كتاب تجريبي

شرح زيارة آل ياسين

الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
تقديم وتحقيق: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)

رقم الإصدار: 265

الطبعة الأولى 1443هـ

الفهرس

مقدَّمة المركز..................3
الإهداء..................5
مقدَّمة المؤلِّف..................7
تمهيد..................9
الزيارةُ معلَمٌ إسلامي..................11
1 - المعاني اللغويَّة للزيارة..................12
2 - الزيارة من مفاتيح ساحة القدس الإلهي..................12
3 - الزيارة عقيدة إلهيَّة..................13
4 - الأحاديثُ تُبيِّن أهمّيَّة الزيارة..................13
5 - الدعاء للزيارة..................16
6 - ضرورة الزيارة ورجحانها..................19
7 - آداب الزيارة..................22
1 - الولاء والاعتقاد..................22
2 - الاغتسال..................24
3 - إشعار الأهل والأحبَّة بالقصد وأهمّيَّته..................25
4 - عدَّاد الحسنات..................26
5 - مراتب التقديس والإعظام..................26
8 - الأيَّام والأماكن المقدَّسة..................27
9 - المتلهِّفون ناجون..................30
10 - الإمام (عجّل الله فرجه) يحثُّنا على الزيارة ويُعلِّمنا كيفيَّتها..................32
النموذج الأوَّل: ما زار به (عجّل الله فرجه) آباءه الطاهرين (عليهم السلام)..................33
النموذج الثاني: ما صدر منه (عجّل الله فرجه) كزيارةٍ لآبائه الطاهرين أو له (عليهم السلام)..................34
أوَّلاً: ما ورد منه (عجّل الله فرجه) من نصوص لزيارة آبائه الطاهرين (عليهم السلام)..................34
ثانياً: ما نُقِلَ إلينا من تواقيع شريفة تضمَّنت زيارات له (عجّل الله فرجه) أمر شيعته أنْ يُزار بها..................35
11 - زيارة الإمام (عليه السلام) صلة رحمٍ برسول الله (عليهم السلام)..................36
12 - سند الزيارة..................38
13 - موقعيَّة زيارة آل ياسين بين زيارات الإمام (عجّل الله فرجه)..................40
14 - «بسم الله الرحمن الرحيم»..................41
الروايات الشريفة..................43
15 - «لاَ لأمْرِهِ تَعْقِلُونَ»..................44
الإشارة إلى أهمّيَّة التعقُّل..................44
مناسبات الحكم والموضوع..................46
الأوَّل..................46
الثاني..................47
الثالث: إلى من يهمُّه الأمر..................49
16 - «وَلاَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ تَقْبَلُونَ»..................50
الوسائط الإلهيَّة شرط القبول..................51
الوسائط الإلهيَّة منهج إلهي..................52
عدم قبول الحقِّ والسير عليه..................54
17 - «حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ»..................56
1 - حال الناس في الهداية..................57
2 - هل الإنسان مجبور على عدم الإيمان؟..................59
3 - فما تُغْنِ النُذُرُ..................60
النذير والهادي في الروايات الشريفة..................60
18 - «السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ إِذَا أَرَدْتُم التَّوَجُّه بِنَا إِلَى اللهِ وَإِلَيْنَا فَقُولُوا كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى»..................61
النقطة الثانية: في القرآن الكريم..................62
النقطة الثالثة: في الروايات الشريفة..................63
النقطة الرابعة: أقوال العلماء..................64
فقرة: «وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ»..................64
فقرة: «إِذَا أَرَدْتُم التَّوَجُّه بِنَا إِلَى اللهِ وَإِلَيْنَا فَقُولُوا كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى»..................64
في اللغة..................65
الروايات في التوجُّه..................65
شرح الزيارة على شكل فقرات..................69
الفقرة الأُولى: «سَلَامٌ عَلى آلِ يَاسَينَ»..................71
النقطة الأُولى: (آل ياسين) في اللغة..................71
النقطة الثانية: (آل ياسين) في القرآن الكريم..................71
النقطة الثالثة: (آل ياسين) في الروايات الشريفة..................73
النقطة الرابعة: مقامات السلام..................74
معنى الصلاة والسلام عليهم (عليهم السلام)..................76
الفقرة الثانية: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا دَاعِيَ اللهِ وَرَبَّانِيَ آيَاتِهِ»..................79
النقطة الأُولى: الداعي..................79
أ - الداعي في اللغة..................79
ب - الداعي في القرآن الكريم..................79
ج - الداعي في الروايات الشريفة..................79
د - تنبيهات..................80
النقطة الثانية: الربَّاني..................82
أ - الربَّاني في اللغة..................82
ب - الربَّاني في القرآن الكريم..................82
ج - تفسير الربَّانيِّين:..................83
الفقرة الثالثة: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بَابَ اللهِ وَدَيَّانَ دِينِهِ»..................87
النقطة الأُولى: (الباب والديَّان) في اللغة:..................87
النقطة الثانية: (الباب والديَّان) في الروايات الشريفة..................88
أ - ممَّا ورد أنَّهم باب الله تعالى..................88
ب - ممَّا ورد في الديَّان..................89
النقطة الثالثة: المستفاد من الفقرة..................90
الفقرة الرابعة: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَلِيفَةَ الله وَنَاصِرَ حَقِّهِ»..................95
تقديم..................95
النقطة الأُولى: (الخليفة والناصر) في اللغة..................95
النقطة الثانية: (الخليفة والناصر) في القرآن الكريم..................96
النقطة الثالثة: (الخليفة والناصر) في الروايات الشريفة..................96
النقطة الرابعة: أقوال العلماء في (الخليفة والناصر)..................98
النقطة الخامسة: نصرة حقِّ الله تعالى «نَاصِرَ حَقِّهِ»..................100
الفقرة الخامسة: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ الله وَدَلِيلَ إِرَادَتِهِ»..................105
النقطة الأُولى: (الحجَّة والدليل) في اللغة..................105
النقطة الثانية: (الحجَّة والدليل) في القرآن الكريم..................107
النقطة الثالثة: (الحجَّة والدليل) في الروايات الشريفة..................107
أ - فيما ورد في (الحجَّة)..................107
ب - فيما ورد في (الدليل)..................108
ج - فيما ورد في (الإرادة)..................109
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة..................109
الفقرة السادسة: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا تَالِيَ كِتَابِ اللهِ وَتَرْجُمَانَهُ»..................113
النقطة الأُولى: (تالي كتاب الله وترجمانه) في اللغة..................113
النقطة الثانية: (تالي كتاب الله وترجمانه) في القرآن الكريم..................114
النقطة الثالثة: (تالي كتاب الله وترجمانه) في الروايات الشريفة..................114
أ - فيما يرتبط بـ «تَالِيَ كِتَابِ اللهِ»..................114
ب - أمَّا (الترجمان)..................115
النقطة الرابعة: أقوال العلماء في (تالي كتاب الله وترجمانه)..................116
النقطة الخامسة: المستفاد من الفقرة..................117
الفقرة السابعة: «السَّلَامُ عَلَيْكَ فِي آنَاءِ لَيْلِكَ وَأَطْرَافِ نَهَارِكَ»..................121
النقطة الأُولى: (آناء الليل وأطراف النهار) في اللغة..................121
النقطة الثانية: (آناء الليل وأطراف النهار) في القرآن الكريم..................121
النقطة الثالثة: (آناء الليل وأطراف النهار) في الروايات الشريفة..................122
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة..................123
الفقرة الثامنة: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بَقِيَّةَ الله فِي أَرْضِهِ»..................127
النقطة الأُولى: معنى (البقيَّة) في اللغة..................127
النقطة الثانية: (البقيَّة) في القرآن الكريم..................127
النقطة الثالثة: (البقيَّة) في الروايات الشريفة..................128
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة..................130
الفقرة التاسعة: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مِيثَاقَ الله الَّذِي أَخَذَهُ وَوَكَّدَهُ»..................133
النقطة الأُولى: معنى (الميثاق) في اللغة..................133
النقطة الثانية: (الميثاق) في القرآن الكريم..................134
النقطة الثالثة: (الميثاق) في الروايات الشريفة..................134
النقطة الرابعة: أقوال العلماء في (الميثاق)..................135
النقطة الخامسة: المستفاد من الفقرة..................138
الفقرة العاشرة: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَعْدَ الله الَّذِي ضَمِنَهُ»..................139
النقطة الأُولى: معنى (وعد الله) في اللغة..................139
النقطة الثانية: (الوعد) في القرآن الكريم..................139
النقطة الثالثة: (الوعد) في الروايات الشريفة..................140
النقطة الرابعة: أقوال العلماء في (وعد الله تعالى)..................142
النقطة الخامسة: المستفاد من الفقرة..................143
الفقرة الحادية عشر: «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا العَلَمُ المَنْصُوبُ...»..................147
النقطة الأُولى: (العَلَم والعِلْم والغوث والرحمة) في اللغة..................147
النقطة الثانية: (العَلَم والعِلْم والغوث والرحمة) في القرآن الكريم..................148
النقطة الثالثة: (العَلَم والعِلْم والغوث والرحمة) في الروايات الشريفة..................149
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة..................149
الفقرة الثانية عشر: «السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقُومُ...»..................155
النقطة الأُولى: (القيام والقعود والقراءة والتبيُّن) في اللغة..................155
النقطة الثانية: (القيام والقعود والقراءة والتبيُّن) في القرآن الكريم..................156
النقطة الثالثة: (القيام والقعود والقراءة والتبيُّن) في الروايات الشريفة..................156
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة..................157
الفقرة الثالثة عشر: «السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تُصَلِّيَ وَتَقْنُتُ...»..................159
النقطة الأُولى: (الصلاة والركوع والسجود) في اللغة..................159
النقطة الثانية: (الصلاة والركوع والسجود) في القرآن الكريم..................160
النقطة الثالثة: (الصلاة والركوع والسجود) في الروايات الشريفة..................161
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة..................162
حالات الإمام (عليه السلام) في العبادة..................162
الرسالة العمليَّة في التأسِّي..................164
الفقرة الرابعة عشر: «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْإمَام المَأْمُونُ...»..................167
النقطة الأُولى: (المأمون والمأمول) في اللغة..................167
النقطة الثانية: (المأمون والمأمول) في القرآن الكريم..................168
النقطة الثالثة: (المأمون والمأمول) في الروايات الشريفة..................168
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة..................169
الفقرة الخامسة عشر: «أُشْهِدُكَ يَا مَوْلَايَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا الله...»..................173
النقطة الأُولى: (التشهُّد) في اللغة..................173
النقطة الثانية: (التشهُّد) في القرآن الكريم..................173
النقطة الثالثة: (التشهُّد) في الروايات الشريفة..................174
النقطة الرابعة: أقوال العلماء في حبِّ أهل البيت (عليهم السلام)..................176
النقطة الخامسة: المستفاد من الفقرة..................176
الشهادة أُسُّ الإسلام..................176
سُلَّم الإيمان..................177
توقُّف الإقرار على الشاهد..................177
الفقرة السادسة عشر: «وَأُشْهِدُكَ يَا مَوْلَايَ أَنَّ عَلِيًّا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ حُجَّتُهُ...»..................179
ملاحظة..................179
النصُّ على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)..................179
النصُّ على إمامة الإمام الحسن (عليه السلام)..................180
النصُّ على إمامة الإمام الحسين (عليه السلام)..................180
النصُّ على إمامة الإمام علي السجَّاد (عليه السلام)..................181
النصُّ على إمامة الإمام محمَّد الباقر (عليه السلام)..................181
النصُّ على إمامة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)..................181
النصُّ على إمامة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)..................182
النصُّ على إمامة الإمام علي الرضا (عليه السلام)..................182
النصُّ على إمامة الإمام محمَّد الجواد (عليه السلام)..................183
النصُّ على إمامة الإمام علي الهادي (عليه السلام)..................183
النصُّ على إمامة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)..................183
النصُّ على إمامة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)..................184
المستفاد من الفقرة..................184
الفقرة السابعة عشر: «أَنْتُمْ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ»..................187
النقطة الأُولى: (الأوَّل والآخر) في اللغة..................187
النقطة الثانية: (الأوَّل والآخر) في القرآن الكريم..................187
النقطة الثالثة: (الأوَّل والآخر) في الروايات الشريفة..................188
طريقة نزول الأمر على الأئمَّة (عليهم السلام)..................190
فوائد ومتممِّات..................191
حقيقة التفويض..................192
التفويض في أمر الدِّين وغيره..................193
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة..................193
الفقرة الثامنة عشر: «وَأَنَّ رَجْعَتَكُمْ حَقُّ لَا رَيْبَ فِيهَا يَوْمَ...»..................195
النقطة الأُولى: (الرجعة) في اللغة..................195
النقطة الثانية: (الرجعة) في القرآن الكريم..................196
النقطة الثالثة: (الرجعة) في الروايات الشريفة..................196
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة..................197
الرجعة من عالم الدنيا..................198
من هم الذين يرجعون؟..................200
متى تبدأ الرجعة؟ وهل يرجع جميع الأئمَّة (عليهم السلام)؟..................201
التكليف في الرجعة..................204
رجعة جميع الأئمَّة (عليهم السلام)..................205
هل للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) رجعة أم أنَّ ظهوره هو رجعة؟..................205
النتائج المستخلصة..................206
الفقرة التاسعة عشر: «وَأَنَّ المَوْتَ حَقٌّ»..................207
النقطة الأُولى: (الموت) في اللغة..................207
النقطة الثانية: (الموت) في القرآن الكريم..................207
النقطة الثالثة: (الموت) في الروايات الشريفة..................207
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة..................208
متى يبدأ الموت؟..................209
حقيقة الموت..................209
الفقرة العشرون: «وَأَنَّ نَاكِراً وَنَكِيراً حَقٌّ»..................211
النقطة الأُولى: (منكر ونكير) في اللغة..................211
النقطة الثانية: (منكر ونكير) في القرآن الكريم..................211
النقطة الثالثة: (منكر ونكير) في الروايات الشريفة..................211
النقطة الرابعة: أقوال العلماء في (منكر ونكير)..................215
النقطة الخامسة: المستفاد من الفقرة..................216
القول الأوَّل..................216
القول الثاني..................217
الفقرة الحادية والعشرون: «وَأَشْهَدُ أَنَّ النَّشْرَ حَقٌّ، وَالبَعْثَ حَقٌّ»..................219
النقطة الأولى: (النشر والبعث) في اللغة..................219
النقطة الثانية: (النشر والبعث) في القرآن الكريم..................219
النقطة الثالثة: (النشر والبعث) في الروايات الشريفة..................220
النقطة الرابعة: أقوال العلماء في (النشر والبعث)..................221
النقطة الخامسة: المستفاد من الفقرة..................222
أدلَّة الاعتقاد بالمعاد..................222
حقيقة الإنسان بروحه..................223
حقيقة الحشر والمعاد..................224
المعاد الجسماني والروحاني..................224
شمول الحشر للجميع..................224
الفقرة الثانية والعشرون: «وَأَنَّ الصِّرَاطَ حَقٌّ، وَالمِرْصَادَ حَقٌّ...»..................227
النقطة الأُولى: (الصراط والمرصاد و...) في اللغة..................227
النقطة الثانية: (الصراط والمرصاد و...) في القرآن الكريم..................228
النقطة الثالثة: (الصراط والمرصاد و...) في الروايات الشريفة..................228
النقطة الرابعة: أقوال العلماء في (الصراط والمرصاد و...)..................231
النقطة الخامسة: المستفاد من الفقرة..................235
متى يبدأ نفخ الصور؟..................235
ما هي حقيقة النفخ؟..................235
كيف توزن الأعمال؟..................235
ما هي حقيقة الذنوب؟..................236
كيف يحمل الإنسان كتابه؟..................236
اللقاء بالإمام على الصراط..................237
حقيقة الصراط..................237
الفقرة الثالثة والعشرون: «وَالجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ...»..................239
النقطة الأُولى: (الجنَّة والنار) في اللغة..................239
النقطة الثانية: (الجنَّة والنار) في القرآن الكريم..................240
النقطة الثالثة: (الجنَّة والنار) في الروايات الشريفة..................240
النقطة الرابعة: أقوال العلماء في (الجنَّة والنار)..................241
النقطة الخامسة: المستفاد من الفقرة..................243
مكان الجنَّة والنار..................244
الجنَّة والنار تجلّيات اللطف الإلهي..................245
الفقرة الرابعة والعشرون: «يَا مَوْلَايَ شَقِيَ مَنْ خَالَفَكَ...»..................247
النقطة الأُولى: (الشقي والسعيد) في اللغة..................247
النقطة الثانية: (الشقي والسعيد) في القرآن الكريم..................248
النقطة الثالثة: (الشقي والسعيد) في الروايات الشريفة..................248
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة..................249
الفقرة الخامسة والعشرون: «فَاشْهَدْ عَلَى مَا أَشْهَدْتُكَ عَلَيْهِ...»..................253
النقطة الأُولى: (التولِّي والتبرِّي) في اللغة..................253
النقطة الثانية: (التولِّي والتبرِّي) في القرآن الكريم..................253
النقطة الثالثة: (التولِّي والتبرِّي) في الروايات الشريفة..................254
النقطة الرابعة: أقوال العلماء في (التولِّي والتبرِّي)..................255
النقطة الخامسة: المستفاد من الفقرة..................256
الفقرة السادسة والعشرون: «فَالحَقُّ مَا رَضَيْتُمُوهُ...»..................259
النقطة الأُولى: (الحقُّ والرضا والسخط و...) في اللغة..................259
النقطة الثانية: (الحقُّ والرضا والسخط و...) في القرآن الكريم..................260
النقطة الثالثة: (الحقُّ والرضا والسخط و...) في الروايات الشريفة..................260
النقطة الرابعة: أقوال العلماء في (الحقّ والرضا والسخط و...)..................262
النقطة الخامسة: المستفاد من الفقرة..................263
الفقرة السابعة والعشرون والأخيرة: «وَنُصْرَتِي مُعَدَّةٌ لَكُمْ، وَمَوَدَّتِي خَالِصَةٌ لَكُمْ، آمِينَ آمِينَ»..................265
النقطة الأُولى: (النصرة والمودَّة) في اللغة..................265
النقطة الثانية: (النصرة والمودَّة) في القرآن الكريم..................266
النقطة الثالثة: (النصرة والمودَّة) في الروايات الشريفة..................266
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة..................267
المصادر والمراجع..................271

مقدَّمة المركز

إنَّ من أهمّ مميِّزات القضيَّة المهدويَّة هي كثرة المصادر والمشارب التي يمكن أنْ يستقي منها الباحث معلوماته في بحثه المهدوي، فهناك الأحاديث الكثيرة، والتي قد تربو على (1941) حديثاً(1).
وهناك أدعية يمكن للباحث أنْ يلتقط منها الكثير من المفاهيم المهدويَّة ذات الصلة بالمعرفة أو العمل والسلوك الخارجي، ويأتي في مقدَّمتها دعاء زمن الغيبة الذي علَّمه الإمام الصادق (عليه السلام) لزرارة، إذ جاء في الرواية عن زرارة، قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِلْغُلَامِ غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ»، قَالَ: قُلْتُ: وَلِـمَ؟ قَالَ: «يَخَافُ - وَأَوْمَأَ بِيَدِه إِلَى بَطْنِه -»، ثُمَّ قَالَ: «يَا زُرَارَةُ، وَهُوَ اَلمُنْتَظَرُ، وَهُوَ اَلَّذِي يُشَكُّ فِي وِلَادَتِه، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَاتَ أَبُوه بِلَا خَلَفٍ، ومِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: حَمْلٌ، ومِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّه وُلِدَ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيه بِسَنَتَيْنِ، وهُوَ اَلمُنْتَظَرُ، غَيْرَ أَنَّ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) يُحِبُّ أَنْ يَمْتَحِنَ اَلشِّيعَةَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَرْتَابُ اَلمُبْطِلُونَ يَا زُرَارَةُ»، قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ اَلزَّمَانَ أَيَّ شَيْءٍ أَعْمَلُ؟ قَالَ: «يَا زُرَارَةُ، إِذَا أَدْرَكْتَ هَذَا اَلزَّمَانَ فَادْعُ بِهَذَا اَلدُّعَاءِ: اَللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ نَبِيَّكَ، اَللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ، اَللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي...»(2).
ومنها أيضاً الزيارات العديدة التي جاءت بحقِّ مولانا صاحب العصر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) معجم أحاديث الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)/ تأليف ونشر: مؤسَّسة المعارف الإسلاميَّة/ ط 1/ 1411هـ/ المطبعة: بهمن/ قم.
(2) الكافي (ج 1/ ص 337/ باب في الغيبة/ ح 5).

(٣)

والزمان (عجّل الله فرجه)، والتي تضمَّنت أيضاً الكثير من المعارف التي تحتاج إلى جهود كثيرة لشرحها وبيانها وتصنيفها وتبويبها، ويأتي في مقدَّمة تلك الزيارات الزيارة المعروفة بزيارة (آل ياسين)، والتي ورد في شأنها أنَّه خرج من الناحية المقدَّسة إلى محمّد الحميري بعد الجواب عن المسائل التي سألها: «... إِذَا أَرَدْتُمُ اَلتَّوَجُّهَ بِنَا إِلَى اَللهِ وَإِلَيْنَا فَقُولُوا كَمَا قَالَ اَللهُ تَعَالَى: ﴿سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾ [الصافَّات: 130]...»(3).
ويمكن القول: إنَّ الذين شرحوا هذه الزيارة وبيَّنوا مطالبها هم من القلَّة بمكان، وربَّما لا نجد في المكتبة المهدويَّة شروحاً لها تتجاوز أصابع اليدين.
والكتاب الذي بين يديك، هو شرح لهذه الزيارة العظيمة، قد أخذ سماحة الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي - وهو أحد أعضاء مركزنا - على نفسه أنْ يشرحها بطريقة منهجيَّة، مضمِّناً إيَّاها الكثير من البحوث والمعارف المهدويَّة، بأُسلوب علمي رصين، مستشهداً على ما يذكره بأدلَّة من النصوص الشريفة.
ونحن إذ نُقدِّم هذا الكتاب للقارئ الكريم، ندعو جميع المؤلِّفين والباحثين إلى أنْ يضعوا ضمن اهتماماتهم الكتابة في الأدعية والزيارات الواردة في حقِّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أو عنه (عجّل الله فرجه)، والتي تتضمَّن بحقٍّ الكثير من المعارف التي ما زالت بحاجة إلى شرح وبيان وتفصيل، ومن الله تعالى التوفيق.
نسأل الله تعالى أنْ يجعل هذا الجهد مقبولاً، وأنْ يُوفِّقنا وجميع المؤمنين لنكون من الممهِّدين لدولة صاحب الأمر (عجّل الله فرجه)، وأنْ نُدرك ظهوره على سلامة من ديننا ويقين من اعتقادنا، إنَّه سميع مجيب.
والحمد لله ربِّ العالمين.

مركز الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(3) الاحتجاج (ج 2/ ص 315 و316).

(٤)

الإهداء

سيِّدي يا حجَّة الله تعالى في أرضه.
أتقدَّم بين يديك الكريمتين بهذا الجهد، وكلِّي شعور بالتقصير تجاه حقوقك عليَّ.
* * *

(٥)

مقدَّمة المؤلِّف

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمّد وآله الطاهرين، باب الرحمة الواسعة، ومفتاح البركة الدائمة.
وبعد..
يتميَّز التراث الذي تركه أهل البيت (عليهم السلام) بتنوُّعه، فالأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) فيها النصوص الفكريَّة والعقائديَّة والفقهيَّة والأخلاقيَّة والاجتماعيَّة وغيرها، ومن بين أهمّ موارد التراث - وكلُّه مهمٌّ - ما روي عنهم في زياراتهم (عليهم السلام)، حتى أُلِّفت ومنذ القِدَم الكُتُب المستقلَّة والأبواب المفصَّلة في الزيارة، ومنها كتاب (كامل الزيارات) للفقيه الأقدم ابن قولويه (رحمه الله)، حيث ذكر زياراتهم (عليهم السلام) مبوِّباً لها.
ومن بين تلك الزيارات ما اختصَّ به خاتمة الحُجَج، ابن الحسن (عجّل الله فرجه) كزيارة آل ياسين حيث وردت عنه (عجّل الله فرجه)، وقد كتبتُ قبل عشر سنوات مقاطع مختصرة لشرح زيارته (عجّل الله فرجه) تسهيلاً لقراءتها، وقد نُشِرَت في عدَّة أعداد من صحيفة (صدى المهدي) الصادرة عن مركز الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وقبل عامين بل أكثر طلب منِّي من له الفضل عليَّ سماحة السيِّد محمّد القبانچي إعادة النظر فيما كتبتُ وتضمين الأفكار التي ذكرتها بعضاً من المعاني اللغويَّة والمفردات القرآنيَّة والروائيَّة وما ورد في بعضها من أقوال لعلمائنا وسلفنا الصالح.

(٧)

وكان جزاه الله تعالى خيراً له الفضل في الإعانة على إكمال هذا الشرح بتقوية الهمَّة تارةً والمراجعة تارةً أُخرى وإعطاء بعض المعلومات القيِّمة تارةً ثالثة.
وكيف كان، فالذي تجده بين يديك هو نتاج عدَّة أيدٍ ومجموعة عقول وليس جهداً شخصيًّا، فما تجده من قصور وتقصير فهو منِّي، وما تجده من فوائد ومعلومات فهو من لطف جميع الإخوة الذين أعانوني عليه.
وفي الختام أسأله (جلَّ وعلا) أنْ يُوفِّقني لخدمة سيِّدي صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) في جزء يسير من حقوقه التي لا تُعَدُّ عليَّ.
سيِّدي يا حجَّة الله في أرضه، هذه بضاعة مزجاة فتصدَّق عليَّ وأوفِ لي الكيل وأنت خير المتصدِّقين.

حميد عبد الجليل الوائلي
من جوار مرقد أمير المؤمنين (عليه السلام) - النجف الأشرف
(5/ ربيع الأوَّل/ 1443هـ)

(٨)

الزيارةُ معلَمٌ إسلامي:
الحديث عن زيارة الأحياء لا ينبغي أنْ يتوجَّه إليه الطعن والتشكيك بعدم المشروعيَّة أو الرمي بالبدعيَّة، فليس ثَمَّة ما يقال تجاه زيارتهم والتقرُّب إلى الله سبحانه وتعالى بصلتهم.
فزيارة الأحياء بعضهم لبعض ليست مشروعة فحسب، بل أوجبتها النصوص الكثيرة على اختلاف طبقات الصلة، فجعلت صلة رحم الأبوين من موجبات العبوديَّة والتوحيد، قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾ (الإسراء: 23)، ووصمت العاقَّ لهما بأنَّه لا يشمُّ ريح الجنَّة لعقوقه، ثمّ تدرَّجت الشريعة في بيان مراتب الصلة ولزوم التزاور بين أفراد الأُسرة الواحدة أو القبيلة أو المجتمع، وألزمت المؤمنين بصلة وزيارة حتَّى من يقاطعهم ولا يزورهم، وامتدحت من يُقدِّم الهدايا لمن يزوره أو يُكرم زائره أو يُكثِر من زيارة أرحامه، ويصلهم، وممَّا ورد في ذلك:
1 - عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أَنَّ رَجُلاً مِنْ خَثْعَمٍ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ لَهُ: أَخْبِرْنِي مَا أَفْضَلُ اَلْإِسْلَامِ؟ فَقَالَ: اَلْإِيمَانُ بِاللهِ، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: صِلَةُ اَلرَّحِمِ...»(4).
2 - قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِنَّ أَعْجَلَ اَلْخَيْرِ ثَوَاباً صِلَةُ اَلرَّحِمِ»(5).
3 - قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في كلام له: «إِيَّاكُمْ وَعُقُوقَ اَلْوَالِدَيْنِ، فَإِنَّ رِيحَ اَلْجَنَّةِ تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ وَلَا يَجِدُهَا عَاقٌّ وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ...»(6).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(4) المحاسن للبرقي (ص 291/ ح 444).
(5) الكافي (ج 2/ ص 152/ باب صلة الرحم/ ح 15).
(6) الكافي (ج 2/ ص 349/ باب العقوق/ ح 6).

(١١)

فالشريعة الإسلاميَّة توجب وتُشجِّع المسلمين على الزيارة والتواصل وتحثُّ على ذلك، حتَّى عُدَّ من شواخص الهويَّة الإسلاميَّة مفردة الصلة والتزاور.
وفي زيارتنا للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) تتجسَّدُ مجموعةٌ من المعاني الكبيرة التي سنقف عليها في هذا الشرح.
1 - المعاني اللغويَّة للزيارة:
في (لسان العرب) أنَّ الزيارة هي الميل إلى المزور إليه، وهو عبارة ثانية عن القصد والتقرُّب، قال: (زار فلانٌ فلاناً، أي مال إليه...)(7).
فزارَ جاءت بمعنى قصد اللقاء المسبوق بالمجيء للشخص المراد زيارتهُ، وهو نحو ميل وتقرُّب إليه وعدول عمَّا سواه، فإنَّك إذا ملت إلى طرف ملت عن الطرف الآخر.
2 - الزيارة من مفاتيح ساحة القدس الإلهي:
فتح الله سبحانه وتعالى لعباده نوافذ وأبواب عديدة لأجل تقريبهم إليه وإيصالهم إلى ساحة قدسه، فينالون بذلك مكرمة تكميل نفوسهم وتحقيق غاية عبوديَّتهم من معرفة الله سبحانه وتعالى والخضوع إليه، فجاءت لأجل ذلك الأديان والشرائع، ولم تكتفِ ساحة لطفه وكرمه لجذب عباده لساحة قدسه بذلك، بل جعل تعالى فيما جعل ذواتاً منَّا بأعيانهم موجودين بيننا وإنْ كانت حقائقهم ملكوتيَّة ووجوداتهم نوارنيَّة يأخذون بأيدينا، هدايةً لإيصالنا إلى المطلوب، فكان هؤلاء أوسع أبواب الرحمة وأجلى مصاديق لطف الإله بعبيده.
ثمّ ندبنا تعالى إلى اتِّخاذهم وسيلة - بعد الميل إليهم والتمسُّك بهم - إليه فكانوا أقرب وسيلة وأوسع بابٍ وأسرع سفينةٍ توصلنا إليه سبحانه وتعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(7) لسان العرب (ج 4/ ص 335/ مادَّة زور).

(١٢)

وقد ترك أهل البيت (عليهم السلام) تراثاً كبيراً يُنظِّمُ هذا الباب الواسع ويُوضِّحُ آداب الدخول فيه، فكان باب الزيارة ذلك الباب الوسيع لنيل الرحمة الإلهيَّة من خلال قصد أهل البيت (عليهم السلام) بالزيارة.
3 - الزيارة عقيدة إلهيَّة:
تُطلَق العقيدة ويُراد بها عدَّة معانٍ، منها ما يختصُّ بالفقه الأكبر ويُعبَّر عنه بأُصول العقيدة.
ومنها ما يعمُّ غيرها، فيدخل فيها الحديث عن الرجعة وعن تفرُّعات المعاد والتقيَّة والبداء، وغيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وطول عمره، وبحث التوسُّل.
ومن هنا يأتي الحديث عن باب الزيارة وأنَّها أدب إلهي وباب ربَّاني وعقيدة للارتباط به تعالى.
4 - الأحاديثُ تُبيِّن أهمّيَّة الزيارة:
إنَّ الأحاديث الكثيرة التي وجَّهت الناس باتِّجاه الزيارة وحثَّتهم على التحلِّي بها، لا نبالغ إذا قلنا: إنَّها تبلغ حدَّ التواتر إجمالاً إنْ لم نقل معنًى.
وممَّا ورد في هذا الصدد:
عن الإمام الرضا (عليه السلام): «إِنَّ لِكُلِّ إِمَامٍ عَهْداً فِي عُنُقِ أَوْلِيَائِهِ وَشِيعَتِهِ، وَإِنَّ مِنْ تَمَامِ اَلْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَحُسْنِ اَلْأَدَاءِ زِيَارَةَ قُبُورِهِمْ، فَمَنْ زَارَهُمْ رَغْبَةً فِي زِيَارَتِهِمْ وَتَصْدِيقاً لِمَا رَغِبُوا فِيهِ كَانَ أَئِمَّتُهُمْ شُفَعَاءَهُمْ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ»(8)، فأنت تلاحظ أنَّ الإمام (عليه السلام) جعل الزيارة للإمام عهداً في عنق من يوالي الإمام ويبايعه، وأنَّ هذا العقد وهذه البيعة تبقى ناقصة ولا تُعطي أثرها ولا تُحقِّق النتيجة المطلوبة منها ما دام هذا الوليُّ لم يوفِ بما في عنقه من زيارة ليتمَّ بها العهد بينه وبين إمامه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(8) كامل الزيارات (ص 236 و237/ ح 352/2).

(١٣)

ثمّ إنَّه ينبغي أنْ نلتفت إلى أنَّ تعبير الإمام (عليه السلام) في هذه الرواية الشريفة بزيارة قبورهم - وحيث إنَّنا في معرض حديثنا عن زيارة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فهو حيٌّ وليس له قبر - فقد ينشأ في ذهن القارئ لهذه الرواية سؤال مفاده بأنَّ الإمام هنا يحثُّ المؤمنين على زيارة الأئمَّة بشرط أنْ يكون لهم قبور وإلَّا فكيف يُزارون؟
والجواب عنه: أنَّ الإمام (عليه السلام) قد قال: إنَّ لكلِّ إمام عهداً في عنق أوليائه، سواء كان ذلك الإمام حيًّا أو كان ميِّتاً، فلا فرق من هذه الجهة لمن يريد الوفاء بالعهد من خلال الزيارة والتواصل، فمن له قبرٌ يكون الوفاء له بالعهد عن طريق زيارة قبره، ومن لم يكن له قبر يكون الوفاءُ بالعهد له عن طريق زيارته بنفسه، ولا يفرق من هذه الجهة، وقد دلَّت جملة من الروايات على زيارة الأئمَّة (عليهم السلام) أحياءً، فلا يُشتَرط في تحقُّق الزيارة أنْ يكون لهم قبور تُقصَد، ففي رواية أبي عبد الله (عليه السلام) التي يحكيها عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حاكياً سؤال الحسين (عليه السلام) لجدِّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حيث قال (عليه السلام) له: «مَا جَزَاءُ مَنْ زَارَكَ؟».
فَقَالَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَا بُنَيَّ، مَنْ زَارَنِي حَيًّا أَوْ مَيِّتاً أَوْ زَارَ أَبَاكَ أَوْ زَارَ أَخَاكَ أَوْ زَارَكَ، كَانَ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أَزُورَهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ حَتَّى أُخَلِّصَهُ مِنْ ذُنُوبِهِ»(9)، وفي حديث آخر يخاطب به رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليًّا (عليه السلام) فيقول له: «يَا عَلِيُّ، مَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي أَوْ بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ زَارَكَ فِي حَيَاتِكَ أَوْ بَعْدَ مَوْتِكَ، أَوْ زَارَ اِبْنَيْكَ فِي حَيَاتِهِمَا أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِمَا، ضَمِنْتُ لَهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ أَنْ أُخَلِّصَهُ مِنْ أَهْوَالِهَا وَشَدَائِدِهَا حَتَّى أُصَيِّرَهُ مَعِي فِي دَرَجَتِي»(10).
فأنت تلاحظ هذين الحديثين يُصرِّح فيهما رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأنَّ الزيارة كما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(9) كامل الزيارات (ص 40/ ح 2/2).
(10) كامل الزيارات (ص 40/ ح 3/3).

(١٤)

هي في الحياة، فكذلك هي في الممات، فلا يرد هذا الكلام الذي قد يخطر إلى الذهن بادئ ذي بدء.
وهنا لا بدَّ أنْ نلتفت إلى تلك الآثار الكبرى التي رتَّبها حديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على زيارته وزيارة أخيه وولده (عليهم السلام)، لنفهم حقيقة عظم آثار زيارة أهل البيت (عليهم السلام) على العبد الزائر.
قد ينشغلُ ذهن البعض بأنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خصَّص هذه الآثار بزيارة من ذُكِرَ بالرواية، ولم يذكر الأئمَّة (عليهم السلام) من ولد الحسين (عليه السلام)، ولتفريغ هذا الانشغال البدوي عن محتواه ولا يعود يخطر في الذهن مرَّةً أُخرى نجيبُ بجوابين:
الأوَّل: أنَّهم (عليهم السلام) ذكروا كما في حديث أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال في تفسير قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الطور: 21]: «... اَلْحُجَّةَ اَلَّتِي جَاءَ بِهَا مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فِي عَلِيٍّ (عليه السلام) وَحُجَّتُهُمْ وَاحِدَةٌ وَطَاعَتُهُمْ وَاحِدَةٌ»(11).
فأنت تلاحظ أنَّ الحديث منه (عليه السلام) يُصرِّح بأنَّ حجّيَّة الأئمَّة جميعاً وطاعتهم وما يتفرَّع عن الحجّيَّة والطاعة هم فيها سواء لا يختلفون فيما بينهم، فما ثبت لأمير المؤمنين (عليه السلام) فهو يثبت لهم جميعاً، نعم لأمير المؤمنين (عليه السلام) ولرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فضلهما.
الثاني: أنَّه وردت مجموعة من الروايات تتحدَّث عن زيارة الإمام الرضا (عليه السلام)، وعن زيارة الإمام العسكري (عليه السلام) والكاظم (عليه السلام)، وتُبيِّنُ فضلهم، كما أنَّ لإصحاب الكساءِ زيارتهم في حياتهم ومماتهم، ولزيارتهم الآثار الكثيرة والمثوبات الجزيلة، فكذلك بقيَّة الأئمَّة (عليهم السلام) من هذه الجهة بلا فرق بينهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(11) الكافي (ج 1/ ص 275/ باب في أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) في العلم والشجاعة والطاعة سواء/ ح 1).

(١٥)

5 - الدعاء للزيارة:
تحدَّثت الشريعة المقدَّسة عن أهمّيَّة الدعاء، ووصفته الكثير من الأحاديث بأنَّه سلاح الأنبياء، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى سِلَاحٍ يُنْجِيكُمْ مِنْ أَعْدَائِكُمْ، وَيُدِرُّ أَرْزَاقَكُمْ؟»، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «تَدْعُونَ رَبَّكُمْ بِاللَّيْلِ وَاَلنَّهَارِ، فَإِنَّ سِلَاحَ اَلمُؤْمِنِ اَلدُّعَاءُ»(12)، وقال الإمام الرضا (عليه السلام): «عَلَيْكُمْ بِسِلَاحِ اَلْأَنْبِيَاءِ»، فَقِيلَ: وَمَا سِلَاحُ اَلْأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ (عليه السلام): «اَلدُّعَاءُ»(13).
وفي (تهذيب الطوسي) يتحدَّث شيخ الطائفة (رحمه الله) عن النبيِّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكلامه لأمير المؤمنين (عليه السلام) عن أهمّيَّة زيارة قبور الأئمَّة (عليهم السلام) حيث يقول: عن أبي عامر واعظ أهل الحجاز، قال: أَتَيْتُ أَبَا عَبْدِ اَللهِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَقُلْتُ لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اَللهِ، مَا لِمَنْ زَارَ قَبْرَهُ - يَعْنِي أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ - وَعَمَرَ تُرْبَتَهُ؟ قَالَ: «يَا أَبَا عَامِرٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ (عليهم السلام) أَنَّ اَلنَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ لَهُ: وَاَللهِ لَتُقْتَلَنَّ بِأَرْضِ اَلْعِرَاقِ وَتُدْفَنُ بِهَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اَللهِ، مَا لِمَنْ زَارَ قُبُورَنَا وَعَمَرَهَا وَتَعَاهَدَهَا؟ فَقَالَ لِي: يَا أَبَا اَلْحَسَنِ، إِنَّ اَللهَ جَعَلَ قَبْرَكَ وَقَبْرَ وُلْدِكَ بِقَاعاً مِنْ بِقَاعِ اَلْجَنَّةِ وَعَرْصَةً مِنْ عَرَصَاتِهَا، وَإِنَّ اَللهَ جَعَلَ قُلُوبَ نُجَبَاءَ مِنْ خَلْقِهِ وَصَفْوَة مِنْ عِبَادِهِ تَحِنُّ إِلَيْكُمْ، وَتَحْتَمِلُ اَلمَذَلَّةَ وَاَلْأَذَى فِيكُمْ، فَيَعْمُرُونَ قُبُورَكُمْ، وَيُكْثِرُونَ زِيَارَتَهَا تَقَرُّباً مِنْهُمْ إِلَى اَللهِ، [وَ]مَوَدَّةً مِنْهُمْ لِرَسُولِهِ، أُولَئِكَ يَا عَلِيُّ اَلمَخْصُوصُونَ بِشَفَاعَتِي، وَاَلْوَارِدُونَ حَوْضِي، وَهُمْ زُوَّارِي غَداً فِي اَلْجَنَّةِ. يَا عَلِيُّ، مَنْ عَمَرَ قُبُورَكُمْ وَتَعَاهَدَهَا فَكَأَنَّمَا أَعَانَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ عَلَى بِنَاءِ بَيْتِ اَلمَقْدِسِ، وَمَنْ زَارَ قُبُورَكُمْ عَدْلُ ذَلِكَ لَهُ ثَوَابُ سَبْعِينَ حَجَّةً بَعْدَ حَجَّةِ اَلْإِسْلَامِ، وَخَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ زِيَارَتِكُمْ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، فَأَبْشِرْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(12) الكافي (ج 2/ ص 468/ باب إنَّ الدعاء سلاح المؤمن/ ح 3).
(13) الكافي (ج 2/ ص 468/ باب إنَّ الدعاء سلاح المؤمن/ ح 5).

(١٦)

وَبَشِّرْ أَوْلِيَاءَكَ وَمُحِبِّيكَ مِنَ اَلنَّعِيمِ وَقُرَّةِ اَلْعَيْنِ بِمَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَلَكِنَّ حُثَالَةً مِنَ اَلنَّاسِ يُعَيِّرُونَ زُوَّارَ قُبُورِكُمْ بِزِيَارَتِكُمْ كَمَا تُعَيَّرُ اَلزَّانِيَةُ بِزِنَاهَا، أُولَئِكَ شِرَارُ أُمَّتِي، لَا نَالَتْهُمْ شَفَاعَتِي، وَلَا يَرِدُونَ حَوْضِي»(14).
بأبي أنت وأُمِّي يا رسول الله (صلوات الله عليك وعلى آلك) كأنَّك تعيش معنا وتنظر بتلك العينين الإلهيَّتين إلى واقعنا في هذه الأيَّام وما نعانيه من شراذمة انتسبوا لدينك وتمسَّكوا بقشور ألفاظ ورثوها عمَّن نسبها إليك، يتشدَّقون بأنَّها حقائق من الدِّين يُخرجون بها أصحاب الإسلام الأصليِّين ويرمون من خالفهم بالكفر والزندقة وأبشع التُّهَم وكأنَّهم زناة، كما قلت (صلَّى الله عليك وآلك).
فما أعظمك بأبي أنت وأُمِّي، وما أشدّ سرورنا بأنَّنا نسير على نهجك ونتَّبع أهل بيتك (عليهم السلام)، لنُحصِّل هذا الثواب الوافر الذي وعدتنا به، ونعم الوفيُّ أنت بما وعدت، ونعم الكريم الرؤوف ربُّنا.
ينقل الشيخ ابن قولويه في (كامله): «وَلَا جَعَلَهُ اَللهُ آخِرَ اَلْعَهْدِ مِنْ زِيَارَتِكُمْ»(15)،(16).
يتحدَّث هذا الفقيه الكبير من خلال النصِّ المرويِّ عن أهل البيت (عليهم السلام) أنَّ هناك طلباً ودعاءً حثيثاً في تثبيت النعمة التي رزقها الله تعالى للمؤمن الزائر،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(14) تهذيب الأحكام (ج 6/ ص 22/ ح 50/7).
(15) كامل الزيارات (ص 332/ ح 556/9).
(16) ولا بأس هنا بأنْ نتحدَّث ولو ببضع كلمات في أنَّ كتاب (كامل الزيارات) لمؤلِّفه الفقيه الكبير جعفر بن محمّد بن قولويه يُعَدُّ من أنفس وأجلّ الكُتُب عندنا، وله قيمة علميَّة فضلاً عن قيمته المعرفيَّة الكبرى، إذ يُعَدُّ من أقدم الكُتُب التي وصلت إلينا، وتُعتبَر متونه من أوثقها، فلا تقتصر قيمته على نقله للروايات فقط، بل على اختياره وتدقيقه وتفحُّصه فيها فضلاً عن تبويبها، بل واختصاصها في موضوع واحد وهو زيارة أهل البيت (عليهم السلام).

(١٧)

فبعد زيارته إمامه (عليه السلام) يقف وفي محضر إمامه وفي ساحة الاستجابة ونقطة الاتِّصال المباشر مع الله سبحانه وتعالى ليدعو ربَّه أنْ لا يجعل هذه الزيارة آخر زياراته، وأنْ يرزقه طول العمر لأجل أنْ يزور.
دعاءٌ من زائرٍ لتكرار الزيارة في محضر المزور، إنَّها لكبيرة عند الله سبحانه وتعالى.
فهذا الدعاء: « وَلاَ جَعَلَهُ اَللهُ آخِرَ اَلْعَهْدِ مِنْ زِيَارَتِكُمْ» الذي نتلوه في كلِّ زيارة نزور بها الإمام (عليه السلام)، إنَّه نصٌّ بطلب تكرار توفيق الزيارة.
ويأتي إلينا نصٌّ آخر يرويه المجلسي (رحمه الله) في (بحاره) يُحدِّثنا عن صيغةٍ أُخرى من الدعاء في طلب زيارة الإمام (عليه السلام) حيث يقول النصُّ: «فَأَسْأَلُ اَللهَ اَلَّذِي هَدَانِي لِمَعْرِفَتِكُمْ...، وَنَدَبَنِي إِلَى زِيَارَتِكُمْ، اَلْعَوْدَ مَا أَبْقَانِي إِلَى حَضْرَتِكُمْ...»(17)، فهذا النصُّ الشريف الذي يتحدَّثُ مع الله تعالى ويسألهُ بعد أنْ أتممت عليَّ يا ربِّ نِعَماً كثيرة فبصَّرتني وعرَّفتني بالأئمَّة (عليهم السلام)، وهديتني لولايتهم وطلبت منِّي زيارتهم وأنا امتثلت يا إلهي لما ندبتني من زيارة أوليائك، أدعوك يا إلهي ما أبقيتني في هذه الدنيا أنْ تجعل نصيبي العودة إلى حضرتهم والدوامَ على زيارتهم.
ثمّ ينقل لنا المجلسي (رحمه الله) في نفس الجزء من (بحاره) تفصيلاً بالدعاء للزيارة، حيث ينقل النصَّ التالي: «... فَأَسْأَلُ اَللهَ اَلْبَارَّ اَلرَّحِيمَ، أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ لَا يَجْعَلَهُ آخِرَ اَلْعَهْدِ مِنْ زِيَارَتِكُمْ وَجَمِيعِ اَلمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ أَرْحَمُ اَلرَّاحِمِينَ»(18)، فهذا الدعاء الذي يستشفع فيه العبد المؤمن ببرِّ الله تعالى ورحمته ثمّ يُقدِّمُ بين يديه وسيلة الصلاة على محمّد وآله ليطلب بعد ذلك حاجةً ما أروعها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(17) بحار الأنوار (ج 99/ ص 205).
(18) بحار الأنوار (ج 99/ ص 208).

(١٨)

من حاجة، وهي أنْ لا يحرمه من زيارة الإمام (عليه السلام) وأنْ لا يجعل زيارته الذي هو فيها آخر عهده من زيارات إمامه ولا يقف عند هذا الحدِّ، بل يطلب وبإلحاح أنْ تشمل هذه النعمة جميع المؤمنين ليبين أثرها عليهم.
ولا نغادر (البحار) إذ ينقل لنا نصًّا آخر في غاية الروعة في الإلحاحِ والدعاءِ والتوسُّلِ بأنْ يرزقه الله تعالى الزيارة حيث يقول: «اَلسَّلَامُ عَلَيْكُمْ سَلَامَ مُوَدِّعٍ لَا سَئِمٍ وَلَا قَالٍ... لَا جَعَلَهُ اَللهُ آخِرَ اَلْعَهْدِ مِنْ زِيَارَتِكُمْ وَتَعْظِيمِ ذِكْرِكُمْ... وَإِتْيَانِ مَشَاهِدِكُمْ وَآثَارِكُمْ»(19)، فهذا الدعاءُ يعكس لنا صورة أُخرى من صور الدعاء والإلحاح في طلب الزيارة والمداومة عليها حيث يطلب الزائر الداعي من الله تعالى أنْ لا يجعل هذه الزيارة آخر زيارة لإمامه (عليه السلام)، ويُقدِّم له وجهاً جميلاً يستشفع به لطلب حاجته واستجابة دعائه حيث يخاطب إمامه (عليه السلام) بقوله: إنَّني لا أسأم من زيارتكم ولا أمل منها ولا أضجر ولا ينتابني كسل، فلا يحرمني الله تعالى من إكثارها لأنَّني لا أُريد أنْ أكون من القالين والمقلينَ في زيارتكم.
6 - ضرورة الزيارة ورجحانها:
الزيارة تشريع إلهي وشعيرة مقدَّسةٌ تتلوَّن وتتنوَّعُ بالكثير من الأحكام، وهي من الفروض الإسلاميَّة الكبرى، وإهمالها أو الاستخفاف بها يُعَدُّ جحوداً لأصحابها، فيما يكون إنكارها مستلزماً لتكذيب النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمَّة الأطهار (عليهم السلام)، وهو من الكبائر.
وهنا ينبغي أنْ نلحظ عنوان الزيارة بغضِّ النظر عن الإمام المزور، لأنَّهم من هذه الجهة واحدٌ لا فرق بينهم، نعم رتَّبت الكثير من الروايات آثاراً معيَّنة على زيارة إمام معيَّن، على سبيل المثال إنَّ بعض الروايات تحدَّثت عن زيارة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(19) بحار الأنوار (ج 99/ ص 157).

(١٩)

الإمام الحسين (عليه السلام) بخصِّيصةٍ يختصُّ بها زائرهُ (عليه السلام) حيث قالت: عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، عن أبيه (عليه السلام)، قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام): «إِنَّ أَيَّامَ زَائِرِي اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام) لَا تُحْسَبُ مِنْ أَعْمَارِهِمْ وَلَا تُعَدُّ مِنْ آجَالِهِمْ»(20)، فإنَّ هذه الخصوصيَّة في عدم احتساب الساعات والأيَّام لمن يزور الحسين (عليه السلام) لعلَّه يُستظهَر منها الاختصاص به (عليه السلام) دون سائر الأئمَّة (عليهم السلام)، أمَّا أصل الزيارة وضرورة قصد الأئمَّة والتوجُّه إليهم لا يفرق فيها من هذه الجهة بين إمام وآخر، ففي الرواية عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) مجيباً من سأله عن زيارة الحسين (عليه السلام) بعد أنْ استغرب تلك الآثار التي رتَّبها الإمام (عليه السلام) على من زار الحسين (عليه السلام)، فقال: «زُرْهُ وَلَا تَجْفُهُ»(21).
فيما سُئِلَ الرضا (عليه السلام) عن زيارة قبر أبيه الكاظم (عليه السلام)، فأجاب (عليه السلام) قائلاً: «زُرْهُ»(22)، فإنَّ هذين الحديثين يُلزمان الأُمَّة بزيارة الأئمَّة (عليهم السلام) وعدم جفائهم، وهذا لا يفرق فيه بين أيٍّ منهم (صلوات الله عليهم)، وممَّا يُؤكِّد ذلك الأحاديث الحاثَّة على الزيارة لكلِّ الأئمَّة (عليهم السلام) دون استثناء، ففي الحديث عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «مَنْ زَارَنِي أَوْ زَارَ أَحَداً مِنْ ذُرِّيَّتِي زُرْتُهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ»(23).
وإذا لاحظنا صنفاً آخر من الروايات وهي تذمُّ من لا يزور الأئمَّة (عليهم السلام) فإنَّنا نلتفت جيِّداً إلى أنَّ الحثَّ على زيارتهم (عليهم السلام) عامٌّ ولا يختصُّ بإمام دون آخر، فقد روي عن يونس بن أبي وهب القصري، قال: دَخَلْتُ اَلمَدِينَةَ، فَأَتَيْتُ أَبَا عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام)، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَتَيْتُكَ وَلَمْ أَزُرْ أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، قَالَ: «بِئْسَ مَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(20) كامل الزيارات (ص 259 و260/ ح 391/1).
(21) كامل الزيارات (ص 184/ ح 255/15).
(22) كامل الزيارات (ص 497 و498/ ح 772/4).
(23) كامل الزيارات (ص 41/ ح 4/4).

(٢٠)

صَنَعْتَ، لَوْلَا أَنَّكَ مِنْ شِيعَتِنَا مَا نَظَرْتُ إِلَيْكَ، أَلَا تَزُورُ مَنْ يَزُورُهُ اَللهُ مَعَ اَلمَلاَئِكَةِ وَيَزُورُهُ اَلْأَنْبِيَاءُ وَيَزُورُهُ اَلمُؤْمِنُونَ؟»(24)، فإنَّ هذا الحديث الشريف يكشف لنا عن تلك الصورة المذمومة التي عليها من لا يهتمُّ بالزيارة، حيث إنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) لم يرد أنْ ينظر لوجه السائل له لولا شفاعة تشيُّعه.
وفي رواية سدير قال أبو عبد الله (عليه السلام): «يَا سَدِيرُ، تَزُورُ قَبْرَ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام) فِي كُلِّ يَوْمٍ؟»، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ لَا، قَالَ (عليه السلام): «فَمَا أَجْفَاكُمْ»، قَالَ: «فَتَزُورُونَهُ فِي كُلِّ جُمْعَةٍ؟»، قُلْتُ: لَا، قَالَ: «فَتَزُورُونَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ؟»، قُلْتُ: لَا، قَالَ: «فَتَزُورُونَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ؟»، قُلْتُ: قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ، قَالَ: «يَا سَدِيرُ، مَا أَجْفَاكُمْ لِلْحُسَيْنِ (عليه السلام)، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ لِلهِ (عزَّ وجلَّ) أَلْفَيْ أَلْفِ مَلَكٍ شُعْثٌ غُبْرٌ يَبْكُونَ وَيَزُورُونَ لَا يَفْتُرُونَ؟ وَمَا عَلَيْكَ يَا سَدِيرُ أَنْ تَزُورَ قَبْرَ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام) فِي كُلِّ جُمْعَةٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ وَفِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً؟...»(25)، فإنَّ هذا الحديث الشريف فيه دلالة واضحة على انزعاج الإمام وعدم رضاه ممَّن لم يزر الحسين (عليه السلام) في كلِّ يوم.
وعن محمّد البصري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ لِرَجُلٍ مِنْ مَوَالِيهِ سَأَلَهُ عَنِ اَلزِّيَارَةِ، فَقَالَ لَهُ: مَنْ تَزُورُ وَمَنْ تُرِيدُ بِهِ؟ قَالَ: اَللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَقَالَ: مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ صَلاَةً وَاحِدَةً يُرِيدُ بِهَا اَللهَ لَقِيَ اَللهَ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَعَلَيْهِ مِنَ اَلنُّورِ مَا يُغْشَى لَهُ كُلُّ شَيْءٍ يَرَاهُ، وَاَللهُ يُكْرِمُ زُوَّارَهُ وَيَمْنَعُ اَلنَّارَ أَنْ تَنَالَ مِنْهُمْ شَيْئاً، وَإِنَّ اَلزَّائِرَ لَهُ لاَ يُتَنَاهَى لَهُ دُونَ اَلْحَوْضِ، وَأَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَائِمٌ عَلَى اَلْحَوْضِ يُصَافِحُهُ وَيُرَوِّيهِ مِنَ اَلمَاءِ، وَمَا يَسْبِقُهُ أَحَدٌ إِلَى وُرُودِهِ اَلْحَوْضَ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَنْصَرِفُ إِلَى مَنْزِلِهِ مِنَ اَلْجَنَّةِ، وَمَعَهُ مَلَكٌ مِنْ قِبَلِ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ يَأْمُرُ اَلصِّرَاطَ أَنْ يَذِلَّ لَهُ، وَيَأْمُرُ اَلنَّارَ أَنْ لَا يُصِيبَهُ مِنْ لَفْحِهَا شَيْءٌ حَتَّى يَجُوزَهَا»(26).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(24) الكافي (ج 4/ ص 579 و580/ باب فضل الزيارات وثوابها/ ح 3).
(25) الكافي (ج 4/ ص 589/ باب النوادر/ ح 8).
(26) كامل الزيارات (ص 238 و239/ ح 356/1).

(٢١)

فهذه الأحاديث الشريفة تدلُّ بوضوح على ضرورة الزيارة ولزومها على المؤمنين الموالين، وأنَّ من يتركها زهداً فيها فضلاً عن جحودها فقد زاغ عن الطريق.
7 - آداب الزيارة:
لا يخفى أنَّ أيَّة زيارة نقوم بها لأرحامنا أو لذوي الحقوق علينا أو لمن نقصد الانتفاع بزيارتهم، لا بدَّ أنْ تكون مشتملة على جملة من الآداب لكي تكون الزيارة نافعةً ويحصل الأثر المرجوُّ منها.
فإذا قمنا بزيارة لشخص نتوقَّع من خلال زيارته نفعاً معيَّناً وكان هناك أدب خاصٌّ لهذه الزيارة من ملبس معيَّن ووقت خاصٍّ وحديث مخصَّص فإنَّنا سنلتزم بذلك، إذ لو خالفنا هذه الضوابط فإنَّ الأثر المترتِّب على هذه الزيارة لن يحصل حتَّى وإنْ ذهبنا إلى مكان ذلك الشخص وزرناه وبذلنا في سبيل ذلك جهداً ووقتاً.
فملاحظة الأدب في الزيارة لتحصيل ثمراتها أمرٌ عقلائيٌّ ندب إليه الشارع المقدَّس.
ومن بين آداب الزيارة نذكر في نقاط:
1 - الولاء والاعتقاد:
إنَّ أوَّل تلك الأُمور التي ينبغي أنْ يتحلَّى بها الزائر هو الحبُّ والرغبة والولاء، فإنَّ من لا يُحِبُّ شخصاً ولا يرغب إليه ولا يعتقد به ولا يواليه لا يزوره، فالزيارة هي الصوت العملي لتلك العقيدة الولائيَّة العميقة من الزائر للمزور، فضرورة الاعتقاد بالمزور والإيمان به مرحلة تسبق الزيارة التي هي ممارسة عمليَّة تُجسِّد تلك العقيدة.
وفي الروايات الشريفة ما يشير إلى ذلك، ففي تفسير قوله تعالى: ﴿وَابْتَغُوا

(٢٢)

إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ (المائدة: 35)، قال: «تَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِالْإِمَامِ»(27)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) مفسِّراً للآية الشريفة: «أَنَا وَسِيلَتُهُ»(28)، وفي حديث آخر له (عليه السلام): عن طارق بن شهاب، قال: قال عليٌّ (عليه السلام) في حديث له: «إِنَّ اَلْأَئِمَّةَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اَلْوَسِيلَةُ إِلَى اَللهِ وَاَلْوُصْلَةُ إِلَى عَفْوِهِ»(29)، وفي الزيارة الجامعة: «وَجَعَلْتَهُمُ اَلْوَسِيلَةَ إِلَيْكَ»(30)، كما في دعاء الندبة قوله: «وَاَلْوَسِيلَةَ إِلَى رِضْوَانِكَ»(31)، وغيرها من الأخبار التي تدلُّ وبوضوح على أنَّ الزيارة وجعل الإمام واسطةً بين العبد وربِّه هي فرع الاعتقاد بأنَّهم بتلك المنزلة الإلهيَّة العظمى.
فعن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إِنَّمَا يَعْرِفُ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) وَيَعْبُدُهُ مَنْ عَرَفَ اَللهَ وَعَرَفَ إِمَامَهُ مِنَّا أَهْلَ اَلْبَيْتِ، وَمَنْ لَا يَعْرِفِ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) وَ[لَا] يَعْرِفِ اَلْإِمَامَ مِنَّا أَهْلَ اَلْبَيْتِ فَإِنَّمَا يَعْرِفُ وَيَعْبُدُ غَيْرَ اَللهِ، هَكَذَا وَاَللهِ ضَلَالاً»(32).
وعنه (عليه السلام): «أَمَا لَوْ أَنَّ رَجُلاً قَامَ لَيْلَهُ وَصَامَ نَهَارَهُ وَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَحَجَّ جَمِيعَ دَهْرِهِ وَلَمْ يَعْرِفْ وَلَايَةَ وَلِيِّ اَللهِ فَيُوَالِيَهُ وَيَكُونَ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ بِدَلَالَتِهِ إِلَيْهِ، مَا كَانَ لَهُ عَلَى اَللهِ (عزَّ وجلَّ) حَقٌّ فِي ثَوَابِهِ، وَلَا كَانَ مِنْ أَهْلِ اَلْإِيمَانِ»(33).
فالاعتقاد بمقام الإمام المزور من مراحل الولاء، ولولا هذا الاعتقاد لما حصل هذا التوجُّه، وفي خبر عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يتحدَّث فيه مع أمير المؤمنين (عليه السلام)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(27) تفسير القمِّي (ج 1/ ص 168).
(28) مناقب آل أبي طالب (ج 2/ ص 273).
(29) اُنظر: مشارق أنوار اليقين (ص 178).
(30) إقبال الأعمال (ج 2/ ص 91).
(31) المزار لابن المشهدي (ص 574).
(32) الكافي (ج 1/ ص 181/ باب معرفة الإمام والردِّ إليه/ ح 4).
(33) الكافي (ج 2/ ص 18 و19/ باب دعائم الإسلام/ ح 5).

(٢٣)

ويُخبره عن الأئمَّة (عليهم السلام) وفضلهم على الأُمَّة: قال رسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأمير المؤمنين (عليه السلام): «اُكْتُبْ مَا أُمْلِي عَلَيْكَ»، قَالَ: «يَا نَبِيَّ اَللهِ، أَوَ تَخَافُ عَلَيَّ اَلنِّسْيَانَ؟»، فَقَالَ: «لَسْتُ أَخَافُ عَلَيْكَ اَلنِّسْيَانَ وَقَدْ دَعَوْتُ اَللهَ لَكَ أَنْ يَحْفَظَكَ وَلَا يُنْسِيَكَ، وَلَكِنِ اُكْتُبْ لِشُرَكَائِكَ»، قَالَ: «فَقُلْتُ: وَمَنْ شُرَكَائِي يَا نَبِيَّ اَللهِ؟ قَالَ: اَلْأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِكَ، بِهِمْ تُسْقَى أُمَّتِي اَلْغَيْثَ، وَبِهِمْ يُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُمْ، وَبِهِمْ يَصْرِفُ اَللهُ عَنْهُمُ اَلْبَلَاءَ، وَبِهِمْ تَنْزِلُ اَلرَّحْمَةُ مِنَ اَلسَّمَاءِ، وَهَذَا أَوَّلُهُمْ - وَأَوْمَى إِلَى اَلْحَسَنِ، ثُمَّ أَوْمَى بِيَدِهِ إِلَى اَلْحُسَيْنِ، ثُمَّ قَالَ -: اَلْأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِهِ»(34).
2 - الاغتسال:
يُستحَبُّ للزائر أنْ يغتسل قبل أنْ يتوجَّه لزيارتهم (عليهم السلام).
روى الشيخ (رحمه الله) في (التهذيب)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 31]، قال: «اَلْغُسْلُ عِنْدَ لِقَاءِ كُلِّ إِمَامٍ»(35).
كما تنصُّ بعض الأدعية على آثارها في طهارة الروح حيث تقول: «وَطَهِّرْ بِهِ قَلْبِي وَجَوَارِحِي وَلَحْمِي وَدَمِي وَبَشَرِي وَمُخِّي وَعِظَامِي وَعَصَبِي وَمَا أَقَلَّتِ اَلْأَرْضُ مِنِّي»(36)، بل إنَّ بعض النصوص الشريفة تُصرِّح أنَّ هذه الطهارة ستكون شاهداً للإنسان يوم لقاء الله سبحانه وتعالى حيث تقول: «اَللَّهُمَّ اِجْعَلْهُ لِي شَاهِداً يَوْمَ حَاجَتِي وَفَقْرِي وَفَاقَتِي...»(37).
فهذه الآثار العظيمة لطهارة البدن والروح قبل الزيارة والتي تخترق عالم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(34) علل الشرائع (ج 1/ ص 208/ باب 156/ ح 8).
(35) تهذيب الأحكام (ج 6/ ص 110/ ح 197/13).
(36) كامل الزيارات (ص 345/ ح 583/6).
(37) المزار لابن المشهدي (ص 428).

(٢٤)

الدنيا لتدَّخر للإنسان في الآخرة، لا ينبغي تفويتها من قاصد زيارة إمامه حتَّى يكون قد تهيَّأ لوفادة حقيقيَّة يكتمل بها الغرض وتتحقَّق بها الغاية الأسمى من الزيارة.
ولا ينبغي هنا أنْ يهمل الزائر هذا الأمر المهمَّ، ذَكَراً كان أم أُنثى، تكميلاً لاستعداد الروح بطهارة البدن وتهيُّؤاً للقصد الأسمى والتوجُّه الأعلى في زيارة الإمام (عليه السلام).
فقد روي عن بكر بن محمّد أنَّه قال: خَرَجْنَا مِنَ اَلمَدِينَةِ نُرِيدُ مَنْزِلَ أَبِي عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام)، فَلَحِقَنَا أَبُو بَصِيرٍ خَارِجاً مِنْ زُقَاقٍ وَهُوَ جُنُبٌ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام)، قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى أَبِي بَصِيرٍ فَقَالَ لَهُ: «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَمَا تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِجُنُبٍ أَنْ يَدْخُلَ بُيُوتَ اَلْأَنْبِيَاءِ وَاَلْأَوْصِيَاءِ؟»، فَرَجَعَ أَبُو بَصِيرٍ وَدَخَلْنَا(38).
فهذا الحديث الشريف يفيد كيف أنَّ الامام طبَّق على بيته أنَّه بيتٌ من بيوت الأنبياء والأوصياء، وأنَّ المحدِث لا ينبغي له أنْ يدخله.
3 - إشعار الأهل والأحبَّة بالقصد وأهمّيَّته:
إذ نصَّت الأحاديث الشريفة على أنَّه ينبغي لقاصد الزيارة أنْ يجمع أهله قبل سفره ويدعو لنفسه ولهم فيقول: «اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ اَلْيَوْمَ نَفْسِي وَأَهْلِي وَمَالِي وَوُلْدِي وَمَنْ كَانَ مِنِّي بِسَبِيلٍ، اَلشَّاهِدَ مِنْهُمْ وَاَلْغَائِبَ...»، إلى أنْ يقول: «اَللَّهُمَّ إِنِّي أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ هَذَا اَلتَّوَجُّهَ طَلَباً لِمَرْضَاتِكَ، وَتَقَرُّباً إِلَيْكَ، اَللَّهُمَّ فَبَلِّغْنِي مَا أُؤَمِّلُهُ وَأَرْجُوهُ فِيكَ وَفِي أَوْلِيَائِكَ يَا أَرْحَمَ اَلرَّاحِمِينَ»(39).
يقول ذلك بعد أنْ يقرأ شطراً من آيات الذكر الحكيم ويُصلِّي ركعتين يقرأ فيهما ذكراً خاصًّا وضَّحته كُتُب الأدعية بشكل مفصَّل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(38) بصائر الدرجات (ص 261/ ج 5/ باب 10/ ح 23).
(39) مصباح الزائر (ص 28 و29).

(٢٥)

وهذه العمليَّة من الزائر ترمي إلى عدَّة مقاصد، منها: دعاء الحفظ له ولما خلفه من أهل ومال، وإبراز هذه الحالة من قصد الزيارة ليتربَّى عليها أهله وبنوه بعد أنْ يشاهدوا منه هذا الفعل، فيجيء منهم السؤال فتنشأ على أثر ذلك رابطة الزيارة، ليس عنده فحسب وإنَّما عند أُسرته وكلِّ من يشاهده يقوم بهذه الأفعال.
4 - عدَّاد الحسنات:
دلَّت الآثار على أنَّ السائر للزيارة له بكلِّ خطوة حسنة، ودلَّت آثار أُخرى أنَّه إذا رفع قدماً رفع الله عنه سيِّئة، وإذا وضعها أثبت الله له حسنة، فينبغي للزائر أنْ يقصر خطاه كي تُحسَب له الحسنات أضعافاً.
5 - مراتب التقديس والإعظام:
قال تعالى: ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوَى﴾ (طه: 12)، هذه الآية تشير إلى ضرورة إكرام مقام المعصوم مسكناً وقبراً ومقاماً وروضةً، فكلُّ أرض نُسِبَت إلى المعصومِ لا بدَّ أنْ تُقدَّس، وعلى الزائر أنْ يجتهد في بيان مراتب الإكرام، فخلع النعل مرتبةٌ، والسير بالسكينة مرتبةٌ، وخفض الصوت مرتبةٌ أُخرى، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ (الحجرات: 2)، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ (الحجرات: 3)، فخفض الصوتِ في محضرهم ممَّا ينبغي أنْ يكون، فإنَّ حرمة أهل البيت (عليهم السلام) بعد موتهم هي كحرمتهم في حياتهم، وأنَّ حرمتهم كحرمة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
هذه جملة آداب فصَّلنا فيها الحديث، وقد ذكر الفقيه الكبير والعالم

(٢٦)

النحرير الشهيد الأوَّل (رحمه الله) جملةً من الآداب جعلها في ضمن نقاط أنهاها إلى أربعة عشر أدباً من المناسب مراجعتها مفصَّلاً في كتاب (الدروس)(40).
8 - الأيَّام والأماكن المقدَّسة:
لا يخفى أنَّ هناك أيَّاماً قد تقدَّست وزادت أهمّيَّتها على كثيرٍ من الأيَّام الأُخَر، وأنَّ هناك أماكن قد تشرَّفت على غيرها من الأماكن، ولعلَّ إدراكنا لا يصل إلى حقيقة ذلك أو الهدف من ورائه، فكون أرض عرفات بقعة مقدَّسة، وأنَّ كربلاء أقدس البقاع، وأنَّ كلَّ أرضٍ وطأها قدم المعصومين امتازت عن غيرها(41)، هذا هو أدب إلهي سماوي قد يُلتمَّس له من هنا وهناك حِكَم وتخريجات، لكن الحقيقة أنَّ هذه البقاع النوارنيَّة قد تقدَّست، أمَّا لماذا وكيف ولِـمَ أصبحت هذه أقدس من تلك؟
فهذا أمرٌ لا يُدرك كنهه إلَّا المعصومون (عليهم السلام).
وفي نفس الوقت فإنَّ لبعض الأيَّام خصوصيَّات امتازت بها، كالعيدين، ويوم الجمعة، ويوم الغدير، ويوم عرفة، وغيرها.
وقد نصَّت آثار الشريعة المقدَّسة على أنَّ لها ولساعات النهار أو الليل فيها آثاراً تكوينيَّة أو شرعيَّة من قبيل سرعة غفران الذنب وقبول التوبة كما في سحر ليلة الجمعة.
فالامتياز بالأماكن والأيَّام قضيَّة تكاد تكون عقلائيَّة فضلاً عن كونها إسلاميَّة.
وفي زيارة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) تتحدَّثُ الآثار عن أنَّ هناك أوقاتاً خاصَّة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(40) الدروس الشرعيَّة (ج 2/ ص 22 - 24).
(41) راجع ما سيأتي بعد قليل تحت عنوان (المتلهِّفون ناجون): «... السلام على رسول الله، السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ومنتهى مشاهده...».

(٢٧)

وأماكن مخصَّصةً لتلك الزيارة، ونذكر تلك الأماكن والأزمان اعتماداً على ما فصَّله الميرزا محمّد تقي (رحمه الله) في كتابه الرائع (مكيال المكارم) حيث يقول في الجزء الثاني(42): إنَّ هناك أوقاتاً وحالات خاصَّة يرتبط بها الإنسان بالإمام (عليه السلام)، ومنها:
1 - بعد كلِّ فريضةٍ، ويشهد لذلك ما روي في (الكافي) عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إِذَا اِنْصَرَفْتَ مِنْ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَقُلْ: رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا... وَبِفُلَانٍ وَفُلَانٍ أَئِمَّةً، اَللَّهُمَّ وَلِيُّكَ فُلَانٌ فَاحْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ تَحْتِهِ وَاُمْدُدْ لَهُ فِي عُمُرِهِ وَاِجْعَلْهُ اَلْقَائِمَ بِأَمْرِكَ»(43)، وفي خبر آخر: «بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، اَللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلَانَا صَاحِبَ اَلزَّمَانِ...»(44).
2 - في قنوت كلِّ صلاةٍ، وبعد كلِّ ركعتين من صلاة الليل، وبعد صلاة الصبح، وبعد صلاة الظهر، وبعد صلاة العصر، وقد نصَّت جملةٌ من الآثار على أنَّ هذه الأوقات من مختصَّات ذكر الإمام (عليه السلام).
3 - الساعة الأخيرة من كلِّ يوم.
4 - يوم الخميس وليلة الجمعة ويومها، فإنَّهما أوقات عرض الأعمال عليه.
وقد تأكَّد في هذا اليوم وليلته أعمال كثيرة خاصَّة بالإمام كدعاء الندبة في صبيحة يوم الجمعة، وقد نصَّت الآثارُ على أنَّ هناك ساعات في يوم الجمعة تميَّزت بالتصاقها واختصاصها بالإمام (عليه السلام)، فعند الزوال، وبعد صلاة العصر،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(42) راجع: مكيال المكارم (ج 2/ ص 5 فصاعداً).
(43) الكافي (ج 2/ ص 548/ باب الدعاء في أدبار الصلوات/ ح 6).
(44) بحار الأنوار (ج 83/ ص 61).

(٢٨)

وقنوت صلاة الظهر، وفي خطبة صلاة الجمعة، وآخر ساعةٍ منه، وفي هذه الساعة الأخيرة من يوم الجمعة ورد الاستحباب بقراءة دعاء السمات الذي هو من الأدعية المختصَّة به (عجّل الله فرجه).
هذا فضلاً عن الأدلَّة العامَّة التي تُؤكِّد على أنْ يكون الإنسان ذاكراً دائماً للإمام (عليه السلام)، فإنَّ ذكره ذكرٌ لله تعالى، وقد قال تعالى: ﴿اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾ (الأحزاب: 41)، فهو يشمل كلَّ الأوقات دون استثناء.
أمَّا فيما يرتبط بالأيَّام، فمنها يوم عرفة الذي يُستحَبُّ فيه زيارته وذكره (عجّل الله فرجه)، ومنها يوم العيدين، وكذلك يوم الجمعة، ومنها يوم دحو الأرض، ويوم عاشوراء، ويوم النصف من شعبان يوم مولده (عليه السلام) وليلته، فضلاً عن ليالي شهر رمضان بل ليالي القدر فيه.
أمَّا الحالات التي ينبغي أنْ يُزار فيها (عليه السلام)، فهي عند الخشوع، وإقبال النفس، وعند تجدُّد كلِّ نعمة وزوال كلِّ محنة، كما ينبغي أنْ يُزار عند حلول الهمِّ والغمِّ لما في ذلك من تفريج لها بالزيارة.
ومن تلك الحالات هي حالة المداومة على زيارته والدعاء بتعجيل فرجه أربعين صباحاً أو أربعين ليلةً من ليالي الأربعاء عند مسجد السهلة.
أمَّا أفضل الأماكن التي ينبغي أنْ يُذكر فيها ويُزار، فهي المساجد الأربعة خصوصاً في أيَّام الحجِّ، فإنَّه (عليه السلام) يحضر الموسمَ ويكون عند البيت العتيق، وقد نصَّ على ذلك حديث العمري (رضوان الله عليه) عندما سُئِلَ عن مكان صاحب الزمان فقال: آخِرُ عَهْدِي بِهِ عِنْدَ بَيْتِ اَللهِ اَلْحَرَامِ وَهُوَ يَقُولُ: «اَللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي»(45).
ومنها أرض عرفات، وكلُّ المشاعر المقدَّسة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(45) كمال الدِّين (ص 440/ باب 43/ ح 9).

