المنتقى من السلطان المفرّج عن أهل الإيمان
(من مصادر كتاب بحار الأنوار)
تأليف: السيد عليّ بن عبد الكريم النيلي
تقديم وتحقيق: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
الطبعة الأولى: جمادى الأولى 1427هـ
رقم الإصدار: 36
فهرست الموضوعات
مقدمة المركز..................5
مقدمة التحقيق..................11
تحقيق حول هذا الكتاب..................17
ذكر من رأى القائم (عليه السلام)..................29
1 - حكاية أبي راجح الحمامي بالحلة..................27
2 - حكاية ابن الخطيب وعثمان..................30
3 - حكاية الشيخ جمال الدين الزهدري وشفاؤه من الفالج..................32
4 - حكاية الساباط في الروضة الحيدرية وصاحب العصر (عليه السلام)..................34
5 - النور الذي يجلي العمى..................36
6 - ضربت في واقعة صفين..................37
7 - أبو الأديان وصاحب الزمان (عليه السلام)..................38
8 - حكاية أبي سهل ورؤيته للمهدي (عليه السلام)..................40
9 - حديث رشيق صاحب المادراي..................42
10 - العلوي الحقيقي..................44
11 - حكاية الزيدي الذي استبصر..................47
12 - حكاية تشيع أهل همذان..................48
13 - وفد أهل قم على الإمام المهدي (عليه السلام)..................50
14 - إسماعيل الهرقلي ولقاءه بالإمام (عليه السلام)..................53
15 - خبر الجزائر الست..................59
مستدرك كتاب (المنتهى من السلطان المفرج عن أهل الإيمان)..................73
16 - لقاء ابن مهزيار بالإمام (عليه السلام)..................71
مصادر التحقيق..................75
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة المركز:
الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين.
الاعتقاد بالمهدي المنتظر (عليه السلام) من الأمور المجمع عليها بين المسلمين، بل من الضروريّات التي لا يشوبها شك.(1)
وقد جاءت الأخبار الصحيحة المتواترة عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنّ الله تعالى سيبعث في آخر الزمان رجلاً من أهل البيت (عليهم السلام) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، وجاء أنّ ظهوره من المحتوم الذي لا يتخلّف، حتّى لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوّل الله (عزَّ وجلَّ) ذلك اليوم حتّى يظهر.(2)
وكيف وأنّى يتخلّف وعد الله (عزَّ وجلَّ) في إظهار دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون؟(3) وكيف لا يحقّق تعالى وعده للمستضعفين المؤمنين باستخلافهم في الأرض، وبتمكين دينهم الذي ارتضى لهم، وإبدالهم من بعد خوفهم أمناً، ليعبدوه تعالى لا يُشركون به شيئاً.(4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) روي عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: (من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما اُنزل على محمّد). انظر عقد الدرر: 230؛ عرف المهدي 2: 83؛ الفتاوى الحديثيّة: 27؛ البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: 175/ ف 12.
(2) انظر: كمال الدين للصدوق: 279/ ح 27؛ سنن الترمذي 3: 343/ ح2332.
(3) قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة: 33.
(4) قال تعالى: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) النور: 55.
وقد أجمع المسلمون على أنّ المهديّ المنتظر (عليه السلام) من أهل البيت (عليهم السلام)، وأنّه من ولد فاطمة (عليها السلام).(5) وأجمع الإماميّة - ومعهم عدد من علماء السنة - أنّه (عليه السلام) من ولد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، فأثبتوا اسمه ونعته وهويّته الكاملة.(6)
هكذا فقد اعتقد الإمامية - ومعهم بعض علماء السنّة - أنّ المهدي المنتظر قد وُلد فعلاً، وأنّه حيّ يُرزق، لكنّه غائب مستور. وماذا تنكر هذه الأمّة أن يستر الله (عزَّ وجلَّ) حجّته في وقت من الأوقات؟ وماذا تنكر أن يفعل الله تعالى بحجّته كما فعل بيوسف (عليه السلام): أن يسير في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه، حتّى يأذن الله (عزَّ وجلَّ) له أن يعرّفهم بنفسه كما أذن ليوسف (قالُوا أَإِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وهذا أَخِي).(7)
أو لم يخلّف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في أمّته الثقلين: كتاب الله وعترته، وأخبر بأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض؟(8) أو لم يخبر (صلّى الله عليه وآله وسلم) أن سيكون بعده اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش، وأنّ عدد خلفائه عدد نقباء موسى (عليه السلام)؟(9) وإذا كان الله تعالى لم يترك جوارح الإنسان حتّى أقام لها القلب إماماً لتردّ عليه ما شكّت فيه، فيقرّ به اليقين ويبطل الشكّ، فكيف يترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم لا يُقيم لهم إماماً يردّون إليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) الغيبة الطوسي: 188/ 148؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: 3/ 280؛ سنن ابن ماجة 2: 1368/ ح 4086؛ سنن أبي داود 2: 310/ ح 4284.
(6) انظر كمال الدين للصدوق: 424/ باب 42؛ تذكرة الخواص لابن الجوزي: 204/ (ط: طهران)؛ الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 274/ (ط: الغري)؛ الصواعق المحرقة لابن حجر: 124/ (ط: مصر)، على ما في شرح إحقاق الحق/ المرعشي النجفي: 13/ 90 - 92.
(7) يوسف: 9؛ والاستدلال منتزع من الكافي 1: 337.
(8) كمال الدين للصدوق: 234/ باب 22/ ح 43 - 65؛ سنن الترمذي 5: 328/ ح 3874.
(9) كمال الدين للصدوق: 257/ باب 24/ ح 16 - 24؛ صحيح مسلم 6: 3؛ مسند أحمد 5: 86.
شكّهم وحيرتهم؟(10) وحقّاً (فَإِنَّها لا تَعْمَى الأَبْصارُ ولكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).(11)
ولا ريب أنّ للعقيدة الشيعيّة في المهدي المنتظر (عليه السلام) - وهي عقيدة قائمة على الأدلّة القويمة العقليّة - رجحاناً كبيراً على عقيدة من يرى أنّ المهدي المنتظر لم يولد بعد، يقرّ بذلك (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) إلى قول الصادق المصدّق (عليه السلام): من مات ولم يعرف إمام زمانه، مات ميتةً جاهليّة.(12)
ناهيك عن أنّ من معطيات الاعتقاد بالإمام الحيّ أنّها تمنح المذهب غناءً وحيويّة لا تخفى على من له تأمّل وبصيرة.(13)
ولا ريب أنّ إحساس الفرد المؤمن أنّ إمامه معه يعاني كما يعاني،وينتظر الفرج كما ينتظر، سيمنحه ثباتاً وصلابة مضاعفة، ويستدعي منه الجهد الدائب في تزكية نفسه وتهيئتها ودعوتها إلى الصبر والمصابرة والمرابطة، ليكون في عداد المنتظرين الحقيقيّين لظهور مهديّ آل محمّد عليه وعليهم السلام. خاصّة أنَّهُ يعلم أنّ اليُمن بلقاء الإمام لن يتأخّر عن شيعته لو أنّ قلوبهم اجتمعت على الوفاء بالعهد، وأنّه لا يحبسهم عن إمامهم إلاّ ما يتّصل به ممّا يكرهه ولا يؤثره منهم.(14)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) انظر: محاججة هشام بن الحكم مع عمرو بن عبيد شيخ المعتزلة. كمال الدين 1: 207 - 209/ ح23.
(11) الحجّ: 46.
(12) حديث مشهور تناقله علماء الطرفين في مجاميعهم الحديثية بتعابير تتّفق في مضمونها. انظر على سبيل المثال: مسند أحمد 3: 446 و4: 96؛ المعجم الكبير للطبراني 12: 337، و19: 335 و338، و20: 86؛ طبقات ابن سعد 5: 144؛ مصنّف ابن أبي شيبة 8: 598/ ح42. وانظر الفردوس للديلمي 5: 528/ ح8982.
(13) انظر: كلام المستشرق الفرنسي الفيلسوف هنري كاربون في مناقشاته مع العلامة الطباطبائي في كتاب الشمس الساطعة.
(14) انظر: الاحتجاج للطبرسي 2: 325؛ بحار الأنوار 53: 177.
ولا يُماري أحد في فضل الإمام المستور الغائب - غيبة العنوان لا غيبة المعنون - في تثبيت شيعته وقواعده الشعبية المؤمنة وحراستها، كما لا يماري في فائدة الشمس وضرورتها وإن سترها السحاب.(15) كيف، ولولا مراعاته وَدُعاؤُهُ (عليه السلام) لاصطلمها الأعداء ونزل بها اللأواء.(16) ولا يشك أحد من الشيعة أنّ إمامه أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء.(17)
وقد وردت روايات متكاثرة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تنصبّ في مجال ربط الشيعة بإمامهم المنتظر (عليه السلام)، وجاء في بعضها أنّه (عليه السلام) يحضر الموسم فيرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه،(18) وأنّه (عليه السلام) يدخل عليهم ويطأ بُسطهم،(19) كما وردت روايات جمّة في فضل الانتظار، وفي فضل إكثار الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ فيه فرج الشيعة.(20)
وقد عني مركز الدراسات التخصّصيّة في الإمام المهديّ (عليه السلام) بالاهتمام بكلّ ما يرتبط بهذا الإمام الهمام (عليه السلام)، سواءً بطباعة ونشر الكتب المختصّة به (عليه السلام)، أو إقامة الندوات العلميّة التخصصيّة في الإمام (عجَّل الله فرجه) ونشرها في كتيبات أو من خلال شبكة الإنترنيت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: (... إنهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها سحاب...) كمال الدين للصدوق: 253/ ح 3/ باب 23.
(16) في توقيعه (عجَّل الله فرجه) إلى الشيخ المفيد قال: (... إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء أو اصطلمكم الأعداء...) راجع الاحتجاج للطبرسي 2: 221.
(17) قال (صلّى الله عليه وآله وسلم): (النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض). انظر: علل الشرائع 1: 123؛ كمال الدين 1: 205/ ح17 - 19.
(18) وسائل الشيعة 11: 135؛ بحار الأنوار 52: 152.
(19) الكافي للكليني 1: 337/ ح4.
(20) انظر كمال الدين: 644/ باب 55 (ما روي في ثواب انتظار الفرج)؛ الغيبة للطوسي: 293/ ح 247.
ومن جملة نشاطات هذا المركز نشر سلسلة التراث المهدويّ، ويتضمّن تحقيق ونشر الكتب المؤلّفة في الإمام المهديّ (عجَّل الله فرجه)، من أجل إغناء الثقافة المهدويّة، ورفداً للمكتبة الإسلاميّة الشيعيّة، نسأله - عزّ من مسؤول - أن يأخذ بأيدينا، وأن يُبارك في جهودنا ومساعينا، وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم، والحمد لله رب العالمين.
كما يتقدم المركز بالشكر الجزيل لقسم التأليف والتحقيق في المركز ونخص بالذكر الأخ الفاضل أحمد عليّ مجيد الحلي على جهدهم الكبير في تحقيق هذا الكتاب القيم للسيد عليّ بن عبد الكريم النيلي أعلى الله مقامه والذي يعد من مصادر بحار الأنوار للعلامة المجلسي قدس سره. ومن الله التوفيق.
السيد محمّد القبانچي
مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عليه السلام)
النجف الأشرف
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق:
اسم مصنف الكتاب ونسبه:
هو السيد بهاء الدين عليّ بن غياث الدين عبد الكريم بن عبد الحميد بن عبد الله بن أحمد بن حسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ غياث الدين(21) بن السيد جلال الدين عبد الحميد(22) بن عبد الله بن أسامة(23) بن أحمد بن عليّ بن محمّد بن عمر(24) بن يحيى(25) بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(21) الذي خرج عليه جماعة من العرب بشط سوراء بالعراق وحملوا عليه وسلبوه فمانعهم عن سلب سراويله، فضربه أحدهم فقتله وكان عالماً تقياً.
(22) الذي يروي عنه محمّد بن جعفر المشهدي في المزار الكبير وقال فيه: أخبرني السيد الأجل العالم عبد الحميد بن التقي عبد الله بن أسامة العلوي الحسيني (رضي الله عنه) في ذي القعدة من سنة ثمانين وخمسمائة قراءة عليه بحلة الجامعين.
(23) متولي النقابة بالعراق.
(24) الرئيس الجليل الذي رد الله على يده الحجر الأسود لما نهبت القرامطة مكّة في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، وأخذوا الحجر وأتوا به إلى الكوفة وعلقوه في السارية السابعة من المسجد التي كان ذكرها أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإنه قال ذلك ذات يوم بالكوفة: لا بدّ أن يصلب في هذه السارية وأومئ إلى السارية السابعة - والقصة طويلة -، وقد بنى قبّةَ جده أمير المؤمنين (عليه السلام) من خالص ماله.
(25) من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) المقتول سنة خمسين ومئتين الذي حمل رأسه في قوصرة إلى المستعين.
الحسين(26) بن زيد الشهيد بن عليّ زين العابدين بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) النيلي(27) النجفي(28) النسّابة.
تنبيه:
أن المسمين بعليّ بن عبد الحميد في ذلك الزمان كانوا عدة أشخاص، فكانت هذه المسألة باعثة على وقوع عدة من الباحثين والرجاليين في الخلط، ولم أورد تلك الاشتباهات والاحتمالات لطولها، ولعدم الفائدة منها بعد إيراد نسب المؤلف الطاهر كاملاً.
فمن أراد التفصيل فليراجع مقدمة كتاب (منتخب الأنوار المضيئة) للمؤلف نفسه، الطبعة الأولى منه تحقيق السيد الكوه كمري.
وكذلك الطبعة الأولى منه تحقيق مؤسسة الإمام الهادي (عليه السلام).
أساتذته ومشايخه:
يروي (رحمه الله) عن جماعة من المشايخ الأعلام منهم:
1 - العلامة الفقيه المتكلم فخر المحققين أبو طالب محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي - ابن العلامة - (682 - 771 هـ).(29)
2 - العلامة الفقيه السيد عميد الدين عبد المطلب بن محمّد بن عليّ بن الأعرج الحسيني - ابن أخت العلامة - (681 - 754 هـ).(30)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(26) الملقب بذي الدمعة الذي رباه الإمام الصادق (عليه السلام) وأورثه علماً جمّاً.
(27) النيل: بلدة تقع على نهر النيل المتفرع من نهر الفرات، الذي احتفره الحجاج بن يوسف الثقفي سنة 82 هـ، وهي مركز الإمارة المزيدية قبل تأسيس الحلة.
(28) ذكر (رحمه الله) ضمن طيات كتابه هذا: أنه ألفه في النجف الأشرف أثناء سكنه فيها.
(29) انظر: خاتمة المستدرك 2: 301؛ والذريعة 2: 415؛ وطبقات أعلام الشيعة ق 8: 124 - 185 وفيه أنه من أواخر تلاميذه.
(30) انظر: خاتمة المستدرك 2: 301؛ والذريعة 2: 415؛ وطبقات أعلام الشيعة ق 8: 142.
3 - العلامة الفقيه السيد ضياء الدين عبد الله بن محمّد بن عليّ بن الأعرج الحسيني - ابن أخت العلامة - (الأخ الأصغر لعميد الدين).(31)
4 - تاج الدين أبو عبد الله محمّد بن القاسم بن مُعَيّة الحسني الديباجي (ت 776 هـ).(32)
5 - الشيخ الشهيد شمس الملّة والدين أبو عبد الله محمّد ابن الشيخ جمال الدين مكي العاملي (724 - 786).(33)
6 - السيد عبد الحميد بن عبد الله بن أحمد النيلي الحسيني جد المترجم له، يروي عنه بلا واسطة كثيراً.
7 - السيد عبد الكريم بن عبد الحميد أبو المترجم له.
8 - شمس الحقّ والدين محمّد بن قارون السيبي كما صرح به (رحمه الله) في تضاعيف كتابه هذا.
9 - الشيخ كمال الدين عبد الرحمن بن محمّد المشهور بـ (ابن العتائقي) (738 - 788 هـ). كما صرح به (رحمه الله) في تضاعيف كتابه هذا.
وغيرهم من أكابر العلماء والفقهاء.
تلامذته والراوون عنه:
1 - الشيخ عز الدين الحسن بن سليمان بن محمّد بن خالد الحلي صاحب كتاب (مختصر بصائر الدرجات).(34)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(31) نفس المصدر السابق.
(32) انظر: غوالي اللآلي 1: 25/ ح 8؛ وطبقات أعلام الشيعة ق 8: 197.
(33) انظر: خاتمة المستدرك 2: 301؛ طبقات أعلام الشيعة ق 8: 197.
(34) انظر: مختصر بصائر الدرجات: 48 - 50؛ وبحار الأنوار 27: 164/ ح 21؛ ورياض العلماء 1: 193؛ والذريعة 2: 415؛ وطبقات أعلام الشيعة ق 8: 142، وق 9: 34.
2 - جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمّد بن فهد الحلي (757 - 841 هـ).(35)
3 - العالم الفقيه الشيخ عز الدين الحسن بن عليّ المعروف بـ (ابن عشرة).(36)
4 - الفاضل العالم السيد جمال الدين بن الأعرج العميدي، الذي ذيلَّ كتابه في الرجال بأمره وتممه بذكر أحوال المعاصرين لهما حتّى ابن فهد.(37)
وغيرهم من العلماء الأعاظم والفقهاء الأكابر.
ثناء العلماء عليه:
1 - الشيخ ابن فهد الحلي في المهذب البارع: (1/ 194):
المولى السيد المرتضى العلامة بهاء الدين عليّ بن عبد الحميد النسابة دامت فضائله.
2 - الشيخ حسن بن سليمان الحلي في مختصر بصائر الدرجات: 48 و176:
السيد الجليل بهاء الدين عليّ بن عبد الحميد الحسيني...
وذكره في موضع آخر فقال: السيد الجليل الموفق السعيد بهاء الدين عليّ بن عبد الكريم بن عبد الحميد الحسيني.
3 - في غوالي اللآلي: (1/ 25) و(3/ 40):
السيد السعيد الإمام العلامة بهاء الدين عليّ بن عبد الحميد النسابة الحسيني.(38)
وقال في موضع آخر: المولى السيد المرتضى العلامة بهاء الدين عليّ بن عبد الحميد النسابة.
