تاريخ مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في وادي السلام

تاريخ مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في وادي السلام

الأستاذ أحمد علي مجيد الحلي
تقديم ومراجعة: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
رقم الإصدار: 46
الطبعة الثانية 1443هـ

الفهرس

مقدَّمة المركز للطبعة الثانية..................3
مقدَّمة المركز للطبعة الأُولى..................7
الإهداء..................13
تأريخ المقام..................15
مقدَّمة المؤلِّف..................17
الفصل الأوَّل: الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في وادي السلام..................21
الفصل الثاني: الإمام الصادق (عليه السلام) يشير إلى هذا المقام..................29
1 - ذكر الحديث بطُرُق أسانيده المختلفة..................32
أ) الرواية الأُولى..................32
ب) الرواية الثانية..................33
جـ) الرواية الثالثة..................34
د) الرواية الرابعة..................35
هـ) الرواية الخامسة..................36
2 - تحقيق حول عصر الحديث..................37
3 - المواضع الثلاثة المتضمِّنة في الحديث..................37
أ) موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام):..................39
ب) موضع رأس الحسين (عليه السلام):..................40
جـ) موضع منبر القائم (عجَّل الله فرجه)..................40
الفصل الثالث: في صحَّة نسبة هذا المقام إلى الإمامين الصادق والمهدي (عليهما السلام)..................43
الفصل الرابع: تأريخ المقام من خلال الحكايات..................55
الحكاية الأُولى: المريض الذي شُفي في هذا المقام..................58
بحث حول الحكاية..................60
1 - سند الحكاية..................60
2 - تاريخ الحكاية..................61
3 - شهرة المقام في القرن الحادي عشر الهجري..................61
4 - عمارة المقام..................62
الحكاية الثانية: المرأة التي كُشِفَ عن بصرها..................63
بحث حول الحكاية..................66
1 - سند الحكاية..................66
2 - تاريخ الحكاية..................67
3 - عمارة المقام..................67
الحكاية الثالثة: لقاء السيِّد أبي الحسن الأصفهاني بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)..................68
بحث حول الحكاية..................70
1 - سند الحكاية..................70
2 - تاريخ الحكاية..................71
3 - عمارة المقام..................71
الحكاية الرابعة: أحد العظماء في مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)..................72
بحث حول الحكاية..................73
1 - سند الحكاية..................73
2 - تاريخ الحكاية..................73
3 - عمارة المقام..................73
الحكاية الخامسة: ثمرة حبِّ الإمام عليٍّ (عليه السلام)..................74
بحث حول الحكاية..................76
1 - سند الحكاية..................76
2 - تاريخ الحكاية..................77
3 - عمارة المقام..................77
الفصل الخامس: مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في الأدب العربي..................79
1 - الشعر الأوَّل..................81
2 - الشعر الثاني..................83
الفصل السادس: ذكر من دُفِنَ في المقام وفي جواره..................85
1 - القرن الحادي عشر الهجري..................88
2 - القرن الثالث عشر الهجري..................89
3 - القرن الرابع عشر الهجري..................89
الفصل السابع: أهمُّ الأحداث التي طرأت على المقام..................93
1 - الغارات الوهَّابيَّة على النجف الأشرف بين سنتي (1214 و1225هـ)..................95
2 - في (13) شهر رمضان من سنة (1287هـ)..................96
3 - في سنة (1304هـ)..................96
4 - في سنة (1333هـ)..................97
5 - في سنة (1336هـ)..................97
6 - في سنة (1365هـ)..................97
7 - في سنة (1370هـ)..................98
8 - في سنة (1373هـ)..................98
9 - في سنة (1425هـ)..................99
الفصل الثامن: تاريخ عمارة المقام..................101
1 - أوَّل عمارة للمقام..................103
2 - عمارة المقام في القرن الحادي عشر الهجري..................104
أ) في سنة (1026هـ)..................105
ب) وقبل سنة (1078هـ)..................105
3 - عمارة المقام في القرن الثاني عشر الهجري..................105
أ) قبل سنة (1155هـ)..................105
ب) وفي سنة (1200هـ)..................106
جـ) عمارة السيِّد بحر العلوم (1155 - 1212هـ)..................106
4 - عمارة المقام في القرن الرابع عشر الهجري..................108
أ) في سنة (1308هـ)..................108
ب) في سنة (1352هـ)..................110
5 - عمارة المقام في القرن الخامس عشر الهجري..................110
الفصل التاسع: أقوال العلماء في المقام..................113
1 - الميرزا حسين النوري (ت 1320هـ)..................115
2 - العلامة السيِّد جعفر آل بحر العلوم..................117
3 - العلامة الشيخ جعفر الشيخ باقر محبوبة (ت 1377هـ)..................118
4 - السيِّد جواد شبَّر..................119
5 - الشيخ محسن عبد الصاحب المظفَّر..................119
الفصل العاشر: في موقع المقام ووصف عمارته..................121
1 - موقع المقام..................123
2 - وصف المقام..................123
أ) الباب الخارجيَّة..................123
ب) مدخل المقام..................123
ج) صحن المقام..................124
د) بيت مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)..................124
هـ) مقام الإمام الصادق (عليه السلام)..................126
الفصل الحادي عشر: في ذكر سدنة المقام..................127
الفصل الثاني عشر: زيارة الإمامين الصادق والمهدي (عليهما السلام) في هذا المقام..................133
1 - في أنَّ هذا المقام بيت من بيوت الله تعالى يجب تعظيمه..................135
2 - في زيارة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)..................137
3 - في استحباب زيارة مولانا صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في كلِّ زمان ومكان..................138
4 - في تأكيد الدعاء بالفرج لإمامنا صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في هذا المقام..................139
5 - في علَّة اشتهار زيارته (عجَّل الله فرجه) في مقاماته في ليلة الأربعاء..................140
6 - في زيارة مطلقة للمهدي (عجَّل الله فرجه)..................140
دعوة ودعاء..................143
الفصل الثالث عشر: الوثائق والصور الفوتغرافيَّة..................145
المصادر والمراجع..................159

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدَّمة المركز للطبعة الثانية:
ثبت في محلِّه أنَّ التشريعات والأحكام الإلهيَّة تكون وفق مصالح ومفاسد واقعيَّة يعلمها هو تعالى، وأنَّه لم يُتح لنا أنْ نعرف تلك الملاكات الواقعيَّة، ولذا لم نُكلَّف بالبحث عنها، إذ لا يُكلِّف الله تعالى نفساً فوق قدراتها المحدودة، وهذا المعنى يشمل التشريعات على اختلاف مراتبها ومتعلَّقاتها، سواء التي تعلَّقت بالفرد، أم بالمجتمع، أم بالزمان، أم بالمكان، وغيرها.
إلَّا أنَّ التأمُّل في النصوص الدِّينيَّة والتشريعات السماويَّة يكشف بكلِّ وضوح عن أنَّ للمكان أثراً فيها، فهناك بعض التشريعات والأحكام تعلَّقت بمكان معيَّن، لخصوصيَّة معيَّنة، قد نعلمها وقد لا نعلمها.
فقد ذكرت بعض النصوص الدِّينيَّة أنَّ بقعة الأرض التي يتواجد عليها الإنسان ستكون من الذين يشهدون عليه أو له يوم القيامة، فقد روي عن الإمام الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام)، أنَّه قال: «عليكم بإتيان المساجد، فإنَّها بيوت الله في الأرض، ومن أتاها متطهِّراً طهَّره الله من

(٣)

ذنوبه، وكُتِبَ من زوَّاره، فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء، وصلُّوا من المساجد في بقاع مختلفة، فإنَّ كلَّ بقعة تشهد للمصلِّي عليها يوم القيامة»(1).
وفي وصيَّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأبي ذرٍّ: «يا أبا ذرٍّ، ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض إلَّا شهدت له بها يوم القيامة، وما من منزل نزله قوم إلَّا وأصبح ذلك المنزل يُصلِّي عليهم أو يلعنهم»(2).
والنبيُّ موسى (عليه السلام) ناجاه الله تعالى في مكان محدَّد اختاره الباري (عزَّ وجلَّ) له، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الأعراف: 143).
ولإحرام الحجِّ أمكنة محدَّدة لا يجوز الإحرام من غيرها، ولمكَّة أحكام تختلف عن غيرها من بقاع الأرض، فلا يجوز دخولها إلَّا بإحرام، ولا صيد فيها، ولا قطع شجر.
ومن هذا القبيل الأماكن المتعلِّقة والمنسوبة لأهل البيت (عليهم السلام)، فللأماكن التي حوت أجسادهم الطاهرة خصوصيَّات لا نجدها في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أمالي الصدوق (ص 440/ ح 584/8).
(2) أمالي الطوسي (ص 534/ ح 1162/1).

(٤)

غيرها من الأماكن، ولذا يُستحَبُّ الصلاة على تربة أُخِذَت من قبر الإمام الحسين (عليه السلام)، والتشافي بها - على تفصيل مذكور في محلِّه -، ولذا أيضاً (تُستحَبُّ الصلاة في مشاهد الأئمَّة (عليهم السلام)، بل قيل: إنَّها أفضل من المساجد، وقد روي أنَّ الصلاة عند عليٍّ (عليه السلام) بمائتي ألف)(3).
ومن هذا المنطلق، نجد أنَّ هناك اهتماماً واضحاً من شيعة أهل البيت (عليهم السلام) بالأماكن المنتسبة لأئمَّتهم (عليهم السلام)، ومنها المقامات المنسوبة للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، حيث إنَّها أماكن تحكي العلاقة الروحيَّة معه (عجَّل الله فرجه)، وبالتالي في من شأنها أنْ تُوثِّق العلاقة به (عجَّل الله فرجه)، فضلاً عن اتِّخاذها مراكز لبثِّ علومهم (عليهم السلام)، ومحطَّة لتعليم الناس دينهم.
ومن تلك المقامات هو مقامه (عجَّل الله فرجه) في وادي السلام، وهذا الكتاب الذي بين يديك يتحدَّث حوله، مبيِّناً تاريخه ومعالمه وما يتعلَّق به، نسأل الله تعالى أنْ يُوفِّقنا لنكون ممَّن يحيون أمر أهل البيت (عليهم السلام) وينشرون علومهم بين الناس، لنحظى بنظرة من صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه) تنجينا من عذاب الدنيا والآخرة.
والحمد لله ربِّ العالمين.
ونحن إذ نُقدِّم هذا الكتاب بطبعته الثانية فإنَّنا نأمل من الجهات المسؤولة في الدولة العراقيَّة وخصوصاً ديوان الوقف الشيعي الموقَّر زيادة الاهتمام بمثل هذه البقاع المقدَّسة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(3) منهاج الصالحين للسيِّد السيستاني (دام ظلُّه) (ج 1/ ص 187/ مسألة 562).

(٥)

سائلين المولى تعالى أنْ يُوفِّق الجميع لخدمة المولى صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه)، وأنْ يجعلنا من أنصاره وأعوانه، إنَّه سميع مجيب.

مركز الدراسات التخصُّصيَّة
في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)

(٦)

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدَّمة المركز للطبعة الأولى:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسَلين سيِّدنا محمّد وآله الطيِّبين الطاهرين المعصومين المنتجبين، ولاسيّما صاحب العصر، وناموس الدهر، بقيَّة الله في أرضه، وحجَّته على عباده، سميُّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكنيُّه، الحجَّة بن الحسن المهدي العسكري (عجَّل الله فرجه).
واللعنة الدائمة على أعداءهم أجمعين من الأوَّلين والآخرين خاصَّةً المنكرين للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) والمشكِّكين فيه.
من الأُمور الثابتة عن أهل بيت العصمة والطهارة الندب إلى إحياء أمرهم والتأكيد عليه حيث ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنَّه قال: «أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا»(4)، وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال لبعض أصحابه: «تجلسون وتتحدَّثون؟»، قال: قلت: جُعلت فداك، نعم، قال: «إنَّ تلك المجالس أُحِبُّها»(5)، وهذه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(4) هداية الأُمَّة (ج 5/ ص 137/ ح 860).
(5) ثواب الأعمال (ص 187).

(٧)

النصوص وغيرها تكتشف بما لا يشوبه شكٌّ أهمّيَّة إحياء أمرهم (عليهم السلام) بين مختلف الطبقات الاجتماعيَّة والعلميَّة والفكريَّة، والتأكيد على مسألة التذكير بهم وبمناقبهم وخصوصيَّاتهم بالدعوة المتكرِّرة منهم (عليهم السلام) لحضور مواليهم في مقاماتهم وزيارتها وعمارتها، وتوجيه أذهان الأُمَّة إلى أهمّيَّتها لما في تشييد المقامات المنسوبة لأهل الكمالات من دور مهمٍّ في شدِّ الناس إلى دينهم وإلى أئمَّتهم، وهو منهج إلهي أوَّل من أمر به وأسَّسه الله تبارك وتعالى، حيث جعل الكعبة البيت الحرام محلًّا يؤمُّه الحجيج لا لحاجة منه إليهم، بل لتوثيق ارتباطهم بربِّهم، ولم يكن هذا المورد خاصًّا بالبيت الحرام، بل هناك مجال آخر دعا الله فيها بعض الأنبياء أنْ يجعلوا من بعض الأماكن محالاً تكون عنصراً لتوثيق الترابط بين العباد وربِّهم، حيث قال تبارك وتعالى مخاطباً موسى وهارون (عليهما السلام): ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ (يونس: 87)، وقال: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ (البقرة: 125).
وأثنى الله تبارك وتعالى على الذي بنى مسجداً على الكهف الذي لجأ إليه الصالحون بعد أنْ بعثهم من لبثهم فيه ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعاً: ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً﴾ (الكهف: 21).
وقد شاع بين المسلمين زيارة قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والاحتفاء به، والتبرُّك بالمساجد التي صلَّى فيها، أو زيارة قبور الشهداء، لما لها بالإضافة إلى بعدها الدِّيني والتاريخي من دور مهمٍّ في ربط العباد بربِّهم

(٨)

ودينهم، وتأكيد عقيدتهم، وحفظ سلامة مسيرتهم الفكريَّة والعلميَّة والعقائديَّة.
وقد اهتمَّ الأئمَّة (عليهم السلام) تأسّياً بالرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالاهتمام بالمواضع ذات البعد الدِّيني، حيث اشتهر عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه كان يحتفظ بشيء من تراب الموضع الذي استُشهِدَ فيه الإمام الحسين (عليه السلام) بعد عشرات السنين(6)، ووقف أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد فاضت به الآلام والحسرة عند مروره في كربلاء عند الموضع الذي سيضمُّ شهداء العترة الطاهرة(7).
ومن المواضع التي كانت محلَّ اهتمام أهل البيت (عليهم السلام) المواضع التي تخصُّ أيَّام الظهور المبارك للمولى صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)، فنجد في روايات متعدِّدة الإشادة بمسجد السهلة ومسجد الكوفة، لكون الأوَّل محلُّ سكناه(8)، والثاني موضع حكمه (عجَّل الله فرجه)(9).
بل هناك اهتمام خاصٌّ من الناحية المقدَّسة (عجَّل الله فرجه) في بعض المواضع والمحال، والتي منها مسجد جمكران في مدينة العلم والفقاهة قم المشرَّفة، حيث وردت الروايات عن الثقاة والأجلَّة بأنَّ أمر بناء هذا المسجد الشريف كان صادراً عنه (عجَّل الله فرجه)(10).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(6) أمالي الصدوق (ص 203/ ح 219/3).
(7) كامل الزيارات (ص 453/ ح 685/12).
(8) قَصص الأنبياء للراوندي (ص 84/ ح 63).
(9) الهداية الكبرى (ص 400).
(10) النجم الثاقب (ج 2/ ص 51/ الحكاية الأُولى).

(٩)

ومن هنا فإنَّ مسألة الاهتمام بالمواضع المنسوبة للإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) يجب أنْ تنال الاهتمام اللَّائق بها لعدَّة أُمور:
1 - أنَّ الاهتمام بهذه الأماكن من شأنه أنْ يُوثِّق ارتباط الناس بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وهو أمر مندوب شرعاً.
2 - أنَّ هذه المواضع لما لها من أهمّيَّة وقدسيَّة يجب أنْ تكون مركزاً لنشر العقيدة، وبناءها بناءً صحيحاً.
3 - الاهتمام بهذه المقامات بالإضافة إلى دوره العلمي والفكري والعقائدي من شأنه أنْ يحفظ التراث الشيعي الذي غالباً ما يتعرَّض بسبب السياسات الهوجاء للنواصب للتدمير والتضيع.
4 - أنَّ هذه المقامات تكشف عن البعد الحضاري للشيعة، وتكشف بالملازمة عقيدتهم بأئمَّتهم خاصَّةً الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
5 - أنَّ هذه المواضع لم تأتِ من عدم، بل هي محال لنزول الفيوضات، وإجابة الدعوات، وحلِّ المشكلات، ومثل هذه المواضع لا يصحُّ إهمالها وتركها لما لها من آثار مهمَّة.
ومركز الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لما يشعر به من أهمّيَّة نشر العقيدة في الإمام المنتظر (عجَّل الله فرجه)، وأهمّيَّة إحياء كلِّ ما له علاقة به (عجَّل الله فرجه) تبنَّى نشر ما خطَّه يراع الأخ الفاضل أحمد الحلِّي الذي قدَّم دراسة وافية حول تاريخ مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة، وضمَّ إليه جملة من الأبحاث الأُخرى التي جعلت من الكتاب مفتاحاً لمن يريد دراسة تاريخ مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في وادي السلام.

(١٠)

وفي الختام نسأل الله تعالى أنْ يجعل أعمالنا موضع رضا سيِّدنا ومولانا صاحب العصر (عجَّل الله فرجه)، وأنْ يُوفِّقنا أنْ نكون جنوداً في الذود عن ساحة قدسه، وأنْ يرزقنا في الدنيا رؤيته ونصرته، ويُمتِّعنا بألطافه ورعايته، ويرزقنا في الآخرة شفاعته وشفاعة آبائه الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين).

مدير المركز
السيِّد محمّد القبانچي
(1427هـ)

(١١)

الإهداء

سيِّدي ومولاي الحجَّة ابن الحسن العسكري..
أُقدم هديَّتي المتواضعة هذه، فهي منك وإليك..
وهديَّتي عبارة عن بحث تأريخي عن مقامك (عجَّل الله تعالى فرجك الشريف) في النجف الأشرف..
لتفي لنا الكيل وتتصدَّق علينا، إنَّ الله يجزي المتصدِّقين..
إذ مسَّنا الضرُّ وأنت الرحمة للعالمين..

* * *

(١٣)

تأريخ المقام

هذه إضمامة عطرة تفضَّل بها سماحة السيِّد العلَّامة الجليل السيِّد...(11).

أحمدُ الحليِّ قد زفَّ لنا * * * دُرَّةً بيضاء من وادي السلامْ
صاغها في عِقْدِ تِبْرٍ(12) يَزْدَهي * * * مثلما تزهو ذُكاءٌ(13) بانتظامْ
قد أجادَ القولَ في إيضاحِها * * * وأماطَ الحُجْبَ عنها للأنامْ
عن مُقامِ الحجَّةِ المهديِّ قَدْ * * * وَثَّقَ النَقْلَ بإيجازِ الكلامْ
ومُقامُ الصَّادقِ الطُّهْرِ أتى * * * في مغاني بحثهِ عينَ التَّمامْ
وبِذِكْرِ (الباءِ) من (بسملةٍ) * * * جاء في التأريخ: (تاريخ المُقامْ)

(2) + (1211) + (212) = (1425هـ).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(11) والسيِّد هذا هو من نزلاء مدرسة الإمام الأكبر الشيخ محمّد حسين آل كشف الغطاء في النجف الأشرف، ومن تواضعه طلب منِّي أنْ لا أذكر اسمه رغم شهرته.
(12) التبر: الذهب.
(13) ذكاء: اسم من أسماء الشمس.

(١٥)

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدَّمة المؤلِّف:
الحمد لله الذي جعل الكرامات لأصحاب المقامات، وخصَّهم بالمآثر الخالدات، والصلاة والسلام على فخر الكائنات، وعلَّة الموجودات، سيِّد الأنام، المظلَّل بالغمام، محمّد بن عبد الله، المؤيَّد بالبراهين والمعجزات، وعلى آله الطاهرين أئمَّة الخلق المعصومين من كلِّ رجس وهنات.
وبعد..
في مدينة النجف الأشرف آثار ذات امتداد عميق ونور ساطع، فمن جسد نبيِّ الله آدم (عليه السلام) إلى جسد النبيِّ نوح (عليه السلام) ثمَّ إلى جسد أمير المؤمنين (عليه السلام). تشخص هناك قدمٌ لمعزِّ الأولياء الإمام الحجَّة ابن الحسن (عجَّل الله فرجه)، ففي الجانب الغربي من النجف الأشرف، وفي قلب وادي السلام، هذا الوادي العريق، اختار طاووس أهل الجنَّة(14) موطأ له، فزاد المحلَّ شرفاً على شرف، هذا الوادي الذي رُفِعَ عن أهله عذاب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(14) عن ابن عبَّاس، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المهدي طاووس أهل الجنَّة».
اُنظر: البيان في أخبار صاحب الزمان.

(١٧)

البرزخ، فكأنَّ إمامهم أراد أنْ يُشعِر أهلَهُ بالأمان، فلسان حاله يقول: نحنُ معكم أينما تولُّوا وجوهكم، في الحياة وبعد الممات.
هذا المقام الشريف الذي مرَّت عليه قرون متطاولة وهو قائم يتحدَّى عوادي الزمن وعبث الدهور، ولأنَّ العناية بآثار أولياء الله والاهتمام بتعظيمها من الأُمور اللَّازمة إعلاءً لشعائر الله تعالى كما يستأنس ذلك بقوله تعالى: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ (البقرة: 125)، كنت منذ حقبة من الزمان مولعاً بتتبُّع أخبار هذا المقام، فلم أجد سِفراً يضمُّ بين دفَّتيه ما يتعلَّق به ويستوفي تاريخه، بل ألفيت أخباراً متناثرة هنا وهناك لا تُشبِع نهم الباحث ولا تروي ظمأ المتتبِّع، فحزَّ في نفسي أنْ يظلَّ تاريخ هذا المقام الشريف في زاوية الظلِّ لم تُسلَّط عليه الأضواء الكاشفة، فهزَّني باعث الولاء لعترة النبيِّ النجباء إلى أنْ أتتبَّع أخبار هذا المقام المبارك باحثاً في بطون الكُتُب القديمة والحديثة من مخطوط ومطبوع، مستفيداً من بعض الإشارات في الوقوف على مظانِّ الفائدة ممَّا يتعلَّق بهذا الأثر الخالد.
ومن الجديد فيما قمت به في هذه الدراسة الرائدة، أنِّي أثبتُّ بالبحث الميداني أنَّ هذا المقام هو موضع منبر القائم (عجَّل الله فرجه) الذي صلَّى فيه الإمام الصادق (عليه السلام) ركعتين.
وأظهرت فيه أقدم تاريخ لعمارة المقام عثرت عليه وهو سنة (1025هـ)، مع الاحتفاظ بفضل العلَّامة الحجَّة السيِّد محسن الأمين بإشارته إلى هذا التاريخ، نقلاً عن كتابه (أعيان الشيعة).