(٢٩)

ومنها منزله الذي غاب منه بسامراء، فإنَّ الإنسان أكثر ما يأنس في بيته، فمن أراد أنْ يزور شخصاً يقصد بيته.
وكلُّ مقام نُسِبَ إلى الإمام (عليه السلام) أو نُقِلَ أنَّه رؤي فيه فينبغي زيارته هناك، فهي محالُّ تواجده وبُقَع حضوره.
ومنها مسجد السهلة، ومساجد أُخرى كجمكران، وغيرها.
ومنها مشاهد الأئمَّة (عليهم السلام) كحرم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والصدِّيقة الطاهرة وأئمَّة البقيع (عليهم السلام)، وحرم الغري عند أمير المؤمنين (عليه السلام)، وبقعة كربلاء عند حرم الحسين (عليه السلام)، والكاظمين (عليهما السلام) والعسكريَّين (عليهما السلام) وحرم الرضا (عليه السلام).
وهذا لا يعني أنَّه (عليه السلام) لا يُذكر في غير هذه الأوقات والأزمان والأمكنة، بل لأنَّ الروايات وأقوال العلماء قد أكَّدت على اختصاص هذه الأوقات به، وهو لا يعني بحال من الأحوال أنَّ غيرها من الأحوال والأزمان والأمكنة لا ينبغي زيارته فيها، فكلُّ وقتٍ وكلُّ زمانٍ هو منتسب إليه، كما سيأتي في شرح فقرة: «السَّلَامُ عَلَيْكَ فِي آنَاءِ لَيْلِكَ وَأَطْرَافِ نَهَارِكَ»، فكلُّ الأوقات وكلُّ الأزمان وفي كلِّ الأحوال وفي كلِّ الأماكن ينبغي زيارته (عليه السلام).
9 - المتلهِّفون ناجون:
إنَّ هناك نفوساً من المؤمنين قد اشتدَّ بهم الشوقُ لإمامهم وسبيل نجاتهم، فصاروا يلتمسون آثاره ليشمُّوا منها عبق الإيمان وروح الإسلام وصفاء الدِّين ومحض الإخلاص والقرب، وقد جعلت الشريعة المقدَّسة الطريقَ سالكةً أمام هؤلاء، إذ نصَّت بعض الأخبار التي تتحدَّث عن آداب مسجد الكوفة وغيره حيث تقول: «اَلسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اَللهِ، اَلسَّلَامُ عَلَى أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اَللهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَمُنْتَهَى مَشَاهِدِهِ، وَمَوْضِعِ مَجْلِسِهِ، وَمَقَامِ حِكْمَتِهِ، وَآثَارِ آبَائِهِ، آدَمَ

(٣٠)

وَنُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ، وَتِبْيَانِ تِبْيَانِهِ»(46)، فتعظيم المشاهد والمقامات المنتسبة إليهم هو من تعظيم الإمام.
ولإمامنا الغائب (عليه السلام) بقاع من نور تشرَّفت تلك الذرَّات الترابيَّة أنْ وطأتها قدم الطهر الإلهي، فجعلت حياضاً يلتمس فيها الشائقون لدرج الكمال بغيتهم للعروج إلى عالم الملكوت، فينبغي لهؤلاء العُشَّاق أنْ يُعظِّموا تلك المشاهد ويتفحَّصوا ذرَّاتها ليلتمسوا طُرُق الوصول فيعرجوا من خلالها إلى عالم الحقِّ.
فإنَّ تعظيم كلِّ ما يرتبط بالإمام (عجّل الله فرجه) ابتداءً من اسمه بل أسمائه وألقابه وكلِّ أرض انتسبت إليه وكلِّ وقتٍ التصق به، إنَّ هذا التعظيم يفتح للنفس آفاقاً رحبةً، فإمامٌ بعظمة إمامنا ينحني لذكر اسمه الأئمَّة (عليهم السلام). يقول الشيخ عليٌّ النمازي الشاهرودي في (مستدرك سفينة البحار):
(ويُستحَبُّ القيام عند ذكر لقب القائم، لما روي في كتاب (إلزام الناصب عن تنزيه الخاطر): سُئِلَ مولانا الصادق (عليه السلام) عن سبب القيام عند ذكر لفظ القائم (عليه السلام) من ألقاب الحجَّة، قال: «لأنَّ له غيبة طولانيَّة، ومن شدَّة الرأفة إلى أحبَّته ينظر إلى كلِّ من يذكره بهذا اللقب المشعر بدولته، ومن تعظيمه أنْ يقوم العبد الخاضع عند نظر المولى الجليل إليه بعينه الشريفة، فليقم وليطلب من الله (جلَّ ذكره) تعجيل فرجه».
وروي أيضاً عن مولانا الرضا (عليه السلام) في مجلسه بخراسان، [أنَّه] قام عند ذكر لفظة (القائم) ووضع يديه على رأسه الشريف وقال: «اَللَّهُمَّ عَجِّلْ فَرَجَهُ، وَسَهِّلْ مَخْرَجَهُ».
وذكر المحدِّث النوري في كتابه (النجم الثاقب) ما ترجمته بالعربيَّة: (هذا القيام والتعظيم سيرة تمام أبناء الشيعة في كلِّ البلاد...).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(46) المزار لابن المشهدي (ص 161).

(٣١)

وروى العلَّامة المامقاني في رجاله... أنَّه لـمَّا قرأ دعبل قصيدته المعروفة على الرضا (عليه السلام) وذكر الحجَّة (عليه السلام) بقوله:

خروج إمام لا محالة خارج * * * يقوم على اسم الله والبركاتِ

وضع الرضا (عليه السلام) يده على رأسه وتواضع قائماً ودعا له بالفرج(47).
ويشتاقُ لخدمته الصادقون، فعن خلَّاد بن الصفَّار، قال: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام): هَلْ وُلِدَ اَلْقَائِمُ (عليه السلام)؟ فَقَالَ: «لَا، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَخَدَمْتُهُ أَيَّامَ حَيَاتِي»(48)، فإنَّ هذا التعظيم لهذا الانتساب هو تعظيم لله تعالى، وتوقير للذات المقدَّسة.
وأمَّا التوهين لأيٍّ من ذلك فهو توهين له تعالى، فإنَّ ما لا يُشَكُّ فيه أنَّهم شعائر الله تعالى على حدِّ ما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «نَحْنُ الشِّعَارُ وَالْأَصْحَابُ»(49)، وقد قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ (الحجّ: 32)، فإنَّ أيَّة حالة توجب التعظيم تجب، وأيَّ تصرُّف ينتهي إلى التوهين يحرم، وهكذا ينبغي أنْ يكون حالنا مع الإمام (عليه السلام).
10 - الإمام (عجّل الله فرجه) يحثُّنا على الزيارة ويُعلِّمنا كيفيَّتها:
وردت العشرات من الروايات الشريفة وهي تُبيِّن ألفاظ الزيارات وكيفيَّاتها، وقد صنَّف فيها العلماء وفصَّلوا بعضها إلى زيارات عامَّة يُزار بها جميع الأئمَّة (عليهم السلام) كالزيارة الجامعة مثلاً أو زيارة أمين الله، وبعضها زيارات خاصَّة ببعض الأئمَّة (عليهم السلام) كزيارة وارث التي هي زيارة اختصاصيَّة بالإمام الحسين (عليه السلام)، فيما فصَّل العلماء تفصيلات أُخرى في الزيارة من قبيل أنَّ هناك زيارات في أيَّام أو مناسبات معيَّنة كيوم عرفة أو النصف من شعبان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(47) مستدرك سفينة البحار (ج 8/ ص 628 و629).
(48) الغيبة للنعماني (ص 252/ باب 13/ ح 46).
(49) نهج البلاغة (ص 215/ الخطبة 154).

(٣٢)

وفي ما يرتبط بزيارات الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فهي كثيرة، منها:
النموذج الأوَّل: ما زار به (عجّل الله فرجه) آباءه الطاهرين (عليهم السلام):
1 - زيارته (عجّل الله فرجه) لجدِّه أمير المؤمنين (عليه السلام)، حيث شوهد (عجّل الله فرجه) وهو يزور جدَّه أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الأحد قائلاً: «اَلسَّلَامُ عَلَى اَلشَّجَرَةِ اَلنَّبَوِيَّةِ وَاَلدَّوْحَةِ اَلْهَاشِمِيَّةِ... يَا مَوْلَايَ يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ هَذَا يَوْمُ اَلْأَحَدِ وَهُوَ يَوْمُكَ وَبِاسْمِكَ وَأَنَا ضَيْفُكَ فِيهِ وَجَارُكَ، فَأَضِفْنِي يَا مَوْلَايَ وَأَجِرْنِي فَإِنَّكَ كَرِيمٌ تُحِبُّ اَلضِّيَافَةَ وَمَأْمُورٌ بِالْإِجَارَةِ»(50).

2 - استئذانه (عجّل الله فرجه) لدخول حرم جدِّه الحسين (عليه السلام)، فعن الشيخ الصالح (أبو ميسور) بن عبد المنعم بن النعمان المعادي (رحمه الله)، قال: خَرَجَ مِنَ اَلنَّاحِيَةِ سَنَةَ (252هـ) إِلَيَّ عَلَى يَدِ اَلشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ اَلْأَصْفَهَانِيِّ حِينَ وَفَاةِ أَبِي (رحمه الله)، وَكُنْتُ حَدَثَ اَلسِّنِّ، فَكُنْتُ أَسْتَأْذِنُ فِي زِيَارَةِ مَوْلَايَ أَبِي عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام) وَاَلشُّهَدَاءِ (رِضْوَانُ اَللهِ عَلَيْهِمْ)، فَخَرَجَ إِلَيَّ مِنْهُ: «بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، إِذَا أَرَدْتَ زِيَارَةَ اَلشُّهَدَاءِ (رِضْوَانُ اَللهِ عَلَيْهِمْ)، فَقِفْ عِنْدَ رِجْلَيِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام)، وَهُوَ قَبْرُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (صَلَوَاتُ اَللهِ عَلَيْهِمَا)، فَاسْتَقْبِلِ اَلْقِبْلَةَ بِوَجْهِكَ، فَإِنَّ هُنَاكَ حَوْمَةَ اَلشُّهَدَاءِ (عليهم السلام) وَأَوْمِ وَأَشِرْ إِلَى عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام)، وَقُلْ: اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنْ نَسْلِ خَيْرِ سَلِيلٍ...»(51).
3 - زيارته (عجّل الله فرجه) لجدِّه الحسين (عليه السلام) المعروفة بالناحية المقدَّسة، إذ قال ابن المشهدي (رحمه الله) في كتابه (المزار): زيارة أُخرى في يوم عاشوراء لأبي عبد الله الحسين ابن عليٍّ (صلوات الله عليه): وممَّا خرج من الناحية (عليه السلام) إلى أحد الأبواب، قال: «تَقِفُ عَلَيْهِ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ) وَتَقُولُ: اَلسَّلَامُ عَلَى آدَمَ صَفْوَةِ اَللهِ...، اَلسَّلَامُ عَلَى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(50) جمال الأُسبوع (ص 38).
(51) المزار لابن المشهدي (ص 486 و487).

(٣٣)

مَنْ جُعِلَ اَلشِّفَاءُ فِي تُرْبَتِهِ، اَلسَّلَامُ عَلَى مَنِ اَلْإِجَابَةُ تَحْتَ قُبَّتِهِ، اَلسَّلَامُ عَلَى مَنِ اَلْأَئِمَّةُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ...، اَلسَّلَامُ عَلَى غَرِيبِ اَلْغُرَبَاءِ، اَلسَّلَامُ عَلَى شَهِيدِ اَلشُّهَدَاءِ، اَلسَّلَامُ عَلَى قَتِيلِ اَلْأَدْعِيَاءِ...»(52).
4 - زيارته (عجّل الله فرجه) لجدَّيه الكاظم والجواد (عليهما السلام)، فعن أبي الحسين بن أبي البغل الكاتب، قال: تَقَلَّدْتُ عَمَلاً مِنْ أَبِي مَنْصُورِ بْنِ صالِحَانِ، وَجَرَى بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا أَوْجَبَ اِسْتِتَارِي، فَطَلَبَنِي وَأَخَافَنِي، فَمَكَثْتُ مُسْتَتِراً خَائِفاً، ثُمَّ قَصَدْتُ مَقَابِرَ قُرَيْشٍ لَيْلَةَ اَلْجُمُعَةِ...، فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ سَمِعْتُ وَطْأَةً عِنْدَ مَوْلَانَا مُوسَى (عليه السلام)، وَإِذَا رَجُلٌ يَزُورُ، فَسَلَّمَ عَلَى آدَمَ وَأُولِي اَلْعَزْمِ (عليهم السلام)، ثُمَّ اَلْأَئِمَّةِ وَاحِداً وَاحِداً إِلَى أَنِ اِنْتَهَى إِلَى صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) [فَلَمْ يَذْكُرْهُ]...، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ زِيَارَتِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَأَقْبَلَ إِلَى عِنْدِ مَوْلَانَا أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، وَزَارَ مِثْلَ اَلزِّيَارَةِ وَذَلِكَ اَلسَّلَامَ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَأَنَا خَائِفٌ مِنْهُ، إِذْ لَمْ أَعْرِفْهُ، وَرَأَيْتُهُ شَابًّا تَامًّا مِنَ اَلرِّجَالِ...، فَقَالَ لِي: «يَا أَبَا اَلْحُسَيْنِ بْنَ أَبِي اَلْبَغْلِ، أَيْنَ أَنْتَ عَنْ دُعَاءِ اَلْفَرَجِ؟»... فَلَمَّا شُغِلْتُ بِالصَّلَاةِ وَاَلدُّعَاءِ خَرَجَ، فَلَمَّا فَرَغْتُ خَرَجْتُ لاِبْنِ جَعْفَرٍ لِأَسْأَلَهُ عَنِ اَلرَّجُلِ وَكَيْفَ دَخَلَ، فَرَأَيْتُ اَلْأَبْوَابَ عَلَى حَالِهَا مُغَلَّقَةً مُقَفَّلَةً، فَعَجِبْتُ مِنْ ذَلِكَ...، فَسَأَلْتُهُ عَنِ اَلرَّجُلِ وَدُخُولِهِ...، فَقَالَ: هَذَا مَوْلَانَا صَاحِبُ اَلزَّمَانِ (صَلَوَاتُ اَللهِ عَلَيْهِ)(53).
النموذج الثاني: ما صدر منه (عجّل الله فرجه) كزيارةٍ لآبائه الطاهرين أو له (عليهم السلام):
ومنها:
أوَّلاً: ما ورد منه (عجّل الله فرجه) من نصوص لزيارة آبائه الطاهرين (عليهم السلام):
1 - سلامه وصلواته عند زيارته لرسول الله والأئمَّة (عليهم السلام) عن يعقوب بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(52) المزار لابن المشهدي (ص 496 - 498).
(53) دلائل الإمامة (ص 551 - 553/ ح 525/129).

(٣٤)

يوسف الضرَّاب الغسَّاني في حديث طويل عن كيفيَّة خروج نسخة من الناحية المقدَّسة تُبيِّن له كيفيَّة السلام على رسول الله والأئمَّة (عليهم السلام) حيث يقول فيها: «بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ سَيِّدِ اَلمُرْسَلِينَ...، وَصَلِّ عَلَى أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ...، وَصَلِّ عَلَى اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ إِمَامِ اَلمُؤْمِنِينَ...، وَصَلِّ عَلَى اَلْخَلَفِ اَلصَّالِحِ اَلْهَادِي اَلمَهْدِيِّ...، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ اَلْأَئِمَّةِ...، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى وَلِيِّكَ اَلمُحْيِي سُنَّتَكَ، اَلْقَائِمِ بِأَمْرِكَ...، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ اَلمُصْطَفَى، وَعَلِيٍّ اَلمُرْتَضَى، وَفَاطِمَةَ اَلزَّهْرَاءِ، وَاَلْحَسَنِ اَلرِّضَا، وَاَلْحُسَيْنِ اَلمُصْطَفَى، وَجَمِيعِ اَلْأَوْصِيَاءِ، مَصَابِيحِ اَلدُّجَى...»(54).
2 - عن أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه)، قال: زُرْ أَيَّ اَلمَشَاهِدِ كُنْتَ بِحَضْرَتِهَا فِي رَجَبٍ، تَقُولُ إِذَا دَخَلْتَ: اَلْحَمْدُ لِلهِ اَلَّذِي أَشْهَدَنَا مَشْهَدَ أَوْلِيَائِهِ فِي رَجَبٍ...، اَللَّهُمَّ فَكَمَا أَشْهَدْتَنَا مَشْهَدَهُمْ فَأَنْجِزْ لَنَا مَوْعِدَهُمْ...، اَلسَّلَامُ عَلَيْكُمْ سَلَامَ مُوَدِّعٍ، وَلَكُمْ حَوَائِجَهُ مُوَدِّعٌ، يَسْأَلُ اَللهَ إِلَيْكُمْ اَلمَرْجِعَ وَسَعْيُهُ إِلَيْكُمْ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ، وَأَنْ يُرْجِعَنِي مِنْ حَضْرَتِكُمْ خَيْرَ مَرْجِعٍ إِلَى جَنَابٍ مُمْرِعٍ وَخَفْضٍ مُوَسَّعٍ وَدَعَةٍ وَمَهَلٍ إِلَى حِينِ اَلْأَجَلِ...»(55).
ثانياً: ما نُقِلَ إلينا من تواقيع شريفة تضمَّنت زيارات له (عجّل الله فرجه) أمر شيعته أنْ يزار بها:
ومنها:
1 - في كيفيَّة زيارته المشهورة المعروفة بـ(آل ياسين) والتي نحن بصدد شرحها، حيث ورد عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري أنَّه قال: خَرَجَ اَلتَّوْقِيعُ مِنَ اَلنَّاحِيَةِ اَلمُقَدَّسَةِ (حَرَسَهَا اَللهُ) بَعْدَ اَلمَسَائِلِ: «بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(54) الغيبة للطوسي (ص 273 - 280/ ح 238).
(55) مصباح المتهجِّد (ص 821 و822).

(٣٥)

لَا لِأَمْرِهِ تَعْقِلُونَ، حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ، فَمَا تُغْنِ اَلنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ، اَلسَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اَللهِ اَلصَّالِحِينَ، إِذَا أَرَدْتُمُ اَلتَّوَجُّهَ بِنَا إِلَى اَللهِ وَإِلَيْنَا فَقُولُوا كَمَا قَالَ اَللهُ تَعَالَى: ﴿سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾ [الصافَّات: 130]...»(56).
2 - زيارة آل ياسين غير المشهورة، ورويت أيضاً عن الحميري، وهي تختلفُ في بعض المقاطع، ولعلَّها تساوي من حيث الحجم ضعف الزيارة المشهورة(57).
3 - الزيارة المعروفة بـ (سلام الله الكامل التامُّ) والتي تُعرَف عند البعض بـ (استغاثة الحجَّة (عجّل الله فرجه))، وهي مرويَّة عن الحسين بن الحسن بن بابويه، عن عمِّه أبي جعفر محمّد بن عليِّ بن بابويه، وفيها: «سَلَامُ اَللهِ اَلْكَامِلُ اَلتَّامُّ اَلشَّامِلُ اَلْعَامُّ...»(58).
4 - نقل العلَّامة المجلسي (رحمه الله) عن السيِّد ابن طاووس (رحمه الله) زيارة أُخرى له مبتدأها: «إِلَهِي إِنِّي قَدْ وَقَفْتُ عَلَى بَابِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَقَدْ مَنَعْتَ اَلنَّاسَ مِنَ اَلدُّخُولِ إِلَى بُيُوتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ...»، ثمّ صلِّ في مكانك اثنتي عشرة ركعة واقرأ فيها ما شئت، واهدها له (عليه السلام)...، فإذا فرغت من الصلاة فادع بهذا الدعاء وهو دعاء مشهور يُدعى به في غيبة القائم (عليه السلام)، وهو: «اَللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ...» إلى آخر ما ذكره من الدعاء، وهي تُعَدُّ بمثابة الزيارة الثانية له (عجّل الله فرجه)(59).
11 - زيارة الإمام (عليه السلام) صلة رحمٍ برسول الله (عليهم السلام):
عن الإمام محمّد بن عليٍّ (عليهما السلام): «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ كَيْفَ قَدْرُهُ عِنْدَ اَللهِ فَلْيَنْظُرْ كَيْفَ قَدْرُ أَبَوَيْهِ اَلْأَفْضَلَيْنِ عِنْدَهُ: مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(56) الاحتجاج (ج 2/ ص 315 و316).
(57) راجع: المزار لابن المشهدي (ص 567 - 572).
(58) بحار الأنوار (ج 91/ ص 31 و32).
(59) بحار الأنوار (ج 99/ ص 83 - 92/ ح 2)، عن مصباح الزائر (ص 418 - 429).

(٣٦)

وقال الإمام جعفر بن محمّد (عليهما السلام): «مَنْ رَعَى حَقَّ أَبَوَيْهِ اَلْأَفْضَلَيْنِ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ لَمْ يَضُرَّهُ مَا أَضَاعَهُ مِنْ حَقِّ أَبَوَيْ نَفْسِهِ وَسَائِرِ عِبَادِ اَللهِ، فَإِنَّهُمَا يُرْضِيَانِهِمْ بِسَعْيِهِمَا».
وقال الإمام عليُّ بن محمّد (عليهما السلام): «مَنْ لَمْ يَكُنْ وَالِدَا دِينِهِ مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْ وَالِدَيْ نَسَبِهِ فَلَيْسَ مِنَ اَللهِ فِي حِلٍّ وَلَا حَرَامٍ وَلَا قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ»(60).
وفي (تفسير القمِّي) عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: «إِنَّ رَحِمَ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ يَقُولُ: اَللَّهُمَّ صِلْ مَنْ وَصَلَنِي، وَاِقْطَعْ مَنْ قَطَعَنِي، وَهِيَ تَجْرِي فِي كُلِّ رَحِمٍ»(61).
وفي (تفسير العيَّاشي) عن محمّد بن فضيل، قال: سَمِعْتُ اَلْعَبْدَ اَلصَّالِحَ يَقُولُ: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ [الرعد: 21]، قَالَ: «هُوَ رَحِمُ آلِ مُحَمَّدِ»(62).
وفي (تفسير فرات) عن ابن عبَّاس في قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَائَلُونَ بِهِ وَالْأَرحَامَ﴾ [النساء: 1]، قال: (نَزَلَتْ فِي رَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَذَوِي أَرْحَامِهِ)(63).
فهذه الآيات التي فسَّرتها أحاديث العترة الطاهرة بأنَّ صلة الرحم هي صلة محمّد وآل محمّد، وبقيَّتهم في زماننا هو حجَّة الله في الأرض (عجّل الله فرجه)، وأيَّة صلةٍ له (عجّل الله فرجه) أجلى وأوضح من زيارته، فأنت عندما تسأل أيًّا كان عن صلة أرحامه يقول: إنَّ صلتهم بزيارتهم، فأوضح وأجلى مصاديق الصلة للإمام (عجّل الله فرجه) هي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(60) بحار الأنوار (ج 23/ ص 260/ ضمن الحديث 8)، عن تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) (ص 330 - 332/ ح 195 و196 و200).
(61) تفسير القمِّي (ج 1/ ص 363).
(62) تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 208/ ح 29).
(63) تفسير فرات الكوفي (ص 101/ ح 88/19).
 

(٣٧)

زيارته، وقد أُمرنا وأُلزمنا بصلته فلا بدَّ من زيارته، بل إنَّ أجر الرسالة التي نصَّت الآياتُ على أنَّها منحصرة بمودَّة ذوي القربى، حيث قال: ﴿قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ (الشورى: 23)، وإنَّ من مصاديق هذه المودَّة هي الزيارة، وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مفسِّراً آية المودَّة عندما سُئِلَ عنها: «عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَاِبْنَاهُمَا»(64).
12 - سند الزيارة:
رُويت هذه الزيارة في عدَّة مصادر، فقد رواها الشيخ الطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج 2/ ص 315) عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري.
ورواها ابن المشهدي (رحمه الله) في المزار الكبير (ص 566) بسندٍ ابتدأه بأبي محمّد عربي بن مسافر العبادي، وانتهى بأبي جعفر محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري.
كما أنَّ العلَّامة المجلسي (رحمه الله) رواها في بحار الأنوار (ج 53/ ص 171/ ح 5) ناقلاً إيَّاها عن (الاحتجاج)، وكذلك في (ج 91/ ص 2/ ح 4)، ومرَّة ثالثة رواها في (ج 91/ ص 36/ ح 23) ناقلاً لها بطريق الوجادة، حيث يقول: (ووجدتُ بخطِّ الشيخ محمّد بن عليٍّ الجبعي، نقلاً من خطِّ الشيخ الأجلّ عليِّ ابن السكون: حدَّثنا الشيخ الأجلّ الفقيه سديد الدِّين أبو محمّد عربي بن مسافر العبادي)، إلى أنْ يوصلها إلى الحميري، وهو نفس الطريق الذي رواها ابن المشهدي في (المزار الكبير)، كما أنَّه رواها مرَّة رابعة في (ج 99/ ص 92).
وهناك تفاوت يسير في رواياتها المتقدِّمة.
ونحن قد شرحنا هذه الزيارة اعتماداً على النصِّ الذي أودعه المحدِّث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(64) المعجم الكبير للطبراني (ج 11/ ص 351).

(٣٨)

الشيخ عبَّاس القمِّي (رحمه الله) حيث نقلها عن كتاب (الاحتجاج) للشيخ الطبرسي (رحمه الله)، وهذه نصُّ عبارته: (وزره (عليه السلام) بما روي عنه نفسه الشريفة كما عن الشيخ الجليل أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب (الاحتجاج) أنَّه خرج من الناحية المقدَّسة إلى محمّد الحميري بعد الجواب عن المسائل التي سألها: «بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، لَا لِأَمْرِهِ تَعْقِلُونَ...») إلى آخر النصِّ(65).
وهذه الزيارة بهذا النقل تختلف عن الزيارة التي نقلها ابن المشهدي (رحمه الله) في (المزار الكبير) والتي أورد فيها السند الذي سنذكره، حيث يمتاز نصُّ ابن المشهدي (رحمه الله) بوجود بعض المقاطع الأُخرى التي تضمَّنها، وقد تزيد بمقدار الثلث عن الزيارة المعروفة، ولكنَّنا لم نشرحها أو نشرح المقاطع التي تغاير تلك المودعة في (مفاتيح الجنان) لا لشيءٍ إلَّا لأنَّ الأُنس بما في هذا الكتاب المبارك وكثرة انتشاره ويسر تناوله هو الداعي من وراء شرحها دون غيرها، وبعد هذا لا يكون سند ابن المشهدي بذي أهمّيَّةٍ كبرى بالنسبة إلينا إلَّا إذا قيل - وهو الأرجح -: إنَّ ما خرج هو نصٌّ واحد دار أمره بين الزيادة والنقصان، وهذا بحثٌ أُصولي لا يُؤثِّر كثيراً على ما نحن فيه من بيان معاني هذه الزيارة، وأيًّا ما كان نذكر سند ابن المشهدي تبرُّكاً:
(زيارة مولانا الخلف الصالح صاحب الزمان (عليه وعلى آبائه السلام): حدَّثنا الشيخ الأجلُّ الفقيه العالم أبو محمّد عربي بن مسافر العبادي (رضي الله عنه) قراءةً عليه بداره بالحلَّة السيفيَّة في شهر ربيع الأوَّل سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وحدَّثني الشيخ العفيف أبو البقاء هبة الله بن نماء بن عليِّ بن حمدون (رحمه الله) قراءةً عليه أيضاً بالحلَّة السيفيَّة، قالا جميعاً: حدَّثنا الشيخ الأمين أبو عبد الله الحسين بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(65) مفاتيح الجنان (ص 752 - 754).

(٣٩)

أحمد بن محمّد بن عليِّ بن طحال المقدادي (رحمه الله) بمشهد مولانا أمير المؤمنين عليِّ ابن أبي طالب (صلوات الله عليه) في الطرز الكبير الذي عند رأس الإمام (عليه السلام) في العشر الأواخر من ذي الحجَّة سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، قال: حدَّثنا الشيخ الأجلّ السيِّد المفيد أبو عليٍّ الحسن بن محمّد الطوسي (رضي الله عنه) بالمشهد المذكور في العشر الأواخر من ذي القعدة سنة تسع وخمسمائة، قال: حدَّثنا السيِّد السعيد الوالد أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (رضي الله عنه)، عن محمّد بن اسماعيل، عن محمّد بن أشناس البزَّاز، قال: أخبرنا أبو الحسين محمّد بن أحمد بن يحيى القمِّي، قال: حدَّثنا محمّد بن عليِّ بن زنجويه القمِّي، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري).
وخلاصة ما نصبوا إليه في بيان حال هذه الزيارة المباركة أنَّها تُلقِّيت بالقبول والإذعان، وجرت السيرة على الالتزام بها، وهذا يُشكِّل إلى حدٍّ ما اطمئناناً بها بعد ورودها في الكُتُب المشهورة وتلقِّيها بالقبول والعمل.
13 - موقعيَّة زيارة آل ياسين بين زيارات الإمام (عجّل الله فرجه):
تتمتَّع زيارة آل ياسين بموقعيَّة خاصَّة ومتميِّزة بين زيارات الإمام (عجّل الله فرجه) الخاصَّة والجامعة، إذ إنَّها قد جاءت على لسانه (عجّل الله فرجه)، فهي تعكس لنا رغبة المولى الشاهد علينا أنْ نُسجِّل في حضرته القدسيَّة حضوراً يستدعي مألوفيَّتنا لديه وقربنا عنده بعباراتٍ اختارها هو لأنْ تُزارَ بها نفسه الشريفة.
فإنَّ من أكثر موجبات القرب إلى أيِّ شخصٍ نريد أنْ نتقرَّب إليه أنْ نلتجئ إلى تلك الوسائل التي يضعها هو بنفسه، فإنَّها تتمتَّعُ بأنْ تحمل في طيَّاتها خصوصيَّة القرب منه والأُنس بها له، إذ هو أراد أنْ يُزار بها دون غيرها، فهي أقربُ إلى نفسه الكريمة وروحه الطاهرة، فهو يأنس بها عندما يسمعها من أفواهٍ تُرتِّل أُنشودة القرب والالتجاء إليه (عجّل الله فرجه)، هذه الخصِّيصة التي تتميَّز بها هذه

(٤٠)

الزيارة تجعل منها مقدَّمةً لزياراته الأُخرى فضلاً عمَّا يأتي من أنَّها تحوي عبارات تحملُ السلامَ له في كلِّ أحواله وسكناته في ليله ونهاره.
وبعد هذه المقدَّمة والتمهيدات التي ذكرناها تسهيلاً لنا للولوج في بحر هذه الزيارة نترك العنانَ للقلم والفكر في أنْ يسبح على قدره في بحر معارف أهل البيت (عليهم السلام) ليغترف شربةً من محيط مائها العذب لعلَّه يلتمس بذلك سبيلاً لعروج الروح لعالم الملكوت لتلتقي بتلك النفوس القدسيَّة فتنعكس آثارها على وجودها المادِّي لتتجسَّد سلوكيَّات تبنِّي المجتمع بعد أنْ سلَّم زمام أمره بأيدٍ غير أمينة، فكانت نتيجة ذلك كلِّه أنْ تتلاطم الأمواج فتقذف به هنا تارةً وهناك تارةً أُخرى، ولو رجع إلى الوراء قليلاً وسلَّم قياد نفسه وزمام أمره إلى واسطة بارئها لكان قد برَّ بها.
14 - «بسم الله الرحمن الرحيم»:
يُمثِّلُ البدء بالبسملة منظومة فكريَّة وعقائديَّة، وأدباً إلهيًّا للبدء في القول والفعل، فكلُّ فعل وقول يبدأ باسمه ويُقصَد له تعالى، وغير ذلك هالك مبتور، فهذه الفقرة في الحقيقة هي باء الوجودِ ومفتاح الفكرِ وسُلَّم العقيدة وطريق الاستقامة.
لقد شرحَ جلُّ المفسِّرين والكثيرُ من علماء اللغة والمتخصِّصين بالأدب والمعارف والعقائد هذه الفقرة المباركة، وهي لصيقة القرآن ومفتاح الدخول إليه، بل ولم تفارق أيَّة سورة من سوره إلَّا عندما تجلَّى خطاب السماء بالبراءة من الأعداء. ويكفي هذه الفقرة المباركة أنَّ حروفها حملت في طيَّاتها الاسم المكنون المخزون الذي عجزَ عن أنْ يقف على حرماتهِ كلُّ البشر إلَّا ما اصطُفِيَ منهم واختير لحمله، فعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: «إِنَّ بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ أَقْرَبُ إِلَى اِسْمِ اَللهِ اَلْأَعْظَمِ مِنْ سَوَادِ اَلْعَيْنِ إِلَى بَيَاضِهَا»(66).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(66) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 2/ ص 8 و9/ ح 11).

(٤١)

استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
أ - (بسم): الاسم مشتقٌّ من السمة، أو أنَّه مشتقٌّ من السموِّ بمعنى الرفعة(67)، دخل عليه حرف الجرِّ (الباء).
ب - (الله): هو أخصُّ أسماء الله تعالى، ولم يُسَمَّ به غيره سبحانه، وأصلهُ الإله حُذِفَت الهمزة لكثرة الاستعمال (أله.. يأله)، جذرهُ (أله) فحُذِفَت همزته وأُدخِلَت عليه الألف واللَّام(68). قال تعالى: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ (مريم: 65).
ج - (الرحمن): صاحبُ الرحمة العامَّة، وجذرُ هذه الكلمة هو (رَحِمَ) دخلت عليه أداة التعريف، والرحمن صفة عامَّة شاملة، وقد استُعمِلَ رحم في رحم المرأة، ومنه استُعير الرحم للقرابة، قال تعالى: ﴿وَأَقْرَبَ رُحْماً﴾ (الكهف: 81)، وإذا وُصِفَ الله به تعالى فيُراد به الإحسان، وقد قيل: إنَّ الرحمة منه تعالى إنعامٌ وإفضالٌ، ومن الإنسان عطفٌ ورقَّةٌ(69).
د - (الرحيم): (رَحِمَ) جذرها كجذر الكلمة السابقة إلَّا أنَّها تختلف من جهة صيغة المبالغة فيها وأُدخِلَت عليه أداة التعريف، وهو اسم من أسمائه تعالى، وقد قيل: إنَّ الرحيم خاصٌّ بالمؤمنين، وإنَّ الرحمن شاملٌ لهم ولغيرهم(70).
ويُعَدُّ افتتاح الكلام بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) من التعابير المألوفة، وقد كانت قبل نزولها تُفتتَح الكتب بأسماء الأُمراء أو العظماء والأجلَّاء؛ لأنَّ الاسم يكون علامة الشيء ودليله، وعلى ذلك يكون المعنى: إنَّني أستعينُ فيما يأتي من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(67) لسان العرب (ج 14/ ص 401/ مادَّة سما).
(68) الصحاح للجوهري (ج 6/ ص 2223/ مادَّة أله).
(69) الصحاح للجوهري (ج 5/ ص 1929/ مادَّة رحم)، ومفردات الراغب (ص 347).
(70) لسان العرب (ج 12/ ص 230/ مادَّة رحم).

(٤٢)

أمري الذي أُريد أنْ أبتدئ به بقدرة الله سبحانه وتعالى عليه، فلو لم يكن قد رزقني تلك القدرة وأعطاني إيَّاها فليس بمقدوري أنا الفقير المحتاج أنْ يصدر هذا العمل منِّي بمعزل عنه تعالى، وإنِّي لأرجو أنْ تستمرَّ هذه القدرة عليَّ لأنَّه يرحم الجميع بمقتضى رحمانيَّته، فأُريده أنْ يرحمني أنا المؤمن ويشملني بعناية خاصَّة بمقتضى رحيميَّته.
الروايات الشريفة:
وورد ذكر (بسم الله الرحمن الرحيم) في العديد من الروايات، منها:
عن الإمام الرضا (عليه السلام) في معنى قوله تعالى: (بسم الله)، قال (عليه السلام): «أَيْ أُسَمِّ نَفْسِي بِسِمَةٍ مِنْ سِمَاتِ اَللهِ (عزَّ وجلَّ) وَهِيَ اَلْعُبُودِيَّةُ»(71).
قال الإمام الحسن بن عليٍّ (عليه السلام): «اَللهُ هُوَ اَلَّذِي يَتَأَلَّهُ إِلَيْهِ عِنْدَ اَلْحَوَائِجِ وَاَلشَّدَائِدِ كُلُّ مَخْلُوقٍ، وَعِنْدَ اِنْقِطَاعِ اَلرَّجَاءِ مِنْ كُلِّ مَنْ دُونَهُ، وَتَقَطُّعِ اَلْأَسْبَابِ مِنْ جَمِيعِ مَنْ سِوَاهُ، تَقُولُ: بِسْمِ اَللهِ، أَيْ أَسْتَعِينُ عَلَى أُمُورِي كُلِّهَا بِاللهِ اَلَّذِي لَا تَحِقُّ اَلْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، اَلمُغِيثِ إِذَا اُسْتُغِيثَ، وَاَلمُجِيبِ إِذَا دُعِيَ»(72).
إنَّ بقاء عملي وقراءتي مرهون بالمقدار الذي فيه نصيب ومساحة لله تعالى، فالابتداء باسمه في العمل والقول لأضمن دوام بقائه وعدم فنائه.
ملاحظة:
اكتفينا ببيان هذه الفقرة العظيمة بهذا المقدار، إذ لا يخلو شرحٌ أو تفسيرٌ للقرآن الكريم إلَّا وقد تضمَّن بيان شرح الفقرة مفصَّلاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(71) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 235 و236/ ح 19).
(72) معاني الأخبار (ص 4/ باب معنى الله (عزَّ وجلَّ)/ ح 2).

(٤٣)

15 - «لاَ لأمْرِهِ تَعْقِلُونَ»:
مادَّة الأمر (لا لأمره) تأتي بمعنى الشيء، وتأتي بمعنى الطلب، وغيرهما(73):
ومعناها على الأوَّل يكون (لا أعقل هذا الأمر) بمعنى: لا أعقل هذا الشيء، فتصير العبارة: لا لشيء من الحقائق تعقلون، أي تُدرِكون.
ومعناها على الثاني يجب عليكم أيُّها الناس أنْ تطيعوا الأمر الإلهي الصادر من المالك الحقيقي سواء عقلتموه أم لم تعقلوه، فجاءت الفقرة استنكاراً لما يصدر من كثيرٍ من الناس على بعض الأحكام من أنَّها غير معقولة أو لا نفهمها وما شابه ذلك، فخاطبتهم الفقرة استنكاراً عليهم أنَّ وظيفتكم ليست تعقُّل أوامر الله تعالى ثمّ طاعتها، وإنَّما وظيفتكم هي طاعته سواء عقلتم أم لم تعقلوا، فيا أيُّها الناس افهموا وظيفتكم ثمّ اسعوا في امتثالها وأدائها على وجهها، لا أنْ تعصوا وتُبرِّروا معصيتكم بأنَّكم لا تعقلون ذلك.
الإشارة إلى أهمّيَّة التعقُّل:
لقد ذكرت الآيات القرآنيَّة أهمّيَّة التعقُّل ودورهُ في بناء الإنسان فكريًّا وسلوكيًّا حتَّى غدا أكثر الممدوحين قرآنيًّا هم أولو الألباب والمتعقِّلون، قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ (الأعراف: 32) وقال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ (العنكبوت: 43)، فهاتان الآيتان من روائع الآيات التي مدحت أهل العقل والتعقُّل وأعطتهم ميزةً عن غيرهم، فهم في مقام العلم والتعلُّم يأخذون بالتفاصيل، ولا بدَّ أنْ يعطوا مساحةً أوسع واهتماماً أكبر، لأنَّهم إنْ أعملوا عقولهم سيستوعبون تفصيل الآيات ويتعقَّلون خطابها وما تريد منهم. فيما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(73) لسان العرب (ج 4/ ص 28/ مادَّة أمر).

(٤٤)

الجانب العملي تحدَّثت عنه الآية الأُخرى، فالأمثال التي تُضرَب للناس لأجل الاستقامة لا يتعقَّل كيفيَّة الاستفادة منها والسيرُ على هداها إلَّا أُولئك العارفون بحقائقها العالمون بتفاصيلها.
عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «لَـمَّا خَلَقَ اَللهُ اَلْعَقْلَ اِسْتَنْطَقَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مَا خَلَقْتُ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ، وَلَا أَكْمَلْتُكَ إِلَّا فِيمَنْ أُحِبُّ، أَمَا إِنِّي إِيَّاكَ آمُرُ، وَإِيَّاكَ أَنْهَى، وَإِيَّاكَ أُعَاقِبُ، وَإِيَّاكَ أُثِيبُ»(74)، فهذا الحديث الشريف يُبيِّن لنا أهمّيَّة العقل، فالله تعالى يقسم بعزَّته وجلاله أنَّ العقل هو أحبُّ الأشياء إليه، ولا يجعله كاملاً إلَّا فيمن يُحِبُّ، ونحن نعلم أنَّ حبيب الله هو محمّد المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فهو أكمل العقول وأحبُّ العباد إلى الباري، ولا عقل أكمل من عقله، فهذا الحديث من جواهر الأحاديث التي تُبيِّن حقيقة النبيِّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكونه واسطة الفيض الإلهي، وأنَّ أيَّ أمرٍ أو أيَّ نهيٍ إلهي لا يصدر إلَّا عن طريق عقله، وأنَّ الذي يطيع هذا العقل ويسير خلفه هو المطيع لله تعالى، وأنَّ الذي يعصيه هو عاصٍ لله تعالى.
كما أنَّ القرآن الكريم في ذات الوقت قد ذمَّ غير المتعقِّلين وجعلهم أدنى مراتبَ الإنسانيَّة، بل أدنى مراتب الوجود، حيث قال تعالى: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ (الفرقان: 44)، وقال تعالى: ﴿أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ (الأنبياء: 67)، وقال تعالى: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾ (الأنفال: 22)، فهذه الآيات الشريفة نكَّلت بالجهلاء أيَّما تنكيل، فرغم أنَّهم يتمتَّعون ظاهراً بالسمع والبصر إلَّا أنَّ الآية نفت عنهم ذلك وأدخلتهم في سلك العمى والخرس، لأنَّهم لم يتدبَّروا في آيات الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(74) الكافي (ج 1/ ص 10/ كتاب العقل والجهل/ ح 1)، والحديث تامٌّ سنداً.

(٤٥)

سبحانه وتعالى، ولم يكن منهجهم إلَّا الابتعاد عنها وعن المسار الذي رسمته، فهي رسمت للإنسان مساراً ينتهي إلى القرب من الله تعالى بطاعته، ولم تجعل منهجها التمسُّك بالدنيا والخلود إليها، فيما هؤلاء ينسون منهج السماء، فيبتعدون عن الله تعالى ويُروِّجون لذلك ليُبعِدوا الناس عنه، ليُؤسِّسوا منهجاً أرضيًّا يغاير منهج السماء، فشدَّدت الآيات الذمَّ عليهم والتنكيل بمنهج سلوكهم، فالفقرة تقول لنا: عندكم أدوات التعقُّل والذي ينبغي بكم أنْ تكونوا عليه من أتباع منهج السماء لا من أتباع منهج الأرض.
مناسبات الحكم والموضوع:
يحتمل في هذه الفقرة عدَّة أُمور:
الأوَّل:
موجِّهةٌ إلى الناس الذين تركوا الإمام بعد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بحجَّة أنَّ الإمامة أمرٌ غير معقول، قال الإِمام الرضا (عليه السلام): «اَلْإِمَامُ وَاحِدُ دَهْرِهِ، لَا يُدَانِيهِ أَحَدٌ، وَلَا يُعَادِلُهُ عَالِمٌ، وَلَا يُوجَدُ مِنْهُ بَدَلٌ، وَلَا لَهُ مِثْلٌ وَلَا نَظِيرٌ، مَخْصُوصٌ بِالْفَضْلِ كُلِّهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْهُ وَلَا اِكْتِسَابٍ، بَلِ اِخْتِصَاصٌ مِنَ اَلمُفْضِلِ اَلْوَهَّابِ، فَمَنْ ذَا اَلَّذِي يَبْلُغُ مَعْرِفَةَ اَلْإِمَامِ، أَوْ يُمْكِنُهُ اِخْتِيَارُهُ؟!
هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ!
ضَلَّتِ اَلْعُقُولُ، وَتَاهَتِ اَلْحُلُومُ، وَحَارَتِ اَلْأَلْبَابُ، وَخَسَأَتِ اَلْعُيُونُ، وَتَصَاغَرَتِ اَلْعُظَمَاءُ، وَتَحَيَّرَتِ اَلْحُكَمَاءُ، وَتَقَاصَرَتِ اَلْحُلَمَاءُ، وَحَصِرَتِ اَلْخُطَبَاءُ، وَجَهِلَتِ اَلْأَلِبَّاءُ، وَكَلَّتِ اَلشُّعَرَاءُ، وَعَجَزَتِ اَلْأُدَبَاءُ، وَعَيِيَتِ اَلْبُلَغَاءُ عَنْ وَصْفِ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِهِ، أَوْ فَضِيلَةٍ مِنْ فَضَائِلِهِ، فَأَقَرَّتْ بِالْعَجْزِ وَاَلتَّقْصِيرِ»(75).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(75) الكافي (ج 1/ ص 201/ باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته/ ح 1).

(٤٦)

الثاني:
خطابٌ موجَّه إلى الناس الذين يؤمنون بالإمام بعد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلَّا أنَّهم وقفوا عند إمامة الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه) ولم يتعقَّلوها بسبب ملابسات غيبته أو ولادته أو غيرها من الحيثيَّات التي فصَّلتها كُتُب الحديث.
عن محمّد بن عصام، قال: حدَّثني المفضَّل بن عمر، قال: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام) فِي مَجْلِسِهِ وَمَعِي غَيْرِي، فَقَالَ لَنَا: «إِيَّاكُمْ وَاَلتَّنْوِيهَ - يَعْنِي بِاسْمِ اَلْقَائِمِ (عليه السلام) -»، وَكُنْتُ أَرَاهُ يُرِيدُ غَيْرِي، فَقَالَ لِي: «يَا أَبَا عَبْدِ اَللهِ، إِيَّاكُمْ وَاَلتَّنْوِيهَ، وَاَللهِ لَيَغِيبَنَّ سَبْتاً مِنَ اَلدَّهْرِ، وَلَيَخْمُلَنَّ حَتَّى يُقَالَ: مَاتَ أَوْ هَلَكَ بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟ وَلَتَفِيضَنَّ عَلَيْهِ أَعْيُنُ اَلمُؤْمِنِينَ، وَلَيُكْفَأَنَّ كَتَكَفُّؤِ اَلسَّفِينَةِ فِي أَمْوَاجِ اَلْبَحْرِ حَتَّى لَا يَنْجُوَ إِلَّا مَنْ أَخَذَ اَللهُ مِيثَاقَهُ، وَكَتَبَ اَلْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ، وَأَيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْهُ، وَلَتُرْفَعَنَّ اِثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُعْرَفُ أَيٌّ مِنْ أَيٍّ»، قَالَ اَلمُفَضَّلُ: فَبَكَيْتُ، فَقَالَ لِي: «مَا يُبْكِيكَ؟»، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، كَيْفَ لَا أَبْكِي وَأَنْتَ تَقُولُ: «تُرْفَعُ اِثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُعْرَفُ أَيٌّ مِنْ أَيٍّ»؟ قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى كَوَّةٍ فِي اَلْبَيْتِ اَلَّتِي تَطْلُعُ فِيهَا اَلشَّمْسُ فِي مَجْلِسِهِ، فَقَالَ: «أَهَذِهِ اَلشَّمْسُ مُضِيئَةٌ؟»، قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: «وَاَللهِ لَأَمْرُنَا أَضْوَأُ مِنْهَا»(76).
فهو خطابٌ يعكس حالة الألم التي يعيشها الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، لما يرى من أُمَّة جدِّه وتشتُّتها وتفرُّقها عن أهل البيت (عليهم السلام).
روى الشيخ الطوسي (رحمه الله): أخبرني جماعة، عن أبي محمّد التلعكبري، عن أحمد بن عليٍّ الرازي، عن الحسين بن عليٍّ القمِّي، قال: حدَّثني محمّد بن عليِّ بن بنان الطلحي الآبي، عن عليِّ بن محمّد بن عبدة النيسابوري، قال: حدَّثني عليُّ بن إبراهيم الرازي، قال: حدَّثني الشيخ الموثوق به بمدينة السلام، قال:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(76) الغيبة للنعماني (ص 153 و154/ باب 10/ ح 9).

(٤٧)

تَشَاجَرَ اِبْنُ أَبِي غَانِمٍ اَلْقَزْوِينِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ اَلشِّيعَةِ فِي اَلْخَلَفِ، فَذَكَرَ اِبْنُ أَبِي غَانِمٍ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ (عليه السلام) مَضَى وَلَا خَلَفَ لَهُ، ثُمَّ إِنَّهُمْ كَتَبُوا فِي ذَلِكَ كِتَاباً وَأَنْفَذُوهُ إِلَى اَلنَّاحِيَةِ، وَأَعْلَمُوهُ بِمَا تَشَاجَرُوا فِيهِ، فَوَرَدَ جَوَابُ كِتَابِهِمْ بِخَطِّهِ (عَلَيْهِ وَعَلَى آبَائِهِ اَلسَّلَامُ):
«بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، عَافَانَا اَللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ اَلضَّلَالَةِ وَاَلْفِتَنِ، وَوَهَبَ لَنَا وَلَكُمْ رُوحَ اَلْيَقِينِ، وَأَجَارَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنْ سُوءِ اَلمُنْقَلَبِ، إِنَّهُ أُنْهِيَ إِلَيَّ اِرْتِيَابُ جَمَاعَةٍ مِنْكُمْ فِي اَلدِّينِ، وَمَا دَخَلَهُمْ مِنَ اَلشَّكِّ وَاَلْحَيْرَةِ فِي وُلَاةِ أُمُورِهِمْ، فَغَمَّنَا ذَلِكَ لَكُمْ لَا لَنَا، وَسَاءَنَا فِيكُمْ لَا فِينَا، لِأَنَّ اَللهَ مَعَنَا، وَلَا فَاقَةَ بِنَا إِلَى غَيْرِهِ، وَاَلْحَقُّ مَعَنَا فَلَنْ يُوحِشَنَا مَنْ قَعَدَ عَنَّا، وَنَحْنُ صَنَائِعُ رَبِّنَا، وَاَلْخَلْقُ بَعْدُ صَنَائِعُنَا. يَا هَؤُلَاءِ، مَا لَكُمْ فِي اَلرَّيْبِ تَتَرَدَّدُونَ، وَفِي اَلْحَيْرَةِ تَنْعَكِسُونَ؟ أَوَ مَا سَمِعْتُمُ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]؟ أَوَمَا عَلِمْتُمْ مَا جَاءَتْ بِهِ اَلْآثَارُ مِمَّا يَكُونُ وَيُحَدَّثُ فِي أَئِمَّتِكُمْ عَنِ اَلمَاضِينَ وَاَلْبَاقِينَ مِنْهُمْ (عليهم السلام)؟ أَوَمَا رَأَيْتُمْ كَيْفَ جَعَلَ اَللهُ لَكُمْ مَعَاقِلَ تَأْوُونَ إِلَيْهَا، وَأَعْلَاماً تَهْتَدُونَ بِهَا مِنْ لَدُنْ آدَمَ (عليه السلام) إِلَى أَنْ ظَهَرَ اَلمَاضِي (عليه السلام)، كُلَّمَا غَابَ عَلَمٌ بَدَا عَلَمٌ، وَإِذَا أَفَلَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ؟ فَلَمَّا قَبَضَهُ اَللهُ إِلَيْهِ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اَللهَ تَعَالَى أَبْطَلَ دِينَهُ، وَقَطَعَ اَلسَّبَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، كَلَّا مَا كَانَ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ حَتَّى تَقُومَ اَلسَّاعَةُ، وَيَظْهَرَ أَمْرُ اَللهِ سُبْحَانَهُ وَهُمْ كَارِهُونَ. وَإِنَّ اَلمَاضِيَ (عليه السلام) مَضَى سَعِيداً فَقِيداً عَلَى مِنْهَاجِ آبَائِهِ (عليهم السلام) حَذْوَ اَلنَّعْلِ بِالنَّعْلِ، وَفِينَا وَصِيَّتُهُ وَعِلْمُهُ، وَمَنْ هُوَ خَلَفُهُ وَمَنْ هُوَ يَسُدُّ مَسَدَّهُ، لَا يُنَازِعُنَا مَوْضِعَهُ إِلَّا ظَالِمٌ آثِمٌ، وَلَا يَدَّعِيهِ دُونَنَا إِلَّا جَاحِدٌ كَافِرٌ، وَلَوْلَا أَنَّ أَمْرَ اَللهِ تَعَالَى لَا يُغْلَبُ، وَسِرَّهُ لَا يُظْهَرُ وَلَا يُعْلَنُ، لَظَهَرَ لَكُمْ مِنْ حَقِّنَا مَا تَبَيَّنَ مِنْهُ عُقُولُكُمْ، وَيُزِيلُ شُكُوكَكُمْ، لَكِنَّهُ مَا شَاءَ اَللهُ كَانَ، وَلِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ. فَاتَّقُوا اَللهَ وَسَلِّمُوا لَنَا، وَرُدُّوا اَلْأَمْرَ إِلَيْنَا، فَعَلَيْنَا اَلْإِصْدَارُ كَمَا

(٤٨)

كَانَ مِنَّا اَلْإِيرَادُ، وَلَا تُحَاوِلُوا كَشْفَ مَا غُطِّيَ عَنْكُمْ، وَلَا تَمِيلُوا عَنِ اَلْيَمِينِ، وَتَعْدِلُوا إِلَى اَلشِّمَالِ، وَاِجْعَلُوا قَصْدَكُمْ إِلَيْنَا بِالمَوَدَّةِ عَلَى اَلسُّنَّةِ اَلْوَاضِحَةِ، فَقَدْ نَصَحْتُ لَكُمْ، وَاَللهُ شَاهِدٌ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ، وَلَوْلَا مَا عِنْدَنَا مِنْ مَحَبَّةِ صَلَاحِكُمْ وَرَحْمَتِكُمْ، وَاَلْإِشْفَاقِ عَلَيْكُمْ، لَكُنَّا عَنْ مُخَاطَبَتِكُمْ فِي شُغُلٍ فِيمَا قَدِ اُمْتُحِنَّا بِهِ مِنْ مُنَازَعَةِ اَلظَّالِمِ اَلْعُتُلِّ اَلضَّالِّ اَلمُتَتَابِعِ فِي غَيِّهِ، اَلمُضَادِّ لِرَبِّهِ، اَلدَّاعِي مَا لَيْسَ لَهُ، اَلْجَاحِدِ حَقَّ مَنِ اِفْتَرَضَ اَللهُ طَاعَتَهُ، اَلظَّالِمِ اَلْغَاصِبِ. وَفِي اِبْنَةِ رَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لِي أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، وَسَيُرْدِي اَلْجَاهِلَ رَدَاءَةُ عَمَلِهِ، وَسَيَعْلَمُ اَلْكَافِرُ لِمَنْ عُقْبَى اَلدَّارِ، عَصَمَنَا اَللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ اَلمَهَالِكِ وَاَلْأَسْوَاءِ، وَاَلْآفَاتِ وَاَلْعَاهَاتِ كُلِّهَا بِرَحْمَتِهِ، فَإِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَاَلْقَادِرُ عَلَى مَا يَشَاءُ، وَكَانَ لَنَا وَلَكُمْ وَلِيًّا وَحَافِظاً، وَاَلسَّلَامُ عَلَى جَمِيعِ اَلْأَوْصِيَاءِ وَاَلْأَوْلِيَاءِ وَاَلمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اَللهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَصَلَّى اَللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً»(77).
الثالث: إلى من يهمُّه الأمر:
إنَّه خطاب موجَّه إلى من يهمُّه أمر نجاة نفسه وخلاصها، فهذا الخطاب موجَّه له أنَّك لا تعقل أمر الله تعالى، فلا بدَّ لك ممَّن يوصلك إلى طريقة تعقل بها أمر الله سبحانه وتعالى، فعليك أنْ تسمع من أوليائه، أمَّا إذا لم تكن تسمع من أوليائه فستُهلِك نفسك وتُفسِد أمرك.
وهذه الفقرة بقرينة الفقرة الآتية: «وَلَا مِنْ أَوْلِيَائِهِ تَقْبَلُونَ» قد تكون هي الأقرب إلى مراد الإمام (عجّل الله فرجه) من هذا الخطاب وتصديره كديباجة لمن يعتقد أنَّ الارتباط به وصلته ووصله لها أثر كبير في تخليص الناس ممَّا هم فيه وفتح الطريق أمامهم.
على أنَّه سيأتي في الفقرة التالية الإشارة إلى وجوه أُخرى ممَّا تُفسِّر هذه الفقرة ووجه تصدير الزيارة بها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(77) الغيبة للطوسي (ص 285 - 287/ ح 245).

(٤٩)

16 - «وَلاَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ تَقْبَلُونَ»:
(الأولياء): عُدَّ لها ما يزيدُ على العشرين معنى(78)، ولا يُفهَم أيُّ معنى من معانيها إلَّا بقرينةٍ تُفهِم المقصودَ، ويُعَدُّ البحث عن الولاية من أهمّ ما دارت حوله الكثيرُ من النقاشات العقائديَّة والفكريَّة تفسيراً لآية الولاية، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ (المائدة: 55) وكذلك في مقام الشرح لحديث الثقلين، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ اَلثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اَللهِ (عزَّ وجلَّ) وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، أَلَا وَهُمَا اَلْخَلِيفَتَانِ مِنْ بَعْدِي، وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ اَلْحَوْضَ»(79)، وغيرها من الآيات أو الروايات التي تضمَّنت هذا المفاد.
والقرينة على أنَّ المراد بالولاية هنا هو المعنى العقائدي، والذي يعني أنَّ الوليَّ هو الشخص صاحب المنصب الإلهي، الوليُّ هو مبعوث السماء المنزَّه عمَّا ينافي وظيفته في هداية الناس، هو الإمام المعصوم الآخذ بيد الناس إلى الصراط المستقيم.
وقرينة هذا، أنَّ الفقرة السابقة تتحدَّث عن أوامر إلهيَّة لا تُتعقَّل إلَّا بوجود من له القدرة على بيانها، ليتمكَّن الناس من تعقُّلها، ثمّ جاءت هذه الفقرة لتقول: إنَّ المعاني التي لا تُتعقَّل مباشرةً يمكن أنْ تُتعقَّل من خلال الوسائط الإلهيَّة، بل لا بدَّ أنْ تكون عن طريقهم حصراً، ولا بدَّ أنْ تُقبَل منهم خاصَّةً، فلو لم تُقبَل عن طريق أولياء الله تعالى لا تُتعقَّل.
أمَّا في ما يرتبط بمعنى (تقبلون)، فهي: من قَبِلَ يقبلُ قبولاً(80)، بمعنى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(78) لسان العرب (ج 15/ ص 408/ مادَّة ولي).
(79) أمالي الصدوق (ص 500/ ح 686/15).
(80) لسان العرب (ج 11/ ص 540/ مادَّة قبل).

(٥٠)

الرضا بالشيء وميل النفس إليه، فمن يقبل شيئاً فهو لا يرفضه وقد اتَّخذ قراراً بالموافقة على الإيمان به والسير خلفه، ومن نكص فإنَّما ينكص على عقبيه.
الوسائط الإلهيَّة شرط القبول:
إنَّ هناك ولاية افترضتها حقيقة الارتباط بالسماء، وإنَّ هذه الغاية التي يتَّجه إليها الإنسان تكوينيًّا، ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ﴾ (الانشقاق: 6)، لا تتمُّ إلَّا أنْ يكون هناك وسائط يقع على عاتقهم تأمين هذه المهمَّة، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ (القَصص: 51).
وفي الروايات الشريفة الكثير ممَّا يدلُّ على ذلك، نذكر بعضاً منها:
قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَوْ أَنَّ عَبْداً عَبَدَ اَللهَ أَلْفَ عَامٍ ثُمَّ ذُبِحَ كَمَا يُذْبَحُ اَلْكَبْشُ ثُمَّ أَتَى اَللهَ بِبُغْضِنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ لَرَدَّ اَللهُ عَلَيْهِ عَمَلَهُ»(81).
وعن عمر بن حنظلة، قال: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام): إِنَّ آيَةً فِي اَلْقُرْآنِ تُشَكِّكُنِي، قَالَ: «وَمَا هِيَ؟» قُلْتُ: قَوْلُ اَللهِ: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: 27]، قَالَ: «وَأَيُّ شَيْءٍ شَكَكْتَ فِيهَا؟»، قُلْتُ: مَنْ صَلَّى وَصَامَ وَعَبَدَ اَللهَ قُبِلَ مِنْهُ؟ قَالَ: «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اَللهُ مِنَ اَلمُتَّقِينَ اَلْعَارِفِينَ»، ثُمَّ قَالَ: «أَنْتَ أَزْهَدُ فِي اَلدُّنْيَا أَمِ اَلضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ؟»، قُلْتُ: لَا، بَلِ اَلضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ: «فَذَلِكَ لَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْتَ»(82).
وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَا بَالُ أَقْوَامٍ مِنْ أُمَّتِي إِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُمْ إِبْرَاهِيمُ وَآلُ إِبْرَاهِيمَ اِسْتَبْشَرَتْ قُلُوبُهُمْ، وَتَهَلَّلَتْ وُجُوهُهُمْ، وَإِذَا ذُكِرْتُ وَأَهْلَ بَيْتِي اِشْمَأَزَّتْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(81) المحاسن للبرقي (ج 1/ ص 168/ ح 130).
(82) المحاسن للبرقي (ج 1/ ص 168/ ح 129).

(٥١)

قُلُوبُهُمْ، وَكَلَحَتْ وُجُوهُهُمْ؟! وَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَقِيَ اَللهَ بِعَمَلِ سَبْعِينَ نَبِيًّا ثُمَّ لَمْ يَأْتِ بِوَلاَيَةِ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنَّا أَهْلَ اَلْبَيْتِ مَا قَبِلَ اَللهُ مِنْهُ صَرْفاً وَلَا عَدْلاً»(83).
وهذه الأحاديث الشريفة وعلى غرارها العشرات هي على غرار عدَّة آيات، كقوله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً﴾ (النساء: 80)، وقوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرضُ﴾ (النساء: 42)، وقوله تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ (آل عمران: 32).
الوسائط الإلهيَّة منهج إلهي:
إنَّ هذه الوسائط تُمثِّل المرآة التي تعكس لنا إرادة الله سبحانه وتعالى ومنهجه الذي وضعه لإيصالنا إليه، وإنَّ هذا المنهج حصريٌ، ومن يريدُ أنْ يأمنْ يصلُ من خلاله، فعليه تقبُّل ما يقوله الأولياء وطاعتهم.
جاءت هذه الفقرة المباركة لتُحدِّثنا عن هذه الحالة التي زرعتها السماء في الأرض وقد اقتضتها تكوينيَّة الإنسان وعجزه عن إدراك ما به يرتبط بالله سبحانه وتعالى، فلم يبقَ له من سبيل إلَّا أنْ يلجأ لتلك الوسائط التي بمقدار ارتباطه بها تعكس في مرآة روحه صور العبوديَّة، ليُجسِّدها بعد ذلك عملاً تطبيقيًّا.
وقد حفلت كُتُب الأخبار بأشكال مختلفة من الآثار لبيان هذه الحقيقة، وإليك جملة منها:
جاء في (الكافي) عن منصور بن حازم، قال: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام): إِنَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(83) أمالي المفيد (ص 115/ ح 8).

(٥٢)

اَللهَ أَجَلُّ وَأَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ بِخَلْقِهِ، بَلِ اَلْخَلْقُ يُعْرَفُونَ بِاللهِ، قَالَ: «صَدَقْتَ»، قُلْتُ: إِنَّ مَنْ عَرَفَ أَنَّ لَهُ رَبًّا، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ لِذَلِكَ اَلرَّبِّ رِضًا وَسَخَطاً، وَأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ رِضَاهُ وَسَخَطُهُ إِلَّا بِوَحْيٍ أَوْ رَسُولٍ، فَمَنْ لَمْ يَأْتِهِ اَلْوَحْيُ فَقَدْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَطْلُبَ اَلرُّسُلَ، فَإِذَا لَقِيَهُمْ عَرَفَ أَنَّهُمُ اَلْحُجَّةُ، وَأَنَّ لَهُمُ اَلطَّاعَةَ اَلمُفْتَرَضَةَ. وَقُلْتُ لِلنَّاسِ: تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كَانَ هُوَ اَلْحُجَّةَ مِنَ اَللهِ عَلَى خَلْقِهِ؟ قَالُوا: بَلَى، قُلْتُ: فَحِينَ مَضَى رَسُولُ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مَنْ كَانَ اَلْحُجَّةَ عَلَى خَلْقِهِ؟ فَقَالُوا: اَلْقُرْآنُ، فَنَظَرْتُ فِي اَلْقُرْآنِ فَإِذَا هُوَ يُخَاصِمُ بِهِ اَلمُرْجِئُ وَاَلْقَدَرِيُّ وَاَلزِّنْدِيقُ اَلَّذِي لَا يُؤْمِنُ بِهِ حَتَّى يَغْلِبَ اَلرِّجَالَ بِخُصُومَتِهِ، فَعَرَفْتُ أَنَّ اَلْقُرْآنَ لَا يَكُونُ حُجَّةً إِلَّا بِقَيِّمٍ، فَمَا قَالَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ كَانَ حَقًّا، فَقُلْتُ لَهُمْ: مَنْ قَيِّمُ اَلْقُرْآنِ؟ فَقَالُوا: اِبْنُ مَسْعُودٍ قَدْ كَانَ يَعْلَمُ، وَعُمَرُ يَعْلَمُ، وَحُذَيْفَةُ يَعْلَمُ، قُلْتُ: كُلَّهُ؟ قَالُوا: لَا، فَلَمْ أَجِدْ أَحَداً يُقَالُ: إِنَّهُ يَعْرِفُ ذَلِكَ كُلَّهُ إِلَّا عَلِيًّا (عليه السلام)، وَإِذَا كَانَ اَلشَّيْءُ بَيْنَ اَلْقَوْمِ فَقَالَ هَذَا: لَا أَدْرِي، وَقَالَ هَذَا: لَا أَدْرِي، وَقَالَ هَذَا: لَا أَدْرِي، وَقَالَ هَذَا: أَنَا أَدْرِي، فَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيًّا (عليه السلام) كَانَ قَيِّمَ اَلْقُرْآنِ، وَكَانَتْ طَاعَتُهُ مُفْتَرَضَةً، وَكَانَ اَلْحُجَّةَ عَلَى اَلنَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَأَنَّ مَا قَالَ فِي اَلْقُرْآنِ فَهُوَ حَقٌّ، فَقَالَ: «رَحِمَكَ اَللهُ»(84).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أَلاَ إِنَّ اَلْعِلْمَ اَلَّذِي هَبَطَ بِهِ آدَمُ مِنَ اَلسَّمَاءِ إِلَى اَلْأَرْضِ وَجَمِيعَ مَا فُضِّلَتْ بِهِ اَلنَّبِيُّونَ إِلَى خَاتَمِ اَلنَّبِيِّينَ فِي عِتْرَةِ خَاتَمِ اَلنَّبِيِّينَ، فَأَيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ، بَلْ أَيْنَ تَذْهَبُونَ يَا مَنْ نُسِخَ مِنْ أَصْلَابِ أَصْحَابِ اَلسَّفِينَةِ هَذَا مَثَلُهَا فِيكُمْ، فَكَمَا نَجَا فِي هَاتِيكَ مَنْ نَجَا فَكَذَلِكَ يَنْجُو مِنْ هَذِهِ مَنْ يَنْجُو، وَيْلٌ لِمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُمْ»(85).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(84) الكافي (ج 1/ ص 168 و169/ باب الاضطرار إلى الحجَّة/ ح 2).
(85) الغيبة للنعماني (ص 51).

(٥٣)

عدم قبول الحقِّ والسير عليه:
إنَّ هناك سُنَّةً اقتضتها طبيعة الإنسان في تمرُّده وعصيانه، ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾ (آل عمران: 144) فهو يعلم أنَّ هؤلاء الأولياء هم وسائط الله تعالى، وأنَّه لا يُقبَل إلَّا عن طريقهم، مع ذلك كلِّه في الجانب العملي تراه يخالفهم، بل الغالب من الناس لا يؤمن بهم، فإنَّك تجدُ عدداً كبيراً من المسلمين لا يقبل بالولاية طريقاً حصريًّا للوصول إلى الله سبحانه وتعالى.
وفي الأحاديث الشريفة أخبارٌ تدلُّنا على ذلك، منها ما عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً﴾ [الجنّ: 16]، يقول: «لَأَشْرَبْنَا قُلُوبَهُمُ اَلْإِيمَانَ، وَاَلطَّرِيقَةُ هِيَ وَلَايَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَاَلْأَوْصِيَاءِ (عليهم السلام)»(86).
وعن زكريَّا النقَّاض، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «اَلنَّاسُ صَارُوا بَعْدَ رَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بِمَنْزِلَةِ مَنِ اِتَّبَعَ هَارُونَ (عليه السلام) وَمَنِ اِتَّبَعَ اَلْعِجْلَ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ دَعَا فَأَبَى عَلِيٌّ (عليه السلام) إِلَّا اَلْقُرْآنَ، وَإِنَّ عُمَرَ دَعَا فَأَبَى عَلِيٌّ (عليه السلام) إِلَّا اَلْقُرْآنَ، وَإِنَّ عُثْمَانَ دَعَا فَأَبَى عَلِيٌّ (عليه السلام) إِلَّا اَلْقُرْآنَ، وَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو إِلَى أَنْ يَخْرُجَ اَلدَّجَّالُ إِلَّا سَيَجِدُ مَنْ يُبَايِعُهُ، وَمَنْ رَفَعَ رَايَةَ ضَلَالَةٍ فَصَاحِبُهَا طَاغُوتٌ»(87).
وعن عبد الرحيم القصير، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إِنَّ اَلنَّاسَ يَفْزَعُونَ إِذَا قُلْنَا: إِنَّ اَلنَّاسَ اِرْتَدُّوا، فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اَلرَّحِيمِ، إِنَّ اَلنَّاسَ عَادُوا بَعْدَ مَا قُبِضَ رَسُولُ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ...»(88).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(86) الكافي (ج 1/ ص 419/ باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية/ ح 39).
(87) الكافي (ج 8/ ص 296 و297/ ح 456).
(88) الكافي (ج 8/ ص 296/ ح 455).

(٥٤)

هذه الأخبار تتحدَّث عن حال الناس في ذلك الزمان، فرغم معرفة الحقِّ ووضوحه فإنَّهم لم يتَّبعوا الحقَّ ولم يهتدوا بهداه وكأنَّه لم يطرق أسماعهم حديث الثقلين ولا حديث السفينة ولا حديث النجوم الذي جعل أهل البيت (عليهم السلام) أماناً لهذه الأُمَّة من الضلال ونجوماً يهتدون فيها إذا تلاطمت بهم الأمواج، لكنَّهم ويا للأسف ركبوا سُفُناً أغراهم ظاهرها عن باطنها، فما لبثت أنْ أغرقتهم وكانت عليهم وعلى من سار خلفهم وبالاً. ومن بديع ما تحدَّث به أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) عن نفس الإنسان وكيفيَّة تقبُّله للباطل رغم أنَّه كان يعيش في زمانٍ يعيش فيه النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والوليُّ (عليه السلام) والمقدَّسون من الصحابة إلَّا أنَّهم سرعان ما انحرفوا عن الجادَّة.
فهذا الإمام الصادق (عليه السلام) يُحدِّثنا عن هذه الحالة فيقول: «إِنَّ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْراً نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً مِنْ نُورٍ فَأَضَاءَ لَهَا سَمْعُهُ وَقَلْبُهُ حَتَّى يَكُونَ أَحْرَصَ عَلَى مَا فِي أَيْدِيكُمْ مِنْكُمْ، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ سُوءاً نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً سَوْدَاءَ فَأَظْلَمَ لَهَا سَمْعُهُ وَقَلْبُهُ»، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ اَلْآيَةَ: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ [الأنعام: 125]»(89).
ولعلَّ الكثير منَّا يسأل عن سرِّ انحراف الناس عن أهل البيت (عليهم السلام) رغم وضوح ولايتهم، وعن عصيان بعض من يؤمن بهم وهو يواليهم فما يلبث إلَّا أنْ يترك واجباً من هنا وواجباً من هناك ويقترف محرَّماً من هنا ومحرَّماً من هناك رغم أنَّ إمامه أمير المؤمنين (عليه السلام) ذاك القدِّيس الإلهي والمعصوم الربَّاني كان يخاف من المعصية ويبكي ليله عندما تخالج نفسه ذكر القيامة والحساب والوقوف بين يدي ربِّ الأرباب، فيأتي الجواب على لسان القرآن الكريم: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(89) الكافي (ج 2/ ص 214/ باب في ترك دعاء الناس/ ح 6).

(٥٥)

آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ (الأعراف: 146)، فالله تعالى جعل المتكبِّرين في وادٍ والحقَّ في وادٍ آخر، وصرف قلوبهم وعقولهم عن الحقِّ، لأنَّهم جعلوا الكبرياء والترفُّع بديلاً عنه، فبدلاً من أنْ يتَّخذوا طريق الانقياد سُلَّماً اتَّخذوا رداء الكبرياء تصنُّعاً فخسروا الاثنين معاً. وفي ذلك الصدد يجعل أهل البيت (عليهم السلام) امتناع الإنسان عن قبول الحقِّ والإذعان للصادقين هو الاستكبار، فكون الإنسان بطبعه يحتاج إلى الصادقين من العترة الطاهرة (عليهم السلام) لإيصاله إلى مقصده ينافي هذا الطبع، طبع الكبر والاستعلاء، فينصرف بسبب هذا الرداء الذي ألبسه نفسه عن الانصياع للحقِّ والقبول به، فعن حكيم، قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام) عَنْ أَدْنَى اَلْإِلْحَادِ، قَالَ: «إِنَّ اَلْكِبْرَ أَدْنَاهُ»(90).
17 - «حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ»:
الفقرة الشريفة تقول: إنَّ الله تعالى يُقدِّم لنا معرفة أفضل الأشياء بأفضل الطُّرُق، والتي توصل الشخص إلى غايته إذا أراد أنْ يتَّبعها، فيكون من أهل التبصُّر بالأُمور وحقائق الأشياء، وهي طريقة التحذير والإنذار، ولكن الواقع رغم أنَّ هذه الطريقة استُخدِمَت من قِبَله تعالى إلَّا أنَّ القوم الذين تجمعهم رابطة الإيمان استنكروا عمليًّا وابتعدوا فعليًّا عن هذه الطريقة المقدَّمة إليهم ولم يزاولوها، فكان أشدّ استنكارٍ يصدر بحقِّهم.
وفي المعاني اللغويَّة للكلمات ما يشير إلى ظهورٍ أوَّلي لبعض معاني الفقرة، حيث إنَّ الحكمة تعني معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم(91)، فالله تعالى يُقدِّم للناس الطُّرُق الفضلى من خلال الوحي الإلهي والنور الذي لا جهل فيه مع أنَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(90) الكافي (ج 2/ ص 309/ باب الكبر/ ح 1).
(91) لسان العرب (ج 12/ ص 140/ مادَّة حكم).