4 - العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار: (1/ 17) و(53/ 202):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(35) انظر: المهذب البارع 1: 194؛ وغوالي اللآلي 1: 25/ ح 8؛ والذريعة 2: 415.
(36) انظر: مقدمة كتاب منتخب الأنوار المضيئة تحقيق السيد الكوه كمري.
(37) المصدر السابق نفسه.
(38) نسبهُ إلى جدّه وهو صحيحٌ أيضاً.
قال عند ذكره مصنفاته: كلها للسيد النقيب الحسيب بهاء الدين عليّ بن عبد الكريم بن عبد الحميد الحسيني النجفي أستاذ الشيخ ابن فهد الحلي قدس الله روحهما.
وقال في موضع آخر: السيد المعظم المبجل بهاء الدين عليّ بن عبد الحميد الحسيني النجفي النيلي، المعاصر للشهيد الأوّل.
5 - الميرزا الأفندي في رياض العلماء: (4/ 124):
الفقيه، الشاعر، الماهر، العالم، الفاضل، الكامل، صاحب المقامات والكرامات العظيمة... قدس الله روحه الشريفة... وكان من أفاضل عصره، وأعاظم دهره، وكذا جده السيد عبد الحميد.
6 - المحدث النوري في خاتمة المستدرك: (2/ 296 و297) و(3/ 182):
السيد الأجل، الأكمل، الأرشد، المؤيد، العلامة، النحرير، بهاء الدين وكذلك أطراه العديد من الرجاليين.
كالقمي في سفينة البحار: (2/ 248).
والشيخ الأميني في الغدير: (4/ 96).
والميرزا محمّد عليّ المدرس في ريحانة الأدب: (1/ 294 و295).
وذكر له من أطراه عدة كرامات واستجابة دعوات وذلك لفضله وعظيم جلالته.
آثاره ومؤلفاته:
ذكر أصحاب المعاجم من مؤلفاته:
1 - الدر النضيد في تعازي الإمام الشهيد.
2 - السلطان المفرج عن أهل الإيمان.
3 - الغيبة (نقل عنه المجلسي في بحاره، والنوري في النجم الثاقب، والسيد هاشم البحراني في المحجة).
4 - سرور أهل الإيمان في علائم ظهور صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) (وهذا الكتاب منتخب من كتابه الغيبة).
وتلك الكتب الأربعة هي من مصادر بحار الأنوار للمجلسي (رحمه الله).
5 - تبيان انحراف صاحب الكشاف.
6 - النكت اللطاف الواردة على صاحب الكشاف.
7 - الإنصاف في الرد على صاحب الكشاف.
8 - كتاب المفتاح.
9 - كتاب الزبدة.
10 - إيضاح المصباح لأهل الصلاح.
11 - كتاب الرجال (رجال النيلي).
12 - الأنوار المُضِيَّة في الحكمة الشرعية.
13 - إصلات القواضب (كما صرح به (رحمه الله) في كتابه سرور أهل الإيمان) وهو في الرد على الزيدية وهذا الكتاب لم يذكر في كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة.(39)
ولادته ووفاته:
ولادته: الظاهر أن ولادته كان قبل سنة (740 هـ) فإن السيد عميد الدين عبد المطلب بن الأعرج (ت 754 هـ) كان من جملة مشايخه على حسب ما نقلته معاجم الرجال. فعلى هذا فمن المحتمل أن يكون عمر سيدنا المترجم له في حدود 14 - 15 سنة أو أكثر بحيث تكون له القابلية والاستعداد على الأخذ من شيخه وأستاذه هذا.
وفاته: كان حياً في سنة (803 هـ) وذلك أن ابن فهد الحلي وهو تلميذه كان قد ذكره في ضمن كتابه (المهذب البارع) وأنه روى عنه، وقال ما نصه في ضمن كلامه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(39) إِصلات: مصدر الفعل اَصْلَتَ أي سَلَّ يُقال: أصلت سيفه إِصْلاتاً، والقواضب: السيوف.
ويعضد ما قلناه، ما حدّثني به المولى السيد المرتضى العلامة بهاء الدين عليّ بن عبد الحميد النسابة دامت فضائله.(40) فمن قوله (دامت فضائله) يعلمنا أن السيد كان حياً في تلك السنة وإلاّ لترحم عليه أو ترضى عليه لو كان ميتاً.
هذا الكتاب:
اسم أصل الكتاب: السلطان المفرّج عن أهل الإيمان.(41)
موضوع الكتاب: إن المؤمن كثيراً ما يهتم ويضيق صدره لطول الانتظار ونعلم أن الانتظار يترتب عليه كثرة من الهموم وما شابهها، فأحب مؤلف الكتاب سرد حكايات نقلها عن كتب مشايخه أو سمعها منهم بخصوص تسلية الخاطر وتقوية عقيدة الناظر فنقل منها ما اشتهر وذاع وملأ البقاع، فهي الفرج للمغموم والأنس للمهموم، وهذا ما يظهر من اسم الكتاب ومؤلفه.
سنة تأليف الكتاب: سنة 789 هـ على ما ذكره مؤلفه في حكاية حسين المدلل ما نصه: أن الدار التي أنا الآن ساكنها وهي في سنة تسع وثمانين وسبعمائة...
في صحة نسبة الكتاب لهذا المؤلف: صرح السَّيدان العَلمَان السيد محمّد باقر الخوانساري في كتابه (روضات الجنات) والسيد محسن الأمين العاملي في كتابه (أعيان الشيعة) بعدم صحة انتساب هذا الكتاب للسيد عليّ بن عبد الكريم بن عبد الحميد النيلي. وسوف نأتي على قولهما ونردّه بما هو أبين من شعاع الشمس.
1 - قال الخوانساري (رحمه الله) ما نصه: ثمّ أن من الغلط البيّن هنا نسبة بعض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(40) انظر: المهذب البارع 1: 193؛ وقال الطهراني في الذريعة 23: 293: أنهى ابن فهد كتاب المهذب في سنة 803 هـ .
(41) حسب ما صرح به تلميذه الشيخ حسن بن سليمان الحلي، وما صرح به عدة من أساطين العلماء كالمجلسي في بحاره والنوري في النجم الثاقب والطهراني في ذريعته وغيرهم.
المتأخرين(42) إلى سمينا العلامة المجلسي (رحمه الله) عده في مقدمات البحار كتاب (الأنوار المُضِيّة) المذكور مع ضميمة ثلاثة أخرى هي كتاب (السلطان المفرج) وكتاب (الدر النضيد) وكتاب (سرور أهل الإيمان) بهذا الترتيب من جملة مصنفات صاحب العنوان - يعني السيد المترجم - مع أن عبارته الموجودة عندنا في طي مقدمتها الأولى التي وضعها لبيان الكتب المأخوذ منها مقرونة بالإشارة إلى أسماء مصنفيها إنما هي بهذه الصورة: وكتاب (الغيبة) المنتخب من كتاب (الأنوار المُضِيّة) من مؤلفات السيد عليّ بن عبد الحميد الحسيني، وكتاب آخر أيضاً استخرج من كتاب (السلطان المفرج عن أهل الإيمان) تأليف المذكور،(43) وأنت خبير بأن هذه العبارة لا تفيد أكثر من نسبة كتاب (الغيبة) إليه حسب ما قدمناه لك من تصريح صاحب الرياض.
إلى أن قال: وأعجب من هذا أن من جملة ما نقله أيضاً ذلك الرجل عن المجلسي المبرور في مقدمات كتابه المذكور أنه قال في مقام آخر بعد ذلك: وكتب السيد بهاء الدين عبد الحميد الكتابين الأولين(44) مشتملين على أخبار غريبة في الرجعة وأحوال القائم، والكتاب الثالث يتضمن ذكر فضائل الأئمة (عليهم السلام) وكيفية شهادة سيد الشهداء وأصحابه السعداء عليه وعليهم السلام، وذكر خروج المختار لطلب الثار وجمل من أحواله، والرابع مشتمل على نوادر الأخبار، والسيد المذكور من أفاضل النقباء والنجباء مع أن هذه الجملة أيضاً مما لا يوجد لها عين ولا أثر فيما هو موجود عندنا من نسخ البحار فليلاحظ إن شاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(42) يشير بقوله: (بعض المتأخرين) إلى الميرزا عبد الله الأفندي صاحب كتاب (رياض العلماء) وهو تلميذ العلامة المجلسي.
(43) ليس في مقدمة البحار المطبوع من هذا الادعاء أثر.
(44) أي كتاب سرور أهل الإيمان وكتاب السلطان المفرج للمؤلف.
2 - قال السيد الأمين ما نصه: ففي مقدمات البحار عند تعداد الكتب المأخوذ منها ما لفظه: وكتاب الغيبة المنتخب من كتاب الأنوار المُضِيّة من مؤلفات السيد عليّ بن عبد الحميد الحسيني، وكتاب آخر أيضاً استخرج من كتاب السلطان المفرج عن أهل الإيمان تأليف السيد المذكور،(45) وظاهره أن كتاب الغيبة والكتاب الآخر لصاحب الترجمة وإن كتاب الأنوار والسلطان المنتخب منهما ليسا له بل هما لغيره.
والرد على قولهما هو إن ما ذكره هذان السيدان الشريفان من عدم وجود نسبة هذا الكتاب للنيلي في مقدمة البحار غريب، مع أنّ النسبة إليه موجودة في البحار المطبوع، وذلك في المجلد الأوّل منه ص17 و34، كما أن العلامة المجلسي صرّح في بحار الأنوار عن هذه الكتب المذكورة أنها للسيد بهاء الدين عليّ النيلي، خصوصاً في ذكر حالات سيدنا ومولانا الإمام الثاني عشر (عجَّل الله فرجه)، وسنعرض لك عزيزي القارئ مواضع مما ذكره المجلسي في (بحار الأنوار) فيما يخص كتاب السلطان:
أ - ففي: (52/70) منه، قال ما نصه: روى السيد عليّ بن عبد الحميد في كتاب (السلطان المفرج عن أهل الإيمان)، عند ذكر من رأى القائم.
ب) وفي: (53/ 104) منه، قال ما نصه نقلاً عن مختصر البصائر: ... من كتاب (السلطان المفرج عن أهل الإيمان) تصنيف السيد الجليل بهاء الدين عليّ بن عبد الكريم الحسيني.(46)
3 - تصريح الميرزا الأفندي بذلك - وهو تلميذ العلامة المجلسي - وذكر ما في مقدمة البحار من نص صريح على أن هذا الكتاب للنيلي وذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(45) ليس في مقدمات البحار شيء من هذا الكلام.
(46) في الأصل: الحسني، وهو اشتباه منه لأنه حسيني قطعاً.
في كتابه رياض العلماء: (4/ 126)، ونقله لعبارة صحة نسبة الكتاب للنيلي من مقدمة (بحار الأنوار) يؤيد ما في مقدمة (بحار الأنوار) المطبوع وينافي ما ذكره السيدان الأمين والخوانساري من عدم وجود النسبة إليه.
4 - كما أن عدة من أساطين العلماء صرّحوا بأن هذا الكتاب للسيد النيلي: كالعلامة النوري في (النجم الثاقب) و(جنة المأوى)، والمولى البهبهاني في (الدمعة الساكبة)، والطهراني في (الذريعة) و(طبقات أعلام الشيعة)، وإسماعيل باشا في (إيضاح المكنون) و(هدية العارفين).
أهمية الكتاب: تظهر أهمية الكتاب من أنه من مصادر كتاب (مختصر بصائر الدرجات) ومن مصادر كتاب (بحار الأنوار) للعلامة المجلسي (رحمه الله)، لكن العلامة المجلسي صرح في مقدمة بحاره عند الكلام عن كتاب سرور أهل الإيمان وكتاب السلطان المفرج عن أهل الإيمان أن الكتابين الأولين مشتملان على أخبار غريبة في الرجعة وأحوال القائم (عليه السلام).
الناقلون عن الكتاب:
1 - تلميذ المؤلف الشيخ حسن بن سليمان الحلي في كتابه (مختصر بصائر الدرجات).
2 - العلامة المجلسي في كتابه (بحار الأنوار).
3 - الحر العاملي في كتابه (إثبات الهداة).
4 - العلامة النوري في كتابه (النجم الثاقب).
5 - العلامة المولى محمّد باقر البهبهاني في كتابه (الدمعة الساكبة).
ثمّ نقل المتأخرون جميعهم عن كتاب (بحار الأنوار).
نسخة الأصل للكتاب:
كانت موجودة عند تلميذ المؤلف الشيخ حسن الحلي كما صرح به في طي كتابه (مختصر البصائر: 176) وذكر حديثاً غير موجود في نسختنا هذه
وهي منتخب لكتاب (السلطان المفرج عن أهل الإيمان) الذي نحن بصدد تحقيقه، فاستدركنا به نسختنا هذه.
هل كانت نسخة الأصل عند العلامة المجلسي أم المنتخب؟
للجواب عن هذا السؤال يرد احتمالان:
الاحتمال الأوّل: هو أن نسخة الأصل غير موجودة عنده والدليل على هذا القول:
1 - قول المجلسي في بعض نسخ البحار (ضمن مقدمة الكتاب) في شرح أحوال الكتب التي اعتمد عليها حسب ما صرح به الخوانساري نقلاً عن نسخته والسيد الأمين في أعيان الشيعة على ما نقلاه ما نصه.
(... وكتاب آخر أيضاً استخرج من كتاب السلطان المفرج عن أهل الإيمان...).(47)
2 - أن ما نقله المجلسي في بحاره 52: 55 - 77: هو بعينه موجود في المنتخب من الكتاب، ولو كان نسخة الأصل عنده لنقل منها في كتابه البحار غير ما موجود ما في المنتخب منه، وقال بعد نقل عدّة حكايات من كتاب السلطان والموجودة في نسخة المنتخب منه ما نصه: هذا آخر ما أخرجناه من كتاب السلطان المفرج عن أهل الإيمان.(48)
3 - نقل المجلسي عبارة عن الكتاب فيها اشتباه وهي بعينها موجودة في المنتخب من الكتاب الذي بين أيدينا وهي: (ومن ذلك ما صحّت لي روايته عن السيّد... عليّ بن محمّد بن جعفر بن طاووس الحسنيّ في كتابه المسمّى بربيع الألباب) مع أن آل طاووس لا يوجد فيهم عالم بهذا النسب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(47) وهذه العبارة غير موجودة في مقدمة البحار المطبوع، والموجود هو ما نصه: (... وكتاب السلطان المفرج عن أهل الإيمان).
(48) بحار الأنوار 52: 77.
وأن كتاب ربيع الألباب هو للسيد عليّ بن موسى بن جعفر بن طاووس. ونحن صححنا هذه العبارة في هامش نسختنا من المنتخب.
الاحتمال الثاني: أن أصل الكتاب كان عند المجلسي (رحمه الله) والدليل على ذلك قوله في بحاره : (53/ 105) بعد إيراد الحديث المنقول عن تلميذ المؤلف من أصل كتاب السلطان والذي هو غير موجود في المنتخب منه، ما نصه: (أقول ورأيت في أصل كتابه مثله).(49)
المنتقى من كتاب السلطان المفرج عن أهل الإيمان:
إن سبب تسميتنا للكتاب بهذا الاسم هو لما يلي:
1 - ما ذكره العلامة الطهراني (رحمه الله) في كتابه (الذريعة) 12/ 217 عند ذكر كتاب السلطان، ما نصه: (... اختصره بعض علمائنا لا أعرف اسمه وعصره).
2 - ما ذكره مفهرس النسخ الخطية في مركز إحياء التراث الإسلامي في قم لعنوان الكتاب ما نصه: (منتخب السلطان المفرج عن أهل الإيمان).
3 - ما ذكره مُنتخب كتاب السلطان - وهو ناسخه - في ديباجته ما نصه: (أيضاً نبذة منتقاة من كتاب السلطان المفرج عن أهل الإيمان).
فرأينا من الأرجح أن نسمي الكتاب باسم (المنتقى من كتاب السلطان...) على ما ذكره المنتخب له في ديباجة نسخته.
مختصِر الكتاب وعصره:
قال العلامة الطهراني (رحمه الله) في الذريعة (12/ 217):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(49) ولم يزد العلامة النوري في كتابه (النجم الثاقب) بشيء عما في المنتخب - الذي بين يديك -، وأما البهبهاني فإنه نقل عن الكتاب في الجزء الخامس من كتابه (الدمعة الساكبة)، وهذا الجزء غير مطبوع مع بقية الأجزاء الأربعة المطبوعة منه، ونسخة الأصل للجزء الخامس هي من مخطوطات مكتبة أمير المؤمنين (عليه السلام) في النجف الأشرف.
(اختصره بعض علمائنا لا أعرف اسمه وعصره) وصرح (رحمه الله) في ج 5: 108 أنه لم يظفر بنسخته.
والنسخة التي بين أيدينا هي لكتاب سرور أهل الإيمان وكتاب المنتقى من كتاب السلطان معاً، ولمعرفة المختصر للكتاب وعصره لا بدّ من معرفة عدة أمور منها:
1 - أن ديباجة كتاب سرور أهل الإيمان في النسخة التي بين أيدينا نفسها ديباجة الكتاب التي نقلها الأفندي في كتابه رياض العلماء 4/ 127 (ت 1137 هـ). وهذا يدل على أن النسخة المنتخبة كانت من عصر الأفندي (رحمه الله).
2 - كتبت في آخر نسخة كتاب سرور أهل الإيمان هذه العبارة: (... إلى هنا نقل من خط السيد السعيد المرحوم عليّ بن عبد الحميد نقله العبد عبد الله وإن كان فيه بعض الكلمات لم يدركها العبد لصعوبة خط السيد...). فيظهر أن المختصر كان اسمه عبد الله، لكن عصره غير معروف وأن اختصاره هذا لكتاب السلطان نقل من نسخة المؤلف نفسه.
النسخ المعتمدة:
1 - نسخة مصورة في مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عليه السلام)، أُخذت عن نسخة مصورة في مركز إحياء التراث الإسلامي في قم ونسخة الأصل موجودة في مكتبة ملك الوطنية - والمحفوظة في مكتبة الإمام الرضا (عليه السلام) بمدينة مشهد المقدسة والتي رقمها 2262 وهي ضمن مجموعة للمؤلف نفسه، عدد صفحات النسخة 39، وعدد الأسطر 19، والنسخة كتب عن نسخة خط المؤلف، اسم الناسخ لها (عبد الله)، وهي بدون تاريخ، ورمزنا لها بـ (خ)، والنسخة ذات غلط كثير.