(١٨)

وبيَّنت فيه أيضاً أنَّ السيِّد محمّد مهدي بحر العلوم (رحمه الله) ليس هو أوَّل من أشاد هذا المقام وأسَّسه كما يظنُّ البعض.
كما حاولت جاهداً جمع المعلومات التي أشارت إلى موضوع البحث، وبوَّبتها ورتَّبتها ترتيباً زمنيًّا كما سيراه القارئ.
ولم تفتني الاستفادة من بعض الحكايات المرويَّة في الكُتُب القديمة والحديثة.
وممَّا يُسعِدني في هذا البحث هو تعلُّقه بتأريخ مدينة النجف الأشرف، تلك المدينة التي يحتاج تأريخها إلى مجلَّدات ومجلَّدات، وتعلُّقه أيضاً بتأريخ عدَّة مقامات للإمام الصادق (عليه السلام).
وقد قسمَّت البحث في الكتاب إلى ثلاثة عشر فصلاً، كما تلاحظها في الفهرس.
ولا بدَّ لي من وقفة شكر وامتنان لمركز الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لحثِّه على إتمام الكتاب ومراجعته وإبداء الكثير من الملاحظات المهمَّة التي ساهمت في خروجه بهذا الشكل والمحتوى الذي أرجو من الله أنْ يملأ به فراغاً كانت تعاني منه ساحتنا المهدويَّة التراثيَّة.
وقبل الختام ألتمس من إخواني المؤمنين ولاسيّما أهل البحث والتحقيق أنْ يُنبِّهوني على ما قد يجدونه من الخطأ غير المقصود ممَّا سها عنه القلم وزاغ عنه البصر، فإنَّ الإنسان موضع الغلط والنسيان، والكمال لله، والعصمة لأهلها، والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات.

أحمد عليّ مجيد

(١٩)

وادي السلام، ذاك الاسم على المسُمَّى، ذاك الأمان من العذاب، وأيُّ عذاب؟ ففيه يجتمع اثنان هما: السلام والأمان، سلامٌ في الحياة، وسلامٌ في الممات، وأمانٌ لمن سكنه حيًّا و لمن دُفِنَ فيه ميِّتاً، ففي أخبار آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه تتوافد إليه الأرواح المؤمنة، من الشرق ومن الغرب، ويجتمعون فيه حلقاً حلقاً قعوداً يتحدَّثون(15)، هذا لما بعد الموت، وأمَّا الآن فمع دقَّات الساعة ومع حركة أميال الزمن، تنتظر أرض النجف وأهلُها ذاك الرجل الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وهو الذي يتَّخذ أرضها عاصمةً له، فيجتمع المؤمنون فيها حينئذٍ من كلِّ حدب وصوب، من شرق الأرض وغربها(16)، فيُردد الأحياء فيها، وكذا يُردد الأموات هتافاً عالياً، وصُراخاً يُسمع الكونين والثقلين - سلام على أهل السلام - عند طلعته البهيَّة، فيُنصب المنبر في موضعه، وهو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(15) ذكر الكليني في كتابه الكافي (ج 3/ ص 243) ما نصُّه: عن مروان بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: إنَّ أخي ببغداد وأخاف أنْ يموت بها، فقال: «ما تبالي حيثما مات، أمَا إنَّه لا يبقى مؤمن في شرق الأرض وغربها، إلَّا حشر الله روحه إلى وادي السلام»، قلت له: وأين وادي السلام؟ قال: «ظهر الكوفة، أمَا إنِّي كأنِّي بهم حلق حلق قعود يتحدَّثون».
(16) عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «إذا دخل القائم الكوفة، لم يبقَ مؤمن إلَّا وهو بها أو يجيء إليها». (الغيبة للطوسي: ص 455).

(٢٣)

الموضع الذي طالما أشار إليه جدُّه الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في بعض زياراته لأرض الغريِّ، فنستمع منه سويًّا، ونرتوي من طلعته الغرَّاء مليًّا، مُتناسين كلَّ فتنة دهماء، وصمَّاء ظلماء كحندس الليل، طالما سَرت على شيعته الكرام، آه ثمّ آه، حتَّى متى وإلى متى يا وادي السلام؟ فمتى يرانا ونراه (عليه آلاف التحيَّة والثناء)؟
قد قدَّم آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الكثير من الأحاديث التي يحفل بها وادي السلام، وتجعله يفتخر على الكثير ممَّن سواه، فمن مخاطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) لأرضه، وذلك بقوله: «ما أحسن منظركِ وأطيب قعركِ، اللَّهُمَّ اجعل قبري بها»(17)، إلى إسقاط العذاب لمن يُدفَن فيه.
وجعلوا (عليهم السلام) لذلك الوادي تُحفة وأيُّ تُحفة، فقد أشاروا إليها (عليهم السلام) مُسبقاً قبل أنْ يُولَد المولى الأغرّ الإمام الثاني عشر (عجَّل الله فرجه) وقبل ظهوره المبارك، وهي تنويههم بمكان موضع منبر القائم من وادي السلام، ومروره (عجَّل الله فرجه) فيه، وأوَّل من أشار إلى ذلك هو أمير المؤمنين (عليه السلام) في أثناء خلافته في أُخريات سني عمره الشريف في الكوفة والتي دخلها في (12) رجب من سنة (36هـ)، وتُوفِّي فيها في (21) شهر رمضان المبارك من سنة (40 هـ)، على ما ذُكِرَ في هذه الرواية:
روي عن عليٍّ (عليه السلام) أنَّه قال: «كأنِّي بالقائم قد عَبر من وادي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(17) بحار الأنوار (ج 42/ ص 217).

(٢٤)

السلام إلى مسيل السهلة(18)، على فرس محجَّل، له شمراخ(19) يزهر، يدعو ويقول في دعائه:
لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ حَقًّا حَقًّا، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِيمَاناً وَصِدْقاً، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ تَعَبُّداً وَرِقًّا. اللَّهُمَّ مُعِزَّ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَحِيدٍ، وَمُذِلَّ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، أَنْتَ كَنَفِي حِينَ تُعْيِينِي المَذَاهِبُ، وَتَضِيقُ عَلَيَّ اَلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ. اللَّهُمَّ خَلَقْتَنِي وَكُنْتَ غَنِيًّا عَنْ خَلْقِي، وَلَوْلَا نَصْرُكَ إِيَّايَ لَكُنْتُ مِنَ المَغْلُوبِينَ. يَا مُنْشِرَ الرَّحْمَةِ مِنْ مَوَاضِعِهَا، وَمُخْرِجَ الْبَرَكَاتِ مِنْ مَعَادِنِهَا، وَيَا مَنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِشُمُوخِ الرِّفْعَةِ، فَأَوْلِيَاؤُهُ بِعِزِّهِ يَتَعَزَّزُونَ، يَا مَنْ وَضَعَتْ لَهُ المُلُوكُ نِيرَ المَذَلَّةِ عَلَى أَعْنَاقِهَا، فَهُمْ مِنْ سَطْوَتِهِ خَائِفُونَ. أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي فَطَرْتَ بِهِ خَلْقَكَ، فَكُلٌّ لَكَ مُذْعِنُونَ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تُنْجِزَ لِي أَمْرِي، وَتُعَجِّلَ لِيَ فِي الْفَرَجِ، وَتَكْفِيَنِي، وَتُعَافِيَنِي، وَتَقْضِيَ حَوَائِجِي، السَّاعَةَ السَّاعَةَ، اللَّيْلَةَ اللَّيْلَةَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»(20).
أقول: من المعلوم أنَّ المقام الذي نحن بصدد البحث عن تأريخه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(18) السهلة: في أرض الكوفة معروفة، وسُمّيت بالسهلة لانبساط أرضها والأراضي المجاورة لها.
(19) شمراخ: غرَّة الفرس إذا دقَّت وسالت وجلَّلت الغيشوم.
(20) اُنظر: دلائل الإمامة (ص 458)، أورده الطبري باختلاف يسير وبسند ينتهي إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، والعدد القويَّة (ص 75)، وبحار الأنوار (ج 52/ ص 391)، والصحيفة المهديَّة (ص 334).

(٢٥)

يقع في وادي السلام، فمن المحتمل أنَّ عبور القائم (عجَّل الله فرجه) المشار إليه سالفاً، وقراءته الدعاء السالف الذكر إذا ظهر (عجَّل الله فرجه)، في وادي السلام - على قول أمير المؤمنين (عليه السلام) - يكون من هذا المقام الشريف الذي هو موضع منبر القائم، لما سيأتي من البحث في أنَّ هذا المقام هو بعينه موضع منبره (عجَّل الله فرجه).
كما أنَّ الشيخ محمّد بن جرير الطبري (الشيعي) أورد في كتابه دلائل الإمامة (ص 457)، حديثاً هو كالتتمَّة لهذا الحديث، فأحببت إيراده هنا لما فيه من تفصيل لدخول الإمام القائم (عجَّل الله فرجه) إلى النجف، وفرحة الأموات حينئذٍ بظهوره، قال ما نصُّه:
وبهذا الإسناد، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الحميري، قال: حدَّثني أحمد بن محمّد بن عيسى، قال: حدَّثنا عبد الله بن القاسم، عن عمر بن أبان الكلبي، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «كأنِّي بالقائم (عليه السلام) على ظهر النجف، لبس درع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تتقلَّص عليه، ثمّ ينتفض بها فتستدير عليه، ثمّ يتغشَّى بثوب استبرق، ثمّ يركب فرساً له أبلق، بين عينيه شمراخ، ينتفض به حتَّى لا يبقى أهل بلد إلَّا أتاهم نور(21) ذلك الشمراخ، حتَّى تكون آية له، ثمّ ينشر راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهي المغلبة، عمودها من عمد عرش الله(22)، وسيرها من نصر الله، لا يهوي بها إلى شيء إلَّا أهلكته».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(21) في الأصل: (بين).
(22) في الأصل: (عودها من عهد غرس الله)، وما صحَّحناه من (بحار الأنوار).

(٢٦)

قال: قلت: مخبئة هي أم يُؤتى بها؟
قال: «بل يأتي بها جبرئيل (عليه السلام)، وإذا نشرها أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ووضع الله يده على رؤوس العباد، فلا يبقى مؤمن إلَّا صار قلبه أشدّ من زُبر الحديد، وأُعطي قوَّة أربعين رجلاً، فلا يبقى ميِّت يومئذٍ إلَّا دخلت عليه تلك الفرحةُ في قبره، حيث يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بخروج القائم، فيهبط مع الراية إليه ثلاثة عشر ألف مَلَك وثلاثمائة وثلاثة عشر مَلَكاً».
قال: قلت: كلُّ هؤلاء ملائكة؟
قال: «نعم، كلُّهم ينتظرون قيام القائم، الذين كانوا مع نوح في السفينة، والذين كانوا مع إبراهيم حين أُلقي في النار، والذين كانوا مع موسى حين فلق البحر، والذين كانوا مع عيسى حيث رفعه الله إليه، وألف مع النبيِّ مسوِّمين، وألف مُردفين، وثلاثمائة وثلاثة عشر كانوا مع النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم بدر، وأربعة آلاف هبطوا إلى الأرض ليقاتلوا مع الحسين (عليه السلام) فلم يُؤذَن لهم، فرجعوا في الاستيمار(23)، فهبطوا وقد قُتِلَ الحسين(عليه السلام)، فهم شُعث غُبر عند قبره، يبكونه إلى يوم القيامة، وما بين قبر الحسين (عليه السلام) إلى السماء مختلف الملائكة».

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(23) الاستيمار: المشاورة. (لسان العرب: ج 1/ ص 105).

(٢٧)

قد سعى الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام) في إظهار شريعة جدِّه المصطفى وتبيانها، وكان هو ووالده الإمام الباقر (عليهما السلام) يجدَّان ويجتهدان في إظهار مآثر تلك الشريعة السمحاء وآثارها، ومن تلك الآثار التي أظهرها الإمام الصادق (عليه السلام) هو موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، لا كما يظنُّ البعض أنَّ هارون الرشيد هو من أظهره، فقد كُتِبَ الكثير في تحقيق هذا المطلب، وكان الإمام الصادق (عليه السلام) كثيراً ما يجيء إلى النجف إلى زيارة جدِّه ومعه جمع من الأصحاب أو أحدهم، وكان أثناء زيارته (عليه السلام) يُظهِر لأصحابه بعض الآثار الأُخَر، كموضع رأس الحسين (عليه السلام)، وموضع منبر القائم (عليه السلام)، لتصبح تلك المواضع عَلَماً للقاصي والداني، وحتَّى لا تدرس تلك المعالم كما درس الكثير من آثار المعالم الماضية، فأصبحت النجف - بهذه المواضع المقدَّسة وغيرها كمسجدي الكوفة والسهلة - معقلاً للطالبين وملجأً للهاربين وملاذاً للساكنين ومنهلاً للمتعلِّمين، ولـمَّا كان بحثنا هذا هو حول تاريخ مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في وادي السلام، والذي هو موضع منبر القائم بعينه - كما صرَّح بذلك عدَّة من علمائنا، وبحسب ما نُثبِته فيما بعد أيضاً - رأينا من مهمَّات هذا البحث أنْ نستعرض الرواية المشيرة إلى هذا المقام ضمن المحاور التالية:

(٣١)

1 - ذكر الحديث بطُرُق أسانيده المختلفة حتَّى يتبيَّن لنا استفاضة هذا الحديث واشتهاره من خلال ذكر جميع أسانيده المختلفة.
2 - تحقيق حول عصر الحديث ليتبيَّن لنا سنة نشوء هذا المقام المشار إليه من قِبَل الإمام الصادق (عليه السلام).
3 - ذكر نُبذة يسيرة عن المواضع الثلاثة المتضمَّنة في الحديث، وذلك ليتبيَّن لنا شهرة انتسابها إليهم (عليهم السلام)، استناداً إلى الحديث المذكور.
1 - ذكر الحديث بطُرُق أسانيده المختلفة:
أ) الرواية الأُولى:
رواها الشيخ محمّد بن جرير الطبري (الشيعي) (ت في أوائل القرن الرابع الهجري)، ذكر الحديث بطُرُق أسانيده المختلفة في كتابه (دلائل الإمامة)، قال ما نصُّه:
وحدَّثني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الحرمي، قال: حدَّثني أبو محمّد هارون بن موسى التلعكبري، قال: حدَّثنا أبو عليٍّ محمّد بن همَّام، قال: حدَّثنا حبيب بن الحسين، قال: حدَّثنا أبو هاشم عبيد بن خارجة، عن عليِّ بن عثمان، عن فرات بن الأحنف(24)، قال: كنت مع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(24) فرات بن الأحنف العبدي الكوفي، من أصحاب السجَّاد والباقر والصادق (عليهم السلام)، روى عنهم جميعاً، قال الكشِّي في رجاله (ص 57): (بقي فرات بن أحنف إلى أيَّام أبي عبد الله (عليه السلام)).

(٣٢)

أبي عبد الله (عليه السلام) ونحن نريد زيارة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، فلمَّا صرنا إلى الثويَّة(25) نزل فصلَّى ركعتين.
فقلت: يا سيِّدي، ما هذه الصلاة؟
قال: «هذا موضع منبر القائم، أحببت أنْ أشكر الله في هذا الموضع».
ثمّ مضى ومضيت معه حتَّى انتهى إلى القائم الذي على الطريق، فنزل فصلَّى ركعتين.
فقلت: ما هذه الصلاة؟
قال: «هاهنا نزل القوم الذين كان معهم رأس الحسين (عليه السلام)...، فنزلت وصلَّيت هاهنا شكراً لله».
ثمّ مضى ومضيت معه حتَّى انتهى إلى موضع، فنزل وصلَّى ركعتين، وقال: «هاهنا قبر أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)»(26).
ب) الرواية الثانية:
رواها الشيخ جعفر بن محمّد بن قولويه (ت 368 هـ) في كتابه (كامل الزيارات) في باب الدلالة على قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال ما نصُّه:
حدَّثني أبي ومحمّد بن الحسن جميعاً، عن الحسن بن متيل، عن سهل بن زياد، عن إبراهيم بن عقبة، عن الحسن الخزَّاز الوشَّاء، عن أبي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(25) الثويَّة: موضع بقرب الكوفة.
(26) دلائل الإمامة (ص 459)، وللحديث تكملة أخذنا منه موضع الفائدة فقط.

(٣٣)

الفرج(27)، عن أبان بن تغلب(28)، قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام)، فمرَّ بظهر الكوفة، فنزل وصلَّى ركعتين، ثمّ تقدَّم قليلاً فصلَّى ركعتين، ثمّ سار قليلاً فنزل فصلَّى ركعتين، ثمّ قال: «هذا موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)».
قلت: جُعلت فداك، فما الموضعين الذين صلَّيت فيهما؟
قال: «موضع رأس الحسين (عليه السلام)، وموضع منبر القائم (عليه السلام)»(29).
جـ) الرواية الثالثة:
رواها الشيخ الطوسي (ت 460 هـ) في كتابه (تهذيب الأحكام) في باب فضل الكوفة، قال ما نصُّه:
وعنه، قال: حدَّثنا محمّد بن همَّام، عن محمّد بن رباح، قال: حدَّثنا عمِّي أبو القاسم عليُّ بن محمّد، قال: حدَّثني عبيد الله بن أحمد بن خالد التميمي، قال: حدَّثني الحسن بن عليٍّ الخزَّاز، عن خاله يعقوب بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(27) في الكافي: (عن الحسن الخزَّاز، عن الوشَّاء أبي الفرج)، وهو تصحيف.
(28) أبان بن تغلب بن رباح، أبو سعيد البكري الجريري، عظيم المنزلة في أصحابنا، لقي عليَّ ابن الحسين وأبا جعفر وأبا عبد الله (عليهم السلام) وروى عنهم، وكانت له عندهم منزلة وقِدَم، قال أبو عبد الله (عليه السلام) لـمَّا أتاه نعيه: «أمَا والله لقد أوجع قلبي موتُ أبان»، وكان قارئاً من وجوه القُرَّاء، فقيهاً لغويًّا، له كُتُب عدَّها النجاشي في رجاله، مات في حياة أبي عبد الله (عليه السلام) سنة (141هـ). اُنظر: رجال النجاشي (ص 12 و13)، معجم رجال الحديث (ج 1/ ص 131).
(29) كامل الزيارات (ص 83)، عنه بحار الأنوار (ج 100/ ص 241)، فرحة الغريِّ (ص 21).

(٣٤)

إلياس، عن مبارك الخبَّاز، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «أسرجوا البغل والحمار» في وقت ما قَدِمَ وهو في الحيرة.
قال: فركب وركبت حتَّى دخل الجرف(30)، ثمّ نزل فصلَّى ركعتين، ثمّ تقدَّم قليلاً آخر فصلَّى ركعتين، ثمّ تقدَّم قليلاً آخر فصلَّى ركعتين، ثمّ ركب ورجع.
فقلت له: جُعلت فداك، ما الأُولتين والثانيتين والثالثتين؟
قال: «الركعتين الأُولتين موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، والركعتين الثانيتين موضع رأس الحسين (عليه السلام)، والركعتين الثالثتين موضع منبر القائم (عليه السلام)»(31).
د) الرواية الرابعة:
رواها السيِّد عبد الكريم ابن السيِّد أحمد بن طاوس (ت693هـ) في كتابه (فرحة الغريِّ)، قال ما نصُّه:
وبالإسناد عن الشريف أبي عبد الله، قال: حدَّثنا ميمون بن عليِّ ابن حميد، قال: أخبرنا إسحاق بن محمّد المقري، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مالك، عن يعقوب بن إلياس، عن أبي الفرج السندي(32)، قال: كنت مع أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليهما السلام) حين قَدِمَ إلى الحيرة، فقال ليلة: «أسرجوا لي البغل».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(30) الجرف: موضع بالحيرة كانت به منازل المنذر. وفي الأصل: (الجوف).
(31) تهذيب الأحكام (ج 6/ ص 34)، فرحة الغريِّ (ص 87).
(32) أبو الفرج السندي: اسمه عيسى، له كتاب، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام).

(٣٥)

فركب وأنا معه حتَّى انتهينا إلى الظهر(33)، فنزل فصلَّى ركعتين، ثمّ تنحَّى فصلَّى ركعتين، ثمّ تنحَّى فصلَّى ركعتين.
فقلت: جُعلت فداك، إنِّي رأيتُك صلَّيتَ في ثلاثة مواضع!
فقال: «أمَّا الأوَّل فموضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، والثاني موضع رأس الحسين (عليه السلام)، والثالث موضع منبر القائم (عليه السلام)»(34).
هـ) الرواية الخامسة:
قال السيِّد حسين البراقي (ت 1330هـ) في كتابه (تاريخ الكوفة)، ما نصُّه:
وهناك أخبار أُخَر لا يمكن حصرها لكثرتها، وقد ذكرها الكليني وابن طاوس والمجلسي(35)، منها مجيء الإمام الصادق(عليه السلام) وأنَّه صلَّى ركعتين، ثمّ سار ونزل وصلَّى، ثمّ سار ونزل وصلَّى ركعتين (عليه السلام)، فسأله صفوان(36) عن ذلك، فقال: «الركعتان الأُوليتان موضع قبر أمير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(33) الظهر: اسم من أسماء النجف، يقال لها: ظهر الكوفة.
(34) فرحة الغريِّ (ص 86).
(35) الكافي (ج 4/ ص 572)، فرحة الغريِّ (ص 86 و87)، بحار الأنوار (ج 97/ ص 94)، والحديث الوارد في هذه المصادر لم يروَ عن صفوان.
(36) صفوان الجمَّال: هو صفوان بن مهران بن المغيرة الأسدي، كان ممَّن حمل الإمام الصادق (عليه السلام) من المدينة إلى العراق أكثر من مرَّة، ولهذا أخذ من علمه ودعائه (عليه السلام) كثيراً، وكان ممَّن تشرَّف بزيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) مع أبي عبد الله، وروي عن صفوان أنَّه لـمَّا اطَّلع على موضع قبر أمير المؤمنين ببركة الصادق (عليه السلام) قال: فمكثت عشرين سنة أُصلِّي عنده. اُنظر: سفينة البحار (ج 2/ ص 37).

(٣٦)

المؤمنين (عليه السلام)، والركعتان الثانيتان موضع رأس الحسين (عليه السلام)، والركعتان الثالثتان موضع منبر القائم (عليه السلام)»(37).
2 - تحقيق حول عصر الحديث:
من الممكن معرفة عصر الحديث من خلال عرض عدَّة تواريخ، منها:
أ) خلافة أبي العبَّاس السفَّاح هي بين سنة (132هـ) وسنة (136هـ).
ب) خلافة أبي جعفر المنصور هي بين سنة (136هـ) وسنة (158هـ).
جـ) وفاة أبان بن تغلب الراوي للحديث هي سنة (141هـ).
د) شهادة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) هي سنة (148هـ).
فيظهر لنا من عرض هذه التواريخ أنَّ تردُّد الإمام الصادق (عليه السلام) على النجف كان بين سنة (132هـ) وسنة (148هـ)، وذلك في أثناء تولِّي السفَّاح والمنصور الخلافة، ففيها ظهرت لنا الإشارة إلى هذا المقام الشريف الذي هو موضع منبر القائم (عجَّل الله فرجه).
3 - المواضع الثلاثة المتضمِّنة في الحديث:
أقول: روى أئمَّة الحديث والأخبار حديث موضع منبر القائم (عجَّل الله فرجه) المذكور سابقاً بتفاوت في بعض عباراته، حسب ما تقدَّم،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(37) تاريخ الكوفة (ص 90).

