع في بقائه، بدليل بقاء عيسى وإلياس والخضر من أولياء الله تعالى.. الخ(677) وقد تقدم كلامه في الحديث حول الأعلام الذين ذكروا ولادة الإمام المهدي (عليه السلام).
وقال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي (ت ٦٥٢هـ) في كتابه (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (عليهم السلام))(678): وأما عمره: فإنه ولد في أيام المعتمد على الله، خاف فاختفى وإلى الآن.. وليس ببدع ولا مستغرب تعمير بعض عباد الله المخلصين، ولا امتداد عمره إلى حين، فقد مدّ الله تعالى أعمار جمع كثير من خلقه من أصفيائه وأوليائه ومن مطروديه وأعدائه.. الخ(679) وغيرهم أيضاً من أعلام السنة.
الثالث: عنده مواريث الأنبياء (عليهم السلام)
١ - درع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)
روى الصفار: عن أبي أيوب الحذاء، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث له قال: يا ابا محمد، إن أبي لبس درع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكانت تسحب على الأرض، وإني لبستها فكانت وكانت، وإنها تكون من القائم كما كانت من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مشمرة كأنه ترفع نطاقها بحلقتين، وليس صاحب هذا الأمر من جاز أربعين.(680)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(677) البيان في أخبار صاحب الزمان، الكنجي الشافعي: ٥٢١، (الباب الخامس والعشرون) الفصول المهمة، ابن الصباغ المالكي: ٢/ ١١١٩.
(678) مطالب السؤول، ابن طلحة الشافعي: ٢/١٥٢، باب ١٢.
(679) مطالب السؤول، ابن طلحة الشافعي: ٢/١٦٠ - ١٦١، باب ١٢.
(680) بصائر الدرجات، الصفار: ٢٠٩ح٥٦، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي:٥٢ / ٣١٩ ح٢٠.

(٣١٤)

٢ - عنده عصا موسى وخاتم سليمان (عليهما السلام)
روى الصفار: عن محمد بن الفيض، عن محمد بن علي (عليهما السلام) قال: كان عصى موسى (عليه السلام) لآدم، فصارت إلى شعيب، ثم صارت إلى موسى بن عمران (عليه السلام) وإنها لعندنا، وإن عهدي بها آنفاً وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرها، وإنها لتنطق إذا استنطقت، أعدت لقائمنا ليصنع كما كان موسى يصنع بها، وإنها لتروع وتلقف ما يأفكون وتصنع كما تؤمر، وإنها حيث أقبلت تلقف ما يأفكون تفتح لها شفتان إحداهما في الأرض والأخرى في السقف وبينهما أربعون ذراعاً، وتلقف ما يأفكون بلسانها.(681)
وعن الشيخ الصدوق: عن الريان بن الصلت، عن مولانا الرضا (عليه السلام) في حديث له: يكون معه عصا موسى، وخاتم سليمان...(682)
٣ - قميص يوسف (عليه السلام)
روى الشيخ الصدوق: عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: سمعته يقول: أتدري ما كان قميص يوسف (عليه السلام)؟ قال: قلت: لا، قال: إن إبراهيم (عليه السلام) لما أوقدت له النار، نزل إليه جبرئيل (عليه السلام) بالقميص وألبسه إياه فلم يضره معه حرٌّ ولا برد، فلما حضرته الوفاة جعله في تميمة وعلّقه على إسحاق (عليه السلام)، وعلّقه إسحاق على يعقوب (عليه السلام)، فلما ولد يوسف علّقه عليه، وكان في عضده حتى كان من أمره ما كان، فلما أخرجه يوسف (عليه السلام) من التميمة، وجد يعقوب ريحه، وهو قوله (عزَّ وجلَّ): (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ)(683) فهو ذلك القميص الذي من الجنة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(681) بصائر الدرجات، الصفار: ٢٠٤ح٣٦، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي:٥٢ / ٣١٨ ح١٩.
(682) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣٧٦ح٧.
(683) سورة يوسف, الآية: ٩٤.

(٣١٥)

قلت: جعلت فداك فإلى من صار هذا القميص؟ قال: إلى أهله، وهو مع قائمنا إذا خرج، ثم قال: كلُّ نبيٍّ ورَّث علماً أو غيره فقد انتهى إلى محمد (صلّى الله عليه وآله).(684)
الرابع: فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام)
الشيخ الصدوق: عن سعيد بن جبير قال: سمعت سيد العابدين علي ابن الحسين (عليهما السلام) يقول: في القائم منا سنن من الأنبياء(685) (سنة من أبينا آدم (عليه السلام)، و) سنة من نوح، وسنة من إبراهيم، وسنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من أيوب، وسنة من محمد صلوات الله عليهم.
فأما من آدم ونوح فطول العمر، وأما من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس، وأما من موسى فالخوف والغيبة، وأما من عيسى فاختلاف الناس فيه، وأما من أيوب فالفرج بعد البلوى، وأما من محمد (صلّى الله عليه وآله) فالخروج بالسيف.(686)
وروى الشيخ الصدوق: عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: في صاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء (عليهم السلام): سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد (صلّى الله عليه وآله).
فأما من موسى: فخائف يترقب، وأما من يوسف فالحبس، وأما من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(684) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٦٧٤ح٢٨، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٢٧ ح٤٥.
(685) جاء في الهامش: في بعض النسخ: في القائم منا سنن من ستة أنبياء، وفي بعضها: سنن من سبعة أنبياء.
(686) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٣٢١ - ٣٢٢ ح٣.

(٣١٦)

عيسى فيقال: إنه مات ولم يمت، وأما من محمد (صلّى الله عليه وآله) فالسيف.(687)
الخامس: قوة الإمام (عليه السلام)
روى الشيخ الصدوق: عن الريان بن الصلت قال: قلت للرضا (عليه السلام): أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال: أنا صاحب هذا الأمر، ولكني لست بالذي أملأها عدلاً كما ملئت جوراً، وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني؟ وإن القائم هو الذي إذا خرج كان في سنّ الشيوخ، ومنظر الشباب قوياً في بدنه حتى لو مدّ يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها, يكون معه عصا موسى، وخاتم سليمان، ذاك الرابع من ولدي يغيبه الله في ستره ما شاء الله, ثم يظهره فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.(688)
السادس: مثله مثل الخضر
الراوندي: قال الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) لأحمد بن إسحاق، وقد أتاه ليسأله عن الخلف بعده، فقال مبتدئاً: مثله مثل الخضر، ومثله مثل ذي القرنين, إن الخضر شرب من ماء الحياة، فهو حي لا يموت حتى ينفخ في الصور، وإنه ليحضر الموسم كلّ سنة، ويقف بعرفة، فيؤمن على دعاء المؤمنين، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته، ويصل به وحدته.(689)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(687) نفس المصدر: ٣٢٦ - ٣٢٧ح٦.
(688) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣٧٦ح٧، إعلام الورى, الطبرسي: ٢٤٠ - ٢٤١, كشف الغمة, الأربلي: ٣ / ٣٣١, بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٢٢ ح٣٠.
(689) الخرائج والجرائح، الراوندي: ٣ / ١١٧٤ ح٦٨.

(٣١٧)

السابع: يصلح الله أمره في ليلة واحدة
أحمد بن حنبل: عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية، عن أبيه، عن علي (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة.(690)
وفي رواية نعيم بن حماد المروزي: المهدي يصلحه الله تعالى في ليلة واحدة.(691)
وفي الخرائج: قال محمد بن علي التقي (عليهما السلام) لعبد العظيم الحسني: المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته، ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي، وأن الله ليصلح أمره في ليلة كما أصلح أمر كليمه موسى (عليه السلام) حيث ذهب ليقتبس لأهله ناراً (فرجع وهو رسول نبي).(692)
الثامن: معه راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله)
روى نعيم بن حماد المروزي: عن يحيى بن اليمان، عن قيس، عن عبد الله بن شريك، قال: مع المهدي راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) المغلبة ليتني أدركته وأنا جذع(693).(694)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(690) مسند أحمد بن حنبل:١/٨٤، سنن ابن ماجة: ٢/ ١٣٦٧ ح٤٠٨٥، مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، محمد بن سليمان الكوفي: ٢/ ١١٢ ح٦٠٣، المصنف، ابن أبي شيبة الكوفي: ٨/ ٦٧٨ ح١٩٠، مسند أبي يعلى: ١/ ٣٥٩ ح٤٦٥، الجامع الصغير، جلال الدين السيوطي:٢/ ٦٧٢ ح٩٢٤٣، كنز العمال، المتقي الهندي: ١٤/ ٢٦٤ ح٣٨٦٦٤.
(691) كتاب الفتن, نعيم بن حماد المروزي: ٢٢٣.
(692) الخرائج والجرائح، الراوندي: ٣ /١١٧١ ح٦٦، كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣٧٧ح١. ما بين القوسين من كتاب كمال الدين.
(693) أي شاب أبالغ في نصرته وحمايته. جاء في لسان العرب: ٨/ ٤٥: عن ورقة بن نوفل: ليتني فيها جذع، يعني في نبوة سيدنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، أي ليتني أكون شاباً حين تظهر نبوته حتى أبالغ في نصرته. وراجع: النهاية، ابن الأثير: ١/ ٢٥٠ (جذع)
(694) كتاب الفتن, نعيم بن حماد المروزي: ٢٢٠.

(٣١٨)

وروى الشيخ الصدوق: عن عبيد بن كرب قال: سمعت علياً (عليه السلام) يقول: إن لنا أهل البيت راية من تقدمها مرق، ومن تأخر عنها محق، ومن تبعها لحق.(695)
التاسع: راية المهدي (عليه السلام) تضيء بين المشرق والمغرب
الشيخ الصدوق: عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث في صفة الإمام الحجة (عليه السلام) وفيه قال: إذا هزّ رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب.. الحديث.(696)
العاشر: ما هو مكتوب في راية المهدي (عليه السلام)
قال الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى): وروي أنه يكون في راية المهدي (عليه السلام): البيعة لله (عزَّ وجلَّ).(697)
وروى نعيم بن حماد المروزي بالإسناد عن نوف البكالي قال: في راية المهدي مكتوب: البيعة لله.(698)
وعن كتاب الفضل بن شاذان قال: روي أنه يكون في راية المهدي عليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(695) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٦٥٤ ح٢٣.
(696) نفس المصدر: ٦٥٣ ح١٧.
(697) نفس المصدر: ٦٥٤ح٢٢.
(698) كتاب الفتن, نعيم بن حماد: ٢٢٠، ينابيع المودة, القندوزي الحنفي: ٣ / ٢٦٧ح٢٦.

(٣١٩)

السلام: اسمعوا وأطيعوا.(699)
الحادي عشر: يطهر الله به الأرض من الكفر ويذل له كلّ صعب
الشيخ الصدوق: عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني من حديث له عن الإمام محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام): يا أبا القاسم: ما منا إلا وهو قائم بأمر الله (عزَّ وجلَّ)، وهاد إلى دين الله، ولكن القائم الذي يطهر الله (عزَّ وجلَّ) به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملأها عدلاً وقسطاً هو الذي تخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سمي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكنيه، وهو الذي تطوى له الأرض، ويذل له كلّ صعب.. الحديث.(700)
وجاء في رواية الحسين بن خالد، عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في حديث له عن القائم (عليه السلام) قال: وهو الذي تطوى له الأرض، ولا يكون له ظل...(701)
الثاني عشر: يصلي خلفه عيسى بن مريم (عليه السلام)
قد تضافرت الروايات عند جميع المذاهب الإسلامية على نزول عيسى بن مريم (عليه السلام)، وأنه يصلي خلف القائم (عليه السلام)، وقد ذكروا ذلك في تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا).(702)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(699) بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٠٥ح٧٧.
(700) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣٧٧ ح٢.
(701) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٣٧٢ح٥، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٢١ ح٢٩.
(702) سورة النساء، الآية: ١٥٩.

(٣٢٠)

ونزول المسيح (عليه السلام) وصلاته خلف الإمام المهدي (عليه السلام) هو من التأييد الإلهي للإمام (عليه السلام)، فسوف يشهد العالم كله حينئذ أن نبياً من أولي العزم يصلي مأموماً خلف الإمام المهدي (عليه السلام)، والإمام هنا أفضل من المأموم، وإلا لما تقدم عليه، ولعل في حضور عيسى بن مريم إلى جنب الإمام (عليه السلام) في ثورته على الظلم ليشهد أيضاً ما تحقق على يد الإمام المهدي (عليه السلام) من أهداف الأنبياء التي ناضلوا من أجل تحقيقها وإرسائها في الناس كافة في مسيرتهم الطويلة.
قال الشيخ الطبرسي (رحمه الله تعالى) في تفسير الآية الشريفة المتقدمة آنفاً: أخبر تعالى أنه لا يبقى أحد منهم إلا ويؤمن به، فقال: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) اختلف فيه على أقوال أحدها: إن كلا الضميرين يعودان إلى المسيح، أي: ليس يبقى أحد من أهل الكتاب، من اليهود والنصارى، إلا ويؤمنن بالمسيح، قبل موت المسيح، إذا أنزله الله إلى الأرض، وقت خروج المهدي، في آخر الزمان، لقتل الدجال، فتصير الملل كلها ملة واحدة، وهي ملة الإسلام الحنيفية دين إبراهيم، عن ابن عباس، وأبي مالك، والحسن، وقتادة، وابن زيد، وذلك حين لا ينفعهم الإيمان.
واختاره الطبري قال: والآية خاصة لمن يكون منهم في ذلك الزمان.(703)
أقول: ومما ورد من الروايات في ذلك ما يلي:
روى مسلم في صحيحه: عن ابن شهاب قال: أخبرني نافع مولى أبي قتادة الأنصاري أن أبا هريرة قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم.(704)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(703) تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ٣ / ٢٣٥ - ٢٣٦.
(704) إسلامنا: ١٩٢ - ١٩٣.

(٣٢١)

وروى عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم (عليه السلام) فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة.(705)
وقال القندوزي الحنفي: وفي كتاب الفتن للحافظ نعيم بن حماد بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): منا الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه.(706)
وفي فرائد السمطين: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إن خلفائي وأوصيائي، وحجج الله على الخلق بعدي الإثنا عشر، أولهم علي، وآخرهم ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلي خلف المهدي، وتشرق الأرض بنور ربها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب.(707)
وروى القندوزي الحنفي: عن محمد بن مسلم، عن محمد الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(705) صحيح مسلم:١/ ٩٤ - ٩٥، تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ١٤/ ٣٠٢.
(706) ينابيع المودة, القندوزي: ٣ / ٢٩٩ ح١٦، الجامع الصغير، السيوطي: ٢/ ٥٤٦ ح٨٢٦٢، كنز العمال، المتقي الهندي: ١٤/ ٢٦٦ ح٣٨٦٧٣ (أبو نعيم في كتاب المهدي عن أبي سعيد). راجع: ص٢٤٦، ورواه أيضاً كتاب عقد الدرر في أخبار المنتظر للمقدسي الشافعي: ٢٥، عن الحافظ أبي نعيم في مناقب المهدي (عليه السلام)، وذكر الحديث أيضاً البستوي في كتابه (المهدي المنتظر (عليه السلام)) ص ٣١٥، وقال: إسناده حسن لغيره.
(707) ينابيع المودة, القندوزي: ٣ / ٢٩٥ ح٢، عن فرائد السمطين، الجويني: ٢/ ٣١٢ح٥٦٢.

(٣٢٢)

يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)(708) قال: إن عيسى (عليه السلام) ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا فلا يبق أهل ملة، يهودي ولا غيره، إلا آمنوا به قبل موتهم، ويصلي عيسى خلف المهدي (عليه السلام).(709)
وروى علي بن إبراهيم القمي: عن شهر بن حوشب قال: قال لي الحجاج: بأن آية في كتاب الله قد أعيتني، فقلت: أيها الأمير أيةُ آيةٍ هي؟ فقال: قوله: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) والله إني لآمر باليهودي والنصراني فيضرب عنقه، ثم أرمقه بعيني فما أراه يحرك شفتيه حتى يخمد، فقلت: أصلح الله الأمير ليس على ما تأولت، قال: كيف هو؟ قلت: إن عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا فلا يبقى أهل ملة يهودي ولا نصراني إلا آمن به قبل موته, ويصلي خلف المهدي.
قال: ويحك أنى لك هذا! ومن أين جئت به؟ فقلت: حدثني به محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، فقال: جئت بها والله من عين صافية.(710)
ورواه عنه مجمع البيان وفيه: فقيل لشهر: ما أردت بذلك؟ قال: أردت أن أغيظه.(711)
وروى يزيد بن زريع، عن رجل، عن الحسن في قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) قال: قبل موت عيسى، والله إنه لحي عند الله الآن، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون، ونحوه عن الضحاك وسعيد بن جبير.(712)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(708) سورة النساء, الآية: ١٥٩.
(709) ينابيع المودة, القندوزي: ٣ / ٢٣٧ ح٦، غاية المرام: ٧٢٨ح١٠.
(710) تفسير القمي, القمي: ١ / ١٥٨, بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٩ / ١٩٥ح٤٥.
(711) تفسير مجمع البيان, الطبرسي: ٣ / ٢٣٦.
(712) تفسير القرطبي: ٦/ ١١.

(٣٢٣)

قال الحسن: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) لليهود: إن عيسى لم يمت، وإنه راجع إليكم قبل يوم القيامة.
وقال ابن كثير: والضمير في قوله: (قبل موته): عائد على عيسى (عليه السلام) أي وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى، وذلك حين ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة على ما سيأتي بيانه، فحينئذ يؤمن به أهل الكتاب كلهم لأنه يضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام.(713)
كلام الإربلي في صلاة عيسى (عليه السلام) خلف المهدي (عليه السلام)
جاء في كتاب كشف الغمة مما أورده من كتب العامة: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم.
قال: هذا حديث صحيح حسن، متفق على صحته من حديث محمد ابن شهاب الزهري، رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.(714)
وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال: فينزل عيسى بن مريم، فيقول أميرهم: تعال صل بنا، فيقول: ألا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة من الله لهذه الأمة.
قال: هذا حديث حسن صحيح، أخرجه مسلم في صحيحه.(715)
قال الأربلي (رحمه الله تعالى): وإن كان الحديث المتقدم قد أول، فهذا لا يمكن تأويله لأنه صريح، فإن عيسى (عليه السلام) يقدم أمير المسلمين، وهو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(713) تفسير ابن كثير: ١/ ٣٧٤.
(714) صحيح البخاري: ٤/ ١٤٣، صحيح مسلم: ١/ ٩٤.
(715) صحيح مسلم: ١/ ٩٥.

(٣٢٤)

يومئذ المهدي (عليه السلام) فعلى هذا يبطل تأويل من قال: معنى قوله: وإمامكم منكم، أي يؤمكم بكتابكم.
قال: فإن سأل سائل وقال: مع صحة هذه الأحاديث وهي أن عيسى يصلي خلف المهدي (عليهما السلام) ويجاهد بين يديه، وأنه يقتل الدجال بين يدي المهدي (عليه السلام) ورتبة المتقدم في الصلاة معروفة، وكذلك رتبة المتقدم للجهاد، وهذه الأخبار مما تثبت طرقها وصحتها عند السنة، وكذلك ترويها الشيعة على السواء, وهذا هو الإجماع من كافة أهل الإسلام إذ من عدا الشيعة والسنة من الفرق فقوله ساقط مردود، وحشو مطروح فثبت أن هذا إجماع كافة أهل الإسلام، ومع ثبوت الإجماع على ذلك وصحته فأيما أفضل الإمام أو المأموم في الصلاة والجهاد معاً؟
قال (رحمه الله): والجواب عن ذلك أن نقول: هما قدوتان، نبي وإمام، وإن كان أحدهما قدوة لصاحبه في حال اجتماعهما، وهو الإمام يكون قدوة للنبي في تلك الحال، وليس فيهما من تأخذه في الله لومة لائم، وهما أيضاً معصومان من ارتكاب القبائح كافة، والمداهنة والرياء والنفاق، ولا يدعو الداعي لأحدهما إلى فعل ما يكون خارجاً عن حكم الشريعة، ولا مخالفاً لمراد الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
وإذا كان الأمر كذلك فالإمام أفضل من المأموم لموضع ورود الشريعة المحمدية بذلك، بدليل قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): يؤم بالقوم اقرأهم، فإن استووا فأعلمهم، فإن استووا فأفقههم، فإن استووا فأقدمهم هجرة، فإن استووا فأصبحهم وجهاً, فلو علم الإمام أن عيسى (عليه السلام) أفضل منه لما جاز له أن يتقدم عليه لإحكامه علم الشريعة، ولموضع تنزيه الله تعالى له من ارتكاب كلّ مكروه.
وكذلك لو علم عيسى أنه أفضل منه لما جاز له أن يقتدي به لموضع تنزيه

(٣٢٥)

الله له من الرياء والنفاق والمحاباة بل لما تحقق الإمام أنه أعلم منه جاز له أن يتقدم عليه، وكذلك قد تحقق عيسى أن الإمام أعلم منه، فلذلك قدمه وصلى خلفه، ولو لا ذلك لم يسعه الإقتداء بالإمام فهذه درجة الفضل في الصلاة.
ثم الجهاد وهو بذل النفس بين يدي من يرغب إلى الله تعالى بذلك, ولو لا ذلك لم يصح لأحد جهاد بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ولا بين يدي غيره, والدليل على صحة ما ذهبنا إليه قول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ الله فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(716) ولأن الإمام نائب الرسول (صلّى الله عليه وآله) في أمته ولا يسوغ لعيسى (عليه السلام) أن يتقدم على الرسول فكذلك على نائبه.
ومما يؤيد هذا القول ما رواه الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني في حديث طويل في نزول عيسى (عليه السلام)، فمن ذلك ما قالت أم شريك بنت أبي العكر: يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟ قال: هم يومئذ قليل، وجلهم ببيت المقدس، وإمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذا نزل بهم عيسى بن مريم (عليه السلام) فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ليتقدم عيسى (عليه السلام) يصلي بالناس فيضع عيسى (عليه السلام) يده بين كتفيه ثم يقول له: تقدم.
قال: هذا حديث حسن صحيح ثابت أخرجه ابن ماجه في كتابه(717) عن أبي أمامة الباهلي قال: خطبنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم).. وهذا مختصره.(718)
كلام سبط ابن الجوزي في صلاة عيسى (عليه السلام) خلف المهدي عليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(716) سورة التوبة, الآية: ١١١.
(717) سنن ابن ماجة: ٢/ ١٣٦١.
(718) كشف الغمة, الإربلي: ٣ / ٢٨٠ - ٢٨٠.

(٣٢٦)

السلام
قال سبط بن الجوزي: قال السدي: يجتمع المهدي وعيسى بن مريم، فيجئ وقت الصلاة، فيقول المهدي لعيسى: تقدم، فيقول عيسى: أنت أولى بالصلاة، فيصلي عيسى وراءه مأموماً. قلت: فلو صلى المهدي خلف عيسى لم يجز لوجهين: أحدهما: لأنه يخرج عن الإمامة بصلاته مأموماً فيصير تبعاً، والثاني: لأن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: لا نبي بعدي، وقد نسخ جميع الشرائع.(719)
الثالث عشر: أجر الشهادة بين يديه (عليه السلام)
الشيخ الطوسي: بالإسناد عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من أدرك قائمنا فقتل معه كان له أجر شهيدين، ومن قتل بين يديه عدواً لنا كان له أجر عشرين شهيداً.. الخبر.(720)
الرابع عشر: يُكبر عليه سبعاً في الصلاة عليه
المجلسي (رحمه الله تعالى): نقلاً عن كتاب وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) لأبي الحسن علي بن عبد الله بن محمد البكري، عن لوط بن يحيى، عن أشياخه وأسلافه وساق الخبر إلى أن قال: قال (عليه السلام) في وصيته: ثم تقدم يا أبا محمد وصلّ عليّ يا بني يا حسن، وكبر عليّ سبعاً، واعلم أنه لا يحل ذلك على أحد غيري إلا على رجل يخرج في آخر الزمان اسمه القائم المهدي، من ولد أخيك الحسين، يقيم اعوجاج الحق...(721)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(719) تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي: ٣٠٥ (الباب الثاني عشر).
(720) الأمالي، الطوسي: ٢٣٢ح٢، بشارة المصطفى، محمد بن علي الطبري: ١٨٤ح١، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣١٧ ح١٥.
(721) بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٤٢ / ٢٩٢, مستدرك الوسائل, الميرزا النوري: ٢ / ٢٦٨ ح٢٢.

(٣٢٧)

الخامس عشر: الإمام المهدي (عليه السلام) في القرآن الكريم
ذكرت جملة من الآيات الشريفة ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وبعض خصائصه الشريفة، وقد نصت على ذلك أيضاً الروايات الواردة في التفسير من طريق أهل البيت (عليهم السلام) وغيرهم، وقد ألفت في ذلك بعض الكتب القيمة التي عنيت بهذا الموضوع(722)، والآيات المفسرة بالإمام المهدي (عليه السلام) كثيرة جداً، ونحن نذكر جملة منها، وهي كما يلي:
١ - قوله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ).(723)
روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن علي (عليه السلام) في قوله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) قال: هم آل محمد يبعث الله مهديهم بعد جهدهم، فيعزهم ويذل عدوهم.(724)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(722) ومن الكتب المؤلفة في ذلك، هو:
كتاب (المحجة فيما نزل في القائم الحجة (عليه السلام)) تأليف السيد هاشم بن سلمان التوبلي المحدث البحراني(ت ١١٠٧)، طبع بتحقيق السيد منير الميلاني، في بيروت، وطبع أيضاً في قم بتحقيق وتعليق الشيخ حامد الفدوي الإردستاني، نشر المكتبة المرتضوية لأحياء الآثار الجعفرية.
وكتاب: (المهدي في القرآن) تأليف آية الله السيد صادق الحسيني الشيرازي.
وكتاب: (القرآن يتحدث عن الإمام المهدي (عليه السلام)) (الإشارات القرآنية وتأويل الآيات التي تحدثت عن الإمام المخلِّص في أحاديث أهل البيت (عليه السلام)) إعداد مهدي حسن علاء الدين، نشر مركز بقية الله الأعظم للدراسات والنشر، بيروت - لبنان.
(723) سورة القصص، الآية: ٥.
(724) كتاب الغيبة، الشيخ الطوسي: ١٨٣ - ١٨٤ ح١٤٣، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥١ / ٥٤.

(٣٢٨)

فرات الكوفي: عن أبي المغيرة قال: قال علي (عليه السلام): فينا نزلت هذه الآية: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ).(725)
قال الشيخ الطوسي: وروى قوم من أصحابنا أن الآية نزلت في شأن المهدي (عليه السلام) وأن الله تعالى يمّن عليه بعد أن استُضعف، ويجعله إماماً ممكناً، ويورثه ما كان في أيدي الظلمة.(726)
وقال الشيخ الطبرسي أيضاً: وقد صحت الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها، عطف الضروس على ولدها (727) وتلا عقيب ذلك: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) الآية...(728)
وروى العياشي بالإسناد: عن أبي الصباح الكناني، قال: نظر أبو جعفر (عليه السلام) إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال: هذا والله من الذين قال الله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) الآية.(729)
وقال سيد العابدين علي بن الحسين (عليه السلام): والذي بعث محمداً بالحق بشيراً ونذيراً، إنّ الأبرار منا أهل البيت، وشيعتهم، بمنزلة موسى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(725) تفسير فرات الكوفي: ٣١٣ ح١.
(726) التبيان، الشيخ الطوسي: ٨/١٢٩.
(727) شمس الفرس شماساً: كان لا يمكن أحداً من ظهره، ولا من الإسراج، ولا الإلجام، ولا يكاد يستقر. والضروس: الناقة السيئة الخلق تعض حالبيها.
(728) مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ٧/ ٤١٤، نهج البلاغة، الإمام علي (عليه السلام): ٤/ ٤٧ح ٢٠٩، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ١٩/ ٢٩.
(729) راجع: الإرشاد، الشيخ المفيد: ٢/ ١٨٠، مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب: ٣/ ٣٤٣، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٢٤/ ١٦٧ - ١٦٨.

(٣٢٩)

وشيعته، وإن عدونا وأشياعهم، بمنزلة فرعون وأشياعه.(730)
وفي معاني الأخبار بإسناده: عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) نظر إلى علي والحسن والحسين (عليهم السلام) فبكى وقال: أنتم المستضعفون بعدي، قال المفضل: فقلت له: ما معنى ذلك؟ قال: معناه أنكم الأئمة بعدي إن الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) فهذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة.(731)
وروى أبو الفرج الأصفهاني: عن إسحاق بن موسى الأنصاري، قال: سمعت محمد بن جعفر يقول: شكوت إلى مالك بن أنس ما نحن فيه، وما نلقى! فقال: اصبر حتى يجئ تأويل هذه الآية (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ).(732)
وقال ابن أبي الحديد عند ذكره عقيدة الإمامية في تفسير الآية الشريفة: أن ذلك وعدٌ منه بالإمام الغائب الذي يملك الأرض في آخر الزمان، وأصحابنا يقولون: إنه وعدٌ بإمام يملك الأرض، ويستولي على الممالك...(733)
٢ - قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).(734)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(730) مجمع البيان، الشيخ الطبرسي:٧/ ٤١٤، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٢٤/ ١٦٧ - ١٦٨.
(731) معاني الأخبار، الشيخ الصدوق: ٧٩ح١، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٢٤/ ١٦٨ح١.
(732) مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني: ٣٥٩.
(733) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ١٩/ ٢٩.
(734) سورة التوبة، الآية: ٣٣.

(٣٣٠)

قال علي بن إبراهيم في قوله: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ.. الخ) فإنها نزلت في القائم من آل محمد، وهو الذي ذكرناه مما تأويله بعد تنزيله.(735)
وروى الشيخ الصدوق: عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، فقال: والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم (عليه السلام)، فإذا خرج القائم (عليه السلام) لم يبق كافر بالله العظيم، ولا مشرك بالإمام إلا كره خروجه حتى أن لو كان كافراً أو مشركاً في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله.(736)
وفي تفسير العياشي: عن أبي المقدام، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) يكون أن لا يبقى أحد إلا أقرّ بمحمد (صلّى الله عليه وآله).
وعن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام): (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) قال: إذا خرج القائم لم يبق مشرك بالله العظيم، ولا كافر إلا كره خروجه.(737)
وفي كتاب الكافي عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ)(738) قال: يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) بأفواههم، قلت: (وَاللهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(735) تفسير القمي: ١/ ٢٨٩.
(736) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٦٧٠ ح١٦، تفسير فرات الكوفي: ٤٨١ - ٤٨٢ ح٣.
(737) تفسير العياشي:٢/ ٨٧ ح٥٠ وح٥٢.
(738) سورة الصف، الآية: ٨.

(٣٣١)

مُتِمُّ نُورِهِ)؟ قال: والله متم الإمامة.. إلى أن قال: قلت: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ)؟ قال: هو الذي أمر رسوله بالولاية لوصيه والولاية هي دين الحق. قلت: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)؟ قال: يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم، قال يقول الله: (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ): ولاية القائم (وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) بولاية عليّ، قلت: هذا تنزيل؟ قال: نعم، أما هذا الحرف فتنزيل، وأما غيره فتأويل.(739)
وقال القرطبي: وقيل: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ) أي ليظهر الدين دين الإسلام على كلّ دين. قال أبو هريرة والضحاك: هذا عند نزول عيسى (عليه السلام)، وقال السدي: ذاك عند خروج المهدي، لا يبقى أحد إلا دخل في الإسلام..(740)
وقال القرطبي أيضاً في موضع آخر: روي أن جميع ملوك الدنيا كلها أربعة: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان سليمان بن داود وإسكندر، والكافران نمرود وبختنصر، وسيملكها من هذه الأمة خامس لقوله تعالى: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) وهو المهدي.(741)
وجاء في تفسير البحر المحيط: قال السدي: ذلك عند خروج المهدي لا يبقى أحد إلا دخل في الإسلام وأدى الخراج.(742)
٣ - قوله تعالى: (وَعَدَ الله الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا).(743)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(739) الكافي، الكليني:١/٤٣٢ح٩١.
(740) تفسير القرطبي: ٨/ ١٢١ - ١٢٢.
(741) تفسير القرطبي: ١١/ ٤٧ - ٤٨.
(742) تفسير البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي: ٥/ ٣٤.
(743) سورة النور، الآية: ٥٥.

(٣٣٢)

قال القمي في تفسيره: قوله: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ..) نزلت في القائم من آل محمد (صلّى الله عليه وآله).(744)
وروى فرات الكوفي: عن السدي، عن ابن عباس (رضي الله عنه) في قوله تعالى: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) إلى آخر الآية، قال: نزلت في آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم).
وروى أيضاً عن القاسم بن عوف، قال: سمعت عبد الله بن محمد يقول: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) إلى آخر الآية، قال: هي لنا أهل البيت.(745)
قال الشيخ الطبرسي (رحمه الله تعالى): والمروي عن أهل البيت (عليهم السلام): أنها في المهدي من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم).
وروى العياشي بإسناده عن علي بن الحسين (عليه السلام) أنه قرأ الآية، وقال: هم والله شيعتنا أهل البيت، يفعل الله ذلك بهم على يدي رجل منا، وهو مهدي هذه الأمة، وهو الذي قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم، حتى يلي رجل من عترتي، اسمه اسمي، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
وروي مثل ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)، فعلى هذا يكون المراد بـ(الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ): النبي وأهل بيته، صلوات الرحمن عليهم، وتضمنت الآية البشارة لهم بالاستخلاف، والتمكن في البلاد، وارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي (عليه السلام) منهم.
ويكون المراد بقوله: (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) هو أن جعل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(744) تفسير القمي: ١/ ١٤.
(745) تفسير فرات الكوفي: ٢٨٨ - ٢٨٩ ح٣ وح٦.

(٣٣٣)

الصالح للخلافة خليفة مثل آدم، وداود، وسليمان (عليهم السلام)، ويدل على ذلك قوله: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)(746)، و(يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ)(747)، وقوله: (فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا).(748)
وعلى هذا إجماع العترة الطاهرة، وإجماعهم حجة، لقول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، وأيضاً فإن التمكين في الأرض على الإطلاق، لم يتفق فيما مضى، فهو منتظر لأن الله عزَّ اسمه، لا يخلف وعده.(749)
وفي كتاب الاحتجاج: عن أمير المؤمنين (عليه السلام).. في حديث له قال: كلّ ذلك لتتم النظرة التي أوجبها الله لعدوه إبليس إلى أن يبلغ الكتاب أجله، ويحق القول على الكافرين، ويقرب الوعد الحق الذي بينه الله في كتابه بقوله: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وذلك إذا لم يبق من الإسلام إلا اسمه، ومن القرآن إلا رسمه، وغاب صاحب الأمر بإيضاح العذر له في ذلك، لاشتمال الفتنة على القلوب حتى يكون أقرب الناس إليه أشدَّ عداوة له، وعند ذلك يؤيده الله بجنود لم تروها، ويظهر دين نبيه على يديه، ويظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون.(750)
وفي مناقب آل أبي طالب عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: زويت لي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(746) سورة البقرة، الآية: ٣٠.
(747) سورة ص، الآية: ٢٦.
(748) سورة النساء، الآية: ٥٤.
(749) تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ٧ / ٢٦٧.
(750) الاحتجاج، الشيخ الطبرسي: ١/ ٣٨٢، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٩٠/ ١٢٥ح١.

(٣٣٤)

الأرض فأريت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها.(751)
وروى المقداد عنه (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: لا يبقى على الأرض بيت مدر، ولا وبر إلا أدخله الله كلمة الإسلام بعزّ عزيز وذلّ ذليل، إما أن يعزّهم الله فيجعلهم من أهلها، وإما أن يذّلهم فيدينون بها.(752)
٤ - قوله تعالى: (الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).(753)
روى الشيخ الصدوق: عن داود بن كثير الرقي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) قال: من أقرّ بقيام القائم (عليه السلام) أنه حقّ.
وعن يحيى بن أبي القاسم قال: سألت الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)؟ فقال: المتقون شيعة علي (عليه السلام) والغيب فهو الحجة الغائب.
وشاهد ذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(754) فأخبر (عزَّ وجلَّ) أن الآية هي الغيب، والغيب هو الحجة، وتصديق ذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَجَعَلْنَا ابْنَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(751) مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب: ١/ ٩٨، صحيح مسلم: ٨/ ١٧١، سنن الترمذي: ٣/ ٣١٩ح٢٢٦٧، فتح الباري، ابن حجر: ٨/ ٢٢١.
(752) التفسير الصافي، الفيض الكاشاني: ٣/ ٤٤٥. صحيح ابن حبان: ١٥/ ٩٢، مسند أحمد بن حنبل: ٤/ ١٠٣، المعجم الكبير, الطبراني: ٢٠/ ٢٥٥، المستدرك، الحاكم: ٤/ ٤٣٠.
(753) سورة البقرة، الآية: ١ - ٣.
(754) سورة يونس، الآية: ٢٠.

(٣٣٥)

مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً)(755) يعني حجة.(756)
٥ - قوله تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ).(757)
روى الشيخ الصدوق: عن علي بن رئاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: في قول الله (عزَّ وجلَّ): (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) فقال: الآيات هم الأئمة، والآية المنتظرة هو القائم (عليه السلام)، فيومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف، وإن آمنت بمن تقدمه من آبائه (عليهم السلام).(758)
٦ - قوله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا).(759)
روى الشيخ الصدوق: عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) قال: يحييها الله (عزَّ وجلَّ) بالقائم (عليه السلام) بعد موتها - بموتها كفر أهلها - والكافر ميت.(760)
٧ - قوله تعالى: (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ).(761)
النعماني: عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن رجل من أصحاب أبي عبد الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(755) سورة المؤمنون، الآية: ٥٠.
(756) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ١٧ - ١٨.
(757) سورة الأنعام، الآية: ١٥٨.
(758) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ١٨.
(759) سورة الحديد، الآية: ١٧.
(760) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٦٦٨ ح١٣.
(761) سورة الحديد، الآية: ١٦.

(٣٣٦)

جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: سمعته يقول: نزلت هذه الآية التي في سورة الحديد (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) في أهل زمان الغيبة، ثم قال (عزَّ وجلَّ): (أَنَّ اللهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).(762)
وقال: إنما الأمد أمد الغيبة، فإنه أراد (عزَّ وجلَّ): يا أمة محمد، أو يا معشر الشيعة، لا تكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد، فتأويل هذه الآية جاء في أهل زمان الغيبة وأيامها دون غيرهم من أهل الأزمنة، وإن الله تعالى نهى الشيعة عن الشك في حجة الله تعالى، أو أن يظنوا أن الله تعالى يخلي أرضه منها طرفة عين، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلامه لكميل بن زياد: بلى، اللهم لا تخلو الأرض من حجة لله إما ظاهر معلوم، أو خائف مغمور، لئلا تبطل حجج الله وبيناته، وحذّرهم من أن يشكّوا أو يرتابوا، فيطول عليهم الأمد فتقسوا قلوبهم.(763)
٨ - قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ).(764)
قال الشيخ الطبرسي (رحمه الله تعالى) في تفسير الآية: (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) قال أبو جعفر (عليه السلام): هم أصحاب المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان.
ويدل على ذلك ما رواه الخاص والعام عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً صالحاً من أهل بيتي، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما قد ملئت ظلماً وجوراً.(765)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(762) سورة الحديد، الآية: ١٧.
(763) كتاب الغيبة، النعماني: ٣١ - ٣٢.
(764) سورة الأنبياء، الآية: ٥.
(765) تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ٧/ ١٢٠.

(٣٣٧)

وقال القمي أيضاً في التفسير: قوله: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) فبشر الله نبيه (صلّى الله عليه وآله) أن أهل بيتك يملكون الأرض، ويرجعون إلى الدنيا، ويقتلون أعداءهم.(766)
٩ - قوله تعالى: (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ).(767)
روى الشيخ الطوسي: بإسناده عن أبي صالح، عن عبد الله بن العباس في قول الله تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) قال: قيام القائم (عليه السلام)، ومثله (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعًا)(768) قال: أصحاب القائم (عليه السلام) يجمعهم الله في يوم واحد.
وعن إسحاق بن عبد الله بن علي بن الحسين (عليه السلام) في هذه الآية (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) قال: قيام القائم (عليه السلام) من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم).
قال: وفيه نزلت (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)(769) قال: نزلت في المهدي (عليه السلام).(770)
١٠ - قوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا).(771)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(766) تفسير القمي: ٢/ ٢٩٧.
(767) سورة الذاريات، الآية: ٢٣.
(768) سورة البقرة، الآية: ١٤٨.
(769) سورة النور، الآية: ٥٥.
(770) كتاب الغيبة، الشيخ الطوسي: ١٧٦ - ١٧٧ ح١٣٢ و١٣٣.
(771) سورة الإسراء، الآية: ٧.

(٣٣٨)

تفسير علي بن إبراهيم: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ) يعني القائم (عليه السلام) وأصحابه.(772)
قال الشيخ الطبرسي (رحمه الله تعالى): وروى أصحابنا أنهم يخرجون مع قائم آل محمد (عليهم السلام).(773)
١١ - قوله تعالى: (لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ).(774)
تفسير العياشي: عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: (لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ) قال: إلى خروج القائم (عليه السلام) فإن معه النصر والظفر.(775)
١٢ - قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ الله أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).(776)
الطبرسي: وثالثها، إن المراد بخزيهم في الدنيا أنه إذا قام المهدي، وفتح قسطنطينية، فحينئذ يقتلهم، عن السدي.(777)
وفي تفسير الثعلبي عن السدي: هو إنه إذا قام المهدي في آخر الزمان فتحت قسطنطينية فقتل مقاتليهم، وسبى ذراريهم، فذلك خزيهم في الدنيا.(778)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(772) تفسير القمي: ٢/١٤، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥١/ ٤٦ح٣.
(773) تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ٤ / ٣٧٧.
(774) سورة النساء، الآية: ٧٧.
(775) تفسير العياشي: ١/ ٢٥٨ح١٩٥، و٢/ ٢٣٥ح٤٨.
(776) سورة البقرة، الآية: ١١٤.
(777) مجمع البيان، الطبرسي: ١/ ٣٥٦، تفسير القرطبي: ٢/ ٧٩، تفسير ابن كثير:١/١٦٢. فتح القدير، الشوكاني: ١/ ١٣٢، الدر المنثور، السيوطي: ١/ ١٠٨.
(778) تفسير الثعلبي: ١/ ٢٦١.

(٣٣٩)

وفي تفسير البحر المحيط: وقيل: قتل المهدي إياهم إذا خرج، قاله المروزي.(779)
١٣ - قوله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله)(780)
الطبرسي: روى زرارة، وغيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: لم يجئ تأويل هذه الآية، ولو قام قائمنا بعد، سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية، وليبلغن دين محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما بلغ الليل، حتى لا يكون مشرك على ظهر الأرض، كما قال الله تعالى: (يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا).(781)
العياشي: ولا يقبل صاحب هذا الأمر الجزية كما قبلها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو قول الله: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله).(782)
الآلوسي: قيل: لم يجيء تأويل هذه الآية بعد وسيتحقق مضمونها إذا ظهر المهدي فإنه لا يبقى على ظهر الأرض مشرك أصلاً على ما روي عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه.(783)
١٤ - قوله تعالى: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).(784)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(779) تفسير البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي: ١/٥٢٩.
(780) سورة الأنفال, الآية: ٣٩.
(781) مجمع البيان، الطبرسي: ٤/ ٤٦٧.
(782) تفسير العياشي: ٢/ ٦٠، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٤٥.
(783) تفسير الآلوسي: ٩/ ٢٠٧.
(784) سورة السجدة، الآية: ٢١.

(٣٤٠)

القرطبي: روي عن جعفر بن محمد (عليه السلام) أنه خروج المهدي بالسيف.(785)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(785) تفسير القرطبي: ١٤/ ١٠٧، تفسير البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي: ٧/ ١٩٨.

(٣٤١)

الأمر الأول: إعلام أئمة أهل البيت شيعتهم بأمر الغيبة
إن ذكر غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) جاء كثيراً في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) قبل غيبته بأكثر من قرنين من الزمن، وقد بلغ ذلك حدّ التواتر والشهرة بين المحدثين وكذلك المؤرخين والشعراء أيضاً، الأمر الذي يدل على صدق أمر الغيبة وحتميتها في ظرفها، وقد تناول أيضاً موضوع الغيبة جملة من الأعلام بالتأليف قديماً وحديثاً، وذكروا أسباب الغيبة وطول أمدها، والحكمة منها.(786)
قال الشيخ الطبرسي (رحمه الله تعالى): (إن) أخبار الغيبة قد سبقت زمان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(786) فمن الكتب التي عنيت بهذا الموضوع ما يلي:
كتاب الغيبة، تأليف محمد بن إبراهيم النعماني، وكتاب الغيبة لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت ٤٦٠ هـ) نشر مكتبة بصيرتي، قم - إيران.
وكتاب الغيبة للشيخ المفيد، وكتاب الغيبة للشيخ محمد حرز الدين، وكتاب الغيبة للشيخ محمد رضا الجعفري، نشر مركز الأبحاث العقائدية قم - إيران.
وكتاب (غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) عند الإمام الصادق (عليه السلام)) للسيد ثامر هاشم العميدي، نشر وإصدار مركز الرسالة.
وكتاب (الغيبة والانتظار قراءة تأريخ ورؤية مستقبل) للسيد محمد علي الحلو تقديم وتحقيق، مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عليه السلام).

(٣٤٥)

الحجة (عليه السلام)، بل زمان أبيه وجده.. وخلدها المحدثون من الشيعة في أصولهم المؤلفة في أيام السيدين الباقر والصادق (عليهما السلام)، وآثروها عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) واحداً بعد واحد، صح بذلك القول في إمامة صاحب الزمان (عليه السلام) بوجود هذه الصفة له، والغيبة المذكورة في دلائله وإعلام إمامته، وليس يمكن لأحد دفع ذلك.
ومن جملة ثقات المحدثين والمصنفين من الشيعة: الحسن بن محبوب الزراد، وقد صنف كتاب المشيخة الذي هو في أصول الشيعة أشهر من كتاب المزني وأمثاله قبل زمان الغيبة بأكثر من مائة سنة، فذكر فيه بعض ما أوردناه من أخبار الغيبة، فوافق الخبر الخبر، وحصل كلّ ما تضمنه الخبر بلا اختلاف.
ومن جملة ذلك: ما رواه عن إبراهيم الخارقي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: لقائم آل محمد (عليه السلام) غيبتان واحدة طويلة والأخرى قصيرة، قال: فقال لي: نعم يا أبا بصير، إحداهما أطول من الأخرى، ثم لا يكون ذلك - يعني ظهوره - حتى يختلف ولد فلان، وتضيق الحلقة، ويظهر السفياني، ويشتد البلاء، ويشمل الناس موت وقتل، ويلجأون منه إلى حرم الله تعالى وحرم رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلم).(787)
الأمر الثاني: الغيبة غيبتان صغرى وكبرى
وهكذا اقتضت حكمة الباري تعالى أن يغيب عن الناس جميعاً إمامهم بعد ما جرى عليه ما جرى من الاضطهاد الجائر والملاحقة المستمرة من قبل تلك الزمر الفاسدة، والأنظمة الجائرة التي مافتئت تعمل على إبادة وتصفية عترة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ومن أجل ذلك غيبه الله عنهم إلى أن يأذن له بالظهور في وقته الذي أراده له، فيطهّر الأرض من براثن الفساد والطغيان، ويخلص

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(787) إعلام الورى بأعلام الهدى، الشيخ الطبرسي: ٢/ ٢٥٧ - ٢٥٩.

(٣٤٦)

الناس من الظلم والعدوان، فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
هذا وقد أنبأت جملة من الروايات الشريفة بأن غيبة الإمام (عليه السلام) ليست الأولى من نوعها في تأريخ الأمم، بل وقع في الأمم السالفة أيضاً مثل غيبته، فقد غاب بعض الأنبياء عن أقوامهم فترة من الزمن لحكمة اقتضت ذلك, فحينئذ لا يكون هذا الأمر مستغرباً عند عامة الناس، وقد وقع مثله في الأمم الغابرة.(788)
وقد شنّع علينا بعض المخالفين القول بغيبته، ولم يتفهموا سرّ الغيبة التي سوف يتمخّض منها النصر والظفر حين يأذن له الباري تعالى بالظهور، هذا مع اعتقاد فرق المسلمين بوجود عيسى والخضر (عليهما السلام)، وقد غابا عن الناس إلى أن يظهرهما الله تعالى في آخر الزمان.
ورحم الله الشيخ البلاغي إذ يقول في ردّه على أمثال هؤلاء:

ولم يكُ من خوف الأذاة اختفاؤه * * * ولكنّ بأمر الله خيّر له السترُ
وحاشاه من جبن ولكن هو الذي * * * غدا يختشيه من حوى البرُ والبحرُ
أكلُّ اختفاء خلت من خيفة الأذى * * * فربّ اختفاء فيه يُستنزل النصرُ
وكلّ فرار خلت جبناً فربما * * * يفرُ أخو بأسٍ ليمكنه الكرُ
فكم قد تمادت للنبيين غيبة * * * على موعد فيها إلى ربهم فروا
وإن بيوم الغار والشعب قبله * * * غناء كما يغني عن الخبر الخبرُ
وإن كنت في ريبٍ لطول بقائه * * * فهل رابك الدجالُ والصالحُ الخضرُ؟!
أيرضى لبيبٌ أن يُعمّر كافرٌ * * * ويأباه في باقٍ ليمحى به الكفرُ

هذا وقد أفصحت الروايات الشريفة أن للإمام (عليه السلام) غيبتين،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(788) راجع ما ذكره الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى) من غيبات الأنبياء وأولهم نبي الله إدريس (عليه السلام) في كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ص١٢٧ الخ.

(٣٤٧)

إحداهما صغرى، والأخرى كبرى.
ومن ذلك ما رواه النعماني عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): للقائم غيبتان إحداهما قصيرة، والأخرى طويلة، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه في دينه.(789)
قال الشيخ المفيد (رحمه الله تعالى): وكان الخبر بغيبته ثابتاً قبل وجوده، وبدولته مستفيضاً قبل غيبته، وهو صاحب السيف من أئمة الهدى (عليهم السلام)، والقائم بالحق، المنتظر لدولة الإيمان.
وله قبل قيامه غيبتان، إحداهما أطول من الأخرى، كما جاءت بذلك الأخبار، فأما القصرى منهما فمنذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته، وعدم السفراء بالوفاة.
وأما الطولى فهي بعد الأولى وفي آخرها يقوم بالسيف، قال الله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ).(790)
وقال جلَّ ذكره: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ).(791)
وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لن تنقضي الأيام والليالي حتى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(789) كتاب الغيبة, النعماني: ١٧٠ح٢.
(790) سورة القصص, الآية: ٥ - ٦.
(791) سورة الأنبياء, الآية: ١٠٥.

(٣٤٨)

ظلماً وجوراً.
وقال (عليه السلام): لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلاً من ولدي، يواطئ اسمه اسمي، يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً.(792)
الغيبة الصغرى
ابتدأت الغيبة الصغرى من حين وفاة أبيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) سنة ٢٦٠ للهجرة(793)، واستغرقت مدتها ٦٩ عاماً، وانتهت بوفاة السفير الرابع: أبي الحسن علي بن محمد السمري سنة ٣٢٨ للهجرة، فانقطعت السفارة بينه وبين شيعته.
وأما الغيبة الكبرى فهي بعد الأولى وفي آخرها يقوم بالسيف...(794)
سفراء الإمام (عليه السلام) في الغيبة الصغرى
السفراء في زمن الغيبة الصغرى أربعة، وقد عينهم الإمام المهدي (عليه السلام) وكلاء وسفراء بينه وبين شيعته, وكان الناس خلال الغيبة الصغرى يتصلون بالإمام عن طريق هؤلاء السفراء، فهم الواسطة بينه وبين شيعته، فكان السفراء الأربعة يرونه، وربما رآه غيرهم، ويلتقون به...(795)
فمن مهامهم استلام الأخماس، وإيصال مسائل الشيعة إلى الإمام (عليه السلام)، فيجيب على مسائلهم، ثم بعد ذلك يقومون بتسليمها إلى أربابها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(792) الإرشاد، الشيخ المفيد: ٢ / ٣٤٠ - ٣٤١.
(793) لكن الشيخ المفيد (رحمه الله تعالى) حسب ابتداء الغيبة الصغرى من حين ولادته كما مرّ عليك قريباً.
(794) راجع: المجالس السنية, السيد محسن الأمين: ٤٢٧.
(795) نفس المصدر السابق.

(٣٤٩)

وأول السفراء هو: عثمان بن سعيد، ثم ابنه محمد بن عثمان، ثم أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحير النوبختي, ثم أبو الحسن علي بن محمد السمري (رضي الله عنهم).
وإليك هنا بيان شيء من تأريخهم ومايرتبط بهم رضوان الله عليهم:
الأول: أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عمرو العمري (ت ٢٦٥)
وكان يقال له السمان لأنه كان يتجر بالسمن تغطية للأمر، وكان الشيعة إذا حملوا إلى الحسن العسكري (عليه السلام) ما يجب عليهم من المال جعله أبو عمرو في زقاق السمن وحمله إليه تقية.
وكان الإمام علي الهادي (عليه السلام) نصّبه وكيلاً عنه, ثم ابنه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام), ثم كان سفيراً للإمام المهدي (عليه السلام).
قال الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة في حقه: أنه الشيخ الموثوق به، وقال الإمام علي الهادي (عليه السلام) في حقه: هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعني يقوله, وما أداه إليكم فعني يؤديه.(796)
وأخبر أبو علي أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته وقلت: من أعامل أو عمن آخذ، وقول من أقبل؟ فقال له: العمري ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون، وأخبرني أبو علي أنه سأل أبا محمد (عليه السلام) عن مثل ذلك، فقال له: العمري وابنه ثقتان، فما أديا إليك عني، فعني يؤديان، وما قالا لك، فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنهما الثقتان المأمونان، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك.(797)
وروى الشيخ الطوسي (رحمه الله تعالى) عن محمد بن إسماعيل وعلي ابن عبد الله الحسينيان قالا: دخلنا على أبي محمد الحسن (عليه السلام) بسرّ من رأى وبين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(796) المجالس السنية, السيد محسن الأمين: ٤٢٨.
(797) الكافي, الكليني: ١ / ٣٣٠.

(٣٥٠)

يديه جماعة من أوليائه وشيعته، حتى دخل عليه بدر خادمه فقال: يا مولاي بالباب قوم شعث غبر، فقال لهم: هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن في حديث طويل يسوقانه إلى أن قالا: قال الحسن (عليه السلام) لبدر: فامض فائتنا بعثمان بن سعيد العمري، فما لبثنا إلا يسيراً حتى دخل عثمان، فقال له سيدنا أبو محمد (عليه السلام): امض يا عثمان، فإنك الوكيل والثقة المأمون على مال الله، واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال.
ثم ساقا الحديث إلى أن قالا: ثم قلنا بأجمعنا: يا سيدنا! والله إن عثمان لمن خيار شيعتك، ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك، وأنه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى، قال: نعم، واشهدوا على أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي، وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهديّكم.(798)
وقال الشيخ الطوسي (رحمه الله تعالى): قال أبو العباس: وأخبرني هبة الله بن محمد ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري (رضي الله عنه) عن شيوخه قالوا: لم تزل الشيعة مقيمة على عدالة عثمان بن سعيد ومحمد بن عثمان رحمها الله تعالى إلى أن مات أبو عمرو عثمان بن سعيد (رحمه الله تعالى)، وغسله ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان، وتولى القيام به...(799)
الثاني: ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري (ت ٣٠٥)
قال الشيخ الطوسي (رحمه الله تعالى): فلما مضى أبو عمرو عثمان بن سعيد قام ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه بنص أبي محمد (عليه السلام) عليه ونص أبيه عثمان عليه بأمر القائم (عليه السلام).(800)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(798) الغيبة, الطوسي: ٣٥٥ - ٣٥٦.
(799) الغيبة، الطوسي: ٣٦٢ ح٣٢٧.
(800) نفس المصدر: ٣٥٩.

(٣٥١)

وجاء في الرواية السابقة التي رواها الشيخ (رحمه الله تعالى) عن هبة الله ابن محمد عن شيوخه قالوا: إلى أن مات أبو عمرو عثمان بن سعيد (رحمه الله تعالى) وغسله ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان، وتولى القيام به وجعل الأمر كله مردوداً إليه، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته لما تقدم له من النص عليه بالأمانة والعدالة، والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن (عليه السلام) وبعد موته في حياة أبيه عثمان بن سعيد، لا يختلف في عدالته، ولا يرتاب بأمانته، والتوقيعات تخرج على يده إلى الشيعة في المهمات طول حياته بالخط الذي كانت تخرج في حياة أبيه عثمان، لا يعرف الشيعة في هذا الأمر غيره، ولا يرجع إلى أحد سواه.
قال الشيخ الطوسي (رحمه الله تعالى): وقد نقلت عنه دلائل كثيرة، ومعجزات الإمام ظهرت على يده، وأمور أخبرهم بها عنه زادتهم في هذا الأمر بصيرة، وهي مشهورة عند الشيعة، وقد قدمّنا طرفاً منها...(801)
وقد تقدم أيضاً آنفاً كلام الإمام العسكري وثناؤه عليه وعلى أبيه (رضي الله عنهما): (العمري وابنه ثقتان، فما أديا إليك عني فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان).
وقوله (عليه السلام) أيضاً في حقه: (واشهدوا على أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي، وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم).
ومما جاء في محمد بن عثمان من الروايات وما روي عنه ما يلي:
قال أبو جعفر بن بابويه: روي عن محمد بن عثمان العمري (قدّس سرّه) أنه قال: والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كلّ سنة يرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه.
وعن عبد الله بن جعفر الحميري أنه قال: سألت محمد بن عثمان (رضي الله عنه)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(801) الغيبة, الطوسي: ٣٦٢ ح٣٢٧.

(٣٥٢)

فقلت له: رأيت صاحب هذا الأمر؟ قال: نعم، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو (عليه السلام) يقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني.
وقال محمد بن عثمان (رضي الله عنه): ورأيته صلوات الله عليه متعلقاً بأستار الكعبة في المستجار وهو يقول: اللهم انتقم لي من أعدائك.
وعن علي بن صدقة القمي (رحمه الله) قال: خرج إلى محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) ابتداءً من غير مسألة ليخبر الذين يسألون عن الاسم: إما السكوت والجنة، وإما الكلام والنار، فإنهم إن وقفوا على الاسم أذاعوه، وإن وقفوا على المكان دلوا عليه.
وقال أبو الحسن علي بن أحمد الدلال القمي: دخلت على أبي جعفر محمد بن عثمان (رضي الله عنه) يوماً لأسلم عليه، فوجدته وبين يديه ساجة ونقّاش ينقش عليها، ويكتب آياً من القرآن وأسماء الأئمة (عليهم السلام) على حواشيها، فقلت له: يا سيدي ما هذه الساجة؟ فقال لي: هذه لقبري تكون فيه أوضع عليها أو قال: أسند إليها وقد عرفت منه(802)، وأنا في كل يوم أنزل فيه فأقرأ جزءا من القرآن فيه فاصعد، وأظنه قال: فأخذ بيدي وأرانيه، فإذا كان يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا صرت إلى الله (عزَّ وجلَّ) ودفنت فيه وهذه الساجة معي.
فلما خرجت من عنده أثبت ما ذكره ولم أزل مترقباً به ذلك فما تأخر الأمر حتى اعتل أبو جعفر، فمات في اليوم الذي ذكره من الشهر الذي قاله من السنة التي ذكرها، ودفن فيه.
وقال محمد بن علي بن الأسود القمي: إن أبا جعفر العمري (قدّس سرّه) حفر لنفسه قبراً وسوّاه بالساج، فسألته عن ذلك فقال: للناس أسباب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(802) في بعض النسخ: فرغت منه.

(٣٥٣)

وسألته عن ذلك؟ فقال: قد أمرت أن أجمع أمري، فمات بعد ذلك بشهرين (رضي الله عنه وأرضاه).
وقال أبو نصر هبة الله: وجدت بخط أبي غالب الزراري (رحمه الله) وغفر له أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري (رحمه الله) مات في آخر جمادى الأولى سنة خمس وثلاثمائة.
وذكر أبو نصر هبة الله أن أبا جعفر العمري (رحمه الله) مات في سنة أربع وثلاثمائة، وأنه كان يتولى هذا الأمر نحواً من خمسين سنة يحمل الناس إليه أموالهم، ويخرج إليهم التوقيعات بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن (عليه السلام) إليهم بالمهمات في أمر الدين والدنيا وفيما يسألونه من المسائل بالأجوبة العجيبة (رضي الله عنه وأرضاه) قال أبو نصر هبة الله: إن قبر أبي جعفر محمد بن عثمان عند والدته في شارع باب الكوفة في الموضع الذي كانت دوره ومنازله فيه.(803)
الثالث: أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحير النوبختي (ت ٣٢٦)
قد كان أبو القاسم ابن روح (رحمه الله تعالى) في زمن محمد بن عثمان العمري يعتمد عليه في استلام بعض الأموال، وكان ثقته.
روى الشيخ الطوسي (رحمه الله تعالى), قال: أخبرنا جماعة، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الأسود (رحمه الله) قال: كنت أحمل الأموال التي تحصل في باب الوقف إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (رحمه الله) فيقبضها مني، فحملت إليه يوماً شيئاً من الأموال في آخر أيامه قبل موته بسنتين أو ثلاث سنين، فأمرني بتسليمه إلى أبي القاسم الروحي (رضي الله عنه)، فكنت أطالبه بالقبوض، فشكا ذلك إلى أبي جعفر (رضي الله عنه)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(803) الغيبة, الطوسي: ٣٦٣ - ٣٦٦.

(٣٥٤)

فأمرني أن لا أطالبه بالقبوض وقال: كلّ ما وصل إلى أبي القاسم فقد وصل إليَّ، فكنت أحمل بعد ذلك الأموال إليه ولا أطالبه بالقبوض.
وفي رواية قال: أمرت أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه).(804)
وقال أبو علي محمد بن همام (رضي الله عنه وأرضاه): أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري (قدس الله روحه) جمعنا قبل موته وكنا وجوه الشيعة وشيوخها، فقال لنا: إن حدث عليَّ حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقد أمرت أن أجعله في موضعي بعدي فارجعوا إليه وعولوا في أموركم عليه.
وفي رواية أن أبا جعفر العمري لما اشتدت حاله اجتمع جماعة من وجوه الشيعة فدخلوا على أبي جعفر فقالوا له: إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي، والسفير بينكم وبين صاحب الأمر (عليه السلام)، والوكيل له والثقة الأمين، فارجعوا إليه في أموركم، وعولوا عليه في مهماتكم، فبذلك اُمرت وقد بلغت.(805)
قال أبو جعفر محمد بن علي بن أحمد بن بزرج بن عبد الله بن منصور بن يونس بن برزج صاحب الصادق (عليه السلام) قال: سمعت محمد بن الحسن الصيرفي الدورقي المقيم بأرض بلخ يقول: أردت الخروج إلى الحج وكان معي مال بعضه ذهب وبعضه فضة، فجعلت ما كان معي من الذهب سبائك، وما كان معي من الفضة نقراً،(806) وكان قد دفع (ذلك المال إليه لتسليمه إلى الشيخ)(807)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(804) الغيبة، الطوسي: ٣٧٠.
(805) نفس المصدر: ٣٧٠ - ٣٧٢.
(806) النقرة: القطعة المذابة من الذهب أو الفضة (مجمع البحرين، الطريحي: ٤/٣٦٠)
(807) ما بين القوسين أثبتناه من الهامش.