(٥٦)

الناس لا يذعنون، نعم إنَّ من يلتفت إلى ذلك هم أهل التبصُّر بالأُمور وحقائق الأشياء، لذلك وُصِفَ بعض الناس بالحكماء.
وما يُؤكِّد هذا المعنى أنَّ (بالغ) تعني في اللغة: الشيء النافذ والحجَّة القاطعة(92)، فإذا قيل: (حكمة بالغة) أي حجَّة واضحة بلغت غايتها.
ويزيد الأمر وضوحاً أنَّ معنى ﴿وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ﴾ (يونس: 101) أنَّه تعجُّب عمَّن يدَّعي عدم كفاية ما يُقدِّمه تعالى من معرفة بأفضل الأشياء، وكأنَّه يقول: فإذا كانت النُّذُر التي تأتيكم بالعلم الإلهي من خلال أهل التبصرة والمعرفة لا تغنيكم، فإذن ما عساه يغنيكم بعدها لكي تتَّعظوا وتتيقَّنوا؟ فجاء الاستنكار أنَّكم لستم بمؤمنين، لأنَّكم لو كنتم مؤمنين حقًّا لا بدَّ أنْ تتَّبعوا هذه النُّذُر.
وكأنَّ الفقرة تتحدَّث عن حالة ادِّعائيَّة على غرار قوله تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ (الحجرات: 14).
وخوفاً من التلبُّس بهذه الحالة جاء كلام الإمام (عليه السلام) في الفقرتين السابقتين حيث قال (عليه السلام): «لَا لِأَمْرِهِ تَعْقِلُونَ، وَلَا مِنْ أَوْلِيَائِهِ تَقْبَلُونَ...».
والفقرة تتضمَّن مجموعةً من الأبحاث نُسلِّط الضوء عليها من خلال النقاط التالية:
1 - حال الناس في الهداية:
توجد مجموعة من القواعد تتكلَّم عنها العقيدة تتضمَّن أنَّ الله تعالى لا يباشر عالم المادَّة، لأنَّه يلزم النقص عليه تعالى، فاقتضت حكمته أنْ يُرسِل لهداية الناس أشخاصاً من جنسهم يأخذون بيدهم لتحقيق الغرض من إيجادهم، قال تعالى: ﴿سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(92) لسان العرب (ج 8/ ص 420/ مادَّة بلغ).

(٥٧)

(الإسراء: 77). ولأنَّ هذه السُّنَّة الإلهيَّة في الإرسال من السُّنَن التي لا تتبدَّل اقتضت حكمة الخالق أنْ يكون الذي ينقل للناس الهداية له جنبتين: الجنبة الأُولى إلهيَّة وحيانيَّة، والجنبة الثانية بشريَّة ترابيَّة، لينقل الأحكام من خلال الإلهيَّة، وتصل من خلال البشريَّة إلى البشر، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾ (الكهف: 110)، ولكن الناس لم يستسيغوا ذلك، فجاءت اعتراضاتهم أنَّه كيف يكون لبشرٍ منَّا الولاية علينا؟ إذ لا بدَّ أنْ يكون مَلَكاً أو شيئاً آخر غير البشرِ، يريدون بذلك الاعتراض على هذه السُّنَّة، كما نقل القرآن عن لسانهم قائلاً: ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ (هود: 27)، وقال تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً﴾ (الإسراء: 94)، وقال تعالى: ﴿فَقَالُوا أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ﴾ (القمر: 24).
فجاء الجواب بآيات كثيرة استنكاراً على هؤلاء وتحكيماً لسُنَّة الإرسال، حيث يقول تعالى: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ﴾ (المؤمنون: 44) وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ﴾ (الفرقان: 20) وقال تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾ (الأنعام: 9)، وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (إبراهيم: 4)، فهذه الآيات المباركة تُؤكِّد على حقيقة الإرسال، وأنَّها سُنَّة الإلهيَّة في الهداية، وأنَّ الله تعالى لا

(٥٨)

يُغيِّر ويُبدِّل هذه السُّنَّة لكي تكون له الحجَّة البالغة على الخلق، قال تعالى: ﴿رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً﴾ (النساء: 165).
هذا هو حال الناس في الهداية، إلَّا من رحم ربُّك، وقليل ما هم، قال تعالى: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ (يوسف: 103)، وقال تعالى: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ (يوسف: 106).
إذن فالحكمة البالغة هي التي يخاطب بها الكلَّ ولكن واقعها في الالتزام هو الأقلّ، مصداقاً للآيات والسُّنَن التي تحدَّثت عنها النصوص السابقة.
2 - هل الإنسان مجبور على عدم الإيمان؟
الإنسان يمكنه أنْ يختار نَجْد الخير على نَجْد الشرِّ، وقد ترك الله تعالى له ذلك بعد أن وضَّح له الطريق وهداه إلى سواء السبيل، حيث قال: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾ (الإنسان: 3)، فلا يمكن لأيِّ أحدٍ أنْ يحتجَّ بعد ذلك فيقول: (إنَّني مجبور على عدم الإيمان، ولا يحقُّ للباري تعالى مؤاخذتي على ذلك، ولا يحقُّ لكم أيُّها الناس أنْ تلوموني، فالمغريات كثيرة والشرور قد تكالبت، فملت إليها بعد أنْ لم أجد من يأخذ بيدي للخلاص منها ويهديني سبيل الشاكرين)، إنَّها حجَّة داحضة، فالحجَّة البالغة لله تعالى، وما أعظمها من حجَّة بليغة حيث يخاطب الناس ويقول لهم: قد تركت لكم الاختيار، وبيَّنت لكم سبيل الخير، مع ذلك انحرفتم، قال تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ (العنكبوت: 2)، فقانون الفتنة والامتحان لا ينفلت منه أحد، كما أنَّ قانون الهداية وسُنَّة الإرسال سمع به الكلُّ ولم يستثن أحداً، فجاء دور اختيار الإنسان وأنْ يضع نفسه في أيِّ موضع، وعليه أنْ يُفكِّر مليًّا وطويلاً أنَّ رأس ماله وأثمن ما عنده وهو الوقت في أيِّ شيء سيستثمره ويحافظ عليه.

(٥٩)

3 - فما تُغْنِ النُذُرُ:
يبقى سؤال يُحيِّر ذوي الألباب، إذ مع كثرة هؤلاء النُّذَّار والهداة نجد الأكثر منحرفين وعصاة!
إنَّ هذه الحقيقة التي نراها تتجسَّد أمام أعيننا هي في الواقع تشير إلى أنَّ كلَّ فرد يتصرَّف حسب ما دأب عليه من تهذيب نفسه وتربيتها، فبمقدار ما يبذل من جهد على إصلاح نفسه والتحلِّي بمكارم الأخلاق والتخلِّي عن رذائلها ومساوءها ينعكس ذلك في سلوكه ولا يحتاج أنْ يترجمه بلسانه. أمَّا إذا ضعف هذا العامل فإنَّ أيَّ فردٍ سيكون عرضةً لتلاعب الشيطان به وتقاذف الأهواء له، فتارةً يكون في أقصى اليمين وتارةً في أقصى الشمال، مذبذب لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
على أنَّ غواية الشيطان لا تتجاوز إلقاء التصوُّرات الباطلة في ذهن الإنسان، لأنَّه ليس لديه سلطة تكوينيَّة على غواية الناس، ﴿وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ...﴾ (إبراهيم: 22).
النذير والهادي في الروايات الشريفة:
لقد تحدَّثت الكثير من روايات أهل البيت (عليهم السلام) عن النذير والهادي ودوره في هداية الناس، ونُسلِّط الضوء على نموذجٍ منها ينير دربنا:
في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ (الرعد: 7)، قال أبو جعفر (عليه السلام): «لِكُلِّ زَمَانٍ مِنَّا هَادٍ يَهْدِيهِمْ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثُمَّ اَلْهُدَاةُ مِنْ بَعْدِهِ عَلِيٌّ ثُمَّ اَلْأَوْصِيَاءُ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ»(93).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) عندما سُئِلَ عنها، قال: «كُلُّ إِمَامٍ هَادٍ لِلْقَرْنِ اَلَّذِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(93) الكافي (ج 1/ ص 191 و192/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) هم الهداة/ ح 2).

(٦٠)

هُوَ فِيهِمْ»(94)، فالآية في تفسير أهل البيت (عليهم السلام) تكون دليلاً على إمامة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، إذ اشترطت أنَّ لكلِّ قومٍ هادٍ في قرنهم، فلا بدَّ من وجود الإمام، وعلاوة على ذلك وبمقتضى أدلَّة حصر الأئمَّة باثني عشر وهي كثيرة وستأتي يكون هذا المفاد دليلاً على الغيبة وطول العمر أيضاً.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «فَلَيْسَ مِنَّا أَهْلَ اَلْبَيْتِ إِمَامٌ إِلَّا وَهُوَ عَارِفٌ بِجَمِيعِ أَهْلِ وَلَايَتِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُ اَللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد: 7]»(95).
وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) شارحاً الآية الشريفة قائلاً: «أَمَا وَاَللهِ مَا ذَهَبَتْ مِنَّا، وَمَا زَالَتْ فِينَا إِلَى اَلسَّاعَةِ»(96).
وعن الصادق (عليه السلام) قائلاً: «لَمْ تَخْلُ اَلْأَرْضُ مُذْ خَلَقَ اَللهُ آدَمَ مِنْ حُجَّةٍ لِلهِ فِيهَا ظَاهِرٍ مَشْهُورٍ أَوْ غَائِبٍ مَسْتُورٍ، وَلَا تَخْلُو إِلَى أَنْ تَقُومَ اَلسَّاعَةُ مِنْ حُجَّةٍ لِلهِ فِيهَا، وَلَوْ لاَ ذَلِكَ لَمْ يُعْبَدِ اَللهُ»، قِيلَ لَهُ: فَكَيْفَ يَنْتَفِعُ اَلنَّاسُ بِالْحُجَّةِ اَلْغَائِبِ اَلمَسْتُورِ؟ قَالَ: «كَمَا يَنْتَفِعُونَ بِالشَّمْسِ إِذَا سَتَرَهَا اَلسَّحَابُ»(97).
18 - «السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ إِذَا أَرَدْتُم التَّوَجُّه بِنَا إِلَى اللهِ وَإِلَيْنَا فَقُولُوا كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى»:
استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
1 - السلام يأتي بمعنى العافية(98)، وهو من أسماء الله (عزَّ وجلَّ)، قال تعالى: ﴿هُوَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(94) الكافي (ج 1/ ص 191/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) هم الهداة/ ح 1).
(95) مختصر بصائر الدرجات (ص 198).
(96) الكافي (ج 1/ ص 192/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) هم الهداة/ ح 4).
(97) كمال الدِّين (ص 207/ باب 21/ ح 22).
(98) قال ابن منظور في لسان العرب (ج 12/ ص 289 و290/ مادَّة سلم): (تسلَّم منه تبرَّأ...، السلامة العافية...، والتسليم مشتقٌّ من السلام، اسم الله تعالى، لسلامته من العيب والنقص...، وقيل: معناه: سَلِمْتَ منِّي فاجعلني أسلم منك، من السلامة بمعنى السلام...). وقال الرازي في مختار الصحاح (ص 166): (والسلام الاسم من التسليم...، والسلم المسالم تقول: أنا سلم لمن سالمني).

(٦١)

اللهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ﴾ (الحشر: 23)، على ما يأتي بيانه في فقرة: «سَلَامٌ عَلى آلِ يَاسَينَ».
2 - «السَّلَامُ عَلَيْنَا»: معناه أنَّنا نتعوَّذ ونستجير بالله تعالى - وهو السلام - من كلِّ بلاء وسوء، ونسأله تعالى الصحَّة والعافية في الدِّين والبدن، وهو تحصين بالله تعالى من كلِّ عيب ونقص، وجعل الله تعالى - السلام - حفيظاً علينا لكي ننجو به من كلِّ ذلك.
النقطة الثانية: في القرآن الكريم:
سياق الزيارة أنَّ المقصود من السلام هنا هو السلام على الحجَّة (عجّل الله فرجه)، فيكون معنى السلام من قِبَلنا عليه كما قال (عجّل الله فرجه): «إذا أردتم التوجُّه بنا إلى الله فقولوا...» هو على غرار قوله تعالى: ﴿سَلَامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ (يس: 58)، فسلامنا عليه إذعان منَّا بأنَّه هو المعصوم (عليه السلام) المنزَّه عن كلِّ آفة وعيب ونقص.
وكأنَّما يريد (عجّل الله فرجه) أنْ يُنبِّه الزائر - وقبل البدء بزيارته الشريفة - إلى أنَّه امتداد للغيب وللأنبياء (عليهم السلام)، لذلك قال: «السلام علينا» على «عباد الله الصالحين»، قال تعالى: ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا...﴾ (التحريم: 10)، مذكِّراً أنَّ هذه المعاني هي ما قاله الله تعالى، حيث نصَّ (عجّل الله فرجه) أنَّ التوجُّه إليه هو توجُّه إلى الله تعالى، قال (عجّل الله فرجه): «إذا أردتم التوجُّه بنا إلى الله تعالى وإلينا...»، وأنَّنا نقول كما قال الله تعالى: ﴿سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾ (الصافَّات: 130).

(٦٢)

النقطة الثالثة: في الروايات الشريفة:
ممَّا ورد في شباهة الحجَّة (عجّل الله فرجه) بالأنبياء (عليهم السلام) عدَّة روايات، منها:
ما رواه الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن الإمام الباقر (عليه السلام): «... إِنَّ فِي اَلْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شَبَهاً مِنْ خَمْسَةٍ مِنَ اَلرُّسُلِ: يُونُسَ بْنِ مَتَّى، وَيُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَمُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اَللهِ عَلَيْهِمْ)»(99).
فالفقرة الشريفة واردة منه ومقروءة بلسانه الشريف، إذ قال (عجّل الله فرجه): «السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ».
ثمّ قال (عجّل الله فرجه): «إِذَا أَرَدْتُم التَّوَجُّه...»، ولعلَّ المراد منها أنَّ الإمام (عجّل الله فرجه) يُوجِّه المؤمنين إلى أنَّ أوَّل خطوة في التوجُّه إلى الله تعالى هي بالإمام (عجّل الله فرجه)، وأوَّل خطوة للتوجُّه بالإمام (عجّل الله فرجه) هي السلام عليه المتضمِّن للإقرار بإمامته وعصمته وتجسيد ذلك عمليًّا - من الشخص الذي يريد أنْ يتوجَّه -، وهذا المعنى يحصل بالسلام، فالسلام إعلان للأمان والتسليم والإذعان للإمام (عجّل الله فرجه)، وقد ورد في معناه على ما يأتي في شرح فقرة: «سَلَامٌ عَلى آلِ يَاسَينَ» في حديث الإمام الصادق (عليه السلام): «... وَإِنَّمَا اَلسَّلَامُ عَلَيْهِ تَذْكِرَةُ نَفْسِ اَلْمِيثَاقِ، وَتَجْدِيدٌ لَهُ عَلَى اَللهِ، لَعَلَّهُ أَنْ يُعَجِّلَهُ (عزَّ وجلَّ)، وَيُعَجِّلَ اَلسَّلَامَ لَكُمْ بِجَمِيعِ مَا فِيهِ»(100).
قال الإمام الصادق (عليه السلام): «... وَاَلسَّلَامُ اِسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اَللهِ تَعَالَى أَوْدَعَهُ خَلْقَهُ، لِيَسْتَعْمِلُوا مَعْنَاهُ فِي اَلمُعَامَلاَتِ وَاَلْأَمَانَاتِ وَاَلْإِلْصَاقَاتِ، وَتَصْدِيقِ مُصَاحَبَتِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَصِحَّةِ مُعَاشَرَتِهِمْ، فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَضَعَ اَلسَّلَامَ مَوْضِعَهُ، وَتُؤَدِّيَ مَعْنَاهُ فَاتَّقِ اَللهَ تَعَالَى وَلْيَسْلَمْ دِينُكَ وَقَلْبُكَ وَعَقْلُكَ وَلَا تُدَنِّسْهَا بِظُلْمِ اَلمَعَاصِي، وَلْتَسْلَمْ مِنْكَ حَفَظَتُكَ [أَلَّا] تُبْرِمَهُمْ وَلَا تُمِلَّهُمْ وَتُوحِشَهُمْ مِنْكَ بِسُوءِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(99) كمال الدِّين (ص 327/ باب 32/ ح 7).
(100) الكافي (ج 1/ ص 451/ أبواب التاريخ/ ح 39).

(٦٣)

مُعَامَلَتِكَ مَعَهُمْ، ثُمَّ مَعَ صَدِيقِكَ، ثُمَّ مَعَ عَدُوِّكَ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْهُ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ فَالْأَبْعَدُ أَوْلَى، وَمَنْ لَا يَضَعُ اَلسَّلَامَ مَوَاضِعَهُ هَذِهِ فَلَا سَلَامَ وَلَا تَسْلِيمَ، وَكَانَ كَاذِباً فِي سَلَامِهِ...»(101).
النقطة الرابعة: أقوال العلماء:
قال العلَّامة الطباطبائي (رحمه الله) في (الميزان): (والأصل في معنى السلام على ما ذكره الراغب في (المفردات) هو التعرِّي عن الآفات الظاهرة والباطنة، وإليه يرجع معناه في جميع مشتقَّاته...، والسلام من أسمائه تعالى، لأنَّ ذاته المتعالية نفس الخير الذي لا شرَّ فيه...)(102).
فقرة: «وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ»:
هذه الفقرة تتحدَّث عن شمول السلام من الإمام (عجّل الله فرجه) أوَّلاً ومن القارئ لهذا النصِّ ثانياً، بمقتضى الإطلاق فيها لكلِّ عبد متَّصفٍ بالصلاح، فالمؤمن الملتزم بالطاعة والعبوديَّة له تعالى سواء كان إنساناً عاديًّا أو وليًّا من الأولياء أو نبيًّا من الأنبياء، فهذا السلام شامل له بكلِّ معاني السلام التي تقدَّمت والتي ستأتي في شرح الفقرة التالية، فكون العبد من أهل الصلاح يقتضي شمول السلام له بمعانيه من كلِّ زائر للإمام (عجّل الله فرجه)، فما أعظمها من نعمة.
فقرة: «إِذَا أَرَدْتُم التَّوَجُّه بِنَا إِلَى اللهِ وَإِلَيْنَا فَقُولُوا كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى»:
هذه الفقرة تتحدَّث عن التوسُّل وجعل الإمام (عجّل الله فرجه) واسطة إلى الله تعالى، وتعبير الإمام (عجّل الله فرجه) عن ذلك بالتوجُّه بدلاً من التوسُّل، فلم يقل: إذا أردتم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(101) مصباح الشريعة (ص 95 و96/ الباب 43).
(102) تفسير الميزان (ج 10/ ص 39).

(٦٤)

التوسُّل بنا إلى الله، بل قال (عجّل الله فرجه): «إِذَا أَرَدْتُم التَّوَجُّه»، يحتاج إلى وقفة تأمُّل وتحليل لمعنى التوسُّل والتوجُّه لمعرفة الفارق بينهما، وهذا ما يُخرجنا عن الرسم في شرح هذه الزيارة المباركة، وإنَّما قلنا ذلك لأجل التذكير والاهتمام، ونقتصر على بيان معنى التوجُّه والنصوص الروائيَّة الواردة فيه.
في اللغة:
جاء في معنى التوجُّه: الوجه معروف، والجمع: الوجوه، ووجه كلِّ شيء مستقبله، وفي التنزيل العزيز: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾ [البقرة: 115]، ووجه الكلام: السبيل الذي تقصده به، واتَّجهت إليك أي توجَّهت، وتوجَّه إليه ذهب(103).
الروايات في التوجُّه:
أ - روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) يتحدَّث فيها عن الفضل الذي يعطيه الله تعالى لمن يسجد سجدة الشكر بعد الصلاة، تقول الرواية: «... فَيَقُولُ اَللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَشْكُرُ لَهُ كَمَا شَكَرَ لِي، وَأُقْبِلُ إِلَيْهِ بِفَضْلِي، وَأُرِيهِ وَجْهِي»(104).
قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): (موصِف الله تعالى ذكره بالوجه كالوجوه فقد كفر وأشرك، ووجهه أنبياؤه وحُجَجه (صلوات الله عليهم)، وهم الذين يتوجَّه بهم العباد إلى الله (عزَّ وجلَّ) وإلى معرفته ومعرفة دينه)(105).
ب - جاء في كتاب (بصائر الدرجات) لشيخ القمِّيِّين أبي جعفر محمّد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(103) لسان العرب (ج 13/ ص 555 - 557/ مادَّة وجه).
(104) من لا يحضره الفقيه (ج 1/ ص 334/ ح 979).
(105) من لا يحضره الفقيه (ج 1/ ص 334/ ذيل الحديث 979).

(٦٥)

ابن الحسن بن فروخ الصفَّار (رحمه الله) المتوفَّى سنة (290هـ) التبويب بهذا العنوان: (4 - باب في الأئمَّة من آل محمّد (عليهم السلام) أنَّهم وجه الله الذي ذكره في الكتاب)، وروى فيه ستَّة أحاديث، منها ما رواه عن أبي جعفر (عليه السلام) وجوابه لسؤال أبي حمزة عن قوله تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ (القَصص: 88)، قال: «يَا فُلَانُ، فَهَلَكَ كُلُّ شَيْءٍ وَيَبْقَى اَلْوَجْهُ؟ اَللهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ، وَلَكِنْ مَعْنَاهَا: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا دِينَهُ، نَحْنُ اَلْوَجْهُ اَلَّذِي يُؤْتَى اَللهُ مِنْهُ، لَمْ نَزَلْ فِي عِبَادِ اَلِلهِ مَا دَامَ لِلهِ فِيهِمْ رَوِيَّةٌ»، قُلْتُ: وَمَا اَلرَّوِيَّةُ جَعَلَنِيَ اَللهُ فِدَاكَ؟ قَالَ: «حَاجَةٌ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِمْ حَاجَةٌ رَفَعَنَا إِلَيْهِ فَيَصْنَعُ بِنَا مَا أَحَبَّ»(106).
ج - روى ثقة الإسلام الكليني (رحمه الله) بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إِنَّ اَللهَ خَلَقَنَا فَأَحْسَنَ خَلْقَنَا، وَصَوَّرَنَا فَأَحْسَنَ صُوَرَنَا، وَجَعَلَنَا عَيْنَهُ فِي عِبَادِهِ، وَلِسَانَهُ اَلنَّاطِقَ فِي خَلْقِهِ، وَيَدَهُ اَلمَبْسُوطَةَ عَلَى عِبَادِهِ بِالرَّأْفَةِ وَاَلرَّحْمَةِ، وَوَجْهَهُ اَلَّذِي يُؤْتَى مِنْهُ، وَبَابَهُ اَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَخُزَّانَهُ فِي سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ، بِنَا أَثْمَرَتِ اَلْأَشْجَارُ، وَأَيْنَعَتِ اَلثِّمَارُ، وَجَرَتِ اَلْأَنْهَارُ، وَبِنَا يَنْزِلُ غَيْثُ اَلسَّمَاءِ، وَيَنْبُتُ عُشْبُ اَلْأَرْضِ، وَبِعِبَادَتِنَا عُبِدَ اَللهُ، وَلَوْلَا نَحْنُ مَا عُبِدَ اَللهُ»(107).
ولا يمكن لهذه الوجيزة من الحديث استيعاب هذه الفقرة العالية المضامين والراقية المفاهيم، فهم (عليهم السلام) وحدهم، وإمامنا (عجّل الله فرجه) في زماننا هذا هو وحده مفتاح الوصول إلى الله تعالى والمعبِّر عن إرادته ورضاه، فمن يريد الاتِّصال بالله تعالى والتقرُّب إليه لا بدَّ أنْ يتوجَّه صوب الإمام الحجَّة (عجّل الله فرجه) حصراً، سواء كان التوجُّه في أُمور الدِّين أم الدنيا، كما مرَّ عليك نصُّ كلماتهم أنَّهم الواسطة فيما بيننا وبين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(106) بصائر الدرجات (ص 85/ ج 2/ باب 4/ ح 3).
(107) الكافي (ج 1/ ص 144/ باب النوادر/ ح 5).

(٦٦)

الله تعالى، وأنَّ بهم أثمرت الأشجار وجرت الأرض وكلُّ رزق بهم، وأنَّ بعبادتهم عُبِدَ الله تعالى(108).
وليس بين أظهرنا اليوم سوى آخر الحُجَج للتوجُّه به إلى الله تعالى، قال الإمام الباقر (عليه السلام): «نَحْنُ وَجْهُ اَللهِ فِي اَلْأَرْضِ، نَتَقَلَّبُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ»(109).
وكما ورد عنه (عجّل الله فرجه): «أَنَا خَاتَمُ اَلْأَوْصِيَاءِ، وَبِي يَدْفَعُ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) اَلْبَلَاءَ عَنْ أَهْلِي وَشِيعَتِي»(110)، به (عجّل الله فرجه) نتوجَّه إلى الله تعالى، وبه تنزل البركة، وتُقبَل الدعوة وكلُّ عمل وعبادة.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(108) عن عليِّ بن جعفر، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إِنَّ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) خَلَقَنَا فَأَحْسَنَ خَلْقَنَا، وَصَوَّرَنَا فَأَحْسَنَ صُوَرَنَا، وَجَعَلَنَا خُزَّانَهُ فِي سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ، وَلَنَا نَطَقَتِ اَلشَّجَرَةُ، وَبِعِبَادَتِنَا عُبِدَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ)، وَلَوْلَانَا مَا عُبِدَ اَللهُ». (الكافي: ج 1/ ص 193/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) ولاة أمر الله وخزنة علمه/ ح 6).
(109) بصائر الدرجات (ص 85 و85/ ج 2/ باب 4/ ح 4).
(110) كمال الدِّين (ص 441/ باب 43/ ح 12).

(٦٧)

الفقرة الأولى: «سَلَامٌ عَلى آلِ يَاسَينَ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: (آل ياسين) في اللغة:
1 - أمَّا فيما يرتبط بمعنى (السلام) فقد مرَّ في بحوث التمهيد.
2 - وأمَّا فيما يرتبط بمعنى (ياسين) فقد قيل: إنَّ المراد به (يا إنسان)(111)، وقيل: (يا رجل)، وقيل: (يا محمّد)، وقيل كسائر الحروف الهجائيَّة في أوائل السور بالنسبة لرسم (يس)(112).
النقطة الثانية: (آل ياسين) في القرآن الكريم:
هذه من الفقرات القرآنيَّة، وابتداء الزيارة بها - حتَّى سُمِّيت بها - له مداليل عديدة نشير إلى جملة منها:
قال تعالى: ﴿سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾ (الصافَّات: 130).
ذكر المفسِّرون أنَّ المعنيَّ بها محمّد وآل محمّد (عليهم السلام)، وممَّن ذكر ذلك:
1 - قال الفرَّاء في (معاني القرآن): (﴿سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾، جاء التفسير في تفسير الكلبي على آل ياسين، على آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم))(113).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(111) لسان العرب (ج 6/ ص 13).
(112) مجمع البحرين (ج 6/ ص 9).
(113) معاني القرآن (ج 2/ ص 392).

(٧١)

2 - قال الحَسَكاني: (في قوله: ﴿سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾، قال: هو محمّد، وآله أهل بيته)(114).
3 - قال الطبري: (وقرأ ذلك عامَّة قُرَّاء المدينة: (سلام على آل ياسين) بقطع (آل) من (ياسين)، فكان بعضهم يتأوَّل ذلك بمعنى: سلام على آل محمّد)(115).
4 - قال الثعلبي: (وقرأ ابن عامر ونافع ويعقوب: (آل ياسين) بالمدِّ...، فمن قرأ (آل ياسين) بالمدِّ فإنَّه أراد آل محمّد)(116).
5 - قال شيخ الطائفة (رحمه الله): (وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب: (سلام على آل ياسين) على إضافة (آل) إلى (ياسين)...، من أضاف أراد به على آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لأنَّ (ياسين) اسم من أسماء محمّد على ما حكيناه)(117).
6 - وقال الشيخ فخر الدِّين الطريحي (رحمه الله): (وقُرئ: (سلام على آل ياسين) أي على آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم))(118).
7 - وقال الفيض الكاشاني (رحمه الله): («يس مُحَمَّدٌ، وَنَحْنُ آلُ يس(119)»، وفي رواية أنَّ الله سمَّى النبيَّ بهذا الاسم حيث قال: ﴿يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(114) شواهد التنزيل (ج 2/ ص 169/ ح 797).
(115) تفسير الطبري (ج 23/ ص 115).
(116) تفسير الثعلبي (ج 8/ ص 169)؛ وكذلك ذكر الفخر الرازي في تفسيره (ج 26/ ص 162) قريباً منه، والقرطبي في تفسيره (ج 15/ ص 119)، وابن كثير في تفسيره (ج 4/ ص 22)، والسيوطي في الإتقان (ج 2/ ص 369/ ح 5515)، والدُّرِّ المنثور (ج 5/ ص 286)، والشوكاني في فتح القدير (ج 4/ ص 359)، والآلوسي في تفسيره (ج 23/ ص 142).
(117) تفسير التبيان (ج 8/ ص 523).
(118) تفسير غريب القرآن (ص 587).
(119) مع أنَّ المذكور في الرواية (ياسين) وليس (يس).

(٧٢)

إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [يس: 1 - 3]، لعلمه أنَّهم يُسقِطون (سلام على آل محمّد) كما أسقطوا غيره)(120).
النقطة الثالثة: (آل ياسين) في الروايات الشريفة:
ورد في الروايات أنَّ آل ياسين هم محمّد وآل محمّد، وممَّا ورد في ذلك:
1 - روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن الإمام الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليٍّ (عليهم السلام) في قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾، قال: «يَاسِينُ مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَنَحْنُ آلُ يَاسِينَ»(121).
2 - روى الشيخ أبو محمّد الحسن بن عليِّ بن شعبة الحرَّاني (رحمه الله) بسنده عن الإمام الرضا (عليه السلام) حديثاً طويلاً تحت عنوان: (ومن كلامه (عليه السلام) في الاصطفاء: لـمَّا حضر عليُّ بن موسى (عليهما السلام) مجلس المأمون وقد اجتمع فيه جماعة علماء أهل العراق وخراسان، فقال المأمون:...
فَهَلْ عِنْدَكَ فِي اَلْآلِ شَيْءٌ أَوْضَحُ مِنْ هَذَا فِي اَلْقُرْآنِ؟ قَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام): «أَخْبِرُونِي عَنْ قَوْلِ اَللهِ: ﴿يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يس: 1 - 4]، فَمَنْ عَنَى بِقَولِهِ: ﴿يس﴾؟»، قَالَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(120) تفسير الأصفى (ج 2/ ص 1056)؛ وكذلك ذكره في تفسير الصافي (ج 1/ ص 49، وج 4/ ص 244 و282)، وكذلك ذكره الشيخ الحويزي (رحمه الله) في تفسير نور الثقلين (ج 3/ ص 192/ ح 334)، وغيرهما.
(121) أمالي الصدوق (ص 558/ ح 743/1)، كذلك رواه في معاني الأخبار (ص 122)، بل أفرد له فيه باباً خاصًّا حيث قال: (باب معنى آل ياسين) روى فيه (5) أحاديث، وكذلك فعل المجلسي (رحمه الله) في البحار (ج 23/ ص 167)، قال: (أبواب الآيات النازلة فيهم، باب أنَّ آل ياسين آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم))، وروى فيه (12) حديثاً، منها ما رواه عن تفسير عليِّ بن إبراهيم القمِّي (رحمه الله) قال: (ثمّ ذكر (عزَّ وجلَّ) آل محمّد، فقال: ﴿وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِلْ ياسِينَ﴾ [الصافَّات: 129 و130]، فقال: ياسين محمّد، وآل محمّد الأئمَّة (عليه وعليهم الصلاة والسلام)).

(٧٣)

اَلْعُلَمَاءُ: يس، مُحَمَّدٌ لَيْسَ فِيهِ شَكٌّ، قَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام): «أَعْطَى اَللهُ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ مِنْ ذَلِكَ فَضْلاً لَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ كُنْهَ وَصْفِهِ لِمَنْ عَقَلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ اَللهَ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا عَلَى اَلْأَنْبِيَاءِ [صَلَوَاتُ اَللهِ عَلَيْهِمْ]، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ﴾ [الصافَّات: 79]، وَقَالَ: ﴿سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [الصافَّات: 109]، وَقَالَ: ﴿سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الصافَّات: 120]، وَلَمْ يَقُلْ: سَلاَمٌ عَلَى آلِ نُوحٍ، وَلَمْ يَقُلْ: سَلَامٌ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَلَا قَالَ: سَلَامٌ عَلَى آلِ مُوسَى وَهَارُونَ، وَقَالَ (عزَّ وجلَّ): ﴿سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾ [الصافَّات: 130]»، فَقَالَ اَلمَأْمُونُ: لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ فِي مَعْدِنِ اَلنُّبُوَّةِ شَرْحَ هَذَا وَبَيَانَهُ(122).
النقطة الرابعة: مقامات السلام:
للسلام عدَّة مقامات، منها: أنْ يكون من الله تعالى على أنبيائه وعباده الصالحين، ومنها مقام السلام على النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمَّة (عليهم السلام)، وهو يختلف عنه مع العالِم والوليِّ الصالح، وقد نلاحظ ذلك في ممارساتنا مع الآخرين، فمقام السلام على الأب والأُمِّ يختلف عن مقام السلام على الأبناء، ويختلف عنها مقام السلام على الحاكم، فيُلاحَظ بأنحاء:
النحو الأوَّل: مقام السلام من الله تعالى: ﴿سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾ على غرار قوله تعالى: ﴿سَلَامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ (يس: 58)، ويحتمل أنْ يُراد به تنزيه الله تعالى لهم وتسليمهم من كلِّ آفة ورجس ورفع كلِّ ما لا يناسب شأنهم تكويناً وتشريعاً، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ (الأحزاب: 33).
النحو الثاني: سلامنا على النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام) امتثالاً للأمر الإلهي،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(122) تُحَف العقول (ص 425 - 433).

(٧٤)

قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ (الأحزاب: 56).
قال السيِّد اليزدي (رحمه الله): (فصل: [في الصلاة على النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)]: يُستحَبُّ الصلاة على النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حيث ما ذُكِرَ أو ذُكِرَ عنده، ولو كان في الصلاة وفي أثناء القراءة، بل الأحوط عدم تركها لفتوى جماعة من العلماء بوجوبها، ولا فرق بين أنْ يكون ذكره باسمه العلمي كمحمّد وأحمد، أو بالكنية واللقب كأبي القاسم والمصطفى والرسول والنبيِّ، أو بالضمير، وفي الخبر الصحيح: «وَصَلِّ عَلَى اَلنَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كُلَّمَا ذَكَرْتَهُ أَوْ ذَكَرَهُ ذَاكِرٌ عِنْدَكَ فِي أَذَانٍ أَوْ غَيْرِهِ»، وفي رواية: «مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ وَنَسِيَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيَّ خَطَّأَ اَللهُ بِهِ طَرِيقَ اَلْجَنَّةِ»)(123).
وعلَّق عليه السيِّد محسن الحكيم (قدّس سرّه) قائلاً: (على المشهور شهرة عظيمة، بل في المعتبر - بعد حكاية القول بوجوبها في العمر مرَّة عن الكرخي وكلَّما ذُكِرَ عن الطحاوي -، قال: قلنا: الإجماع سبق الكرخي والطحاوي فلا عبرة بتخريجهما. ونحوه ما عن المنتهى. وفي مفتاح الكرامة عن الناصريَّة، والخلاف والتذكرة: الإجماع على عدم الوجوب في غير الصلاة. لكن في مفتاح الفلاح نسب القول بالوجوب كلَّما ذُكِرَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى الصدوق والمقداد في كنز العرفان، ثمّ قال: وهو الأصحّ. واختاره في الحدائق ونسبه إلى المحدِّث الكاشاني في الوافي، والمحقِّق المدقِّق المازندراني في شرح أُصول الكافي، والشيخ عبد الله بن صالح البحراني. وعن المدارك: أنَّه غير بعيد، واستدلَّ له مضافاً إلى قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب: 56]...، وفيه: أنَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(123) العروة الوثقى (ج 1/ ص 527).

(٧٥)

الآية الأُولى إنَّما تدلُّ بإطلاقها على وجوبها ولو مرَّة في العمر، ويكفي في امتثال الأمر فيها الإتيان بها في بعض التشهُّدات الصلاتيَّة)(124).
معنى الصلاة والسلام عليهم (عليهم السلام):
ورد في بيان معنى الصلاة والسلام عليهم (عليهم السلام) عدَّة روايات، منها:
أ - ما رواه الشيخ الصدوق (رحمه الله): عن ابن أبي حمزة، عن أبيه، قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ اَللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب: 56]، فَقَالَ: «اَلصَّلَاةُ مِنَ اَللهِ (عزَّ وجلَّ) رَحْمَةٌ، وَمِنَ اَلمَلاَئِكَةِ تَزْكِيَةٌ، وَمِنَ اَلنَّاسِ دُعَاءٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ فَإِنَّهُ يَعْنِي اَلتَّسْلِيمَ لَهُ فِيمَا وَرَدَ عَنْهُ...»(125).
ب - روى الشيخ الطبرسي (رحمه الله) فيما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل جاء فيه: «وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾، وَلِهَذِهِ اَلْآيَةِ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ، فَالظَّاهِرُ قَوْلُهُ: ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ﴾، وَاَلْبَاطِنُ قَوْلُهُ: ﴿وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ أَيْ سَلِّمُوا لِمَنْ وَصَّاهُ وَاِسْتَخْلَفَهُ، وَفَضَّلَهُ عَلَيْكُمْ، وَمَا عَهِدَ بِهِ إِلَيْهِ تَسْلِيماً، وَهَذَا مِمَّا أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا مَنْ لَطُفَ حِسُّهُ، وَصَفَا ذِهْنُهُ، وَصَحَّ تَمْيِيزُهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾ [الصافَّات: 130]، لِأَنَّ اَللهَ سَمَّى بِهِ اَلنَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حَيْثُ قَالَ: ﴿يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(124) مستمسك العروة (ج 6/ ص 520 و521).
(125) معاني الأخبار (ص 367 و368/ باب معنى الصلاة من الله (عزَّ وجلَّ) ومن الملائكة ومن المؤمنين على النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، ومعنى التسليم/ ح 1).

(٧٦)

[يس: 1 - 3]، لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ يُسْقِطُونَ قَوْلَ اَللهِ: سَلاَمٌ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا أَسْقَطُوا غَيْرَهُ...»(126).
والمعنى الموجود في الرواية من المعاني العالية في معنى الولاية لأهل البيت (عليهم السلام)، فعندما يقول الموالي: ﴿سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾، أو في غيرها من الزيارات «اَلسَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ اَلْبَيْتِ»، وغيرها من عبارات السلام، فإنَّه يريد: إنَّني أُسلِّم وأُذعن أنَّكم أولياء الله تعالى، وأُسلِّم لكم في كلِّ ما ورد عنكم وأنا مطيع.
روى ثقة الإسلام الكليني (رحمه الله) بسنده عن داود بن كثير الرقِّي، قال: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللهِ: مَا مَعْنَى اَلسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اَللهِ؟ فَقَالَ: «إِنَّ اَللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَـمَّا خَلَقَ نَبِيَّهُ وَوَصِيَّهُ وَاِبْنَتَهُ وَاِبْنَيْهِ وَجَمِيعَ اَلْأَئِمَّةِ وَخَلَقَ شِيعَتَهُمْ أَخَذَ عَلَيْهِمُ اَلْمِيثَاقَ وَأَنْ يَصْبِرُوا وَيُصَابِرُوا وَيُرَابِطُوا، وَأَنْ يَتَّقُوا اَللهَ، وَوَعَدَهُمْ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُمُ اَلْأَرْضَ اَلمُبَارَكَةَ وَاَلْحَرَمَ اَلْآمِنَ، وَأَنْ يُنَزِّلَ لَهُمُ اَلْبَيْتَ اَلمَعْمُورَ، وَيُظْهِرَ لَهُمُ اَلسَّقْفَ اَلمَرْفُوعَ، وَيُرِيحَهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ، وَاَلْأَرْضِ اَلَّتِي يُبَدِّلُهَا اَللهُ مِنَ اَلسَّلَامِ وَيُسَلِّمُ مَا فِيهَا لَهُمْ لَا شِيَةَ فِيهَا»، قَالَ: «لَا خُصُومَةَ فِيهَا لِعَدُوِّهِمْ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِيهَا مَا يُحِبُّونَ، وَأَخَذَ رَسُولُ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عَلَى جَمِيعِ اَلْأَئِمَّةِ وَشِيعَتِهِمُ اَلْمِيثَاقَ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا اَلسَّلَامُ عَلَيْهِ تَذْكِرَةُ نَفْسِ اَلْمِيثَاقِ وَتَجْدِيدٌ لَهُ عَلَى اَللهِ، لَعَلَّهُ أَنْ يُعَجِّلَهُ (عزَّ وجلَّ) وَيُعَجِّلَ اَلسَّلَامَ لَكُمْ بِجَمِيعِ مَا فِيهِ»(127).
وهذا من أروع معاني السلام وأجمعها، وينسجم مع السلام على الحجَّة (عجّل الله فرجه) بالخصوص، لأجل تعجيل فرجه الشريف.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(126) الاحتجاج (ج 1/ ص 377).
(127) الكافي (ج 1/ ص 451/ أبواب التاريخ/ ح 39).

(٧٧)

الفقرة الثانية: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا دَاعِيَ اللهِ وَرَبَّانِيَ آيَاتِهِ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: الداعي:
أ - الداعي في اللغة:
استُعمِلَت هذه المفردة بعدَّة معانٍ، منها: أنَّ الداعي هو الذي يدعو الناس إلى الدِّين، فالنبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) داعي الله تعالى، ﴿وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً﴾ (الأحزاب: 46)، معناه داعياً إلى توحيد الله تعالى(128).
ب - الداعي في القرآن الكريم:
قال تعالى: ﴿... أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ﴾ (الأحقاف: 31)، قال شيخ الطائفة (رحمه الله): (يعنون محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، إذ دعاهم إلى توحيده وخلع الأنداد دونه)(129).
ج - الداعي في الروايات الشريفة:
ورد في كونهم (عليهم السلام) هم الدعاة إلى الله تعالى عدَّة من الروايات، منها:
1 - روى الشيخ الأقدم الصدوق (رحمه الله): «... اَلسَّلَامُ عَلَى اَلْأَئِمَّةِ اَلدُّعَاةِ...»(130).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(128) لسان العرب (ج 14/ ص 259/ مادَّة دعا).
(129) تفسير التبيان (ج 9/ ص 285).
(130) من لا يحضره الفقيه (ج 2/ ص 610/ تحت عنوان زيارة جامعة لجميع الأئمَّة (عليهم السلام)/ ح 3213) بسنده عن الإمام الهادي (عليه السلام)؛ ورواها غيره ومنهم شيخ الطائفة في تهذيب الأحكام (ج 6/ ص 96/ ح 177/1).

(٧٩)

2 - روى شيخ الطائفة في زمانه ابن قولويه (رحمه الله)، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال في زيارة طويلة جاء فيها: «اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِينَ اَللهِ، وَحُجَّهَ الله، وَبَابَ اَللهِ، وَاَلدَّلِيلَ عَلَى اَللهِ، وَاَلدَّاعِيَ إِلَى اَللهِ»(131).
3 - روى الشيخ النعماني (رحمه الله) عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: «اَلْإِسْلَامُ بَدَأَ غَرِيباً، وَسَيَعُودُ غَرِيباً كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ»، فَقُلْتُ: اِشْرَحْ لِي هَذَا أَصْلَحَكَ اَللهُ، فَقَالَ: «مِمَّا يَسْتَأْنِفُ اَلدَّاعِي مِنَّا دُعَاءً جَدِيداً كَمَا دَعَا رَسُولُ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(132)، وفي حديث آخر قال (عليه السلام): «... استأنف دعاءً جديداً كما دعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(133).
د - تنبيهات:
1 - الدعوة ليست مطلقة، بل مقيَّدة بالدعوة إلى الله تعالى في قبال من يدعو إلى غير الله تعالى، وأنَّ الدعوة هي منه وبأمره تعالى.
2 - هذه الدعوة هي أطول دعوة شهدتها البشريَّة من حيث الزمان، فهي دعوة مباشرة وقعت على عاتقه وتشخَّصت به (عجّل الله فرجه)، وهي إلى الآن لها أكثر من أحد عشر قرناً، ولا نعلم كم ستستمرُّ، نعم قد قاربتها دعوة لبعض الأنبياء كدعوة نوح (عليه السلام) التي استمرَّت تسعمائة وخمسين عاماً.
3 - لهذه الدعوة حالات مختلفة، فمنها الدعوة في زمان الغيبة الصغرى فلها أُسلوبها ومنهجها وطريقتها في دعوة الناس إلى الله تعالى، ومنها الدعوة في الغيبة الكبرى وكذلك لها ما لها، ومنها الدعوة في زمن الظهور وتختلف في بدايته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(131) كامل الزيارات (ص 383/ باب زيارات الحسين بن عليٍّ (عليه السلام)/ ح 629/13) بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام).
(132) الغيبة للنعماني (ص 336 و337/ باب 22/ ح 2).
(133) الغيبة للنعماني (ص 336 و337/ باب 22/ ح 2).

(٨٠)

عنها أثناء بناء الدولة عنها بعد الاستقرار، وكلٌّ لها أدواتها وطريقتها في دعوة الناس إلى الله تعالى.
4 - أنَّ هذه الدعوة دعوة إمامة بامتياز، فهي دعوة لولاية عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وكذلك هي دعوة براءة ممَّن لا يتولَّاه.

فهي دعوة ذات بُعد وخصوصيَّة، ولعلَّ الكثير ممَّن يؤمن بالإسلام لا يستسيغها، لأنَّه تربَّى على الضدِّ منها، فتكون من أصعب الدعوات، وعلى حدِّ تعبير بعض الروايات إنَّه يأتي بأمر جديد(134).
5 - الذي يقرأ الزيارة الشريفة يلاحظ أنَّها سجَّلت للإمام (عجّل الله فرجه) جملة من الألقاب بعضها اختصاصي وبعضها عامٌّ، ومعنى الاختصاصي أنَّها ألقاب اختصَّ بها هو (عجّل الله فرجه) دون بقيَّة حُجَج الله (عليهم السلام) ممَّن سبقه، ولا يعني ذلك أنَّ الاختصاص به وجود نقص أو عدم أهليَّة فيمن سبقه من الحُجَج (عليهم السلام) - والعياذ بالله تعالى - وإنَّما لأجل الوظيفة، فوظيفته (عجّل الله فرجه) هي التي أوجبت له (عجّل الله فرجه) أنْ يتَّسم بهذه الصفات، ويتحلَّى بهذه الألقاب، فكون إظهار دين الله تعالى على يديه اقتضى أنْ يكون هو (عجّل الله فرجه) وعد الله المضمون وغير المكذوب.
أمَّا الصفات العامَّة والتي سنقف عند كلِّ واحدة منها فهي وإنْ كانت تشمل جميع الحُجَج (عليهم السلام) كخليفة الله إلَّا أنَّها بالنسبة إليه (عجّل الله فرجه) في زماننا هذا فعليَّة خارجيَّة، بمعنى أنَّه هو المتلبِّس بها في هذا الزمان، وأنَّ تلبُّسه بها مصاحب للأثر وموجب للتأثير، وأنَّه الحجَّة على جميع الخلق في هذا الزمان، وهكذا بقيَّة الألقاب.
فالمتحصِّل من ذلك كلِّه أنَّ الصفات الواردة في الزيارة الشريفة والتي بعضها خاصٌّ والآخر عامٌّ إذا أُضيفت للإمام (عجّل الله فرجه) كانت كلُّها خاصَّة به

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(134) راجع: الغيبة للنعماني (ص 236/ باب 13/ ح 13).

(٨١)

بملاحظة الجهة التي أشرنا إليها، وهذه ملاحظة ينبغي الالتفات إليها، فإنَّها ذات بعد حيوي في حياتنا، فإنَّ الارتباط بالله (عزَّ وجلَّ) في زماننا منحصر بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وهو الواسطة للارتباط بالأئمَّة (عليهم السلام) ممَّن سبقه والأنبياء (عليهم السلام) كذلك، فلولاه لما كان لكلِّ فرد منَّا ارتباط بالأئمَّة (عليهم السلام) أو النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو الأنبياء (عليهم السلام) أو الله (عزَّ وجلَّ).
وهذا يعني أنَّ من لا يؤمن بأنَّ الواسطة في تحقُّق الإيمان والتديُّن والالتزام بالشريعة تأتي عن طريق الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لا يكون مؤمناً وإنْ آمن بجميع من سبقه من الأئمَّة (عليهم السلام) والنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
النقطة الثانية: الربَّاني:
أ - الربَّاني في اللغة:
استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
قيل: إنَّه صاحب علم بالربِّ دون غيره من العلوم(135).
ب - الربَّاني في القرآن الكريم:
1 - قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ (آل عمران: 79).
2 - قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ (المائدة: 44).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(135) لسان العرب (ج 1/ ص 403/ مادَّة ربب).

(٨٢)

3 - قوله تعالى: ﴿لَوْ لَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ (المائدة: 63).
ج - تفسير الربَّانيِّين:
1 - قال أمين الإسلام الطبرسي (رحمه الله): (الربَّانيُّون: فسَّرناه فيما مضى، وهم العلماء البصراء بسياسة الأُمور وتدبير الناس)(136)، وقال (رحمه الله): (والربَّانيُّون: الذين علت درجاتهم في العلم، وقيل: الذين يعملون بما يعلمون)(137)، وقال (رحمه الله): (الربَّانيُّون: أي العلماء بالدِّين الذين من قِبَل الربِّ...)(138).
2 - قال المحدِّث والمفسِّر واللغوي الشيخ فخر الدِّين الطريحي (رحمه الله): (الربَّانيُّون: الكاملون في العلم والعمل)(139).
3 - قال المولى الفيض الكاشاني (رحمه الله): (الربَّانيُّون هم الأئمَّة دون الأنبياء)(140)، وهو ما رواه العيَّاشي (رحمه الله) ناقلاً له عن الإمام الصادق (عليه السلام) بألفاظ مقاربة، قال (عليه السلام): «فَهَذِهِ اَلْأَئِمَّةُ دُونَ اَلْأَنْبِيَاءِ اَلَّذِينَ يُرَبُّونَ اَلنَّاسَ بِعِلْمِهِمْ، وَأَمَّا اَلْأَحْبَارُ فَهُمُ اَلْعُلَمَاءُ دُونَ اَلرَّبَّانِيِّينَ»(141)، وهو ما أعاد ذكره الفيض (رحمه الله).
4 - نبَّه العلَّامة الطباطبائي (رحمه الله) إلى دقَّة هذا المعنى بعد أنْ ذكر المعنى الأوَّل، ونصُّ ما قاله: (وقوله: ﴿وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ﴾ [المائدة: 44] أي ويحكم بها الربَّانيُّون وهم العلماء المنقطعون إلى الله علماً وعملاً، أو الذين إليهم تربية الناس بعلومهم بناءً على اشتقاق اللفظ من الربِّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(136) مجمع البيان (ج 3/ ص 340).
(137) مجمع البيان (ج 3/ ص 341).
(138) مجمع البيان (ج 3/ ص 373).
(139) تفسير غريب القرآن (ص 100).
(140) تفسير الصافي (ج 2/ ص 38).
(141) تفسير العيَّاشي (ج 1/ ص 322 و323/ ح 119).

(٨٣)

والتربية)(142)، ثمّ قال: (أقول: وهذا استدلال لطيف منه (عليه السلام) [أي تفسير الإمام الصادق (عليه السلام) الذي نقلناه عن العيَّاشي] يُظهر به عجيب معنى الآية، وهو معنى أدقّ ممَّا تقدَّم بيانه، ومحصَّله: أنَّ الترتيب الذي اتَّخذته الآية في العدِّ فذكرت الأنبياء ثمّ الربَّانيِّين ثمّ الأحبار يدلُّ على ترتيبهم حسب الفضل والكمال، فالربَّانيُّون دون الأنبياء وفوق الأحبار، والأحبار هم علماء الدِّين...)(143).
5 - الربَّاني على ما تقدَّم في اللغة هو المنسوب إلى الربِّ المتَّصف بصفة العلم، وهو المعلِّم، وقد أكَّدت هذا المعنى جملة من الآيات الشريفة المتقدِّمة، وهي تتحدَّث عن مكانة الربَّاني، وأنَّه خليفة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومدرِّس الأُمَّة ومعلِّمها، وأنَّه كان شاهداً على الأُمَّة في أعمالها، ومقتضى شهادته على الأُمَّة لا بدَّ أنْ يكون مطَّلعاً على أعمالها ظاهرها وباطنها.
وهنا لا بدَّ من وقفة نستجلي بها الصورة أكثر، فنقول: إنَّ عقيدة الشيعة الإماميَّة في كون الحجَّة والشاهد على أعمال الناس يجب أنْ يكون معصوماً متأتٍّ من الوظيفة التي عُهِدَت إليه.
6 - إنَّ مكانة الربَّاني مكانة مقدَّسة، وفي ذات الوقت تحتاج إلى أدوات وآليَّات، لذلك اقتضت حكمة الله تعالى أنْ لا يتلبَّس بهذا المقام في مرتبته العليا إلَّا المعصوم، فإنَّ الربَّاني وإنْ كان له مراتب متعدِّدة إلَّا أنَّ الحديث في الآيات، فضلاً عن الفقرة في الزيارة الشريفة تتحدَّث عن المرتبة العليا، فالربَّاني على ما تقدَّم ذلك العالم المعلِّم الهادي إلى النور والحاكم بالكتاب والحكمة، وهو مقام إلهي مختصٌّ بالمعصوم (عليه السلام) بمرتبته العليا، وحيث إنَّ لا معصوم في زماننا بمقتضى الأدلَّة إلَّا الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فيكون هو الربَّاني وحده دون غيره.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(142) تفسير الميزان (ج 5/ ص 343).
(143) تفسير الميزان (ج 5/ ص 362).

(٨٤)

7 - حيث أُضيف (الربَّاني) في الزيارة الشريفة إلى آيات الله تعالى اقتضى تميُّزاً واختصاصيَّة أكثر.
وإذا طالعنا الآيات القرآنيَّة الشريفة التي تتحدَّث عن آيات الله تعالى - وهي كثيرة -، نجد أنَّها تتحدَّث عن أبعاد ومراتب عديدة، فتارةً تتحدَّث عن البُعد التكويني، وتارةً عن البُعد المعنوي لها، وتارةً عن غيرها، ولكلِّ واحدة منها مراتب ومقامات.
قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (آل عمران: 164)، فتلاوة الآيات على الناس موجب لهدايتهم واستبصارهم وتزكيتهم وتعليمهم، وهو مقام رسالي إلهي.
فيما المقام الآخر مقام تكويني للآيات، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ (الروم: 22).
وهو مقام أعطاه الله تعالى لحُجَجه بمقتضى وظيفتهم.
والنتيجة: حيث إنَّ الآيات الإلهيَّة لها مقامات واسعة وكبيرة، وحيث إنَّ الزيارة الشريفة جعلت للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) مقام القيادة والريادة والرئاسة والولاية على الآيات مطلقاً، فإنَّ الفقرة الشريفة تريد أنْ تقول: إنَّ الربَّاني والعالم والمعلِّم لآيات الله تعالى بجميع مراتبها هو الإمام (عجّل الله فرجه)، فكلُّ آية من آيات الله تعالى - صغيرة كانت أم كبيرة - العالم بها هو الإمام (عليه السلام)، ومن يريد أنْ يعلم بها أو يتعلَّم عنها شيئاً لا بدَّ أنْ يذهب إلى الإمام، فهو ربَّانيها.

* * *

(٨٥)

الفقرة الثالثة: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بَابَ اللهِ وَدَيَّانَ دِينِهِ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: (الباب والديَّان) في اللغة:
أ - قال ابن فارس في (المعجم): (الباب أصل واحد، وهو قولك: تَبَوَّبْتُ بَوَّاباً، أي اتَّخَذْتُ بَوَّاباً. والباب أصلُ أَلفِهِ واوٌ، فانقلبت ألفاً)(144).
وقال الفيروزآبادي في (قاموسه): (باب له يُبوَّب: صار بوَّاباً له. وتبوَّب بوَّاباً: اتَّخذه. والباب والبابة في الحساب والحدود: الغاية. وبابات الكتاب: سطوره، لا واحد لها)(145).
ب - قال ابن فارس في (المعجم): (الدِّين الطاعة، يقال: دان له يدين ديناً إذا أصحب وانقاد وطاع. وقوم ديِّن، أي مطيعون منقادون)(146).
وقال ابن منظور في (لسانه): (الدَّيَّانُ: من أسماء الله (عزَّ وجلَّ)، معناه الحَكَم القاضي. وسُئِلَ بعض السلف عن عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال : كان دَيَّانَ هذه الأُمَّة بعد نبيِّها، أَي قاضيها وحاكمها. والدَّيَّانُ: القَهَّار)(147).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(144) معجم مقاييس اللغة (ج 1/ ص 314).
(145) القاموس المحيط (ج 1/ ص 38).
(146) معجم مقاييس اللغة (ج 2/ ص 319).
(147) لسان العرب (ج 13/ ص 166/ مادَّة دون).

(٨٧)

النقطة الثانية: (الباب والديَّان) في الروايات الشريفة:
أ - ممَّا ورد أنَّهم باب الله تعالى:
1 - أورد شيخ القمِّيِّين أبو جعفر محمّد بن الحسن الصفَّار (رحمه الله) المتوفَّى سنة (290هـ) في كتابه (بصائر الدرجات) ستَّة عشر حديثاً تحت عنوان: (باب في الأئمَّة أنَّهم حجَّة الله وباب الله وولاة أمر الله ووجه الله الذي يُؤتى منه وجنب الله وعين الله وخزنة علمه (جلَّ جلاله وعمَّ نواله)). وممَّا جاء فيه ما رواه بسنده عن أسود بن سعيد، قال: : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فَأَنْشَأَ يَقُولُ اِبْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْئَلَ: «نَحْنُ حُجَّةُ اَللهِ، وَنَحْنُ بَابُ اَللهِ، وَنَحْنُ لِسَانُ اَللهِ، وَنَحْنُ وَجْهُ اَللهِ، وَنَحْنُ عَيْنُ اَللهِ فِي خَلْقِهِ، وَنَحْنُ وُلَاةُ أَمْرِ اَللهِ فِي عِبَادِهِ»(148).
2 - كما روى ثقة الإسلام الكليني (رحمه الله) العديد من هذه الروايات(149)، منها ما ذكرناه عن الصفَّار، وغيرها. كما روى (رحمه الله) في (باب أنَّ الأئمَّة هم أركان الأرض)(150) عدَّة أُخرى من الأحاديث بنفس المضمون جاء في بعضها كما في الحديث الأوَّل الذي رواه بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «مَا جَاءَ بِهِ عَلِيٌّ (عليه السلام) آخُذُ بِهِ، وَمَا نَهَى عَنْهُ أَنْتَهِي عَنْهُ، جَرَى لَهُ مِنَ اَلْفَضْلِ مِثْلُ مَا جَرَى لِمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَلِمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اَلْفَضْلُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ خَلَقَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ)، اَلمُتَعَقِّبُ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهِ كَالمُتَعَقِّبِ عَلَى اَللهِ وَعَلَى رَسُولِهِ، وَاَلرَّادُّ عَلَيْهِ فِي صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ عَلَى حَدِّ اَلشِّرْكِ بِاللهِ، كَانَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) بَابَ اَللهِ اَلَّذِي لَا يُؤْتَى إِلَّا مِنْهُ، وَسَبِيلَهُ اَلَّذِي مَنْ سَلَكَ بِغَيْرِهِ هَلَكَ...»، والحديث طويل أخذنا منه مورد الشاهد.
3 - وروى الشيخ الأقدم أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(148) بصائر الدرجات (ص 81/ ج 2/ باب 3/ ح 1).
(149) الكافي (ج 1/ ص 143 وما بعدها/ باب النوادر).
(150) الكافي (ج 1/ ص 196 وما بعدها/ باب أنَّ الأئمَّة هم أركان الأرض).

(٨٨)

القمِّي (رحمه الله) المتوفَّى سنة (368هـ) في زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام): «... وَأَشْهَدُ أَنَّكَ جَنْبُ اَللهِ، وَأَنَّكَ بَابُ اَللهِ، وَأَنَّكَ وَجْهُ اَللهِ اَلَّذِي مِنْهُ يُؤْتَى، وَأَنَّكَ سَبِيلُ اَللهِ، وَأَنَّكَ عَبْدُ اَللهِ وَأَخُو رَسُولِهِ...»(151).
كما روى في باب زيارات الحسين (عليه السلام)، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «... اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِينَ اَللهِ، وَحُجَّةَ اَللهِ، وَبَابَ اَللهِ، وَاَلدَّلِيلَ عَلَى اَللهِ، وَاَلدَّاعِيَ إِلَى اَللهِ...»(152).
وجاء عن المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح النصِّ الذي رويناه عن (المحاسن) ورواه بلفظه عن (الكافي): («وَنَحْنُ بَابُ اَللهِ» أي باب علمه وتوحيده وأحكامه وأسراره بجميع ما جاء الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وذلك ظاهر، إذ كلُّ أحد لم يسمع ذلك منه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولا يجوز له التكلُّم فيه برأيه على قدر عقله، فوجب أنْ يعلمه ممَّن يقوم مقامه بأمره وأمر ربِّه، وهم الأئمَّة (عليهم السلام)، فهم أيضاً باب هذه المعارف، ولا يدخل أحد بيت المعرفة إلَّا بهذا الباب)، ثمّ شرح الفقرات الأُخرى من الحديث(153).
ب - ممَّا ورد في الديَّان:
1 - ما رواه ثقة الإسلام الكليني (رحمه الله) عن أبي عبد الله (عليه السلام): «... اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ عَبْدِكَ وَأَخِي رَسُولِكَ اَلَّذِي اِنْتَجَبْتَهُ بِعِلْمِكَ وَجَعَلْتَهُ هَادِياً لِمَنْ شِئْتَ مِنْ خَلْقِكَ وَاَلدَّلِيلِ عَلَى مَنْ بَعَثْتَهُ بِرِسَالَاتِكَ وَدَيَّانِ اَلدِّينِ بِعَدْلِكَ وَفَصْلِ قَضَائِكَ بَيْنَ خَلْقِكَ وَاَلمُهَيْمِنِ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، وَاَلسَّلَامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اَللهِ وَبَرَكَاتُهُ»(154).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(151) كامل الزيارات (ص 95 - 101/ ح 95/3).
(152) كامل الزيارات (ص 383/ ح 629/13).
(153) شرح أُصول الكافي (ج 4/ ص 229).
(154) الكافي (ج 4/ ص 572/ باب زيارة قبر أبي عبد الله الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام)/ ح 1).

(٨٩)

وروى هذه الفقرة الشيخ الأقدم ابن قولويه (رحمه الله)(155).
وبيَّن المولى المازندراني (رحمه الله) المعنى قائلاً: (قوله: «وَدَيَّانِ اَلدِّينِ» أي المجازي كلَّ أحدٍ بفعله وعمله، والديَّان المجازي القاهر الغالب على جميع من سواه)(156).
وقال المولى المجلسي (رحمه الله) في شرحها: («وَدَيَّانِ اَلدِّينِ بِعَدْلِكَ» أي قاضي الدِّين وحاكمه الذي تقضي بعدلك)(157).
2 - وجاء في زيارته (عجّل الله فرجه) التي رواها الشيخ المجلسي (رحمه الله) في باب زيارة الإمام المستتر عن الأبصار نقلاً عن السيِّد عليِّ بن طاووس (نوَّر الله مرقده)، قال: (إذا فرغت من زيارة العسكريَّين (عليهما السلام) فامض إلى السرداب المقدَّس وقف على بابه وقل: «... اَللَّهُمَّ كَمَا اِنْتَجَبْتَهُ لِعِلْمِكَ، وَاِصْطَفَيْتَهُ لِحُكْمِكَ، وَخَصَصْتَهُ بِمَعْرِفَتِكَ، وَجَلَّلْتَهُ بِكَرَامَتِكَ، وَغَشَّيْتَهُ بِرَحْمَتِكَ، وَرَبَّيْتَهُ بِنِعْمَتِكَ، وَغَذَّيْتَهُ بِحِكْمَتِكَ، وَاِخْتَرْتَهُ لِنَفْسِكَ، وَاِجْتَبَيْتَهُ لِبَأْسِكَ، وَاِرْتَضَيْتَهُ لِقُدْسِكَ، وَجَعَلْتَهُ هَادِياً لِمَنْ شِئْتَ مِنْ خَلْقِكَ، وَدَيَّانَ اَلدِّينِ بَعْدَكَ، وَفَصْلَ اَلْقَضَايَا بَيْنَ عِبَادِكَ، وَوَعَدْتَهُ أَنْ تَجْمَعَ بِهِ اَلْكَلِمَ، وَتُفَرِّجَ بِهِ عَنِ اَلْأُمَمِ، وَتُنِيرَ بِعَدْلِهِ اَلظُّلَمَ...»(158).
النقطة الثالثة: المستفاد من الفقرة:
عبَّرت هذه الزيارة الشريفة عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بأنَّه باب الله تعالى.
فالباب الذي يُعتبَر المدخل إلى الشيء، ولا يمكن الدخول إلَّا عن طريقه،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(155) كامل الزيارات (ص 97 و368 و369 و404 و405 و515 و516 و524/ ح 95/3 و619/3 و639/23 و801/2 و804/2).
(156) شرح أُصول الكافي (ج 7/ ص 364).
(157) بحار الأنوار (ج 97/ ص 276).
(158) بحار الأنوار (ج 99/ ص 83 - 85/ ح 2).

(٩٠)

خصوصاً إذا كان الباب واحداً، قال النبيُّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن هذا الباب مشخِّصاً مصداقه بقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أَنَا مَدِينَةُ اَلْعِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا».
وبلا شكٍّ لا يريد به عليًّا أمير المؤمنين (عليه السلام) فقط دون غيره كما نصَّ حديث الثقلين والاثني عشر، فهو (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يريد أنْ يُخبِر الناس بأنَّ المدينة الإلهيَّة هي مدينة العلم والحكمة وما عداها هو الجهل والضلال، هذه المدينة الإلهيَّة المتمثِّلة برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم). فإنَّ أمير المؤمنين عليٌّ (عليه السلام) في زمانه بابها، والأئمَّة (عليهم السلام) الأطهار في أزمانهم أبوابها، والإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في زماننا هو بابها، فالذي يريد أنْ يدخل المدينة الإلهيَّة فلا بدَّ أنْ يختار طريق الباب ويذهب باتِّجاهه، وإلَّا فهو خارج هذه المدينة.
إنَّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو المدخل والطريق الذي لا يُؤتى إلَّا منه، وهو الباب لكلِّ علاقة مع الله تعالى، علاقة صاعدة كقبول الأعمال ونيل الثواب ورفع العقاب وتحصيل الحسنات ورفع الدرجات والفوز بالجنَّات، أو علاقة نازلة كتحصيل الرزق وديموميَّة الصحَّة والعافية والتوفيق والسداد، أو أيِّ شيء آخر، كلُّ ذلك لا يكون إلَّا عن طريق هذا الباب.
إنْ قلت: يظهر ممَّا تقدَّم أنَّ ما ينزل من السماء وما يناله الناس من آثار وبركات وأرزاق هي عن طريق إمام العصر (عجّل الله فرجه)، وهذا كأنَّه ينفي فوائد وجود رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمَّة (عليهم السلام) وانعدام تأثيرهم بعد وفاتهم، وهذا ممَّا لا يصحُّ التفكير به، فضلاً عن القول به وتبنِّيه.
قلت: كون الأئمَّة (عليهم السلام) واسطة الفيض الإلهي ممَّا لا شكَّ فيه، فهم بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذين تجري على أيديهم مقدَّرات الكون، فبهم تنال البركة والرحمة، ولكن هذا لا يمنع أنْ تكون مجريات الأُمور بنحو نظام الأسباب والمسبَّبات وعلى نحو التراتبيَّة الطوليَّة، فمقدَّرات الأُمور تنزل من الله تعالى إلى

(٩١)

رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهكذا إلى صاحب الزمان (عجّل الله فرجه)، وصعوداً الأمر كذلك، فالإمام (عجّل الله فرجه) هو المباشر لأُمور الناس لمكان إمامته الفعليَّة، وهم (عليهم السلام) وسائط صعود الأُمور منه (عجّل الله فرجه) ووسائط نزولها.
وقد صرَّحت بعض النصوص في ذلك سؤالاً وجواباً، وبيَّنت الترتيب المتقدِّم في الأُمور، فقد روى الشيخ الطوسي (رحمه الله) في كتاب (الغيبة)، قال: أخبرني الحسين بن عبيد الله، عن أبي عبد الله الحسين بن عليِّ بن سفيان البزوفري (رحمه الله)، قال: حدَّثني الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه)، قال: اِخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اَلتَّفْوِيضِ وَغَيْرِهِ، فَمَضَيْتُ إِلَى أَبِي طَاهِرِ بْنِ بِلَالٍ فِي أَيَّامِ اِسْتِقَامَتِهِ فَعَرَّفْتُهُ اَلْخِلَافَ، فَقَالَ: أَخِّرْنِي، فَأَخَّرْتُهُ أَيَّاماً، فَعُدْتُ إِلَيْهِ، فَأَخْرَجَ إِلَيَّ حَدِيثاً بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام)، قَالَ: «إِذَا أَرَادَ اَللهُ أَمْراً عَرَضَهُ عَلَى رَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثُمَّ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وَسَائِرِ اَلْأَئِمَّةِ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام)، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى اَلدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اَلمَلاَئِكَةُ أَنْ يَرْفَعُوا إِلَى اَللهِ (عزَّ وجلَّ) عَمَلاً عُرِضَ عَلَى صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام)، ثُمَّ يَخْرُجُ عَلَى وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ إِلَى أَنْ يُعْرَضَ عَلَى رَسُولِ اَللهِ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثُمَّ يُعْرَضُ عَلَى اَللهِ (عزَّ وجلَّ)، فَمَا نَزَلَ مِنَ اَللهِ فَعَلَى أَيْدِيهِمْ، وَمَا عُرِجَ إِلَى اَللهِ فَعَلَى أَيْدِيهِمْ، وَمَا اِسْتَغْنَوْا عَنِ اَللهِ (عزَّ وجلَّ) طَرْفَةَ عَيْنٍ»(159)، وهو صريح في عرض الأُمور صعوداً ونزولاً على إمام الزمان (عجّل الله فرجه).
وكذلك روى الشيخ المفيد (رحمه الله) في (الاختصاص) بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لَيْسَ شَيْءٌ يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِ اَللهِ إِلَّا بُدِئَ بِرَسُولِ اَللهِ، ثُمَّ بِأَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ بِمَنْ بَعْدَهُ، لِيَكُونَ عِلْمُ آخِرِهِمْ مِنْ عِنْدِ أَوَّلِهِمْ، وَلَا يَكُونُ آخِرُهُمْ أَعْلَمَ مِنْ أَوَّلِهِمْ»(160)، وكأنَّ الحديث جاء لدفع دخل مقدَّر من أنَّ الإمام الأخير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(159) الغيبة للطوسي (ص 387/ ح 351).
(160) الاختصاص (ص 267).

(٩٢)

سوف يكون أعلم ممَّن تقدَّمه، لإحاطته بما عند من تقدَّم وزيادة، وفي هذا المضمون عدَّة روايات جاء في بعضها: «... ثُمَّ اَلْأَدْنَى فَالْأَدْنَى حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى صَاحِبِ اَلْأَمْرِ اَلَّذِي فِي زَمَانِهِ»(161).
وفي (بصائر الدرجات) بسنده عن سليمان، قال:... قُلْتُ: فَتُزَادُونَ شَيْئاً يَخْفَى عَلَى رَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ قَالَ: «لَا، إِنَّمَا يَخْرُجُ اَلْأَمْرُ مِنْ عِنْدِ اَللهِ، فَتَأتِيهِ بِهِ اَلمَلَكُ رَسُولَ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، رَبُّكَ يَأْمُرُكَ بِكَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: اِنْطَلِقْ بِهِ إِلَى عَلِيٍّ، فَيَأْتِي عَلِيًّا (عليه السلام)، فَيَقُولُ: اِنْطَلِقْ بِهِ إِلَى اَلْحَسَنِ، فَيَقُولُ: اِنْطَلِقْ بِهِ إِلَى اَلْحُسَيْنِ، فَلَمْ يَزَلْ هَكَذَا يَنْطَلِقُ إِلَى وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَيْنَا»، قُلْتُ: فَتُزَادُونَ شَيْئاً لَا يَعْلَمُهُ رَسُولُ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ فَقَالَ: «وَيْحَكَ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَعْلَمَ اَلْإِمَامُ شَيْئاً لَمْ يَعْلَمْهُ رَسُولُ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَاَلْإِمَامُ مِنْ قِبَلِهِ؟»(162).
وروى الشيخ الطوسي (رحمه الله) في (أماليه) بسنده عن أبي بصير، قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام) يَقُولُ: «لَوْلَا أَنَّا نُزَادُ لَأَنْفَدْنَا»، قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، تُزْدَادُونَ شَيْئاً لَيْسَ عِنْدَ رَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ قَالَ: «إِنَّهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ أَتَى اَلنَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَأَخْبَرَ، ثُمَّ إِلَى عَلِيٍّ (عليه السلام)، ثُمَّ إِلَى وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى صَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ»(163).
وفقرة «دَيَّانَ دِينِهِ» تتحدَّث عن القاضي والحاكم الذي يُفسِّره اللغويُّون(164) للفظة الديَّان، ولا يكتمل المعنى لهذا المصطلح بشكلٍ وافٍ إلَّا بما يضاف إليه، وقد أضافته الزيارة المباركة بعد أنْ جعلت الإمام باب الله الحصري والوحيد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(161) بصائر الدرجات (ص 414/ ج 8/ باب 9/ ح 7).
(162) بصائر الدرجات (ص 413/ ج 8/ باب 9/ ح 5).
(163) أمالي الطوسي (ص 409/ ح 920/68).
(164) تقدَّم معنى الديَّان في النقطة الأُولى.

(٩٣)

فأردفته بأنَّه ديَّان دين الله، فسلَّمت على الإمام بـ «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بَابَ اللهِ وَدَيَّانَ دِينِهِ»، فأضافت الديَّان إلى الدِّين، وأضافت الدِّين إلى الله سبحانه وتعالى، فالإمام (عليه السلام) كما هو باب الله تعالى، كذلك هو الحاكم على الدِّين والقاضي بأمر الدِّين، وهذه النسبة من الديَّان إلى الدِّين إلى الله تعالى وبملاحظة معنى الديَّان تعطينا مفهوماً يُؤكِّد الحقيقة العقائديَّة التي يؤمن بها أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) من أنَّ الصلاحيَّات الممنوحة للإمام (عليه السلام) في إدارة الشأن الدِّيني وحاكميَّته على الدِّين صلاحيَّات مطلقة وتخويل إلهي لا حدَّ له إلَّا حدَّ الله تعالى، فكلُّ أمر ديني وكلُّ شأن ترجع نهاياته إلى القضايا الدِّينيَّة، سواء أكانت في بُعدها العقائدي، أو العبادي، أو الأخلاقي، فإنَّ الذي يفصل النزاع فيها - إنْ كان - والذي يُقدِّم الحكم فيها للسائل، بل الذي يُبيِّن ذلك ابتداءً، هو الإمام (عليه السلام).
هذا من الجانب الفكري التنظيري لهذا المفهوم، أمَّا من الجانب الإثباتي والعملي فقد زاوله أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ومارسوه طيلة فترة معايشتهم الأئمَّة (عليهم السلام)، بل وحتَّى عند غيبة آخرهم (عليهم السلام)، فإنَّهم كانوا لا يأخذون الأحكام إلَّا منهم (عليهم السلام)، إيماناً منهم بأنَّ أهل البيت (عليهم السلام) هم ديَّانو دين الله تعالى وحُكَّامه وقضاته.

* * *

(٩٤)

الفقرة الرابعة: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَلِيفَةَ الله وَنَاصِرَ حَقِّهِ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
تقديم:
يقول المرجع الدِّيني الكبير الشيخ الوحيد الخراساني (دام ظلُّه): (الإمام المهدي (عليه السلام) خليفة الله في أرضه: إنَّ عنوان الإمام الثاني عشر في روايات العامَّة والخاصَّة هو خليفة الله، «يَخْرُجُ اَلمَهْدِيُّ وَعَلَى رَأْسِهِ غَمَامَةٌ فِيهَا مُنَادٍ يُنَادِي: هَذَا اَلمَهْدِيُّ خَلِيفَةُ اَللهِ فَاتَّبِعُوهُ»(165). إنَّ الخلافة من المفاهيم الإضافيَّة المتقوِّمة بالخليفة والمستخلف عنه، فلا محال تختلف شؤون الخلافة ومرتبة الخليفة باختلاف مقام من يستخلف عنه، فإذا كان المستخلف عنه فوق كلِّ كمال بما لا يتناهى، وهو الذي ليس لعظمته حدٌّ محدود، فيكون الذي استخلفه الله لنفسه وأقامه مقامه وأنابه منابه أعلى شأناً وأجلّ قدراً من أنْ تنال العقول منزلته. ومقتضى إضافة الخليفة إلى الله كونه (عليه السلام) آية لجميع أسماء الله الحسنى)(166).
النقطة الأولى: (الخليفة والناصر) في اللغة:
استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
أ - الخليفة: من استُخلِفَ مكان من قبله، ويقوم مقامه، وجاز أنْ يقال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(165) البيان في أخبار صاحب الزمان المطبوع ضمن كفاية الطالب (ص 511).
(166) مقدَّمة في أُصول الدِّين (ص 476 و477).