(٣٧)

فيحتمل أنَّ منشأ هذا التفاوت ناتج من تعدُّد الرواة للحديث (فرات بن الأحنف، أبو الفرج السندي، مبارك الخبَّاز، أبان بن تغلب، صفوان)، أو من تعدُّد زيارة الإمام الصادق (عليه السلام) لجدِّه أمير المؤمنين (عليه السلام) أثناء ما قَدِمَ إلى الحيرة أو الكوفة في العصر العبَّاسي.
ويحتمل حدوث كلا الأمرين وإنْ كان الثاني هو الأقرب، إذ من البعيد جدًّا أنْ يكون الرواة مجتمعين مع الإمام الصادق (عليه السلام) حين ذهابه إلى المواضع الثلاثة، ثمّ يسأله كلُّ واحد منهم نفس السؤال ويُكرِّره على مسمع الإمام (عليه السلام) ثمّ يعيد الإمام (عليه السلام) الجواب، بل كان المتعارف أنْ يكون السائل واحداً منهم ويجيب الإمام (عليه السلام) بجواب عامٍّ للجميع.
هذا مضافاً إلى عدم إشارة الرواة بوجود البقيَّة أو بعضهم معه في هذه الرحلة، وهذا ممَّا يُقرِّب من احتمال تعدُّد زيارته (عليه السلام) لهذه المواضع الشريفة، وفي كلِّ مرَّة يصطحب معه شخصاً من هؤلاء الرواة، فلنلاحظ بعض العبارات التي تهمُّنا في بحثنا هذا، والمتضمِّنة في الحديث المروي آنفاً:
ففي الحديث الأوَّل: (نزل فصلَّى، ثمّ مضى ومضيت معه حتَّى انتهى إلى القائم الذي على الطريق فنزل فصلَّى ركعتين، ثمّ مضى ومضيت معه حتَّى انتهى إلى موضع فنزل وصلَّى ركعتين).
وفي الحديث الثاني: (فنزل وصلَّى، ثمّ تقدَّم قليلاً فصلَّى ركعتين، ثمّ سار قليلاً فنزل فصلَّى).

(٣٨)

وفي الحديث الثالث: (ثمّ نزل فصلَّى، ثمّ تقدَّم قليلاً آخر فصلَّى، ثمّ تقدَّم قليلاً آخر فصلَّى).
وفي الحديث الرابع: (فنزل فصلَّى، ثمّ تنحَّى فصلَّى، ثمّ تنحَّى فصلَّى).
وفي الحديث الخامس: (أنَّه صلَّى، ثمّ سار ونزل وصلَّى، ثمّ سار وصلَّى).
فبعد قراءة هذه العبارات يتبيَّن لدينا ما يلي:
أ) أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) كان يتنقَّل من موضع لآخر، فلا يظنُّ المرء أنَّ المكان كان واحداً.
ب) أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) جاء راكباً وتنقُّل بين المواضع راكباً مرَّة وراجلاً أُخرى، ويدلُّ على هذا القول على ما في الحديث من كلمات تدلُّ على ذلك مثل: نزل وصلَّى، ثمّ سار قليلاً فنزل وصلَّى.
وأمَّا عن المواضع الثلاثة التي صلَّى فيها الإمام الصادق (عليه السلام)، فهي:
أ) موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام):
اتَّفق الشيعة الاثنا عشريَّة عن أئمَّتهم (عليهم السلام) أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يُدفَن إلَّا في الغريِّ، في الموضع المعروف الآن، والأخبار في ذلك متواترة، وقد كتب السيِّد عبد الكريم ابن طاوس في ذلك كتاباً سمَّاهُ (فرحة الغريِّ) نقل فيه الأخبار والقَصص الكثيرة الدالَّة على هذا المذهب. وقال الديلمي في كتابه (إرشاد القلوب) ما نصُّه:

(٣٩)

(وأمَّا الدليل الواضح والبرهان اللايح على أنَّ قبره الشريف(عليه السلام) موجود بالغريِّ فمن وجوه:
الأوَّل: تواتر الإماميَّة الاثني عشريَّة، يرويه خلف عن سلف.
الثاني: إجماع الشيعة، والإجماع حجَّة.
الثالث: ما حصل عنده من الأسرار والآيات وظهور المعجزات، كقيام الزَّمِن، وردِّ بصر الأعمى، وغيرها)(38).
ب) موضع رأس الحسين (عليه السلام):
وهو الموضع الذي وُضِعَ فيه رأسه الشريف (عليه السلام) أثناء قدوم السبايا من كربلاء إلى الكوفة، وهو مسجد الحنَّانة بعينه، والمعروف بالقائم المائل، حسب ما وُجِدَ بخطِّ الجباعي نقلاً عن خطِّ الشهيد (رحمه الله)، ويبعد عن قبر أمير المؤمنين بحوالي (1000م)، ويقع هذا المسجد شمال غربي الكوفة على يمين الذاهب إلى النجف، وهو من المساجد المعظَّمة، كبير الشأن، يُتبرَّك به، ويقصدهُ المجاورون والزائرون، لأنَّه أحد الأماكن الثلاثة التي صلَّى فيها الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام)(39).
جـ) موضع منبر القائم (عجَّل الله فرجه):
وهو من المواضع الثلاثة التي صلَّى فيها الإمام الصادق (عليه السلام)، وكتابنا هذا هو في صدد البحث عن تاريخه وصحَّة انتسابه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(38) إرشاد القلوب للديلمي، نقلاً عن مزار البحار.
(39) مساجد الكوفة لكامل سلمان الجبوري، نقلاً عن إرشاد القلوب.

(٤٠)

أقول: روي عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) أنَّه قال: «إذا دخل المهدي (عليه السلام) الكوفة، قال الناس: يا بن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، الصلاة خلفك تضاهي الصلاة خلف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والمسجد لا يسعنا، فيقول: أنا مرتاد لكم، فيخرج إلى الغريِّ، فيخطُّ مسجداً له ألف باب يسع الناس...»(40).
فمن المحتمل أنْ يكون موضع منبره (عليه السلام) هذا - والواقع في وادي السلام عند الغريِّ - ضمن هذا المسجد المشار إليه من قِبَل الإمام الباقر (عليه السلام).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(40) ارتاد الشيء ارتياداً: طلبه فهو مرتاد، أي أنا أطلب لكم مسجداً يسعكم.
اُنظر: الغيبة للطوسي (ص 469)، بحار الأنوار (ج 97/ ص 385).

(٤١)

إنَّ وجود هذا المقام وبقائه من زمن بعيد إلى الآن جاء من شدَّة اعتناء الشيعة به وبالخصوص من قِبَل علمائهم ورواتهم المحدِّثين، فبعض أُولئك رافق الإمام الصادق (عليه السلام) عند زيارته لأرض النجف أو أثناء نزوله فيها، فحفظوا منه إشارته إلى عدَّة مواضع صلَّى فيها الإمام وذلك لقدسيَّتها، ومن تلك المواضع المقدَّسة هذا المقام الذي هو موضع منبر القائم (عليه السلام) إذا ظهر، ولاشتهار هذه المواضع التي أشار إليها الإمام الصادق (عليه السلام) كقبر أمير المؤمنين (عليه السلام) وموضع رأس الحسين (عليه السلام)، ولكثرة من صحبه من هؤلاء المحدِّثين إلى النجف، ولقرب مدينة الكوفة العلويَّة والمخصوصة بالتشيُّع، إضافةً إلى صلاة الإمام في تلك المواضع، لا يمكن أنْ يضيع علينا ذكر مثل هذا الموضع مع أنَّها وصلت إلينا بالتلقِّي المتسالم عليه يداً عن يد إلى أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام).
وممَّا يُصحِّح نسبة هذا المقام إلى الإمامين الصادق والمهدي (عليهما السلام) عدَّة أُمور رغبت أنْ أُثبتها للتعرُّف عليها عن كثب، فما نُثبِته من صحَّة انتساب المقام للإمام الصادق (عليه السلام) هو بعينه يشمل الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وذلك لوحدة المكان المشتهر بنسبته إليهما، فممَّا يُصحِّح نسبته للإمام الصادق (عليه السلام) هو:

(٤٥)

1 - اشتهار هذا الموضع باشتهار الموضعين الآخرين اللذين أشار لهما الإمام الصادق (عليه السلام)، وهما: موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، وموضع رأس الحسين (عليه السلام) في مسجد الحنَّانة في النجف الأشرف، فلا يحتمل ضياعه باشتهار البقيَّة.
2 - ما ذكرهُ الشيخ كاظم الحلفي في كتابه (أضواء على تاريخ النجف)، حيث قال: (وفي عام (137هـ) جاء الإمام الصادق (عليه السلام) إلى الحيرة، حيث طلبهُ المنصور، فسكن النجف في وادي السلام، (وقال بهامش كتابه هذا: ولا يزال الموضع الذي سكنهُ معلوماً حتَّى الآن يُزار ويُتبرَك به)، وطلب من الشيعة الهجرة إلى جوار مشهد جدِّه أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلم تمضِ إلَّا سنوات قليلة حتَّى أصبحت حولهُ قرية يُشار إليها بالبنان كما جاء في تاريخ الطبري في حوادث (144هـ)، كما شاهدها عبد الله بن الحسن ومن معهُ عندما جيء بهم إلى سجن المنصور في الهاشميَّات عام (145هـ)، وقد طلب عبد الله من أهلها نصرته وتخليصه من المنصور كما نصَّ على ذلك الطبري وأبو الفرج في مقاتل الطالبيِّين)(41).
3 - أنَّنا لا نعرف مقاماً مشهوراً للإمام الصادق (عليه السلام) في بلدتنا النجف الأشرف غير مقامه هذا سوى مقامه عند جدِّه أمير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(41) أضواء على تاريخ النجف، عن تاريخ الطبري (ج 9/ ص 197)، مقاتل الطالبيِّين (ص 156).

(٤٦)

المؤمنين (عليه السلام)، وقد هُدِّم أخيراً - كما أسلفنا - وذلك لتوسعة الحرم العلوي، ومقامه الثالث في مسجد الحنَّانة كما ذكرناه آنفاً.
4 - عمارة المقام الماثلة الآن، وهي من سنة (1308هـ) - هذا التاريخ على ما وجدناه مكتوباً على القبَّة - إلى عامنا هذا باقية، احتوت هذه العمارة على مقامين: مقام للإمام الصادق (عليه السلام)، وبجواره وبنفس البقعة مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وبالتأكيد أنَّ طريقة بنائهما على هذا النحو (أعني مقامين في بقعة واحدة) هو امتداد لشكل العمارة السابقة، وهي عمارة السيِّد بحر العلوم، وبالتأكيد أنَّ السيِّد بحر العلوم بنى عمارته للمقام على نحو ما وجدهُ في العمارة السابقة لعمارته، والتي وصفها العلَّامة المجلسي في بحاره (بأنَّ للمقام بيتاً، ومحراباً، وصحناً) والتي هي أشبه بالعمارة الحاليَّة، وهكذا وصلت إلينا عمارة المقام بنحو مقامين في بقعة واحدة، يداً عن يد.
5 - قول السيِّد المتتبِّع الخبير محمّد مهدي القزويني (ت 1300هـ) في كتابه (المزار)، بعد إيراد فضائل الدفن في وادي السلام: (وفيه... قبر هود وصالح ومنبر الصاحب - موضع منبر القائم -)(42).
6 - قول المتتبِّع الخبير الشيخ محمّد حرز الدِّين (ت 1365هـ) في كتابه (معارف الرجال)، في ترجمة السيِّد صالح الحلِّي، ما نصُّه: (ودُفِنَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(42) المزار (ص 281).

(٤٧)

في النجف الأشرف في وادي السلام في مقام موضع منبر المهدي (عجَّل الله فرجه) بالقرب من مقام الصادق (عليه السلام))(43).
7 - ذكر السيِّد جعفر بحر العلوم في كتابه تحفة العالم (ص 256): (وفيه - أي وادي السلام - موضع منبر القائم يُعبَّر بمقام المهدي، يتبعه قبر هود وصالح كما هو صريح جملة من الأخبار، وهي مشاهد معروفة تزورها الناس).
وقال في (ص 319) ما نصُّه: (موضع منبر القائم: هو موضع في خارج النجف يُعرَف بمقام المهدي (عليه السلام)، وعليه قبَّة من الكاشي الأخضر).
8 - قول المتتبِّع الخبير السيِّد جواد شبَّر في كتابه (الضرائح والمزارات): (إنَّ موضع منبر القائم في وادي السلام مشهور).
9 - قول المتتبِّع الخبير الشيخ جعفر محبوبة في كتابه ماضي النجف (ص 95) ما نصُّه: (والذي نعلمه أنَّ في النجف موضع منبر القائم)، وقال بعد إيراد حديث موضع منبر القائم: (فهذا الحديث يزيدنا بياناً بأنَّ لصاحب الأمر (عجَّل الله فرجه) مقاماً في النجف، وأمَّا أنَّ الموضع الذي صلَّى فيه الإمام هو هذا المقام المعروف الآن فليس لدينا ما يُثبِته ويُصحِّح الاعتماد عليه سوى أنَّ الإمام العلَّامة الحجَّة الخبير المتتبِّع السيِّد محمّد مهدي بحر العلوم (قدّس سرّه) شاد في المحلِّ نفسه عمارة فخمة، وأقام عليها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(43) معارف الرجال (ج 1/ ص 386).

(٤٨)

قبَّة من الجصِّ والحجارة، ولم تزل تلك القبَّة إلى سنة (1310هـ) قائمة، ثمّ إنَّ السيِّد النبيل محمّد خان هدم تلك البنية وبناها على شكلها الحاضر وبنى القبَّة بالحجر القاشي الأزرق، ويوجد في المكان نفسه حجر منقوش عليه زيارة الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) مؤرَّخة سنة (1200هـ)، وفيه ما نصُّه: (... حرَّره الآثم الجاني قاسم بن المرحوم السيِّد أحمد الفحَّام الحسيني في (9) شهر شعبان سنة (1200هـ))، ولا شكَّ أنَّ هذه الكتابة مع عمارة العلَّامة السيِّد بحر العلوم (قدّس سرّه) هي من الأمارات القويَّة التي يصلح للمؤرِّخ أنْ يركن إليها ويعتمد عليها).
10 - ما ذُكِرَ في كتاب (الأماكن المقدَّسة في العالم) حول هذا المقام، ما نصُّه: (وفي داخل المقام هذا مقام يُعرَف بمقام الصادق (عليه السلام)...، ومنشأ وجود هذا المقام هو ما روي مأثوراً عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنَّه حينما جاء زائراً مرقد جدِّه أمير المؤمنين (عليه السلام) نزل فصلَّى... الحديث)(44).
11 - أنَّ موضع منبر القائم (عجَّل الله فرجه) الذي صلَّى فيه الإمام الصادق (عليه السلام) هو غير مقامه (عليه السلام) الموجود في مسجد السهلة، ولقد اشتبه هذا الأمر على الشيخ يونس الجبعي العاملي في مزاره(45)، إذ إنَّ الوارد عن الإمام الصادق(عليه السلام) في مسجد السهلة وإتيانه وفضل الصلاة فيه أنَّه منزل الإمام (عجَّل الله فرجه) وبيت ماله لا موضع منبره، فممَّا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(44) ذكر ذلك عن كتاب دراسات في التاريخ الإسلامي (ج 2/ ص 133).
(45) ذكرهُ عنه السيِّد عبَّاس الكاشاني في معراج الأحبَّة.

(٤٩)

قاله (عليه السلام) لأبي بصير: «كأنِّي أرى نزول القائم في مسجد السهلة بأهله وعياله».
قلت: يكون منزله؟
قال: «نعم»(46).
وفي رواية أُخرى أنَّهُ بيت ماله ومنه يُقسم فيء المسلمين إذا ظهر (عجَّل الله فرجه).
وبعد البحث في الأحاديث التي تخصُّ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لم يرد حديث واحد ينصُّ على أنَّ موضع منبر القائم (عجَّل الله فرجه) في مسجد السهلة، وخصوصاً إذا ما عرفنا أنَّ مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في وادي السلام هو أقدم بكثير من مقامه (عجَّل الله فرجه) الواقع في مسجد السهلة الذي تأسَّس على يد السيِّد محمّد مهدي بحر العلوم (1155 - 1212هـ)، إذ قبل السيِّد بحر العلوم بكثير لم يُعهَد مقام للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في مسجد السهلة.
ومن الأُمور التي لا بدَّ أنْ يُستدَلَّ عليها أيضاً هو قرب هذا المقام من موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، إذ يقرب عنهُ بحوالي (600 متر) أو أكثر بقليل، ومسجد السهلة يبعد عن قبر أمير المؤمنين بحوالي (9 كيلومتراً)، والإمام الصادق (عليه السلام) في الرواية المذكورة سار قليلاً وصلَّى في مكان قريب غير بعيد عن قبر أمير المؤمنين (عليه السلام).
12 - قال السيِّد محمود الغريفي في كتابه مقاصد الزائرين (ص 99)، ما نصُّه: (مقام الإمام الصادق (عليه السلام) وهو في مقام الإمام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(46) تاريخ الكوفة للبراقي (ص 82).

(٥٠)

المهدي (عليه السلام)، وعلى ما روي أنَّه المكان الذي أقام فيه الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) عندما جاء إلى النجف الأشرف).
أقول: وما أثبتناه من الأُمور كافٍ في صحَّة نسبة المقام للإمام الصادق (عليه السلام) والذي هو موضع منبر القائم (عجَّل الله فرجه)، وهو خلاف ما ذكره زميلنا الأُستاذ السيِّد الغريفي في كتابه المذكور آنفاً، إذ قال في (ص92) بعد ذكر ما يتعلَّق بمقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، ما نصُّه: (وهو غير مكان منبر القائم الذي ذُكِرَ في الروايات والأخبار).
فلعلَّ السيِّد الغريفي (حفظه الله) لم يطَّلع على ما اطِّلعنا عليه.
وممَّا يُصحِّح نسبة المقام للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) غير ما ذكرنا في صحَّة نسبة المقام للإمام الصادق (عليه السلام)، هو:
13 - أنَّنا لا نعرف مقاماً مشهوراً للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في بلدتنا النجف الأشرف سوى هذا المقام المنيف القديم المعتبر الذي يتوافد عليه أساطين علمائنا والزائرين من كلِّ حدب وصوب دون مُنكِر له ولنسبته، ومن المحتمل أنَّ شهرة انتساب هذا المقام للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) عندهم لم تأتِ اعتباطاً، بل لشهرة صلاته فيه، وذلك بعد ما عرفنا أنَّ المقام هو الموضع الذي صلَّى فيه جدُّه الإمام الصادق (عليه السلام)، إضافةً على أنَّه موضع منبره.
14 - إجماع العلماء والمؤرِّخين على نسبة هذا المقام للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في كُتُبهم وسأذكرهم على سبيل الاختصار أمَّا نصوص

(٥١)

أقوالهم ومصادرها فهي متفرِّقة في مجموع هذا الكتاب فلا حاجة للتكرار فمنهم:
أ) الشيخ محمّد باقر المجلسي في (بحار الأنوار).
ب) السيِّد نصر الله الحائري في (ديوان شعره).
جـ) السيِّد مهدي القزويني في كتابه (المزار).
د) الشيخ ميرزا حسين النوري في كتابيه (النجم الثاقب) و(كشف الأستار).
هـ) الشيخ محمّد حرز الدِّين في كتابه (معارف الرجال).
ز) السيِّد محسن الأمين في كتابه (أعيان الشيعة).
ح) السيِّد جعفر بحر العلوم في كتابه (تحفة العالم).
ط) الشيخ آقا بزرك الطهراني في كتابيه (الذريعة) و(طبقات أعلام الشيعة).
ي) عبد الله الأصفهاني في كتابه (لؤلؤ الصدف في تاريخ النجف).
ك) الشيخ عليٌّ الخاقاني في كتابيه (شعراء الحلَّة) و(شعراء الغريِّ).
وغيرهم الكثير ممَّا يطول سرد أقوالهم.
15 - تشرُّف بعض العلماء بحجَّة الله في أرضه بهذا المقام، وسوف نذكر ما عثرنا عليه من حكايات لقائهم به (عجَّل الله فرجه).

(٥٢)

فبعد هذه الوجوه الخمسة عشر الآنفة الذكر لم يبقَ لدينا أدنى شكٍّ بصحَّة انتساب هذا المقام للإمامين الصادق والمهدي (عليهما السلام) والواقع في وادي السلام، والذي هو موضع منبر القائم (عليه السلام) كما أُشير إليه من قِبَل الإمام الصادق (عليه السلام) أثناء زيارته له وصلاته فيه.

* * *

(٥٣)

من الممكن إثبات تاريخ الأُمَم والأمكنة والعصور وغيرها من خلال الحكايات والقَصص ولا غرابة في ذلك فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قال في محكم كتابه العزيز: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (يوسف: 111).
ومن خلال قَصص القرآن الكريم التي سردها ربُّ العزَّة تعرَّف المؤرِّخون على الكثير من الوقائع التاريخيَّة والأمكنة والأزمنة من خلال المسمّيات التي وردت في تلك القَصص القرآنيَّة، وقد تعرَّفت - من خلال ما تجمَّع لي من حكايات اختصَّ فيها ذكر هذا المقام - على قِدَمه ووصف عمارته في زمن كلِّ حكاية من تلك الحكايات، وعلى اعتناء أساطين العلماء بالمقام من خلال زيارتهم له، وعلى شهرته التي أدَّت إلى ذكره في كُتُبهم ومن الممكن أيضاً التعرُّف على إمكانيَّة رؤية إمام العصر والزمان في عصر الغيبة، وذلك لأنَّ سردها كان من قِبَل علماء معروفين بالعلم والتقوى، فتحصَّل لديَّ خمس حكايات، أوَّلها ما ذكره العلَّامة المجلسي في بحاره، فبعد سرد كلِّ حكاية نتعرَّف على عصرها وقائلها ورجالها ووصف عمارة المقام... إلخ من خلال البحث والتحقيق،

(٥٧)

حتَّى نُغني البحث بعدَّة أُمور تنفعنا في معرفة تأريخ المقام وشهرة نسبته إلى الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في عدَّة قرون حكتها نصوص تلك الحكايات التي اعتمدناها في بحثنا هذا.
الحكاية الأولى: المريض الذي شُفي في هذا المقام:
أورد العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في كتابه (بحار الأنوار) عدَّة أبواب تتعلَّق بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، كان منها باب عنوانه: (باب نادر في ذكر من رآه (عليه السلام) في الغيبة الكبرى قريباً من زماننا)(47).
ثمّ قال بعد إيراد الحكاية الأُولى من هذا الباب: (ولنُلحِق بتلك الحكاية بعض الحكايات التي سمعتها عمَّن قَرُب من زماننا)(48).
(ومنها: ما أخبرني به جماعة من أهل الغريِّ (على مشرِّفه السلام) أنَّ رجلاً من أهل قاشان(49) أتى إلى الغريِّ، متوجِّهاً إلى بيت الله الحرام، فاعتلَّ علَّة شديدة، حتَّى يبست رجلاه ولم يقدر على المشي، فخلَّفهُ رفقاؤه وتركوه عند رجل من الصُّلحاء كان يسكن في بعض حُجرات المدرسة المحيطة بالروضة المقدَّسة، وذهبوا إلى الحجِّ، فكان هذا الرجل يغلق عليه الباب كلَّ يوم ويذهب إلى الصحاري للتنزُّه ولطلب الدراري(50) التي تُؤخَذ منها، فقال له في بعض الأيَّام: إنِّي قد ضاق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(47) بحار الأنوار (ج 52/ ص 159).
(48) بحار الأنوار (ج 52/ ص 174)، وهذه الحكاية هي الخامسة في ذلك الباب.
(49) قاشان: مدينة معروفة قرب أصفهان، تُذكر مع قم، والنسبة إليها: قاشاني.
(50) الدراري: أي دُرُّ النجف. (حجر معروف فيها).

