عبرات الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)
آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي
الفهرس
فقرات من زيارة الناحية المقدّسة..................4
نشر الشعور في المصاب الجلل..................7
الأحداث المأساوية..................9
بنات الوحي في الأسر..................11
الأسر مع السلاسل والأغلال..................14
حزن الإمام على جدّه (سلام الله عليهما)..................16
دروس من الرضا والتسليم..................18
دورنا تجاه الشعائر..................20
الظلم بلباسه الإرهابي الجديد..................23
الإمام الحسين محبوب الجميع..................25
البشرية كلها ممتحنة بقضية عاشوراء..................27
لنجعل أبناءنا في خدمة أهل البيت (سلام الله عليهم)..................29
الكعبي ومقتل الإمام الحسين سلام الله عليه..................31
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
عظم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بسيدنا الإمام الحسين (سلام الله عليه) وجعلنا وإياكم من الطالبين بثأره مع وليّه الإمام المهدي من آل محمد صلوات الله عليهم.
لقد انقضى يوم عاشوراء هذه السنة أيضاً، ولكن كيف انقضى؟ لقد رزق العديد من المؤمنين الجنة فضلاً عن الذين دوّنت أسماؤهم في قوائم
سيد الشهداء (سلام الله عليه) في الدرجات الرفيعة من الجنان، وبالمقابل فإن بعضاً دُوّنت أسماؤهم مع أهل جهنم وفي الدركات السافلة منها والعياذ بالله!
فقرات من زيارة الناحية المقدّسة
من كلام لبقية الله الأعظم الإمام الحجّة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في زيارة الإمام الحسين (سلام الله عليه) المعروفة بزيارة الناحية - والمؤمَّل أن بعضكم قرأها اليوم أو في بقية أيام السنة - يخاطب الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فيها جدّه سيد الشهداء (سلام الله عليه) بعد شهادته قائلاً: (فلما رأين النساء جوادك مخزياً) أي عليه علامات الانكسار، مطأطئاً رأسه حزيناً لعدم تمكنه من مساعدة أبي عبد الله (سلام الله عليه)، فإن الإمام الحجة المنتظر
(عجل الله تعالى فرجه الشريف) يصف جواد الإمام الحسين حين وصوله إلى المخيم بلا فارس، وكأنه يحسّ بالتقصير بسبب عجزه عن إغاثة مولاه الإمام الحسين (سلام الله عليه)، ومع ذلك فقد أسرع إلى عياله ليخبرهم بالفاجعة العظيمة.
يقول الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف): (فلما رأين النساء جوادك مخزياً ونظرن سرجك عليه ملويّاً) والسرج ما يوضع على الفرس لجلوس الراكب، ويوثق بالجواد بكلّ استحكام لئلا يقع الراكب من الفرس حين عَدْوه، وإذا ما وقع الفارس من جواده دون اختياره يلتوي السرج إلى الأسفل. وهذا ما يشير إليه مولانا صاحب العصر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، أي: لمّا سمع أهل البيت (سلام الله عليهم) صهيل جواد الإمام الحسين (سلام الله عليه) خرجن
من الخدور فنظرن إلى الجواد وإذا بسرجه ملوي فعرفن من حالة الجواد ما جرى على أبي عبد الله سلام الله عليه. ويصف الإمام الحجة (سلام الله عليه) حالة النساء فيقول: (فبرزن من الخدور ناشرات الشعور). أما الخدور جمع خدر، والخدر - في اللغة العربية - ما يُتوارى به، ومنه اُطلق على الستر الذي يُمدّ للجارية في ناحية البيت. والخادر: كل شيء منع بصراً فقد أخدره، ولذلك يُطلق على الظلمة خِدراً، فالخدر هو الستر الذي لا يكشف؛ فيكون معنى هذه العبارة: أن بنات الرسالة قد خرجن من خبائهن الشديد الستر!