(٣٥٥)

أبي القاسم الحسين بن روح - قدس الله روحه - قال: فلما نزلت سرخس ضربت خيمتي على موضع فيه رمل، فجعلت أميّز تلك السبائك والنقر فسقطت سبيكة من تلك السبائك مني وغاضت في الرمل وأنا لا أعلم.
قال: فلما دخلت همدان ميزت تلك السبائك والنقر مرة أخرى اهتماماً مني بحفظها ففقدت منها سبيكة وزنها مائة مثقال وثلاثة مثاقيل - أو قال: ثلاثة وتسعون مثقالاً - قال: فسبكت مكانها من مالي بوزنها سبيكة وجعلتها بين السبائك، فلما وردت مدينة السلام قصدت الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح - قدس الله روحه - وسلّمت إليه ما كان معي من السبائك والنقر، فمدّ يده من بين تلك السبائك إلى السبيكة التي كنت سبكتها من مالي بدلاً مما ضاع مني فرمى بها إليَّ وقال لي: ليست هذه السبيكة لنا وسبيكتنا ضيعتها بسرخس حيث ضربت خيمتك في الرمل فارجع إلى مكانك، وانزل حيث نزلت، واطلب السبيكة هناك تحت الرمل فإنك ستجدها، وستعود إلى ههنا فلا تراني.
قال: فرجعت إلى سرخس ونزلت حيث كنت نزلت، فوجدت السبيكة تحت الرمل وقد نبت عليها الحشيش، فأخذت السبيكة وانصرفت إلى بلدي، فلما كان بعد ذلك حججت ومعي السبيكة فدخلت مدينة السلام وقد كان الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) مضى، ولقيت أبا الحسن علي بن محمد السمري (رضي الله عنه) فسلّمت السبيكة إليه.(808)
قال الشيخ الطوسي (رحمه الله تعالى): وكان أبو القاسم (رحمه الله) من أعقل الناس عند المخالف والموافق، ويستعمل التقية.
وقال أبو عبد الله بن غالب: ما رأيت من هو أعقل من الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح، ولعهدي به يوماً في دار ابن يسار، وكان له محل عند السيد والمقتدر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(808) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٥١٦ - ٥١٧ح٤٥.

(٣٥٦)

عظيم، وكانت العامة أيضاً تعظمه، وكان أبو القاسم يحضر تقية وخوفاً.(809)
وعن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري (رضي الله عنه) أن قبر أبي القاسم الحسين بن روح في النوبختية في الدرب الذي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذ إلى التل وإلى الدرب الآخر وإلى قنطرة الشوك (رضي الله عنه).
قال: وقال لي أبو نصر: مات أبو القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) في شعبان سنة ست وعشرين وثلاثمائة. قال: وقد رويت عنه أخباراً كثيرة.(810)
الرابع: أبو الحسن علي بن محمد السمري (ت٣٢٨)
قال أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ علي بن محمد السمري - قدّس الله روحه - فحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميّت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية فلا ظهور إلا بعد إذن الله (عزَّ وجلَّ)، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة(811) ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر(812) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(809) الغيبة, الطوسي: ٣٨٤.
(810) نفس المصدر: ٣٨٦ - ٣٨٧.
(811) في رواية كتاب الاحتجاج: وسيأتي إلى شيعتي من يدعي..الخ
(812) جاء في كتاب صراط النجاة: سؤال ١٤١١: ما تفسير هذا الحديث (من ادعى الرؤية فكذبوه) وهل يختلف تفسيره بالنسبة للغيبة الصغرى والغيبة الكبرى، وهل صحيح أنه ينسب للإمام الحجة (عجل الله فرجه)؟
الخوئي: التكذيب راجع إلى من يدعي النيابة عنه (عليه السلام) نيابة خاصة في الغيبة الكبرى، ولا يكون راجعاً إلى من يدعي الرؤية بدون دعوى شيء، والله العالم.
(صراط النجاة, الميرزا جواد التبريزي: ٢ / ٤٤٩).

(٣٥٧)

قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيّك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه، ومضى (رضي الله عنه)، فهذا آخر كلام سُمع منه.(813)
قال أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم بن مخلد: حضرت بغداد عند المشايخ (رضي الله عنهم) فقال الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري (قدس الله روحه) ابتداءً منه: رحم الله علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي قال: فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم فورد الخبر أنه توفي ذلك اليوم.
ومضى أبو الحسن السمري (رضي الله عنه) بعد ذلك في النصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة.(814)
الغيبة الكبرى
روى الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى): عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث له قال: للقائم منا غيبة أمدها طويل...(815)
انتهت الغيبة الصغرى بوفاة السفير الرابع أبي الحسن علي بن محمد السمري (رحمه الله تعالى) سنة (٣٢٨) وهي نهاية الغيبة الصغرى، ومنها ابتدأت الغيبة الكبرى إلى أن يأذن الله تعالى له بالظهور.
وتتمثل في هذه المرحلة النيابة العامة للفقهاء المجتهدين الذين اجتمعت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(813) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٥١٦ ح٤٤.
(814) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٥٠٣ ح٣٢، الاحتجاج، الطبرسي: ٢/ ٢٩٧.
(815) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣٠٣ ح١٤.

(٣٥٨)

فيهم شروط التقليد، والرجوع إليهم في الأحكام الشرعية بعد النيابة الخاصة.
وقد جاء في التوقيع الشريف كما تقدم آنفاً: يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميّت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية فلا ظهور إلا بعد إذن الله (عزَّ وجلَّ).. الحديث.(816)
الأمر الثالث: الحكمة من الغيبة
وقبل الخوض في بيان الحكمة من غيبة الإمام (عليه السلام) عن الناس لابد من تقديم مقدمة ترتبط بهذا الأمر، فنقول:
اثنا عشر إماماً من عترة الرسول (صلّى الله عليه وآله) جعلهم الله تعالى هداة مهديين، وحججاً على خلقه بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وأمر الأمة باتباعهم، ورعايتهم وأوصاهم بهم، وهم الوديعة فيهم، لكن هذه الأمة لم ترع حرمتهم، ولم تفِ لهم بحقهم، فلم يطع لهم أمر، ولم تحفظ لهم قرابة، فذهب منهم أحد عشر إماماً قتلاً على يد هذه الأمة بالسيف والسم، وهم مصابيح الهداية، والأنوار المضيئة التي جعلها الله تعالى لعباده ليستضيئوا بنورهم ويهتدوا بهديهم، وكلّ واحد منهم أُخبت نوره وأطفئ، وقد شتتوهم في البلدان، وحبسوهم في المطامير، وناهيك عما جرى في واقعة الطف الدامية التي لم يحدث مثلها في تأريخ البشر أبداً، فهي شاهد صدق على جناية هذه الأمة بحقّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في عترته، فلم تحفظ فيهم وصيته، ولم ترع لهم حرمة.
وقد يحسب بعض الناس أنّ الشيعة حينما تروي ذلك في حقّ أهل البيت (عليهم السلام)، هو أمرٌ مبالغٌ فيه، أو هو قول جزافٍ!
أقول: لا يتسنى لأحد أن يشكك في وقوع ذلك، وهذا التأريخ شاهد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(816) نفس المصدر: ٥١٦ ح٤٤.

(٣٥٩)

صدق فيما جرى عليهم، وحسبك كتب التأريخ والسيرة والأدب ففيها الكثير من الشواهد التاريخية التي تثبت ذلك.
فالحق يقال أن عترة النبي (صلّى الله عليه وآله) لم تتبوأ مكانها الذي أراده الله لهم بين الأمة، فأزاحوهم عن مناصبهم، وأضاعوا حقّهم، وجاروا عليهم، فبدل أن تتلقى منهم الرعاية الكاملة، والمودة المفروضة، تلقت منهم التشريد والاضطهاد والقتل، فكم أولغت هذه الأمة سيوفها في دمائهم، وتعقبتهم قتلاً وسماً وأسراً، فلم يؤثر عن أمة من الأمم السالفة أنها فعلت بذرية نبيّها ما فعلته هذه الأمة بعترة نبيّها وذريته، هذا وقد أخبر الرسول (صلّى الله عليه وآله) وأنبأ هذه الأمة بما يجري على ذريته من بعده.
فهذا عبد الله بن مسعود يحدّث عن رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) أنه قال: إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنّ أهل بيتي هؤلاء سيلقون من بعدي تطريداً وتشريداً...(817)
وقد تحدث أيضاً (صلّى الله عليه وآله) عن جناية الأمة وما تفعله بسبطه الحسين (عليه السلام)، فمن ذلك ما جاء في بعض الروايات الشريفة، قوله (صلّى الله عليه وآله) في مقتل الحسين (عليه السلام): إن جبريل أتاني فأخبرني أن هذا تقتله أمتي، فقلت: أرني فأراني تربة حمراء...(818)
وروى الطبراني وابن عساكر عن مصعب بن عبد الله قال: خرجت زينب الصغرى بنت عقيل بن أبي طالب على الناس بالبقيع تبكي قتلاها بالطف وهي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(817) المعجم الأوسط، الطبراني: ٦/ ٢٩ - ٣٠، الرحلة في طلب الحديث، الخطيب البغدادي: ١٤٧ ح٥٦، ذكر أخبار أصبهان، الحافظ الأصبهاني:٢/ ١٢، سير أعلام النبلاء، الذهبي: ٦/ ١٣١.
(818) راجع: تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ١٤/ ١٩٥ - ١٩٦، كنز العمال، المتقي الهندي: ١٢/ ١٢٧ ح٣٤٣١٩.

(٣٦٠)

تقول:

ماذا تقولون إن قال النبيُّ لكم * * * ماذا فعلتم وأنتم آخرُ الأممِ
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي * * * منهم أسارى ومنهم ضُرّجوا بدمِ
ما كان هذا جزائي إذ نصحتُ لكم * * * أن تخلفوني بشرٍّ في ذوي رحمي(819)

وكما قال مولانا الإمام زين العابدين (عليه السلام) لما جاء من الأسر من الشام ودخل المدينة: أيّها الناس أصبحنا مطرودين مشرَّدين مذودين شاسعين عن الأمصار، كأنّا أولاد ترك أو كابل، من غير جرم اجترمناه، ولا مكروه ارتكبناه، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، إن هذا إلاَّ اختلاق، والله لو أن النبي (صلّى الله عليه وآله) تقدَّم إليهم في قتالنا كما تقدَّم إليهم في الوصاة بنا لما زادوا على ما فعلوه، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.(820)
وروي عنه أيضاً أنه (عليه السلام) قيل له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحنا خائفين برسول الله! وأصبح جميع أهل الإسلام آمنين به!.(821)
ويروى عنه أيضاً (عليه السلام) يقول:

نحن بنو المصطفى ذوو غصص * * * يجرعها في الأنام كاظمُنا
عظيمةٌ في الأنام محنتُنا * * * أولنا مبتلى وآخرُنا
يفرحُ هذا الورى بعيدهمُ * * * ونحن أعيادُنا مآتمُنا
والناسُ في الأمن والسرور وما * * * يأمن طول الزمان خائفُنا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(819) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ٦٩/ ١٧٨، المعجم الكبير، الطبراني: ٣/ ١١٨ ح٢٨٥٣، تهذيب الكمال، المزي: ٦ / ٤٢٩ - ٤٣٠، تهذيب التهذيب، ابن حجر: ٢/ ٣٠٥، تاريخ الطبري: ٤/ ٢٩٣ - ٢٩٤.
(820) مثير الأحزان، ابن نما: ٩٠ - ٩١.
(821) كشف الغمة، الإربلي: ٢/ ٣١٩، بحار الأنوار، المجلسي: ٧٥/ ١٥٩ ح١٠.

(٣٦١)

وما خصصنا به من الشرف * * * الطائل بين الأنام آفتُنا
يحكم فينا والحكم فيه لنا * * * جاحدنا حقنا وغاصبُنا (822)

وجاء في بعض الزيارات: يا موالي فلو عاينكم المصطفى، وسهام الأمة معرقة في أكبادكم، ورماحهم مشرعة في نحوركم، وسيوفها مولغة في دمائكم، يشفي أبناء العواهر غليل الفسق من ورعكم، وغيظ الكفر من إيمانكم، وأنتم بين صريع في المحراب، قد فلق السيف هامته، وشهيد فوق الجنازة قد شكت أكفانه بالسهام، وقتيل بالعراء قد رفع فوق القناة رأسه، ومكبل في السجن قد رضت بالحديد أعضاؤه، ومسموم قد قُطّعت بجرع السم أمعاؤه...(823)
وفي دعاء الندبة: ولما قضى نحبه وقتله أشقى الآخرين، يتبع أشقى الأولين لم يمتثل أمر الرسول (صلّى الله عليه وآله) في الهادين بعد الهادين، والأمة مصرة على مقته، مجمعة على قطيعة رحمه وإقصاء ولده، إلا القليل ممن وفى لرعاية الحق فيهم، فقُتل من قُتل، وسُبي من سُبي، واُقصي من اُقصي، وجرى القضاء لهم بما يُرجى له حسن المثوبة، إذ كانت الأرض لله يورثها من يشاء من عباده الصالحين، والعاقبة للمتقين...(824)
ولنعم ما قال بعض الشعراء:

أبادوهُمُ قتلاً وسُماً ومُثلةً * * * كأنَّ رسولَ الله ليس لهم أبُ
كأنَّ رسولَ اللهِ من حُكْمِ شَرْعِهِ * * * على آلِهِ أن يُقتلوا أو يُصَلَّبُوا

وقال دعبل الخزاعي:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(822) مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب: ٣/ ٢٩٥، سير أعلام النبلاء، الذهبي: ١٥/ ١٦٧ - ١٦٨، وفيات الأعيان، ابن خلكان: ٥/ ٣٧٢.
(823) المزار: محمد بن المشهدي: ٢٩٨.
(824) المزار: محمد بن المشهدي: ٥٧٨، إقبال الأعمال، السيد ابن طاووس: ١/ ٥٠٦.

(٣٦٢)

لا أضحك اللهُ سنّ الدهر أن ضحكت * * * وآلُ أحمد مظلومون قد قُهروا
مُشردون نفوا عن عقر دارهمُ * * * كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفرُ(825)

هذا ولم يكتفوا باضطهادهم وملاحقتهم وهم أحياء بل جاروا عليهم وتتبعوهم وهم في قبورهم كما جرى للحسين (عليه السلام) إذ عمد المتوكل العباسي إلى ضريحه فهدمه، وعمد إلى قبره فحرثه.
قال الذهبي: وفيها - يعني سنة ست وثلاثين ومائتين - أمر المتوكل بهدم قبر السيد الحسين بن علي (رضي الله عنهما)، وهدم ما حوله من الدور، وأن تعمل مزارع، ومنع الناس من زيارته، وحرث وبقي صحراء، وكان معروفاً بالنصب، فتألم المسلمون لذلك، وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد، وهجاه الشعراء، دعبل، وغيره.
وفي ذلك يقول يعقوب بن السكيت، وقيل هي للبسامي علي بن أحمد، وقد بقي إلى بعد الثلاثمائة:

بالله إن كانت أميةُ قد أتت * * * قتلَ ابن بنتِ نبيها مظلوما
فلقد أتاه بنو أبيه بمثله * * * هذا لعمرك قبرهُ مهدوما
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا * * * في قتله، فتتبعوه رميما (826)

وقال الذهبي أيضاً بعدما أورد هذه الأبيات: وكان المتوكل فيه نصب وانحراف، فهدم هذا المكان وما حوله من الدور، وأمر أن يزرع، ومنع الناس من انتيابه.(827)
وقال ابن خلكان: وكان المتوكل كثير التحامل على عليٍّ وولديه الحسن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(825) عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، الشيخ الصدوق:١/ ٢٩٨.
(826) تاريخ الإسلام، الذهبي: ١/ ١٨ - ١٩، الوافي بالوفيات، الصفدي:١١/ ١٠٢، فوات الوفيات، الكتبي:١/ ٢٩٠، البداية والنهاية، ابن كثير:١١/ ١٤٣.
(827) سير أعلام النبلاء، الذهبي: ١٢/ ٣٤ - ٣٥.

(٣٦٣)

والحسين (رضي الله عنهم) أجمعين فهدم هذا المكان بأصوله ودوره وجميع ما يتعلق به، وأمر أن يبذر ويسقى موضع قبره، ومنع الناس من إتيانه. هكذا قال أرباب التواريخ والله أعلم.(828)
قال الكاتب الأستاذ عبد الحليم الجندي المصري: فليس في تاريخ البشرية كلِّها أسرة شُرِّدت وجرِّدت، وذاقت العذاب والاسترهاب، مثل أهل بيت النبي (صلّى الله عليه وآله)، بدأ بهم تاريخ الإسلام مجده، واستمرَّ فيهم بعبرته، وعظمته، قدَّم أبوهم للبشرية أسباب خلاصها بكتاب الله وسنَّة الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وقدَّم أهل بيته أرواحهم في سبيل القيم التي نزل بها القرآن، وجاءت بها السنة، كانت مصابيحهم تتحطَّم لكن شعلتهم لا تنطفئ، لتُخلِّد الجهاد والاستشهاد والإرشاد، بالمثل العالي الذي كانوه، والضوء الذي لم تمنع الموانع من انتشاره، وعلَّم فيه أبناء النبي (صلّى الله عليه وآله) أمته بعض علومه: أن الاستشهاد حياة للمستشهدين وللأحياء جميعاً.(829)
ويقول الأستاذ عبد الكريم الخطيب في كتابه الخلافة والإمامة في ما جرى على آل البيت (عليهم السلام) بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تحت عنوان: (عاطفة تلدها المحنة): في خلال هذه الأحداث تجسدت تلك العاطفة القوية التي تملأ صدور كثير من المسلمين رحمة وعطفاً، ومودة لأهل البيت، وتنظر إليهم نظر المظلومين الذين لم يجدوا من المسلمين التقدير والولاء الذي ينبغي لهم، بل إن الظروف التي مرت بهم بعد موت النبي أوقعت في كثير من العقول أن ما وقع لآل البيت كان نتيجة لمكر سيء، وتدبير بليل.
فهذا علي زوج فاطمة بنت محمد (صلّى الله عليه وآله) ووالد سبطيه: الحسن والحسين (رضي الله عنهما) يُصرَف عن الخلافة في قوة، ويبايع بالخلافة للخليفة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(828) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ابن خلكان: ٣/ ٣٦٥.
(829) الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، عبد الحليم الجندي: ١١١.

(٣٦٤)

الأول، دون أن يكون له مشهد أو رأي فيها... ثم إذا ولي الخلافة انثالت عليه الفتن من كل جهة، لا ينتهي من حرب إلا ليلتقي بحرب.. حتى لقي مصرعه برمية ظالمة من يد ظالمة آثمة...
ثم هذا ابنه الحسن سبط الرسول تملي عليه الظروف أن ينفض يده من الخلافة، وينزل عنها لمعاوية.. ثم لا يترك بعد هذا حتى يدس له السم، فيموت بيد الغدر والخيانة.. ثم تبلغ المأساة غايتها بمقتل الحسين (رضي الله عنه) في موقعة كربلاء ومقتل آل بيته معه.. كباراً وصغاراً، لم ينج فيهم إلا بعض الأطفال والأجنة.. لقد كانت موقعة كربلاء وما لقي فيها آل البيت من قتل، وتمثيل بالقتلى، واستحياء للحرائر - كان هذا آخر درجات الغليان للغيظ المكتوم في الصدور، لما نزل بآل البيت من محن، وما سلط من بلاء.. فتفجرت براكين الثورة، وجعلت ترمي بحممها الخلافة الأموية، بكل ما اجتمع لها من كيد، وما قدرت عليه من تدبير.
والحق أن آل البيت قد امتحنوا امتحاناً قاسياً في الحياة، وكان من حقهم على المسلمين لأن يكونوا بالمكان الذي يلقون فيه المودة الخالصة، والحب الصادق، والولاء المكين.. فهم آل بيت النبوة، ومن بينهم طلع الهدى الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور، والذي بلغ بالعرب ما هم فيه من دولة، وملك وسلطان!! أفيكون ذلك جزاء أهله، وبعض ولده؟!.(830)
إلى غير ذلك من اعترافات كبار أساتذة التأريخ والأدب في هذا الموضوع الذي حاول البعض التعتيم عليه، لتخفى مثل هذه الحقائق عن الناس..
وأقول هنا بعد هذا كله: هكذا اقتضت حكمة الباري تعالى أن يحفظ النور الثاني عشر في الأرض لئلا تخلو من حجة، وهو الإمام المهدي (عليه السلام)، فغيبه عنهم، ولو لم يغيبه لم يختلف حاله ومصيره عن حال من مضى من آبائه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(830) الخلافة والإمامة، عبد الكريم الخطيب: ٤١١.

(٣٦٥)

وأجداده (عليهم السلام) الذين لقوا حتفهم قتلاً وسماً.
فحينئذ لا يكون أمر غيبته مستغرباً بعدما فعلوا مع آبائه ما فعلوا، أضف إلى ذلك ما عاناه هو (عليه السلام) من طغاة زمانه الذين لم يدخروا وسعاً في البحث عنه، ومداهمة دار أبيه مراراً في طلبه وإلقاء القبض عليه لاغتياله، بعدما أدركوا أنه الإمام الثاني عشر الذي يقوم بالسيف، وأن نهاية الظالمين على يديه.
فهذه واحدة من الحكم التي أوجبت غيبته مع حاجة الناس الشديدة له، فغيبته إذن ليست اعتباطية، كما أن غيبته لها مقدار وأمد لا يعلمه إلا الله تعالى, وحتى لو جهلنا الحكمة من غيبته ما كان لنا إلا التسليم لأمر الباري تعالى وقضائه في أوليائه، ولابد للإمام (عليه السلام) من يوم يظهر فيه ولو لم يبق إلا يوم واحد لابد أن يخرج فيه ليملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
جاء في كتاب (نور الأفهام) في الحكمة من غيبة الإمام (عليه السلام) قال: (وليس في غيبته من بأس) ولا موقع لاعتراض بعض النصّاب على ذلك إن كان في الغيبة حفظ النفس المقدسة التي له، أو النفوس المحترمة التي تخرج في مستقبل الدهور من أصلاب الكفرة والفسقة، وأن خروجها منهم متوقف على صبره، وكفه عن قتل الآباء الكفرة، كما كفّ النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) وسائر الأنبياء والأولياء عن هلاك أعدائهم مع قدرتهم الكاملة على ذلك بإذن الله تعالى، وصبروا على ما نالهم منهم من المكاره، واحتملوا أذاياهم رجاء اهتدائهم ورجوعهم إلى الحق، أو لعلمهم بوجود ذرية مؤمنة في أصلابهم، وأنه لابد في حصول الثمرة من إبقاء الشجرة، وعدم التعرض لها بالقطع أو الإعدام إلى أن يحصل اليأس من ذلك.
كما أن نبي الله نوحاً (عليه السلام) لم يدع على قومه الكفار إلا بعد يأسه من عقب مؤمنة منهم، وعلم عدم وجود ذرية صالحة في أصلابهم، وعندئذ دعا عليهم بقوله (عليه السلام): (رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا، إِنَّكَ إِنْ

(٣٦٦)

تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا).(831)
وعليه، فلو لم يكن لقعود النبي أو الإمام عن قتال أعدائهم، ولا لصبرهم على مكاره الدهر وأذايا الكفار، أو لغيبتهم واختفائهم عن الأبصار حكمة ولا مصلحة سوى ذلك لكفى به موجباً وسبباً للصبر عن الأعادي، وإمهالهم في الحياة الدنيوية، فضلاً عما لو انضم إلى ذلك مصالح أخرى، وموجبات خفية غيرها مكنونة في علمه تعالى.
ولذلك كله ترى كثيراً من الأنبياء قد اختفوا دهراً طويلاً عن كفار قومهم، وهربوا وغابوا مدة متمادية عن أشرار أممهم، ألم يغب يونس النبي عن أمته عشرين سنة حتى تضايقوا بغيبته في المأكل والمشرب، وأشرفوا على الهلاك؟ وهل أتاه القدح أو أصابه النقص في نبوته من غيبته؟ أو هل يتوجه عليه بذلك اعتراض بعد العلم والتسالم على كونهم معصومين من كل خطأ ومعصية؟ وأنهم لا يأتون بحركة ولا سكون إلا بأمر ربهم تعالى، وأنهم (عِبَادٌ مُكْرَمُونَ، لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ).(832)
ومن هنا يعلم أن اعتراضات بعض النصاب الملحدين على الفرقة الإمامية في اعتقادهم، واتفاقهم على وجود هذا الإمام الثاني عشر وغيبته عن الأنظار، وانتقادات أولئك المنافقين على تلك الفرقة المحقة من وجوه شتى لم تنشأ إلا من الجهل والعناد، أو من التعامي والإلحاد، وأن عمدة ما نهقوا به في مقام الاعتراض أمور ثلاثة، استندوا فيها إلى مجرد الاستبعاد، من غير دليل ولا برهان...(833)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(831) سورة نوح، الآية: ٢٦ - ٢٧.
(832) سورة الأنبياء، الآية: ٢٦ - ٢٧.
(833) نور الأفهام في علم الكلام، السيد حسن الحسيني اللواساني: ٢/ ١٣٨ - ١٣٩. (الشرح)

(٣٦٧)

الحكمة من الغيبة في الروايات الشريفة
نعتقد نحن الإمامية أن هناك حِكَماً متعددة في مسألة غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) كما أفصحت بذلك جملة من الروايات الشريفة، وسوف تتضح جميع أسباب غيبته عند ظهوره الشريف، هذا، حتى ولو لم ندرك الحكمة من الغيبة ليس لنا في ذلك إلا التسليم بها.
قال عبد الله بن الفضل الهاشمي: سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها يرتاب فيها كلُّ مبطل، فقلت له: ولم جعلت فداك؟
قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم, قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: وجه الحكمة في غيبته، وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره, إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره، كما لا ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر (عليه السلام) من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار لموسى (عليه السلام) إلا وقت افتراقهما، يا بن الفضل: إن هذا الأمر أمرٌ من أمر الله، وسرٌّ من سرّ الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنه (عزَّ وجلَّ) حكيم صدّقنا بأن أفعاله كلها حكمة، وإن كان وجهها غير منكشف لنا.(834)
ولعل هذه الرواية الشريفة ناظرة إلى عدم ظهور تمام العلة من غيبة الإمام (عليه السلام) للناس كافة، وأنهم لا يفهمون سرّ غيبته تماماً إلا بعد خروجه (عليه السلام)، فحينئذ يتبين لهم حقيقة الأمر، وهذا لا يمنع إن يتبين لبعض الناس بعض وجوه الحكمة من غيبته كما أشارت إليها بعض الروايات الشريفة التي أفصحت عن بعض أسباب الغيبة والحكمة منها، وإليك هنا ما ورد في ذلك:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(834) علل الشرائع، الشيخ الصدوق: ١ / ٢٤٥ - ٢٤٦ح٨.

(٣٦٨)

١ - لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف
روى الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى): عن أمير المؤمنين قال (عليه السلام): إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة، فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه.(835)
وعن أبي سعيد عقيصا عن الإمام الحسن بن علي (عليه السلام): أما علمتم أنه ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) خلفه، فإن الله (عزَّ وجلَّ) يخفي ولادته، ويغيب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء...(836)
وروي عن علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن أبي الحسن بن موسى الرضا (عليه السلام) أنه قال: كأني بالشيعة عند فقدهم الثالث (الرابع ن ل) من ولدي كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه، قلت له: ولم ذاك يا بن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟ قال: لأن إمامهم يغيب عنهم، فقلت: ولم؟ قال: لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف.(837)
وروى الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى) أنه مما خرج من التوقيع الشريف قوله (عليه السلام) في بعض أجوبته المباركة الشريفة: وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)(838) إنه لم يكن لأحد من آبائي (عليهم السلام) إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج، ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي...(839)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(835) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣٠٣ ح١٤.
(836) نفس المصدر: ٣١٦ ح٢.
(837) نفس المصدر: ١ / ٤٧٩ (ب علة الغيبة).
(838) سورة المائدة، الآية: ١٠١.
(839) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٤٨٥ ح٤.

(٣٦٩)

وهذه الروايات واضحة الدلالة على أن الإمام المهدي (عليه السلام) يغيب عن الناس لئلا تكون في عنقه قط بيعة لأحد من الحكام والسلاطين، وهذا من خصوصياته (عليه السلام).
٢ - لعدم الأمن على نفسه
روى الشيخ الصدوق: عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: للقائم غيبة قبل قيامه، قلت: ولم؟ قال: يخاف على نفسه الذبح.(840)
وعن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: في صاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء (عليهم السلام): سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد (صلّى الله عليه وآله).
فأما من موسى: فخائف يترقب، وأما من يوسف فالحبس، وأما من عيسى فيقال: إنه مات، ولم يمت، وأما من محمد (صلّى الله عليه وآله) فالسيف.(841)
ومعنى هذا لو ظهر قبل أوان خروجه المحدد له لقتلوه، فهو إذن غير آمن على نفسه من الخطر حتى يأذن الله له بالظهور.
٣ - حتى تظهر ودائع الله (عزَّ وجلَّ)
روى الشيخ الصدوق: عن إبراهيم الكرخي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أصلحك الله ألم يكن علي (عليه السلام) قوياً في دين الله (عزَّ وجلَّ)؟ قال: بلى. قال: فكيف ظهر عليه القوم، وكيف لم يدفعهم وما يمنعه من ذلك؟
قال: آية في كتاب الله (عزَّ وجلَّ) منعته، قال: قلت: وأية آية هي؟ قال: قوله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(840) نفس المصدر: ٤٨٢ح١٠.
(841) نفس المصدر: ٣٢٦ - ٣٢٧ ح٦.

(٣٧٠)

عزَّ وجلَّ: (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)(842) إنه كان لله (عزَّ وجلَّ) ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين، فلم يكن علي (عليه السلام) ليقتل الآباء حتى يخرج الودائع، فلما خرجت الودائع ظهر على من ظهر فقاتله، وكذلك قائمنا أهل البيت (عليهم السلام) لن يظهر أبداً حتى تظهر ودائع الله (عزَّ وجلَّ) فإذا ظهرت ظهر على من يظهر فقتله.(843)
وهذه واحده من العلل التي تؤخر ظهوره حتى يخرج جميع هؤلاء إلى الحياة الدنيا.
٤ - حتى يجتمع للإمام (عليه السلام) عدة أهل بدر
القاضي النعمان المغربي: عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) أنه قال: إذا اجتمع للإمام عدة أهل بدر ثلاث مائة وثلاثة عشر وجب عليه القيام والتغيير.(844)
ومعنى هذا أن جملة أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) أشخاص معدودون ومعينون، وليس حالهم حال غيرهم بل هم النخبة والصفوة من الناس، فجملة منهم أصحاب أهل الكهف كما قيل، والباقي من سائر الناس، كما أن جملة منهم أيضاً لم يولدوا بعد، وعلى كلّ حال إذا تكامل هذا العدد خرج، كما أن هذه العدة هم أصحاب الألوية، وقد جاء أيضاً في الروايات أنه إذا خرج يخرج معه عشرة آلاف نفر، ولكن العمدة هو تكامل عدد عدة بدر.
٥ - لتجري فيه سنن الأنبياء وغيباتهم
الشيخ الصدوق: عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن للقائم منا غيبة يطول أمدها، فقلت له: يا بن رسول الله ولم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(842) سورة الفتح, الآية: ٢٥.
(843) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٦٤٢ (ب ٥٤)
(844) دعائم الإسلام, القاضي النعمان المغربي: ١ / ٣٤٢, بحار الأنوار:١٠/ ٤٩ ح١٨.

(٣٧١)

ذلك؟ قال: لأن الله (عزَّ وجلَّ) أبى إلا أن تجري فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام) في غيباتهم، وإنه لا بد له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم، قال الله تعالى: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ)(845) أي سنن من كان قبلكم.(846)
الأمر الرابع: إنتفاع الناس من وجود الإمام (عليه السلام)
الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى): عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حديث له قال جابر: فقلت له: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال (عليه السلام): إي والذي بعثني بالنبوة إنهم يستضيئون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها سحاب، يا جابر هذا من مكنون سرّ الله، ومخزون علمه، فاكتمه إلا عن أهله.(847)
وروى الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى) عن سليمان بن مهران الأعمش، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين (عليهم السلام)، قال:.. ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها، ظاهر مشهور، أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله، قال سليمان: فقلت للصادق (عليه السلام): فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب.(848)
وروى الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى) أيضاً أنه مما خرج من التوقيع الشريف قوله (عليه السلام) في بعض أجوبته المباركة الشريفة: وأما وجه الانتفاع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(845) سورة الانشقاق, الآية: ٩.
(846) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٤٨٠ ح٦.
(847) نفس المصدر: ٢٥٣ ح٣.
(848) الأمالي، الشيخ الصدوق: ٢٥٢ - ٢٥٣ ح١٥، كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٢٠٧ح٢٢.

(٣٧٢)

بي في غيبتي فكالإنتفاع بالشمس إذا غيبتها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء.. الحديث.(849)
الأمر الخامس: يشهد موسم الحج كل عام
تشير بعض الروايات الشريفة أن الإمام (عليه السلام) يشهد موسم الحج في كل عام، وأنه يرى الناس ولكن الناس لا يعرفونه بشخصه، مما يعني أن الإمام (عليه السلام) وإن غاب عن الناس لكنه يشهد معهم أكبر فريضة، ويراهم ولا يرونه ويعلم بآلامهم.
روى الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى): عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: يفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه.(850)
وفي الخرائج روى الراوندي (رحمه الله تعالى): قال الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) لأحمد بن إسحاق، وقد أتاه ليسأله عن الخلف بعده، فقال مبتدئاً: مثله مثل الخضر، ومثله مثل ذي القرنين, إن الخضر شرب من ماء الحياة، فهو حي لا يموت حتى ينفخ في الصور، وإنه ليحضر الموسم كلَّ سنة، ويقف بعرفة، فيؤمن على دعاء المؤمنين، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته، ويصل به وحدته.(851)
الأمر السادس: التقية في زمن الغيبة
الشيخ الصدوق: عن الحسين بن خالد قال: قال علي بن موسى الرضا (عليه السلام): لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقية له، إن أكرمكم عند الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(849) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٤٨٥ ح٤، الاحتجاج, الطبرسي: ٢ / ٢٨٤, الغيبة, الطوسي: ٢٩٢، الخرائج والجرائح, الراوندي: ٣ / ١١١٥
(850) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣٥١ ح٤٩.
(851) الخرائج والجرائح، الراوندي: ٣ / ١١٧٤ ح٦٨.

(٣٧٣)

عزَّ وجلَّ أعملكم بالتقية قبل خروج قائمنا، فمن تركها قبل خروج قائمنا فليس منا...(852)
الأمر السابع: انتظار الفرج في زمن الغيبة وفضله
أفصحت بعض الروايات الشريفة أن أفضل الأعمال في زمن الغيبة هو انتظار الفرج(853) ووعدت بالثواب الجزيل على ذلك، وأن الصابر في زمن الغيبة كالمجاهد بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولا يتم ذلك إلا بالاستقامة على ولايتهم، والطاعة لأوامرهم، قال زيد بن أرقم: قال الحسين ابن علي (عليه السلام): ما من شيعتنا إلا صديق شهيد، قلت: أنى يكون ذلك وهم يموتون على فراشهم؟ فقال: أما تتلو كتاب الله (الَّذِينَ آَمَنُوا بِالله وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ)(854).(855)
فعلى هذا بات من الضروري أن نسير على خطى أهل البيت (عليهم السلام) وتعاليمهم، متحلين بالفضائل النفسية، مترقبين ومتطلعين ليوم ظهور الإمام (عليه السلام) حتى إذا خرج كنّا معه، فإن الله تعالى إذا علم من العبد صدق النية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(852) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣٧٢ح٥، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٢١ ح٢٩.
(853) ومن الكتب التي عنيت بهذا الموضوع ما يلي:
كتاب (الإعداد الروحي لعصر الظهور) تأليف السيد علاء الدين الموسوي، إعداد وتحقيق مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عليه السلام)، النجف الأشرف.
وكتاب (الانتظار) للسيد المجتهدي السيستاني، ترجمة السيد الزاملي، نشر انتشارات محبين، قم - إيران.
وكتاب (ثقافة الانتظار) تأليف السيد محمد القبانجي، تقديم وتحقيق مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عليه السلام).
(854) سورة الحديد، الآية: ١٩.
(855) الدعوات، قطب الدين الراوندي: ص ٢٤٢ ح٦٨١.

(٣٧٤)

في ذلك فهو عنده كمن كان مع القائم (عليه السلام) في فسطاطه كما جاءت به الرواية، يقول السيد ميرزا محمد تقي الأصفهاني فيما يجب علينا في زمن الغيبة هو: تهذيب النفس من الصفات الخبيثة، وتحليتها بالأخلاق الحميدة، وهذا الأمر واجب في كل زمان، لكنّ تخصيصه بالذّكر في وظائف زمن غيبة ولّي العصر (عجَّل الله تعالى فرجه) لأجل أن درك فضيلة صحبته، والكون في جملة أصحابه منوط بذلك.(856)
وإليك هنا بعض الروايات الشريفة في ذلك، وهي كما يلي:
ما رواه الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى): عن عبد العظيم الحسني، عن محمد بن علي التقي (عليه السلام): أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج.(857)
وعن أبي بصير قال: قال الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام): يا أبا بصير طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته، والمطيعين له في ظهوره، أولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.(858)
وعن أبي إبراهيم الكوفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام): المنتظر للثاني عشر كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يذّب عنه.(859)
وفي بعض الروايات الشريفة: أما إن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله).(860)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(856) مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (عليه السلام): ٢/ ٢٣٢.
(857) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣٧٧ ح١.
(858) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣٥٧ ح٥٤.
(859) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٦٤٧ ح٨، كتاب الغيبة, النعماني: ٩٠ ح٢١.
(860) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣١٧ ح٣، كفاية الأثر, الخزاز القمي: ٢٣٢.

(٣٧٥)

وروى ابن بابويه القمي: عن المفضل بن عمر، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول: من مات منتظراً لهذا الأمر كان كمن كان مع القائم في فسطاطه، لا، بل كان كالضارب بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالسيف.(861)
وعن علي بن هاشم، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ما ضرّ من مات منتظراً لأمرنا ألا يموت في وسط فسطاط المهدي وعسكره.(862)
وعن عمرو بن ثابت قال: قال علي بن الحسين سيد العابدين (عليهما السلام): من ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله (عزَّ وجلَّ) أجر ألف شهيد من شهداء بدر وأُحد.(863)
وروى النعماني: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ليعد أحدكم لخروج القائم (عليه السلام) ولو سهماً، فإن الله إذا علم ذلك من نيته رجوت لأن ينسئ في عمره حتى يدركه، ويكون من أعوانه وأنصاره.(864)
قال المفضل بن عمر: ذكرنا القائم (عليه السلام) ومن مات من أصحابنا ينتظره، فقال لنا أبو عبد الله (عليه السلام): إذا قام أتى المؤمن في قبره فيقال له: يا هذا! إنه قد ظهر صاحبك، فإن تشأ أن تلحق به فالحق، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربّك فأقم.(865)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(861) الإمامة والتبصرة, ابن بابويه القمي: ١٢٢ح١١٨، كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣٣٨ ح١١.
(862) الكافي، الكليني: ١ / ٣٧٢ ح٦.
(863) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣٢٣ ح٧.
(864) الغيبة، النعماني: ٣٣٥ ح١٠.
(865) الغيبة، الطوسي: ٤٥٩، الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي: ٣ / ١١٦٦.

(٣٧٦)

الأمر الثامن: من حقوق الإمام علينا في زمن الغيبة
للإمام المهدي (عليه السلام) حقوق علينا كثيرة جداً، فليس هناك أحد أعظم حقاً منه على سائر هذه الأمة، وأنى لنا بإيفاء حقِّ وليّ النعمة(866)، وهو الذي بيمنه رزق الورى، وبقاء الأرض ببقائه، فلولاه لساخت بأهلها،، وهو المولى الذي عمّ المؤمنين بنواله ولطفه ورعايته، ومن يشك في ذلك، وهو أحد الذين أمر القرآن بولايتهم ومودتهم، قال تعالى: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى).(867)
قال السيد ميرزا محمد تقي الأصفهاني في عظيم حقّ الإمام علينا (باختصار): فمنها: حقّ الوجود، وحقّ البقاء في الدنيا، وحقّ القرابة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقد روي عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال: هم الأئمة(868) وفي حديث نداء القائم (عليه السلام) حين ظهوره في مكة، قال: وأسألكم بحقّ الله، وحقّ رسوله،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(866) ومن الكتب التي عنيت بهذا الموضوع ما يلي:

كتاب (وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام) لميرزا محمد تقي الواعظ ابن ميرزا عبد الرزاق الموسوي الأحمد آبادي الأصفهاني، (المتوفى سنة ١٣٤٨) وقد جدد طبعه أيضاً سنة ١٤٣١، نشر مكتبة الرسول الأمين (صلّى الله عليه وآله)، بغداد الكاظمية - العراق.
وكتاب (تكاليف الأنام في زمن غيبة الإمام) لميرزا علي أكبر الهمداني (فارسي) راجع: الذريعة لآغا بزرك الطهراني: ٤ / ٤٠٥، و٢٥ /١١٥.
وكتاب (كيف تنصر إمام زمانك) تأليف الشيخ محمد باقر الفقيه، نشر مؤسسة البلاغ، ودار سلوني، بيروت - لبنان.
وكتاب (مسؤوليات المؤمن تجاه إمام الزمان) إعداد الشيخ مهدي علاء الدين، نشر الدار الإسلامية، بيروت - لبنان.
(867) سورة الشورى، الآية: ٢٣.
(868) الكافي، الكليني: ١/ ٤١٣ ح٧.

(٣٧٧)

وبحقّي، فإنّ لي عليكم حقُّ القربى برسول الله (صلّى الله عليه وآله).(869)
ومنها: حقّ المنعم على المتنعّم، وحقّ واسطة النعمة، ففي الحديث النبوي قال (صلّى الله عليه وآله): من أتى إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا من أنفسكم أنكم كافأتموه(870) وقد اجتمع الحقان لمولانا صاحب الزمان (عليه السلام)، فإنّ ما ينتفع به أهلُ كلّ زمان إنّما هو ببركة إمام زمانهم، ويدل على ما ذكرنا ما في زيارة الجامعة: وأولياء النعم...(871)
ومنها: حقّ الوالد على الولد، فإن الشيعة مخلوقون من فاضل طينتهم، كما أنّ الولد مخلوق من والده، وفي الكافي عن الإمام الرضا (عليه السلام): الإمام الأنيس الرفيق، والوالد الشفيق(872) وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أنا وعليٌّ أبوا هذه الأمة.(873)
ومنها: حقّ السيد على العبد، ففي الزيارة الجامعة: والسادة الولاة...(874)
ومنها: حقّ العالم على المتعلم، فهو وآباؤه الطاهرون هم الراسخون في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(869) كتاب الغيبة، الشيخ النعماني: ٢٩٠، الاختصاص، الشيخ المفيد: ٢٥٧.
(870) مسند أحمد بن حنبل: ٢/ ٩٩، مستدرك الوسائل، النوري: ١٢/ ٣٥٥ ح٤، عوالي اللآلي، ابن أبي جمهور الأحسائي: ١/ ١٥٧ ح١٣٥.
(871) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: ٢/ ٦١٠، تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي: ٦/ ٩٦.
(872) الكافي، الشيخ الكليني: ١/ ٢٠٠ ح١، كتاب الغيبة، النعماني: ٢٢٧ ح٦، الاحتجاج الشيخ الطبرسي: ٢/ ٢٢٨.
(873) علل الشرائع، الشيخ الصدوق: ١/ ١٢٧ ح٢، كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٢٦١ ح٧.
(874) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: ٢/ ٦١٠، تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي: ٦/ ٩٦.

(٣٧٨)

العلم كما في عدّة روايات...(875)
ومنها: حقّ الإمام على الرعيّة، ففي الكافي بإسناده عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام): ما حقّ الإمام على الناس؟ قال: حقّه عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا...(876)
وقد ذكر خاتمة المحدثين الشيخ حسين النوري (قدّس سرّه الشريف) في كتابه القيم: (النجم الثاقب) جملة من الحقوق والتكاليف في الباب العاشر.(877)
ونكتفي هنا - باختصار - بما ذكره عنه المحدّث الشيخ عباس القمي (رحمه الله تعالى) في كتابه (منتهى الآمال) مما ينبغي علينا تجاه مولانا الإمام الحجة (عجَّل الله فرجه الشريف) من الأمور في زمن الغيبة، ليكون لنا تذكرة، وهي كما يلي:
الأول: أن يكون مهموماً مغموماً لأجل الإمام (عليه السلام) في زمن الغيبة، وذلك لأمور، منها:
أ - غيابه عنّا بحيث لا نتمكن من الوصول إليه، وإنارة أبصارنا بالنظر إلى جماله، فقد روي في عيون الأخبار عن الإمام الرضا (عليه السلام) في ضمن حديث يتعلق بالحجة (عليه السلام) أنه قال:.. ثم قال: بأبي وأمّي سميَّ جدّي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران (عليه السلام)، عليه جيوب النور تتوقّد بشعاع ضياء القدس، كم من حرّى مؤمنة، وكم من مؤمن متأسف حيران حزين عند فقدان الماء المعين.(878)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(875) راجع: الكافي، الكليني: ١/ ٢١٣ ح٢، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٢٣/ ١٩١ ح١٢، تفسير العياشي: ١/ ١١ ح٥.
(876) الكافي، الكليني: ١/ ٤٠٥ ح١، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٢٧/ ٢٤٤ ح٤.
(877) النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجة الغائب: ٢/ ٤٣٤ - ٤٨٧.
(878) عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، الشيخ الصدوق: ١/ ١٠ح١٤.

(٣٧٩)

ونقرأ في دعاء الندبة: عزيزٌ عليَّ أن أرى الخلق ولا تُرى، ولا أسمع لك حسيساً ولا نجوى، عزيزٌ عليَّ أن تُحيط بك دوني البلوى، ولا ينالك منّي ضجيجٌ ولا شكوى، بنفسي أنت من مغيّبٍ لم يخلُ منّا... عزيزٌ عليَّ أن أبكيك ويخذلك الورى.. إلى آخر الدعاء الذي هو نموذج لمناجات من ارتشف من كأس محبّته.
ب - ومنها: عدم تمكنه (عليه السلام) من إجراء الأحكام والحقوق والحدود، ورؤيته أنّ حقّه في يد غيره، فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال لعبد الله بن دينار: يا عبد الله ما من عيد للمسلمين أضحى ولا فطر إلا وهو يتجدد فيه لآل محمد حزن، قلت: فلم؟ قال: لأنّهم يرون حقّهم في يد غيرهم.(879)
الثاني: (انتظار الفرج)
ومن تكاليف العباد في أيام الغيبة انتظار فرج آل محمد (صلّى الله عليه وآله) في كلِّ آنٍ ولحظة، وترقّب ظهور الدولة القاهرة، والسلطنة الظاهرة لمهدي آل محمد (عليه السلام)، وامتلاء الأرض بالعدل والقسط، وغلبة الدين القويم على سائر الأديان، كما أخبر الله تعالى بذلك النبي (صلّى الله عليه وآله) ووعده، بل أخبر جميع الأنبياء والملل بذلك، وبشّرهم بمجيء يوم لا يُعبد فيه إلا الله، ولا يبقى شيء من الدين مختفياً خوفاً من الأعداء، ويذهب فيه البلاء عن المؤمنين، كما نقرأ في زيارة مهدي آل محمد (عليهم السلام): السلام على المهدي الذي وعد الله به الأمم أن يجمع به الكلم، ويلّم به الشّعث، ويملأ به الأرض عدلاً وقسطاً، وينجز به وعدّ المؤمنين.(880)
وروى الشيخ النعماني في كتاب الغيبة عن علاء بن ساية، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: من مات منكم على هذا الأمر منتظراً كان كمن هو في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(879) علل الشرائع، الشيخ الصدوق: ٢/ ٣٨٩ح١.
(880) المزار، الشهيد الأول: ٢٠٩، المصباح، الكفعمي: ٤٨٩.

(٣٨٠)

الفسطاط الذي للقائم (عليه السلام).(881)
وروي عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) أنه قال: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج من الله (عزَّ وجلَّ).(882)
وروى الشيخ الطبرسي في الاحتجاج أنه ورد توقيع من صاحب الأمر (عليه السلام) على يد محمد بن عثمان وفي آخره:... وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ ذلك فرجكم...(883)
الثالث: ومن التكاليف، الدعاء لحفظ الإمام (عليه السلام) من شرّ شياطين الجنّ والإنس، ولتعجيل نصرته، وغلبته على الكفار والملحدين والمنافقين، فإنّ هذا قسم من أقسام إظهار المحبّة، وكثرة الشوق، والأدعية في هذا الباب كثيرة، منها ما روي عن يونس بن عبد الرحمن أن الإمام الرضا (عليه السلام) كان يأمر بالدعاء للقائم بهذا الدعاء: اللهم ادفع عن وليّك وخليفتك وحجتك.. الخ.(884)
ومنها: هذا الدعاء الشريف: اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة، وفي كلّ ساعة ولياً وحافظاً، وقائداً وناصراً، ودليلاً وعيناً، حتى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتعه فيها طويلاً.
وتكرر هذا الدعاء في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان على كلّ الأحوال، قياماً وقعوداً، وكذلك تكرره في جميع الشهر، وبأيّ وجه وفي أيّ وقت كان، فتقرأه بعد تمجيد الله وتحميده، والصلوات على النبيّ وآله.
الرابع: إعطاء الصدقة عنه لحفظه في أيّ وقت وبأيّ مقدار كانت، ولابد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(881) الغيبة، النعماني: ٢٠٦ح١٥.
(882) كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق: ٦٤٤ح٣.
(883) الاحتجاج، الطبرسي: ٢/ ٢٣٤.
(884) مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي: ٤٠٩.

(٣٨١)

من استجلاب كلّ الوسائل والأسباب التي لها دخل في صحته (عليه السلام) وعافيته ودفع البلاء عنه، كالدعاء والتضرع والتصدق والتوسل لعدم وجود نفس أعزّ ولا أكرم من نفس إمام العصر أرواحنا فداه، بل لا بد أن تكون نفسه أعزّ وأحبّ إلينا من أنفسنا، وبخلافه يكون ضعفاً ومنقصة في الدين، وخللاً في العقيدة، كما روي بأسانيد معتبرة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: لا يؤمن عبد حتى أكون أحبّ إليه من أهله، وعترتي أحبّ إليه من عترته...(885)
وكيف لا يكون كذلك والحال أنّ وجود وحياة ودين وعقل وعافية وسائر النعم الظاهرية والباطنية لجميع الموجودات من بركات وجوده المقدّس ووجود أوصيائه (عليهم السلام).
أقول: جاء في كتاب الدروع الواقية للسيد ابن طاووس (رحمه الله تعالى) في ذكره صلاة ركعتي أول الشهر، وإعطاء الصدقة لشراء السلامة من أخطار الشهر، قال (قدّس سرّه الشريف): ومما ينبغي أن تعرفه من سبيل أهل التوفيق وتعلمه فهو أبلغ في الظفر بالسلامة على التحقيق، وذلك أن تبدأ في قلبك عند صلاة الركعتين، وعند الصدقة والدعاء بتقديم ذكر سلامة من يجب الاهتمام بسلامته قبل سلامتك، وهو الذي تعتقد أنه إمامك وسبب سعادتك في دنياك وآخرتك.
واعلم أنه صلوات الله عليه غير محتاج إلى توصلك بصلاتك وصدقتك ودعائك في سلامته من شهره، لكن إذا نصرته جازاك الله جلَّ جلاله بنصره، وجعلك في حصن حريز، قال الله (جلَّ جلاله): (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).(886)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(885) الأمالي، الشيخ الصدوق: ٤١٤ح٩، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٢٧/ ٧٦ح٤، المعجم الكبير، الطبراني: ٦/ ٥٩.
(886) سورة الحج، الآية: ٤٠.

(٣٨٢)

ولأن من كمال الوفاء لنائب خاتم الأنبياء، أن تقدمه قبل نفسك في كل خير تقدر عليه، ودفع كل محذور أن يصل إليه، وكذا عادة كلّ إنسان مع من هو أعز من نفسه عليه، ولأنك إذا استفتحت أبواب القبول، بطاعة الله (جلَّ جلاله) والرسول، يرجى أن تفتح الأبواب لأجلهم، فتدخل أنت نفسك في ضيافة الدخول تحت ظلهم، وعلى موائد فضلهم.(887)
الخامس: الحج عنه (عليه السلام) أو الاستنابة له كما كان ذلك مرسوماً عند الشيعة منذ القدم، وأقرّهم (عليه السلام) بذلك، كما روى القطب الراوندي (رحمه الله تعالى) في الخرائج في قصة أبي محمد الدعلجي.. الخ.(888)
السادس: القيام عند سماع اسمه الكريم سيّما اسم (القائم) كما كان ذلك سيرة جميع طبقات الإمامية كثّرهم الله تعالى، وهذا يدل على وجود مصدر وأصل لهذا العمل... قال سيدنا الأجل السيد حسن الموسوي الكاظمي في تكملة أمل الآمل ما حاصله:
كتب أحد علماء الإمامية وهو عبد الرضا بن محمد من أولاد المتوكل كتاباً في وفاة الإمام الرضا (عليه السلام) اسمه (تأجيج نيران الأحزان في وفات سلطان خراسان) ومن منفردات هذا الكتاب أنه قال: لما أنشد دعبل الخزاعي قصيدته التائية على الإمام الرضا (عليه السلام) ولما وصل إلى قوله:

خروج إمام لا محالة خارجٌ * * * يقومُ على اسم الله بالبركاتِ

قام الإمام الرضا (عليه السلام) على قدميه، وأطرق رأسه إلى الأرض، ثم وضع يده اليمنى على رأسه وقال: اللهم عجّل فرجه ومخرجه، وانصرنا به نصراً عزيزاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(887) كتاب الدروع الواقية، السيد ابن طاووس: ٤٥.
(888) راجع: الخرائج والجرائح، الراوندي: ١/ ٤٨ح٢١، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢/ ٥٩ح٤٢.

(٣٨٣)

السابع: من تكاليف العباد في ظلمات الغيبة، التضرع إلى الله تعالى ومسألته أن يحفظ إيمانهم من تطرّق شبهات الشياطين، وزنادقة المسلمين، وقراءة الأدعية الواردة في هذا الباب، منها: الدعاء الذي رواه الشيخ النعماني والكليني بأسانيد متعددة عن زرارة، عن الإمام الصادق (عليه السلام): اللهم عرّفني نفسك فإنك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرّفني رسولك فإنك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجتك، الله عرّفني حجتك فإنك إن لم تعرّفني حجتك ضللت عن ديني.(889)
ومنها: دعاء طويل، أوله هذا الدعاء المذكور، ثم بعده: اللهم لا تمتني ميتة جاهلية، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني.. إلى آخر الدعاء.(890)
ومنها: دعاء الغريق
وهو: عن عبد الله بن سنان قال: دخلت أنا وأبي على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: فكيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى، ولا علماً يرى، ولا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق(891)، فقال له أبي: إذا وقع هذا (البلاء)(892) فكيف نصنع؟ فقال: أما أنت فلا تدركه، فإذا كان ذلك فتمسكوا بما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(889) الكافي، الكليني: ١/ ٣٣٧ ح٥، كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق: ٣٤٢ - ٣٤٣ح٢٤.
(890) كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق: ٥١٢ ح٤٣. وسوف يأتي هذا الدعاء في محله تحت عنوان (الدعاء في غيبة القائم (عليه السلام)).
(891) ورد في كتب العامة، كما عن الحاكم في كتاب المستدرك: ١/ ٥٠٧ عن حذيفة (رضي الله عنه)، رفعه قال: يأتي عليكم زمان لا ينجو فيه إلا من دعاء دعاء الغريق. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ومثله أيضاً في كتاب العلل، لأحمد بن حنبل: ٢/ ٩ح١٣٧٠، وكتاب المصنف، لابن أبي شيبة: ٧/ ٢٤ح٧، وكتاب النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير: ٣/ ٣٦١، في مادة (غرق).
(892) كما في البحار: ٥٢ / ١٣٣, وأما في كمال الدين (ليلاً).

(٣٨٤)

في أيديكم حتى يتضح لكم الأمر.(893)
وعن محمد بن مسعود قال: وجدت بخط جبرئيل بن أحمد: حدثني العبيدي محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى، ولا إمام هدى ولا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق، قلت: كيف دعاء الغريق؟ قال: يقول: يا الله يا رحمن يا رحيم، يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك. فقلت: يا الله يا رحمن يا رحيم: يا مقلب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك.
قال: إن الله (عزَّ وجلَّ) مقلب القلوب والأبصار، ولكن قل كما أقول لك: يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك.(894)
الثامن: الاستغاثة والاستعانة به (عليه السلام) في الشدائد والأهوال والبلايا والأمراض وحلول الشبهات والفتن من مختلف الجوانب، وطلب حلّ المشاكل والشبهات، ورفع الكربات، ودفع البلايا، لأنه (عليه السلام) وبحسب القدرة الإلهية، والعلوم الربّانية عالم بأحوال العباد، وقادر على إجابة مرادهم، عام الفيض، لا ولن يغفل عن النظر في أمور رعاياه، وهو بنفسه قال في التوقيع الذي خرج إلى الشيخ المفيد:.. فإنا يحيط علمنا بأنبائكم، ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالزلل الذي أصابكم..(895)
إلى آخر ما ذكره (رحمه الله تعالى) من حقوق الإمام (عليه السلام) على الأمة.(896)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(893) كمال الدين وتمام النعمة,الشيخ الصدوق:٣٤٨ ح٤٠.
(894) نفس المصدر:٣٥١ - ٣٥٢ ح٤٩.
(895) الخرائج والجرائح، الراوندي: ٢/ ٩٠٢، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٣/ ١٧٥ح٦.
(896) منتهى الآمال، الشيخ عباس القمي: ٢/ ٨٠٣ - ٥١٨.

(٣٨٥)

زيارة الإمام المهدي (عليه السلام) والدعاء له
أقول: ولا بأس أن نتعرض هنا بشيء من التوسع في هذين الأمرين العظيمين، وهما: تعّهد زيارة الإمام والدعاء له، فنقول:
١ - تعّهد زيارة الإمام المهدي (عليه السلام)
من حقوق الإمام المهدي (عليه السلام) علينا هو تعهد زيارته، كما نتعهد زيارة قبور أبائه وأجداده الطاهرين (عليهم السلام)، وهذا الحق من لوازم المحبة التي افترضها الله تعالى علينا لهم، فحقوقهم أعظم من حقّ كلّ قرابة، كما جاء في الحديث السابق عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (وعترتي أحبّ إليه من عترته..).
كما أن تعهّد زيارته (عليه السلام) أيضاً من تمام الوفاء للعترة الطاهرة (عليهم السلام)، روى الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى) عن الحسن بن علي الوشاء قال: سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول: إن لكلّ إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وأن من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم، وتصديقاً بما رغبوا فيه كانت أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة.(897)
قال الشهيد الأول (رحمه الله تعالى): ويستحب زيارة المهدي (عليه السلام) في كلّ مكان وكلّ زمان، والدعاء بتعجيل الفرج عند زيارته، وتتأكد زيارته في السرداب بسرّ من رأى.(898)
ونذكر هنا من الزيارات التي يزار بها الإمام (عليه السلام)، ما يلي:
زيارة: السلام على الحق الجديد
وهي كما عن المزار للشهيد الأول:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(897) عيون أخبار الرضا (عليه السلام), الشيخ الصدوق: ١ / ٢٩١ ح٢٤.
(898) الدروس, الشهيد الأول: ٢ / ١٦، جواهر الكلام, الشيخ الجواهري: ٢٠ / ١٠٠.

(٣٨٦)

السلام على الحق الجديد والعالم الذي علمه لا يبيد، السلام على محيي المؤمنين ومبير الكافرين، السلام على مهدي الأمم وجامع الكلم، السلام على خلف السلف وصاحب الشرف، السلام على حجة المعبود وكلمة المحمود، السلام على معزّ الأولياء ومذل الأعداء، السلام على وارث الأنبياء وخاتم الأوصياء، السلام على الإمام المنتظر والغائب المشتهر, السلام على السيف الشاهر، والقمر الزاهر، والنور الباهر، السلام على شمس الظلام، وبدر التمام، السلام على ربيع الأيتام، وفطرة الأنام.
السلام على صاحب الصمصام وفلاق الهام، السلام على صاحب الدين المأثور، والكتاب المسطور، والسلام على بقية الله في بلاده وحجته على عباده, والمنتهى إليه مواريث الأنبياء, ولديه موجود آثار الأصفياء، السلام على المؤتمن على السّر، والولي للأمر، والسلام على المهدي الذي وعد الله تعالى به الأمم أن يجمع به الكلم ويلمّ به الشعث، ويملأ به الأرض قسطاً وعدلاً، ويمكن له، وينجز به وعد المؤمنين، أشهد أنك والأئمة من آبائك أئمتي وموالي في حيوة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، أسالك يا مولاي أن تسأل الله تبارك وتعالى في صلاح شأني، وقضاء حوائجي، وغفران ذنوبي, والأخذ بيدي في ديني ودنياي وآخرتي لي ولكافة إخواني المؤمنين والمؤمنات إنه غفور رحيم، وصلى الله على سيدنا محمد رسول الله وآله الطاهرين.(899)
الاستغاثة بالإمام المهدي (عليه السلام)
الإمام المهدي هو غوث الأمة، وبه النجاة صلى الله عليه وعلى آبائه الطاهرين في الدنيا والآخرة، يلجأ إليه المؤمن في قضاء حوائجه، ويفزع إليه في كشف كروبه, فهو بأبي وأمي غوث المضطر المستكين، وملجأ الهاربين، وعصمة اللاجين، وأمان الخائفين، حدّث الراوندي (رحمه الله تعالى) عن أبي الوفاء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(899) المزار، الشهيد الأول: ٢٠٨ - ٢٠٩.

(٣٨٧)

الشيرازي أنه لما كان مأسوراً بكرمان رأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في المنام وشكى له الحال، قال له: وأما الحجة فإذا بلغ منك السيف المذبح - وأومأ بيده إلى الحلق - فاستغث به فإنه يغيثك، وهو غياث وكهف لمن استغاث به.(900)
قال محمد بن المشهدي (رحمه الله تعالى) في المزار: استغاثة إلى صاحب الزمان (عليه السلام) من حيث تكون تصلي ركعتين بالحمد وسورة، وقم مستقبل القبلة تحت السماء وقل:
سلام الله الكامل التام الشامل العام، وصلواته وبركاته القائمة التامة، على حجة الله ووليه في أرضه وبلاده، وخليفته على خلقه وعباده، وسلالة النبوة، وبقية العترة، والصفوة، صاحب الزمان، ومظهر الإيمان، ومعلن أحكام القرآن، مطهر الأرض، وناشر العدل في الطول والعرض، والحجة القائم المهدي، الإمام المنتظر المرتضى، الطاهر ابن الأئمة الطاهرين، الوصي ابن الأوصياء المرضيين، الهادي المهدي ابن الأئمة المعصومين، السلام عليك يا وارث علم النبيين، والمستودع حكم الوصيين، السلام عليك يا معزّ المؤمنين المستضعفين، السلام عليك يا مذّل الكافرين المتكبرين الظالمين، السلام عليك يا مولاي صاحب الزمان يا بن رسول الله، السلام عليك يا بن أمير المؤمنين وابن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، السلام عليك يابن الحجج على الخلق أجمعين، السلام عليك يا مولاي سلام مخلص لك في الولاء.
أشهد أنك الإمام المهدي قولا وفعلا، وأنك الذي تملأ الأرض قسطاً وعدلاً، فعجل الله فرجك وسهل مخرجك، وقرب زمانك، وكثر أنصارك وأعوانك، وأنجز لك ما وعدك، فهو أصدق القائلين: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(900) الدعوات, قطب الدين الراوندي: ١٩١ ح٥٣٠ وسوف تأتي القصة كاملة في موضعها.

(٣٨٨)

اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ).(901)
يا مولاي يا صاحب الزمان يابن رسول الله، حاجتي (كذا وكذا) فاشفع لي في نجاحها، فقد توجهت إليك بحاجتي لعلمي أن لك عند الله شفاعة مقبولة ومقاماً محموداً، فبحقّ من اختصكم لأمره وارتضاكم لسّرّه، وبالشأن الذي بينكم وبينه، سل الله تعالى في نجح طلبتي، وإجابة دعوتي، وكشف كربتي. وادع بما أحببت، فإنه يقضى أن شاء الله تعالى.(902)
زيارة آل يس
روى الشيخ الطبرسي (رحمه الله تعالى): عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري أنه قال: خرج التوقيع من الناحية المقدسة حرسها الله - بعد المسائل -: بسم الله الرحمن الرحيم لا لأمر الله تعقلون، ولا من أوليائه تقبلون، حكمة بالغة فما تغني النذر عن قوم لا يؤمنون، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. إذا أردتم التوجه بنا إلى الله تعالى وإلينا، فقولوا كما قال الله تعالى:
(سلام على آل يس) السلام عليك يا داعي الله ورباني آياته، السلام عليك يا باب الله وديان دينه، السلام عليك يا خليفة الله وناصر خلقه، السلام عليك يا حجة الله ودليل إرادته، السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه، السلام عليك يا بقية الله في أرضه، السلام عليك يا ميثاق الله الذي أخذه ووكده، السلام عليك يا وعد الله الذي ضمنه، السلام عليك أيها العلم المنصوب، والعلم المصبوب، والغوث والرحمة الواسعة وعداً غير مكذوب، السلام عليك حين تقعد, السلام عليك حين تقوم، السلام عليك حين تقرأ وتبين، السلام عليك حين تصلي وتقنت، السلام عليك حين تركع وتسجد، السلام عليك حين تُكبر وتُهلل، السلام عليك حين تحمد وتستغفر، السلام عليك حين تمسي وتصبح، السلام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(901) سورة القصص, الآية: ٥.
(902) المزار, محمد بن المشهدي: ٦٧٠ - ٦٧٢.