(٩٥)

للأئمَّة: خلفاء الله في أرضه بقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرضِ﴾ (ص: 26)، والخليفة: السلطان الأعظم(167).
ب - الناصر: النصر إعانة المظلوم، والنصرة حسن المعونة، والانتصار من الظالم الانتصاف والانتقام(168).
ج - الحقُّ: ضدُّ الباطل، والحقيقة ما يصير إليه حقُّ الأمر ووجوبه، وحقُّ الأمر، صار حقًّا، أي ثبت(169).
النقطة الثانية: (الخليفة والناصر) في القرآن الكريم:
لا يخفى أنَّ هذا المفهوم - الخليفة - من المفاهيم القرآنيَّة، وورد في عدَّة من الآيات، منها:
أ - قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرضِ خَلِيفَةً﴾ (البقرة: 30).
ب - قوله تعالى: ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾ (ص: 26).
النقطة الثالثة: (الخليفة والناصر) في الروايات الشريفة:
وهي كثيرة، منها:
1 - روى الشيخ الأقدم أبو القاسم عليُّ بن محمّد الخزَّاز القمِّي (رحمه الله) عن أبي أُمامة، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا تَقُومُ اَلسَّاعَةُ حَتَّى يَقُومَ قَائِمُ اَلْحَقِّ مِنَّا، وَذَلِكَ حِينَ يَأْذَنُ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) لَهُ، فَمَنْ تَبِعَهُ نَجَا وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ هَلَكَ، فَالله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(167) لسان العرب (ج 9/ ص 83 و84/ مادَّة خلف).
(168) لسان العرب (ج 5/ ص 210/ مادَّة نصر).
(169) لسان العرب (ج 10/ ص 49/ مادَّة حقق).

(٩٦)

اَلله عِبَادَ اَللهِ اِيتُوهُ وَلَوْ عَلَى اَلثَّلْجِ، فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اَللهِ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اَللهِ، مَتَى يَقُومُ قَائِمُكُمْ؟ قَالَ: إِذَا صَارَتِ اَلدُّنْيَا هَرْجاً وَمَرْجاً، وَهُوَ اَلتَّاسِعُ مِنْ صُلْبِ اَلْحُسَيْنِ»(170).
وروى (رحمه الله) أيضاً بأسانيد عديدة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حديثاً طويلاً يتحدَّث فيه عن أوصياء الأنبياء إلى أنْ قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «... هَذَا اَلمَهْدِيُّ خَلِيفَةُ اَللهِ، فَاتَّبِعُوهُ يَمْلَأُ اَلْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً»(171).
2 - روى شيخ الطائفة (رحمه الله) في زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام)، قائلاً: زيارة أُخرى: «اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَلِيَّ اَللهِ، اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اَللهِ، اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَلِيفَةَ اَللهِ...»(172).
3 - روى شيخ مشايخ الطائفة وفخر الشيعة المفيد (رحمه الله) بسنده عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليهما السلام)، قال: «إِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ مِنْ بُطْنَانِ اَلْعَرْشِ: أَيْنَ خَلِيفَةُ اَللهِ فِي أَرْضِهِ؟ فَيَقُومُ دَاوُدُ اَلنَّبِيُّ (عليه السلام)، فَيَأْتِي اَلنِّدَاءُ مِنْ عِنْدِ اَللهِ (عزَّ وجلَّ): لَسْنَا إِيَّاكَ أَرَدْنَا وَإِنْ كُنْتَ لِلهِ خَلِيفَةً، ثُمَّ يُنَادِي ثَانِيَةً: أَيْنَ خَلِيفَةُ اَللهِ فِي أَرْضِهِ؟ فَيَقُومُ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، فَيَأْتِي اَلنِّدَاءُ مِنْ قِبَلِ اَللهِ (عزَّ وجلَّ): يَا مَعْشَرَ اَلْخَلَائِقِ، هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ خَلِيفَةُ اَللهِ فِي أَرْضِهِ وَحُجَّتُهُ عَلَى عِبَادِهِ، فَمَنْ تَعَلَّقَ بِحَبْلِهِ فِي دَارِ اَلدُّنْيَا فَلْيَتَعَلَّقْ بِحَبْلِهِ فِي هَذَا اَلْيَوْمِ لِيَسْتَضِيءَ بِنُورِهِ، وَلِيَتَّبِعَهُ إِلَى اَلدَّرَجَاتِ اَلْعُلَى مِنَ اَلْجِنَانِ»، قَالَ: «فَيَقُومُ أُنَاسٌ قَدْ تَعَلَّقُوا بِحَبْلِهِ فِي اَلدُّنْيَا فَيَتَّبِعُونَهُ إِلَى اَلْجَنَّةِ»(173).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(170) كفاية الأثر (ص 106 و107).
(171) كفاية الأثر (ص 151).
(172) تهذيب الأحكام (ج 6/ ص 29/ ح 56/4).
(173) أمالي المفيد (ص 285/ ح 3).

(٩٧)

النقطة الرابعة: أقوال العلماء في (الخليفة والناصر):
1 - قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): (ولـمَّا استخلف الله (عزَّ وجلَّ) آدم في الأرض أوجب على أهل السماوات الطاعة له، فكيف الظنُّ بأهل الأرض؟ ولـمَّا أوجب الله (عزَّ وجلَّ) على الخلق الإيمان بملائكة الله، وأوجب على الملائكة السجود لخليفة الله...، علمنا بذلك رتبة الإمام وفضله...)(174).
وقال (رحمه الله): (واعتقادنا أنَّ حجج الله تعالى على خلقه بعد نبيِّه محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، الأئمَّة الاثنا عشر، أوَّلهم أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليُّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليٍّ، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليُّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليٍّ، ثمّ عليُّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليٍّ، ثمّ محمّد ابن الحسن الحجَّة القائم صاحب الزمان خليفة الله في أرضه، صلوات الله عليهم أجمعين)(175).
2 - ومن جميل ما جاء في تفسير معنى خلافة الإمام (عليه السلام) في الأرض ما قاله السيِّد عليّ خان المدني: (فنظام العالم لا يستغني عمَّن يُعرِّفهم صلاح الدنيا والآخرة، نعم من لم يهمل إنبات الشعر على الحاجبين للزينة لا لضرورة، كيف يهمل من وجوده رحمة للعالمين وإقامته علماً يهتدي به لسلوك صراطه المستقيم، فانظر إلى عنايته ولطفه تعالى كيف أعدَّ لخلقه بإيجاد ذلك الشخص مع النفع العاجل، السلامة في العقبى والخير الآجل، فهذا هو خليفة الله في أرضه وهو الإمام الذي نصبه علماً لعباده ومناراً في بلاده)(176).
وله (رحمه الله) كلام جميل مفصَّل في بيان هذا المعنى والاستدلال عليه ما تركناه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(174) كمال الدِّين (ص 5).
(175) الاعتقادات في دين الإماميَّة (ص 93 و94).
(176) رياض السالكين (ج 6/ ص 392).

(٩٨)

إلَّا لأنَّ رسم هذا الشرح قد بُنِيَ على الاختصار، فراجع ما أشرنا إليه من مصدر.
3 - وتتميماً للفائدة في بيان مراتبهم (عليهم السلام) من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ننقل كلاماً جميلاً ورشيقاً للسيِّد حامد حسين اللكهنوي في (عبقات الأنوار) بخلاصة السيِّد عليٍّ الميلاني، قال: (إنَّ منزلة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) منه (عزَّ وجلَّ) تُعلَم من آيات القرآن الكريم، فهو خليفة الله في الأرض، ومجعول حاكماً على الناس من قِبَله، قال الله تعالى لداود: ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾ (ص: 26)، ونبيُّنا أفضل من داود (عليه السلام). وهو رسول الله وشاهده والمبشِّر والنذير من قِبَله، قال (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً﴾ (الفتح: 8). ومقرون طاعته بطاعته ومعصيته بمعصيته بقوله: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾ (النساء: 80)، و﴿مَنْ يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (الأنفال: 13). ومجعول أولى بالمؤمنين من أنفسهم بقوله: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ...﴾ (الأحزاب: 6)، إلى غير ذلك ممَّا يعتقده كلُّ مسلم ولو أنكر لكفر.
وعليٌّ (عليه السلام) أنزله الله من رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) منزلته منه، فيكون حائزاً لتلك المنازل، وبها يكون الحاكم على الناس كلِّهم، والمولى الواجب إطاعته واتِّباعه على جميعهم، والأولى بهم من أنفسهم، وهذه هي الإمامة العظمى والخلافة الكبرى) انتهى كلامه(177).
ولا شكَّ أنَّ ما ثبت لأمير المؤمنين (عليه السلام) ثابت للأئمَّة (عليهم السلام) وللحجَّة (عجّل الله فرجه) بمقتضى ما تقدَّم من روايات ومن غيرها، ومنها أيضاً ما رواه العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في باب أنَّه جرى لهم من الفضل والطاعة مثل ما جرى لرسول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(177) نفحات الأزهار (ج 9/ ص 168).

(٩٩)

الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنَّهم في الفضل سواء، ومنها ما رواه عن أبي جعفر (عليه السلام): «لَا يَسْتَكْمِلُ عَبْدٌ اَلْإِيمَانَ حَتَّى يَعْرِفَ أَنَّهُ يَجْرِي لآِخِرِهِمْ مَا يَجْرِي لِأَوَّلِهِمْ مِنَ اَلْحُجَّةِ وَاَلطَّاعَةِ، وَاَلْحَلَالِ وَاَلْحَرَامِ سَوَاءً...»(178).
وما رواه في نفس الباب عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إِنَّهُ لَا يَجِدُ عَبْدٌ حَقِيقَةَ اَلْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ لآِخِرِنَا مَا لِأَوَّلِنَا»(179).
النقطة الخامسة: نصرة حقِّ الله تعالى «نَاصِرَ حَقِّهِ»:
ونتحدَّث فيه ضمن نقاط:
1 - أنَّ هذه الفقرة «نَاصِرَ حَقِّهِ» لبيان مقام الناصريَّة، ولبيان الهدف من خلافة الله تعالى، فمن يجعله الله تعالى خليفة له تعالى، فوظيفته وعمله هو نصرة حقِّ الله تعالى، فما هو حقُّ الله تعالى لكي ينصره خليفة الله تعالى؟
وفي مقام الجواب عن هذا السؤال نتوجَّه إلى النصوص الشرعيَّة، فهي خير من يجيبنا عن هذا السؤال، وممَّا ورد في ذلك:
أ - ما رواه الشيخ الثقة الجليل الأقدم أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (رحمه الله)، قال: (باب حقِّ الله (عزَّ وجلَّ) على خلقه)، وروى فيه عدَّة روايات، منها:
عن زرارة بن أعين، قال: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام): مَا حَقُّ اَللهِ عَلَى خَلْقِهِ؟ قَالَ: «حَقُّ اَللهِ عَلَى خَلْقِهِ أَنْ يَقُولُوا بِمَا يَعْلَمُونَ، وَيَكُفُّوا عَمَّا لَا يَعْلَمُونَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ وَاَللهِ أَدَّوْا إِلَيْهِ حَقَّهُ»(180).
ب - روى الشيخ الأقدم أبو جعفر محمّد بن عليِّ بن بابويه الصدوق (رحمه الله) المتوفَّى (381هـ)، قال: (أبواب الخمسين وما فوقه: الحقوق الخمسون التي كتب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(178) بحار الأنوار (ج 25/ ص 353/ ح 2)، عن قرب الإسناد (ص 351/ ح 1260).
(179) بحار الأنوار (ج 25/ ص 360/ ح 14)، عن الاختصاص (ص 268).
(180) المحاسن للبرقي (ص 204/ ح 53).

(١٠٠)

بها عليُّ بن الحسين سيِّد العابدين (عليهما السلام) إلى بعض أصحابه)، بسنده إلى أبي حمزة الثمالي، قال: هَذِهِ رِسَالَةُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام) إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ: «اِعْلَمْ أَنَّ لِلهِ (عزَّ وجلَّ) عَلَيْكَ حُقُوقاً مُحِيطَةً بِكَ فِي كُلِّ حَرَكَةٍ تَحَرَّكْتَهَا، أَوْ سَكِنَةٍ سَكَنْتَهَا، أَوْ حَالٍ حُلْتَهَا، أَوْ مَنْزِلَةٍ نَزَلْتَهَا، أَوْ جَارِحَةٍ قَلَبْتَهَا، أَوْ آلَةٍ تَصَرَّفْتَ فِيهَا، فَأَكْبَرُ حُقُوقِ اَللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْكَ مَا أَوْجَبَ عَلَيْكَ لِنَفْسِهِ مِنْ حَقِّهِ اَلَّذِي هُوَ أَصْلُ اَلْحُقُوقِ... فَأَمَّا حَقُّ اَللهِ اَلْأَكْبَرُ عَلَيْكَ فَأَنْ تَعْبُدَهُ لَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً، فَإِذَا فَعَلْتَ بِالْإِخْلَاصِ جَعَلَ لَكَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَكْفِيَكَ أَمْرَ اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةِ...»(181).
فحقُّ الله تعالى هو الطاعة له بإخلاص وعبادته وعدم الشرك به في صغيرة أو كبيرة وأنْ لا يقولوا ما لا يعلمون، فمن قال بما يعلم وكفَّ عمَّا لا يعلم وأطاع وذكر وشكر بإخلاص فقد أدَّى حقَّ الله تعالى.
2 - وهنا نسأل: كيف نعرف حقَّ الله تعالى؟
إنَّ جملة من النصوص يظهر منها، بل تنصُّ على أنَّ معرفة هذا الحقِّ مناط بمعرفة أهل البيت (عليهم السلام)، وممَّا روي في ذلك:
أ - ما رواه الشهيد الأوَّل (رحمه الله) في طيَّات ذكر أعمال مسجد الكوفة، حيث جاء فيه: وتقول: «... وَأَنْتُمْ حُكَمَاءُ اَللهِ، وَبِكُمْ عُرِفَ حُكْمُ اَللهِ، وَبِكُمْ عُرِفَ حَقُّ اَللهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ، وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اَللهِ...»(182).
ب - ما رواه العلَّامة المجلسي (رحمه الله) عن تفسير فرات بن إبراهيم بسنده عن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث جاء فيه: «... وَإِنَّهُمْ لَهُمُ اَلصَّافُّونَ، وَإِنَّهُمْ لَهُمُ اَلمُسَبِّحُونَ، فَمَنْ أَوْفَى بِذِمَّتِهِمْ فَقَدْ أَوْفَى بِذِمَّةِ اَللهِ، وَمَنْ عَرَفَ حَقَّهُمْ فَقَدْ عَرَفَ حَقَّ اَللهِ، هَؤُلَاءِ عِتْرَةُ رَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(183).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(181) الخصال (ص 564 - 566/ ح 1).
(182) المزار للشهيد الأوَّل (ص 233 و234).
(183) بحار الأنوار (ج 23/ ص 245/ ح 16)، عن تفسير فرات (ص 396/ ح 527/11).

(١٠١)

3 - من هو المطالب بحقِّ الله تعالى؟
والجواب عن ذلك:
أ - بما رواه الشيخ الأقدم الجليل محمّد بن إبراهيم المعروف بابن أبي زينب (رحمه الله) المتوفَّى (360هـ) عن أبي جعفر محمّد بن عليٍّ الباقر (عليهما السلام) في حديث طويل يتحدَّث عن ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) وفيه خطبة له (عجّل الله فرجه) جاء فيها: «أَلَا فَمَنْ حَاجَّنِي فِي كِتَابِ اَللهِ فَأَنَا أَوْلَى اَلنَّاسِ بِكِتَابِ اَللهِ، أَلَا وَمَنْ حَاجَّنِي فِي سُنَّةِ رَسُولِ اَللهِ فَأَنَا أَوْلَى اَلنَّاسِ بِسُنَّةِ رَسُولِ اَللهِ، فَأَنْشُدُ اَللهَ مَنْ سَمِعَ كَلَامِي اَلْيَوْمَ لَـمَّا بَلَّغَ اَلشَّاهِدُ مِنْكُمُ اَلْغَائِبَ، وَأَسْأَلُكُمْ بِحَقِّ اَللهِ وَحَقِّ رَسُولِهِ وَبِحَقِّي فَإِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقَّ اَلْقُرْبَى مِنْ رَسُولِ اَللهِ...»(184).
ب - وروى الشيخ الخصيبي (رحمه الله) بإسناده عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث طويل يذكر فيه أسماء الأئمَّة (عليهم السلام) وخصائصهم لسلمان (رضي الله عنه)، جاء فيه: «... ثُمَّ مُحَمَّدَ بْنَ اَلْحَسَنِ اَلْهَادِيَ اَلمَهْدِيَّ اَلنَّاطِقَ اَلْقَائِمَ بِحَقِّ اَللهِ...»(185).
ج - وروى الشيخ أحمد بن عليِّ بن أبي طالب الطبرسي (رحمه الله)، بسنده عن أبي جعفر محمّد بن عليٍّ (عليهما السلام) أنَّه قال: «خَرَجَ رَسُولُ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مِنَ اَلمَدِينَةِ...» والحديث طويل، جاء فيه: «... مَعَاشِرَ اَلنَّاسِ اَلنُّورُ مِنَ اَللهِ (عزَّ وجلَّ) فِيَّ مَسْلُوكٌ، ثُمَّ فِي عَلِيٍّ، ثُمَّ فِي اَلنَّسْلِ مِنْهُ إِلَى اَلْقَائِمِ اَلمَهْدِيِّ اَلَّذِي يَأْخُذُ بِحَقِّ اَللهِ وَبِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَنَا...»(186).
بعد أنْ تبيَّن ماهيَّة حقِّ الله تعالى من خلال جملة من النصوص نعيد السؤال: من هو الناصر لحقِّ الله تعالى والطالب به؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(184) الغيبة للنعماني (ص 290/ باب 14/ ح 67).
(185) الهداية الكبرى (ص 376).
(186) الاحتجاج (ج 1/ ص 77).

(١٠٢)

يأتي الجواب: ناصر حقِّ الله تعالى هو خليفته الحجَّة بن الحسن (عجّل الله فرجه)، ومعنى ذلك أنَّه حيث ثبت من خلال الفقرات المتقدِّمة أنَّ باب الله تعالى في زماننا هو حجَّة الله في أرضه وخليفته على خلقه جاء هذا التفرُّع كسياق طبيعي على تلك الصفات والخصائص، فمن يُعطى صلاحيَّات خلافة الله تعالى في الأرض، وكونه باب الله تعالى، وديَّان دينه، والداعي إليه، وربَّاني آياته، فمن الطبيعي أنْ يكون هو الناصر لحقِّه تعالى.

* * *

(١٠٣)

الفقرة الخامسة: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ الله وَدَلِيلَ إِرَادَتِهِ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: (الحجَّة والدليل) في اللغة:
استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
أنَّ الحجَّة هي وجه الظفر عند الخصوم، وجمعه الحُجَج(187)، ورجل محجوج أي مقصود(188)، وإذا قلنا: حجَّة الله تعالى، فالمراد أنَّ الله تعالى رضيه حجَّةً، وهي مشتقَّة من معنى الاستقامة في القصد(189).
أمَّا الدليل فهو ما يُستدَلُّ به ويكون دالّاً على الطريق(190)، وعندهم أنَّ الدال واللَّام أصلان أحدهما إبانة الشيء بأمارة تَستعْلِمها، والآخر اضطراب في الشيء، فالأوَّل قولهم: دللت فلاناً على الطريق، والدليل الأمارة في الشيء(191).
وأمَّا الإرادة فهي المشيئة(192)، وأصلها من (رود)، وقالوا: إنَّ معظم بابها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(187) العين للفراهيدي (ج 3/ ص 10).
(188) الصحاح للجوهري (ج 1/ ص 303).
(189) الفروق اللغويَّة (ص 233).
(190) الصحاح للجوهري (ج 4/ ص 1698).
(191) معجم مقاييس اللغة (ج 2/ ص 259).
(192) الصحاح للجوهري (ج 2/ ص 478).

(١٠٥)

يدلُّ على مجيء وذهاب(193)، وأراد الشيء أحبَّه وعُنِيَ به، يقال: أراد يريد إرادة، كقولك: راوده، أي أراده على أنْ يفعل كذا(194)، والإرادة من أفعال القلوب، وهي لا تتعلَّق إلَّا بما يصحُّ حدوثه(195)، وقيل: هي العزم على الفعل أو الترك بعد تصوُّر الغاية المترتِّبة عليه من خير أو نفع أو لذَّة أو نحو ذلك، وهي أخص من المشيئة، لأنَّك ربَّما شئت شيئاً ولا تريده لمانع عقلي أو شرعي، وأمَّا الإرادة فمتى حصلت صدر الفعل، وقد يطلق كلٌّ منهما على الآخر توسُّعاً(196).
والذي يظهر من مجموع كلماتهم أنَّ الحجَّة تختلف باختلاف الاستعمال، والمراد بها هنا أنَّ الإمام (عليه السلام) هو الواسطة والطريق في الوصول إلى الله تعالى، وأنَّه به (عليه السلام) يظفر الإنسان يوم القيامة بالخلاص من النار والعقوبة التي هي ألدّ الخصوم، وأنَّ من يضعه الله تعالى حجَّةً معناه يكون طريقاً للوصول إليه وجادَّة مستقيمة في الارتباط والاتِّصال به.
أمَّا الذي يظهر من معنى الدليل فهو ما يكون علامة وأمارة على الطريق المستقيم، وأنَّه دالٌّ على طريق الله تعالى، ودالٌّ على الله تعالى وكيفيَّة الوصول إليه.
وأمَّا ما يظهر من معنى الإرادة فيتجلَّى بربطه بالدليل والحجَّة، فما يريده الله تعالى وما يشاءه يكون عن طريق الحجَّة والدليل، فكلُّ مجيء وذهاب لا يكون إلَّا بواسطة الحجَّة والدليل، وهو المعبَّر عنه في كلماتهم بقوس الصعود والنزول، فإنَّ معنى قوله تعالى: ﴿إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ (البقرة:156) سيكون إنَّا لله تعالى بواسطة الإمام (عليه السلام)، وإنَّا إليه راجعون بواسطته (عليه السلام) أيضاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(193) معجم مقاييس اللغة (ج 2/ ص 457).
(194) لسان العرب (ج 3/ ص 191).
(195) الفروق اللغويَّة (ص 306).
(196) الفروق اللغويَّة (ص 35).

(١٠٦)

النقطة الثانية: (الحجَّة والدليل) في القرآن الكريم:
ورد ذكر الحجَّة أو الدليل والإرادة في القرآن الكريم في عدَّة آيات، منها:
1 - قوله تعالى: ﴿قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (الأنعام: 149).
2 - قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ (الأحزاب: 33).
3 - قوله تعالى: ﴿وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ﴾ (الأنفال: 7).
النقطة الثالثة: (الحجَّة والدليل) في الروايات الشريفة:
ورد ذكر (الحجَّة) و(الدليل) و(الإرادة) في العديد من الروايات الشريفة، منها:
أ - فيما ورد في (الحجَّة):
أورد ثقة الإسلام الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) في الكافي الشريف، كتاب الحجَّة، في باب الاضطرار إلى الحجَّة، وفي غيره من الأبواب عدَّة روايات في هذا الصدد، منها:
1 - عن أبي عبد الله (عليه السلام): «... إِنَّهُ لَـمَّا أَثْبَتْنَا أَنَّ لَنَا خَالِقاً صَانِعاً مُتَعَالِياً عَنَّا وَعَنْ جَمِيعِ مَا خَلَقَ، وَكَانَ ذَلِكَ اَلصَّانِعُ حَكِيماً مُتَعَالِياً، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشَاهِدَهُ خَلْقُهُ، وَلَا يُلَامِسُوهُ، فَيُبَاشِرَهُمْ وَيُبَاشِرُوهُ، وَيُحَاجَّهُمْ وَيُحَاجُّوهُ، ثَبَتَ أَنَّ لَهُ سُفَرَاءَ فِي خَلْقِهِ، يُعَبِّرُونَ عَنْهُ إِلَى خَلْقِهِ وَعِبَادِهِ، وَيَدُلُّونَهُمْ عَلَى مَصَالِحِهِمْ وَمَنَافِعِهِمْ وَمَا بِهِ بَقَاؤُهُمْ وَفِي تَرْكِهِ فَنَاؤُهُمْ، فَثَبَتَ اَلْآمِرُونَ وَاَلنَّاهُونَ عَنِ اَلْحَكِيمِ اَلْعَلِيمِ فِي خَلْقِهِ وَاَلمُعَبِّرُونَ عَنْهُ (جَلَّ وَعَزَّ)، وَهُمُ اَلْأَنْبِيَاءُ (عليهم السلام) وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، حُكَمَاءَ مُؤَدَّبِينَ بِالْحِكْمَةِ، مَبْعُوثِينَ بِهَا، غَيْرَ مُشَارِكِينَ اَلنَّاسِ - عَلَى مُشَارَكَتِهِمْ لَهُمْ فِي

(١٠٧)

اَلْخَلْقِ وَاَلتَّرْكِيبِ - فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِهِمْ، مُؤَيَّدِينَ مِنْ عِنْدِ اَلْحَكِيمِ اَلْعَلِيمِ بِالْحِكْمَةِ، ثُمَّ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي كُلِّ دَهْرٍ وَزَمَانٍ مِمَّا أَتَتْ بِهِ اَلرُّسُلُ وَاَلْأَنْبِيَاءُ مِنَ اَلدَّلَائِلِ وَاَلْبَرَاهِينِ، لِكَيْلَا تَخْلُوَ أَرْضُ اَللهِ مِنْ حُجَّةٍ يَكُونُ مَعَهُ عِلْمٌ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِهِ وَجَوَازِ عَدَالَتِهِ»(197).
2 - وعنه (عليه السلام): «اَلْحُجَّةُ قَبْلَ اَلْخَلْقِ، وَمَعَ اَلْخَلْقِ، وَبَعْدَ اَلْخَلْقِ»(198).
3 - وعن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «وَاَللهِ مَا تَرَكَ اَللهُ أَرْضاً مُنْذُ قَبَضَ آدَمَ (عليه السلام) إِلَّا وَفِيهَا إِمَامٌ يُهْتَدَى بِهِ إِلَى اَللهِ، وَهُوَ حُجَّتُهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَلَا تَبْقَى اَلْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ حُجَّةٍ لِلهِ عَلَى عِبَادِهِ»(199).
ب - فيما ورد في (الدليل):
1 - عن حنان بن سدير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل يتحدَّث فيه عن حقيقة العرش والكرسي، جاء فيه: «... يَا حَنَانُ، إِنَّ اَللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمَرَ أَنْ يُتَّخَذَ قَوْمٌ أَوْلِيَاءَ، فَهُمُ اَلَّذِينَ أَعْطَاهُمُ اَللهُ اَلْفَضْلَ وَخَصَّهُمْ بِمَا لَمْ يَخُصَّ بِهِ غَيْرَهُمْ، فَأَرْسَلَ مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَكَانَ اَلدَّلِيلَ عَلَى اَللهِ بِإِذْنِ اَللهِ (عزَّ وجلَّ) حَتَّى مَضَى دَلِيلاً هَادِياً، فَقَامَ مِنْ بَعْدِهِ وَصِيُّهُ (عليه السلام) دَلِيلاً هَادِياً عَلَى مَا كَانَ هُوَ دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ رَبِّهِ مِنْ ظَاهِرِ عِلْمِهِ، ثُمَّ اَلْأَئِمَّةُ اَلرَّاشِدُونَ (عليهم السلام)»(200).
2 - عن أبي عبد الله (عليه السلام): «... إِنَّ اَللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هُوَ خَلَقَ اَلْخَلْقَ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ اَلْخَلْقُ وَاَلْأَمْرُ، وَاَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةُ، وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَخَالِقُهُ، خَلَقَ اَلْخَلْقَ وَأَحَبَّ أَنْ يَعْرِفُوهُ بِأَنْبِيَائِهِ، وَاِحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِهِمْ، فَالنَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هُوَ اَلدَّلِيلُ عَلَى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(197) الكافي (ج 1/ ص 168/ باب الاضطرار إلى الحجَّة/ ح 1).
(198) الكافي (ج 1/ ص 177/ باب أنَّ الحجَّة لا تقوم لله على خلقه إلَّا بإمام/ ح 4).
(199) الكافي (ج 1/ ص 178 و179/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح 8).
(200) التوحيد للصدوق (ص 324/ باب 50/ ح 1).

(١٠٨)

اَللهِ، عَبْدٌ مَخْلُوقٌ مَرْبُوبٌ اِصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ بِرِسَالَتِهِ وَأَكْرَمَهُ بِهَا، فَجَعَلَهُ خَلِيفَتَهُ فِي خَلْقِهِ، وَلِسَانَهُ فِيهِمْ، وَأَمِينَهُ عَلَيْهِمْ، وَخَازِنَهُ فِي اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرَضِينَ، قَوْلُهُ قَوْلُ اَللهِ، لَا يَقُولُ عَلَى اَللهِ إِلَّا اَلْحَقَّ، مَنْ أَطَاعَهُ أَطَاعَ اَللهَ، وَمَنْ عَصَاهُ عَصَى اَللهَ، وَهُوَ مَوْلَى مَنْ كَانَ اَللهُ رَبَّهُ...»(201).
ج - فيما ورد في (الإرادة):
1 - عن أبي عبد الله (عليه السلام): «... مَنْ أَرَادَ اَللهَ بَدَأَ بِكُمْ، بِكُمْ يُبَيِّنُ اَللهُ اَلْكَذِبَ، وَبِكُمْ يُبَاعِدُ اَللهُ اَلزَّمَانَ اَلْكَلِبَ...، إِرَادَةُ اَلرَّبِّ فِي مَقَادِيرِ أُمُورِهِ تَهْبِطُ إِلَيْكُمْ، وَتَصْدُرُ مِنْ بُيُوتِكُمْ، وَاَلصَّادِرُ عَمَّا فَصَلَ مِنْ أَحْكَامِ اَلْعِبَادِ...»(202).
2 - عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «... يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، رَفَضُوا اَلْخَيْرَ وَرَفَضْتُمُ اَلشَّرَّ، اِفْتَرَقَ اَلنَّاسُ كُلَّ فُرْقَةٍ وَتَشَعَّبُوا كُلَّ شُعْبَةٍ فَانْشَعَبْتُمْ مَعَ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَذَهَبْتُمْ حَيْثُ ذَهَبُوا، وَاِخْتَرْتُمْ مَنِ اِخْتَارَ اَللهُ لَكُمْ، وَأَرَدْتُمْ مَنْ أَرَادَ اَللهُ، فَأَبْشِرُوا ثُمَّ أَبْشِرُوا، فَأَنْتُمْ وَاَللهِ اَلمَرْحُومُونَ اَلمُتَقَبَّلُ مِنْ مُحْسِنِكُمْ وَاَلمُتَجَاوَزُ عَنْ مُسِيئِكُمْ، مَنْ لَمْ يَأْتِ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ حَسَنَةٌ وَلَمْ يُتَجَاوَزْ لَهُ عَنْ سَيِّئَةٍ»(203).
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة:
لا يخفى أنَّ (الحجَّة) و(الدليل) و(الإرادة) لها معانٍ واستعمالات عديدة عند العرب، وهي واضحة إلى حدٍّ كبير، وتقدَّم بيان بعض من تلك المعاني.
واقتران هذه المفاهيم الثلاثة (الحجَّة، الدليل، الإرادة) بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من جهة، وبالله تعالى، كونه تعالى منبع كلِّ كمال وفيض، يترتَّب عليه أنَّ العبد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(201) بصائر الدرجات (ص 555/ ج 10/ باب 21/ ح 1).
(202) الكافي (ج 4/ ص 576 و577/ باب زيارة قبر أبي عبد الله الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام)/ ح 2).
(203) الكافي (ج 8/ ص 34/ ح 6).

(١٠٩)

السائر في طريق الاستقامة، عليه أنْ يضع نصب عينيه أنَّ هذا الطريق يحتاج إلى حجَّة إلهيَّة، ولا ينفع فيه دعوى سلوك الطريق وادِّعاء امتلاك الدليل، فالحجَّة في الطريق إلى الله تعالى، والدليل الكاشف عن إرادته، على ما تقدَّم في الآيات والروايات هو الإمام (عليه السلام)، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا الصدد: «نَحْنُ اَلشِّعَارُ وَاَلْأَصْحَابُ، وَاَلْخَزَنَةُ وَاَلْأَبْوَابُ، وَلَا تُؤْتَى اَلْبُيُوتُ إِلَّا مِنْ أَبْوَابِهَا، فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيْرِ أَبْوَابِهَا سُمِّيَ سَارِقاً». ثمّ يقول (عليه السلام): «فِيهِمْ كَرَائِمُ اَلْقُرْآنِ، وَهُمْ كُنُوزُ اَلرَّحْمَنِ، إِنْ نَطَقُوا صَدَقُوا، وَإِنْ صَمَتُوا لَمْ يُسْبَقُوا، فَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَه، وَلْيُحْضِرْ عَقْلَه، وَلْيَكُنْ مِنْ أَبْنَاءِ اَلْآخِرَةِ، فَإِنَّه مِنْهَا قَدِمَ، وَإِلَيْهَا يَنْقَلِبُ، فَاَلنَّاظِرُ بِالْقَلْبِ اَلْعَامِلُ بِالْبَصَرِ يَكُونُ مُبْتَدَأُ عَمَلِه أَنْ يَعْلَمَ أَعَمَلُه عَلَيْه أَمْ لَه، فَإِنْ كَانَ لَه مَضَى فِيه، وَإِنْ كَانَ عَلَيْه وَقَفَ عَنْه، فَإِنَّ اَلْعَامِلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَاَلسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ طَرِيقٍ، فَلَا يَزِيدُه بُعْدُه عَنِ الطَّرِيقِ اَلْوَاضِحِ إِلَّا بُعْداً مِنْ حَاجَتِه، وَاَلْعَامِلُ بِاَلْعِلْمِ كَاَلسَّائِرِ عَلَى اَلطَّرِيقِ اَلْوَاضِحِ، فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ أَسَائِرٌ هُوَ أَمْ رَاجِعٌ...»(204).
فعلى العبد أنْ يلاحظ ما يُقرِّبه من ربِّه وينفعه في سيره بدرب العبوديَّة باعتماده على معرفته بخصائص إمامه وصفاته (عليه السلام)، ويسعى إلى تجسيد ما يتمكَّن من تجسيده في الجانب العملي من التخلُّق بتلك الصفات والعمل على أنْ يكون مهتدياً تحت ظلال مضامينها، وأنْ يكون قلبه وفكره متنوِّراً بها وبما تحويه من كنوز المعرفة وهداية القرب من الله تعالى.
هذه الحالة في العبد تُولِّد الثقافة الدِّينيَّة العالية التي ينشأ منها العقيدة الإيمانيَّة الراسخة والسلوك الشرعي المستقيم.
هذا هو المرجوُّ من قراءة زيارات الأئمَّة (عليهم السلام)، وبالخصوص زيارة الإمام الحجَّة (عجّل الله فرجه).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(204) نهج البلاغة (ص 215 و216/ الخطبة 154).

(١١٠)

فكون الإمام (عجّل الله فرجه) حجَّة الله تعالى ودليل إرادته، يعني فيما يعنيه أنَّ الإمام (عجّل الله فرجه) هو الجهة وهو الشخص الذي يحتجُّ به الله تعالى علينا نحن الذين عشنا في أزمنة إمامته، وأنَّ الناس سوف تُحاسَب على عدم رعايتها لمقتضيات إمامته، كما سيُثاب من يرعاها حقَّ رعايتها.
نعم، نحن نعيش في وضع أصعب ممَّا عاشه سلفنا (رضوان الله عليهم)، فإنَّهم كانوا يباشرون الأئمَّة (عليهم السلام) ويجلسون معهم ويلتقون بهم ويأخذون سُبُل الهداية بشكل مباشر منهم، أمَّا نحن - مع الأسف - لا نشاهد إمامنا (عجّل الله فرجه) ولا نتلقَّى منه الأحكام الشرعيَّة بشكل مباشر كما هو حال من سبقنا.
فتباعد الزمان، وتراكم سنين الغيبة المتعبة غلَّظ بعض القلوب على هذا الإيمان، بينما الخلَّص من المتمسِّكين بهذا النبع الصافي والماء العذب هم على حدِّ القابض على الجمر بل أشدّ، وهنا يصفو الإيمان وتتفاوت الدرجات ويمتاز الخبيث من الطيِّب.
فالحجَّة الإلهيَّة التي تحاسب وتراقب هي في ذات الوقت دليل إرادة الباري تعالى، ومفتاح تلقِّي فيض الرحمن، وباب نزول رحمته.
حجَّة الله تعالى تعني أنْ يكون الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) إماماً مفترض الطاعة، ويراقب من أعمالنا كلَّ كبيرة أو صغيرة، وأنَّ رضا الله تعالى يحصل برضاه عنَّا، وسخطه - والعياذ بالله تعالى - يكون بسخط الإمام (عجّل الله فرجه) علينا، به تُرفَع الذنوب وتُستَر العيوب وتنزل الأرزاق، وبه يقرب البعيد ويسهل الطريق ويُقوَّم الإعوجاج وينتشر العدل، ويبسط الرزق، ويشفى المريض، هذا في الدنيا، وأمَّا في الآخرة فإنَّه (عجّل الله فرجه) هو الشاهد على ما قدَّمنا، وهو المحاسب بين يدي الله تعالى، لأنَّه هو الحجَّة ودليل الإرادة.

* * *

(١١١)

الفقرة السادسة: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا تَالِيَ كِتَابِ اللهِ وَتَرْجُمَانَهُ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: (تالي كتاب الله وترجمانه) في اللغة:
استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
حقُّ الاتِّباع: قالوا: يتلونه حقَّ تلاوته أي يتبعونه حقَّ اتِّباعه، ألَا ترى أنَّك تقول: فلان يتلو فلاناً، ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا﴾ (الشمس: 1 و2)(205).
البقيَّة والمصاحبة: قالوا:... تلوت الرجل أتلوه تلواً إذا خذلته وتركته فإنْ كان صحيحاً فهو القياس لأنَّه مصاحبه ومعه، فإذا انقطع عنه وتركه فقد صار خلفه بمنزلة التالي، ومن الباب التلية والتلاوة وهي البقيَّة لأنَّها تتلو ما تقدَّم منها(206).
الترتيل والقراءة: تلوت القرآن، تلاوة، قرأْته... تلا يتلو تلاوة، يعني قرأ قراءة(207).
أمَّا الترجمان فقد استُعمِلَ في عدَّة معانٍ، منها:
الناقل والمفسِّر: قالوا: ترجم كلامه إذا فسَّره بلسان آخر، ومنه الترجمان،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(205) غريب الحديث (ج 4/ ص 173 و174).
(206) معجم مقاييس اللغة (ج 1/ ص 351).
(207) لسان العرب (ج 14/ ص 104).

(١١٣)

والجمع التراجم(208)، أي إنَّ الترجمان بالضمِّ والفتح هو الذي يترجم الكلام أي ينقله من لغة إلى لغة أُخرى(209) فالترجمان هو المفسِّر للسان(210).
النقطة الثانية: (تالي كتاب الله وترجمانه) في القرآن الكريم:
وردت مفردات الفقرة المتقدِّمة في عدَّة آيات:
أ - فما ورد في مفردة «تَالِيَ كِتَابِ اللهِ» عدَّة آيات، منها:
1 - قوله تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ﴾ (آل عمران: 101).
2 - قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ (هود: 17).
3 - قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾ (المزمل: 1-4).
النقطة الثالثة: (تالي كتاب الله وترجمانه) في الروايات الشريفة:
أ - فيما يرتبط بـ «تَالِيَ كِتَابِ اللهِ»:
فقد وردت في عدَّة روايات، منها:
1 - عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما سُئِلَ عمَّا نزل فيه، قال (عليه السلام): «﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: 17]، فَمُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ، وَأَنَا اَلشَّاهِدُ مِنْهُ أَتْلُو آثَارَهُ»(211).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(208) الصحاح للجوهري (ج 5/ ص 1928).
(209) النهاية في غريب الحديث (ج 1/ ص 186).
(210) لسان العرب (ج 12/ ص 66).
(211) تفسير فرات (ص 188/ ح 239/21)، ورواه الحسكاني في شواهد التنزيل (ج 1/ ص 366 و367/ ح 384)، وقد ذكر الطوسي (رحمه الله) في التبيان (ج 5/ ص 460) عدَّة وجوه في تفسير الآية، فراجع.

(١١٤)

2 - عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «اَلَّذِي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ رَسُولُ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَاَلَّذِي تَلَاهُ مِنْ بَعْدِهِ اَلشَّاهِدُ مِنْهُ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، ثُمَّ أَوْصِيَاؤُهُ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ»(212).
3 - عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «كَانَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ (صَلَوَاتُ اَللهِ عَلَيْهِ) أَحْسَنَ اَلنَّاسِ صَوْتاً بِالْقُرْآنِ، وَكَانَ اَلسَّقَّاءُونَ يَمُرُّونَ فَيَقِفُونَ بِبَابِهِ يَسْمَعُونَ قِرَاءَتَهُ، وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَحْسَنَ اَلنَّاسِ صَوْتاً»(213).
ب - أمَّا (الترجمان):
فقد ورد فيها عدَّة روايات، منها:
1 - في (نهج البلاغة) قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «... هَذَا اَلْقُرْآنُ إِنَّمَا هُوَ خَطٍّ مَسْطُورٌ بَيْنَ اَلدَّفَّتَيْنِ، لَا يَنْطِقُ بِلِسَانٍ، وَلَا بُدَّ لَه مِنْ تَرْجُمَانٍ...»(214).
2 - عن سدير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا أَنْتُمْ؟ قَالَ: «نَحْنُ خُزَّانُ عِلْمِ اَللهِ، وَنَحْنُ تَرَاجِمَةُ وَحْيِ اَللهِ، وَنَحْنُ اَلْحُجَّةُ اَلْبَالِغَةُ عَلَى مَنْ دُونَ اَلسَّمَاءِ وَمَنْ فَوْقَ اَلْأَرْضِ»(215).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(212) تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 142/ ح 12).
(213) الكافي (ج 2/ ص 616/ باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن/ ح 11)؛ ومن المناسب قراءة القرآن الكريم عن الإمام (عجّل الله فرجه) تأسّياً بهذه الرواية، فعن عليِّ بن المغيرة، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: قُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَبِي سَأَلَ جَدَّكَ، عَنْ خَتْمِ اَلْقُرْآنِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، فَقَالَ لَهُ جَدُّكَ: «كُلَّ لَيْلَةٍ»، فَقَالَ لَهُ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَقَالَ لَهُ جَدُّكَ: «فِي شَهْرِ رَمَضَانَ»، فَقَالَ لَهُ أَبِي: نَعَمْ مَا اِسْتَطَعْتُ، فَكَانَ أَبِي يَخْتِمُهُ أَرْبَعِينَ خَتْمَةً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ خَتَمْتُهُ بَعْدَ أَبِي، فَرُبَّمَا زِدْتُ وَرُبَّمَا نَقَصْتُ عَلَى قَدْرِ فَرَاغِي وَشُغُلِي وَنَشَاطِي وَكَسَلِي، فَإِذَا كَانَ فِي يَوْمِ اَلْفِطْرِ جَعَلْتُ لِرَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) خَتْمَةً، وَلِعَلِيٍّ (عليه السلام) أُخْرَى، وَلِفَاطِمَةَ (عليها السلام) أُخْرَى، ثُمَّ لِلْأَئِمَّةِ (عليهم السلام) حَتَّى اِنْتَهَيْتُ إِلَيْكَ، فَصَيَّرْتُ لَكَ وَاحِدَةً مُنْذُ صِرْتُ فِي هَذَا اَلْحَالِ، فَأَيُّ شَيْءٍ لِي بِذَلِكَ؟ قَالَ: «لَكَ بِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ مَعَهُمْ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ»، قُلْتُ: اَللهُ أَكْبَرُ، فَلِي بِذَلِكَ؟! قَالَ: «نَعَمْ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ». (الكافي: ج 2/ ص 618/ باب في كم يُقرَأ القرآن ويُختَم/ ح 4).
(214) نهج البلاغة (ص 182/ الخطبة 125).
(215) الكافي (ج 1/ ص 192/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) ولاة أمر الله وخزنة علمه/ ح 3).

(١١٥)

3 - وعنه، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «... نَحْنُ خُزَّانُ عِلْمِ اَللهِ، نَحْنُ تَرَاجِمَةُ أَمْرِ اَللهِ، نَحْنُ قَوْمٌ مَعْصُومُونَ، أَمَرَ اَللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِطَاعَتِنَا، وَنَهَى عَنْ مَعْصِيَتِنَا...»(216).
النقطة الرابعة: أقوال العلماء في (تالي كتاب الله وترجمانه):
1 - قال القاضي المغربي في (دعائم الإسلام): (وروينا عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد (صلوات الله عليه) أنَّه قال في قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾، قال: «اَلَّذِي هُوَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ هَاهُنَا رَسُولُ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَاَلشَّاهِدُ اَلَّذِي يَتْلُوهُ مِنْهُ عَلِيٌّ (صَلَوَاتُ اَللهِ عَلَيْهِ) يَتْلُوهُ إِمَاماً مِنْ بَعْدِهِ وَحُجَّةً عَلَى مَنْ خَلَّفَهُ مِنْ أُمَّتِهِ»، وروينا عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ بَعْدِي»، وهذا أيضاً من مشهور الأخبار، وهو من قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ يعني رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويتلوه شاهد منه، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ»، فدلَّ ذلك على أنَّه الشاهد الذي يتلوه، شاهد على أُمَّته، وحجَّة عليهم من بعده، وإمام مفترض الطاعة، ووصيُّه من بعده كوصيِّ موسى في قومه...)(217).
2 - قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): (واعتقادنا فيهم أنَّهم أولو الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم، وأنَّهم الشهداء على الناس، وأنَّهم أبواب الله، والسبيل إليه، والأدلَّاء عليه، وأنَّهم عيبة علمه، وتراجمة وحيه، وأركان توحيده)(218).
3 - قال المولى المازندراني (رحمه الله): قوله: «وَنَحْنُ تَرَاجِمَةُ وَحْيِ اَللهِ» لأنَّهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(216) الكافي (ج 1/ ص 269 و270/ باب في أنَّ الأئمَّة بمن يشبهون ممَّن مضى وكراهية القول فيهم بالنبوَّة/ ح 6).
(217) دعائم الإسلام (ج 1/ ص 19 و20).
(218) الاعتقادات في دين الإماميَّة (ص 94).

(١١٦)

يُفسِّرون نطق الحقِّ ولسان القرآن بلسان الإنسان، يقال: قد ترجم كلامه إذا فسَّره بلسان آخر، ومنه الترجمان، والجمع التراجم)(219).
4 - قال الشيخ ابن أبي زينب النعماني (رحمه الله): (... ثمّ أعجب من هذا ادِّعاء هؤلاء الصمّ العمي أنَّه ليس في القرآن علم كلِّ شيء من صغير الفرائض وكبيرها، ودقيق الأحكام والسُّنَن وجليلها، وأنَّهم لـمَّا لم يجدوه فيه احتاجوا إلى القياس والاجتهاد في الرأي...)، إلى أنْ يقول: (... فمن أنكر أنَّ شيئاً من أُمور الدنيا والآخرة وأحكام الدِّين وفرائضه وسُنَنه وجميع ما يحتاج إليه أهل الشريعة ليس موجوداً في القرآن الذي قال الله تعالى فيه: ﴿تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل: 89]، فهو رادٌّ على الله قوله، ومفترٍ على الله الكذب وغير مصدِّق بكتابه، ولعمري لقد صدقوا عن أنفسهم وأئمَّتهم الذين يقتدون بهم في أنَّهم لا يجدون ذلك في القرآن، لأنَّهم ليسوا من أهله، ولا ممَّن أُوتي علمه، ولا جعل الله ولا رسوله لهم فيهم نصيباً، بل خصَّ بالعلم كلِّه أهل بيت الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذين آتاهم العلم، ودلَّ عليهم، الذين أمر بمسألتهم ليدلُّوا على موضعه من الكتاب الذي هم خزنته وورثته وتراجمته)(220).
النقطة الخامسة: المستفاد من الفقرة:
الحديث عن أهل البيت (عليهم السلام) بمعزل عن القرآن ليس بحديث عنهم، كما أنَّ الحديث عن القرآن بمعزل عنهم (عليهم السلام) ليس بحديث عن القرآن الكريم، وقد مرَّت عليك كلمة الشيخ النعماني (رحمه الله) القيِّمة في هذا الصدد.
هذا التلازم وهذه الحقيقة هي من الحقائق القرآنيَّة والروائيَّة، فالقرآن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(219) شرح أُصول الكافي (ج 5/ ص 171).
(220) الغيبة للنعماني (ص 56 و57).

(١١٧)

الكريم الذي يخاطب الجميع دون استثناء يقول عن نفسه بأنَّه حقيقة تحتاج في الاستجلاء والبيان إلى أهل العصمة والقرآن، قال تعالى: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: 7]، فالآية دالَّة على أنَّ اتِّباع القرآن دون ترجمان القرآن وتاليه بعد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو اتِّباع فيه فتنة، ولا يقوم به إلَّا أهل الزيغ.
وأمَّا من جهة الروايات فقد تقدَّم في النقطة السابقة ما يدلُّ عليه - التلازم بين القرآن والعترة -، وفي حديث الثقلين صراحة وتنصيص على ذلك، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أَيُّهَا اَلنَّاسُ قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ كِتَابَ اَللهِ وَعِتْرَتِي، أَلَا إِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ اَلْحَوْضَ، أَلَا وَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا مَا اِسْتَمْسَكْتُمْ بِهِمَا»(221).
قال الشيخ الصدوق (رحمه الله) معقِّباً على الحديث الشريف: (إنَّ في قول النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على ما يقول الإماميَّة دلالة واضحة...، فأعلمنا أنَّ الحجَّة من عترته لا تفارق الكتاب، وأنَّا متى تمسَّكنا بمن لا يفارق الكتاب لن نضلَّ، ومن لا يفارق الكتاب ممَّن فُرِضَ على الأُمَّة أنْ يتمسَّكوا به، ويجب في العقول أنْ يكون عالماً بالكتاب مأموناً عليه يعلم ناسخه من منسوخه، وخاصَّه من عامِّه، وحتمه من ندبه، ومحكمه من متشابهه، ليضع كلَّ شيء من ذلك موضعه الذي وضعه الله (عزَّ وجلَّ)، لا يُقدِّم مؤخِّراً ولا يُؤخِّر مقدَّماً، ويجب أنْ يكون جامعاً لعلم الدِّين كلِّه ليمكن التمسُّك به والأخذ بقوله فيما اختلفت فيه الأُمَّة وتنازعته من تأويل الكتاب والسُّنَّة)(222).
فحقيقة الارتباط الملكوتي بين القرآن والعترة الطاهرة (عليهم السلام) حقيقة لا تخفى على أحد، إذ كيف تخفى وهي السبيل الوحيد للنجاة؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(221) كمال الدِّين (ص 94).
(222) كمال الدِّين (ص 94 و95).

(١١٨)

هنا تأتي الزيارة المباركة لتخاطب الإمام الحجَّة (عجّل الله فرجه) بأنَّه هو التالي لكتاب الله تعالى، وأنَّه ترجمان الآيات القرآنيَّة والمبيِّن لمضامينها، وهذا يعني أنَّ تلاوة الكتاب وترجمته إلى أحكام ونظم لا تكون إلَّا بوجود العِدل من العترة الطاهرة (عليهم السلام).
فالقرآن لكي يقود الناس إلى وظيفته في هداية الناس ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ (البقرة: 2)، لا يكون إلَّا بعِدله، وهو وجود الحجَّة المنصوبة من قِبَل الله تعالى على ترجمته، وهو الحجَّة (عجّل الله فرجه) على ما تقدَّم.

* * *

(١١٩)

الفقرة السابعة: «السَّلَامُ عَلَيْكَ فِي آنَاءِ لَيْلِكَ وَأَطْرَافِ نَهَارِكَ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: (آناء الليل وأطراف النهار) في اللغة:
استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
أ - آناء: ومن المعاني التي استُعمِلَت فيها:
الإنَى النهار كلُّه، والجمع آناء وأُنِيّ.
3 - وقيل: والإنْي واحد، آناة الليل وهي ساعاته، وفي التنزيل العزيز: ﴿وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ﴾ (طه: 130)(223).
ب - وأمَّا الأطراف: فقالوا: إنَّ من معانيها أنَّها حدُّ الشيء فإنَّ (الطاء والراء والضاد) أصلان، الأوَّل يدل على حدِّ الشيء وحرفه، والثاني يدلُّ على حركة في بعض الأعضاء، وجمع الطرف أطراف(224).
النقطة الثانية: (آناء الليل وأطراف النهار) في القرآن الكريم:
وورد ذكر آناء الليل وأطراف النهار في العديد من الآيات، منها:
1 - قوله تعالى: ﴿يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾ (آل عمران: 113).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(223) لسان العرب (ج 14/ ص 49 و50).
(224) معجم مقاييس اللغة (ج 3/ ص 447).

(١٢١)

2 - قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾ (طه: 130).
3 - قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ﴾ (الجاثية: 14).
النقطة الثالثة: (آناء الليل وأطراف النهار) في الروايات الشريفة:
ورد عن الأيام والليالي وأهمّيَّتها ونسبتها إلى أهل البيت (عليهم السلام) عدَّة روايات، منها:
1 - عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال : «كَانَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام) يُصَلِّي فِي اَلْيَوْمِ وَاَللَّيْلَةِ أَلْفَ رَكْعَةٍ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، كَانَتْ لَهُ خَمْسُمِائَةِ نَخْلَةٍ، فَكَانَ يُصَلِّي عِنْدَ كُلِّ نَخْلَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ غَشِيَ لَوْنَهُ لَوْنٌ آخَرُ، وَكَانَ قِيَامُهُ فِي صَلَاتِهِ قِيَامَ اَلْعَبْدِ اَلذَّلِيلِ بَيْنَ يَدَيِ اَلمَلِكِ اَلْجَلِيلِ، كَانَتْ أَعْضَاؤُهُ تَرْتَعِدُ مِنْ خَشْيَةِ اَللهِ (عزَّ وجلَّ)، وَكَانَ يُصَلِّي صَلَاةَ مُوَدِّعٍ يَرَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّيَ بَعْدَهَا أَبَداً...»، وَقَالَ: «إِنَّ اَلْعَبْدَ لَا يُقْبَلُ مِنْ صَلَاتِهِ إِلَّا مَا أَقْبَلَ عَلَيْهِ مِنْهَا بِقَلْبِهِ»، فَقَالَ رَجُلٌ: هَلَكْنَا، فَقَالَ: «كَلَّا، إِنَّ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) مُتَمِّمُ ذَلِكَ بِالنَّوَافِلِ»(225).
2 - وممَّا ورد في كونهم (عليهم السلام) أيَّام الله، فعن الصقر بن أبي الدلف، عن الإمام الهادي (عليه السلام) في حديث طويل جاء فيه:... ثُمَّ قُلْتُ: يَا سَيِّدِي، حَدِيثٌ يُرْوَى عَنِ اَلنَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لَا أَعْرِفُ مَعْنَاهُ، قَالَ: «فَمَا هُوَ؟»، قُلْتُ: قَوْلُهُ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا تُعَادُوا اَلْأَيَّامَ فَتُعَادِيَكُمْ»، مَا مَعْنَاهُ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ اَلْأَيَّامُ نَحْنُ، بِنَا قَامَتِ اَلسَّمَاوَاتُ وَاَلْأَرْضُ، فَالسَّبْتُ اِسْمُ رَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَاَلْأَحَدُ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ، وَاَلْاِثْنَيْنِ اَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ، وَاَلثَّلَاثَاءُ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْبَاقِرُ وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(225) الخصال (ص 517/ ح 4).

(١٢٢)

[اَلصَّادِقُ]، وَاَلْأَرْبِعَاءُ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ وَعَلِيُّ بْنُ مُوسَى وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَنَا، وَاَلْخَمِيسُ اِبْنِيَ اَلْحَسَنُ، وَاَلْجُمُعَةُ اِبْنُ اِبْنِي، وَإِلَيْهِ تَجْتَمِعُ عِصَابَةُ اَلْحَقِّ، وَهُوَ اَلَّذِي يَمْلَؤُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، فَهَذَا مَعْنَى اَلْأَيَّامِ، وَلَا تُعَادُوهُمْ فِي اَلدُّنْيَا فَيُعَادُوكُمْ فِي اَلْآخِرَةِ»(226).
3 - وأيضاً عن الإمام جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليهما السلام)، قال: «أَيَّامُ اَللهِ (عزَّ وجلَّ) ثَلَاثَةٌ: يَوْمٌ يَقُومُ اَلْقَائِمُ، وَيَوْمُ اَلْكَرَّةِ، وَيَوْمُ اَلْقِيَامَةِ»(227).
قال الشيخ الصدوق (رحمه الله) في (الخصال): (الأيَّام ليست بأئمَّة، ولكن كنَّى بها (عليه السلام) عن الأئمَّة لئلَّا يُدرك معناه غير أهل الحقِّ، كما كنَّى الله (عزَّ وجلَّ) بـ ﴿التِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ [التين: 1 - 3]، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعليٍّ والحسن والحسين (عليهم السلام)، وكما كنَّى (عزَّ وجلَّ) بالنعاج عن النساء على قول من روى ذلك في قصَّة داود والخصمين، وكما كنَّى بالسير في الأرض عن النظر في القرآن، سُئِلَ الصادق (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرضِ﴾ [الروم: 9]، قال: «مَعْنَاهُ: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي اَلْقُرْآنِ». وكما كنَّى (عزَّ وجلَّ) بالسرِّ عن النكاح في قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَلَكِنْ لَا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾ [البقرة: 235]. وكما كنَّى (عزَّ وجلَّ) بأكل الطعام عن التغوُّط فقال في عيسى وأُمِّه: ﴿كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ﴾ [المائدة: 75]، ومعناه أنَّهما كانا يتغوَّطان. وكما كنَّى بالنحل عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في قوله: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ [النحل: 68]، ومثل هذا كثير)(228).
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة:
إنَّ الحديث عن الانتساب يختلف باختلاف الأشياء التي تنسب إلى بعضها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(226) كمال الدِّين (ص 383/ باب 37/ ح 9).
(227) معاني الأخبار (ص 365 و366/ باب معنى أيَّام الله (عزَّ وجلَّ)/ ح 1).
(228) الخصال (ص 396).

(١٢٣)

البعض، وتتقدَّس الكثير منها بانتسابها إلى المقدَّس، وتتهاوى أُخَر بانتسابها إلى الوضيع، فـ (يزيد) ذاك المستملح من أسماء العرب صار مشمئزًّا منه لانتسابه لفرد يكشف عن وضاعة، وليس ذاك إلَّا لما صدر من يزيد اللعين من فعال أوجبت قبح هذا الاسم والاشمئزاز من حامله.
فيما تجد كثيراً من الوجودات البسيطة تقدَّست بانتسابها إلى الله سبحانه وتعالى أو إلى مقدَّسات أُخرى، فحجارة صمَّاء بناها النبيُّ إبراهيم (عليه السلام) أصبحت واحدة منها بيت الله تعالى، والأُخرى مقام التوجُّه والعبادة، فالكعبة ومقام إبراهيم ليستا إلَّا أحجاراً لا تسمن ولا تغني قبل أنْ تنتسبا إلى الله سبحانه وتعالى وإلى بيته، وما أنْ انتسبتا حتَّى صارتا من أقدس مقدَّسات المسلمين، وهكذا بيت المقدس، وليس ببعيد عنَّا قبر الإمام الحسين (عليه السلام) وتراب أرض كربلاء التي قدَّسها جسده الطاهر ولآلاف من الأمتار تحيط بضريحه المقدَّس، فأصبحت لها من المكانة والقداسة ما لا يضاهيها غيرها، وهكذا بقيَّة الأشياء، فحجارة المسجد وموادُّ بنائه قبل أنْ يُبنى ليس لها من القداسة حظٌّ ولا نصيب، فما أنْ تُبنى به وتنتسب إليه حتَّى تلحقها أحكام فقهيَّة كثيرة من حرمة تنجيسها وغيرها من الأحكام والآداب.
وانتساب الأيَّام إلى إمام الزمان (عجّل الله فرجه) لا بدَّ أنْ يُنظَر إليها كذلك، لأنَّ الزيارة الشريفة نسبت الأيَّام إليه (عجّل الله فرجه)، فتحوَّلت هذه الساعات التي يحتضنها اليوم والليلة من شيء لا قيمة له - أو له قيمة ولكنَّها قليلة وغير ملتفت إليها - إلى شيء مقدَّس ذي قيمة عالية بانتسابه إلى أقدس الأشياء بعد الله سبحانه وتعالى، وهو إمام زماننا (عجّل الله فرجه).
فلا بدَّ أنْ نلتفت إلى أنَّ هذه الأيَّام التي تمرُّ علينا لها وجوه:
وجه أنَّ فيها نقضي حاجاتنا ونعيش حياتنا ونُرتِّب أُمورنا، وهذا أمر يتساوى فيه جميع الناس ولا مائز لأحد فيه على آخر.

(١٢٤)

ووجه آخر أنَّ هناك أُناساً يعيشونها وهي منتسبة إلى إمام الزمان (عجّل الله فرجه)، ومملوكة إليه، فالتعامل مع الأيَّام بهكذا وجه يحتمل أنْ يكون هو المراد من هذه الفقرة، كما يحتمل أنْ يكون المراد منها أنْ ينشغل الإنسان الموالي لإمام الزمان (عجّل الله فرجه) بالسلام عليه في كلِّ لحظات ودقائق وساعات اليوم والليلة، ومعنى السلام هنا ليس هو تلك الألفاظ التي نتعاهدها عندما يخاطب أحدنا الآخر، إنَّما يُراد منه أنْ نكون سلاماً للإمام (عجّل الله فرجه)، بمعنى أنْ لا نكون جزءاً ولو ضئيلاً جدًّا في حرب الإمام بمخالفة أو معصية أو أيِّ شيء آخر.
فالفقرة الآنفة الذكر التي تقول: «اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ فِي آنَاءِ لَيْلِكَ وَأَطْرَافِ نَهَارِكَ» تريد أنْ تقول: إنَّ الحالة التي ينبغي أنْ تكونوا عليها أيُّها الموالون لإمامكم، هي أنْ تكون أفعالكم فضلاً عن أقوالكم سلاماً في كلِّ آنٍ وساعة تمرُّ عليكم من أيَّام الإمام (عجّل الله فرجه) ولياليه، فهذه الساعات ليست ملكاً لكم لتتصرَّفوا بها بما يحلو لكم وبما تشاؤون، إنَّما هي ملك للإمام (عجّل الله فرجه) فقط، وإنَّما صارت لكم وصحَّ أنْ تتصرَّفوا بها إذا كنتم سلماً للإمام (عجّل الله فرجه)، وإلَّا فإنَّه يصدق عليكم أنَّكم غاصبوا هذه الساعات وسُرَّاق لأيَّام إمام الزمان (عجّل الله فرجه).
ومن كلام لأمير المؤمنين (عليه السلام) قاله عند تلاوته: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ﴾ [النور: 37]: «إِنَّ اَللهَ سُبْحَانَه وَتَعَالَى جَعَلَ اَلذِّكْرَ جِلَاءً لِلْقُلُوبِ، تَسْمَعُ بِه بَعْدَ اَلْوَقْرَةِ، وَتُبْصِرُ بِه بَعْدَ اَلْعَشْوَةِ، وَتَنْقَادُ بِه بَعْدَ اَلمُعَانَدَةِ، وَمَا بَرِحَ للهِ (عَزَّتْ آلَاؤُه) فِي اَلْبُرْهَةِ بَعْدَ اَلْبُرْهَةِ، وَفِي أَزْمَانِ اَلْفَتَرَاتِ عِبَادٌ نَاجَاهُمْ فِي فِكْرِهِمْ، وَكَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ، فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورِ يَقَظَةٍ فِي اَلْأَبْصَارِ وَاَلْأَسْمَاعِ وَاَلْأَفْئِدَةِ يُذَكِّرُونَ بِأَيَّامِ اللهِ، وَيُخَوِّفُونَ مَقَامَه، بِمَنْزِلَةِ اَلْأَدِلَّةِ فِي اَلْفَلَوَاتِ، مَنْ أَخَذَ اَلْقَصْدَ حَمِدُوا إِلَيْه طَرِيقَه، وَبَشَّرُوه بِالنَّجَاةِ، وَمَنْ أَخَذَ يَمِيناً وَشِمَالاً ذَمُّوا إِلَيْه اَلطَّرِيقَ، وَحَذَّرُوه مِنَ اَلْهَلَكَةِ، وَكَانُوا كَذَلِكَ مَصَابِيحَ تِلْكَ اَلظُّلُمَاتِ، وَأَدِلَّةَ تِلْكَ

(١٢٥)

اَلشُّبُهَاتِ، وَإِنَّ لِلذِّكْرِ لَأَهْلاً أَخَذُوه مِنَ الدُّنْيَا بَدَلاً فَلَمْ تَشْغَلْهُمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْه، يَقْطَعُونَ بِه أَيَّامَ اَلْحَيَاةِ، وَيَهْتِفُونَ بِاَلزَّوَاجِرِ عَنْ مَحَارِمِ اللهِ فِي أَسْمَاعِ اَلْغَافِلِينَ، وَيَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ وَيَأْتَمِرُونَ بِه، وَيَنْهَوْنَ عَنِ اَلمُنْكَرِ وَيَتَنَاهَوْنَ عَنْه، فَكَأَنَّمَا قَطَعُوا اَلدُّنْيَا إِلَى اَلْآخِرَةِ وَهُمْ فِيهَا، فَشَاهَدُوا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، فَكَأَنَّمَا اِطَّلَعُوا غُيُوبَ أَهْلِ اَلْبَرْزَخِ فِي طُولِ اَلْإِقَامَةِ فِيه، وَحَقَّقَتِ اَلْقِيَامَةُ عَلَيْهِمْ عِدَاتِهَا، فَكَشَفُوا غِطَاءَ ذَلِكَ لِأَهْلِ اَلدُّنْيَا، حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَا لَا يَرَى اَلنَّاسُ، وَيَسْمَعُونَ مَا لَا يَسْمَعُونَ»(229).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(229) نهج البلاغة (ص 342 و343/ ح 222).

(١٢٦)

الفقرة الثامنة: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بَقِيَّةَ الله فِي أَرْضِهِ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: معنى (البقيَّة) في اللغة:
استُعمِلَت لفظة (البقيَّة) ضدَّ الفناء، يقال: ما بقيت منهم باقية، ولا وقاهم من الله واقية(230)، وبقي الرجل زماناً طويلاً، أي: عاش وأبقاه الله، وبقيته أُبقيه أي نظرت إليه وترقَّبته(231)، وعندهم أنَّ الباء والقاف والياء (بقي) أصل واحد، وهو الدوام(232).
فاستعمال (بقيَّة) في معنى البقاء والدوام والعيش الطويل، وإفادة أنَّ الله تعالى أبقاه زماناً طويلاً، بإضافة المعنى الآخر من الترقُّب والانتظار، وكأنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) عند استعمالهم لهذه اللفظة يقصدون بها هذا المعنى ممَّا استُعمِلَ فيه (بقيَّة)، فالحجَّة (عجّل الله فرجه) هو الذي أبقاه الله تعالى زماناً طويلاً، وهو الذي يُترقَّب ويُنتظَر.
النقطة الثانية: (البقيَّة) في القرآن الكريم:
ورد ذكر (بقيَّة) في العديد من الآيات، منها:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(230) العين للفراهيدي (ج 5/ ص 230).
(231) الصحاح للجوهري (ج 6/ ص 2283).
(232) معجم مقاييس اللغة (ج 1/ ص 276).

(١٢٧)

1 - قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (الزخرف: 28).
2 - قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾ (الصافَّات: 77).
3 - قوله تعالى: ﴿بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (هود: 86).
النقطة الثالثة: (البقيَّة) في الروايات الشريفة:
ورد ذكر هذه الفقرة «بَقِيَّةَ الله» في العديد من الروايات، منها:
1 - عن عمر بن زاهر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ اَلْقَائِمِ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ اَلمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: «لَا، ذَاكَ اِسْمٌ سَمَّى اَللهُ بِهِ أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، لَمْ يُسَمَّ بِهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ وَلَا يَتَسَمَّى بِهِ بَعْدَهُ إِلَّا كَافِرٌ»، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، كَيْفَ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: «يَقُولُونَ: اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بَقِيَّةَ اَللهِ»، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [هود: 86](233).
2 - عن السيِّد الحميري في ذكر قصَّة هدايته على يد الإمام الصادق (عليه السلام) وما شاهد من دلائل إمامته وعدوله عن القول بإمامة ابن الحنفيَّة، قال: سألت الصادق (عليه السلام) عن الغيبة وفيمن تقع، فقال (عليه السلام): «... إِنَّ اَلْغَيْبَةَ سَتَقَعُ بِالسَّادِسِ مِنْ وُلْدِي، وَهُوَ اَلثَّانِي عَشَرَ مِنَ اَلْأَئِمَّةِ اَلْهُدَاةِ بَعْدَ رَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أَوَّلُهُمْ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَآخِرُهُمُ اَلْقَائِمُ بِالْحَقِّ، بَقِيَّةُ اَللهِ فِي اَلْأَرْضِ، وَصَاحِبُ اَلزَّمَانِ، وَاَللهِ لَوْ بَقِيَ فِي غَيْبَتِهِ مَا بَقِيَ نُوحٌ فِي قَوْمِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ اَلدُّنْيَا حَتَّى يَظْهَرَ فَيَمْلَأَ اَلْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً...»(234).
3 - ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة: «... اَلسَّلَامُ عَلَى اَلْأَئِمَّةِ اَلدُّعَاةِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(233) الكافي (ج 1/ ص 411 و412/ باب نادر/ ح 2).
(234) كمال الدِّين (ص 61).

(١٢٨)

وَاَلْقَادَةِ اَلْهُدَاةِ، وَاَلسَّادَةِ اَلْوُلَاةِ، وَاَلذَّادَةِ اَلْحُمَاةِ، وَأَهْلِ اَلذِّكْرِ، وَأُولِي اَلْأَمْرِ، وَبَقِيَّةِ اَللهِ، وَخِيَرَتِهِ، وَحِزْبِهِ، وَعَيْبَةِ عِلْمِهِ، وَحُجَّتِهِ، وَصِرَاطِهِ، وَنُورِهِ، وَرَحْمَةُ اَللهِ وَبَرَكَاتُهُ»(235).
إنْ قلت: كيف يجوز وصف جميع الأئمَّة (عليهم السلام) بأنَّهم بقيَّة الله تعالى في الأرض؟ وكون هذا الوصف من أوصاف الإمام الحجَّة (عجّل الله فرجه) الذي يُسلَّم به عليه عند ظهور حتَّى كاد لا ينصرف إلى غيره، بقرينة قرنه مع وصف (أمير المؤمنين) للإمام عليٍّ (عليه السلام) واختصاصه به.
قلت: هذا الوصف نظير وصف القائم والحجَّة، فإنَّها تعمُّ جميع الأئمَّة (عليهم السلام) الماضين وتختصُّ بإمام الزمان (عجّل الله فرجه) منهم، حتَّى ورد أنَّ الإمام الرضا (عليه السلام) عند ولادته وُصِفَ به، فعن نجمة أُمِّ الإمام الرضا (عليه السلام) قالت: لَـمَّا حَمَلْتُ بِابْنِي عَلِيٍّ لَمْ أَشْعُرْ بِثِقْلِ اَلْحَمْلِ...، إلى أنْ تقول: فَدَخَلَ إِلَيَّ أَبُوهُ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عليهما السلام)، فَقَالَ لِي: «هَنِيئاً لَكِ يَا نَجْمَةُ كَرَامَةُ رَبِّكِ»، فَنَاوَلْتُهُ إِيَّاهُ فِي خِرْقَةٍ بَيْضَاءَ، فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ اَلْأَيْمَنِ وَأَقَامَ فِي اَلْأَيْسَرِ، وَدَعَا بِمَاءِ اَلْفُرَاتِ فَحَنَّكَهُ بِهِ، ثُمَّ رَدَّهُ إِلَيَّ فَقَالَ: «خُذِيهِ فَإِنَّهُ بَقِيَّةُ اَللهِ تَعَالَى فِي أَرْضِهِ»(236).
وممَّا ورد عن وصف (القائم) وأنَّه يعمُّهم (عليهم السلام) ما رواه الشيخ الكليني (رحمه الله) بسنده عن الحَكَم بن أبي نعيم في حديث له مع الإمام الباقر (عليه السلام) جاء فيه: «... يَا حَكَمُ، كُلُّنَا قَائِمٌ بِأَمْرِ اَللهِ»، قُلْتُ: فَأَنْتَ اَلمَهْدِيُّ؟ قَالَ: «كُلُّنَا نَهْدِي إِلَى اَللهِ»، قُلْتُ: فَأَنْتَ صَاحِبُ اَلسَّيْفِ؟ قَالَ: «كُلُّنَا صَاحِبُ اَلسَّيْفِ وَوَارِثُ اَلسَّيْفِ»، قُلْتُ: فَأَنْتَ اَلَّذِي تَقْتُلُ أَعْدَاءَ اَللهِ، وَيَعِزُّ بِكَ أَوْلِيَاءُ اَللهِ، وَيَظْهَرُ بِكَ دِينُ اَللهِ؟ فَقَالَ: «يَا حَكَمُ، كَيْفَ أَكُونُ أَنَا وَقَدْ بَلَغْتُ خَمْساً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(235) من لا يحضره الفقيه (ج 2/ ص 610 و611/ ح 3213).
(236) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 29 و30/ ح 2).

(١٢٩)

وَأَرْبَعِينَ [سَنَةً]؟ وَإِنَّ صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ أَقْرَبُ عَهْداً بِاللَّبَنِ مِنِّي، وَأَخَفُّ عَلَى ظَهْرِ اَلدَّابَّةِ»(237).
وقوله (عليه السلام): «أَقْرَبُ عَهْداً بِاللَّبَنِ» ليس المقصود به أنَّه طفل صغير، وإنَّما هو كناية عن عدم كبر السنِّ، وكونه يقوم بالأمر في ريعان الشباب، حتَّى ورد أنَّ الحجَّة (عجّل الله فرجه) عندما يقوم بالأمر ويظهر من الغيبة يرجع وعلى حدِّ عبارة الإمام الصادق (عليه السلام): «لَوْ خَرَجَ اَلْقَائِمُ لَقَدْ أَنْكَرَهُ اَلنَّاسُ، يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَابًّا مُوَفَّقاً...»(238).
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة:
إنَّ الإضافة في (بقيَّة) إلى الله تعالى هي على حدِّ إضافة الكعبة إلى الله تعالى، فيقال: (بيت الله)، ويُراد بها إضافة وجوديَّة، وأنَّه (عجّل الله فرجه) وجود إلهي دائم بين الناس، فعندما يقول الزائر: «اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بَقِيَّةَ اَللهِ فِي أَرْضِهِ» هو يشير إلى الارتباط بين الأرض والسماء، يشير إلى تمثيل السماء في الأرض، وهو سُنَّة إلهيَّة في بقاء الحجَّة على ما تقدَّم آنفاً في حديث الإمام العسكري (عليه السلام) مع أحمد بن إسحاق.
فإنَّ العنصر الذي يُمثِّل إرادة الله تعالى ويكشف عنها للناس والخلق هو الإمام (عجّل الله فرجه)، فالشيء الذي لكم من الله تعالى ويُمثِّله بينكم وباقٍ معكم هو الإمام (عجّل الله فرجه)، هو نقطة الوصول إلى طاعة الله تعالى وامتثال أوامره ونواهيه وتجسيد إرادته، فالبداية في الطاعة من الإمام (عجّل الله فرجه)، لأنَّه هو الذي أبقاه الله تعالى لتمثيل السماء.
بقيَّة الله في أرضه تعني أنَّ في الأرض نحو وجود إلهي تجسَّد في وجود

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(237) الكافي (ج 1/ص 536/باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) كلُّهم قائمون بأمر الله تعالى هادون إليه/ح 1).
(238) الغيبة للطوسي (ص 420/ ح 398).