نشر الشعور في المصاب الجلل
أما قوله (عجل الله تعالى فرجه الشريف): (ناشرات الشعور) فيمكن تصويره كالتالي:
كان من المتعارف عند العرب سابقاً أن المرأة إذا فقدت عزيزاً عليها تبقى بقية عمرها محزونة لمصابه، محرومة حتى من البسمة والضحكة لفقده، فإنها في ظروف كهذه تفتح ضفيرتها داخل الستر والحجاب كعلامة لشدة المصيبة - وهذه العادة موجودة في العراق أيضاً وربما في مناطق عربية أخرى - وليس المراد من العبارة كما يتصور البعض أن العلويات خرجن من الستر ورؤوسهن مكشوفة والعياذ بالله. إذن: معنى (ناشرات الشعور) هو: إن العلويات فتحن ظفائرهن تحت المقانع لشدة المصاب، بعد
أن ربطن المقانع على رؤوسهن بإحكام امتثالاً لأمر سيد الشهداء (سلام الله عليه)، فقد أوصاهن بذلك لكي لا يذهلن عن حجابهن من شدة المصيبة وعظمة الفاجعة.
ثم يقول الإمام بعد ذلك مصوّراً حالة العلويات: (على الخدود لاطمات وبالعويل داعيات).
حقّاً: إن كلّ كلمة في هذه الزيارة تعبّر عن مصيبة عظيمة، فتارة يدعو الإنسان شخصاً، وأخرى يناديه برفيع صوته، وكلاهما لا يقال له عويل، إنما يكون العويل حينما يبكي الإنسان ويصيح برفيع صوته، وهذا معناه أن العلويات خرجن من المخيَّم إلى مصرع سيد الشهداء - والمسافة ليست بعيدة - وهنّ مهرولات باكيات يصرخن بأصواتهن مناديات: وامحمداه، واعلياه،
وافاطمتاه، واحسيناه، واجعفراه، واحمزتاه... ولسان حالهن: يا رسول الله إحضَر اليوم في كربلاء، وانظر ما جرى علينا، وأنت يا أبتاه يا أمير المؤمنين احضر وانظر حالنا.ثم إنه (سلام الله عليه) قال: (وإلى مصرعك مبادرات) فقد تسابقت العلويات صغارهن وكبارهن إلى مصرع سيد الشهداء (سلام الله عليه) ولا أعلم لماذا أسرعن؟ فربما أسرعن ليدركن لحظة من حياة أبي عبد الله الحسين (سلام الله عليه) أو أسرعن لشدة اللوعة أو لغير ذلك.
الأحداث المأساوية
في مثل هذا اليوم - العاشر من المحرّم - عصراً أرسل عمر بن سعد الرؤوس الشريفة نحو الكوفة، وبات هو وجماعته وكذلك بات أهل البيت
في كربلاء، وفي ظهر اليوم الثاني سيقت العلويات من كربلاء إلى الكوفة، والمسافة - كما ينقل المؤرخون - ثلاثة منازل أي ما يعادل ثلاثة أيام، إلا إذا حثّ الإنسان في سيره فيمكنه أن يبلغها أسرع.
لقد أمر ابن سعد - كما روى المؤرخون، ومنهم صاحب البحار - أن تتحرك قافلة الأسارى عصر يوم الحادي عشر نحو الكوفة فوصلت إليها صباح اليوم الثاني عشر؛ مما يدلّ على شدة السرعة التي سيقت بها.
وقد أشار بقية الله الأعظم (عجل الله تعالى فرجه الشريف) إلى حال سبي العلويات مخاطباً جده سيد الشهداء (سلام الله عليه) قائلاً: (وسُبي أهلك كالعبيد) فقد قادهن القوم كما كان المشركون يقودون
عبيدهم لا كما كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (سلام الله عليه) والإمام الحسين (سلام الله عليه) يعاملون الأسرى بعزّة وإجلال، وكرامة واحترام.
لقد خرج المشركون لمقاتلة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقصدوا بذلك قتله، وعندما اُسر بعضهم في إحدى المعارك لم يستطع النبي (صلّى الله عليه وآله) أن ينام طيلة تلك الليلة بسبب أنين واحد منهم، أما بنو أمية فقد أسروا ذرّيته ولم يرقّوا لحالهم أبداً.
بنات الوحي في الأسر
ثم قال (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في الزيارة: (وسبي أهلك كالعبيد وصفّدوا في الحديد) والصفد هو أن تغلّ يدا الإنسان إلى عنقه أو إلى الخلف بالأغلال وتجعل القيود حول جسده ثم تقفل، هكذا ساقوا
أهل البيت (سلام الله عليهم) من كربلاء إلى الكوفة في ليلة واحدة، فقد قيّد أتباع يزيد العلويات بالأغلال بما فيهم العلويات الصغار والأطفال، وكان من ضمنهم الإمام الباقر (سلام الله عليه) وطفلان للإمام المجتبى (سلام الله عليه)، فضلاً عن الإمام السجاد سلام الله عليه.