(٣٨٩)

عليك في الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى.
السلام عليك أيها الإمام المأمون، السلام عليك أيها المقدّم المأمول، السلام عليك بجوامع السلام، أشهدك يا مولاي أني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، لا حبيب إلا هو وأهله، وأشهد أن أمير المؤمنين حجته، والحسن حجته، والحسين حجته، وعلي بن الحسين حجته، ومحمد بن علي حجته، وجعفر بن محمد حجته، وموسى بن جعفر حجته، وعلي بن موسى حجته، ومحمد بن علي حجته، وعلي بن محمد حجته، والحسن بن علي حجته، وأشهد أنك حجة الله.
أنتم الأول والآخر، وأن رجعتكم حقّ لا شك فيها يوم لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، وأن الموت حق، وأن ناكراً ونكيراً حقّ، وأشهد أن النشر والبعث حقّ، وأن الصراط والمرصاد حقّ، والميزان والحساب حقّ، والجنة والنار حقّ، والوعد والوعيد بهما حقّ.
يا مولاي شقي من خالفكم، وسعد من أطاعكم، فاشهد على ما أشهدتك عليه، وأنا وليّ لك برئ من عدوك، فالحق ما رضيتموه، والباطل ما سخطتموه، والمعروف ما أمرتم به، والمنكر ما نهيم عنه، فنفسي مؤمنة بالله وحده لا شريك له، وبرسوله، وبأمير المؤمنين، وبأئمة المؤمنين وبكم يا مولاي، أولكم وآخركم، ونصرتي معدة لكم، فمودتي خالصة لكم، آمين آمين.
الدعاء عقيب هذا القول:
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إني أسألك أن تصلي على محمد نبي رحمتك، وكلمة نورك، وأن تملأ قلبي نور اليقين، وصدري نور الإيمان، وفكري نور الثبات، وعزمي نور العلم، وقوتي نور العمل، ولساني نور الصدق، وديني نور البصائر من عندك، وبصري نور الضياء, وسمعي نور وعي الحكمة، ومودتي نور الموالاة لمحمد وآله (عليهم السلام)، حتى ألقاك وقد وفيت بعهدك وميثاقك،

(٣٩٠)

فلتسعني رحمتك يا ولي يا حميد.
اللهم صل على حجتك في أرضك، وخليفتك في بلادك، والداعي إلى سبيلك والقائم بقسطك، والثائر بأمرك، ولي المؤمنين، وبوار الكافرين، ومجلي الظلمة ومنير الحق، والساطع بالحكمة والصدق، وكلمتك التامة في أرضك، المرتقب الخائف، والولي الناصح، سفينة النجاة، وعلم الهدى، ونور أبصار الورى، وخير من تقمّص وارتدى، ومجلي العمى، الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً إنك على كلّ شيء قدير.
اللهم صل على وليك وابن أوليائك الذين فرضت طاعتهم، وأوجبت حقّهم، وأذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا، اللهم انصره وانصر به أولياءك وأولياءه، وشيعته وأنصاره، واجعلنا منهم، اللهم أعذه من كل باغ وطاغ، ومن شر جميع خلقك، واحفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، واحرسه، وامنعه، من أن يوصل إليه بسوء، واحفظ فيه رسولك وآل رسولك، وأظهر به العدل وأيده بالنصر، وانصر ناصريه واخذل خاذليه، واقصم به جبابرة الكفرة، واقتل به الكفار والمنافقين، وجميع الملحدين، حيث كانوا في مشارق الأرض ومغاربها، برها وبحرها، واملأ به الأرض عدلا، وأظهر به دين نبيك، واجعلني اللهم من أنصاره وأعوانه، وأتباعه وشيعته، وأرني في آل محمد ما يأملون، وفي عدوهم ما يحذرون إله الحق آمين، يا ذا الجلال والإكرام، يا أرحم الراحمين.(903)
كيفية التسليم عليه (عليه السلام) إذا خرج
روى الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى): عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن العلم بكتاب الله (عزَّ وجلَّ) وسنّة نبيه (صلّى الله عليه وآله) لينبت في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(903) الاحتجاج، الطبرسي: ٢ / ٣١٥ - ٣١٨، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥٣/ ١٧١ح٥.

(٣٩١)

قلب مهدينا كما ينبت الزرع على أحسن نباته، فمن بقي منكم حتى يراه فليقل حين يراه: السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة, ومعدن العلم, وموضع الرسالة.
وروي أن التسليم على القائم (عليه السلام) أن يقال له: السلام عليك يا بقية الله في أرضه.(904)
وفي كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (رحمه الله تعالى): عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من أدرك منكم قائمنا فليقل حين يراه: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، ومعدن العلم، وموضع الرسالة.(905)
وروى الشيخ الكليني (رحمه الله تعالى) عن عمر بن زاهر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله رجل عن القائم يسلم عليه بإمرة المؤمنين؟ قال: لا ذاك اسم سمى الله به أمير المؤمنين (عليه السلام)، لم يسم به أحد قبله ولا يتسمى به بعده إلا كافر، قلت: جعلت فداك كيف يسلم عليه؟ قال: يقولون: السلام عليك يا بقية الله، ثم قرأ (بَقِيَّةُ الله خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(906).(907)
الصلاة على الحجة وعلى آبائه وأجداده الطاهرين (عليهم السلام)
اللهم صلّ على حجتك في أرضك، وخليفتك في بلادك، الداعي إلى سبيلك، والقائم بقسطك، والفائز بأمرك، ولي المؤمنين، ومبير الكافرين, ومجلي الظلمة، ومنير الحق، والصادع بالحكمة، والموعظة الحسنة والصدق، وكلمتك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(904) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٦٥٣ ح١٨، الخرائج والجرائح, قطب الدين الراوندي: ٣ /١١٧١،كتاب الغيبة، الشيخ الطوسي: ٤٧١ - ٤٧٢ح٤٩٠، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣١ح٥٥.
(905) كتاب الغيبة، الشيخ الطوسي: ٤٧١ - ٤٧٢ ح٤٩٠.
(906) سورة هود، الآية: ٨٧.
(907) الكافي، الشيخ الكليني:١/ ٤١١ - ٤١٢ح٢.

(٣٩٢)

وعيبتك وعينك في أرضك، المترقب الخائف، الولي الناصح، سفينة النجاة وعلم الهدى، ونور أبصار الورى، وخير من تقمص وارتدى، والوتر الموتور، ومفرج الكرب، ومزيل الهم، وكاشف البلوى، صلوات الله عليه وعلى آبائه الأئمة الهادين، والقادة الميامين، ما طلعت كواكب الأسحار، وأورقت الأشجار، وأينعت الأثمار، واختلف الليل والنهار، وغردت الأطيار، اللهم انفعنا بحبه، واحشرنا في زمرته، وتحت لوائه، إله الحق آمين ربّ العالمين.(908)
صلوات أخرى
اللهم صل على محمد وأهل بيته، وصل على ولي الحسن ووصيه ووارثه، القائم بأمرك، والغائب في خلقك، والمنتظر لإذنك, اللهم صل عليه, وقرّب بعده، وأنجز وعده، وأوف عهده، واكشف عن بأسه حجاب الغيبة، وأظهر بظهوره صحائف المحنة، وقدّم أمامه الرعب، وثبّت به القلب، وأقم به الحرب، وأيده بجند من الملائكة مسومين، وسلطه على أعداء دينك أجمعين، وألهمه أن لا يدع منهم ركناً إلا هده، ولا هاماً إلا قده ولا كيداً إلا رده، ولا فاسقاً إلا حده، ولا فرعون إلا أهلكه، ولا ستراً إلا هتكه، ولا علماً إلا نكسه، ولا سلطاناً إلا كبسه، ولا رمحاً إلا قصفه، ولا مطرداً إلا خرّقه، ولا جنداً إلا فرّقه، ولا منبراً إلا أحرقه، ولا سيفاً إلا كسره، ولا صنماً إلا رضه، ولا دماً إلا أراقه، ولا جوراً إلا أباده، ولا حصناً إلا هدمه, ولا باباً إلا ردمه، ولا قصراً إلا أخربه، ولا مسكناً إلا فتشه، ولا سهلاً إلا أوطئه، ولا جبلاً إلا صعده، ولا كنزاً إلا أخرجه، برحمتك يا أرحم الراحمين.(909)
٢ - الدعاء للإمام المهدي (عليه السلام)
من حقوق الإمام (عليه السلام) علينا أيضاً: الدعاء له، وخصوصاً الإكثار من الدعاء له بتعجل الفرج، وقد تقدم قول الشهيد الأول (رحمه الله تعالى): ويستحب زيارة المهدي (عليه السلام) في كل مكان وكل زمان، والدعاء بتعجيل الفرج عند

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(908) بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٩٩ / ١٠١.
(909) بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٩٩ / ١٠٢.

(٣٩٣)

زيارته(910) فهو حجة الله تعالى على خلقه, ولولاه لساخت الأرض بأهلها، وبه يخرج الله بركات الأرض، وبه يدفع الله البلاء عن أهل الأرض، جعله الله تعالى عصمة وملاذاً وأماناً للناس، فينبغي الاجتهاد في الدعاء له في جميع الأحوال.
هذا وقد تضمنت الأدعية الخاصة بالإمام (عليه السلام) الدعاء له بالفرج والنصر، فمما خرج من التوقيع الشريف قوله (عليه السلام) في بعض أجوبته المباركة ومواعظه الشريفة: فأغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم، ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم.. الحديث(911) ولا يخفى (أن الدعاء كما دلّت عليه الآيات والروايات من أعظم أقسام العبادات، ولا شك أنّ أجل أنواع الدعاء، وأعظمها الدعاء لمن أوجب الله تعالى حقّه، والدعاء له على كافّة البريات، وببركة وجوده يفيض نعمه على قاطبة المخلوقات).(912)
وقد حدثني الخطيب الشهير العلامة الشيخ عبد الحسين الواعظ الخراساني (رحمه الله تعالى) في حديثه عن مولانا الإمام المهدي أرواحنا له الفداء قال: ما صليت مع السيد الخوئي (قدّس سرّه) صلاة إلا قنت بدعاء: اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه.. الخ، فقد كان من المداومين على هذا الدعاء في الصلوات اليومية.
والجدير بالذكر أن نشير هنا إلى أنه قد أشبع هذا الموضوع بحثاً من جميع جوانبه التقي السيد ميرزا محمد تقي الموسوي الأصفهاني في كتابه القيم: (مكيال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(910) الدروس, الشهيد الأول: ٢ / ١٦، جواهر الكلام, الشيخ الجواهري: ٢٠ / ١٠٠.
(911) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٤٨٥، الاحتجاج, الطبرسي: ٢ / ٢٨٤ الغيبة, الطوسي: ٢٩٢، الخرائج والجرائح, الراوندي: ٣ / ١١١٥.
(912) راجع: مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (عليه السلام): ١/ ٤٠٢ (الفصل الخامس).

(٣٩٤)

المكارم في فوائد الدعاء للقائم (عليه السلام)) في جزئين، ومن ذلك ماذكره في (الفصل الخامس) فقد ذكر فيه تسعين مكرمة من فوائد الدعاء للإمام (عليه السلام)، وقال: إن كمال تلك المكارم إنما يكون بتحصيل ملكة التقوى، وتهذيب النفس عمّا يغويها، وردعها عمّا يرديها، وذكر منها ما يلي:
زيادة النعم، وإظهار المحبة، وأنه علامة الانتظار، ويُعدُّ إحياءً لأمر أهل البيت (عليهم السلام)، والنجاة من فتن آخر الزمان، وأنه أداء لبعض حقوقه العظيمة، وأنه تعظيم لله تعالى ولرسوله الكريم (صلّى الله عليه وآله)، والفوز بشفاعته في يوم القيامة، وأنه وسيلة إلى الله تعالى، واستجابة الدعاء، وأنه أداء أجر نبوة النبي (صلّى الله عليه وآله)، وأنه يصير سبباً لقرب وقوعه، والرجوع إلى الدنيا في زمان ظهوره، وأنه أسوة بالنبيّ والأئمة (عليهم السلام)، وأنه الوفاء بعهد الله تعالى، وزيادة إشراق نور الإمام في قلب الداعي، وطول العمر وما يترتب على صلة الأرحام والإحسان إلى السادات، وأنه سبب لتباعد الشيطان وفزعه، وأنه تعاون على البّر، ونصر الله إلى الداعي، والأمن من العقوبات الأخروية، والرفق عند الموت، وإعانة المظلوم.
ومنها: دعاء مولانا صاحب الزمان في حقّ الداعي له بالفرج والنصر، قال: ويدل على ذلك، مضافاً إلى أنّه مقتضى شكر الإحسان، الذي هو أولى به من كلّ إنسان قوله صلوات الله عليه في حجابه المروي في مهج الدعوات بعد الدعاء لتعجيل فرجه ما لفظه: واجعل من يتبعني لنصرة دينك مؤيدين، وفي سبيلك مجاهدين، وعلى من أرادني وأرادهم بسوء منصورين.. الخ(913) إذ لا ريب في أن الدعاء له، وبتعجيل فرجه اتّباع ونصرة له، فإن من أقسام النصرة للإيمان ولمولانا صاحب الزمان النصرة باللسان، والدعاء له من أقسام النصرة اللسانيّة، كما لا يخفى.. ويدل على المطلوب أيضاً ما ذكره علي بن إبراهيم القمي في تفسير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(913) مهج الدعوات: ٣٠٢، المصباح، الكفعمي: ٢١٩، بحار الأنوار، المجلسي: ٩١/ ٣٧٨ح١.

(٣٩٥)

قوله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا)(914) قال: السلام وغيره من البر، إذ لا يخفى أنّ الدعاء من أفضل أنواع البّر، فإذا دعا المؤمن لمولاه (عليه السلام) بخالص الدعاء كافاه مولاه أيضاً بخالص الدعاء، ودعاؤه مفتاح كلّ خير، ومقلاع كلّ ضير.(915)
وقال أيضاً في موضع آخر: أن الدعاء بتعجيل ظهور مولانا صاحب الزمان علامة ثبوت الإيمان، وناشئ عن ثبات الداعي على دينه، وإذا كان شاكاً في صدق هذا الأمر (العياذ بالله) لم يكن داعياً متضرعاً لتحققه فيدخل في زمرة الثابتين الموعودين بذلك الثواب، بقوله (عليه السلام): فمن ثبت منهم.. (الخ).(916)
وثانيهما: إن هذا الدعاء يصير سبباً لكمال الإيمان، وثبوته للإنسان، بنجاته من فتن آخر الزمان، كما قال مولانا أبو محمد العسكري لأحمد بن إسحاق القمي: والله ليغيبن غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبّته الله (عزَّ وجلَّ) على القول بإمامته، ووفقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه.. الخبر(917).(918)
ونذكر هنا من جملة الموارد التي ورد فيها الدعاء للحجة (عليه السلام) ما يلي:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(914) سورة النساء، الآية: ٨٦.
(915) راجع: مكيال المكارم: ١/ ٢٨٤ - ٤٦٩ (الفصل الخامس)
(916) والحديث هو ما جاء في كمال الدين وتمام النعمة: ص ٣٠٣: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: للقائم منا غيبة أمدها طويل، كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقس قلبه لطول غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة.
(917) إعلام الورى بأعلام الهدى، الشيخ الطبرسي: ٢/ ٢٤٩.
(918) مكيال المكارم، ميرزا محمد تقي الأصفهاني: ١ / ٣٩٩.

(٣٩٦)

الدعاء للإمام (عليه السلام) في الخطبة
روى الشيخ الكليني (رحمه الله تعالى) في الكافي عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) في خطبة يوم الجمعة، الخطبة الأولى: الحمد لله نحمده ونستعينه إلى أن قال (عليه السلام): ثم تجلس قدر ما تمكن هنيهة، ثم تقوم فتقول: الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره.. وساق الحديث وفي الخطبة يقول: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك سيد المرسلين، وإمام المتقين، ورسول ربّ العالمين - ثم تقول -: اللهم صلّ على أمير المؤمنين ووصي رسول ربّ العالمين - ثم تسمي الأئمة حتى تنتهي إلى صاحبك، ثم تقول:
افتح له فتحاً يسيراً، وانصره نصراً عزيزاً، اللهم أظهر به دينك وسنة نبيك حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق، اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة، تُعزُّ بها الإسلام وأهله، وتُذلُ بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة في سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة، اللهم ما حملتنا من الحقّ فعرّفناه، وما قصرنا عنه فعلّمناه.(919)
الدعاء للإمام (عليه السلام) في يوم عرفة
ويشهد لذلك دعاء سيد الساجدين (عليه السلام) المذكور في الصحيفة، ودعاء مولانا الصادق (عليه السلام) المروي في الإقبال وزاد المعاد.(920)
وجاء في مناسك الحج للسيد الگلپايگاني (قدّس سرّه) في مستحبات الوقوف بالمشعر الحرام (في المورد السابع) مما يدعى به، قال: التشهد بالشهادتين والصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله) وذكر الأئمة (عليهم السلام) واحداً بعد واحد، والدعاء لهم، وللحجة المنتظر (عليه السلام) بتعجيل الفرج، والبراءة من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(919) الكافي, الكليني: ٣ / ٤٢٢ ح٦.
(920) مكيال المكارم، ميرزا محمد تقي الأصفهاني: ٢/ ٣٣.

(٣٩٧)

أعدائهم، بل الأحوط أن لا يترك الذكر والصلاة على النبي وآله.(921)
الدعاء للإمام (عليه السلام) في يوم العيد
جاء في كتاب مكيال المكارم: ويشهد لتأكد هذا الدعاء فيه وروده في الدعاء المذكور في كتاب الإقبال عند إرادة الخروج إلى صلاة الفطر أو الأضحى، والدعاء الذي يدعى به في الطريق عند الخروج إلى صلاة الفطر... واستحباب دعاء الندبة فيه أيضاً.. الخ.(922)
الدعاء للإمام (عليه السلام) في يوم الجمعة
قال السيد ميرزا محمد تقي الأصفهاني: ويدل على تأكد الدعاء له (عليه السلام) في يوم الجمعة ورود دعاء الندبة فيه، وفي العيدين،.. واعلم أن ليوم الجمعة اختصاصاً وانتساباً إلى مولانا الحجة (عليه السلام) من وجوه عديدة، تقتضي الاهتمام فيه بالدعاء له (عليه السلام) قد ذكرناها في كتاب أبواب الجنات في آداب الجمعات، ونشير إليها في هذا الكتاب، تذكرة لأولي الألباب: الأول: وقوع ولادته فيه، الثاني: انتقال الإمامة إليه، الثالث: وقوع ظهوره فيه، الرابع: استيلاؤه فيه على أعدائه، الخامس: إنه يوم أخذ العهد والميثاق له ولآبائه الأطهار، السادس: إنه يوم خصّه الله تعالى بلقب القائم (عليه السلام)، السابع: إنه من جملة ألقابه الشريفة، وقد ذكرنا هناك وجوها أخرى من أرادها فليرجع إلى ذلك الكتاب.(923)
وقال السيد ابن طاووس الحسني (رحمه الله تعالى): يوم الجمعة، وهو يوم صاحب الزمان صلوات الله عليه وباسمه، وهو اليوم الذي يظهر فيه (عجَّل الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(921) مناسك الحج, السيد الگلپايگاني: ١٤٠ - ١٤١.
(922) مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (عليه السلام)، ميرزا محمد تقي الأصفهاني: ٢/ ٣٥.
(923) نفس المصدر: ٢/ ٣٢.

(٣٩٨)

فرجه)، أقول متمثلاً وأشير إليهم (صلوات الله عليهم):

محبكم وإن قبضت حياتي * * * وزائركم وإن عقرت ركابي

السلام عليك يا حجة الله في أرضه، السلام عليك يا عين الله في خلقه، السلام عليك يا نور الله الذي يهتدي به المهتدون، ويفرج به عن المؤمنين، السلام عليك أيها المهذب الخائف، السلام عليك أيها الوليّ الناصح، السلام عليك يا سفينة النجاة، السلام عليك يا عين الحياة، السلام عليك صلى الله عليك وعلى آل بيتك الطيبين الطاهرين، السلام عليك عجل الله لك ما وعدك من النصر وظهور الأمر، السلام عليك يا مولاي أنا مولاك، عارف بأولك وآخرك، أتقرّب إلى الله بك وبآل بيتك، وأنتظر ظهورك وظهور الحقّ على يديك، وأسأل الله أن يصلى على محمد وآل محمد، وأن يجعلني من المنتظرين لك والتابعين والناصرين لك على أعدائك، والمستشهدين بين يديك في جملة أوليائك.
يا مولاي يا صاحب الزمان صلوات الله عليك وعلى آل بيتك، هذا يوم الجمعة وهو يومك المتوقع فيه ظهورك، والفرج فيه للمؤمنين على يدك، وقتل الكافرين بسيفك، وأنا يا مولاي فيه ضيفك وجارك، وأنت يا مولاي كريم من أولاد الكرام، ومأمور بالضيافة والإجارة، فأضفني وأجرني، صلوات الله عليك وعلى أهل بيتك الطاهرين.
يقول سيدنا رضي الدين ابن طاووس: أنا أتمثل بعد هذه الزيارة وأقول بالإشارة:

نزيلُك حيث ما اتجهت ركابي * * * وضيفُك حيثُ كنت من البلادِ(924)

الدعاء للإمام (عليه السلام) بعد كلّ صلاة
من كتاب جمال الصالحين عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) قال: من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(924) جمال الأسبوع, السيد ابن طاووس الحسني: ٤١ - ٤٢.

(٣٩٩)

حقّنا على شيعتنا أن يمسكوا بلحيتهم ويقولوا بعد كلّ فريضة ثلاث مرات:
يا ربَّ محمد, عجل فرج آل محمد، يا ربَّ محمد، احفظ غيبة محمد، يا ربَّ محمد, انتقم لابنة محمد (صلّى الله عليه وآله).(925)
الدعاء للإمام (عليه السلام) بعد صلاة الفجر وبعد صلاة الظهر
عن الكفعمي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: من قال بعد صلاة الفجر وبعد صلاة الظهر: اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم، لم يمت حتى يدرك القائم.(926)
دعاء الإمام الكاظم (عليه السلام) بعد صلاة العصر
السيد ابن طاووس (رحمه الله تعالى) عن يحيى بن الفضل النوفلي قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) ببغداد حين فرغ من صلوة العصر فرفع يديه إلى السماء وسمعته يقول:
أنت الله لا إله الا أنت الأول والآخر.. إلى أن قال (عليه السلام): أسألك باسمك المكنون المخزون الحي القيوم الذي لا يخيب من سألك به، أن تصلى على محمد وآله، وأن تعجل فرج المنتقم لك من أعدائك، وأنجز له ما وعدته، يا ذا الجلال والإكرام.(927)
الدعاء له في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان وفي كلّ وقت
روى الشيخ الكليني (رحمه الله تعالى) عن محمد بن عيسى بإسناده عن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(925) مكيال المكارم, الإصفهاني: ٢ / ٩.
(926) الجنة الواقية, الكفعمي: ٦٥.
(927) فلاح السائل, السيد ابن طاووس الحسني: ١٩٩ - ٢٠٠، مصباح المتهجد، الطوسي: ٧٣، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٨٣ / ٨١.

(٤٠٠)

الصالحين (عليهم السلام) قال: تكرر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذا الدعاء ساجداً وقائماً وقاعداً وعلى كلّ حال، وفي الشهر كلّه، وكيف أمكنك ومتى حضرك من دهرك تقول بعد تحميد الله تبارك وتعالى والصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله):
اللهم كن لوليك فلان بن فلان في هذه الساعة، وفي كلِّ ساعة ولياً وحافظاً وناصراً ودليلاً وقائداً وعوناً (وعيناً) حتى تسكنه أرضك طوعا، وتمتعه فيها طويلاً.(928)
٣ - دعاء العهد الشريف يدعى به أربعين صباحاً
روي عن سيدنا الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنه قال: من دعا إلى الله أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا، فإن مات قبله أخرجه الله تعالى من قبره وأعطاه بكلّ كلمة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيئة، وهو هذا:
اللهم ربّ النور العظيم، وربّ الكرسي الرفيع، وربّ البحر المسجور، ومنزل التوراة والإنجيل والزبور، وربّ الظل والحرور، ومنزل القرآن العظيم، وربّ الملائكة المقربين، والأنبياء والمرسلين، اللهم إني أسألك بوجهك الكريم، وبنور وجهك المنير، وملكك القديم يا حي يا قيوم أسألك باسمك الذي أشرقت به السماوات والأرضون يا حي قبل كلّ حي، لا إله إلا أنت, اللهم بلغ مولانا الإمام الهادي المهدي القائم بأمرك صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين عن المؤمنين والمؤمنات، في مشارق الأرض ومغاربها، سهلها وجبلها برها وبحرها، عني وعن والدي من الصلوات زنة عرش الله ومداد كلماته، وما أحصاه علمه، وأحاط به كتابه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(928) الكافي, الكليني: ٤ / ١٦٢ ح٤، تهذيب الأحكام, الطوسي: ٣ / ١٠٢ح٣٧.

(٤٠١)

اللهم إني أجدد له في صبيحة يومي هذا وما عشت من أيامي عهداً وعقداً وبيعة له في عنقي، لا أحول عنها، ولا أزول أبدا، اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه والذابين عنه، والمسارعين إليه في قضاء حوائجه، والمحامين عنه والسابقين إلى إرادته، والمستشهدين بين يديه، اللهم إن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتما، فأخرجني من قبري، مؤتزرا كفني، شاهرا سيفي، مجردا قناتي، ملبياً دعوة الداعي، في الحاضر والبادي.
اللهم أرني الطلعة الرشيدة، والغرة الحميدة، واكحل ناظري بنظرة مني إليه، وعجل فرجه، وسهل مخرجه، وأوسع منهجه، واسلك بي محجته، فانفذ أمره، واشدد أزره، واعمر اللهم به بلادك، وأحي به عبادك، فإنك قلت وقولك الحق: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)(929) فأظهر اللهم لنا وليك، وابن بنت نبيك المسمى باسم رسولك حتى لا يظفر بشيء من الباطل إلا مزقه، ويحق الحق ويحققه، واجعله اللهم مفزعاً لمظلوم عبادك، وناصراً لمن لا يجد له ناصراً غيرك، ومجدداً لما عطل من أحكام كتابك، ومشيداً لما ورد من أعلام دينك وسنن نبيك (صلّى الله عليه وآله)، واجعله ممن حصنته من بأس المعتدين.
اللهم وسرّ نبيك محمداً (صلّى الله عليه وآله) برؤيته، ومن تبعه على دعوته، وارحم استكانتنا بعده، اللهم اكشف هذه الغمة عن الأمة بحضوره، وعجل لنا ظهوره، إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً، العجل العجل يا مولاي يا صاحب الزمان، برحمتك يا أرحم الراحمين.
ثم تضرب على فخذك الأيمن بيدك ثلاث مرات وتقول: العجل يا مولاي يا صاحب الزمان - ثلاثاً.(930)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(929) سورة الروم, الآية: ٤١.
(930) بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥٣/ ٩٥ - ٩٧ح١١١.

(٤٠٢)

الدعاء في غيبة القائم (عليه السلام)
قال الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى): حدثنا أبو محمد الحسين بن أحمد المكتب قال: حدثنا أبو علي بن همام بهذا الدعاء، وذكر أن الشيخ العمري (قدس الله روحه) أملاه عليه وأمره أن يدعو به وهو الدعاء في غيبة القائم (عليه السلام):
اللهم عرّفني نفسك، فإنك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرّفني نبيك فإنك إن لم تعرّفني نبيك لم أعرف حجتك، اللهم عرّفني حجتك فإنك إن لم تعرّفني حجتك ضللت عن ديني، اللهم لا تمتني ميتة جاهلية، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، اللهم فكما هديتني بولاية من فرضت طاعته علي من ولاة أمرك بعد رسولك صلوات الله عليه وآله حتى واليت ولاة أمرك أمير المؤمنين والحسن والحسين وعلياً ومحمداً وجعفراً وموسى وعلياً ومحمداً وعلياً والحسن والحجة القائم المهدي صلوات الله عليهم أجمعين.
اللهم فثبتني على دينك واستعملني بطاعتك، وليّن قلبي لولي أمرك، وعافني مما امتحنت به خلقك، وثبتني على طاعة وليّ أمرك الذي سترته عن خلقك، فبإذنك غاب عن بريتك، وأمرك ينتظر وأنت العالم غير معلم بالوقت الذي فيه صلاح أمر وليك في الإذن له بإظهار أمره وكشف ستره، فصبرني على ذلك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت، ولا أكشف عما سترته، ولا أبحث عما كتمته، ولا أنازعك في تدبيرك، ولا أقول: لم وكيف؟ وما بال وليّ الأمر لا يظهر؟ وقد امتلأت الأرض من الجور؟ وأفوض أموري كلها إليك.
اللهم إني أسألك أن تريني ولي أمرك ظاهراً نافذاً لأمرك مع علمي بأن لك السلطان والقدرة والبرهان والحجة والمشيئة والإرادة والحول والقوة، فافعل ذلك بي وبجميع المؤمنين حتى ننظر إلى وليك صلواتك عليه وآله ظاهر المقالة، واضح الدلالة، هادياً من الضلالة، شافياً من الجهالة، أبرز يا ربّ مشاهده، وثبّت قواعده، واجعلنا ممن تقرّ عينه برؤيته، وأقمنا بخدمته، وتوفنا على ملته، واحشرنا في زمرته.

(٤٠٣)

اللهم أعذه من شرّ جميع ما خلقت وبرأت وذرأت وأنشأت وصورت, واحفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته بحفظك الذي لا يضيع من حفظته به، واحفظ فيه رسولك ووصيّ رسولك.
اللهم ومدّ في عمره، وزد في أجله، وأعنه على ما أوليته واسترعيته، وزد في كرامتك له فإنه الهادي والمهتدي والقائم المهدي، الطاهر التقي النقي الزكي والرضي المرضي، الصابر المجتهد الشكور.
اللهم ولا تسلبنا اليقين لطول الأمد في غيبته وانقطاع خبره عنا، ولا تنسنا ذكره وانتظاره والإيمان، وقوة اليقين في ظهوره، والدعاء له والصلاة عليه حتى لا يقنطنا طول غيبته من ظهوره وقيامه، ويكون يقيننا في ذلك كيقيننا في قيام رسولك صلواتك عليه وآله، وما جاء به من وحيك وتنزيلك، وقو قلوبنا على الإيمان به حتى تسلك بنا على يده منهاج الهدى والحجة العظمى، والطريقة الوسطى، وقونا على طاعته، وثبتنا على متابعته واجعلنا في حزبه وأعوانه وأنصاره، والراضين بفعله, ولا تسلبنا ذلك في حياتنا ولا عند وفاتنا حتى تتوفانا ونحن على ذلك غير شاكين ولا ناكثين ولا مرتابين ولا مكذبين.
اللهم عجّل فرجه وأيده بالنصر، وانصر ناصريه، واخذل خاذليه، ودمر على من نصب له وكذب به، وأظهر به الحق، وأمت به الباطل، واستنقذ به عبادك المؤمنين من الذل، وانعش به البلاد، واقتل به جبابرة الكفر، واقصم به رؤوس الضلالة، وذلل به الجبارين والكافرين، وأبر به المنافقين والناكثين وجميع المخالفين والملحدين في مشارق الأرض ومغاربها، وبرها وبحرها، وسهلها وجبلها حتى لا تدع منهم ديارا، ولا تبقي لهم آثارا، وتطهر منهم بلادك، واشف منهم صدور عبادك، وجدد به ما امتحى من دينك، وأصلح به ما بُدل من حكمك، وغُير من سنتك حتى يعود دينك به وعلى يديه غضاً جديداً صحيحاً لا عوج فيه ولا بدعة معه حتى تطفئ بعدله نيران الكافرين، فإنه عبدك الذي استخلصته لنفسك وارتضيته لنصرة نبيك، واصطفيته بعلمك، وعصمته من

(٤٠٤)

الذنوب وبرأته من العيوب، وأطلعته على الغيوب، وأنعمت عليه وطهّرته من الرجس، ونقّيته من الدنس.
اللهم فصلّ عليه وعلى آبائه الأئمة الطاهرين، وعلى شيعتهم المنتجبين، وبلغهم من آمالهم أفضل ما يأملون، واجعل ذلك منا خالصاً من كلّ شك وشبهة ورياء وسمعة حتى لا نريد به غيرك، ولا نطلب به إلا وجهك.
اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا، وغيبة ولينا، وشدة الزمان علينا، ووقوع الفتن بنا، وتظاهر الأعداء علينا، وكثرة عدونا، وقلة عددنا, اللهم فافرج ذلك بفتح منك تعجله، ونصر منك تعزه، وإمام عدل تظهره إله الحق ربّ العالمين.
اللهم إنا نسألك أن تأذن لوليك في إظهار عدلك في عبادك، وقتل أعدائك في بلادك حتى لا تدع للجور يا ربّ دعامة إلا قصمتها، ولا بنية إلا أفنيتها، ولا قوة إلا أوهنتها، ولا ركناً إلا هددته، ولا حداً إلا فللته، ولا سلاحاً إلا أكللته، ولا راية إلا نكستها، ولا شجاعاً إلا قتلته، ولا جيشاً إلا خذلته، وارمهم يا ربّ بحجرك الدامغ، واضربهم بسيفك القاطع، وببأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين، وعذّب أعداءك وأعداء دينك، وأعداء رسولك بيد وليّك، وأيدي عبادك المؤمنين.
اللهم اكف وليّك وحجتك في أرضك هول عدوه، وكد من كاده، وامكر من مكر به، واجعل دائرة السوء على من أراد به سوءا، واقطع عنه مادتهم، وارعب له قلوبهم، وزلزل له أقدامهم، وخذهم جهرة وبغتة، وشدد عليهم عقابك، واخزهم في عبادك، والعنهم في بلادك، وأسكنهم أسفل نارك، وأحط بهم أشد عذابك، وأصلهم ناراً، واحش قبور موتاهم ناراً، وأصلهم حرّ نارك، فإنهم أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، وأذلوا عبادك.
اللهم وأحيى بوليك القرآن، وأرنا نوره سرمداً لا ظلمة فيه، وأحي به القلوب الميتة، واشف به الصدور الوغرة، واجمع به الأهواء المختلفة على الحق،

(٤٠٥)

وأقم به الحدود المعطلة والأحكام المهملة حتى لا يبقى حق إلا ظهر، ولا عدل إلا زهر، واجعلنا يا ربّ من أعوانه، ومقوي سلطانه والمؤتمرين لأمره، والراضين بفعله، والمسلمين لأحكامه، وممن لا حاجة له به إلى التقية من خلقك، أنت يا ربّ الذي تكشف السوء وتجيب المضطر إذا دعاك، وتنجي من الكرب العظيم، فاكشف يا ربّ الضّر عن وليّك، واجعله خليفة في أرضك كما ضمنت له.
اللهم ولا تجعلني من خصماء آل محمد، ولا تجعلني من أعداء آل محمد، ولا تجعلني من أهل الحنق والغيظ على آل محمد، فإني أعوذ بك من ذلك فأعذني، وأستجير بك فأجرني, اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واجعلني بهم فائزاً عندك في الدنيا والآخرة ومن المقربين.(931)
دعاء الإمام الرضا (عليه السلام) للإمام المهدي (عليه السلام)
روى يونس بن عبد الرحمن: أن الرضا (عليه السلام) كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر بهذا:
اللهم ادفع عن وليّك وخليفتك وحجتك على خلقك، ولسانك المعبّر عنك الناطق بحكمك، وعينك الناظرة بإذنك، وشاهدك على عبادك الجحجاح المجاهد العائذ بك العابد عندك، وأعذه من شرّ جميع ما خلقت وبرأت وأنشأت وصورت، واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته، بحفظك الذي لا يضيع من حفظته به، واحفظ فيه رسولك وآباءه أئمتك، ودعائم دينك، واجعله في وديعتك التي لا تضيع، وفي جوارك الذي لا يخفر، وفي منعك وعزّك الذي لا يقهر، وآمنه بأمانك الوثيق الذي لا يخذل من آمنته به، واجعله في كنفك الذي لا يرام من كان فيه، وانصره بنصرك العزيز، وأيده بجندك الغالب، وقوه بقوتك، وأردفه بملائكتك، ووال من والاه، وعاد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(931) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٥١٢ ح٤٣، مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي: ٤١١ - ٤١٦.

(٤٠٦)

من عاداه، وألبسه درعك الحصينة، وحفّه بالملائكة حفا.
اللهم اشعب به الصدع، وارتق به الفتق، وأمت به الجور، وأظهر به العدل، وزيّن بطول بقائه الأرض، وأيده بالنصر وانصره بالرعب، وقوِّ ناصريه، واخذل خاذليه، ودمدّم من نصب له، ودمّر من غشّه، واقتل به جبابرة الكفر وعمده ودعائمه، واقصم به رؤوس الضلالة، وشارعة البدع، ومميتة السنة، ومقوية الباطل، وذلل به الجبارين، وأبر به الكافرين، وجميع الملحدين في مشارق الأرض ومغاربها وبرها وبحرها وسهلها وجبلها حتى لا تدع منهم ديارا، ولا تبقي لهم آثارا.
اللهم! طهّر منهم بلادك، واشف منهم عبادك، وأعزّ به المؤمنين، وأحي به سنن المرسلين، ودارس حكم النبيين، وجدّد به ما امتحى من دينك، وبُدل من حكمك حتى تعيد دينك به وعلى يديه جديداً غضاً محضاً صحيحاً لا عوج فيه، ولا بدعة معه، وحتى تنير بعدله ظلم الجور، وتطفئ به نيران الكفر، وتوضح به معاقد الحق، ومجهول العدل، فإنه عبدك الذي استخلصته لنفسك، واصطفيته على غيبك، وعصمته من الذنوب، وبرأته من العيوب، وطهّرته من الرجس، وسلّمته من الدنس.
اللهم! فإنا نشهد له يوم القيامة، ويوم حلول الطامة أنه لم يذنب ذنباً، ولا أتى حوباً، ولم يرتكب معصية، ولم يضع لك طاعة، ولم يهتك لك حرمة، ولم يبدّل لك فريضة، ولم يغيّر لك شريعة، وأنه الهادي المهتدي الطاهر التقي النقي الرضي الزكي.
اللهم! أعطه في نفسه وأهله وولده وذريته وأمته وجميع رعيته ما تقر به عينه وتسرّ به نفسه، وتجمع له ملك المملكات كلها قريبها وبعيدها وعزيزها وذليلها حتى يجري حكمه على كلّ حكم، وتغلب بحقه كلَّ باطل.
اللهم اسلك بنا على يديه منهاج الهدى، والمحجة العظمى، والطريقة الوسطى التي يرجع إليها الغالي، ويلحق بها التالي، وقوّنا على طاعته، وثبّتنا على مشايعته،

(٤٠٧)

وامنن علينا بمتابعته، واجعلنا في حزبه القوامين بأمره، الصابرين معه، الطالبين رضاك بمناصحته حتى تحشرنا يوم القيامة في أنصاره وأعوانه ومقوية سلطانه.
اللهم! واجعل ذلك لنا خالصاً من كلّ شك وشبهة ورياء وسمعة حتى لا نعتمد به غيرك، ولا نطلب به إلا وجهك، وحتى تحلّنا محله، وتجعلنا في الجنة معه، وأعذنا من السآمة والكسل والفترة، واجعلنا ممن تنتصر به لدينك، وتعزّ به نصر وليّك، ولا تستبدل بنا غيرنا، فإن استبدالك بنا غيرنا عليك يسير، وهو علينا كثير.
اللهم! صلّ على ولاة عهده، والأئمة من بعده، وبلّغهم آمالهم، وزد في آجالهم، وأعزّ نصرهم، وتمّم لهم ما أسندت إليهم من أمرك لهم، وثبّت دعائمهم، واجعلنا لهم أعواناً، وعلى دينك أنصارا، فإنهم معادن كلماتك، وخزان علمك، وأركان توحيدك، ودعائم دينك، وولاة أمرك، وخالصتك من عبادك، وصفوتك من خلقك وأولياؤك، وسلائل أوليائك، وصفوة أولاد نبيك، والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته.(932)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(932) مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي: ص ٤٩ - ٤١١.

(٤٠٨)

من أدعية الإمام المهدي (عليه السلام)
دعاء علّمه لبعضهم ففرج الله عنه
روى الشيخ الجليل أمين الإسلام فضل بن الحسن الطبرسي صاحب التفسير (رحمه الله تعالى) في كتاب كنوز النجاح قال: دعاء علمه صاحب الزمان عليه سلام الله الملك المنان، أبا الحسن محمد بن أحمد بن أبي الليث (رحمه الله تعالى) في بلدة بغداد، في مقابر قريش، وكان أبو الحسن قد هرب إلى مقابر قريش والتجأ إليها من خوف القتل فنجي منه ببركة هذا الدعاء. قال أبو الحسن المذكور: إنه علمني أن أقول:
اللهم عظم البلاء، وبرح الخفاء، وانقطع الرجاء، وانكشف الغطاء، وضاقت الأرض، ومنعت السماء، وإليك يا ربّ المشتكى، وعليك المعول في الشدة والرخاء، اللهم فصل على محمد وآل محمد أولي الأمر الذين فرضت علينا طاعتهم، فعرفتنا بذلك منزلتهم، ففرج عنا بحقهم فرجاً عاجلاً كلمح البصر، أو هو أقرب، يا محمد يا علي اكفياني فإنكما كافياي, وانصراني فإنكما ناصراي، يا مولاي يا صاحب الزمان، الغوث الغوث الغوث، أدركني أدركني أدركني.(933)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(933) بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥٣ / ٢٧٥.

(٤٠٩)

دعاؤه (عليه السلام) في مطالب الدنيا والآخرة
اللهم ارزقنا توفيق الطاعة، وبعد المعصية، وصدق النية، وعرفان الحرمة، وأكرمنا بالهدى والاستقامة، وسدد ألسنتنا بالصواب والحكمة، واملأ قلوبنا بالعلم والمعرفة، وطهر بطوننا من الحرام والشبهة، واكفف أيدينا عن الظلم والسرقة، واغضض أبصارنا عن الفجور والخيانة، واسدد أسماعنا عن اللغو والغيبة, وتفضل على علمائنا بالزهد والنصيحة، وعلى المتعلمين بالجهد والرغبة، وعلى المستمعين بالاتباع والموعظة، وعلى مرضى المسلمين بالشفاء والراحة، وعلى موتاهم بالرأفة والرحمة، وعلى مشايخنا بالوقار والسكينة، وعلى الشباب بالإنابة والتوبة، وعلى النساء بالحياء والعفة، وعلى الأغنياء بالتواضع والسعة، وعلى الفقراء بالصبر والقناعة، وعلى الغزاة بالنصر والغلبة، وعلى الأسراء بالخلاص والراحة، وعلى الأمراء بالعدل والشفقة، وعلى الرعية بالإنصاف وحسن السيرة، وبارك للحجاج والزوار في الزاد والنفقة، واقض ما أوجبت عليهم من الحج والعمرة، بفضلك ورحمتك، يا أرحم الراحمين.(934)
دعاؤه (عليه السلام) في صلاة الحاجة والاستخارة
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إني أسألك باسمك الذي عزمت به على السماوات والأرض فقلت لهما: ائتيا طوعاً أو كرها، قالتا: أتينا طائعين، وباسمك الذي عزمت به على عصا موسى، فإذا هي تلقف ما يأفكون، وأسألك باسمك الذي صرفت به قلوب السحرة إليك حتى قالوا: آمنا برب العالمين، ربّ موسى وهارون، أنت الله ربّ العالمين، وأسألك بالقدرة التي تبلى بها كلّ جديد، وتجدد بها كلّ بال، وأسألك بكلّ حق هو لك، وبكلّ حقّ جعلته عليك، إن كان هذا الأمر خيراً لي في ديني ودنياي وآخرتي، أن تصلى على محمد وآل محمد، وتسلّم عليهم تسليماً، وتهيئَه لي، وتسهّله عليّ، وتلطف لي فيه، برحمتك يا أرحم الراحمين،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(934) صحيفة المهدي (عليه السلام), جمع الشيخ جواد القيومي: ١٨ - ٢٠ عن مصباح الكفعمي.

(٤١٠)

وإن كان شراً لي في ديني ودنياي وآخرتي أن تصلى على محمد وآل محمد وتسلّم عليهم تسليما، وأن تصرفه عني بما شئت، وكيف شئت، وترضيني بقضائك، وتبارك لي في قدرك، حتى لا أحب تعجيل شيء أخرته، ولا تأخير شيء عجلته، فإنه لا حول ولا قوة إلا بك، يا عليُّ يا عظيم، يا ذا الجلال والإكرام.
دعاؤه (عليه السلام) للخلاص من الشدائد
أنت الله الذي مبدء الخلق ومعيدهم، أنت الله الذي لا إله الا أنت مدبر الأمور، وباعث من في القبور، وأنت الله الذي لا إله الا أنت القابض الباسط، وأنت الله الذي لا إله الا أنت وارث الأرض ومن عليها، أسألك باسمك الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سُئلت به أعطيت، وأسألك بحقّ محمد وأهل بيته، وبحقهم الذي أوجبته على نفسك، أن تصلى على محمد وآل محمد وأن تقضى لي حاجتي، الساعة الساعة، يا سيداه يا مولاه يا غياثاه، أسألك بكلّ اسم سميته به نفسك، واستأثرت به في علم الغيب عندك، أن تصلى على محمد وآل محمد وأن تعجل خلاصنا من هذه الشدة، يا مقلب القلوب والأبصار، يا سميع الدعاء، إنك على كلّ شيء قدير، برحمتك يا أرحم الراحمين.
دعاؤه (عليه السلام) لتفريج الهموم والغموم
يا نور النور، يا مدبر الأمور، يا باعث من في القبور، صل على محمد وال محمد واجعل لي ولشيعتي من الضيق فرجا، ومن الهّم مخرجا، وأوسع لنا المنهج، وأطلق لنا من عندك ما يفرج، وافعل بنا ما أنت أهله يا كريم.
دعاؤه (عليه السلام) لتفريج الهموم
اللهم ربّ النور العظيم، وربّ الكرسي الرفيع، وربّ البحر المسجور، ومنزل التوراة والإنجيل والزبور، وربّ الظل والحرور، ومنزل الفرقان العظيم، وربّ الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين، أنت إله من في السماء، وإله من في الأرض، لا إله فيهما غيرك، وأنت جبّار من في السماء، وجبار من في الأرض، لا

(٤١١)

جبار فيهما غيرك، وأنت خالق من في السماء، وخالق من في الأرض، لا خالق فيهما غيرك، وأنت حكم من في السماء، وحكم من في الأرض، لا حكم فيهما غيرك.
اللهم إني أسألك بوجهك الكريم، وبنور وجهك المشرق المنير، وملكك القديم، يا حيُّ يا قيوم، أسألك باسمك الذي أشرقت به السماوات والأرضون، وباسمك الذي يصلح عليه الأولون والآخرون، يا حياً قبل كلّ حي، ويا حياً بعد كلّ حي، ويا حياً حين لا حي، يا محيي الموتى، يا حيُّ يا لا إله إلا أنت، يا حيُّ يا قيوم، أسألك أن تصلى على محمد وآل محمد، وارزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب، رزقاً واسعاً حلالاً طيباً، وأن تفرّج عني كلّ غم وكلّ هم، وأن تعطيني ما أرجوه وآمله، إنك على كلّ شيء قدير.
دعاؤه (عليه السلام) لقضاء الحوائج، المسمى بسهم الليل
اللهم إني أسألك بعزيز تعزيز اعتزاز عزتك، بطول حول شديد قوتك، بقدر مقدار اقتدار قدرتك، بتأكيد تحميد تمجيد عظمتك، بسمو نمو علو رفعتك، بديموم قيوم دوام مدتك، برضوان غفران أمان رحمتك، برفيع بديع منيع سلطنتك، بسعاة صلاة بساط رحمتك، بحقائق الحق من حق حقك، بمكنون السر من سر سرك، بمعاقد العز من عز عزك، بحنين أنين تسكين المريدين، بحرقات خضعات زفرات الخائفين، بآمال أعمال أقوال المجتهدين، بتخشع تخضع تقطع مرارات الصابرين، بتعبد تهجد تجلد العابدين.
اللهم ذهلت العقول، وانحسرت الأبصار، وضاعت الأفهام، وحارت الأوهام، وقصرت الخواطر، وبعدت الظنون، عن إدراك كنه كيفية ما ظهر من بوادي عجائب أصناف بدائع قدرتك، دون البلوغ إلى معرفة تلألئ لمعات بروق سمائك، اللهم محرك الحركات، ومبدئ نهاية الغايات، ومخرج ينابيع تفريع قضبان النبات، يا من شق صمّ جلاميد الصخور الراسيات، وأنبع منها ماءً

(٤١٢)

مغيثاً حياةً للمخلوقات، فأحيا منها الحيوان والنبات، وعلم ما اختلج في سر أفكارهم من نطق إشارات خفيات لغات النمل السارحات، يا من سبحت وهللت، وقدست وكبرت، وسجدت لجلال جمال أقوال عظيم عزة جبروت ملكوت سلطنته ملائكة السبع السماوات، يا من دارت فأضاءت، وأنارت لدوام ديموميته النجوم الزاهرات، وأحصى عدد الأحياء والأموات، صل على محمد وآل محمد خير البريات، وافعل بي كذا وكذا.
دعاؤه (عليه السلام) لقضاء الحوائج في ليلة الجمعة
عن البزوفري: خرج عن الناحية المقدسة: من كانت له إلى الله تعالى حاجة، فليغتسل ليلة الجمعة بعد نصف الليل، ويأتي مصلاه، ويصلى ركعتين، يقرأ في الركعة الأولى الحمد، فإذا بلغ (إياك نعبد وإياك نستعين) يكررها مائة مرة، ويتمم في المأة إلى آخر السورة، ويقرأ سورة التوحيد مرة واحدة، ويسبح فيهما سبعة سبعة، ويصلى الركعة الثانية على هيئة الأولى، ويدعو بهذا الدعاء:
اللهم إن أطعتك فالمحمدة لك، وإن عصيتك فالحجة لك، منك الروح ومنك الفرج، سبحان من أنعم وشكر، سبحان من قدر وغفر، اللهم إن كنت قد عصيتك فإني قد أطعتك في أحبّ الأشياء إليك، وهو الإيمان بك، لم اتخذ لك ولداً، ولم أدع لك شريكاً، منّاً منك به عليَّ لا منّاً مني به عليك، وقد عصيتك يا إلهي على غير وجه المكابرة، ولا الخروج عن عبوديتك، ولا الجحود بربوبيتك، ولكن أطعت هواي وأزلني الشيطان، فلك الحجة علي والبيان، فإن تعذبني فبذنوبي غير ظالم، وإن تغفر لي وترحمني، فإنك جواد كريم، يا كريم يا كريم - حتى ينقطع النفس.
ثم يقول: يا آمناً من كلّ شيء، وكلُّ شيء منك خائف حذر، أسألك بأمنك من كلّ شيء، وخوف كلّ شيء منك أن تصلى على محمد وآل محمد، وأن تعطيني أماناً لنفسي وأهلي وولدي، وسائر ما أنعمت به عليَّ، حتى لا أخاف

(٤١٣)

أحداً ولا أحذر من شيء أبداً، إنك على كلّ شيء قدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل، يا كافي إبراهيم نمرود، ويا كافي موسى فرعون، ويا كافي محمد (صلّى الله عليه وآله) الأحزاب، أسألك أن تصلى على محمد وآل محمد، وأن تكفيني شر فلان بن فلان. ثم يسجد ويسأل حاجته.
دعاؤه (عليه السلام) في الاحتراز
بسم الله الرحمن الرحيم، يا مالك الرقاب، ويا هازم الأحزاب، يا مفتح الأبواب، يا مسبب الأسباب، سبب لنا سبباً لا نستطيع له طلبا، بحق لا إله إلا الله، محمد رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله أجمعين.(935)
إلى غير ذلك من أدعية مولانا صاحب الزمان (عليه السلام)، راجع صحيفة الإمام المهدي (عليه السلام) جمع الشيخ جواد القيومي، فقد جمع فيه جملة من الأدعية الشريفة المروية عن مولانا الإمام المهدي (عليه السلام).
وكتاب: ربيع الأنام في أدعية خير الأنام (مجموعة الأدعية والزيارة لمولانا الإمام الثاني عشر) تأليف عبد الحسين الطالعي، نشر شركة ميقات للنشر، طهران.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(935) صحيفة المهدي (عليه السلام), جمع الشيخ جواد القيومي: ٨٦ - ١٨٢.

(٤١٤)

جاء في النصوص والروايات جملة من علامات الظهور، وهي كثيرة بعضها حتمي وبعضها غير حتمي، وقد ذكر جملة منها العلامة المجلسي في بحار الأنوار الجزء الثالث والخمسين، وكذلك الشيخ عباس القمي في كتاب منتهى الآمال في الجزء الثاني (الفصل السابع) وكتاب معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام)، وغيرها الكثير، وقد أفرد لها بعض أعلامنا بالتأليف.(936)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(936) فمنها ما يلي:
كتاب (دراسة في علامات الظهور والجزيرة الخضراء) تأليف السيد جعفر مرتضى العاملي، طبع في قم - إيران.
وكتاب (علامات الظهور) جدلية صراع أم تحديات مستقبل، تأليف السيد محمد علي الحلو، نشر مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عليه السلام).
وكتاب (شخصيات ما قبل الظهور الشريف) (مزود بصور وخرائط حديثة) تأليف محمد رباط الفرطوسي، نشر محلاتي، قم - إيران.
وكتاب (علامات الظهور في آخر الزمان)، تأليف السيد محمد الصدر، نشر دار الجوادين (عليهما السلام)، بيروت - لبنان.
وكتاب (ما هي علامات الظهور الحتمية) تأليف السيد ياسين الموسوي، نشر مؤسسة الحديث الشريف النجف الأشرف - العراق.
وكتاب (العلامات الحتمية) تأليف السيد علي السيد محمد حسن الدنيناوي، نشر محلاتي، قم - إيران.
وكتاب (الحتميات من علائم الظهور) تأليف السيد فاروق الموسوي، نشر مؤسسة السبطين (عليهما السلام) العالمية، قم - إيران.
وكتاب (علائم الظهور في المستقبل المنظور) تأليف حسن النجفي، نشر مؤسسة البلاغ، ودار سلوني، بيروت - لبنان.

(٤١٧)

ونذكر منها هنا ما يلي موجزاً:
خروج السفياني
وهو من العلامات الحتمية لظهور الإمام المنتظر (عليه السلام)، وقد نصت بعض المصادر أن السفياني من نسل خالد بن يزيد حفيد أبي سفيان العدو الأول للرسول وللإسلام، وهذه الأسرة لم تنجب إلا أعداء الإسلام، وخصوم القرآن، وأراذل البشرية، أما ملامحه فهي: ضخم الهامة، وبوجهه أثر الجدري، وبعينه نكتة بيضاء، يخرج من ناحية مدينة دمشق في وادٍ يقال له: الوادي اليابس.(937)
وروى نعيم بن حماد عن الحارث بن عبد الله: يخرج رجل من ولد أبي سفيان في الوادي اليابس في رايات حمر، دقيق الساعدين والساقين، طويل العنق، شديد الصفرة، به أثر العبادة.(938)
روى محمد بن جرير الطبري عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قبل القائم (عليه السلام) خمس علامات: السفياني، واليماني(939)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(937) راجع: عقد الدرر في أخبار المنتظر (عليه السلام)، المقدسي الشافعي: ٧٢ - ٧٣،: الباب الرابع، كتاب الفتن، نعيم بن حماد: ١٦٦، حياة الإمام المهدي (عليه السلام)، الشيخ باقر شريف القرشي: ٢٧١ - ٢٧٢.
(938) كتاب الفتن، نعيم بن حماد: ١٦٦.
(939) ومن الكتب التي عنيت بخروج اليماني هو كتاب (اليماني راية هدى) تأليف: السيد محمد علي الحلو، نشر مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عليه السلام) النجف الأشرف، الطبعة الأولى سنة ١٤٢٥، نشر دليل.

(٤١٨)

والمرواني، وشعيب بن صالح، وكف تقول: هذا، هذا.(940)
وروي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يخرج عليهم السفياني من الوادي اليابس.(941)
وعن يونس بن أبي يعفور، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا خرج السفياني بعث جيشاً إلينا، وجيشاً إليكم، فإذا كان ذلك فأتونا على كلّ صعب وذلول. (942)
وعن أبان بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط سمع ابن عباس يقول: ثم يخرج السفياني فيقاتل حتى يبقر بطون النساء، ويغلي الأطفال في المراجل.(943)
وجاء في الأخبار أيضاً أن السفياني يبايع المهدي القائم صلوات الله عليه أولاً، فيقول له أصحابه: قبّح الله رأيك، بين ما أنت خليفة متبوع صرت تابعاً؟! ثم يمسون تلك الليلة، ثم يصبحون للقائم (عليه السلام) بالحرب، فيقتلون يومهم ذلك، ثم إن الله تعالى يمنح القائم وأصحابه أكتافهم فيقتلونهم حتى يفنوهم.
وقيل: إن خروج السفياني قبل قيام القائم (عليه السلام) من المحتومات.. ويخسف جنده بالبيداء، ويخرج في رجب.(944)
خروج الدجال وفتنته
تواترت الأخبار من طرق الخاصة والعامة بحتمية ظهور الدجال في آخر الزمان يفتن الناس عن دينهم، ويكون قتله على يد الإمام المهدي (عليه السلام)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(940) دلائل الإمامة, محمد بن جرير الطبري (الشيعي): ٤٨٧ ح٩٠.
(941) مجمع البيان، الطبرسي: ٨/ ٢٢٨، كتاب الفتن، نعيم بن حماد المروزي: ١٦٦.
(942) دلائل الإمامة, محمد بن جرير الطبري (الشيعي): ٤٨٧ ح٩١.
(943) الملاحم والفتن، السيد ابن طاووس: ١١٦ح١٠٧.
(944) راجع: مستدرك سفينة البحار, الشيخ علي النمازي: ٥ / ٦٨.

(٤١٩)

وفي بعض الأخبار أن عيسى بن مريم (عليه السلام) يعينه على قتله.
قال محمد بن الحسين الآبري الشافعي (ت ٣٦٣هـ) قال في كتابه (مناقب الشافعي): قد تواترت الأخبار، واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) بمجيء المهدي، وأنه من أهل بيته (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلا، وأنه يخرج مع عيسى فيساعده على قتل الدجال.(945)
وقال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه (اليواقيت والجواهر) ما لفظه: المبحث الخامس والستون في بيان أن جميع أشراط الساعة التي أخبرنا بها الشارع حقّ لا بد أن تقع كلها قبل قيام الساعة، وذلك كخروج المهدي ثم الدجال ثم نزول عيسى، وخروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها، ورفع القرآن، وفتح سد يأجوج ومأجوج حتى لو لم يبق من الدنيا إلا مقدار يوم واحد لوقع ذلك كله.(946)
وقال الشيخ محمد جعفر الكتاني: خروج المسيح الدجال، ذكر غير واحد أنها واردة من طرق كثيرة صحيحة عن جماعة كثيرة من الصحابة، وفي التوضيح للشوكاني منها مائة حديث، وهي في الصحاح والمعاجم والمسانيد والتواتر يحصل بدونها فكيف بمجموعها، وقال بعضهم: أخبار الدجال تحتمل مجلدات، وقد أفردها غير واحد من الأئمة بالتأليف، وذكر جملة وافرة منها في الدر المنثور(947) لدى قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ) الآية(948) فراجعه.(949)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(945) المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي، مركز الرسالة: ص ٣٨ - ٣٩.
(946) اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر: ١٤٥ ط٢ طبع القاهرة.
(947) الدر المنثور، السيوطي: ٣/ ٣٥٣. - ٣٥٥.
(948) سورة غافر، الآية: ٥٧.
(949) نظم المتناثر من الحديث المتواتر، الكتاني: ٢٢٨ - ٢٢٩ ح٢٩٠.

(٤٢٠)

وسمي الدجال بالمسيح لأن عينه ممسوحة خلقة.(950)
وقد جاء في بعض الأدعية الشريفة الاستعاذه من شرّه وفتنته، مما يدل على خطره على الأمة، فمنها: اللهم إني أعوذ بك من نفس لا تقنع.. إلى أن قال: وغلبة الدجال(951) وفي بعضها أيضاً: وأعوذ بك من شرّ المحيا والممات، وأعوذ بك من فتنة الدجال(952) وروي أنه (صلّى الله عليه وآله) دعا في الصلاة واستعاذ من فتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال.(953)
وروى الشيخ الصدوق عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: من قرأ وأكثر من قراءة القارعة آمنه الله من فتنة الدجال أن يؤمن به، ومن قيح جهنم يوم القيامة.(954)
قال المحقق الشيخ باقر القرشي: ومن بين الأمارات الحتمية خروج الدجال وظهوره على مسرح الحياة، وقيامه بتضليل الرأي العام، وانقياد اليهود لحكمه، وتماديهم في الولاء له، وإغرائه للسذج والبسطاء بالأموال حتى يكون قوة ضاربة يسيطر على بعض مناطق العالم الإسلامي.. لقد حذر الأنبياء أجمعهم من فتنة الدجال وإغرائه ودعواه الكاذبة التي تصد عن الحق، وتلقي الناس في شر عظيم.
أما جنود الدجال وأتباعه فمعظمهم من اليهود الذين هم السبب لكلّ فتنة وفساد في الأرض، وقد أثر عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: الدجال أول من يتبعه سبعون ألفاً من اليهود عليهم السيجان(955) ومعه سحرة اليهود يعملون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(950) السرائر، ابن إدريس الحلي: ١/ ٢٢٩.
(951) مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي: ١٠٥.
(952) نفس المصدر السابق: ٣٣٤.
(953) السرائر، ابن إدريس الحلي: ١/ ٢٢٨ - ٢٢٩
(954) ثواب الأعمال، الشيخ الصدوق: ١٢٥.
(955) السيجان: ملابس مصنوعة من الصوف.

(٤٢١)

العجائب، ويرونها للناس فيضلونهم بها (956) ومن أتباعه ذوو الأطماع، وتؤمن اليهود بالدجال وينصبونه قائداً أعلى لهم، ويرون أنه المسيح الموعودون به، ويقولون هذا هو حقاً المسيح الذي طالما انتظرناه، هذا هو الذي يتكلم كتابنا المقدس عنه(957).. إن اليهود يؤمنون بالدجال لأنه يحمل أفكارهم وأحقادهم على الإسلام، وهو سيدخل المعارك ضد المسلمين لتحقيق أطماع الصهيونية التي تمده بالمال والسلاح.
ومن بلاء الدجال وفتنته أنه يخرج المعادن من الأرض، ففي الحديث: يمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها، وفي حديث آخر: إنه يأمر الأرض أن تنبت فتنبت(958) ومعنى ذلك أنه يستخدم السحر في سبيل أغراضه وغوايته للخلق، فالسحر سلاحه الوحيد الذي يسيطر به على البسطاء الذين لم يكن لهم أيّ رصيد من العلم والتقوى.
فإذا بلغ في طغيانه وملأ الأرض من جوره وجور أعوانه يقتله من يصلي خلفه عيسى بن مريم وهو الإمام المهدي (عليه السلام).. إن الدجال الذي يقود حملة إرهابية من أجل الصهيونية العالمية فيشيع الخراب، وينشر الفساد، ويحارب الله تعالى تكون نهايته على يد أعظم مصلح اجتماعي.(959)
والروايات في خروج الدجال كثيرة جداً نذكر منها ما يلي:
مما ورد في الإنجيل في خطاب الباري تعالى لعيسى بن مريم (عليه السلام): أرفعك إليَّ ثم أهبطك في آخر الزمان لترى من أمة ذلك النبي العجائب، ولتعينهم على اللعين الدجال، أهبطك في وقت الصلاة لتصلي معهم إنهم أمة مرحومة.(960)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(956) المسيح الدجال: ٢٤٨.
(957) تفسير دنيال: ١٣٤.
(958) صحيح مسلم: ٨/ ١٩٧، مسند أحمد بن حنبل: ٤/ ١٨٢.
(959) حياة الإمام المهدي (عليه السلام)، الشيخ باقر شريف القرشي: ٢٦٣ - ٢٧١.
(960) الأمالي، الشيخ الصدوق: ٣٤٧،كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ١٦٠.