2 - نسخة بحار الأنوار للعلامة المجلسي المطبوع، المؤلفة في سنة 1078 هـ على ما صرح به في كتابه بحار الأنوار (53/ 168) ورمزنا لها بالرمز (ب).
منهجية التحقيق:
1 - أوّل عمل قمنا به هو كتابة نسخة (خ) من أوّلها إلى آخرها. ثمّ قوبلت مع نسخة (ب) المطبوعة وأثبتنا ما كان مناسباً لضبط المتن.
2 - ترقيم الحكايات وزيادة عناوين وجعلها بين معقوفتين [ ] لتميّز بين الأصل وبين النسخة المحققة.
3 - مقابلة الحكايات الواردة في نسخ (خ) مع المصادر الأصلية وإثبات ما كان مناسباً وموافقاً لضبط المتن معنىً ولفظاً.
4 - تخريج الآيات الشريفة من القرآن المجيد.
5 - تعريفات مختصرة لبعض الكلمات المبهمة.
6 - ترجمة لبعض رجال السند والمتن في الحكايات مع مراعاة الاختصار.
وفي الختام نرجو أن نكون قد وفقنا لتحقيق هذا الكتاب بما يحبه الله (عزَّ وجلَّ) ويرضاه وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
1427هـ
لجنة التحقيق
الصفحة الأولى من النسخة التي رمزنا لها بـ (خ)
الصفحة الأخيرة من النسخة التي رمزنا لها بـ (خ)
بسم الله الرحمن الرحيم
نبذة منتقاة من (كتاب السلطان المفرِّج عن أهل الإيمان) تأليف السيد العالم الكامل الفاضل بهاء الملّة والدِّين عليّ بن عبد الحميد وهو منقول من خطه.
[ذكر من رأى القائم (عليه السلام)]
[1] [حكاية أبي راجح الحمامي بالحلة]:
فمن ذلك ما أشتهر وذاع وملأ البقاع حتّى(50) الأسماع وشهد بالعيان أبناء الزمان وهو قصّة أبي راجح الحمامي بالحلّة.
وبعد: حكى لي ذلك جماعة من الأعيان الأماثل، وأهل الصدق والأفاضل منهم الشيخ المحترم الحاج القارئ المجوّد الزاهد العابد العالم المحقّق شمس الدّين محمّد بن قارون سلمه الله تعالى،(51) قال: كان الحاكم بالحلّة شخصاً يُدعى مرجان الصغير، فرُفع إليه أنَّ أبا راجح هذا يلعن الصحابة، فأحضره وأمر به فضرب ضرباً شديداً على جميع بدنه، حتّى أنّه ضرب على وجهه فسقطت ثناياه واُخرج لسانه فجعل فيه مسلّة(52) من الحديد،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(50) لعل الأصل: وحشا الأسماع، وكان القدماء يرسمونها كبنات الياء: حشى فأحالها التصحيف إلى ما ترى.
(51) قال السيد بهاء الدين: أنهُ من الأعيان ومن أهل الصدق الأفاضل، ووصفهُ بالشيخ الزاهد العابد المحققّ شمس الدين، وفي موضع آخر بالمحترم العامل الفاضل، وبموضع آخر من كتبه بالعالم الكامل القدوة المقرئ الحافظ المحمود المعتمد شمس الدين محمّد بن قارون السيبي، نسبة إلى (السيب) بكسر أوّله وسكون ثانيه، هو نهر في ذنابة الفرات بقرب الحلة، وعليه بلد يسمى باسمه، وهو من مشايخ السيد عليّ بن عبد الحميد بالرواية، كان حياً سنة 744 هـ فهو يُعد من طبقة الشهيد الأوّل (ت 786هـ) وهو غير الشيخ الفقيه الصالح شمس الدين محمّد بن أحمد بن صالح السيبي القسيني، تلميذ السيد فخار بن معد الموسوي المجاز منه سنة 630هـ - وهي سنة وفاة السيد فخار-، فإن هذا الشيخ متقدم على الشيخ شمس الدين محمّد بن قارون السيبي.
(52) المسلّة: الإبرة العظيمة.
وخرق أنفه، ووضع فيه شرَكة من الشعر وشدَّ فيها حبلاً وسلّمه إلى جماعة من أصحابه وأمرهم أن يدوروا به في أزقّة الحلة، والضّرب يأخذه من جميع جوانبه، حتّى سقط إلى الأرض وعاين الهلاك. فاُخبر الحاكم بذلك، فأمر بقتله.
فقال الحاضرون: إنه شيخ كبير، وقد حَصل له ما يكفيه، وهو ميّت لما به، فاتركه وهو يموت حتف أنفه، ولا تتقلّد بدمه، وبالغوا في ذلك حتّى أمر بتخليته وقد انتفخ وجهه وورم لسانه فنعاهُ أهله بالموت ولم يشكَّ أحد أنّه يموت من ليلته، فلمّا كان من الغداة دخل عليه الناس فإذا هو قائم يصلي على أتم ما كان في حال صحته، وقد عادت ثناياه الّتي سقطت كما كانت، واندملت جراحاته، ولم يبق لها أثر، والشجّة قد زالت من وجهه، فتعجب الناس من حاله وساءلوه عن أمره.
فقال: إنّي لمّا عاينت الموت، ولم يبق لي لسان أسأل الله تعالى به، فكنت أسأله بقلبي واستغثت بمولاي وسيّدي صاحب الزمان محمّد بن الحسن القائم (عليه السلام) فلما جنَّ عليَّ اللّيل، فإذا بالدَّار قد امتلأت نوراً وإذا بمولاي صاحب الزمان (عليه السلام) قد أمرَّ يدهُ الشريفة على وجهي وقال: أخرج وكدَّ على عيالك فقد عافاك الله، فأصبحت كما ترون.
وحكى الشيخ شمس الدّين محمّد بن قارون المذكور وأقسم بالله تعالى إنَّ أبا راجح هذا كان ضعيفاً جداً أصفر اللّون، شين الوجه مقرَّض اللّحية، وكنت دائماً أدخل الحمام الّذي هو فيه وأراه على هذا الشكل فلمّا أصبحتُ كنت ممّن دخل عليه، فرأيته وقد اشتدَّت قوَّته وانتصبت قامته، وطالت لحيته، واحمرَّ وجهه، وعاد كأنّه ابن عشرين سنة، ولم يزل على ذلك حتّى أدركته الوفاة.
ولمّا شاع هذا الخبر وذاع، طلبه الحاكم وأحضره عنده وقد كان رآه بالأمس على تلك الحالة وهو الآن على ضدّها كما وصفناه، ولم يَر لجراحاته أثراً، وثناياه قد عادت، فدخل الحاكم من ذلك رعب عظيم، وكان يجلس في مقام الإمام القائم (عليه السلام) في الحلة،(53) ويعطي ظهره القبة الشريفة، فصار بعد ذلك يجلس ويستقبلها، وعادَ يلطف بأهل الحلّة ويحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، ولم ينفعهُ ذلك بل لم يلبث إلاّ قليلاً حتّى مات، وكان ذلك في سنة... (كذا)(54).(55)
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(53) إن هذا المقام موجود في الحلة إلى الآن ويقع خلف جامع الحلة الكبير في سوق الحلة الكبير، وقد تناولنا تأريخ هذا المقام من سنة 636 هـ إلى زماننا هذا في كتاب أسمينه تاريخ مقام الإمام المهدي (عليه السلام) في الحلة.
(54) قال ابن بطوطة - المعاصر لراوي الحكاية والذي زار مقام صاحب الزمان (عليه السلام) في الحلة - في رحلته ما نصه: ثمّ إلى الحلّة حيث مشهد صاحب الزمان وأتفق في بعض الأيام أن وليها بعض الأمراء فمنع أهلها من التوجه على عادتهم إلى مسجد صاحب الزمان... ويظهر من هذه العبارة أن حقد الوالي المذكور على لسان ابن بطوطة على الشيعة في الحلّة يشابه حقد الوالي مرجان الصغير المذكور في الحكاية ولعله هو بعينه لتقاربه مع عصر الحكاية.
(55) عنه بحار الأنوار 52: 70 و71؛ والنجم الثاقب 2: 219؛ ومكيال المكارم 1: 240؛ ومعجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) 4: 466؛ والمهدي المنتظر (عليه السلام) 2: 207؛ وغيرها.
[2] [حكاية ابن الخطيب وعثمان]:
ومن ذلك ما حدَّثني الشيخ المحترم العالم الفاضل الحاج القارئ شمس الدين محمّد بن قارون المذكور قال: كان رجل من أصحاب السلطان المعمّر بن شمس يسمّى مذوَّر يَضمن القرية المعروفة ببرس(56) ووقف العلويين وكان له نائب يقال له ابن الخطيب، وغلام يتولّى نفقاته يدعى عثمان، وكان ابن الخطيب من أهل الصلاح والإيمان... بالضدِّ من عثمان وكانا دائماً يتجادلان، فاتّفق أنّهما حضرا في مقام إبراهيم الخليل(57) بمحضر جماعة من الرعية والقُوّام فقال ابن الخطيب لعثمان: الآن اتّضح الحقّ واستبان، أنا اكتب على يدي من أتولاّه، وهم عليٌّ والحسن والحسين (عليهم السلام)، واكتب أنت من تتولاّه أبو بكر وعمر وعثمان، ثمّ تشدُّ يدي ويدك بشد، وتوقد ناراً شديدة وتدخل يدي ويدك فأيّهما احترقت يداه بالنار كان على باطل، ومن سلمت يده كان على الحقِّ، فنكل عثمان، وأبى أن يفعل، فأخذ الحاضرون [في] العياط عليه وكانت أمُّ عثمان مشرفة عليهم تسمع حديثهم فلمّا رأت ذلك لعنتهم وشتمتهم وتهددتهم وبالغت في ذلك فعميت في الحال، فلمّا أحسّت بذلك نادت إلى رفيقاتها فصعدن إليها فإذا هي صحيحة العين لكن لا ترى بهما شيئاً فقادوها وأنزلوها ومضوا بها إلى الحلّة وشاع خبرها بين أصحابها وأقاربها وأترابها(58) فأحضروا لها الأطبّاء من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(56) بُرس: بضم الباء وسكون الراء والسين المهملة ناحية من أرض بابل وهي بحضرة الصرح (صرح نمرود بن كنعان) وهي الآن معروفة بـ (قبل الكوفة)، وينسب إليها الحافظ رجب البرسي (رحمه الله).
(57) مقام إبراهيم الخليل (عليه السلام) المذكور في الحكاية موجود إلى زماننا هذا ويقع بالحلة في قرية برس.
(58) الأتراب: من ولدوا في وقت واحد.
بغداد والحلّة، فلم يقدروا لها على شيء، فقالت لها نسوة مؤمنات كُنَّ أخداتها:(59) إن الذي أعماكِ هو القائم (عليه السلام) وإن تشيعتِ وتوليتِ وتبرَّأتِ ضمنّا لك العافية على الله تعالى وبدون هذا لا يمكن الخلاص فأذعنت لذلك ورضيت به، فلمّا كانت ليلة الجمعة جيء بها حتّى أدخلنها القبّة الشريفة في مقام الإمام صاحب الزَّمان (عليه السلام) وبتن بأجمعهنَّ في باب القبّة. فلمّا كان ربع من اللّيل فإذا هي قد خرجت عليهنَّ وقد ذهب العمى عن بصرها وهي تقعدهنَّ واحدة بعد واحدة وتصف ثيابهنَّ وحليَّهنَّ، فسررن بذلك، وحمدن الله على حسن العافية، وقلن لها: كيف كان ذلك؟ فقالت: لمّا جعلتننَّي في القبّة وخرجتنَّ عنّي أحسست بيد قد وضعت على وجهي وقائل يقول: اُخرجي فقد عافاك الله فانكشف العمى عنّي ورأيت القبّة قد امتلأت نوراً ورأيت رجلاً فقلت له: من أنت يا سيّدي؟ فقال: محمّد بن الحسن (عليه السلام) ثمَّ غاب عنّي، فقمنَ وخَرجنَ إلى بيوتهنَّ وتشيّع ولدها عثمان وحَسُن اعتقاده واعتقاد اُمّه المذكورة واشتهرت القصّة بين أولئك الأقوام ومن سمع هذا الكلام واعتقد وجود الإمام القائم (عليه السلام) وكان ذلك في سنة أربع وأربعين وسبعمائة، وصلّى الله على محمّد وآله وسلم.(60)
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(59) الأخدان: الصديقات.
(60) عنه بحار الأنوار 52: 71 و72؛ النجم الثاقب 2: 222؛ إلزام الناصب 2: 10.
[3] [حكاية الشيخ جمال الدين الزهدري وشفاؤه من الفالج]:
ومن ذلك بتاريخ صفر لسنة خمس وثمانين وسبعمائة حكى لي شِفاهاً المولى الأجل الأمجد، العالم الفاضل، القدوة الكامل، افتخار العلماء، المحقق المدقق، مجمع الفضائل ومرجع الأفاضل في العالمين كمال الملّة والدنيا والدِّين عبد الرَّحمن ابن العتائقي(61) وكتبه وخطه الكريم عندي وصورته قال العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى عبد الرَّحمن بن محمّد بن إبراهيم العتائقي: إنّي كنت أسمع في الحلّة السيفيّة حماها الله، بأن المولى الكبير المعظّم جمال الدّين ابن الشيخ الأوحد الفقيه القارئ نجم الدّين جعفر بن الزهدري(62) كان به فالج، فعالجته جدَّته لأبيه بعد موت أبيه بكلّ علاج للفالج، فلم يبرأ، فأشير عليها بأطباء بغداد فأحضرتهم له فعالجوه زماناً طويلاً فلم يبرأ، فقيل لها: ألا تبيّتينه تحت القبّة الشريفة بالحلّة المعروفة بمقام صاحب الزَّمان (عليه السلام) لعلَّ الله يعافيه ويبرءه، ففعلت وبيّتته تحتها وإنَّ صاحب الزَّمان (عليه السلام) أقامه وأزال عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(61) العتائقي: هو الشيخ العالم الفاضل الفقيه كمال الدين عبد الرحمن بن محمّد بن إبراهيم المشهور بابن العتائقي، نسبة إلى العتائق وهي قرية بقرب الحلة المزيدية، الحلي الأمامي، كان معاصراً للشهيد الأوّل (رحمه الله) وبعض تلامذة العلامة الحلي (رحمه الله)، وقال البعض أنه أدرك العلامة الحلي (رحمه الله)، تتلمذ على يد نصير الدين عليّ بن محمّد الكاشي (ت 755 هـ)، ويروي عن جمال الدين الزهدري وهو من مشايخ السيد عليّ بن عبد الحميد النيلي، وهو صاحب التصانيف الكثيرة والموجود بعضها في الخزانة الغروية توفي بعد سنة 788 هـ، ويبدو أن انتقال كتبه إلى الغري كان بواسطة تلميذه السيد بهاء الدين عليّ، بحسب عبارة التلميذ التي نصها بالحكاية (وكتبه وخطه الكريم عندي).
(62) والده الأجل الشيخ جعفر الزهدري صاحب كتاب (إيضاح ترددات الشرائع) ويظهر من ثناء ابن العتائقي عليهما، عظيم منزلتهما وجلالتهما.
الفالج ثمّ بعد ذلك حصل بيني وبينه صحبة حتّى كنّا لم نكد نفترق، وكان له دار العشرة يجتمع فيها وجوه أهل الحلّة وشبابهم وأولاد الأماثل منهم، فاستحكوه عن هذه الحكاية فقال: إنّي كنت مفلوجاً وعجز الأطبّاء عنّي وحكى لي ما كنت أسمعه مستفاضاً في الحلّة من قضيّته وأنَّ الحجّة صاحب الزَّمان (عليه السلام) قال لي - وقد أباتتني جدَّتي تحت القبّة -: قم! فقلت: اني لا أقدر على القيام منذ سنين فقال لي: قم بإذن الله تعالى وأعانني على القيام، فقمت وزال عنّي الفالج وانطبق الناس عليَّ حتّى كادوا يقتلونني وأخذوا ما كان عليَّ من الثياب تقطيعاً يتبرَّكون بها وكساني الناس من ثيابهم، وكنت أسمعه يحكي ذلك للنّاس ولم يستحكه أحدٌ مراراً شتّى، ثمّ توفي (رضي الله عنه) سنة خمس وخمسين وسبعمائة في الحارف.(63)
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(63) الحارف: اسم من أسماء مرض الطاعون. عنه بحار الأنوار 52: 73؛ النجم الثاقب 2: 222.
[4] [حكاية الساباط في الروضة الحيدرية وصاحب العصر (عليه السلام)]:
ومن ذلك ما أخبرني من أثق به وهو خبر مشهور عند أكثر أهل المشهد الشريف الغرويِّ سلّم الله تعالى مشرَّفه، وصورته: أنَّ الدَّار التي أنا ساكنها الآن وهي في سنة تسع وثمانين وسبعمائة كانت لرجل من أهل الخير والصّلاح يدعى حسين المدلّل، وبه يعرف ساباط(64) المدلّل ملاصق جدران الحضرة الشريفة، وهو مشهور بالمشهد الشريف وكان هذا الرجل له عيال وأولاد وأطفال فأصابه فالج فمكث مدَّة لا يقدر على القيام وإنّما يرفعه عياله عند حاجته وضروراته، ومكث على ذلك مدة مديدة، فدخل على عياله وأهله بذلك شدَّة شديدة واحتاجوا إلى النّاس واشتدَّ عليهم اليأس (كذا) فلمّا كانت سنة عشرين وسبعمائة للهجرة في ليلة من لياليها بعد ربع من اللّيل أنبه عياله فانتبهوا فإذا الدار والسطح قد امتلأ نوراً يأخذ بالأبصار فقالوا: ما الخبر؟ فقال: إنَّ الإمام القائم (عليه السلام) جاءني وقال لي: قم يا حسين فقلت: يا سيّدي أتراني أقدر على القيام؟ فأخذ بيدي وأقامني فذهب ما بي وها أنا صحيحٌ على أتمِّ ما ينبغي وقال لي: إن هذا الساباط دربي إلى زيارة جدِّي (عليه السلام) فأغلقه في كلّ ليلة فقلت:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(64) ساباط: أي سقيفة على حائطين والطريق بينهما، وساباط المدلّل موضع مشهور في الحرم المرتضوي وهو يربط جهة الشمال من الصحن بجهة الجنوب من جهة الغرب وفيه قبور عدة من العلماء الأعلام وتكية البكتاشية وفي سنتنا هذه وهي سنة 1426هـ بدأوا بهدمه لغرض توسعة الروضة الحيدرية.