(١٣٠)

الإمام (عليه السلام)، لاحظ نسبة البقيَّة إلى الله تعالى وتفسيرها به (عليه السلام)، ولاحظ نسبة الأرض إليه (جلَّ وعلا)، وكأنَّ الفقرة تُكنِّي وتقول: إذا أردتم الله تعالى في الأرض فقد أبقى لكم بقيَّته، كما لو أنَّكم أردتم الله تعالى ذهبتم إلى بيته.
فالإمام (عليه السلام) هو الوجود الملكوتي الربَّاني في الأرض، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرضِ إِلهٌ﴾ (الزخرف: 84)، فالله تعالى إله في كلِّ مكان، ولا يحويه مكان، فهو المنزَّه عن كلِّ مادَّة وزمان ومكان، هو الذي خلق الأرض والسماء وما بينهما وما تحتهما وما فوقهما.
ولكن مقادير أُمور الله تعالى قد جرت بإرادته أنْ تكون على يد الإمام (عليه السلام): «... إِرَادَةُ اَلرَّبِّ فِي مَقَادِيرِ أُمُورِهِ تَهْبِطُ إِلَيْكُمْ، وَتَصْدُرُ مِنْ بُيُوتِكُمْ»(239).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث تقدَّم: «... إِنَّهُ لَـمَّا أَثْبَتْنَا أَنَّ لَنَا خَالِقاً صَانِعاً مُتَعَالِياً عَنَّا وَعَنْ جَمِيعِ مَا خَلَقَ، وَكَانَ ذَلِكَ اَلصَّانِعُ حَكِيماً مُتَعَالِياً، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشَاهِدَهُ خَلْقُهُ، وَلَا يُلَامِسُوهُ، فَيُبَاشِرَهُمْ وَيُبَاشِرُوهُ، وَيُحَاجَّهُمْ وَيُحَاجُّوهُ، ثَبَتَ أَنَّ لَهُ سُفَرَاءَ فِي خَلْقِهِ، يُعَبِّرُونَ عَنْهُ إِلَى خَلْقِهِ وَعِبَادِهِ...، ثُمَّ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي كُلِّ دَهْرٍ وَزَمَانٍ...، لِكَيْلَا تَخْلُوَ أَرْضُ اَللهِ مِنْ حُجَّةٍ...»(240).
فبقيَّة الله تعالى تلك الحقيقة الربَّانيَّة المعصومة التي تُمثِّل الوجود الملكوتي السماوي بين الناس، والتي نقصدها عند قراءة هذه الفقرة من زيارة آل ياسين المباركة، فإنَّ خليفة الله تعالى الباقي في الأرض الغائب عن أعين أهلها الذي يُنتظَر ظهوره هو الخير للناس، فبقاءه خير، وغيبته خير، وانتظاره خير، كما أنَّ ظهوره وقيامه خير، إنْ كنتم مؤمنين به.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(239) كامل الزيارات (ص 366/ ح 618/2).
(240) الكافي (ج 1/ ص 168/ باب الاضطرار إلى الحجَّة/ ح 1).

(١٣١)

الفقرة التاسعة: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مِيثَاقَ الله الَّذِي أَخَذَهُ وَوَكَّدَهُ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: معنى (الميثاق) في اللغة:
استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
أ - ميثاق: الميثاق من المواثقة والمعاهدة(241)، وعندهم الوثيق هو الشيء المحكم، وجمعه وثاق، قال تعالى: ﴿فَشُدُّوا الْوَثَاقَ﴾ (محمّد: 4)، والمواثقة المعاهدة، قال تعالى: ﴿وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ﴾ (المائدة: 7)(242)، فالواو والثاء والقاف (وثق) كلمة تدلُّ على عقد وإحكام(243).
ب - أخذ: أمَّا الأخذ هو حوز الشيء وجمعه(244).
ج - توكيد: وأمَّا التوكيد التوثيق(245)، والواو والكاف والدال (وكد) كلمة تدلُّ على شدٍّ وإحكام(246).
فيكون المستفاد من الاستعمالات لهذه الكلمات أنَّ الميثاق المأخوذ والمؤكَّد هو عهد الله تعالى في الإمام الحجَّة (عجّل الله فرجه) الذي أخذه على الناس وأحكمه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(241) العين للفراهيدي (ج 5/ ص 202).
(242) الصحاح (ج 4/ ص 1563).
(243) معجم مقاييس اللغة (ج 6/ ص 85).
(244) معجم مقاييس اللغة (ج 1/ ص 68).
(245) العين للفراهيدي (ج 5/ ص 397).
(246) معجم مقاييس اللغة (ج 6/ ص 138).

(١٣٣)

النقطة الثانية: (الميثاق) في القرآن الكريم:
وردت العديد من الآيات التي تحدَّثت عن أخذ الميثاق وتوكيده، منها:
1 - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً﴾ (المائدة: 12).
2 - قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً﴾ (الأحزاب: 7).
3 - قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ (الأعراف: 172).
النقطة الثالثة: (الميثاق) في الروايات الشريفة:
ورد ذكر (أخذ الميثاق وتوكيده) في العديد من الروايات، منها:
1 - عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إِنَّ بَعْضَ قُرَيْشٍ قَالَ لِرَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): بِأَيِّ شَيْءٍ سَبَقْتَ اَلْأَنْبِيَاءَ وَأَنْتَ بُعِثْتَ آخِرَهُمْ وَخَاتَمَهُمْ؟ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِرَبِّي، وَأَوَّلَ مَنْ أَجَابَ حِينَ أَخَذَ اَللهُ مِيثَاقَ اَلنَّبِيِّينَ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلى، فَكُنْتُ أَنَا أَوَّلَ نَبِيٍّ قَالَ: بَلَى، فَسَبَقْتُهُمْ بِالْإِقْرَارِ بِاللهِ»(247).
2 - عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «لَا تُخَاصِمُوا اَلنَّاسَ، فَإِنَّ اَلنَّاسَ لَوِ اِسْتَطَاعُوا أَنْ يُحِبُّونَا لَأَحَبُّونَا، إِنَّ اَللهَ أَخَذَ مِيثَاقَ شِيعَتِنَا يَوْمَ أَخَذَ مِيثَاقَ اَلنَّبِيِّينَ، فَلَا يَزِيدُ فِيهِمْ أَحَداً أَبَداً، وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُمْ أَحَداً أَبَداً»(248).
3 - عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «أَوَّلُ مَنْ سَبَقَ مِنَ اَلرُّسُلِ إِلَى بَلَى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(247) الكافي (ج 1/ ص 441/ أبواب التاريخ/ ح 6).
(248) المحاسن للبرقي (ج 1/ ص 203/ ح 49).

(١٣٤)

مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ أَقْرَبَ اَلْخَلْقِ إِلَى اَللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَكَانَ بِالمَكَانِ اَلَّذِي قَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ لَـمَّا أُسْرِيَ بِهِ إِلَى اَلسَّمَاءِ: تَقَدَّمْ يَا مُحَمَّدُ فَقَدْ وَطِئْتَ مَوْطِئاً لَمْ يَطَأْهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلَوْ لَا أَنَّ رُوحَهُ وَنَفْسَهُ كَانَتْ مِنْ ذَلِكَ اَلمَكَانِ لَمَا قَدَرَ أَنْ يَبْلُغَهُ، فَكَانَ مِنَ اَللهِ (عزَّ وجلَّ) كَمَا قَالَ اَللهُ: ﴿قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ [النجم: 9]، أَيْ بَلْ أَدْنَى، فَلَمَّا خَرَجَ اَلْأَمْرُ مِنَ اَللهِ وَقَعَ إِلَى أَوْلِيَائِهِ (عليهم السلام)»، فَقَالَ اَلصَّادِقُ (عليه السلام): «كَانَ اَلْمِيثَاقُ مَأْخُوذاً عَلَيْهِمْ لِلهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَلِرَسُولِهِ بِالنُّبُوَّةِ، وَلِأَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ وَاَلْأَئِمَّةِ بِالْإِمَامَةِ، فَقَالَ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ، وَمُحَمَّدٌ نَبِيَّكُمْ، وَعَلِيٌّ إِمَامَكُمْ، وَاَلْأَئِمَّةُ اَلْهَادُونَ أَئِمَّتَكُمْ؟ فَقَالُوا: بَلى شَهِدْنَا، فَقَالَ اَللهُ تَعَالَى: ﴿أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ أَيْ لِئَلَّا تَقُولُوا يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ: ﴿إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾، فَأَوَّلُ مَا أَخَذَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) اَلْمِيثَاقَ عَلَى اَلْأَنْبِيَاءِ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ﴾ فَذَكَرَ جُمْلَةَ اَلْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ أَبْرَزَ أَفْضَلَهُمْ بِالْأَسَامِي، فَقَالَ: ﴿وَمِنْكَ﴾ يَا مُحَمَّدُ، فَقَدَّمَ رَسُولَ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لِأَنَّهُ أَفْضَلُهُمْ، ﴿وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾، فَهَؤُلَاءِ اَلْخَمْسَةُ أَفْضَلُ اَلْأَنْبِيَاءِ، وَرَسُولُ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَفْضَلُهُمْ، ثُمَّ أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ مِيثَاقَ رَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عَلَى اَلْأَنْبِيَاءِ بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَعَلَى أَنْ يَنْصُرُوا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، فَقَالَ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ﴾، يَعْنِي رَسُولَ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾ [آل عمران: 81]، يَعْنِي أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، وَأَخْبِرُوا أُمَمَكُمْ بِخَبَرِهِ وَخَبَرِ وَلِيِّهِ مِنَ اَلْأَئِمَّةِ (عليهم السلام)»(249).
النقطة الرابعة: أقوال العلماء في (الميثاق):
1 - قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): (ويجب أنْ نعتقد أنَّ الله تعالى لم يخلق خلقاً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(249) تفسير القمِّي (ج 1/ ص 246 و247).

(١٣٥)

أفضل من محمّد والأئمَّة، وأنَّهم أحب الخلق إلى الله، وأكرمهم عليه، وأوَّلهم إقراراً به لـمَّا أخذ الله ميثاق النبيِّين ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: 172]، وأنَّ الله تعالى بعث نبيَّه محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى الأنبياء في الذرِّ، وأنَّ الله تعالى أعطى ما أعطى كلَّ نبيٍّ على قدر معرفته نبيَّنا، وسبقه إلى الإقرار به، وأنَّ الله تعالى خلق جميع ما خلق له ولأهل بيته (عليهم السلام)، وأنَّه لولاهم لما خلق الله السماء والأرض، ولا الجنَّة ولا النار، ولا آدم ولا حوَّاء، ولا الملائكة ولا شيئاً ممَّا خلق، صلوات الله عليهم أجمعين)(250).
2 - قال الشيخ المفيد (رحمه الله): (سأل سائل فقال: أخبروني عمَّا روي عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليَّة»، هل هو ثابت صحيح أم هو معتلٌّ سقيم؟
الجواب - وبالله التوفيق والثقة -: قيل له: بل هو خبر صحيح يشهد له إجماع أهل الآثار، ويُقوِّي معناه صريح القرآن، حيث يقول (جلَّ اسمه): ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ [الإسراء: 71]، وقوله تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هؤُلَاءِ شَهِيداً﴾ [النساء: 41]، وآي كثيرة من القرآن.
فإنْ قال: فإذا كان الخبر صحيحاً كيف يصحُّ قولكم في غيبة إمام هذا الزمان وتغيُّبه واستتاره على الكلِّ الوصول إليه وعدم علمهم بمكانه؟
قيل له: لا مضادَّة بين المعرفة بالإمام وبين جميع ما ذكرت من أحواله، لأنَّ العلم بوجوده في العالم لا يفتقر إلى العلم بمشاهدته، لمعرفتنا ما لا يصحُّ إدراكه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(250) الاعتقادات في دين الإماميَّة (ص 93).

(١٣٦)

بشيء من الحواسِّ، فضلاً عمَّن يجوز إدراكه وإحاطة العلم بما لا مكان له، فضلاً عمَّن يخفى مكانه والظفر بمعرفة المعدوم والماضي والمنتظر، فضلاً عن المستخفي المستتر.
وقد بشَّر الله تعالى الأنبياء المتقدِّمين بنبيِّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبل وجوده في العالم، فقال سبحانه: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾ يعني رسول الله (عليه السلام)، ﴿قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي﴾ يعني عهدي، ﴿قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: 81]، قال (جلَّ اسمه): ﴿الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ﴾ [الأعراف: 157]، فكان نبيُّنا (عليه والله السلام) مكتوباً مذكوراً في كُتُب الله الأُولى، وقد أوجب على الأُمَم الماضية معرفته والإقرار به وانتظاره، وهو (عليه السلام) وديعة في صلب آبائه لم يخرج إلى الوجود. ونحن اليوم عارفون بالقيامة والبعث والحساب وهو معدوم غير موجود. وقد عرفنا آدم ونوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام) ولم نشاهدهم، ولا شاهدنا من أخبر عن مشاهدتهم.
ونعرف جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ومَلَك الموت (عليهم السلام) ولسنا نعرف لهم شخصاً ولا نعرف لهم مكاناً، فقد فرض الله علينا معرفتهم والإقرار بهم وإنْ كنَّا لا نجد إلى الوصول إليهم سبيلاً.
ونعلم أنَّ فرض (المعرفة لشخص في نفسه من المصالح ممَّا لا يتعلق لوجود مشاهدة) المعروف ولا يُعرَف مستقرُّه ولا الوصول إليه في مكانه، وهذا بيِّن لمن تدبَّره)(251).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(251) رسائل في الغيبة (ج 1/ ص 11 - 13).

(١٣٧)

النقطة الخامسة: المستفاد من الفقرة:
هذه الفقرة مرتبطة بما تقدَّم، فهي تتحدَّث عن الالتفاف حول الممثِّل الإلهي في الأرض والانصياع التامِّ له، والذي ظهر جليًّا من خلال الوقوف على معاني الفقرة والآيات والروايات التي دلَّت على ذلك، فوجود بقيَّة الله تعالى في الأرض يحتاج إلى الأخذ منه والتمسُّك بهداه، لذلك أخذ الله تعالى ميثاق العباد على التمسُّك به، وشدَّد على ذلك، وحثَّ الناس على عدم الانفلات عنه وتركه، فالميثاق الذي لم يستثنِ منه الأنبياء كيف يريد البعض من الناس أنْ يكون مستثنى منه؟
الميثاق الذي أُخِذَ على الخلق قبل النزول إلى الأرض كيف يُفكِّر البعض بأنَّه ميثاق محبَّة واحترام وليس بلازم؟
إنَّه الميثاق الذي سوف يُرجِع الله تعالى جميع الأنبياء لأجل تحقيقه بأنفسهم بعد أنْ أوصوا أُمَمهم به ولم يمتثل له إلَّا القليل.
إنَّه الميثاق الذي سوف تبدأ أوَّل صفحات تحقيقه على يد الحجَّة بن الحسن (عجّل الله فرجه) عند ظهوره، «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مِيثَاقَ الله الَّذِي أَخَذَهُ وَوَكَّدَهُ».

* * *

(١٣٨)

الفقرة العاشرة: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَعْدَ الله الَّذِي ضَمِنَهُ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: معنى (وعد الله) في اللغة:
استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
أ - الوعد: تدلُّ على ترجية، يقال: وعدته أعده وعداً(252).
ب - الضمان: بمعنى الكفالة به، فأنا ضمنت الشيء، كفلت به(253)، وأصله جعل الشيء في الشيء يحويه، ومن ذلك قولهم: ضمنت الشيء إذا جعلته في وعائه، والكفالة تُسمَّى ضماناً من هذا لأنَّه كأنَّه إذا ضمنه فقد استوعب ذمَّته(254).
فالمستفاد من استعمالاتهم في الوعد والضمان: أنَّ ما يُترجَّى مضمون ومكفول، فنفس كونه وعداً هو مضمون وتأكيد ضمانه، أي إنَّه موضوع في موضعه وحاوٍ له.
النقطة الثانية: (الوعد) في القرآن الكريم:
تناولت العديد من آيات الذكر الحكيم للمفردتين (وعد - ضمان)، ومنها:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(252) معجم مقاييس اللغة (ج 6/ ص 125).
(253) الصحاح للجوهري (ج 6/ ص 2155).
(254) معجم مقاييس اللغة (ج 3/ ص 372).

(١٣٩)

1 - قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور: 55).
2 - قوله تعالى: ﴿وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً﴾ (النساء: 122).
3 - قوله تعالى: ﴿كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً﴾ (الفرقان: 16).
أمَّا عن الضمان فلم ترد فيه آية بالخصوص، وإنَّما ورد بالمعنى، وهي قوله تعالى: ﴿وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ﴾ (يوسف: 72).
قال الشيخ الطوسي (رحمه الله): (الضمان جائز، للكتاب والسُّنَّة والإجماع، فالكتاب قول الله (عزَّ وجلَّ) في قصَّة يوسف (عليه السلام): ﴿وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ﴾ [يوسف: 72]، والزعيم الكفيل، ويقال: ضمين وكفيل وجميل وصبير وقتيل)(255).
النقطة الثالثة: (الوعد) في الروايات الشريفة:
وردت العديد من الروايات حول هذه الفقرة، منها:
1 - عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في معنى قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾، قَالَ: «نَزَلَتْ فِي اَلْقَائِمِ وَأَصْحَابِهِ»(256).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(255) المبسوط (ج 2/ ص 322).
(256) الغيبة للنعماني (ص 247/ باب ما نزل فيه (عليه السلام) من القرآن/ ح 35).

(١٤٠)

2 - في زيارة للحجَّة (عجّل الله فرجه)، جاء فيها: «... أَشْهَدُ أَنَّكَ اَلْحَقُّ اَلثَّابِتُ اَلَّذِي لَا عَيْبَ فِيهِ، وَأَنَّ وَعْدَ اَللهِ فِيكَ حَقٌّ لَا أَرْتَابُ لِطُولِ اَلْغَيْبَةِ وَبُعْدِ اَلْأَمَدِ، وَلَا أَتَحَيَّرُ مَعَ مَنْ جَهِلَكَ وَجَهِلَ بِكَ، مُنْتَظِرٌ مُتَوَقِّعٌ لِأَيَّامِكَ، وَأَنْتَ اَلشَّافِعُ اَلَّذِي لَا تُنَازَعُ، وَاَلْوَلِيُّ اَلَّذِي لَا تُدَافَعُ، ذَخَرَكَ اَللهُ لِنُصْرَةِ اَلدِّينِ، وَإِعْزَازِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَاَلْاِنْتِقَامِ مِنَ اَلْجَاحِدِينَ اَلمَارِقِينَ...»(257).
3 - عن عيسى بن المستفاد أبي موسى الضرير، قال: حدَّثني موسى بن جعفر (عليهما السلام)، قال: «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللهِ: أَلَيْسَ كَانَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) كَاتِبَ اَلْوَصِيَّةِ، وَرَسُولُ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اَلمُمْلِي عَلَيْهِ، وَجَبْرَئِيلُ وَاَلمَلَائِكَةُ اَلمُقَرَّبُونَ (عليهم السلام) شُهُودٌ؟»، قَالَ: «فَأَطْرَقَ طَوِيلاً، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا اَلْحَسَنِ، قَدْ كَانَ مَا قُلْتَ، وَلَكِنْ حِينَ نَزَلَ بِرَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اَلْأَمْرُ نَزَلَتِ اَلْوَصِيَّةُ مِنْ عِنْدِ اَللهِ كِتَاباً مُسَجَّلاً، نَزَلَ بِهِ جَبْرَئِيلُ مَعَ أُمَنَاءِ اَللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنَ اَلمَلَائِكَةِ، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ بِإِخْرَاجِ مَنْ عِنْدَكَ إِلَّا وَصِيَّكَ، لِيَقْبِضَهَا مِنَّا وَتُشْهِدَنَا بِدَفْعِكَ إِيَّاهَا إِلَيْهِ ضَامِناً لَهَا - يَعْنِي عَلِيًّا (عليه السلام) -، فَأَمَرَ اَلنَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بِإِخْرَاجِ مَنْ كَانَ فِي اَلْبَيْتِ مَا خَلَا عَلِيًّا (عليه السلام)، وَفَاطِمَةُ فِيمَا بَيْنَ اَلسِّتْرِ وَاَلْبَابِ، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ: يَا مُحَمَّدُ، رَبُّكَ يُقْرِئُكَ اَلسَّلَامَ وَيَقُولُ: هَذَا كِتَابُ مَا كُنْتُ عَهِدْتُ إِلَيْكَ وَشَرَطْتُ عَلَيْكَ وَشَهِدْتُ بِهِ عَلَيْكَ وَأَشْهَدْتُ بِهِ عَلَيْكَ مَلَائِكَتِي وَكَفَى بِي يَا مُحَمَّدُ شَهِيداً، قَالَ: فَارْتَعَدَتْ مَفَاصِلُ اَلنَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ: يَا جَبْرَئِيلُ، رَبِّي هُوَ اَلسَّلَامُ، وَمِنْهُ اَلسَّلَامُ وَإِلَيْهِ يَعُودُ اَلسَّلَامُ، صَدَقَ (عزَّ وجلَّ) وَبَرَّ، هَاتِ اَلْكِتَابَ، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ وَأَمَرَهُ بِدَفْعِهِ إِلَى أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ: اِقْرَأْهُ، فَقَرَأَهُ حَرْفاً حَرْفاً، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، هَذَا عَهْدُ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَيَّ، وَشَرْطُهُ عَلَيَّ، وَأَمَانَتُهُ، وَقَدْ بَلَّغْتُ وَنَصَحْتُ وَأَدَّيْتُ، فَقَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): وَأَنَا أَشْهَدُ لَكَ [بِأَبِي وَأُمِّي أَنْتَ] بِالْبَلَاغِ وَاَلنَّصِيحَةِ وَاَلتَّصْدِيقِ عَلَى مَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(257) المزار لابن المشهدي (ص 587).

(١٤١)

قُلْتَ، وَيَشْهَدُ لَكَ بِهِ سَمْعِي وَبَصَرِي وَلَحْمِي وَدَمِي، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام): وَأَنَا لَكُمَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ اَلشَّاهِدِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يَا عَلِيُّ، أَخَذْتَ وَصِيَّتِي وَعَرَفْتَهَا وَضَمِنْتَ لِلهِ وَلِيَ اَلْوَفَاءَ بِمَا فِيهَا؟ فَقَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي عَلَيَّ ضَمَانُهَا، وَعَلَى اَللهِ عَوْنِي وَتَوْفِيقِي عَلَى أَدَائِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يَا عَلِيُّ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُشْهِدَ عَلَيْكَ بِمُوَافَاتِي بِهَا يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ، فَقَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): نَعَمْ أَشْهِدْ...»(258).
النقطة الرابعة: أقوال العلماء في (وعد الله تعالى):
1 - قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): (إنَّ القضيَّة في الخليفة باقية إلى يوم القيامة، ومن زعم أنَّ الخليفة أراد به النبوَّة فقد أخطأ من وجه، وذلك أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) وعد أنْ يستخلف من هذه الأُمَّة (الفاضلة) خلفاء راشدين، كما قال (جلَّ وتقدَّس): ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(258) الكافي (ج 1/ ص 281 و282/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلَّا بعهد من الله (عزَّ وجلَّ) وأمر منه لا يتجاوزنه/ ح 4).

(١٤٢)

خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ [النور: 55]، ولو كانت قضيَّة الخلافة قضيَّة النبوَّة أوجب حكم الآية أنْ يبعث الله (عزَّ وجلَّ) نبيًّا بعد محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وما صحَّ قوله: ﴿وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب: 40]، فثبت أنَّ الوعد من الله (عزَّ وجلَّ) ثابت من غير النبوَّة، وثبت أنَّ الخلافة تخالف النبوَّة بوجه، وقد يكون الخليفة غير نبيٍّ، ولا يكون النبيُّ إلَّا خليفة)(259).
2 - قال الطبرسي (رحمه الله) في معرض حديثه عن تفسير قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ (النور: 55): (والمروي عن أهل البيت (عليهم السلام) أنَّها في المهدي من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم). وروى العيَّاشي بإسناده عن عليِّ ابن الحسين (عليه السلام) أنَّه قرأ الآية وقال: «هُمْ وَاَللهِ شِيعَتُنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ، يَفْعَلُ اَللهُ ذَلِكَ بِهِمْ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنَّا، وَهُوَ مَهْدِيُّ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ، وَهُوَ اَلَّذِي قَالَ رَسُولُ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ اَلدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اَللهُ ذَلِكَ اَلْيَوْمَ حَتَّى يَأْتِيَ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي، اِسْمُهُ اِسْمِي، يَمْلَأُ اَلْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»، وروي مثل ذلك عن أبي جعفر (عليه السلام)، وأبي عبد الله (عليه السلام). فعلى هذا يكون المراد بـ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ النبيَّ وأهل بيته (صلوات الرحمن عليهم).
وتضمَّنت الآية البشارة لهم بالاستخلاف، والتمكُّن في البلاد، وارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي (عليه السلام) منهم. ويكون المراد بقوله: ﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ هو أنْ جعل الصالح للخلافة خليفة مثل آدم، وداود، وسليمان (عليهم السلام). ويدلُّ على ذلك قوله: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30]، و﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرضِ﴾ [ص: 26]، وقوله: ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً﴾ [النساء: 54]. وعلى هذا إجماع العترة الطاهرة، وإجماعهم حجَّة، لقول النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ اَلثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اَللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ اَلْحَوْضَ». وأيضاً فإنَّ التمكين في الأرض على الإطلاق لم يتَّفق فيما مضى، فهو منتظر لأنَّ الله (عزَّ اسمه) لا يخلف وعده)(260).
النقطة الخامسة: المستفاد من الفقرة:
تحدَّث القرآن الكريم عن وعد الله سبحانه وتعالى ووعيده، وتميَّز الوعد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(259) كمال الدِّين (ص 5 و6).
(260) مجمع البيان (ج 7/ ص 267).

(١٤٣)

عن الوعيد بأنَّ وعد الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين، وأنَّ وعيده لعباده العاصين، واصفاً الوعد بأنَّه لا يُخلَف، وأنَّه حقٌّ، وأنَّه مسؤول ومفعول، وواصفاً بعض أنبيائه كإسماعيل (عليه السلام) بأنَّه ﴿كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا﴾ (مريم: 54).
وهذه الفقرة من الزيارة المباركة تضيف لأسماء الإمام (عجّل الله فرجه) وألقابه الشريفة صفة وعد الله، فالإمام (عجّل الله فرجه) هو وعد الله، وبدلالة الآيات الكريمة والمتحدِّثة عن أنَّ وعد الله تعالى حقٌّ ومفعول ومأتي، وأنَّه لا يُخلَف، فيُستفاد أنَّ ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) وقيامه ووجوده وحياته وكلُّ ما يترتَّب عليه من إظهار للحقِّ وطمس للباطل، فهو حقٌّ ولا بدَّ أنْ يحصل، لأنَّ هذا الوعد وعد مسؤول فلا بدَّ أنْ يكون في يوم ما مفعولاً ومنجزاً وصائراً على أرض التحقُّق والتطبيق.
ومن هنا جاء تساؤل بعض أصحاب الأئمَّة (عليهم السلام) عندما حدَّثهم الإمام (عليه السلام) عن البداء وأنَّه يحصل في كلِّ شيء حتَّى ذكر الإمام (عليه السلام) أنَّ السفياني رغم أنَّه علامة حتميَّة إلَّا أنَّه يمكن أنْ يحصل فيه البداء، فخاف بعض الأصحاب من أنْ يتَّجه البداء صوب قضيَّة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ويُؤثِّر على ظهوره وقيامه، فسأل هؤلاء الأصحاب من الإمام (عليه السلام): فَنَخَافُ أَنْ يَبْدُوَ لِلهِ فِي اَلْقَائِمِ، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عليٍّ اَلرِّضَا (عليه السلام): «إِنَّ اَلْقَائِمَ مِنَ اَلْمِيعَادِ، وَاَللهُ لَا يُخْلِفُ اَلْمِيعَادَ»(261).
وهذه الحقيقة في كون الإمام (عليه السلام) وعداً إلهيًّا وميعاداً لا يُخلَف أكَّدته الزيارة المباركة، وأكَّدت بتأكيدات أُخرى على حقيقة هذه الحالة في كون الإمام قضيَّة مفروغاً منها ولابدّيَّة لا تقبل التشكيك أو الترديد أو البداء، فبمقتضى الآيات التي تتحدَّث عن كون وعد الله سبحانه وتعالى لا يُخلَف، وأنَّه مأتي، تأتي الزيارة المباركة لتضيف شيئاً جديداً على هذه الحقيقة المهدويَّة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(261) الغيبة للنعماني (ص 315/ باب 18/ ح 12).

(١٤٤)

ولنُسلِّط الضوء بشكل مجمل على بُعدين من أبعاد الوعد الإلهي:
البُعد الأوَّل: في كون هذا الوعد مسؤولاً، وهي تحتمل معنيين:
أحدهما: أنَّ الممثِّل لهذا الوعد الإلهي وهو الإمام (عليه السلام) مسؤول عمَّا أُنيط به من وظائف بتحقيق العدل ونشره ورفع الظلم وطمسه.
وثانيهما: في أنَّ الناس مسؤولون تجاه هذا الوعد الإلهي بجملة من التكاليف التي ينبغي عليهم التلبُّس بها تسهيلاً لتحقيقه وفتحاً لمجال حصوله من التزام بالقوانين الشرعيَّة وتهيئة للأرضيَّة المناسبة لممارسة الإمام (عليه السلام) الذي هو وعد الله تعالى لمهامِّه على مستواها الفكري أو الميداني.
البُعد الثاني: في أحاديث القرآن عن الوعد الإلهي في كونه حقًّا مفعولاً لا يُخلَف، وهذا يُبيِّن جانباً آخر من حقيقة الوعد الالهي وأنَّه شيء قطعي وحقَّاني، فبعد كونه حقًّا ومفروغاً منه، وأنَّنا مسؤولون تجاهه، كما أنَّه مسؤول تجاهنا، لا بدَّ من أنْ نلتفت إلى دورنا فنسأل عنه إذا لم نكن نعرفه.
ثمّ تأتي الفقرة لتضيف تأكيداً آخر على تأكيد إضافة الوعد المهدوي إلى الله تعالى، أنَّ هذا الوعد مضمون من قِبَل الله سبحانه وتعالى، وهو تأكيد آخر يضاف إلى جملة التأكيدات القرآنيَّة للوعد، حيث قرنت الفقرة الآنفة الذكر بين الوعد وبين ضمان الوعد تأكيداً.

* * *

(١٤٥)

الفقرة الحادية عشر: «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا العَلَمُ المَنْصُوبُ وَالعِلْمُ المَصْبُوبُ وَالغَوْثُ وَالرَّحْمَةُ الوَاسِعَةُ وَعْداً غَيْرَ مَكْذُوبٍ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: (العَلَم والعِلْم والغوث والرحمة) في اللغة:
استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
1 - العَلَم: ويُستعمَل بعدَّة معانٍ، منها: الجبل الطويل(262)، والراية(263)، وفي كلِّ شيء يكون معلَماً خلاف المجهل، وجمعه أعلام(264).
والنَّصب في العَلَم هو الإقامة(265)، وقيل: هو الإقامة للشيء في استواء(266).
2 - العِلْم: هو المعرفة(267)، والصبُّ في العلم هو السكب والتحدُّر وتأتِّي بمعنى البقيَّة(268)، فيكون معناها هنا: (بقيَّة العِلْم)، وقيل: المصبوب أي غير معدود(269)، فيكون المعنى على هذا: (العِلْم غير المعدود، أي الكثير).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(262) العين للفراهيدي (ج 2/ ص 152).
(263) الصحاح للجوهري (ج 5/ ص 1990).
(264) معجم مقاييس اللغة (ج 4/ ص 109).
(265) الصحاح للجوهري (ج 1/ ص 224).
(266) معجم مقاييس اللغة (ج 5/ ص 434).
(267) الصحاح للجوهري (ج 5/ ص 1990).
(268) تاج العروس (ج 2/ ص 136).
(269) تاج العروس (ج 2/ ص 138).

(١٤٧)

3 - الغوث: هو الإعانة والنصرة عند الشدَّة(270).
4 - الرحمة: هي الرقَّة والتعطُّف(271)، وتقدَّم بيان أوفى في شرح (بسم الله الرحمن الرحيم)، والسعة في الرحمة معناها: تسعنا وتشملنا(272).
5 - الوعد: هو الترجية بالخير أو الشرِّ(273)، وكون الوعد غير مكذوب أي أنَّه سيقع ويتحقَّق ولا يخالف الواقع.
النقطة الثانية: (العَلَم والعِلْم والغوث والرحمة) في القرآن الكريم:
وردت العديد من الآيات التي تتحدَّث عن مفردات الفقرة، منها:
1 - قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ﴾ (البقرة: 247).
2 - قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: 68).
3 - قوله تعالى: ﴿قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ (الرعد: 43).
4 - قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ﴾ (الشورى: 32).
5 - قوله تعالى: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾ (القَصص: 15).
6 - قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: 107).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(270) معجم مقاييس اللغة (ج 4/ ص 400).
(271) الصحاح للجوهري (ج 5/ ص 1929).
(272) لسان العرب (ج 8/ ص 392).
(273) معجم مقاييس اللغة (ج 6/ ص 125).

(١٤٨)

النقطة الثالثة: (العَلَم والعِلْم والغوث والرحمة) في الروايات الشريفة:
وردت العديد من الروايات الشريفة تتحدَّث عن مفردات الفقرة وارتباطها بأهل البيت (عليهم السلام)، منها:
1 - قال الإمام عليٌّ (عليه السلام): «... فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ، وَأَنَّى تُؤْفَكُونَ، وَاَلْأَعْلَامُ قَائِمَةٌ، وَاَلْآيَاتُ وَاضِحَةٌ، وَاَلمَنَارُ مَنْصُوبَةٌ، فَأَيْنَ يُتَاه بِكُمْ، وَكَيْفَ تَعْمَهُونَ وَبَيْنَكُمْ عِتْرَةُ نَبِيِّكُمْ، وَهُمْ أَزِمَّةُ الْحَقِّ، وَأَعْلَامُ اَلدِّينِ، وَأَلْسِنَةُ اَلصِّدْقِ، فَأَنْزِلُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَنَازِلِ الْقُرْآنِ، وَرِدُوهُمْ وُرُودَ اَلْهِيمِ اَلْعِطَاشِ، أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوهَا عَنْ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، إِنَّه يَمُوتُ مَنْ مَاتَ مِنَّا وَلَيْسَ بِمَيِّتٍ، وَيَبْلَى مَنْ بَلِيَ مِنَّا وَلَيْسَ بِبَالٍ، فَلَا تَقُولُوا بِمَا لَا تَعْرِفُونَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْحَقِّ فِيمَا تُنْكِرُونَ، وَاِعْذِرُوا مَنْ لَا حُجَّةَ لَكُمْ عَلَيْه وَهُوَ أَنَا، أَلَمْ أَعْمَلْ فِيكُمْ بِاَلثَّقَلِ اَلْأَكْبَرِ، وَأَتْرُكْ فِيكُمُ اَلثَّقَلَ اَلْأَصْغَرَ...»(274).
وقد تقدَّم في شرح فقرة «وَعْدَ الله الَّذِي ضَمِنَهُ» ما يرتبط ببحث الوعد.
2 - عن عبد الرحمن بن كثير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «نَحْنُ وُلَاةُ أَمْرِ اَللهِ، وَخَزَنَةُ عِلْمِ اَللهِ، وَعَيْبَةُ وَحْيِ اَللهِ»(275).
3 - قال أبو جعفر (عليه السلام): «وَاَللهِ إِنَّا لَخُزَّانُ اَللهِ فِي سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ، لَا عَلَى ذَهَبٍ وَلَا عَلَى فِضَّةٍ إِلَّا عَلَى عِلْمِهِ»(276).
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة:
والحديث فيه عن تلك الأبعاد التي تُجسِّدها سيرة الأئمَّة (عليهم السلام) في إمامتهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(274) نهج البلاغة (ص 119 و120/ الخطبة 87).
(275) الكافي (ج 1/ ص 192/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) ولاة أمر الله وخزنة علمه/ ح 1).
(276) الكافي (ج 1/ ص 192/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) ولاة أمر الله وخزنة علمه/ ح 2).

(١٤٩)

للمذهب الحقِّ، وأنَّهم إنَّما كانوا قادة لأتباع الحقِّ بما تمتَّعوا به من خصائص ومميِّزات أهَّلتهم لهذه الوظيفة الإلهيَّة السماويَّة والملوكتيَّة في سياسة الناس وهدايتهم وقيادتهم نحو الفضل والفضيلة والرفعة والكمال، وانتشال العالم من حضيض ما أسقطهم فيه الشيطان وأتباع الباطل والانحراف.
فالسلام على الإمام بأنَّه العَلَم المنصوب، والذي يفيد بأنَّ الوظيفة للإمام (عليه السلام) من قِبَل الله سبحانه وتعالى هي الهداية لمن ضلَّ، واحتضان من اهتدى، والأخذ بالجميع من الصحارى والفلوات المعرفيَّة والسلوكيَّة والعباديَّة إلى برِّ الأمان وجادَّة اليقين، فالإمام الذي نصبه الله سبحانه وتعالى ورفعه بمقام الإمامة، وأقامه عَلَماً لهداية الناس جميعاً هو من يحمل صفات أهَّلته لوظيفته وعلى رأسها البُعد المعرفي المتمثِّل بالعِلْم المصبوب، والبُعد العملي المتمثِّل بالغوث والرحمة الواسعة، والبُعد التطميني الوجداني المتمثِّل بأنَّ هذا الحديث عن الإمام (عليه السلام) بهذه الكيفيَّة وهذه الصفات أمر جزمي قطعي يقيني بديهي فطري، فقال: «وعداً غير مكذوب».
فالبُعد المعرفي هو في كون الإمام (عليه السلام) العالم الفيَّاض ذا المنزلة الرفيعة، وهو ما يُمثِّل للبشريَّة التلقِّي من الأعلى وعلى طول الخطِّ، فالعلم يأخذ بالإنسان إلى الأعلى ويضعه في مدارج المعرفة والكمال دائماً، والإمام مهما أفاض على الناس يبقى هو صاحب المنزلة الرفيعة والعليا مهما علت وارتفعت مكانة الناس بما أفاضه عليهم، وهذا البُعد العلمي المعرفي أُخِذَ فيه بُعد آخر، ليرفع حالة الجفاف والقسوة العلميَّة، فأخذ البُعد العملي الذي يتَّسم باللطافة ورقَّة القلب والعطف، فعبَّر عن الإمام (عليه السلام) بعد تعبيره بأنَّه علم غزير فيَّاض مصبوب على الناس، بأنَّه في عين الوقت رحمة وغوث وملجأ واسع، فالعباد متى ما صرخوا وجدوا الإمام (عليه السلام)، بل حتَّى لو لم يصرخوا استغاثةً بالإمام فإنَّهم سيجدونه (عليه السلام)، لأنَّه ليس غوثاً فقط، وإنَّما هو رحمة واسعة تشمل المستغيث به وغيره.

(١٥٠)

ثمّ عطفت الفقرة اللَّاحقة ببيان حالة لما تقدَّم من البُعدين المعرفي والسلوكي لصفات الإمام (عليه السلام)، زيادةً في التطمين والتوكيد والتوثيق بأنَّ الإمام (عليه السلام) إنَّما يحمل ذلك كلَّه عن يقين منه بما يحمل، ويجب أنْ تكونوا أنتم أيضاً على يقين ممَّا يحمل ويتمتَّع به ويُؤدِّيه من أدوار، لأنَّ هذا وعد غير مكذوب.
وفي حديث الإمام الرضا (عليه السلام) عن الإمام (عليه السلام) وصفاته يقول: «... اَلْإِمَامُ كَالشَّمْسِ اَلطَّالِعَةِ اَلمُجَلِّلَةِ بِنُورِهَا لِلْعَالَمِ وَهِيَ فِي اَلْأُفُقِ بِحَيْثُ لَا تَنَالُهَا اَلْأَيْدِي وَاَلْأَبْصَارُ، اَلْإِمَامُ اَلْبَدْرُ اَلمُنِيرُ، وَاَلسِّرَاجُ اَلزَّاهِرُ، وَاَلنُّورُ اَلسَّاطِعُ، وَاَلنَّجْمُ اَلْهَادِي فِي غَيَاهِبِ اَلدُّجَى، وَأَجْوَازِ اَلْبُلْدَانِ وَاَلْقِفَارِ، وَلُجَجِ اَلْبِحَارِ، اَلْإِمَامُ اَلمَاءُ اَلْعَذْبُ عَلَى اَلظَّمَإِ، وَاَلدَّالُّ عَلَى اَلْهُدَى، وَاَلمُنْجِي مِنَ اَلرَّدَى...، اَلْإِمَامُ اَلْأَنِيسُ اَلرَّفِيقُ، وَاَلْوَالِدُ اَلشَّفِيقُ، وَاَلْأَخُ اَلشَّقِيقُ، وَاَلْأُمُّ اَلْبَرَّةُ بِالْوَلَدِ اَلصَّغِيرِ، وَمَفْزَعُ اَلْعِبَادِ فِي اَلدَّاهِيَةِ اَلنَّآدِ...».
وتتميماً للمطلب:
فإنَّه قد يقال: إنَّ الإمام (عليه السلام) إذا كان كما تنصُّ الزيارة هو العِلْم المصبوب والعَلَم المنصوب، فأين هو منَّا؟ إذ لا نجد عِلْماً مصبوباً ولا عَلَماً منصوباً.
وللإجابة نستعرض ما ذكره الشيخ الأقدم الصدوق (رحمه الله) في مقام الإجابة، قال (رحمه الله): (وقد سألونا في هذه الغيبة وقالوا: إذا جاز أنْ يغيب الإمام ثلاثين سنة وما أشبهها، فما تُنكِرون من رفع عينه عن العالم؟
فيقال لهم: في ارتفاع عينه ارتفاع الحجَّة من الأرض وسقوط الشرائع إذا لم يكن لها من يحفظها.
وأمَّا إذا استتر الإمام للخوف على نفسه بأمر الله (عزَّ وجلَّ)، وكان له سبب معروف متَّصل به، وكانت الحجَّة قائمة، إذ كانت عينه موجودة في العالم وبابه

(١٥١)

وسببه معروفان، وإنَّما عدم إفتائه وأمره ونهيه ظاهراً، وليس في ذلك بطلان للحجَّة، ولذلك نظائر، قد أقام النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الشِّعب مدَّة طويلة، وكان يدعو الناس في أوَّل أمره سرًّا إلى أنْ أمن وصارت له فئة، وهو في كلِّ ذلك نبيٌّ مبعوث مرسَل، فلم يُبطِل توقِّيه وتستُّره من بعض الناس بدعوته نبوَّته ولا أدحض ذلك حجَّته، ثمّ دخل (عليه السلام) الغار فأقام فيه فلا يعرف أحد موضعه ولم يُبطِل ذلك نبوَّته، ولو ارتفعت عينه لبطلت نبوَّته، وكذلك الإمام يجوز أنْ يحبسه السلطان المدَّة الطويلة ويمنع من لقائه حتَّى لا يُفتي ولا يُعلِّم ولا يُبيِّن، والحجَّة قائمة ثابتة واجبة وإنْ لم يفت ولم يُبيِّن، لأنَّه موجود العين في العالم، ثابت الذات، ولو أنَّ نبيًّا أو إماماً لم يُبيِّن ويُعلِّم ويُفتِ لم تبطل نبوَّته ولا إمامته ولا حجَّته، ولو ارتفعت ذاته لبطلت الحجَّة، وكذلك يجوز أنْ يستتر الإمام المدَّة الطويلة إذا خاف ولا تبطل حجَّة الله (عزَّ وجلَّ).
فإنْ قالوا: فكيف يصنع من احتاج إلى أنْ يسأل عن مسألة؟
قيل له: كما كان يصنع والنبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الغار من جاء إليه ليُسلِّم وليتعلَّم منه، فإنْ كان ذلك سائغاً في الحكمة كان هذا مثله سائغاً.
ومن أوضح الأدلَّة على الإمامة أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) جعل آية النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه أتى بقَصص الأنبياء الماضين (عليهم السلام)، وبكلِّ علم [من] توراة وإنجيل وزبور من غير أنْ يكون يعلم الكتابة ظاهراً، أو لقى نصرانيًّا أو يهوديًّا، فكان ذلك أعظم آياته، وقُتِلَ الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام) وخلف عليَّ بن الحسين (عليهما السلام) متقارب السنِّ كانت سنُّه أقل من عشرين سنة، ثمّ انقبض عن الناس فلم يلقَ أحداً ولا كان يلقاه إلَّا خواصَّ أصحابه، وكان في نهاية العبادة، ولم يخرج عنه من العلم إلَّا يسيراً، لصعوبة الزمان وجور بني أُميَّة، ثمّ ظهر ابنه محمّد بن عليٍّ المسمَّى بالباقر (عليه السلام) لفتقه العلم، فأتى من علوم الدِّين والكتاب والسُّنَّة والسِّيَر والمغازي بأمر عظيم،

(١٥٢)

وأتى جعفر بن محمّد (عليهما السلام) من بعده من ذلك بما كثر وظهر وانتشر، فلم يبقَ فنٌّ في فنون العلم إلَّا أتى فيه بأشياء كثيرة، وفسَّر القرآن والسُّنَن، ورُويت عنه المغازي وأخبار الأنبياء من غير أنْ يُرى هو وأبوه محمّد بن عليٍّ أو عليُّ بن الحسين (عليهم السلام) عند أحد من رواة العامَّة أو فقهائهم يتعلَّمون منهم شيئاً، وفي ذلك أدلُّ دليل على أنَّهم إنَّما أخذوا ذلك العلم عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ عن عليٍّ (عليه السلام)، ثمّ عن واحد واحد من الأئمَّة، وكذلك جماعة الأئمَّة (عليهم السلام) هذه سُنَّتهم في العلم يُسئَلون عن الحلال والحرام فيجيبون جوابات متَّفقة من غير أنْ يتعلَّموا ذلك من أحد من الناس، فأيُّ دليل أدلَّ من هذا على إمامتهم، وأنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نصبهم وعلَّمهم وأودعهم علمه وعلوم الأنبياء (عليهم السلام) قبله؟ وهل رأينا في العادات من ظهر عنه مثل ما ظهر عن محمّد بن عليٍّ وجعفر بن محمّد (عليهم السلام) من غير أنْ يتعلَّموا ذلك من أحد من الناس؟
فإنْ قال قائل: لعلَّهم كانوا يتعلَّمون ذلك سرًّا.
قيل لهم: قد قال مثل ذلك الدهريَّة في النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنَّه كان يتعلَّم الكتابة ويقرأ الكتاب سرًّا. وكيف يجوز أنْ يُظَنَّ ذلك بمحمّد بن عليٍّ وجعفر بن محمّد ابن عليٍّ (عليهم السلام)، وأكثر ما أتوا به لا يُعرَف إلَّا منهم، ولا سُمِعَ من غيرهم؟
وقد سألونا فقالوا: ابن الحسن لم يظهر ظهوراً تامًّا للخاصَّة والعامَّة، فمن أين علمتم وجوده في العالم؟ وهل رأيتموه أو أخبرتكم جماعة (قد) تواترت أخبارها أنَّها شاهدته وعاينته؟
فيقال لهم: إنَّ أمر الدِّين كلَّه بالاستدلال يُعلَم، فنحن عرفنا الله (عزَّ وجلَّ) بالأدلَّة ولم نشاهده، ولا أخبرنا عنه من شاهده، وعرفنا النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكونه في العالم بالأخبار، وعرفنا نبوَّته وصدقه بالاستدلال، وعرفنا أنَّه استخلف عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) بالاستدلال، وعرفنا أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسائر الأئمَّة (عليهم السلام) بعده

(١٥٣)

عالمون بالكتاب والسُّنَّة ولا يجوز عليهم في شيء من ذلك الغلط ولا النسيان ولا تعمُّد الكذب بالاستدلال، وكذلك عرفنا أنَّ الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) إمام مفترض الطاعة، وعلمنا بالأخبار المتواترة عن الأئمَّة الصادقين (عليهم السلام) أنَّ الإمامة لا تكون بعد كونها في الحسن والحسين (عليهما السلام) إلَّا في ولد الإمام، ولا يكون في أخ ولا قرابة، فوجب من ذلك أنَّ الإمام لا يمضي إلَّا أنْ يُخلف من ولده إماماً، فلمَّا صحَّت إمامة الحسن (عليه السلام) وصحَّت وفاته ثبت أنَّه قد خلف من ولده إماماً، هذا وجه من الدلالة عليه.
ووجه آخر: وهو أنَّ الحسن (عليه السلام) خلف جماعة من ثقاته ممَّن يروي عنه الحلال والحرام، ويُؤدِّي كُتُب شيعته وأموالهم، ويُخرجون الجوابات، وكانوا بموضع من الستر والعدالة بتعديله إيَّاهم في حياته، فلمَّا مضى أجمعوا جميعاً على أنَّه قد خلف ولداً هو الإمام، وأمروا الناس أنْ لا يسألوا عن اسمه، وأنْ يستروا ذلك من أعدائه)(277).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(277) كمال الدِّين (ص 90 - 93).

(١٥٤)

الفقرة الثانية عشر: «السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقُومُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ حِيْنَ تَقْعُدْ، السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقْرَأُ وَتُبَيِّنُ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: (القيام والقعود والقراءة والتبيُّن) في اللغة:
استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
1 - الحين: وقت من الزمان(278).
2 - القيام: قوام كلِّ شيء ما استقام به، والقامة مقدار قيام الرجل(279)، والقعود: يضاهي الجلوس، والقعدة حالة كضجعة(280).
3 - القراءة: قرأ الشيء جمعه وضمَّه بعضه إلى بعض(281)، ومنه تفهَّم الشيء أي تفقَّه الشيء(282)، والبيان: ما يتبيَّن به الشيء من الدلالة وغيرها، وتبيَّنته أي عرفته ووضح لي(283).
ولعلَّ المراد بهذه الألفاظ في الفقرة هو حالات الإمام (عجّل الله فرجه) الخاصَّة في أفعاله العباديَّة على ما يتَّضح في الفقرة الآتية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(278) العين للفراهيدي (ج 3/ ص 304).
(279) العين للفراهيدي (ج 5/ ص 231 و233).
(280) معجم مقاييس اللغة (ج 5/ ص 108).
(281) تاج العروس (ج 1/ ص 221).
(282) لسان العرب (ج 1/ ص 130).
(283) الصحاح للجوهري (ج 5/ ص 2083).

(١٥٥)

النقطة الثانية: (القيام والقعود والقراءة والتبيُّن) في القرآن الكريم:
وردت مفردات الفقرات المتقدِّمة في العديد من الآيات القرآنيَّة، منها:
1 - قوله تعالى: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ﴾ (الشعراء: 218).
2 - قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ (آل عمران: 191).
3 - قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً﴾ (الإسراء: 45).
4 - قوله تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ﴾ (المائدة: 15).
النقطة الثالثة: (القيام والقعود والقراءة والتبيُّن) في الروايات الشريفة:
تحدَّثت العديد من الروايات عن مفردات الفقرات المتقدِّمة، منها:
1 - عن أبي جعفر (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ (الشعراء: 218 و219)، قَالَ: «﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ﴾ فِي اَلنُّبُوَّةِ، ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾»، قَالَ: «فِي أَصْلَابِ اَلنَّبِيِّينَ»(284).
2 - عن يعقوب السرَّاج، قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام): مَتَى يَمْضِي اَلْإِمَامُ حَتَّى يُؤَدِّيَ عِلْمَهُ إِلَى مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ بَعْدِهِ؟ قَالَ: فَقَالَ: «لَا يَمْضِي اَلْإِمَامُ حَتَّى يُفْضِيَ عِلْمَهُ إِلَى مَنِ اِنْتَجَبَهُ اَللهُ، وَلَكِنْ يَكُونُ صَامِتاً مَعَهُ، فَإِذَا مَضَى وَلِيَ اَلْعِلْمَ نَطَقَ بِهِ مَنْ بَعْدُهُ»(285).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(284) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 125).
(285) بصائر الدرجات (ص 486/ ج 9/ باب 20/ ح 7).

(١٥٦)

3 - عن مفضَّل بن عمر، قال: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام) وَعِنْدَهُ فِي اَلْبَيْتِ أُنَاسٌ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ غَيْرِي، فَقَالَ: «أَمَا وَاَللهِ لَيَغِيبَنَّ عَنْكُمْ صَاحِبُ هَذَا اَلْأَمْرِ، وَلَيَخْمُلَنَّ هَذَا حَتَّى يُقَالَ: مَاتَ، هَلَكَ، فِي أَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟ وَلَتُكْفَؤُنَّ كَمَا تُكْفَأُ اَلسَّفِينَةُ فِي أَمْوَاجِ اَلْبَحْرِ، لَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَخَذَ اَللهُ مِيثَاقَهُ وَكَتَبَ اَلْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ وَأَيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْهُ، وَلَتُرْفَعَنَّ اِثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُدْرَى أَيٌّ مِنْ أَيٍّ»، قَالَ: فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا عَبْدِ اَللهِ؟»، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، كَيْفَ لَا أَبْكِي وَأَنْتَ تَقُولُ: «اِثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُدْرَى أَيٌّ مِنْ أَيٍّ»؟! قَالَ وَفِي مَجْلِسِهِ كَوَّةٌ تَدْخُلُ فِيهَا اَلشَّمْسُ، فَقَالَ: «أَبَيِّنَةٌ هَذِهِ؟»، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «أَمْرُنَا أَبْيَنُ مِنْ هَذِهِ اَلشَّمْسِ»(286).
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة:
يحتمل أنْ يُراد من القيام في الفقرة هو القيام بأمر الإمامة أو القعود عنها كما ورد في الحديث، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «اَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ إِمَامَا حَقٍّ قَامَا أَوْ قَعَدَا، وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا»(287).
أو أن القيام هو مطلق الحركات أو خصوص الحركات العباديَّة، وحديثنا عن القيام بأمر الإمامة، أمَّا مطلق الحركات فسوف يأتي في الفقرة التالية.
الفقرة الشريفة تطلب منَّا أنْ نُؤدِّي السلام والتحيَّة إلى من به قيام الدِّين والقيِّم عليه، وقد بيَّنت الأخبار المتقدِّمة مقام الإمام (عليه السلام).
مقام الإمام (عليه السلام) هو مقام الاصطفاء والوراثة للكتاب الذي فيه تبيان كلِّ شيء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(286) الكافي (ج 1/ ص 338 و339/ باب في الغيبة/ ح 11).
(287) دعائم الإسلام (ج 1/ ص 37).

(١٥٧)

المقام الذي لا يبلغ كنهه البشر ولا يُدركونه، وإنَّما أُمروا أنْ يؤمنوا به وينقادوا لصاحبه، لأنَّه الذي يسلك بهم الهدى والرشد، حتَّى وإنْ لم يكن الإمام (عليه السلام) ظاهراً أو قائماً بأمر الإمامة الظاهريَّة، كما مرَّ آنفاً في حديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن إمامة الحسن والحسين (عليهما السلام).
مقام الإمام (عليه السلام) المبيِّن للهدى وأحكام الدِّين هو بيِّن وأوضح من الشمس وإنْ كان غائباً على حدِّ ما عبَّرت الرواية المتقدِّمة: «أَمْرُنَا أَبْيَنُ مِنْ هَذِهِ اَلشَّمْسِ».
نُسلِّم على صاحب هذا المقام ونسأله أنْ يُسلِّم لنا ديننا ويأخذ بيدنا للهداية به، فقد أُمرنا أنْ نسألهم ونلتزمهم، كما في الحديث الأخير.

* * *

(١٥٨)

الفقرة الثالثة عشر: «السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تُصَلِّيَ وَتَقْنُتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تَرْكَعُ وَتَسْجُدُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تُهَلِّلُ وَتُكَبِّرُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تَحْمَدُ وَتَسْتَغْفِرُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تُصْبِحُ وَتُمْسِي، السَّلَامُ عَلَيْكَ فِي اللَيْلِ إِذَا يَغْشى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: (الصلاة والركوع والسجود) في اللغة:
استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
1 - الصلاة: الدعاء(288)، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الأنبياء الدعاء للناس(289). والقنوت: الطاعة والخير، ويُطلَق على كلِّ استقامة في طريق الدِّين(290). والركوع: الانحناء، وكلُّ منحنٍ راكع(291). والسجود: الخضوع(292)، وكما أنَّ الصلاة والركوع والقنوت مستعملة فيما تقدَّم، فإنَّها قد نُقِلَت إلى المعاني الشرعيَّة، فالصلاة هي العبادة المخصوصة المعروفة، وكذلك القنوت والركوع والسجود، ولعلَّ هذه المعاني هي المقصود الأوَّلي للفقرة.
2 - التهليل: الهلال: أوَّل ليلة من الشهر، وتهلَّل السحاب ببرقه تلألأ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(288) الصحاح للجوهري (ج 6/ ص 2402).
(289) العين للفراهيدي (ج 7/ ص 154).
(290) معجم مقاييس اللغة (ج 5/ ص 31).
(291) معجم مقاييس اللغة (ج 2/ ص 434).
(292) الصحاح للجوهري (ج 2/ ص 483).

(١٥٩)

وتهلَّلت دموعه: سالت، وهلَّل الرجل، أي قال: لا إله إلَّا الله، ويقال: أكثر من الهيللة أي من قول: لا إله إلَّا الله(293). والتكبير: التعظيم، وكبَّر قال: الله أكبر(294). والحمد: نقيض الذمِّ، والحمد لله أي الشكر لله، والثناء عليه، والحمد أعمُّ من الشكر(295). والاستغفار: التغطية والستر(296).
3 - الصبح: الفجر، والصباح نقيض المساء(297)، والمساء: بعد الظهر إلى صلاة المغرب، وقال بعضهم: إلى نصف الليل، وأمسينا: صرنا في وقت المساء، وكيف أمسيت أو أصبحت، أي كيف كنت في وقت المساء أو الصباح(298).
4 - يغشى: تغطية شيء بشيء(299). وتجلَّى: التجلِّي الإبداء أو الظهور والبيان، وتجلَّيت للشيء: نظرت إليه، وتأتي بمعنى كشف، تقول: جلى الله تعالى عنك المرض أي كشف(300).
النقطة الثانية: (الصلاة والركوع والسجود) في القرآن الكريم:
وردت مفردات الفقرات المتقدِّمة في العديد من الآيات القرآنيَّة، منها:
1 - قوله تعالى: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ (إبراهيم: 40).
2 - قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ﴾ (الزمر: 9).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(293) الصحاح للجوهري (ج 5/ ص 1852).
(294) لسان العرب (ج 5/ ص 127).
(295) لسان العرب (ج 3/ ص 155).
(296) لسان العرب (ج 5/ ص 25).
(297) الصحاح للجوهري (ج 1/ ص 379).
(298) العين للفراهيدي (ج 7/ ص 323).
(299) معجم مقاييس اللغة (ج 4/ ص 425).
(300) العين للفراهيدي (ج 6/ ص 180).

(١٦٠)

3 - قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ﴾ (الزمر: 74).
4 - قوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ (محمّد: 19).
5 - قوله تعالى: ﴿فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ (الروم: 17 و18).
6 - قوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ (الليل: 1 و2).
النقطة الثالثة: (الصلاة والركوع والسجود) في الروايات الشريفة:
تحدَّثت العديد من الروايات عن مفردات الفقرات المتقدِّمة، منها:
عن حمَّاد بن عيسى، قال: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام) يَوْماً: «يَا حَمَّادُ، تُحْسِنُ أَنْ تُصَلِّيَ؟»، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، أَنَا أَحْفَظُ كِتَابَ حَرِيزٍ فِي اَلصَّلَاةِ، فَقَالَ: «لَا عَلَيْكَ يَا حَمَّادُ، قُمْ فَصَلِّ»، قَالَ: فَقُمْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَوَجِّهاً إِلَى اَلْقِبْلَةِ، فَاسْتَفْتَحْتُ اَلصَّلَاةَ، فَرَكَعْتُ وَسَجَدْتُ، فَقَالَ: «يَا حَمَّادُ، لَا تُحْسِنُ أَنْ تُصَلِّيَ، مَا أَقْبَحَ بِالرَّجُلِ مِنْكُمْ يَأْتِي عَلَيْهِ سِتُّونَ سَنَةً أَوْ سَبْعُونَ سَنَةً فَلَا يُقِيمُ صَلَاةً وَاحِدَةً بِحُدُودِهَا تَامَّةً»، قَالَ حَمَّادٌ: فَأَصَابَنِي فِي نَفْسِي اَلذُّلُّ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَعَلِّمْنِي اَلصَّلَاةَ، فَقَامَ أَبُو عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام) مُسْتَقْبِلَ اَلْقِبْلَةِ، مُنْتَصِباً، فَأَرْسَلَ يَدَيْهِ جَمِيعاً عَلَى فَخِذَيْهِ، قَدْ ضَمَّ أَصَابِعَهُ وَقَرَّبَ بَيْنَ قَدَمَيْهِ حَتَّى كَانَ بَيْنَهُمَا قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مُنْفَرِجَاتٍ، وَاِسْتَقْبَلَ بِأَصَابِعِ رِجْلَيْهِ جَمِيعاً اَلْقِبْلَةَ لَمْ يُحَرِّفْهُمَا عَنِ اَلْقِبْلَةِ، وَقَالَ بِخُشُوعٍ: «اَللهُ أَكْبَرُ»، ثُمَّ قَرَأَ اَلْحَمْدَ بِتَرْتِيلٍ وَ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾، ثُمَّ صَبَرَ هُنَيَّةً بِقَدْرِ مَا يَتَنَفَّسُ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حِيَالَ وَجْهِهِ وَقَالَ: «اَللهُ أَكْبَرُ» وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ رَكَعَ وَمَلَأَ كَفَّيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ مُنْفَرِجَاتٍ، وَرَدَّ رُكْبَتَيْهِ إِلَى خَلْفِهِ حَتَّى اِسْتَوَى ظَهْرُهُ، حَتَّى لَوْ

(١٦١)

صُبَّ عَلَيْهِ قَطْرَةٌ مِنْ مَاءٍ أَوْ دُهْنٍ لَمْ تَزُلْ، لِاسْتِوَاءِ ظَهْرِهِ، وَمَدَّ عُنُقَهُ، وَغَمَّضَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ سَبَّحَ ثَلَاثاً بِتَرْتِيلٍ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ اَلْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ»، ثُمَّ اِسْتَوَى قَائِماً، فَلَمَّا اِسْتَمْكَنَ مِنَ اَلْقِيَامِ قَالَ: «سَمِعَ اَللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ»، ثُمَّ كَبَّرَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ حِيَالَ وَجْهِهِ، ثُمَّ سَجَدَ وَبَسَطَ كَفَّيْهِ مَضْمُومَتَيِ اَلْأَصَابِعِ بَيْنَ يَدَيْ رُكْبَتَيْهِ حِيَالَ وَجْهِهِ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ اَلْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَلَمْ يَضَعْ شَيْئاً مِنْ جَسَدِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ، وَسَجَدَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَعْظُمٍ: اَلْكَفَّيْنِ، وَاَلرُّكْبَتَيْنِ، وَأَنَامِلِ إِبْهَامَيِ اَلرِّجْلَيْنِ، وَاَلْجَبْهَةِ، وَاَلْأَنْفِ، وَقَالَ: «سَبْعَةٌ مِنْهَا فَرْضٌ يُسْجَدُ عَلَيْهَا، وَهِيَ اَلَّتِي ذَكَرَهَا اَللهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً﴾ [الجنّ: 18]، وَهِيَ: اَلْجَبْهَةُ، وَاَلْكَفَّانِ، وَاَلرُّكْبَتَانِ، وَاَلْإِبْهَامَانِ، وَوَضْعُ اَلْأَنْفِ عَلَى اَلْأَرْضِ سُنَّةٌ»، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ اَلسُّجُودِ، فَلَمَّا اِسْتَوَى جَالِساً قَالَ: «اَللهُ أَكْبَرُ»، ثُمَّ قَعَدَ عَلَى فَخِذِهِ اَلْأَيْسَرِ، وَقَدْ وَضَعَ ظَاهِرَ قَدَمِهِ اَلْأَيْمَنِ عَلَى بَطْنِ قَدَمِهِ اَلْأَيْسَرِ، وَقَالَ: «أَسْتَغْفِرُ اَللهَ رَبِّي وَأَتُوبُ إِلَيْهِ»، ثُمَّ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ، وَسَجَدَ اَلسَّجْدَةَ اَلثَّانِيَةَ وَقَالَ كَمَا قَالَ فِي اَلْأُولَى، وَلَمْ يَضَعْ شَيْئاً مِنْ بَدَنِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ فِي رُكُوعٍ وَلَا سُجُودٍ، وَكَانَ مُجَّنِّحاً، وَلَمْ يَضَعْ ذِرَاعَيْهِ عَلَى اَلْأَرْضِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَلَى هَذَا، وَيَدَاهُ مَضْمُومَتَا اَلْأَصَابِعِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي اَلتَّشَهُّدِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ اَلتَّشَهُّدِ سَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا حَمَّادُ، هَكَذَا صَلِّ»(301).
وهو من أروع الأحاديث التي تُعلِّمنا كيف نُصلِّي بصلاة الإمام (عليه السلام).
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة:
حالات الإمام (عليه السلام) في العبادة:
تشير الفقرة المباركة لهذه الزيارة الشريفة إلى حالات ينبغي أنْ يكون عليها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(301) الكافي (ج 3/ ص 311 و312/ باب افتتاح الصلاة والحدِّ في التكبير.../ ح 8).

(١٦٢)

المؤمنون بوجود الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وإمامته في غيبته، فالفقرة ترسم لنا لوحة من التواصل المتكامل، وتُعطي فكرة عقائديَّة وأُسلوباً عمليًّا وتعبويًّا في علاقة المؤمنين بالإمام (عجّل الله فرجه)، حتَّى في زمان غيبته.

فحالة التواصل التي لا بدَّ أنْ يكون عليها الإنسان مع إمام زمانه تتجسَّد في الالتفات إلى كلِّ حالات الإمام وحركاته من بداية النهار، حيث يبدأ ببداية الارتباط مع الله تعالى بالصلاة، فإنَّ الإنسان عندما يستيقظ من نومه يبادر إلى حالة الصلة مع الله تعالى، وحيث إنَّها لا بدَّ أنْ تكون بواسطة الإمام (عليه السلام) ومعيَّته(302) فلا بدَّ إذن من استذكاره في هذه المحطَّة والتسليم عليه، ثمّ الالتفات إلى أنَّ جوانب التواصل مع الإمام ينبغي أنْ تكون في جميع حيثيَّات ما يمرُّ به الإمام (عجّل الله فرجه) في ذلك اليوم.
وتعكس لنا الزيارة الشريفة من خلال هذه الفقرة جوانب مهمَّة، إذ بطبيعة الحال هي لا تعكس جميع الحالات التي يتلبَّس بها الإمام في يومه، بل انعكاساً لأبرز ما يقوم به (عجّل الله فرجه)، وتطلب من المؤمن أنْ يكون متواصلاً مع إمامه ولو بأدنى مراتب التواصل ولو بالسلام، أمَّا التواصل بمراتب أعلى فمتروك للفرد وقابليَّاته ومقدار ما يريد أنْ يُوثِّق به العلاقة بينه وبين الإمام (عجّل الله فرجه) ويُقوِّيها.
وقد أشارت الزيارة إلى حالات مختلفة، فالقراءة حالة، والبيان للأحكام حالة أُخرى، والصلاة ثالثة، والقنوت رابعة، والركوع خامسة، والسجود سادسة، وهكذا. واللطيف أنَّ الزيارة المباركة ركَّزت على حالات الصلاة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(302) عن الإمام الرضا (عليه السلام): «... إنَّ الإمامة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء...، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعزُّ المؤمنين، إنَّ الإمامة أُسُّ الإسلام النامي، وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجِّ والجهاد...» (الكافي: ج 1/ ص 198 - 203/ باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته/ ح 1).

(١٦٣)

وأفعالها، فذكرت الركوع والسجود والقنوت والتهليل والتكبير والتسبيح والتحميد والاستغفار، وهي إشارة واضحة إلى أنَّ حالة التواصل مع الله تعالى تتجلَّى عند الصلاة، فلا بدَّ أنْ تكون حالة التواصل مع الإمام (عجّل الله فرجه) كذلك. وهنا تأتي إشارة ثانية ينبغي استشعارها وهي أنْ نقتبس ونتأسَّى من حالة الإمام (عجّل الله فرجه) في الصلاة لنكون على بعض مراتبها.
إنَّ ما ينبغي علينا الابتداء به في نهارنا هو ما ينبغي علينا الانتهاء به، فسلامنا وارتباطنا مع الإمام (عجّل الله فرجه) في الابتداء لا بدَّ أنْ يستمرَّ إلى الانتهاء، بل عندما يغشى الليل إلى أنْ يتجلَّى النهار ثانية.
هناك إشارة ثالثة يمكن التماسها من الزيارة المباركة، وهي الإيحاء بشكل لطيف إلى القارئ أنَّ الإمام (عجّل الله فرجه) موجود بشكل فعَّال وحيوي ويمارس تكاليفه الشرعيَّة فضلاً عن مهامِّه، لذلك سلَّطت الزيارة الضوء على جزئيَّات تفصيلية من تلك الممارسات.
ولننه حديثنا بإشارة رابعة قد تكون مرادة للزيارة المباركة، حيث إنَّها أغفلت الجانب المعاشي بشكل كبير، وليس ذلك لأنَّ الإمام (عجّل الله فرجه) لا يمارسه، وإنَّما لأجل أنَّ الإنسان قد انشغل بتأمين هذا الجانب بشكل طغى على حيثيَّات حياته كلِّها، وبطبيعة الحال فإنَّ الزيارة تريد من خلال مضامينها أنْ تُخرجنا من الانغماس في الجانب المادِّي من خلال ما تعكسه لنا من حالات الإمام (عجّل الله فرجه) المعنويَّة.
الرسالة العمليَّة في التأسِّي:
فهي رسالة عمليَّة لما ينبغي أنْ يكون عليه الإنسان من التأسِّي العملي بإمام زمانه (عجّل الله فرجه)، وتقمُّص بعض ممارساته اليوميَّة في تأمين الارتباط بالله تعالى، فالإنسان الذي يُسلِّم على الإمام (عليه السلام) أثناء هذه الممارسات لا بدَّ أنْ يكون ممارساً

(١٦٤)

لها ولو بأدنى مراتبها، ولو خجلاً من الإمام، فكيف يُسلِّم عليه حين سجوده وهو لا يسجد، وحين ركوعه وهو لا يركع، وحين قنوته وهو لا يقنت، وحين استغفاره وهو لا يستغفر؟!

* * *

(١٦٥)

الفقرة الرابعة عشر: «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْإمَام المَأْمُونُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا المُقَدَّمُ المَأْمُولُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ بِجَوامِعِ السَّلَامِ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: (المأمون والمأمول) في اللغة:
استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
1 - الإمام: ما يُقتدى به ويُقدَّم في الأُمور، لذلك يقال: القرآن إمام المسلمين، النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إمام الأُمَّة، الخليفة إمام الرعيَّة، والجمع الأئمَّة، والإمام بمنزلة القدَّام، يؤمُّ القوم أي يقدمهم، والإمام الطريق، قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ﴾ (الحجر: 79)(303).
2 - المأمون: الذي يأمنه غيره، والأمين الثقة في نفسه(304)، والأمانة نقيض الخيانة، والمفعول مأمون وأمين، ومؤتمن من ائتمنه(305).
3 - المقدَّم: نقيض مؤخَّر، وهو ما استقبلك من الجبهة والجبين(306)، والأصل فيه (قِدَم) يدلُّ على سبق ثمّ يُفرَّع منه ما يقاربه، يقولون: القِدَم خلاف الحدوث(307).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(303) العين للفراهيدي (ج 8/ ص 428 و429)، معجم مقاييس اللغة (ج 1/ ص 28 و29).
(304) الفروق اللغويَّة (ص 74).
(305) العين للفراهيدي (ج 8/ ص 389).
(306) العين للفراهيدي (ج 5/ ص 123).
(307) معجم مقاييس اللغة (ج 5/ ص 65).

(١٦٧)

4 - المأمول: الأمل: الرجاء، والجمع آمال، وأملته آمله(308)، وهو ضدُّ اليأس(309).
5 - الجوامع: جمعت الشيء إذا جئت به من هنا وهنا، وفي وصف النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه كان يتكلَّم بجوامع الكَلِم، أي إنَّه كان كثير المعاني قليل الألفاظ، وفي الحديث: «كَانَ يَسْتَحِبُّ اَلجَوَامِعَ مِنَ اَلدُّعَاءِ» هي التي تجمع الأغراض الصالحة والمقاصد الصحيحة، أو تجمع الثناء على الله تعالى(310).
النقطة الثانية: (المأمون والمأمول) في القرآن الكريم:
ورد ذكر مفردات الفقرة في العديد من الآيات القرآنيَّة، منها:
1 - قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ (الأنبياء: 73).
2 - قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ (الإسراء: 71).
3 - قوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ (القَصص: 5 و6).
النقطة الثالثة: (المأمون والمأمول) في الروايات الشريفة:
ورد ذكر المفردات في العديد من الروايات، منها:
1 - عن الإمام الرضا (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ (النساء: 58)، قال: «هُمُ اَلْأَئِمَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنْ يُؤَدِّيَ اَلْإِمَامُ اَلْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ، وَلَا يَخُصَّ بِهَا غَيْرَهُ، وَلَا يَزْوِيَهَا عَنْهُ»(311).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(308) لسان العرب (ج 11/ ص 27).
(309) مجمع البحرين (ج 5/ ص 310).
(310) لسان العرب (ج 8/ ص 54).
(311) الكافي (ج 1/ ص 276/ باب أنَّ الإمام (عليه السلام) يعرف الإمام الذي يكون من بعده.../ ح 2).

(١٦٨)

2 - عن عليٍّ (عليه السلام) قال: «لَا يَزَالُ فِي وُلْدِي مَأْمُونٌ مَأْمُونٌ»(312)، وفي (كمال الدِّين) عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): «لَا يَزَالُ فِي وُلْدِي مَأْمُونٌ مَأْمُولٌ»(313).
3 - عن أبي عبد الله (عليه السلام): «اَلْفَضْلُ لِمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَهُوَ اَلمُقَدَّمُ عَلَى اَلْخَلْقِ جَمِيعاً لَا يَتَقَدَّمُهُ أَحَدٌ، وَعَلِيٌّ (عليه السلام) اَلمُتَقَدِّمُ مِنْ بَعْدِهِ، وَاَلمُتَقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ كَالمُتَقَدِّمِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَكَذَلِكَ يَجْرِي لِلْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ...»(314).
4 - عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليهما السلام): «إِنَّ أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) حَدَّثَ عَنْ أَشْيَاءَ تَكُونُ بَعْدَهُ إِلَى قِيَامِ اَلْقَائِمِ...، ثُمَّ يَقُومُ اَلْقَائِمُ اَلمَأْمُولُ، وَاَلْإِمَامُ اَلمَجْهُولُ، لَهُ اَلشَّرَفُ وَاَلْفَضْلُ، وَهُوَ مِنْ وُلْدِكَ يَا حُسَيْنُ، لَا اِبْنَ مِثْلُهُ...»(315).
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة:
تشير الزيارة المباركة في هذه المفردات إلى نحوين من السلام الخاصِّ، ونحو ثالث عامٍّ، بعد أنْ تقدَّم نيِّف وعشرون سلاماً خاصًّا تحدَّثت فيها الزيارة المباركة عن الصفات التي يتَّصف بها الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من كونه من العترة الطاهرة من آل محمّد (عليهم السلام)، وأنَّه الداعي والربَّاني والخليفة والباب والحجَّة والعَلَم والغوث والرحمة وأنَّه المبيِّن، وهذه الصفات المتعدِّدة، والتي كما بيَّنَّاها في الشروح السابقة يُلمِّح كلُّ واحدٍ منها إلى نحو ممَّا يتَّصف به الإمام (عجّل الله فرجه) من خصائص أو وظيفة من وظائفه التي يمارسها أو سوف يمارسها عند ظهوره، أو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(312) قرب الإسناد (ص 22/ ح 75).
(313) كمال الدِّين (ص 228/ باب 22/ ح 22).
(314) بصائر الدرجات (ص 220/ ج 4/ باب 9/ ح 2).
(315) الغيبة للنعماني (ص 283 و284/ باب 14/ ح 55).