(٤٢٢)

وروي عن النبي (صلّى الله عليه وآله): يكون قبل الدجال سنون خداعة، قال الشريف الرضي (رحمه الله تعالى): وهذه استعارة لأنه جاء في التفسير أن المراد بذلك اتصال المحول(961) وقلة الأمطار في تلك السنين. يقال: خدع المطر إذا قلّ.(962)
وعن حذيفة بن أسيد قال: اطلع علينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من غرفة له ونحن نتذاكر الساعة، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات: الدجال، والدخان، وطلوع الشمس من مغربها، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وثلاث خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر، تنزل معهم إذا نزلوا، وتقيل معهم إذا قالوا.(963)
وروى ابن شهر آشوب عن ابن عباس، عن أبيه العباس بن عبد المطلب أن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال له: يا عم يملك من ولدي اثنا عشر خليفة، ثم يكون أمور كريهة وشدة عظيمة، ثم يخرج المهدي من ولدي يصلح الله أمره في ليلة فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ويمكث في الأرض ما شاء الله، ثم يخرج الدجال.(964)
ومما روي عن زين العابدين (عليه السلام) أنه قال: ومنا رسول الله ووصيه، وسيد الشهداء، وجعفر الطيار في الجنة، وسبطا هذه الأمة، والمهدي الذي يقتل الدجال.(965)
وعن المفضل بن عمر قال: قال الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام): إن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(961) المحول: جمع محل، وهو الجدب.
(962) المجازات النبوية، الشريف الرضي: ٤٢ ح٢٣.
(963) الخصال، الشيخ الصدوق: ٤٣١ - ٤٣٢ ح١٣، بحار الأنوار، المجلسي: ٦/ ٣٠٣ ح١.
(964) مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب: ١/ ٢٥٢.
(965) منتخب الأثر: ١٧٢.

(٤٢٣)

الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام فهي أرواحنا، فقيل له: يا ابن رسول الله ومن الأربعة عشر؟ فقال: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين، آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته فيقتل الدجال ويطهر الأرض من كلّ جور وظلم.(966)
وروي أن الصادق (عليه السلام) ذكر الدجال فقال: لا يبقى منها سهل إلا وطئه إلا مكة والمدينة فإن على كلّ نقب من أنقابهما ملك يحفظهما من الطاعون والدجال.(967)
وعن محمد بن مروان، عن أبي عبد الله الصادق، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً، قيل: فكيف، يا رسول الله؟ قال: إن أدرك الدجال آمن به.(968)
وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): ألا إن الدجال صائد بن الصيد، فالشقي من صدّقه، والسعيد من كذّبه، يخرج من بلدة يقال لها أصبهان من قرية تعرف باليهودية، عينه اليمنى ممسوحة، والأخرى في جبهته تضيء كأنها كوكب الصبح، فيها علقة كأنها ممزوجة بالدم، بين عينيه مكتوب: كافر، يقرؤه كلُّ كاتب وأمي يخوض البحار، ويسير معه الشمس بين يديه جبل من دخان، وخلفه جبل أبيض، يري الناس أنه طعام.
يخرج حين يخرج في قحط شديد، تحته حمار أحمر، خطوة حماره ميل، تطوى له الأرض منهلاً منهلاً، ولا يمر بماء إلا غار إلى يوم القيامة، ينادي بأعلى صوته يسمع ما بين الخافقين من الجن والإنس والشياطين، يقول: إليَّ أوليائي، أنا الذي خلق فسوى، وقدّر فهدى، أنا ربّكم الأعلى، وكذب عدو الله، إنه أعور يطعم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(966) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٣٣٥ - ٣٣٦ ح٧.
(967) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: ٢/ ٥٦٤ ح٣١٥٦.
(968) الأمالي، الشيخ الصدوق: ٦٨١ ح١٨.

(٤٢٤)

الطعام، ويمشي في الأسواق، وإن ربّكم ليس بأعور، ولا يمشي ولا يزول، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا، ألا وإن أكثر أتباعه يومئذ أولاد الزنا، وأصحاب الطيالسة الخضر، يقتله الله (عزَّ وجلَّ) بالشام على عقبة أفيق، لثلاث ساعات مضت من يوم الجمعة على يد من يصلي خلفه المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام).. الحديث.(969)
وفي مكيال المكارم (أن الدجال عليه اللعنة إنما يكون ساحراً، وما يخيل إلى الناس من سير الشمس معه، إنما هو بسحره، ويدل على ما ذكرنا قوله (عليه السلام): يري الناس أنه طعام، وأما قوله (عليه السلام): تطوى له الأرض، فإنما هو بسبب عظمة حماره، وهذا الكلام كناية عن سرعة سيره كما لا يخفى).(970)
كسوف الشمس
روى الشيخ الصدوق: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تنكسف الشمس لخمس مضين(971) من شهر رمضان قبل قيام القائم (عليه السلام).(972)
طلوع الشمس من المغرب
روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن أبي حمزة الثمالي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: خروج السفياني من المحتوم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من المغرب من المحتوم، وأشياء كان يقولها من المحتوم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(969) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٥٢٦ح١.
(970) مكيال المكارم، ميرزا محمد تقي الأصفهاني: ١/ ١٤٥ - ١٤٦.
(971) جاء في الهامش: ذلك لأن الخسوف في أواسط الشهر والكسوف في أواخره كما هو المعهود.
(972) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٦٥٥ ح٢٨.

(٤٢٥)

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): واختلاف بني فلان من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وخروج القائم من المحتوم.
قلت: وكيف يكون النداء؟.
قال: ينادي مناد من السماء أول النهار يسمعه كلّ قوم بألسنتهم: ألا إنّ الحقَّ في علي وشيعته، ثم ينادي إبليس في آخر النهار من الأرض: ألا إنّ الحقَّ في عثمان وشيعته، فعند ذلك يرتاب المبطلون.(973)
وفي تفسير العياشي: عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) في قوله تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا)(974) قال: طلوع الشمس من المغرب، وخروج الدابة، والدجال، والرجل يكون مصراً ولم يعمل على الإيمان ثم تجئ الآيات فلا ينفعه إيمانه.(975)
وفي مسند أحمد عن معاوية، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو بن العاص: أن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قال: إن الهجرة خصلتان إحداهما أن تهجر السيئات، والأخرى أن تهاجر إلى الله ورسوله، ولا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب، فإذا طلعت طبع على كلّ قلب بما فيه، وكفي الناس العمل.(976)
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، وذلك حين (لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا) ثم قرأ الآية.(977)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(973) كتاب الغيبة، الشيخ الطوسي: ٤٣٤ - ٤٣٥ ح٤٢٥.
(974) سورة الأنعام، الآية: ١٥٨.
(975) تفسير العياشي: ١/ ٣٨٤ ح١٢٨، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٦/ ٣١٢ ح١٣.
(976) مسند أحمد بن حنبل: ١/ ١٩٢.
(977) صحيح البخاري: ٥/ ١٩٥، مسند أحمد بن حنبل: ٢/ ٢٣١.

(٤٢٦)

قال الشيخ محمد جعفر الكتاني في كتابه نظم المتناثر: (طلوع الشمس من مغربها) عن أبي سعيد، وأبي هريرة، وابن عمرو، وحذيفة، وأبي ذر، وابن عباس، وعبد الله بن أبي أوفى، وصفوان بن عسال، ومعاوية ابن أبي سفيان، وعبد الرحمن بن عوف، وأنس وأبي أمامة، وحذيفة بن أسيد، وأبي موسى الأشعري، وأبي ذر، وغيرهم.
راجع الدر المنثور لدى قوله تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ).(978)
ظهور النار بالحجاز
السيد ابن طاووس: بعض الثقات من أصحابنا روى أن مولانا زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) وقف على نجف الكوفة يوم وروده جامع الكوفة بعد ما صلى فيه، وقال: (هي هي يا نجف) ثم بكى، وقال: (يا لها من طامة) فسئل عن ذلك، فقال: (إذا ملأ نجفكم السيل والمطر، وظهرت النار بالحجاز في الأحجار والمدر، وملكت بغداد التتر، فتوقعوا ظهور القائم المنتظر).(979)
ظهور صحيفة مكتوب عليها طاعة معروفة
الشيخ الصدوق: عن عبد الله بن عجلان قال: ذكرنا خروج القائم (عليه السلام) عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت له: كيف لنا أن نعلم ذلك؟ فقال: يصبح أحدكم وتحت رأسه صحيفة عليها مكتوب: طاعة معروفة.(980)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(978) نظم المتناثر من الحديث المتواتر، الكتاني: ٢٣٠ ح٢٩٢، الدر المنثور: ٣/ ٥٧.
(979) الملاحم والفتن، السيد ابن طاووس: ٣٦٩ ح٥٤١، الصراط المستقيم، العاملي: ٢/ ٢٥٩.
(980) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٦٥٤ ح٢٢, بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٢٣ ح٣٥.

(٤٢٧)

نداء: ألا إن الحق في آل محمد
روى الشيخ الطوسي (رحمه الله تعالى): عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خروج القائم من المحتوم. قلت: وكيف يكون النداء؟. قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إن الحق في عليٍّ وشيعته...(981)
وروى المتقي الهندي: عن علي (عليه السلام) قال: إذا نادى مناد من السماء: إن الحق في آل محمد، فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس، ويشربون حبّه، فلا يكون لهم ذكرٌ غيره. (نعيم وابن المنادي في الملاحم).(982)
وعن نعيم بن حماد المروزي قال: حدثنا سعيد أبو عثمان، عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ينادي مناد من السماء: ألا إن الحق في آل محمد، وينادي مناد من الأرض ألا إن الحق في آل عيسى أو قال: (العباس) أنا أشك فيه، وإنما الصوت الأسفل من الشيطان ليلبس على الناس. شك أبو عبد الله نعيم.(983)
مطر الناس في جمادى الآخرة
الشيخ المفيد: روى عبد الكريم الخثعمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث له عن القائم (عليه السلام), وفيه: وإذا آن قيامه، مطر الناس جمادى الآخرة، وعشرة أيام من رجب، مطراً لم تر الخلائق مثله، فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم، وكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون شعورهم من التراب.(984)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(981) الغيبة، الطوسي: ٤٥٤ ح٤٦١.
(982) كنز العمال، المتقي الهندي: ١٤/ ٥٨٨ ح٣٩٦٦٥.
(983) كتاب الفتن، نعيم بن حماد المروزي: ٢٠٨.
(984) الإرشاد، الشيخ المفيد: ٢/ ٣٨١، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٧ ح٧٧.

(٤٢٨)

الأياس والقنوط، والاختلاف الشديد بين الناس
النعماني: عن الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) من حديث له في خروج القائم (عليه السلام), وساق الحديث إلى أن قال: يا با حمزة لا يقوم القائم (عليه السلام) إلا على خوف شديد، وزلازل وفتنة وبلاء يصيب الناس، وطاعون قبل ذلك، وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد بين الناس، وتشتت في دينهم، وتغير من حالهم حتى يتمنى المتمني الموت صباحاً ومساء من عظم ما يرى من كلب الناس، وأكل بعضهم بعضاً، وخروجه إذا خرج عند الأياس والقنوط، فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره، والويل كلّ الويل لمن خالفه وخالف أمره، وكان من أعدائه.. الحديث.(985)
وعن ابن عساكر: عن أبان بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط سمع ابن عباس (رضي الله عنه) يقول: يبعث الله تعالى المهدي بعد أياس، وحتى يقول الناس: لا مهدي.(986)
علامات أخرى
روى الشيخ الصدوق: عن أبي بصير، ومحمد بن مسلم قالا: سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا الناس، فقيل له: إذا ذهب ثلثا الناس فما يبقى؟ فقال (عليه السلام): أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي.
وعن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قدام القائم موتتان: موت أحمر، وموت أبيض، حتى يذهب من كلّ سبعة خمسة، الموت الأحمر السيف، والموت الأبيض الطاعون.(987)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(985) كتاب الغيبة, النعماني: ٢٣٤ح ٢٢, بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢/ ٣٤٨ ح٩٩.
(986) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ٣٢/ ٢٨١.
(987) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٦٥٥ ح٢٩ و٢٧.

(٤٢٩)

وعن محمد بن مسلم الثقفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) من حديث له قال: قلت: يا بن رسول الله متى يخرج قائمكم؟
قال: إذا تشبّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وركب ذوات الفروج السروج، وقبلت شهادات الزور، وردت شهادات العدول، واستخف الناس بالدماء, وارتكاب الزنا, وأكل الربا، واتقي الأشرار مخافة ألسنتهم، وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمد (صلّى الله عليه وآله) بين الركن والمقام، اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية، وجاءت صيحة من السماء بأن الحق فيه وفي شيعته، فعند ذلك خروج قائمنا.. الحديث.(988)
وعن عمر بن قيس الماصر قال: حدثني مجاهد قال: حدثني فلان رجل من أصحاب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): أن المهدي لا يخرج حتى تقتل النفس الزكية، فإذا قتلت النفس الزكية، غضب عليهم من في السماء ومن في الأرض، فأتى الناس المهدي.. الحديث.(989)
الرجعة عند ظهور الإمام الحجة (عليه السلام)
قد وردت أخبار كثيرة جداً في موضوع الرجعة، وهذا الموضوع قد أشبعه علماؤنا بحثاً، وألفت فيه كتب كثيرة قديماً وحديثاً.(990)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(988) نفس المصدر السابق: ٣٣١ ح١٦، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥٢ /١٩١ح٢٤.
(989) المصنف، ابن أبي شيبة الكوفي: ٨/ ٦٧٩ح١٩٩.
(990) ومن الكتب التي عنيت بهذا الموضوع ما يلي:
كتاب (الرجعة) تأليف الميرزا محمد مؤمن الحسيني الاسترابادي (الشهيد بمكة سنة ١٠٨٨) تحقيق فارس الحسون، نشر دار الاعتصام وأنوار الهدى وكتاب (الشيعة والرجعة) تأليف الشيخ محمد رضا الطبسي النجفي. وكتاب (محاضرات في الرجعة) تأليف السيد علي الحسيني الصدر، نشر دليل ما، قم - إيران.

(٤٣٠)

ومفاد هذه الأخبار أن الله تعالى يبعث أقواماً من قبورهم عند ظهور الإمام الحجة (عليه السلام), وهي ليست عامة، وإنما هي لأناس مخصوصين فقط, وهم من محض الإيمان محضاً, ومن محض الكفر محضاً, فأما أهل الإيمان يحييهم الله تعالى ليشهدوا دولة الإمام فتقر أعينهم بها, وأما الكفار ليروا وعد الله تعالى لأوليائه وكرامتهم عنده، ونصر الله لهم، فيرون دولة الحق التي طالما بغوا على أهلها واستضعفوهم، وأخافوهم، وأذاقوهم صنوف العذاب والبغي، فيرون حينئذ بأعينهم كيف أن الله تعالى أنجز لأوليائه ما وعدهم به من النصر والغلبة والعزة بعد استضعافهم، ويرون أيضاً وعيد الله تعالى لهم بالخزي والهوان، فينتقم الله منهم فينالون بعض جزاء أعمالهم السيئة في الدنيا قبل الآخرة.
قال علي بن إبراهيم القمي (رحمه الله تعالى): وأما الرد على من أنكر الرجعة فقوله: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا)(991) قال: حدثني أبي عن ابن أبي عمير, عن حماد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما يقول الناس في هذه الآية (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا) قلت: يقولون: إنها في القيامة, قال: ليس كما يقولون: إن ذلك في الرجعة، أيحشر الله في القيامة من كلّ أمة فوجاً ويدع الباقين؟! إنما آية القيامة قوله: (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا)(992) وقوله: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ).(993)
فقال الصادق (عليه السلام): كلّ قرية أهلك الله أهلها بالعذاب، ومحّضوا الكفر محضاً لا يرجعون في الرجعة, وأما في القيامة فيرجعون, أما غيرهم ممن لم يهلكوا بالعذاب، ومحّضوا الكفر محضاً يرجعون.(994)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(991) سورة النمل, الآية: ٨٣.
(992) سورة الكهف, الآية: ٤٧.
(993) سورة الأنبياء, الآية: ٩٥.
(994) تفسير القمي: ١ / ٢٤، تأويل الآيات, شرف الدين الحسيني: ١ / ٤٠٩ ح١٤.

(٤٣١)

وفي رواية عن مختصر بصائر الدرجات, قال: قال الرجل لأبي عبد الله (عليه السلام): إن العامة تزعم أن قوله: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا) عنى في القيامة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يحشر الله يوم القيامة من كلّ أمة فوجاً ويدع الباقين, لا ولكنه في الرجعة, وأما آية القيامة (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا).(995)
ومن هنا أيضاً جاء الترغيب للمؤمن في بعض الأدعية الشريفة أن يسأل الله تعالى أن يحييه عند خروج الإمام المهدي (عليه السلام) إن لم يدرك زمانه ليفوز بنصرته مع أنصاره، فالمؤمن لا يقطع الأمل والرجاء من الباري تعالى أن يخرجه من قبره لنصرة إمامه, جاء في الدعاء المعروف بدعاء العهد: اللهم وإن كان الموت الذي جعلته على عبادك حتماً، يحول بيني وبينه فاخرجني من قبري، مؤتزراً كفني، شاهراً سيفي، مجرداً قناتي، ملبياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي...(996)
ويظهر من بعض الأخبار الشريفة أن بعض المؤمنين يُخيرون في قبورهم، وتُعرض عليهم نصرتُه إن شاءوا ذلك، قال المفضل بن عمر: ذكرنا القائم (عليه السلام) ومن مات من أصحابنا ينتظره، فقال لنا أبو عبد الله (عليه السلام): إذا قام أتي المؤمن في قبره فيقال له: يا هذا! إنه قد ظهر صاحبك، فإن تشأ أن تلحق به فالحق، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم.(997)
ومن الآيات أيضاً في الرجعة قوله تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)(998) فقد قيل إن المراد بالنصر في الحياة الدنيا هو في الرجعة، ومن الروايات في ذلك هو ما رواه جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: قول الله (عزَّ وجلَّ) (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(995) مختصر بصائر الدرجات, الحسن بن سليمان الحلي: ٤٣.
(996) المزار, محمد بن المشهدي: ٦٦٤.
(997) الغيبة، الطوسي: ٤٥٩، الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي: ٣ / ١١٦٦.
(998) سورة غافر, الآية: ٥١.

(٤٣٢)

فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) قال: ذلك والله في الرجعة، أما علمت أن في أنبياء الله كثيراً لم ينصروا في الدنيا، وقتلوا، وأئمة قد قتلوا ولم ينصروا، فذلك في الرجعة قلت: (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ، يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ)(999) قال: هي الرجعة.(1000)
كلام الشريف المرتضى (رحمه الله تعالى) في الرجعة
سُئل الشريف المرتضى (رحمه الله تعالى) عن حقيقة الرجعة، لأن شذاذ الإمامية يذهبون إلى أن الرجعة رجوع دولتهم في أيام القائم (عليه السلام) من دون رجوع أجسامهم.
الجواب: إعلم أن الذي تذهب الشيعة الإمامية إليه أن الله تعالى يعيد عند ظهور إمام الزمان المهدي (عليه السلام) قوماً ممن كان قد تقدم موته من شيعته، ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ومشاهدة دولته, ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم، فيلتذوا بما يشاهدون من ظهور الحق وعلو كلمة أهله, والدلالة على صحة هذا المذهب أن الذي ذهبوا إليه مما لا شبهة على عاقل في أنه مقدور لله تعالى، غير مستحيل في نفسه، فإنا نرى كثيراً من مخالفينا ينكرون الرجعة إنكار من يراها مستحيلة غير مقدورة, وإذا ثبت جواز الرجعة ودخولها تحت المقدور، فالطريق إلى إثباتها إجماع الإمامية على وقوعها، فإنهم لا يختلفون في ذلك.
وإجماعهم قد بينا في مواضع من كتبنا أنه حجة، لدخول قول الإمام (عليه السلام) فيه، وما يشتمل على قول المعصوم من الأقوال لا بد فيه من كونه صواباً, وقد بينا أن الرجعة لا تنافي التكليف، وأن الدواعي مترددة معها حين لا يظن ظان أن تكليف من يعاد باطل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(999) سورة ق, الآية: ٤١ و٤٢.
(1000) بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥٣ / ٦٥ ح٥٧ عن مختصر بصائر الدرجات، الحسن بن سليمان الحلي: ١٨ - ١٩، تفسير القمي:٢/ ٢٥٨ - ٢٥٩.

(٤٣٣)

وذكرنا أن التكليف كما يصح مع ظهور المعجزات الباهرة والآيات القاهرة، فكذلك مع الرجعة، لأنه ليس في جميع ذلك ملجئ إلى فعل الواجب والامتناع من فعل القبيح.
فأما من تأول الرجعة في أصحابنا على أن معناها رجوع الدولة والأمر والنهي، من دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات، فإن قوماً من الشيعة لما عجزوا عن نصرة الرجعة وبيان جوازها وأنها تنافي التكليف، عولوا على هذا التأويل للأخبار الواردة بالرجعة.
وهذا منهم غير صحيح، لأن الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة، فيطرق التأويلات عليها، فكيف يثبت ما هو مقطوع على صحته بأخبار الآحاد التي لا توجب العلم؟ وإنما المعول في إثبات الرجعة على إجماع الإمامية على معناها، بأن الله تعالى يحيي أمواتاً عند قيام القائم (عليه السلام) من أوليائه وأعدائه على ما بيناه، فكيف يطرق التأويل على ما هو معلوم، فالمعنى غير محتمل.(1001)
وقال الشريف المرتضى في موضع آخر: (مسألة ستون) مسألة الرجعة, الاعتقاد في الرجعة عند ظهور القائم (عليه السلام) وما في الرجعة؟
الجواب: معنى الرجعة أن الله تعالى يحيي قوماً ممن مات قبل ظهور القائم (عليه السلام) من مواليه وشيعته، ليفوزوا بمباشرة نصرته وطاعته وقتال أعدائه، ولا يفوتهم ثواب هذه المنزلة الجليلة التي لم يدركها، حتى لا يستبدل عليهم بهذه المنزلة غيرهم، والله تعالى قادر على إحياء الموتى، فلا معنى لتعجب المخالفين واستبعادهم.(1002)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1001) رسائل المرتضى, الشريف المرتضى: ١/ ١٢٥.
(1002) نفس المصدر: ١/ ٣٠٢ - ٣٠٣.

(٤٣٤)

أسماؤهم مكتوبة في صحيفة عند الإمام (عليه السلام)
الراوندي في الخرائج: من حديث لمولانا الحسين (عليه السلام) عن جده رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وساق الحديث الشريف إلى أن انتهى إلى ذكر المهدي (عليه السلام) من ولده - قال (صلّى الله عليه وآله): يرضى به كلّ مؤمن، يحكم بالعدل، ويأمر به، ويخرج من تهامة حتى تظهر الدلائل والعلامات، يجمع الله له من أقصى البلاد عدد أهل بدر، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، معه صحيفة فيها عدد أسماء أصحابه وآبائهم وبلدانهم وحلاهم وكناهم.(1003)
يخرج معه جماعة من قوم موسى (عليه السلام) وأصحاب الكهف وغيرهم
روى الشيخ المفيد في الإرشاد: عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يخرج القائم (عليه السلام) من ظهر الكوفة(1004) سبعة وعشرين رجلاً، خمسة عشر من قوم موسى (عليه السلام) الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1003) الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي: ٣ / ١١٦٦، وراجع: عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، الشيخ الصدوق: ٢/ ٦٤ - ٦٥ح٢٩، كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٢٦٨ح١١.
(1004) في تفسير العياشي: الكعبة بدل الكوفة.

(٤٣٧)

وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون(1005)، (ومؤمن آل فرعون)(1006) وسلمان، وأبا دجانة الأنصاري، والمقداد، ومالكاً الأشتر، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً.(1007)
وأخرج ابن مردويه: عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): أصحاب الكهف أعوان المهدي.(1008)
عدتهم كعدة بدر وهم أصحاب الألوية
روى الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى): عن المفضل بن عمر قال: قال الصادق (عليه السلام): كأني أنظر إلى القائم على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر، وهم أصحاب الألوية، وهم حكام الله في أرضه على خلقه...(1009)
وعن أبي أيوب، عن أبي بصير قال: سأل رجل من أهل الكوفة أبا عبد الله (عليه السلام): كم يخرج مع القائم (عليه السلام)؟ فإنهم يقولون: إنه يخرج معه مثل عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، قال: وما يخرج إلا في أولي قوة، وما تكون أولوا القوة أقل من عشرة آلاف.(1010)
قال العلامة المجلسي (رحمه الله تعالى): بيان: المعنى أنه (عليه السلام) لا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1005) وصي موسى (عليه السلام)، كما في تفسير العياشي.
(1006) ورد في رواية تفسير العياشي.
(1007) الإرشاد, الشيخ المفيد: ٢ / ٣٨٦، روضة الواعظين, الفتال النيسابوري: ٢٦٦، كشف الغمة, الإربلي: ٣ / ٢٦٥، تفسير العياشي: ٢ / ٣٢ ح٩٠, بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٤٦ ح٩٢.
(1008) الدر المنثور، السيوطي: ٤/ ٢١٥، فتح الباري، ابن حجر: ٦/ ٣٦٥، عمدة القاري، العيني: ١٦/ ٤٩، تفسير الآلوسي: ١٥/ ٢٢٨.
(1009) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٦٧٢ - ٦٧٣ح٢٥، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٢٦ ح٤٢.
(1010) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٦٥٤ ح٢٠.

(٤٣٨)

تنحصر أصحابه في الثلاثمائة وثلاثة عشر، بل هذا العدد هم المجتمعون عنده في بدو خروجه.(1011)
وفي كتاب الفتن: عن ابن عباس أن عدتهم ثلاثمائة وخمسة عشر رجلاً عدة أصحاب بدر.(1012)
يجمعهم الله في يوم واحد
روى الشيخ الطوسي: عن عبد الله بن العباس في قول الله تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ، فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)(1013) قال: قيام القائم (عليه السلام) ومثله (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعًا)(1014) قال: أصحاب القائم (عليه السلام) يجمعهم الله في يوم واحد.(1015)
افتخار الأرض بأصحاب الإمام (عليه السلام)
الشيخ الصدوق: عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كأني بأصحاب القائم وقد أحاطوا بما بين الخافقين، ليس من شيء إلا وهو مطيع لهم، حتى سباع الأرض، وسباع الطير تطلب رضاهم في كلّ شيء، حتى تفخر الأرض على الأرض، وتقول: مر بي اليوم رجل من أصحاب القائم.(1016)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1011) بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٢٣ ح٣٣.
(1012) الفتن، نعيم بن حماد المروزي: ٢١٢، الملاحم والفتن، السيد ابن طاووس: ١٣٥.
(1013) سورة الذاريات، الآية: ٢٢ و٢٣.
(1014) سورة البقرة، الآية: ١٤٨.
(1015) كتاب الغيبة، الشيخ الطوسي: ص ١٧٥ - ١٧٦ ح١٣٢، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي:٥١ / ٥٣.
(1016) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٦٧٣ح٢٥، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٢٧ ح٤٣.

(٤٣٩)

أصحاب المهدي (عليه السلام) شباب لا كهول فيهم إلا قليلاً
الشيخ الطوسي: عن حكيم بن سعد، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: أصحاب المهدي شباب لا كهول فيهم، إلا مثل كحل العين والملح في الزاد، وأقل الزاد الملح.(1017)
من طالقان
أحمد بن أعثم الكوفي في كتاب الفتوح: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: ويحاً لك يا طالقان، فإن لله (عزَّ وجلَّ) بها كنوزاً ليست من ذهب ولا فضة، ولكن بها رجال مؤمنون، عرفوا الله حقّ معرفته، وهم أنصار المهدي في آخر الزمان.(1018)
مساكن أصحاب الإمام (عليه السلام)
العياشي: عن سعد بن عمر، عن غير واحد ممن حضر أبا عبد الله (عليه السلام) ورجل يقول: قد ثبت دار صالح ودار عيسى بن علي، وذكر دور العباسيين، فقال رجل: أراناها الله خراباً أو خربها بأيدينا،فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): لا تقل هكذا، بل يكون مساكن القائم وأصحابه، أما سمعت الله يقول: (وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ)(1019).(1020)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1017) كتاب الغيبة، الشيخ الطوسي: ٤٧٦ح٥٠١، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٣ ح٦٣.
(1018) كتاب الفتوح، ابن أعثم الكوفي: ٢/ ٣٢٠، كشف الغمة, الإربلي: ٣ / ٢٧٩, بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥١ / ٨٧، كنز العمال، المتقي الهندي: ١٤/ ٥٩١ ح٣٩٦٧٧.
(1019) سورة إبراهيم, الآية: ٤٥.
(1020) تفسير العياشي: ٢ / ٢٣٥ح٤٩, بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٤٧ ح٩٥.

(٤٤٠)

ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)
١ - حتمية الظهور
قد أوضحت الكثير من الروايات الشريفة وأكدت أن خروج الإمام (عليه السلام) أمر حتمي، ليملأ هذه الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
روى الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى): عن عبد الله بن عمر قال: سمعت الحسين بن علي (عليهما السلام) يقول: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله (عزَّ وجلَّ) ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي، فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً.(1021)
وروي عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خروج القائم من المحتوم. قلت: وكيف يكون النداء؟. قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إن الحق في عليّ وشيعته...(1022)
وقد ضمّن دعبل الخزاعي حتمية الظهور في شعره كما في قصيدته العصماء، وذلك قبل ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) بفترة من الزمن، قال رحمه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1021) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٣١٨، المعجم الكبير، الطبراني: ١٠/ ١٣٥ ح١٠٢٢٤.
(1022) الغيبة، الطوسي: ٤٥٤ ح٤٦١.

(٤٤٣)

الله تعالى:

خروجُ إمام لا محالة خارجٌ * * * يقومُ على اسم الله والبركاتِ

٢ - ظهور الإمام (عليه السلام) عند بيت الله الحرام بين الركن والمقام يوم عاشوراء
روى الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى): عن أبي بصير قال: قال: أبو جعفر (عليه السلام): يخرج القائم (عليه السلام) يوم السبت يوم عاشوراء، يوم الذي قتل فيه الحسين (عليه السلام).(1023)
وفي رواية الشيخ الطوسي (رحمه الله تعالى) عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن القائم صلوات الله عليه ينادى باسمه ليلة ثلاث وعشرين، ويقوم يوم عاشوراء، يوم قتل فيه الحسين بن علي (عليهما السلام).
وعن علي بن مهزيار قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): كأني بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت قائماً بين الركن والمقام، بين يديه جبرئيل (عليه السلام) ينادي: البيعة لله، فيملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.(1024)
٣ - النداء من السماء باسمه، يسمعه جميع أهل الأرض
الشيخ الصدوق: عن الحسين بن خالد قال: قال علي بن موسى الرضا (عليه السلام): لا دين لمن لا ورع له.. وساق الحديث إلى أن قال: فقيل له: يابن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت؟ قال: الرابع من ولدي، ابن سيدة الإماء يطهر الله به الأرض من كلّ جور، ويقدسها من كلّ ظلم, وهو الذي يشك الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الأرض

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1023) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٦٥٤ ح١٩، الغيبة, النعماني: ٢٨٢, ولكن ليس فيه (يوم السبت).
(1024) الغيبة, الطوسي: ٤٥٢ - ٤٥٣ح٤٥٨ و٤٥٩، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢/ ٢٩٠ح٢٩ - ٣٠.

(٤٤٤)

بنور ربها، ووضع ميزان العدل بين الناس، فلا يظلم أحدٌ أحداً, وهو الذي تطوى له الأرض، ولا يكون له ظل، وهو الذي ينادي مناد من السماء باسمه، يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه، يقول: ألا إن حجة الله قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه، فإن الحقّ معه وفيه، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)(1025).(1026)
وروى الشيخ الطوسي: عن محمد بن مسلم قال: ينادي مناد من السماء باسم القائم (عليه السلام)، فيسمع ما بين المشرق إلى المغرب، فلا يبقى راقد إلا قام، ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام على رجليه من ذلك الصوت، وهو صوت جبرئيل الروح الأمين.(1027)
٤ - نداء الملك على رأسه الشريف
روى الكنجي الشافعي بإسناده عن عبد الله بن عمر أنه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): يخرج المهدي وعلى رأسه ملك ينادي: إن هذا المهدي فاتبعوه.
قال: هذا حديث حسن.(1028)
قال الأربلي: روته الحفاظ والأئمة من أهل الحديث كأبي نعيم والطبراني وغيرهما.(1029)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1025) سورة الشعراء, الآية: ٤.
(1026) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٣٧٢ح٥، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٢١ ح٢٩.
(1027) الغيبة, الطوسي: ٤٥٤ ح٤٦٢.
(1028) كفاية الطالب, الكنجي الشافعي: ٥١١ - ٥١٢ (الباب الخامس عشر).
(1029) كشف الغمة, الإربلي: ٣ / ٢٨٨، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٣٦ / ٣٦٩ و٥١/٨١، ينابيع المودة، القندوزي: ٣ / ٢٩٩، مسند الشاميين, الطبراني: ٢ / ٧٢.

(٤٤٥)

٥ - إذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة وأول ما ينطق به الآية الشريفة
روى الشيخ الصدوق: عن محمد بن مسلم الثقفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) في خروج القائم (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف), قال (عليه السلام): فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة، واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وأول ما ينطق به هذه الآية: (بَقِيَّةُ الله خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(1030) ثم يقول: أنا بقية الله في أرضه، وخليفته وحجته عليكم فلا يسلم عليه مسلم إلا قال: السلام عليك يا بقية الله في أرضه، فإذا اجتمع إليه العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج، فلا يبقى في الأرض معبود دون الله (عزَّ وجلَّ) من صنم ووثن وغيره إلا وقعت فيه نار فاحترق، وذلك بعد غيبة طويلة ليعلم الله من يطيعه بالغيب ويؤمن به.(1031)
٦ - تضرع الإمام (عليه السلام) عند المقام
شرف الدين الحسيني: عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن القائم إذا خرج دخل المسجد الحرام فيستقبل الكعبة، ويجعل ظهره إلى المقام، ثم يصلي ركعتين، ثم يقوم فيقول: يا أيها الناس أنا أولى الناس بآدم، يا أيها الناس أنا أولى الناس بإبراهيم، يا أيها الناس أنا أولى الناس بإسماعيل، يا أيها الناس أنا أولى الناس بمحمد (صلّى الله عليه وآله)، ثم يرفع يديه إلى السماء، فيدعو ويتضرع حتى يقع على وجهه، وهو قوله (عزَّ وجلَّ): (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإلَهٌ مَعَ الله قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)(1032).(1033)
وعن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله (عزَّ وجلَّ): (

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1030) سورة هود, الآية: ٨٦.
(1031) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣٣١ ح١٦، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥٢ /١٩١ح٢٤.
(1032) سورة النمل, الآية: ٦٢.
(1033) تأويل الآيات, شرف الدين الحسيني: ١/ ٤٠٢ - ٤٠٣ح٥، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥١ / ٥٩ ح٥٦.

(٤٤٦)

أمن يجيب المضطر إذا دعاه) قال: هذه نزلت في القائم (عليه السلام) إذا خرج تعمم وصلى عند المقام وتضّرع إلى ربّه فلا ترد له راية أبداً.(1034)
٧ - خطبة الإمام (عليه السلام) في مكة وبعثه الجنود في الآفاق
نعيم بن حماد المروزي: حدثنا سعيد أبو عثمان، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ثم يظهر المهدي بمكة عند العشاء ومعه راية رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) وقميصه وسيفه وعلامات ونور وبيان، فإذا صلى العشاء نادى بأعلى صوته يقول: أذكركم الله أيها الناس ومقامكم بين يدي ربكم، فقد اتخذ الحجة، وبعث الأنبياء، وأنزل الكتاب، وأمركم أن لا تشركوا به شيئاً، وأن تحافظوا على طاعته وطاعة رسوله، وأن تحيوا ما أحيا القرآن، وتميتوا ما أمات، وتكونوا أعواناً على الهدى، ووزراً على التقوى، فإن الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها، وأذنت بالوداع، فإني أدعوكم إلى الله وإلى رسوله، والعمل بكتابه، وإماتة الباطل، وإحياء سنته.
فيظهر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر على غير ميعاد قزعاً كقزع الخريف(1035)، رهبان بالليل، أسد بالنهار، فيفتح الله للمهدي أرض الحجاز، ويستخرج من كان في السجن من بني هاشم، وتنزل الرايات السود الكوفة، فيبعث بالبيعة إلى المهدي، ويبعث المهدي جنوده في الآفاق ويميت الجور وأهله، وتستقيم له البلدان، ويفتح الله على يديه القسطنطينية.(1036)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1034) تأويل الآيات, شرف الدين الحسيني: ١/ ٤٠٣ح٦.
(1035) قال ابن الأثير في النهاية: ٤/ ٥٩: ومنه حديث علي (عليه السلام): (فيجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف): أي قطع السحاب المتفرقة، وإنما خص الخريف لأنه أول الشتاء، والسحاب يكون فيه متفرقاً غير متراكم ولا مطبق، ثم يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك.
(1036) كتاب الفتن، نعيم بن حماد المروزي: ٢١٣، الملاحم والفتن، السيد ابن طاووس: ١٣٧ - ١٣٨ ح١٥٧.

(٤٤٧)

٨ - صعوده (عليه السلام) المنبر وبيعة جبرئيل له ومجيء أصحابه إليه
الشيخ المفيد: المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا أذن الله (عزَّ وجلَّ) للقائم في الخروج، صعد المنبر، ودعا الناس إلى نفسه وناشدهم بالله ودعاهم إلى حقه، وأن يسير فيهم بسيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ويعمل فيهم بعمله، فيبعث الله (جلَّ جلاله) جبرئيل (عليه السلام) حتى يأتيه فينزل على الحطيم ثم يقول له: إلى أيّ شيء تدعو؟ فيخبره القائم (عليه السلام) فيقول جبرئيل (عليه السلام): أنا أول من يبايعك ابسط يدك، فيمسح على يده، وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فيبايعونه, ويقيم بمكة حتى يتم أصحابه عشرة آلاف أنفس، ثم يسير منها إلى المدينة.(1037)
٩ - إن الله تعالى ينصره بالملائكة المسومين
النعماني: عن الثمالي قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) يقول: لو قد خرج قائم آل محمد (عليهم السلام) لنصره الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبيين يكون جبرائيل أمامه, وميكائيل عن يمينه, وإسرافيل عن يساره, والرعب مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله، والملائكة المقربون حذاه.. الحديث.(1038)
١٠ - بيعة الأصحاب للإمام (عليه السلام) بين الركن والمقام
الشيخ الطوسي: عن جابر الجعفي قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف عدة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام، والأخيار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أن يقيم.(1039)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1037) الإرشاد, الشيخ المفيد: ٣٨٢، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٧ ح٧٨.
(1038) كتاب الغيبة, النعماني: ٢٣٤ح ٢٢, بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٤٨ ح٩٩.
(1039) كتاب الغيبة، الشيخ الطوسي: ٤٧٧ح٥٠٢، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٤ ح٦٤.

(٤٤٨)

وروى الشيخ الصدوق: عن أبي خالد الكابلي، عن سيد العابدين علي ابن الحسين (عليهما السلام) قال: المفقودون عن فرشهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر فيصبحون بمكة، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعًا)(1040) وهم أصحاب القائم (عليه السلام).(1041)
وقال الشيخ الطبرسي (رحمه الله تعالى) في تفسير الآية الشريفة (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعًا): وروي في أخبار أهل البيت (عليهم السلام) أن المراد به أصحاب المهدي في آخر الزمان، قال الرضا (عليه السلام): وذلك والله لو قام قائمنا يجمع الله إليه جميع شيعتنا من جميع البلدان (أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي: هو قادر على جمعكم وحشركم، وعلى كلّ شيء.(1042)
وعن الشيخ الطوسي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن أصحاب موسى ابتلوا بنهر وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ)(1043) وإن أصحاب القائم يبتلون بمثل ذلك.(1044)
١١ - إذا كمل له عشرة آلاف رجل خرج
روى الشيخ الصدوق: عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني عن الإمام محمد بن علي بن موسى (عليه السلام) في حديث له عن القائم (عليه السلام)، قال: ويجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، من أقاصي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1040) سورة البقرة, الآية: ١٤٨.
(1041) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٦٥٤ ح٢١، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٢٣ ح٣٤.
(1042) تفسير مجمع البيان, الطبرسي: ١ / ٤٢٩.
(1043) سورة البقرة, الآية: ٢٤٩.
(1044) الغيبة، الشيخ الطوسي: ٤٧٢ح٤٩١، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٢ ح٥٦.

(٤٤٩)

الأرض، وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعًا إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(1045) فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله (عزَّ وجلَّ)، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله (عزَّ وجلَّ).
قال عبد العظيم: فقلت له: يا سيدي وكيف يعلم أن الله (عزَّ وجلَّ) قد رضي؟ قال: يلقي في قلبه الرحمة، فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزى فأحرقهما.(1046)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1045) سورة البقرة, الآية:١٤٨.
(1046) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣٧٧ ح٢.

(٤٥٠)

خروج الإمام (عليه السلام) من مكة إلى الكوفة ومسيره إلى الكوفة وما يقوم به
خروج الإمام (عليه السلام) من مكة إلى الكوفة
الراوندي: عن أبي سعيد الخراساني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) قال: إذا قام القائم بمكة وأراد أن يتوجه إلى الكوفة نادى مناديه: ألا لا يحمل أحدٌ منكم طعاماً ولا شراباً، ويحمل حجر موسى الذي انبجست منه اثنتا عشرة عيناً فلا ينزل منزلا إلا نصبه، فانبجست منه العيون، فمن كان جائعاً شبع، ومن كان ظمآن روي، فيكون زادهم حتى ينزلوا النجف من ظاهر الكوفة، فإذا نزلوا ظاهرها انبعث منه الماء واللبن دائماً، فمن كان جائعاً شبع، ومن كان عطشاناً روي.(1047)
وروى الشيخ المفيد: عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: كأني بالقائم (عليه السلام) على نجف الكوفة، وقد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة: جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، والمؤمنون بين يديه، وهو يفرق الجنود في البلاد.(1048)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1047) الخرائج والجرائح، الراوندي: ٢/ ٦٩٠ح١، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٥ ح٦٧، ورواه أيضاً الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى) في كمال الدين وتمام النعمة: ٦٧٠ - ٦٧١ ح١٧.
(1048) الإرشاد، الشيخ المفيد: ٢/ ٣٧٩ - ٣٨٠، روضة الواعظين، النيسابوري: ٢٦٤، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٧ ح٧٥.

(٤٥١)

أهل الكوفة أسعد الناس بالإمام (عليه السلام)
الشيخ المجلسي: عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أول ما يبدأ القائم (عليه السلام) بأنطاكية إلى أن قال (عليه السلام): وأسعد الناس به أهل الكوفة...(1049)
سبعون ألف صدّيق يكونون في أصحابه (عليه السلام)
الشيخ المجلسي: عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام): إذا ظهر القائم ودخل الكوفة بعث الله تعالى من ظهر الكوفة سبعين ألف صدّيق فيكونون في أصحابه وأنصاره، ويرد السواد إلى أهله، هم أهله.. الحديث.(1050)
دخوله (عليه السلام) الكوفة ويقتل كلّ منافق مرتاب
روى الشيخ المفيد: عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل أنه قال: إذا قام القائم (عليه السلام) سار إلى الكوفة، فيخرج منها بضعة عشر آلاف أنفس يدعون البترية(1051) عليهم السلاح فيقولون له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم، ثم يدخل الكوفة، فيقتل بها كلّ منافق مرتاب، ويهدم قصورها، ويقتل مقاتليها حتى يرضى الله عزّ وعلا.(1052)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1049) بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٩٠ ح٢١٢، تأريخ الكوفة، السيد البراقي: ١١٧.
(1050) بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٩٠ ح٢١٢ عن الغيبة للسيد علي بن عبد الحميد.
(1051) البترية - بالضم - من طوائف الزيدية تنسب إلى المغيرة بن سعد كان يلقب بالأبتر كذا في القاموس، والله العالم بحقائق الأمور.
(1052) الإرشاد, الشيخ المفيد: ٣٨٤, بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٨ ح٨١.

(٤٥٢)

ظهوره في الكوفة وينشر راية جده رسول الله (صلّى الله عليه وآله)
الشيخ الصدوق: عن ابن تغلب، عن الثمالي قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): كأني أنظر إلى القائم قد ظهر على نجف الكوفة، فإذا ظهر على النجف نشر راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، عمودها من عمد عرش الله تبارك وتعالى، وسائرها من نصر الله (جلَّ جلاله)، لا يهوي بها إلى أحد إلا أهلكه الله (عزَّ وجلَّ) قال: قلت: تكون معه أو يؤتى بها؟ قال: بل يؤتى بها، يأتيه بها جبرئيل (عليه السلام).(1053)
ابن قولويه: عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كأني بالقائم (عليه السلام) على نجف الكوفة، وقد لبس درع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فينتفض هو بها فتستدير عليه، فيغشيها بخداجة من استبرق، ويركب فرساً أدهم بين عينيه شمراخ، فينتفض به انتفاضة لا يبقى أهل بلاد إلا وهم يرون أنه معهم في بلادهم، فينشر راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عمودها من عمود العرش، وسائرها من نصر الله، لا يهوي بها إلى شيء أبداً إلا أهلكه الله، فإذا هزّها لم يبق مؤمن إلا صار قلبه كزبر الحديد، ويعطى المؤمن قوة أربعين رجلاً، ولا يبقى مؤمن ميت إلا دخلت عليه تلك الفرحة في قبره، وذلك حيث يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بقيام القائم، فينحط عليه ثلاثة عشر آلاف ملك وثلاثمائة وثلاثة عشر ملكاً.
قلت: كلّ هؤلاء الملائكة؟ قال: نعم الذين كانوا مع نوح في السفينة، والذين كانوا مع إبراهيم (عليه السلام) حين أُلقي في النار، والذين كانوا مع موسى حين فلق البحر لبني إسرائيل، والذين كانوا مع عيسى حين رفعه الله إليه، وأربعة آلاف ملك مع النبي (صلّى الله عليه وآله) مسومين، وألف مردفين،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1053) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٦٧٢ح٢٣، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٢٦ ح٤١.

(٤٥٣)

وثلاثمائة وثلاثة عشر ملائكة بدريين، وأربعة آلاف ملك هبطوا (1054) يريدون القتال مع الحسين بن علي (عليهما السلام) فلم يؤذن لهم في القتال فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة، ورئيسهم ملك يقال له: منصور فلا يزوره زائر إلا استقبلوه ولا يودعه مودع إلا شيعوه، ولا يمرض مريض إلا عادوه، ولا يموت ميت إلا صلّوا على جنازته، واستغفروا له بعد موته، وكلّ هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائم إلى وقت خروجه (عليه السلام).(1055)
وروى الشيخ الطوسي: عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا دخل القائم الكوفة، لم يبق مؤمن إلا وهو بها أو يجيء إليها، وهو قول أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويقول لأصحابه: سيروا بنا إلى هذه الطاغية(1056) فيسير إليه.(1057)
وعن مفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها، واستغنى العباد من ضوء الشمس، ويعمر الرجل في ملكه حتى يولد له ألف ذكر، لا يولد فيهم أنثى، ويبني في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب, ويتصل بيوت الكوفة بنهر كربلا وبالحيرة، حتى يخرج الرجل يوم الجمعة، على بغلة سفواء يريد الجمعة فلا يدركها.(1058)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1054) في رواية الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى): الذين هبطوا..
(1055) كامل الزيارات، ابن قولويه: ٢٣٣ - ٢٣٤ح٥، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٢٨ ح٤٨، وراجع أيضاً: كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٦٧١ - ٦٧٢ح٢٢، الغيبة، النعماني: ٣٢١ - ٣٢٢ح٤، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٢٥ ح٤٠.
(1056) في البحار: لعل المراد بالطاغية السفياني.
(1057) كتاب الغيبة، الشيخ الطوسي: ٤٥٥ح٤٦٤، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٠ ح٥١.
(1058) كتاب الغيبة، الشيخ الطوسي: ٤٦٨ح٤٨٤، الإرشاد، الشيخ المفيد: ٢/ ٣٨١، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٠ ح٥٢.

(٤٥٤)

خطبته على منبر الكوفة وخروجه إلى الغري
الشيخ الطوسي: عن عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل قال: يدخل المهدي الكوفة، وبها ثلاث رايات قد اضطربت بينها، فتصفو له فيدخل حتى يأتي المنبر ويخطب، ولا يدري الناس ما يقول من البكاء، وهو قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله): كأني بالحسني والحسيني، وقد قاداها فيسلمها إلى الحسيني فيبايعونه فإذا كانت الجمعة الثانية، قال الناس: يا ابن رسول الله الصلاة خلفك تضاهي الصلاة خلف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والمسجد لا يسعنا؟ فيقول: أنا مرتاد لكم فيخرج إلى الغري فيخط مسجداً له ألف باب يسع الناس، عليه أصيص(1059) ويبعث فيحفر من خلف قبر الحسين (عليه السلام) لهم نهراً يجري إلى الغريين، حتى ينبذ في النجف، ويعمل على فوهته قناطر، وأرحاء في السبيل، وكأني بالعجوز وعلى رأسها مكتل فيه بر حتى تطحنه بكربلاء.(1060)
ورواه الشيخ المفيد (رحمه الله تعالى) مثله وفيه: حتى تطحنه بلا كراء.(1061)
أصحاب القائم (عليه السلام) يضربون فساطيطهم في مسجد الكوفة
الصفار: عن رفيد مولى أبي هبيرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: يا رفيد كيف أنت إذا رأيت أصحاب القائم قد ضربوا فساطيطهم في مسجد الكوفة، ثم أخرج المثال الجديد، على العرب شديد، قال: قلت: جعلت فداك ما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1059) الأصيص: البناء المحكم، والأصيصة: البيوت المتقاربة بعضها ببعض، ويقال: هم أصيصة واحدة، أي مجتمعون كالبيوت المتلاصقة. راجع: تاج العروس، الزبيدي: ٩/ ٢٣٩، لسان العرب، ابن منظور: ٧/ ٣ - ٤.
(1060) الغيبة, الطوسي: ٤٦٩، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ /٣٣١.
(1061) الإرشاد، الشيخ المفيد: ٢/ ٣٨٠، روضة الواعظين، الفتال النيسابوري: ٢٦٣ - ٢٦٤.

(٤٥٥)

هو؟ قال: الذبح...(1062)
الصدوق: عن المفضل بن عمر قال: قال الصادق (عليه السلام): كأني أنظر إلى القائم على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر، وهم أصحاب الألوية، وهم حكام الله في أرضه على خلقه، حتى يستخرج من قبائه كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب عهد معهود من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيجفلون عنه إجفال الغنم(1063) فلا يبقى منهم إلا الوزير وأحد عشر نقيباً كما بقوا مع موسى بن عمران (عليه السلام)، فيجولون في الأرض فلا يجدون عنه مذهباً فيرجعون إليه، والله إني لأعرف الكلام الذي يقوله لهم فيكفرون به.(1064)
بناء مسجد له ألف باب
الطبرسي: عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا قام قائم آل محمد بنى في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب، واتصلت بيوت أهل الكوفة بنهر كربلاء.(1065)
وقد تقدم قريباً عن الشيخ الطوسي (رحمه الله تعالى) عن أبي عبد الله (عليه السلام): فيخرج (عليه السلام) إلى الغري فيخط مسجداً له ألف باب يسع الناس عليه أصيص.. الحديث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1062) بصائر الدرجات، الصفار: ١٧٥ح١٣، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢/ ٣١٨ ح١٨.
(1063) أي هربوا مسرعين.
(1064) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٦٧٢ - ٦٧٣ح٢٥، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢/ ٣٢٦ ح٤٢.
(1065) إعلام الورى, الطبرسي: ٢/ ٢٨٧، الإرشاد، الشيخ المفيد: ٢/ ٣٨٠ - ٣٨١.

(٤٥٦)

يستخرج من الكوفة إثني عشر ألف درع
روى الحسين بن حمدان الخصيبي بالإسناد عن الأصبغ بن نباتة قال: خرجنا مع أمير المؤمنين وهو يطوف بالسوق يأمر بوفاء الكيل والميزان وهو يطوف إلى أن انتصف النهار، مرّ برجل جالس، فقام إليه فقال له يا أمير المؤمنين: مرّ معي إلى أن تدخل بيتي تتغدى عندي، وتدعو لي، وما أحسبك اليوم تغديت.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): على أن لا تدخر ما في بيتك ولا تتكلف من وراء بابك، قال: لك شرطك، ودخل ودخلنا وأكلنا خبزاً وزيتاً، وتمراً، ثم خرج يمشى حتى انتهى إلى قصر الأمارة بالكوفة فركض برجله الأرض فزلزلت ثم قال: وأيم الله لو علمتم ما هاهنا، وأيم الله لو قام قائمنا لأخرج من هذا الموضع اثني عشر ألف درع، واثني عشر ألف بيضة لها وجهات، ثم البسها اثني عشر الفاً من ولد العجم، ثم يأمر بقتل كلّ من كان على خلاف ما هم عليه، وأني أعلم ذلك وأراه كما أعلم اليوم وأراه، فكان هذا من دلائله (عليه السلام).(1066)
تخفق على رأسه الأعلام البيض في نجف الكوفة
الشيخ الصدوق: عن محمد بن عثمان العمري، عن أبيه، عن أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) في حديث له: أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقاتون، ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة.(1067)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1066) الهداية الكبرى, الخصيبي: ١٥٩.
(1067) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٤٠٩ ح٩ كفاية الأثر, الخزاز القمي: ٢٩٦، إعلام الورى, الطبرسي: ٢ / ٢٥٣، كشف الغمة, الإربلي: ٣ / ٣٣٦، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥١ / ١٦٠.

(٤٥٧)

نزول الإمام (عليه السلام) في مسجد السهلة
الشيخ المفيد: عن صالح بن أبي الأسود، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ذكر مسجد السهلة، فقال: أما إنه منزل صاحبنا إذا قدم بأهله.(1068)
المشهدي: روى أبو بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: يا أبا محمد كأني أرى نزول القائم (عليه السلام) في مسجد السهلة بأهله وعياله.
قلت: يكون منزله جعلت فداك؟
قال: نعم، كان فيه منزل إدريس، وكان منزل إبراهيم خليل الرحمان، وما بعث الله نبياً إلا وقد صلّى فيه، وفيه مسكن الخضر، والمقيم فيه كالمقيم في فسطاط رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وما من مؤمن ولا مؤمنة إلا وقلبه يحن إليه، وفيه صخرة فيها صورة كلّ نبي، وما صلّى فيه أحدٌ فدعا الله بنية صادقة إلا صرفه الله بقضاء حاجته، وما من أحد استجاره إلا أجاره الله مما يخاف.
قلت: هذا لهو الفضل، قال: أزيدك، قلت: نعم، قال: هو من البقاع التي أحب الله أن يدعى فيها، وما من يوم ولا ليلة إلا والملائكة تزور هذا المسجد، يعبدون الله فيه، أما أني لو كنت بالقرب منكم ما صليت صلاة إلا فيه، يا أبا محمد ولو لم يكن له من الفضل إلا نزول الملائكة والأنبياء فيه لكان كثيراً، فكيف وهذا الفضل وما لم أصف لك أكثر.
قلت: جعلت فداك لا يزال القائم (عليه السلام) فيه أبداً، قال: نعم، قلت: فمن بعده، قال: هكذا من بعده إلى انقضاء الخلق.. إلى أن قال: قلت: فمن نصب لكم العداوة؟
فقال: لا يا أبا محمد ما لمن خالفنا فيه في دولتنا من نصيب، إن الله قد أحل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1068) الإرشاد، الشيخ المفيد:٢ / ٣٨٠ - ٣٨١، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢/ ٣٣٠.

(٤٥٨)

لنا دماءهم عند قيام قائمنا، فاليوم محرم علينا وعليكم ذلك، فلا يغرّنك أحد، إذا قام قائمنا انتقم لله ولرسوله (صلّى الله عليه وآله) ولنا أجمعين.(1069)
يرسل أصحابه إلى الآفاق كلها
تفسير العياشي: ثم يرجع إلى الكوفة فيبعث الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً إلى الآفاق كلّها، فيمسح بين أكتافهم وعلى صدورهم، فلا يتعايون(1070) في قضاء، ولا تبقى أرض إلا نودي فيها شهادة أن لا إله إلا الله وحدّه لا شريك له، وأن محمداً رسول الله، وهو قوله: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)(1071) ولا يقبل صاحب هذا الأمر الجزية كما قبلها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو قول الله: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله)(1072).(1073)
صلاة الإمام الصادق (عليه السلام) عند موضع منبر القائم (عليه السلام)
محمد بن جرير الطبري: عن فرات بن الأحنف، قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) ونحن نريد زيارة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، فلما صرنا إلى الثوية نزل فصلى ركعتين، فقلت: يا سيدي، ما هذه الصلاة؟ قال: هذا موضع منبر القائم، أحببت أن أشكر الله في هذا الموضع.(1074)
وروى ابن قولويه: عن أبان بن تغلب، قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فمر بظهر الكوفة، فنزل وصلى ركعتين، ثم تقدم قليلاً، فصلى ركعتين ثم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1069) المزار, محمد بن المشهدي: ١٣٤ - ١٣٥ح٧, قصص الأنبياء, الراوندي: ٨٤ ح٦٣.
(1070) تعاياه الأمر: أعجزه.
(1071) سورة آل عمران, الآية: ٨٣.
(1072) سورة الأنفال, الآية: ٣٩.
(1073) تفسير العياشي: ٢/ ٦٠، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٤٥.
(1074) دلائل الإمامة, محمد بن جرير الطبري (الشيعي): ٤٥٩ ح٤٣.

(٤٥٩)

سار قليلاً، فنزل فصلى ركعتين، ثم قال: هذا موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، قلت: جعلت فداك فما الموضعين الذين صليت فيهما، قال: موضع رأس الحسين (عليه السلام)، وموضع منبر القائم (عليه السلام).(1075)
وروى الشيخ الطوسي: عن مبارك الخباز قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): أسرجوا البغل والحمار في وقت ما قدم وهو في الحيرة، قال: فركب وركبت حتى دخل الجوف، ثم نزل فصلى ركعتين، ثم تقدم قليلاً آخر فصلى ركعتين، ثم تقدم قليلاً آخر فصلى ركعتين، ثم ركب ورجع، فقلت له: جعلت فداك ما الأولتين والثانيتين والثالثتين؟ قال: الركعتين الأولتين موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، والركعتين الثانيتين موضع رأس الحسين (عليه السلام)، والركعتين الثالثتين موضع منبر القائم (عليه السلام).(1076)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1075) كامل الزيارات, ابن قولويه: ٨٣ - ٨٤ ح٥.
(1076) تهذيب الأحكام, الطوسي: ٦ / ٣٥ ح١٥.

(٤٦٠)

الفصل الثامن: ملامح دولة الإمام المهدي (عليه السلام) وكيفية حكمه الشريف

(خصائص دولته المباركة وبيان بعض أحواله (عليه السلام) وسيرته إذا قام في الناس, وكيفية حكمه, وما يبثه في الناس, وما سخره الله تعالى له, وما ينقضه من البدع)

(٤٦١)

ملامح من سيرة الإمام (عليه السلام) وحكمه وقضائه
تميزت دولة الإمام المهدي (عليه السلام) بعدة خصائص لم توجد قط في غيرها ممن تقدمها من دول العالم، وسوف يسير الإمام (عليه السلام) في الناس بسيرة لم يشهد تأريخ البشر كلّه مثل سيرته الشريفة(1077) وذلك كبسط العدل، وتطهير الأرض من براثن الظالمين، والاقتصاص من القتلة والمجرمين، فإليك هنا مايتعلق بذلك، وبيان سيرته الشريفة، وكيفية حكمه أيضاً فيما يرتبط بأهل الملل الأخرى، وهي كالتالي:
لباس الإمام وطعامه
هذا وكما سار جده أمير المؤمنين (عليه السلام) في رعيته بالعدل والإنصاف، لم يدخر لنفسه شيئاً، ولم يتغير حاله لما وليهم عما كان عليه قبل ذلك، فلم يبن حجراً على حجر، همه الوحيد إرساء العدل بين الناس، وإنصاف المظلومين، وإغاثة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1077) ومن الكتب التي عنيت بهذا الموضوع ما يلي:
كتاب (في رحاب حكومة الإمام المهدي (عليه السلام)) (قراءة شاملة في معالم حكومة الإمام المهدي وأوضاع العالم قبل الظهور) تأليف الشيخ نجم الدين الطبرسي، نشر دليل ما، قم - إيران.
وكتاب (معالم الحكومة في عهد ظهور الإمام المهدي (عليه السلام))تأليف سعيد كاظم العذاري، نشر منصف بيروت - لبنان.

(٤٦٣)

المحرومين، ولم يخلف صفراء ولا بيضاء، وهكذا يكون حال الإمام المهدي (عليه السلام) كجده أمير المؤمنين (عليه السلام) في لباسه وطعامه، وزهده في الحياة، وما عند الله خيرٌ وأبقى، فلا يملكهم شيء من حطام هذه الدنيا الفانية، فسواءً عندهم أكانت الدنيا بأيديهم، أم كانت بأيدي غيرهم، جاء في دعاء الندبة: اللهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك، الذين استخلصتهم لنفسك ودينك، إذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم، الذي لا زوال له ولا اضمحلال، بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية، وزخرفها وزبرجها، فشرطوا لك ذلك وعلمت منهم الوفاء به، فقبلتهم وقرّبتهم وقدّرت لهم الذكر العلي، والثناء الجلي، وأهبطت عليهم ملائكتك، وكرمتهم بوحيك، ورفدتهم بعلمك، وجعلتهم الذريعة إليك والوسيلة إلى رضوانك...(1078)
وروى النعماني: عن معمر بن خلاد قال: ذكر القائم عند أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال: أنتم اليوم أرخى بالاً منكم يومئذ، قالوا: وكيف؟ قال: لو قد خرج قائمنا (عليه السلام) لم يكن إلا العلق والعرق; والنوم على السروج، وما لباس القائم (عليه السلام) إلا الغليظ، وما طعامه إلا الجشب.(1079)
وفي كتاب الدعوات للراوندي, قال: قال المعلى بن خنيس: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): لو كان هذا الأمر إليكم لعشنا معكم، فقال: والله لو كان هذا الأمر إلينا لما كان إلا أكل الجشب, ولبس الخشن.
الراوندي قال: وقال (عليه السلام) للمفضل بن عمر: لو كان هذا الأمر إلينا لما كان إلا عيش رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسيرة أمير المؤمنين (عليه السلام).(1080)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1078) إقبال الأعمال، السيد ابن طاووس: ١/ ٥٠٤ - ٥٠٥.
(1079) كتاب الغيبة, النعماني: ٢٨٥ ح٥، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٢٥ / ٣٥٨ ح١٢٦.
(1080) الدعوات, الراوندي: ٢٩٦ح ٦٠و٦١, بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٤٠ ح٨٨.

(٤٦٤)

خضوع الأشياء إليه
سخر الله تعالى لسليمان (عليه السلام) كلّ شيء، وجعل جميع المخلوقات والكائنات تحت يده وطوع أمره، بما في ذلك الريح، فكلّ شيء خاضع له (عليه السلام)، وكذلك إمام العصر (عليه السلام) يسخر الله له الدنيا بأسرها ويجعلها تحت سلطانه، وهو (عليه السلام) أعظم شأناً عند الباري تعالى من نبي الله سليمان، فقد جمع الله فيه خصال الأنبياء، واجتمعت فيه سننهم.
روى الشيخ الصدوق: عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنه إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر رفع الله تبارك وتعالى له كلّ منخفض من الأرض، وخفض له كلّ مرتفع حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته، فأيكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها.(1081)
معرفته بكل إنسان صالح هو أم طالح؟
روى الشيخ الصدوق: عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا قام القائم (عليه السلام) لم يقم بين يديه أحدٌ من خلق الرحمن إلا عرفه صالح هو أم طالح؟ ألا وفيه آية للمتوسمين، وهي السبيل المقيم.(1082)
وروى الشيخ المفيد: عن عبد الله بن عجلان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام قائم آل محمد (عليهم السلام) حكم بين الناس بحكم داود لا يحتاج إلى بينة، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه، ويخبر كلّ قوم بما استبطنوه، ويعرف وليّه من عدوه بالتوسم, قال الله سبحانه: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1081) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٦٧٤ح٢٩، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٢٨ ح٤٦.
(1082) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٦٧١ح٢٠، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٢٥ ح٣٨.