سمعاً وطاعة لله ولك يا مولاي، فقام الرجل وخرج إلى الحضرة الشريفة الغرويّة وزار الإمام (عليه السلام) وحمد الله تعالى على ما حصل له من الإنعام وصار هذا الساباط المذكور إلى الآن ينذر له النذور عند الضرورات فلا يكاد يخيب ناذره مرة من المرات ببركات الإمام القائم (عليه السلام).(65)
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(65) عنه بحار الأنوار 52: 73 و74؛ النجم الثاقب 2: 223 و224.
[5] [النور الذي يجلي العمى]:
ومن ذلك ما حدَّثني به الشيخ الصالح الخيّر العالم الفاضل شمس الدّين بن قارون المذكور سابقاً أنَّ رجلاً يقال له: محمّد بن النجم ويلقّب الأسود في القرية المعروفة بدقوسا على الفرات العظمى وكان من أهل الخير والصلاح وكان له زوجة تدعى فاطمة خيّرة صالحة ولها ولدان، ابن يدعى علياً وابنة تدعى زينب، فأصاب الرَّجل وزوجته العمى وبقيا على حالة صعبة وكان ذلك في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة وبقيا على ذلك مدَّة مديدة، فلمّا كان في بعض الليالي أحسّت المرأة بيد تمرُّ على وجهها وقائل يقول: قد أذهب الله عنك العمى فقومي في خدمة زوجك أبي عليّ فلا تقصّري في خدمته ففتحت عينيها فإذا الدّار قد امتلأت نوراً وعلمت أنّه الإمام القائم (عليه السلام).(66)
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(66) عنه بحار الأنوار 52: 74؛ النجم الثاقب 2: 204.
[6] [ضُربتُ في واقعة صفين]:
ومن ذلك ما نقله بعض أصحابنا المؤمنين الصالحين ومن خطه المبارك ما صورته عن محيي الدّين الأربلي(67) أنّه حضر عند أبيه ومعه رجُل فنعس، فوقعت عمامته عن رأسه فبدت في رأسه ضربة هائلة فسأله عنها فقال له: هي من صفّين، فقيل: فكيف ذلك وواقعة صفّين قديمة؟
فقال: كنت مسافراً إلى مصر فصاحبني إنسان من غَزَّة(68) فلمّا كنّا في بعض الطريق تذاكرنا وقعة صفّين، فقال لي الرَّجل: لو كنت في أيّام صفّين لرويَّت سيفي من عليّ وأصحابه، فقلت له: وأنا لو كنت في أيّام صفين لروَّيت سيفي من معاوية وأصحابه، وها أنا وأنت من أصحاب عليّ ومعاوية لعنه الله فاعتركنا عركة عظيمة واضطربنا فما شعرت بنفسي إلاّ مرميّاً لما بي، فبينما أنا كذلك وإذا بإنسان يوقظني بطرف رمحه، ففتحت عيني فنزل إليَّ ومسح الضربة فتلاءمت فقال: ألبث هنا ثمَّ غاب قليلاً وعاد ومعه رأس خصمي مقطوعاً والدَّوابُّ معه، فقال لي: هذا رأس عدوّك، وأنت نصرتنا فنصرناك ولينصرنَّ الله من ينصره فقلت: من أنت؟ فقال: فلان ابن فلان يعني صاحب الأمر (عليه السلام)، ثمّ قال لي: وإذا سُئلت عن هذه الضربة، فقل ضُربتها في صفين.(69)
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(67) ترجمه الأفندي في رياض العلماء 7: 252، قائلاً عنه: قد يروي عنه السيد بهاء الدين عليّ بن عبد الحميد النجفي في بعض كتبه بعض الحكايات... لكن بواسطة.
(68) غَزَّة: بلد بفلسطين بها مات هاشم بن عبد مناف.
(69) عنه بحار الأنوار 52: 75؛ النجم الثاقب 2: 225.
[7] [أبو الأديان وصاحب الزمان (عليه السلام)]:
ومن ذلك بالطريق المذكور يرفعه إلى أبي الأديان قال: كنت أخدم الحسن بن عليّ العسكري (عليهما السلام) وأحمل كتبه إلى الأمصار فدخلت عليه في علّته الّتي توفّي فيها صلوات الله عليه فكتب معي كتباً وقال: اِمض بها إلى المدائن فإنّك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل إلى سرّ من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل، فقال أبو الأديان: يا سيّدي فإذا كان ذلك فمن؟
قال: من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم بعدي، قلت: زدني.
فقال: مَن يُصَلِّي عليَّ فهو القائم بعدي، فقلت: زدني.
قال: من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي، ثمَّ منعتني هيبته أن أسأله عما في الهميان، وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها ودخلت سرَّ من رأى في يوم الخامس عشر كما ذكر لي (عليه السلام) فإذا بالواعية في داره، وإذا به على المغتسل وإذا أنا بجعفر بن عليّ أخيه على الباب والشيعة حوله يعزّونه، ويهنّونه، فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة لأنّي كنت أعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق(70) ويلعب بالطنبور، فتقدَّمت فعزَّيت وهنّيت فلم يسألني عن شيء، ثمّ خرج عقيد فقال: يا سيّدي قد كفّن أخوك فقم وصلّ عليه، فدخل جعفر بن عليّ والشيعة من خلفه يقدمهم السمّان والحسن بن عليّ قتيل المعتصم المعروف بسلمة، فلما صُرنا بالدار فإذا نحن بالحسن بن عليّ صلوات الله عليه على نعشه مكفّناً، فتقدَّم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(70) الجوسق: اسم مكان في سامرّا كانوا يتنادمون فيه، وورد ذكره في الشعر... في الجوسق المتهدّم.
جعفر بن عليّ ليصلّي عليه، فلمّا همَّ بالتكبير خرج صبيُّ بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه فلج(71) فجذب رداء جعفر فقال: تأخر يا عمّ فأنا أحقّ بالصّلاة على أبي منك، فتأخّر جعفر وقد أربدّ وجهه(72) فتقدّم الصبيّ وصلّى عليه، ودفن إلى جانب قبر أبيه (عليهما السلام) ثمّ قال: يا بصريّ هات جوابات الكتب الّتي معك، فدفعتها إليه، فقلت في نفسي: بقي الهميان، ثمّ خرجت إلى جعفر وهو يزفر، فقال له حاجز الوشاء: يا سيّدي من الصبيّ، لنقيم الحجّة عليه؟ فقال: والله ما رأيته قطّ ولا أعرفه، فنحن جلوس (كذا) إذ قدم نفر من قمّ فسألوا عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام) فعرفوا بموته فقالوا: فمن نعزّي؟ فأشار الناس إلى جعفر بن عليّ فسلّموا عليه وعزّوه وهنّوه وقالوا: إنّ معنا كتباً ومالاً فتقول ممّن الكتب؟ وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: تريدون منّا أن نعلم الغيب، فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان وهميان فيه ألف دينار وعشرة دنانير منها مطلّسية(73) فدفعوا الكتب والمال وقالوا: الّذي وجّه بك لأخذ ذلك هو الإمام، فدخل جعفر على المعتمد وكشف له ذلك، فوجّه المعتمد بخدمه فقبضوا على الجارية وطالبوها بالصبيّ فأنكرت وادَّعت حملاً بها لتغطّي حال الصبيّ فسلّمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيد الله بن يحيى فجأة وخروج صاحب الزَّنج بالبصرة، فشغلوا بذلك عن الجارية، فخرجت عن أيديهم.(74)
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(71) أي تباعد ما بين الثنايا والرباعيات في الأسنان.
(72) اربدّ وجهه: أي تغير لون وجهه.
(73) مطلسيّة: تصحيف: مطلَّسة أيّ ممحوّة نقشها.
(74) انظر: كمال الدين: 502؛ بحار الأنوار 50: 332/ ح 4 و52: 67/ ح 53.
[8] [حكاية أبي سهل ورؤيته للمهدي (عليه السلام)]:
ومن ذلك ما صحّ لي روايته(75) عن الشيخ أحمد بن محمّد الإياديّ(76) يرفعه إلى إسماعيل بن عليّ(77) قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) وهو في المرضة التي مات فيها فبينا أنا عنده، إذ قال لخادمه عقيد - وكان الخادم أسود نوبيّاً(78) قد خدم من قبل عليّ بن محمّد وهو ربّى الحسن (عليه السلام) - فقال له: يا عقيد أغل لي ماءً بمصطكي، فأغلى له ثمّ جاءت به صقيل الجارية فلمّا صار القدح بيده وهمَّ بشربه جعلت يده ترتعد حتّى ضرب القدح ثناياه فتركه من يده، وقال لعقيد: اُدخل البيت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(75) وأوّل الحديث وسنده كما أورده الشيخ الطوسي (رحمه الله) في غيبته: أحمد بن عليّ الرازيّ، عن محمّد بن عليّ، عن عبد الله بن محمّد بن خاقان الدهقان عن أبي سليمان داود بن عنان البحراني قال: قرأت على أبي سهل إسماعيل بن عليّ النوبختيّ، قال: مولد محمّد بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ الرّضا بن موسى بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين، ولد (عليه السلام) بسامرّاء سنة ستّ وخمسين ومائتين، أمّه صقيل، ويكنّى أبا القاسم بهذه الكنية أوصى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: (اسمه اسمي وكنيته كنيتي). لقبه المهديّ، وهو الحجّة، وهو المنتظر، وهو صاحب الزمان (عليه السلام)... قال إسماعيل بن عليّ: ... الخ. راجع الغيبة: 272؛ تبصرة الولي: 164؛ بحار الأنوار 52: 16.
(76) أحمد بن محمّد الأيادي: يروي عن أبي طاهر محمّد بن عليّ بن جاك، كما في رجال النجاشي: 342/ 919، والأيادي نسبةً إلى أياد بن نزار بن معد بن عدنان أخي مضر وربيعة.
(77) قال النجاشي: إسماعيل بن عليّ بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت كان شيخ المتكلّمين من أصحابنا وغيرهم، له جلالة في الدنيا يجري مجرى الوزراء، وعنونه الشيخ في الفهرست وكناه بأبي سهل.
(78) النوب والنوبة: جيل من السودان، الواحد نوبى. (الصحاح).
فإنّك ترى صبياً ساجداً فأتني به، قال أبو سهل: قال عقيد: فدخلت البيت فإذا أنا بصبيّ ساجد رافع سبّابته نحو السّماء، فسلمتُ عليه فأوجز في صلاته فقلت: إنَّ سيّدي يأمرك بالخروج إليه، إذ جاءت أمه صقيل فأخذت بيده وأخرجته إلى أبيه الحسن (عليه السلام)، قال أبو سهل: فلمّا مثل بين يديه سلّم عليه وإذا هو دريُّ اللّون وفي شعر رأسهِ قطط، مفلّج الأسنان، فلما رآه الحسن (عليه السلام) بكى وقال: يا سيّد أهل زمانه اسقني الماء فإنّي ذاهب إلى ربّي، وأخذ الصبيّ القدح المغليّ بالمصطكي بيده ثمّ حرّك شفتيه ثمّ سقاه فلمّا شربه قال: هيّئوني للصلاة وكانت صلاة الغداة يوم الجمعة فطرح في حجره منديلاً فوضاه الصبيُّ واحدة واحدة ومسح على رأسه وقدميه.
فقال له: أبشر يا بنيّ فأنت صاحب الزمان، وأنت المهديّ، وأنت حجّة الله في أرضه، وأنت ولدي ووصييّ ووارثي، وأنت محمّد بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، ولّدك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وَبشر بك وأنت خاتم الأئمّة المعصومين وسمّاك وكنّاك، بذلك عهد إليَّ أبي عن آبائك الطاهرين، وصلّى الله على أهل البيت إنّه حميد مجيد، ومات الحسن (عليه السلام) من وقته (عليهم السلام أجمعين).(79)
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(79) انظر الغيبة: 271/ ح 237؛ منتخب الأنوار المضيئة: 142؛ بحار الأنوار 52: 16؛ تبصرة الولي: ح 69.
[9] [حديث رشيق صاحب المادراي]:
ومن ذلك بالطريق المذكور يرفعه إلى رشيق المادراي قال: بعث إلينا المعتضد(80) ونحن ثلاثة نفر فأمرنا أن يركب كلَّ واحد منّا فرسا ويجنب(81) آخر ونخرج مخفّين(82) ولا يكون معنا قليل ولا كثير إلاّ على السرج مصلّى،(83) وقال لنا: الحقوا بسر من رأى ووصف لنا محلّة وداراً وإذا رأيتموها ستجدون عند الباب خادماً أسود فاكبسوا الدار(84) ومن رأيتم فيها فأتوني برأسه، فوافينا سر من رأى فوجدنا الأمر كما ذكره، وفي الدِّهليز الخادم الأسود وبيده تكّة ينسجها، فسألناه عن الدار ومن فيها فقال: صاحبها، فو الله ما التفت إلينا وقل اكتراثه بنا فكبسنا الدار كما أمرنا، فرأينا داراً سريّة(85) ومقابل باب الدار ستراً ما نظرت قطُّ إلى أنبل منه، فكأن الأيدي قد رفعت عنه في ذلك الوقت، ولم يكن في الدار أحد، فرفعنا الستر فإذا بيت كبير، كأن بحراً فيه ماء، وفي أقصى الستر حصير قد علمنا أنّه على الماء، وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصليّ فلم يلتفت إلينا ولا إلى شيء من أسبابنا، فسبق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(80) هكذا في النسخ والمصادر والظاهر أنّه تصحيف المعتمد، حيث بويع المعتضد بالله في اليوم الذي مات فيه المعتمد على الله وهو يوم الثلاثاء المصادف 12 شهر رجب سنة 279 هـ بينما قبض الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في سنة 260 هـ .
(81) أي نجعله جنبه.
(82) أي جاعلين ما معهم شيئاً خفيفاً.
(83) مصلّى: أي فوشاً خفيفاً يصلّى عليه ويكون حمله على السرج.
(84) أي أدخلوها باقتحام.
(85) وسريّة: أي نفيسة.
أحمد بن عبد الله ليتخطّى البيت فغرق في الماء، ولم يزل يضطرب حتّى مددت يدي إليه فخلّصته فأخرجته مغشياً عليه ساعة، ثمّ عاد صاحبي الثاني إلى مثل ذلك الفعل فناله مثل ذلك وبقيت مبهوتاً، فقلت لصاحب البيت: يا سيدي المعذرة إلى الله وإليك، فوالله ما علمت كيف الخبر ولا إلى من أجيء وأنا تائب إلى الله، فما التفت إلى شيء مما قلناه، ولا انتقل عمّا كان فيه، فَهالَنا ذلك، وانصرفنا عنه، وقد كان المعتضد ينتظرنا وقد تقدّم إلى الحُجّاب إذا وافيناه أن ندخل عليه في أيّ وقت كان، فوافيناه في بعض اللّيل وأدخلنا عليه فسألنا عن الخبر، فحكينا له ما رأينا، فقال: ويحكم لقيكم أحد قبلي قلنا: لا، قال: جرى منكم ذلك إلى أحد غيري قلنا: لا فقال: أنا نفيُّ من جدّي إن بلغني هذا الخبر لأضربنّ أعناقكم، فلم يجسر أحد منا أن يحدّث بشيء إلاّ بعد موته.(86)
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(86) انظر الغيبة: ح 218؛ بحار الأنوار 52: 51؛ تبصرة الولي: ح 25.
[10] [العلويّ الحقيقي]:
ومن ذلك ما صح لي روايته عن السيد الزاهد الفاضل رضيّ الملّة والحق والدِّين عليّ بن محمّد بن جعفر الطاووس الحسيني (كذا) في الكتاب المسمّى بربيع الألباب(87) الذي بعضه بخطه من الجزء الثاني ما صورته: حديث عن المهدي (عليه السلام) مليح والذي رواه لنا كان صالحاً، روى لنا حسن بن محمّد بن القاسم من ناحية العمود قال: كنت أنا وشخص من ناحية الكوفة يقال له عمّار على الطريق يطلب الحمالية من سواد الكوفة، فتذاكرنا أمر القائم المهدي من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقال لي: يا حسن أُحدِّثك حديثاً عجيباً؟
فقلت له: هات ما عندك.
قال: جاءت قافلة من طيء يكتالون من عندنا في الكوفة وكان فيهم رجل وسيم، وهو زعيم القافلة، فقلت لمن حضر: هات لنا الميزان من دار العلويِّ، فقال ذلك الرجل البدويّ: وعندكم هنا علويُّ؟
فقلت: يا سبحان الله معظم الكوفة علويّون.
فقال البدويُّ: العلويَّ والله تركته ورائي في البريّة في بعض البلدان، فقلت: فكيف خبره؟
فقال: اعلم أنني شيخ جماعتي ومقدمها فغزونا في نحو من ثلاثمائة فارس أو دونها، وكان مقصودنا قد ضل عنّا وضللنا عنه فبقينا ثلاثة أيّام بلا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(87) تنبيه: وقع هنا اشتباه والصحيح إن كتاب (ربيع الألباب) هو من مؤلفات السيد رضي الدين عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس الحسني، صاحب كتاب (الإقبال) و(الطرائف)، ولا يوجد عالم في بني طاووس بالاسم المذكور وما تراه هنا من سهو الناسخ.