(١٦٩)

فعل يقوم به كعلاقة بينه وبين الله سبحانه وتعالى من الصلاة والدعاء والقراءة وهكذا.
وبمجموع ما تقدَّم الحديث عنه من صفات مضافاً إلى الصفتين الآتيتين - تعطينا مداليل نشير لها -، وهي كون الإمام مأموناً، وأنَّه إمام للأُمَّة بأجمعها، ووسيط في علاقتها بينها وبين ربِّها، وأنَّ هذه الوساطة والتقدُّم والقيادة في أعلى درجات الوثاقة والثبوت، فعبَّرت الزيارة عن أنَّ الإمام إمام مأمون، أي موثوق، أي إمام حقٍّ وصدق، ولا يوجد أيُّ مجال للتردُّد أو التشكيك في ذلك.
ثمّ بعد ذلك ختمت الصفات الخاصَّة بكون الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو مقدَّم على سائر الأُمَّة، وهذا مقتضى إمامته لها، وأنَّه (عجّل الله فرجه) مأمول، وهذه الصفة التي تحكي عن غيبته والأمل بظهوره، إذ لولا الغيبة لما كان له ظهور ولما كان بينهما انتظار وأمل لغائب مأمول يُنتظَر أنْ يظهر ليُجسِّد ما وُصِفَ على لسان الزيارة المباركة من صفات.
وختمت الزيارة بسلام جامع لما ذكرته وما لم تذكره، فإنَّنا نعرف جيِّداً أنَّ التلبُّس بصفة له دلالة، والتلبُّس بصفتين له دلالة أُخرى، والتلبُّس بمجموعة كثيرة من الصفات له عدَّة دلالات، وكأنَّ الزيارة المباركة تريد أنْ تعطينا كلَّ هذه المعاني، تعطينا مدلول كلِّ صفة بحالها، ومدلول مجموع الصفات وأثرها، وأنَّ هناك صفات أُخرى ينبغي للمؤمن أنْ يُسلِّم بها على الإمام (عجّل الله فرجه) ويقرُّ ويُذعِن له بها، فلعلَّ بعض الصفات تكبر على بعض الناس، فالظاهر أنَّ الزيارة المباركة لم تفصح عن بعض الصفات والتي هي له بحسب الواقع وأجملتها بعبارة: «السلام عليك بجوامع السلام»، لأنَّ بعض الصفات لو ذُكِرَت لتردَّد البعض في اعتقاد تلبُّس الإمام (عجّل الله فرجه) بها، ورأفة بحال هؤلاء المؤمنين جاء الدعاء ليحافظ لهم على خصوصيَّة الإذعان والتسليم بكلِّ ما يتَّصف به الإمام تفصيلاً في بعض الصفات

(١٧٠)

وإجمالاً في بعضها الآخر، فحفظ لهم بهذا الإذعان الإجمالي صفة التسليم وفي نفس الوقت لم يُكلِّفهم لو ذكرها تفصيلاً مشقَّة الإنكار أو الشكِّ.
فهي تعكس لنا حالة من الرأفة بأفراد الأُمَّة في حال إذعانها وتسليمها لما يحمل إمامهم الغائب المأمول.

* * *

(١٧١)

الفقرة الخامسة عشر: «أُشْهِدُكَ يَا مَوْلَايَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ لَا حَبِيبَ إِلَّا هُوَ وَأَهْلُهُ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: (التشهُّد) في اللغة:
استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
1 - الشهادة: خبر قاطع، وتقول: أشهد بكذا، أي أحلف(316)، من قولك: أشهد أنْ لا إله إلَّا الله، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله(317)، والأصل في (شهد) الدلالة على الحضور والعلم والأعلام لا يخرج شيء من فروعه عنها(318).
2 - الحبيب: أُصوله ثلاثة، أحدها اللزوم والثبات، والمحبَّة اشتقاقه من أحبَّه إذا لزمه(319).
النقطة الثانية: (التشهُّد) في القرآن الكريم:
ورد ذكر المفردات في العديد من الآيات القرآنيَّة، منها:
1 - قوله تعالى: ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (آل عمران: 18).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(316) الصحاح للجوهري (ج 2/ ص 494).
(317) العين للفراهيدي (ج 3/ ص 398).
(318) معجم مقاييس اللغة (ج 3/ ص 221).
(319) معجم مقاييس اللغة (ج 2/ ص 26).

(١٧٣)

2 - قوله تعالى: ﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ (الحجّ: 78).
3 - قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ (الأحزاب: 40).
4 - قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (آل عمران: 31).
النقطة الثالثة: (التشهُّد) في الروايات الشريفة:
ورد ذكر المفردات في العديد من الروايات، منها:
1 - عن حفص الكناسي، قال: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام): مَا أَدْنَى مَا يَكُونُ بِهِ اَلْعَبْدُ مُؤْمِناً؟ قَالَ: «يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَيُقِرُّ بِالطَّاعَةِ، وَيَعْرِفُ إِمَامَ زَمَانِهِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مُؤْمِنٌ»(320).
2 - عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث يشرح فيه معاني الأذان، جاء فيه: «... وَأَمَّا قَوْلُهُ: (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ) فَإِعْلَامٌ بِأَنَّ اَلشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ إِلَّا بِمَعْرِفَتِهِ مِنَ اَلْقَلْبِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مَعْبُودَ إِلَّا اَللهُ (عزَّ وجلَّ)، وَأَنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ بَاطِلٌ سِوَى اَللهِ (عزَّ وجلَّ)، وَأُقِرُّ بِلِسَانِي بِمَا فِي قَلْبِي مِنَ اَلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ، وَأَشْهَدَ أَنَّهُ لَا مَلْجَأَ مِنَ اَللهِ إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا مَنْجَى مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ وَفِتْنَةِ كُلِّ ذِي فِتْنَةٍ إِلَّا بِاللهِ، وَفِي اَلمَرَّةِ اَلثَّانِيَةِ: (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ)، مَعْنَاهُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا هَادِيَ إِلَّا اَللهُ، وَلَا دَلِيلَ لِي إِلَى اَلدِّينِ إِلَّا اَللهُ، وَأُشْهِدُ اَللهَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ، وَأُشْهِدُ سُكَّانَ اَلسَّمَاوَاتِ وَسُكَّانَ اَلْأَرَضِينَ وَمَا فِيهِنَّ مِنَ اَلمَلَائِكَةِ وَاَلنَّاسَ أَجْمَعِينَ وَمَا فِيهِنَّ مِنَ اَلْجِبَالِ وَاَلْأَشْجَارِ وَاَلدَّوَابِّ وَاَلْوُحُوشِ وَكُلِّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(320) معاني الأخبار (ص 393/ باب معنى نوادر المعاني/ ح 41).

(١٧٤)

خَالِقَ إِلَّا اَللهُ، وَلَا رَازِقَ وَلَا مَعْبُودَ وَلَا ضَارَّ وَلَا نَافِعَ وَلَا قَابِضَ وَلَا بَاسِطَ وَلَا مُعْطِيَ وَلَا مَانِعَ وَلَا نَاصِحَ وَلَا كَافِيَ وَلَا شَافِيَ وَلَا مُقَدِّمَ وَلَا مُؤَخِّرَ إِلَّا اَللهُ، لَهُ اَلْخَلْقُ وَاَلْأَمْرُ، وَبِيَدِهِ اَلْخَيْرُ كُلُّهُ، تَبَارَكَ اَللهُ رَبُّ اَلْعَالَمِينَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: (أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اَللهِ)، يَقُولُ: أُشْهِدُ اَللهَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَنَبِيُّهُ وَصَفِيُّهُ وَنَجِيُّهُ، أَرْسَلَهُ إِلَى كَافَّةِ اَلنَّاسِ أَجْمَعِينَ بِالْهُدَى وَدِينِ اَلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ اَلمُشْرِكُونَ، وَأُشْهِدُ مَنْ فِي اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضِ مِنَ اَلنَّبِيِّينَ وَاَلمُرْسَلِينَ وَاَلمَلَائِكَةِ وَاَلنَّاسِ أَجْمَعِينَ أَنَّ مُحَمَّداً سَيِّدُ اَلْأَوَّلِينَ وَاَلْآخِرِينَ. وَفِي اَلمَرَّةِ اَلثَّانِيَةِ: (أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اَللهِ)، يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا حَاجَةَ لِأَحَدٍ [إِلَى أَحَدٍ] إِلَّا إِلَى اَللهِ اَلْوَاحِدِ اَلْقَهَّارِ، اَلْغَنِيِّ عَنْ عِبَادِهِ وَاَلْخَلَائِقِ وَاَلنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَأَنَّهُ أَرْسَلَ مُحَمَّداً إِلَى اَلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اَللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً، فَمَنْ أَنْكَرَهُ وَجَحَدَهُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ أَدْخَلَهُ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا أَبَداً...»(321).
3 - عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، عن آبائه، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: «إِنَّ اَللهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: عِبَادِي، مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَيْكُمْ حَاجَةٌ فَسَأَلَكُمْ بِمَنْ تُحِبُّونَ أَجَبْتُمْ دُعَاءَهُ، أَلَا فَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ عِبَادِي إِلَيَّ وَأَكْرَمَهُمْ لَدَيَّ مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ حَبِيبَي وَوَلِيَّي، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَيَّ فَلْيَتَوَسَّلْ إِلَيَّ بِهِمَا، فَإِنِّي لَا أَرُدُّ سُؤَالَ سَائِلٍ يَسْأَلُنِي بِهِمَا وَبِالطَّيِّبِينَ مِنْ عِتْرَتِهِمَا، فَمَنْ سَأَلَنِي بِهِمْ فَإِنِّي لَا أَرُدُّ دُعَاءَهُ، وَكَيْفَ أَرُدُّ دُعَاءَ مَنْ سَأَلَنِي بِحَبِيبِي وَصَفْوَتِي وَوَلِيِّي وَحُجَّتِي وَرُوحِي وَنُورِي وَآيَتِي وَبَابِي وَرَحْمَتِي وَوَجْهِي وَنِعْمَتِي؟ أَلَا وَإِنِّي خَلَقْتُهُمْ مِنْ نُورِ عَظَمَتِي، وَجَعَلْتُهُمْ أَهْلَ كَرَامَتِي وَوَلَايَتِي، فَمَنْ سَأَلَنِي بِهِمْ عَارِفاً بِحَقِّهِمْ وَمَقَامِهِمْ أُوجِبَتْ لَهُ مِنِّي اَلْإِجَابَةُ، وَكَانَ ذَلِكَ حَقًّا عَلَيَّ»(322).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(321) معاني الأخبار (ص 39 و40/ باب معنى حروف الأذان والإقامة/ ح 1).
(322) وسائل الشيعة (ج 7/ ص 102/ ح 8850/10).

(١٧٥)

النقطة الرابعة: أقوال العلماء في حبِّ أهل البيت (عليهم السلام):
1 - قال الشيخ الطوسي (رحمه الله) في (التبيان): (والمحبَّة إرادة خاصَّة للشيء، فمن أحبَّ الجهاد فقد أراد فعله، ومن أحبَّ الله أراد شكره وعبادته، ومن أحبَّ النبيَّ أراد إجلاله وإعظامه)(323).
2 - قال صاحب (الإنصاف): (ألَا ترى الأعرابي الذي سأل عن الساعة فقال له النبيُّ (عليه الصلاة والسلام): «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟»، قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ عَمَلٍ، وَلَكِنَّ حُبَّ اَللهِ وَرَسُولِهِ، فَقَالَ (عليه الصلاة والسلام): «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ»، فهذا الحديث ناطق بأنَّ المفهوم من المحبَّة لله غير الأعمال والتزام الطاعات، لأنَّ الأعرابي نفاها وأثبت الحبَّ وأقرَّه (عليه الصلاة والسلام) على ذلك. ثمّ إذا ثبت إجراء محبَّة العبد لله تعالى على حقيقتها لغةً فالمحبَّة في اللغة إذا تأكَّدت سُمِّيت عشقاً، فمن تأكَّدت محبَّته لله تعالى وظهرت آثار تأكُّدها عليه من استيعاب الأوقات في ذكره وطاعته فلا يمنع أنْ تُسمَّى محبَّته عشقاً، إذ العشق ليس إلَّا المحبَّة البالغة...)(324).
النقطة الخامسة: المستفاد من الفقرة:
الشهادة أُسُّ الإسلام:
تتحدَّث هذه الفقرة المباركة من الزيارة الشريفة عن حقيقة عقائديَّة تُعتبَر أُسُّ الإسلام وأساسه، فمن لا ينطق بالشهادتين لا يُحكَم عليه بالإسلام وإنِ اعتقد بوحدانيَّة الله سبحانه وتعالى وأتى بجميع العبادات، وقد أُخِذَ في حقيقة الشهادة النطق بها لمن هو قادر عليها(325)، فلا يكفي في قبول إسلام الشخص أنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(323) تفسير التبيان (ج 5/ ص 196).
(324) الإنصاف فيما تضمَّنه الكشَّاف (ج 1/ ص 622).
(325) جواهر الكلام (ج 38/ ص 181)، التنقيح في شرح العروة الوثقى (ج 2/ ص 67).

(١٧٦)

يعرف الشهادتين، بل لا بدَّ أنْ ينطق بهما، فالأساس الأوَّل لبناء الإسلام في ذات الشخص أنْ ينطق بالشهادتين ليكون مسلماً، فيترتَّب عليه أثر الإسلام من قبول عمله، وجواز ترقِّيه في مراتب الإسلام، والسماح له بصعود سُلَّم الارتباط مع الله سبحانه وتعالى من خلال بوَّابة دين الإسلام، قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ﴾ (آل عمران: 19)، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ (آل عمران: 85).
سُلَّم الإيمان:
وأوَّل سُلَّم لا بدَّ أنْ يرتقيه الإنسان بعد نطقه بالشهادتين هو سُلَّم الإيمان، إذ إنَّه في بداية السُّلَّم يوجد مفترق طريقين، أحدهما يصعد بالإنسان إلى الإيمان، والآخر يحكم على الشخص بأحكام سُمِّيت فقهيًّا بالإسلام الظاهري، فعَصمت دم الإنسان وماله، ورتَّبت أحكاماً أُخرى عليه.
أمَّا الطريق الآخر الذي سلَّطت الزيارة المباركة الضوء عليه فقالت: «لَا حَبِيبَ إِلَّا هُوَ وَأَهْلُهُ».
فالزيارة تتحدَّث عن أنَّ المسلم بعد نطقه بالشهادتين أوَّلاً، وبعد جعله الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) شاهداً على هذا النطق والإقرار ثانياً، فرَّعت عليه شهادة ثالثة مجموعيَّة سيأتي الحديث عنها، وأرادت قبل تفريعها أنْ تذكر سبب هذا التفريع وهو حصر المحبوبيَّة الإلهيَّة بالشهادة الثانية والثالثة المجموعيَّة.
توقُّف الإقرار على الشاهد:
وفي هذه الفقرة توجد إشارة مهمَّة لا ينبغي إغفالها، وهي أنَّ هذا الإقرار متفرِّع عن إقرار بوجود شاهد عليه له صلاحيَّة الشهادة وتحمُّلها، فصار الإقرار بالشهادتين والثالثة المجموعيَّة أمامه لازماً، إذ لا يوجد من له الأهليَّة لحفظ هذه الشهادة ولتحمُّلها إلَّا الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، حيث قالت الزيارة ابتداءً: «أُشْهِدُكَ يَا

(١٧٧)

مَوْلَايَ أَنِّي أَشْهَدُ...»، وقد قال الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً﴾ (النحل: 89)، وقال تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هؤُلَاءِ شَهِيداً﴾ (النساء: 41).
فالفقرة المباركة تلمح إلى قضيَّة ضروريَّة ومهمَّة، وهي أنَّ الشاهد له مواصفات خاصَّة (وهي شروط الإمامة) تُؤهِّله لصلاحيَّة تحمُّل الشهادة.
وأنَّ الإنسان بلا هذه الشهادة خاسر خائب.
وأنَّ هذا الشاهد جزء من الشهادة.

* * *

(١٧٨)

الفقرة السادسة عشر: «وَأُشْهِدُكَ يَا مَوْلَايَ أَنَّ عَلِيًّا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ حُجَّتُهُ، وَالحَسَنَ حُجَّتُهُ، وَالحُسَيْنَ حُجَّتُهُ، وَعَلِيَّ بْنَ الحُسَيْنِ حُجَّتُهُ، وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ حُجَّتُهُ، وَجَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ حُجَّتُهُ، وَمُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ حُجَّتُهُ، وَعَلِيَّ بْنَ مُوسَى حُجَّتُهُ، وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ حُجَّتُهُ، وَعَلِيَّ ابْنَ مُحَمَّدٍ حُجَّتُهُ، وَالحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ حُجَّتُهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ حُجَّةُ الله»

ملاحظة:
تقدَّم في شرح الفقرة رقم (10) والفقرة رقم (19) بيان المعاني والآيات وكذلك جملة من الروايات المرتبطة ببيان (الحجَّة) و(الشهادة)، والآن نذكر جملة من الروايات الدالَّة على إمامة كلِّ إمام منهم (عليهم السلام) بشكلٍ خاصٍّ، والروايات في هذا الصدد عديدة، تصل حدَّ العلم والقطع بالمدَّعى، منها:
روى الشيخ الكليني (رحمه الله) في باب أنَّ الأئمَّة شهداء الله (عزَّ وجلَّ) على خلقه عدَّة روايات، الأُولى منها: عن سماعة، قال: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام) فِي قَوْلِ اَللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هؤُلَاءِ شَهِيداً﴾ [النساء: 41]، قَالَ: «نَزَلَتْ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خَاصَّةً، فِي كُلِّ قَرْنٍ مِنْهُمْ إِمَامٌ مِنَّا شَاهِدٌ عَلَيْهِمْ، وَمُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شَاهِدٌ عَلَيْنَا»(326).
النصُّ على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام):
عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لَـمَّا أَنْ قَضَى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(326) الكافي (ج 1/ ص 190/ باب في أنَّ الأئمَّة شهداء الله (عزَّ وجلَّ) على خلقه/ ح 1).

(١٧٩)

مُحَمَّدٌ نُبُوَّتَهُ وَاِسْتَكْمَلَ أَيَّامَهُ، أَوْحَى اَللهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنْ يَا مُحَمَّدُ قَدْ قَضَيْتَ نُبُوَّتَكَ وَاِسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ، فَاجْعَلِ اَلْعِلْمَ اَلَّذِي عِنْدَكَ وَاَلْإِيْمَانَ وَاَلْاِسْمَ اَلْأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ اَلْعِلْمِ وَآثَارَ عِلْمِ اَلنُّبُوَّةِ فِي أَهْلِ بَيْتِكَ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنِّي لَنْ أَقْطَعَ اَلْعِلْمَ وَاَلْإِيمَانَ وَاَلْاِسْمَ اَلْأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ اَلْعِلْمِ وَآثَارَ عِلْمِ اَلنُّبُوَّةِ مِنَ اَلْعَقِبِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ كَمَا لَمْ أَقْطَعْهَا مِنْ ذُرِّيَّاتِ اَلْأَنْبِيَاءِ»(327).
وعن سُلَيم بن قيس، قال: شَهِدْتُ وَصِيَّةَ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) حِينَ أَوْصَى إِلَى اِبْنِهِ اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، وَأَشْهَدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ اَلْحُسَيْنَ (عليه السلام) وَمُحَمَّداً وَجَمِيعَ وُلْدِهِ وَرُؤَسَاءَ شِيعَتِهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ، ثُمَّ دَفَعَ إِلَيْهِ اَلْكِتَابَ وَاَلسِّلَاحَ...(328).
النصُّ على إمامة الإمام الحسن (عليه السلام):
عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إِنَّ أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اَللهِ عَلَيْهِ) لَـمَّا حَضَرَهُ اَلَّذِي حَضَرَهُ قَالَ لاِبْنِهِ اَلْحَسَنِ: اُدْنُ مِنِّي حَتَّى أُسِرَّ إِلَيْكَ مَا أَسَرَّ رَسُولُ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِلَيَّ، وَأَئْتَمِنَكَ عَلَى مَا اِئْتَمَنَنِي عَلَيْهِ، فَفَعَلَ»(329).
النصُّ على إمامة الإمام الحسين (عليه السلام):
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لَـمَّا حَضَرَتِ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ (عليه السلام) اَلْوَفَاةُ قَالَ:... يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ (عليهما السلام) بَعْدَ وَفَاةِ نَفْسِي، وَمُفَارَقَةِ رُوحِي جِسْمِي، إِمَامٌ مِنْ بَعْدِي، وَعِنْدَ اَللهِ (جَلَّ اِسْمُهُ) فِي اَلْكِتَابِ، وِرَاثَةً مِنَ اَلنَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَضَافَهَا اَللهُ (عزَّ وجلَّ) لَهُ فِي وِرَاثَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَعَلِمَ اَللهُ أَنَّكُمْ خِيَرَةُ خَلْقِهِ، فَاصْطَفَى مِنْكُمْ مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَاِخْتَارَ مُحَمَّدٌ عَلِيًّا (عليه السلام)، وَاِخْتَارَنِي عَلِيٌّ (عليه السلام) بِالْإِمَامَةِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(327) الكافي (ج 1/ ص 292 و293/ باب الإشارة والنصِّ على أمير المؤمنين (عليه السلام)/ ح 2).
(328) الكافي (ج 1/ ص 297/ باب الإشارة والنصِّ على الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام)/ ح 1).
(329) الكافي (ج 1/ ص 298/ باب الإشارة والنصِّ على الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام)/ ح 2).

(١٨٠)

وَاِخْتَرْتُ أَنَا اَلْحُسَيْنَ (عليه السلام)؟ فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: أَنْتَ إِمَامٌ، وَأَنْتَ وَسِيلَتِي إِلَى مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَاَللهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ نَفْسِي ذَهَبَتْ قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَ مِنْكَ هَذَا اَلْكَلَامَ...»(330).
النصُّ على إمامة الإمام علي السجَّاد (عليه السلام):
عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «لَـمَّا حَضَرَ اَلْحُسَيْنَ (عليه السلام) مَا حَضَرَهُ دَفَعَ وَصِيَّتَهُ إِلَى اِبْنَتِهِ فَاطِمَةَ ظَاهِرَةً فِي كِتَابٍ مُدْرَجٍ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنْ أَمْرِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام) مَا كَانَ دَفَعَتْ ذَلِكَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام)»، قُلْتُ لَهُ: فَمَا فِيهِ يَرْحَمُكَ اَللهُ؟ فَقَالَ: «مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وُلْدُ آدَمَ مُنْذُ كَانَتِ اَلدُّنْيَا إِلَى أَنْ تَفْنَى»(331).
النصُّ على إمامة الإمام محمَّد الباقر (عليه السلام):
عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «لَـمَّا حَضَرَ عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام) اَلْوَفَاةُ، قَبْلَ ذَلِكَ أَخْرَجَ سَفَطاً أَوْ صُنْدُوقاً عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اِحْمِلْ هَذَا اَلصُّنْدُوقَ»، قَالَ: «فَحَمَلَ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ جَاءَ إِخْوَتُهُ يَدَّعُونَ [مَا] فِي اَلصُّنْدُوقِ، فَقَالُوا: أَعْطِنَا نَصِيبَنَا فِي اَلصُّنْدُوقِ، فَقَالَ: وَاَللهِ مَا لَكُمْ فِيهِ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ لَكُمْ فِيهِ شَيْءٌ مَا دَفَعَهُ إِلَيَّ، وَكَانَ فِي اَلصُّنْدُوقِ سِلَاحُ رَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَكُتُبُهُ»(332).
وفي الحديث الذي بعده جاء: «... أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، وَلَكِنْ كَانَ مَمْلُوءاً عِلْماً»(333).
النصُّ على إمامة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام):
عن أبي الصباح الكناني، قال: نَظَرَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) إِلَى أَبِي عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(330) الكافي (ج 1/ ص 300 و301/ باب الإشارة والنصِّ على الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام)/ ح 2).
(331) الكافي (ج 1/ ص 304/ باب الإشارة والنصِّ على عليِّ بن الحسين (عليهما السلام)/ ح 2).
(332) الكافي (ج 1/ ص 305/ باب الإشارة والنصِّ على أبي جعفر (عليه السلام)/ ح 1).
(333) الكافي (ج 1/ ص 305/ باب الإشارة والنصِّ على أبي جعفر (عليه السلام)/ ح 2).

(١٨١)

يَمْشِي، فَقَالَ: «تَرَى هَذَا؟ هَذَا مِنَ اَلَّذِينَ قَالَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ [القَصص: 5]»(334).
النصُّ على إمامة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام):
عن الفيض بن المختار، قال: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام): خُذْ بِيَدِي مِنَ اَلنَّارِ، مَنْ لَنَا بَعْدَكَ؟ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ -، فَقَالَ: «هَذَا صَاحِبُكُمْ، فَتَمَسَّكْ بِهِ»(335).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث جاء فيه: «... إِنَّ مُوسَى قَدْ لَبِسَ اَلدِّرْعَ وَسَاوَى عَلَيْهِ»، فَقُلْتُ لَهُ: لَا أَحْتَاجُ بَعْدَ هَذَا إِلَى شَيْءٍ(336).
النصُّ على إمامة الإمام علي الرضا (عليه السلام):
عن الحسين بن نعيم الصحَّاف، قال: كُنْتُ أَنَا وَهِشَامُ بْنُ اَلْحَكَمِ وَعَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ بِبَغْدَادَ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ: كُنْتُ عِنْدَ اَلْعَبْدِ اَلصَّالِحِ جَالِساً فَدَخَلَ عَلَيْهِ اِبْنُهُ عَلِيٌّ، فَقَالَ لِي: «يَا عَلِيَّ بْنَ يَقْطِينٍ، هَذَا عَلِيٌّ سَيِّدُ وُلْدِي، أَمَا إِنِّي قَدْ نَحَلْتُهُ كُنْيَتِي»، فَضَرَبَ هِشَامُ بْنُ اَلْحَكَمِ بِرَاحَتِهِ جَبْهَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ كَيْفَ قُلْتَ؟ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ: سَمِعْتُ وَاَللهِ مِنْهُ كَمَا قُلْتُ، فَقَالَ هِشَامٌ: أَخْبَرَكَ أَنَّ اَلْأَمْرَ فِيهِ مِنْ بَعْدِهِ(337).
وعن محمّد بن الفضيل، قال: حَدَّثَنِي اَلمَخْزُومِيُّ - وَكَانَتْ أُمُّهُ مِنْ وُلْدِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) -، قَالَ: بَعَثَ إِلَيْنَا أَبُو اَلْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام)، فَجَمَعَنَا ثُمَّ قَالَ لَنَا: «أَتَدْرُونَ لِـمَ دَعَوْتُكُمْ؟»، فَقُلْنَا: لَا، فَقَالَ: اِشْهَدُوا أَنَّ اِبْنِي هَذَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(334) الكافي (ج 1/ ص 306/ باب الإشارة والنصِّ على أبي عبد الله (عليه السلام)/ ح 1).
(335) الكافي (ج 1/ ص 307/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن موسى (عليه السلام)/ ح 1).
(336) الكافي (ج 1/ ص 308/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن موسى (عليه السلام)/ ح 3).
(337) الكافي (ج 1/ ص 311/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/ ح 1).

(١٨٢)

وَصِيِّي، وَاَلْقَيِّمُ بِأَمْرِي، وَخَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي، مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدِي دَيْنٌ فَلْيَأْخُذْهُ مِنِ اِبْنِي هَذَا، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدِي عِدَةٌ فَلْيُنْجِزْهَا مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ لِقَائِي فَلَا يَلْقَنِي إِلَّا بِكِتَابِهِ»(338).
النصُّ على إمامة الإمام محمَّد الجواد (عليه السلام):
عن معمر بن خلَّاد، قال: سَمِعْتُ اَلرِّضَا (عليه السلام) وَذَكَرَ شَيْئاً فَقَالَ: «مَا حَاجَتُكُمْ إِلَى ذَلِكَ؟ هَذَا أَبُو جَعْفَرٍ قَدْ أَجْلَسْتُهُ مَجْلِسِي، وَصَيَّرْتُهُ مَكَانِي»، وَقَالَ: «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ يَتَوَارَثُ أَصَاغِرُنَا عَنْ أَكَابِرِنَا اَلْقُذَّةَ بِالْقُذَّةِ»(339).
النصُّ على إمامة الإمام علي الهادي (عليه السلام):
عن إسماعيل بن مهران، قال: لَـمَّا خَرَجَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) مِنَ اَلمَدِينَةِ إِلَى بَغْدَادَ فِي اَلدَّفْعَةِ اَلْأُولَى مِنْ خَرْجَتَيْهِ، قُلْتُ لَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ فِي هَذَا اَلْوَجْهِ، فَإِلَى مَنِ اَلْأَمْرُ بَعْدَكَ؟ فَكَرَّ بِوَجْهِهِ إِلَيَّ ضَاحِكاً وَقَالَ: لَيْسَ اَلْغَيْبَةُ حَيْثُ ظَنَنْتَ فِي هَذِهِ اَلسَّنَةِ، فَلَمَّا أُخْرِجَ بِهِ اَلثَّانِيَةَ إِلَى اَلمُعْتَصِمِ صِرْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَنْتَ خَارِجٌ فَإِلَى مَنْ هَذَا اَلْأَمْرُ مِنْ بَعْدِكَ؟ فَبَكَى حَتَّى اِخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ، ثُمَّ اِلْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: «عِنْدَ هَذِهِ يُخَافُ عَلَيَّ، اَلْأَمْرُ مِنْ بَعْدِي إِلَى اِبْنِي عَلِيٍّ»(340).
النصُّ على إمامة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام):
عن يحيى بن يسار القنبري، قال: أَوْصَى أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام) إِلَى اِبْنِهِ اَلْحَسَنِ قَبْلَ مُضِيِّهِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَأَشْهَدَنِي عَلَى ذَلِكَ وَجَمَاعَةً مِنَ اَلمَوَالِي(341).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(338) الكافي (ج 1/ ص 312/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/ ح 7).
(339) الكافي (ج 1/ ص 320/ باب الإشارة والنصِّ على أبي جعفر الثاني (عليه السلام)/ ح 2).
(340) الكافي (ج 1/ ص 323/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن الثالث (عليه السلام)/ ح 1).
(341) الكافي (ج 1/ ص 325/ باب الإشارة والنصِّ على أبي محمّد (عليه السلام)/ ح 1).

(١٨٣)

وعن داود بن القاسم، قال: سَمِعْتُ أَبَا اَلْحَسَنِ (عليه السلام) يَقُولُ: «اَلْخَلَفُ مِنْ بَعْدِيَ اَلْحَسَنُ، فَكَيْفَ لَكُمْ بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِ اَلْخَلَفِ؟»، فَقُلْتُ: وَلِـمَ جَعَلَنِيَ اَللهُ فِدَاكَ؟ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ شَخْصَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ»، فَقُلْتُ: فَكَيْفَ نَذْكُرُهُ؟ فَقَالَ: «قُولُوا: اَلْحُجَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)»(342).
النصُّ على إمامة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه):
عن محمّد بن عليِّ بن بلال، قال: خَرَجَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ قَبْلَ مُضِيِّهِ بِسَنَتَيْنِ يُخْبِرُنِي بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ مِنْ قَبْلِ مُضِيِّهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يُخْبِرُنِي بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ(343).
وعن عمرو الأهوازي، قال: أَرَانِي أَبُو مُحَمَّدٍ اِبْنَهُ وَقَالَ: «هَذَا صَاحِبُكُمْ مِنْ بَعْدِي»(344).
المستفاد من الفقرة:
تحدَّثنا في الشرح السابق أنَّ هذه الشهادة الثالثة المجموعيَّة التي كانت متفرِّعة على الشهادة الثانية، والتي بدورها متفرِّعة على الشهادة الأُولى كترتيب طولي سببي، لما قلناه: إنَّ المحبوبيَّة الإلهيَّة انحصرت فيهم، فتفرَّعت الشهادة لهم (عليهم السلام) عليها، وقد قلنا: إنَّ هذه الشهادة لا تتمُّ إلَّا بوجود شاهد وهو الإمام (عليه السلام).
ثمّ جاءت الفقرة التي نحن بصدد الحديث عنها لتتحدَّث عنها بشكل تفصيلي وتذكر لنا مصاديقها، وفي الفقرة لطائف كثيرة للمتأمِّل فيها:
1 - أنَّه ذكر الشهادة لكلِّ إمام، وأعقبها بحجَّته، مع أنَّه كان يمكن أنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(342) الكافي (ج 1/ ص 328/ باب الإشارة والنصِّ على أبي محمّد (عليه السلام)/ ح 13).
(343) الكافي (ج 1/ ص 328/ باب الإشارة والنصِّ على صاحب الدار (عليه السلام)/ ح 1).
(344) الكافي (ج 1/ ص 328/ باب الإشارة والنصِّ على صاحب الدار (عليه السلام)/ ح 3).

(١٨٤)

يذكر الأئمَّة (عليهم السلام) بأسمائهم ويعقبها بحُجَجه، وهذا الذكر إفراداً لهم وتعقيباً للإقرار بحجّيَّتهم فرداً فراداً، فضلاً عن استبطانه التشريف لهم يتضمَّن ضرورة الإقرار لكلِّ واحد منهم بكونه حجَّة الله تعالى على الخلق، ولا يكفي الإقرار للمجموع بما هو مجموع دون الإقرار للأفراد.
2 - أنَّ هذا الإقرار لهم وجعل الإمام شاهداً وضامناً له يوم القيامة يجعل المؤمن أمام أئمَّته (عليهم السلام) عندما يلقاهم في البرزخ أو الرجعة أو القيامة غير محرج أو مؤاخَذ على عدم معرفتهم تفصيلاً بأكثر من ذلك، فهذه الزيارة تضمن لهذا الإنسان التخلُّص من هذا الموقف بهكذا إقرار.
3 - أنَّ الإقرار بهذه الصيغة هو لازم على الجميع وبلا استثناء، فحتَّى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يُستَثْنَ من الإقرار بولاية أهل البيت (عليهم السلام) على الخلق من بعده، لأنَّها من أصل الدِّين، فكما أنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يُستَثْنَ من الشهادة لنفسه بالرسالة، فهو (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كذلك لم يُستَثْنَ من الشهادة لهم وبإمامتهم.
نعم، هم ليسوا أئمَّة عليه - كما هو واضح جدًّا ولا ينبغي توهُّمه -، بمعنى أنَّ لهم سلطة أعلى من سلطته وصلاحيَّات أعلى من صلاحيَّاته أو شأناً عند الله تعالى أعلى من شأنه، لأنَّ الأدلَّة قامت على أنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أفضل الخلق طرًّا دون تردُّد، إنَّما هذا الإقرار هو كحال سائر العبادات الأُخرى التي يأمر بها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الناس، وأنَّه أوَّل من يلتزم بها، لأنَّها جزء من الدِّين، فهو يُصلِّي ويصوم ويحجُّ ويُخمِّس ويُزكِّي ويلتزم بسائر العبادات الأُخرى، رغم أنَّه تدخل في تشريع الكثير منها، ونقلها جميعاً.

* * *

(١٨٥)

الفقرة السابعة عشر: «أَنْتُمْ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: (الأوَّل والآخر) في اللغة:
استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
1 - الأوَّل: نقيض الآخر، وأصله أوأل على أفعل(345)، وهو المتقدِّم(346).
2 - الآخر: نقيض المتقدِّم، وهو أصل واحد إليه ترجع فروعه(347).
النقطة الثانية: (الأوَّل والآخر) في القرآن الكريم:
ورد ذكر المفردات في العديد من الآيات القرآنيَّة، منها:
1 - قوله تعالى: ﴿أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ * قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ (الواقعة: 48 - 50).
2 - قوله تعالى: ﴿وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾ (الصافّات: 129 و130).
3 - قوله تعالى: ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾ (الشعراء: 83 و84).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(345) الصحاح للجوهري (ج 5/ ص 1838).
(346) لسان العرب (ج 11/ ص 717).
(347) معجم مقاييس اللغة (ج 1/ ص 70).

(١٨٧)

النقطة الثالثة: (الأوَّل والآخر) في الروايات الشريفة:
ورد ذكر المفردات في العديد من الروايات، منها:
1 - رُوِيَ أَنَّ أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) كَانَ قَاعِداً فِي اَلمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ، فَقَالُوا لَهُ: حَدِّثْنَا يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ لَهُمْ: «وَيْحَكُمْ إِنَّ كَلَامِي صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ، لَا يَعْقِلُهُ إِلَّا اَلْعَالِمُونَ»، قَالُوا: لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تُحَدِّثَنَا، قَالَ: «قُومُوا بِنَا»، فَدَخَلَ اَلدَّارَ، فَقَالَ: «أَنَا اَلَّذِي عَلَوْتُ فَقَهَرْتُ، أَنَا اَلَّذِي أُحْيِي وَأُمِيتُ، أَنَا اَلْأَوَّلُ وَاَلْآخِرُ، وَاَلظَّاهِرُ وَاَلْبَاطِنُ»، فَغَضِبُوا وَقَالُوا: كَفَرَ، وَقَامُوا، فَقَالَ عَلِيٌّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ) لِلْبَابِ: «يَا بَابُ اِسْتَمْسِكْ عَلَيْهِمْ»، فَاسْتَمْسَكَ عَلَيْهِمُ اَلْبَابُ، فَقَالَ: «أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنَّ كَلَامِي صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ لَا يَعْقِلُهُ إِلَّا اَلْعَالِمُونَ؟ تَعَالَوْا أُفَسِّرْ لَكُمْ، أَمَّا قَوْلِي: أَنَا اَلَّذِي عَلَوْتُ فَقَهَرْتُ، فَأَنَا اَلَّذِي عَلَوْتُكُمْ بِهَذَا اَلسَّيْفِ فَقَهَرْتُكُمْ حَتَّى آمَنْتُمْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ. وَأَمَّا قَوْلِي: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ، فَأَنَا أُحْيِي اَلسُّنَّةَ وَأُمِيتُ اَلْبِدْعَةَ. وَأَمَّا قَوْلِي: أَنَا اَلْأَوَّلُ، فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَأَسْلَمَ. وَأَمَّا قَوْلِي: أَنَا اَلْآخِرُ، فَأَنَا آخِرُ مَنْ سَجَّى عَلَى اَلنَّبِيِّ ثَوْبَهُ وَدَفَنَهُ. وَأَمَّا قَوْلِي: أَنَا اَلظَّاهِرُ وَاَلْبَاطِنُ، فَأَنَا عِنْدِي عِلْمُ اَلظَّاهِرِ وَاَلْبَاطِنِ»، قَالُوا: فَرَّجْتَ عَنَّا فَرَّجَ اَللهُ عَنْكَ(348).
2 - عن سلمان (رضي الله عنه)، قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) صَلَاةَ اَلصُّبْحِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: «أَيْنَ اِبْنُ عَمِّي عَلِيٌّ اَلَّذِي يَقْضِي دَيْنِي، وَيُنْجِزُ عِدَتِي؟»، فَأَجَابَهُ بِالتَّلْبِيَةِ: «لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اَللهِ»، فَقَالَ: «يَا عَلِيُّ، تُرِيدُ أَنْ أُعَرِّفَكَ فَضْلَكَ عِنْدَ اَللهِ (عزَّ وجلَّ)؟»، قَالَ: «نَعَمْ، يَا حَبِيبِي»، قَالَ: «يَا عَلِيُّ، اُخْرُجْ إِلَى صَحْنِ اَلمَسْجِدِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(348) الاختصاص (ص 163).

(١٨٨)

فَإِذَا طَلَعَتِ اَلشَّمْسُ فَكَلِّمْهَا حَتَّى تُكَلِّمَكَ»، فَقَالَ سَلْمَانُ: فَطَلَعَ إِلَى صَحْنِ اَلمَسْجِدِ، فَلَمَّا طَلَعَتِ اَلشَّمْسُ قَالَ: «اَلسَّلَامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا اَلشَّمْسُ»، فَقَالَتْ: اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَوَّلُ، يَا آخِرُ، يَا ظَاهِرُ، يَا بَاطِنُ، يَا مَنْ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. قَالَ: فَضَجَّتِ اَلصَّحَابَةُ، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اَللهِ، بِالْأَمْسِ تَقُولُ لَنَا: إِنَّ اَلْأَوَّلَ وَاَلْآخِرَ صِفَاتُ اَللهِ تَعَالَى! قَالَ: «نَعَمْ، ذَلِكَ صِفَاتُ اَللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَيُمِيتُ وَيُحْيِي وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ اَلْخَيْرُ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، قَالُوا: فَمَا بَالُنَا نَسْمَعُ اَلشَّمْسَ تَقُولُ لِعَلِيٍّ هَذَا؟ صَارَ عَلِيٌّ رَبًّا يُعْبَدُ؟
فَقَالَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أَسْتَغْفِرُ اَللهَ وَاُسْكُتُوا، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ اَلْعَلِيِّ اَلْعَظِيمِ، اُسْكُتُوا فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ مَقَاماً»، قَالَ: «اِسْتَغْفِرُوا اَللهَ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، فَأَمَّا قَوْلُهَا: يَا أَوَّلُ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِي وَصَدَّقَنِي.
وَأَمَّا قَوْلُهَا: يَا آخِرُ، هُوَ آخِرُ مَنْ يُوَارِينِي وَيَلْحَدُنِي.
وَأَمَّا قَوْلُهَا: يَا ظَاهِرُ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ دِينَ اَللهِ بِالسَّيْفِ.
وَأَمَّا قَوْلُهَا: يَا بَاطِنُ، فَهُوَ وَاَللهِ بَاطِنِي أَبْطَنْتُهُ عِلْمِي.
وَأَمَّا قَوْلُهَا: يَا مَنْ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، فَوَعِزَّةِ رَبِّي مَا عَلَّمَنِي رَبِّي شَيْئاً إِلَّا عَلَّمْتُهُ عَلِيًّا، فَإِنَّهُ بِطُرُقِ اَلسَّمَاءِ أَعْرَفُ بِهَا مِنْ طُرُقِ اَلْأَرْضِ»(349).
إنْ قلت: كيف يستقيم ما ورد في هذه الروايات مع قوله تعالى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (الحديد: 3) حيث أثبتت أنَّ الله تعالى هو الأوَّل والآخر؟
قلت: نُفرِّق بين الأوَّليَّة والآخريَّة المطلقة وبالأصالة وهي لله تعالى وحده، وبين الأوَّليَّة والآخريَّة النسبيَّة وهي المعطاة منه تعالى إلى أحبّ خلقه محمّد وآله.
قال العلَّامة الطباطبائي (رحمه الله): (قوله تعالى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ لـمَّا كان تعالى قديراً على كلِّ شيء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(349) الروضة في الفضائل لابن شاذان (ص 200 - 202/ ح 170).

(١٨٩)

مفروض، كان محيطاً بقدرته على كلِّ شيء من كلِّ جهة، فكلُّ ما فُرِضَ أوَّلاً فهو قبله، فهو الأوَّل دون الشيء المفروض أوَّلاً، وكلُّ ما فُرِضَ آخراً فهو بعده لإحاطة قدرته به من كلِّ جهة، فهو الآخر دون الشيء المفروض آخراً، وكلُّ شيء فُرِضَ ظاهراً فهو أظهر منه لإحاطة قدرته به من فوقه، فهو الظاهر دون المفروض ظاهراً، وكلُّ شيء فُرِضَ أنَّه باطن فهو تعالى أبطن منه لإحاطته به من ورائه، فهو الباطن دون المفروض باطناً، فهو تعالى الأوَّل والآخر والظاهر والباطن على الإطلاق، وما في غيره تعالى من هذه الصفات فهي إضافيَّة نسبيَّة)(350).
طريقة نزول الأمر على الأئمَّة (عليهم السلام):
ويظهر الأمر جليًّا في كونهم مفوَّضاً إليهم (عليهم السلام) بمقتضى كونهم الأوَّل والآخر، وأنَّهم وسائط الفيض، إذا تدبَّرنا في الرواية التالية:
عن أبي عبد الله الحسين بن عليِّ بن سفيان البزوفري (رحمه الله)، قال: حدَّثني الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه)، قال: اِخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اَلتَّفْوِيضِ وَغَيْرِهِ، فَمَضَيْتُ إِلَى أَبِي طَاهِرِ بْنِ بِلَالٍ فِي أَيَّامِ اِسْتِقَامَتِهِ فَعَرَّفْتُهُ اَلْخِلَافَ، فَقَالَ: أَخِّرْنِي، فَأَخَّرْتُهُ أَيَّاماً، فَعُدْتُ إِلَيْهِ، فَأَخْرَجَ إِلَيَّ حَدِيثاً بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام)، قَالَ: «إِذَا أَرَادَ اَللهُ أَمْراً عَرَضَهُ عَلَى رَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثُمَّ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وَسَائِرِ اَلْأَئِمَّةِ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام)، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى اَلدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اَلمَلاَئِكَةُ أَنْ يَرْفَعُوا إِلَى اَللهِ (عزَّ وجلَّ) عَمَلاً عُرِضَ عَلَى صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام)، ثُمَّ يَخْرُجُ عَلَى وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ إِلَى أَنْ يُعْرَضَ عَلَى رَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثُمَّ يُعْرَضُ عَلَى اَللهِ (عزَّ وجلَّ)، فَمَا نَزَلَ مِنَ اَللهِ فَعَلَى أَيْدِيهِمْ، وَمَا عُرِجَ إِلَى اَللهِ فَعَلَى أَيْدِيهِمْ، وَمَا اِسْتَغْنَوْا عَنِ اَللهِ (عزَّ وجلَّ) طَرْفَةَ عَيْنٍ»(351).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(350) تفسير الميزان (ج 19/ ص 145).
(351) الغيبة للطوسي (ص 387/ ح 351).

(١٩٠)

فوائد ومتممِّات:
وتتميماً لهذا البحث المهمِّ نذكر ما قاله صاحب (مكيال المكارم) لما له من أهمّيَّة، قال (رحمه الله):
(في نبذة من حقوقه علينا ومراحمه إلينا وهي كثيرة...
فمنها حقُّ الوجود، فإنَّه السبب في وجودك وكلِّ موجود، ولولاه ما خُلِقْتَ أنت ولا غيرك، بل لولاه ما خُلِقَت أرض ولا فلك، لولاه لم يقترن بالأوَّل الثاني.
ويدلُّ على ذلك قوله في التوقيع الشريف المروي في (الاحتجاج): «وَنَحْنُ صَنَائِعُ رَبِّنَا، وَاَلْخَلْقُ بَعْدُ صَنَائِعُنَا...» إلخ(352)، ومعنى هذا الكلام يجري على وجهين:
أحدهما: ما ذكر (صلوات الله عليه) في توقيع آخر.
روى في (الاحتجاج) أَنَّهُ اَخْتَلَفَ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلشِّيعَةِ فِي أَنَّ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) فَوَّضَ إِلَى اَلْأَئِمَّةِ أَنْ يَخْلُقُوا وَيَرْزُقُوا، فَقَالَ قَوْمٌ: هَذَا مُحَالٌ لَا يَجُوزُ عَلَى اَللهِ، لِأَنَّ اَلْأَجْسَامَ لَا يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِهَا غَيْرُ اَللهِ (عزَّ وجلَّ)، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) أَقْدَرَ اَلْأَئِمَّةَ عَلَى ذَلِكَ وَفَوَّضَ إِلَيْهِمْ، فَخَلَقُوا وَرَزَقُوا. وَتَنَازَعُوا فِي ذَلِكَ نِزَاعاً شَدِيداً، فَقَالَ قَائِلٌ: مَا بَالُكُمْ لَا تَرْجِعُونَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ فَتَسْأَلُونَهُ عَنْ ذَلِكَ؟ لِيُوضِحَ لَكُمُ اَلْحَقَّ فِيهِ، فَإِنَّهُ اَلطَّرِيقُ إِلَى صَاحِبِ اَلْأَمْرِ. فَرَضِيَتِ اَلْجَمَاعَةُ بِأَبِي جَعْفَرٍ، وَسَلَّمَتْ وَأَجَابَتْ إِلَى قَوْلِهِ، فَكَتَبُوا اَلمَسْأَلَةَ، وَأَنْفَذُوهَا إِلَيْهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ جِهَتِهِ تَوْقِيعٌ نُسْخَتُهُ: «إِنَّ اَللهَ تَعَالَى هُوَ اَلَّذِي خَلَقَ اَلْأَجْسَامَ، وَقَسَّمَ اَلْأَرْزَاقَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ، وَلَا حَالٌّ فِي جِسْمٍ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْبَصِيرُ، وَأَمَّا اَلْأَئِمَّةُ (عليهم السلام) فَإِنَّهُمْ يَسْأَلُونَ اَللهَ تَعَالَى فَيَخْلُقُ، وَيَسْأَلُونَهُ فَيَرْزُقُ، إِيجَاباً لِمَسْأَلَتِهِمْ»(353) انتهى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(352) الاحتجاج (ج 2/ ص 278).
(353) الاحتجاج (ج 2/ ص 284 و285).

(١٩١)

وحاصل هذا الوجه أنَّه وآبائه (عليهم السلام) هم الوسائط في إيصال الفيوضات الإلهيَّة إلى سائر المخلوقات، وإليه أُشير في دعاء الندبة: «أَيْنَ اَلسَّبَبُ اَلمُتَّصِلُ بَيْنَ أَهْلِ اَلْأَرْضِ وَاَلسَّمَاءِ»(354)، ونسبة الفعل إلى السبب والواسطة كثيرة جدًّا في العرف واللغة.
والوجه الثاني: أنَّه المقصود الأصلي والغرض الحقيقي من خلق جميع ما أنشأه الباري تعالى شأنه، وكذا آباؤه الطاهرون (عليهم السلام)، فهم العلَّة الغائيَّة وخُلِقَ ما سواهم لأجلهم.
ويُؤيِّد ذلك ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه قال: «نَحْنُ صَنَائِعُ رَبِّنَا، وَاَلْخَلْقُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا»(355)، والأحاديث الدالَّة عليه متظافرة)(356).
وفي نسخة كتاب (من لا يحضره الفقيه) للشيخ الجليل الأقدم الصدوق (رحمه الله) في الجزء الرابع، بعد إتمام الكتاب أُضيف بيان لبعض الاصطلاحات، جاء فيها بيان معنى المفوِّضة، وأنَّ هذا البيان مستفاد من كلمات العلَّامة المجلسي والوحيد البهبهاني (رحمهما الله)، ومن المعاني التي ذُكِرَت:
حقيقة التفويض:
تفويض: تقسيم الأرزاق، ولعلَّه ممَّا يُطلَق عليه، وفي (العيون) عن الرضا (عليه السلام)، قال: «مَنْ قَالَ: إِنَّ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) فَوَّضَ أَمْرَ اَلْخَلْقِ وَاَلرِّزْقِ إِلَى حُجَجِهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ»(357)، فهم إنْ أرادوا أنَّ الله تعالى هو الفاعل وحده لا شريك له ولكن مقارناً لإرادتهم ودعائهم وسؤالهم من الله ذلك، وذلك لكرامتهم عند الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(354) المزار لابن المشهدي (ص 579) بتفاوت يسير.
(355) نهج البلاغة (ص 386/ ح 28) بتفاوت.
(356) مكيال المكارم (ج 1/ ص 37 و38).
(357) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 114/ ح 17).

(١٩٢)

وزيادة قربهم منه وإظهار فضلهم ورفعة مقامهم بين عباده لكي يُصدِّقوهم وينقادوا لهم ويهتدوا بهداهم ويقتدوا بهم، فهذا ليس بشرك.
التفويض في أمر الدِّين وغيره:
التفويض في أمر الدِّين، فإنْ أُريد أنَّه تعالى فوَّض إليهم (عليهم السلام) أنْ يحلُّوا ما شاؤوا ويُحرِّموا ما شاؤوا بآرائهم من غير وحى - على ما توهمه بعض الأخبار - فهو ضروري البطلان، خارج عن الشريعة، كما قال: ﴿مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الأحقاف: 9]، وقال تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 3 و4]. وإنْ أُريد بذلك أنَّه لـمَّا أكمل نبيَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بحيث لا يختار إلَّا ما يوافق الحقَّ ولا يخالف مشيئته فوَّض إليه تعيين بعض الأُمور كزيادة بعض الركعات، وتعيين النوافل من الصلاة والصيام وطعمة الجدِّ ونحو ذلك إظهاراً لشرفه وكرامته، ثمّ لـمَّا اختار أكَّد ذلك الوحي من عنده. فلا فساد فيه عقلاً ولا نقلاً، بل في كثير من الأخبار ما يدلُّ عليه حتَّى عقد له الكليني في (الكافي) باباً عنوانه (باب التفويض إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإلى الأئمَّة (عليهم السلام) في أمر الدِّين)، وهذا لا اختصاص فيه بالنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بل يجرى في الأئمَّة (عليهم السلام) أيضاً.
التفويض في الإعطاء والمنع، فإنَّ الله تعالى خلق لهم الأرض وما فيها، وجعل لهم الأنفال والخُمُس والصفايا، فلهم أنْ يعطوا ما شاؤوا ويمنعوا ما شاؤوا، وهذا كسابقه لا كلام فيه وفي صحَّته(358).
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة:
بعد أنْ بيَّنت الفقرة السابقة أنَّ الإقرار لحُجَج الله تعالى من الواجبات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(358) من لا يحضره الفقيه (ج 4/ ص 546 و547).

(١٩٣)

على الخلق، فرَّعت عليه الإقرار ببعض الحقائق التي يتمتَّع بها أهل البيت (عليهم السلام):
الأُولى: أنَّ هؤلاء المحبوبين والشهداء (عليهم السلام) هم بداية الوجود وآخره، فيقتضي أنْ يكون كلُّ ما بين البداية والآخرة مرتبطاً بهم ومتفرِّعاً عليهم.
الثانية: أنَّهم عناصر الفيض الإلهي.
الثالثة: أنَّ آخر الوجود يُختَم بهم، وعلى حدِّ تعبير بعض الروايات والزيارات: «وَإِيَابُ اَلْخَلْقِ إِلَيْكُمْ، وَحِسَابُهُمْ عَلَيْكُمْ»(359).
وفي هذه الفقرة كنوز معرفيَّة كثيرة قد تحدَّثت عنها الكثير من الروايات نقلها العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في (بحاره)(360)، كشؤون خلقهم وطينتهم، وكونهم فيض الوجود، وغيرها من البحوث المهمَّة التي يُفهَم منها أهمّيَّة أهل البيت (عليهم السلام) ومكانتهم والواجبات التي تجب علينا تجاههم.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(359) من لا يحضره الفقيه (ج 2/ ص 612/ ح 3213).
(360) بحار الأنوار (ج 5/ ص 225 - 276/ باب 10).

(١٩٤)

الفقرة الثامنة عشر: «وَأَنَّ رَجْعَتَكُمْ حَقُّ لَا رَيْبَ فِيهَا يَوْمَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: (الرجعة) في اللغة:
استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
1 - رجع: رجع بنفسه رجوعاً، ورجعه غيره رجعاً، وفلان يؤمن بالرجعة، أي بالرجوع إلى الدنيا بعد الموت(361).
2 - حقٌّ: وجب وجوباً: والحقُّ نقيض الباطل(362).
3 - ريب: الشكُّ، وهو ما راب من أمر تخوَّفت عاقبته(363).
4 - نفع: ضدُّ الضرِّ(364).
5 - نفس: نفس الإنسان، التنفُّس(365)، الروح، الجسد(366).
6 - آمن ويؤمن: الإيمان ضدُّ الكفر، وهو بمعنى التصديق(367).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(361) الصحاح للجوهري (ج 3/ ص 1216).
(362) العين للفراهيدي (ج 3/ ص 6).
(363) العين للفراهيدي (ج 8/ ص 287).
(364) الصحاح للجوهري (ج 3/ ص 1292).
(365) ترتيب إصلاح المنطق (ص 385).
(366) الصحاح للجوهري (ج 3/ ص 984).
(367) لسان العرب (ج 13/ ص 21).

(١٩٥)

7 - كسب: طلب الرزق أو المال(368)، وأصله ابتغاء وطلب وإصابة(369).
8 - الخير: العطف والميل، فالخير خلاف الشرِّ(370).
النقطة الثانية: (الرجعة) في القرآن الكريم:
ورد ذكر المفردات في العديد من الآيات القرآنيَّة، منها:
1 - قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ (الطارق: 8).
2 - قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ (النمل: 83).
3 - قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾ (الأنعام: 158).
النقطة الثالثة: (الرجعة) في الروايات الشريفة:
ورد ذكر المفردات في العديد من الروايات، منها:
1 - قال أبو عبد الله (عليه السلام) في تفسير الآية المتقدِّمة: «... ذَلِكَ وَاَللهِ فِي اَلرَّجْعَةِ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ أَنْبِيَاءَ كَثِيرَةً لَمْ يُنْصَرُوا فِي اَلدُّنْيَا وَقُتِلُوا، وَاَلْأَئِمَّةَ بَعْدَهُمْ قُتِلُوا وَلَمْ يُنْصَرُوا...»(371).
2 - عن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث طويل عن رجعة جميع الأنبياء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(368) العين للفراهيدي (ج 5/ ص 315).
(369) معجم مقاييس اللغة (ج 5/ ص 179).
(370) معجم مقاييس اللغة (ج 2/ ص 232).
(371) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 259).

(١٩٦)

ونصرتهم للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «... وَلَيَبْعَثَنَّهُمُ اَللهُ أَحْيَاءً مِنْ آدَمَ إِلَى مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كُلِّ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، يَضْرِبُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالسَّيْفِ هَامَ اَلْأَمْوَاتِ وَاَلْأَحْيَاءِ وَاَلثَّقَلَيْنِ جَمِيعاً. فَيَا عَجَبَاهْ، وَكَيْفَ لَا؟ أَمْوَاتٌ يَبْعَثُهُمُ اَللهُ أَحْيَاءً يُلَبُّونَ زُمْرَةً زُمْرَةً بِالتَّلْبِيَةِ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ يَا دَاعِيَ اَللهِ، قَدِ أَطَلُّوا بِسِكَكِ اَلْكُوفَةِ، قَدْ شَهَرُوا سُيُوفَهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ لَيَضْرِبُونَ بِهَا هَامَ اَلْكَفَرَةِ، وَجَبَابِرَتِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنْ جَبَابِرَةِ اَلْأَوَّلِينَ وَاَلْآخِرِينَ»(372).
3 - في تفسير القمِّي: «﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ﴾ يَعْنِي بِرَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ﴿وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ﴾ يَعْنِي أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، فَأَخَذَ اَللهُ مِيثَاقَ رَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عَلَى اَلْأَنْبِيَاءِ أَنْ يُخْبِرُوا أُمَمَهُمْ وَيَنْصُرُوهُ، فَقَدْ نَصَرُوهُ بِالْقَوْلِ، وَأَمَرُوا أُمَمَهُمْ بِذَلِكَ، وَسَيَرْجِعُ رَسُولُ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَيَرْجِعُونَ وَيَنْصُرُونَهُ فِي اَلدُّنْيَا»(373).
وغيرها من الروايات التي سنتطرَّق إلى بعضها أثناء الشرح.
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة:
الروايات التي تتحدَّث عن الرجعة لا بدَّ أنْ يُنظَر إليها على أساس ما تُمثِّله والمرحلة الزمنيَّة التي تحدث فيها، فإنَّ بعضها أشارت إلى رجعة ممحضي الإيمان والكفر، وبعضها إلى وجود مجموعة من الرجعات والكرَّات لأمير المؤمنين (عليه السلام) وكذلك بقيَّة الأئمَّة (عليهم السلام)، وبعضها تحدَّثت عن رجوع مجموعة من الأنبياء (عليهم السلام) والصحابة (رضي الله عنهم)، وشخصيَّات أُخرى رجالاً أو نساءً في أوائل ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) المبارك. وعلى هذا الأساس فإنَّ الرجعة لا تُقرَأ على أنَّها واحدة، وأنَّ جميع ما جاء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(372) مختصر بصائر الدرجات (ص 33).
(373) تفسير القمِّي (ج 1/ ص 242).

(١٩٧)

من الروايات سيقع كلُّه في رجعة واحدة، بل على أساس تعدُّد الرجعات، فهناك رجعة خاصَّة، وهي تلك التي تقع لبعض محدود جدًّا من الناس في زمان الظهور وأوائله، وهناك رجعات أُخرى.
ومن هنا ينفتح الباب أمامنا للبحث عن كون حقيقة العالم أثناء الرجعة الأُولى - على أقلّ تقدير - هل هو نفسه؟ وأنَّ قوانينه هي نفس القوانين السائدة أو أنَّها تختلف؟
الأدلَّة التي دلَّت على أنَّ الظهور المبارك لصاحب الزمان (عجّل الله فرجه) يقتضي سريان القوانين والأنظمة التي نعيش فيها الآن إلى ذلك الزمان، ومن أهمّها بقاء التكليف وخصوصيَّات عالم الدنيا ومنها بناء الدولة، نعم قد تقودنا الأدلَّة إلى وجود خصوصيَّات معيَّنة في بعض رجعات الأئمَّة (عليهم السلام) التي تكون بعد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
فالرجعة ليست واحدة، ومنها ما هو عامٌّ، ومنها ما هو خاصٌّ.
الرجعة من عالم الدنيا:
ما هي حقيقة الرجعة؟
وهل هي من عالم الدنيا أو البرزخ أو القيامة أو شيء آخر؟
الروايات الواردة من أهل البيت (عليهم السلام) - وسنقتصر على رواية واحدة - تجيب على ما يدور في الأذهان.
روى المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «يُخْرِجُ اَلْقَائِمُ (عليه السلام) مِنْ ظَهْرِ اَلْكُوفَةِ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ رَجُلاً، خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى (عليه السلام) اَلَّذِينَ كَانُوا يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ، وَسَبْعَةً مِنْ أَهْلِ اَلْكَهْفِ، وَيُوشَعَ بْنَ نُونٍ، وَسَلْمَانَ، وَأَبَا دُجَانَةَ اَلْأَنْصَارِيَّ، وَاَلْمِقْدَادَ، وَمَالِكاً اَلْأَشْتَرَ، فَيَكُونُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَنْصَاراً وَحُكَّاماً»(374)، وفي مضمونها روايات أُخرى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(374) الإرشاد (ج 2/ ص 386).

(١٩٨)

تقريب الاستدلال:
دلَّت على أنَّ هؤلاء النفر من الأُمَم السابقة سيرجعون مع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وأنَّه (عجّل الله فرجه) لم يكن قد مات ليرجع معهم، بل غاب وسيظهر وهم سيرجعون معه، فهو (عجّل الله فرجه) يعيش في الإطار الطبيعي للحياة ويمارس أعماله على أساس القوانين الطبيعيَّة التي نعيش فيها.
فالنتيجة بكلمة واحدة: أنَّ كلَّ من يرجع في زمان ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) سيكون خاضعاً للنظام، ومحكوماً به، ونحن نعلم أنَّ عوالم ما عدا الدنيا لها نُظُم خاصَّة، فلا بدَّ أنْ يكون الراجعون خاضعين لنُظُم عالم الدنيا، فإنَّ خصوصيَّات من يرجعون لا بدَّ أنْ تكون بعينها خصوصيَّات من هم موجودون الآن، لأنَّه لو كان من يرجع يختلف من حيث التكليف أو غيره لما صحَّ إرجاعه مع من لا يتمتَّع بذلك، ولأصبح إرجاعه لغواً، من جهة عدم ترتُّب الأثر على الإرجاع، لاختلاف النُّظُم بينهما، هذا من جهة.
ومن جهة أُخرى إنَّ الهدف الظاهري من الرجعة هو إشهاد الناس - الظالم والمظلوم - لبعض تجلّيات الرحمة الإلهيَّة في تحقيق العدل، وهو عنصر مشترك بين ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) وتحقُّق الرجعة، فلا بدَّ أنْ تكون القوانين الحاكمة هي بذاتها التي وقع فيها الظلم، لكي يصحَّ الاقتصاص من الظالم.
علماً أنَّ من يدَّعي أنَّ الرجعة تخضع لقوانين أُخرى غير التي نعيشها يكون قد ادَّعى خلاف الأصل والمشاهد ممَّا وقع من رجعات سابقة، وهو ما يحتاج إلى دليل.
فضلاً عن أنَّ أدلَّة التكاليف هي مطلقة ولم ينصّ على نسخها أو تخصيصها دليل من أدلَّة الرجعة، فتكون سارية المفعول.
وعلى ذلك فإنَّ الخصوصيَّات التي يتمتَّع بها عالم الرجعة هي خصوصيَّات

(١٩٩)

عالم الدنيا بما للكلمة من معنى، إذ لو كانت الروايات تُميِّز عالم الرجعة عن عالم الدنيا بشيء من الخصوصيَّات لذكرت ذلك، مع أنَّ الروايات في مقام البيان من جهة خصوصيَّات الرجعة وأحوالها، ولم تُبيِّن لنا الفوارق أو الخصوصيَّات التي ستضاف إلى عالم الدنيا أو تسلب منه عند حدوث الرجعة، فدلَّ ذلك على أنَّ عالم الرجعة سيقع في عالم الدنيا دون أيِّ تغيُّر.
فالأجسام التي ترجع إلى عالم الدنيا ستُحكَم بنفس الخصوصيَّات للأجسام الموجودة والتي تعيش في عالم الدنيا ولم تمت.
من هم الذين يرجعون؟
لتحديد الموقف حول هذا السؤال لا بدَّ أنْ نسأل ابتداءً: ما المقصود بمن يرجعون؟
فهل هم من دلَّت الأخبار على أنَّهم ممَّن وصلوا إلى أعلى درجات الكمال وعبَّرت عنهم بأنَّهم ممحضو الإيمان مع من كان ممحض الكفر؟
أم غيرهم ممَّن دلَّت الأخبار على أنَّهم يرجعون في دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، كما دلَّت بعض الروايات على رجوع بعض النساء كزبيدة(375) مثلاً.
أم أنَّهم ممَّن كان دعاؤهم لنصرة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)؟
أم أنَّ بعض أعمالهم أوجبت ذلك؟
يختلف الحال تبعاً لنوع من يرجع على أساس أنَّ الرجعة ليست واحدة، بل أنَّها رجعات متعدِّدة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(375) عن المفضَّل بن عمر، قال : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام) يَقُولُ: «يُكَرُّ مَعَ اَلْقَائِمِ (عليه السلام) ثَلَاثَ عَشْرَةَ اِمْرَأَةً»، قُلْتُ: وَمَا يَصْنَعُ بِهِنَّ؟ قَالَ: «يُدَاوِينَ اَلْجَرْحَى، وَيَقُمْنَ عَلَى اَلمَرْضَى، كَمَا كَانَ مَعَ رَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)»، قُلْتُ: فَسَمِّهِنَّ لِي، فَقَالَ: «اَلْقِنْوَاءُ بِنْتُ رُشَيْدٍ، وَأُمُّ أَيْمَنَ، وَحَبَابَةُ اَلْوَالِبِيَّةُ، وَسُمَيَّةُ أُمُّ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَزُبَيْدَةُ، وَأُمُّ خَالِدٍ اَلْأَحْمَسِيَّةُ، وَأُمُّ سَعِيدٍ اَلْحَنَفِيَّةُ، وَصُبَانَةُ اَلمَاشِطَةُ، وَأُمُّ خَالِدٍ اَلْجُهَنِيَّةُ». (دلائل الإمامة: ص 484/ ح 480/84).

(٢٠٠)

فالذي يرجع يختلف بحسب نفس الرجعة، إذ هناك رجعات متعدِّدة بعضها لممحضي الكفر ولممحضي الإيمان، وأُخرى لمن ذكرته الرواية ونصَّت عليه ولا نعلم سبب ذلك، أو لخصوصيَّة بعض الأعمال التي كان يقوم بها في الدنيا.
فالرجعة متعدِّدة بعضها للممحضين وبعضها لغيرهم، وهنا يأتي دور السؤال التالي:
متى تبدأ الرجعة؟ وهل يرجع جميع الأئمَّة (عليهم السلام)؟
إنَّ الحديث عن بداية الرجعة ومتى تكون ينبغي أنْ يكون عن خصوص الرجعة التي تقع بعد ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وإلَّا فغير هذه الرجعة قد بدأت منذ زمن بعيد.
فهناك من رجع إلى الدنيا وعاش فيها فترة زمنيَّة طويلة ثمّ وُلِدَ له أبناء وذرّيَّة، وبطبيعة الحال كان مكلَّفاً بالتكاليف الشرعيَّة حاله حال بقيَّة الناس.
وإنَّ هناك من ستحصل له حالة مكرَّرة من الرجعة كأصحاب الكهف مثلاً، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَائَلُوا بَيْنَهُمْ... وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً﴾ (الكهف: 19 - 25)، والأخبار التي رويت عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام) تقول: كلَّما كان في الأُمَم السالفة يكون مثله في هذه الأُمَّة حذو النعل بالنعل والقذَّة بالقذَّة(376)، وكذلك ورد أنَّ الله تعالى لم يُعطِ الأنبياء شيئاً إلَّا وأعطاه محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(377)، فالمستفاد من هذا الخبر أنَّ ما حصل في الأُمَم السابقة سيحصل في هذه الأُمَّة، والذي يهمُّنا من الذي حصل للأُمَم السابقة هو الحديث عن الرجعة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(376) من لا يحضره الفقيه (ج 1/ ص 203/ ح 609).
(377) الكافي (ج 1/ ص 225/ باب أنَّ الأئمَّة ورثوا علم النبيِّ وجميع الأنبياء.../ ح 5).

(٢٠١)

ورجعة الأُمَم السابقة - أفراداً وجماعات - كما لا يخفى قد ذكرها القرآن الكريم في أكثر من مورد، وذكرتها الأخبار.
ففي بعض الأخبار الواردة في تفسير قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ﴾ (البقرة: 243) جاء: «إِنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ مَدِينَةٍ مِنْ مَدَائِنِ اَلشَّامِ، وَكَانُوا سَبْعِينَ أَلْفَ بَيْتٍ، وَكَانَ اَلطَّاعُونُ يَقَعُ فِيهِمْ فِي كُلِّ أَوَانٍ، فَكَانُوا إِذَا أَحَسُّوا بِهِ خَرَجَ مِنَ اَلمَدِينَةِ اَلْأَغْنِيَاءُ لِقُوَّتِهِمْ وَبَقِيَ فِيهَا اَلْفُقَرَاءُ لِضَعْفِهِمْ، فَكَانَ اَلْمَوْتُ يَكْثُرُ فِي اَلَّذِينَ أَقَامُوا وَيَقِلُّ فِي اَلَّذِينَ خَرَجُوا، فَيَقُولُ اَلَّذِينَ خَرَجُوا: لَوْ كُنَّا أَقَمْنَا لَكَثُرَ فِينَا اَلمَوْتُ، وَيَقُولُ اَلَّذِينَ أَقَامُوا: لَوْ كُنَّا خَرَجْنَا لَقَلَّ فِينَا اَلمَوْتُ».
قَالَ: «فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ جَمِيعاً أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ اَلطَّاعُونُ فِيهِمْ وَأَحَسُّوا بِهِ خَرَجُوا كُلُّهُمْ مِنَ اَلمَدِينَةِ، فَلَمَّا أَحَسُّوا بِالطَّاعُونِ خَرَجُوا جَمِيعاً وَتَنَحَّوْا عَنِ اَلطَّاعُونِ حَذَرَ اَلمَوْتِ، فَسَارُوا فِي اَلْبِلَادِ مَا شَاءَ اَللهُ، ثُمَّ إِنَّهُمْ مَرُّوا بِمَدِينَةٍ خَرِبَةٍ قَدْ جَلَا أَهْلُهَا عَنْهَا وَأَفْنَاهُمُ اَلطَّاعُونُ فَنَزَلُوا بِهَا، فَلَمَّا حَطُّوا رِحَالَهُمْ وَاِطْمَأَنُّوا بِهَا قَالَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ): مُوتُوا جَمِيعاً، فَمَاتُوا مِنْ سَاعَتِهِمْ وَصَارُوا رَمِيماً يَلُوحُ، وَكَانُوا عَلَى طَرِيقِ اَلمَارَّةِ، فَكَنَسَتْهُمُ اَلمَارَّةُ فَنَحَّوْهُمْ وَجَمَعُوهُمْ فِي مَوْضِعٍ، فَمَرَّ بِهِمْ نَبِيٌّ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ: حِزْقِيلُ، فَلَمَّا رَأَى تِلْكَ اَلْعِظَامَ بَكَى وَاِسْتَعْبَرَ وَقَالَ: يَا رَبِّ، لَوْ شِئْتَ لَأَحْيَيْتَهُمُ اَلسَّاعَةَ كَمَا أَمَتَّهُمْ، فَعَمَرُوا بِلَادَكَ، وَوَلَدُوا عِبَادَكَ، وَعَبَدُوكَ مَعَ مَنْ يَعْبُدُكَ مِنْ خَلْقِكَ، فَأَوْحَى اَللهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: أَفَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَبِّ، فَأَحْيِهِمْ».
قَالَ: «فَأَوْحَى اَللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَيْهِ أَنْ قُلْ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ اَلَّذِي أَمَرَهُ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) أَنْ يَقُولَهُ».
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام): «وَهُوَ اَلْاِسْمُ اَلْأَعْظَمُ، فَلَمَّا قَالَ حِزْقِيلُ ذَلِكَ اَلْكَلَامَ نَظَرَ إِلَى اَلْعِظَامِ يَطِيرُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، فَعَادُوا أَحْيَاءً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ...»(378).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(378) الكافي (ج 8/ ص 198 و199/ ح 237).

(٢٠٢)

فهي ستقع بنفس الكيفيَّة التي وقعت في تلك الأُمَم.
روى الصفَّار (رحمه الله) في (بصائر الدرجات) أنَّ رجلاً جاء إلى أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قائلاً له: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، إِنَّ أَهْلِي تُوُفِّيَتْ وَبَقِيتُ وَحِيداً، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام): «أَفَكُنْتَ تُحِبُّهَا؟»، قَالَ: نَعَمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَالَ: «اِرْجِعْ إِلَى مَنْزِلِكَ، فَإِنَّكَ سَتَرْجِعُ إِلَى اَلمَنْزِلِ وَهِيَ تَأْكُلُ...»(379).
روي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنَّه قال: «كَأَنِّي بِعَبْدِ اَللهِ بْنِ شَرِيكٍ اَلْعَامِرِيِّ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ وَذُؤَابَتَاهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ مُصْعِداً فِي لِحْفِ اَلْجَبَلِ بَيْنَ يَدَيْ قَائِمِنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ...»(380).
ولم ينته الحدُّ عند ذكر من يرجع مدافعاً عن الحقِّ وتحت لواء القائم (عجّل الله فرجه)، إنَّما أخبرنا أهل البيت (عليهم السلام) عن الذين يرجعون لقتال أهل الحقِّ، إذ يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يَكُرُّ إِلَى اَلدُّنْيَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام) وَأَصْحَابُهُ وَيَزِيدُ اِبْنُ مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابُهُ، فَيَقْتُلُهُمْ حَذْوَ اَلْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ»(381).
وعن أبي بصير، قال: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام)، فَقُلْتُ: إِنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ ذَرٍّ لَا يَمُوتُ حَتَّى يُقَاتِلَ قَائِمَ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ: «إِنَّ مَثَلَ اِبْنِ ذَرٍّ مَثَلُ رَجُلٍ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ رَبِّهِ، وَكَانَ يَدْعُو أَصْحَابَهُ إِلَى ضَلَالَةٍ، فَمَاتَ، فَكَانُوا يَلُوذُونَ بِقَبْرِهِ وَيَتَحَدَّثُونَ عِنْدَهُ، إِذْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْرِهِ يَنْفُضُ اَلتُّرَابَ مِنْ رَأْسِهِ وَيَقُولُ لَهُمْ: كَيْتَ وَكَيْتَ»(382).
ومن لطائف هذا الباب يُحكى أنَّ لأبي حنيفة مع مؤمن الطاق حكاية،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(379) بصائر الدرجات (ص 294/ ج 6/ باب 5/ ح 5).
(380) اختيار معرفة الرجال (ج 2/ ص 481/ ح 390).
(381) تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 282/ ح 23).
(382) مختصر بصائر الدرجات (ص 21).