(٤٦٥)

مُقِيمٍ)(1083).(1084)
دولة الإمام آخر الدول
الشيخ الطوسي: عن أبي صادق، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: دولتنا آخر الدول، ولن يبقى أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).(1085)
القصاص والإنتقام من الظلمة والعمل بما في الجفر الأحمر
روى الصفار: عن رفيد مولى أبي هبيرة، أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن سيرة القائم (عليه السلام) إذا خرج: قال: قلت: بأيّ شيء يسير فيهم بما سار علي بن أبي طالب (عليه السلام) في أهل السواد؟ قال: لا يا رفيد، إن علياً سار بما في الجفر الأبيض، وهو الكف، وهو يعلم أنه سيظهر على شيعته من بعده, وإن القائم يسير بما في الجفر الأحمر وهو الذبح، وهو يعلم أنه لا يظهر على شيعته.(1086)
الأحمر: عبارة عن الجهاد بالسيف حتى تحقيق العدل، كما أن الأبيض عبارة عن الكف عن القتال، والنبي (صلّى الله عليه وآله) في زمنه لم يكن مأموراً بقتل بعض من استحق القتل، وذلك من أجل الدعوة إلى الإسلام كما في قصة العقبة مع أولئك النفر الذين أرادوا اغتياله حينما نفروا ناقته، فقد أشار عليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1083) سورة الحجر, الآية: ٧٥ - ٧٦.
(1084) الإرشاد, الشيخ المفيد ٣٨٦, بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٩ ح٨٦.
(1085) كتاب الغيبة، الشيخ الطوسي: ٤٧٢ح٤٩٣، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٢ ح٥٨، وراجع أيضاً: الإرشاد, الشيخ المفيد: ٣٨٤ - ٣٨٥, بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٨ ح٨٣.
(1086) بصائر الدرجات، الصفار: ١٧٥ح١٣، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢/ ٣١٨ ح١٨.

(٤٦٦)

حذيفة بن اليمان بقتلهم فقال له: إن الله أمرني أن أعرض عنهم، فأكره أن تقول الناس إنه دعا أناساً من قومه وأصحابه إلى دينه فاستجابوا، فقاتل بهم حتى إذا ظهر على عدوه، أقبل عليهم فقتلهم، ولكن دعهم يا حذيفة، فإن الله لهم بالمرصاد، وسيمهلهم قليلاً ثم يضطرهم إلى عذاب غليظ.(1087)
وكذلك لم يكن مأموراً بقتل المنافقين الذين يكيدون للإسلام في الخفاء، وكذلك معاملته الخاصة مع المؤلفة قلوبهم، لأن الإسلام يومئذ في بدايته، وهم حديثو عهد بجاهلية، وكذلك كان حال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لما أمكنه الله تعالى من أعدائه في معركة الجمل لم يسبهم ولم يقتلهم كلّ ذلك للحكم الخاص بهم.
وأما مهمة الإمام المهدي (عليه السلام) فقدّر لها أن تكون مهمة تستهدف استئصال جذور الشّر والفساد بالجهاد بالسيف، وقتال المتمردين والباغيين، فلا صلح معهم ولا هدنة ولا جزية، وقد عللت بعض الروايات ذلك كما سوف تأتي قريباً: (لأن الله تبارك وتعالى بعث محمداً (صلّى الله عليه وآله) رحمة، ويبعث القائم (عليه السلام) نقمة)(1088) فهي آخر دولة في الزمان وما بعدها دولة غيرها، فالغلبة له، والنصر بين يديه حتى يتحقق العدل في أرجاء المعمورة كلها.
ففي دولته (عليه السلام) المباركة يحيى العدل، وينمحي الظلم، فيقتص من القتلة والمجرمين، ويقيم الحد على السراق واللصوص، ويعمل فيهم بكتاب الله تعالى وشرعه الحنيف، وينتقم من الفراعنة الذين عاثوا في الأرض فساداً، وخربوا البلاد، وانتهبوا الأموال، وانتهكوا الحرمات، واستباحوا دماء العباد، وقد أفصحت الروايات الشريفة عن طوائف منهم، وهي كما يلي:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1087) بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٢٨/ ٩٩.
(1088) دلائل الإمامة, الطبري (الشيعي): ٤٨٥ - ٤٨٦ح٨٦، علل الشرائع, الشيخ الصدوق: ٢ / ٥٧٩ ح١٠.

(٤٦٧)

أ - بنو شيبة
روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن سعيد بن عمر الجعفي، عن رجل من أهل مصر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أما إن قائمنا لو قد قام، لقد أخذ بني شيبة، وقطّع أيديهم وطاف بهم، وقال: هؤلاء سرّاق الله.. الخبر.(1089)
ب - فئة من قريش
روى الشيخ المفيد: عن عبد الله بن المغيرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام القائم من آل محمد (عليهم السلام) أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثم أقام خمسمائة فضرب أعناقهم، ثم خمسمائة أخرى حتى يفعل ذلك ست مرات، قلت: ويبلغ عدد هؤلاء هذا؟ قال: نعم، منهم ومن مواليهم.(1090)
ج - ينتقم لجدته فاطمة (عليها السلام)
محمد بن جرير الطبري بالإسناد عن عبد الرحمن القصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) إذا قام القائم ينتقم لأمه فاطمة (عليها السلام) وقال (عليه السلام) في آخر الحديث: لأن الله تبارك وتعالى بعث محمداً (صلّى الله عليه وآله) رحمة، ويبعث القائم (عليه السلام) نقمة.(1091)
د - ذراري قتلة الحسين (عليه السلام)

متى تسل البيض من غمدها * * * وتشرع السمر وتحمي الذمار

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1089) علل الشرائع، الشيخ الصدوق: ٢/ ٤١٠ح٥، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣١٧ ح١٤.
(1090) الإرشاد، الشيخ المفيد: ٢/ ٣٨٣، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٨ ح٧٩.
(1091) دلائل الإمامة, الطبري (الشيعي): ٤٨٥ - ٤٨٦ح٨٦، علل الشرائع, الشيخ الصدوق: ٢ / ٥٧٩ ح١٠.

(٤٦٨)

في فتية لها التقى شيمةٌ * * * ويا لثارات الحسين الشعار(1092)

روى الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى) بالإسناد عن إسماعيل بن جابر, عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: القائم والله يقتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائها.(1093)
وروى ابن قولويه: عن محمد بن سنان، عن رجل، قال: سألت عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا)(1094)، قال: ذلك قائم آل محمد، يخرج فيقتل بدم الحسين (عليه السلام)، فلو قتل أهل الأرض لم يكن مسرفاً، وقوله: (فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) لم يكن ليصنع شيئاً يكون سرفاً.
ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): يقتل والله ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائها.(1095)
وروى الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى) بالإسناد عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله ما تقول في حديث روي عن الصادق (عليه السلام): أنه قال: إذا خرج القائم (عليه السلام) قتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائهم؟
فقال (عليه السلام): هو كذلك، فقلت: وقول الله (عزَّ وجلَّ): (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)(1096) ما معناه؟ قال: صدق الله في جميع أقواله ولكن ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) يرضون بأفعال آبائهم ويفتخرون بها، ومن رضي شيئاً كان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1092) للسيد صالح الحلي (رحمه الله تعالى).
(1093) ثواب الأعمال, الشيخ الصدوق: ٢١٧.
(1094) سورة الإسراء, الآية: ٣٣.
(1095) كامل الزيارات, ابن قولويه: ١٣٥ - ١٣٦ح٥.
(1096) سورة الأنعام, الآية: ١٦٤.

(٤٦٩)

كمن أتاه، ولو أن رجلاً قُتل بالمشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله (عزَّ وجلَّ) شريك القاتل، وإنما يقتلهم القائم (عليه السلام) إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم، قال: فقلت له: بأيّ شيء يبدأ القائم (عليه السلام) منكم إذا قام؟ قال: يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم لأنهم سرّاق بيت الله (عزَّ وجلَّ).(1097)
هـ - النواصب
المشهدي: روى أبو بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث له عن نزول القائم (عليه السلام) في مسجد السهلة بأهله وعياله, وساق الحديث إلى أن قال أبو بصير: قلت: فمن نصب لكم العداوة؟
فقال: لا يا أبا محمد! ما لمن خالفنا فيه في دولتنا من نصيب، إن الله قد أحلّ لنا دماءهم عند قيام قائمنا، فاليوم محرم علينا وعليكم ذلك، فلا يغرنك أحد، إذا قام قائمنا انتقم لله ولرسوله (صلّى الله عليه وآله) ولنا أجمعين.(1098)
قتاله اليهود والنصارى والزنادقة والكفار
العياشي: عن ابن بكير قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا)(1099) قال: أنزلت في القائم (عليه السلام) إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردة والكفار في شرق الأرض وغربها، فعرض (عليهم السلام) فمن أسلم طوعاً أمره بالصلاة والزكاة، وما يؤمر به المسلم، ويجب لله عليه، ومن لم يسلم ضرب عنقه حتى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلا وحدّ الله، قلت له: جعلت فداك إن الخلق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1097) عيون أخبار الرضا (عليه السلام), الشيخ الصدوق: ٢ / ٢٤٧ ح٥، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٤٥ / ٢٩٥ح١.
(1098) المزار, محمد بن المشهدي: ١٣٤ - ١٣٥ ح٧, قصص الأنبياء, الراوندي: ٨٤ ح٦٣.
(1099) سورة آل عمران, الآية: ٨٣.

(٤٧٠)

أكثر من ذلك؟ فقال: إن الله إذا أراد أمراً قلل الكثير، وكثر القليل.(1100)
وروى الصفار: عن معاوية الدهني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تعالى: (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ)(1101) فقال: يا معاوية ما يقولون في هذا؟ قلت: يزعمون أن الله تبارك وتعالى يعرف المجرمين بسيماهم في القيامة، فيأمر بهم فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم فيلقون في النار, فقال لي: وكيف يحتاج الجبار تبارك وتعالى إلى معرفة خلق أنشأهم وهم خلقه، فقلت: جعلت فداك وما ذلك؟ قال: لو قام قائمنا أعطاه الله السيماء فيأمر بالكافر فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم، ثم يخبط بالسيف خبطاً.(1102)
لا يأخذ جزية من أحد ويأتي بملوك الروم مصفّدين
القاضي النعمان المغربي: عن سلمان الفارسي رحمة الله عليه مما آثره عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنه ذكر المهدي (عليه السلام) وقال: إنه لقاتل الظالمين، ويقتل الزنادقة، ولا يقبل منهم توبة، ولا يأخذ منهم جزية، ولا يدع في الأرض أحداً على غير دين الإسلام إلا قتله، ويهلك الترك(1103) والخزر والديلم والحبش، ويؤتى بملوك الروم مصفدين في الحديد، ولا يدع يهودياً ولا نصرانياً، ولا يوجب لهم ذمة، ويرد الناس جميعاً على ملة إبراهيم ومحمد (عليهما السلام).(1104)
وفي لفظ آخر: عن سلمان الفارسي (رحمه الله تعالى) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: لا بد من قائم من ولد فاطمة يقوم من المغرب يقتل الزنادقة،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1100) تفسير العياشي: ١٨٣ - ١٨٤ح٨٢، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٤٠ ح٩٠.
(1101) سورة الرحمن, الآية: ٤١.
(1102) بصائر الدرجات, الصفار: ٣٧٩ ح١٧, الاختصاص, الشيخ المفيد: ٣٠٤.
(1103) وفي الرواية التالية: ويملك الترك.
(1104) شرح الأخبار, القاضي النعمان المغربي: ٣ / ٣٧٤ ح١٢٤٤.

(٤٧١)

ويملك الترك، والخزر، والديلم، والحبش، ويؤتى بملوك الروم مصفدين في الحديد، ولا تقوم راية إلا راية الإيمان.(1105)
وجاء في تفسير العياشي: ولا يقبل صاحب هذا الأمر الجزية كما قبلها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو قول الله: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله)(1106).(1107)
يحكم بحكم داود ولا يسأل الناس بينة
روى الصفار: عن يونس، عن حريز قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لن تذهب الدنيا حتى يخرج رجل منا أهل البيت يحكم بحكم داود وآل داود، لا يسأل الناس بينة.(1108)
وروى الشيخ الكليني: عن ابن سنان، عن أبان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل مني يحكم بحكومة آل داود، لا يسأل بينة، يعطي كلَّ نفس حقها.(1109)
وعن أبي عبيدة، عنه (عليه السلام) قال: إذا قام قائم آل محمد حكم بحكم داود وسليمان لا يسأل بينة.(1110)
وعن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): دمان في الإسلام حلال من الله (عزَّ وجلَّ) لا يقضي فيهما أحد حتى يبعث الله قائمنا أهل البيت، فإذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1105) نفس المصدر: ٣/ ٣٧٦ ح١٢٤٧.
(1106) سورة الأنفال, الآية: ٣٩.
(1107) راجع: تفسير العياشي: ٢/ ٦٠.
(1108) بصائر الدرجات, الصفار: ٢٧٩ح٤، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣١٩ ح٢١.
(1109) الكافي، الكليني: ١/ ٣٩٧ - ٣٩٨ح٢، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٢٠ ح٢٢.
(1110) الكافي، الكليني: ١/ ٣٩٧ ح١، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٢٠ ح٢٤.

(٤٧٢)

بعث الله (عزَّ وجلَّ) قائمنا أهل البيت حكم فيهما بحكم الله (عزَّ وجلَّ) لا يريد عليهما بينة: الزاني المحصن يرجمه, ومانع الزكاة يضرب عنقه.(1111)
وعن جابر في حديث له عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنما سمي المهدي لأنه يهدي إلى أمر خفي حتى أنه يبعث إلى رجل لا يعلم الناس له ذنباً فيقتله، حتى أن أحدهم يتكلم في بيته فيخاف أن يشهد عليه الجدار.(1112)
أقول: قوله: (يهدي إلى أمر خفي) لعله عبارة عن حكمه بعلمه لا بما يعلمه سائر الناس من ظواهر الأمور، فهو (عليه السلام) ينبئُهم عما خفي عنهم من الأمور الواقعية كما هي والله العالم.
يقوم بأمر جديد، وسنة جديدة، وقضاء جديد
روى الشيخ المفيد: عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام القائم (عليه السلام) جاء بأمر جديد كما دعى رسول الله في بدو الإسلام إلى أمر جديد.(1113)
وروى النعماني: عن الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) من حديث له في خروج القائم (عليه السلام), وساق الحديث إلى أن قال: يقوم بأمر جديد، وسنة جديدة، وقضاء جديد، على العرب شديد، وليس شأنه إلا القتل، ولا يستتيب أحداً، ولا تأخذه في الله لومة لائم.(1114)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1111) الكافي، الكليني: ٣/ ٥٠٣ح٥، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٢٥ ح٣٩.
(1112) بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٩٠ ح٢١٢، تأريخ الكوفة، السيد البراقي: ١١٧.
(1113) الإرشاد, الشيخ المفيد: ٣٨٤, بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٨ ح٨٢.
(1114) كتاب الغيبة, النعماني: ٢٣٤ح ٢٢, بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢/ ٣٤٨ ح٩٩.

(٤٧٣)

وقفة قصيرة مع النص الشريف
قوله (عليه السلام): (يقوم بأمر جديد)
الأمر الجديد والله العالم يحتمل أن يراد منه هو عودة الإسلام غضاً جديداً كما جاء به النبي (صلّى الله عليه وآله) وأنزل عليه خالصاً، لا كما عرفه الناس بعد الاندراس، فإن فراعنة الزمان، وسلاطين الجور بدّلوا أحكام الله تعالى، وحرّفوا آياته، فأدخلوا فيه ما ليس منه، وبالعكس، فاتخذوا دين الله لعباً وهزواً، فعاد الإسلام غريباً، وتلّقف عامة الناس أديانهم من هؤلاء، فساروا على دين ملوكهم، فإذا ظهر المهدي (عليه السلام) يُعيد لهم الإسلام الصحيح كما هو، لا كما عرفه الناس.
ولعل المقصود من الأمر الجديد أيضاً هو حكمه بعلمه لا بالبينات والشهود التي اعتاد الناس عليها في المرافعات للوصول إلى حقوقهم كما شرّعت في ذلك، فيكون أمراً جديداً بالنسبة إليهم، لأنهم لم يعتادوا مثل هذا الحكم، فهو من خصائصه (عليه السلام) كما كان حكم داوود (عليه السلام) في زمانه كذلك.
قوله (عليه السلام): (وسنة جديدة)
يحتمل أن يراد منه والله العالم هو أن يسنّ فيهم سنناً جديدة لم يهتدوا إليها قط، تكفل لهم الحياة السعيدة، والعيش الرغيد، فيستقيم بها نظامهم، وأمر معاشهم، وجميع أمورهم.
ويحتمل أن يراد منه وهو الأقرب: أنه يعيد فيهم سنّة النبي (صلّى الله عليه وآله) كما هي(1115)، ولا يخفى على أحد ما تعرّضت له هذه السنة من التحريف والتعطيل حتى محقت ومحيت، وتأريخنا مليء بالدلائل والشواهد على تلك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1115) وسوف تأتي قريباً بعض الروايات الشريفة في ذلك، فمنها ما روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة، يقاتل على سنتي كما قاتلت أنا على الوحي)، وفي بعض الروايات: (ولا يترك بدعة إلا أزالها، ولا سنة إلا أقامها).

(٤٧٤)

الأيدي الأثيمة التي طالت سنّة النبي (صلّى الله عليه وآله) وحرّفتها، فكثير منها نقض وبدل، وهذا الأمر غير قابل للإنكار، فإن الشواهد التأريخية خير شاهد على وقوع هذا التحريف، وقد جاء على لسان بعض الصحابة الإنكار على أولئك الذين بدّلوا وضيعوا سنة النبي (صلّى الله عليه وآله)، التي أرساها فيهم، فمن الشواهد ما يلي:
إنكار أنس بن مالك على تضييعهم الفرائض والسنن
روى البخاري عن أنس قال: ما أعرف شيئاً مما كان على عهد النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم)؟! قيل: الصلاة، قال: أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها.
وروى البخاري عن عثمان بن أبي رواد أخو عبد العزيز قال: سمعت الزهري يقول: دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئاً مما أدركت إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت!.(1116)
إنكار ابن عباس على تركهم السنة
روى الحاكم النيسابوري عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير قال: كنا مع ابن عباس بعرفة، فقال لي: يا سعيد مالي لا أسمع الناس يلبون؟! فقلت: يخافون من معاوية! قال: فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال: لبيك اللهم لبيك، فإنهم قد تركوا السنة من بغض علي (رضي الله عنه)!!
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.(1117)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1116) صحيح البخاري: ١/ ١٣٤، سؤالات الحاكم، الدارقطني: ٢٩٠، جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر: ٢/ ١٩٩ - ٢٠٠.
(1117) المستدرك، الحاكم النيسابوري: ١/ ٤٦٤ - ٤٦٥، سنن النسائي: ٥/ ٢٥٣، السنن الكبرى، النسائي: ٢ / ٤١٩ ح٣٩٩٣، صحيح ابن خزيمة:٤ / ٢٥٩ - ٢٦٠ (باب استحباب التلبية بعرفات)

(٤٧٥)

وجاء في رواية البيهقي في السنن الكبرى: فقال: يا سعيد مالي لا أسمع الناس يلبون؟ فقلت: يخافون معاوية، فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال: لبيك اللهم لبيك، وإن رغم أنف معاوية، اللهم العنهم، فقد تركوا السنة من بغض عليٍّ (رضي الله عنه).(1118)
تصريح عمران بن الحصين
ومن الأمور التي تركت وكانت على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هو التكبير عند الهوي إلى الركوع والسجود وعند الرفع منهما، فقد روى البخاري عن مطرف، عن عمران بن حصين قال: صلى مع علي (رضي الله عنه) بالبصرة فقال: ذكرنا هذا الرجل صلاة كنا نصليها مع رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) فذكر أنه كان يكبر كلما رفع وكلما وضع.(1119)
وفي رواية البيهقي: ذكّرنا هذا الرجل صلاة كان يصليها بنا رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم).(1120)
وفي رواية أنساب الأشراف: عن مطرف بن عبد الله قال: صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب فكان إذا سجد كبر، وإذا رفع رأسه كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر، فلما انصرفنا أخذ عمران بيدي فقال: لقد صلى صلاة محمد، ولقد ذكرني صلاة محمد (صلّى الله عليه [وآله] وسلم).(1121)
إلى غير ذلك من الشواهد التأريخية على ما قدمناه، فإذا ظهر الإمام المهدي (عليه السلام) يعيد هذا الدين من جديد كما جاء به النبي (صلّى الله عليه وآله)، وينقض كلّ بدعة، ويحيي كلّ سنة، وقد جاء في بعض الزيارات الشريفة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1118) السنن الكبرى، البيهقي: ٥/ ١١٣.
(1119) صحيح البخاري: ١/ ١٩٠.
(1120) السنن الكبرى، البيهقي: ٢ / ٦٨.
(1121) أنساب الأشراف، البلاذري: ١٨٠.

(٤٧٦)

(والمعيد ربّنا به الإسلام جديداً بعد الانطماس، والقرآن غضاً بعد الاندراس).(1122)
وجاءت الإشارة إلى ذلك أيضاً في الزيارة الجامعة (حتى يحيي الله دينه بكم، ويردكم في أيامه، ويظهركم لعدله، ويمكنكم في أرضه)(1123) قال تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم).(1124)
فحينئذ يرى الناس ولأول مرة في حياتهم الدين على حقيقته ناصعاً كما جاء به النبي (صلّى الله عليه وآله)، فيكون الدين جديداً، والقضاء الذي يقضي به جديداً، لا كما رأوه على أيدي قضاتهم وأمرائهم الذين حرّفوا الكلم، وحكموا بغير ما أنزل الله تعالى، حتى أصبح كتاب الله مهجوراً.
قوله (عليه السلام): (على العرب شديد)
فلعله ناظر إلى إقامة الحدود والقصاص فيهم، والانتقام من الظلمة منهم، وخصّ العرب بالذكر لكون عامتهم ممن تلطخت أيديهم بالجنايات التي فاقت سائر الأمم قديماً وحديثاً في عداوتهم للرسالة، ومناقضتهم للعترة إلى قيام القائم (عليه السلام)، فقد عارضوا الدين في بداية الإسلام، وأحدثوا ما أحدثوا بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وما بدر منهم من قتل عترته وذريته، فأضاعوا وصيته فيهم.. إلى غير ذلك مما فعلوه على مرّ السنيين والأيام.
ويحتمل والله العالم أن يكون ناظراً إلى كون حملهم على الحق، باعتبار كونه ثقيلاً على نفوسهم، إذ أن الحق مر، ومن هنا سمّى القرآن والعترة ثقلين، كما في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1122) بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٩٩ / ٦٧.
(1123) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي: ٦/ ٩٩، من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: ٢/ ٦١٤.
(1124) سورة النور، الآية: ٥٥.

(٤٧٧)

حديث (إني تارك فيكم الثقلين) لأن حملهما على النفوس ثقيل على عامة الناس، ومثله ما جاء في قوله تعالى: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا)(1125) فقد جاء في تفسير الآية من ضمن الأقوال عن المجمع: وأما ثقله على أمته فلما فيه من الأمر والنهي والحدود.(1126)
قوله (عليه السلام): (وليس شأنه إلا القتل)
وذلك في إقامة فريضة القصاص على المستحقيين، وأولئك المفسدين الذين أفسدوا في الأرض، وأهلكوا الحرث والنسل، وغيرهم ممن استحق القتل.
قوله (عليه السلام): (ولا يستتيب أحداً)
باعتبار تقدم إقامة الحجة عليهم، فكان عليهم أن يتوبوا إلى الله تعالى ويرعوا قبل رؤية البأس، فظهور الإمام الحجة (عليه السلام) وغلبته عليهم بمثابة رؤية البأس، فلا تنفعهم توبتهم حينئذ بعد فوات الأوان، فلا عذر لهم بعد خروج القائم (عليه السلام)، وقد جاءهم بالبينات، فيكون حالهم حال من أظهر التوبة عند رؤية البأس،، فتكون التوبة بالنسبة إليهم كالإلجاء الذي لا يستحق المدح، فإنهم لو تابوا حينئذ فسوف تكون توبتهم بسبب خوفهم من السيف والعقوبة، وهذا ما تقتضيه سنة الامتحان الإلهي التي لا تستثني أحداً من الخلق، قال تعالى: (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ، فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ الله الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ)(1127) وقال تعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ)(1128) فقد جاء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1125) سورة المزمل، الآية: ٥.
(1126) مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ١٠/١٦٢.
(1127) سورة غافر، الآية: ٨٤ و٨٥.
(1128) سورة النساء، الآية: ١٨.

(٤٧٨)

في تفسير الآية: أي عند رؤيتهم بأس الله وعذابه، لأنهم يصيرون عند ذلك ملجئين، وفعل الملجأ لا يستحق به المدح.(1129)
هذا وقد جاء في رواية الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى) عن أبي بصير قال:
قال الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)(1130) يعني خروج القائم المنتظر منا...(1131)
فالخلاصة بعد إقامة الحجة عليهم، وإصرارهم على العناد لا حاجة لاستتابتهم، ولعلها ناظرة أيضاً إلى أولئك المجرمين الذين ارتكبوا ما يوجب القصاص والحدّ الشرعي، وأما ما ورد في بعض الروايات الشريفة أنه يعرض الإسلام على الكفار، لعلها ناضرة إلى الكفار غير المعاندين، وغير الحربيين الذين لم يجب في حقهم القصاص، وبذلك أيضاً يقيم عليهم الحجة، والله العالم بحقائق الأمور.
ينقض البدع ويحيي سنة النبي (صلّى الله عليه وآله)
روى المروزي: عن عروة عن عائشة عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قال: هو رجل من عترتي يقاتل على سنتي كما قاتلت أنا على الوحي.(1132)
وفي رواية أخرى عن النبي (صلّى الله عليه وآله): يقوم بالدين في آخر الزمان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1129) مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ٨ /٤٦١.
(1130) سورة الأنعام, الآية: ١٥٨.
(1131) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣٥٧ ح٥٤.
(1132) كتاب الفتن، نعيم بن حماد المروزي: ٩، الملاحم والفتن، السيد ابن طاووس: ١٧٨ - ١٧٩ ح٢٤٢، ينابيع المودة، القندوزي: ٣/ ٢٦٣ح١٠.

(٤٧٩)

كما قمت في أول الزمان.(1133)
وفي رواية ثالثة عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: ولا يترك بدعة إلا أزالها، ولا سنة إلا أقامها.(1134)
وروى القاضي النعمان المغربي: عن مولانا الإمام جعفر بن محمد (عليه السلام)، أنه قال: لو قام قائمنا ما أقام الناس على الطلاق إلا بالسيف، ولو قد كان ذلك لم يكن إلا بسيرة علي بن أبي طالب (عليه السلام).
قال القاضي النعمان: وكذلك كان الأمر لما قام المهدي، أقام الناس على طلاق العدة(1135) والسنة على ما نصه الله في كتابه وسنة رسوله (صلّى الله عليه وآله)، وقطع طلاق البدعة(1136) وكلّ ما ابتدعه المبتدعون في الدين والأحكام، والقول في الحلال والحرام، وأقام الناس بالسيف على سيرة علي (عليه السلام) التي سار بها في الأمة على ما عهد إليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ومما آثره على ذلك الأئمة من ولده، فأحيوا ما أماته المبطلون من أحكام الدين، وقطعوا بدع المبتدعين، ولا يزال ذلك حتى يعود الدين جديداً غضاً كما ابتدأ في الإسلام صفواً محضاً كما نشأ.
ويكون الدين لله كما وعد تعالى في كتابه، ويظهر على كلّ دين كما أوجب في إيجابه، ويكون ذلك على أيدي أئمة دينه وأوليائه، وينسب إلى المهدي أولهم إذا كان سبب ابتدائه، وعنه تفرّع ما تفرّع فيه إلى غاية انتهائه، كما ينسب ذلك وما قبله إلى محمد النبي (صلّى الله عليه وآله) إذ هو في شريعته وملته، ولأهل دعوته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1133) كشف الغمة، الإربلي: ٣/ ٢٦٨، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥١ / ٧٩ح٣٧، المعجم الأوسط، الطبراني: ٦/ ٣٢٨، المعجم الكبير، الطبراني: ٣/ ٥٨.
(1134) روضة الواعظين، النيسابوري: ٢٦٤، الإرشاد، الشيخ المفيد: ٢/٣٨٥.
(1135) جاء في الهامش: وهو أن يطلق على الشرائط ثم يرجع في العدة ويطأ.
(1136) وهو الطلاق الذي لم تتم شروطه.

(٤٨٠)

وأمته، وعلى يد الأئمة من ذريته.(1137)
الفتوحات في عصره الشريف
يقوم الإمام المهدي (عليه السلام) بمهمة الفتوحات في بلاد الشرك والكفر، فينشر فيها الإسلام شرقاً وغرباً، وسوف يمتد حكمه في جميع أنحاء الأرض، ويطال كلَّ بقعة فيها حتى تصفو له جميع الممالك والدول.
روى الكنجي الشافعي بإسناده عن حذيفة، عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله رجلاً اسمه اسمي، وخلقه خلقي، يكنى أبا عبد الله، يبايع له الناس بين الركن والمقام، يرد الله به الدين، ويفتح له فتوحاً، فلا يبقى على ظهر الأرض إلا من يقول: لا إله إلا الله، فقام سلمان فقال: يا رسول الله من أيّ ولدك هو؟ قال: من ولد ابني هذا، وضرب بيده على الحسين.(1138)
وروى النعماني: عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) من حديث له في خروج القائم (عليه السلام), قال: ومعه سيف مخترط يفتح الله له الروم والصين والترك والديلم والسند والهند وكابل شاه والخزر.. الحديث.(1139)
وعن الشيخ الطوسي: عن أبي بصير في حديث له قال: إذا قام القائم دخل الكوفة.. إلى أن قال: ثم لا يلبث إلا قليلاً حتى يخرج عليه مارقة الموالي برميلة الدسكرة عشرة آلاف شعارهم: يا عثمان يا عثمان، فيدعو رجلاً من الموالي فيقلده سيفه فيخرج إليهم فيقتلهم، حتى لا يبقى منهم أحد، ثم يتوجه إلى كابل شاه،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1137) شرح الأخبار, القاضي النعمان المغربي: ٣ / ٣٧٣ - ٣٧٤ح١٢٤٣.
(1138) البيان في أخبار صاحب الزمان، الكنجي الشافعي: ٥١٠ (الباب الثالث عشر)
(1139) كتاب الغيبة, النعماني: ٢٣٤ح ٢٢, بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٤٨ ح٩٩.

(٤٨١)

وهي مدينة لم يفتحها أحد قط غيره، فيفتحها، ثم يتوجه إلى الكوفة فينزلها ويكون داره ويبهرج(1140) سبعين قبيلة من قبائل العرب.(1141)
وعنه أيضاً قال: وفي خبر: أنه (عليه السلام) يفتح قسطنطينية, والرومية, وبلاد الصين.(1142)
وروى القاضي النعمان المغربي: من رواية الشعبي، عن حذيفة بن اليمان، مما آثره عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، أنه قال: لا يفتح بلنجر، ولا جبل الديلم، ولا القسطنطينية إلا رجل من بني هاشم.(1143)
قال القاضي المغربي: يعنى إمام ذلك الزمان من ولد المهدي، ولم يكن ولا يكون إمام من بني هاشم، إلا علي (عليه السلام) والأئمة من ذريته، نسل رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وذريته من فاطمة الزهراء سيدة نساء العالم.. ولا يفتح هذا الموضع إلا هم (عليهم السلام).(1144)
وروى الشيخ المفيد: عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث له.. قال: ويفتح قسطنطنية والصين وجبال الديلم، فيمكث على ذلك سبع سنين مقدار كلّ سنة عشر سنين من سنيكم هذه، ثم يفعل الله ما يشاء.(1145)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1140) جاء في الهامش: بهرج الدماء: أهدرها وأبطلها، وفي الأصل المطبوع (يهرج) ومعنى الهرج: الفتنة والاختلاط والقتل.
(1141) كتاب الغيبة, الشيخ الطوسي: ٤٧٥ح٤٩٨، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٣ ح٦١.
(1142) كتاب الغيبة, الطوسي: ٤٧٦ح٤٩٩، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٣ ح٦١.
(1143) وفي عقد الدرر: ٢٢٣: إلا على يدي رجل من آل محمد.
(1144) شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي: ٣ / ٣٧٦ ح١٢٤٨.
(1145) الإرشاد، الشيخ المفيد: ٢/ ٣٨٥.

(٤٨٢)

وعن نعيم بن حماد المروزي: عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث: فيفتح الله للمهدي أرض الحجاز، ويستخرج من كان في السجن من بني هاشم، وتنزل الرايات السود الكوفة، فيبعث بالبيعة إلى المهدي، ويبعث
المهدي جنوده في الآفاق، ويميت الجور وأهله، وتستقيم له البلدان، ويفتح الله على يديه القسطنطينية.(1146)
يستخرج من أنطاكية التوراة وعصا موسى وخاتم سليمان (عليهما السلام)
قد صرّحت بعض الروايات الشريفة أن المهدي (عليه السلام) يستخرج التوراة وسائر كتب الله، ويحكم بين كلّ أهل ملة بكتابهم، وربما يقال أن قيامه بهذه المهمة ليقيم الحجة عليهم من خلال كتبهم المنزلة عليهم، وكونه يخرج نفس الكتب لعل فيه إشارة أيضاً لكون أن ما في أيديهم من الكتب محرفة، فيريهم كتبهم كما أنزلت، فلا حجة حينئذ لأحد منهم.
وبعد ظهور الحق لا تبقى ديانة مسيحية ولا يهودية ولا غيرها، وإذا أضفنا إلى هذا المعنى الرواية التي تنص على أن المسيح (عليه السلام) يقوم أيضاً بمهمة إلى جنب المهدي وهي قيامه بنفسه بكسر الصليب، كما جاء في صحيح البخاري: عن أبي هريرة عن رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية..(1147) وهذا يعني أنه يقوم بنفسه في نقض المسيحية من خلال كسر الصليب الذي أسسوا عليه عقائدهم الفاسدة.
كما يمثل نزول المسيح (عليه السلام) وصلاته خلف المهدي (عليه السلام)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1146) كتاب الفتن، نعيم بن حماد المروزي: ٢١٣، الملاحم والفتن، السيد ابن طاووس: ١٣٧ - ١٣٨، معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام):٣/ ٤٩٩ ح١٠٧٠، عن الفتاوى الحديثية: ٣١.
(1147) صحيح البخاري: ٤/ ١٤٣، صحيح مسلم: ١/ ٩٤.

(٤٨٣)

التأييد الإلهي للمهدي على يد نبي من أولي العزم، وهذا في حدّ نفسه بيان للناس في فضل الإمام على المأموم.
ويمكن أن نستظهر من ذلك أيضاً أن بقاء نبي من الأنبياء إلى آخر الزمان مدخراً مئات السنين لحين ظهور المهدي (عليه السلام) ليشهد هذا النبي تلك الأهداف التي طالما ناضل الأنبياء من أجل تحقيقها، فحال بينهم وبينها أهل الجور والطغيان، قد تحققت الآن جميعها على يد إمام من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، الذين يفتخر بهم المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام).

ومريم عيسى أعقبت وهي أعقبت * * * هداة يرى عيسى اتباعهم فخرا

ومن الروايات التي جاءت في هذا المعنى ما رواه جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أول ما يبدأ القائم (عليه السلام) بأنطاكية فيستخرج منها التوراة من غار فيه عصى موسى, وخاتم سليمان، قال: وأسعد الناس به أهل الكوفة...(1148)
وفي رواية الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى) عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث له عن القائم (عليه السلام) وسوف تأتي الرواية كاملة قريباً قال: يستخرج التوراة، وسائر كتب الله من غار بأنطاكية(1149) فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل الفرقان بالفرقان.. الحديث.(1150)
ولعل الحكم بين أهل كلّ كتاب بكتابهم بما يرتبط بالحدود الشرعية، فإنها أيضاً مرسومة عليهم في جميع هذه الكتب، إذ لا تخلو كلّ شريعة من أحكام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1148) بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٩٠ ح٢١٢، تأريخ الكوفة، السيد البراقي: ١١٧.
(1149) وجاء في كتاب المصنف، عبد الرزاق الصنعاني: ١١/ ٣٧٢ - ٣٧٣، رقم: ٢٠٧٧٢: عن مطر، قال كعب: ويستخرج التوراة والإنجيل من أرض يقال لها أنطاكية.
(1150) علل الشرائع, الشيخ الصدوق: ١ / ١٦١ح٣.

(٤٨٤)

خاصة بها في الحدود والأقضية، وكلها حكم الباري تعالى، وهي حجة عليهم
جميعاً، لأنهم يؤمنون بها ويقرّون بما فيها، فيأخذهم بما يؤمنون به في شريعتهم إلزاماً لهم، والله العالم بحقائق الأمور.

(٤٨٥)

حال العالم والناس في دولته المباركة
في دولة الحق سوف يرفل الإنسان بالنعمة، وسوف يتخلص من قيود الظلم والاستبداد، وأخيراً سيستنشق هذا الإنسان هواء الحرية نقياً في ظل الأمن والأمان، وسيذوق فيها نعمة العدل والرخاء، والغنى والكفاف، فلا يساوم في حريته أو كرامته، ولا يضطر إلى شيء من ذلك، ولسوف يرفل الإنسان الجديد في دولة الكرامة والعزة بنعمة لم يذق مثلها قط طيلة تلك العصور البغيضة المظلمة، وسوف يتلاشى عصر الفراعنة والأباطرة الذين طالما رزح الإنسان تحت استعبادهم وظلمهم، أولئك الفراعنة الذين امتصوا دماء البشر، وأكلوا أموالهم بالباطل، وأذاقوهم ألوان الذل والهوان، وشروا من ضعفاء النفوس أديانهم وذممهم بثمن بخس.
فبعد كلّ هذا الظلم البغيض الذي عصف بالبشر على طول حقب التأريخ، والذي ذاق من خلاله صنوف العذاب من جور واضطهاد واستبداد يقوم حينئذ المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان بأمر الباري تعالى بمهمة نشر العدل في عالم الدنيا بأسرها ليخلص هذا الإنسان من الجور والظلم والحرمان لينعم في ضل عدالة السماء بعد ذلك الانتظار الطويل..
وحينئذ سوف ترخي السماء عزاليها على الناس، وتعمهم الأرض من بركاتها وخيراتها، فلا جذب ولا منع، ويعم السلام جميع الناس فلا حرب ولا

(٤٨٦)

جور، ولا فقر، ولا عوز، ولا وباء يخاف الناس منه، ولا مرض يعتريهم، إذ سوف يشرق العدل على أرجاء المعمورة كلها، فتنبض فيها روح الحياة من جديد.
وحينما ينبسط العدل في العالم كله، ويتلاشى الظلم والفساد يعود كلّ شيء إلى مجراه الطبيعي، فحينئذ تعود إلى الحياة بهجتها، ويأبى الله أن لا تصلح الدنيا إلا بصلاح البشر أنفسهم أولاً، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)(1151) وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).(1152)
وجاء في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح أمر آخرته أصلح الله له أمر دنياه.(1153)
وإليك هنا بعض الأخبار والروايات الشريفة في بيان ما يكون عليه حال الناس عند ظهوره، والتطور الذي يشهده الإنسان في عصره تحت هذه العناوين:
١ - الوضع الديني للعالم في دولة الإمام (عليه السلام)
لا يبقى أحد إلا وحّد الله وأقرّ بالنبي (صلّى الله عليه وآله)
جاء في بعض الروايات الشريفة (حتى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلا وحّد الله).(1154)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1151) سورة الطلاق، الآية: ٢ - ٣.
(1152) سورة الأعراف، الآية: ٩٦.
(1153) نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السلام): ٤/ ٢٠ ح٨٩، عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي: ٤٥٧.
(1154) تفسير العياشي: ١٨٣ - ١٨٤ح٨٢، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٤٠ ح٩٠.

(٤٨٧)

وروى العياشي عن أبي المقدام، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(1155) يكون أن لا يبقى أحد إلا أقر بمحمد (صلّى الله عليه وآله).(1156)
وعن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) قال: إذا خرج القائم.(1157)
نعيم بن حماد المروزي: عن قتادة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في زمن المهدي قال: ويلقي الإسلام بجرانه.(1158)
وفي رواية الشيخ المفيد: عن علي بن عقبة، عن أبيه، قال: إذا قام القائم حكم بالعدل.. ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام، ويعترفوا بالإيمان، أما سمعت الله سبحانه يقول: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)(1159).(1160)
(ولا يزال ذلك حتى يعود الدين جديداً غضاً كما ابتدأ في الإسلام صفواً محضاً كما نشأ، ويكون الدين لله كما وعد تعالى في كتابه، ويظهر على كلّ دين كما أوجب في إيجابه) ولا يزال ذلك حتى يعود الدين جديداً غضاً كما ابتدأ في الإسلام صفواً محضاً كما نشأ، ويكون الدين لله كما وعد تعالى في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1155) سورة التوبة, الآية: ٣٣.
(1156) تفسير العياشي: ٨٧ ح٥٠، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٤٦ ح٩٣.
(1157) تفسير العياشي: ٨٧ح٥٢، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٤٦ ح٩٤.
(1158) كتاب الفتن, نعيم بن حماد المروزي: ٢٢٢.
(1159) سورة آل عمران, الآية: ٨٣.
(1160) الإرشاد, الشيخ المفيد: ٣٨٤ - ٣٨٥, بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٨ ح٨٣.

(٤٨٨)

كتابه، ويظهر على كلّ دين كما أوجب في إيجابه.(1161)
وفي رواية سلمان عن النبي (صلّى الله عليه وآله): (ولا تقوم راية إلا راية الإيمان)(1162) (ولا يدع في الأرض أحداً على غير دين الإسلام إلا قتله.. ولا يدع يهودياً ولا نصرانياً، ولا يوجب لهم ذمة، ويرد الناس جميعاً على ملة إبراهيم ومحمد (عليهما السلام)).(1163)
وروى العياشي: عن رفاعة بن موسى قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)(1164) قال: إذا قام القائم لا يبقى أرض إلا نودي فيها شهادة أن لا إله الله، وأن محمداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله).(1165)
يبلغ سلطانه المشرق والمغرب، وظهور الدين
الشيخ الصدوق: عن محمد بن مسلم الثقفي قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) يقول: القائم منا منصور بالرعب، مؤيد بالنصر، تطوى له الأرض, وتظهر له الكنوز، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر الله (عزَّ وجلَّ) به دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون، فلا يبقى في الأرض خراب إلا قد عُمّر، وينزل روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) فيصلي خلفه... الحديث.(1166)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1161) شرح الأخبار, القاضي النعمان المغربي: ٣ / ٣٧٣ - ٣٧٤ح١٢٤٣.
(1162) نفس المصدر: ٣ /٣٧٦ ح١٢٤٧.

(1163) نفس المصدر: ٣ / ٣٧٤ ح١٢٤٤.
(1164) سورة آل عمران, الآية: ٨٢.
(1165) تفسير العياشي: ٦٠, بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢/ ٣٤٠ ح٨٩.
(1166) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣٣١، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥٢ /١٩١ح٢٤.

(٤٨٩)

٢ - صحة المؤمن ومناعته
إنّ الظلم والجور في البلاد هما سبب الفساد في الأرض، بما في ذلك الأمراض والعاهات, ولا يخفى ما خلّفته الحروب الطاحنة من دمار, وما سببته من فساد طال الحرث والنسل، وما خلّفته الأسلحة الفتاكة من عاهات وأمراض مزمنة لا زال الطب الحديث عاجزاً عن علاج الكثير منها، هذا مع ما يظهر بين الحين والآخر من أمراض جديدة بمسميات لم يعرفها التأريخ من قبل.
أما في عصر النور والسلام في دولة الإمام المهدي أرواحنا له الفداء, تنتهي تلك الحروب، ويتلاشى الظلم فلا أمراض ولا وباء، ولا شيء من ذلك كلّه ببركة انتشار العدل والسلام، فحينئذ يبرأ ببركته كلّ ذي عاهة من شيعته، ويقوى كلّ ضعيف منهم، وتصبح لديه مناعة من الأمراض.
روى الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى) عن الحسن بن ثوير بن أبي فاختة، عن أبيه، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: إذا قام قائمنا أذهب الله (عزَّ وجلَّ) عن شيعتنا العاهة، وجعل قلوبهم كزبر الحديد، وجعل قوة الرجل منهم قوة أربعين رجلاً، ويكونون حكام الأرض وسنامها.(1167)
وعن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من أدرك قائم أهل بيتي من ذي عاهة برأ, ومن ذي ضعف قوي.(1168)
٣ - قوة المؤمن الروحية والبدنية
في دولة الإمام المهدي (عليه السلام) يكون قلب المؤمن قوياً أشد من زبر الحديد، ومن الواضح إذا كان قلب المرء قوياً تضاعفت همته، وقوي نشاطه،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1167) الخصال, الشيخ الصدوق: ٥٤١ ح١٤, روضة الواعظين, الفتال النيسابوري: ٢٩٥.
(1168) الخرائج والجرائح، الراوندي:٢/ ٨٣٩ح٥٤، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥٢/ ٣٣٥ ح٦٨.

(٤٩٠)

وكثر عطاؤه، فيكون أكثر سعادة من ذي قبل، فليس هناك مايخاف منه، أو ما يعكر عليه صفو الحياة.
روى الشيخ الصدوق: عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث في صفة الإمام الحجة (عليه السلام) قال: إذا هزّ رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ووضع يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشدّ من زبر الحديد، وأعطاه الله تعالى قوة أربعين رجلاً.. الحديث.(1169)
وروى الشيخ المفيد، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): ألقي الرعب في قلوب شيعتنا من عدونا، فإذا وقع أمرنا وخرج مهدينا كان أحدهم أجرأ من الليث، أمضى من السنان، يطأ عدونا بقدميه ويقتله بكفيه.(1170)
وأخرج أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء: عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: إن الله تعالى يلقي في قلوب محبينا الرعب، فإذا قام قائمنا، وظهر مهدينا كان الرجل أجرأ من ليث، وأمضى من سنان.(1171)
وروي أيضاً عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام)، أنه قال: إذا قام قائمنا أهل البيت نزع البخل والجبن عن قلوب شيعتنا، فيقتل الرجل منهم المائة فلا يبالي بهم، ويشرف أهل هذا الأمر، ويحفظ نسلهم حتى تنقضي الدنيا، ويتقرب الناس إلى الإمام بزيارة قبور المؤمنين، ويزار قبر كل مؤمن من عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مشارق الأرض ومغاربها، ويقف المؤمن فيقول:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1169) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٦٥٣ ح١٧، كامل الزيارات، ابن قولويه: ٢٣٣ - ٢٣٤ح٥، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٢٨ ح٤٨.
(1170) الاختصاص، الشيخ المفيد: ٢٦.
(1171) ينابيع المودة، القندوزي الحنفي: ٣/ ٢٩٨ح٩، و٣٨٩ ح٢٥، عن كتاب حلية الأولياء: ٣/ ١٨٤. وفيه: (محبينا وأتباعنا) بدل (شيعتنا).

(٤٩١)

يا أخي قد وددت أنك باق حتى تشهد هذه الدولة فقد كنت توليت أهلها، وتناصبت عدوها، فبارك الله لك فيما أنت فيه، وثبتنا على ما كنت عليه.(1172)
استبشار الأموات وفرحتهم بظهوره (عليه السلام)
عند ظهور الإمام (عليه السلام) سوف تعمّ الفرحة جميع الأخيار في العالم بما فيهم الأموات في قبورهم، بحيث يتمنون العودة إلى الحياة لمشاهدة هذه الدولة الكريمة التي تبدد فيها الظلم، وساد فيها العدل، وزهق فيها الباطل إن الباطل كان زهوقا، والعاقبة للمتقين.
روى نعيم بن حماد المروزي: عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: يرضى عنه ساكن السماء, وساكن الأرض, لا تدع السماء من قطرها شيئاً إلا صبته، ولا الأرض من نباتها شيئاً إلا أخرجته حتى يتمنى الإحياء الأموات.(1173)
وروى الشيخ الصدوق بإسناده عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في ظهور الإمام المهدي (عليه السلام): ولا يبقى ميت إلا دخلت عليه تلك الفرحة (في قلبه) وهو في قبره، وهم يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بقيام القائم صلوات الله عليه.(1174)
قال ابن محبوب والحميري في حديث لهما عن الغيبة: فعند ذلك يأتي للناس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1172) شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي: ٣/ ٣٥٧ - ٣٥٨ ح١٢٢٠.
(1173) كتاب الفتن, نعيم بن حماد المروزي: ٢٢٢، المصنف، عبد الرزاق الصنعاني: ١١/ ٣٧١ - ٣٧٢ ح٢٠٧٧٠.
(1174) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٦٥٣ ح١٧، ومثله أيضاً في كامل الزيارات، ابن قولويه: ٢٣٣ - ٢٣٤ح٥، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٢٨ ح٤٨، و٣٢٥ ح٤٠، وراجع أيضاً: كمال الدين: ٦٧١ - ٦٧٢ح٢٢، الغيبة، النعماني: ٣٢١ - ٣٢٢ح٤.

(٤٩٢)

الفرج، ويود الأموات أن لو كانوا أحياء، ويشفي الله صدور قوم مؤمنين.(1175)
٤ - تطور وسائل الإتصال
لا يكون بين الإمام المهدي (عليه السلام) وبين الناس بريد, أو حاجب يحجبهم عنه، فكلّ الناس يرونه ويسمعونه أينما كانوا، فلا يحتاج الناس أن يتكبدوا عناء السفر ومشقة الطريق حتى يصلوا إليه، فلا يستأثر قوم به دون قوم، ولسوف يأتي ذلك الزمان الذي لا يكون بين الحاكم والمحكوم حاجب، فسوف يرى جميع الناس حينئذ الإمام ويسمعونه وهم في بيوتهم.
وما نشاهده في هذا العصر من التطور الهائل في أجهزة الاتصالات الحديثة من الوسائل المرئية وغيرها قد قرّبت إلينا هذا الأمر، إذ سوف يشهد الناس تطوراً هائلاً أعظم مما نراه اليوم في هذا العصر، قال أبو الربيع الشامي: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن قائمنا إذا قام مدَّ الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم، حتى لا يكون بينهم وبين القائم بريد، يكلّمهم فيسمعون وينظرون إليه، وهو في مكانه.(1176)
وهذا يعني أن مشاهدتهم له مشاهدة واقعية، فيقرّب الله لهم البعيد فيشاهدونه عياناً، فسبحان الذي بيده الملك، وهو على كلّ شيء قدير.
٥ - التطور الإقتصادي والإكتفاء الذاتي
عاش المجتمع البشري سنين وعهوداً طويلة يرزح تحت شبح الفقر والحرمان في ظل القوانين الوضعية التي ابتعدت عن منهج الإسلام، وعانى الأمرّين من سوء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1175) الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي: ٣ / ١١٦٦, مختصر بصائر الدرجات, الحسن بن سليمان الحلي: ٣٨.
(1176) الكافي، الكليني: ٨/ ٢٤٠ - ٢٤١ح٣٢٩، الخرائج والجرائح، القطب الراوندي: ٢/ ٨٤٠ - ٨٤١ح٥٨، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٦ ح٧٢.

(٤٩٣)

توزيع الثروة، وندر أن يشهد الإنسان في جميع مراحله اكتفاءً ذاتياً لا ينقصه شيء، وحتى الدول المتطورة اليوم باتت تعترف بهذا العجز، فمع تقدمها في الصناعة والتكنولوجيا الحديثة تتعالى الأصوات فيما بينهم وينادون بضرورة إصلاح المنهج الاقتصادي، ومعظم هذه الشعوب تشكوا الغلاء المتفاقم، وسوء التوزيع، وقلة الموارد البشرية، ويدعون إلى النهوض بتعزيزها، كما تعقد عدة مؤتمرات لحل هذه المشكلة، ولا تزال هذه المشكلة قائمة إلى يومنا هذا، ولم تنجع كل الحلول في ذلك، وحتى النظريات الاشتراكية تدهورت، والنظريات الرأسمالية أثبتت عجزها أمام تلبية حاجات المجتمع الإنساني الأساسية.
فما هو إذن سبب المشكلة الاقتصادية التي باتت تجتاح العالم بأسره، وتتفاقم يوماً بعد يوم، فهل يعود سبب ذلك كله إلى النمو الديمغرافي كما يقول بعضهم، أم هو بسبب نضوب الموارد البشرية وقلتها كما يدعي آخرون؟ أم ماذا؟ وما هو الطريق الناجع لحلها وعلاجها؟
أقول: يختصر لنا أمير المؤمنين علي (عليه السلام) الجواب في كلمة واحدة قبل ألف وأربع مائة سنة، ويوضح لنا السبب الرئيسي للجوع والفقر في العالم فيقول: (ما جاع فقير إلا بما متع به غني)(1177) إذن هو سوء التوزيع الذي دمّر البشر، وجار عليهم فحرمهم من حقوقهم، فجعل الناس بين طبقة غنية وأخرى فقيرة معدمة، وكذلك منع ما فرضه الله تعالى في أموال الأغنياء للفقراء، قال تعالى: (فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)(1178) وقال تعالى: (مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ).(1179)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1177) نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السلام): ٤ /٧٨، ح٣٢٨، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ١٩ /٢٤٠.
(1178) سورة الذاريات، الآية: ١٩.
(1179) سورة الحشر، الآية: ٧.

(٤٩٤)

قال الشيخ الطبرسي (رحمه الله تعالى): والدولة اسم للشيء الذي يتداوله القوم بينهم، يكون لهذا مرة، ولهذا مرة، أي: لئلا يكون الفيء متداولاً بين الرؤساء منكم، يعمل فيه كما كان يعمل في الجاهلية.(1180)
خطب معاوية يوماً فقال: إن الله تعالى يقول: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ، وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)(1181) فعلام تلوموني إذا قصرت في عطاياكم؟ فقال له الأحنف: وإنا والله لا نلومك على ما في خزائن الله، ولكن على ما أنزله الله لنا من خزائنه فجعلته في خزائنك، وحلت بيننا وبينه.(1182)
فحاشا لله تعالى أن يخلق الإنسان ثم لا يوفر له طعامه، ولوازم حياته، وأمر معاشه، قال تعالى: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ)(1183) وقال تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى الله رِزْقُهَا)(1184) وقال تعالى: (وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ).(1185)
ولكن الجور هو الذي يحيل بين الناس وبين معائشهم وحقوقهم في الحياة، والتعدي على موارد الحياة البشرية بلا حق، وإهدار المال العام في غير محله، قال تعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)(1186) فالإنسان هو الذي أعرض عن سبيل الله، وهو من أوجد الجوع والفقر، وخرب ودمر، واعتدى ونهب وأحرق، قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1180) تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ٩ / ٤٣٢.
(1181) سورة الحجر، الآية: ٢١.
(1182) المستطرف، الأبشيهي: ١/ ٥٨.
(1183) سورة الملك، الآية: ١٥.
(1184) سورة هود، الآية: ٦.
(1185) سورة الحجر، الآية: ٢٠.
(1186) سورة الأعراف، الآية: ٥٦.

(٤٩٥)

كَثِيرٍ)(1187) وقال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)(1188) وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)(1189) فإن الظلم والفساد في الأرض، والابتعاد عن منهج الإسلام وتعاليمه، هي أبرز عوامل شقاء البشر، وحرمانهم من خيرات الأرض والسماء.
ولكن في دولة الإمام المهدي (عليه السلام) سوف يكون الحال مختلفاً تماماً عما نشاهده اليوم من التفاوت الفاحش بين طبقات المجتمع، فحينما يشرق العدل على أرجاء المعمورة كلها سيأخذ كلُّ ذي حقٍّ حقّه من المال والثروة، فلا يخاف فقراً ولا ظلماً، ولسوف يعيش حياة رغيدة، واكتفاءً ذاتياً، فلا تعوزه حاجة، ولا يمد يده إلى أحد، ولسوف يصل الأمر أن لا يجد أحدٌ من الناس موضعاً لزكاته وصدقته، فليست هناك طبقة مستضعفة تستجدي المال، فوسائل العيش الكريمة، وسبل الراحة متاحة ومتوفرة لجميع الناس، فلا غلاء ولا قحط، كلّ ذلك نتيجة العدل، واستئصال شأفة الجور والظلم.
وحينها سوف ينبهر العالم كله بمعجزة هذا الإصلاح الذي لا يستثني أحداً من الناس، بعدما رأى ما رأى من الجور في ضل القوانين الوضعية، وسوء الإدارة التي عجزت أن تلبي حاجاته وطموحه..
ومن هنا نقف على الحكمة في كون دولة الإمام المهدي (عليه السلام) آخر الدول ليعترف العالم بأسره بالعجز عن تحقيق العدالة الإنسانية قبل دولة الإمام المهدي (عليه السلام)، روي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: دولتنا آخر الدول، ولن يبقى أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1187) سورة الشورى، الآية: ٣٠.
(1188) سورة طه، الآية: ١٢٤.
(1189) سورة الأعراف، الآية: ٩٦.

(٤٩٦)

ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).(1190)
وإليك هنا بعض الروايات التي تحكي طبيعة حياة الناس الاقتصادية والاكتفاء الذاتي في ضل دولة الإمام (عليه السلام)، وما يتمتع به كلُّ فرد من الحقوق المالية، فمنها ما يلي:
جاء في مسند أحمد بن حنبل: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس، وزلازل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلما, يرضى عنه ساكن السماء, وساكن الأرض، يقسّم المال صحاحاّ, فقال له رجل: ما صحاحاً, قال: بالسوية بين الناس.
قال: ويملأ الله قلوب أمة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) غنى، ويسعهم عدله حتى يأمر منادياً فينادي فيقول: من له في مال حاجة، فما يقوم من الناس إلا رجل، فيقول: ائت السدان يعني الخازن فقل له: إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالاً، فيقول له: احث حتى إذا جعله في حجره وأبرزه ندم, فيقول: كنت أجشع أمة محمد نفساً, أو عجز عني ما وسعهم.
قال: فيرده فلا يقبل منه، فيقال له: إنا لا نأخذ شيئاً أعطيناه، فيكون كذلك سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين ثم لا خير في العيش بعده، أو قال: ثم لا خير في الحياة بعده.(1191)
وجاء في سنن الترمذي: عن أبي سعيد الخدري قال: خشينا أن يكون بعد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1190) كتاب الغيبة، الشيخ الطوسي: ٤٧٢ح٤٩٣، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٢ ح٥٨.
(1191) مسند أحمد بن حنبل: ٣ / ٣٧، كتاب الفتن, نعيم بن حماد المروزي: ٢٢١، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥١ / ٩٢.

(٤٩٧)

نبينا حدث فسألنا نبي الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) فقال: إن في أمتي المهدي يخرج، يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً - زيد الشاك - قال: قلنا: وما ذاك؟ قال: سنين، قال: فيجئ إليه الرجل فيقول: يا مهدي أعطني أعطني، قال: فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله.
قال: هذا حديث حسن.(1192)
وروى نعيم بن حماد المروزي عن ابن شوذب عن مطر قال: ذكر عنده عمر بن عبد العزيز فقال: بلغنا أن المهدي يصنع شيئاً لم يصنعه عمر ابن عبد العزيز قلنا: ما هو؟ قال: يأتيه رجل فيسأله فيقول: ادخل بيت المال فخذ فيدخل فيأخذ فيخرج فيرى الناس شباعاً فيندم فيرجع إليه فيقول:خذ ما أعطيتني فيأبى ويقول: إنا نعطي ولا نأخذ.(1193)
وفي رواية أخرى أيضاً عن نعيم بن حماد المروزي (ولا تزرع الأرض شيئاً من النبات إلا أخرجته، والمال كدوس يقوم الرجل فيقول: يا مهدي أعطني فيقول: خذ).(1194)
ومثلها أيضاً عن الفتال النيسابوري: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):.. والمال كدوس، يأتيه الرجل فيسأله فيحثى له.(1195)
وفي صحيح مسلم: عن أبي يونس، عن أبي هريرة، عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قال: لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم ربُّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1192) سنن الترمذي: ٣/ ٣٤٣ ح٢٣٣٣، كنز العمال، المتقي الهندي: ١٤/ ٢٦٢ح٣٨٦٥٤.
(1193) كتاب الفتن, نعيم بن حماد المروزي: ٢٢١.
(1194) نفس المصدر السابق: ٢٢٣.
(1195) روضة الواعظين, الفتال النيسابوري: ٤٨٥.

(٤٩٨)

المال من يقبله منه صدقة، ويدعى إليه الرجل فيقول: لا إرب لي فيه.
وروى مسلم أيضاً عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجئ القاتل فيقول: في هذا قتلت! ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي! ويجيء السارق فيقول: في هذا قطعت يدي! ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً.(1196)
وعن الشيخ المفيد: عن علي بن عقبة، عن أبيه قال: إذا قام القائم.. ولا يجد الرجل منكم يومئذ موضعاً لصدقته ولا لبره، لشمول الغنى جميع المؤمنين.(1197)
٦ - النهضة الصناعية واستخراج كنوز الأرض
لا يزال الإنسان إلى الآن عاجزاً عن استخراج جميع كنوز الأرض ومواردها الغنية، وتوظيفها كما ينبغي، فلم يهتدِ إلا إلى القليل منها، وعلى يد المهدي (عليه السلام) يتم استخراج جميع كنوز الأرض وخيراتها التي عجز الناس عن الاهتداء إليها.
روي عند ظهور القائم مهدي الأنام (عليه السلام) إذا قام دلّه الله سبحانه وتعالى على الكنوز، فيأخذها من كلّ مكان.(1198)
وروى نعيم بن حماد المروزي: عن قتادة، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): إنه يستخرج الكنوز، ويقسم المال, ويلقي الإسلام بجرانه.(1199)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1196) صحيح مسلم: ٣/ ٨٤ - ٨٥.

(1197) الإرشاد, الشيخ المفيد: ٣٨٤ - ٣٨٥, بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٨ ح٨٣.
(1198) المقنعة، الشيخ المفيد: ٢٨٦، السرائر، ابن إدريس الحلي: ١/ ٥٠٢.
(1199) كتاب الفتن, نعيم بن حماد المروزي: ٢٢٢.

(٤٩٩)

ومما جاء في بعض خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذكر المهدي (عليه السلام) قال: وتخرج له الأرض أفاليذ كبدها، وتلقي إليه سلماً مقاليدها، فيريكم كيف عدل السيرة، ويحيي ميت الكتاب والسنة.(1200)
وفي رواية الشيخ المفيد: عن علي بن عقبة، عن أبيه(1201) قال: إذا قام القائم حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور، وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها، ورد كلّ حقّ إلى أهله، ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام، ويعترفوا بالإيمان، أما سمعت الله سبحانه يقول: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)(1202) وحكم بين الناس بحكم داود، وحكم محمد (صلّى الله عليه وآله) فحينئذ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها، ولا يجد الرجل منكم يومئذ موضعاً لصدقته ولا لبره، لشمول الغنى جميع المؤمنين, ثم قال: إن دولتنا آخر الدول، ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله تعالى: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).(1203)
٧ - الثروة الزراعية
يثمن الإسلام الثروة الزراعية، ويهتم بها اهتماماً بالغاً، وقد ورد الحث في العناية بهذه الثروة، وعدم إهمالها أو تضييعها، فمن ذلك على سبيل المثال ما ورد عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: أكرموا عمّتكم النخلة(1204) وروي عنه أيضاً قال (صلّى الله عليه وآله): إن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1200) نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السلام): ٢ / ٢٢، ينابيع المودة، القندوزي: ١ / ٢٠٧.
(1201) في كشف الغمة: روى علي بن عقبة عن أبي عبد الله (عليه السلام).. الخ
(1202) سورة آل عمران, الآية: ٨٣.
(1203) الإرشاد, الشيخ المفيد: ٣٨٤ - ٣٨٥, كشف الغمة، الإربلي: ٣/ ٢٦٤، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٨ ح٨٣.
(1204) مستدرك وسائل الشيعة، النوري: ١٦/ ٣٩١ح٢، مسند أبي يعلى الموصلي: ١/ ٣٥٣ح٤٥٥.