أمّا الحالة التي سيقت بها قافلة الأسارى فقد أشار إليها الإمام الحجّة (سلام الله عليه) فقال: (فوق أقتاب المطيات) فإن الذي يركب الفرس أو الحمار أو غيرها من الدوابّ لا يحتاج إلى محمل أو غيره لأن ظهور هذه الحيوانات مستوية فلو وضع على ظهرها قماش وما أشبه يكون أفضل، أما بالنسبة للجمل والنياق فالأمر يختلف؛ لأن أظهرها غير مستوية، ولذلك يضعون عليها القتب ويربطونها
جيداً لئلا يقع الراكب ثم يضعون على الأقتاب الهودج أو القبّة، على اختلاف أشكالها الدائرية وغيرها.
يُنقل أن ابن سعد اتخذ لنفسه وأصحابه هوادج أمّا نياق وجمال أهل البيت (سلام الله عليهم) فكانت مجردة وكان الأطفال والعلويات يُسيَّرون على النياق الحاسرة، وهذا هو مراد الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في زيارة جده سيد الشهداء (سلام الله عليه) حين قال: (على أقتاب المطيات).
ولو لاحظتم (بحار الأنوار) للعلامة المجلسي تجدونه يعبّر عن حال أهل البيت بما فيهم النساء والأطفال قائلاً: وأفخاذهم تشخب دماً. فمن الطبيعي أن الجمال حينما تجدّ في السير والعلويات مع الأطفال على هذه الحالة على أخشاب مجرّدة بدون فرش مقيّدين، تشخب
أفخاذهم دماً؛ والحال أن الظالم يريد إيصالهم إلى الكوفة بأسرع وقت.
الأسر مع السلاسل والأغلال
ثم إن بقية الله الأعظم يخاطب جده (سلام الله عليه) قائلاً: (وأيديهم مغلولة إلى الأعناق).
ولو لاحظتم كتاب (البحار) أيضاً تجدون أن عمر الإمام السجاد صلوات الله عليه كان آنذاك فوق العشرين سنة أي إنه كان شابّاً ولم يكن حَدثاً لأن عمر الإمام الباقر (سلام الله عليه) حينذاك كان خمس سنين، وهذا معناه أن عمر الإمام السجاد (سلام الله عليه) كان فوق العشرين. وكما تعلمون إن رجال بني هاشم كانوا عظيمي الهياكل أقوياء، إلا أن العلامة المجلسي ينقل أن ابن زياد أمر أحد
الشرطة - وآهٍ من شرطة الظلمة(1) - أن يذهب ويرى الإمام السجاد (سلام الله عليه) فإن كان بالغاً قطع رأسه؛ ممّا يدلّ على أنه (سلام الله عليه) قد نحل بدنه وذاب جسمه إلى هذه الدرجة؛ كلّ ذلك لعظم المصائب التي رآها في كربلاء والطريق والكوفة.
وفي التاريخ أن أوداج الإمام السجاد (سلام الله عليه) كانت تشخب دماً من أثر الأغلال والقيود التي قيّدوه بها طيلة المسير. فمن عصر اليوم الحادي عشر إلى صباح اليوم الثاني عشر كان الأعداء يسيرون بأهل البيت (سلام الله عليهم) مقيَّدين والدماء تنزف منهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ففي الخبر عن أمير المؤمنين (سلام الله عليه) أن في سحر ليلة الجمعة ساعة يستجاب فيها الدعاء إلاّ من عدّة فإنهم إذا دعوا لا يستجاب دعاؤهم، ومنهم شرطي الظلمة.
حزن الإمام على جدّه (سلام الله عليهما)
ثم إن إمام العصر (سلام الله عليه) خاطب جده سيد الشهداء (سلام الله عليه) قائلاً: (لأندبنك صباحاً ومساءً) فالندبة هي البكاء مع العويل والصراخ.