(٥٨)

صدري واستوحشتُ من هذا المكان، فاذهب بي اليوم واطرحني في مكان، واذهب حيث شئت.
قال: فأجابني إلى ذلك، وحملني وذهب بي إلى مقام القائم (عليه السلام) خارج النجف، فأجلسني هناك، وغسل قميصه في الحوض وطرحها على شجرة كانت هناك وذهب إلى الصحراء، وبقيت مغموماً أُفكِّر فيما يؤول إليه أمري، فإذا أنا بشابٍّ صبيح الوجه، أسمر اللون، دخل الصحن وسلَّم عليَّ وذهب إلى بيت المقام، وصلَّى عند المحراب ركعات بخضوع وخشوع لم أرَ مثله قطُّ، فلمَّا فرغ من الصلاة خرج وأتاني وسألني عن حالي، فقلت له: ابتُليت ببلية ضقت بها، لا يشفيني الله فأسلم منها، ولا يذهب بي فأستريح، فقال: «لا تحزن سيُعطيك الله كليهما»، وذهب.
فلمَّا خرج رأيت القميص وقع على الأرض، فقمت وأخذت القميص وغسلته وطرحته على الشجرة، فتفكَّرت في أمري وقلت: أنا كنت لا أقدر على القيام والحركة، فكيف صرت هكذا؟ فنظرت إلى نفسي فلم أجد شيئاً ممَّا كان بي، فعلمت أنَّهُ القائم (عليه السلام)، فخرجت فنظرت في الصحراء فلم أرَ أحداً، فندمت ندامة شديدة، فلمَّا أتاني صاحب الحجرة، سألني عن حالي وتحيَّر في أمري فأخبرته بما جرى، فتحسَّر على ما فات منه ومنِّي، ومشيت إلى الحجرة.
قالوا: فكان هكذا سليماً حتَّى أتى الحاجُّ ورفقاؤه، فلمَّا رآهم

(٥٩)

وكان معهم قليلاً فمرض ومات، ودُفِنَ في الصحن، فظهر صحَّة ما أخبره من وقوع الأمرين معاً.
وهذه القصَّة من المشهورات عند أهل المشهد، وأخبرني به ثقاتهم وصلحاؤهم)(51).
بحث حول الحكاية:
من الممكن معرفة عدَّة أُمور من خلال نصِّ الحكاية، وهي كما يلي:
1 - سند الحكاية:
أ) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في أوَّل الحكاية: (ومنها ما أخبرني به جماعة من أهل الغريِّ (على مشرِّفه السلام)).
ب) وقال في آخر الحكاية: (وهذه القصَّة من المشهورات عند أهل المشهد، وأخبرني بها ثقاتهم وصلحاؤهم).
وهذا ما يُثبِت شهرة الحكاية عن طريق تواترها.
جـ) قال الميرزا عبد الله الأفندي في ما قرَّره لأُستاذه المجلسي عن مآخذ كتابه (بحار الأنوار): (والأحاديث المسموعة، فإنَّكم رويتم بإسناد قريبة في الجزء العاشر من المجلَّد التاسع والجزء الثاني من المجلَّد الثالث عشر، حكايات مسموعة من الأفاضل والثقاة المعتمدين، وهي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(51) اُنظر: بحار الأنوار (ج 52/ ص 176) والنجم الثاقب، وجنَّة المأوى، وإلزام الناصب عنه.

(٦٠)

معجزات ظهرت في وادي السلام، عند ضريح مولانا أمير المؤمنين وأفضل المخلوقين بعد سيِّد المرسَلين صلَّى الله عليهما وعلى آبائهما الأخيار الأنجبين، وخوارق عادات صدرت من حجَّة الله علينا وبقيَّة الله في أرضه صلَّى الله عليه وعلى آبائه، ومدَّ لهُ في عمره، وعجَّل فرجه، وجعلنا من خُلَّص أعوانه وأنصاره بمحمّد وآله)(52).
2 - تاريخ الحكاية:
أشار العلَّامة المجلسي (1037 - 1111هـ) إلى أنَّ هذه الحكاية سمعها عمَّن قرب من زمانه، علماً أنَّ هذه الحكاية ذكرها في كتاب (الغيبة) من كتابه (بحار الأنوار)، ومن المعلوم أنَّ المجلسي أنهى تأليف كتاب (الغيبة) من (بحار الأنوار) في شهر رجب الأصبِّ من شهور سنة (1078هـ) حسب ما صرَّح في آخره(53)، وهذا التاريخ ينفعنا في معرفة تاريخ المقام في القرن الحادي عشر الهجري.
فتحصَّل لدينا أنَّ سماع العلَّامة المجلسي (رحمه الله) من أهل الغريِّ كان قبل هذه السنة، أي سنة (1078هـ).
3 - شهرة المقام في القرن الحادي عشر الهجري:
وشهرة المقام واضحة، ونسبته إلى الإمام جليَّة حيث لا يحتاج مع ذكره إلى استفسار وسؤال عن الموقع والدليل، كما يظهر من:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(52) بحار الأنوار (ج 107/ ص 174).
(53) بحار الأنوار (ج 53/ ص 198).

(٦١)

أ) (... وحملني وذهب بي إلى مقام القائم (عليه السلام) خارج النجف)(54).
ب) يُستفاد من نصِّ الحكاية أنَّها مرويَّة عن جماعة من الثقاة والصلحاء، وراويها عنهم ثقة وهو العلَّامة المجلسي، فاشتهار تلك الحكاية عند أهل الغريِّ يدلُّ أيضاً على اشتهار المقام عندهم بنسبته إلى الإمام القائم (عجَّل الله فرجه) في ذلك الزمان، لأنَّ الحكاية متعلِّقة بالمقام وصاحب المقام.
كما قال العلَّامة النوري (رحمه الله) بعد إيراد هذه الحكاية مختصراً في كتابه كشف الأستار (ص 206): (ويُعلَم منها أنَّه كان في ذلك الزمان معروفاً بالنسبة إليه - أي للإمام المهدي (عليه السلام)-).
4 - عمارة المقام:
أ) (... وغسل قميصه في الحوض وطرحها على شجرة كانت هناك).
ب) (... دخل الصحن وسلَّم عليَّ وذهب إلى بيت المقام وصلَّى عند المحراب).
وهذا الوصف لعمارة المقام من حوض ووجود شجرة وصحن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(54) عبارة (خارج النجف) أي خارج سور النجف، باعتبار أنَّ النجف كانت محاطة بسور من جميع جوانبها، كان آخرها بين سنة (1226هـ) وهُدِمَ سنة (1356هـ)، كما ذُكِرَ في كتاب مراقد المعارف (ج 2/ ص 384 بالهامش)، وقد رأيت أنا جانباً من ذلك السور من جهة البراق قبل أنْ يُهدَم كلّيًّا، وكان ذلك في أواخر القرن الهجري المنصرم وبداية القرن الهجري الحالي.

(٦٢)

وبيت للمقام ومحراب داخل بيت المقام أشبه ما يكون بعمارة المقام في الوقت الحالي.
فبعد عرض الحكاية وبحث ما يتعلَّق بها علمنا أنَّ المقام في بداية القرن الحادي عشر الهجري كان مشهوراً ومعروفاً على مستوى جماعة من أهل المشهد وزائري مشهد أمير المؤمنين، بحيث إنَّه يُقصَد في ذلك الزمان عند الشدائد والأهوال.
وأخيراً كفى الحكاية في إثبات مصداقيَّتها وشهرتها(55) ورواتها الثقاة الصلحاء بوصف العلَّامة المجلسي (رحمه الله) لهم، ووصفهم ضمن الحكاية لموقع المقام بأنَّه خارج النجف، وعمارته من صحن وبيت ومحراب لدليل أيضاً على صدق الحكاية.
الحكاية الثانية: المرأة التي كُشِفَ عن بصرها:
نقل هذه الحكاية العلَّامة النوري (رحمه الله) (1254 - 1320هـ) في كتابه (كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار)، قائلاً:
(... قد ظهر في هذهِ الأيَّام كرامة باهرة من المهدي (عليه السلام) في متعلَّقات الدولة العليَّة العثمانيَّة المقيمين (كذا) في المشهد الشريف الغروي، وصارت في الظهور والشيوع كالشمس في رابعة النهار، ونحن نتبرَّك بذكرها بالسند الصحيح العالي:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(55) لقول العلَّامة المجلسي في آخر الحكاية: (إنَّها من المشهورات عند أهل المشهد).

(٦٣)

حدَّث جناب الفاضل الرشيد السيِّد محمّد سعيد أفندي الخطيب فيما كتبه بخطِّه:
كرامة لآل الرسول (عليه وعليهم الصلاة والسلام) ينبغي بيانها لإخواننا أهل الإسلام، وهي:
أنَّ امرأة اسمها ملكة بنت عبد الرحمن زوجة ملَّا أمين المعاون لنا في المكتب الحميدي الكائن في النجف الأشرف، ففي الليلة الثانية من شهر ربيع الأوَّل من هذه السنة أي سنة (1317هـ) ليلة الثلاثاء صار معها صداع شديد، فلمَّا أصبح الصباح فقدت ضياء عينيها فلم ترَ شيئاً قطُّ، فأخبروني بذلك، فقلت لزوجها المذكور: اذهب بها ليلاً إلى روضة حضرة المرتضى (عليه من الله تعالى الرضا)، لتستشفع به وتجعلهُ واسطة بينها وبين الله لعلَّ الله سبحانه وتعالى أنْ يشفيها.
فلم تذهب في تلك الليلة - يعني ليلة الأربعاء - لانزعاجها ممَّا هي فيه، فنامت بعض تلك الليلة، فرأت في منامها أنَّ زوجها المذكور وامرأة اسمها زينب كأنَّهما مضيا معها لزيارة أمير المؤمنين (عليه السلام)، فكأنَّهم رأوا في طريقهم مسجداً عظيماً مشحوناً من الجماعة، فدخلوا فيه لينظروه، فسمعت المصابة رجلاً يقول من بين الجماعة: لا تخافي أيَّتها المرأة التي فقدت عينيها إنْ شاء الله تشفيان.
فقالت: من أنت بارك الله فيك؟
فأجابها: أنا المهدي.

(٦٤)

فاستيقظت فرحة، فلمَّا صار الصباح يعني يوم الأربعاء ذهبت ومعها نساء كثيرات إلى مقام سيِّدنا المهدي خارج البلد، فدخلت وحدها وأخذت بالبكاء والعويل والتضرُّع، فغشي عليها من ذلك، فرأت في غشيتها رجُلين جليلين، الأكبر منهما متقدِّم والآخر الشابُّ خلفه، فخاطبها الأكبر بأنْ لا تخافي، فقالت لهُ: من أنت؟
قال: أنا عليُّ بن أبي طالب، وهذا الذي خلفي ولدي المهدي.
ثمّ أمر الأكبر المشار إليه امرأة هناك وقال: قومي يا خديجة وامسحي على عيني هذه المسكينة.
فجاءت ومسحت عليهما، فانتبهتُ وأنا أرى وأنظر أحسن من الأوَّل، والنساء يهلهلن فوق رأسي، فجاءت النساء بها بالصلوات والفرح، وذهبن بها إلى زيارة حضرت المرتضى (كرَّم الله تعالى وجهه)، وعيناها الآن ولله الحمد أحسن من الأوَّل، وما ذكرناه لمن أشرنا إليهما قليل،(56) إذ يقع أكبر منهُ لخُدَّامهما من الصالحين بإذن المولى الجليل، فكيف بأعيان آل سيِّد المرسَلين (عليه وعليهم الصلاة والسلام إلى يوم الدِّين)، أماتنا الله على حبِّهم، آمين، آمين.
هذا ما اطَّلع عليه الحقير الخطيب والمدرِّس في النجف الأشرف السيِّد محمّد سعيد) (57).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(56) أي لأهل البيت (عليهم السلام).
(57) كشف الأستار (ص 205).

(٦٥)

قال النوري (قدّس سرّه) بعد هذه الحكاية: (هذا المقام واقع في خارج سور البلد في غربي المقبرة المعروفة بوادي السلام، ولهُ صحن وقبَّة فيها محراب، يُنسَب إلى المهدي(عليه السلام)... إلى أنَّه قديم.
وقد ذكر بعض علماء القرن الحادي عشر في جامعه الكبير، قصَّة رجل كاشاني مريض قد أيس من مرضه فذهب إليه فرآه من غير أنْ يعرفه فشفاه، ويُعلَم منها أنَّهُ كان في ذلك الزمان معروفاً بالنسبة إليه)(58).
بحث حول الحكاية:
من خلال نصِّ الحكاية والتعليق عليها من قِبَل العلَّامة النوري (رحمه الله) يمكن استقصاء بحث حولها لمعرفة عدَّة أُمور تخصُّ المقام وتاريخه، منها:
1 - سند الحكاية:
الحكاية نقلها العلَّامة النوري (1254 - 1320هـ) في كتابه (كشف الأستار)، المؤلَّف في سنة (1317هـ)(59)، وهذا العالم الجليل هو صاحب (مستدرك الوسائل) والذي قال عنه تلميذه الشيخ آقا بزرك الطهراني: (كان النوري نادرة عصره في زمانه، فكيف لو كان في هذا الزمان).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(58) كشف الأستار (ص 206).
(59) نسخة الأصل لهذا الكتاب موجودة في مكتبة الإمام الحكيم، وعنها نسخة مصوَّرة في مركز الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).

(٦٦)

عن جناب الفاضل الرشيد السيِّد محمّد سعيد بن محسن بن مصطفى أفندي المشهور بخطيب النجف الأشرف، وُلِدَ سنة (1258هـ) في بغداد، وقرأ القرآن على بعض الأفاضل وتلمذ على يد جماعة مذكورين بالفضل، وله عدَّة تأليفات، ولفضله وذيوع شهرته عُيِّن خطيباً ومدرِّساً في جامع الحيدريَّة في النجف الأشرف من قِبَل الدولة العثمانيَّة، وتُوفِّي سنة (1320هـ) في بغداد، ودُفِنَ في مقبرة الشيخ معروف الكرخي، أثبتُّ ترجمته حتَّى يُستدَلَّ على وجود الحكاية فعلاً(60).
2 - تاريخ الحكاية:
حسب ما صُرِّح في الحكاية أنَّها واقعة في (2) شهر ربيع الأوَّل (1317هـ)، فالحكاية حاصلة في القرن الرابع عشر الهجري.
3 - عمارة المقام:
أ) (... ذهبت ومعهما نساء كثيرات إلى مقام سيِّدنا المهدي خارج البلد فدخلت).
ب) قول العلَّامة النوري بعد إيراد الحكاية: (هذا المقام واقع في خارج سور البلد في غربي المقبرة المعروفة بوادي السلام، وله صحن وقبَّة فيها محراب يُنسَب إلى المهدي... إلى أنَّه قديم).
أقول: وهذا يدلُّ على شهرة نسبة المقام للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في عصر العلَّامة النوري.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(60) أخذت ترجمته مختصراً من كتاب (لبّ اللباب).

(٦٧)

الحكاية الثالثة: لقاء السيِّد أبي الحسن الأصفهاني بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
ذكر السيِّد حسن الأبطحي في كتابه (اللقاء مع صاحب الزمان)، قائلاً: (يُعتَبر المرحوم آية الله العظمى السيِّد أبو الحسن الأصفهاني من المراجع العليا في زماننا. وكان (رضوان الله تعالى عليه) كثيراً ما يحظى بلقاء صاحب الزمان (عليه السلام)، والحكاية التالية هي إحدى تلك اللقاءات التي تشرَّف بها السيِّد أبو الحسن الأصفهاني مع الوجود المقدَّس لصاحب الأمر والزمان (عليه السلام).
ونقل هذه الحكاية العلَّامة المتتبِّع الحاجُّ السيِّد حسن ميرجهاني في كتاب (كنز العارفين)، فقال:
(كان أحد علماء اليمن - واسمه بحر العلوم - يراسل العديد من علمائنا في النجف طالباً منهم إثبات الوجود المقدَّس لبقيَّة الله في أرضه (عليه السلام).
وكان السيِّد بحر العلوم زيديًّا غير مصدِّق بوجود الحجَّة (عليه السلام)، فكتب له العلماء الأعلام رسائل عديدة وشرحوا له إثبات وجوده، ولكنَّه لم يقتنع حتَّى كتب رسالة إلى المرجع الأعلى للشيعة آنذاك السيِّد أبي الحسن الأصفهاني (رضوان الله تعالى عليه) يطلب منه إثبات ذلك.
وفي جوابه، قال السيِّد أبو الحسن الأصفهاني للسيِّد بحر العلوم: إذا أردت إثبات ذلك والتأكُّد من الوجود المقدَّس لصاحب العصر

(٦٨)

فعليك المجيء إلى النجف الأشرف لأُثبت لك ذلك حضوريًّا، وبعد عشرة أشهر وصل بحر العلوم وابنه وعدد من أتباعه إلى النجف الأشرف وزاروا السيِّد أبا الحسن، وطلب منه أنْ يُثبِت له ذلك بعد أنْ حضر شخصيًّا إلى النجف مع ابنه.
فقال له المرحوم السيِّد أبو الحسن الأصفهاني: تعال غداً أنت وابنك إلى داري حتَّى أُعطيك جواب سؤالك.
ثمّ جاء بحر العلوم وابنه وبعض أتباعه، وبعد تناول العشاء والأحاديث الدِّينيَّة وانصراف الضيوف وانتصاف الليل، قال السيِّد أبو الحسن إلى خادمه مشهدي حسين: هات المصباح معك، ووجَّه كلامه للسيِّد بحر العلوم وابنه وقال لهما: اتبعاني.
ثمّ أضاف السيِّد ميرجهاني: كنتُ أحد الذين بقوا بعد انصراف الضيوف، فأردت أنْ أذهب مع السيِّد أبي الحسن لكنَّه قال لي: يجب أنْ تبقى هنا ويأتي معي فقط بحر العلوم وابنه.
ثمّ ذهب الثلاثة في تلك الليلة المظلمة ولم نعرف وجهة سيرهم ولا إلى أين ذهبوا.
ولكن وفي الصباح وعندما التقيت مع بحر العلوم وابنه وسألته عن أحداث الليلة الماضية قال: الحمد لله لقد تشرَّفنا ليلة أمس بخدمة وليِّ العصر (عليه السلام)، وأصبحت من المعتقدين بوجوده المقدَّس.
فسألته: وكيف ذلك؟
فقال: لقد أراني السيِّد أبو الحسن الأصفهاني الحجَّة بن الحسن (عليه السلام).

(٦٩)

فسألته: وكيف كان ذلك؟
فقال: عندما تركنا الدار لم ندرِ إلى أين وجهتنا، حتَّى وصلنا إلى وادي السلام، وفي وسط الوادي دخلنا مكاناً قال: إنَّه مقام صاحب الزمان (عليه السلام).
وعندما وصل السيِّد أبو الحسن إلى باب المقام أخذ المصباح من خادمه مشهدي حسين ودخل منفرداً إلى المقام، ثمّ أشار إليَّ أنْ أدخل وحدي معه، ثمّ توضَّأ وبدأ بالصلاة وصلَّى أربع ركعات ثمّ قال شيئاً لم نفهمه، ولكن شاهدت فجأةً أنواراً خاطفة وقد غمر المكان نور ساطع.
وهنا يُكمِل الحكاية ولده فيقول: كنت في هذه اللحظات خارج المقام ولكنَّني بعد دقائق سمعت صيحة عظيمة من قِبَل والدي ثمّ أُغمي عليه، فتقدَّمت قليلاً فوجدت السيِّد أبا الحسن الأصفهاني يُمَسِّد كتفيه حتَّى استفاق من غيبوبته، فقال مباشرةً: لقد رأيتُ وليَّ العصر والزمان (عليه السلام)، وأصبحتُ من شيعته الاثني عشريَّة، ولكنَّه لم يزد شيئاً على هذا الكلام، ولم يُوضِّح لقاءه بالحجَّة (عليه السلام)، ثمّ عدنا إلى اليمن بعد عدَّة أيَّام، وتشيع أكثر من أربعة آلاف من أتباعه)(61).
بحث حول الحكاية:
1 - سند الحكاية:
نقل هذه الحكاية السيِّد الأبطحي المعاصر - وهو من علماء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(61) اللقاء مع صاحب الزمان ((عليه السلام) للسيِّد حسن الأبطحي (ص 128 - 130).

(٧٠)

خراسان - عن كتاب (كنز العارفين)، والكتاب هذا من تآليف السيِّد محمّد حسن الميرجهاني الأصفهاني المذكور في كتاب (الذريعة) عدَّة مرَّات، مع ذكر تآليفه، والميرجهاني عاصر تلك الحكاية الواقعة مع السيِّد أبو الحسن الأصفهاني ذلك العالم الورع الذي لم يشكّ أحد في تقواه، وخروج الكرامات على يديه الواحدة تلو الأُخرى، والمتولِّد في (1284هـ) والمتوفَّى في تاسع ذي الحجَّة سنة (1365هـ)، والذي عُرِفَ بحسن إدارته للحوزة العلميَّة بعد أُستاذه الآخوند الخراساني المتوفَّى (1329هـ).
2 - تاريخ الحكاية:
يظهر من التواريخ الآنفة الذكر في سند الحكاية أنَّ الحكاية واقعة بين سنة (1329هـ) وهي سنة تصدِّي أبي الحسن الأصفهاني للمرجعيَّة وسنة (1365هـ) وهي وفاة السيِّد نفسه.
3 - عمارة المقام:
أ) (... حتَّى وصلنا إلى وادي السلام، وفي وسط الوادي دخلنا مكاناً قال: إنَّه مقام صاحب الزمان).
ب) (... ودخل منفرداً إلى المقام، ثمّ أشار إليَّ أنْ أدخل...)(62).
فالمستفاد من هذه الحكاية شهرة المقام في القرن الرابع عشر الهجري بنسبته إلى الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وعناية العلماء الأعلام بزيارته كأمثال السيِّد أبي الحسن الأصفهاني (رحمه الله) وغيره.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(62) من نصِّ الحكاية.