(٥٠٠)

قامت الساعة بيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل.(1205)
وقد ذكر بعض الفقهاء أن الزراعة أفضل المكاسب، وذلك لأن نفعها عميم على الناس وغيرهم من سائر المخلوقات، كما يفهم ذلك من بعض الروايات الشريفة.
جاء في كتاب (هداية العباد، للسيد الگلپايگاني (قدّس سرّه الشريف)): أفضل المكاسب الزرع والغرس(1206) وأفضله النخيل، فعن الباقر (عليه السلام) قال: (كان أبي يقول: خير الأعمال الحرث، تزرع فيأكل منه البر والفاجر - إلى أن قال: ويأكل منه البهائم والطير) وعن الصادق (عليه السلام): (إزرعوا واغرسوا، فلا والله ما عمل الناس عملاً أحل وأطيب منه) وعنه (عليه السلام): (الزارعون كنوز الأنام، يزرعون طيباً أخرجه الله (عزَّ وجلَّ)، وهم يوم القيامة أحسن الناس مقاماً وأقربهم منزلة، يدعون المباركين)
وكلنا يعلم قيمة هذه الثروة في حياة البشر عامة، وما لها من مردود إيجابي على معيشة الناس، فهي من موارد الاستهلاك الضرورية الحيوية، فبات من الضروري الاهتمام بها، وتنمية مواردها، لما لها من الأثر الكبير في تحسين معيشة الناس عامة.
وتحكي لنا روايات وأخبار عصر الظهور الشريف أن الأرض في أيام دولة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1205) مسند أحمد بن حنبل: ٣/ ١٩١، عمدة القاري، العيني: ١٢/ ١٥٥، قال القاري: واستدل به بعضهم على أن الزراعة أفضل المكاسب.
(1206) وقال البكري الدمياطي في إعانة الطالبين: ٢/ ٤٠٤: في شرح الروض (قوله: أفضل المكاسب: الزراعة) أي لأنها أقرب إلى التوكل، ولأن الحاجة إليها أعم.. وفي رواية: لا يغرس مسلم غرساً، ولا يزرع زرعاً، فيأكل منه إنسان ولا دابة، ولا شيء إلا ينقصه إلا أن ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه صدقة..

(٥٠١)

الإمام المهدي (عليه السلام) لا تحبس شيئاً من نباتها إلا أخرجته، ومعنى هذا سوف يشاهد الإنسان في عصره جميع أنواع نباتات الأرض التي لم يعهدها من قبل أينما كان، وبذلك تتشكل لديه موارد غنية بعطائها، فيعيش حالة الاكتفاء الذاتي، مما يضمن له حياة كريمة مستقرة، لا جوع ولا سغب فيها، ومن الروايات في ذلك ما يلي:
روى نعيم بن حماد المروزي: عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: لا تدع السماء من قطرها شيئاً إلا صبّته، ولا الأرض من نباتها شيئاً إلا أخرجته حتى يتمنى الإحياء الأموات.(1207)
وفي لفظ آخر عن الفتال النيسابوري: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): المهدي يكون في أمتي إن قصر عمره فسبع وإلا فثمان أو تسع، تنعم أمتي في زمانه نعيماً لم ينعموا مثله قط, البر منهم والفاجر، يرسل السماء عليهم مدرارا, ولا تحبس الأرض شيئاً من نباتها, والمال كدوس يأتيه الرجل فيسأله فيحثى له.(1208)
وفي رواية أيضاً عن نعيم بن حماد المروزي: ولا تزرع الأرض شيئاً من النبات إلا أخرجته، والمال كدوس، يقوم الرجل فيقول: يا مهدي أعطني فيقول: خذ.(1209)
وروى الطبراني: عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في حديث له: لا تمنع السماء شيئاً من قطرها, ولا الأرض شيئاً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1207) كتاب الفتن, نعيم بن حماد المروزي: ٢٢٢.
(1208) روضة الواعظين, الفتال النيسابوري: ٤٨٥، دلائل الإمامة، الطبري: ٤٧٧ح٧٢، كنز العمال، المتقي الهندي: ١٤/ ٢٧٤ح٣٨٧٠٦.
(1209) كتاب الفتن, نعيم بن حماد المروزي: ٢٢٣.

(٥٠٢)

من نباتها.(1210)
وجاء في رواية الشيخ الصدوق عن أمير المؤمنين (عليه السلام): ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأ خرجت الأرض نباتها إلى أن قال: حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلا على النبات وعلى رأسها زينتها (زنبيلها خ ل) لا يهيجها سبع ولا تخافه.(1211)
وفي صحيح مسلم: عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قال: لا تقوم الساعة حتى يكثر المال، ويفيض حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحداً يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً.(1212)
وفي ينابيع المودة: وقال (عليه السلام) يوماً على المنبر: لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً ورياضاً وأزهاراً.(1213)
٨ - الثروة الحيوانية
وهذا هو المورد الآخر الذي يعتمد عليه العالم في معيشته، فهو المصدر الأساسي لغذاء الإنسان، وهو الآخر أيضاً سوف يشهد تطوراً هائلاً لا سابق له في دنيا الحياة، مما يعزز معيشته ومتطلباته الحياتية، روى الحاكم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث, وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحاً, وتكثر الماشية، وتعظم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1210) المعجم الكبير, الطبراني: ١٩ / ٣٢ - ٣٣, كنز العمال, المتقي الهندي: ١٤ / ٢٦٦ح٣٨٦٦٩.
(1211) الخصال, الشيخ الصدوق: ٦٢٦، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ١٠ /١٠٤ و٥٢ / ٣١٦.
(1212) صحيح مسلم: ٣/ ٨٤ - ٨٥.
(1213) ينابيع المودة، القندوزي الحنفي: ٣/ ٢١١، المستدرك، الحاكم النيسابوري: ٤/ ٤٧٧، مجمع الزوائد، الهيثمي: ٧ / ٣٣١.

(٥٠٣)

الأمة، يعيش سبعاً أو ثمانياً يعني حججاً.
قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.(1214)
٩ - النهضة العمرانية
سوف تشهد البشرية في دولة الإمام (عليه السلام) نهضة عمرانية منقطعة النظير في أنحاء وأرجاء المعمورة، خلافاً لما تراه اليوم في معظم بلدان العالم من شحة في الأراضي والمباني السكنية مع كثرة ووفرة مساحات الأراضي الشاسعة في كلّ بلد، ومع ذلك تجد من لا يملك مأوى، ومن يرزح عشرات السنوات تحت وطأة أجور السكن الباهضة، هذا وقد كفل القانون الإلهي للإنسان قانون (الحيازة) الذي يتيح للإنسان أن يملك الأرض الموات بمجرد إحيائها، كما قرّره الفقهاء بشروطه(1215) ورووا: (من أحيا أرضاً من المؤمنين فهي له)(1216) (وإيما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عملوه فهم أحقّ بها وهي لهم).(1217)
وحينما يظهر الإمام المهدي (عليه السلام) يعمر الأرض فلا يبقى فيها محل إلا عُمر، وبهذا وأمثاله من توفر وسائل العيش الكريم، يعيش الإنسان نعمة الاكتفاء والراحة، وحينئذٍ يتحقق له ما عجز عن تحقيقه الأولون والآخرون.
روى الشيخ الصدوق: عن الإمام الباقر (عليه السلام): فلا يبقى في الأرض خراب إلا قد عُمّر... الحديث.(1218)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1214) المستدرك, الحاكم النيسابوري: ٤ / ٥٥٨، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥١ / ٨١.
(1215) راجع: كتاب الخلاف، الشيخ الطوسي: ٣/ ٣٢٥، تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي: ٢/ ٤٠٠، المغني، عبد الله بن قدامة: ٦/ ١٤٧، المحلى، ابن حزم: ٨/ ٢٣٣.
(1216) وسائل الشيعة، الحر العاملي: ٩/ ٥٤٩ ح١٣، سنن الترمذي: ٢/ ٤١٩ ح١٣٩٤.
(1217) وسائل الشيعة، الحر العاملي:٢٥/ ٤١١ ح١، صحيح البخاري: ٣/ ٧٠.
(1218) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٣٣١، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥٢ /١٩١ح٢٤.

(٥٠٤)

وعن الشيخ الطوسي: عن عبد الله بن سنان، عن أبيه، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن لي أرض خراج وقد ضقت بها أفأدعها؟ قال: فسكت عني هنيئة، ثم قال: إن قائمنا (عليه السلام) لو قد قام كان يصيبك(1219) من الأرض أكثر منها، وقال: ولو قد قام قائمنا (عليه السلام) كان للإنسان أفضل من قطائعهم.(1220)
١٠ - الوضع الإجتماعي لعامة الناس
في دولة الإمام المهدي (عليه السلام) يعم العدل كلّ الناس فيسود حينئذ التآلف بينهم على مختلف قومياتهم، وتذهب الشحناء من قلوبهم، وتتبدد جميع العداوات، وتزول الأحقاد، وتتلاشى الاختلافات بينهم، فلا نزاع ولا عداوة، ولا ظالم ولا مظلوم، وتصطلح حتى السباع والبهائم فيما بينها فضلاً عن الإنسان.
والسبب في ذلك يعود إلى انبساط العدل على أرجاء المعمورة، ولا شك أن لصلاح الإنسان آثاراً وضعية وإيجابية على الأرض، كما أن للظلم والجور أيضاً آثاراً سلبية, وعواقب وخيمة تعم سائر الناس.
روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: يا أبا ذر، إن الله يصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده، ويحفظه في دويرته، والدور حوله ما دام فيهم.(1221)
وروي عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إن الله يصلح بصلاح الرجل المسلم ولده، وولد ولده، وأهل دويرته، ودويرات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1219) في رواية الكافي: كان نصيبك في الأرض..
(1220) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي: ٧ / ١٤٩ح٩، الكافي، الشيخ الكليني: ٥/٢٨٣ ح٥.
(1221) الأمالي، الشيخ الطوسي: ٥٣٤، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٧٤ / ٨٣.

(٥٠٥)

حوله، ولا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم.(1222)
وعلى هذا لا يتم صلاح الحياة إلا أن يصلح الناس ما بينهم وبين الله تعالى ليصلح لهم جميع الأمور دنياً وأخرى.
ولنعم ما قاله أبو فراس الحمدوني في ذلك:

فليت الذي بيني وبينك عامرٌ * * * وبيني وبين العالمين خرابُ

ومن الروايات التي تحكي طبيعة هذه العلاقة الحميمة بين سائر الناس هو ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأ خرجت الأرض نباتها، ولذهب الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلا على النبات وعلى رأسها زينتها (زنبيلها خ ل) لا يهيجها سبع ولا تخافه.(1223)
أقول: وكل ذلك هو من أثر بسط العدل والقسط والصلاح في الأمة، والذي سيرسيه الإمام المهدي (عليه السلام) فيهم، ولا تقتصر حدوده على صلاح الناس وتآلفهم فحسب، بل سوف يتعداه إلى الوحوش والسباع، فهي الأخرى أيضاً سوف تصطلح وتتآلف مع البهائم الأخرى، بحيث (تقع الأمنة حتى ترتع الذئاب مع الغنم، والأسود مع البقر)(1224) وفي مسند أحمد بن حنبل عن النبي (صلّى الله عليه وآله): وتقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم...(1225)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1222) تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ٢/ ١٥٢.
(1223) الخصال, الشيخ الصدوق: ٦٢٦، بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ١٠ /١٠٤ و٥٢ / ٣١٦.
(1224) تفسير جوامع الجامع، الطبرسي: ١/٤٦٠.
(1225) مسند أحمد بن حنبل: ٢/ ٤٠٦، الدر المنثور، السيوطي: ٢/ ٢٤٢، عون المعبود، العظيم آبادي: ١١/٣٠٧.

(٥٠٦)

ولا عجب في ذلك مادام الأمر كله متوقف على صلاح الناس واستقامتهم، واستئصال شأفة الجور والظلم، فيصلح الله لهم الحياة بأسرها، ويريهم بركاته التي لا حدّ لها على يدي الإمام المهدي (عليه السلام).(1226)
١١ - الوضع الأمني في دولة الإمام (عليه السلام)
سوف يعيش الإنسان الأمان الذي طالما حلم به، فلا خوف من حروب ولا تعدي، بحيث يصل الأمر أن المرأة تسافر إلى أيّ بلد لا يتعرض إليها أحد، ولا تخاف لصاً أو سبعاً.
روى الشيخ المفيد: عن علي بن عقبة، عن أبيه قال: إذا قام القائم حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور، وأمنت به السبل..(1227)
وعن كعب قال: قال قتادة: المهدي خير الناس أهل نصرته وبيعته من أهل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1226) جاء في تأريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ٣٧/ ٢٣٤ عن الفضيل بن عياض، عن عبد الواحد بن زيد قال: سألت الله ثلاث ليال أن يريني رفيقي في الجنة فرأيت كأن قائلاً يقول: يا عبد الواحد رفيقك في الجنة ميمونة السوداء، فقلت: وأين هي؟ قال: في آل فلان بالكوفة، قال: وخرجت إلى الكوفة فسألت عنها، فقيل هي مجنونة بين ظهرانينا ترعى غنيمات، فقلت: أريد أن أراها قالوا: أخرج إلى الجنان فخرجت وإذا بها قائمة تصلي، وإذا بين يديها عكازة لها فإذا عليها جبة من صوف عليها مكتوب لا تباع ولا تشترى، وإذا الغنم مع الذئاب لا الذئاب تأكل الغنم ولا الغنم تفزع من الذئاب، فلما رأتني أوجزت في صلاتها، ثم قالت: ارجع يا ابن زيد، ليس الموعد ها هنا! إنما الموعد ثم، فقلت لها: رحمك الله وما يعلمك أني ابن زيد؟! فقالت: أما علمت أن الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف،.. إلى أن قال: فقلت لها: إني أرى هذه الذئاب مع الغنم! لا الغنم تفزع من الذئاب، ولا الذئاب تأكل الغنم، فأيش هذا؟! قالت: إليك عني فإني أصلحت ما بيني وبين سيدي فأصلح بين الذئاب والغنم.
(1227) الإرشاد, الشيخ المفيد:٢/ ٣٨٤ - ٣٨٥, بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٨ ح٨٣.

(٥٠٧)

كوفان واليمن وأبدال الشام, مقدمته جبريل، وساقته ميكائيل، محبوب في الخلائق، يطفئ الله تعالى به الفتنة العمياء، وتأمن الأرض حتى إن المرأة لتحج في خمس نسوة ما معهن رجل لا يتقي شيئاً إلا الله، تعطي الأرض زكاتها، والسماء بركتها.(1228)
وقد تقدم قريباً في الرواية (حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلا على النبات وعلى رأسها زنبيلها لا يهيجها سبع ولا تخافه).
١٢ - مدة حكم الإمام (عليه السلام) وحركة الفلك في زمانه
روى عبد الكريم الخثعمي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كم يملك القائم (عليه السلام)؟ فقال: سبع سنين، تطول له الأيام والليالي حتى تكون السنة من سنّيه مقدار عشر سنين من سنّيكم، فيكون سنّو ملكه سبعين سنة من سنّيكم هذه...(1229)
وعن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث له: ويأمر الله الفلك في زمانه فيبطئ في دوره حتى يكون اليوم في أيامه كعشرة أيام، والشهر كعشرة أشهر، والسنة كعشر سنين من سنيكم...(1230)
وروى الشيخ المفيد: عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث له.. قال: ويفتح قسطنطينية والصين وجبال الديلم، فيمكث على ذلك سبع سنين مقدار كلّ سنة عشر سنين من سنيكم هذه، ثم يفعل الله ما يشاء.
قال: قلت له: جعلت فداك فكيف تطول السنون؟ قال: يأمر الله تعالى الفلك باللبوث، وقلة الحركة فتطول الأيام لذلك والسنون، قال: قلت له: إنهم يقولون: إن الفلك إذا تغير فسد، قال: ذلك قول الزنادقة! فأما المسلمون فلا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1228) كتاب الفتن, نعيم بن حماد المروزي: ٢٢١.
(1229) الإرشاد, الشيخ المفيد:٢/ ٣٨١, بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٧ ح٧٧.
(1230) الغيبة، الشيخ الطوسي: ٤٧٥ح٤٩٨، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٣ ح٦١.

(٥٠٨)

سبيل لهم إلى ذلك، وقد شقّ الله القمر لنبيه، وردّ الشمس من قبله ليوشع بن نون، وأخبر بطول يوم القيامة وأنه (كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)(1231).(1232)
الدعائم التي يرسيها الإمام (عليه السلام) في دولته والإصلاحات
وإليك هنا بعض الأخبار والروايات في ملامح هذه الدولة الكريمة وما يرسيه فيهم من دعائم الخير التي تأخذ بأيديهم نحو العزة والكرامة، وما يقوم به من الإصلاحات، فمن ذلك ما يلي:
١ - تعليم الناس القرآن
يبث الإمام المهدي (عليه السلام) في الناس العلم والمعرفة، ويبدد جهلهم، ويظهر لهم علوم القرآن ذلك الدستور السماوي، فيعود القرآن من جديد غضاً بعدما لم يبق منه إلا اسمه ورسمه، قد عطّلت أحكامه، فيقوم الإمام المهدي (عليه السلام) بمهمة تعليم الناس القرآن كما هو، فيحيي بذلك أحكامه، كما جاء في الرواية: (ويحيي ميت الكتاب والسنة).(1233)
روى الشيخ المفيد عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: إذا قام قائم آل محمد (عليه السلام) ضرب فساطيط لمن يعلم الناس القرآن على ما أنزل الله (جلَّ جلاله) فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم، لأنه يخالف فيه التأليف.(1234)
قوله (عليه السلام): (لأنه يخالف فيه التأليف) لعله إشارة إلى كون القرآن في زمن الظهور هو القرآن الذي جمعه جده أمير المؤمنين (عليه السلام) على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1231) سورة الحج، الآية: ٤٧.
(1232) الإرشاد، الشيخ المفيد: ٢/ ٣٨٤ - ٣٨٥.
(1233) نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السلام): ٢ / ٢٢، ينابيع المودة، القندوزي: ١ / ٢٠٧.
(1234) الإرشاد, الشيخ المفيد: ٢ / ٣٨٦.

(٥٠٩)

التنزيل، فمن هذه الجهة يكون ترتيبه يختلف عما هو عليه الآن، والله العالم.
ويؤيد ذلك ما رواه الشيخ الكليني (رحمه الله تعالى) بإسناده عن سالم بن سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبد الله (عليه السلام) وأنا أستمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): كفّ عن هذه القراءة! اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم (عليه السلام) قرأ كتاب الله (عزَّ وجلَّ) على حدّه، وأخرج المصحف الذي كتبه عليٌّ (عليه السلام).
وقال: أخرجه عليّ (عليه السلام) إلى الناس حين فرغ منه وكتبه، فقال لهم: هذا كتاب الله (عزَّ وجلَّ) كما أنزله الله على محمد (صلّى الله عليه وآله) وقد جمعته من اللوحين، فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه، فقال: أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً، إنما كان عليَّ أن أخبركم (به)(1235) حين جمعته لتقرؤوه.(1236)
وروى الصفار: عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: ما من أحد من الناس يقول إنه جمع القرآن كلّه كما أنزل الله إلا كذّاب، وما جمعه وما حفظه كما أنزل الله إلا علي بن أبي طالب، والأئمة من بعده.(1237)
٢ - بث العلم في الناس والتطور العلمي والمعرفي عند الناس
سوف يسير الإمام المهدي (عليه السلام) بالناس نحو التقدّم والتطور العلمي والمعرفي حتى تصل البشرية إلى أرقى مدارج كمال العلم والمعرفة، فيشهد العالم حينئذ تطوراً هائلاً لم يشهده تأريخ البشر في حياتهم من قبل، هذا مع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1235) كما في بصائر الدرجات.
(1236) الكافي، الشيخ الكليني: ٢/ ٦٣٢ - ٦٣٣ ح٢٣، بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار: ٢١٣ ح٣.
(1237) بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار: ٢١٣ ح٢.

(٥١٠)

ما رأوه من إنجازات علمية، وتطور صناعي، واكتشاف واختراع، ومع ذلك كله سوف ينبهر هذا الإنسان في دولة الإمام المهدي (عليه السلام) بما تشهده الحياة فيها من تطور لا مثيل له في دنيا العالم، وسوف يتقدم العلم إلى أرقى مستوى له في حياة الناس، وذلك بما يبثه الإمام (عليه السلام) من العلم والمعرفة فيهم، ويوقفهم على أمور لم يهتدوا إليها من قبل، وبذلك تنموا عقولهم، وتتحقق أحلامهم وآمالهم، فسوف يعلم الإنسان حينئذ كيف يستفيد من قدراته الكامنة في نفسه ببركة الإمام (عليه السلام).
ومن الروايات التي جاءت في هذا الشأن ما يلي:
ما رواه الراوندي: عن أبان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: العلم سبعة وعشرون حرفاً، فجميع ما جاءت به الرسل حرفان، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثها في الناس، وضم إليها الحرفين، حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً.(1238)
وروى الشيخ الكليني: عن ابن أبي يعفور، عن مولى لبني شيبان، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم, وكملت بها أحلامهم.(1239)
وعن الراوندي: عن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع به عقولهم, وأكمل به أخلاقهم.(1240)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1238) الخرائج والجرائح، الراوندي: ٢/ ٨٤١ح٥٩، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٦ ح٧٣.
(1239) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٦٧٥ح٣٠، الكافي، الكليني: ١/ ٢٥ح٢١، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٢٨ ح٤٧.
(1240) الخرائج والجرائح، الراوندي: ٢/ ٨٤٠ ح٥٧، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٦ ح٧١.

(٥١١)

٣ - الناس سواء أمام القانون وردّ الحقوق إلى أهلها
من خصائص دولة الإمام (عليه السلام) أن جميع الناس سواء أمام القانون، وأن الأحكام الشرعية والحدود مرسومة على الجميع بغير استثناء، وسوف يأخذ كلّ ذي حقّ حقه، وتعود جميع الحقوق إلى أهليها.
روى الشيخ المفيد: عن علي بن عقبة، عن أبيه قال: إذا قام القائم حكم بالعدل.. ورد كلَّ حقٍّ إلى أهله(1241) وروى المجلسي (رحمه الله تعالى) عن مؤلفات بعض الأصحاب: عن المفضل، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في بيان ما يكون عند ظهور الإمام المنتظر (عليه السلام) قال المفضل: يا مولاي، من مات من شيعتكم وعليه دين لإخوانه ولأضداده كيف يكون؟ قال: أول ما يبتدئ المهدي (عليه السلام) أن ينادي في جميع العالم: ألا من له عند أحد من شيعتنا دين فليذكره حتى يرد الثومة والخردلة فضلاً عن القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والأملاك فيوفيه إياه.(1242)
٤ - تقسيم المال بالتساوي ووفرته
جاء في جملة من الأخبار الشريفة أن الناس يعيشون الرفاهية في عصر الظهور، ويرفلون بالنعم والغنى والسعادة والبهجة وعزة النفس، وينالون البركات، وينعمون بالخيرات، وهم مكرّمون معزّزون, فلا سائل ولا محروم، فإليك هنا بعض الأخبار الشريفة في هذا الأمر لترى ما أنعم الله تعالى على المؤمنين في آخر الزمان ببركة الإمام المهدي أرواحنا له الفداء.
روى الشيخ المفيد: عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1241) الإرشاد, الشيخ المفيد: ٣٨٤ - ٣٨٥, بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٨ ح٨٣
(1242) بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥٣ / ٣٤، ب٢٥.

(٥١٢)

السلام يقول: إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها، واستغنى العباد عن ضوء الشمس، وذهبت الظلمة، ويعمر الرجل في ملكه حتى يولد له ألف ذكر، لا تولد فيهم أنثى، وتظهر الأرض كنوزها حتى تراها الناس على وجهها، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله، ويأخذ من زكاته، لا يوجد أحد يقبل منه ذلك, استغنى الناس بما رزقهم الله من فضله.(1243)
وروى الشيخ الصدوق: عن جابر قال: أقبل رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) وأنا حاضر، فقال: رحمك الله اقبض هذه الخمسمائة درهم فضعها في موضعها فإنها زكاة مالي، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): بل خذها أنت فضعها في جيرانك والأيتام والمساكين، وفي إخوانك من المسلمين، إنما يكون هذا إذا قام قائمنا فإنه يقسم بالسوية، ويعدل في خلق الرحمان، البر منهم والفاجر، فمن أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله، فإنما سمي المهدي لأنه يهدي لأمر خفي، يستخرج التوراة وسائر كتب الله من غار بأنطاكية، فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل الفرقان بالفرقان، وتجمع إليه أموال الدنيا كلها ما في بطن الأرض وظهرها، فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام وسفكتم فيه الدماء, وركبتم فيه محارم الله، فيعطي شيئاً لم يعط أحداً كان قبله.
قال: وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): وهو رجل مني اسمه كاسمي يحفظني الله فيه, ويعمل بسنتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً بعد ما تمتلي ظلماً وجوراً وسوءاً.(1244)
وفي مسند أحمد: عن أبي سعيد وجابر قالا: قال رسول الله (صلّى الله عليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1243) الإرشاد، الشيخ المفيد: ٢/ ٣٨١، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٧ح٧٧.
(1244) علل الشرائع, الشيخ الصدوق: ١ / ١٦١ح٣.

(٥١٣)

[وآله] وسلم): يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده.(1245)
وفي رواية المروزي عن أبي سعيد، عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قال: يخرج في آخر الزمان خليفة يعطي المال بغير عدد.(1246)
٥ - يعطي الناس عطايا مرتين في الشهر وفي السنة
روى العلامة المجلسي (رحمه الله تعالى) في البحار عن كتاب سعد السعود للسيد بن طاووس (رحمه الله تعالى): عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام): إذا ظهر القائم ودخل الكوفة بعث الله تعالى من ظهر الكوفة سبعين ألف صدّيق، فيكونون في أصحابه وأنصاره، ويرد السواد إلى أهله، هم أهله، ويعطي الناس عطايا مرتين في السنة، ويرزقهم في الشهر رزقين، ويسوي بين الناس حتى لا ترى محتاجاً إلى الزكاة، ويجيء أصحاب الزكاة بزكاتهم إلى المحاويج من شيعته فلا يقبلونها، فيصرونها ويدورون في دورهم فيخرجون إليهم، فيقولون: لا حاجة لنا في دراهمكم.
وساق الحديث إلى أن قال: ويجتمع إليه أموال أهل الدنيا كلها من بطن الأرض وظهرها، فيقال للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدم الحرام، وركبتم فيه المحارم، فيعطي عطاءً لم يعطه أحدٌ قبله.(1247)
٦ - إصلاح المساجد والطرقات
روى الشيخ الطوسي: عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا قام القائم دخل الكوفة وأمر بهدم المساجد الأربعة حتى يبلغ أساسها ويصيرها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1245) مسند أحمد بن حنبل: ٣ / ٣٨، صحيح مسلم: ٨ / ١٨٥، المستدرك, الحاكم النيسابوري: ٤ / ٤٥٤.
(1246) كتاب الفتن, نعيم بن حماد المروزي: ٢٢١.
(1247) بحار الأنوار, الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٩٠ ح٢١٢.

(٥١٤)

عريشاً كعريش موسى، ويكون المساجد كلها جماء لا شُرف لها كما كان على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ويوسع الطريق الأعظم فيصير ستين ذراعاً، ويهدم كلّ مسجد على الطريق، ويسدّ كلّ كوة إلى الطريق, وكلّ جناح وكنيف وميزاب إلى الطريق...(1248)
وفي لفظ آخر كما في رواية الشيخ المفيد (رحمه الله تعالى): إذا قام القائم (عليه السلام) سار إلى الكوفة، فهدم بها أربعة مساجد، ولم يبق مسجد على الأرض له شُرف إلا هدمها، وجعلها جماء، ووسع الطريق الأعظم، وكسر كلّ جناح خارج عن الطريق، وأبطل الكنف والميازيب إلى الطرقات، ولا يترك بدعة إلا أزالها، ولا سنة إلا أقامها.. الحديث.(1249)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1248) كتاب الغيبة، الشيخ الطوسي: ٤٧٥ح٤٩٨، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٢ / ٣٣٣ ح٦١.
(1249) الإرشاد، الشيخ المفيد: ٢/ ٣٨٤.

(٥١٥)

ألطاف الإمام (عليه السلام) ورعايته لأوليائه
وإن غاب الإمام المهدي (عليه السلام) عن الناس ولكنهم ينتفعون من وجوده الشريف كما ينتفعون بالشمس حتى لو غطاها السحاب، كما أنه غوث للمؤمنين في نوائبهم، وهو الذي يحميهم بدعائه، ويحيطهم برعايته، ويحزن لهم، فليس هو بمنأى عنهم، شأنه شأن آبائه وأجداده الطاهرين (عليهم السلام) في رعاية شيعتهم وحمايتهم، روى الكشي عن رميلة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له: يا رميلة ليس من مؤمن يمرض إلا مرضنا لمرضه، ولا يحزن إلا حزنا لحزنه، ولا يدعو إلا أمنّا له، ولا يسكت إلا دعونا له.. إلى أن قال: يا رميلة ليس يغيب عنّا مؤمن في شرق الأرض ولا غربها.(1250)
كما أنهم (عليهم السلام) يعلّمون شيعتهم بما يحفظهم وما يحترسون به من شرِّ الأعداء، ذكر السيد ابن طاووس (رحمه الله تعالى) في مهج الدعوات أنه قيل للصادق (عليه السلام): بم احترست من المنصور عند دخولك عليه؟ فقال: بالله وبقراءة إنا أنزلناه، ثم قلت: يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله، إني أتشفع إليك بمحمد وآله صلّى الله عليهم أن تقلبه لي، فمن ابتلي بمثل ذلك فليصنع مثل صنعي، ولولا أننا نقرؤها، ونأمر بقراءتها شيعتنا لتخطّفهم الناس، ولكن هي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1250) اختيار معرفة الرجال، الشيخ الطوسي: ١/ ٣٢٠، بصائر الدرجات، الصفار: ٢٨٠ ح١.

(٥١٩)

والله لهم كهف.(1251)
وجاء في كتاب مولانا المهدي (عليه السلام) إلى الشيخ المفيد (رحمه الله تعالى): نحن وإن كنا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين، حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنا نحيط علماً بأنبائكم، ولا يعزب عنا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء أو اصطلمكم الأعداء...(1252)
وهذا ما نشاهده بالوجدان، فهذا التأريخ خير شاهد على ذلك، فكم جرى من اضطهاد وجور على شيعة آل البيت (عليهم السلام) على امتداد التأريخ، وناهيك ما فعله سلاطين الجور بهم من ملاحقات وتضييق، ومع ذلك تجد أن التشيع يأخذ دوره في الحياة متألقاً رغم ما جرى عليه من كيد الحاقدين، ومن هنا ندرك جداً رعاية الإمام المنتظر لشيعته وتسديدهم، وخصوصاً علماء وفقهاء المذهب فلولا رعايته (عليه السلام) ودعاؤه لهم، وألطافه بهم لذهب الجميع أدراج الرياح، وكانوا في طي النسيان، ولكن منَّ الله عليهم بسيد يرعاهم، ويحوطهم بعنايته،ويحزن لهم، وهنا نذكر شيئاً يسيراً من رعايته (عليه السلام) وألطافه بأوليائه:(1253)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1251) مهج الدعوات، السيد ابن طاووس: ٢٢٩، المصباح، الكفعمي: ٢٣١ - ٢٣٢.
(1252) الاحتجاج، الشيخ الطبرسي: ٢ / ٣٢٣ - ٣٢٤، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: ٥٣/ ١٧٥ح٧.
(1253) وإن أردت التوسع في هذا الموضوع فارجع إلى الكتب التالية:
كتاب: (النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجة الغائب (عليه السلام)) تأليف خاتمة المحدثين الشيخ حسين الطبرسي النوري (قدّس سرّه الشريف) فقد ذكر في الجزء الثاني في الباب السابع ص ٥١ - ٣٢٨ مئة حكاية من حكايات، وقصص الذين وصلوا إلى خدمة الإمام صاحب الزمان (عليه السلام).
وكتاب (معاجز الإمام المهدي (عليه السلام)) تأليف السيد هاشم البحراني، الكتاب مستل من كتابه القيم (مدينة المعاجز) تحقيق علاء الدين الأعلمي، الطبعة الأولى سنة ١٤٢٧، نشر انتشارات كلمة الحق.
وكتاب: (الأربعون حديثاً في المهدي (عليه السلام)) للسيد جلال الموسوي، نشر مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عليه السلام). فقد ذكر فيه أربعين حكاية لبعض من تشرف بالإمام (عليه السلام).
وكتاب: (آثار وبركات الإمام المهدي (عليه السلام) في دار الدنيا) للسيد هاشم الناجي الموسوي الجزائري، طبع في قم المقدسة - إيران.
وكتاب: (كرامات الإمام المهدي (عليه السلام))، تأليف فارس فقيه، نشر دار المحجة البيضاء، بيروت - لبنان.

(٥٢٠)

١ - تأبين الشيخ المفيد (رحمه الله تعالى)
الشيخ المفيد، هو: محمد بن محمد بن النعمان، البغدادي، يعرف بابن المعلم، من أعاظم علماء الإمامية وأكبر شخصية شيعية ظهرت في القرن الرابع، انتهت إليه رئاسة متكلمي الشيعة في عصره، كان كثير التقشف والتخشع والإكباب على العلم، وكان فقيهاً متقدماً فيه، حسن الخاطر دقيق الفطنة، حاضر الجواب، قال فيه بعضهم: إنه لو أراد أن يبرهن للخصم أن الأسطوانة من ذهب وهي من خشب لاستطاع لقوته في المناظرة والاحتجاج، وله قريب من مائتي مصنف، ولد سنة ٣٣٨هـ وتوفي سنة ٤١ ٣هـ وكان يوم وفاته يوماً لم ير أعظم منه من كثرة الناس للصلاة عليه، وكثرة البكاء من المخالف والموافق، وقيل شيعه ثمانون ألفاً من الناس وصلى عليه الشريف المرتضى، ودفن بجوار الإمامين الكاظمين (عليهما السلام).(1254)
قال القاضي نور الله المرعشي الشوشتري الشهيد في مجالس المؤمنين:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1254) راجع: أوائل المقالات في المذاهب والمختارات، للشيخ المفيد المقدمة: ١٦، سير أعلام النبلاء، الذهبي: ١٧/ ٣٤٤ رقم: ٢١٣، تاريخ بغداد: ٣/ ٤٤٩، ترجمة رقم:١٦١٥، الذريعة، آغا بزرك الطهراني: ٢/ ٢٠٩.

(٥٢١)

وُجدَت على قبره رقعة مكتوب فيها:

لا صوت الناعي بفقدك إنه * * * يومٌ على آل الرسول عظيمُ
إن كنت قد غُيّبت في جدث الثرى * * * فالعلمُ والتوحيدُ فيك مقيمُ
والقائمُ المهدي يفرحُ كلما * * * تليت عليك من الدروس علومُ

فقيل: إن الرقعة كانت من القائم (عجَّل الله فرجه).(1255)
٢ - الشيخ الصدوق (رحمه الله) - ولد بدعاء الإمام - (عليه السلام)
هو الشيخ الأجل، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه المشتهر بالصدوق، والده: هو علي بن الحسين القمي، أبو الحسن شيخ القميين في عصره، ومتقدمهم وفقيههم وثقتهم، ولد (رحمه الله) في قم، بعد سنة ٣٠٥ه‍، وتوفي سنة ٣٨١ه‍.
ترعرع ونشأ بين يدي أبيه العالم الكامل الفقيه الثقة نحو عشرين سنة، فقرأ عليه وأخذ عنه، من مصنفاته: عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، معاني الأخبار، التوحيد، الأمالي، الخصال، ثواب الأعمال، علل الشرائع، كمال الدين وتمام النعمة، من لا يحضره الفقيه، المقنع، الهداية، وغيرها.
وقد أجمعت الطائفة على تقدمه وجلالته، قال النجاشي: ورد بغداد وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن(1256) وقال في حقه الشيخ الطوسي: جليل القدر، كان جليلاً حافظاً للأحاديث، بصيراً بالرجال، ناقداً للأخبار، لم ير في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه، له نحو من ثلاثمائة مصنف.(1257)
وقال عنه السيد بحر العلوم: شيخ مشايخ الشيعة، وركن من أركان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1255) راجع: المقنعة, الشيخ المفيد: ٢١، الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي: ٣/ ١٩٩.
(1256) راجع: رجال النجاشي: ٣٨٩.
(1257) الفهرست، الشيخ الطوسي: ١٥٧، رقم: ٦٩٥.

(٥٢٢)

الشريعة، رئيس المحدثين، والصدوق فيما يرويه عن الأئمة الصادقين (عليهم السلام) ولد بدعاء صاحب الأمر والعصر (عليه السلام) ونال بذلك عظيم الفضل والفخر، ووصفه الإمام (عليه السلام) في التوقيع الخارج من الناحية المقدسة بأنه: فقيه خير مبارك ينفع الله به، فعمت بركته الأنام، وانتفع به الخاص والعام، وبقيت آثاره ومصنفاته مدى الأيام، وعمّ الانتفاع بفقهه وحديثه: فقهاء الأصحاب ومن لا يحضره الفقيه من العوام، لم ير في القميين مثله في حفظه، ووسعة علمه، وكثرة تصانيفه.(1258)
هذا الرجل العظيم بلغ إلى ما بلغ إليه في العلم والتصنيف والشهرة بين أعلام الطائفة ما هو إلا ببركة نفحات مولانا الإمام المنتظر (عليه السلام)، فقد ولد بفضل دعائه ولطفه، روى الشيخ الطوسي (رحمه الله تعالى) بإسناده، عن علي بن الحسن بن يوسف الصائغ القمي، ومحمد بن أحمد بن محمد الصيرفي - المعروف بابن الدلال - وغيرهما من مشايخ أهل قم: أن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه كانت تحته بنت عمه، محمد بن موسى بن بابويه فلم يرزق منها ولداً، فكتب إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح - (رضي الله عنه) - أن يسأل الحضرة أن يدعو الله، أن يرزقه أولاداً فقهاء، فجاء الجواب: إنك لا ترزق من هذه، وستملك جارية ديلمية، وترزق منها ولدين فقيهين.(1259)
قال الشيخ الصدوق (رضي الله عنه): كان أبو جعفر محمد بن علي الأسود (رضي الله عنه) كثيراً ما يقول لي إذا رآني أختلف إلى مجلس شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه)، وأرغب في كتب العلم وحفظه: ليس بعجب أن تكون لك هذه الرغبة في العلم، وأنت ولدت بدعاء الإمام (عليه السلام).(1260)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1258) الفوائد الرجالية، السيد محمد مهدي بحر العلوم: ٣/ ٢٩٢ - ٢٩٦.
(1259) كتاب الغيبة، الشيخ الطوسي: ٣٠٨ - ٣٠٩، رقم: ٢٦١.
(1260) كمال الدين وتمام النعمة, الشيخ الصدوق: ٥٠٣.

(٥٢٣)

٣ - نجاة أحد الصالحين ببركة الإمام (عليه السلام)
ذكر العلامة المجلسي (رحمه الله تعالى) من كتاب السلطان المفرج عن أهل الإيمان، قال: ومن ذلك ما نقله عن بعض أصحابنا الصالحين من خطه المبارك ما صورته: عن محيي الدين الأربلي أنه حضر عند أبيه ومعه رجل فنعس فوقعت عمامته عن رأسه فبدت في رأسه ضربة هائلة! فسأله عنها؟ فقال له: هي من صفين، فقيل له: وكيف ذلك ووقعة صفين قديمة؟! فقال: كنت مسافراً إلى مصر فصاحبني إنسان من غزة(1261) فلما كنا في بعض الطريق تذاكرنا وقعة صفين، فقال لي الرجل: لو كنت في أيام صفين لروّيت سيفي من عليّ وأصحابه، فقلت: لو كنت في أيام صفين لرويت سيفي من معاوية وأصحابه! وها أنا وأنت من أصحاب علي (عليه السلام) ومعاوية..!
فاعتركنا عركة عظيمة، واضطربنا فما أحسست بنفسي إلا مرمياً لما بي، فبينما أنا كذلك وإذا بإنسان يوقظني بطرف رمحه! ففتحت عيني فنزل إليَّ ومسح الضربة فتلاءمت، فقال: البث هنا، ثم غاب قليلاً وعاد ومعه رأس مخاصمي مقطوعاً والدواب معه، فقال لي: هذا رأس عدوك! وأنت نصرتنا فنصرناك، ولينصرن الله من نصره، فقلت: من أنت؟ فقال: فلان بن فلان يعني صاحب الأمر (عليه السلام)، ثم قال لي: وإذا سئلت عن هذه الضربة، فقل ضربتها في صفين.(1262)
فانظر كيف نجا هذا الرجل الموالي ببركة مولانا الإمام المهدي (عليه السلام) الذي داواه وحماه وقتل عدوه، وانتقم له في الحال.

بأبي من له مطاعنُ كف * * * لا يداوي من الردى كلماها
هذه من علاه إحدى المعالي * * * وعلى هذه فقس ما سواها

أقول: وما تقدم مصداق لقول النبي (صلّى الله عليه وآله) في حقّ علي عليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1261) بلد بفلسطين يقال: بها مات هاشم بن عبد مناف.
(1262) بحار الأنوار، المجلسي: ٥٢/ ٧٥ح٥٥.

(٥٢٤)

السلام: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، وأعن من أعانه.(1263)
وفي رواية: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من يبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.
قال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، غير فطر بن خليفة وهو ثقة.(1264)
وفي رواية أخرى عن الحاكم النيسابوري عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وهو يقول: هذا أمير البررة، قاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، ثم مد بها صوته.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.(1265)
قال المناوي في شرح الحديث: (منصور) من عند الله (من نصره) أي معان من عند الله مؤيد بقوته (مخذول من خذله) أي متروك من رعاية الله وإعانته.(1266)
هذا وقد جاء في الرواية عن مولانا الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) قال: من أعاننا بلسانه على عدونا أنطقه الله بحجته يوم موقفه بين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1263) راجع: المعجم الكبير، الطبراني: ٤/ ١٧، و٥/ ١٩٢، مسند أحمد بن حبل: ١/ ١١٨، خصائص أمير المؤمنين، النسائي: ١٠٣، السنن الكبرى، النسائي: ٥/ ١٣٦ ح٨٤٨٣ و٨٤٨٤، المستدرك، الحاكم:٣/ ١١٠، و١١٦، و٣٧١، مجمع الزوائد، الهيثمي: ٩/ ١٠٤ - ١٠٥، السيرة النبوية، ابن كثير: ٤/ ٤١٨.
(1264) مجمع الزوائد، الهيثمي: ٩/ ١٠٥.
(1265) المستدرك، الحاكم: ٣/ ١٢٩، كنز العمال، المتقي الهندي: ١١/ ٦٠٣ح٣٢٩٠٩.
(1266) فيض القدير، المناوي: ٤/ ٤٦٩، رقم: ٥٥٩١.

(٥٢٥)

يديه (عزَّ وجلَّ).(1267)
اللهم اجعلنا من أنصارهم الذين اخترتهم لدينك بمحمد وآله الطاهرين، صلواتك عليهم أجمعين.
٤ - إستغاثة أبي الوفاء الشيرازي بالإمام (عليه السلام) وخروجه من السجن
قال قطب الدين الراوندي (رحمه الله تعالى): حدّث أبو الوفاء الشيرازي قال: كنت مأسوراً بكرمان في يد ابن الياس مقيداً مغلولاً، فوقفت على أنهم همّوا بقتلي! فاستشفعت إلى الله تعالى بمولانا أبي محمد علي بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام)، فحملتني عيني، فرأيت في المنام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو يقول: لا تتوسل بي، ولا بابنتي، ولا بابني في شيء من عروض الدنيا، بل للآخرة، ولما تؤمل من فضل الله تعالى فيها.
وأما أخي أبو الحسن فإنه ينتقم لك ممن ظلمك، فقلت: يا رسول الله أليس ظلمت فاطمة (عليها السلام)، فصبر وغصب على إرثك فصبر، فكيف ينتقم لي ممن ظلمني؟!
فقال (صلّى الله عليه وآله): ذاك عهد عهدته إليه وأمر أمرته به، ولم يجز له إلا القيام به، وقد أدى الحق فيه، والآن فالويل لمن يتعرض لمواليه، وأما علي بن الحسين فللنجاة من السلاطين، ومن معرّة الشياطين، وأما محمد ابن علي وجعفر بن محمد فللآخرة، وأما موسى بن جعفر فالتمس به العافية, وأما علي بن موسى فللنجاة من الأسفار في البر والبحر، وأما محمد بن علي فاستنزل به الرزق من الله تعالى, وأما علي بن محمد فلقضاء النوافل وبرّ الإخوان، وأما الحسن بن علي فللآخرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1267) الأمالي، الشيخ المفيد: ٣٣ح٧.

(٥٢٦)

وأما الحجة فإذا بلغ منك السيف المذبح - وأومأ بيده إلى الحلق - فاستغث به فإنه يغيثك، وهو غياث وكهف لمن استغاث به، فقلت: يا مولاي يا صاحب الزمان أنا مستغيث بك، فإذا أنا بشخص قد نزل من السماء تحته فرس وبيده حربة من نور، فقلت: يا مولاي اكفني شرّ من يؤذيني.
فقال: قد كفيتك، فإنني سألت الله (عزَّ وجلَّ) فيك، وقد استجاب دعوتي، فأصبحت فاستدعاني ابن الياس وحلّ قيدي، وقال: بمن استغثت؟ فقلت: استغثت بمن هو غياث المستغيثين حتى سأل ربه (عزَّ وجلَّ)، والحمد لله ربّ العالمين.(1268)
٥ - لطفه مع العلامة الحلي
ذكر السيد الشهيد القاضي نور الله الشوشتري في مجالس المؤمنين في ترجمة آية الله العلامة الحلي (قدّس سرّه) أن من جملة مقاماته العالية، أنه اشتهر عند أهل الإيمان أن بعض علماء أهل السنة ممن تتلمذ عليه العلامة في بعض الفنون ألف كتاباً في رد الإمامية، ويقرأ للناس في مجالسه ويضلهم، وكان لا يعطيه أحداً خوفاً من أن يرده أحد من الإمامية، فاحتال (رحمه الله) في تحصيل هذا الكتاب إلى أن جعل تتلمذه عليه وسيلة لأخذه الكتاب منه عارية، فالتجأ الرجل واستحيى من رده وقال: إني آليت على نفسي أن لا أعطيه أحداً أزيد من ليلة، فاغتنم الفرصة في هذا المقدار من الزمان، فأخذه منه وأتى به إلى بيته لينقل منه ما تيسر منه.
فلما اشتغل بكتابته وانتصف الليل، غلبه النوم، فحضر الحجة (عليه السلام) وقال: ناولني الكتاب وخذ في نومك فانتبه العلامة وقد تم الكتاب باعجازه (عليه السلام).(1269)
وجاء في هامش الكتاب والكلام للعلامة المجلسي (رحمه الله تعالى): ورأيت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1268) الدعوات, قطب الدين الراوندي: ١٩١ ح٥٣٠.
(1269) بحار الأنوار، المجلسي: ٥٣/ ٢٥٦ (الحكاية الثانية والعشرون)، الزام الناصب في إثبات الحجة الغائب، الشيخ علي اليزدي الحائري: ٢/ ٢٨.

(٥٢٧)

هذه الحكاية في مجموعة كبيرة، من جمع الفاضل الألمعي علي بن إبراهيم المازندراني وبخطه، وكان معاصراً للشيخ البهائي (رحمه الله)، هكذا: الشيخ الجليل جمال الدين الحلي، كان علامة علماء الزمان - إلى أن قال -: وقد قيل: إنه كان يطلب من بعض الأفاضل كتاباً لينسخه، وهو كان يأبى عليه، وكان كتاباً كبيراً جداً، فاتفق أن أخذه منه شرطاً بأن لا يبقى عنده غير ليلة واحدة، وهذا كتاب لا يمكن نسخه إلا في سنة أو أكثر.
فآلى به الشيخ (رحمه الله)، وشرع في كتابته في تلك الليلة فكتب منه صفحات ومله، وإذا برجل دخل عليه من الباب بصفة أهل الحجاز، فسلّم وجلس، ثم قال: أيها الشيخ أنت مصطر لي الأوراق وأنا أكتب.
فكان الشيخ يمصطر له الورق، وذلك الرجل يكتب، وكان لا يلحق المصطر بسرعة كتابته، فلما نقر ديك الصباح وصاح، وإذا الكتاب بأسره مكتوب تماماً.
وقد قيل: إن الشيخ لما مل الكتابة نام فانتبه فرأى الكتاب مكتوباً، والله أعلم.
٦ - لطفه بزائريه في سرداب سامراء
قال الشيخ علي اليزدي الحائري: حدثني الثقة الأمين آغا محمد المجاور لمشهد العسكريين المتولي لأمر الشموعات لتلك البقعة العالية فيما ينيف على أربعين سنة قال: كان رجل من أهل سامراء من أهل الخلاف يسمى مصطفى الجمود وكان من الخدام الذين ديدنهم أذية الزوار وأخذ أموالهم بطريق فيها غضب الجبار، وكان أغلب أوقاته في السرداب المقدس على الصفة الصغيرة خلف الشباك الذي وصفه هناك من الزوار ويشتغل بالزيارة، يحول الخبيث بينه وبين مولاه فينبهه على الأغلاط المتعارفة التي لا يخلو أغلب العوام منها بحيث لم يبق لهم حالة حضور وتوجه أصلاً، فرأى ليلة في المنام الحجة من الله الملك العلام (عليه السلام) فقال له: إلى متى تؤذي زواري ولا تدعهم أن يزوروا؟ ما لك والدخول في ذلك؟ خل بينهم وبين ما

(٥٢٨)

يقولون! فانتبه وقد أصم الله أذنيه، فكان لا يسمع بعده شيئاً، واستراح منه الزوار، وكان كذلك إلى أن ألحقه الله بأسلافه في النار.(1270)
٧ - رؤيا السيد باقر الهندي الإمام (عليه السلام) في المنام
هو السيد باقر بن محمد بن هاشم بن شجاعت علي الهندي الموسوي النجفي عالم، شاعر، ولد بالنجف سنة ١٢٨٤، ونشأ على أبيه، وسافر معه إلى سامراء، وأخذ فيها مقدمات العلوم وشيئاً من الفقه والأصول على الشيخ محمد طه نجف والميرزا المحلاتي، وسافر إلى النجف، فأخذ عن بعض علمائها، من آثاره: دين الفطرة، وله شعر كثير في اللغتين الفصحى والعامية في المديح والمراثي، طبع له (ديوان السيد باقر الهندي) توفي (رحمه الله تعالى) سنة ١٣٢٩، ودفن في دارهم مع أبيه في محلة الحويش.(1271)
حدّث الشيخ محمد السماوي: عن السيد العالم الفاضل الأديب السيد باقر بن محمد بن هاشم بن مير شجاعت علي الرضوي الهندي النجفي، المتوفى سنة ١٣٢٩، قال: رأيت في منامي المهدي - (عجَّل الله فرجه) وسهل مخرجه - ليلة الغدير حزيناً باكياً، فجئت إليه وسلمت عليه وقبلت يديه، وكأنه يفكر، فقلت: يا سيدي، إن هذه أيام فرح وسرور بعيد الغدير وأراك حزيناً تبكي؟!
فقال: ذكرت أمي الزهراء وحزنها، ثم أنشد يقول:

لا تراني اتخذتُ لا وعلاها * * * بعد بيت الأحزان بيت سرورِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1270) الزام الناصب في إثبات الحجة الغائب، الشيخ علي اليزدي الحائري: ٢/ ٦٠، (الحكاية السادسة والثلاثون) بحار الأنوار، المجلسي: ٥٣/ ٢٧٥ (الحكاية التاسعة والثلاثون).
(1271) راجع: الذريعة، آغا بزرك الطهراني: ٩/ ١٢٣، علي في الكتاب والسنة والأدب، الحاج حسين الشاكري: ٥/ ٤١، معجم المؤلفين، عمر كحالة: ٣/ ٣٧.

(٥٢٩)

قال: فانتبهت من نومي، ونظمت قصيدة في أحوال الغدير، وذكرت الزهراء (عليها السلام)، وذكرت بيته (عليه السلام)، والقصيدة هي:

كلُّ غدر وقولُ إفك وزور * * * هو فرعٌ عن جحد نصّ الغديرِ
فتبصّر تُبصر هداك إلى الحق * * * فليس الأعمى به كالبصيرِ(1272)

٨ - نجاة قافلة تاهت في الصحراء بعدما كادت أن تموت من العطش
حدّث الشيخ عبد العظيم المهتدي البحراني عن المرحوم آية الله العظمى السيد عبد الأعلى السبزواري أعلى الله مقامه الشريف أنه لما كان في الأربعين من عمره الشريف قال: خرجنا مع قافلة الحاج السيد إسماعيل حبل المتين في حافلة (باص) من إيران قاصدين حج بيت الله الحرام, ولما دخلنا الأراضي الصحراوية للجزيرة العربية ضل السائق طريق مكة المكرمة, وأخذ يضرب يمنة ويسرة من دون جدوى حتى نفذ وقود محرك السيارة.. فنزلنا منها بحال يرثى لها, ألقينا النظر إلى ما حولنا فلم نجد سوى صحراء قاحلة, ولا أثر لذي حياة ولا دابة ولا جادة.
مضت ساعات نفذ الماء وانتهى الطعام أيضاً, وأخذ أملنا في النجاة يضعف تدريجياً ويخمد.. إنها كانت لحظات في منتهى الرعب، وفي غاية من القسوة..! إذ كان شبح الموت يدنو إلينا بخطاه الموحشة.
بعض ممد, قد سلّم أمره إلى الله.. وبعض آخر منطو على نفسه يائس من الحياة، وهو يفكر في أهله وماله الذي خلّفه في وطنه, وقام بعض منّا يحفر قبراً لنفسه ليرقد فيه لدى اللحظة الأخيرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1272) ظرافة الأحلام, السماوي: ٨١ - ٨٢، مجلة تراثنا, مؤسسة آل البيت (عليهم السلام): ١٢ / ٧٧ - ٧٨ ص ٧٨، وجاء في الهامش: وقد أورد الشيخ السماوي أبياتاً من هذه القصيدة وقد وردت الحكاية في أدب الطف: ٨ / ٢٢٥، ويختلف هذا النقل عن نقل السماوي في زمان المنام، فيذكر أدب الطف زمانه في ليلة الثالث من جمادى الآخر، وما نقله السماوي أنسب يظهر ذلك بالتأمل في نفس الحكاية والقصيدة.

(٥٣٠)

يقول السيد السبزواري (رحمه الله تعالى): وأما أنا فأخذت في هذه الساعة أبحث عن نافذة للهروب منها إلى الحياة، وإنقاذ هؤلاء الأشخاص أيضاً, وليس هناك طريق سوى الهروب إلى واهب الحياة، وخالقنا القوي المتعال.
وبينما كنت أتأمل في هذه الحال! وإذا بي أتذكر القيام بصلاة جعفر الطيار، والتوسل بها إلى الله تعالى.
أخذت سجادتي وابتعدت قليلاً حتى صرت لا أرى أمامي أحداً يشغلني عن التوجه إلى الله (عزَّ وجلَّ).
ولما أصبحت على وشك الانتهاء منها سمعت أحد الركاب يناديني: أسرع يا سيد, تعال فإننا ننتظرك أنت فقط.
نظرت إلى الوراء فرأيت أصحابي كلهم جالسين في السيارة مستعدين للحركة, جئت فوجدت كلّ شيء جاهزاً، وماكنة السيارة تشتغل.
قلت: ما الذي حدث؟
قالوا: إن فارساً جاء فأطعمنا وأروانا, وأمر السائق بتشغيل السيارة, فاشتغلت كما ترى, ثم أشار بيده إلى تلك الجهة, وقال: إنها طريق مكة المكرمة, ولما أراد الرحيل قال: نادوا السيد، وبلّغوه سلامي.
وهكذا تحركنا على ذات الاتجاه المشار إليه فوصلنا إلى مكة المكرمة سالمين.
فسلام الله عليه وتحياته وصلواته روحي لتراب مقدمه الفدا.
إنه على ما يبدو كان سيدي ومولاي الحجة بن الحسن المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف).(1273)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1273) قصص وخواطر, الشيخ عبد العظيم المهتدي: ١٤٩ - ١٥١.

(٥٣١)

قد تناول الشعراء والأدباء غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) في أشعارهم وقصائدهم، وذلك قبل ولادته كما في شعر السيد الحميري المتوفى سنة ١٧٣، وكذلك دعبل الخزاعي المتوفى سنة ٢٤٦ وغيرهما، قديماً وحديثاً، وقد ضمنوا في أشعارهم أيضاً المدح والندبة والاستنهاض للإمام (عليه السلام)، وغير ذلك من الأغراض الأخرى، هذا وقد ضمت موسوعات الشعر عندنا، وكذلك كتب الأدب المتنوعة، والدواوين الشعرية الشيء الكثير حول الإمام (عليه السلام) وما يرتبط به، كما أُلفت كتب خاصة حول هذا الموضوع.(1274)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1274) وأخص بالذكر هنا من الكتب القيمة في ذلك ما يلي:
كتاب (الموسوعة الشعرية المهدوية) في عشرة أجزاء، للفاضل الحاج عبد القادر أبو المكارم المولود سنة ١٣٦٢، طبع عام ١٤٣١، نشر دار العلوم بيروت - لبنان، فقد ذكر فيها نحو (٥٠٣) من الشعراء قديماً وحديثاً في مدح وندبة الإمام المهدي (عليه السلام).
وكتاب (المهدي المنتظر في الشعر والنثر العربي) (ملحق بموسوعة المصطفى والعترة (عليهم السلام)) تأليف الحاج حسين الشاكري، طبع عام ١٤٢١، نشر الهادي، قم - إيران.
وكتاب (الأمل الموعود): للأخ الحاج لؤي محمد شوقي آل سنبل في الجزء الثاني والثالث من كتابه، فقد ذكر فيهما جملة وافرة من الشعر القطيفي بكل أنواعه بما في ذلك الأراجيز، والشعر الشعبي. طبع عام ١٤٣٠، نشر دار العصمة، مملكة البحرين.

(٥٣٥)

وإليك هنا باقة من الأشعار في ذلك، فمنها ما يلي:
السيد الحميري
المولود سنة ١٠٥ والمتوفى سنة ١٧٣ه‍
للسيد الحميري (رحمه الله) قصيدة يخاطب فيها الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، بعد عدوله عن مذهب الكيسانية إلى مذهب التشيع، وقد كان الكيسانية يعتقدون أن المهدي الموعود هو محمد بن أمير المؤمنين (عليه السلام)، الذي اشتهر بابن الحنفية:

أيا راكباً نحو المدينة جسرة * * * عذافرة يطوي بها كلَّ سبسبِ
إذا ما هداك الله عاينت جعفراً * * * فقل لوليِّ الله وابن المهذبِ
ألا يا أمين الله وابن أمينه * * * أتوبُ إلى الرحمن ثم تأوبي
إليك من الأمر الذي كنت مطنباً * * * أحارب فيه جاهداً كلَّ معربِ
إليك رددتُ الأمر غير مخالفٍ * * * وفئتُ إلى الرحمن من كلّ مذهبِ
سوى ما تراه يا ابن بنت محمدٍ * * * فإنَّ به عقدي وزلفى تقربي
وما كان قولي في ابن خولة مبطناً * * * معاندة مني لنسل المطيبِ
ولكن روينا عن وصيِّ محمدٍ * * * وما كان فيما قال بالمتكذبِ
بأن وليَّ الأمر يُفقدُ لا يُرى * * * ستيراً كفعل الخائف المترقبِ
فتقسمُ أموالُ الفقيدِ كأنما * * * تغيبهُ بين الصفيح المنصبِ
فيمكث حيناً ثم ينبع نبعةً * * * كنبعة جدِّي من الأفق كوكبِ
يسير بنصر الله من بيت ربّه * * * على سؤددٍ منه وأمرٍ مسببِ
يسير إلى أعدائه بلوائه * * * فيقتلهم قتلاً كحران مغضبِ
فلما روي أن ابن خولة غائب * * * صرفنا إليه قولنا لم نكذبِ

(٥٣٦)

وقلنا هو المهدي والقائم الذي * * * يعيش به من عدله كلّ مجدبِ
فإن قلت لا فالحق قولك والذي * * * أمرت فحتمٌ غير ما متعصبِ
وأشهد ربّي أن قولك حجة * * * على الخلق طراً من مطيع ومذنبِ
بأنَّ وليَّ الأمر والقائم الذي * * * تطلع نفسي نحوه بتطربِ
له غيبةٌ لابد من أن يغيبها * * * فصلّى عليه اللهُ من متغيبِ
فيمكثُ حيناً ثم يظهر حينه * * * فيملأ عدلاً كلّ شرقٍ ومغربِ
بذاك أدينُ اللهَ سراً وجهرةً * * * ولستُ وإن عوتبتُ فيه بمعتبِ(1275)

وللسيد الحميري أيضاً يقول:

وما به دان يوم النهر دنتُ به * * * وشاركت كفه كفي بصفينا
في سفك ما سفكت فيه إذا حضروا * * * وأبرز الله للقسط الموازينا
تلك الدماء معاً يا ربِّ في عنقي * * * ثم اسقني مثلها آمين آمينا
آمين من مثلهم في مثل حالهم * * * في عصبة هاجروا لله شارينا
في عصبة حول مهديٍّ يسير بهم * * * من بطن مكة ركباناً وماشينا
ليسوا يريدون إلا الله ربهم * * * نعم المراد توخاه المريدونا
حتى يلاقوا بني حربٍ بجمعهم * * * فيضربوا الهام منهم والعرانينا
هناك ربي ما أعطاك من شرفٍ * * * منه أبا حسن خير الوصيينا
وزادك الله أضعافاً مضاعفةً * * * حتى ينيلك ما نال النبيينا
فالله يشهد لي أني أحبهم * * * حباً أدين به فيكم له دينا
لا أبتغي بدلاً من معشرٍ بكم * * * حتى اُغيّبُ في الأكفان مدفونا (1276)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1275) عصر الظهور، الكوراني: ٣٧٣ - ٣٧٤.
(1276) روضة الواعظين، الفتال النيسابوري: ٢٦٧ - ٢٦٨.

(٥٣٧)

دعبل بن علي الخزاعي
المولود سنة: ١٤٨هـ، والمتوفى سنة ٢٤٦ه‍
يقول في قصيدته الشهيرة:

فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد * * * تقطّع قلبي إثرهم قطعاتِ
خروجُ إمامٍ لا محالة خارجٌ * * * يقوم على اسم الله والبركاتِ
يبين فينا كلَّ حقٍ وباطلٍ * * * ويجزي على الإحسان والنعماتِ
ويلعن فذ الناس في الناس كلّهم * * * إذا ما دعا ذاك ابن هن وهناتِ
فيا نفسي طيبي ثم يانفسُ فابشري * * * فغيرُ بعيدٍ كلُّ ما هو آتِ
ولا تجزعي من مدة الجور أنني * * * كأني بها قد آذنت بشتاتِ
فإن قرَّب الرحمنُ من تلك مدتي * * * وأخر في عمري ووقت وفاتِ
شفيتُ ولم أترك لنفسي ريبةً * * * وروّيتُ منهم منصلي وقناتِ(1277)

وجاء في كفاية الأثر للخزاز القمي: عن عبد السلام ابن صالح الهروي، قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي رحمة الله عليه يقول: أنشدت مولاي علي بن موسى (عليه السلام) قصيدتي التي أولها:

مدارسُ آياتٍ عفت من تلاوةٍ * * * ومهبطُ وحيٍ مقفرُ العرصاتِ

فلما انتهيت إلى قولي:

خروجُ الإمام لا محالة خارجٌ * * * يقوم على اسم الله والبركاتِ
يميز فينا كلَّ حقٍ وباطلٍ * * * ويجزي على النعماء والنقماتِ

بكى الرضا (عليه السلام) بكاءً شديداً ثم رفع رأسه الشريف إليَّ وقال: يا خزاعي نطق روحُ القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام؟ ومتى يقوم؟ قلت: لا يا مولاي إلا أني سمعت بخروج إمام منكم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1277) روضة الواعظين، الفتال النيسابوري: ٢٦٨.