(٢٠٣)

حيث قَالَ لَهُ يَوْماً: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، تَقُولُ بِالرَّجْعَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ: أَقْرِضْنِي مِنْ كِيسِكَ هَذَا خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ فَإِذَا عُدْتُ أَنَا وَأَنْتَ رَدَدْتُهَا إِلَيْكَ، فَقَالَ لَهُ فِي اَلْحَالِ: أُرِيدُ ضَمِيناً يَضْمَنُ لِي أَنَّكَ تَعُودُ إِنْسَاناً، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَعُودَ قِرْداً فَلَا أَتَمَكَّنُ مِنِ اِسْتِرْجَاعِ مَا أَخَذْتَ مِنِّي(383).
وفي خبر آخر عن أبي عبد الله (عليه السلام) يقول: «إِنِّي سَأَلْتُ اَللهَ فِي إِسْمَاعِيلَ أَنْ يُبْقِيَهُ بَعْدِي فَأَبَى، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَعْطَانِي فِيهِ مَنْزِلَةً أُخْرَى، إِنَّهُ يَكُونُ أَوَّلَ مَنْشُورٍ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَمِنْهُمْ عَبْدُ اَللهِ بْنُ شَرِيكٍ، وَهُوَ صَاحِبُ لِوَائِهِ»(384).
ومن أخبار الباب وأشملها ما روي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنَّه قال: «لَيْسَ مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَلَهُ قَتْلَةٌ وَمَوْتَةٌ، إِنَّهُ مَنْ قُتِلَ نُشِرَ حَتَّى يَمُوتَ، وَمَنْ مَاتَ نُشِرَ حَتَّى يُقْتَلَ...، مَا فِي هَذِهِ اَلْأُمَّةِ أَحَدٌ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ إِلَّا فَيُنْشَرُ...»(385).
التكليف في الرجعة:
ومن الأخبار التي تدلُّ على وجود التكليف في الرجعة مضافاً إلى مماثلة الرجعة في زمان الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) إلى الرجعة في زمان ما قبل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هذا الخبر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «مَا زَالَتِ اَلْأَرْضُ إِلَّا وَللهِ اَلْحُجَّةُ يَعْرِفُ اَلْحَلَالَ وَاَلْحَرَامَ وَيَدْعُو إِلَى سَبِيلِ اَللهِ، وَلَا يَنْقَطِعُ اَلْحُجَّةُ مِنَ اَلْأَرْضِ إِلَّا أَرْبَعِينَ يَوْماً قَبْلَ يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ، فَإِذَا رُفِعَتِ اَلْحُجَّةُ أُغْلِقَ بَابُ اَلتَّوْبَةِ»(386).
فمن هذه الأخبار وغيرها نستفيد أنَّ الرجعة وقعت في زمان الأنبياء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(383) رجال النجاشي (ص 326/ الرقم 886).
(384) اختيار معرفة الرجال (ج 2/ ص 481 و482/ ح 391).
(385) مختصر بصائر الدرجات (ص 17).
(386) بصائر الدرجات (ص 504/ ج 10/ باب 10/ ح 1).

(٢٠٤)

السابقين على نبيِّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وستقع في زمن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، بل وإنَّها وقعت ما بين الزمنين.
ونستفيد كذلك أنَّ الرجعة لها خصوصيَّات متعدِّدة ومختلفة، إلَّا أنَّ العامل المشترك فيها هو كونها تقع في دار التكليف، فمتى كانت الرجعة في الدنيا فالتكليف قائم.
رجعة جميع الأئمَّة (عليهم السلام):
أمَّا فيما يرتبط برجعة جميع الأئمَّة (عليهم السلام) فإنَّ الأحاديث في ذلك عديدة، فضلاً عن الذي ورد من نصوص في دعاء أو زيارة ظهر منها عموميَّة رجعتهم، وأنَّ دولتهم يحكمون فيها بأجمعهم واحداً بعد واحد، بل تعدَّى ذلك إلى رجعة الأنبياء جميعاً.
ودليل هذا القول فضلاً عن عموميَّة ما دلَّ على رجوع ممحضي أهل الإيمان وهم منهم بلا شكٍّ، روايات تقدَّم بعضها، ومنها:
عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إِنَّ لِعَلِيٍّ (عليه السلام) فِي اَلْأَرْضِ كَرَّةً مَعَ اَلْحُسَيْنِ اِبْنِهِ (صَلَوَاتُ اَللهِ عَلَيْهِمَا)...، ثُمَّ كَرَّةً أُخْرَى مَعَ رَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حَتَّى يَكُونَ خَلِيفَتَهُ فِي اَلْأَرْضِ، وَتَكُونَ اَلْأَئِمَّةُ (عليهم السلام) عُمَّالَهُ، وَحَتَّى يُعْبَدَ اَللهُ عَلَانِيَةً، فَتَكُونَ عِبَادَتُهُ عَلَانِيَةً فِي اَلْأَرْضِ، كَمَا عُبِدَ اَللهُ سِرًّا فِي اَلْأَرْضِ»، ثُمَّ قَالَ: «إِي وَاَللهِ وَأَضْعَافُ ذَلِكَ - ثُمَّ عَقَدَ بِيَدِهِ أَضْعَافاً - يُعْطِي اَللهُ نَبِيَّهُ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مُلْكَ جَمِيعِ أَهْلِ اَلدُّنْيَا مُنْذُ يَوْمَ خَلَقَ اَللهُ اَلدُّنْيَا إِلَى يَوْمِ يُفْنِيهَا، حَتَّى يُنْجِزَ لَهُ مَوْعِدَهُ فِي كِتَابِهِ»(387).
ولنا أنْ نسأل هذا السؤال الآن:
هل للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) رجعة أم أنَّ ظهوره هو رجعة؟
إذا تتبَّعنا الروايات التي مرَّت علينا، نستفيد من خلالها - مضافاً إلى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(387) مختصر بصائر الدرجات (ص 29).

(٢٠٥)

مجموعة من الزيارات والأدعية التي تنصُّ على «وَأَحْيَانِي فِي رَجْعَتِكُمْ»(388)، و«أَنَّ رَجْعَتَكُمْ حَقٌّ لَا رَيْبَ فِيهَا»(389)، و«يُحْشَرُ فِي زُمْرَتِكُمْ، وَيَكُرُّ فِي رَجْعَتِكُمْ، وَيُمَلَّكُ فِي دَوْلَتِكُمْ»(390)، وقول أبي جعفر (عليه السلام) في رواية عنه: «فَيَا عَجَباً مِنْ أَمْوَاتٍ يَبْعَثُهُمُ اَللهُ أَحْيَاءً مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ...»(391) - وجود رجعة له (عجّل الله فرجه) بعد شهادته أو موته، لعمومات ما دلَّ على «رَجْعَتِكُمْ» التي يستظهر منها أنَّها تشمل جميع الأئمَّة (عليهم السلام).
النتائج المستخلصة:
1 - أنَّ ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ليس برجعة، وإنَّما هو إعلان عن الظهور بعد انتهاء ضرورة الإخفاء والغيبة.
2 - أنَّ هناك رجوعاً في دولته للنبيِّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأنبياء السابقين والأئمَّة (عليهم السلام) وأصناف أُخرى.
3 - أنَّ له (عجّل الله فرجه) رجعة دلَّت عليها المرويَّات عن الأئمَّة (عليهم السلام) بعد رجعة الأئمَّة (عليهم السلام).
4 - أنَّ الرجعة ليست واحدة وإنَّما هي متعدِّدة، وأنَّ في بعض الرجعات هناك مراتب، ففي بعضها يجتمع الأئمَّة (عليهم السلام)، وفي بعضها يكون هناك إمام واحد، وفي بعضها يكون مجموعة من أصحابهم (عليهم السلام).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(388) من لا يحضره الفقيه (ج 2/ ص 617/ ح 3213).
(389) بحار الأنوار (ج 53/ ص 117/ ح 142).
(390) من لا يحضره الفقيه (ج 2/ ص 615/ ح 3213).
(391) الإيقاظ من الهجعة (ص 264).

(٢٠٦)

الفقرة التاسعة عشر: «وَأَنَّ المَوْتَ حَقٌّ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: (الموت) في اللغة:
استُعمِلَت مفردة الموت بعدَّة معانٍ، منها:
الموت: ذهاب القوَّة من الشيء، الموت خلاف الحياة(392).
النقطة الثانية: (الموت) في القرآن الكريم:
ورد ذكر المفردات في العديد من الآيات القرآنيَّة، منها:
1 - قوله تعالى: ﴿تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ (الملك: 1 و2).
2 - قوله تعالى: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ (ق: 19).
3 - قوله تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ (السجدة: 11).
النقطة الثالثة: (الموت) في الروايات الشريفة:
ورد ذكر المفردات في العديد من الروايات، منها:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(392) معجم مقاييس اللغة (ج 5/ ص 283).

(٢٠٧)

1 - عن يحيى بن عبد الله، قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام) يَقُولُ: «مَا عَلَى أَهْلِ اَلمَيِّتِ مِنْكُمْ أَنْ يَدْرَءُوا عَنْ مَيِّتِهِمْ لِقَاءَ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ؟»، قُلْتُ: كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: «إِذَا أُفْرِدَ اَلمَيِّتُ فَلْيَتَخَلَّفْ عِنْدَهُ أَوْلَى اَلنَّاسِ بِهِ، فَيَضَعُ فَمَهُ عِنْدَ رَأْسِهِ، ثُمَّ يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، أَوْ يَا فُلَانَةَ بِنْتَ فُلاَنٍ، هَلْ أَنْتَ عَلَى اَلْعَهْدِ اَلَّذِي فَارَقْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ اَلنَّبِيِّينَ، وَأَنَّ عَلِيًّا أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ وَسَيِّدُ اَلْوَصِيِّينَ، وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حَقٌّ، وَأَنَّ اَلمَوْتَ حَقٌّ، وَأَنَّ اَلْبَعْثَ حَقٌّ، وَأَنَّ اَللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي اَلْقُبُورِ؟»، قَالَ: «فَيَقُولُ مُنْكَرٌ لِنَكِيرٍ: اِنْصَرِفْ بِنَا عَنْ هَذَا فَقَدْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ»(393).
2 - عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): «مَا أَنْزَلَ اَلمَوْتَ حَقَّ مَنْزِلَتِهِ مَنْ عَدَّ غَداً مِنْ أَجَلِهِ»(394).
3 - عن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: لَـمَّا رَجَعَ رَسُولُ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مِنْ حِجَّةِ اَلْوَدَاعِ وَنَحْنُ مَعَهُ أَقْبَلَ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى اَلْجُحْفَةِ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالنُّزُولِ، فَنَزَلَ اَلْقَوْمُ مَنَازِلَهُمْ، ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ...، إلى أنْ قال: «... أَلَسْتُمْ تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اَللهِ إِلَيْكُمْ، وَأَنَّ اَلْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ اَلنَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ اَلْبَعْثَ بَعْدَ اَلمَوْتِ حَقٌّ؟»، فَقَالُوا: نَشْهَدُ بِذَلِكَ...(395).
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة:
إنَّ حقيقة الموت تعني نهاية الحياة الدنيويَّة، فالإنسان مؤلَّف من روح وجسد، وبحصول الموت تبقى الروح بلا ثوب ولباس تلبسه، فالموت هو تغيير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(393) الكافي (ج 3/ ص 201/ باب تربيع القبر ورشِّه بالماء.../ ح 11).
(394) الكافي (ج 3/ ص 259/ باب النوادر/ ح 30).
(395) الخصال (ص 66/ ح 98).

(٢٠٨)

لباس الروح، وهو بداية الانتقال إلى عالم أوسع، نظير انتقال الجنين بالولادة إلى حياة أوسع، فالموت بداية حياة برزخيَّة ومثاليَّة في عالم يصنعه الإنسان بإرادته قبل أنْ يغادر إليه، في وصيَّة لقمان لابنه: «اِجْعَلِ اَلدُّنْيَا بِمَنْزِلَةِ قَنْطَرَةٍ عَلَى نَهَرٍ جُزْتَ عَلَيْهَا وَتَرَكْتَهَا وَلَمْ تَرْجِعْ إِلَيْهَا آخِرَ اَلدَّهْرِ»(396).
متى يبدأ الموت؟
الموت يبدأ معنا منذ ولادتنا، فالروح التي فينا تسير نحو تكاملها واتِّصالها بعالم الأرواح، فمتى تمكَّنت من الاستقلال عن البدن تحقَّق الموت، نظير ما يحصل مع الجنين أو البيضة، فعندما يصل إلى مرحلة الكمال والرشد ينتقل إلى عالم أوسع، هذه هي حقيقة الموت التي ينبغي أنْ نتيقَّن بها، ونقول: (إنَّ الموتَ حقٌّ).
حقيقة الموت:
الموت الذي نتعرَّض له سواء كان طبيعيًّا أو اختراميًّا بسبب عوارض وأحداث، يحكي لنا حقيقة انقطاع العلاقة بين أبداننا وأرواحنا، العلاقة التي نريد لها الدوام وتأبى إلَّا التحلُّل والتفسُّخ والانقطاع، تلك اللحظة المنتظرة، لحظة انتقال الروح من عالم الدنيا إلى عالم البرزخ هي لحظة جميلة جدًّا، لأنَّها ستكشف لنا صور أعمالنا، جميلة لأنَّها تُمثِّل حصيلة جهودنا، وإنْ كانت في ذات الوقت أبشع وأشنع ما سيراه الأشقياء حيث ستنكشف لهم أقبح الصور التي صنعوها بأيديهم، لحظة الاحتضار التي تُعبِّر عنها الآيات بـ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ (ق: 19)، تلك اللحظة التي تبلغ الروح فيها الحلقوم، ﴿فَلَوْ لَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ﴾ (الواقعة: 83)، هي لحظة المعاينة وكشف البصر عن الإنسان، ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ (ق: 22)، فأيُّنا يكره أنْ يُكشَف عن بصره؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(396) الكافي (ج 2/ ص 135/ باب ذمِّ الدنيا والزهد فيها/ ح 20).

(٢٠٩)

إلَّا إذا كان ما وراء البصر قبيحاً، هذا هو الموت الذي تقول عنه روايات أهل البيت (عليهم السلام): «فَمَا اَلمَوْتُ إِلَّا قَنْطَرَةٌ تَعْبُرُ بِكُمْ عَنِ اَلْبُؤْسِ وَاَلضَّرَّاءِ إِلَى اَلْجِنَانِ اَلْوَاسِعَةِ وَاَلنَّعِيمِ اَلدَّائِمَةِ، فَأَيُّكُمْ يَكْرَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ سِجْنٍ إِلَى قَصْرٍ؟ وَمَا هُوَ لِأَعْدَائِكُمْ إِلَّا كَمَنْ يَنْتَقِلُ مِنْ قَصْرٍ إِلَى سِجْنٍ وَعَذَابٍ...، إِنَّ اَلدُّنْيَا سِجْنُ اَلمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ اَلْكَافِرِ، وَاَلمَوْتُ جِسْرُ هَؤُلَاءِ إِلَى جَنَّاتِهِمْ وَجِسْرُ هَؤُلَاءِ إِلَى جَحِيمِهِمْ...»(397).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(397) معاني الأخبار (ص 288 و289/ باب معنى الموت/ ح 3).

(٢١٠)

الفقرة العشرون: «وَأَنَّ نَاكِراً وَنَكِيراً حَقٌّ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: (منكر ونكير) في اللغة:
استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
ناكر ونكير: منكر ونكير مَلَكان يأتيان الميِّت في قبره يسألانه عن دينه، والنكر: المنكر، وهو نعت للأمر الشديد والرجل الداهي، لأنَّ النكر هو الدهاء، والإنكار الجحود، والتناكر التجاهل(398).
النقطة الثانية: (منكر ونكير) في القرآن الكريم:
لم يرد لمنكر ونكير بلفظهما ذكر في آيات القرآن الكريم، وإنْ كان ورد فيهما وفي القبر تأويلات عدَّة كما في الروايات التي ستأتي في النقطة التالية.
النقطة الثالثة: (منكر ونكير) في الروايات الشريفة:
ورد ذكر المفردات في العديد من الروايات، منها:
1 - عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إِنَّ اَلمُؤْمِنَ إِذَا أُخْرِجَ مِنْ بَيْتِهِ شَيَّعَتْهُ اَلمَلَائِكَةُ إِلَى قَبْرِهِ يَزْدَحِمُونَ عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا اِنْتُهِيَ بِهِ إِلَى قَبْرِهِ قَالَتْ لَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(398) العين للفراهيدي (ج 5/ ص 355)، الصحاح للجوهري (ج 2/ ص 837).

(٢١١)

اَلْأَرْضُ: مَرْحَباً بِكَ وَأَهْلاً، أَمَا وَاَللهِ لَقَدْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يَمْشِيَ عَلَيَّ مِثْلُكَ، لَتَرَيَنَّ مَا أَصْنَعُ بِكَ، فَتَوَسَّعُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ، وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ مَلَكَا اَلْقَبْرِ وَهُمَا قَعِيدَا اَلْقَبْرِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ، فَيُلْقِيَانِ فِيهِ اَلرُّوحَ إِلَى حَقْوَيْهِ، فَيُقْعِدَانِهِ وَيَسْأَلَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: اَللهُ، فَيَقُولَانِ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: اَلْإِسْلَامُ، فَيَقُولَانِ: وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَيَقُولَانِ: وَمَنْ إِمَامُكَ؟ فَيَقُولُ: فُلَانٌ».
قَالَ: «فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ اَلسَّمَاءِ: صَدَقَ عَبْدِي، اُفْرُشُوا لَهُ فِي قَبْرِهِ مِنَ اَلْجَنَّةِ، وَاِفْتَحُوا لَهُ فِي قَبْرِهِ بَاباً إِلَى اَلْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنْ ثِيَابِ اَلْجَنَّةِ حَتَّى يَأْتِيَنَا، وَمَا عِنْدَنَا خَيْرٌ لَهُ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: نَمْ نَوْمَةَ عَرُوسٍ، نَمْ نَوْمَةً لَا حُلُمَ فِيهَا».
قَالَ: «وَإِنْ كَانَ كَافِراً خَرَجَتِ اَلمَلَائِكَةُ تُشَيِّعُهُ إِلَى قَبْرِهِ يَلْعَنُونَهُ، حَتَّى إِذَا اِنْتُهِيَ بِهِ إِلَى قَبْرِهِ قَالَتْ لَهُ اَلْأَرْضُ: لَا مَرْحَباً بِكَ وَلَا أَهْلاً، أَمَا وَاَللهِ لَقَدْ كُنْتُ أُبْغِضُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَيَّ مِثْلُكَ، لَا جَرَمَ لَتَرَيَنَّ مَا أَصْنَعُ بِكَ اَلْيَوْمَ، فَتَضِيقُ عَلَيْهِ حَتَّى تَلْتَقِيَ جَوَانِحُهُ».
قَالَ: «ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْهِ مَلَكَا اَلْقَبْرِ وَهُمَا قَعِيدَا اَلْقَبْرِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ».
قَالَ أَبُو بَصِيرٍ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، يَدْخُلَانِ عَلَى اَلمُؤْمِنِ وَاَلْكَافِرِ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ؟
فَقَالَ: «لَا».
قَالَ: «فَيُقْعِدَانِهِ وَيُلْقِيَانِ فِيهِ اَلرُّوحَ إِلَى حَقْوَيْهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَتَلَجْلَجُ، وَيَقُولُ: قَدْ سَمِعْتُ اَلنَّاسَ يَقُولُونَ، فَيَقُولَانِ لَهُ: لَا دَرَيْتَ، وَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَتَلَجْلَجُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: لَا دَرَيْتَ، وَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ: قَدْ سَمِعْتُ اَلنَّاسَ يَقُولُونَ، فَيَقُولَانِ لَهُ: لَا دَرَيْتَ، وَيُسْئَلُ عَنْ إِمَامِ زَمَانِهِ».
قَالَ: «فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ اَلسَّمَاءِ: كَذَبَ عَبْدِي، اُفْرُشُوا لَهُ فِي قَبْرِهِ مِنَ اَلنَّارِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنْ ثِيَابِ اَلنَّارِ، وَاِفْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلَى اَلنَّارِ حَتَّى يَأْتِيَنَا، وَمَا عِنْدَنَا شَرٌّ لَهُ،

(٢١٢)

فَيَضْرِبَانِهِ بِمِرْزَبَةٍ(399) ثَلَاثَ ضَرَبَاتٍ لَيْسَ مِنْهَا ضَرْبَةٌ إِلَّا يَتَطَايَرُ قَبْرُهُ نَاراً لَوْ ضُرِبَ بِتِلْكَ اَلْمِرْزَبَةِ جِبَالُ تِهَامَةَ لَكَانَتْ رَمِيماً».
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام): «وَيُسَلِّطُ اَللهُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ اَلْحَيَّاتِ تَنْهَشُهُ نَهْشاً، وَاَلشَّيْطَانَ يَغُمُّهُ غَمًّا».
قَالَ: «وَيَسْمَعُ عَذَابَهُ مَنْ خَلَقَ اَللهُ إِلَّا اَلْجِنَّ وَاَلْإِنْسَ».
قَالَ: «وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ وَنَفْضَ أَيْدِيهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ اَللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ﴾ [إبراهيم: 27]»(400).
2 - عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «لَوْ يَعْلَمُ اَلنَّاسُ مَا فِي زِيَارَةِ قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام) مِنَ اَلْفَضْلِ لَمَاتُوا شَوْقاً، وَتَقَطَّعَتْ أَنْفُسُهُمْ عَلَيْهِ حَسَرَاتٍ»، قُلْتُ: وَمَا فِيهِ؟ قَالَ: «مَنْ أَتَاهُ تَشَوُّقاً كَتَبَ اَللهُ لَهُ أَلْفَ حِجَّةٍ مُتَقَبَّلَةٍ، وَأَلْفَ عُمْرَةٍ مَبْرُورَةٍ، وَأَجْرَ أَلْفِ شَهِيدٍ مِنْ شُهَدَاءِ بَدْرٍ، وَأَجْرَ أَلْفِ صَائِمٍ، وَثَوَابَ أَلْفِ صَدَقَةٍ مَقْبُولَةٍ، وَثَوَابَ أَلْفِ نَسَمَةٍ أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اَللهِ، وَلَمْ يَزَلْ مَحْفُوظاً سَنَتَهُ مِنْ كُلِّ آفَةٍ أَهْوَنُهَا اَلشَّيْطَانُ، وَوُكِّلَ بِهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ يَحْفَظُهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، وَمِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ وَمِنْ تَحْتِ قَدَمِهِ، فَإِنْ مَاتَ سَنَتَهُ حَضَرَتْهُ مَلَائِكَةُ اَلرَّحْمَةِ يَحْضُرُونَ غُسْلَهُ وَأَكْفَانَهُ وَاَلْاِسْتِغْفَارَ لَهُ، وَيُشَيِّعُونَهُ إِلَى قَبْرِهِ بِالْاِسْتِغْفَارِ لَهُ، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ، وَيُؤْمِنُهُ اَللهُ مِنْ ضَغْطَةِ اَلْقَبْرِ، وَمِنْ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ أَنْ يُرَوِّعَانَهُ، وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى اَلْجَنَّةِ، وَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وَيُعْطَى لَهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ نُوراً يُضِيءُ لِنُورِهِ مَا بَيْنَ اَلمَشْرِقِ وَاَلمَغْرِبِ، وَيُنَادِي مُنَادٍ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(399) المرزبة: عصا من حديد، أو المطرقة الكبيرة التي تكون للحدَّاد. (العين: ج 7/ ص 363/ مادَّة رزب، النهاية لابن الأثير: ج 2/ ص 219).
(400) الكافي (ج 3/ ص 238 و239/ باب المسألة في القبر ومن يُسئَل ومن لا يُسئَل/ ح 12).

(٢١٣)

هَذَا مِنْ زُوَّارِ اَلْحُسَيْنَ شَوْقاً إِلَيْهِ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ إِلَّا تَمَنَّى يَوْمَئِذٍ أَنَّهُ كَانَ مِنْ زُوَّارِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام)»(401).
3 - عن موسى بن جعفر، عن أبيه الصادق جعفر بن محمّد (عليهم السلام) أنَّه قال: «إِذَا مَاتَ اَلمُؤْمِنُ شَيَّعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِلَى قَبْرِهِ، فَإِذَا أُدْخِلَ قَبْرَهُ أَتَاهُ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ فَيُقْعِدَانِهِ، وَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اَللهُ، وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّي، وَاَلْإِسْلَامُ دِينِي، فَيَفْسَحَانِ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ، وَيَأْتِيَانِهِ بِالطَّعَامِ مِنَ اَلْجَنَّةِ، وَيُدْخِلَانِ عَلَيْهِ اَلرَّوْحَ وَاَلرَّيْحَانَ، وَذَلِكَ قَوْلُ اَللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ﴾ يَعْنِي فِي قَبْرِهِ، ﴿وَجَنَّةُ نَعِيمٍ﴾ [الواقعة: 88 و89]، يَعْنِي فِي اَلْآخِرَةِ».
ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): «إِذَا مَاتَ اَلْكَافِرُ شَيَّعَهُ سَبْعُونَ أَلْفاً مِنَ اَلزَّبَانِيَةِ إِلَى قَبْرِهِ، وَإِنَّهُ لَيُنَاشِدُ حَامِلِيهِ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا اَلثَّقَلَانِ، وَيَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ اَلمُؤْمِنِينَ، وَيَقُولُ: اِرْجِعُونِي لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ، فَتُجِيبُهُ اَلزَّبَانِيَةُ: كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ أَنْتَ قَائِلُهَا، وَيُنَادِيهِمْ مَلَكٌ: لَوْ رُدَّ لَعَادَ لِمَا نُهِيَ عَنْهُ. فَإِذَا أُدْخِلَ قَبْرَهُ وَفَارَقَهُ اَلنَّاسُ، أَتَاهُ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ فِي أَهْوَلِ صُورَةٍ فَيُقِيمَانِهِ، ثُمَّ يَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَتَلَجْلَجُ لِسَانُهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى اَلْجَوَابِ، فَيَضْرِبَانِهِ ضَرْبَةً مِنْ عَذَابِ اَللهِ يُذْعَرُ لَهَا كُلُّ شَيْءٍ، ثُمَّ يَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: لَا دَرَيْتَ، وَلَا هُدِيتَ، وَلَا أَفْلَحْتَ. ثُمَّ يَفْتَحَانِ لَهُ بَاباً إِلَى اَلنَّارِ، وَيُنْزِلَانِ إِلَيْهِ اَلْحَمِيمَ مِنْ جَهَنَّمَ، وَذَلِكَ قَوْلُ اَللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ﴾ يَعْنِي فِي اَلْقَبْرِ، ﴿وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾ [الواقعة: 92 - 94]، يَعْنِي فِي اَلْآخِرَةِ»(402).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(401) كامل الزيارات (ص 270 و271/ ح 420/3).
(402) أمالي الصدوق (ص 365 و366/ ح 455/12).

(٢١٤)

النقطة الرابعة: أقوال العلماء في (منكر ونكير):
1 - قال الشيخ المفيد (رحمه الله): (فإنْ قيل: كلُّ ما جاء به الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من سؤال القبر، ومنكر ونكير، ومبشِّر وبشير، وحشر الأبدان والنفوس، والميزان، وتطاير الكُتُب، وشهادة الجوارح، والصراط، والجنَّة وما وعد الله فيها من النعيم الدائم الذي لا ينقطع أبداً، والنار وما وعد الله فيها من العقاب الدائم الذي لا ينقطع أبداً، وشفاعة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأهل الكبائر، والكوثر الذي يسقي منه أمير المؤمنين (عليه السلام) العطاش من المؤمنين، حقٌّ أم لا؟
فالجواب: حقٌّ لا يشكُّ فيه أحد من المؤمنين)(403).
2 - قال الشيخ الطوسي (رحمه الله): (كلُّ ما أخبر به النبيُّ أو الإمام فاعتقاده واجب، كإخبارهم عن نبوَّة الأنبياء السابقين، والكُتُب المنزلة، ووجود الملائكة، وأحوال القبر وعذابه وثوابه، وسؤال المنكر ونكير، والإحياء فيه...)(404).
3 - قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): (... وقال النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في ذكر المسألة في القبر: «إِنَّهُ إِذَا سُئِلَ اَلمَيِّتُ فَلَمْ يُجِبْ بِالصَّوَابِ ضَرَبَهُ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ ضَرْبَةً مِنْ عَذَابِ اَللهِ مَا خَلَقَ اَللهُ مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا تُذْعَرُ لَهَا مَا خَلَا اَلثَّقَلَيْنِ»، ونحن لا نرى شيئاً من ذلك، ولا نشاهده، ولا نسمعه، ولو لم نُسلِّم الأخبار الواردة في مثل ذلك وفيما يشبهه من أُمور الإسلام لكنَّا كافرين بها، خارجين من الإسلام)(405).
4 - قال المحقِّق الحلِّي (رحمه الله): (وكذلك مسائلة منكر ونكير حقٌّ بالإجماع والمتواتر من الأخبار)(406).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(403) النكت الاعتقاديَّة (ص 46 و47).
(404) رسالة العقائد الجعفريَّة المطبوعة ضمن جواهر الفقه (ص 250 و251/ مسألة 48).
(405) كمال الدِّين (ص 86).
(406) المسلك في أُصول الدِّين (ص 139).

(٢١٥)

5 - قال العلَّامة الحلِّي (رحمه الله): (الرابعة والثمانون: وعن الحافظ في قوله تعالى: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأ الْعَظِيمِ﴾ [النبأ: 1 و2]، بإسناده عن السُّدِّي، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «وَلَايَةُ عَلِيٍّ يَتَسَاءَلُونَ عَنْهَا فِي قُبُورِهِمْ، فَلَا يَبْقَى مَيِّتٌ فِي شَرْقٍ، وَلَا فِي غَرْبٍ، وَلَا فِي بَرٍّ، وَلَا فِي بَحْرٍ إِلَّا وَمُنْكِرٌ وَنَكِيرٌ يَسْأَلَانِهِ عَنْ وَلَايَةِ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ بَعْدَ اَلمَوْتِ، يَقُولُونَ لِلْمَيِّتِ: مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ وَمَنْ إِمَامُكَ؟»)(407).
النقطة الخامسة: المستفاد من الفقرة:
هل يرجع الميِّت في القبر؟
وما هي حقيقة منكر ونكير؟
الفقرة والروايات الشريفة تحدَّثت عن حقيقة قال العلماء بلزوم الإيمان بها على ما تقدَّم في النقاط السابقة، وهنا نسأل:
أ - هل منكر ونكير مَلَكان يسألان الميِّت في قبره حول التوحيد والنبوَّة والإمامة؟
ب - هل أنَّ الميت سوف يرجع إلى الحياة ويعيش من جديد لكي يتمَّ سؤاله؟
للإجابة عن هذين السؤالين توجد أقوال في حقيقة سؤال منكر ونكير:
القول الأوَّل:
إنَّ الميِّت سوف تعود إليه روحه، ويأتي المَلَكان ويسألانه، قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله): (... ويردُّ إليه الحياة في القبر إمَّا كاملاً أو إلى بعض بدنه كما مرَّ في بعض الأخبار، ويُسئَل بعضهم عن بعض العقائد وبعض الأعمال، ويُثاب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(407) نهج الحقِّ وكشف الصدق (ص 211).

(٢١٦)

ويُعاقَب بحسب ذلك، وتُضغَط أجساد بعضهم، وإنَّما السؤال والضغطة في الأجساد الأصليَّة...)(408).
القول الثاني:
ويحتمل فيه وجهان:
أ - أنَّ منكراً ونكيراً هما أعمال الإنسان، يقول الفيض الكاشاني (رحمه الله): (يخطر بالبال أنَّ (المنكر) عبارة عن جملة الأعمال المنكرة التي فعلها الإنسان في الدنيا، فتمثَّلت في الآخرة بصورة مناسبة لها...، ولا يبعد أنْ يكون الإنسان إذا رأى فعله المنكر في تلك الحال أنكره ووبَّخ نفسه عليه، فتمثَّل تلك الهيأة الإنكاريَّة أو مبدؤها من النفس بمثال مناسب لتلك النشأة)(409).
يظهر منه: أنَّهما ليسا بمَلَكين.
ب - يقول الشيخ حسن زاده آملي (رحمه الله): (... والمَلَكين ناكر ونكير أو منكر ونكير وكذلك المَلَكين مبشِّر وبشير هما تجسُّم وتمثُّل لأفعال الإنسان)(410).
يظهر منه: أنَّهما مَلَكان ولكن يُجسِّدهما عمل الإنسان.
وكيف كان، فإنَّ هناك حقيقة لا بدَّ أنْ نؤمن بها ونعتقد بحقَّانيَّتها - منكر ونكير -، سواء كانت تحصل مع أبداننا هذه أم المثاليَّة، وهذه الزيارة المباركة تأخذ بنا إلى حالة الإيمان بها.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(408) بحار الأنوار (ج 6/ ص 270).
(409) علم اليقين في أُصول الدِّين (ج 2/ ص 1083).
(410) تعليقات على البداية والنهاية (ص 134).

(٢١٧)

الفقرة الحادية والعشرون: «وَأَشْهَدُ أَنَّ النَّشْرَ حَقٌّ، وَالبَعْثَ حَقٌّ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: (النشر والبعث) في اللغة:
استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
1 - النشور: الحياة بعد الموت، ينشرهم الله تعالى (انتشاراً)(411)، والأصل في (نشر) هو الدلالة على فتح شيء وتشعُّبه(412)، وممَّا يرادف النشر الحشر حيث ورد في معناه: الحشر يوم القيامة، والحشر هو المجمع الذي يُحشَر إليه القوم(413)، وسيأتي في الفقرة التالية.
2 - البعث: الإرسال كبعث الله تعالى من في القبور، ويوم البعث يوم القيامة، وبعثته من نومه فانبعث أي انتبه(414)، والأصل في (بعث) الإثارة(415).
النقطة الثانية: (النشر والبعث) في القرآن الكريم:
ورد ذكر المفردات في العديد من الآيات القرآنيَّة، منها:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(411) العين للفراهيدي (ج 6/ ص 252).
(412) معجم مقاييس اللغة (ج 5/ ص 430).
(413) العين للفراهيدي (ج 3/ ص 92).
(414) العين للفراهيدي (ج 2/ ص 112).
(415) معجم مقاييس اللغة (ج 1/ ص 266).

(٢١٩)

1 - قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ﴾ (يونس: 45).
2 - قوله تعالى: ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً﴾ (الكهف: 47).
3 - قوله تعالى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (النحل: 38).
النقطة الثالثة: (النشر والبعث) في الروايات الشريفة:
ورد ذكر المفردات في العديد من الروايات، منها:
1 - قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «حُبِّي وَحُبُّ أَهْلِ بَيْتِي نَافِعٌ فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ أَهْوَالُهُنَّ عَظِيمَةٌ: عِنْدَ اَلْوَفَاةِ، وَفِي اَلْقَبْرِ، وَعِنْدَ اَلنُّشُورِ، وَعِنْدَ اَلْكِتَابِ، وَعِنْدَ اَلْحِسَابِ، وَعِنْدَ اَلْمِيزَانِ، وَعِنْدَ اَلصِّرَاطِ»(416).
2 - وعنه (عليه السلام): «... تَرَصَّدُوا مَوَاعِيدَ اَلْآجَالِ، وَبَاشِرُوهَا بِمَحَاسِنِ اَلْأَعْمَالِ...، فَكَأَنَّكُمْ بِالنُّفُوسِ قَدْ سُلِبَتْ، وَبِالْأَبْدَانِ قَدْ عُرِيَتْ، وَبِالمَوَارِيثِ قَدْ قُسِمَتْ، فَتَصِيرُ - يَا ذَا اَلدَّلَالِ وَاَلْهَيْأَةِ وَاَلْجَمَالِ - إِلَى مَنْزِلَةٍ شَعْثَاءَ، وَمَحَلَّةٍ غَبْرَاءَ، فَتُنَوَّمُ عَلَى خَدِّكَ فِي لَحْدِكَ، فِي مَنْزِلٍ قَلَّ زُوَّارُهُ، وَمَلَّ عُمَّالُهُ، حَتَّى تُشَقَّ عَنِ اَلْقُبُورِ وَتُبْعَثَ إِلَى اَلنُّشُورِ...»(417).
3 - عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إِنَّ اَللهَ يَبْعَثُ شِيعَتَنَا يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ عَلَى مَا فِيهِمْ مِنْ ذُنُوبٍ أَوْ غَيْرِهِ مُبْيَضَّةً وُجُوهُهُمْ، مَسْتُورَةً عَوْرَاتُهُمْ، آمِنَةً رَوْعَتُهُمْ، قَدْ سَهُلَتْ لَهُمُ اَلمَوَارِدُ، وَذَهَبَتْ عَنْهُمُ اَلشَّدَائِدُ، يَرْكَبُونَ نُوقاً مِنْ يَاقُوتٍ، فَلَا يَزَالُونَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(416) الخصال (ص 360/ ح 49).
(417) أمالي الطوسي (ص 652/ ح 1353/3).

(٢٢٠)

يَدُورُونَ خِلَالَ اَلْجَنَّةِ، عَلَيْهِمْ شُرُكٌ مِنْ نُورٍ يَتَلَأْلَأُ، تُوضَعُ لَهُمُ اَلمَوَائِدُ، فَلَا يَزَالُونَ يَطْعَمُونَ وَاَلنَّاسُ فِي اَلْحِسَابِ، وَهُوَ قَوْلُ اَللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: 101 و102]»(418).
النقطة الرابعة: أقوال العلماء في (النشر والبعث):
1 - قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): (اعتقادنا في البعث بعد الموت أنَّه حقٌّ)(419).
2 - قال الشيخ المفيد (رحمه الله): (القول في أحوال المكلَّفين من رعايا الأئمَّة (عليهم السلام) بعد الوفاة: أقول: إنَّهم أربع طبقات: طبقة يحييهم الله ويسكنهم مع أوليائهم في الجنان، وطبقة يحيون ويلحقون بأئمَّتهم في محلِّ الهوان، وطبقة أقف فيهم وأُجوِّز حياتهم وأُجوِّز كونهم على حال الأموات، وطبقة لا يحيون بعد الموت حتَّى النشور والمآب)(420).
3 - وقال (رحمه الله): (... ويجب اعتقاد البعث بعد الموت، والحساب، والجزاء، والقصاص، والجنَّة، والنار...)(421).
4 - قال أبو صلاح الحلبي (رحمه الله): (وقوله تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى...﴾ [الرحمن: 26 و27]، والدلالة على وجوب إعادة الخلق بعد فنائه حصول العلم بذلك من دينه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وتضمُّن القرآن له)(422).
5 - قال الخواجة الطوسي (رحمه الله): (ووجوب إيفاء الوعد والحكمة يقتضي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(418) المحاسن للبرقي (ج 1/ ص 178 و179/ ح 166).
(419) الاعتقادات في دين الإماميَّة (ص 64).
(420) أوائل المقالات (ص 75).
(421) المقنعة (ص 33).
(422) الكافي في الفقه (ص 486 و487).

(٢٢١)

وجوب البعث، والضرورة قاضية بثبوت الجسماني من دين النبيِّ مع إمكانه)(423).
6 - قال العلَّامة (رحمه الله) في شرح الفقرة المتقدِّمة للخواجة (رحمه الله): (أقول: اختلف الناس هنا، فذهب الأوائل إلى نفي المعاد الجسماني، وأطبق المليُّون عليه، وإنَّما قلنا بأنَّه ممكن لأنَّ المراد من الإعادة جمع الأجزاء المتفرِّقة، وذلك جائزة بالضرورة)(424).
7 - قال الشيخ المظفَّر (رحمه الله) في (عقائد الإماميَّة): (نعتقد أنَّ الله تعالى يبعث الناس بعد الموت في خلق جديد في اليوم الموعود به عباده، فيثيب المطيعين ويُعذِّب العاصين، وهذا أمر على جملته وما عليه من البساطة في العقيدة اتَّفقت عليه الشرائع السماويَّة والفلاسفة، ولا محيص للمسلم من الاعتراف به عقيدة قرآنيَّة جاء بها نبيُّنا الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم))(425).
النقطة الخامسة: المستفاد من الفقرة:
أدلَّة الاعتقاد بالمعاد:
الاعتقاد بالمعاد من أُصول الدِّين، ويُمثِّل أحد الأسئلة الكبيرة التي تعيش مع الإنسان وترافقه طيلة وجوده في هذه الحياة، ويُعَدُّ الإيمان به من العناصر الأساسيَّة في كلِّ شريعة سماويَّة، كما وأنَّه خضع لعدَّة تفسيرات، وتعرَّض لعدَّة شُبُهات وموجات إنكار شديدة، وتُشكِّل الروح بل الجسد العنصر الأساسي في هذه العقيدة، والفقرة الشريفة تُحدِّثنا عنها وعن حقَّانيَّتها، ونضع الكلام عنه في نقاط:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(423) كشف المراد (ص 431).
(424) المصدر السابق.
(425) عقائد الإماميَّة (ص 126).

(٢٢٢)

1 - أُقيمت العديد من الأدلَّة على إثبات المعاد وإمكان وقوعه، بمعنى حياة الناس بعد الموت وإعادة الأرواح إلى الأبدان، وتقدَّم في الحديث عن الرجعة وقوع نحوٍ من أنحاء المعاد وعودة بعض الأرواح في هذه الحياة، فالمعاد ولو بمعنى من المعاني أمر واقع وحقيقة متجسِّدة.
وكيف كان، فما ذُكِرَ في إثبات المعاد عدَّة أدلَّة، فاقتضاء عدل الله تعالى وحكمته ورحمته إيجاد المعاد، قال تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ (المؤمنون: 115)، وقال تعالى: ﴿كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ (الأنعام: 12). هذا فضلاً عن العديد من الأدلَّة العقليَّة والنقليَّة التي ذُكِرَت في كُتُب أُصول الدِّين وبحث إثبات المعاد.
فالمعاد ضرورة مرتبطة بوجودنا الذي سنغادر إليه عاجلاً أم آجلاً، قال تعالى: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ (الأعراف: 29).
وأروع تجسيد حيٍّ للمعاد والحشر قوله تعالى: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (الروم: 50)، فالإماتة والإحياء حقيقة تتجسَّد في الموجودات من حولنا، بل وفينا وإنْ كنَّا لا ننظر إلى آثارها ونغفل في العادة عنها.
حقيقة الإنسان بروحه:
2 - رغم هذا الوضوح والجلاء في حقيقة الموت والحشر والنشر والبعث إلَّا أنَّ البعض يعتبره أُسطورة مستبعداً حصوله، قال تعالى حاكياً قول هؤلاء: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ (المؤمنون: 83)، إذ كيف في نظر هؤلاء يُعاد المعدوم؟ فالبدن الذي تُلِفَ وانعدم بالموت وصار جزءاً من التراب أنَّى له بالعودة، قال تعالى حاكياً قولهم: ﴿وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً﴾ (الإسراء: 49).

(٢٢٣)

غاب عن هؤلاء أنَّ حقيقة الإنسان بروحه، وأنَّها لا تنعدم ولا تفنى، وكيف تنعدم وهي من الحيِّ القيوم؟ قال تعالى: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ (الحجر: 29). وإنَّ هذه الروح سوف ترجع لكي تلتقي بالبدن مرَّةً أُخرى، وإنْ كان انفصالها عنه ليس بالانفصال التامِّ والبينونة الكلّيَّة.
حقيقة الحشر والمعاد:
3 - في حقيقة حشر الناس في يوم البعث عدَّة آراء وأقوال: من أنَّ الحشر الذي سيكون للإنسان هو بنفس الحقيقة التي كان عليها في الدنيا، أو بكيفيَّة أُخرى وأبدان تُخلَق في ذلك العالم، أو أنَّها نظير ومماثل لما هي في عالمنا، ولعلَّ المتصوَّر تبعاً لما جاء به النصُّ القطعي هو القول بالمعاد الروحاني والجسماني، وهي النظريَّة المشهورة لدى علماء الإسلام من مختلف المدارس.
قال الخواجة نصير الدِّين الطوسي (رحمه الله): (المسألة الرابعة: في الثواب والعقاب، وهما إمَّا بدنيَّان كاللذَّات [الجسميَّة] والآلام الحسّيَّة، وإمَّا نفسانيَّان كالتعظيم والإجلال)(426).
المعاد الجسماني والروحاني:
وظاهر كلامه أنَّ المعاد الذي يترتَّب عليه الثواب والعقاب المرتبط بحقيقة الحشر والبعث فإنَّه إنْ كان جسمانيًّا فالثواب والعقاب للبدن، وإنْ كان روحانيًّا كان على الروح، ثمّ قال (رحمه الله) عبارةً جميلةً جدًّا: (وتفصيلهما لا يُعلَم إلَّا بالشرع)(427)، لأنَّ هذه الأُمور لا ينالها العقل.
شمول الحشر للجميع:
4 - لا بدَّ أنْ نؤمن أنَّ النشر والبعث والحشر حقائق لا بدَّ أنْ تقع فينا يوماً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(426) قواعد العقائد (ص 103).
(427) المصدر السابق.

(٢٢٤)

ما، كما جاء على لسان الوحي، بأيِّ كيفيَّة كان وعلى أيِّ نحو وقع، وأنْ نؤمن حتَّى في شموله لكلِّ الموجودات من المخلوقات التي لا نعرفها أو الحيوانات والنبات بل حتَّى الجمادات، قال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ (الأنعام: 38)، وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً﴾ (الكهف: 47 و48).
وممَّا دلَّ على حشر الجمادات قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ (الأحقاف: 5 و6)(428)، فما كان يعبده هؤلاء من الجمادات والأحجار سوف يُحشَر يوم القيامة وسيكفر به من كان يعبده.
قال ملَّا صدرا (رحمه الله): (الدعوى الخامسة: في حشر الجماد والعناصر:... ما من موجود من الموجودات الطبيعيَّة إلَّا وله صوره نفسانيَّة... لكلِّ صورة طبيعيَّة في عالم الشهادة صورة نفسانيَّة في عالم الغيب هي معادها ومرجعها الذي يُحشَر إليه بعد زوال المادَّة)(429)، وقد ذكر كلاماً مفصَّلاً في ذلك، فراجع.
وقال السيِّد محمّد حسين الطهراني (رحمه الله): (عموميَّة المعاد لجميع الموجودات الأرضيَّة والسماويَّة:... وقد ذكرنا في الأبحاث السابقة أنَّ تمام العالم حيٌّ ذو شعور وقدرة، وأنَّ الحيوانات والنباتات والجمادات ذات قدرة وقوَّة إدراك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(428) معرفة المعاد (ج 9/ المجلس 59).
(429) الأسفار (ج 5/ ص 257 - 263).

(٢٢٥)

وعلى الرغم من تصوُّرنا بأنَّ الجمادات لا تتمتَّع بالحياة والعلم، إلَّا أنَّها ليست كذلك في حقيقة الأمر)(430).
ويقول (رحمه الله) في موضع آخر: (ويحكم على الجميع بالمعاد والحشر على نحو الإطلاق والعموم. وعلى هذا الأساس، فلا اختصاص للمعاد بالإنس والجنِّ، بل المعاد والحشر للملائكة والنباتات والجمادات أيضاً، وبشكلٍ عامٍّ فالمعاد لكلِّ موجود سواء كان أرضيًّا أم سماويًّا أم ما بينهما)(431).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(430) معرفة المعاد (ج 9/ ص 1 - 8).
(431) معرفة المعاد (ج 9/ ص 8).

(٢٢٦)

الفقرة الثانية والعشرون: «وَأَنَّ الصِّرَاطَ حَقٌّ، وَالمِرْصَادَ حَقٌّ، وَالمِيزَانَ حَقٌّ، وَالحَشْرَ حَقٌّ، وَالحِسَابَ حَقٌّ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: (الصراط والمرصاد والميزان والحشر والحساب) في اللغة:
استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
1 - الصراط: هو الطريق(432)، وقيل: هو الطريق السهل، إذ إنَّ الطريق لا يقتضي السهولة(433).
2 - المرصاد: بمعنى رقبته، من الرصد، وتأويله في ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ (الفجر: 14) التحذير من التهاون بأمر الله سبحانه وتعالى والغفلة عن الأُهبة والاستعداد للعرض عليه(434)، وقيل: المرصاد المحبس، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً﴾ (النبأ: 21)، أي محبساً يُحبَس فيه الناس(435).
3 - الميزان: الوزن في الشيء قدره، والميزان ما وزنت به(436)، والأصل فيه التعديل والاستقامة(437).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(432) معجم مقاييس اللغة (ج 3/ ص 349).
(433) الفروق اللغويَّة (ص 313).
(434) الفروق اللغويَّة (ص 131).
(435) مجمع البحرين (ج 3/ ص 52).
(436) العين للفراهيدي (ج 7/ ص 386).
(437) معجم مقاييس اللغة (ج 6/ ص 107).

(٢٢٧)

4 - الحساب: هو عدُّ الأشياء(438)، وحاسبته من المحاسبة، واحتسبت عليه كذا، واحتسبت بكذا أجراً عند الله، والاسم الحسبة بالكسر، وهي الأجر(439).
النقطة الثانية: (الصراط والمرصاد والميزان والحشر والحساب) في القرآن الكريم:
ورد ذكر المفردات في العديد من الآيات القرآنيَّة، منها:
1 - قوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ﴾ (المؤمنون: 73 و74).
2 - قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ (الفجر: 14).
3 - قوله تعالى: ﴿اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾ (الشورى: 17).
4 - قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ﴾ (آل عمران: 158).
5 - قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَءُوا كِتابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ﴾ (الحاقَّة: 19 و20).
النقطة الثالثة: (الصراط والمرصاد والميزان والحشر والحساب) في الروايات الشريفة:
ورد ذكر المفردات في العديد من الروايات، منها:
1 - عن زيد الشحَّام، قال: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام)، فَقَالَ: «يَا زَيْدُ، جَدِّدْ عِبَادَةً، وَأَحْدِثْ تَوْبَةً»، قَالَ: نَعَيْتَ إِلَيَّ نَفْسِي جُعِلْتُ فِدَاكَ؟ قَالَ: فَقَالَ لِي:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(438) العين للفراهيدي (ج 3/ ص 149).
(439) الصحاح للجوهري (ج 1/ ص 110).

(٢٢٨)

«يَا زَيْدُ، مَا عِنْدَنَا خَيْرٌ لَكَ، وَأَنْتَ مِنْ شِيعَتِنَا»، قَالَ: وَقُلْتُ: وَكَيْفَ لِي أَنْ أَكُونُ مِنْ شِيعَتِكُمْ؟ قَالَ: فَقَالَ لِي: «أَنْتَ مِنْ شِيعَتِنَا، إِلَيْنَا اَلصِّرَاطُ وَاَلْمِيزَانُ وَحِسَابُ شِيعَتِنَا، وَاَللهِ لَأَنَّا أَرْحَمُ بِكُمْ مِنْكُمْ بِأَنْفُسِكُمْ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكَ وَرَفِيقِكَ فِي دَرَجَتِكَ فِي اَلْجَنَّةِ»(440).
2 - عن مقرِّن، قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام) يَقُولُ: «جَاءَ اِبْنُ اَلْكَوَّاءِ إِلَى أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ، ﴿وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ﴾ [الأعراف: 46]، فَقَالَ: نَحْنُ عَلَى اَلْأَعْرَافِ، نَعْرِفُ أَنْصَارَنَا بِسِيمَاهُمْ، وَنَحْنُ اَلْأَعْرَافُ اَلَّذِي لَا يُعْرَفُ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَّا بِسَبِيلِ مَعْرِفَتِنَا، وَنَحْنُ اَلْأَعْرَافُ يُعَرِّفُنَا اَللهُ (عزَّ وجلَّ) يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ عَلَى اَلصِّرَاطِ، فَلَا يَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَنَا وَعَرَفْنَاهُ، وَلَا يَدْخُلُ اَلنَّارَ إِلَّا مَنْ أَنْكَرَنَا وَأَنْكَرْنَاهُ، إِنَّ اَللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَوْ شَاءَ لَعَرَّفَ اَلْعِبَادَ نَفْسَهُ، وَلَكِنْ جَعَلَنَا أَبْوَابَهُ وَصِرَاطَهُ وَسَبِيلَهُ وَاَلْوَجْهَ اَلَّذِي يُؤْتَى مِنْهُ، فَمَنْ عَدَلَ عَنْ وَلَايَتِنَا أَوْ فَضَّلَ عَلَيْنَا غَيْرَنَا فَإِنَّهُمْ عَنِ اَلصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ، فَلَا سَوَاءٌ مَنِ اِعْتَصَمَ اَلنَّاسُ بِهِ، وَلَا سَوَاءٌ حَيْثُ ذَهَبَ اَلنَّاسُ إِلَى عُيُونٍ كَدِرَةٍ يُفْرَغُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، وَذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ إِلَيْنَا إِلَى عُيُونٍ صَافِيَةٍ تَجْرِي بِأَمْرِ رَبِّهَا، لَا نَفَادَ لَهَا وَلَا اِنْقِطَاعَ»(441).
3 - عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قال النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أَخْبَرَنِي اَلرُّوحُ اَلْأَمِينُ أَنَّ اَللهَ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِذَا وَقَفَ اَلْخَلَائِقَ وَجَمَعَ اَلْأَوَّلِينَ وَاَلْآخِرِينَ أُتِيَ بِجَهَنَّمَ تُقَادُ بِأَلْفِ زِمَامٍ...، ثُمَّ يُوضَعُ عَلَيْهَا صِرَاطٌ أَدَقُّ مِنَ اَلشَّعْرِ وَأَحَدُّ مِنَ اَلسَّيْفِ، عَلَيْهِ ثَلَاثُ قَنَاطِرَ: اَلْأُولَى عَلَيْهَا اَلْأَمَانَةُ وَاَلرَّحْمَةُ، وَاَلثَّانِيَةُ عَلَيْهَا اَلصَّلَاةُ، وَاَلثَّالِثَةُ عَلَيْهَا رَبُّ اَلْعَالَمِينَ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، فَيُكَلَّفُونَ اَلمَمَرَّ عَلَيْهَا، فَتَحْبِسُهُمُ اَلرَّحْمَةُ وَاَلْأَمَانَةُ، فَإِنْ نَجَوْا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(440) بصائر الدرجات (ص 285/ ج 6/ باب 1/ ح 15).
(441) الكافي (ج 1/ ص 184/ باب معرفة الإمام والردِّ إليه/ ح 9).

(٢٢٩)

مِنْهَا حَبَسَتْهُمُ اَلصَّلَاةُ، فَإِنْ نَجَوْا مِنْهَا كَانَ اَلمُنْتَهَى إِلَى رَبِّ اَلْعَالَمِينَ (جَلَّ ذِكْرُهُ)، وَهُوَ قَوْلُ اَللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ [الفجر: 14]...»(442).
4 - عن سعد، عن أبي جعفر (عليه السلام): «... وَنَحْنُ سَبِيلُ اَللهِ اَلَّذِي مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ يُطَافُ بِالْحِصْنِ، وَاَلْحِصْنُ هُوَ اَلْإِمَامُ، فَيُكَبِّرُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ، كَانَتْ لَهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ صَخْرَةٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِهِ مِنَ اَلسَّمَاوَاتِ اَلسَّبْعِ وَاَلْأَرَضِينَ اَلسَّبْعِ وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ وَمَا تَحْتَهُنَّ»، قُلْتُ: يَا بَا جَعْفَرٍ، وَمَا اَلْمِيزَانُ؟ فَقَالَ: «إِنَّكَ قَدِ اِزْدَدْتَ قُوَّةً وَنَظَراً يَا سَعْدُ، رَسُولُ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اَلصَّخْرَةُ، وَنَحْنُ اَلْمِيزَانُ، وَذَلِكَ قَوْلُ اَللهِ فِي اَلْإِمَامِ: ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: 25]»(443).
5 - عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: دَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي عَلِيِّ بْنَ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام)، فَلَمَّا بَصُرَ بِي قَالَ لِي: «مَرْحَباً بِكَ يَا أَبَا اَلْقَاسِمِ، أَنْتَ وَلِيُّنَا حَقًّا»، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اَللهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكَ دِينِي، فَإِنْ كَانَ مَرْضِيًّا ثَبَتُّ عَلَيْهِ حَتَّى أَلْقَى اَللهَ (عزَّ وجلَّ)، فَقَالَ: «هَاتِ يَا أَبَا اَلْقَاسِمِ»، فَقُلْتُ: إِنِّي أَقُولُ: إِنَّ اَللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَاحِدٌ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، خَارِجٌ عَنِ اَلْحَدَّيْنِ: حَدِّ اَلْإِبْطَالِ وَحَدِّ اَلتَّشْبِيهِ، وَإِنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا صُورَةٍ، وَلَا عَرَضٍ وَلَا جَوْهَرٍ، بَلْ هُوَ مُجَسِّمُ اَلْأَجْسَامِ، وَمُصَوِّرُ اَلصُّوَرِ، وَخَالِقُ اَلْأَعْرَاضِ وَاَلْجَوَاهِرِ، وَرَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَالِكُهُ وَجَاعِلُهُ وَمُحْدِثُهُ. وَإِنَّ مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَاتَمُ اَلنَّبِيِّينَ، فَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ. وَإِنَّ شَرِيعَتَهُ خَاتِمَةُ اَلشَّرَائِعِ، فَلَا شَرِيعَةَ بَعْدَهَا إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ. وَأَقُولُ: إِنَّ اَلْإِمَامَ وَاَلْخَلِيفَةَ وَوَلِيَّ اَلْأَمْرِ بَعْدَهُ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، ثُمَّ اَلْحَسَنُ، ثُمَّ اَلْحُسَيْنُ، ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ، ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثُمَّ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ، ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى، ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثُمَّ أَنْتَ يَا مَوْلَايَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(442) الكافي (ج 8/ ص 312/ ح 486).
(443) بصائر الدرجات (ص 331 و332/ ج 6/ باب 18/ ح 12).

(٢٣٠)

فَقَالَ (عليه السلام): «وَمِنْ بَعْدِي اَلْحَسَنُ اِبْنِي، فَكَيْفَ لِلنَّاسِ بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ؟»، قَالَ: فَقُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ، يَا مَوْلَايَ؟ قَالَ: «لِأَنَّهُ لَا يُرَى شَخْصُهُ، وَلَا يَحِلُّ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ حَتَّى يَخْرُجَ فَيَمْلَأَ اَلْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً»، قَالَ: فَقُلْتُ: أَقْرَرْتُ. وَأَقُولُ: إِنَّ وَلِيَّهُمْ وَلِيُّ اَللهِ، وَعَدُوَّهُمْ عَدُوُّ اَللهِ، وَطَاعَتَهُمْ طَاعَةُ اَللهِ، وَمَعْصِيَتَهُمْ مَعْصِيَةُ اَللهِ. وَأَقُولُ: إِنَّ اَلْمِعْرَاجَ حَقٌّ، وَاَلمَسْأَلَةَ فِي اَلْقَبْرِ حَقٌّ، وَإِنَّ اَلْجَنَّةَ حَقٌّ، وَاَلنَّارَ حَقٌّ، وَاَلصِّرَاطَ حَقٌّ، وَاَلْمِيزَانَ حَقٌّ، ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ [الحجّ: 7]. وَأَقُولُ: إِنَّ اَلْفَرَائِضَ اَلْوَاجِبَةَ بَعْدَ اَلْوَلَايَةِ: اَلصَّلَاةُ، وَاَلزَّكَاةُ، وَاَلصَّوْمُ، وَاَلْحَجُّ، وَاَلْجِهَادُ، وَاَلْأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ، وَاَلنَّهْيُ عَنِ اَلمُنْكَرِ. فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام): «يَا أَبَا اَلْقَاسِمِ، هَذَا وَاَللهِ دِينُ اَللهِ اَلَّذِي اِرْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ، فَاثْبُتْ عَلَيْهِ، ثَبَّتَكَ اَللهُ بِالْقَوْلِ اَلثَّابِتِ فِي اَلْحَيَاةِ اَلدُّنْيَا وَ[فِي] اَلْآخِرَةِ»(444).
النقطة الرابعة: أقوال العلماء في (الصراط والمرصاد والميزان والحشر والحساب):
1 - قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): (باب الاعتقاد في الصراط: اعتقادنا في الصراط أنَّه حقٌّ، وأنَّه جسر جهنَّم، وأنَّ عليه ممرُّ جميع الخلق، قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُها كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا﴾ [مريم: 71]، والصراط في وجه آخر اسم حُجَج الله، فمن عرفهم في الدنيا وأطاعهم أعطاه الله جوازاً على الصراط الذي هو جسر جهنَّم يوم القيامة. وقال النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعليٍّ: «يَا عَلِيُّ، إِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ أَقْعُدُ أَنَا وَأَنْتَ وَجَبْرَئِيلُ عَلَى اَلصِّرَاطِ، فَلَا يَجُوزُ عَلَى اَلصِّرَاطِ إِلَّا مَنْ كَانَتْ مَعَهُ بَرَاءَةٌ بِوَلَايَتِكَ»)(445).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(444) كمال الدِّين (ص 379 و380/ باب 37/ ح 1).
(445) الاعتقادات في دين الإماميَّة (ص 70).

(٢٣١)

2 - قال الشيخ المفيد (رحمه الله) في شرح عبارة الشيخ الصدوق (رحمه الله): (الصراط في اللغة هو الطريق، فلذلك سُمِّي الدِّين صراطاً، لأنَّه طريق إلى الصواب، [وله سُمِّي] الولاء لأمير المؤمنين والأئمَّة من ذرّيَّته (عليهم السلام) صراطاً. ومن معناه قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أَنَا صِرَاطُ اَللهِ اَلمُسْتَقِيمُ، وَعُرْوَتُهُ اَلْوُثْقَى اَلَّتِي لَا اِنْفِصَامَ لَهَا»، يعني: أنَّ معرفته والتمسُّك به طريق إلى الله سبحانه.
وقد جاء الخبر بأنَّ الطريق يوم القيامة إلى الجنَّة كالجسر يمرُّ به الناس، وهو الصراط الذي يقف عن يمينه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعن شماله أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويأتيهما النداء من قِبَل الله تعالى: ﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [ق: 24].
وجاء الخبر أنَّه لا يعبر الصراط يوم القيامة إلَّا من كان معه براءة من عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) من النار. وجاء الخبر بأنَّ الصراط أدقّ من الشعرة، وأحدّ من السيف على الكافر. والمراد بذلك أنَّه لا تثبت لكافر قدم على الصراط يوم القيامة من شدَّة ما يلحقهم من أهوال يوم القيامة ومخاوفها، فهم يمشون عليه كالذي يمشي على الشيء الذي هو أدقّ من الشعرة وأحدّ من السيف.

وهذا مثل مضروب لما يلحق الكافر من الشدَّة في عبوره على الصراط، وهو طريق إلى الجنَّة وطريق إلى النار، يشرف العبد منه إلى الجنَّة ويرى منه أهوال النار. وقد يُعبَّر به عن الطريق المعوج، فلهذا قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً﴾ [الأنعام: 153]، فميَّز بين طريقه الذي دعا إلى سلوكه من الدِّين، وبين طُرُق الضلال. وقال الله تعالى فيما أمر به عباده من الدعاء وتلاوة القرآن: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: 6]، فدلَّ على أنَّ ما سواه صراط غير مستقيم. وصراط الله تعالى دين الله، وصراط الشيطان طريق العصيان،

(٢٣٢)

والصراط في الأصل - على ما بيَّنَّاه - هو الطريق، والصراط يوم القيامة هو الطريق المسلوك إلى الجنَّة أو النار - على ما قدَّمناه -)(446).
3 - قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): (باب الاعتقاد في العقبات التي على طريق المحشر: اعتقادنا في ذلك أنَّ هذه العقبات اسم كلِّ عقبة منها على حِدَة اسم فرض، أو أمر، أو نهي. فمتى انتهى الإنسان إلى عقبة اسمها فرض، وكان قد قصَّر في ذلك الفرض، حُبِسَ عندها وطولب بحقِّ الله فيها، فإنْ خرج منه بعمل صالح قدَّمه أو برحمة تداركه نجا منها إلى عقبة أُخرى. فلا يزال يدفع من عقبة إلى عقبة، ويُحبَس عند كلِّ عقبة، فيُسئَل عمَّا قصَّر فيه من معنى اسمها. فإنْ سلم من جميعها انتهى إلى دار البقاء، فحيي حياة لا موت فيها أبداً، وسعد سعادة لا شقاوة معها أبداً، وسكن جوار الله مع أنبيائه وحُجَجه والصدِّيقين والشهداء والصالحين من عباده. وإنْ حُبِسَ على عقبة فطولب بحقٍّ قصَّر فيه، فلم ينجه عمل صالح قدَّمه، ولا أدركته من الله (عزَّ وجلَّ) رحمة، زلَّت قدمه عن العقبة فهوى في جهنَّم نعوذ بالله منها. وهذه العقبات كلُّها على الصراط. اسم عقبة منها: الولاية، يوقف جميع الخلائق عندها، فيُسئَلون عن ولاية أمير المؤمنين والأئمَّة من بعده (عليهم السلام)، فمن أتى بها نجا وجاز، ومن لم يأتِ بها بقي فهوى، وذلك قوله تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾ [الصافَّات: 24]. واسم عقبة منها: المرصاد، وذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ [الفجر: 14])(447).
4 - قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): (باب الاعتقادات في الحساب والميزان: اعتقادنا فيهما أنَّهما حقٌّ. منه ما يتولَّاه الله تعالى، ومنه ما يتولَّاه حُجَجه. فحساب الأنبياء والرُّسُل والأئمَّة (عليهم السلام) يتولَّاه الله (عزَّ وجلَّ)، ويتولَّى كلُّ نبيٍّ حساب أوصيائه، ويتولَّى الأوصياء حساب الأُمَم. والله تعالى هو الشهيد على الأنبياء والرُّسُل،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(446) تصحيح اعتقادات الإماميَّة (ص 108 - 111).
(447) الاعتقادات في دين الإماميَّة (ص 71 و72).

(٢٣٣)

وهم الشهداء على الأوصياء، والأئمَّة شهداء على الناس، وذلك قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ [البقرة: 143]، وقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هؤُلَاءِ شَهِيداً﴾ [النساء: 41]، وقال (عزَّ وجلَّ): ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: 17]، والشاهد أمير المؤمنين. وقال (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ [الغاشية: 25 و26]. وسُئِلَ الصادق (عليه السلام) عن قول الله: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً﴾ [الأنبياء: 47]، قال: «اَلمَوَازِينُ اَلْأَنْبِيَاءُ وَاَلْأَوْصِيَاءُ»)(448).
5 - قال المحقِّق الحلِّي (رحمه الله): (وأمَّا الميزان والصراط فيجب الإقرار بهما للإجماع والقرآن والأخبار. ويكون معنى الميزان ما يُعرَف به التفاوت بين الأعمال. والصراط طريق الحقِّ، وقد قيل: إنَّه جسر يمرُّ عليه إلى الجنَّة، وهذا من الممكن، غير أنَّ التأويل الأوَّل يدلُّ عليه قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يس: 3 و4]، أي دين حقٍّ)(449).
6 - قال العلَّامة (رحمه الله): (يجب الإقرار بكلِّ ما جاء به النبيُّ من الأُمور الممكنة، فمن ذلك الصراط هو على ما ورد في بعض الأخبار جسر ممدود على متن جهنَّم أدقّ من الشعر وأحدّ من السيف، تعبره أهل الجنَّة ويزلُّ به أقدام أهل النار، ويوافقه ما صرَّح به ابن بابويه في (الاعتقادات) من أنَّه جسر جهنَّم ويمرُّ عليه جميع الخلق. والميزان هو في المشهور ميزان له كفَّتان ولسان وشاهين يوزن به الأعمال، وقد ورد تفسيره بذلك في بعض الأحاديث)(450).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(448) الاعتقادات في دين الإماميَّة (ص 73 و74).
(449) المسلك في أُصول الدِّين (ص 140).
(450) الباب الحادي عشر (ص 212).

(٢٣٤)

النقطة الخامسة: المستفاد من الفقرة:
متى يبدأ نفخ الصور؟
بعد أنْ يقضي الإنسان ما هو مقدَّر له في الدنيا وينتقل إلى العالم الآخر عبر الموت، يعيش في ذلك العالم ما شاء الله تعالى إلى أنْ تأتي الرجعة على ما تحدَّثنا به عنها، فيرجع من يرجع، ويبقى في عالم البرزخ من يبقى إلى حين أوان عالم القيامة والحشر والبعث، وقد دلَّت النصوص على أنَّ مبدأ الحشر هو نفخ الصور، قال تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾ (يس: 51)، وقال تعالى: ﴿فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾ (الزمر: 68)، فتأتي هذه النفخة لتأذن للأبدان بقدرة بارئها للالتحاق بالأرواح على ما تقدَّم الحديث عنه في الفقرة المتقدِّمة.
ما هي حقيقة النفخ؟
ليس المقصود من النفخ هو النفخ في بوقٍ مادِّي، إنَّما هو كناية عن حدث عظيم وحادث مهول، إذ لا حاجة للوسائل المادّيَّة في تلك العوالم، حين ذاك تبدأ مراحل يوم القيامة التي أشارت إليها الفقرة من وزن الأعمال تمهيداً للحساب والعبور على الطريق، قال تعالى: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ﴾ (الأعراف: 8 و9)، ووزن الأعمال يكون لكلِّ شيء بحسبه، فالصلاة مقياسها الصلاة الكاملة، والصوم مقياسه الصوم الكامل، وهكذا كلُّ عمل فإنَّ له ميزاناً حقًّا يُقاس به، ومن أهمّها العقيدة الحقَّة والولاء لأهل البيت (عليهم السلام) على ما نطقت به الروايات المتقدِّمة.
كيف توزن الأعمال؟
بعد وزن أعمال الإنسان تُوفَّى كلُّ نفسٍ حقَّها، قال تعالى: ﴿ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ

(٢٣٥)

نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ (البقرة: 281)، نعم إنَّما يكون ذلك على أساس ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ (الأنعام: 160)، وعلى أساس ﴿يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ (الفرقان: 70)، أمَّا فيما عند الله تعالى فإنَّه قال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ (الأعراف: 156).
ما هي حقيقة الذنوب؟
وقع كلامٌ في حقيقة الذنوب وما يترتَّب عليها من عقاب، أو طاعة وما يترتَّب عليها من ثواب، فهل على أساس أنَّ الثواب والعقاب هو قضيَّة اعتباريَّة خارجة عن نفس الإنسان وموجودة وتُسلَّم له عندما يحين وقتها، أم أنَّ الأساس في ذلك هو نظريَّة تجسُّم الأعمال والبناء على الآثار التكوينيَّة للطاعة والعصيان؟ أقوال وتفصيلات، لا يسعنا الخوض في تفاصيلها التي تعتمد على مقدَّمات تخصُّصيَّة، نعم الجدير بالالتفات إليه أنَّ هناك إحباط لأعمال الإنسان قد يتعرَّض له بسبب بعض ما يقوم به، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ (الحجرات: 2)، فإذا كان مجرَّد رفع الصوت على النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن هو في مقامه يوجب ذلك، فكيف بغيره من إيذاء النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وذرّيَّته من التجاوز على أمير المؤمنين (عليه السلام) وسلبه حقَّه، والاعتداء على الزهراء (عليها السلام)، وانتهاك الذرّيَّة الطاهرة (عليهم السلام)؟
ما يهمُّنا هو أنَّ تحقُّق العذاب أو حصول الشفاعة من أهل البيت (عليهم السلام) ممَّا دلَّت عليه الأدلَّة.
كيف يحمل الإنسان كتابه؟
يأتي الإنسان بعد البعث حاملاً كتابه وصحيفة أعماله، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا

(٢٣٦)

مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً﴾ (الانشقاق: 1 - 11). وهذه الصحيفة ليست كتاباً متعارفاً بمعناه المعهود عندنا، وإنَّما هو معنى كنائي عن الإحصاء والضبط لأعمال الإنسان، فالكتاب هو تلك الأعمال التي سوف يراها الإنسان ماثلةً أمامه، ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً﴾ (الإسراء: 14)، كيف يقرأ هذا الكتاب الذي لم يكن قد رآه سابقاً؟ إنَّ ذلك بعد أنْ يكشف الله تعالى عنه الغطاء، ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ (ق: 22).
اللقاء بالإمام على الصراط:
يأخذ هذا الإنسان - وكلُّ مخلوق - كتابه وصحيفة أعماله ويتوجَّه إلى صراط أعماله، وهنا يأتي دور ما كان منتظراً، إنَّه دور الإيمان بالإمام (عليه السلام)، ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ (الإسراء: 71)، فمن كان له إيمان بإمامٍ حقٍّ فإنَّه سوف يقوده على الصراط ويُصيِّره كالبرق الخاطف، وإلَّا فإنَّه سوف يتيه ولا يهتدي إلى النجاة.
حقيقة الصراط:
تقدَّم في النقطة الثالثة العديد من الروايات التي تحدَّثت عن الصراط وأنَّه جسر أدقّ من الشعر وأحدّ من السيف، وقد وافق على المعنى الظاهري له جملة من العلماء، فيما أوَّله آخرون وقالوا عنه: إنَّه معنى كنائي يُعبَّر به عن الشدَّة التي تلحق الناس، فكأنَّ الشخص الذي يقع في هذه الشدَّة يمشي على طريق أحدّ من السيف وأدقّ من الشعرة، فيما قال قسم ثالث: إنَّ الصراط هو الحُجَج الإلهيَّة المنصوبة لإثبات الحقِّ وهداية الناس، على ما ذكرته بعض الروايات كما تقدَّم ذلك في النقطة الثالثة، وهو ما ينبغي أنْ نؤمن به على ما قرأت من كلمات العلماء في النقطة الرابعة، وإنْ لم نصل إلى تفاصيله بالدقَّة.

(٢٣٧)

فالصراط المستقيم هو الذي يوصلنا إلى الجنَّة ولقاء الحقِّ تعالى، وهو الذي نصنعه بأنفسنا من خلال أعمالنا التي من أهمّها ولاية الإمام الحجَّة (عجّل الله فرجه) الذي سيحضر في ساعة حشرنا وحسابنا، فلنجعله عوناً لنا وشفيعاً لما اقترفت أيدينا من عظائم الذنوب وكبائر المعاصي.
إنَّ ترديد هذه الكلمات في زيارته المباركة تجعله شفيعاً لنا ينجينا ممَّا أوقعنا أنفسنا فيه.
فإنَّ قوَّة علاقتنا به (عجّل الله فرجه) تصير سبباً لنور القلوب، فإذا تنوَّرت تنفَّرت من المعصية وتعلَّقت بكلِّ ما هو محبوب له، فيأخذ بهذه القلوب العاصية إلى ساحة القرب الإلهي لتتبدَّل تلك السيِّئات حسنات، قال تعالى: ﴿فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ (الفرقان: 70).

* * *

(٢٣٨)

الفقرة الثالثة والعشرون: «وَالجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ، وَالوَعْدَ وَالوَعِيدَ بِهِمَا حَقٌّ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: (الجنَّة والنار) في اللغة:
استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
1 - الجنَّة: وهي الحديقة والبستان ذو شجر ونزهة(451)، والأصل في (جنّ) الستر والتستُّر، فالجنَّة ما يصير إليه المسلمون في الآخرة، وهو ثواب مستور عنهم اليوم، والجنَّة عند العرب النخل الطوال(452).
2 - النار: الأصل في (نور) الإضاءة والاضطراب وقلَّة الثبات، ومنه النور والنار، سُمِّيا بذلك من طريق الإضاءة، ولأنَّ ذلك يكون مضطرباً سريع الحركة(453).
3 - الوعد: تقدَّم في الفقرة (15): «اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَعْدَ اَللهِ الَّذِي ضَمِنَهُ»، والفقرة (16): «وَعْداً غَيْرَ مَكْذُوبٍ».
4 - الوعيد: من التهديد، أوعدته ضرباً ونحوه(454)، والفرق بين الوعد والوعيد، أنَّ الوعيد في الشرِّ خاصَّة، والوعد يصلح بالتقييد للخير والشرِّ(455).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(451) العين للفراهيدي (ج 6/ ص 22)
(452) معجم مقاييس اللغة (ج 1/ ص 421).
(453) معجم مقاييس اللغة (ج 5/ ص 368).
(454) العين للفراهيدي (ج 2/ ص 222).
(455) الفروق اللغويَّة (ص 574 و575).