(٧١)

الحكاية الرابعة: أحد العظماء في مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
نقل السيِّد الأبطحي في كتابه (زيارة عاشوراء وآثارها العجيبة)، قائلاً: (قال آية الله محمّد تقي بهجت (حاكياً عن فضيلة هذه الزيارة): قال أحد العظماء: ذهبت في أحد الأيَّام إلى وادي السلام، وإلى مقام الإمام المهدي (عليه السلام)، فرأيت هناك عجوزاً ذا وجه نوراني مشغولاً بقراءة زيارة عاشوراء، وكان يبدو من ملامحه أنَّهُ كان زائراً، وعندما تقرَّبت منه تراءت أمامي صورة - وكأنَّهُ رُفِعَ الغطاء عنِّي -، فرأيت حرم الإمام الحسين (عليه السلام) والزائرين مشغولين في العبادة والزيارة، تعجَّبت ممَّا رأيت، فرجعت قليلاً إلى الوراء فعدت إلى حالتي الطبيعيَّة، ثمّ تقرَّبت منهُ ثانيةً فشاهدت الحالة الأُولى، وتكرَّرت هذه الحالة عدَّة مرَّات، في صباح اليوم التالي ذهبت إلى المكان الذي ينزل فيه الزائرون لزيارته والاستفادة من محضره، فسألت عن حاله ومحلِّه، فقالوا: جاء ذلك الشخص للزيارة واليوم جمع أثاثه ووسائله وذهب.
لم أيأس من زيارته، فذهبت إلى وادي السلام لعلِّي أعثر عليه، التقيت هناك بشخص (كان يذكر لي أُموراً غيبيَّة غريبة ويُوضِّح بعض المسائل) بدون أنْ أُوجِّه له أيَّ سؤال، قال لي الزائر: الذي تبحث عنهُ ذهب!)(63).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(63) زيارة عاشوراء وآثارها العجيبة للأبطحي (ص 68).

(٧٢)

بحث حول الحكاية:
1 - سند الحكاية:
الحكاية نُقِلَت عن أحد مراجعنا العظام والملازمين للتقوى، ألَا وهو الشيخ محمّد تقي بهجت الكيلاني المعاصر.
2 - تاريخ الحكاية:
ممكن معرفة تاريخ الحكاية من خلال التعرُّف على عدَّة تواريخ تخصُّ ترجمة الشيخ بهجت، وهي: وُلِدَ الشيخ سنة (1334هـ)، وفي (1348هـ) هاجر إلى كربلاء، وفي (1352هـ) توجَّه منها إلى النجف وتلمَّذ على يد علمائها كالسيِّد أبي الحسن الأصفهاني والنائيني والعارف السيِّد عليٍّ القاضي والشيخ مرتضى الطالقاني، ثمّ رجع إلى قم في سنة (1363هـ).
والمستفاد من ذكر هذه التواريخ أنَّ الحكاية واقعة بين سنة (1352هـ) وسنة (1363هـ)، وهذه الفترة هي فترة وجود الشيخ بهجت في النجف الأشرف(64).
3 - عمارة المقام:
(... إلى وادي السلام، وإلى مقام الإمام المهدي...)(65).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(64) رأيت نسخة مخطوطة لسماحة الشيخ محمّد تقي بهجت مكتوبة بيده بتاريخ (1355هـ) في النجف الأشرف، كتبها أثناء وجوده فيها، والنسخة موجودة اليوم ضمن مكتبة السيِّد الخوئي (رحمه الله) في مدرسة الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء، وهي رسالة في العرفان.
(65) من نصِّ الحكاية.

(٧٣)

فزيارة العظماء على لسان الشيخ محمّد تقي بهجت للمقام تدلُّ على شديد عناية العلماء بزيارة هذا المقام في ذلك العصر.
الحكاية الخامسة: ثمرة حبِّ الإمام عليٍّ (عليه السلام):
ذكر السيِّد عبد الحسين دستغيب الملقَّب بـ (شهيد المحراب) في كتابه (القَصص العجيبة)، قائلاً: (نقل الفاضل المحقِّق العلَّامة ميرزا محمود مجتهد الشيرازي نزيل سامرَّاء (رحمه الله)، عن المرحوم حاجّ سيِّد محمّد عليّ رشتي الذي قضى أغلب حياته في الجهاد ضدّ النفس والرياضة الشرعيَّة أنَّه قال:
كنت أُدرِّس العلوم الدِّينيَّة في مدرسة الحاجّ قوام في النجف الأشرف وكانت هناك قصَّة يتداولها الطلَّاب حول رقَّاع في منطقة باب الطوسي حيث يمكنه الانتقال من مكان إلى آخر بصورة غير عاديَّة وعلى جناح السرعة وكان يُصلِّي المغرب لليلة الجمعة في مقام المهدي (عليه السلام) في وادي السلام في النجف الأشرف وصلاة العشاء للَّيلة نفسها في حرم سيِّد الشهداء (عليه السلام)، في حين يعرف الجميع أنَّ المسافة بين النجف وكربلاء (13) فرسخاً يسيرها الماشي على الأقدام لمدَّة يومين.
ولهذا أردت التحقُّق شخصيًّا من هذه القصَّة، فتقرَّبت من الشيخ الرقَّاع وأخذت أتردَّد عليه حتَّى توطَّدت عُرى الصداقة بيننا، وبعد أنْ تأكَّدت من صداقته الحميمة، أرسلت أحد طلَّابي إلى مدينة كربلاء في يوم الأربعاء وقلت له: كن عند ضريح سيِّد الشهداء ليلة الجمعة، وانظر إذا كان الرقَّاع قد جاء تلك الليلة.

(٧٤)

وفي يوم الخميس ذهبت لصديقي الرقَّاع ساعة المغرب، وأظهرت له نوعاً من التأثُّر والتألُّم، فسألني: ما بك يا صديقي؟
فقلت له: إنَّ هناك أمراً مهمًّا يخصُّ أحد أصدقائي من طلَّاب العلم، وعليَّ أنْ أُخبره الآن، ولكن مع الأسف هو في كربلاء وأنا في النجف ولا يمكنني الوصول إليه.
فقال لي: قل ما هي حاجتك، وإنَّ الله قادر على كلِّ شيء ويمكنه أنْ يوصل الأمر هذه الليلة إلى صاحبك.
فأخرجت رسالة من جيبي وأعطيتها للرجل الصالح وقلت له: إنَّني كتبت فيها الموضوع، فأخذها وتوجَّه صوب وادي السلام ولم أرَه حتَّى نهار السبت، حيث جاء صاحبي وأعطاني الرسالة التي بعثتها وقال: إنَّ الرجل الصالح قد رآني ليلة الجمعة عند صلاة العشاء في حرم الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء وأعطاني الرسالة.
وعندما رأيت الرسالة تيقَّنت أنَّ صاحبنا الرقَّاع من أصحاب القدرة على طيِّ الأرض بإذن الله وبسرعة لا تُوصَف ولهذا طلبت منه أنْ ينعم عليَّ سبحانه تعالى بهذه النعمة وأتمكَّن من التنقُّل بسرعة أينما أشاء، وفي اليوم التالي ذهبت إلى حانوت الرقَّاع الصالح ودعوته للعشاء في بيتي، فقبل الدعوة شاكراً، وجاء عند المساء، ولـمَّا كان الوقت صيفاً والجوُّ حارًّا عدنا إلى السطح لتناول الطعام، وكنَّا نشاهد قبَّة أمير المؤمنين والمئذنتين من ذلك السطح.

(٧٥)

وبعد تناول الطعام ومداولة الأحاديث قلت له: إنَّ الهدف من هذه الدعوة هو أنَّني تيقَّنت بالبرهان بأنَّك من الذين أنعم الله عليهم بمعجزة الانتقال السريع وأُريد منك أنْ ترشدني حتَّى أنال هذه النعمة الربَّانيَّة العظيمة.
ولـمَّا علم بأنَّني كشفت سرَّه واطَّلعت على مكنون قلبه وفعاله، نظر نظرة غريبة، ثمّ صاح صيحة عظيمة وسقط كعود يابس على الأرض، إلى درجة أنَّني أصبت بالهلع والخوف وتصوَّرت أنَّه مات.
وبعد برهة رجع إلى وضعه الطبيعي ثمّ جلس وقال: اسمع يا سيِّد، كلّ ما عندي وما شاهدته هو من ذلك السيِّد - وأشار إلى قبَّة أمير المؤمنين المطهَّرة وأضاف -: وأيّ شيء تريد اطلبه من ذلك السيِّد.
ثمّ قام وذهب لسبيل حاله ولم أرَه منذ تلك الحادثة لا في النجف ولا في غيرها من المُدُن، ولم يرَه أحد أيضاً).
قال السيِّد دستغيب (قدّس سرّه): (لقد سمعت هذه القصَّة من عدد من العلماء الأعلام الآخرين الذين نقلوها عن السيِّد رشتي أيضاً)(66).
بحث حول الحكاية:
1 - سند الحكاية:
نقل هذه الحكاية السيِّد دستغيب والمستشهد في سنة (1981م)، عن العلَّامة ميرزا محمود مجتهد الشيرازي، وهو من علماء القرن الرابع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(66) القَصص العجيبة للسيِّد دستغيب (ص 14 و15).

(٧٦)

عشر، وله كتاب (واقعات دو ساله بدبختي إيران)، المطبوع في طهران سنة (1334هـ)(67)، عن السيِّد محمّد عليّ الرشتي، والذي أحتمله أنَّه من مشائخ الشيخ آقا بزرك الطهراني والمذكور في كتاب (الذريعة).
ثمّ إنَّ السيِّد دستغيب صرَّح من أنَّه سمع الحكاية من عدَّة علماء كبار عن السيِّد الرشتي.
2 - تاريخ الحكاية:
يظهر من خلال التواريخ المذكورة آنفاً أنَّ الحكاية واقعة في أوائل القرن الرابع عشر الهجري.
3 - عمارة المقام:
(وكان يُصلِّي المغرب لليلة الجمعة في مقام المهدي في وادي السلام في النجف الأشرف...).
وبعد سرد هذه الحكايات الخمس في هذا الباب تعرَّفنا على تاريخ المقام خلال أربعة قرون من (ق 11) إلى (ق 15)، وشهرة نسبته إلى الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في تلك القرون الخمسة.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(67) الذريعة (ج 25/ ص 21).

(٧٧)

إنَّ معرفة المقام من خلال الشعر شيء ليس بالغريب ولا الجديد، وذلك من خلال ما تعرَّفنا عليه من تواريخ الأُمَم الماضية وأمكنتها وأزمنتها بقول شعراء تلك العصور الماضية، وخير مثال لنا ما تعرَّفنا عليه من تاريخ العرب في (عصر ما قبل الإسلام) من خلال أشعارهم العريقة، كالمعلَّقات السبع وأمثالها من القصائد الشعريَّة.
وما عثرنا عليه من الشعر بخصوص بحثنا هذا هو قولين لعالمين جليلين اتَّصفا بغزارة شعرهما التاريخي لدليل آخر على قولنا هذا، فرأينا من المحتَّم علينا ذكرهما في كتابنا هذا، لأهمّيَّتهما التاريخيَّة واختصاصهما بهذا المقام خاصةَّ، وسأُوردهما كما يلي:
1 - الشعر الأوَّل:
للسيِّد نصر الله الحائري (ت قبل سنة 1168هـ)، والذي كُتِبَ على مقامه (عجَّل الله فرجه):

أيا صاحِبَ العَصر إنَّ العدى * * * أرونا الكواكب بالظلم ظُهرا
فاطلِع لنا فجرَ سيفٍ به * * * تجلى ظلام العنا المكفهرَّا(68)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(68) العنا: النَّصَب (التعب) والمشقَّة.
المكفهرُّ: المتعبِّس الذي لا طاقة فيه، وقد اكفهرَّ الرجل إذا عبس.

(٨١)

ناظمه: السيِّد نصر الله بن الحسين الحائري، والمستشهد قتلاً قبل سنة (1168هـ)، والشعر هذا مذكور في ديوانه المخطوط الذي جمعه تلميذه السيِّد مير حسين النقوي في سنة (1155هـ)، ونسخة الأصل موجودة في مكتبة الإمام الحكيم في النجف الأشرف برقم (1269)، وقد رأيت هذا الشعر في النسخة المخطوطة هذه.
كما نقل هذا الشعر عن ديوان الحائري الشيخ جعفر محبوبة في كتابه (ماضي النجف وحاضرها)(69).
وطُبِعَ هذا الديوان بمطبعة الغريِّ في النجف الأشرف سنة (1373هـ/ 1954م) نشر وتعليق: عبَّاس الكرماني، غير أنَّ المطبوع خلا من هذا الشعر، كما نقص هذا الديوان من عدَّة أشعار اُخَر بتصريح الناشر في مقدَّمة الديوان بقوله: (ولم يفتني كذلك حذف البعض من الشعر لبساطة موضوعه وضعف تأليفه - اطمئناناً - برضى الشاعر نفسه)، وليته تركه على ما هو عليه، لما يحتوي من الذخائر التاريخيَّة التي لا يعرفها إلَّا أهلها.
أقول: من خلال ذكرنا لهذا الشعر الذي كان مكتوباً في المقام على ما صرَّح به تلميذه قبل هذا الشعر بعبارة: (وله وقد كُتِبَ على مقامه (عليه السلام) في النجف) يظهر لنا شهرة نسبة المقام للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في أوائل القرن الثاني عشر الهجري، غير أنَّ هذا الشعر المكتوب في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(69) ماضي النجف وحاضرها (ج 1/ ص 95).

(٨٢)

ذلك القرن في المقام لا أثر له ولا عين في وقتنا الحالي، لتغيُّر العمارات الطارئة على المقام وتجدُّدها في كلِّ عصر.
2 - الشعر الثاني:
للشيخ محمّد طاهر السماوي (ت 1370هـ).

هذا وفي الغريِّ للزيارة * * * مواضع معلومة الأمارة
وعند بابَي كربلا والكوفة * * * مقام ربِّ الغيبة المعروفة(70)

ناظمه: العلَّامة الشيخ محمّد بن الشيخ طاهر السماوي المتوفَّى سنة (1370هـ )، ذكر هذا الشعر في كتابه (عنوان الشرف في وشي النجف) والمؤلَّف سنة (1359هـ).
أقول: ومن خلال معرفة عصر الناظم وسنة نظمه لهذا الشعر وهي سنة (1359هـ) ظهر لنا شهرة هذا المقام في القرن الرابع عشر الهجري أيضاً.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(70) عنوان الشرف في وشي النجف (ص 57). ربُّ الغيبة: أي صاحب الغيبة.

(٨٣)

إنَّ وجود هذا المقام للإمام في قلب وادي السلام قد زيَّن ذاك الوادي العريق بلا مبالغة، فتراه قد زيَّنه كزينة السماء بالكواكب، فهو كالنجم الذي يهتدي به المهتدون، وكالفسطاط الذي يلتجئ إليه الملتجئون، فترى من يُدفَن فيه وفي جواره يلوذ بحماه وحمى جدِّه أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولسان حالهم يقول:

بقبرك لُذنا والقبور كثيرة * * * ولكنَّ مَن يحمي الجوار قليل(71)

ومن خلال البحث في استقصاء سني تواريخ من دُفِنَ فيه وفي جواره عثرت على عدَّة تواريخ - يتراوح ذكرها من القرن الحادي عشر الهجري وإلى قرننا الحالي - لا يُستهان بها، لأنَّها بلغت الأهمّيَّة القصوى في معرفة تاريخ هذا المقام، وبذكرها نحصل على عدَّة فوائد من الممكن أنْ نُلخِّصها بما يلي:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(71) روى الديلمي في كتابه إرشاد القلوب (ج 2/ ص 238) بإسناده أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) نظرإلى الكوفة، فقال: «ما أحسن منظركِ وأطيب قعركِ، اللَّهُمَّ اجعل قبري بها».
وروى جماعة من صلحاء المشهد الشريف الغروي أنَّه رأى كلُّ واحدٍ من القبور التي في المشهد الشريف وظاهره قد خرج منه حبل ممتدٌّ متَّصل بالقبَّة الشريفة (صلوات الله على مشرِّفها)، ومن خواصِّ تربته إسقاط عذاب القبر وترك محاسبة منكر ونكير للمدفون هناك، كما وردت به الأخبار الصحيحة عن أهل البيت (عليهم السلام).
كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «ما من مؤمن يموت في شرق الأرض وغربها إلَّا وحشر الله روحه إلى وادي السلام».

(٨٧)

أ) التعرُّف على وجود عمارة للمقام خلال القرون الخمسة الأخيرة.
ب) التعرُّف على شهرة نسبة المقام للإمام خلال هذه المدَّة المذكورة آنفاً، وبها يتأكَّد لنا صحَّة تلك النسبة.
وممَّا يزيد هذه التواريخ أهمّيَّةً أنَّها لم تكن لعامَّة الناس، بل لعلماء أجلَّاء بلغوا من الشهرة الغاية، بحيث يُعيَّن مكان دفنهم في وادي السلام، فلم أرَ فائدة في ذكر تراجمهم خوف الإطالة والخروج عن البحث، سوى الإشارة إلى مصادر ترجمتهم بالهامش، وقد ذكرت هذه التواريخ بحسب الأسبقيَّة التاريخيَّة، فمنها:
1 - القرن الحادي عشر الهجري:
في سنة (1026هـ): تُوفِّي السيِّد مبارك الملقَّب بـ (الأزرق عينيه) بن مطلب المشعشعي والي عربستان، ودُفِنَ في النجف الأشرف في وادي السلام بقرب مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)(72).
أقول: صرَّح الشيخ آقا بزرك الطهراني في كتابه (الذريعة) أنَّ سنة وفاة هذا السيِّد هي سنة (1025هـ) وليس في سنة (1026هـ)(73)، فلاحظ.
كما أنَّ هذا التاريخ القديم هو أقدم تاريخ حصلت عليه يدلي على عمارة مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في ذلك القرن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(72) أعيان الشيعة (ج 9/ ص 77).
(73) الذريعة (ج 5/ ص 271، وج 9/ ص 36).

(٨٨)

وممَّا يدلُّ على شهرة نسبة المقام للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ووجوده في ذلك القرن ما ذكره العلَّامة المجلسي في بحاره ضمن تاريخ الامام الثاني عشر (عجَّل الله فرجه) والمؤلَّف سنة (1078هـ).
2 - القرن الثالث عشر الهجري:
أ) في سنة (1280هـ): تُوفِّي الشيخ الآقا عبد الجواد بن محمّد الأصفهاني في أثناء سفره لزيارة العتبات المقدَّسة في النجف الأشرف، ودُفِنَ بوادي السلام قرب مقام الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه)(74).
ب) في سنة (1298هـ): تُوفِّي الشيخ عطاء الله الأصفهاني في النجف الأشرف في طاعون سنة (1298هـ)، ودُفِنَ في وادي السلام قرب مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)(75).
ج) في سنة (1300هـ): تُوفِّي السيِّد عليّ بن السيِّد محمّد الحسيني والشهير بالحكيم، ودُفِنَ في النجف في وادي السلام جوار مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)(76).
3 - القرن الرابع عشر الهجري:
أ) في سنة (1312هـ): وفي الثاني من شهر رمضان، تُوفِّي الميرزا محمّد تقي بن المولى محمّد المامقاني التبريزي المعروف بحجَّة الإسلام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(74) الكرام البررة (ج 2/ ص 703).
(75) الكرام البررة (ج 2/ ص 818).
(76) أعيان الشيعة (ج 8/ ص 318).

(٨٩)

صاحب كتاب (صحيفة الأبرار)، ودُفِنَ بوادي السلام بين سور النجف ومقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وكُتِبَ على لوح قبره رباعيَّة من إنشائه(77).
ب) في سنة (1315هـ): تُوفِّي السيِّد جعفر بن أبي الحسين حمد ابن محمّد حسن الحسيني نسباً وكمال الدِّين لقباً والحلِّي شهرةً، وهو من شعراء المذهب المبرزين، ودُفِنَ في وادي السلام في الجانب الغربي من يمين مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بمائتي خطوة عند قبر أبيه، له ديوان مطبوع، قدَّم له وعلَّق عليه الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء (رحمه الله)(78).
ج) في سنة (1317هـ): تُوفِّي السيِّد عليُّ بن محمّد رضا المرندي في تبريز، ونُقِلَ إلى النجف، ودُفِنَ في وادي السلام قرب مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وكان من علماء الشيخيَّة(79).
د) في سنة (1342هـ): تُوفِّي السيِّد محمّد بن فضل الساروي الموسوي المعروف بثقة الإسلام بالنجف الأشرف، ودُفِنَ في وادي السلام قريباً من المقام المعروف بمقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)(80).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(77) الذريعة (ج 1/ ص 5)، ونقباء البشر (ج 1/ ص 266).
(78) نقباء البشر (ج 1/ ص 289)، وشعراء الحلَّة (ج 1/ ص 185) تجد ترجمته من (180 - 194).
(79) أعيان الشيعة (ج 3/ ص 432).
(80) المسلسلات في الإجازات (ص 319)، والذريعة (ج 2/ ص 414).

(٩٠)

هـ) في سنة (1355هـ): تُوفِّي الشيخ عبَّاس عليّ بن غلام رضا الأصفهاني، ودُفِنَ في وادي السلام غربي مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)(81).
و) في سنة (1359هـ): تُوفِّي السيِّد صالح بن السيِّد محمّد الحسيني والمشهور بـ (السيِّد صالح الحلِّي)، وهو من الخطباء المبرزين في داره في الكوفة، وحُمِلَ نعشه من جسر الكوفة إلى النجف، ودُفِنَ في مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)(82).
ز) في سنة (1366هـ): تُوفِّي السيِّد ميرزا عليّ القاضي الطباطبائي، ودُفِنَ في وادي السلام قرب مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)(83).
ح) في سنة (1372هـ): رأيت أنا لوحة في داخل صحن المقام بهذا التاريخ وباسم (خوام)، كما رأيت عدَّة ألواح لقبور عدَّة عدَّدتها فوجدتها (51) لوحة يتراوح تاريخ تلك اللوحات بين سنة (1372هـ) وما بعدها من السنين.
ط) في سنة (1377هـ): تُوفِّي السيِّد جمال الدِّين ابن السيِّد حسين الكلبايكاني قبل الغروب يوم (29) محرَّم سنة (1377هـ)، ودُفِنَ بمرقده في وادي السلام بعد مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)(84).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(81) نقباء البشر (ج 3/ ص 1017).
(82) خطباء المنبر الحسيني (ج 1/ ص 8) تجد ترجمته من (73 - 80)، وأخبرني خادم المقام صلاح جياد أنَّ السيِّد صالح الحلِّي تشرَّف بلقيا الإمام في هذا المقام، وأوصى بأنْ يُدفَن في مكان لقائه بالإمام (عجَّل الله فرجه) داخل المقام، لكنِّي لم أتأكَّد صحَّة ما سمعته منه، لأنَّني لم أسمعه من غيره.
(83) نقباء البشر (ج 4/ ص 1566).
(84) نقباء البشر (ج 4/ ص 24)، بتعليقات السيِّد عبد العزيز الطباطبائي.