فأين تكون هذه الندبة من الإمام الحجة (سلام الله عليه) لجدّه المظلوم؟ أفي الصحراء أم غيرها؟ وماذا يتذكر الإمام الحجة (سلام الله عليه)؟ وأي مصيبة من مصائب جدّه يستحضر بحيث إنه لا يفتر ولا يبرد لا شتاءً ولا صيفاً؟! إن الإنسان المفجوع قد يهدأ ويبرد تدريجياً، أمّا الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فلا يهدأ أبداً بل يندب جدّه ليل، نهار.
ثم إنه (سلام الله عليه) قال: (ولأبكين عليك بدل الدموع دماً) فإنه ربما يقال: الدمع - الذي هو بخار الدم
في عروق المقلة - إذا تدفّق بكثرة، قلل من قابلية تبخّر رطوبات الدم، فيجري الدم نفسه من عروق الأجفان، أو أن الشرايين الدقيقة في الأجفان تتمزّق فيهمي منها الدم.
ويقال: إن مستودع الدم الذي هو مصدر الدمع ومنبعه، يشبه الكيس الموجود خلف العينين، فإذا جرح يتحوّل الدم الذي فيه إلى دموع، فلو بكى الإنسان كثيراً وبشدّة تحول بكاؤه على أثر جفاف الدمع إلى دم.
الجدير بالذكر أن الإنسان تارة يفقد عزيزاً له فيبكي عليه يوماً أو يومين أو أسبوعاً بشدة فتخرج من عينيه قطرة من الدم؛ فإن منبع الدمع عندما يفقد قدرته على بثّ الدموع يتحول البكاء بالدمع إلى دم وتنزل من الإنسان قطرة أو
قطرتان من الدم. إلا أن إمام العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يخاطب جده ولسان حاله: سأبكي عليك يا جدّاه بكاءً شديداً متواصلاً حتى تجفّ دموعي وتتحوّل دماً. وهذا معناه أن الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يبكي على الإمام الحسين (سلام الله عليه) دماً كلَّ يوم وليس فقط يوم عاشوراء؛ إذ إن مصيبة سيد الشهداء وأهل بيته مصيبة استثنائية وشاءت إرادة السماء أن لا يكون لها نظير في الكون منذ الأزل وإلى يوم يبعثون.
دروس من الرضا والتسليم
اقرأوا (بحار الأنوار) وكتب المقاتل لن تجدوا لأهل البيت (سلام الله عليهم) بما فيهم النساء والأطفال - فضلاً عن الإمام السجاد والباقر (سلام الله عليهما) -
كلمة واحدة تسخط الله تعالى رغم عظم المصائب التي رأوها! نعم، إن الإمامين السجاد والباقر (سلام الله عليهما) كانا معصومين، لكن بقية النساء والأطفال لم يكونوا كذلك!
وكذلك لن تجدوا أن أهل البيت (سلام الله عليهم) تضجّروا أو توجعوا أو حتى شكوا ما جرى عليهم في كلمة، فهذا ابن زياد حينما خاطب العقيلة زينب (سلام الله عليها) بكلّ وقاحة قائلاً: كيف رأيتِ صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟ أجابته (سلام الله عليها) قائلة: (ما رأيت إلاّ جميلاً)(2)، علماً أنها رأت كلّ هذه المصائب العظيمة.
نعم، إن السيدة زينب (سلام الله عليها) كانت عالمة غير معلَّمة ولكن الأطفال الصغار الذين كانت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) بحار الأنوار: ج 45، ص 115، الباب 39.
تتراوح أعمارهم بين الثلاث والأربع وبقية النسوة لم يكونوا مثل السيدة زينب (سلام الله عليها) ومع ذلك فلم تصدر منهم كلمة لا ترضي الله تعالى، وهذا درس وعبرة لنا ينبغي أن نعتبر منها، ونتّعظ بها.
انظروا اليوم إلى مقام طفلة سيد الشهداء (سلام الله عليه) - السيدة رقية - بعد مرور أكثر من ألف وثلاثمائة وخمسين سنة في الشام وهي مركز بني أمية حتى اليوم، فما أكثر الحاجات التي تقضى للناس بالتوسل إلى الله تعالى بهذه السيدة الجليلة، هذا بالنسبة للدنيا أمّا في الآخرة فالله العالم.