زاد واشتدَّ بنا الجوع، فقال بعضنا لبعض: دعونا نرمى السهم على بعض الخيل نأكلها فاجتمع رأينا على ذلك، ورمينا سهماً فوقع على فرسي فغلطت عليهم، وقلت: ما أقنع فعدنا بسهم آخر فوقع السهم عليها أيضاً فلم أقبل، وقلت: نرمي بثالث فوقع عليها أيضاً وكانت عندي تساوي ألف دينار وهي أحبُّ إليَّ من ولدي. فقلت: دعوني أتزوَّد من فرسي بمشوار فركبتها إلى رابية بعيدة منّا قدر فرسخ فمرّت تحتي مثل الريح العاصف إلى أن أشرفت على الرابية فإذا بجارية تحطب تحت الرّابية، فقلت: يا جارية لمن أنت ومَن أهلك؟ قالت: أنا لرجل علويّ في هذا الوادي ومضت من عندي فرفعت مئزري على رمحي وأقبلت إلى أصحابي فقلت لهم: أبشروا بالخير النّاس قريبون في هذا الواد فمضينا فإذا بخيمة في وسط الوادي فطلع إلينا منها رجل صبيح الوجه أحسن من يكون من الرّجال ذوابتاه إلى سرّته وهو يبتسم ويجيئنا بالتحيّة، فقلت له: يا وجه العرب العطش، فنادى يا جارية هاتي من عندك الماء فجاءت الجارية ومعها قدحان فيهما ماء، فتناول منها قدحاً ووضع يده فيه وناولنا إيّاه وكذلك فعل بالقدح الآخر فشربنا عن أقصانا من القدحين ورجعتا علينا وما نقص من القدحين، فلمّا روَّينا قلنا له: الجوع يا وجه العرب فرجع بنفسه ودخل الخيمة وأخرج بين يديه منسفاً(88) فيه زاد ووضعه وقد وضع يده فيه وقال: يجيء منكم عشرة عشرة فأكلنا جميعاً من تلك المنسفة، والله يا فلان ما تغيّرت ولا نقصت فقلنا: نريد الطريق الفلانيَّ فقال: ها ذاك دربك، وأومأ لنا إلى مَعلم ومضينا. فلمّا ابتعدنا عنه قال بعضنا لبعض: أنتم خرجتم من عند أهلكم للكسب، والمكسب قد حصل لكم فنهى بعضنا بعضاً وأمر بعضنا بالجرسة(89) ثمَّ اجتمع رأينا على أخذهم، فرجعنا نريد أخذهم فلما رجعنا ورآنا راجعين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(88) المنسفة: كمكنسة: الغربال.
(89) الجرسة بالضم: والاجتراس أي الاكتساب.
شدَّ وسطه بمنطقه وأخذ سيفه فتقلّد به، وأخذ رمحه وركب فرساً أشهب، والتقانا وقال: لا تكون أنفسكم القبيحة دبّرت لكم القبيح؟! فقلنا: هو كما ظننت ورددنا عليه ردّاً قبيحاً، فزعق بنا زعقات(90) فما رأينا إلاّ من دخل قلبه الرُّعب وولّينا من بين يديه منهزمين، فخطَّ خطّة بيننا وبينه وقال: وحقِّ جدِّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إن عبرها أحد منكم ضربت عنقه فرجعنا والله عنه بالرغم منّا، ها ذاك العلويّ حقاً لا ما هو مثل هؤلاء.(91)
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(90) زعق: مثل صعق أي صاح صيحة شديدة.
(91) عنه بحار الأنوار 52: 75؛ النجم الثاقب 2: 226.
[11] [حكاية الزيدي الذي استبصر]:
ومن ذلك ما صح لي روايته عن الصاحب المعظم العامل الكامل العالم الفاضل عليّ بن عيسى مصنف كتاب (كشف الغمة في مناقب الأئمّة) ما صورته: حكى لي السيّد باقي بن عطوة العلوي الحسيني أن أباه عطوة كان به أدرة وكان زيدي المذهب، وكان ينكر على بنيه الميل إلى مذهب الإمامية، ويقول: لا أُصدِّقكم ولا أقول بمذهبكم، حتّى يجيء صاحبكم - يعني المهديَّ (عليه السلام) - فيبرأني من هذا المرض،(92) وتكرر هذا القول منه فبينما نحن مجتمعون عند وقت عشاء، إذا أبونا يصيح ويستغيث بنا، فأتيناه سراعاً، فقال: اِلحقوا صاحبكم فالسّاعة خرج من عندي، فخرجنا فلم نرَ أحداً، فعدنا إليه وسألناه، فقال: إنّهُ دخل إليَّ شخص وقال: يا عطوة.
فقلت: من أنت؟ فقال: أنا صاحب بنيك، قد جئت لأُبرئك ممّا بك ثمَّ مدّ يده فعصر قروتي ومشى، فمددت يدي فلم أرَ أثراً.
قال لي ولده: وبقي مثل الغزال ليس به أدرة واشتهرت هذهِ القصة وسألت عنها غير ابنه فأخبرني بها وأقرّ بها، فهذا صورة ما نقلته من تصنيفه بخط يده.(93)
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(92) الأدرة: نفخة في الخصية.
(93) انظر كشف الغمة 3: 301؛ تبصرة الولي: 242؛ بحار الأنوار 52: 65.
[12] [حكاية تشيع أهل همذان]:
ومن ذلك بالطريق المذكور انه قال: سمعنا شيخاً من أصحاب الحديث يقال له أحمد بن فارس الأديب(94) يقول: سمعت بهمذان حكاية حكيتها كما سمعتها لبعض إخواني فسألني أن أثبتها له بخطيّ ولم أجد إلى مخالفته سبيلاً وقد كتبتها، وعهدتها إلى من حكاها: أن بهمذان أُناساً يعرفون ببني راشد وهم كلّهم يتشيّعون ومذهبهم مذهب أهل الإمامة، فسألت عن سبب تشيّعهم من بين أهل همذان؟ فقال لي شيخ منهم - رأيت فيه صلاحاً وسمتاً -: إنَّ سبب ذلك أنَّ جدَّنا الّذي ننتسب إليه خرج حاجّاً فقال: إنّهُ لمّا فرغ من الحجِّ وسار في البادية قال: فنشطت للنزول والمشي فمشيت طويلاً حتّى أعييت ونعست فقلت في نفسي: أنام نومة تريحني، فإذا جاء آخر القافلة قمت، قال: فما انتبهت إلا بحرِّ الشمس ولم أر أحداً فتوحّشت ولم أر طريقاً ولا أثراً، فتوكّلت على الله (عزَّ وجلَّ) وقلت: أتوجه حيث وجّهني ومشيت غير طويل فوقعت في أرض خضراء قريبة العهد بغيث وإذا تربتها أطيب تربة، ونظرت في وسط تلك الأرض إلى قصر يلوح كأنّه سيف فقلت: ليت شعري ما هذا القصر الّذي لم أعهده ولم أسمع به فقصدته، فلمّا بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين، فسلّمت عليهما فردّا عليّ ردّاً جميلاً وقالا: أجلس فقد أراد الله بك خيراً، وقام أحدهما فدخل، فاحتبس غير بعيد ثمّ خرج فقال لي: قم فادخل، فدخلت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(94) أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي، أبو الحسين، من أئمّة اللغة والأدب أصله من قزوين، وأقام مدة في همذان، ثمّ انتقل إلى الري فتوفّي فيها سنة (390 هـ) وقيل (370 هـ) وله تصانيف كثيرة في فنون شتّى.
قصراً لم أر بناءً أحسن منه ولا أضوء منه فتقدَّم الخادم إلى ستر على باب بيت فرفعه، ثمّ قال لي: ادخل، فدخلت البيت فإذا فتىً جالس في وسط البيت وقد علّق فوق رأسه من السقف سيفاً طويلاً يكاد طرفه يمسّ رأسه، وكأن الفتى بدر يلوح في الظلام فسلّمت فردَّ السلام بألطف كلام وأحسنه، ثمّ قال لي: أتدري من أنا؟ فقلت: لا والله، فقال: أنا القائم من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنا الّذي أخرج في آخر الزمان بهذا السيف - وأشار إليه - فأملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، قال: فسقطت على وجهي، وتعفّرت فقال: لا تفعل، ارفع رأسك، أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها همذان، فقلت: صدقت يا سيّدي ومولاي.
قال: فتحبُّ أن تؤوب إلى أهلك؟ فقلت: نعم يا سيّدي وأُبشّرهم بما أتاحه الله لي, فأومأ إلى الخادم فأخذ بيدي وناولني صرّة وخرج ومشى معي خطوات، فنظرت إلى ظلال وأشجار ومنارة مسجد، فقال: أتعرف هذا البلد؟ فقلت: إن بقرب بلدنا بلدة تعرف بأسد آباد ونظرت في الصرة أربعين أو خمسين ديناراً، فوردت همذان وجمعت أهلي وبشّرتهم بما يسّره الله (عزَّ وجلَّ) لي، ولم نزل بخير ما بقى معنا من تلك الدنانير.(95)
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(95) انظر كمال الدين: 480/ ح 20؛ الخرائج 2: 788/ ح 112؛ بحار الأنوار 52: 40.
[13] [وفد أهل قم على الإمام المهدي (عليه السلام)]:
ومن ذلك بالطريق المذكور يرفعه إلى أبي الحسن عليّ بن سنان الموصليّ(96) قال: حدّثني أبي قال: لمّا قبض سيّدنا أبو محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ (عليهما السلام) وفد من قم والجبال وفود بالأموال الّتي كانت تحمل على الرسم والعادة ولم يكن عندهم خبر بوفاة الحسن (عليه السلام) فلمّا أن وصلوا إلى سرّ من رأى سألوا عن سيّدنا الحسن (عليه السلام) فقيل لهم: إنّهُ قد فقد، فقالوا: ومَن وارثه؟ قالوا: أخوه جعفر بن عليّ، فسألوا عنه فقيل لهم إنّه قد خرج متنزّهاً وركب زورقاً في دجلة يشرب ومعه المغنّون، قال: فتشاور القوم، فقالوا: ليست هذهِ من صفة الإمام، وقال بعضهم لبعض: أمضوا بنا حتّى نردّ هذه الأموال على أصحابها، فقال أبو العبّاس محمّد بن جعفر الحميريّ القمّيّ: قفوا بنا حتّى ينصرف هذا الرّجل ونختبر أمره على الصحة، فلما انصرف دخلوا عليه وسلموا عليه وقالوا: يا سيّدنا نحن من قم وفينا جماعة من الشيعة وغيرها وكنا نحمل إلى سيّدنا أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام) الأموال فقال: وأين هي؟ قالوا: معنا، فقال: أحملوها إليَّ، فقالوا: إنَّ لهذهِ الأموال خبراً طريفاً، أنها تجمع ويكون فيها من عامّة الشيعة الدينار والديناران، ثمّ يجعلونها في كيس ويختمون عليه وكنّا إذا وردنا بالمال قال سيّدنا أبو محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام): جملة المال كذا وكذا ديناراً، من عند فلان كذا حتّى يأتي على أسماءِ النّاس كلّهم ويقول ما على نقش الخواتيم، فقال جعفر: كذبتم، تقولون على أخي ما لا يفعله، هذا علم الغيب ولا يعلمه إلا الله تعالى فلمّا سمع القوم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(96) وصف الشيخ الطوسي في غيبته في ح 109 الموصلي بالعدل.
كلام جعفر جعل بعضهم ينظر إلى بعض فقال لهم: أحملوا هذا المال إليَّ، قالوا إنّا قوم مستأجرون وكلاء إنا لا نسلّم المال إلاّ بالعلامات الّتي كنّا نعرفها من سيّدنا الحسن (عليه السلام) فإن كنت الإمام فبرهن لنا وإلاّ رددنا بها إلى أصحابها يرون فيها رأيهم، فدخل جعفر على الخليفة وكان بسرّ من رأى فاستعدى عليهم، فلمّا أحضروا قال الخليفة: احملوا هذا المال إلى جعفر قالوا: أصلح الله أمير المؤمنين إنّا أقوام مستأجرون، وكلاء لأرباب هذهِ الأموال وهي لجماعة أمرونا أن لا نسلّمها إلاّ بعلامة ودلالة، وجرت هذهِ العادة مع أبي محمّد الحسن (عليه السلام) فقال الخليفة: فما كانت العلامة التي كانت مع أبي محمّد، قال القوم: كان يصف لنا الدنانير وأصحابها والأموال وكم هي؟ فإذا فعل ذلك سلّمناها إليه، وقد وفدنا إليه مراراً فكانت هذهِ علامتنا معه ودلالتنا، وقد مات، فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا ما كان يقيم لنا أخوه وإلاّ رددناها على أصحابها، فقال جعفر: يا أمير المؤمنين هؤلاء قوم يكذبون على أخي وهذا علم الغيب، فقال الخليفة: القوم رسل وما على الرسول إلاّ البلاغ المبين، قال: فبهت جعفر ولم يردّ جواباً، فقال القوم: يتطوّل أمير المؤمنين بإخراج أمره إلى من يبدرقنا(97) حتّى نخرج من هذه البلدة، قال: فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها، فلمّا خرجوا من البلد، خرج إليهم غلام أحسن الناس وجهاً، كأنّه خادم فصاح يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان أجيبوا مولاكم، فقالوا: أنت مولانا؟ فقال: معاذ الله بل أنا عبد مولاكم فسيروا إليه قالوا: فسرنا معه حتّى دخلنا دار مولانا الحسن بن عليّ (عليهما السلام) فإذا ولده القائم سيّدنا (عليه السلام) قاعد على سرير كأنّه فلقة القمر، عليه ثياب خضر، فسلّمنا عليه، فردَّ علينا السلام، وقال: جملة المال كذا وكذا ديناراً، حمل فلان كذا، وحمل فلان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(97) من البدرقة، والبدرقة: الخفير والمجير من العدو.
كذا، ولم يزل يصف حتّى وصف الجميع. ثمّ وصف ثيابنا ورحالنا وما كان معنا من الدوابِّ، فخررنا سجّداً لله تعالى شكراً لما عرّفنا وقبّلنا الأرض بين يديه، وسألناه عمّا أردنا فأجاب، فحملنا إليه الأموال، وأمرنا القائم (عليه السلام) أن لا نحمل إلى سرّ من رأى بعدها شيئاً فإنّه ينصّب لنا ببغداد وكيلاً تحمل إليه الأموال ويخرج من عنده التوقيعات، قالوا: فانصرفنا من عنده ودفع إلى أبي العبّاس محمّد بن جعفر الحميريّ القميّ شيئاً من الحنوط والكفن فقال له: أعظم الله أجرك في نفسك، قال: فما بلغ أبو العبّاس عقبة همدان حتّى توفّي (رحمه الله) وكان بعد ذلك تحمل الأموال إلى النوّاب المنصوبين في بغداد ويخرج من عندهم التوقيعات(98).(99)
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(98) قال ابن بابويه في كتابه (كمال الدين وتمام النعمة) بعد إيراد هذا الخبر ما نصه: هذا الخبر يدلّ على أنّ الخليفة كان يعرف هذا الأمر كيف هو [وأين هو] وأين موضعه، فلهذا كفّ عن القوم عمّا معهم من الأموال، ودفع جعفراً الكذّاب عن مطالبتهم، ولم يأمرهم بتسليمها إليه إلاّ أنّه كان يحبُّ أن يخفى هذا الأمر ولا ينشر لئلاّ يهتدي إليه الناس فيعرفونه. وقد كان جعفر الكذّاب حمل إلى الخليفة عشرين ألف دينار لمّا توفّي الحسن بن عليّ (عليهما السلام) وقال: يا أمير المؤمنين تجعل لي مرتبة أخي الحسن ومنزلته. فقال الخليفة: اعلم أنّ منزلة أخيك لم تكن بنا إنّما كانت بالله (عزَّ وجلَّ) ونحن كنّا نجتهد في حطّ منزلته والوضع منه، وكان الله (عزَّ وجلَّ) يأبى إلاّ أن يزيده كلّ يوم رفعة لما كان فيه من الصيانة وحسن السمت والعلم والعبادة، فإن كنت عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا، وإن لم تكن عندهم بمنزلته ولم يكن فيك ما كان في أخيك لم نغن عنك في ذلك شيئاً.
(99) انظر كمال الدين: 476/ ح 26؛ الثاقب في المناقب: 608/ ح 555/ 3؛ الخرائج والجرائح 3: 1104/ ح 24؛ بحار الأنوار 52: 47.
[14] [إسماعيل الهرقلي ولقاءه بالإمام (عليه السلام)]:
ومن ذلك ما صح لي روايته عن الشيخ الصدر الأعظم عليّ بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي(100) العالم الفاضل مصنف كتاب (كشف الغمة)(101) فإنه روى في آخر المجلد الثاني من الكتاب عند ذكر أخبار مولانا وسيدنا وإمامنا الإمام القائم محمّد بن الحسن (عليه السلام) ما هذا لفظه: حدّثني جماعة من ثقات إخواني أنه كان في البلاد الحليّة شخص يقال له: إسماعيل بن الحسن الهرقلي(102) من قرية يقال لها: هرقل(103) مات في زماني وما رأيته، حكى لي ولده شمس الدّين أيضاً حكى لي والدي أنّه خرج فيه - وهو شاب - على فخذه الأيسر توثة(104) مقدار قبضة الإنسان، وكانت في كلِّ ربيع تنشقّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(100) عليّ بن عيسى الأربلي، أبو الحسن نزيل بغداد ودفينها المتوفّى فيها سنة (693 هـ) وكان عالماً، فاضلاً، محدّثاً، ثقة، شاعراً، أديباً، جامعاً للفضائل والمحاسن، له كتب منها: كشف الغمّة في معرفة الأئمّة (عليهم السلام)، فرغ من تأليفه (21) رمضان سنة (687 هـ) وكان الأربلي وزيراً لبعض الملوك، وكان ذا ثروة وشوكة عظيمة فترك الوزارة واشتغل بالتأليف والتصنيف والعبادة.
(101) كتاب (كشف الغمة في أحوال الأئمّة (عليهم السلام))، وهو خير كتاب في خير موضوع فائق على كثير ما ألّف قبله في هذا الموضوع، في جودة السرد، ووضوح العبارة والأمانة في النقل، والركون إلى المصادر الموثوقة بين الفريقين، والكتاب طبع عدة طبعات.
(102) إسماعيل بن الحسن الهرقلي: هو والد محمّد الهرقلي الذي كان عالماً، فاضلاً من تلامذة العلامة الحلّي، وهو الذي كتب كتاب المختلف بخطه زمان مؤلّفه وقرأ عليه، وتوجد عدة كتب خطية بخط يده فمنها (المختلف) رآه الحرّ العاملي، ومنها (الشرائع) والنسخة عند السيد محمّد آل حيدر في بلدة الكاظمين، ومنها (المواهب الإلهية) عند العلامة النوري (رحمه الله). وأما نسبه فهو إسماعيل بن الحسين بن الحسن بن عليّ الهرقلي.
(103) هرقلة: قرية مشهورة من بلد الحلّة من عمل الصدرين.
(104) التوثة: بثرة متقرحة.