(٩١)

ي) في سنة (1384هـ): تُوفِّي الشيخ محمّد عليّ بن يحيى السرابي، وهو عالم جليل وورع، ودُفِنَ في وادي السلام قرب مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)(85).
هذا ما بلغناه من التواريخ الآنفة الذكر، ورأينا فيه الكفاية، وبتلك التواريخ الغاية.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(85) نقباء البشر (ج 4/ ص 1560).

(٩٢)

بعد أنْ حاولت جمع المعلومات التاريخيَّة التي تتعلَّق بالمقام، أفردت باباً خاصًّا يتعلق بذكر أهمّ الأحداث التي طرأت على المقام غير ما ذكرته في الأبواب السابقة، وهي كما يلي:
1 - الغارات الوهَّابيَّة على النجف الأشرف بين سنتي (1214 و1225هـ):
في أثناء هذه الغارات على النجف هجر المقام الشريف خَدَمته الموكَّلون به، وذلك للتصرُّفات الهمجيَّة التي صدرت من قِبَل الجماعة الوهَّابيَّة، هذا بحسب ما ذكره الشيخ جعفر محبوبة عند ذكره لهذا المقام، إذ قال ما نصُّه:
(ويقال: إنَّه في القديم كان خَدَمته ينزلون حوله ولهم دور بإزائه، ولـمَّا كثرت الغارات على النجف من الوهَّابيِّين هجروا دورهم وأقاموا في البلدة)(86).
أقول: ويُؤيِّد هذا القول من أنَّ الناس اتَّخذوا المكان سكناً لهم ما ذكره العلَّامة محمّد حرز الدِّين في كتابه (معارف الرجال) في أحوال الشيخ يونس الأمير، ما نصُّه:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(86) ماضي النجف وحاضرها (ج 1/ ص 95).

(٩٥)

(الشيخ يونس بن حمود الأمير النجفي، كان فاضلاً فقيهاً من المهاجرين إلى النجف ودعاة الإسلام، نزل مدَّة بعياله في وادي السلام، وأقام في المقام المعروف بمقام الإمام المهدي (عليه السلام) يوم كانت القبور حواليه قليلة جدًّا)(87).
2 - في (13) شهر رمضان من سنة (1287هـ):
تشرَّف السلطان ناصر الدِّين القاجاري(88) مع عياله وخَدَمه بزيارة الحرم العلوي، وبقي في النجف سبعة أيَّام، وكان مقرُّه خارج البلدة، فقد ضرب أخبيته بالقرب من مقام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وأنعم على كافَّة الطبقات المجاورين بالإنعامات الملوكيَّة(89).
3 - في سنة (1304هـ):
زار النجف الأشرف الشيخ عبد الله بن محسن الأصفهاني، وذكر في كتابه (لؤلؤ الصدف) المؤلَّف في سنة (1322هـ) أنَّ مكان الغريَّين - وهما بناءان كالصومعتين - موجود حين زيارته لأرض النجف خلف مقام المهدي (عجَّل الله فرجه)(90).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(87) معارف الرجال (ج 3/ ص 318)، بتصرُّف.
(88) السلطان ناصر الدِّين القاجاري، وُلِدَ سنة (1247هـ)، وتولَّى الملك على إيران في (18) شوَّال سنة (1264هـ)، واغتيل يوم الجمعة (17) ذي القعدة سنة (1313هـ) حين كان يزور مشهد السيِّد عبد العظيم الحسني في طهران.
(89) ماضي النجف وحاضرها (ج 1/ ص 225).
(90) ماضي النجف وحاضرها (ج 1/ ص 10).

(٩٦)

4 - في سنة (1333هـ):
وفي (18 ذي الحجَّة) من هذا التاريخ المصادف به عيد الغدير أعلن السيِّد محمّد كاظم اليزدي (ت 1337هـ) صاحب كتاب (العروة الوثقى) رأيه بوضوح وجرأة ضدَّ الاستعمار وجيوش الإنكليز، فصعد السيِّد يومها على منبر وُضِعَ له في مقام المهدي (عجَّل الله فرجه) بوادي السلام، وكانت العشائر حينها قد احتشدت في النجف بسبب زيارة يوم الغدير المشهورة، وكان بجانب السيِّد اليزدي حينها السيِّد محمّد عليّ هبة الدِّين الشهرستاني(91).
5 - في سنة (1336هـ):
اجتمع عدد من الثوَّار النجفيِّين الأحرار وهم يحملون السلاح في داخل المقام وخطَّطوا لقتل الكابتن مارشال، وكان عددهم حينئذٍ (75) نفراً، وبعد هذا الاتِّفاق السرِّي قُتِلَ المارشال(92).
6 - في سنة (1365هـ):
وفي (28) من شهر ربيع الأوَّل منها تُوفِّي الشيخ محمّد مهدي بن أسد الله الصائغ الأصفهاني نزيل النجف بجوار هذا المقام عن عمر ناهز التسعين سنة، له (ديوان الغريِّ) - مخطوط -، وفيه ما يقرب من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(91) شعراء الغريِّ (ج 10/ ص 69)، بتصرُّف.
(92) النجف الأشرف ومقتل الكابتن مارشال (ص 55).

(٩٧)

مائتي قصيدة عربيَّة عامّيَّة في مدائح أهل البيت (عليهم السلام) واستنهاض غائبهم (عجَّل الله فرجه) والدعاء له بالظهور(93).
7 - في سنة (1370هـ):
تشرَّف الشيخ فرج الله آل عمران الخطي القطيفي في زيارة المقام عدَّة مرَّات، بحسب ما ذكره في أجزاء كتابه (الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية) الذي دوَّن فيه رحلاته ومشاهداته فيها(94).
8 - في سنة (1373هـ):
زار المقام السلطان تابنده شاه الملقَّب بـ (رضا عليّ شاه) وهو من أقطاب المتصوِّفة في إيران، ذكر ذلك في رحلته، قال ما نصُّه:
(وفي مقبرة وادي السلام زرنا قبر هود وصالح... ثمّ تشرَّفنا بزيارة موضع يُعرَف بمقام حضرة صاحب الأمر (عجَّل الله فرجه)، وقد اشتهر أنَّ السيِّد بحر العلوم هو الذي أخبر بأنَّ الإمام القائم صلَّى هناك، فصلَّينا فيه ركعتين)(95).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(93) الذريعة (ج 9/ ص 787)، بتصرُّف.
(94) الأزهار الأرجية (ج 5/ ص 21)، هو الشيخ فرج الله بن حسن الخطي، وُلِدَ سنة (1321هـ)، مؤلِّف بارع، له عدَّة مؤلَّفات في علوم شتَّى الكثير منها مطبوع، درس في النجف الأشرف إلى سنة (1358هـ)، وأُجيز من قِبَل علمائها عدَّة أجازات ثمّ عاد إلى بلاده، وهو شيخ مشائخي في الإجازة والرواية عن أهل البيت الأطهار (عليهم السلام).
(95) موسوعة النجف الأشرف (ج 4/ ص 113).

(٩٨)

9 - في سنة (1425هـ):
تعرَّض المقام إلى عدَّة اعتداءات جراء القصف في فتنة وأحداث النجف الأشرف للفترة من التاسع عشر من شهر جمادى الثاني إلى العاشر من شهر رجب الأصبِّ، وتضرَّرت فيه قبَّة المقام فتهرَّأت، وهي الآن آيلة للسقوط.

* * *

(٩٩)

إنَّ عمارة المشاهد والمقامات المقدَّسة المنسوبة للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمَّة (عليهم السلام) من بعده لها الأهمّيَّة البالغة عند المسلمين، وبالخصوص عند الشيعة الإماميَّة، فلذلك ترى تعاهدهم لها بين الحين والآخر وعلى مرور الأزمنة، ولهذا الأمر ولغيره من الأُمور الكثيرة التي يطول ذكرها بقت تلك المشاهد عامرة إلى يومنا هذا، فلم تندثر تلك الآثار المقدَّسة، فهي عريقة الشموخ ومرفوعة الذكر فيما بينهم بما أمر الله به من تعظيم لها، وللباحث عن تاريخ عمارة تلك المشاهد والمقامات التعرُّف على ما ذكره المؤرِّخون من تاريخ لها في الكُتُب والشعر والزخارف والكتابات المكتوبة على جدرانها وتاريخ إشادتها وأسماء كلِّ من شيَّدها وعمرها.
وما عثرنا عليه من تاريخ لعمارة هذا المقام أمرٌ لا يُستهان به، لما آليناه من جهد في البحث عن تاريخ عمارته وبحسب الأسبقيَّة التاريخيَّة كما يلي:
1 - أوَّل عمارة للمقام:
قد ذكرنا أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) جاء إلى الحيرة سنة (136هـ)، بطلب من أبي العبَّاس السفَّاح أثناء خلافته فيها، وأنَّه سكن سنتين أو أكثر حول مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام)، وبشهادة حديث أبي حنيفة

(١٠٣)

النعمان بقوله في الكوفة: (لولا السنتان لهلك النعمان)، وباختلافه في تلك الفترة إلى قبر جدِّه عدَّة مرَّات، وصلاته قريباً من مشهد جدِّه بركعتين في موضع منبر القائم (عجَّل الله فرجه) بحسب إخباره (عليه السلام)، وفي إحدى تلك الزيارات كان معه أبان بن تغلب ففعل الإمام حين زيارته مع أبان ما يفعله مع غيره من أصحابه في تعظيم تلك المواضع المشار إليها سابقاً فأشار حينها لأبان بن تغلب إلى موضع منبر القائم (عجَّل الله فرجه)، ومات أبان سنة (141هـ)، واستُشهِدَ الإمام الصادق (عليه السلام) سنة (148هـ)، فيكون منشأ هذا المقام وبحسب هذه التواريخ الآنفة الذكر واقعاً بين سنتي (136 - 141هـ).
فهذا التاريخ هو أوَّل تأريخ استخرجناه عن تأريخ المقام، لكن وللأسف الشديد خفي علينا تأريخ أوَّل عمارة للمقام من بعد نشوئه، كما خفي علينا تاريخه إلى سنة (1026 هـ) - أي ما يعادل فترة عشرة قرون -، فلا نعرف خلال هذه الفترة من أشاد عمارة المقام؟ ومن عمره؟ ومن زاره؟ وما الذي طرأ عليه من عمارات وحوادث؟ ومن تشرَّف فيه بلقاء صاحب الأمر (عجَّل الله فرجه)؟ بحيث إنَّه في سنة (1026هـ) يُنسَب إليه، ولكن ومن خلال بقاء عمارته والماثلة إلى الآن يُعرَف تعاهد الشيعة له بمواصلة التعمير والزيارة والتقديس.
2 - عمارة المقام في القرن الحادي عشر الهجري:
قد ذُكِرَت عمارة المقام في هذا القرن، كما يلي:

(١٠٤)

أ) في سنة (1026هـ):
دُفِنَ السيِّد مبارك المشعشعي بجوار مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، كما ذكرنا سابقاً، ومن هذا يُستدَلُّ على أنَّ عمارة المقام كانت ماثلة للعيان ومشهورة.
ب) وقبل سنة (1078هـ):
كانت عمارة المقام في هذا القرن تحتوي على: صحن فيه شجرة، وموضع للماء كأنْ يكون بئراً، وفي داخل صحن المقام يوجد بيت فيه محراب.
هذا ما ذكره العلَّامة المجلسي (ت 1111هـ) في كتابه (بحار الأنوار) في حكاية الرجل الكاشاني والتي ذكرناها سابقاً، فذكر عمارة المقام فيها بما نصُّه: (وذهب بي إلى مقام القائم (صلوات الله عليه)... وغسل قميصه في الحوض وطرحه على شجرة كانت هناك... دخل الصحن... وذهب إلى بيت المقام، وصلَّى عند المحراب ركعات).
3 - عمارة المقام في القرن الثاني عشر الهجري:
قد ذُكِرَت عمارة المقام في هذا القرن، كما يلي:
أ) قبل سنة (1155هـ):
كتب السيِّد نصر الله الحائري (ت 1168هـ) على المقام شعراً، حسب ما ذكرناه سابقاً، وقد نقلناه من ديوانه المخطوط المجموع من قِبَل تلميذه السيِّد حسين النقوي في سنة (1155هـ).

(١٠٥)

ب) وفي سنة (1200هـ):
يوجد في المكان نفسه - أي المقام - حجر منقوش عليه زيارة الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) مؤرَّخة سنة (1200هـ) وفيه ما نصُّه: (... حرَّره الآثم الجاني قاسم بن المرحوم أحمد الفحَّام الحسيني في (9) شهر شعبان سنة (1200 هـ))(96).
فمن المحتمل أنْ تكون هذه السنة المذكورة في الحجر - أي سنة (1200هـ) - هي سنة عمارة السيِّد بحر العلوم (ت 1212هـ) الآتية الذكر، فيكون عمر السيِّد بحر العلوم حينئذٍ (45 سنة)، علماً أنَّ مدَّة عمره الشريف هو (57 سنة).
أقول: إنَّ هذا الحجر رآه الشيخ جعفر محبوبة (ت 1377هـ) كما ذكره في كتابه ماضي النجف وحاضرها (ص 95)، وهو إلى الآن موجود ومحفوظ في أحد غُرَف المقام كما رأيته، ولكن لم يبقَ فيه شيء من الزيارة والتاريخ سوى عبارة: (السلام عليك ياحجَّة الله في أرضه) - وهي زيارة يوم الجمعة -.
جـ) عمارة السيِّد بحر العلوم(97) (1155 - 1212هـ):
وهي عمارة فخمة في حينها كما ذكرها المؤرِّخون، أقام فيها السيِّد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(96) ماضي النجف وحاضرها (ج 1/ ص 95).

(97) هو السيِّد محمّد مهدي ابن السيِّد مرتضى المشهور بـ (بحر العلوم)، والمنتسب للإمام السبط الحسن (عليه السلام)، هو سيِّد العلماء والفقهاء، وعملاق المعقول والمنقول، وجامع العلوم، علَّامة دهره، ووحيد عصره، من كبار أساطين الفقهاء والمحقِّقين، وهو باني مجد أُسرة بحر العلوم، تُوفِّي (1212هـ).

(١٠٦)

على المقام قبَّة من الجصِّ والحجارة، ولم تزل تلك العمارة قائمة إلى سنة (1308هـ)، كما وجدناه مكتوباً على القبَّة التي بُنيت بعد عمارة السيِّد هذه(98).
أقول: قد نصَّ على بناء السيِّد بحر العلوم لهذا المقام كثير من العلماء والمؤرِّخين، لكن البعض اشتبه عليه الأمر بقولهم: إنَّ السيِّد بحر العلوم هو أوَّل من أنشأ هذا المقام، ومن الذاهبين إلى هذا القول:
أوَّلاً: جعفر مرتضى العاملي في كتابه دراسات وبحوث في التأريخ الإسلامي (ج 2/ ص 133/ ط بيروت)(99).
ثانياً: نزار الحسن في كتابه جامع الزيارات (ط قم المقدَّسة).
ثالثاً: هيأة محمّد الأمين، على ما ذكرته في كتابها الأماكن المقدَّسة في العالم (ص 54).
رابعاً: رضا عليّ شاه في رحلته المسمَّاة (مذكَّرات رحلة إلى البلدان العربيَّة).
وغير هؤلاء الكثير، فضلاً على أنَّ هذا القول هو الجاري على غالبيَّة الألسن وبالطبع فإنَّ هذا القول ينافي ما أسلفناه سابقاً من الذكر لعدَّة تواريخ لعمارة المقام تدلُّ على وجودها قبل عصر السيِّد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(98) عن كتاب ماضي النجف وحاضرها، بتصرُّف. لكن الشيخ جعفر محبوبة أكَّد أنَّ العمارة التي بعد السيِّد تأريخها سنة (1310هـ)، وما ذكره (رحمه الله) يخالف ما مكتوب من تأريخ على القبَّة على ما رأيناه وهو سنة (1308هـ).
(99) على ما نُقِلَ في كتاب جامع الزيارات.

(١٠٧)

بفترة طويلة ربَّما تصل إلى عدَّة قرون، فمن التواريخ السابقة الذكر باختصار:
أوَّلاً: تعيُّن المقام في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) (136 - 148هـ).
ثانياً: شهرة المقام في سنة (1026 هـ) كما ذكرنا.
ثالثاً: شهرته في عصر العلَّامة المجلسي أيضاً.
رابعاً: شهرته في عصر السيِّد نصر الله الحائري، والسيِّد هذا هو شيخ مشائخ السيِّد بحر العلوم.
علماً أنَّ سبب هذه الشبهة في هذا القول جاء من كلمتي: (أشاد) و(عيَّن) السيِّد بحر العلوم مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في وادي السلام، والتي أوردها بعض المؤرِّخون، فإنَّ أشاد تعني: أمر ببنائه، وعيَّن تعني: أنَّه كان موجوداً في الجملة وحدَّد موقعه، فلا تعنيان أنَّه أوَّل من أسَّس هذا المقام، ومن المشهور أنَّ السيِّد بحر العلوم كان كثيراً ما يلتقي بصاحب العصر والزمان، حتَّى شُبِّه بالسيِّد ابن طاوس (قدّس سرّه)، فيحتمل أنَّ السيِّد التقاه في هذا المقام، أو في غيره من المشاهد المقدَّسة، فأمره (عجَّل الله فرجه) بإشادة هذا المقام وتعميره، كما عمر هذا السيِّد مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في مسجد السهلة.
4 - عمارة المقام في القرن الرابع عشر الهجري:
قد ذُكِرَت عمارة المقام في هذا القرن، كما يلي:
أ) في سنة (1308هـ):
كانت عمارة السيِّد بحر العلوم قائمة إلى هذه السنة، إذ استمرت

(١٠٨)

حوالي قرن وعدَّة سنوات قليلة، ثمّ إنَّ الراجة محمود آباد - أحد ملوك مقاطعة من مقاطعات الهند - في أثناء زيارته إلى الحرم العلوي، وبمساعي السيِّد عليّ كمونة - سادن الحرم العلوي - هدم تلك العمارة السابقة الذكر، وشيَّد بدلها عمارة ذات قبَّة مزيَّنة بحجر القاشي الأزرق، ما زالت قائمة إلى زماننا هذا.
وهذا التاريخ المذكور أعلاه هو ما وجدناه مكتوباً في كتيبة قبَّة المقام، وقد صوَّرنا تلك الكتيبة بصور فوتغرافيَّة إثباتاً لقولنا وخدمةً للتأريخ، وسوف نورد تلك الصور في نهاية كتابنا هذا(100).
أقول: ذكر السيِّد جعفر بحر العلوم في كتابه تحفة العالم (ص 319) أنَّ تاريخ هذه العمارة هو سنة (1310هـ)، ونقل عنه ذلك الشيخ جعفر محبوبة في كتابه ماضي النجف وحاضرها (ج 1/ ص 95 و227)، وكذلك نزار الحسن في كتابه (جامع الزيارات)، وهذا القول تجده أيضاً في كتاب الأماكن المقدَّسة في العالم (ص 54)، فالصحيح ما ذكرناه من أنَّ تاريخ تلك العمارة كان سنة (1308هـ) لما قدَّمناه.
وكذلك وقع اشتباه آخر في تلك المصادر عن اسم المشيِّد لتلك العمارة، فقد ذُكِرَ باسم محمّد خان، والصحيح ما كُتِبَ في كتيبة القبَّة بأنَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(100) قد ظهرت أهمّيَّة هذه الصور الفوتغرافيَّة خصوصاً بعد تعرُّض المقام الشريف لعدَّة اعتداءات من جراء القصف أثناء فتنة النجف الأشرف.

(١٠٩)

المشيِّد هو محمود خان(101)، وعَلِمَ الله أنِّي كم عانيت في هذا الأمر لأسباب، منها صعوبة قراءة ما كُتِبَ في كتيبة القبَّة - والصورة الفوتغرافيَّة تُظهِر ذلك -، ولأنَّ ما ذُكِرَ في الكُتُب المذكورة آنفاً من اسم لمشيِّد هذه العمارة هو غير الاسم المدوَّن على القبَّة، فوجدت أنَّ حلَّ المعضلة هي السؤال من آل كمونة، باعتبار أنَّ جدَّهم هو الساعي لعمارة المقام - وأهل الدار أدرى بالذي فيه -، فأرشدوني متفضِّلين على أنَّ الباذل لهذه العمارة هو راجة محمود آباد وهو أحد سلاطين الهند، والساعي له جدُّهم السيِّد عليّ كمونة، وهذا القول يطابق ما هو مدوَّن في كتيبة القبَّة.
ب) في سنة (1352هـ):
زُيِّن محراب مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بالقاشي الأزرق في هذه السنة، وكُتِبَ تاريخ تزيينه على جدار المحراب.
5 - عمارة المقام في القرن الخامس عشر الهجري:
بالنظر للمنهج الذي انتهجه حزب البعث البائد في محاربة كلِّ ما ينتمي إلى مذهب الإماميَّة الاثني عشرية من أثر وغيره، لم تلقَ عمارة هذا المقام كغيرها من المشاهد المقدَّسة الأهمّيَّة البالغة في الإعمار، ولهذا السبب بقت العمارة السابقة إلى زماننا هذا بدون أيِّ تجديد لها(102)، وكلُّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(101) كما ذكر السيِّد جعفر بحر العلوم في كتابه (ص 319) بأنَّ المعمر هو أحد سلاطين السند، والأصحُّ هو أحد سلاطين الهند.
(102) ويدلُّ على قولنا هذا ما حصلت عليه من بعض الكُتُب الرسميَّة الصادرة من مديريَّة أوقاف النجف، والتي تنصُّ على أنَّ أحد الغيارى أراد بناء المقام وإعماره على نفقته الخاصَّة، وذلك لما له من أهمّيَّة، فاستمرَّت مراجعته لتلك الدائرة مدَّة عشرة أشهر دون أيِّ فائدة وموافقة من قِبَلهم تُذكر، وسوف نذكر تلك الكُتُب في آخر الكتاب.

(١١٠)

ما وجدته من اهتمام في إعمار هذا المقام خلال حكم هذا النظام البائد هو بمساعي متولِّي خدمة المقام ومن دون علم دائرة الأوقاف والشؤون الدِّينيَّة حينها، وكلُّ ما حصلت عليه من ذكر يتعلَّق بهذا الموضوع - أي من إعمار لهذا المقام من سنة (1400هـ) إلى سنة (1426هـ) هو كما يلي:
أ) تزويد المقام بالكهرباء.
ب) تغيير باب المقام الرئيسيَّة - وكانت من الخشب - بباب أُخرى حديديَّة، وتقديم مدخل المقام إلى الأمام بستَّة أمتار.
ج) بناء مظلَّة لباب بيت المقام يستظلُّ فيها الزائر من الشمس أثناء زيارته للمقام، كان ذلك في سنة (1412هـ).
د) إعمار بئر المقام الواقع في إحدى حُجر المقام من قِبَل شخص يُدعى عبد الأمير مهدي أسد الله.
هـ) بناء وتجديد مرافق صحّيَّة للزائرين.