دورنا تجاه الشعائر
لقد انقضى يوم عاشوراء من هذه السنة إلا
أن مصائب أهل البيت (سلام الله عليهم) لم تنقضِ بل بدأت من اليوم، فلا ندعها تمرّ علينا دون أن نستفيد منها على الوجه الأحسن. وفي هذا المجال أوصي الأخوة بوصيتين:
الأولى: إن الأخوة - ولله الحمد - من أهل المجالس بمن فيهم العلماء الأعلام والوعاظ المحترمون الذين هم أحفظ مني للمطالب، ولكنني أوصي إخواني الذين هم مثلي وأقول:
استفيدوا من بركات سيد الشهداء (سلام الله عليه) بقدر الإمكان، وذلك من خلال المشاركة في مجالس العزاء وإحيائها، بل اسعوا إلى عقد هذه المجالس في بيوتكم فإنها تجلب إليكم بركة الدنيا والآخرة.فإن كل من يقيم مجلساً سواء كان للرجال أم
للنساء، وفي محرم أم في صفر، وفي عاشوراء أم في غيرها، كلّ ذلك يجلب البركة إليكم لأن ذكر أهل البيت (سلام الله عليهم) يجلب البركات ومنها سلامة الذرية. فالذي يريد أن تكون ذرّيته صالحة عليه أن يجلب البركة في بيته وذلك بإقامة مجالس ذكر أهل البيت (سلام الله عليهم)، كلٌّ حسب قدرته وإمكانيته، وإذا استطاع أحدكم أن يقيم المجالس يومياً فإن لذلك فوائد كثيرة، أما إذا لم يتمكن من ذلك كل يوم فلا بأس في كل أسبوع أو كل شهر أو حتى مرة في السنة.
فاسعوا أيها الأخوة الأعزاء أن تنيروا بيوتكم بمصباح سيد الشهداء وذلك من خلال إقامة مجلس العزاء على مصابه (سلام الله عليه)، واعلموا أن هذا المصباح ورغم محاولات الأعداء الكثيرة
التي أرادوا بها أن يطفئوا نوره قد بقي منيراً على مدى أربعة عشر قرناً، وسيبقى منيراً إلى يوم القيامة.
الظلم بلباسه الإرهابي الجديد
هاكم الشعب العراقي المظلوم مثالاً، فرغم كلّ المضايقات وسيل المصائب التي صبّوها عليه - حيث أعدموا الكثير من الذين كانوا يقيمون العزاء في بيوتهم - والمقابر الجماعية التي كشفوها، فإنه ما زال متمسكاً بالولاء لسيد الشهداء سلام الله عليه.
واليوم بعد أن تخلص العراقيون من الظلم عاد الأعداء ليمارسوا ظلمهم بحق العراقيين مرّة أخرى، فلقد اقترفوا اليوم - العاشر من المحرم 1425 - جريمة كبرى عند مرقد سيد الشهداء
ومرقد أخيه أبي الفضل العباس (سلام الله عليهما). لقد قال لي أحد الأصدقاء نقلاً عن أحد المطلعين: ذهب من إيران فقط ما يقارب مليون زائر لزيارة سيد الشهداء في عاشوراء فضلاً عن الزوار من بقية الدول.
ومع ذلك فإن الظلمة لم يقفوا مكتوفي الأيدي، فقاموا بفعلهم الشنيع تجاه زوار سيد الشهداء في كربلاء، وكذا الحال بالنسبة لزوار الإمامين الكاظمين (سلام الله عليهما).
وهنيئاً للزوار الذين استشهدوا وهم في زيارة أهل البيت (سلام الله عليهم)، ففي الغد نغبطهم - أنا وأنتم - وسنرى إن شاء الله مقامهم الرفيع يوم القيامة، لأن الله تعالى قد جعل لسيد الشهداء خصوصية - كما يقول العلماء - لم يجعل مثلها لنفسه.
الإمام الحسين محبوب الجميع
لقد أثنى حتى الكثير من غير المسلمين - بل ومن عبّاد النار - على الإمام الحسين (سلام الله عليه)، وقد طبع أحدهم ديواناً في رثاء أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه. فهؤلاء وأمثالهم ماذا تكون عاقبتهم؟
يقول أحد العلماء الأعلام: قلت لأحد عبّاد النار: ألا تدخل في الإسلام؟ فرفض. وبعد مدة جاءني ابنه وقال: لقد مات أبي اليوم وقبل موته بقليل أوصى بأن نسلّم جنازته للشيعة ليتصرفوا بها كيف شاءوا؟! فلربما أسلم في أواخر حياته وتشيع.