(٥٣٨)

ويطهر الأرض من الفساد ويملأها عدلاً.
فقال: يا دعبل الإمام بعدي محمد ابني، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله له ذلك اليوم حتى يخرج فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً.. الحديث.(1278)
أبو الحسن الشفهيني
المتوفى سنة ٧٨٦

وإني لمشتاقٌ إلى نور بهجةٍ * * * سنا فجرها يجلو ظلامَ فجورها
ظهورُ أخي عدلٍ له الشمسُ آيةٌ * * * من الغرب تبدو معجزاً في ظهورها
متى يجمع الله الشتاتَ وتجبر * * * القلوبَ التي لا جابر لكسيرها
متى يظهر المهدي من آل هاشم * * * على سيرة لم يبق غير يسيرها
متى تقدم الرايات من أرض مكة * * * ويضحكني بشراً قدومُ بشيرها
وتنظر عيني بهجةً علويةً * * * ويسعد يوماً ناظري من نضيرها
وتهبط أملاك السماء كتائباً * * * لنصرته عن قدرة من قديرها
وفتيان صدقٍ من لوي بن غالب * * * تسير المنايا رهبةً لمسيرها
تخالهم فوق الخيول أهلةً * * * ظهرن من الأفلاك أعلى ظهورها
هنالك تعلو همةٌ طال همُها * * * لإدراك ثارٍ سالفٍ من مثيرها (1279)

رضي الدين رجب البرسي

أيُقتل ظمآناً حسينٌ بكربلا * * * ومن نحره البيضُ الصقالُ لها وردُ
وتضحى كريماتٌ الحسين حواسراً * * * يلاحظها في سيرها الحرُ والعبدُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1278) كفاية الأثر، الخزاز القمي: ٢٧٥ - ٢٧٧.
(1279) الغدير، الشيخ الأميني: ٦ / ٣٧٧ - ٣٧٨.

(٥٣٩)

فليس لأخذ الثار إلا خليفةٌ * * * هو الخلفُ المأمولُ والعلمُ الفردُ
هو القائمُ المهديُ والسيدُ الذي * * * إذا سار أملاكُ السماءِ له جندُ
يشيدُ ركنَ الدين عند ظهوره * * * علواً وركنُ الشرك والكفرُ ينهدُ
وغصنُ الهدى يضحى وريقاً ونبتُه * * * أنيقاً وداعي الحق ليس له ضدُ
لعل العيون الرمد تحظى بنظرة * * * إليه فتجلى عندها الأعينُ الرمدُ
إليك انتهى سرُّ النبيين كلّهم * * * وأنت ختامُ الأوصياء إذا عدوا
بني الوحي يا أمَّ الكتاب ومن لهم * * * مناقبُ لا تُحصى وإن كثُر العدُ
إليكم عروساً زفّها الحزنُ ثاكلاً * * * تنوح إذا الصبُّ الحزين بها يشدو
لها عبرةٌ في عشر عاشور أرسلت * * * إذا أنشدت حادي الدموع بها يحدو
رجا (رجبٌ) رحب المقام بها غداً * * * إذ ما أتى والحشرُ ضاق به الحشدُ(1280)

وله أيضاً (رحمه الله تعالى) يقول:

أيا بني الوحي والذكر الحكيم ومن * * * ولاهم أملي والبرء من ألمي
حزني لكم أبداً لا ينقضي كمداً * * * حتى الممات وردّ الروح في رممِ
حتى تعود إليكم دولةٌ وعدت * * * مهدية تملأ الأقطار بالنعمِ
فليس للدين من حامٍ ومنتصرٍ * * * إلا الإمام الفتى الكشّاف للظلمِ
القائمُ الخلفُ المهديُّ سيدُنا * * * الطاهرُ العلمُ ابنُ الطاهرِ العلمِ
بدرُ الغياهب تيّارُ المواهبِ منصورُ * * * الكتائبِ حامي الحلِ والحرمِ
يا بن الإمام الزكي العسكري فتى * * * الهادي التقي عليِّ الطاهرِ الشيمِ
يا بن الجواد ويا نجلَ الرضاء ويا * * * سليلَ كاظم غيظٍ منبع الكرمِ
خليفة الصادق المولى الذي ظهرت * * * علومه فأنارت غيهبَ الظلمِ
خليفة الباقر المولى خليفة زين * * * العابدين عليّ طيّب الخيمِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1280) الغدير، الشيخ الأميني: ٧ / ٥٦.

(٥٤٠)

نجل الحسين شهيد الطف سيدنا * * * وحبذا مفخر يعلو على الأممِ
نجل الحسين سليل الطهر فاطمة * * * وابن الوصي عليٍّ كاسر الصنمِ
يا بن النبيِّ ويا بن الطهر حيدرة * * * يا بن البتول ويا بن الحلِّ والحرمِ
أنت الفخارُ ومعناه وصورتُه * * * ونقطةُ الحكم لا بل خطةُ الحكمِ
أيامُك البيضُ خضرٌ فهي خاتمةُ * * * الدنيا وختمُ سعودِ الدين والأممِ
متى نراك فلا ظلمٌ ولا ظُلمٌ * * * والدينُ في رغدٍ والكفرُ في رغمِ؟
أقبلْ فسبلُ الهدى والدينُ قد طمست * * * ومسّها نصبٌ والحقُ في عدمِ(1281)

رباعيات الشيخ البهائي العاملي
المولود سنة ٩٠٥٣ والمتوفى سنة ١٠٣١ ه‍

يا كراماً صبرنا عنهم محال * * * إن حالي من جفاكم شرُّ حال
إن أتى من حيّكم ريحُ الشمال * * * صرتُ لا أدري يميني من شمال
حبذا ريحٌ سرى من ذي سلَم * * * من رُبى نجدٍ وسلع والعلم
أذهب الأحزان عنّا والألم * * * والأماني أدركت والهمُ زال
يا أخلائي بحزوى والعقيق * * * ما يطيقُ الهجرَ قلبي ما يطيق
هل لمشتاقٍ إليكم من طريق * * * أم سددتم عنه أبوابَ الوصال
لا تلوموني على فرط الضجر * * * ليس قلبي من حديدٍ أو حجر
فات مطلوبي ومحبوبي هجر * * * والحشا في كلِّ آنٍ في اشتعال
من رأى وجدي لسكان الحجون * * * قال ما هذا هوى هذا جنون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1281) الغدير، الشيخ الأميني: ٧ / ٦٥.

(٥٤١)

أيها اللوام ماذا تبتغون * * * قلبي المضنى وعقلي ذو اعتقال
يا نزولاً بين جمعٍ والصفا * * * يا كرام الحي يا أهل الوفا
كان لي قلبٌ حمولٌ للجفا * * * ضاع مني بين هاتيك التلال
يا رعاك الله يا ريح الصبا * * * إن تجز يوماً على وادي قبا
سل اُهيل الحي في تلك الرُبا * * * هجرهم هذا دلالٌ أم ملال
جيرةٌ في هجرنا قد أسرفوا * * * حالنا من بعدهم لا يوصفُ
إن جفوا أو واصلوا أتلفوا * * * حبّهم في القلب باقٍ لا يزال
هم كرامٌ ما عليهم من مزيد * * * من يمُت في حبّهم يمضي شهيد
مثل مقتولٍ لدى المولى الحميد * * * أحمديِّ الخلق محمود الفعال
صاحبُ العصر الإمام المنتظر * * * من بما يأباه لا يجري القدر
حجةُ الله على كلِّ البشر * * * خير أهل الأرض في كلِّ الخصال
من إليه الكونُ قد ألقى القياد * * * مجرياً أحكامه فيما أراد
إن تزل عن طوعه السبعُ الشداد * * * خرّ منها كلُّ سامي السمك عال
شمسُ أوج المجد مصباحُ الظلام * * * صفوةُ الرحمن من بين الأنام
الإمام بن الإمام بن الإمام * * * قطبُ أفلاك المعالي والكمال

(٥٤٢)

فاق أهلَ الأرض في عزٍّ وجاه * * * وارتقى في المجد أعلى مرتقاه
لو ملوكُ الأرض حلّوا في ذراه * * * كان أعلى صفهم صف النعال
ذو اقتدارٍ إن يشأ قلب الطباع * * * صيّر الأظلام طبعاً للشعُاع
وارتدى الامكان برد الامتناع * * * قدرة موهوبة من ذي الجلال
يا أمينَ الله يا شمسَ الهُدى * * * يا إمامَ الخلق يا بحر الندى
عجلن عجّل فقد طال المدى * * * واضمحل الدين واستولى الضلال
هاك يا مولى الورى نعم المُجير * * * من مُواليك البهائيِّ الفقير
مدحةً يعنو لمعناها جرير * * * نظمها يُزري على عقد اللآل
يا وليَّ الأمر يا كهفَ الرجا * * * مسّني الضّرُ وأنت المُرتجى
والكريمُ المستجابُ الملتجا * * * غير محتاج إلى بسط السؤال(1282)

وسيلة الفوز والأمان في مدح صاحب الزمان
وللشيخ البهائي العاملي (قدّس سرّه) أيضاً قصيدته المسماة (وسيلة الفوز والأمان في مدح صاحب الزمان (عليه السلام)) وبعضهم يقول: اسمها (روح الجنان) كما في ديوان الشيخ جعفر الخطي، وقد شرحها الشيخ أحمد المنيني سنة ١١٥١ ه‍. في سبعين صفحة إجابة لطلب قاضي القضاة بدمشق، وطبعت مع شرحها في آخر الكشكول وأولها:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1282) الغدير، الأميني: ١١/ ٢٧٢، عصر الظهور، الشيخ علي الكوراني: ٣٧٦ - ٣٧٧.

(٥٤٣)

سرى البرقُ من نجدٍ فهيّج تذكاري * * * عهوداً بحزوى والعذيبِ وذي قارِ
وهيّج من أشواقنا كلَّ كامنٍ * * * وأجج في أحشائنا لاعجَ النارِ
ألا يا لييلات الغوير وحاجر * * * سُقيت بهامٍ من بني المُزن مدرارِ
ويا جيرةً بالمأزمين خيامُهم * * * عليكم سلامُ الله من نازحِ الدارِ
خليليّ ما لي والزمانُ كأنما * * * يطالبني في كلِّ وقتٍ بأوتارِ
فأبعد أحبابي وأخلى مرابعي * * * وأبدلني من كلِّ صفوٍ بأكدارِ
وعادل بي من كان أقصى مرامه * * * من المجد أن يسمو إلى عشر معشاري
أ لم يدر أني لا أذلُ لخطبه * * * وإن سامني بخساً وأرخص أسعاري
مقامي بفرق الفرقدين فما الذي * * * يؤثره مسعاه في خفض مقداري
وإني امرؤٌ لا يدرك الدهرُ غايتي * * * ولا تصل الأيدي إلى سبر أغواري
أخالطُ أبناءَ الزمان بمقتضى * * * عقولهم كي لا يفوهوا بإنكارِ
وأظهر أني مثلهم تستفزني * * * صروفُ الليالي باحتلاءٍ وإمرارِ
وإني ضاوي القلب مستوفز النهى * * * أُسرُّ بيُسرٍ أو آمل بإعسارِ
ويضجرني الخطب المهول لقاؤه * * * ويطربني الشادي بعودٍ ومزمارِ
ويصمي فؤادي ناهدُ الثدي كاعب * * * بأسمر خطّارٍ وأحور سحَّارِ
وإني سخي بالدموع لوقفة * * * على طللٍ بالٍ ودارس أحجارِ
وما علموا أني امرؤٌ لايروعني * * * توالي الرزايا في عشيٍّ وإبكارِ
إذا دكَّ طودُ الصبر من وقع حادثٍ * * * فطودُ اصطباري شامخٌ غيرُ مُنهارِ
وخطبٌ يزيل الروعَ أيسر وقعه * * * كؤود كوخز بالأسنة سعّارِ
تلقيته والحتف دون لقائه * * * بقلبٍ وقورٍ في الهزاهز صبّارِ
ووجهٍ طليقٍ لا يُملُّ لقاؤه * * * وصدرٍ رحيبٍ من ورودٍ وإصدارِ
ولم أبدِهِ كي لا يُساء لوقعه * * * صديقي ويأسى من تعسره جاري

(٥٤٤)

ومعضلة دهماء لا يهتدى لها * * * طريقٌ ولا يُهدى إلى ضوئها الساري
تشيبُ النواصي دون حل رموزها * * * ويحجم عن أغوارها كلُّ مغوارِ
أجلت جيادُ الفكر في حلباتها * * * ووجهتُ تلقاها صوائبَ أنظاري
فأبرزت من مستورها كلَّ غامضٍ * * * وثقفت منها كلَّ قسور سوارِ
أأضرعُ للبلوى واُغضي على القذى * * * وأرضى بما يرضى به كلُّ مخوارِ
وأفرحُ من دهري بلذة ساعةٍ * * * وأقنع من عيشي بقرصٍ وأطمارِ
إذن لا ورى زندي ولا عزّ جانبي * * * ولا بزغت في قمة المجد أقماري
ولا بل كفي بالسماح ولا سرت * * * بطيب أحاديثي الركّابُ أخباري
ولا انتشرت في الخافقين فضائلي * * * ولا كان في المهدي رائقُ أشعاري
خليفةُ ربِّ العالمين وظلُه * * * على ساكن الغبراء من كلِّ ديّارِ
هو العروةُ الوثقى الذي من بذيله * * * تمسّك لا يخشى عظائمَ أوزارِ
إمامُ هدى لاذ الزمانُ بظله * * * وألقى إليه الدهرُ مقودَ خوارِ
ومقتدر لو كلّف الصم نطقها * * * بأجذارها فاهت إليه بأجذارِ
علوم الورى في جنب أبحُر علمِه * * * كغرفة كفٍ أو كغمسةِ منقارِ
فلو زار أفلاطونُ أعتابَ قُدسه * * * ولم يُعشِه عنها سواطعُ أنوارِ
رأى حكمةً قدسيةً لا يشوبُها * * * شوائب أنظارٍ وأدناس أفكارِ
بإشراقها كلُّ العوالم أشرقت * * * لما لاح في الكونين من نورها الساري
إمامُ الورى طودُ النهى منبعُ الهدى * * * وصاحبُ سرِّ الله في هذه الدارِ
به العالمُ السفلي يسمو ويعتلي * * * على العالم العلوي من غير إنكارِ
ومنه العقولُ العشر تبغي كمالها * * * وليس عليها في التّعلم من عارِ
همامٌ لو السبعُ الطباق تطابقت * * * على نقض ما يقضيه من حكمه الجاري
لنكّس من أبراجها كلَّ شامخ * * * وسكّن من أفلاكها كلَّ دوّارِ

(٥٤٥)

ولانتثرت منها الثوابتُ خيفةً * * * وعاف السرى في سورها كلُّ سيّارِ
أيا حجة الله الذي ليس جارياً * * * بغير الذي يرضاه سابقُ أقدارِ
ويا من مقاليدُ الزمان بكفه * * * وناهيك من مجدٍ به خصّه الباري
أغث حوزة الإيمان واعمر ربوعه * * * فلم يبق منها غير دارس آثارِ
وأنقذ كتاب الله من يد عُصبة * * * عصوا وتمادوا في عتوٍ وإصرارِ
يحيدون عن آياته لرواية * * * رواها أبو شعيون عن كعب الأحبارِ
وفي الدين قد قاسوا وعاثوا وخبطوا * * * بآرائهم تخبيط عشواء معسارِ
وانعش قلوباً في انتظارك قرّحت * * * وأضجرها الأعداءُ أيَّةَ إضجارِ
وخلّص عباد الله من كلِّ غاشمٍ * * * وطهّر بلادَ الله من كلِّ كفّارِ
وعجّل فداك العالمونُ بأسرهم * * * وبادر على اسم الله من غير إنظارِ
تجد من جنود الله خيرَ كتائبٍ * * * وأكرمَ أعوانٍ وأشرفَ أنصارِ
بهم من بني همدان أخلص فتيةٍ * * * يخوضون أغمارَ الوغى غير فكّارِ
بكلِّ شديدِ البأس عبلٍ شمردلٍ * * * إلى الحتف مقدامٍ على الهول صبّارِ
تحاذره الأبطالُ في كلِّ موقفٍ * * * وترهبه الفرسانُ في كلِّ مضمارِ
أيا صفوة الرحمن دونك مدحة * * * كدرِّ عقودٍ في ترائب أبكارِ
يهنَّى ابنُ هانٍ إن أتى بنظيرها * * * ويعنو لها الطائيُ من بعد بشّارِ
إليك البهائيُّ الحقيرُ يزفُّها * * * كغانية ميّاسة القدِّ معطارِ
تغار إذا قيست لطافة نظمها * * * بنفحة أزهار ونسمة أسحارِ
إذا رددت زادت قبولاً كأنها * * * أحاديث نجد لا تمل بتكرارِ(1283)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1283) أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين: ٩/ ٢٤٥ - ٢٤٦.

(٥٤٦)

الشيخ عبد الحسين الأعسم النجفي
المولود سنة ١١٧٧ والمتوفى سنة ١٢٤٧ هـ
قال ينتدب الحجة المهدي (عليه السلام) ويرثي الحسين (عليه السلام):

نرى يدك ابتلت بقائمة العضب * * * فحتام حتام انتظارك بالضربِ
أطلت النوى فاستأمنت مكرك العدى * * * وطالت علينا فيك ألسنة النصبِ
إلام لنا في كل يوم شكايةٌ * * * تعج بها الأصواتُ بحاً من الندبِ
هلم فقد ضاقت بنا سعةُ الفضا * * * من الضيم والأعداءُ آمنةُ السربِ
ونيت وعهدي أن عزمك لايني * * * ولكنما قد يربض الليثُ للوثبِ
أحاشيك من غض الجفون على القذى * * * وأن تملأ العينين نوماً على الغلبِ
متى ينجلي ليلُ النوى عن صبيحةٍ * * * نرى الشمس فيها طالعتنا من الغربِ
فديناك أدركنا فإن قلوبنا تلظى * * * إلى سلسال منهلك العذبِ
قُدِ العزم واستنقذ تراتك من عدى * * * تباغت عليكم بالتمادي على الغصبِ
خلافة حق خصكم بسريرها * * * نبيُ الهدى عن جبرئيل عن الرّبِ
أديلت أليكم قائماً بعد قائم * * * وندباً له تلقى المقاليد عن ندبِ
وما أمرت أفلاكها باستدارة * * * على الأفق إلا درن منكم على قطبِ
متى تشتفي منك القلوب بسطوة * * * تدير على أعداك أرحية الحربِ
وأظمت على الماء الحسين وأوردت * * * دماء وريديه سيوف بني حربِ
غداة تشفى الكفرُ منكم بموقف * * * جزرتم به جزرالأضاحي على الكثبِ
وغصت إلى قرب النواويس كربلا * * * بأشلاء قتلاكم موسدة التربِ
بأية عين ينظرون محمداً * * * وقد قُتلوا صبراً بنيه بلا ذنبِ
وجاءوا بها شوهاء خرقاء أركسوا * * * بها سبة شنعاء ملء الفضا الرحبِ
شقوا وسعدتم وابتلوا واسترحتم * * * وخابت مساعيهم وفزتم لدى الرّبِّ

(٥٤٧)

عمى لعيون الشامتين بعظم ما * * * تجرعتموه من بلاء ومن كربِ
ألا في سبيل الله سفك دمائكم * * * جهاراً بأسياف الضغائن والنصبِ
ألا في سبيل الله سلب نسائكم * * * مقانعها بعد التخدر والحُجبِ
ألا في سبيل الله حمل رؤوسكم * * * إلى الشام فوق السمر كالأنجم الشهبِ
ألا في سبيل الله رضّ خيولهم * * * جسومكم الجرحى من الطعن والضربِ
فيا لرزاياكم فرين مرارتي * * * بجوفي وصيّرن البكا والجوى دأبي
وفت لكم عيني بأدمعها فإن * * * ونت لم يخنكم في كآبته قلبي
وكم خلدت في السجن منكم أعزةً * * * إلى أن قضت نحباً بطامورة الجبِ
ولم ينس قتل السبط حتى تألبت * * * لأبنائه الغر الثمانية النُجبِ
إلى أن قضوا لاغلة اُبردت لهم * * * ولم يشف صدر من عناء ومن كربِ(1284)

الشيخ محمد جواد البلاغي
المولود سنة ١٢٨٠ه‍، والمتوفى سنة ١٣٥٢ه‍
قال في قصيدة في ذكرى مولد الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام):

حيِّ شعبان فهو شهر سعودي * * * وعد وصلي فيه وليلة عيدي
منه حيا الصبُ المشوقُ شذا * * * الميلاد فيه وبهجة المولودِ
بهجةُ المرتضى وقرّةُ عين المصطفى * * * بل ذخيرةُ التوحيدِ
رحمةُ الله غوثه في الورى * * * شمسُ هداه وظلّه الممدودِ
وهوى خاطري وشائقُ نفسي * * * ومناها وعدتي وعديدي
فانجلت كربتي وأزهر روضي * * * ونمت نبعتي وأورق عودي
طلتِ فخراً يا ليلةَ النصف من شعبان * * * بيض الأيام بالتسويدِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1284) أدب الطف، السيد جواد شبر: ٦/ ٢٨٩ - ٢٩٢.

(٥٤٨)

وله أيضاً (رحمه الله تعالى) يقول في ندبة الإمام المهدي (عليه السلام):

رويدكما أيها الباكيان * * * فما أنتما أول الوالهينا
فكم لنواه جرت عبرة * * * تقل لها أدمعُ العالمينا
جرت ولها قبل يوم الفراق * * * ولم ترحل العيسُ بالمزمعينا
فلا نهنه الوجدُ فيضَ الدموع * * * وقد شطّت الدارُ بالظاعنينا
وبان وأودعنا حسرةً * * * ومن لوعة البين داءً دفينا
أطال نواه ومن نأيه * * * رزينا بما يستخف الرزينا
نقضي الليالي انتظاراً له * * * فيا حسرتا، ونقضي السنينا
نطيل الحنين بتذكاره * * * ويا برحا أن نطيل الحنينا
فما لقيت فاقداتُ الحمام * * * من الوجد في نوحها ما لقينا (1285)

السيد حيدر الحلي
المولود سنة ١٢٤٦، والمتوفى سنة ١٣٠٤هـ

مات التصبرُ في انتظا * * * رك أيها المحيي الشريعه
فانهض فما أبقى التحمّل * * * غير أحشاءٍ جزوعه
قد مزّقت ثوب الأسى * * * وشكت لواصلها القطيعه
فالسيف إن به شفاء * * * قلوب شيعتك الوجيعه
فسواه منهم ليس ينعش * * * هذه النفس الصريعه
طالت حبالُ عواتقٍ * * * فمتى تكون به قطيعه
كم ذا القعود ودينكم * * * هُدمت قواعدُه الرفيعه
تنعى الفروعُ أصولَه * * * وأصولُه تنعى فروعه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1285) الرد على الوهابية، الشيخ محمد جواد البلاغي: ١٥ - ١٧، مجلة تراثنا، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام): ج٣٦ ص٣٨٦.

(٥٤٩)

فيه تحكّم من أباح * * * اليوم حوزته المنيعه
فاشحذ شبا عضبٍ له * * * الأرواح مذعنة مطيعه
إن يدعها خفّت لدعو * * * ته وإن ثقُلت سريعه
واطلب به بدم القتيل * * * بكربلا في خير شيعه
ماذا يُهيجك إن صبرت * * * لوقعة الطفّ الفضيعه
أترى تجئُ فجيعةٌ * * * بأمضّ من تلك الفجيعه
حيثُ الحسين على الثرى * * * خيلُ العدى طحنت ضلوعه
قتلته آلُ أمية * * * ظام إلى جنب الشريعه
ورضيعُه بدم الوريد * * * مخضبٌ فاطلب رضيعه
يا غيرة الله اهتفي * * * بحمية الدين المنيعه
وضبا انتقامك جردي * * * لطلا ذوي البغي التليعه
ودعي جنود الله تملأ * * * هذه الأرض الوسيعه(1286)

وللسيد (رحمه الله تعالى) أيضاً يقول:

من حاملٌ لولي الله مألكةً * * * تطوى على نفثات كلُها ضرمُ
يا بن الأولى يُقعدون الموت إن نهضت * * * بهم لدى الروع في وجه الضُبا الهممُ
الخيلُ عندك ملتها مرابطُها * * * والبيضُ منها عرا أغمادها السأمُ
هذي الخدور لها الأعداءُ هاتكة * * * وذي الجباه ألا مشحوذة تسمُ
لا تطهر الأرض من رجس العدى أبداً * * * ما لم يسل فوقها سيلَ الدم العرمُ
اُعيذ سيفك أن تصدى حديدته * * * ولم تكن فيه تجلى هذه الغممُ
قد آن أن يمطر الدنيا وساكنها * * * دماً أغر عليه النقعُ مرتكمُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1286) ديوان السيد حيدر الحلي: ١/ ٣٧.

(٥٥٠)

وإن أعجب شيءٍ أن أبثكها * * * كأن قلبك خالٍ وهو محتدمُ
لاصبر أو تضع الهيجاءُ ما حملت * * * بطلقة معها ماء المخاض دمُ
هذا المحرمُ قد وافتك صارخةً * * * مما استحلوا به أيامه الحرمُ
يملأن سمعك من أصوات ناعيةٍ * * * في مسمع الدهر من إعوالها صممُ
تنعى إليك دماءً غاب ناصُرها * * * حتى اُريقت ولم يُرفع لكم علمُ
مسفوحة لم تُجب عند استغاثتها * * * إلا بأدمع ثكلى شفّها الألمُ
حنّت وبين يديها فتيةٌ شربت * * * من نحرها نصب عينيها الضبا الخذمُ
موسدين على الرمضاء تنظرهم * * * حرّى القلوب على ورد الردى ازدحموا
سقياً لثاوين لم تبلل مضاجعَهم * * * إلا الدماءُ وإلا الأدمعُ السجمُ
أفناهمُ صبرهم تحت الضبا كرماً * * * حتى مضوا ورداهمُ ملؤه كرمُ
وخائضين غمار الموت طافحة * * * أمواجها البيض في الهامات تلتطمُ(1287)

السيد جعفر الحلي
المولود سنة ١٢٧٧هـ - والمتوفى سنة ١٣١٥هـ

أدرك تراتك أيُها الموتورُ * * * فلكم بكلّ يدٍ دمٌ مهدورُ
عذُبت دماؤكمُ لشارب علّها * * * وصفت فلا رنقٌ ولا تكديرُ
ولسانُها بك يابن أحمد هاتفٌ * * * أفهكذا تغضي وأنت غيورُ
ما صارمٌ إلا وفي شفراته * * * نحرٌ لآل محمدٍ منحورُ
أنت الوليُّ لمن بظلمٍ قتّلوا * * * وعلى العدى سلطانك المنصورُ
ولو أنّك استأصلت كلّ قبيلة * * * قتلاً فلا سرفٌ ولا تبذيرُ
خذهم فسنةُ جدّكم ما بينهم * * * منسيةٌ وكتابكم مهجورُ
إن تحتقر قدر العدى فلربّما * * * قد قارف الذنب الجليل حقيرُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1287) ديوان السيد حيدر الحلي: ١/ ٤٢.

(٥٥١)

أو أنّهم صغروا بجنبك همةً * * * فالقومُ جرمهمُ عليك كبيرُ
غصبوا الخلافة من أبيك وأعلنوا * * * أنّ النبوة سحرها مأثورُ
والبضعةُ الزهراءُ أمّك قد قضت * * * قرحى الفؤاد وضلعُها مكسورُ(1288)

الشيخ محمد حسين الأصفهاني
المولود سنة ١٢٩٦ والمتوفى سنة ١٣٦١ هـ

قد حاز شعبانُ عظيم الشرفِ * * * من معدن اللطف الجلي والخفي
فقد تجلى فيه وجه الباري * * * بنوره القاهر للأنوارِ
وأيّ نور هو نورُ النورِ * * * يندّك في سناه نورُ الطورِ
أشرق نورٌ من سماء الذاتِ * * * تجلو به حقائقُ الصفاتِ
نورُ الولاية المحمديه * * * في أعظم المظاهر العليه
به استنار عالمُ الإمكانِ * * * بل نشأةُ الثبوت للأعيانِ
أشرق كالشمس ضحى النهارِ * * * من مستسر عالم الأسرارِ
أكرم به من غائبٍ مشهودِ * * * بدا من الغيب إلى الشهودِ
ليس سواه نيّرٌ مغيبُ * * * فهو عن الغيب المصون يعربُ
غرتُه قرةُ عين المعرفه * * * حقيقةُ الحق بها منكشفه
تشرق من طلعته شمسُ الأبد * * * ليس لها حدٌ ولا لها أمد
وكيف وهو خاتمُ الولايه * * * فهل لغاية الكمال غايه
ووجهُهُ المضئُ مصباحُ الهدى * * * يزدادُ نوراً وضياءً أبدا
والكوكبُ الدريِّ في السماءِ * * * مشكاةُ ذاك النور والضياءِ
والله كلّ ما يشاءُ يهدي * * * بنوره والنورُ نورُ المهدي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1288) رياض المدح والرثاء، الشيخ حسين القديحي، سحر بابل وسجع البلابل، السيد جعفر الحلي: ٢٥٥.

(٥٥٢)

وصدرُه كنزُ جواهر الحِكم * * * معدنُ أسرار الحدوث والقِدم
وقلبُه مقلبُ القلوبِ * * * وعندهُ مفاتحُ الغيوبِ
وعينُه مرآة غيبِ الذاتِ * * * عيناً بلا تعيّن الصفاتِ
لسانُه ناطقةُ الوجودِ * * * معرّفُ الرسومِ والحدودِ
وكيف لا وهو لسانُ الباري * * * ينبئُ عن حقائق الأسرارِ
واليُمنُ كلُّ اليُمن في جبينه * * * والخيرُ كلُّ الخير في يمينه
وهو وليُّ الأمر لا سواهُ * * * ومبدءُ الخير ومُنتهاهُ
ومصدرُ الوجود في البدايه * * * وغايةُ الإيجاد في النهايه
سطوتُه تقضي على كلِّ أحد * * * فإنَّ هذا الشبلُ من ذاك الأسد
وهو معيدُ الملة البيضاءِ * * * مجدد الشريعة الغراءِ
وناظمُ الدين نظاماً حسنا * * * ومن به الحقُ يعود بيّنا
وهل سواهُ قائمٌ بالقسطِ * * * وباسطُ العدل بأوفى بسطِ
وليس لله يدٌ سوى يده * * * ولا لجمع الكفر غيرُ مفرده
ولا سواهُ جامعٌ للشمل * * * والحاكمُ العدل بقولٍ فصل
كلَّ لسانُ المدح عن جلاله * * * وأبهر العقولَ في جماله
بذلك الجلال والجمالِ * * * قد خُتمت دائرةُ الكمالِ
بُشراك يا فاتحةَ الوجودِ * * * بخاتمِ الولايةِ الموعودِ
ربِّ المعالى وربيبِ المجد * * * ووارثِ المجد أباً عن جدِّ
روحِ الهدى عقل العقول الشامخه * * * قلبِ التقى نفسِ النفوس الباذخه
وملتقى القوسين في الوجود * * * ومركز المحيط في الشهود
هو المدارُ بل هو المديرُ * * * بأمره التقديرُ والتدبيرُ
وعالمُ الإبداع تحت أمره * * * ونشأةُ التكوين دون قدره

(٥٥٣)

والقلمُ الأعلى لسانُ حاله * * * واللوحُ كالعنوان من كماله
بقيةُ الله وصفوةُ الرسل * * * ونخبةُ الوجود ما شئت فقل
لك الهنا يا سيد البرايا * * * بما حباك واهبُ العطايا
بالجوهر الفرد من الجواهرِ * * * في الحُسن والكمال والمفاخرِ
والمقصدُ الأقصى من الإيجاد * * * والغايةُ القصوى من المبادي
لطيفةُ اللطائفِ القُدسيه * * * صحيفةُ الفضائل النفسيه
نتيجةُ النفوس والعقولِ * * * في قوسي الصعودِ والنزولِ
من جنة الأسماء أسمى شجره * * * لدوحة الوجود أزكى ثمره
تطور الوجودُ في أدواره * * * فجاء بالأكمل من أطواره
وجاءت القوى في الاستكمال * * * بصورة جلّت عن المثال
فإنها حقيقة الحقائق * * * جامعة كلّ كمال لائق
بشراك يا أبا الأئمة الغرر * * * بغرة الدهر ودرة الدرر
غرته بهجة مهجة الهدى * * * فما أجل المنتهى والمبتدا
ناشر راية الهدى بهمته * * * كاسر شوكة العدى بصولته

الإمام العسكري

بشراك أيها الزكيُّ العسكري * * * بالمَلِك المهيمن المقتدرِ
سلطانِ إقليم الوجود كلِّه * * * وكلُّ شيءٍ هو تحت ظله
وصاحبِ الفتح وناشر اللوا * * * والملكِ الذى على العرش استوى
عرش الخلافة المحمديه * * * بل مستوى الحقيقة الكليه
أكرم بهذا الملك المطاعِ * * * في نشأة التكوين والإبداعِ
خليفة المبدئ في الإفضال * * * في منتهى العدل والاعتدال
والملكوت كلها طوع يده * * * والملك كالمملوك عند سيده

(٥٥٤)

فاتح باب الجود والأيادي * * * وخاتم الأمجاد في الإرشاد
لطيفة العلم وروح الحكمه * * * ومعدن الحلم وعين الرحمه
كهف الورى والغوث عند الالتجا * * * وفى فناء بابه كلّ الرجا

انهض على اسم الله

يا غائباً مثالُه عيانُه * * * انهض على اسم الله جلَّ شانُه
يا كعبة التوحيد من جور العدى * * * تهدمت والله أركان الهدى
يا صاحب البيت ومستجاره * * * ألا ترى قد هتكوا أستاره
يا شرف المشاعر العظام * * * عطفاً على شعائر الإسلام

ألا ترى قد هتكوا أستاره

يا غاية الآمال يا أقصى المنى * * * نهضاً متى تحل في وادي منى
يا دوحة المجد العظيم شانُها * * * لهفي لها تقطعت أغصانُها
متى نراها والقطوفُ دانيه * * * متى نراها والثمارُ زاكيه
يا أيها القصرُ المشيدُ السامي * * * كيف دهاك حادثُ الإمام
حتى تداعى منك ما يسمو على * * * سمك الضراح والسموات العُلى
متى نراك بعد طول المده * * * مشيداً بعدة وعُده
الغوثُ أيها الكتاب الناطقُ * * * فالحربُ قد بانت لها الحقائقُ
نهضاً فقد آلت إلى الخرابِ * * * معاهدُ السنةِ والكتابِ
تكاد أن تطفئ ظلمةُ الفتن * * * نورَ مصابيح الفروض والسُنن
انشر لواك أيها الموتورُ * * * فإنك المؤيدُ المنصورُ
وقم بعزمة تسابق القضا * * * وسطوة تثير في وجه الفضا
ثم املأ البيداء من عرابها * * * وصل بها فأنت ليث غابها
وزلزل الأرض بها زلزالها * * * تذكر الساعة في أهوالها

(٥٥٥)

انشر لواك

انشر لواك يا وليَّ الثارِ * * * فليس للغيور من قرارِ
فقد اُزيل الحقُ عن مراتبه * * * وانتشر الباطلُ في مذاهبه
لم يبق للإسلام إلا الاسمُ * * * ولا من القرآن إلا الرسمُ
وأنت بالذي أصاب العتره * * * أعرفُ فهو ليس يُحصى كثره
فاستلبوا الإمرةَ والولايه * * * قدماً من المنصوص بالوصايه
ثم بنوا قواعد الرساله * * * على أساس البغي والضلاله
أم كيف يُرجى الخيرُ من أُميه * * * هل تلدُ الحيةُ إلا الحيه
لم تبق من دين النبيِّ باقيه * * * لما انتهى إلى يزيد الطاغيه
وكيف يبقى الدينُ والعميدُ * * * رأسُ الفجور والخنا يزيدُ
يزيدهم كفراً وطغياناً ولا * * * مزيد في الدهر على ما فعلا
وشاع عن ذاك اللعين في الأزل * * * لا خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل
وقال أيُها الإمام المنتقم * * * ولستُ من خُندف إن لم أنتقم
وكم دمٍ أراقه مهندُه * * * وحرةٍ أبرزها شُلت يدُه
وكيف تُسبى حرمُ المختارِ * * * ودائعُ الله على الأكوارِ
وحملُ رأس المجد والمعالي * * * على العوالي أشنعُ الأفعالِ
وازداد ذلك الأساس شرا * * * في كل يوم وهلم جرا
أبعد هذا للغيور صبر * * * وهل لذاك الكسر بعد جبر

يا لثارات النبي الهادي (صلّى الله عليه وآله وسلم)

فيا لثاراتِ النبيِّ الهادي * * * في دينه وآلهِ الأمجادِ
يا صاحبَ الأمرِ أغث دينَ الهُدى * * * فأنت منصورٌ على من اعتدى
يا صاحبَ العصر لقد طال المُدى * * * أما لسيف الله أن يُجردا

(٥٥٦)

يا أيُها القائمُ بالقسط أقم * * * وجهَك للدين الحنيف وانتقم
لدين آبائك من أعدائه * * * بعضبك العادل في قضائه
وطهّر الأرضَ من الأرجاس * * * بسطوةٍ تزلزلُ الرواسي
وما جناه الجبتُ والطاغوتُ * * * فهو على مثلك لا يفوتُ
متى نرى سيفك في الرقاب * * * كأنه صاعقةُ العذابِ
متى نرى بوارق السيوفِ * * * كأنها تبرقُ بالحتوفِ
متى نرى كماة آل غالبِ * * * تصولُ كالليث على الثعالبِ
متى نرى خيلَك تملأ الفضا * * * تخالهم أمضى المواضي للقضا
متى نراك مُدركاً للثارِ * * * وتبترُ الأعمارَ بالبتارِ
تُحيى به العبادُ والبلادُ * * * تُشفى به الصدورُ والأكبادُ
متى نرى منهلَك العذبَ الروي * * * من بعد أن طال الصدى فنرتوي
يا ربِّ عجل لوليِّك الفرج * * * فإننا في كلِّ ضيقٍ وحرج
وانصر به الدينَ وأهلَه كما * * * وعدتَه مَن مِنْك أو فى ذمما (1289)

السيد رضا الهندي
المولود سنة ١٢٩٠، والمتوفى سنة ١٣٦٢هـ

فيا مغذاً على وجناء مرتعُها * * * قطع الفجاج ولمع الال ما تردُ
جُبْ في المسير هداك الله كلّ فلا * * * عن الهدى فيه حتى للقطار صدُ
حتى يبوئك الترحالُ ناحيةً * * * تحل من كرب اللاجي بها العقدُ
وروضة أنجم الخضراء قد حسدت * * * حصباءها وعليها يُحمد الحسدُ
وأرض قدس من الأملاك طاف بها * * * طوائفٌ كلما مروا بها سجدوا
فأرخص الدمع من عينين قد غلتا * * * على لهيب جوى في القلب يتقدُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1289) الأنوار القدسية, الشيخ محمد حسين الأصفهاني: ١٢٤ - ١٣٣.

(٥٥٧)

وقل ولم تدع الأشجان منك سوى * * * قلب الفريسة إذ ينتاشُها الأسدُ
يا صاحبَ العصر أدركنا فليس لنا * * * وردٌ هنئٌ ولا عيشٌ لنا رغدُ
طالت علينا ليالي الانتظار فهل * * * يابن الزكي لليل الانتظار غدُ
فاكحل بطلعتك الغرا لنا مقلاً * * * يكاد يأتي على إنسانها الرمدُ
ها نحن مرمى لنبل النائبات وهل * * * يغني اصطبارٌ وهى من درعه الزردُ
كم ذا يؤلف شمل الظالمين لكم * * * وشملكم بيدي أعدائكم بددُ
فانهض فدتك بقايا أنفس ظفرت * * * بها النوائبُ لما خانها الجلدُ
هب أن جندك معدودٌ فجدّك قد * * * لاقى بسبعين جيشاً ماله عددُ
غداة جاهد من أعدائه نفراً * * * جدوا باطفاء نور الله واجتهدوا
وعصبة جحدوا حقّ الحسين كما * * * من قبل حقّ أبيه المرتضى جحدوا
تجمّعت عدة منهم يضيق بها * * * صدر الفضا ولها أمثالُها مددُ
فشدّ فيهم بأبطال إذا برقت * * * سيوفهم مطروا حتفاً وما رعدوا
صالوا وجالوا وأدوا حقّ سيدهم * * * في موقف فيه عق الوالدَ الولدُ
وشاقهم ثمر العقبى فأصبح في * * * صدورهم شجر الخطي يختضدُ
وعاد ريحانة المختار منفرداً * * * بين العدى ما له حام ولا عضدُ
وترٌ به أدركت أوتار ما فعلت * * * بدر ولم تكفهم ثاراً لها أحدُ
يكر فيهم بماضيه فيهزمهم * * * وهم ثلاثون ألفاً وهو منفردُ
لو شئت يا علة التكوين محوهم * * * ما كان يثبت منهم في الوغى أحدُ
لكن صبرت لأمر الله محتسباً * * * إياه والعيش ما بين العدى نكدُ
فكنت في موقف منهم بحيث على * * * رحيب صدرك وفاد القنا تفدُ
حتى مضيت شهيداً بينهم عميت * * * عيونهم شهدوا منك الذي شهدوا
يا ثاوياً في هجير الصيف كفّنه * * * سافي الرياح ووارته القنا القصدُ

(٥٥٨)

على النبي عزيز لو يراك وقد * * * شفي بمصرعك الأعداء ما حقدوا (1290)

الشيخ عبد الله بن معتوق
المولود سنة ١٢٧٤ والمتوفى سنة ١٣٦٢

يا سيد الكون يا أعلى الورى نسباً * * * يا خير منتجبٍ من خيرة النُجبا
يا من سما في سما العلياء مرتقياً * * * حتى علا نورُه الأنوارَ والحجبا
كفاه فخراً بأن كان النبيُّ له * * * جداً وفاطمُ أماً والوصيُ أبا
فما ترى شرفاً في كلِّ منتسبٍ * * * منهم إلى شرف إلا له نسبا
عليهم فرض الباري ولايته * * * فمن تقرّب منهم بالولا قربا
وقد أبى الله أن يغشى برحمته * * * من كان في الخلق طراً للولاء أبى
فما من الماء والأثمار مُرّ فمن * * * بغضٍ وبالحب بعضٌ طاب أو عذُبا
وليس يوجد من خلق بعالمه * * * إلا وقد كان في إيجاده سببا
فمن تولاه يلقى خير منقلبٍ * * * ومن قلاه هوى في النار منقلبا
ومن أراد مناجاة الإله ولم * * * يمدد به سبباً لم يستطع طلبا
يا سيداً كان في عرش الجليل له * * * نورٌ كسى النيرين النور والشُهبا
يا آية الحق حقاً يا أمانته * * * والباب والوجه والسر الذي حجبا
يا عروة الله والحبل المتين ومن * * * هو الكتاب الذي في غيبه كتبا
وهو الذي نزل القرآن فيه فسل * * * حم يس عمّ المرسلات سبا
يا خاتم الأوصياء الغرّ يا خلفاً * * * به الخلافة قامت لا ترى عقبا
ياناصر الدين ياغوث الصريخ ويا * * * مجيب دعوة من ناداه منتدبا
أنت الذي وعد الله العباد به * * * في آخر الدهر يجلو عنهم الكربا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1290) أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين: ٧/ ٢٥ - ٢٦، ديوان السيد رضا الهندي: ٤٤.

(٥٥٩)

وأنت من تملأ الدنيا عدالتُه * * * كما من الجور قدماً نالت النوبا
وليس عنديَ شكٌ في حياتك بل * * * لولاوجودك في ذا الكون لا نقلبا
فالغوث من عصبة ضلّت وقد تخذت * * * من بغيها وشقاها دينكم لعبا
وألبستنا بما نالت وما ابتدعت * * * ثوب الأسى وعلينا الذّل قد ضربا
وقد أبت أن ترى من نسلكم أحداً * * * إلا أنالته من طغيانها العطبا
وإن نسيت فلا أنسى وحلمك من * * * بكفه أمّك الزهراء قد ضربا
وألصق الباب أحشاها وأضغطها * * * ظلماً وأسقطها يا عظم ما ارتكبا
وردّ شاهدها العدل الذي هو في * * * أم الكتاب عليٌّ وافترى كذبا
ومن دنا نحو بيت الوحي مجترئاً * * * وقد أتى بجموع جمّعت حطبا
ليضرم النار فيه وهو يعلم من * * * فيه ليبلغ من مأموله إربا
يريد إطفاء نورٍ كان متقداً * * * والله عما يريدُ الظالمون أبى
وليتهم قنعوا منها بما ارتكبوا * * * وإن يكن جلَّ في الإسلام مرتكبا
ولم يقودوا علياً في حمائله * * * قودَ البعير بعين الله مكتئبا
ملبباً برداء الصبر مشتملاً * * * مُسلماً أمرهَ لله محتسبا
يُدعى إلى بيعةٍ كان الأحق بها * * * من الأولى عبدو الأوثان والصلبا
واُشربوا العجل حباً في قلوبهم * * * وقلبُه غير حب الله ما شربا
وخالفوا أحمد المختار حيث نهى * * * من التخلف عنه أينما ذهبا

السيد محمد جمال الهاشمي
المولود سنة ١٣٣٢ والمتوفى سنة ١٣٩٧
يا صاحب الأمر

تبلج الأمرُ وانجابت دياجينا * * * ورفرف النصرُ واهتزت مواضينا
يا ليلة النصف من شعبان ما برحت * * * ذكراكِ تغري بنجواها أمانينا

(٥٦٠)

عودي علينا كما تهوى مفاخرُنا * * * وطالعينا بما ترضي معالينا
مولودكِ البكر ما انفكّت خواطرُه * * * تثيرنا ومعانيه تسلينا
الطالب الثأر ممن بزَّ موقفنا * * * من الزمان وممّن هدّ ماضينا
والناشر الراية الشهباء تعرفها * * * أيامنا وتناغيها ليالينا
وابن الأئمة من آل النبيِّ ومن * * * تمَّ الكتابُ به شرحاً وتبيينا
ومن به ينشرُ الإسلام رايته * * * فينضوي الكفرُ مخذولاً وموهونا
ومن يؤسس فيه الدين دولته * * * ويجعل الحق للتاريخ قانونا
بقيّة الله من أمست حقيقتُه * * * سرّاً بمخزن علم الله مكنونا
يا صاحب الأمر يكفيك السكوت فقد * * * حاطت بكلِّ سرايانا أعادينا
ضاق الخناقُ بنا في كلِّ ناحية * * * فلا ملاذ لنا إلاك ينجينا
فانهض فكم من حسين غصّ في دمه * * * فينا وكم من يزيد في نوادينا
كم ذا وقوفك والأحداث تنشرنا * * * على الرزايا وبالأهوال تطوينا
جرد حُسامك واحصد أرؤساً جبلت * * * على الجرائم توجيهاً وتكوينا
وسير الموكب الحيران إنّ له * * * من التبرّم ندباً بات يشجينا
وحرر الجيل من أطماع أنمرة * * * جنت فسار بها التأريخُ مجنونا
تروي الصواريخ عنها مالها ارتعدت * * * قلوبُنا وجرت منها مآقينا
مولاي رحماك بالإنسان تنسفه * * * مطامعٌ أرعبت حتى الشياطينا
عجّل فقد جف منا كلُّ منتهل * * * فلا نرى مورداً للحق يروينا (1291)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1291) مع النبي وآله (صلّى الله عليه وآله): ٢٩٧.

(٥٦١)

الشيخ فرج بن حسن آل عمران
المولود سنة ١٣٢١، والمتوفى سنة ١٣٩٨
ميلاد الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)

ملأ الكون بهجةً وسرورا * * * وازدهى بالهنا وأشرق نورا
واكتسى حلة المسرات لما * * * فيه مهديُنا تجلّى ظهورا
ظهر النورُ ليلة النور من نو * * * رٍ فأضحى زمانُنا مستنيرا
هو نورٌ بالعرش كان محيطاً * * * يعبد الله جلَّ شأناً دهورا
ومذ اللهُ شاء إظهاره للكون * * * فضلاً على العباد كبيرا
نقل الله ذلك النور للنور * * * شموساً مضيئةً وبدورا
من أبٍ ماجدٍ وأمٍّ حصانٍ * * * طهّر اللهُ ذاتهم تطهيرا
لم يزل هكذا يحل بطوناً * * * طاهراتٍ شريفةً وظهورا
وإلى نرجس التقية ذات * * * الفضل أنهى الإله ذاك النورا
فبدا النورُ ليلة النصف من * * * شعبان حين الصباح أبدى سفورا
فاستنارت عوالمُ الكون من نور * * * سناه الذي جلا الديجورا
بوركت ليلةٌ تولّد فيها * * * خاتمُ الأوصيا وشعّ ظهورا
ليلةٌ مثلُ ليلة القدر فيها * * * قدّر العالمُ الخبيرُ الأمورا
شهرُ شعبان نلت فضلاً عظيماً * * * ومزايا شتى وشأناً خطيرا
خصّك الله بالرضا وارتضاك * * * الله للمصطفى فنلت الحبورا
وبوضع الحسين والقائم المهدي * * * نلت التعظيم والتقديرا
شهرُ شعبان أنت شهرٌ ولكن * * * فقت في فضلك الشهير الشهورا (1292)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1292) الأزهار الأرجية، الشيخ فرج العمران: ١/ ١٣٧ - ١٣٨.

(٥٦٢)

الشاعر محمد سعيد الجشي
المولود سنة ١٣٣٨ ه‍والمتوفى سنة ١٤١٠ه‍
يا مطلع الفجر

يا مطلع الفجر خلِّ الفجر ينتشرُ * * * على الربا فلعلّ الليل ينحسرُ
فربما تُرسل الأطيارُ نغمتَها * * * وربّما بعد صمتٍ ينطقُ الوترُ
وربما اخضر عودٌ بعدما يبست * * * جذورُهُ فيضوعُ العطرُ والزهرُ
فقد تعود إلى المرعى نضارتُه * * * فالقطرُ يُحبس أحياناً وينهمرُ
وقد تعود إلى الأيام بهجتها * * * وربّما بعد جذبٍ يورق الشجرُ
غداً ستبزغُ شمسُ الحق ساطعةً * * * غداً ستُرفع عن أقمارنا السترُ
ويخرج (القائمُ المهدي) في نفرٍ * * * كأنهم أنجمٌ في الأرض تنتشرُ
غداً ستخفق للإسلام رايتُه * * * ويُنشرُ العدلُ والأوطانُ تزدهرُ
يا غائباً تُرتجى في الناس طلعتُه * * * متى القيام فإن الليل معتكرُ
متى النهوض فقد ضلّت سفائنُنا * * * بمائجٍ صاخبٍ فائت به العصرُ
كلُ السفائن غرقى غيرُ واحدةٍ * * * بها النجاةُ وفيها يأمنُ البشرُ
سفينةٌ أنت ربانٌ لها وسنىً * * * فقد خطاها إليك الدهرُ مفتقرُ
فأنت أنت الذي تعلو بيارقُه * * * على الذُرى وبك الإسلام ينتصرُ
وأنت أنت الذي القرآن تنقذه * * * حتى تضيء بنا الآيات والسورُ
يلقى إليك زمام الكون أجمعه * * * فالشمس سائرة في الركب والقمرُ
يا مولداً رفّ فيه للهدى علمٌ * * * كالشمسِ مشرقة فالكون مزدهرُ
ويا رؤى لفتوحاتٍ وألويةٍ * * * تفر منها قوى الباغي وتندحرُ
تعلى الشرائعُ في الآفاق نيرةً * * * في ظلّها العدلُ فيها العزُّ والظفرُ
تمشى على هديها الأجيال هانئةً * * * في نعمة الله يغدو الكلُّ ينغمرُ

(٥٦٣)

يا كوكباً تشرق الدنيا بطلعته * * * فينمحي حالكُ الأيام والعُسرُ
ما عيبنا أن نقم ذكراك مشرقة * * * بل عيبنا إن تزغ في ذاتنا الفِكرُ
فالحقُ حقٌ وقد جاء الرسول به * * * لذا فإنا إلى (المهدي ننتظرُ)

الدكتور الشيخ محمد حسين علي الصغير
المولود سنة ١٣٥٩هـ
قال: نُظمت هذه القصيدة في تحية صاحب الزمان (عليه السلام) وتُليت في ندوة خاصة في ذكرى مولده الشريف ١٥ شعبان ١٤١٤ ونُشرت في مجلة الانتظار النجفية، أقول: فمنها هذه الأبيات:

بطلعته الغراء نُهدى ونستهدي * * * فشعي على الآفاق يا طلعة المهدي
أقيمي الضُحى حياً فما برح الدُجى * * * ينيخُ على الدنيا بأربدَ مسودِ
وفجرُ الهدى يختالُ نوراً وبهجةً * * * ويحتضنُ الأرجاءَ في أرجِ النَّدِ
تعاليتَ ياسرَّ الإمامة والنُهى * * * وبوركتَ يارمزَ القداسة والرُّشدِ
فيا شعلةَ الحقِّ المبين توهجي * * * ويا صولةَ الدينِ الحنيفِ بنا جدّي
أعيدي لنا عهدَ النبيِّ بيثربٍ * * * وعصرَ عليِّ الطُهرِ في كوفة الجندِ
أعيدي صدى القرآنِ كالأمس هادراً * * * وما شيَّد الإسلام في سالفِ العهدِ
متى تشرقُ الدنيا ويشمخُ أنفُها * * * بمنصلتٍ كالسيفِ سُلّ من الغمدِ
ويزحفُ من بطحاء مكةَ قائمٌ * * * يقومُ على اسم الله باليُمن والسّعدِ
فيملؤُها عدلاً وقسطاً ورحمةً * * * كما مُلئت بالجورِ والظلمِ والحقدِ
ويا صاحبَ الأمرِ استطال بنا المدى * * * وحنّت إلى لقياكَ أفئدةُ المجدِ
ويا صاحبَ الأمر استجار بكَ الهُدى * * * وخصَّك مابين البرية بالقصدِ
أجل طرفكَ المحزونَ فينا فهل ترى * * * سوى نزواتٍ من جنوحٍ ومن صدِّ

(٥٦٤)

فديتُك عجّل بالظهور فإنما * * * كجمر الغضا هذي القلوبُ من الوجدِ
أغث حوزةَ الإسلام من كلِّ جائرٍ * * * وطهّر بلادَ الله من كلِّ مرتدِ
ودمّر طواغيتَ الزمانِ بثورةٍ * * * وطوِّق شياطينَ السياسةِ بالرَّصدِ
وضيّق خناقَ الحاقدين على الهدى * * * وشمّر إلى الإصلاحِ عن ساعد الجدِّ
فأنت عمادُ الدين مازال قائماً * * * ومنتظرُ الأجيالِ للحلِّ والعقدِ
فقد عُطّل الشرعُ الشريفُ واُثخنت * * * جراحُ الهدى من واثبين على عمدِ(1293)

وله أيضاً قصيدة ألقيت في الكاظمية في جامع آل ياسين والكرادة الشرقية في احتفالات ميلاد صاحب الأمر (عليه السلام) سنة ١٣٨٣، فمنها هذه الأبيات:

طاول نجومَ الأفق والأقمارا * * * وتحدَّ هذا العالم المنهارا
وتبنَّ جيلاً صاعداً وشبيبةً * * * عملاقةً وصحابةً أبراراً
واشمخ على التأريخ في أطروحة * * * تدعُ الطواغيتَ الكبارَ صغارا
وأفض علينا نفحةً قدسيةً * * * تغذو العقول وتُلهم الأفكارا
فلقد مددتُ بما وهبت قرائحاً * * * وكشفت عن قبساتها الأستارا
ما زال مجدُك يستجدُّ معاجزاً * * * تغزو الردى وتصارعُ الأفكارا
سارٍ مع التأريخ في خطواته * * * يستقبلُ الأجيالَ والأعصارا
كالبدر في كبد السماء مُحلقاً * * * وشعاعُه متدفقٌ أنوارا
يُزجي هداك على الحياة وأفقها * * * أرجاً يفوحُ وسلسلاً مدرارا
يا مولد المهديِّ كنت ولم تزل * * * للطيباتِ الخالداتِ منارا
جدَّدت عهدَ محمدٍ وحديثه * * * وأعدته متأرجاً معطارا
أشرق على الحفل المبارك شعلةً * * * وضاءةً أو كوكباً سيّارا
واستجل من هذي النفوس شغافها * * * وتغنَّ في أعماقها قيثارا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1293) ديوان أهل البيت (عليهم السلام)، الدكتور محمد حسين الصغير: ٣١٥ - ٣١٦.

(٥٦٥)

سترى النفوسَ مولهاتٍ فرحةً * * * نسجت خيوطَ ولائها أوتارا
لتريك كيف الحبُّ يفرغُ سحرهُ * * * ويفكُّ عن قلب المُحبِّ أسارا
هاتيك عاطفةٌ لآل محمدٍ * * * شربت هواهم سائغاً درّارا
ماذا عليَّ؟ إذا طربتُ وإنما * * * طرب الفؤادُ فأنطق الأشعارا
يا صاحب الأجيال حسبُك رفعةً * * * سمت الكواكبَ والنجومَ فخارا
لك في مصفِّ الخالدين مكانةٌ * * * تستوجب الإجلال والإكبارا
قيمٌ من المُثُل الرفيعةِ صيّرت * * * سُوح الحياة لجريها مضمارا
ومعارفٌ خلّاقةٌ لو صافحت * * * صمَّ الجبال لأنبتت أزهارا (1294)

الشيخ محسن المعلم
المولود سنة ١٣٧٢
لسماحة الشيخ أيده الله تعالى تخميس أبيات للدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي في انتظار الإمام (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)، وقد أرسلها له يوم كان في جدة في شوال سنة ١٤٠٧.

طال الغيابُ وأجدبتْ أرضُ الهدى * * * والشرُّ جاوز خطبه حدَّ المدى
وظُهورُ شمسِ الحقِّ أرقبُه غدا * * * أنا في انتظارك طال أو قصُرَ المدى
لا البعدُ يؤيسُني ولا هجرُ العدا
ولقد تعالت للمفاسد صيحةٌ * * * فمتى تهبُّ من المهيمن رحمةٌ
ومتى تضوعُ من النسائم نفحةٌ * * * ما يومُكَ الموعود إلا نسمةٌ
روحيِّةٌ نطفي بها لهب الصَّدى
إنا لنرغب أن يُظللّنا اللوا * * * ونكونَ جندَ الحقِّ في سحقِ العدى
ونموت أو نحيا إذا شبَّت لظى * * * قسماً بسيفِ أبيك حيدرةِ الوغى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1294) ديوان أهل البيت (عليهم السلام)، الدكتور محمد حسين الصغير: ٢٩٨ - ٣٠٠.