* * *

(١١١)

العلماء ومدادهم المعروف من أنَّه خير من دماء الشهداء، وأقوالهم التي هي صائبة عند راميها لا تخيب، هي خير شاهد على تاريخ مقامنا هذا، فليس من المعقول أنَّ كوكبة من علماء النجف الأشرف لم يتشرَّفوا بذكر هذا المقام، بل الأرجح أنَّ من كتب فيه ضمناً ضاعت علينا أخبار كتابته إلَّا نزر قليل حصلنا عليه، فحاولت أنْ ألمَّ شتات الأقوال البهيَّة لمعرفة ما أوردوا من ذكر وإطراء لتاريخ المحلِّ الذي نحن بصدد البحث عنه، وما جمعته هو أربعة أقوال لأعاظم المؤرِّخين في هذا الفنِّ، وأنا ذاكرهم بعدُ حسب التسلسل التاريخي، وهم:
1 - الميرزا حسين النوري (ت 1320هـ):
أ) قال في كتابه (النجم الثاقب) المؤلَّف في سنة (1312هـ)، في (ج 2/ ص 139)، بعد إيراده الحكاية السابعة والعشرين من الكتاب ما نصُّه:
(وليس خفيًّا أنَّ من جملة الأماكن المختصَّة المعروفة بمقامه (عليه السلام)، مثل (وادي السلام) ومسجد السهلة، والحلَّة، وخارج قم، وغيرها.
والظاهر أنَّه تشرَّف في تلك المواضع بعضُ من رآه (عليه السلام) أو

(١١٥)

ظهرت هناك معجزة، ولهذا دخلت في الأماكن الشريفة المباركة، وأنَّ هناك محلَّ أُنس وهبوط الملائكة، وقلَّة الشياطين، وهي أحد الأسباب المقرِّبة لإجابة الدعاء وقبول العبادة.
وجاء في بعض الأخبار أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يُحِبُّ أنْ يُعبَد في الأماكن التي هي أمثال هذه الأماكن، مثل المساجد ومشاهد الأئمَّة (عليهم السلام) ومقابر أولاد الأئمَّة والصالحين والأبرار في أطراف البلاد، وهي من الألطاف العينيَّة الإلهية للعباد الضالِّين والمضطرِّين والمرضى والمستدينين والمظلومين والخائفين والمحتاجين ونظائرهم من أصحاب الهموم وموزِّعي القلوب ومشتِّتي الظاهر ومختلِّي الحواسِّ، فإنَّهم يلجئون (كذا) إلى هناك ويتضرَّعون ويتوسَّلون إلى الله (عزَّ وجلَّ) بصاحب ذلك المقام، ويطلبون علاج أوجاعهم وشفاءهم، ودفع شرِّ الأشرار، وكثيراً ما يُجابون فيعود الذي ذهب إلى هناك مريضاً مشافى، ويذهب المظلوم فيرجع بظلامته، ويذهب المضطرب فيرجع هادئ البال.
وبالطبع فكلُّ من يسعى أنْ يكون هناك أكثر أدباً واحتراماً فسوف يرى خيراً أكثر.
ويحتمل أنَّ جميع تلك المواضع داخلة في جملة بيوت الله تعالى التي أمر أنْ تُرفَع ويُذكَر فيها اسمُه (عزَّ وجلَّ)، ومدح من سبَّح الحقَّ تعالى بكرةً وأصيلاً، ولا يسع المقام تفصيلاً أكثر من هذا).
ب) وقال في كتابه (كشف الأستار) المؤلَّف في سنة (1317هـ) بعد إيراده كرامة حدثت في هذا المقام، في (ص 206) ما نصُّه:

(١١٦)

(هذا المقام واقع في خارج سور البلد في غربي المقبرة المعروفة بوادي السلام، وله صحن وقبَّة فيها محراب يُنسَب إلى المهدي (عليه السلام)... إلى أنَّه قديم.
وقد ذكر بعض علماء القرن الحادي عشر في جامعه الكبير قصَّة رجل كاشاني مريض قد آيس من مرضه فذهب إليه فرآه من غير أنْ يعرفه فشفاه، ويُعلَم منها أنَّه كان في ذلك الزمان معروفاً بالنسبة إليه).
أقول: أشار العلَّامة النوري هنا إلى الحكاية الأُولى التي أوردناها في كتابنا هذا نقلاً عن العلَّامة المجلسي والتي أوردها في كتابه (بحار الأنوار).
2 - العلامة السيِّد جعفر آل بحر العلوم:
قال في كتابه (تحفة العالم) المؤلَّف سنة (1342هـ) في (ج 1/ ص 256)، ما نصُّه:
أ) (وفيه - أي وادي السلام - موضع منبر القائم يُعبَّر عنه بمقام المهدي (عليه السلام)، يتبعه قبر هود وصالح كما هو صريح جملة من الأخبار، وهي مشاهد معروفة تزورها الناس).
ب) وقال في (ج 1/ ص 319)، ما نصُّه: (موضع منبر القائم، هو موضع في خارج النجف يُعرَف بمقام المهدي (عليه السلام)، وعليه قبَّة من الكاشي الأخضر، وقد عمره جدِّي بحر العلوم...).

(١١٧)

3 - العلامة الشيخ جعفر الشيخ باقر محبوبة (ت 1377هـ):
قال في كتابه (ماضي النجف وحاضرها)، المؤلَّف في سنة (1352هـ)، في (ص 95) منه، ما نصُّه:
(في الجانب الغربي من البلدة بنية تُعرَف الآن بمقام الإمام المهدي (عليه السلام)، وبهذه النسبة أصبحت مقدَّسة عند أغلب الناس، ويقصدها المجاورون والزائرون الذين يردون لزيارة الإمام عليٍّ (عليه السلام)، والذي نعلمه أنَّ في النجف موضع منبر القائم (عليه السلام)، كما ورد مأثوراً عن صادق أهل البيت (عليهم السلام) أنَّه حينما جاء زائراً مرقد جدِّه أمير المؤمنين (عليه السلام) نزل فصلَّى ركعتين ثمّ تنحَّى وصلَّى ركعتين، فسُئِلَ (عليه السلام) عن الأماكن الثلاثة التي صلَّى بها، فقال: «الأوَّل موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، والثاني موضع رأس الحسين (عليه السلام)(103)، والثالث موضع منبر القائم (عليه السلام)»، فهذا الحديث يزيدنا تبياناً بأنَّ لصاحب الأمر (عليه السلام) مقاماً في النجف).
وقال في هامش الصفحة ما نصُّه: (حدَّثني بعض الثقاة المتتبِّعين للآثار والأخبار أنَّه وجد في بعض الكُتُب المؤلَّفة في غيبة الإمام (عليه السلام)، أنَّ للحجَّة (عليه السلام) مقاماً في النعمانيَّة، وفي الحلَّة، وفي مسجد السهلة، وفي النجف).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(103) هذه إحدى روايات موضع دفن رأس الحسين (عليه السلام)، وهناك أحاديث كثيرة في موضع دفنه، ولكن الصحيح أنَّه دُفِنَ مع الجسد الطاهر.

(١١٨)

4 - السيِّد جواد شبَّر:
قال في كتابه (الضرائح والمزارات) في (ص 611) ما نصُّه:
(مقام المهدي يقع في مقبرة وادي السلام في النجف في الجانب الغربي من البلدة يؤمُّه الزائرون والوافدون، وكان أهالي النجف يخرجون إلى هذا المقام للابتهال والدعاء وكشف البلاء والاستجارة به، فقد حدَّثني الكثير من الثقاة من أهالي النجف أنَّه كلَّما حلَّ بالنجف غلاء أو قحط أو مرض أو عدوٌّ غاشم أو سلطان جائر تجمَّع أهالي البلد وخرجوا بموكب إلى هذا المقام، وتضرَّعوا إلى الله بحقِّ أوليائه ومحالِّ عبادة أصفيائه)(104).
5 - الشيخ محسن عبد الصاحب المظفَّر:
قال في كتابه (وادي السلام) ما نصُّه:
(هناك في مكان رحب ليس بالقصيِّ عن المدينة مقام القائم المنتظَر (عليه السلام) يأخذ مجالاً وسطاً من المقبرة حتَّى إنَّه كان ولا يزال داراً لطُلَّاب الراحة، أو مسجداً لمن داهمه وقت فريضة لله واجبة، ومنتدى لقُصَّاد وادي السلام، وفيه تعقد النسوة حلقات الحزن، حيث يَجِلْن لاطمات موتاهنَّ في فنائه الواسع.
وما بينه وبين الشارع الملتوي المارِّ خلال الوادي أو في نصفه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(104) الكتاب مخطوط، ومؤلِّفه اغتيل من قِبَل النظام البائد سنة (1402هـ)، ولم يُعرَف شيء عن مصيره إلى يومنا هذا.

(١١٩)

تقريباً مجال قصير من القبور، بينها طريق فرعي ملتو ضيِّق موصل بين المقام والشارع العامِّ.
والمقام تعلوه قبَّة زرقاء في جانبه الشرقي، ومقام القائم بالحقِّ يُدار ويُزار، وهو بعناية عائلة تفرَّغت لخدمته، وقد خُصِّص مكان فيه لخزن الماء كي يرتوي به كلُّ من ساغ له أنْ يشرب، فزائرو الوادي والعاملون فيه كثيراً ما يدفعهم العطش صوب المقام للارتواء من مائه العذب، وأحياناً للنوم والتفيُّؤ في ظلال بنائه الوارفة.
وفي الأعياد وليالي الجُمَع يكون المقام عامراً والمسالك المؤدّية إليه زاخرة بالناس الذين اعتادوا في مثل هذه الأيَّام زيارة القبور للترحُّم على أرواح المؤمنين ولطلب المغفرة لهم، وحين تجنح الشمس إلى المغيب يُنهي الناس ما أرادوا من زيارة وسلام، ليعودوا جميعاً زرافات ووحداناً إلى المدينة).

* * *

(١٢٠)

1 - موقع المقام:
يقع في الجانب الغربي من بلدة النجف الأشرف، وفي وادي السلام، وتتوسَّط عمارته القبور، ويبعد عن حرم أمير المؤمنين (عليه السلام) بنحو سبعمائة متر، وقبَّته ظاهرة للعيان للشاخص إليه من أوَّل الوادي - وادي السلام - الذي يقع في آخر شارع الشيخ الطوسي.
2 - وصف المقام:
يتكوَّن المقام من صحن ذي ساحة رحبة، وبيتيَّن فيهما مقامان: المقام الأوَّل هو مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، والمقام الثاني هو مقام الإمام الصادق (عليه السلام)، كما يحتوي المقام على أشياء أُخَر. ووصف عمارة المقام كالتالي:
أ) الباب الخارجيَّة:
للمقام باب واحدة حديديَّة حجمها كبير، وكانت قبل ذلك أصغر، تقع على جهة القبلة.
ب) مدخل المقام:
يقع بعد الباب الرئيسيَّة، وهو مرتفع بحيث لو أردت الدخول إلى صحن المقام فلا بدَّ أنْ تنزل حوالي ثلاث دكَّات، وطول المدخل نحو (7 متر).

(١٢٣)

ج) صحن المقام:
ذو ساحة رحبة، توجد على جهتها الشماليَّة ألواح لقبور موتى كُتِبَت عليها أسماؤهم وتاريخ وفياتهم، مبنيَّة على جدار الصحن الشمالي، وذكر لي الأخ (صلاح جياد) أنَّ هذه الألواح دخلت في الصحن حينما وُسِّع قديماً. وأمَّا في الجهة الغربيَّة للصحن فتوجد ساحة مسقَّفة مرتفعة عن الأرض قليلاً، يستريح فيها الزائرون للمقام، تتخلَّلها أعمدة، وقد فُرِشَت بالحصران والفُرُش. وعلى يسار الداخل للمقام توجد مرافق صحّيَّة، وتوجد في الصحن شجرة من السدر. وعلى يمين الداخل للمقام - وهي الجهة القبليَّة - توجد حجرة مرتفعة فيها بئر عميق فيه ماء، وعلى البئر وسيلة لرفع الماء من البئر - حبل ودلو - يأخذ منه الزائرون للتبرُّك، كما يُرمى في هذا البئر رُقاع الحوائج التي يكتبها الزائرون، والحال أنَّ البئر قد حُفِرَت قديماً لخدمة الزائرين للمقام، وقد جرى ذكر الماء في المقام في الحكاية التي رواها العلَّامة المجلسي (رحمه الله). ويوجد على جدران هذه الحجرة ألواح كُتِبَت فيها بعض الأدعية المتعلِّقة بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وبجوار هذه الحجرة حجرة أُخرى دُفِنَ فيها بعض الأموات، بجانبها الأيمن يوجد باب الصعود لسطح المقام.
د) بيت مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
يقع في الجهة الشرقيَّة لصحن المقام، وقبل دخولك إليه توجد

(١٢٤)

عدَّة زيارات وأدعية كُتِبَت على الجدران الخارجي لبابه الحديديَّة، وفي أثناء الدخول يُرى أنَّ المقام قد زُيِّن إلى منتصفه بالقاشي الأزرق. وللمقام محراب يقع على يسار الداخل إليه، وهو مزيَّن أيضاً، كُتِبَ في وسطه عبارة (يا صاحب الزمان) وتاريخه يرجع إلى سنة (1352هـ)، يظهر منه أنَّه تاريخ التزيين بالقاشي الأزرق. يعلو هذا المقام قبَّة شامخة لونها أزرق فاتح، قد أثَّر في لونها طول المدَّة وأشعَّة الشمس وكُتِبَ حولها سورة الانفطار، وهي ناقصة من آخرها عدَّة كلمات ثمّ كُتِبَ بعد هذه السورة تاريخ تشييد القبَّة واسم المشيِّد لها وكذلك الساعي لها، وكُتِبَت هذه الكتابة بخطِّ الثلث، لكن قراءته صعبة جدًّا بحيث إنِّي عرضته على الخطَّاطين فلم يقرأوا الكتابة كُلَّها، وسوف أذكر ما حاولنا قراءته أثناء صعودي للقبَّة في (12) ربيع الأوَّل من سنة (1425هـ):
ما كُتِبَ على جهة اليمين من الأعلى: (الباذل لهذا الخير أميره وبدَّله المَلِك السعيد).
وعلى جهة اليسار من الأعلى كُتِبَ: (لخير الأئمَّة قد تمَّ بنيان مقام صاحب الزمان على يد الراجي).
وعلى جهة اليمين من الأسفل كُتِبَ: (راجة... الخان حسن محمود آباد الهندي لا زال موفَّقاً).
وعلى جهة اليسار من الأسفل كُتِبَ: (من جدّه الأجر والمعونة السيِّد عليّ كمونة (1308هـ)).

(١٢٦)

هـ) مقام الإمام الصادق (عليه السلام):
للمقام هذا بابان: باب يُدخَل إليها من مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، والباب الثاني يقع على جهة القبلة من الخلف، ويطلُّ هذا الباب على صحن المقام، وهذا المقام ملاصق لمقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ومساحته أكبر منه، ومحرابه يقع على جهة اليسار، وهو مزيَّن بالقاشي الأزرق، وعليه لوحة كُتِبَ عليها: (مقام الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)).
هذا مجمل ما يتعلَّق بوصف المقام.

* * *

(١٢٦)

اهتمَّ الشيعة الإماميَّة بمشاهد العترة الطاهرة، فبقوا يحافظون على تلك المشاهد المنسوبة إليهم، بالعمارة بعد العمارة، وفي كلِّ مشهد من تلك المشاهد المعظَّمة وضعوا طائفة وظيفتها أنْ تهتمَّ بتنظيف تلك المشاهد والعناية بها، واحترام زائريها وتقديم الخدمات لهم، وسمُّوا تلك الطائفة بـ (السدنة)، ومن تلك المشاهد مقام الإمامين الصادق والحجَّة المنتظَر (عليهما السلام) في وادي السلام، فإنَّ هذا المقام لم يخلُ من تلك الطائفة، وأنا أُوردهم حسب ما حصلت عليه من ذكر تاريخي لهم:
1 - قال الشيخ جعفر بن الشيخ باقر محبوبة (ت 1377هـ) في كتابه (ماضي النجف وحاضرها) والمؤلَّف سنة (1353هـ) ما نصُّه: (ولمقام الحجَّة (عليه السلام) هذا خدم يتعاهدونه بالكنس والضياء، وله مخصَّصات من الأوقاف وتُصرَف في الضياء فقط، ويقال: إنَّه في القديم كان خدمته ينزلون حوله ولهم دور بإزائه، ولـمَّا كثرت الغارات على النجف من الوهَّابيِّين هجروا دورهم وأقاموا في البلدة، وهو اليوم بأيدي الطائفة النجفيَّة (آل أبو صيبع))(105).
2 - قال الشيخ حيدر المرجاني في كتابه (النجف بين الماضي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(105) ماضي النجف وحاضرها (ج 1/ ص 95).

(١٢٩)

والحاضر) ما نصُّه: (وأمَّا خدمته الآن هم من ذرّيَّة المرحوم عبد الله أبو دراغ، وهو من خيرة أبناء النجف)(106).
3 - في عصرنا الحالي: أدركت أنا في أوائل القرن الخامس عشر الهجري وما قبله متولِّي خدمة المقام الوجيه جياد محسن جواد الجنابي، واعتزل أخيراً لكبر سنِّه، وبحسب مشاهدتي له أثناء تردُّدي لزيارة المقام كان كثيراً ما يحثُّ على قدسيَّة المكان وصاحبه (عجَّل الله فرجه) ويحثُّ على نظافة المقام، ويُوصي أولاده بتعاهد خدمته، وأتذكَّر مرَّة أنِّي سألته عن كرامة رآها، فقصَّ لي بعض الكرامات التي لم أُدوِّنها، فما كان بالحسبان أنْ أُوفَّق وأكتب عن تأريخ هذا المقام، وأتذكَّر أنَّه قال لي ما مضمونه:
إنَّ بعض الزوَّار جلب حصيراً ليُفرَش في المقام هديَّةً، وبعد سؤالي عن سببها، قال الزائر: بعد ما ذهبت إلى أهلي (وكان من سكنة محافظات العراق) شاهدت في عالم الرؤيا الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وكان معاتباً لي بقوله (عجَّل الله فرجه): لماذا تزورون موتاكم قبل زيارة مقامي؟ فصار هذا الزائر يزور المقام ثمّ يزور قبور موتاه في وادي السلام.
وفي (23/10/1991م) عُيِّن ولده الوجيه صلاح جياد محسن الجنابي من قِبَل وزارة الأوقاف والشؤون الدِّينيَّة بمهمَّة الخدمة رسميًّا، وذلك حسب ما جاء بالكتاب المرقَّم (915)، وفي (22/12/2001م) عُيِّن رسميًّا ولده عليٌّ بوظيفة خادم في المقام، وذلك حسب ما جاء بالكتاب الصادر من وزارة الأوقاف المرقَّم (2006).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(106) النجف بين الماضي والحاضر.

(١٣٠)

وللأخ صلاح جياد الكثير من الفضل في رعاية المقام وتعاهد إعماره بالميسور وبالشكل الذي يليق بقدسيَّة المقام، وقد نقل لي عدَّة كرامات حصلت بالمقام الشريف، لكن لم أرَ ما يستدعي نقلها لعدم حصول تواترها عندي، وكما أخبرني بأنَّ عدَّة من العلماء المتأخِّرين زاروا المقام الشريف كأمثال السيِّدين جعفر وعزِّ الدِّين آل بحر العلوم.

* * *

(١٣١)

لم تخلُ جميع المشاهد السامية المنسوبة للعترة الطاهرة من الأُمور التعبُّديَّة لله (عزَّ وجلَّ)، ففي آداب إتيانها والدخول إليها والصلاة والدعاء فيها عبادة واضحة للعيان، قد اتَّخذها الشيعة الإماميَّة من طُرُقهم المتَّصلة بأهل بيت الوحي (عليهم السلام)، فدأبت الشيعة الإماميَّة في تعظيمها وإتيانها والعمل فيها بالمأثور، وقد نصَّت بعض الروايات المأثورة عنهم على صلاة الإمام الصادق (عليه السلام) في هذا المقام ركعتين كما ذكرنا، فلذا يُستحَبُّ عند إتيانه الصلاة به ركعتين تأسّياً بالإمام الصادق (عليه السلام)، وحتَّى لا يخلو كتابنا هذا من إيراد عدَّة أُمور، منها: إيراد بعض أقوال العلماء النافعة في تعظيم هذا المقام، ومنها: أيضاً ذكر زيارة للإمامين الصادق والمهدي (عليهما السلام) في هذا المقام الشريف المنسوب إليهما، نورد ما يلي:
1 - في أنَّ هذا المقام بيت من بيوت الله تعالى يجب تعظيمه:
قال المحدِّث النوري: (وليس خفيًّا أنَّ من جملة الأماكن المختصَّة المعروفة بمقامه (عليه السلام) مثل: وادي السلام، ومسجد السهلة، والحلَّة ومسجد جمكران في خارج قم وغيرها والظاهر أنَّه تشرَّف في تلك المواضع بعض من رآه (أرواحنا فداه) أو ظهرت هناك معجزة، ولهذا دخلت في الأماكن الشريفة المباركة وأنَّ هناك محلَّ أُنس وهبوط

(١٣٥)

الملائكة وقلَّة الشياطين وهي أحد الأسباب المقرِّبة لإجابة الدعاء وقبول العبادة.
وجاء في بعض الأخبار: أنَّ الله تعالى يحب أنْ يُعبَد في الأماكن التي هي أمثال هذه الأماكن مثل المساجد ومشاهد الأئمَّة (عليهم السلام) ومقابر أولاد الأئمَّة والصالحين والأبرار في أطراف البلاد وهي من الألطاف العينيَّة (الغيبيَّة خ. ل) الإلهيَّة للعباد الضالِّين والمضطرِّين والمرضى والمستدينين والمظلومين والخائفين والمحتاجين ونظائرهم من أصحاب الهموم وموزِّعي القلوب ومشتِّتي الظاهر ومختلِّي الحواسِّ فإنَّهم يلجأون إلى هناك ويتضرَّعون ويتوسَّلون إلى الله تعالى بصاحب ذلك المقام ويطلبون علاج أوجاعهم وشفاءهم ودفع شرِّ الأشرار وكثيراً ما يجابون فيعود الذي ذهب إلى هنا مريضاً معافى مشافى(107)، ويذهب المظلوم فيرجع بظلامته ويذهب المضطرب فيرجع هادئ البال وبالطبع فكلَّما يسعى أنْ يكون هناك أكثر أدباً واحتراماً فسوف يرى خيراً أكثر ويحتمل أنَّ جميع تلك المواضع داخلة في جملة بيوت الله تعالى التي أمر أنْ تُرفَع ويُذكَر فيها اسمه(108)، ومدح من سبَّح الحقَّ تعالى بكرةً وأصيلاً، ولا يسع المقام تفصيلاً أكثر من هذا)(109).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(107) في الأصل: (مشافى مشافياً).
(108) في الأصل: (اسم الله تعالى).
(109) النجم الثاقب (ج 2/ ص 139)، وقد أوردنا هذا القول سابقاً في الباب الذي يتعلَّق بأقوال العلماء.