لاشك أن الذين قُتلوا اليوم قد مضوا إلى نعيم الله تعالى، ولكن الويل لأولئك الذين ظلموا
معزّي سيد الشهداء (سلام الله عليه)، فإنهم في عداد من خسر الدنيا والآخرة.
إن الخاسر الحقيقي هو من انتهك حرمة عزاء سيد الشهداء وأهل البيت الأطهار (سلام الله عليهم) بأي طريقة كانت، ولن يهنؤوا في حياتهم حتى في شربهم الماء، ففي الخبر أن الله تعالى أول شيء يحاسِب عليه هي قضية سيد الشهداء (سلام الله عليه)، فيحاسب كلّ من كان مع سيد الشهداء وكلّ من كان ضده بل وكلّ من خطا خطوة في طريق سيد الشهداء (سلام الله عليه)، وكل من خطا خطوة في طريق أعدائه، فيحشر أتباع سيد الشهداء معه وأعداؤه مع قتلته.
البشرية كلها ممتحنة بقضية عاشوراء
إن قضية عاشوراء ستبقى إلى يوم القيامة وسيمتحن فيها الملايين من البشر.
إن الامتحان بقضية عاشوراء ليس اليوم فقط أو في عاشوراء عام 61هـ وإنما كان قبل أن يخلق الله تعالى الأنبياء (سلام الله عليهم)، فقد امتحن نبي الله نوح وإبراهيم الخليل (سلام الله عليهما)، ففي الخبر أنه إذا ذكر الأنبياء فينبغي أن يصلى على النبي (صلّى الله عليه وآله) أولاً ثم عليهم ما عدا نبي الله إبراهيم حيث يقال هكذا: عليه وعلى نبينا وآله السلام، وهذا استثناء له من بين جميع الأنبياء، ومع ذلك فقد امتحنه الله تعالى بسيد الشهداء سلام الله عليه.
وكذلك نحن جميعاً نمتحن، ولذلك لا بدّ أن نحذر ونحتاط فلا نسيء إلى شيء من قضايا
سيد الشهداء (سلام الله عليه)، فإن الله تعالى يعفو عن معصيته أسرع من عفوه عن التقصير في قضية سيد الشهداء (سلام الله عليه)، وهذا نظير ما في الرواية إن الله تعالى ينظر إلى زوار قبر أبي عبد الله (سلام الله عليه) يوم عرفة قبل أن ينظر إلى زوّار بيته الحرام.
انظروا لما حدث في عاشوراء هذا العام، هل سيمتنع الزوار من المجيء ثانية إلى قبر سيد الشهداء (سلام الله عليه)؟ وهل تصوّر الأعداء أن الناس سيتركون زيارة سيد الشهداء (سلام الله عليه)؟ لقد التقيت بالعديد من المظلومين في العراق، فكان بعضهم يقول: فقدت أولادي الخمسة ولا أعلم منهم شيئاً، وغير ذلك من قتل الشباب وانتهاك الأعراض والتجري على العلماء، ومع كل
ذلك لم يتراجع الموالون عن قضية سيد الشهداء (سلام الله عليه) ولن يتراجعوا إلى يوم القيامة. ولكن يبقى القول: إنه لمن سعادة المرء أن يقيم مجلساً لسيد الشهداء (سلام الله عليه)، فالمجالس هذه حتى إن حضرها القليل ولم يقدّم فيها إلا اليسير، فهي يوم القيامة عند الله عظيمة، فضلاً عن دفعها لبلاء الدنيا والآخرة.
الذين لم يُوفَّقوا لذلك فليصمّموا من اليوم أن يقيموا في بيوتهم مجالس سيد الشهداء سلام الله عليه.