(٢٣٩)

النقطة الثانية: (الجنَّة والنار) في القرآن الكريم:
ورد ذكر المفردات في العديد من الآيات القرآنيَّة، منها:
1 - قوله تعالى: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا *... تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا﴾ (مريم: 61 - 63).
2 - قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ (فُصِّلت: 30).
3 - قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (البقرة: 39).
النقطة الثالثة: (الجنَّة والنار) في الروايات الشريفة:
ورد ذكر المفردات في العديد من الروايات، منها:
1 - عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَنْ وَعَدَهُ عَلَى عَمَلٍ ثَوَاباً فَهُوَ مُنْجِزٌ لَهُ، وَمَنْ أَوْعَدَهُ عَلَى عَمَلٍ عِقَاباً فَهُوَ فِيهِ بِالْخِيَارِ»(456).
2 - عن حمزة بن الطيَّار، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «اَلنَّاسُ عَلَى سِتِّ فِرَقٍ، يَئُولُونَ كُلُّهُمْ إِلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ: اَلْإِيمَانِ وَاَلْكُفْرِ وَاَلضَّلَالِ، وَهُمْ أَهْلُ اَلْوَعْدَيْنِ اَلَّذِينَ وَعَدَهُمُ اَللهُ اَلْجَنَّةَ وَاَلنَّارَ: اَلمُؤْمِنُونَ، وَاَلْكَافِرُونَ، وَاَلمُسْتَضْعَفُونَ، وَاَلمُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اَللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ، وَاَلمُعْتَرِفُونَ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً، وَأَهْلُ اَلْأَعْرَافِ»(457).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(456) المحاسن للبرقي (ج 1/ ص 246/ ح 243).
(457) الكافي (ج 2/ ص 381 و382/ باب أصناف الناس/ ح 2).

(٢٤٠)

وفي الروايات المتقدِّمة في الفقرات السابقة ما هو مشترك مع مفردات هذه الفقرة.
النقطة الرابعة: أقوال العلماء في (الجنَّة والنار):
1 - قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): (باب الاعتقاد في الوعد والوعيد: اعتقادنا في الوعد والوعيد أنَّ من وعده الله على عمل ثواباً فهو منجزه له، ومن أوعده على عمل عقاباً فهو فيه بالخيار، فإنْ عذَّبه فبعدله، وإنْ عفا عنه فبفضله، وما الله بظلَّام للعبيد)(458).
2 - قال الشيخ المفيد (رحمه الله): (فإنْ قال: ما الدليل على أنَّ المطيع مستحقٌّ بطاعته للثواب؟
فقل: ما ثبت من حسن فعله، وثبت - في البدائة - من وجوب المدح على ما حسن من الأفعال.
فإنْ قال: ما الدليل على أنَّ العاصي مستحقٌّ بمعصيته للعقاب؟
فقل: ما ثبت من قبح فعله، وصحَّ - في البدائة - من حسن الذمِّ على ما قبح من الأفعال)(459).
3 - قال شيخ الطائفة (رحمه الله): (وقوله: ﴿وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا﴾، إنَّما أضافوا الوعد بالجنَّة إلى نفوسهم لأنَّ الكُفَّار ما وعدهم الله بالجنَّة والثواب إلَّا بشرط أنْ يؤمنوا، فلمَّا لم يؤمنوا فكأنَّهم لم يوعدوا، وكذلك قوله: ﴿مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ﴾ [الأعراف: 44]، يعنون من العقاب، لأنَّ المؤمنين لـمَّا كانوا مطيعين مستحقِّين للثواب فكأنَّهم لم يوعدوا بالعقاب، وإنَّما خصَّ الكُفَّار)(460).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(458) الاعتقادات في دين الإماميَّة (ص 67).
(459) النكت في مقدَّمات الأُصول (ص 51).
(460) تفسير التبيان (ج 4/ ص 408).

(٢٤١)

4 - قال العلَّامة الرواندي (رحمه الله): (فصل: في الكلام في العدل والوعد والوعيد: الطاعة: فعل يُعرِّض العبد لعوض مع التعظيم، ويُسمَّى ذلك العوض المقارن (ثواباً).
والمعصية: فعل يفضي إلى عوض يقارن الاستخفاف، ويُسمَّى ذلك (عقاباً).
والعبد مخلوق على أنَّه يقدر على اكتساب كلا الطرفين، وإلى ذلك أشار بقوله تعالى: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: 10]، طريق الخير وطريق الشرِّ.
ولو لم يقدر على ذلك لما أمره الله تعالى ولا نهاه، كما أنَّه لم يأمره بتغيير هيئاته، وألوانه، وأشكاله التي لا يقدر الإنسان على تغييرها.
وإذا ثبت هذا، فالعبد معرَّض بالطاعات والتكاليف العقليَّة والشرعيَّة لعوض مقارن للتعظيم، وهو (الثواب).
وهذا هو الذي بيَّنَّا أنَّ العبد مخلوق له، وهو أنَّه خُلِقَ لا لانتفاع الخالق، بل لانتفاع الخلق.
وكلَّما كان النفع أجلّ وأجمل، دلَّ على أنَّ فاعله أجود وأكمل.
وأجلُّ المنافع أنْ تكون دائمة لا تزول.
ولـمَّا ثبت - قطعاً - أنَّ هذه الدار ليست بدار الخلود، ثبت أنَّ دار الخلود غير هذه، وهي دار الآخرة.
فعُلِمَ أنَّ هناك بقاءً لا فناء معه، وعلماً لا جهل معه، ولذَّةً لا نفرة معها، وعزًّا لا ذلَّ معه.
ولـمَّا لم تصل إلى تفاصيل ما قلناه عقول البشر، شرحه الشرع بالجنَّة، والحور، والقصور، والنهار، والأشجار، والأثمار.
وكلُّ من فوَّت [على] نفسه هذه الدرجات، بقي في دركات الهلاك، وهي مقابلات ما قلناه، من الفناء، والجهل، والنفرة، والذلِّ.

(٢٤٢)

وشرح جميع ذلك السمع بالجحيم، والحميم، والعقاب، والعذاب الأليم، والعقارب، والحيَّات، والنيران، واللظَّى، أعاذنا الله تعالى منها...
ولـمَّا كان الناس فريقين: فريق في الجنَّة، وفريق في السعير، فلا بدَّ من طريق لكلِّ فريق، وذلك هو الصراط، الذي وُصِفَ بأنَّه أدقّ من الشعر.
[و]في هذه الدار له نظير، وهو الطريقة الوسطى التي هي واسطة بين الإفراط والتفريط.
فمتى عبر السالك هذا الصراط - الذي هو بين التفريط والإفراط - عبر ذلك الصراط كالبرق الخاطف.
ومتى كان هاهنا في الطريق عاثراً يكون هناك كذلك.
كما قال النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَمُوتُ اَلمَرْءُ عَلَى مَا عَاشَ عَلَيْهِ، وَيُحْشَرُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ».
ثبَّتنا الله تعالى بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأقامنا على الصراط المستقيم، إنَّه رؤوف رحيم)(461).
النقطة الخامسة: المستفاد من الفقرة:
الجنَّة من أعظم المسموعات عن عالم الآخرة، ومن أكثر الحقائق التي تُسِرُّ السامع، وقد تحدَّثت الآيات الكريمة عن خصائصها وصفاتها وسعتها وما فيها، وكذلك الروايات الشريفة، قال تعالى: ﴿وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ﴾ (الأنبياء: 102)، وقال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ﴾ (فُصِّلت: 31)، وقال تعالى: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلَّا سَلَاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا * تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا﴾ (مريم: 62 و63).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(461) عجالة المعرفة في أُصول الدِّين (ص 42 - 45).

(٢٤٣)

أمَّا النار والعياذ بالله تعالى من تصوُّر ما فيها فضلاً عن رؤية ذلك، فهي كذلك من الحقائق الغيبيَّة التي أوعد الله تعالى العصاة والمتعدِّين على حدوده بها، قال تعالى: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً﴾ (الكهف: 29).
توجَّه نحو الاعتقاد بالجنَّة والنار عدَّة استفهامات عامَّة، منها:
مكان الجنَّة والنار:
أين مكانها؟
لماذا لها أبواب متعدِّدة؟
فالآيات القرآنيَّة يظهر منها وجودهما، ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ (آل عمران: 131)، فإنَّ التعبير بـ(أُعدَّت) يناسب تحقُّقها ووجودها، ولا مانع من الالتزام بالآيات الظاهرة في ذلك، فالكون وسيع، والله تعالى قادر على كلِّ شيء.
على أنَّ الأدلَّة التي ذُكِرَت في مسائل علم الكلام والتفسير وغيرهما دلَّت على أنَّ هذه الحقائق هي من سنخ عالمٍ آخر، عالم خارج عن عالمنا المادِّي، ويختلف ذلك العالم بحقيقة وجوده عن المألوف والمشاهد من الدنيا، إنَّه عالم أقلّ ما يُقال عنه: إنَّه لا يُدرَك كنهه بالأدوات المادّيَّة المحدودة، فهو من عالم المجرَّدات.
فلا وجه للسؤال عن مكان الجنَّة والنار، وعن فلسفة كون أبوابها متعدِّدة، ﴿لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ﴾ (الحجر: 44)، فإنَّ هذه المعاني والألفاظ لها حقائق من سنخ عالمها، فهذه الأبواب هي الطُّرُق المختلفة التي سوف يسلكها العبد بحسب ما أعدَّ لذلك العالم بأعماله في هذا العالم، وجاء ذكرها تشبيهاً لها بالمألوف من عالم المادَّة، لأنَّنا نعيش فيه ويصعب بل يتعذَّر علينا

(٢٤٤)

إدراك ما في تلك العوالم دون أنْ يكون هناك تشبيه لها بما نشعر به ونستذوقه، فلكي يُوجِد الله تعالى فينا حركة وفاعليَّة إلى ما في ذلك العالم جاء التشبيه له بما نأنس به من الوجودات المادّيَّة، ﴿إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ﴾ (الانشقاق: 6).
الجنَّة والنار تجلّيات اللطف الإلهي:
جاء وعد الله تعالى للمطيع بالثواب وبالجنَّة، وللمتمرِّد والعاصي بالنار والعقاب، لأنَّ عدله يقتضي ذلك، وغاية التكليف في هذه الدنيا يستدعيه، وإلَّا لصار هذا النظام لغواً، وحاشا الله تعالى ذلك. فالوعد والوعيد يُعطي الردع، ويمنع الميل إلى المعاصي والذنوب عند الغالب من الناس، بل إنَّ العقوبة الإلهيَّة للعاصين من مصاديق الرحمة، كما أنَّ إثابة المطيعين من أبرز مصاديق الوفاء بالوعد وأجلى تجلّيات اللطف الإلهي وهو الجنَّة. وجود الجنَّة والنار وما يترتَّب عليها من مقتضيات العبوديَّة فينا والمالكية الحقَّة له تعالى، فالله تعالى هو المولى الحقيقي والمالك لوجودنا، ومن استحقاقات هذه السلطنة الحقَّة إيجاد ما يناسب دار التكليف من الثواب والعقاب عند حشر الناس وعودهم إلى مالكهم.
نعم له تعالى الأمر من قبل ومن بعد، ولا يُسئَل عمَّا يفعل، قال تعالى: ﴿لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ﴾ (الأنبياء: 23)، إلَّا أنَّ مقتضى عدله أنْ يثيب المطيع، وله أنْ يعاقب العاصي أو يغفر له، قال تعالى: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (المائدة: 118).
فالفقرة تضع أعيننا على هذه الحقيقة عن العالم الذي سنكون فيه حتماً تأخَّرنا أم تعجَّلنا.

* * *

(٢٤٥)

الفقرة الرابعة والعشرون: «يَا مَوْلَايَ شَقِيَ مَنْ خَالَفَكَ، وَسَعِدَ مَنْ أَطَاعَكَ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: (الشقي والسعيد) في اللغة:
استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
1 - شقي: نقيض سعيد، تقول: شقي الرجل، وأشقاه الله تعالى يشقيه فهو شقي(462)، وهو يدلُّ على المعاناة خلاف السهولة والسعادة(463).
2 - خالفك: أنْ يقول شيئاً ولا يفعله، وكذا العكس(464).
3 - سعد: نقيض النحس والشقاء في الأشياء(465)، وهو على خير وسرور ويمن في الأُمور(466).
4 - أطاعك: انقاد لك، وهو نقيض الكره - أي الإكراه -(467)، وأصله يدلُّ على الانقياد، يقال: طاعه يطوعه إذا انقاد معه ومضى لأمره(468).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(462) الصحاح للجوهري (ج 6/ ص 2394).
(463) معجم مقاييس اللغة (ج 3/ ص 202).
(464) الصحاح للجوهري (ج 4/ ص 1357).
(465) العين للفراهيدي (ج 1/ ص 321).
(466) معجم مقاييس اللغة (ج 3/ ص 75).
(467) العين للفراهيدي (ج 2/ ص 209).
(468) معجم مقاييس اللغة (ج 3/ ص 431).

(٢٤٧)

النقطة الثانية: (الشقي والسعيد) في القرآن الكريم:
ورد ذكر المفردات في العديد من الآيات القرآنيَّة، منها:
1 - قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ (طه: 123).
2 - قوله تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ (هود: 105).
3 - قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ (الأحزاب: 71).
4 - قوله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (النور: 63).
النقطة الثالثة: (الشقي والسعيد) في الروايات الشريفة:
ورد ذكر المفردات في العديد من الروايات، منها:
1 - عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليهما السلام)، قال: «خَرَجَ رَسُولُ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَابِضاً عَلَى شَيْئَيْنِ فِي يَدِهِ، فَفَتَحَ يَدَهُ اَلْيُمْنَى، ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، كِتَابٌ مِنَ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ فِي أَهْلِ اَلْجَنَّةِ، بِأَعْدَادِهِمْ وَأَحْسَابِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ، مُجْمَلٌ عَلَيْهِمْ، لَا يَنْقُصُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَلَا يُزَادُ فِيهِمْ أَحَدٌ. ثُمَّ فَتَحَ يَدَهُ اَلْيُسْرَى، فَقَالَ: بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، كِتَابٌ مِنَ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ فِي أَهْلِ اَلنَّارِ، بِأَعْدَادِهِمْ وَأَحْسَابِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ، مُجْمَلٌ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ، لَا يَنْقُصُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَلَا يُزَادُ فِيهِمْ أَحَدٌ. وَقَدْ يُسْلَكُ بِالسُّعَدَاءِ طَرِيقَ اَلْأَشْقِيَاءِ حَتَّى يُقَالَ: هُمْ مِنْهُمْ، هُمْ هُمْ، مَا أَشْبَهَهُمْ بِهِمْ، ثُمَّ يُدْرِكُ أَحَدَهُمْ سَعَادَتُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَلَوْ بِفُوَاقِ نَاقَةٍ. وَقَدْ يُسْلَكُ بِالْأَشْقِيَاءِ طَرِيقَ أَهْلِ اَلسَّعَادَةِ حَتَّى يُقَالَ: هُمْ مِنْهُمْ، هُمْ هُمْ، مَا أَشْبَهَهُمْ بِهِمْ، ثُمَّ يُدْرِكُ أَحَدَهُمْ شَقَاوَتُهُ وَلَوْ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَلَوْ بِفُوَاقِ نَاقَةٍ. وَقَالَ اَلنَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): اَلْعَمَلُ بِخَوَاتِيمِهِ، اَلْعَمَلُ بِخَوَاتِيمِهِ»(469).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(469) قرب الإسناد (ص 24/ ح 81).

(٢٤٨)

2 - عن منصور، قال: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام): «يَا مَنْصُورُ، إِنَّ هَذَا اَلْأَمْرَ لَا يَأْتِيكُمْ إِلَّا بَعْدَ إِيَاسٍ، وَلَا وَاَللهِ حَتَّى تُمَيَّزُوا، وَلَا وَاَللهِ حَتَّى تُمَحَّصُوا، وَلَا وَاَللهِ حَتَّى يَشْقَى مَنْ يَشْقَى، وَيَسْعَدَ مَنْ يَسْعَدُ»(470).
3 - عن ابن عبَّاس، قال: قَالَ رَسُولُ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام): «يَا عَلِيُّ، أَنَا مَدِينَةُ اَلْحِكْمَةِ وَأَنْتَ بَابُهَا، وَلَنْ تُؤْتَى اَلمَدِينَةُ إِلَّا مِنْ قِبَلِ اَلْبَابِ، فَكَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي وَيُبْغِضُكَ، لِأَنَّكَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ، لَحْمُكَ مِنْ لَحْمِي، وَدَمُكَ مِنْ دَمِي، وَرُوحُكَ مِنْ رُوحِي، وَسَرِيرَتُكَ مِنْ سَرِيرَتِي، وَعَلَانِيَتُكَ مِنْ عَلَانِيَتِي، وَأَنْتَ إِمَامُ أُمَّتِي، وَخَلِيفَتِي عَلَيْهَا بَعْدِي، سَعِدَ مَنْ أَطَاعَكَ، وَشَقِيَ مَنْ عَصَاكَ، وَرَبِحَ مَنْ تَوَلَّاكَ، وَخَسِرَ مَنْ عَادَاكَ، وَفَازَ مَنْ لَزِمَكَ، وَهَلَكَ مَنْ فَارَقَكَ، مَثَلُكَ وَمَثَلُ اَلْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِكَ (بَعْدِي) مَثَلُ سَفِينَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ، وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ اَلنُّجُومِ كُلَّمَا غَابَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ»(471).
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة:
هذه الفقرة من الزيارة الشريفة على صغر حجمها تتمتَّع بمداليل عميقة ودقيقة، وتُمثِّل بُعداً عقائديًّا ومعرفيًّا لأتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، إذ تتضمَّن النقاط التالية بشكل مختصر:
١ - أنَّ الله سبحانه وتعالى لم يتَّصل بعباده بشكل مباشر، وإنَّما بعث إليهم من يسوقهم إلى مرعى عبوديَّته وطاعته، وأنَّ الشقيَّ من يخرج عن جماعة المؤمنين، والسعيد من يقتدي بقائده ومرشده ويطيعه، وقد أكَّدت السُّنَن التي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(470) الكافي (ج 1/ ص 370/ باب التمحيص والامتحان/ ح 3).
(471) كمال الدِّين (ص 241/ باب 22/ ح 65).

(٢٤٩)

جاءت بها الآيات والروايات ذلك، ولعلَّ من بين أصرحها قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ (القَصص: 51)، وقوله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ...﴾ (النساء: 80)، فهما تدلَّان بوضوح على أنَّ الذي يريد أنْ يرتبط بالله سبحانه وتعالى لا بدَّ أنْ يتَّخذ واسطة توصله إليه (عزَّ وجلَّ)، وأنْ يطيع هذه الواسطة.
٢ - أنَّ هذا الاتِّصال بالله سبحانه وتعالى يُمثِّل منظومة الدِّين الذي فصَّلها القرآن وسُنَّة العترة، وليست السُّنَّة هي سُنَّة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقط وما تحدَّث به لأُمَّته، بل إنَّ السعادة التي ضمَّنها القرآن نتاج طبيعي لمن آمن بمجموع أهل البيت (عليهم السلام) دون استثناء، وأنَّ الشقاء الأبدي ملازم لمن أنكر، ولو كان واحداً، فمن آمن بالأئمَّة فضلاً عن سيِّدهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولم يؤمن بقائمهم وآخرهم (عليهم السلام) فكأنَّما لم يؤمن بشيء، ولازمته الشقاوة الدائمة، قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَنْ أَنْكَرَ اَلْقَائِمَ مِنْ وُلْدِي فَقَدْ أَنْكَرَنِي»(472)، وقال أبو عبد الله (عليه السلام): «مَنْ أَنْكَرَ وَاحِداً مِنَ اَلْأَحْيَاءِ فَقَدْ أَنْكَرَ اَلْأَمْوَاتَ»(473).
٣ - أنَّ هذه الفقرة جاءت ختماً لما تقدَّم من حديث في الزيارة المباركة عن قضايا يجب الإيمان بها، والسؤال الطبيعي من القارئ لهذه الزيارة الشريفة يتحدَّث ويقول: وما هو جزائي إنْ آمنت واعتقدت؟
يأتي الجواب: أنَّ السعادة الأبديَّة تلازمك، وإنْ لم تؤمن فإنَّ الشقاء هو الذي يلازمك.
ثمّ يسأل السائل أنَّ المخالفة الموجبة للشقاء في أيِّ شيء هي؟
فيأتي الجواب: أنَّ الفقرة التي نتحدَّث عنها تُلزمنا بالطاعة التامَّة وفي كلِّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(472) كمال الدِّين (ص 412/ باب 39/ ح 8).
(473) كمال الدِّين (ص 410/ باب 39/ ح 1).

(٢٥٠)

شيء، وتجنُّب المخالفة لأيِّ شيء، كما تُلزمنا الإيمان بهم جميعاً (عليهم السلام)، فلا بدَّ أنْ تكون طاعتنا لهم جميعاً وفي كلِّ شيء، ليكون ختام ذلك أنَّ ما تقدَّم من شهادتنا وطاعتنا يضمن لنا سعادتنا، أنَّها شهادة مودعة عند أمين الله، وأنَّه سيُسلِّمها لنا عند احتياجنا إليها، ومن أولى منه بالشهادة على ما أودعنا من أُمور خطيرة ومهمَّة؟

* * *

(٢٥١)

الفقرة الخامسة والعشرون: «فَاشْهَدْ عَلَى مَا أَشْهَدْتُكَ عَلَيْهِ، وَأَنا وَلِيٌّ لَكَ، بَرِيٌ مِنْ عَدُوِّكَ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: (التولِّي والتبرِّي) في اللغة:
استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
1 - هذه المفردات الثلاثة (الشهادة، والإشهاد، والوليّ) تقدَّمت في الفقرة الثالثة: «وَلَا مِنْ أَوْلِيَائِهِ تَقْبَلُونَ»، والفقرة العشرين: «أُشْهِدُكَ يَا مَوْلَايَ أَنِّي أَشْهَدُ».
2 - بريء: براء منه أي خلاء منه(474)، ويأتي بمعنى التباعد من الشيء ومزايلته(475).
3 - عدوّك: العدو هو تجاوز ما ينبغي له أنْ يقتصر عليه، من التعدِّي في الأمر(476).
النقطة الثانية: (التولِّي والتبرِّي) في القرآن الكريم:
ورد ذكر المفردات في العديد من الآيات القرآنيَّة، منها:
1 - قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ (البقرة: 98).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(474) الصحاح للجوهري (ج 1/ ص 36).
(475) معجم مقاييس اللغة (ج 1/ ص 236).
(476) العين للفراهيدي (ج 2/ ص 213).

(٢٥٣)

2 - قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (يونس: 41).
3 - قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ...﴾ (الممتحنة: 1).
النقطة الثالثة: (التولِّي والتبرِّي) في الروايات الشريفة:
ورد ذكر المفردات في العديد من الروايات، منها:
1 - عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث طويل يذكر فيه أهل بيته (عليهم السلام)، جاء فيه: ­«اَللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي مُحِبٌّ لِمَنْ أَحَبَّهُمْ، وَمُبْغِضٌ لِمَنْ أَبْغَضَهُمُ، وَسِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَهُمْ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَهُمْ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عَادَاهُمْ، وَوَلِيٌّ لِمَنْ وَالَاهُمْ»(477).
2 - عن أبي حمزة، قال: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «إِنَّمَا يَعْبُدُ اَللهَ مَنْ يَعْرِفُ اَللهَ، فَأَمَّا مَنْ لَا يَعْرِفُ اَللهَ فَإِنَّمَا يَعْبُدُهُ هَكَذَا ضَلَالاً»، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَمَا مَعْرِفَةُ اَللهِ؟ قَالَ: «تَصْدِيقُ اَللهِ (عزَّ وجلَّ)، وَتَصْدِيقُ رَسُولِهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَمُوَالَاةُ عَلِيٍّ (عليه السلام)، وَاَلْاِئْتِمَامُ بِهِ وَبِأَئِمَّةِ اَلْهُدَى (عليهم السلام)، وَاَلْبَرَاءَةُ إِلَى اَللهِ (عزَّ وجلَّ) مِنْ عَدُوِّهِمْ، هَكَذَا يُعْرَفُ اَللهُ (عزَّ وجلَّ)»(478).
3 - إِنَّ رَجُلاً قَالَ لِلصَّادِقِ: يَا بْنَ رَسُولِ اَللهِ، إِنِّي عَاجِزٌ بِبَدَنِي عَنْ نُصْرَتِكُمْ، وَلَمْ أَمْلِكْ إِلَّا اَلْبَرَاءَةَ مِنْ أَعْدَائِكُمْ وَاَللَّعْنِ عَلَيْهِمْ، فَكَيْفَ حَالِي؟ فَقَالَ لَهُ اَلصَّادِقُ (عليه السلام): «حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ رَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قَالَ: مَنْ ضَعُفَ عَنْ نُصْرَتِنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ فَلَعَنَ فِي صَلَاتِهِ أَعْدَاءَنَا بَلَّغَ اَللهُ صَوْتَهُ جَمِيعَ اَلمَلَائِكَةِ مِنَ اَلثَّرَى إِلَى اَلْعَرْشِ، وَكُلَّمَا لَعَنَ هَذَا اَلرَّجُلُ أَعْدَاءَنَا سَاعَدُوهُ، فَلَعَنُوا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(477) أمالي الصدوق (ص 575/ ح 787/18).
(478) الكافي (ج 1/ ص 180/ باب معرفة الإمام والردِّ إليه/ ح 1).

(٢٥٤)

مَنْ يَلْعَنُهُ، ثُمَّ أَثْنَوْا وَقَالُوا: اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى عَبْدِكَ هَذَا، بَذَلَ مَا فِي وُسْعِهِ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ لَفَعَلَ، فَإِذَا اَلنِّدَاءُ مِنْ قِبَلِ اَللهِ (عزَّ وجلَّ): قَدْ أَجَبْتُ دُعَاءَكُمْ، وَسَمِعْتُ نِدَاءَكُمْ، وَصَلَّيْتُ عَلَى رُوحِهِ فِي اَلْأَرْوَاحِ، وَجَعَلْتُهُ عِنْدِي مِنَ اَلمُصْطَفَيْنَ اَلْأَخْيَارِ»(479).
النقطة الرابعة: أقوال العلماء في (التولِّي والتبرِّي):
1 - قال الشهيد الأوَّل (رحمه الله): (يُعلَم الإيمان بالإقرار بالشهادتين، والتولِّي، والتبرِّي)(480).
2 - قال السيِّد هاشم البحراني (رحمه الله): (الباب السابع والأربعون: في أنَّ الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) أركان الإيمان، ولا يُعرَف الله (جلَّ جلاله) ولا رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلَّا بمعرفتهم، ولا يُقبَل أعمال العباد إلَّا بمعرفتهم وولايتهم والبراءة من أعدائهم)(481).
3 - قال العلَّامة الطباطبائي (رحمه الله): (وهذه الولاية... فريضة من الفرائض كالتولِّي والتبرِّي اللذين نصَّ عليهما القرآن في آيات كثيرة)(482).
4 - يقول الشيخ الوحيد الخراساني (دام ظلُّه): (الواجب علينا أنْ نتبرَّأ من كلِّ من أغضب وليَّ الله وحجَّته (عليه السلام))(483).
حتَّى عُرِفَت هذه العقيدة منَّا عند مخالفينا، يقول الشهرستاني في (الملل والنحل): (الشيعة هم الذين شايعوا عليًّا (رضي الله عنه) على الخصوص، وقالوا بإمامته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(479) إرشاد القلوب (ج 2/ ص 426 و427).
(480) البيان (ص 241).
(481) غاية المرام (ج 3/ ص 68).
(482) تفسير الميزان (ج 5/ ص 196).
(483) الحقُّ المبين في معرفة المعصومين (عليهم السلام) (ص 251).

(٢٥٥)

وخلافته نصًّا ووصيَّةً إمَّا جليًّا وإمَّا خفيًّا، واعتقدوا أنَّ الإمامة لا تخرج من أولاده، وإنْ خرجت فبظلم يكون من غيره، أو بتقيَّة من عنده، وقالوا: ليست الإمامة قضيَّة مصلحيَّة تناط باختيار العامَّة وينتصب الإمام بنصبهم، بل هي قضيَّة أُصوليَّة، وهى ركن الدِّين لا يجوز للرُّسُل (عليهم الصلاة والسلام) إغفاله وإهماله ولا تفويضه إلى العامَّة وإرساله، يجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص وثبوت عصمة الأنبياء والأئمَّة وجوباً عن الكبائر والصغائر، والقول بالتولِّى والتبرِّي قولاً وفعلاً وعقداً إلَّا في حال التقيَّة)(484).
النقطة الخامسة: المستفاد من الفقرة:
النظام الدِّيني قائمٌ على أساس مجموعة من التشريعات، منها ما هو مرتبط ببناء العقيدة، ومنها ما هو مرتبط بالأفعال العباديَّة والمعبَّر عنها بالفروع، كما ومنها ما يُنظِّم حياة الفرد والأُسرة والمجتمع وغيرها.
وفروع الدِّين الإسلامي عشرة، وهي: الصلاة، والصيام، والحجّ، والزكاة، والخمس، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتولِّي لأهل البيت (عليهم السلام)، والتبرِّي من أعدائهم.
فاللازم على المسلم موالاة الأئمَّة (عليهم السلام) ومعاداة أعدائهم، فإنَّ الإيمان متقوِّم بهذين الفرعين الهامَّين من فروع الدِّين، فعلى الإنسان أنْ يعتقد بوجوب الصلاة والصيام وغيرها من الفروع بما فيها التولِّي والتبرِّي، وأنْ يُجسِّد ذلك عمليًّا.
ولهذين النوعين من فروع الدِّين ذكر العلماء عدة أحكام يجب الرجوع فيها إلى الفقيه الجامع للشرائط الذي يرجع إليه المكلَّف في ضبط عباداته، فكما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(484) الملل والنحل (ج 1/ ص 146).

(٢٥٦)

نرجع إلى الفقيه لضبط الصلاة وتحقيق امتثالها بالصورة المطلوبة شرعاً، كذلك نرجع إليه في ضبط شؤون التولِّي والتبرِّي.
وهذان الفرعان شيء، وأصل الإمامة الذي هو أصلٌ من أُصول الدِّين شيءٌ آخر، فإنَّه يجب الاعتقاد به والبحث عنه كما في التوحيد والنبوَّة والمعاد.
وترتَّبت على ولاية أهل البيت (عليهم السلام) والبراءة من أعدائهم العديد من الأحكام الفقهيَّة والمسائل الشرعيَّة، وهي مسجَّلة في الرسائل العمليَّة، وصلت بعضها إلى عدِّ المعلن بالعداء لأهل البيت (عليهم السلام) خارجاً عن الملَّة، ولا تجري عليه جملة من أحكام الدِّين.
الفقرة الشريفة تتحدَّث عن التجسيد العملي للولاء، ويطلب من الإمام (عجّل الله فرجه) أنْ يشهد على ما يقوم به الزائر من تجسيد لما يعتقده في أهل البيت (عليهم السلام).

* * *

(٢٥٧)

الفقرة السادسة والعشرون: «فَالحَقُّ مَا رَضَيْتُمُوهُ، وَالْبَاطِلُ مَا أَسْخَطْتُمُوهُ (485)، وَالمَعْرُوفُ مَا أَمَرْتُمْ بِهِ، وَالمُنْكَرُ مَا نَهَيْتُمْ عَنْهُ، فَنَفْسِي مُؤْمِنَةٌ بِاللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِرَسُولِهِ، وَبِأَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، وَبِكُمْ يَا مَوْلَايَ، أَوَّلِكُمْ وَآخِرِكُمْ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: (الحقُّ والرضا والسخط و...) في اللغة:
استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
1 - الحقُّ: تقدَّم في فقرة «نَاصِرَ حَقِّهِ»، والباطل نقيض الحقِّ(486).
2 - الرضا: نقيض السخط(487)، والرضوان من الله تعالى ضدُّ السخط، ورضيت الشيء ارتضيته فهو مرضي(488).
3 - المعروف: هو كلُّ ما تعرف النفس من الخير، وما يُستحسَن من الأفعال، ومنه الجود، وهو ضدُّ المنكر، والعُرْف ضدُّ النُّكْر(489).
4 - أمر: نقيض النهي(490)، وتقدَّم الحديث عنه في فقرة: «لَا لِأَمْرِهِ تَعْقِلُونَ».
وجملة من المفردات قد تقدَّمت في عدَّة فقرات سابقة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(485) في نسخة الاحتجاج: (سخطتموه) بدلاً من (أسخطتموه).
(486) لسان العرب (ج 11/ ص 56).
(487) الفروق اللغويَّة (ص 34).
(488) العين للفراهيدي (ج 4/ ص 192).
(489) لسان العرب (ج 9/ ص 239).
(490) العين للفراهيدي (ج 8/ ص 297).

(٢٥٩)

النقطة الثانية: (الحقُّ والرضا والسخط و...) في القرآن الكريم:
ورد ذكر المفردات في العديد من الآيات القرآنيَّة، منها:
1 - قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ﴾ (التوبة: 59).
2 - قوله تعالى: ﴿أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ (آل عمران: 162).
3 - قوله تعالى: ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ (الأنفال: 8).
النقطة الثالثة: (الحقُّ والرضا والسخط و...) في الروايات الشريفة:
ورد ذكر المفردات في العديد من الروايات، منها:
1 - عن محمّد بن مسلم، قال: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «لَيْسَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ اَلنَّاسِ حَقٌّ وَلَا صَوَابٌ، وَلَا أَحَدٌ مِنَ اَلنَّاسِ يَقْضِي بِقَضَاءٍ حَقٍّ إِلَّا مَا خَرَجَ مِنَّا أَهْلَ اَلْبَيْتِ، وَإِذَا تَشَعَّبَتْ بِهِمُ اَلْأُمُورُ كَانَ اَلْخَطَأُ مِنْهُمْ وَاَلصَّوَابُ مِنْ عَلِيٍّ (عليه السلام)»(491).
2 - عن الحسين بن زيد، عن جعفر الصادق (عليه السلام) أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لفاطمة (عليها السلام): «... يَا فَاطِمَةُ، إِنَّ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) يَغْضَبُ لِغَضَبِكِ، وَيَرْضَى لِرِضَاكِ»، قَالَ: فَقَالَ اَلمُحَدِّثُونَ بِهَا، قَالَ: فَأَتَاهُ اِبْنُ جُرَيْجٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اَللهِ، حُدِّثْنَا اَلْيَوْمَ حَدِيثاً اِسْتَهْزَأَهُ اَلنَّاسُ، قَالَ: «وَمَا هُوَ؟»، قَالَ: حَدِيثُ أَنَّ رَسُولَ اَللهِ قَالَ لِفَاطِمَةَ: «إِنَّ اَللهَ لَيَغْضَبُ لِغَضَبِكِ، وَيَرْضَى لِرِضَاكِ»، قَالَ: فَقَالَ (عليه السلام): «إِنَّ اَللهَ لَيَغْضَبُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(491) الكافي (ج 1/ ص 399/ باب أنَّه ليس شيء من الحقِّ في يد الناس إلَّا ما خرج من عند الأئمَّة (عليهم السلام)، وأنَّ كلَّ شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل/ ح 1).

(٢٦٠)

فِيمَا تَرْوُونَ لِعَبْدِهِ اَلمُؤْمِنِ وَيَرْضَى لِرِضَاهُ؟»، فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ (عليه السلام): «فَمَا تُنْكِرُ أَنْ تَكُونَ اِبْنَةُ رَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مُؤْمِنَةً، يَرْضَى اَللهُ لِرِضَاهَا، وَيَغْضَبُ لِغَضَبِهَا؟»، قَالَ: صَدَقْتَ، اَللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتَهُ(492).
3 - عن موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام)، قال: «دَعَا رَسُولُ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَبَا ذَرٍّ وَسَلْمَانَ وَاَلْمِقْدَادَ، فَقَالَ لَهُمْ: تَعْرِفُونَ شَرَائِعَ اَلْإِسْلَامِ وَشُرُوطَهُ؟ قَالُوا: نَعْرِفُ مَا عَرَّفَنَا اَللهُ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ: هِيَ وَاَللهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، أَشْهِدُونِي عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً، وَمَلَائِكَتُهُ عَلَيْكُمْ شُهُودٌ، بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ مُخْلِصاً، لَا شَرِيكَ لَهُ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي مُلْكِهِ، وَأَنِّي رَسُولُ اَللهِ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، وَأَنَّ اَلْقُرْآنَ إِمَامٌ مِنَ اَللهِ وَحَكَمٌ عَدْلٌ، وَأَنَّ اَلْقِبْلَةَ قِبْلَتِي شَطْرَ اَلمَسْجِدِ اَلْحَرَامِ لَكُمْ قِبْلَةٌ، وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) وَصِيُّ مُحَمَّدٍ وَأَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ وَمَوْلَاهُمْ، وَأَنَّ حَقَّهُ مِنَ اَللهِ مَفْرُوضٌ وَاجِبٌ، وَطَاعَتَهُ طَاعَةُ اَللهِ وَرَسُولِهِ، وَاَلْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ، وَأَنَّ مَوَدَّةَ أَهْلِ بَيْتِي مَفْرُوضَةٌ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، مَعَ إِقَامَةِ اَلصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا، وَإِخْرَاجِ اَلزَّكَاةِ مِنْ حِلِّهَا، وَوَضْعِهَا فِي أَهْلِهَا، وَإِخْرَاجِ اَلْخُمُسِ مِنْ كُلِّ مَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ مِنَ اَلنَّاسِ حَتَّى يَرْفَعَهُ إِلَى وَلِيِّ اَلمُؤْمِنِينَ وَأَمِيرِهِمْ، وَبَعْدَهُ إِلَى وُلْدِهِ، فَمَنْ عَجَزَ وَلَمْ يَقْدِرْ إِلَّا عَلَى اَلْيَسِيرِ مِنَ اَلمَالِ فَلْيَدْفَعْ ذَلِكَ إِلَى اَلضُّعَفَاءِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي مِنْ وُلْدِ اَلْأَئِمَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلِشِيعَتِهِمْ مِمَّنْ لَا يَأْكُلُ بِهِمُ اَلنَّاسُ، وَلَا يُرِيدُ بِهِمْ إِلَّا اَللهُ وَمَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّي، وَاَلْعَدْلِ فِي اَلرَّعِيَّةِ، وَاَلْقَسْمِ بِالسَّوِيَّةِ، وَاَلْقَوْلِ بِالْحَقِّ، وَأَنْ يَحْكُمَ بِالْكِتَابِ عَلَى مَا عَمِلَ عَلَيْهِ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، وَبِالْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اَللهِ وَأَحْكَامِهِ، وَإِطْعَامِ اَلطَّعَامِ عَلَى حُبِّهِ، وَحَجِّ اَلْبَيْتِ، وَاَلْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اَللهِ، وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَغُسْلِ اَلْجَنَابَةِ، وَاَلْوُضُوءِ اَلْكَامِلِ عَلَى اَلْيَدَيْنِ وَاَلْوَجْهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(492) الاحتجاج (ج 2/ ص 103).

(٢٦١)

وَاَلذِّرَاعَيْنِ إِلَى اَلمَرَافِقِ، وَاَلمَسْحِ عَلَى اَلرَّأْسِ وَاَلْقَدَمَيْنِ إِلَى اَلْكَعْبَيْنِ، لَا عَلَى خُفٍّ وَلَا عَلَى خِمَارٍ وَلَا عَلَى عِمَامَةٍ، وَاَلْحُبِّ لِأَهْلِ بَيْتِي فِي اَللهِ، وَحُبِّ شِيعَتِهِمْ لَهُمْ، وَاَلْبُغْضِ لِأَعْدَائِهِمْ، وَبُغْضِ مَنْ وَالَاهُمْ، وَاَلْعَدَاوَةِ فِي اَللهِ وَلَهُ، وَاَلْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ، وَعَلَى أَنْ يُحَلِّلُوا حَلَالَ اَلْقُرْآنِ، وَيُحَرِّمُوا حَرَامَهُ، وَيَعْمَلُوا بِالْأَحْكَامِ، وَيَرُدُّوا اَلمُتَشَابِهَ إِلَى أَهْلِهِ، فَمَنْ عَمِيَ عَلَيْهِ مِنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ مِنِّي وَلَا سَمِعَهُ فَعَلَيْهِ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، فَإِنَّهُ قَدْ عَلِمَ كَمَا قَدْ عَلِمْتُهُ ظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ وَمُحْكَمَهُ وَمُتَشَابِهَهُ، وَهُوَ يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِهِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيلِهِ، وَمُوَالَاةِ أَوْلِيَاءِ اَللهِ مُحَمَّدٍ وَذُرِّيَّتِهِ اَلْأَئِمَّةِ خَاصَّةً، وَيَتَوَالَى مَنْ وَالَاهُمْ وَشَايَعَهُمْ، وَاَلْبَرَاءَةِ وَاَلْعَدَاوَةِ لِمَنْ عَادَاهُمْ وَشَاقَّهُمْ كَعَدَاوَةِ اَلشَّيْطَانِ اَلرَّجِيمِ، وَاَلْبَرَاءَةِ مِمَّنْ شَايَعَهُمْ وَتَابَعَهُمْ، وَاَلْاِسْتِقَامَةِ عَلَى طَرِيقَةِ اَلْإِمَامِ، وَاِعْلَمُوا أَنِّي لَا أُقَدِّمُ عَلَى عَلِيٍّ أَحَداً، فَمَنْ تَقَدَّمَهُ فَهُوَ ظَالِمٌ، وَاَلْبَيْعَةُ بَعْدِي لِغَيْرِهِ ضَلَالَةٌ وَفَلْتَةٌ وَذِلَّةٌ...»(493).
وقد مرَّ عليك في الفقرة السابعة والعشرون رواية عرض عبد العظيم الحسني (رحمه الله) دينه على الإمام الهادي (عليه السلام) ما فيه غنى وكفاية.
النقطة الرابعة: أقوال العلماء في (الحقّ والرضا والسخط و...):
قال الشيخ الصدوق (رحمه الله) في (الاعتقادات): (واعتقادنا أنَّ حُجَج الله تعالى على خلقه بعد نبيِّه محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الأئمَّة الاثنا عشر، أوَّلهم أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليُّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليٍّ، ثمّ جعفر ابن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليُّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليٍّ، ثمّ عليُّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليٍّ، ثمّ محمّد بن الحسن الحجَّة القائم صاحب الزمان خليفة الله في أرضه (صلوات الله عليهم أجمعين).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(493) بحار الأنوار (ج 22/ ص 315 و316/ ح 1).

(٢٦٢)

واعتقادنا فيهم: أنَّهم أُولو الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم...
ونعتقد فيهم أنَّ حبَّهم إيمان، وبغضهم كفر، وأنَّ أمرهم أمر الله تعالى، ونهيهم نهي الله تعالى، وطاعتهم طاعة الله تعالى، ووليُّهم وليُّ الله تعالى، وعدوُّهم عدوُّ الله تعالى، ومعصيتهم معصية الله تعالى.
ونعتقد أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة لله على خلقه، إمَّا ظاهر مشهور أو خائف مغمور.
ونعتقد أنَّ حجَّة الله في أرضه، وخليفته على عباده في زماننا هذا، هو القائم المنتظر محمّد بن الحسن بن عليِّ بن محمّد بن عليِّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب.
وأنَّه هو الذي أخبر به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الله (عزَّ وجلَّ) باسمه ونسبه...
ونعتقد أنَّه لا يجوز أنْ يكون القائم غيره، بقي في غيبته ما بقي، ولو بقي في غيبته عمر الدنيا لم يكن القائم غيره، لأنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمَّة (عليهم السلام) دلُّوا عليه باسمه نسبه، وبه نصُّوا، وبه بشَّروا (صلوات الله عليه)...)(494).
النقطة الخامسة: المستفاد من الفقرة:
الفقرة المباركة مؤكِّدة لما تقدَّم من فقرات تتحدَّث عن ولاية الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السلام)، وأنَّ ولايتهم تكون ترجمتها العمليَّة هو الاتِّباع في الأخذ منهم والإعراض عمَّا عند غيرهم، وها هي عقائدهم وأحكامهم وأخلاقهم قد ملأت الخافقين، وقد صرَّحت الروايات المتقدِّمة أنَّ الحقَّ حقٌّ حصري بما عندهم، وأنَّ الباطل من غيرهم، فكلُّ ما في الوجود لا يمتُّ بصلة إلى أهل البيت (عليهم السلام) فهو منكر، فالعقيدة التي لا تُؤخَذ منهم لا بدَّ من إنكارها ولو على مستوى القلب،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(494) الاعتقادات في دين الإماميَّة (ص 93 - 95).

(٢٦٣)

وذلك أضعف الإيمان، والحكم الشرعي ما لم يصدر عنهم أو من نصبوه مستنبطاً من أحاديثهم لا نأخذه ونُنكِره، وهو باطل، هكذا لا بدَّ أنْ تكون نفس المؤمن، وعلى هذا لا بدَّ أنْ نعتقد، والروايات المتقدِّمة والأقوال أوضح من أيِّ شرح آخر معها.

* * *

(٢٦٤)

الفقرة السابعة والعشرون والأخيرة: «وَنُصْرَتِي مُعَدَّةٌ لَكُمْ، وَمَوَدَّتِي خَالِصَةٌ لَكُمْ، آمِينَ آمِينَ»

نتناول شرح هذه الفقرة المباركة في نقاط:
النقطة الأولى: (النصرة والمودَّة) في اللغة:
استُعمِلَت مفردات الفقرة بعدَّة معانٍ، منها:
1 - النصرة: حسن المعونة(495)، و(ن - ص - ر) أصل صحيح يدلُّ على إتيان الخير، والعطاء(496).
2 - المُعَدَّة: الميم والعين والدال (معد) أصل صحيح يدلُّ على غلظ في الشيء(497).
والمعنى من «نُصْرَتِي مُعَدَّةٌ» أي إنَّ معونتي وعطائي لكم جاهز، وإنِّي في نصرتي لكم شديد وغليظ ولا أتهاون.
وتقدَّم في شرح فقرة «نَاصِرَ حَقِّهِ» معنى النصرة كذلك.
3 - المودَّة: وددت الرجل أودُّه ودًّا إذا أحببته(498)، وهي أخصُّ من الحبِّ حيث إنَّها تكون من جهة ميل الطباع، بينما الحبُّ يكون من جهة ميل الطباع والحكمة جميعاً(499).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(495) العين للفراهيدي (ج 7/ ص 108).
(496) معجم مقاييس اللغة (ج 5/ ص 435).
(497) معجم مقاييس اللغة (ج 5/ ص 336).
(498) الصحاح للجوهري (ج 2/ ص 549).
(499) الفروق اللغويَّة (ص 174).

(٢٦٥)

4 - الخالصة: تقول: أخلصت إليه، أي وصلت إليه، وتقول: أخلصت لله ديني أي أمحضته، وخلَّصته: نحَّيته من كلِّ شيء، وتخلَّصته كما يتخلَّص الغزل إذا التبس(500).
والمعنى من «مَوَدَّتِي خَالِصَةٌ» أنَّ حبِّي لأهل البيت وللإمام الحجَّة (عليهم السلام) ممحض ومنقَّى من كلِّ شيء يشوبه.
النقطة الثانية: (النصرة والمودَّة) في القرآن الكريم:
ورد ذكر المفردات في العديد من الآيات القرآنيَّة، منها:
1 - قوله تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحجّ: 40).
2 - قوله تعالى: ﴿وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾ (آل عمران: 13).
3 - قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ (الشورى: 23).
النقطة الثالثة: (النصرة والمودَّة) في الروايات الشريفة:
ورد ذكر المفردات في العديد من الروايات، منها:
1 - عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، عن أبيه، عن جدِّه (صلوات الله عليهم)، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِنَّ اَللهَ خَلَقَ اَلْإِسْلَامَ فَجَعَلَ لَهُ عَرْصَةً، وَجَعَلَ لَهُ نُوراً، وَجَعَلَ لَهُ حِصْناً، وَجَعَلَ لَهُ نَاصِراً، فَأَمَّا عَرْصَتُهُ فَالْقُرْآنُ، وَأَمَّا نُورُهُ فَالْحِكْمَةُ، وَأَمَّا حِصْنُهُ فَالمَعْرُوفُ، وَأَمَّا أَنْصَارُهُ فَأَنَا وَأَهْلُ بَيْتِي وَشِيعَتُنَا، فَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي وَشِيعَتَهُمْ وَأَنْصَارَهُمْ، فَإِنَّهُ لَـمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى اَلسَّمَاءِ اَلدُّنْيَا فَنَسَبَنِي جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) لِأَهْلِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(500) العين للفراهيدي (ج 4/ ص 186 و187).

(٢٦٦)

اَلسَّمَاءِ اِسْتَوْدَعَ اَللهُ حُبِّي وَحُبَّ أَهْلِ بَيْتِي وَشِيعَتِهِمْ فِي قُلُوبِ اَلمَلَائِكَةِ، فَهُوَ عِنْدَهُمْ وَدِيعَةٌ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ، ثُمَّ هَبَطَ بِي إِلَى أَهْلِ اَلْأَرْضِ فَنَسَبَنِي إِلَى أَهْلِ اَلْأَرْضِ فَاسْتَوْدَعَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) حُبِّي وَحُبَّ أَهْلِ بَيْتِي وَشِيعَتِهِمْ فِي قُلُوبِ مُؤْمِنِي أُمَّتِي، فَمُؤْمِنُو أُمَّتِي يَحْفَظُونَ وَدِيعَتِي فِي أَهْلِ بَيْتِي إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ، أَلَا فَلَوْ أَنَّ اَلرَّجُلَ مِنْ أُمَّتِي عَبَدَ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) عُمُرَهُ أَيَّامَ اَلدُّنْيَا ثُمَّ لَقِيَ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) مُبْغِضاً لِأَهْلِ بَيْتِي وَشِيعَتِي مَا فَرَّجَ اَللهُ صَدْرَهُ إِلَّا عَنِ اَلنِّفَاقِ»(501).
2 - عن حفص الدهَّان، قال: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام): «إِنَّ فَوْقَ كُلِّ عِبَادَةٍ عِبَادَةٌ، وَحُبُّنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ أَفْضَلُ عِبَادَةٍ»(502).
3 - عن أبي حمزة الثمالي، عن عليِّ بن الحسين (عليهما السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «فِي اَلْجَنَّةِ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ، وَفِي اَلنَّارِ ثَلَاثُ دَرَكَاتٍ. فَأَعْلَى دَرَجَاتِ اَلْجَنَّةِ لِمَنْ أَحَبَّنَا بِقَلْبِهِ وَنَصَرَنَا بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَفِي اَلدَّرَجَةِ اَلثَّانِيَةِ مَنْ أَحَبَّنَا بِقَلْبِهِ وَنَصَرَنَا بِلِسَانِهِ، وَفِي اَلدَّرَجَةِ اَلثَّالِثَةِ مَنْ أَحَبَّنَا بِقَلْبِهِ. وَفِي أَسْفَلِ دَرْكٍ مِنَ اَلنَّارِ مَنْ أَبْغَضَنَا بِقَلْبِهِ وَأَعَانَ عَلَيْنَا بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَفِي اَلدَّرْكِ اَلثَّانِيَةِ مِنَ اَلنَّارِ مَنْ أَبْغَضَنَا بِقَلْبِهِ وَأَعَانَ عَلَيْنَا بِلِسَانِهِ، وَفِي اَلدَّرْكِ اَلثَّالِثَةِ مِنَ اَلنَّارِ مَنْ أَبْغَضَنَا بِقَلْبِهِ»(503).
النقطة الرابعة: المستفاد من الفقرة:
ونحن على وشك أنْ نغادر هذه الزيارة العظيمة لإمامنا الحجَّة (عجّل الله فرجه) بإعداد النصرة والحبِّ والمودَّة الخالصة له ولآبائه (عليهم السلام)، وقد عشنا مع مقاطعها من أروع الساعات، والتي تعرَّفنا فيها على مقامات أهل البيت والإمام الحجَّة (عليهم السلام)، وما هو الواجب علينا تجاههم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(501) الكافي (ج 2/ ص 46/ باب نسبة الإسلام/ ح 3).
(502) المحاسن للبرقي (ج 1/ ص 150/ ح 67).
(503) المحاسن للبرقي (ج 1/ ص 153/ ح 76).

(٢٦٧)

هذه الزيارة العظيمة لإمام العصر (عجّل الله فرجه) تُربِّي في نفس الإنسان استحضار الحقِّ وموالاته بشكل دائم، وبغض الباطل وأهله والسخط عليه وعلى من يواليه.
علَّمتنا هذه الزيارة المباركة طريق الحقِّ في ولاية أهل البيت (عليهم السلام) وودِّهم، وأنَّ النهاية التي سنصل إليها من سلوله هي الجنَّات والرضوان.
إنَّ الزيارة للإمام (عجّل الله فرجه) هي تربية اجتماعيَّة، فإنَّ المجتمع بكلِّ أطيافه وألوانه وبغضِّ النظر عن عقائده يأنس بالتزاور، ويستوحش الوحدة والفراق، فحثَّ الشارع المقدَّس على زيارة أهل البيت (عليهم السلام)، وأنْ نكون في محالِّ وجودهم، وهو تأكيد على نهج اجتماعي إنساني تميل إليه الفطرة، ولا يأباه إلَّا الذوق الأعوج، فضلاً عمَّا في هذه الزيارات من تأثيرات كبرى على روح الزائر، فالتعوُّد على ترتيل هذه الكلمات وقراءتها يوجب آثاراً في النفس، فتبدأ نفس الزائر بلوم صاحبها إذا كان بعيداً عن معانيها السامية، وتُشجِّعه على سلوك سُبُل المكارم والسير على منهجها، ولا يمكن بأيِّ حالٍ من الأحوال، وبهذه العجالة أنْ نذكر الفوائد التي تترتَّب على زيارات أهل البيت (عليهم السلام) وصلتهم التي أمرنا الله سبحانه وتعالى بها، فصِلَتهم أوجب من صِلَة رَحِمنا، وأدنى مراتب الصلة التي يسقط بها هذا التكليف الإلهي العظيم هي زيارتهم ولو عن بعد.
فما أجمل أنْ يكون برنامجنا اليومي مبتدئاً بزيارة أهل البيت (عليهم السلام) لاسيّما الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فهل يا ترى سيتساوى حال شخص يبتدئ يومه بتفقُّد إمامه والسؤال عن حاله، والتألُّم لمصابه وما هو فيه، والدعاء لرفع البلاء عنه وحفظه، هل حال هذا يساوي حال إنسان غافل لاهٍ عن ذكره؟
أيُّها الأحبَّة قد أمرتنا آيات المودَّة في ذي القربى ﴿قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ (الشورى: 23) بودِّهم وحبِّهم، وهو أجر الرسالة

(٢٦٨)

التي جاء بها النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بصلة رحم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فإذا أردنا أنْ نصل أهل البيت (عليهم السلام) فإنَّ القناة التي توصلنا إليهم في زماننا هو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فإنَّكم تعلمون أنَّ أيَّ عمل - صَغُر أو كَبُر - لا يمكن قبوله إلَّا بأنْ يمرَّ عن طريقه (عجّل الله فرجه)، فلنغتنم فُرَصاً ثمينة تدرُّ علينا كنوزاً وجواهر لا تندثر، لقاء دقائق معدودة نُرتِّل بها هذه الزيارة المباركة التي سعينا أنْ نُبيِّن بعضاً من المعاني التي حملتها إلينا، ليكون هذا الفهم البسيط دافعاً وحافزاً للإقبال على قراءتها.
نسأل الله سبحانه وتعالى أنْ يجعله ذخراً لنا عند وليِّنا.

* * *

(٢٦٩)

المصادر والمراجع

1 - القرآن الكريم.
2 - الإتقان في علوم القرآن: جلال الدِّين السيوطي/ تحقيق: سعيد المندوب/ ط 1/ 1416هـ/ دار الفكر.
3 - الاحتجاج: أحمد بن عليٍّ الطبرسي/ تعليق وملاحظات: السيِّد محمّد باقر الخرسان/ 1386هـ/ دار النعمان/ النجف الأشرف.
4 - الاختصاص: الشيخ المفيد/ تحقيق: عليّ أكبر الغفاري والسيِّد محمود الزرندي/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد للطباعة والنشر/ بيروت.
5 - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشِّي): الشيخ الطوسي/ تحقيق: السيِّد مهدي الرجائي/ 1404هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.
6 - إرشاد القلوب: الحسن بن محمّد الديلمي/ ط 2/ 1415هـ/ مطبعة أمير/ انتشارات الشريف الرضي/ قم.
7 - الإرشاد: الشيخ المفيد/ تحقيق: مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام)/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
8 - الاعتقادات في دين الإماميَّة: الشيخ الصدوق/ تحقيق: عصام عبد السيِّد/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
9 - إقبال الأعمال: السيِّد عليُّ بن طاووس/ تحقيق: جواد القيُّومي الأصفهاني/ ط 1/ 1414هـ/ مكتب الإعلام الإسلامي.

(٢٧١)

10 - الأمالي: الشيخ الصدوق/ ط 1/ 1417هـ/ مركز الطباعة والنشر في مؤسَّسة البعثة/ قم.
11 - الأمالي: الشيخ الطوسي/ تحقيق: مؤسَّسة البعثة/ ط 1/ 1414هـ/ دار الثقافة/ قم.
12 - الأمالي: الشيخ المفيد/ تحقيق: حسين الأُستادولي وعليّ أكبر الغفاري/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
13 - الإمامة والتبصرة: ابن بابويه/ ط 1/ 1404هـ/ مدرسة الإمام الهادي (عليه السلام)/ قم.
14 - الإنصاف فيما تضمَّنه الكشَّاف: أحمد بن محمّد الإسكندري المالكي/ 1385هـ/ شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.
15 - أوائل المقالات: الشيخ المفيد/ تحقيق: الشيخ إبراهيم الأنصاري/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
16 - الإيقاظ من الهجعة: الحرُّ العاملي/ تحقيق: مشتاق المظفَّر/ ط 1/ 1422هـ/ مطبعة نكارش/ دليل ما/ قم.
17 - الباب الحادي عشر: العلَّامة الحلِّي/ تحقيق: مهدي محقِّق/ ط 2/ 1370ش/ آستان قدس رضوي/ مشهد.
18 - بحار الأنوار الجامعة لدُرَر أخبار الأئمَّة الأطهار: العلَّامة المجلسي/ تحقيق: يحيى العابدي الزنجاني وعبد الرحيم الربَّاني الشيرازي/ ط 2/ 1403هـ/ مؤسَّسة الوفاء/ بيروت.
19 - بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمّد (عليهم السلام): محمّد بن الحسن ابن فرُّوخ (الصفَّار)/ تصحيح وتعليق وتقديم: الحاج ميرزا حسن كوجه باغي/ 1404هـ/ منشورات الأعلمي/ طهران.

(٢٧٢)

20 - البلد الأمين: الكفعمي/ 1383هـ/ مكتبة الصدوق/ طهران.
21 - البيان: الشهيد الأوَّل/ تحقيق: الشيخ محسن الحسُّون/ ط 1/ 1412هـ.
22 - تاج العروس: مرتضى الزبيدي/ تحقيق: عليّ شيري/ 1414هـ/ دار الفكر/ بيروت.
23 - التبيان في تفسير القرآن: الشيخ الطوسي/ تحقيق: أحمد حبيب قصير العاملي/ ط 1/ 1409هـ/ مكتب الإعلام الإسلامي.
24 - تُحَف العقول عن آل الرسول: ابن شعبة الحرَّاني/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ ط 2/ 1404هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
25 - ترتيب إصلاح المنطق: ابن السكِّيت الأهوازي/ ترتيب وتقديم وتعليق: الشيخ حسن بكائي/ ط 1/ 1412هـ/ مجمع البحوث الإسلاميَّة/ مشهد.
26 - تعليقات على البداية والنهاية: الشيخ حسن زاده الآملي.
27 - تفسير ابن كثير: ابن كثير/ تقديم: يوسف المرعشلي/ 1412هـ/ دار المعرفة/ بيروت.
28 - التفسير الأصفى: الفيض الكاشاني/ ط1/ 1418هـ/ مكتب الإعلام الإسلامي.
29 - تفسير الآلوسي (روح المعاني): شهاب الدِّين أبو الثناء محمود بن عبد الله الآلوسي البغدادي.
30 - تفسير الإمام العسكري (عليه السلام): المنسوب إلى الإمام العسكري(عليه السلام)/ ط 1 محقَّقة/ 1409هـ/ مدرسة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)/ قم.

(٢٧٣)

31 - تفسير الثعلبي (الكشف والبيان عن تفسير القرآن): الثعلبي/ تحقيق: أبو محمّد بن عاشور/ مراجعة وتدقيق: نظير الساعدي/ ط 1/ 1422هـ/ دار إحياء التراث العربي.
32 - تفسير الرازي (مفاتيح الغيب): فخر الدِّين محمّد بن عمر التميمي البكري الرازي الشافعي/ ط 3.
33 - التفسير الصافي: الفيض الكاشاني/ صحَّحه وقدَّم له وعلَّق عليه: الشيخ حسين الأعلمي/ ط 2/ 1416هـ/ مكتبة الصدر/ طهران.
34 - تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن): محمّد بن جرير الطبري/ تقديم: الشيخ خليل الميس/ ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطَّار/ 1415هـ/ دار الفكر/ بيروت.
35 - تفسير العيَّاشي: محمّد بن مسعود العيَّاشي/ تحقيق: السيِّد هاشم الرسولي المحلَّاتي/ المكتبة العلميَّة الإسلاميَّة/ طهران.
36 - تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن): أبو عبد الله محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي/ تصحيح: أحمد عبد العليم البردوني/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
37 - تفسير القمِّي: عليُّ بن إبراهيم القمِّي/ تصحيح وتعليق وتقديم: السيِّد طيِّب الموسوي الجزائري/ ط 3/ 1404هـ/ مؤسَّسة دار الكتاب/ قم.
38 - تفسير الميزان (الميزان في تفسير القرآن): العلَّامة الطباطبائي/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
39 - تفسير غريب القرآن: الشيخ فخر الدِّين الطريحي/ تحقيق وتعليق: محمّد كاظم الطريحي/ انتشارات زاهدي/ قم.

(٢٧٤)

40 - تفسير فرات الكوفي: فرات بن إبراهيم الكوفي/ تحقيق: محمّد الكاظم/ ط 1/ 1410هـ/ مؤسَّسة طبع ونشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي/ طهران.
41 - تفسير نور الثقلين: الشيخ عبد عليّ بن جمعة العروسي الحويزي/ تصحيح وتعليق: السيِّد هاشم الرسولي المحلَّاتي/ ط 4/ 1412هـ/ مؤسَّسة إسماعيليان/ قم.
42 - التنقيح في شرح العروة الوثقى: تقريراً لأبحاث السيِّد الخوئي (قدّس سرّه) تأليف الشيخ عليٌّ الغروي/ مطبعة الآداب/ النجف الأشرف.
43 - تهذيب الأحكام: الشيخ الطوسي/ تحقيق وتعليق: السيِّد حسن الموسوي الخرسان/ ط 3/ 1364هـ/ دار الكتب الإسلاميَّة/ طهران.
44 - التوحيد: الشيخ الصدوق/ تحقيق وتصحيح: هاشم حسيني طهراني/ ط 1/ جماعة المدرِّسين في الحوزة العلميَّة/ قم.
45 - جمال الأُسبوع: ابن طاووس/ تحقيق: جواد القيُّومي/ ط 1/ 1371ش/ مطبعة أختر شمال/ مؤسَّسة الآفاق.
46 - جواهر الفقه: القاضي ابن البرَّاج/ تحقيق: إبراهيم بهادري/ ط 1/ 1411هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
47 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: الشيخ محمّد حسن النجفي/ ط 7/ دار إحياء التراث الشيعي/ بيروت.
48 - الحقُّ المبين في معرفة المعصومين (عليهم السلام): الشيخ عليٌّ الكوراني العاملي/ ط 2/ 1424هـ/ دار الهدى/ قم.
49 - الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة: صدر الدِّين الشيرازي/ ط 3/ 1981م/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.

(٢٧٥)

50 - الخصال: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ 1362ش/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
51 - الدُّرُّ المنثور في التفسير بالمأثور: جلال الدِّين السيوطي/ دار المعرفة/ بيروت.
52 - الدروس الشرعيَّة: الشهيد الأوَّل/ ط 2/ 1417هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي/ قم.
53 - دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام: القاضي النعمان المغربي/ تحقيق: آصف بن عليّ أصغر فيضي/ 1383هـ/ دار المعارف/ القاهرة.
54 - دلائل الإمامة: محمّد بن جرير الطبري الشيعي/ ط 1/ 1413هـ/ مؤسَّسة البعثة/ قم.
55 - رجال النجاشي (فهرست أسماء مصنِّفي الشيعة): أبو العبَّاس أحمد ابن عليِّ بن أحمد بن العبَّاس النجاشي الأسدي الكوفي/ ط 5/ 1416هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
56 - رسائل في الغيبة: الشيخ المفيد/ تحقيق: علاء آل جعفر/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
57 - الروضة في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): شاذان بن جبرئيل القمِّي (ابن شاذان)/ تحقيق: عليّ الشكرجي/ ط 1/ 1423هـ.
58 - رياض السالكين: السيِّد عليّ خان المدني الشيرازي/ تحقيق: السيِّد محسن الحسيني الأميني/ ط 4/ 1415هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي.
59 - شرح أُصول الكافي: مولى محمّد صالح المازندراني/ تعليق: الميرزا أبو الحسن الشعراني/ ضبط وتصحيح: السيِّد عليّ عاشور/ ط 1/ 1421هـ/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.

(٢٧١)

60 - شرح الأخبار في فضائل الأئمَّة الأطهار: القاضي النعمان المغربي/ تحقيق: السيِّد محمّد الحسيني الجلالي/ ط 2/ 1414هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
61 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل: عبيد الله بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني/ تحقيق: الشيخ محمّد باقر المحمودي/ ط 1/ 1411هـ/ مؤسَّسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي.
62 - الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربيَّة): إسماعيل بن حمَّاد الجوهري/ تحقيق: أحمد عبد الغفور العطَّار/ ط 4/ 1407هـ/ دار العلم للملايين/ بيروت.
63 - عجالة المعرفة في أُصول الدِّين: محمّد بن سعيد الراوندي/ تحقيق: السيِّد محمّد رضا الحسيني الجلالي/ ط 1/ 1417هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/ قم.
64 - العروة الوثقى: السيِّد اليزدي/ ط 1/ 1417هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي/ قم.
65 - عقائد الإماميَّة: محمّد رضا المظفَّر/ انتشارات أنصاريان/ قم.
66 - علل الشرائع: الشيخ الصدوق/ تقديم: السيِّد محمّد صادق بحر العلوم/ 1385هـ/ منشورات المكتبة الحيدريَّة ومطبعتها/ النجف الأشرف.
67 - علم اليقين في أُصول الدِّين: الفيض الكاشاني/ ط 1/ 1418هـ/ انتشارات بيدار/ قم.
68 - العين: الخليل الفراهيدي/ ط 2/ 1409هـ/ مؤسَّسة دار الهجرة.
69 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام): الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي/ 1404هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.

(٢٧٧)

70 - غاية المرام وحجَّة الخصام: السيِّد هاشم البحراني/ تحقيق: السيِّد عليّ عاشور.
71 - غريب الحديث: أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي/ تحقيق: محمّد عبد المعيد خان/ ط 1/ 1384هـ/ دار الكتاب العربي/ بيروت.
72 - الغيبة: ابن أبي زينب النعماني/ تحقيق: فارس حسُّون كريم/ ط 1/ 1422هـ/ أنوار الهدى.
73 - الغيبة: الشيخ الطوسي/ تحقيق: عبد الله الطهراني وعليّ أحمد ناصح/ ط 1/ 1411هـ/ مطبعة بهمن/ مؤسَّسة المعارف الإسلاميَّة/ قم.
74 - فتح القدير الجامع بين الرواية والدراية من علم التفسير: محمّد بن عليِّ بن محمّد الشوكاني/ عالم الكُتُب.
75 - الفروق اللغويَّة: أبو هلال العسكري/ ط 1/ 1412هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي/ قم.
76 - القاموس المحيط: مجد الدِّين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي.
77 - قرب الإسناد: أبو العبَّاس عبد الله بن جعفر الحميري القمِّي/ ط 1/ 1413هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/ قم.
78 - قواعد العقائد: خواجة نصر الدِّين الطوسي/ تحقيق: عليّ حسن خازم/ ط 1/ دار الغربة/ بيروت.
79 - الكافي في الفقه: أبو الصلاح الحلبي/ تحقيق: رضا أُستادي/ مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام) العامَّة/ أصفهان.
80 - الكافي: الشيخ الكليني/ تحقيق: عليّ أكبر الغفاري/ ط 5/ 1363ش/ مطبعة حيدري/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.
81 - كامل الزيارات: جعفر بن محمّد بن قولويه/ تحقيق: الشيخ جواد القيُّومي/ ط 1/ 1417هـ/ مؤسَّسة نشر الفقاهة.

(٢٧٨)

82 - كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: العلَّامة الحلِّي/ تحقيق: إبراهيم الموسوي الزنجاني/ ط 4/ 1373ش/ مطبعة إسماعيليَّان/ انتشارات شكوري/ قم.
83 - كفاية الأثر في النصِّ على الأئمَّة الاثني عشر: أبو القاسم عليُّ بن محمّد الخزَّاز القمّي الرازي/ تحقيق: السيِّد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي/ 1401هـ/ انتشارات بيدار.
84 - كفاية الطالب في مناقب عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام): الكنجي الشافعي/ ط 2/ 1404هـ/ دار إحياء تراث أهل البيت (عليهم السلام)/ طهران.
85 - كمال الدِّين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ 1405هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
86 - لسان العرب: أبو الفضل جمال الدِّين محمّد بن مكرم الإفريقي المصري (ابن منظور)/ 1405هـ/ نشر أدب الحوزة/ قم.
87 - المبسوط: الشيخ الطوسي/ ت محمّد تقي الكشفي/ 1387هـ/ المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية/ طهران.
88 - مجمع البحرين: الشيخ فخر الدِّين الطريحي/ ط 2/ 1362ش/ مرتضوي.
89 - مجمع البيان في تفسير القرآن: أمين الإسلام أبو عليٍّ الفضل بن الحسن الطبرسي/ قدَّم له: السيِّد محسن الأمين العاملي/ ط 1/ 1415هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
90 - المحاسن: أحمد بن محمّد بن خالد البرقي/ تصحيح وتعليق: السيِّد جلال الدِّين الحسيني المحدِّث/ 1370هـ/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.

(٢٧٩)

91 - المحتضر: حسن بن سليمان الحلّي/ تحقيق: سيِّد عليّ أشرف/ ط 1/ 1424هـ/ انتشارات المكتبة الحيدريَّة/ مطبعة شريعت.
92 - مختار الصحاح: محمّد بن أبي بكر الرازي/ ضبط وتصحيح: أحمد شمس الدِّين/ ط 1/ 1415هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
93 - مختصر بصائر الدرجات: الحسن بن سليمان الحلِّي/ ط 1/ 1370هـ/ منشورات المطبعة الحيدريَّة/ النجف الأشرف.
94 - المزار الكبير: محمّد بن جعفر المشهدي/ تحقيق: جواد القيُّومي الأصفهاني/ ط 1/ 1919هـ/ نشر القيُّوم/ قم.
95 - المزار: الشهيد الأوَّل/ ط 1/ 1410هـ/ مطبعة أمير/ مؤسَّسة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)/ قم.
96 - مستدرك سفينة البحار: الشيخ عليٌّ النمازي الشاهرودي/ تحقيق وتصحيح: الشيخ حسن بن عليٍّ النمازي/ 1418هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
97 - مستمسك العروة: السيِّد محسن الحكيم/ منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي/ قم.
98 - المسلك في أُصول الدِّين: المحقِّق الحلِّي/ تحقيق: رضا الأُستادي/ ط 2/ 1421هـ/ مجمع البحوث الإسلاميَّة/ مشهد.
99 - مشارق أنوار اليقين: الحافظ رجب البرسي/ تحقيق: السيِّد عليّ عاشور/ ط 1/ 1419هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
100 - مصباح الزائر: السيِّد عليِّ بن موسى بن طاووس/ ط 1/ 1417هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/ قم.
101 - مصباح الشريعة: المنسوب للإمام الصادق (عليه السلام)/ ط 1/ 1400هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.

(٢٨٠)

102 - مصباح المتهجِّد: الشيخ الطوسي/ ط 1/ 1411هـ/ مؤسَّسة فقه الشيعة/ بيروت.
103 - المصباح: الكفعمي/ ط 3/ 1403هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
104 - معاني الأخبار: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ 1379هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
105 - معاني القرآن: يحيى بن زياد الفرَّاء/ تحقيق: أحمد يوسف نجاتي ومحمّد عليّ نجَّار/ ط 2/ 1980/ الهيأة المصريَّة العامَّة للكتاب/ القاهرة.
106 - المعجم الكبير: سليمان بن أحمد الطبراني/ تحقيق وتخريج: حمدي عبد المجيد السلفي/ ط 2/ دار إحياء التراث العربي.
107 - معجم مقاييس اللغة: ابن فارس/ تحقيق: عبد السلام محمّد هارون/ 1404هـ/ مكتبة الإعلام الإسلامي.
108 - معرفة المعاد: السيِّد محمّد حسين الطهراني/ تحقيق وتصحيح: عبد الرحيم مبارك/ ط 1/ 1416هـ/ دار المحجَّة البيضاء/ بيروت.
109 - مفاتيح الجنان: الشيخ عبَّاس القمِّي/ ط 3/ 2006م/ مكتبة العزيزي/ قم.
110 - المفردات في غريب القرآن: أبو القاسم الحسين بن محمّد المعروف بالراغب الأصفهاني/ تحقيق: صفوان عدنان داوودي/ ط 2/ 1427هـ/ طليعة النور.
111 - مقدَّمة في أُصول الدِّين: الشيخ وحيد الخراساني.
112 - المقنعة: الشيخ المفيد/ ط2/ 1410هـ/ مؤسسة النشر الإسلامي/ قم.

(٢٨١)

113 - مكيال المكارم: ميرزا محمّد تقي الأصفهاني/ تحقيق: عليّ عاشور/ ط 1/ 1421هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
114 - الملل والنحل: الشهرستاني/ دار المعرفة/ بيروت.
115 - الملهوف على قتلى الطفوف: السيِّد عليُّ بن طاووس/ ط 1/ 1417هـ/ أنوار الهدى/ قم.
116 - من لا يحضره الفقيه: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ ط 2/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
117 - مناقب آل أبي طالب: ابن شهرآشوب/ 1376هـ/ المكتبة الحيدريَّة/ النجف الأشرف.
118 - نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار: السيِّد عليٍّ الحسيني الميلاني/ ط 1/ 1414هـ.
119 - النكت الاعتقاديَّة: الشيخ المفيد/ ط 1/ 1413هـ/ مؤتمر الشيخ المفيد/ قم.
120 - النكت في مقدَّمات الأُصول: الشيخ المفيد/ تحقيق: السيِّد محمّد رضا الحسيني الجلالي/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
121 - النهاية في غريب الحديث والأثر: مجد الدِّين ابن الأثير/ تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمّد الطناحي/ ط 4/ 1364ش/ مؤسَّسة إسماعيليان/ قم.
122 - نهج البلاغة: خُطَب أمير المؤمنين (عليه السلام)/ ما اختاره وجمعه: الشريف الرضي/ تحقيق: الدكتور صبحي صالح/ ط 1/ 1387هـ، وبشرح محمّد عبدة/ ط 1/ 1412هـ/ دار الذخائر/ قم.

(٢٨٢)

123 - نهج الحقِّ وكشف الصدق: العلَّامة الحلِّي/ تقديم: السيِّد رضا الصدر/ تعليق: الشيخ عين الله الحسني الأرموي/ 1421هـ/ دار الهجرة/ قم.
124 - الهداية الكبرى: الحسين بن حمدان الخصيبي/ ط 4/ 1411هـ/ مؤسَّسة البلاغ/ بيروت.

(٢٨٣)