(١٣٦)

2 - في زيارة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام):
روى الصدوق في كتاب (من لا يحضره الفقيه) أنَّه سُئِلَ الرضا (عليه السلام) عن إتيان أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: «صلُّوا في المساجد حوله، ويجزي في المواضع كلِّها» أي يجزي في زيارة كلٍّ من الأئمَّة أو في مطلق المزارات الشريفة المقدَّسة كمراقد الأنبياء وسائر الأوصياء (عليهم السلام) كما هو الظاهر أنْ تقول:
«السَّلَامُ عَلَى أَوْلِيَاءِ اللهِ وَأَصْفِيَائِهِ، السَّلَامُ عَلَى أُمَنَاءِ اللهِ وَأَحِبَّائِهِ، السَّلَامُ عَلَى أَنْصَارِ اللهِ وَخُلَفَائِهِ، السَّلَامُ عَلَى مَحالِّ مَعْرِفَةِ اللهِ، السَّلَامُ عَلَى مَسَاكِنِ ذِكْرِ اللهِ، السَّلَامُ عَلَى مُظْهِرِي أَمْرِ اللهِ وَنَهْيِهِ، السَّلَامُ عَلَى الدُّعَاةِ إِلَى اللهِ، السَّلَامُ عَلَى المُسْتَقرِّينَ فِي مَرْضاةِ اللهِ، السَّلَامُ عَلَى المُخلِصِينَ فِي طاعَةِ اللهِ، السَّلَامُ عَلَى الْأَدِلَّاءِ عَلَى اللهِ، السَّلَامُ عَلَى الَّذِينَ مَنْ وَالَاهُمْ فَقَدْ وَالَى اللهَ، وَمَنْ عَادَاهُمْ فَقَدْ عَادَى اللهَ، وَمَنْ عَرَفَهُمْ فَقَدْ عَرَفَ اللهَ، وَمَنْ جَهِلَهُمْ فَقَدْ جَهِلَ اللهَ، وَمَنِ اعتَصَمَ بِهِمْ فَقَدِ اعْتَصَمَ بِاللهِ، وَمَنْ تَخَلَّى مِنْهُمْ فَقَدْ تَخَلَّى مِنَ اللهِ (عزَّ وجلَّ)، وَأُشْهِدُ اللهَ أَنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمتُمْ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبْتُمْ، مُؤْمِنٌ بِسِرِّكُمْ وَعَلَانِيَتكُمْ، مُفَوِّضٌ فِي ذلِكَ كُلِّهِ إِلَيْكُمْ، لَعَنَ اللهُ عَدُوَّ آلِ مُحَمَّدٍ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَأَبْرَأُ إِلَى اللهِ مِنْهُمْ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ»(110).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(110) من لا يحضره الفقيه (ج 2/ ص 608).

(١٣٧)

3 - في استحباب زيارة مولانا صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في كلِّ زمان ومكان:
قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله): (اعلم أنَّه يُستحَبُّ زيارته (صلوات الله عليه) في كلِّ مكانٍ وزمانٍ وفي السرداب المقدَّس وعند قبور أجداده الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) أفضل وفي الأزمنة الشريفة لاسيّما ليلة ميلاده وهي النصف من شعبان على الأصحّ وليلة القدر التي تنزل عليه فيها الملائكة والروح أنسب)(111).
ويدلُّ على كلامه (رحمه الله) ما رواه سليمان بن عيسى عن أبيه، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف أزورك إذا لم أقدر على ذلك؟
قال: قال لي: «يا عيسى إذا لم تقدر على المجيء فإذا كان يوم الجمعة فاغتسل أو توضَّأ واصعد إلى سطحك وصلِّ ركعتين وتوجَّه نحوي فإنَّه من زارني في حياتي فقد زارني في مماتي ومن زارني في مماتي فقد زارني في حياتي».
وهذا الخبر يدلُّ على أنَّ زيارة الإمام الحيِّ أيضاً تجوز بهذا الوجه فهذا مستند لزيارة القائم (عجَّل الله فرجه) في أيِّ مكانٍ أراد(112).
وذكر الشيخ الجليل تقي الدِّين إبراهيم الكفعمي في كتابه (البلد الأمين) ما نصُّه: (يُستحَبُّ زيارة المهدي (عجَّل الله فرجه) في كلِّ مكانٍ وزمانٍ والدعاء بتعجيل فرجه (عليه السلام) عند زيارته)(113).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(111) بحار الأنوار (ج 102/ ص 119).
(112) بحار الأنوار (ج 101/ ص 366).
(113) البلد الأمين (ص 432).

(١٣٨)

4 - في تأكيد الدعاء بالفرج لإمامنا صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في هذا المقام:
قال الميرزا محمّد تقي الأصفهاني في كتابه (مكيال المكارم) عند ذكر الأمكنة التي يتأكَّد فيها الدعاء له (عجَّل الله فرجه): (ومنها المقامات المنسوبة إليه ومشاهده ومواقفه المباركة بيمن وقوفه (عليه السلام) فيها كمسجد الكوفة ومسجد السهلة ومسجد صعصعة ومسجد جمكران، وغيرها لأنَّ عادة أهل المودَّة جارية على أنَّهم إذا شهدوا موقفاً من مواقف محبوبهم تذكَّروا أخلاقه وتألَّموا لفراقه ودعوا في حقِّه بل يأنسون بمواقفه ومنزله حبًّا له كما قيل:

أمرُّ على الديار ديار ليلى * * * أُقبِّل ذا الجدار وذا الجدارا
فما حبّ الديار شغفن قلبي * * * ولكن حبّ من سكن الديارا

وقيل أيضاً في هذا المعنى:

ومن مذهبي حبّ الديار لأهلها * * * وللناس فيما يعشقون مذاهب

فينبغي للمؤمن المخلص إذا دخل السرداب المبارك أو شهد موقفاً من مواقفه الكريمة المشرَّفة أنْ يتذكَّر صفات مولاه من صفات الجمال والجلال والكمال، وما هو فيه من بغي أهل العناد والضلال ويتفجَّع غاية التفجُّع من تصوُّر تلك الأحوال ويسأل من القادر المتعال أنْ يُسهِّل فرج مولاه ويُعطيه ما يتمنَّاه من دفع الأعداء ونصر الأولياء. هذا مضافاً إلى أنَّ المقامات المذكورة مواقف عبادته ودعائه (عليه السلام)،

(١٣٩)

فينبغي للمؤمن المحبِّ التأسِّي به في ذلك فإنَّ الدعاء بتعجيل فرجه وكشف الكرب عن وجهه من أفضل العبادات وأهمّ الدعوات)(114).
5 - في علَّة اشتهار زيارته (عجَّل الله فرجه) في مقاماته في ليلة الأربعاء:
أقول: لم أجد رواية صريحة تنصُّ على استحباب زيارته (عليه السلام) في ليلة الأربعاء خاصَّة سوى قول السيِّد ابن طاوس في (مصباح الزائر) ما نصُّه: (إذا أردت أنْ تمضي إلى السهلة فاجعل ذلك بين المغرب والعشاء الآخرة من ليلة الأربعاء وهو أفضل من غيره)(115)، ولعلَّ اشتهار زيارة أوليائه من شيعته ومحبِّيه في تلك الليلة أصلها من هذا القول وذلك لمنزلة القائل به عندهم (حفظهم الله وأيَّدهم)، كما وأنَّه يُستحَبُّ زيارته (عجَّل الله فرجه) في يوم الجمعة، باعتبار أنَّ يوم الجمعة هو يومه المتوقَّع فيه ظهوره وباسمه، فلا بأس بأنْ يُزار الإمام به بما يُزار به يوم الجمعة، كما ويُزار المقام في غيره من الأيَّام فترى كثرة توافد الزائرين عليه وبالخصوص الوافدين إلى النجف الأشرف.
6 - في زيارة مطلقة للمهدي (عجَّل الله فرجه):
وهي ما رواها السيِّد ابن طاوس (أعلى الله مقامه): «السَّلَامُ عَلَى الْحَقِّ الْجَدِيدِ وَالْعالِمِ الَّذِي عِلْمُهُ لَا يَبِيدُ، السَّلَامُ عَلَى مُحْيِي المُؤْمِنِينَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(114) مكيال المكارم (ج 2/ ص 64)، بتصرُّف.
(115) مصباح الزائر (ص 54).

(١٤٠)

وَمُبِيرِ الْكَافِرِينَ، السَّلَامُ عَلَى مَهْدِيِّ الْأُمَمِ وَجَامِعِ الْكَلِمِ، السَّلَامُ عَلَى خَلَفِ السَّلَفِ وَصَاحِبِ الشَّرَفِ، السَّلَامُ عَلَى حُجَّةِ المَعْبُودِ وَكَلِمَةِ المَحْمُودِ، السَّلَامُ عَلَى مُعِزِّ الْأَوْلِيَاءِ وَمُذِلِّ الْأَعْدَاءِ، السَّلَامُ عَلَى وَارِثِ الْأَنْبِيَاءِ وَخَاتِمِ الْأَوْصِيَاءِ، السَّلَامُ عَلَى الْقَائِمِ المُنْتَظَرِ وَالْعَدْلِ المُشْتَهَرِ، السَّلَامُ عَلَى السَّيْفِ الشَّاهِرِ وَالْقَمَرِ الزَّاهِرِ وَالنُّورِ الْبَاهِرِ، السَّلَامُ عَلَى شَمْسِ الظَّلَامِ وَبَدْرِ التَّمَامِ، السَّلَامُ عَلَى رَبِيعِ الْأَنَامِ وَنَضْرَةِ الْأَيَّام، السَّلَامُ عَلَى صَاحِبِ الصَّمْصَامِ وَفَلَّاقِ الْهَامِ، السَّلَامُ عَلَى الدِّينِ المأَثُورِ وَالْكِتَابِ المَسْطُورِ، السَّلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ اللهِ فِي بِلَادِهِ وَحُجَّتِهِ عَلَى عِبَادِهِ، المُنْتَهَى إِليْهِ مَوَارِيثُ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَديْهِ مَوْجُودٌ آثَارُ الْأَصْفِيَاءِ، السَّلَامُ عَلَى المُؤْتَمَنِ عَلَى السِّرِّ وَالْوَلِيِّ لِلْأَمْرِ، السَّلَامُ عَلَى المَهْدِيِّ الَّذِي وَعَدَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) بِهِ الْأُمَمَ، أَنْ يَجْمَعَ بِهِ الْكَلِمَ، وَيَلُمَّ بِهِ الشَّعْثَ، وَيَمْلأَ بِهِ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً، وَيُمَكِّنَ لَهُ وَيُنْجِزَ بِهِ وَعْدَ المُؤْمِنِينَ، أَشْهَدُ يَا مَوْلَايَ أَنَّكَ وَالْأَئِمَّةَ مِنْ آبَائِكَ، أَئِمَّتِي وَمَوالِيَّ فِي الْحيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ، أَسْأَلُكَ يَا مَوْلَايَ أَنْ تَسْأَلَ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعالَى فِي صَلَاحِ شَأْنِي، وَقَضَاءِ حَوَائِجِي وَغُفْرَانِ ذُنُوبِي، وَالْأَخْذِ بِيَدِي فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَآخِرَتِي، لِي وَلِإِخْوَانِي وَأَخَوَاتِي المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ كَافَّةً، إِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(116).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(116) مفاتيح الجنان (ص 530)، نقلاً عن مصباح الزائر.

(١٤١)

دعوة ودعاء:
في عمق وادي السلام وبين القبور البالية ينتصب مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) يحكي البؤس والحرمان الذي عاناه من القصف والتدمير والإهمال على مرِّ العصور حتَّى تهرَّأت جدرانه وتساقطت أركانه وبدأت قبَّته عارية إلَّا من الطابوق القديم والآجر الأصفر، وما ذلك إلَّا لعدم التفات الخيِّرين من أهل هذه الطائفة الحقَّة إلى هذا الصرح الشامخ الذي تقدَّست أرضه بصلاة بعض الأئمَّة المعصومين وإمامنا الحجَّة (عجَّل الله فرجه). إنَّنا إذ ندعو ذوي البصائر وأهل الخير وحاملي الضمائر الغيورة على مقدَّساتنا وأماكن عبادتنا ندعوهم جميعاً من دوائر رسميَّة وجمعيَّات خيريَّة وأفراداً محسنين ليمدُّوا أياديهم الكريمة لإعمار مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) الذي طال عليه توالي الأيَّام والدهور ولم تمتدّ له يد الإعمار والبناء، ونقول لهم كلمة أخيرة: ماذا لو عجَّل الله لوليِّه الفرج ورأى مقامه بهذه الحالة المزرية؟ إنَّها دعوة صادقة ودعاء بالتوفيق لمن يحمل الغيرة على هذه الشعيرة المقدَّسة من شعائر الله، ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ (الحجّ: 32)، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(١٤٣)

وأنا أضع اللمسات الأخيرة على هذا المجهود المتواضع، وهو الثاني في مجهود التأليف بعد كتاب تاريخ مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة، أجدني ملزماً بإزجاء أسمى آيات الشكر والثناء لكلِّ من أخذ بعضدي وشجَّعني في هذه المهمَّة، وأخصُّ بالذكر السيِّد محمّد القبانچي ولجنة التأليف في المركز، وفَّق الله الجميع لما يُحِبُّ ويرضى.
وأخيراً تمَّ الكتاب بحمد الله ونعمته ومِنَنه عليَّ، فأرجو أنْ تغفر زلَّاتي في كتابة هذه السطور، فإنَّ كبوة الجواد معلومة، وعَلِمَ الله أنِّي جمعت هذا التاريخ حتَّى لا يضيع حقُّه في بطون الكُتُب، راجياً من ربِّي أنْ يعفو عن زللي، ومن إمامي (عجَّل الله فرجه) أنْ يقبل هذا القليل.
كتبه وأتمَّه بيده الداثرة أحمد بن عليّ بن مجيد العنزي الحلِّي النجفي في الرابع والعشرين من شهر ذي الحجَّة وهو يوم المباهلة من سنة (1426هـ).

* * *

(١٤٤)

m-mahdi.com
لم يتمّ صرف المبالغ المذكورة في إعمار المقام الشريف
لحدِّ الآن وهو سنة (1/ 5/ 2006م)

(١٤٧)

m-mahdi.com

(١٤٨)

m-mahdi.com
لم يتمّ إعطاء إجازة لهذا المحسن في زمن الطاغية صدَّام في
إعمار المقام الشريف على نفقته الخاصَّة

(١٤٩)

m-mahdi.com

(١٥٠)

m-mahdi.com
صورة باب الدخول للمقام الشريف قبل التخريب
m-mahdi.com
يظهر في الصورة قرب المقام من الصحن الحيدري الشريف

(١٥١)

m-mahdi.com
جانب خارجي من المقام قبل التخريب

(١٥٢)

m-mahdi.com
مقام الإمام الصادق (عليه السلام) في نفس العمارة

(١٥٣)

m-mahdi.com
صورة يظهر فيها مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) من الداخل

(١٥٤)

m-mahdi.com
توجد هذه الكتيبة على القبَّة الشريفة للمقام
m-mahdi.com
يظهر بالصورة اسم السيِّد عليّ كمونة وتاريخ سنة (1308هـ)

(١٥٥)

m-mahdi.com
صخرة في المقام يرجع تاريخها إلى (1200هـ)
m-mahdi.com
يظهر في الصورة قرب المقام من الصحن الحيدري الشريف

(١٥٦)

m-mahdi.com
آخر صورة للمقام الشريف بعد عمليَّات القصف والتخريب
أثناء فترة فتنة النجف سنة (1425هـ)

(١٥٧)

خريطة مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في وادي السلام
m-mahdi.com

1 - باب.
2 - مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
3 - مقام الإمام الصادق (عليه السلام).
4 - دار الاستراحة.
5 - مغاسل للوضوء.
6 - غرفة فيها بئر.
7 - مقبرة خاصَّة.
8 - طريق الصعود إلى سطح المقام.
9 - مقبرة السيِّد صالح الحلِّي.
10 - القبَّة.
11 - محراب مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
12 - محراب مقام الإمام الصادق (عليه السلام).
13 - المدخل إلى المقامين.
14 - صحن المقام.
15 - بئر.

* * *

(١٥٨)

المصادر والمراجع

1 - القرآن الكريم.
2 - الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية: فرج الله آل عمران/ 1382هـ/ النجف.
3 - الأماكن المقدَّسة في العالم: هيأة محمّد الأمين/ 1422هـ/ الأمين/ قم.
4 - إرشاد القلوب: الحسن بن أبي الحسن الديلمي/ 1424هـ/ الأُسوة/ قم.
5 - أضواء على تأريخ النجف: الشيخ كاظم الحلفي/ النجف الأشرف.
6 - أعيان الشيعة: محسن الأمين العاملي/ 1420هـ/ التعارف/ بيروت.
7 - بحار الأنوار: العلَّامة المجلسي/ 1385هـ/ حيدري/ طهران.
8 - البلد الأمين: الشيخ إبراهيم الكفعمي/ البلاغ/ بيروت.
9 - تاريخ الكوفة: حسين البراقي/ 1424هـ/ المكتبة الحيدريَّة/ قم المقدَّسة.

(١٥٩)

10 - تتمَّة المنتهى في تاريخ الخلفاء: عبَّاس القمِّي/ 1425هـ/ المحبِّين/ قم.
11 - تحفة العالم في شرح خطبة المعالم: جعفر آل بحر العلوم/ طهران.
12 - تهذيب الأحكام: الشيخ الطوسي/ 1365ش/ دار الكُتُب الإسلاميَّة.
13 - جامع الزيارات: نزار الحسن/ 1422هـ/ هيأة محمّد الأمين.
14 - جنَّة المأوى: الشيخ حسين النوري/ المطبوع مع البحار ج 53/ حيدري.
15 - حياة العلَّامة السيِّد محمّد مهدي بحر العلوم: ياسين الموسوي/ بيروت.
16 - خطباء المنبر الحسيني: حيدر سعيد المرجاني/ 1386هـ/ القضاء/ النجف.
17 - دلائل الإمامة: محمّد بن جرير الطبري/ قسم الدراسات الإسلاميَّة.
18 - ديوان السيِّد نصر الله الحائري: جمع حسين النقوي/ الغري/ النجف، والنسخة المخطوطة.
19 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة: آقا بزرك الطهراني/ 1403هـ/ بيروت.

(١٦٠)

20 - رجال النجاشي: أحمد بن عليٍّ النجاشي/ مؤسَّسة النشر الإسلامي/ قم.
21 - زيارة عاشوراء وآثارها العجيبة: عليٌّ الأبطحي/ 1414هـ/ أمير/ قم.
22 - سفينة البحار: عبَّاس القمِّي/ 1355هـ/ العلميَّة/ النجف الأشرف.
23 - شعراء الحلَّة: عليٌّ الخاقاني/ 1373هـ/ الحيدريَّة/ النجف الأشرف.
24 - شعراء الغريِّ: عليُّ الخاقاني/ 1372هـ/ الحيدريَّة/ النجف الأشرف.
25 - الصحيفة المهديَّة: محمّد باقر الأبطحي/ 1421هـ/ دار الثقلين/ قم.
26 - الضرائح والمزارات: السيِّد جواد شبَّر/ مخطوط.
27 - العدد القويَّة: عليُّ بن يوسف المطهَّر/ 1408هـ/ المرعشي/ قم المقدَّسة.
28 - عنوان الشرف في وشي النجف: محمّد السماوي/ 1360هـ/ النجف.
29 - الغيبة: الشيخ الطوسي/ 1417هـ/ مؤسَّسة المعارف الإسلاميَّة/ قم.

(١٦١)

30 - فرحة الغريِّ: عبد الكريم ابن طاوس/ 1419هـ/ مركز الغدير/ قم.
31 - الفهرست: الشيخ الطوسي/ 1422هـ/ باقري/ قم المقدَّسة.
32 - القَصص العجيبة: عبد الحسين دستغيب/ 1424هـ/ دار الكتاب/ قم.
33 - الكافي: محمّد بن يعقوب الكليني/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.
34 - كامل الزيارات: جعفر ابن قولويه/ 1417هـ/ نشر الفقاهة/ قم المقدَّسة.
35 - الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة: آقا بزرك الطهراني/ 1404هـ/ المرتضى/ مشهد.
36 - كشف الأستار: الشيخ حسين النوري/ 1400هـ/ نينوى/ طهران.
37 - لبُّ اللباب: محمّد صالح السهروردي/ 1933م/ المعارف/ بغداد.
38 - لسان العرب: ابن منظور/ 1405هـ/ إحياء التراث العربي/ قم المقدَّسة.
39 - اللقاء مع صاحب الزمان: حسن الأبطحي/ 1411هـ/ البلاغ/ بيروت.

(١٦٢)

40 - ماضي النجف وحاضرها: جعفر بن باقر محبوبة/ 1406هـ/ بيروت.
41 - مراقد المعارف: محمّد حرز الدِّين/ 1391هـ/ الآداب/ النجف الأشرف.
42 - المزار: محمّد مهدي القزويني/ 1426هـ/ الرافدين/ بيروت.
43 - المزار الكبير: محمّد بن المشهدي/ 1419هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي/ قم.
44 - مساجد الكوفة: كامل سلمان الجبوري/ 1397هـ/ النعمان/ النجف.
45 - المسلسلات في الإجازات: محمود المرعشي/ 1416هـ/ المرعشي/ قم.
46 - مصباح الزائر: عليُّ ابن طاوس/ 1416هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام)/ قم.
47 - معارف الرجال: محمّد حرز الدِّين/ 1385هـ/ الآداب/ النجف.
48 - معجم رجال الحديث: أبو القاسم الخوئي/ 1413هـ/ الثقافة الإسلاميَّة.
49 - معجم رجال الفكر: الشيخ محمّد هادي الأميني/ 1413هـ.

(١٦٣)

50 - معراج الأحبَّة: السيِّد عبَّاس الكاشاني/ النجف الأشرف.
51 - مفاتيح الجنان: الشيخ عبَّاس القمِّي/ 1422هـ/ التعارف/ بيروت.
52 - مقاصد الزائرين: السيِّد محمود الغريفي/ 1425هـ/ ثامن الحُجَج.
53 - مكيال المكارم: محمّد تقي الموسوي/ 1422هـ/ مؤسَّسة المهدي (عليه السلام).
54 - من لايحضره الفقيه: الصدوق/ 1404هـ/ جماعة المدرِّسين/ قم.
55 - منهج الرشاد لمن أراد السداد: جعفر آل كاشف الغطاء/ النجف.
56 - من هو المهدي (عليه السلام): أبو طالب التجليل التبريزي/ 1417هـ/ مؤسَّسة الدراسات الإسلاميَّة/ قم.
57 - موسوعة النجف الأشرف: جمع جعفر الدجيلي/ 1413هـ/ بيروت.
58 - النجف بين الماضي والحاضر: حيدر سعيد المرجاني/ 1415هـ/ النجف.
59 - النجف الأشرف ومقتل الكابتن مارشال: كامل سلمان الجبوري.

(١٦٤)

60 - النجم الثاقب: حسين النوري/ 1415هـ/ أنوار الهدى/ قم.
61 - نقباء البشر في القرن الرابع عشر: آقا بزرك الطهراني/ 1404هـ/ مشهد.
62 - وادي السلام: محسن المظفَّر/ 1413هـ/ دار الأضواء/ بيروت.
63 - وسائل الشيعة: الحرُّ العاملي/ 1414هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام)/ قم.

* * *

(١٦٥)