(٥٦٦)

نحنُ العطاشُ الطالبو وِرد الردى
ما زلتُ بالوعدِ القديمِ مُصدِّقا * * * ومؤملاً للخلق يوماً مُشرقا
وموطناً نفسي على ذاك اللقا * * * ماضرّ من شرب الولاء مُعتّقا
أن لا يرى في خمره إلاّ الفِدا

وله أيضاً يقول ضمن قصيدة له:

سيشرقُ وجه الدهر يوماً بطلعتةٍ * * * بهدي سناها ينجلي الهّمُ والكربُ
ويعمرُ في الآفاقِ دينٌ ودولةٌ * * * تقومُ بإذن الله إذ زالت الحُجبُ
وقاد جيوش الله صاحبُ أمرنا * * * وأعوانُه جبريلُ والصفوةُ الصُحبُ
فيا ربِّ سدّد بالنبيّ وآله * * * خُطانا فدربُ الحقّ حقاً هو الدربُ

الشيخ عبد الكريم الزرع
المولود سنة ١٣٨١
يا منقذ الإسلام

حييت يا منقذ الإسلام برهانا * * * حييتَ يا حاملاً سيفاً وقرآنا
حييت تستمطر الآفاق ما حملت * * * طياتُها من لهيبِ الجورِ نيرانا
تجمِّع الآهَ في حدّ الظبا لهباً * * * تصبُّه فوق هامِ البغيِ بركانا
ناراً تدك صروح البغي صاليةً * * * تذيبُ ما رصَّعوا عرشاً وتيجانا
لتحرقَ الظلمَ في أوكار سطوته * * * ويصطلي بضرامِ الحقِّ خسرانا
يخرُّ يذوي إلى رمس البِلى مِزَقاً * * * لِهُوَّةٍ ملئت ظلماً وعدوانا
بحيث لا ندم يجدي ولا سَعَةٌ * * * تُرجى وقيل له دِينَ الذي دانا
يُهالُ من فوقه كالجمر مضطرماً * * * شواظُ محنتِنا أيامَ بلوانا
ونقبرُ الآهَ تلوَ الآهِ في جدثٍ * * * فكم حسوناهُ ويلاتٍ وأحزانا
وكم جرعْنا بكأس الغمِّ غصَّتَه * * * وكم سلوْنا وذاتُ الصبرِ سلوانا

(٥٦٧)

وكم سكبْنا على شاطي النوى حِمَماً * * * من الدموع تُسلِّي النفسَ أحيانا
يغتالُنا اليأسُ يأسُ الانتظار ولا * * * يغتالُ منّا أحاسيساً وأشجانا
نَرنو إلى مركب التأليف يجمعُنا * * * من الشتاتِ فكم شطَّتْ سرايانا
يُقِلُّنا الضفةَ الأخرى وإن بَعُدت * * * فالسيرُ عذبٌ لِشأْوٍ فيه إِحيانا
يُقِلُّنا لمروج الحبِّ مزهرةً * * * نستافُ من عبْقِها روحاً وريحانا
لمرفأٍ في حنايا الحبِّ مَرْتَعُهُ * * * وفي حنان الإخا يختالُ نشوانا
إلى الأمان وهل غير الأمان هوىً * * * نصبو إليه وتعلو فيه أصدانا
إلى الورودِ التي لم تبدُ حمرتُها * * * إلا بريِّ دمٍ صبَّتْه قتلانا
إلى اليفاعِ الذي لم تَخْبُ نضرتُه * * * إلا سقيناه أطفالاً وشبانا
إلى الجمالِ الذي لم تَحْلُ صورتُه * * * وقد عشقناه خلّاباً وفتّانا
إلا كما شاءت الأقدارُ وانخسفتْ * * * منا بدورٌ تردُّ البدرَ خجلانا
فكلما أَوْمَضَتْ خلف الغمام يدٌ * * * نظن أن بها بِيضاً ومُرَّانا
تعَكَّرَ الصفْوُ واسْتَشْرى الظلامُ به * * * وصال كالشبحِ المسعورِ هيمانا
وثار بحرُ الأسى تعلوه عاصفةٌ * * * وجاءنا موجُه العاتي وغطانا
فنحن في بحر آمالٍ تَقاذَفَنا * * * مداً وجزراً فأدنانا وأقصانا
بحرٍ خِضَمٍّ عميقٍ داكنٍ عكرٍ * * * وسطحُه مفعمٌ سُحباً ودخانا
فكيف نبصرُ خلفَ الحُجْبِ غايتَنا * * * وصارمُ اليأسِ أضنانا وأعيانا
والعينُ في دمعِها القاني بحرقَتِه * * * كأنما اصطنعتْ بالدمع أجفانا
أم كيف نبحرُ حتى لو مجازفةً * * * والنفسُ تحدو بنا شوقاً لمرمانا
والمركبُ الغرُّ محجوبٌ وصاحبُه * * * والركبُ يحتاجُ للإبحارِ ربانا
ها نحن رغمَ صروفِ الدهرِ في ثقةٍ * * * ورغم ما حملت منها رزايانا
ورغمَ طولِ مغيبٍ قد أَضرَّ بنا * * * وزاد في الزمن المشؤومِ أزمانا

(٥٦٨)

والله ما خالجتْ أذهانَنا رِيَبٌ * * * ولا بهمسة شكٍّ في خفايانا
لكننا كلما نرنو لواقِعِنا الـ * * * ـمرِّ المعذبِ ألواناً وألوانا
ضاقت به الرُّحْبُ والأفياءُ فارهةٌ * * * تقل هارونَ في وكرٍ ومروانا
وثرثرتْ باسمِه الأنهارُ مُتْرعةً * * * وبات من حولها عطشان ظمآنا
نَبُثُّها صرخةَ الغرقى لمنقذِهِم * * * مما عراهم أسى سيلاً وطوفانا
ونحن واللهِ ندري ما تفيضُ به * * * جراحُ قلبِك آلاماً وتحنانا
فَمُذْ تكالبَت الأرزاءُ مطبقةً * * * أيقنتُ أنَّ بزوغَ الفجرِ قد حانا
أيقنتُ أنَّ ربيعَ الكونِ سوف يرى * * * بأن موعدَه المحتومَ قد حانا
قد آنَ أنْ تزهرَ الآفاقُ مُبْهَجَةً * * * ويبسمَ الدهرُ مسروراً وجذلانا
ويحكمَ الخصبُ أصقاعَاً لدنى فرحاً * * * ويزدهي المحل مكسواً وريانا
وينتشي العدلُ في أسمى مراتِبِه * * * يطبقُ الكونَ إخلاصاً وإحسانا
وتسكنَ الصرصرُ الهوجاءُ تائبةً * * * تلقى الشكائمَ في كفَّيْكَ سلطانا
ونكحلَ العيَن من وجهٍ يفيضُ سناً * * * ورأفةً وابتساماتٍ وإيمانا
ونشرحَ الصدرَ إيناساً بمجلسِه * * * ويخفقَ القلبُ مياساً وفرحانا
يا سيدي يا وليَّ العصرِ يا أملاً * * * غنَّى به القلبُ أنغاماً وألحانا
عجلْ فما أولهَ العشاقَ في غَدِنا * * * للسيِر خلفَك أنصاراً وأعوانا
عجلْ وعينُك خلف الغيب ترعانا * * * وأجمعْ بنورِ الهدى والحبِّ أهوانا
فالحقدُ كشَّرَ أنياباً لفرقتِنا * * * كأنَّ في كلِّ نابٍ منه ثُعبانا
وأننا اليومَ أشلاءٌ موزعةٌ * * * كأنَّنا لم نكنْ في الله إخوانا
فاشهر حُسامك فالبشرى بومضته * * * تنيرُ ليلَ الورى صبحاً وتبيانا
فكم تلوحُ سيوفُ الحاقدين بنا * * * تحتلُّ أنحرَنا غمداً وميدانا
تتيه ملؤُ مداها ضحكةً وأسى * * * كأنَّها وهي تفْرينا تحدانا

(٥٦٩)

ونحنُ نشحذها جهلاً ونطعمُها * * * دم الموالين للكرار قربانا
نغوصُ في لُجَّةِ الآثامِ لا قبسٌ * * * يضيءُ وسطَ عُبابِ الذنبِ مسرانا
الناسُ بالعلمِ تسعى نحو عزتها * * * وإن بنوا في متين الصرح عصيانا
ونحن لم نرَ غيرَ الطعن في العُلما * * * وغيرَ سبِّهم درساً وعنوانا

وله أيضاً: يا أملاً

بزغتَ فالشمسُ خجلى من مُحياكا * * * يا صاحب العصر بل جذلى بلقياكا
لا الشمسُ في أوجها تحكيك قد صغرت * * * مما بري نورها من نور مرآكا
لقد أنرت ذُكاءً فاستضيء بها * * * أطعت ربَّ السما روحاً فأعطاكا
بكم أنارت وكلُّ الكون في يدكم * * * عبدٌ مطيعٌ وربُّ الكون أولاكا
واستبشر الكونُ مسروراً بطلعتكم * * * وماست الأرض من أشذاء رياكا
للأرض فخرٌ على كلِّ الكواكب أن * * * داست على خدّها المبسوط رجلاكا
وأزهرت أرضُ سامرا مفاخرةً * * * كلّ المدائن إذ شعت بمغناكا
واستبشرت شيعةٌ عبّت محبتكم * * * وحبّكم ذاتنا نهواك نهواكا
لما بدا يا حمى الإسلام نوركمُ * * * صحنا نجلجل يا إسلامُ بشراكا
بشرى تُزف إلى الزهراء فاطمة * * * وسادة الكون والأطهار آباكا
لأحمد المصطفى والمرتضى وهما * * * نفسٌ من النور في جسمين جداكا
و للزكيين خير الخلق بعدهما * * * من هدّما لصروح الكفر أشراكا
وللثمانية الأنوار من بهم * * * نرجو الشفاعة في الأخرى أحباكا
هذا الفخار لعمري طاب من حسبٍ * * * سامٍ ومن نسبٍ بالمجد أسماكا
يا خير آلٍ وخير الخلق كُلهم * * * إنساً وجناً وولداناً وأملاكا
قد كُنتمُ للنُهى والعلم مملكة * * * و للعُلى والإبا والمجد ملاكا
لولاكمُ لم تزل في ذهننا سِنةٌ * * * بكم تحول جهل الناس إدراكا

(٥٧٠)

بوركت يا نورُ يا قلب الحياة ويا * * * سرَّ الوجود فكُنه الكون مغناكا
بزغت في زمن الفرعون معتمد * * * ذي الغانيات الذي ما انفك سفّاكا
قد رام قتلك بذلاً كلَّ طاقته * * * لكنما الله عن عينيه أخفاكا
وما رأينا جنيناً مُرعباً ملكاً * * * غير الكليم النبيِّ إلاك إلاكا
راموا بأن يطفئوا نور الإله ولـ * * * ـكن رام ربُّك في إتمام أضواكا
هذي حكيمةُ لم تلمحك عن كثبٍ * * * فكيف عينُ العدى جلّت سجاياكا
وليلةُ النصف من شعبان عادتنا * * * عيدٌ عظيمٌ بها من طيب ذكراكا
طوبى لنرجس أن جاءت بمعجزة * * * وتلك والله بعضٌ من مزاياكا
فلم تكن لسواها مثلها حدثت * * * أن أخفي الحمل عن هذا وعن ذاكا
طوبى فما بعدها أنثى أتت بفتى * * * في الصبر أوفي كمال النفس حاكاكا
وأحمد اختارها عرساً لوارثه * * * للعسكري وما أوصاه أوصاكا
من المسيح الذي يأتي وطلعتكم * * * عيسى بيمناك والخضر بيسراكا
وأنت بينهما كالشمس كالأسد الـ * * * ـضاري وومض سنا الماضي بيمناكا
وحولكم صفوةٌ حفّت بكم نُجُماً * * * زهراً غطارفةً بيضاً ونُسّاكا
في كلِّ كفٍ لهم صمصامةٌ خذمٌ * * * يا فاتك الظلم لا تستبق فتاكا
يا سيدي وإله العرش يشهد أن * * * البين أدمى الحشا عجّل بمسعاكا
من صادف الشوك كان الورد غايته * * * فكيف نُبصر بعد الشوك أشواكا
متى نرى الأرض خضراء الربى بكم * * * وتملأ الرحبَ يا مولاي أصداكا
فاسطع على الأفق أنواراً يكللها * * * تاجُ السلام وعينُ الله ترعاكا
واصرخ على سدم الأكوان منتصراً * * * فصرخةُ الحق رهنٌ في ثناياكا
فإننا لم نزل نرجو ونأمل ما * * * وعدتنا أننا نحظى بمرآكا
لو أننا قد نسينا اليوم أنفسنا * * * لا غرو في ذاك لكن ليس ننساكا

(٥٧١)

قد غبت غيبتك الكبرى وها هي ذي * * * تربو على ألف عام منذ منحاكا
وامتدت الألسنُ الحمقى وكان لها * * * ثأر ببدر أرادوا فيه إقصاكا
فقائلٌ تلك دعوى من به خبلٌ * * * وقائلٌ إن في ذا الدين إشراكا
وقائلٌ كيف يبقى إنه عجبٌ * * * فقلت إن الذي أنشاك أبقاكا
ذرهم يخوضوا فقد تاهت بصائُرهم * * * هيهات ما أتبع الناجون أفّاكا
إن كان بالعقل فالجبارُ مقتدرٌ * * * وليس ممتنعاً في الخلق إبقاكا
أو كان بالنقل عيسى الروح حجتُه * * * كذلك الخضرُ من سواه سواكا
والأرضُ لولاك ساخت أنت آيتُها * * * ولا استقامت حياةُ الدين لولاكا
يا سيدي أنت في العينين في الدم بل * * * في القلب والله يا مولاي سكناكا
مُرادنا الحق لا نبغي به بدلاً * * * فكان لما أردناه أردناكا
رأيتك الحق لما أن عملت به * * * أو اقتفيت رأيت الحق إياكا
لو رمت أرواحنا لبتك مسرعةً * * * فإن أمرت بها يا سيدي هاكا
قل نصغ واطلب ننفذ وادع نأتِ ومر * * * نلب واسر نسر طراً بمسراكا
عليك منا سلامُ الله يا أملاً * * * يوماً ولدت وما تلقى ومحياكا

الشيخ مهدي المصلي
المولود سنة ١٣٨٣هـ
يا باسط العدل

فجراً يشقُ ظلامَ الليل ننتظرُ * * * في مولدٍ بجلالِ اللهِ يزدهرُ
يعودُ فيه لآلِ الله حقّهمُ * * * ويستجيبُ لربّان الهدى القدرُ
وتنضوي تحته الراياتُ مشرقةً * * * يزفُّها الحبُّ والإخلاصُ والطهرُ
ضميرُها الأبيضُ الوضاحُ يدفعها * * * إلى الجهاد فيسعى نحوها الظفرُ
نصرٌ من الله للساعين يدفعُهم * * * وكلُّ ساعٍ إلى العلياء منتصرُ

(٥٧٢)

جاء النبيون والآياتُ تلهمهم * * * أن الهدى برسول الله منتشرُ
وجاء أحمد والقرآنُ في يده * * * يتلو عن الله ما جاءت به النُذرُ
وقال إن هدى القرآن سوف يرى * * * نوراً على الأرض يخشى بطشه الخطرُ
ستُملأ الأرضُ قسطاً بعدما مُلئت * * * ظلماً وضراً فيُمحى الظلمُ والضررُ
وحينما يُشرق البدرُ الذي استترت * * * أنوارُه فظلامُ الليل يستترُ
إن الظلام زهوقٌ من طبيعته * * * فكيف يبقى إذا ما أشرق القمرُ
يا سيدي هذه أرواحُنا مُلئت * * * شوقاً إليك وقلبُ الحب مُستعرُ
إنا نؤملُ يوماً أنت قائُدُهُ * * * فيُجتنى من جنان الأنبيا الثمرُ
إنا نؤملُ يوماً كلّ عالمنا * * * عليه من حكم آل المصطفى أثرُ
فيه الإمام وشرعُ الله منهجُهُ * * * قد اقتدى بعليٍّ حكمُهُ العِطرُ
فيه السلامُ على الآفاق ساطعةٌ * * * أنوارهُ وطيوفُ الحُزنِ تندثرُ
فيه تورّد غصنُ للهدى نضرٌ * * * وكلُّ غصنٍ رأى أنوارَكم نضرُ
متى الظهورُ فإنَّ الأرض قد خرجت * * * خيراتُها فمشى في قفرها الشجرُ
وأخرجت من حشاها نورُ عالمها * * * لكن به عمَّ في أرجائها الخطرُ
متى الظهورُ فإنَّ السُحب ناظرةٌ * * * أن تُحيي الأرضَ إذ لم يُحيها المطرُ
متى الظهورُ فأنت الوردُ والصدرُ * * * وأنت تعلم ما لا يعلم البشرُ
يا منقذَ الشرعة السمحاء من خطرٍ * * * هيهات يدركها في ظلك الخطرُ
ويا منفِّذَ شرع الله يا عبقاً * * * تضوع منه القرونُ الزُهرُ والزَهرُ
يا من يمنُّ على الدُنيا بطلعته * * * فتنجلي صورٌ إذ تمتحي صورُ
ويا معيدَ الرسالاتِ التي سلفت * * * لترتوي من شذا ألطافها البشرُ
ويا مضيئاً دروب الحق يا وهجاً * * * إشعاعُهُ رتلته الآيُ والسورُ
يا باسطَ العدل يا ينبوعَ رافده * * * يا من به العدلُ والإنصافُ يفتخرُ

(٥٧٣)

متى الظهورُ فكلُّ الخلق منتظرٌ * * * يوماً يمتع في أنوارك البصرُ

الشاعر معتوق المعتوق
المولود سنة ١٣٨٨
نجوى مع الفجر

رَنَّمَ الأُفْقَ والسَما والثُرَيَّا * * * خافِقٌ فيهِ قَدْ نَبَضْتَ دَوِيَّا
وانتَشى بَوحُهُ المُتَيَّمُ لَمَّا * * * شَمَّرَ الليلُ رِدْنَهُ الغَسَقِيَّا
وجَرى دَفْقُهُ السَخينُ طَروبَاً * * * يُسكِرُ الروحِ سائِغاً أزَلِيَّا
واعتَلى نَبْضُهُ فَهامَت وصارَت * * * أضْلُعُ الصَدرِ من غِناهُ قِسِيَّا
وسَرى هَمْسُهُ المُجَنَّحُ عِشقاً * * * أطرَبَ الكونَ فاقتَفاهُ صِغِيَّا
وَهَمى رَجْعُهُ مع الموجِ لَحناً * * * ينثُرُ الوَجْدَ فيهِ نَشْراً وطَيَّا
وتَثَّنَت على هَوَاهُ القوافي * * * يَملأُ السِحْرُ عَزْفَها القُدُسِيَّا
وغدت حولَهُ خِماصُ المعاني * * * ضامِراتِ الحشا تعودُ رُوِيَّا
وانْثَنَى صوتُهُ يَهُزُّ الرواسي * * * ويَجُوبُ الفَضا ويهطِلُ رِيَّا
ويُدَوِّي على السُرادِقِ لَحناً: * * * إنَّ في كُلِّ نَبْضَةٍ مَهْدِيَّا
ليلَةَ النِصْفِ ياغديرَ القوافي * * * يتجارى على القُلوبِ مرِيَّا
هاكِ أرواحَنا أتتكِ عُجالى * * * تلثِمُ البدرَ إذ يَلوحُ فتِيَّا
هاكِ أحداقَنا تحُومُ حَيارى * * * تَرْقُبُ الفَجرَ ترتأيهِ نجيَّا
هاكِ أسماعَنا إليكِ تناهت * * * رنِّمِيها على هواكِ ملِيَّا
هاكِ آمالَنا تموجُ سِراعاً * * * وُلَّهاً بين ناظِرَيكِ جِثيَّا
هاكِ أورادَنا تُتَمْتِمُ شوقاً: * * * أَطْلِعي فَجْرَكِ المُؤَمَّلَ فَيَّا
هاكِ أنفاسَنا تطوفُ وتسعى * * * وتُلَبِّي بين الضلوعِ مِشِيَّا
نرجِسُ العِشقِ في يديكِ تَثَّنى * * * فإلى (نرجِسٍ) خُذيهِ جَنِيَّا

(٥٧٤)

وارتوى خَدُّهُ الأَسِيلُ نميراً * * * قدِّمِيْهِ إلى (حكيمَةَ) رِيَّا
وانتشى عِطرُهُ فسالَ عبيراً * * * فخُذِيهِ (للعسكَريِّ) نَدِيَّا
وأطِلِّي على الدُنا بِوَلِيدٍ * * * هذِهِ الحورُ تحتريهِ نَغِيَّا
وعلى ثغرِها تَمَلَّي نشيداً * * * هَنِّئِي أحمَداً..هَبِيهِ سَمِيَّا
وانشريهِ بين الدُروبِ رَسولاً * * * وابعثيهِ بين القُلوبِ نَبِيَّا
فانجلى فجرُهُا لِيَبزَغَ وِتْراً * * * كانَ بالخُلدِ والخُلودِ حَرِيَّا
وانتهت رَقْدَةُ الزمانِ وأهدت * * * ليلَةُ النِصْفِ للهُدى مَهْدِيَّا
يا ربيعَ الهوى وغيثَ الفيافي * * * هاكَ أنَّاتِنا أتَتكَ شِكِيَّا
يا غديرَ الرَجا وَصَوبَ الأماني * * * هاكَ آمالَنا أتتكَ صِدِيَّا
نحنُ أيتامُكَ الذين سَكَبْنا * * * دمعةَ اليُتمِ للشِفاهِ سَقِيَّا
نحنُ عُشَّاقُكَ الذينَ كَتَمْنا * * * همسَ نجواكَ في الصُدورِ خِشِيَّا
وإذا صوتُنا إليك تَعَلَّى * * * خنَقَتْهُ العِدى فعادَ خفِيَّا
هذه عبرةُ الجِراحِ تَجَارَىْ * * * فمتى جَفْنُها يعودُ عَصِيَّا
هذه بسمةُ الحياةِ مَواتٌ * * * فمتى ثغرُها يعودُ ندِيَّا
ومَتى يُجْفِلُ الظلامُ كسيراً * * * ومَتى يُشرِقُ الضِياءُ زَهِيَّا
ومتى تنطَوي دروبُ المآسي * * * ونُغاديكَ للفتوحِ سَرِيَّا
ومتى باسمِكَ الأمينُ ينادي * * * فيُلَبِّيكَ خافِقي ويَدَيَّا
ومتى وِرْدُكَ المُظَفَّرُ يشدو * * * فنُصَلِّيهِ بُكْرَةً وعَشِيَّا
حينَها لَيلُنا سيُطْلِعُ بَدراً * * * تتغنى على سَناهُ الثُرَيَّا
ينتَضي عَسْجَدَ الشُعاعِ قَناةً * * * توقِظُ الليلَ كي يَقومَ ويحيى
ويذوبَ السوادُ الكئيبُ ليَأتي * * * بَعدَهُ الصُبْحُ خالِداً أبَدِيَّا
يشْهَرُ النورَ في يديهِ حُساماً * * * تنثَني حولَهُ الشموسُ حِنِيَّا

(٥٧٥)

حينَها يُدركُ الذين جَفَونا * * * أنَّ أيَّامَهُم لم تَكُ شَيَّا
لم تكُن غيرَ حُلْكَةٍ وظَلامٍ * * * وهْوَ ذا فجرُنا يلوحُ سنِيَّا
سيِّدي هاهيَ الخطوبُ تَلَوَّى * * * حولَ أعناقِنا وتُزْبِدُ غَيَّا
كم رجوناكَ في الأصيلِ بريقاً * * * في عُيونِ الندى يلوحُ جَلِيَّا
وارتَقَبْنَاكَ في بُطونِ الليالي * * * أملاً كامناً وحَمْلاً خفِيَّا
ونَحَتْناكَ في صًخُورِ البَلايا * * * مَبْسَماً حالِماً وخدَّاً طرِيَّا
وارتَوَينَاكَ في جفافِ الصَحَارى * * * منبَعاً صافِياً وغَيْثَاً هَمِيَّا
وانتَزَعناكَ من رَمادِ الرَزايا * * * عَسْجداً لامِعاً وتِبْرَاً نقِيَّا
وحَمَلناك في الشِغافِ لِواءً * * * فوقَ هامِ الذُرى يرُفُّ عَلِيَّا
وفَرَشْنا الصُدورَ لليأسِ نُطْعاً * * * وامتَشَقْنا من النُحورِ مُدِيَّا
وَحَطَمْنا عنِ الحناجِرِ قيداً * * * بِهُتافٍ عَمَّ الوجودَ شَدِيَّا
أنتَ يا هالَةً من القُدسِ تطويِ * * * في سَناها مُحمداً وعلِيَّا
ستؤُمُّ القُلُوبَ من كُلِّ حَدْبٍ * * * خُشَّعَاً بين راحَتَيكَ هُوِّيَّا
ونُصَلِّي مع الملائِكِ صَفاً * * * ونُلَبِّي مع (المسيحِ) سَوِيَّا:
كُلُّ آمالِنا تموتُ ولكن * * * عِندَ ذِكراكَ يا مُؤَمَّلُ تحيى

وله أيضاً: الأمَلُ المُرَجَّى

بدا للكونِ مَبْسَمُهُ فجُنَّا * * * وبَثَّ غرامَ خافِقِهِ وغَنَّى
سَرَى والريحُ تقرأهُ نشيداً * * * وتَجمَعُ حولَهُ الآفاقَ أُذْنا
فرَفَّ النبضُ يحدو في مداهُ * * * ومَرَّ هواهُ في الأصداءِ لَحْنا
وفي الشَهَقاتِ والزَفَراتِ سارَتْ * * * سرايا النبضِ والأنفاسِ سُفْنا
ودارَت حولَ مطْلَعِهِ المآقي * * * لتملأَ من نميرِ سَناهُ دَنَّا
فلم يدركْهُ إنسانُ الدياجي * * * ولا أرخى عليهِ الليلُ جَفْنا

(٥٧٦)

ولكن ألبَسَ الأرجاءَ فجراً * * * وسربَلَ ضوئَهُ في الفجرِ رِدْنا
وأرسَلَ من طلائِعِهِ شُعاعاً * * * ونوراً من بريقِ الشمسِ أسْنى
وسلسَل في صدورِ الناس وِرْداً * * * ورِيَّاً من رطيبِ الشَهْدِ أهنى
فقامَت تسألُ الأفلاكَ عنهُ * * * شِفاهُ الصُحفِ والقَلَمُ المُعَنَّى
أجيبي يا عوالِمَهُ أجيبي * * * أذاب الشوقُ أحرُفَنا وذُبنا
كأَنَّ الجَدْبَ آذَنَ بارْتِحالٍ * * * وأشرَع للمُنى السَغْباءِ مَغنى
كأنَّ نسائِمَ الأشذاءِ جالتْ * * * تمزِّقُ عن حبيسِ الوَردِ سِجنا
كأنَّ القادِمَ الموعودَ جلَّى * * * ستوراً شفَّتِ الأيامَ حُزْنا
كأنَّ وليدَ شَعبانٍ تبَدَّى * * * يُرافِقُهُ رفيفُ النصرِ خِدْنا
أجابَتْ لا تُطيلي في سؤالي * * * فذي الأملاكُ آحادٌ ومثنى
ملأنَ فضاءَ سامِرَّا ابتهالاً * * * وهذا الروحُ فوقَ الدارِ أحنى
يحيطُ بنرجسٍ والصُبحُ يدنوا أتاها * * * وصلبُ الدارِ من شوقٍ تثَنَّى
فكانَ الطلقُ من نبضِ الليالي * * * تَرَّقَبُ وُلَّهَاً والفَجرُ عَنَّ
فأشرفَ عندَها الأملُ المرَجَّى * * * ونادَت حولهُ الأكوانُ فزنا
ألا يا فتَّةَ المِسْكِ الثُميهِ * * * وأَهْدي قُبْلَةَ العُشَّاقِ عَنَّا
فكم غبَطَتكِ أرواحٌ تمنَّتْ * * * ولو بالطيفِ تلثِمُهُ فَتَهْنا
أريحي مبسَمَيكِ على لُجَينٍ * * * وخَدٍ من نَدِيِّ الوَرْدِ أقْنى
ولوحي بينَ لألاءِ المآقي * * * ودُرِّ الثَغرِ إشراقاً وحُسنا
فتلكَ الدُرَّتانِ إذا تلاقَت * * * ستُبْرأُ أعيُنُ العُشَّاقِ مُزْنا
ويهمِلُ غيثُها المَجمورُ وَجْداً * * * لتُنبِتَ دَمعَها المحمومَ غُصْنا
وإن ناجَى ورَفَّتْ وجنَتاهُ * * * سيهتِفُ خافِقٌ قد بات مُضْنَى

(٥٧٧)

مضَت يا وَجْنَةَ المولى سنيني * * * وعُمري بالوِصالِ العذبِ ضَنَّا
قَسَمتِ بسَهمِكِ الأخاذِ قلبي * * * وأنتِ وَهبتِ دامي الجُرْحِ لَونا
فإن ألقاكِ في غلَسِ الليالي * * * ستُصبِحُ قفرَةُ الأحلامِ عَدْنا
وأهتِفُ يا دروبَ العِرْقِ قومي * * * أتى المهدِيُّ ألطافاً ويُمْنا
أتى مِنْ رَحْمِ مَذْعُورِ الليالي * * * ليَبْعَثَ في مَخُوفِ الهَدْيِ أمْنا
ويُطْلِعَ بين طَيَّاتِ الفيافي * * * ربيعاً من يديهِ الحقُّ يُجْنى
ويَعْمُرَ للهُدى المهجورِ مجداً * * * ويُرْجِعَ عزَّهُ المهدومَ حِصْنا
فكم هُدَّتْ قوائِمُهُ جَهاراً * * * وجاءَ اليومَ منقِذُهُ لتُبْنى
وكم أَفْنَتْ دعائِمَهُ الأعادي * * * وجاءَ اليومَ مَوْعِدُها لتَفْنى
وجاءَ اليومَ من يجزي الليالي * * * ويوفي دورَةَ الأيَّامِ دَيْنَا
لترجِعَ صَفقَةُ الظُلاّمِ خَسْرى * * * وتنضَحَ صفقةُ المظلومِ يُمنا
ويبكي الضاحِكونَ على الثُكالى * * * ويهتِفَ خَلفَهُ الباكونَ فُزْنا
ويعْلَمَ من تَجَبَّرَ أو تعَدَّى * * * بأنَّ الحَقَّ مَهْما غابَ دَفنا
سيرجِعُ كالجذورِ الشُمِّ غَضْبَى * * * تَطَالَعُ - رَغْمَ أنفِ التُرْبِ - غُصنا
وتَسمُقُ بينَ أذيالِ السَوَافِي * * * وروداً ليسَ ترضى الأرض بَطنا
وتفتَرِعُ المَفَازَةَ وهي عَطْشى * * * لتبلُغَ في متيهِ الجدْبِ عَينا
وتَشْمَخُ بينَ عَصفِ القفرِ بأساً * * * يدُكُّ على طريدِ اليأسِ رُكنا
كذاكَ سيطلُعُ المأمولُ عُمْراً * * * يُوَسِّعُ في دروبِ الموتِ بَونا
ولو تُشْرى سلاَمَتُهُ بِعُمرٍ * * * لقُلْنا للرَدى المحمومِ خُذْنا
فِداكَ الروحُ يا شَمْسَاً تناءَتْ * * * ورفَّت خلفَ سِتْرِ السُحبِ كَونا
أدِرْ عينيكَ يا مولايَ فينا * * * ستُبْصِرُ في رعيفِ الشمسِ لَونا

(٥٧٨)

كسَتهُ دماؤنا اللاتي تشظَّتْ * * * وظَلَّتْ في يَدِ الجَلاّدِ رَهْنا
فعمَّن تُفرِغُ الآلامُ؟ عَنَّا * * * وممن حُمرَةُ الآفاقِ؟ مِنَّا
بكَتْنا الذارياتُ فحيثُ حَلَّت * * * ترانا بالدمِ المطلولِ لُذنا
نقدِّمُهُ قرابيناً لِحَقٍ * * * تمايَلَ قَدُّهُ المصلوبُ وَهْنا
تلَوَّتْ فوقَ ناحِلِهِ سياطٌ * * * لتُشعِلَ باللظى المشبوبِ مَتنا
فسَلْ تلكَ السياطِ وجالِديِها * * * فكم مالَت على يدِنا ومِلْنا
نُقَدِّمُ دونَ عينِ الدينِ يُسرى * * * ونبسُطُ دونَ قلبِ الحقِّ يُمنى
جَرَعْنا دونَ حبِّكُمُ المآسي * * * فمُرْنا نحتسِي الأوجاعَ... مُرْنا
سنشربُها هنيئاً يا إمامي * * * أطابَ العِشقُ غُصَّتَها وطِبنا
ونُذهِلُ من عزائِمِنا البلايا * * * إذا قالتْ أديروا الآهَ قُلْنا
عشِقنا الآهَ من وَلَهٍ ووَجْدٍ * * * لِطَيفِكَ يا إمامَ القلبِ ذُبنا
بحُبِّكَ سوفَ نحيى والأماني * * * فلولاكُمْ لما كانَت وكُنَّا

(٥٧٩)

مصادر الكتاب

حرف الألف
١ - الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر: الشيخ حمود بن عبد الله بن حمود التويجري، طبع ونشر مكتبة دار العليان الحديثة للطباعة والنشر والتوزيع بريدة.
٢ - الاحتجاج: أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، تعليقات وملاحظات السيد محمد باقر الخرسان، طبع في مطابع النعمان النجف الأشرف.
٣ - أخبار الدول وآثار الأول: أبو العباس أحمد بن يوسف بن أحمد القرماني الدمشقي (ت ١٠١٩) نشر عالم الكتب، الطبعة الأولى سنة ١٤١٢، بيروت - لبنان.
٤ - الاختصاص: الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن النعمان العكبري البغدادي (ت ٤١٣) صححه وعلق عليه علي أكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.
٥ - الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الشيخ المفيد (ت ٤١٣هـ) تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)، الطبعة الثانية ١٤١٤ ه، نشر دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان.

(٥٨٠)

٦ - أزمة الخلافة والإمامة وآثارها المعاصرة: أسعد القاسم، نشر مركز الغدير للدراسات الإسلامية، الطبعة الأولى ١٤١٨ ه‍ - ١٩٩٧ م بيروت - لبنان.
٧ - الأصول العامة للفقه المقارن: العلامة السيد محمد تقي الحكيم، نشر مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) للطباعة والنشر، الطبعة الثانية.
٨ - أضواء على السنة المحمدية: محمود أبو رية المصري، الطبعة الخامسة.
٩ - إعلام الورى بأعلام الهدى: أمين الإسلام الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي من أعلام القرن السادس الهجري، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم المشرفة الطبعة: الأولى ١٤١٧.
١٠ - الأعلام: خير الدين الزركلي، بيروت - لبنان، الطبعة الخامسة.
١١ - أعيان الشيعة: السيد محسن الأمين، حققه وأخرجه السيد حسن الأمين، نشر دار التعارف للمطبوعات بيروت.
١٢ - إقبال الأعمال: السيد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن طاووس، تحقيق جواد القيومي الأصفهاني، نشر مركز النشر مكتب الاعلام الإسلامي قم المقدسة، الطبعة: الأولى ١٤١٤ ه‍
١٣ - الأمالي: شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي(ت ٤٦٠ هـ) تحقيق قسم الدراسات الإسلامية، نشر مؤسسة البعثة للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى: ١٤١٤ ه‍.
١٤ - الأمالي، الشيخ الصدوق: أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (ت ٣٨١ هـ) تحقيق قسم الدراسات الإسلامية، نشر مؤسسة البعثة، قم الطبعة: الأولى ١٤١٧ ه‍..
١٥ - الإمام الثاني عشر: السيد محمد سعيد الموسوي آل صاحب العبقات، قدم له وعلق عليه السيد علي الحسيني الميلاني، منشورات مكتبة نينوى الحديثة كربلاء، مطبعة القضاء في النجف الأشرف ١٩٧٣ م ١٣٩٣ ه‍.
١٦ - الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): المستشار عبد الحليم الجندي، نشر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في مصر - القاهرة ١٣٩٧ ه‍ - ١٩٧٧م.

(٥٨١)

١٧ - الإمامة والتبصرة من الحيرة: المحدث أبو الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي والد الشيخ الصدوق (ت ٣٢٩ هـ) تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام)، قم المقدسة، الطبعة: الأولى سنة ١٤٠٤ ه‍.
١٨ - الإمامة والسياسة: أبو محمد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة الدينوري (ت سنة ٢٧٦ هـ) نشر مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع.
١٩ - أمان الأمة من الاختلاف: الشيخ لطف الله الصافي، الطبعة الأولى المطبعة العلمية - قم ١٣٩٧.
٢٠ - إمتاع الأسماع: تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد المقريزي (ت ٨٤٥ هـ) تحقيق وتعليق محمد عبد الحميد النميسي، منشورات محمد علي بيضون، الطبعة الأولى ١٤٢٠ ه‍ - ١٩٩٩ م دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
٢١ - الأمل الموعود، حروف أدبية وبحوث علمية في صاحب الزمان من أرض القطيف: جمع وترتيب لؤي محمد شوقي آل سنبل، الطبعة الأولى سنة ١٤٣٠، نشر دار العصمة، مملكة البحرين
٢٢ - أنساب الأشراف: النسابة والمؤرخ أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري من أعلام القرن الثالث الهجري حققه وعلق عليه الشيخ محمد باقر المحمودي، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان، الطبعة الأولى ١٣٩٤ ه‍ - ١٩٧٤ م.
٢٣ - الأنوار القدسية: الشيخ محمد حسين الأصفهاني، صححه وعلق عليه الشيخ علي النهاوندي مؤسسة المعارف الإسلامية.
حرف الباء
٢٤ - بحار الأنوار: العلامة المجلسي: فخر الأمة المولى الشيخ محمد باقر، نشر مؤسسة الوفاء، بيروت - لبنان الطبعة الثانية ١٤٠٣ ه‍ - ١٩٨٣.
٢٥ - البحث حول المهدي (عليه السلام): السيد الشهيد محمد باقر الصدر، تحقيق: الدكتور عبد الجبار شرارة، نشر: مركز الغدير للدراسات

(٥٨٢)

الإسلامية، قم المقدسة، الطبعة الأولى ١٤١٧ ه‍.
٢٦ - بشارة المصطفى (صلّى الله عليه وآله): عماد الدين أبو جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري من علماء الإمامية في القرن السادس، تحقيق جواد القيومي الأصفهاني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة: الأولى.
٢٧ - بصائر الدرجات: شيخ القميين أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصفار (ت ٢٩٠) تقديم وتعليق وتصحيح العلامة: الحاج ميرزا محسن كوچه باغي، منشورات الأعلمي - طهران ١٤٠٤.
٢٨ - البيان في أخبار صاحب الزمان (عليه السلام): الحافظ أبو عبد الله، محمد بن يوسف الكنجي الشافعي (ت ٦٥٨) ط الثالثة ١٤٠٤، نشر دار إحياء تراث أهل البيت (عليهم السلام)، طهران - إيران.
حرف التاء
٢٩ - تأريخ ابن الوردي: زين الدين عمر بن مظفر الشهير بابن الوردي (ت ٧٤٩) منشورات المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف، الطبعة الثانية، سنة: ١٣٨٩.
٣٠ - تاريخ ابن خلدون (مقدمة ابن خلدون) الطبعة الرابعة، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان.
٣١ - تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك): أبو جعفر محمد بن جرير الطبري.
٣٢ - تاريخ الكوفة: السيد البراقي: المؤرخ الشهير السيد حسين بن السيد أحمد البراقي النجفي (ت ١٣٣٢ هـ)‍. تحقيق ماجد بن أحمد العطية نشر انتشارات المكتبة الحيدرية، الطبعة الأولى ١٤٢٤ ه‍.
٣٣ - تاريخ مدينة دمشق: الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الشافعي ابن عساكر (٤٩٩ ه‍ - ٥٧١ هـ) دراسة وتحقيق علي شيري، نشر دار الفكر للطباعة والنشر ١٤١٥ ه‍/ ١٩٩٥ م بيروت لبنان.
٣٤ - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: المفسر السيد شرف

(٥٨٣)

الدين علي الحسيني الاسترآبادي النجفي من مفاخر أعلام القرن العاشر، تحقيق ونشر مدرسة الإمام الإمام المهدي (عليه السلام) (قم المقدسة) الطبعة الأولى سنة ١٤٠٧ ه‍ق - ١٣٦٦ ه‍
٣٥ - التبيان في تفسير القرآن: شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (٣٨٥ - ٤٦٠ هـ) نشر مكتب الإعلام الإسلامي الطبعة: الأولى ١٢٠٩ ه‍تحقيق أحمد حبيب قصير العاملي، نشر دار احياء التراث العربي.
٣٦ - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: الحافظ أبو العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري ١٢٨٣ - ١٣٥٣ ه‍، نشر دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان الطبعة الأولى ١٤١٠ ه‍.
٣٧ - تذكرة الحفاظ: أبو عبد الله شمس الدين الذهبي (ت ٧٤٨ هـ) نشر دار إحياء التراث العربي.
٣٨ - تذكرة الخواص: سبط ابن الجوزي يوسف بن قزاوغلي بن عبد الله (ت ٦٥٤) نشر دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى سنة ١٤٢٦، بيروت - لبنان.
٣٩ - تفسير ابن كثير (تفسير القران العظيم) عماد الدين، أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي (ت ٧٧٤ هـ) قدم له الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي، نشر دار المعرفة، بيروت - لبنان ١٩٩٢ م - ١٤١٢ ه‍.
٤٠ - تفسير الرازي: (التفسير الكبير) الفخر الرازي، الطبعة الثالثة.
٤١ - تفسير الصافي: المولى محسن الملقب ب‍الفيض الكاشاني (ت ١٠٩١ هـ) صححه وقدم له وعلق عليه الشيخ حسين الأعلمي، منشورات مكتبه الصدر طهران، الطبعة الثانية ١٤١٦.
٤٢ - تفسير العياشي: المحدث الجليل أبو النظر محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي العياشي، تصحيح وتحقيق السيد هاشم الرسولي المحلاتي، نشر المكتبة العلمية الإسلامية طهران سوق الشيرازي.
٤٣ - تفسير القرطبي: (الجامع لاحكام القرآن) أبو عبد الله محمد بن أحمد

(٥٨٤)

الأنصاري القرطبي، نشر دار احياء التراث العربي، بيروت - لبنان ١٤٠٥ ه‍ - ١٩٨٥ م
٤٤ - تفسير القمي: أبو الحسن علي بن إبراهيم القمي (رحمه الله) (من أعلام قرني ٣ - ٤ هـ) صححه وعلق عليه وقدم له حجة الإسلام العلامة السيد طيب الموسوي الجزائري، نشر مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر قم - إيران، الطبعة: الثالثة عام ١٤٠٤.
٤٥ - تفسير الميزان (الميزان في تفسير القرآن): العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي (قدّس سرّه)، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.
٤٦ - تفسير فرات الكوفي: فرات بن إبراهيم الكوفي، الطبعة الأولى١٤١٠ ه‍. - ١٩٩٠م طهران - إيران
٤٧ - تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت ٤٦٠ هـ) حققه وعلق عليه الحجة السيد حسن الموسوي الخرسان، نشر دار الكتب الإسلامية تهران بازار سلطاني.
٤٨ - تهذيب التهذيب: الحافظ شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت ٥٢٨ هـ) الطبعة الأولى ١٤٠٤ ه‍ - ١٩٨٤ م، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
٤٩ - تهذيب الكمال في أسماء الرجال: الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي (٦٥٤ - ٧٤٢ هـ) الطبعة الرابعة ١٤٠٦ - ١٩٨٥ م تحقيق الدكتور بشار عواد معروف، نشر مؤسسة الرسالة.
حرف الثاء
٥٠ - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (ت ٣٨١ هـ) قدم له العلامة السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان نشر: منشورات الرضي، قم المقدسة الطبعة الثانية.

(٥٨٥)

حرف الجيم
٥١ - الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت٩١١ هـ) شر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ٨٤٩ - ٩١١ ه‍
٥٢ - جمال الأسبوع بكمال العمل المشروع: السيد الجليل رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس الحسنى الحسيني (ت٦٦٤ هـ) تحقيق جواد قيومي، الطبعة الأولى: ١٣٧١.
٥٣ - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: إمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي (ت ١٢٦٦) حققه وعلق عليه الشيخ عباس القوچاني، نشر دار الكتب الإسلامية: تهران
٥٤ - جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): شمس الدين أبو البركات محمد بن أحمد الدمشقي الباعوني الشافعي (ت ٨٧١ هـ) تحقيق المحقق الخبير العلامة الشيخ محمد باقر المحمودي، نشر مجمع إحياء الثقافة الإسلامية الطبعة: الأولى ١٤١٥ ه‍.
٥٥ - الجوهرة في نسب الإمام علي وآله: محمد بن أبي بكر الأنصاري التلمساني المعروف بالبري، تحقيق الدكتور محمد التونجي، نشر مكتبة النوري دمشق.
حرف الحاء
٥٦ - حقيقة الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر: المحامي أحمد حسين يعقوب الأردن، الطبعة الأولى ٢٠٠٠ م.
٥٧ - حلية الأولياء: أبو نعيم الأصفهاني، ط السعادة.
٥٨ - حياة الإمام المهدي (عليه السلام) دراسة وتحليل: الشيخ باقر شريف القرشي، الطبعة الأولى سنة ١٤١٧ - ١٩٩٦ المطبعة أمير.
حرف الخاء
٥٩ - الخرائج والجرائح: المفسر الكبير قطب الدين الراوندي (ت ٥٧٣) تحقيق ونشر مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام)، قم المقدسة.

(٥٨٦)

٦٠ - الخصال: الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت٣٨١) صححه وعلق عليه الشيخ علي أكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم المقدسة سنة ١٤٠٣.
٦١ - خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار: تأليف حجة التاريخ والبحث والتحقيق السيد حامد حسين اللكهنوي (ت ١٣٠٦) بقلم السيد علي الحسيني الميلاني طبع سنة ١٤٠٦ ه‍ نشر مؤسسة البعثة قسم الدراسات الإسلامية طهران - إيران.
حرف الدال
٦٢ - الدر المنثور في التفسير بالمأثور: الحافظ جلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي، نشر دار الفكر بيروت - لبنان.
٦٣ - الدروس الشرعية في فقه الإمامية: الشهيد الأول الشيخ شمس الدين محمد بن مكي العاملي (ت٧٨٦ هـ) تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة.
٦٤ - دعائم الإسلام: القاضي: أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيون التميمي المغربي، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي، نشر دار المعارف بمصر سنة ١٣٨٣ه- ١٩٦٣، كورنيش النيل - القاهرة.
٦٥ - الدعوات: المحدث والمفسر الكبير أبو الحسين سعيد بن هبة الله المشهور به قطب الدين الراوندي (رحمه الله) (ت ٥٧٣ ه) تحقيق مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام).
٦٦ - دلائل الإمامة: المحدث الشيخ أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الصغير من أعلام القرن الخامس الهجري، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية مؤسسة البعثة قم المقدسة الطبعة: الأولى ١٤١٣ ه‍.
٦٧ - دلائل النبوة: الحافظ موفق الدين أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الأصبهاني (٤٥٧ ه‍ - ٥٣٥ هـ) تحقيق أبو عبد الرحمن مساعد بن سليمان الراشد الحميد، نشر دار العاصمة للنشر والتوزيع.

(٥٨٧)

حرف الذال
٦٨ - ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: الحافظ محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري، نشر مكتبة القدسي، سنة ١٣٥٦.
٦٩ - الذريعة إلى تصانيف الشيعة: الشيخ آقا بزرگ الطهراني، نشر دار الأضواء بيروت، الطبعة الثالثة ١٤٠٣ ه‍. ١٩٨٣ م.
٧٠ - ذكر أخبار أصبهان: الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، طبع في مدينة ليدن المحروسة بمطبعة بريل ١٩٣٤ م.
حرف الراء
٧١ - الرحلة في طلب الحديث: الخطيب البغدادي الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت (ت ٤٦٣) الطبعة الأولى ١٣٩٥ ه‍ - ١٩٧٥ م.
٧٢ - الرد على الوهابية: آية الله الشيخ محمد جواد البلاغي (ت ١٣٥٢ هـ) تحقيق السيد محمد علي الحكيم.
٧٣ - الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي: الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد، المدرس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ط الأولى سنة ١٤٠٢ طبع في مطابع الرشيد بالمدينة المنورة.
٧٤ - رسائل الشريف المرتضى: (تقديم وإشراف) السيد أحمد الحسيني (إعداد) السيد مهدي الرجائي، نشر: دار القرآن الكريم سنة ١٤٠٥ ه‍.
٧٥ - روضة الواعظين للفتال النيسابوري: العلامة زين المحدثين محمد بن الفتال النيسابوري (الشهيد في سنة ٥٠٨ هـ) من أعلام القرنين الخامس والسادس الهجريين، وضع المقدمة العلامة الجليل السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، منشورات الرضي قم - إيران.
حرف السين
٧٦ - سؤالات الحاكم النيسابوري: الدارقطني، دراسة وتحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر مكتبة المعارف الرياض، الطبعة الأولى ١٤٠٤ ه‍ - ١٩٨٤م.
٧٧ - السرائر: أبو جعفر محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلي (ت ٥٩٨

(٥٨٨)

هـ) نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة الثانية، سنة: ١٤١٠ ه‍.
٧٨ - سنن ابن ماجة: الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجة (ت ٢٧٥هـ) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
٧٩ - سنن أبي داود: الحافظ أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت ٢٧٥هـ) تحقيق وتعليق سعيد محمد اللحام، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
٨٠ - سنن الترمذي: الحافظ أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت ٢٧٩) تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، نشر دار الفكر للطباعة والنشر.
٨١ - السنن الكبرى: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، تحقيق الدكتور عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن، نشر دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى ١٤١١ ه‍.
٨٢ - السنن الكبرى: الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت ٤٥٨) نشر دار الفكر.
٨٣ - سنن النسائي: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر النسائي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت، الطبعة الأولى سنة ١٣٤٨.
٨٤ - سير أعلام النبلاء: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت ٧٤٨ هـ) تحقيق شعيب الأرنؤوط، نشر مؤسسة الرسالة، الطبعة التاسعة ١٤١٣ ه‍..
٨٥ - سيرتنا وسنتنا: الشيخ عبد الحسين الأميني، منشورات دار الغدير للمطبوعات دار الكتاب الإسلامي، بيروت - لبنان.
حرف الشين
٨٦ - شرح أصول الكافي: المولى محمد صالح المازندراني (ت ١٠٨١ هـ) ضبط وتصحيح السيد علي عاشور، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى ١٤٢١ ه - ٢٠٠٠ م.
٨٧ - شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار (عليهم السلام): القاضي أبو حنيفة

(٥٨٩)

النعمان بن محمد التميمي المغربي (ت ٣٦٣ هـ) تحقيق السيد محمد الحسيني الجلالي، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
٨٨ - شرح منهاج الكرامة في معرفة الإمامة: لأبي منصور الحسن بن يوسف الحلي الشهير بالعلامة (٦٤٨ - ٧٢٦ هـ) تأليف السيد علي الحسيني الميلاني، طبع في قم المقدسة - إيران.
٨٩ - شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد(ت ٦٥٦) تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، نشر دار احياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه، الطبعة الأولى ١٣٧٨ ه‍.
حرف الصاد
٩٠ - صحيح ابن حبان: الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي (ت ٧٣٩) ه‍تحقيق شعيب الارنؤوط الطبعة الثانية ١٤١٤ ه‍ - ١٩٩٣ م.
٩١ - صحيح ابن خزيمة: أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري (ت٣١١ هـ) تحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، نشر المكتب الإسلامي.
٩٢ - صحيح البخاري: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع سنة ١٤٠١ ه‍ - ١٩٨١ م.
٩٣ - صحيح مسلم (الجامع الصحيح) أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، نشر دار الفكر، بيروت - لبنان.
٩٤ - صحيفة المهدي (عليه السلام): الشيخ جواد القيومي الأصفهاني، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
٩٥ - الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم: الشيخ زين الدين أبو محمد علي بن يونس العاملي (ت ٨٧٧) تحقيق محمد الباقر البهبودي، عنيت بنشره المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، الطبعة الأولى سنة ١٣٨٤.
٩٦ - الصواعق المحرقة: أحمد بن حجر الهيتمي (ت ٩٧٤) نشر مكتبة القاهرة -

(٥٩٠)

مصر، الطبعة الثانية سنة ١٣٨٥.
حرف الطاء
٩٧ - الطبقات الكبرى: ابن سعد، نشر دار صادر بيروت.
حرف العين
٩٨ - عصر الظهور: الشيخ علي الكوراني العاملي: نشر مركز النشر مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة: الأولى سنة ١٤٠٨.
٩٩ - عقد الدرر في أخبار المنتظر: يوسف بن يحيى بن علي بن عبد العزيز المقدسي الشافعي السلمي (من علماء القرن السابع) نشر مكتبة عباس أحمد الباز مكة المكرمة، ط الأولى سنة ١٤٠٣ دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
١٠٠ - عقيدة المسلمين في المهدي (عليه السلام): تأليف اللجنة العليا للتحقيق في بنياد نهج البلاغة برئاسة حجة الإسلام السيد يحيى العلوي.
١٠١ - علل الدارقطني (العلل الواردة في الأحاديث النبوية): الحافظ أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الدارقطني(ت ٣٨٥ هـ) تحقيق وتخريج د. محفوظ الرحمن زين الله السلفي.
١٠٢ - علل الشرائع: الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي ابن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (ت٣٨١ هـ) منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف ١٣٨٥ ه‍ - ١٩٦٦ م.
١٠٣ - عون المعبود شرح سنن أبي داود: أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، نشر دار الكتب العلمية بيروت - لبنان، الطبعة الثانية ١٤١٥ ه‍. ١٩٩٥ م.
١٠٤ - عيون أخبار الرضا (عليه السلام): الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (ت٣٨١ هـ) تحقيق الشيخ حسين الأعلمي، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت

(٥٩١)

- لبنان الطبعة الأولى ١٤٠٤ ه‍ - ١٩٨٤ م.
١٠٥ - عيون الحكم والمواعظ: علي بن محمد الليثي الواسطي (من أعلام الإمامية في القرن السادس) تحقيق الشيخ حسين الحسني البيرجندي، نشر دار الحديث قم المقدسة، الطبعة الأولى.
١٠٦ - العقائد من نهج البلاغة: الشيخ محسن علي المعلم، نشر دار الهادي سنة: ١٤٢٠، ط الأولى، بيروت - لبنان.
حرف الغين
١٠٧ - الغارات: أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي (ت ٢٨٣) تحقيق السيد جلال الدين المحدث.
١٠٨ - الغدير في الكتاب والسنة والأدب: الشيخ عبد الحسين بن أحمد الأميني النجفي، نشر دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الرابعة ١٣٩٧ه‍.
١٠٩ - الغيبة: الشيخ الجليل أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب المعروف ب‍(ابن أبي زينب النعماني) (المتوفى حدود سنة ٣٦٠ هـ) نشر أنوار الهدى، إيران - قم، تحقيق: فارس حسون كريم، الطبعة: الأولى - ١٤٢٢ه‍.
١١٠ - الغيبة: الشيخ محمد رضا الجعفري (ت ١٤٣١)، نشر مركز الأبحاث العقائدية، إيران - قم، الطبعة الأولى سنة ١٤٢٠ ه‍.
حرف الفاء
١١١ - فتح الباري شرح صحيح البخاري: الحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية.
١١٢ - فتح القدير: محمد بن علي بن محمد الشوكاني (ت ١٢٥٠ هـ) نشر عالم الكتب.
١١٣ - الفتوحات المكية: محيي الدين أبو عبد الله محمد بن علي المعروف بابن

(٥٩٢)

عربي الحاتمي الطائي، نشر دار صادر بيروت.
١١٤ - الفصول المهمة في معرفة الأئمة: الشيخ علي بن محمد بن أحمد المالكي المكي (ت ٨٥٥) تحقيق سامي الغريري، نشر دار الحديث للطباعة والنشر، الطبعة الأولى سنة ١٤٢٢.
١١٥ - فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): ابن عقدة الكوفي، جمعه ورتبه وقدم له عبد الرزاق محمد حسين فيض الدين.
١١٦ - فلاح السائل: السيد رضي الدين ركن الإسلام أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس (ت سنة ٦٦٤).
١١٧ - فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير: محمد عبد الرؤوف المناوي، ضبطه وصححه أحمد عبد السلام، نشر دار الكتب العلمية بيروت - لبنان، الطبعة الأولى ١٤١٥ ه‍ - ١٩٩٤ م‍.
حرف القاف
١١٨ - قصص الأنبياء: قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي (ت ٥٧٣) تحقيق الميرزا غلام رضا عرفانيان اليزدي الخراساني، نشر الهادي الطبعة الأولى سنة ١٤١٨ ه‍.
حرف الكاف
١١٩ - الكافي: ثقة الإسلام أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (ت ٣٢٩ هـ) تحقيق علي أكبر الغفاري، نشر دار الكتب الإسلامية مرتضى آخوندي تهران، الطبعة الثالثة (١٣٨٨).
١٢٠ - كامل الزيارات: الشيخ الأقدم أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي (ت سنة ٣٦٨ هـ)، تحقيق الشيخ جواد القيومي، الطبعة الأولى سنة ١٤١٧، نشر مؤسسة (نشر الفقاهة)
١٢١ - كتاب الغيبة: شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت ٤٦٠هـ) تحقيق الشيخ عباد الله الطهراني، نشر مؤسسة المعارف الإسلامية

(٥٩٣)

سنة ١٤١١ قم المقدسة، الطبعة الأولى.
١٢٢ - كتاب الفتن: أبو عبد الله نعيم بن حماد المروزي (ت ٢٢٩ هـ) حققه وقدم له الأستاذ الدكتور سهيل زكار دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ط سنة ١٩٩٣ م / ١٤١٤ ه‍.
١٢٣ - كتاب الفتوح: أبو محمد أحمد بن أعثم الكوفي (ت ٣١٤ هـ) تحقيق علي شيري، الطبعة الأولى سنة ١٤١١ ه‍ - ١٩٩١م، نشر دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - لبنان.
١٢٤ - كتاب غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) عند الإمام الصادق (عليه السلام) السيد ثامر هاشم العميدي، نشر وإصدار مركز الرسالة.
١٢٥ - الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث: برهان الدين الحلبي المعروف سبط ابن العجمي (ت ٨٤١ هـ) تحقيق صبحي السامرائي، نشر عالم الكتب مكتبة النهضة العربية، الطبعة الأولى ١٤٠٧ه‍ - ١٩٨٧م.
١٢٦ - كشف الخفاء ومزيل الالباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس: الشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي (ت ١١٦٢ هـ) نشر دار الكتب العلمية بيروت - لبنان الطبعة الثالثة سنة ١٩٨٨ م - ١٤٠٨ه‍.
١٢٧ - كشف الغمة في معرفة الأئمة: أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي (ت ٦٩٣ هـ) نشر دار الأضواء بيروت، لبنان، الطبعة الثانية ١٤٠٥ه‍ - ١٩٨٥م.
١٢٨ - كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر: أبو القاسم علي بن محمد بن علي الخزاز القمي الرازي من علماء القرن الرابع، تحقيق السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه كمري الخوئي طبع سنة ١٤٠١ ه‍، انتشارات بيدار - قم المقدسة - إيران.
١٢٩ - كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام): محمد بن يوسف الكنجي الشافعي (ت ٦٥٨) نشر دار إحياء تراث أهل البيت

(٥٩٤)

عليهم السلام، طهران - إيران، الطبعة الثالثة سنة ١٤٠٤.
١٣٠ - الكفاية في علم الرواية: الحافظ المحدث أبو أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ هـ) تحقيق الدكتور أحمد عمر هاشم، نشر دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى ١٤٠٥ ه‍ - ١٩٨٥ م.
١٣١ - كمال الدين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت ٣٨١) صححه وعلق عليه الشيخ علي أكبر الغفاري، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة (إيران) سنة ١٤٠٥.
١٣٢ - كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي البرهان فوري (ت ٩٧٥)، نشر مؤسسة الرسالة سنة ١٤٠٩ ه‍ - ١٩٨٩ م بيروت - لبنان.
حرف اللام
١٣٣ - لسان الميزان: الحافظ شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢) نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية ١٩٧١ م - ١٣٩٠ه‍..
حرف الميم
١٣٤ - مجلة تراثنا: نشر مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم المقدسة.
١٣٥ - مجمع البيان في تفسير القرآن: أمين الإسلام أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي من أعلام القرن السادس الهجري حققه وعلق عليه لجنة من العلماء والمحققين، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان الطبعة الأولى ١٤١٥ ه‍ - ١٩٩٥م.
١٣٦ - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (ت ٨٠٧) نشر مؤسس مكتبة القدسي بالقاهرة، دار الكتب العلمية،

(٥٩٥)

بيروت - لبنان ١٤٠٨ ه‍. - ١٩٨٨ م.
١٣٧ - المحاسن: أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عنى بنشره وتصحيحه والتعليق عليه السيد جلال الدين الحسيني المشتهر بالمحدث، نشر دار الكتب الإسلامية.
١٣٨ - مختصر بصائر الدرجات: حسن بن سليمان الحلي، من علماء أوائل القرن التاسع، الطبعة الأولى، منشورات المطبعة الحيدرية في النجف ١٣٧٠ ه‍ - ١٩٥٠م.
١٣٩ - المراجعات: السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي، تحقيق وتعليق حسين الراضي، الطبعة الثانية - بيروت ١٤٠٢ ه‍١٩٨٢م طبع على نفقة الجمعية الإسلامية.
١٤٠ - المزار: الشيخ أبو عبد الله محمد بن جعفر المشهدي، تحقيق جواد القيومي الأصفهاني، الطبعة الأولى، نشر مؤسسة النشر الإسلامي سنة ١٤١٩.
١٤١ - المزار: الشيخ محمد بن مكي العاملي الجزيني الشهير في الآفاق ب‍الشهيد الأول من أعلام القرن الثامن الهجري (٧٣٤ - ٧٨٦ هـ) تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام) قم المقدسة الطبعة الأولى سنة ١٤١٠ه‍.
١٤٢ - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: خاتمة المحدثين الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي (ت ١٣٢٠ هـ) تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الأولى ١٤٠٨ه‍ - ١٩٨٧م.
١٤٣ - مستدرك سفينة البحار: الشيخ علي النمازي الشاهرودي (ت ١٤٠٥) تحقيق وتصحيح نجل المؤلف الشيخ حسن بن علي النمازي، نشر مؤسسة النشر الإسلامي.
١٤٤ - المستدرك على الصحيحين: الحافظ أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، إشراف د. يوسف عبد الرحمن المرعشلي، نشر دار المعرفة بيروت - لبنان.
١٤٥ - مسند أبي يعلى الموصلي: الحافظ أحمد بن علي بن المثنى التميمي (ت ٣٠٧هـ) حققه وخرج أحاديثه حسين سليم أسد، نشر دار المأمون

(٥٩٦)

للتراث دمشق، بيروت
١٤٦ - مسند أحمد بن حنبل، نشر دار صادر بيروت
١٤٧ - مسند الشاميين: الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني (ت ٣٦٠ هـ) تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الثانية ١٤١٧ ه‍ - ١٩٩٦ م نشر مؤسسة الرسالة - بيروت، لبنان.
١٤٨ - مصباح المتهجد: أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي (ت ٤٦٠هـ) الطبعة الأولى ١٤١١ ه‍ - ١٩٩١ م مؤسسة فقه الشيعة، بيروت - لبنان.
١٤٩ - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (عليهم السلام): الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي (ت ٦٥٢) تحقيق ماجد بن أحمد العطية، نشر مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر، الطبعة الأولى سنة ١٣٢٠.
١٥٠ - معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام): تأليف ونشر مؤسسة المعارف الإسلامية تحت اشراف الشيخ علي الكوراني الطبعة الأولى ١٤١١ ه‍، قم المقدسة - إيران.
١٥١ - المعجم الأوسط: الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني(ت ٣٦٠هـ)، نشر دار الحرمين للطباعة والنشر والتوزيع.
١٥٢ - المعجم الصغير: الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت ٣٦٠هـ) نشر دار الكتب العلمية بيروت - لبنان.
١٥٣ - المعجم الكبير: الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت ٣٦٠ هـ) حققه وخرج أحاديثه حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الثانية.
١٥٤ - مقاتل الطالبيين: أبو الفرج الأصفهاني (ت ٣٥٦) قدم له وأشرف على طبعه كاظم المظفر، الطبعة الثانية، نشر مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر قم - إيران.
١٥٥ - مقتل الحسين (عليه السلام): أبو مؤيد الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي (ت ٥٦٨) نشر أنوار الهدى، الطبعة الأولى سنة ١٤١٨، قم المقدسة - إيران.


١٥٦ - المقنعة: أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد (رحمه الله) (ت ٤١٣ هـ) نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة: الثانية.
١٥٧ - مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (عليه السلام): ميرزا محمد تقي الموسوي الأصفهاني، تحقيق العلامة السيد علي عاشور، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان سنة ١٤٢١ه‍ - ٢٠٠١م.
١٥٨ - الملاحم والفتن: رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس (ت ٦٦٤ هـ) نشر مؤسسة صاحب الأمر، الطبعة: الأولى ١٤١٦ه‍.
١٥٩ - من لا يحضره الفقيه: الشيخ الجليل الأقدم الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت ٣٨١) صححه وعلق عليه علي أكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة، الطبعة الثانية.
١٦٠ - مناسك الحج: سماحة آية الله العظمى السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني، نشر: دار القرآن الكريم، الطبعة الثانية، سنة ١٤١٣ ه‍ق.
١٦١ - مناقب آل أبي طالب: الحافظ ابن شهرآشوب مشير الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن شهرآشوب ابن أبي نصر بن أبي حبيشي السروي المازندراني (ت ٥٨٨هـ) طبع محمد كاظم الكتبي صاحب المكتبة والمطبعة الحيدرية سنة ١٣٧٦ه - ‍١٩٥٦م.
١٦٢ - مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): الحافظ محمد بن سليمان الكوفي القاضي من أعلام القرن الثالث، تحقيق المحقق الخبير العلامة الحاج الشيخ محمد باقر المحمودي، نشر مجمع احياء الثقافة الإسلامية، الطبعة الأولى سنة ١٤١٢ إيران - قم.
١٦٣ - مناقب أهل البيت (عليهم السلام): المولى حيدر علي بن محمد الشرواني من أعلام القرن الثاني عشر، تحقيق الشيخ محمد الحسون، مطبعة المنشورات الإسلامية.
١٦٤ - المناقب: الموفق الخوارزمي: الموفق بن أحمد بن محمد المكي الخوارزمي

(٥٩٨)

(ت ٥٦٨هـ) نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، تحقيق الشيخ مالك المحمودي، الطبعة: الثانية ١٤١١ه‍.
١٦٥ - المهدي المنتظر (عليه السلام) في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة، الدكتور عبد العليم عبد العظيم البستوي.
١٦٦ - المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي: تأليف وتحقيق مركز الرسالة
١٦٧ - المهدي حقيقة لا خرافة: محمد بن أحمد إسماعيل، ط الأولى سنة ١٤١١ نشر مكتبة التربية الإسلامية لإحياء التراث الإسلامي، مصر.
١٦٨ - الموسوعة الشعرية المهدوية: الحاج عبد القادر أبو المكارم المولود سنة ١٣٦٢، الطبعة الأولى سنة ١٤٣١، نشر دار العلوم بيروت - لبنان.
١٦٩ - ميزان الاعتدال في نقد الرجال: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت ٧٤٨هـ) تحقيق علي محمد البجاوي، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان.
حاف النون
١٧٠ - نظم المتناثر من الحديث المتواتر: أبو عبد الله محمد بن جعفر الكتاني، الطبعة الثانية نشر دار الكتب السلفية للطباعة والنشر بمصر.
١٧١ - النكت الإعتقادية ورسائل أخرى: الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن النعمان العكبري البغدادي (ت ٤١٣) الطبعة الثانية ١٤١٤هـ، نشر دار المفيد للطباعة والنشر، بيروت - لبنان.
١٧٢ - النهاية في غريب الحديث والأثر: مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير (٥٤٤ - ٦٠٦هـ) تحقيق محمود محمد الطناحي، نشر مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع قم - إيران.
١٧٣ - نهج الإيمان: زين الدين علي بن يوسف بن جبر من أعلام القرن السابع، تحقيق السيد أحمد الحسيني، نشر: مجتمع الإمام الهادي (عليه السلام) مشهد، الطبعة الأولى: ١٤١٨ه‍.
١٧٤ - نهج البلاغة: خطب الإمام علي (عليه السلام)، شرح الشيخ محمد عبدة

(٥٩٩)

مفتي الديار المصرية، نشر: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت لبنان.
١٧٥ - نوادر المعجزات في مناقب الأئمة الهداة (عليهم السلام): أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري من أعاظم علماء الإمامية في المائة الرابعة، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام) قم المقدسة.
١٧٦ - نور الأفهام في علم الكلام: السيد حسن الحسيني اللواساني، حققه وقدم عليه حفيد المؤلف السيد إبراهيم اللواساني، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة: الأولى.
حرف الهاء
١٧٧ - هداية العباد: سماحة آية الله العظمى السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني، نشر: دار القرآن الكريم الطبعة: الأولى سنة ١٤١٣، قم المشرفة - إيران.
١٧٨ - الهداية الكبرى: أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي (ت ٣٣٤) نشر مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان الطبعة الرابعة ١٤١١ ه‍ - ١٩٩١.
حرف الواو
١٧٩ - وركبت السفينة: مروان خليفات، نشر مركز الغدير
١٨٠ - للدراسات الإسلامية.
١٨١ - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: ابن خلكان.
حرف الياء
١٨٢ - ينابيع المودة لذوي القربى: الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (ت ١٢٩٤) تحقيق السيد علي جمال أشرف الحسيني، نشر دار الأسوة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى: ١٤١٦.

(٦٠٠)