ويخرج منها دم وقيح ويعطله ألمها عن كثير من أشغاله، وكان مقيماً بهرقل، فحضر إلى الحلّة يوماً ودخل إلى مجلس السيد السند السعيد رضي الملّة والدين عليّ بن طاووس (رحمه الله)(105) وشكا إليه ما يجده منها وقال: أُريد أن أُداويها، فأحضر له أطبّاء الحلّة وأراهم الموضع فقالوا: هذه التوثة فوق العرق الأكحل، وعلاجها خطر، ومتى قطعت خيف أن يقطع العرق فيموت، قال السيد الأَيِّدُ(106) السعيد رضي الملّة والدين - قدس الله روحه - أنا متوجّه إلى بغداد، وربّما أطباؤها أعرف من هؤلاء فأصحبني فصعد معه وَأحضر أطباء بغداد، فقالوا كما قال أولئك، فضاق صدره، فقال له السيد السعيد قدس الله روحه إنّ الشرع قد فسح في الصلاة في هذهِ الثياب، وعليك الاجتهاد في الاحتراز فلا تغرر بنفسك، فالله تعالى قد نهى عن ذلك ورسوله، فقال له والدي: إذا كان هذا الأمر هكذا وقد وصلت إلى بغداد فأتوجّه إلى زيارة المشهد الشريف بسرّ من رأى - على مشرفه السلام - ثمّ اَنحَدِرُ إلى أهلي، فحسن له ذلك، فترك ثيابه عند السيد السعيد المذكور وتوجّه. قال: فدخلت المشهد وزرت الأئمّة (عليهم السلام)، ونزلت السرداب واستعنت بالله تعالى وبالإمام (عليه السلام) وقضيت بعض الليل في السرداب، وبقيت في المشهد إلى الخميس، ثمّ مضيت إلى دجلة واغتسلت ولبست ثوباً نظيفاً، وملأت إبريقاً كان معي، وصعدت اُريد المشهد الشريف فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور، وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم، فالتقينا فرأيت شابين أحدهما عبد مخطوط والآخر منهما متقلد سيفاً وشيخاً متنقباً بيده رمح والآخر متقلّد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(105) ابن طاووس الحسني: السيّد الأجلّ الأورع الأزهد، قدوة العارفين الّذي ما اتفقت كلمة الأصحاب على اختلاف مشاربهم وطريقتهم على صدور الكرامات عن أحد ممّن تقدّمه أو تأخّر عنه غيره. ويظهر من مواضع كتبه خصوصاً (كشف المحجّة) إنّ باب لقائه إيّاه (عليه السلام) كان مفتوحاً، وكان من عظماء المعظمين لشعائر الله تعالى.
وقال العلاّمة: كان أعبد من رأيناه من أهل زمانه، وتوفّي (رحمه الله) سنة (664 هـ).
(106) الأيّد: القوي العبادة.
بسيف وعليه فرجية(107) ملونة فوق السيف وهو متحنك بعذبته، فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق ووضع كعب رمحه في الأرض ووقف الشابان عن يسار الطريق، وبقى صاحب الفرجيّة على الطريق مقابل والدي، ثم سلّمو عليه، فردّ (عليهم السلام)، فقال له صاحب الفرجيّة: أنت غدا تروح إلى أهلك؟ فقال له: نعم، فقال له: تقدم حتّى أبصر ما يوجعك؟ قال: فكرهت ملامسته وقلت في نفسي: أهل البادية لا يكادون يتحرزون عن النجاسة، وأنا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول، ثمّ أني مع ذلك تقدمت إليه، فلزمني بيدي ومدّني إليه، وجعل يلمس جانبي من كتفي إلى أن أصابت يده التوثة، فعصرها بيده فأوجعني، ثمّ استوى في سرج فرسه كما كان، فقال لي الشيخ: أفلحت يا إسماعيل، فعجبت من معرفته اسمي فقلت: أفلحنا وأفلحتم إن شاء الله تعالى، قال: فقال لي الشيخ: هذا هو الإمام قال: فتقدمت إليه فاحتضنته وقبلتُ فخذه، ثمّ إنّهُ سار وأنا أمشي معه محتضنه فقال: ارجع، فقلت له: لا أُفارقك أبداً، فقال: المصلحة رجوعك، فأعدت عليه فقال مثل القول الأوّل، فقال الشيخ: يا إسماعيل ما تستحي يقول لك الإمام مرّتين ارجع وتخالفه فجبهني هذا القول، فوقفت فتقدم خطوات والتفت إليَّ وقال: إذا وصلت بغداد فلا بدَّ أن يطلبك أبو جعفر - يعني الخليفة المستنصر -(108) فإذا حضرت عنده وأعطاك شيئاً فلا تأخذه، وقل لولدنا الرضي ليكتب لك إلى عليّ بن عوض فإنّي أوصيته يعطيك الّذي تريد، ثمّ سار وأصحابه معه، فلم أزل قائماً أبصرهم إلى أن غابوا عنّي وحصل عندي أسف لمفارقته فقعدت إلى الأرض ساعة، ثمّ مشيت إلى المشهد، فاجتمع القوّام حولي وقالوا: نرى وجهك متغيراً،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(107) الفرجية: نوع من الثياب.
(108) المستنصر بالله، أبو جعفر، منصور بن الظاهر: ولد في صفر سنة (585 هـ) وولي بغداد بعد وفاة أبيه سنة (623 هـ) وهو باني المدرسة المستنصرية ببغداد على شط دجلة من الجانب الشرقي، في عهده استولى المغول على كثير من البلاد حتى كادوا يدخلون بغداد إلى أن توفي بها سنة (640 هـ).
ءَأوجعك شيء؟ قلت: لا، قالوا: أخاصمك أحد؟ قلت: لا ليس عندي ممّا تقولون، لكن أسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم؟
قالوا: بلى(109) هم من الشرفاء أرباب الغنم، فقلت: لا، بل هو الإمام القائم (عليه السلام) فقالوا: الإمام هو الشيخ أو صاحب الفرجية؟ قلت: هو صاحب الفرجية، فقالوا: أريته المرض الّذي فيك؟
فقلت: هو قبضه بيده، وأوجعني، ثمّ كشفت رجلي فلم أرَ لذلك المرض أثراً فتداخلني الشكّ من الدهش، فأخرجت رجلي الأخرى فلم أرَ شيئاً، فانطبق الناس عليَّ ومزّقوا قميصي، فأدخلني القوّام خزانة ومنعوا النّاس عنّي، وكان ناظر بين النهرين بالمشهد فسمع الضجّة، وسأل عن الخبر فعرّفوه، فجاء إلى الخزانة وسألني عن اسمي، وسألني منذ كم خرجت من بغداد؟ فعرّفته أنّي خرجت من أوّل الأُسبوع فمشى عنّي، وبتّ بالمشهد وصلّيت الصبح، وخرجت وخرج النّاس معي إلى أن بعدت عن المشهد ورجعوا عنّي، ووصلت إلى أوانا(110) فبتّ بها وبكّرت منها أُريد بغداد، فرأيت النّاس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون من ورد عليهم وعن اسمه ونسبه، وأين كان؟ فسألوني عن اسمي، ومن أين جئت؟ فعرّفتهم، فاجتمعوا عليّ ومزّقوا ثيابي ولم يبق لي في روحي حكم، وكان الناظر بين النهرين كتب إلى بغداد وعرّفهم الحال ثمّ حملوني إلى بغداد وازدحم النّاس عليَّ وكادوا يقتلونني من كثرة الزحام، وكان الوزير القمي رحمة الله تعالى عليه(111) قد طلب السيد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(109) الصحيح أن يكون الجواب هنا: نعم، ولا موضع لكلمة (بلى) فيها.
(110) أوانا: بلدة كثيرة البساتين، نزهة من نواحي دجيل بغداد، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ.
(111) الوزير القمي: هو مؤيد الدين محمّد بن محمّد بن عبد الكريم بن برز القمّي: هو قمّي الأصل والمولد، بغدادي المنشأ والوفاة، ينتسب إلى المقداد بن الأسود الكندي، كان (رحمه الله) بصيراً بأمور الملك، خبيراً بأدوات الرئاسة، عالماً بالقوانين، عارفاً باصطلاح الدواوين، خبيراً بالحساب ريان من فنون الأدب، حافظاً محاسن الأشعار، راوياً لطرائف الأخبار، تولّى الوزارة، وتمكّن في الدولة تمكّناً لم يتمكّن مثله أحد من أمثاله، وكان أوحد زمانه في كل شيء، حسناً كثير البرّ والخير والصدقات وما زال على سداد من أمره تولّى الوزارة للناصر، ثمّ للظاهر، ثمّ للمستنصر العبّاسيين، حتّى قبض المستنصر وحبسه في باطن دار الخلافة مدّة، فمرض وأخرج مريضاً فمات (رحمه الله) في سنة (629 هـ).
أقول: ومن معرفة تولّي المستنصر للخلافة وموت الوزير القمي يعرف تأريخ هذه الحكاية فالحكاية إذن واقعة بين سنتي (623 هـ) وهي سنة تولّي الخليفة المستنصر (629 هـ) وهي سنة موت الوزير القمي (رحمه الله).
الأيد السعيد رضي الدّين عليّ بن طاووس (رحمه الله) وتقدّم أن يعرِّفه صحّة هذا الخبر. قال: فخرج رضيّ الدين ومعه جماعة فتوافينا بباب النوبي فرد أصحابه الناس عنّي، فلمّا رآني قال: أعَنْكَ يقولون؟ قلت: نعم فنزل عن دابّته وكشف عن فخذي فلم يَرَ شيئاً، فغشي عليه ساعة وأخذ بيدي وأدخلني على الوزير، وهو يبكي ويقول: يا مولانا هذا أخي وأقرب الناس إلى قلبي،(112) فسألني الوزير عن القصة، فحكيت له، فأحضر الأطباء الذين كانوا أشرفوا عليها، وأمرهم بمداواتها، فقالوا: ما دواؤُها إلاّ القطع بالحديد، ومتى قطعها مات، فقال لهم الوزير: فبتقدير أن تقطع ولا يموت في كم تبرأ؟ فقالوا: في شهرين وتبقى في مكانها حفيرة بيضاء ولا ينبت فيها شعر، فسألهم الوزير: متى رأيتموه؟ فقالوا منذ عشرة أيّام، فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم فرآها وهي مثل أختها وليس فيها أثر أصلاً، فصاح أحد الحكماء: هذا عمل المسيح، فقال الوزير: حيث لم يكن عملكم، فنحن نعرف من عملها، ثمّ إنّه أحضر عند الخليفة المستنصر فسأله عن القصة، فعرّفه بها كما جرى، فتقدّم له بألف دينار، فلمّا حضرت قال: هذه فأنفقها، فقال له: ما أجسر أن آخذ منهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(112) كلام السيد ابن طاووس هذا في حق إسماعيل الهرقلي يدل على عظيم منزلة الهرقلي.
حبّة واحدة، فقال الخليفة: ممّن تخاف؟ قال من الذي فعل معي هذا، قال: لا تأخذ من أبي جعفر شيئاً، فبكى الخليفة وتكدّر، وخرج من عنده ولم يأخذ شيئاً.(113)
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(113) ثمّ قال الشيخ عليّ بن عيسى - رحمة الله عليه - عقيب ذلك: كنت في بعض الأيّام أحكي هذه القصة لجماعة عندي، وكان هذا شمس الدين محمّد ولده عندي وأنا لا أعرفه، فلمّا انقضت الحكاية قال: أنا ولده لصلبه، فعجبت من هذا الاتفاق فقلت: هل رأيت فخذه وهي مريضة؟ فقال: لا، لأنّي أصبو عن ذلك، ولكنّي رأيتها بعدما صلحت ولا أثر فيها وقد نبت في موضعها شعر.
وسألت السيد صفيّ الدين محمّد بن محمّد بن بشر العلوي الموسوي، ونجم الدين حيدر بن الأيسر رحمهما الله وكانا من أعيان الناس وسراتهم، وذوي الهيئات منهم، وكانا صديقين لي وعزيزين عندي فأخبراني بصحة هذه القصة، وأنّهما رأياها في حال مرضها وحال صحتها، وحكى لي ولده هذا أنّه كان بعد ذلك شديد الحزن لفراقه (عليه السلام) حتّى أنّه جاء إلى بغداد، وأقام بها في فصل الشتاء، وكان كلّ أيّامه يزور سامراء ويعود إلى بغداد فزارها في تلك السنة أربعين مرّة طمعاً أن يعود له الوقت الذي مضى أو يقضي له الحظ بما قضى، ومن الذي أعطاه دهره الرضا، أو ساعده بمطالبه صرف القضا، فمات (رحمه الله) بحسرته، وانتقل إلى الآخرة بغصّته، والله يتولاّه وإيّانا برحمته بمنّه وكرامته (كذا).
انظر كشف الغمة 2: 493؛ بحار الأنوار 52: 61.
[15] خبر الجزائر الست:
وصورته حكى الأجلَّ العالم الحافظ حجة الإسلام سعيد بن رضي الدين البغدادي عن الشيخ الأجلِّ المقرئ خطير الدّين حمزة بن المسيّب بن الحارث أنّه حكى في داره بالظفريّة(114) بمدينة السّلام في ثامن عشر من شعبان سنة أربع وأربعين وخمسمائة عن الشيخ العالم أبي القاسم ابن عبد الباقي بن أحمد الدمشقي في السابع عشر من جمادي الآخرة من سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة عن الأجل العالم كمال الدين بن محمّد بن يحيى الأنباري بداره بمدينة السلام ليلة الخميس عاشر شهر رمضان بعد الفطور في السنة المذكورة قال: كنّا عند الوزير عون الدّين يحيى بن هبيرة(115) في شهر رمضان سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة ونحن على ضيافته وعنده جماعة، فلمّا أفطر من كان حاضراً وتقوّض(116) أكثر الناس ممن كان جالساً وأردنا الانصراف فأمرنا بالتمسّي عنده، وكان في مجلسه في تلك الليلّة شخص نصراني لا أعرفه ولم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(114) الظفرية: من محال الجانب الشرقي من بغداد وموضعها اليوم محلة الشيخ عمر السهروردي.
(115) عون الدين يحيى بن هبيرة الوزير: الذهلي الشيباني، أبو المظفر الحنبلي، من كبار الوزراء في الدولة العباسيّة، عالم بالفقه والأدب، له نظم جيّد، ولد في قرية من أعمال دجيل - بالعراق - ودخل بغداد في صباه، فتعلم صناعة الأشياء، وقرأ التاريخ والأدب وعلوم الدين، واتصل بالمقتفي لأمر الله فولاّه بعض الأعمال وظهرت كفائته، فارتفعت مكانته، ثمّ استوزره المقتفي سنة (544 هـ) وكان يقول: ما وزر لبني العباس مثله، وهو الّذي لقبه بعون الدين، وقام ابن هبيرة بشؤون الوزارة حكماً وسياسة وإدارة، أفضل قيام وأقره في الوزارة المستنجد واستمرّ في نعمته وحسن تصرّفه بالأمور إلى أن مات ببغداد سنة (560 هـ) وكان مولده (499 هـ) وله كتب منها: الإيضاح والتبيين في اختلاف الأئمّة المجتهدين.
(116) تفرّق.
أكن قد رأيته من قبل ورأيت الوزير يكثر إكرامه ويقرّب مجلسه، ويصغى إليه ويستمع قوله دون الحاضرين، فتجارينا الحديث والمذاكرة، حتّى أمسينا وأردنا الانصراف، فعرَّفنا بعض أصحاب الوزير أنَّ الغيث ينزل، وأنّه يمنع من يريد الخروج، فأشار الوزير بتمسينا عنده فأخذنا نتحادث، فأفضى الحديث إلى حديث في الأديان والمذاهب ورجعنا إلى دين الإسلام، وتفرُّق المذاهب فيه، فقال الوزير: أقلُّ طائفة مذهب الشيعة وما يمكن أن يكون أكثر منهم في خطّتنا هذهِ، وهم الأقلُّ من أهلها، وأخذ يذمَّ أحوالهم، ويحمد الله على قلّتهم في أقاصي الأرض، فالتفت النصراني الّذي كان الوزير مقبلاً عليه، ومضيفاً له فقال: أيها الوزير أدام الله أيّامك أتأذن لي أن أحدث بما عندي فيما قد تفاوضتم فيه أم أعرض عنه؟ فصمت الوزير هنيئة ثمّ قال: قل ما عندك، فقال النصراني: خرجت مع والدي سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة من مدينتنا وهي المعروفة بالراهبة ولها الرستاق العظيم الّذي يعرفه التجّار، وعدَّة ضياعها ألف ومائتا ضيعة، في كلّ ضيعة من الخلق ما لا يحصي عددهم إلاّ الله تعالى وهم قوم نصارى، وجميع من في تلك الجزائر من حولها على دينهم ومذهبهم ومسيرة بلادهم وجزائرهم مدّة شهرين وبينهم وبين البر مسيرة عشرين يوماً وكلُّ من في البرّ من الأعراب وغيرهم نصارى وتتصل بالحبشة والنوبة، وجميعهم نصارى، ويتصل بالبرّبر وهم على دينهم فانْ حدَّ هذا كان بقدر كلّ من في الأرض، ولم نضف إليهم الأفرنج والروم، وغير خفيّ عنكم من بالشام والعراق وغيرهما من بلاد المسلمين على كثرتها من النصارى، واتّفق أننّا سرنا في البحر وأوغلنا فيه وتعدَّينا جميع الجهات الّتي كنّا نريد الوصول إليها ورغبنا في المكاسب، لأنا كلما بعدنا كان متاعنا أنفق والحاصل أكثر، ولم نزل على ذلك المسير حتّى صرنا إلى جزائر عظيمة كثيرة الأشجار، مليحة
الجدران فيها المدن الجليلة(117) والرساتيق الجميلة فأوّل جزيرة وصلنا إليها وأُرسي المركب بها، وقد سألنا عنها الناخدا: أيُّ شيء هذهِ الجزيرة؟ فقال: والله إنَّ هذه جزيرة لم أصل بها قط ولا أعرى(118) فيها ولا رسيت فيها عمري وأنا وأنتم في معرفتها سواء، فلمّا أرسينا بها وصعد التجار إلى مشرعة تلك المدينة، وسألنا ما اسمها؟ فقيل هي المباركة، فسألنا عن سلطانها واسمه؟ فقالوا: اسمه الطّاهر، فقلنا: وأين سرير ملكه فقيل بالزاهرة، فقلنا: وأين الزاهرة؟ فقالوا: بينكم وبينها مسيرة عشرة ليال في البحر، وخمسة وعشرين ليلة في البرّ، وهم قوم مسلمون مؤمنون فقلنا: ومن يقبض زكاة ما في المركب لنشرع في البيع والابتياع؟ قالوا: تحضرون عند نائب السّلطان، فقلنا: وأين أعوانه؟ فقالوا: لا أعوان له، بل هو في داره وكل من عليه حقُّ يحضر عنده فيسلمه إليه فتعجّبنا من ذلك، وقلنا: ألا تدلّونا عليه؟ قالوا: بلى، وجاء معنا من أدخلنا داره، فرأيناه رجلاً صالحاً عليه عباءة، وتحته عباءة وهو مفترشها، وبين يديه دواة يكتب منها من كتاب ينظر إليه فسلّمنا عليه فردَّ علينا السّلام وحيّانا وقال: من أين أقبلتم؟ فقلنا: من أرض كذا وكذا، فقال: كلّكم مسلمون؟ فقلنا: لا، بل فينا المسلم واليهوديُّ والنصرانيُّ، فقال: هاتوا أموالكم، ثمّ أخذ مني ومن أصحابي - من اليهودي والنصراني - المال والجزية، ويناظر المسلم عن مذهبه، فوزن والدي عن خمسة نفر نصارى - عنه وعنّي وعن ثلاثة نفر كانوا معنا - ثمَّ وزن عن تسعة نفر كانوا يهوداً، وقال للباقين هاتوا مذاهبكم،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(117) في (ج): المدن الملدودة. وفي (ت): المدرة الممدودة. والملدودة: معناها أن تلك المدن قد جعلت فيها لديدة كثيرة: وهي الروضة الخضراء الزهراء.