لنجعل أبناءنا في خدمة أهل البيت (سلام الله عليهم)
أما الوصية الأخرى والتي أراها وظيفة شرعية أن أوصيكم بها هي:
إن دنيا اليوم تختلف عن السابق، فاليوم إذا وقعت حادثة بسيطة في كربلاء فلا يمرّ عليها
خمس دقائق حتى يصل خبرها إلى أقصى أطراف العالم، وإذا اتفقت حادثة في قم فلا تنقضي خمس دقائق حتى تجد أن وكالات الأنباء العالمية تتناقلها، علماً أن الفرق بينهما شاسع جداً، فقد تكون إحداهما وقعت نهاراً والأخرى ليلاً.
وكما تعلمون أن تعداد البشرية اليوم يعادل ستة مليارات والكثير منهم لا يعرفون الإمام الحسين (سلام الله عليه) بل ربما لم يسمع بعضهم به، وإذا سمعوا عنه فإنهم لا يعرفون حقيقته، كما تعبّر الروايات (عارفاً بحقّه). ولذا فإن مسؤوليتنا - نحن العارفين بحقّ سيد الشهداء (سلام الله عليه) - أن نوصل صوت الإمام الحسين (سلام الله عليه) إلى البشرية كلها ونعرّفها به. وأبسط ما يمكن القيام
به في هذا المجال هو جمع مقدار من الأموال وافتتاح موقع على الانترنت وبواسطته نعرّف سيد الشهداء (سلام الله عليه) للعالم. وربما يدخل الآلاف بل الملايين في الموقع فيهتدوا على أثره.
من جانب آخر، اسعوا - إخواني الأعزاء - أن يكون في بيتكم خادم للإمام الحسين (سلام الله عليه)، فإذا كان عندكم عدة أولاد فاجعلوا أحدهم خادماً في طريق سيد الشهداء وطريق الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف). وذلك بتعلّم علوم أهل البيت (سلام الله عليهم) وتعليمها للناس كافة.
وينبغي لكم أن تشوقوهم لذلك إن لم يكن لهم رغبة في هذا الطريق، ولا تجبروهم عليه.
الكعبي ومقتل الإمام الحسين سلام الله عليه
يمرّ اليوم على وفاة المرحوم الشيخ عبد الزهراء
الكعبي زهاء ثلاثين سنة، ولكن لا يزال صوته وهو يقرأ مقتل الإمام الحسين (سلام الله عليه) يُسمع في كثير من الأماكن. حتى في أوربا تجدهم يبثّون مقتل الإمام الحسين (سلام الله عليه) بصوت المرحوم الشيخ عبد الزهراء الكعبي.
لقد رأيته هو وبعض أقربائه بما فيهم والده رحمة الله عليهم وقد ذكروا أنهم سمّوه بهذا الاسم لأن ميلاده كان في يوم ميلاد الصدّيقة الزهراء (سلام الله عليها)، كما أن شهادته غدراً بالسمّ - على ما نُقل - صادفت في يوم شهادة الصدّيقة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها).
فاسعوا إخواني الأعزاء لأن يكون في بيتكم مثل هذا الصوت الذي يستمع إليه الملايين من الناس، فلو كان الشيخ عبد الزهراء من التجار
الكبار أو حاكماً من الحكام لم يُفد والديه كما أفادهما بعد أن نذر نفسه لطريق أهل البيت والإمام الحسين (سلام الله عليهم) أجمعين.
احرصوا إخواني أن يكون أحد أولادكم من أهل العلم ولا تنسوا أن تحثّوه على هذا الطريق علماً أن كل أجر يحصّله ستكونون شركاء معه، كما في الحديث الشريف: (من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)(3) فاحرصوا على ذلك واسعوا بأن تجعلوا أحد أبنائكم - ذكراً كان أم أنثى - في عداد خدمة الإمام الحسين (سلام الله عليه)، أمّا الذين لم يتزوجوا بعد فينبغي لهم أن يعاهدوا سيد الشهداء (سلام الله عليه) على أنهم إن تزوجوا ورُزقوا بذرية أن يجعلوا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) الكافي: ج5، ص9.
أحدهم من طلبة العلوم الدينية الذين يخدمون خط سيد الشهداء وإمام العصر (سلام الله عليهما).
أسأل الله تعالى ببركة سيد الشهداء الإمام الحسين (سلام الله عليه) أن يوفّقنا لما يحبّه ويرضاه وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.
ترجمة حديث سماحته ليلة الحادي عشر من المحرّم عام 1425هـ.