(118) عار في الأرض أي ذهب، سمّى الأسد عياراً لمجيئه وذهابه في طلب الصيد، وحكى الفراء: رجل عيار، إذا كان كثير التطواف والحركة. الصحاح 2: 764.
فشرعوا معه في مذاهبهم، فقال: لستم مسلمين بل أنتم خوارج وأموالكم محلٌّ للمسلم المؤمن، وليس بمسلم من لم يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر وبالوصيّ والأوصياء من ذرِّيّته حتّى مولانا صاحب الزَّمان وليّ الأمر صلوات الله عليهم فضاقت بهم الأرض بما رحبت ولم يبق إلاّ أخذ أموالهم، ثمّ قال لنا يا أهل الكتاب لا معارضة لكم فيما معكم، حيث أُخذت منكم الجزية، فلمّا عرفوا أولئك أن أموالهم معرضة للنهب سألوه أن يحملهم إلى سلطانه، الذي هو من قبله، فأجاب سؤالهم وتلا (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)(119) فقلنا للرُّبّان والناخدا وهو الدليل هؤلاء قوم قد عاشرناهم وصاروا رفقة، وما يحسن لنا أن نتخلّف عنهم أينما يكونوا نكن معهم، حتّى نعلم ما يستقر حالهم عليه، فقال الربّان: والله ما أعلم أين المسير في هذا البحر فاستأجرنا رُبّاناً ورجالاً وقلعنا القلع(120) وسرنا ثلاثة عشر يوماً بلياليها، حتّى كان قبل طلوع الشمس كبّر الربّان وقال: هذه والله أعلام الزاهرة ومنائرها، وجدرانها قد بانت ثمّ سرنا حتّى تضاحى النّهار فقدمنا إلى مدينة لم تَرَ العيون أحسن منها، ولا أخف على القلب، ولا أرقَّ من نسيمها ولا أطيب من هوائها ولا أعذب من مائها، وهي راكبة البحر، على جبل من صخر أبيض، كأنّه لون الفضّة البيضاء وعليها سور إلى ما يلي البحر، والبحر محيط بها والأنهار مخترقة تجري في وسطها يشرب منها أهل الدُّور والأسواق، وتأخذ منها الحمّامات وفواضل الأنهار ترمى في البحر، ومدى الأنهار فرسخ ونصف أو دونه، وفي لِحْف(121) ذلك الجبل بساتين المدينة وأشجارها ومزارعها عند
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(119) الأنعام: 42.
(120) القلع: شراع السفينة، وقلعنا: أي رفعنا وأصلحنا الشراع لتسير السفينة.
(121) لحف الجبل: جانبه.
العيون، وأثمار تلك الأشجار لا يرى أطيب منها ولا أعذب منها ثم أنك ترى الذئب والنعجة يرعيان عياناً ولو قصد قاصد لتخلية دابّة في زرع غيره لما رعته ولا قطعت منه قطعة، ولقد شاهدت السباع والهوامَّ رابضة في غيض تلك المدينة، وبنو آدم يمرُّون عليها فلا تؤذيهم، فلمّا قدمنا المدينة وأرسى المركب فيها وما كان صحبنا من الشوابي والذوابيح من المباركة بشريعة الزاهرة، صعدنا فرأينا مدينة عظيمة عيناء، كثيرة الخلق، وسيعة الرقعة، وفيها الأسواق الكثيرة، والمعاش العظيم، وترد إليها الخلق من البرِّ والبحر، وأهلها على أحسن الحال، ولا يكون على وجه الأرض من أهل الأديان من الأمم مثلهم ولا أكثر من أمانتهم، حتّى أنَّ المتعيش بسوق المدينة، يرد إليه من يبتاع منه الحاجة أما بالوزن أو بالذراع فيبايعه عليها ثمَّ يقول: أيا هذا زن لنفسك وأذرع لنفسك فهذه صورة مبايعتهم، ولا يسمع بينهم لغو المقال ولا السفه ولا التهمة ولا يسبُّ بعضهم بعضاً، وإذا أذن المؤذِّن للصلاة، لا يتخلّف منهم متخلّف ذكراً كان أو أنثى، إلاّ ويسعى إلى الصلاة، حتّى إذا قضيت الصلاة للوقت المفروض، رجع كل منهم إلى بيته حتّى يكون وقت الصلاة الأخرى فيكون الحال كما كانت فلمّا دخلنا المدينة وأرسينا بمشرعتها أُمرنا بالحضور عند السلطان فحضرنا داره، وهي دار عظيمة فدخلنا إلى بستان في وسطه قبّة من قصب، والسلطان في تلك القبّة وعنده جماعة وفي باب القبّة ساقية تجري فوافينا القبّة، وقد أقام المؤذِّن للصلاة فلم يكن أسرع من أن امتلأ ذلك البستان بالناس واُقيمت الصلاة، فصلّى بهم جماعة، فلا والله لم تنظر عيني أخشع وأخضع لله منه، ولا ألين جانباً للرعية فصلّى من صلّى مأموماً، فلما قضيت الصلاة ألتفت إلينا وقال: هؤلاء القادمون؟ فقلنا: نعم وكانت مخاطبة الناس له (يا ابن صاحب الأمر) فقال: على خير مقدم، ثمّ قال: أنتم تجار أم
ضياف فقلنا: تجّار، فقال من فيكم المسلم، ومن فيكم من أهل الكتاب؟ فقلنا: نحن من أهل الكتاب وقال الذين زعموا الإسلام نحن مسلمون فقال: إنَّ الإسلام فرق شعث(122) فصار شعباً فمن أيّ قبيل أنتم؟ وكان معنا شخص يعرف بالمقرئ روزبهان بن أحمد الأهوازيّ يزعم أنّه على مذهب الشافعيّ، فقال له: أنا رجل شافعيٌّ قال: فمن على مذهبك من الجماعة؟ قال: كلنا، إلاّ هذا حسّان بن غيث فإنه رجل مالكيُّ، فقال: يا شافعي أنت تقول بالإجماع؟ قال: نعم، قال: إذاً تعمل بالقياس، ثمَّ قال بالله: يا شافعي هل تلوت ما أنزل الله يوم المباهلة؟ قال: نعم، قال: ما هو؟ قال: قول تعالى: (قُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ)(123) فقال: بالله عليك مَن أبناء الرسول ومن نساؤه ومن نفسه؟ فأمسك روزبهان فقال بالله عليك هل بلغك وأتاك أنَّ غير الرَسول والوصيَّ والبتول والسبطين دخلوا تحت الكساء؟ قال: لا، والله لا تنزل هذه الآية إلاّ فيهم ولا خصَّ بها الله تعالى سواهم، ثمّ قال: بالله عليك يا شافعيُّ ما تقول فيمن طهّره الله بالدَّليل القاطع، هل ينجّسه المختلفون؟ قال: لا، قال: بالله عليك يا شافعيُّ هل تلوت (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(124) قال: نعم، قال: بالله عليك مَن يعني بذلك؟ فأمسك، فقال: والله ما عنى إلاّ أهلها، ثمَّ بسط لسانه وتحدَّث بحديث أمضى من السهام، وأقطع من الحسام فقطع الشافعيُّ ووافقه، فقام عند ذلك وقال: عفواً عفواً يا ابن صاحب الأمر أنسب إليَّ نسبك فقال: أنا طاهر بن محمّد بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(122) الشعث: انتشار الأمر. يقال: لمَّ الله شعثك، أي جمع أمرك المنتشر. الصحاح 1: 285.
(123) آل عمران: 61.
(124) الأحزاب: 33.
عليّ بن الحسين بن عليّ ابن أبي طالب أمير المؤمنين (عليهم السلام) الّذي أنزل الله فيه (وَكُلَّ شَيءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ)(125) هو والله الإمام المبين، ونحن الذين أنزل الله فينا (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)،(126) يا شافعيُّ نحن أهل البيت ونحن ذريّة الرَّسول ونحن أُولوا الأمر فخرَّ الشافعيُّ مغشيّاً عليه، لما سمع منه ذلك المقال ثمّ أفاق من غشيته وآمن به، وقال: الحمد لله الذي منحني بالإيمان والإسلام ونقلني من التقليد إلى اليقين، ثمَّ أمر لنا بإقامة الضيافة، فبقينا على ذلك ثمانية أيّام، ولم يبق في المدينة إلاّ من جاء إلينا وحادثنا، فلمّا انقضت الأيّام الثمانية سأله أهل المدينة أن يقوموا لنا بالضّيافة ففسح لهم في ذلك فكثرت علينا الأطعمة والفواكه وعملت لنا الولائم ولبثنا في تلك المدينة سنة كاملة، فعلمنا وتحقّقنا أنَّ تلك المدينة مسيرة شهرين كاملة برّاً وبحراً، وبعدها مدينة أخرى اسمها الرائقة سلطانها القاسم بن صاحب الأمر (عليه السلام) مسيرة ملكها شهرين وهي على تلك القاعدة ولها دخل عظيم وبعدها مدينة أخرى اسمها ظلوم سلطانها عبد الرَّحمن بن صاحب الأمر (عليه السلام) مسيرة رستاقها وضياعها شهران، وبعدها مدينة أخرى اسمها الصافية سلطانها إبراهيم بن صاحب الأمر وهي على الصفة المذكورة بالحكاية وبعدها مدينة أخرى اسمها عناطس سلطانها هاشم بن صاحب الأمر (عليه السلام) وهي أعظم المدن وأكبرها وأعظمها دخلاً ومسيرة ملكها أربعة أشهر، فيكون مسيرة تلك المدن الخمس وملكها ورستاقها مدة سنة لا يوجد في تلك المدن والضياع والجزائر غير المؤمن الشيعي الأثني عشري الموحّد القائل بالولاية والبراءة الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سلاطينهم أولاد إمامهم يحكمون بالعدل وهم به يأمرون وليس على وجه الأرض مثلهم، ولو اجتمع أهل الدنيا بأسرهم لكانوا أكثر عدداً منهم على اختلاف البلاد والمذاهب، ولقد أقمنا عندهم سنة كاملة نترقّب ورود صاحب الأمر إليهم لأنّهم يزعمون أن هذه سنة وروده، فلم يرد ولم يوفقنا الله تعالى للنظر إليه وأما روزبهان وحسّان فأنهما أقاما بالزاهرة، يرقبان رؤيته وقد كنّا لمّا استكثرنا هذه المدن وأهلها، ودخلها سألنا عنها فقيل أنها عمارة صاحب الأمر واستخراجه فلمّا سمع الوزير عون الدين ابن هبيرة هذا الكلام، نهض ودخل حجرة لطيفة، وقد انقضى الليل فأمر بإحضارنا واحداً واحداً، وقال: إياكم وإذاعة هذا الحديث ولا ترجعوا فيه لأحد وشدَّد وتأكّد علينا، في ذلك فخرجنا من عنده ولم يعد أحد منّا مما سمعه حرفاً واحداً حتّى هلك وكنا إذا حضرنا في موضع وأجتمع أحد منا بصاحبه يقول: أتذكر شهر رمضان؟ فيقول: نعم.
فأسماء أولاد صاحب الأمر (عليه السلام) خمسة والمدائن ستُّ المباركة وفيها نائب الطاهر، الزاهرة سلطانها الطاهر ابن صاحب الأمر (عليه السلام) الرائقة سلطانها القاسم ابن صاحب الأمر (عليه السلام)، ظلوم سلطانها عبد الرحمن ابن صاحب الأمر (عليه السلام)، الصافية سلطانها إبراهيم بن صاحب الأمر، عناطس سلطانها هاشم ابن صاحب الأمر فله بنون (عليهم السلام) خمسة والمدائن ستُّ وأتى السيد(127) بأشياء في آخر الحكاية حذفت لعدم الحاجة إليها هذا آخر ما وجد منقولاً من خط السيّد عليّ بن عبد الحميد تغمده الله برحمته وأسكنه بحبوحة جنته آمين والحمد لله وحده وصلى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين أجمعين.(128)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→تنبيه: حتّى لا يخلو كتابنا هذا من فوائد جمّة هي كالتتمة، لا بدّ أن ننبه القارئ اللبيب على عدة أمور تتعلق بالحكاية، فمنها:
أوّلاً: في أحوال راوي الحكاية:
قال السيد الشهيد محمّد عليّ القاضي الطباطبائي بعد هذهِ الحكاية ما نصه:
(ناقل هذه الحكاية لم يعرف شخصه ولم يعلم اسمه فهو عندنا مجهول الحال فلا يمكن الاعتماد عليه ولا على خبره والركون إليه، والعجب من هؤلاء الأخباريين كيف يعتمدون على تلك القصص والحكايات الغريبة وينقلونها في كتبهم من غير لفت نظر إلى أغلاطها ويشوهون بها وجه الحقيقة في كتب الشيعة كما أن أهل السنة شوهوا كتبهم بأخبار كعب الأحبار وأبي هريرة وأمثالهما ومن أقاصيص الوضاعين والدساسين بحيث لا تعد ولا تحصى ولو رمنا حصرها لأعيى القلم وأعقب السأم). انتهى. (الأنوار النعمانية 2: 64/ بالهامش).
وقال الشيخ محمّد تقي التستري صاحب (قاموس الرجال): (... وإن نقله النوري عن البياضي والنيلي والجزائري، ونقل إشارة عليّ بن طاووس إليه إلا أنها كلها ينتهي إلى الأنباري، وأنه كان عند ابن هبيرة الوزير وحدّثه (شخص) لم يعرفوه بذلك! فلو نقل ذلك عنه جميع بني آدم لما خرج عن كونه خبر رجل واحد شاذٍ بلا شاهد). انتهى. (الأخبار الدخيلة 1: 148).
ثانياً: تحقيق حول تواريخ الحكاية:
أ - روى الحكاية سعيد بن أحمد الرضي عن خطير الدين أحمد بن المسيب في 18 شعبان سنة 544 هـ عن أبي القاسم عثمان الدمشقي في 17 جمادى الآخرة سنة 543 هـ عن كمال الدين أحمد بن محمّد الأنباري في 10 شهر رمضان سنة 542 هـ، والتأريخ الأخير أورده النيلي في كتابه (المفرّج...)، وهو الصحيح، وإلاّ أكثر الناقلين للحكاية كالسيد هاشم البحراني والسيد الجزائري والعلامة النوري وغيرهم صرحوا بأن الأنباري سمعها في 10 رمضان سنة 543 هـ وهذا إشتباه منهم، فإذا كان سمعها في رمضان سنة 543 هـ فكيف حدّث الدمشقي في جمادى الآخرة سنة 543 هـ! والحال أن شهر رمضان بعد شهر جمادى الآخرة بثلاثة شهور، فهذا الاشتباه في النقل لا يستقيم مع تواريخ الحكاية ولعلّه تصحيف والصحيح ما أثبتهُ النيلي من تاريخ للحكاية أي في سنة (542 هـ).←
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ ب - أن الوزير عون الدين ابن هبيرة استوزر للخليفة المقتفي لأمر الله سنة (544 هـ) وبعده استوزره الخليفة المستنجد إلى أن توفي الوزير في سنة (560 هـ) والحكاية واقعة في سنة (542 هـ) فإذن هذا التأريخ لا يستقيم مع تأريخ وزارة ابن هبيرة التي ابتدأها في سنة (544 هـ).
جـ - أن الأنباريّ حدّث بالحكاية بعد هلاك الوزير على ما نصه الأنباري في آخر الحكاية: (... فخرجنا من عنده ولم يعد أحد منا مما سمعهُ حرفاً واحداً حتّى هلك...) والمعلوم أن الوزير هلك في سنة (560 هـ) فينبغي أن يكون الأنباري نقل هذهِ الحكاية بعد سنة (560 هـ).
ثالثاً: الحكاية وصاحب كتاب (التعازي):
نسب عدة من علمائنا الأعلام هذهِ الحكاية إلى صاحب كتاب (التعازي) وهذهِ النسبة مردودة لأمرين وهما:
الأمر الأوّل: أن صاحب كتاب (التعازي) هو أبو عبد الله محمّد بن عليّ بن الحسين بن عبد الرحمن العلوي بن القاسم بن محمّد البطحائي بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، وهو من طبقة تلاميذ الصدوق المتوفّى (381 هـ)، له كتاب (التعازي) وكتاب (فضل الكوفة) وتوفّى في سنة (445 هـ). (طبقات أعلام الشيعة 5: 170).
فكيف يكون صاحب كتاب (التعازي) المتوفى في (445 هـ) نقل حكاية في كتابه واقعة في (542 هـ)؟!
فوقع في هذا الوهم عدة من الأعلام على ما صرحوا به في كتبهم فمنهم:
1 - المقدس الأردبيلي (ت 993 هـ) في كتابه (حديقة الشيعة: 765)/ انتشارات معارف إسلامي.
2 - الرضا عليّ بن فتح الله الكاشاني على ما نقله عنه السيد نعمة الله الجزائري (ت 1112 هـ) في كتابه (الأنوار النعمانية 2: 58).
3 - السيد هاشم البحراني (ت 1107 هـ) في كتابه (تبصرة الولي: 252)/ تحقيق مؤسسة المعارف الإسلامية.
4 - الميرزا حسين النوري (ت 1320 هـ) في كتابه (النجم الثاقب 2: 58) ترجمة وتحقيق السيد ياسين الموسوي (الحكاية الثانية)، وكتابه (جنة المأوى: 213) المطبوع مع البحار ج 53 (الحكاية الثالثة).
5 - الشيخ آقا بزرك الطهراني في كتابه (الذريعة 4: 205) ثمّ صرح في (5: 106) بعدم صحة هذهِ النسبة.←
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ 6 - الشيخ حُسين الشاكري في كتابه (موسوعة المصطفى والعترة 17: 203، 220)/ نشر الهادي/ قم.
وغيرهم من الأعلام، ولعل هذا الاشتباه حصل من أن أحد رواة كتاب (التعازي) دوّن الحكاية في آخر كتاب (التعازي) فنسبت بعده إلى صاحب كتاب (التعازي)، ونسخة العلامة النوري (رحمه الله) من كتاب (التعازي) على ما صرح به تلميذه آقا بزرك الطهراني في (الذريعة 4: 205) مستنسخة من الخزانة الرضوية، وطريق الرواية عن مؤلفه هكذا: (أخبرني الشيخ الجليل العفيف أبو العباس أحمد بن الحسين بن وجه المجاور قراءة عليه في داره بمشهد مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في شهر الله سنة إحدى وسبعين وخمسمائة (لعل هذا هو كاتب الحكاية في نسخة كتاب التعازي)، قال: حدّثنا الشيخ الأجل الأمير أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن شهريار الخازن بالغري في ربيع الأوّل سنة ست عشرة وخمسمائة، قال: حدثنا الشريف النقيب أبو الحسين زيد بن ناصر الحسيني (رحمه الله) في شوال سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة بمشهد أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: حدّثنا الشريف أبو عبد الله محمّد بن عليّ بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي عن عليّ بن العباس البجليّ) إلى آخر السند. (أوردت سند الكتاب لفائدة ثانية أيضاً حتّى يعرف الفرق بين تأريخ رواية الكتاب عن المؤلف وتاريخ الحكاية).
الأمر الثاني: أن موضوع كتاب (التعازي) هو ما يتعلق بالتعزية والتسلية عند فقد الأحبة والأولاد مبتدئاً بذكر وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وما جرى عليه عند موت أولاده... وليس للحكاية علاقة بموضوع الكتاب بتاتاً.
رابعاً: الخلط بين حكاية المدائن الخمس وحكاية الجزيرة الخضراء:
اشتبه على الكثير في الرد على حكاية الجزيرة الخضراء الواقعة في سنة (699 هـ) وبين هذه الحكاية الواقعة في سنة (542 هـ)، فمن أراد التفصيل فليراجع كتاب (الجزيرة الخضراء وقضية مثلث برمودا) للشيخ ناجي النجّار/ دار البلاغة.
خامساً: ناقلو الحكاية:
غير من ذكرنا في الفقرة الثالثة:
1 - السيد ابن طاووس (ت 664 هـ) في كتابه (جمال الأسبوع) على ما صرح به العلامة النوري في مستدرك الوسائل (3: 70) وذكرها السيد بالإشارة.←
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ 2 - زين الدين محمّد عليّ بن يونس البياضي (ت 877 هـ) في كتابه (الصراط المستقيم 2: 265/ فصل 15/ ط المكتبة الرضوية).
3 - السيد نعمة الله الجزائري (ت 1112 هـ) في كتابه (الأنوار النعمانية 2: 58).
وأخيراً: قال الشيخ آقا بزرك الطهراني في (الذريعة 5: 106): (... لا يمكن أن يكون داعي العلماء من إدراجه في كتبهم المعتمدة بيان لزوم الاعتماد عليها أو الحكم بصحتها مثلاً أو جعل الاعتقاد بصدقها واجباً، حاشاهم عن ذلك بل إنما غرضهم من نقل هذه الحكايات مجرد الأستيناس بذكر الحبيب وذكر دياره والاستماع لآثاره مع ما فيها من رفع الاستبعاد عن حياته في دار الدنيا وبقائه متنعّماً فيها في أحسن عيش وأفره حال بل مع السلطنة والملك له ولأولاده واستقرارهم في ممالك واسعة هيأ الله لهم لا يصل إليها من لم يرد الله وصوله وقد احتفظ العلماء بتلك الحكايات في قبال المستهزئين بالدين بقولهم: (لم لا يخرج جليس السرداب بعد ألف سنة وكيف تمتعه بالدنيا وما أكله وشربه ولبسه وغيرها من لوازم حياته) وهم بذلك القول يبرهنون على ضعف عقولهم فمن كان عاقلاً مؤمناً بالله ورسوله وكتابه يكفيه في إثبات قدرة الله تعالى على تهيئة جميع الأسباب المعيشية في حياة الدنيا له (عليه السلام)).
* * *
مستدرك كتاب (المنتقى من السلطان المفرّج عن أهل الإيمان)
[16] [لقاء ابن مهزيار بالإمام (عليه السلام)]: (129)
ونقلت أيضاً من كتاب السلطان المفرّج عن أهل الإيمان تصنيف السيّد الجليل الموفق السعيد بهاء الدين عليّ بن عبد الكريم بن عبد الحميد الحسيني، ما صورته، وبالطريق المذكور يرفعه إلى عليّ بن إبراهيم بن مهزيار، قال: كنت نائماً في مرقدي إذ رأيت ما يرى النائم قائلاً يقول: حج السنة، فإنّك تلقى صاحب الزمان - وذكر الحديث بطوله -.(130)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(129) لم تكن هذهِ الحكاية موجودة في كتاب (المنتقى من السلطان المفرّج عن أهل الإيمان) ولكنها موجودة في أصل الكتاب على ما صرح به الشيخ عز الدين الحسن بن سليمان الحلي في كتابه (مختصر بصائر الدرجات) ونحن نقلناها هنا تتميماً للفائدة وجمعاً لموارد أصل الكتاب.
(130) وحيث لم يذكر الشيخ حسن الحلي الحديث في كتابه كاملاً آثرنا على ذكر تتمته هنا لأنه من أصل كتاب (السلطان...) وذلك نقلاً عن كتاب (كمال الدين):
قال عليّ بن مهزيار: فانتبهت وأنا فرحٌ مسرورٌ فما زلت في الصلاة حتّى انفجر عمود الصبح وفرغت من صلاتي وخرجت أسأل عن الحاجِّ فوجدت فرقة تريد الخروج، فبادرت مع أوّل من خرج، فما زلت كذلك حتّى خرجوا وخرجت بخروجهم أُريد الكوفة، فلمّا وافيتها نزلت عن راحلتي وسلّمت متاعي إلى ثقات إخواني وخرجت أسأل عن آل أبي محمّد (عليه السلام)، فما زلت كذلك فم أجد أثراً، ولا سمعت خبراً، وخرجت في أوّل من خرج أُريد المدينة، فلمّا دخلتها لم أتمالك أن نزلت عن راحلتي وسلّمت رحلي إلى ثقات إخواني وخرجت أسال عن الخبر وأقفوا لأثر، فلا خبراً سمعت، ولا أثراً وجدت، فلم أزل كذلك إلى أن نفر الناس إلى مكّة، وخرجت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع من خرج، حتّى وافيت مكّة، ونزلت فاستوثقت من رحلي وخرجت أسأل عن آل أبي محمّد (عليه السلام) فلم أسمع خبراً ولا وجدت أثراً، فما زلت بين الإياس والرَّجاء متفكّراً في أمري، وعائباً على نفسي، وقد جنَّ اللّيل، فقلت: أرقب إلى أن يخلو لي وجه الكعبة لأطوف بها وأسأل الله (عزَّ وجلَّ) أن يعرّفني أملي فيها، فبينما أنا كذلك وقد خلا لي وجه الكعبة إذ قمت إلى الطّواف فإذا أنا بفتى مليح الوجه، طيّب الرائحة، متّزر ببردة، متّشح بأخرى وقد عطف بردائه على عاتقه، فرعته (أي خفته) فالتفت إليّ فقال: ممّن الرجل؟ فقلت: من الأهواز، فقال: أتعرف بها ابن الخصيب؟ فقلت: (رحمه الله) دعي فأجاب، فقال: (رحمه الله) لقد كان بالنهار صائماً وباللّيل قائماً، وللقرآن تالياً ولنا موالياً، فقال: أتعرف بها عليّ بن إبراهيم بن مهزيار؟ فقلت: أنا عليّ، فقال: أهلاً وسهلاً بك يا أبا الحسن، أتعرف الصريحين؟ (أي الخالصين في النسب) قلت: نعم قال: ومن هما؟ قلت: محمّد وموسى. (قال المجلسي (رحمه الله): ثمّ اعلم أنّ اشتمال هذه الأخبار على أنّ له (عليه السلام) أخاً مسمى بموسى غريب) ثمّ قال: ما فعلت العلامة الّتي بينك وبين أبي محمّد (عليه السلام)؟ فقلت: معي، فقال: أخرجها إليّ، فأخرجتها إليه خاتماً حسناً على فصّه (محمّد وعليّ) فلمّا رأى ذلك بكى طويلاً وهو يقول: رحمك الله يا أبا محمّد فلقد كنت إماماً عادلاً، ابن أئمّة وأبا إمام، أسكنك الله الفردوس الأعلى مع آبائك (عليهم السلام).
ثمّ قال: يا أبا الحسن صر إلى رحلك وكن على أهبة من كفايتك حتّى إذا ذهب الثلث من اللّيل وبقي الثلثان، فالحق بنا فإنّك ترى مُناك قال ابن مهزيار: فصرت إلى رحلي أُطيل التفكّر حتّى إذا هجم الوقت فقمت إلى رحلي وأصلحته، وقدّمت راحلتي وحملتها وصرت في متنها حتّى لحقت الشعب فإذا أنا بالفتى هناك يقول: أهلاً وسهلاً بك يا أبا الحسن طوبى لك فقد أذن لك، فسار وسرت بسيره حتّى جاز بي عرفات ومنى، وصرت في أسفل ذروة جبل الطائف، فقال لي: يا أبا الحسن انزل وخذ في أُهبة الصلاة، فنزل ونزلت حتّى فرغ وفرغت، ثمّ قال لي: خذ في صلاة الفجر وأوجز، فأوجزت فيها وسلّم وعفّر وجهه في التراب، ثمَّ ركب وأمرني بالركوب فركبت، ثمَّ سار وسرت بسيره حتّى علا الذّروة، فقال: المح هل ترى شيئاً؟ فلمحت فرأيت بقعة نزهة كثيرة العشب والكلاء، فقلت: يا سيدي أرى بقعة نزهة كثيرة العشب والكلاء، فقال لي: هل ترى في أعلاها شيئاً؟ فلمحت فإذا أنا بكثيب من رمل فوق بيت من شعر يتوقّد نوراً، فقال لي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل رأيت شيئاً؟ فقلت: أرى كذا وكذا، فقال لي: يا ابن مهزيار طب نفساً وقرّ عيناً فإنّ هناك أمل كلّ مؤمّل، ثم قال لي: انطلق بنا، فسار وسرت حتّى صار في أسفل الذّروة، ثمّ قال: انزل فها هنا يذلّ لك كلّ صعب فنزل ونزلت حتّى قال لي: يا ابن مهزيار خلّ عن زمام الرّاحلة، فقلت: على من أُخلّفها وليس هاهنا أحد؟ فقال: إنّ هذا حرم لا يدخلهُ إلاّ وليّ، ولا يخرج منه إلاّ وليّ، فخلّيت عن الراحلة، فسار وسرت فلمّا دنا من الخباء سبقني وقال لي: قف هناك إلى أن يؤذن لك، فما كان إلاّ هنيئة فخرج إليّ وهو يقول: طوبى لك قد أُعطيت سؤلك، قال: فدخلت عليه صلوات الله عليه وهو جالس على نمط عليه نطع أديم أحمر متّكئ على مسورة أديم، فسلّمت عليه وردّ عليَّ السلام ولمحته فرأيت وجهه مثل فلقة قمر لا بالخرق ولا بالبزق، ولا بالطويل الشامخ، ولا بالقصير اللاصق، ممدود القامة، صلت الجبين، أزجّ الحاجبين أدعج العينين، أقنى الأنف، سهل الخدّين، على خدّه الأيمن خال. فلمّا أن بصرت به حار عقلي في نعته وصفته، فقال لي: يا بن مهزيار كيف خلّفت إخوانك في العراق؟ قلت: في ضنك عيش وهناة، قد تواترت عليهم سيوف بني الشيصبان فقال: قاتلهم الله أنّى يؤفكون، كأنّي بالقوم قد قتلوا في ديارهم وأخذهم أمر ربّهم ليلاً ونهاراً، فقلت: متى يكون ذلك يا ابن رسول الله؟ قال: إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة بأقوام لا خلاق لهم والله ورسوله منهم براء، وظهرت الحمرة في السماء ثلاثاً فيها أعمدة كأعمدة اللّجين تتلألأ نوراً، ويخرج السروسي (نسبة إلى سروس: مدينة نفيسة في جبل نفوسه بأفريقيا وأهلها خوارج أُباضية والإرمنية: كوره بالروم). وقال العلامة النوري (رحمه الله) في خاتمة مستدرك الوسائل ضمن الفائدة الثالثة: وقال (رحمه الله) في ضمن أحوال الحجة (عليه السلام)، بعد نقل خبر عليّ بن إبراهيم بن مهزيار ولقائه الإمام (عليه السلام) بقرب الطائف، ما لفظه: (وأمّا الحمرة التي ذكرها صلّى الله عليه وعلى آبائه الطاهرين، فقد ظهر ليلة الاثنين خامس جمادي الأولى سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة بعد العشاء الآخرة حمرة عظيمة أضاءت لها أقطار السماء، وكان خروجها من المغرب، وانتشرت حتّى ملكت نصف الأفق، وشاهدها كثير من الناس بالمشهد الشريف الغروي سلام الله على مشرّفه. وحكى لي الشيخ الصالح حسن بن عبد الله أنّه كان تلك الليلة بعذار زبيد فلمّا ظهرت هذه الحمرة، وعلا صوتها، توهم أهل العذار أنّ ذلك حريق عظيم وقع في بعض جمايعهم، فقاموا فزعين يتعرّفون ذلك، فشاهدوا الحمرة وفيها أعمدة بيض، عدّها جماعة منهم فكانت خمسة وعشرين عموداً، ولله عاقبة الأمور) من إرمنيّة وأذربيجان يريد وراء
[ثمّ قال: يا بن مهزيار - ومدّ يده - ألا أُنبئك الخبر؟ إنّه إذا فقد الصيني وتحرّك المغربيُّ، سار العباسي، وبويع السفياني، يؤذن لوليّ الله فأخرج بين الصفا والمروة في ثلاثمائة وثلاثة عشر سواء، فأجيء إلى الكوفة فأهدم مسجدها، وأبنيه على بنائه الأوّل، وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة، وأحجّ بالناس حجّة الإسلام، وأجيء إلى يثرب، فأهدم الحجرة، وأخرج من بها - وهما طريان - فأمر بهما تجاه البقيع، وآمر بخشبتين يصلبان عليهما، فتورقان من تحتهما، فيفتتن الناس بهما أشدّ من الفتنة الأولى فينادي مناد من السماء: يا سماء أنبذي، ويا أرض خذي، فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلاّ مؤمن قد أخلص قلبه للإيمان.
قلت: يا سيدي ما يكون بعد ذلك؟ قال: (الكرّة الكرّة، الرجعة الرجعة، ثمّ تلا هذه الآية: (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً)](131).
* * *
الرّيّ الجبل الأسود المتلاحم بالجبل الأحمر، لزيق جبل طالقان، فيكون بينه وبين المروزيّ وقعة صيلمانيّة (الصيلم: الأمر الشديد، ووقعة صيلمة أي مستأصلة) يشيب فيها الصغير، ويهرم منها الكبير ويظهر القتل بينهما، فعندها توقّعوا خروجه إلى الزوراء (الزوراء: دجلة بغداد وموضع بالمدينة قرب المسجد) فلا يلبث بها حتّى يوافي باهات (قال المجلسي: أي الدينور ونهاوند) ثمّ يوافي واسط العراق، فيقيم بها سنة أو دونها ثمّ يخرج إلى كوفان، فيكون بينهم وقعة من النجف إلى الحيرة إلى الغريّ وقعة شديدة تذهل منها العقول، فعندها يكون بوار الفئتين، وعلى الله حصاد الباقين ثمّ تلا قوله تعالى: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ) (يونس: 24) فقلت: سيّدي يا ابن رسول الله ما الأمر؟ قال: نحن أمر الله وجنوده، قلت: سيّدي يا ابن رسول الله حان الوقت؟ قال: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ).
انظر كمال الدين: 492 - 497/ حديث 22؛ بحار الأنوار 52: 42/ ح 32.
(131) انظر مختصر بصائر الدرجات: 429/ حديث 508/ 1؛ بحار الأنوار 53: 104/ ح 131.
تم بحمد الله وعونه تحقيق هذا الكتاب وضبط نصه في 20 جمادي الثاني من سنة 1426هـ وهو يوم ولادة الزهراء عليها أفضل الصلاة والسلام.
إثبات الهداة: الحر العاملي/ ط قم.
أعيان الشيعة: السيد محسن الأمين/ ط بيروت.
إلزام الناصب: الحائري/ ط قم.
الأنوار النعمانية: السيد نعمة الله الجزائري/ ت السيد محمّد عليّ القاضي.
بحار الأنوار: الشيخ المجلسي/ مؤسسة الوفاء/ لبنان.
تبصرة الولي: السيد هاشم البحراني/ ط مؤسسة المعارف الإسلامية.
الثاقب في المناقب: ابن حمزة الطوسي/ مؤسسة أنصاريان.
جنة المأوى: الميرزا حسين النوري/ مطبوع مع بحار الأنوار.
حديقة الشيعة: المولى أحمد الأردبيلي/ فارسي.
خاتمة مستدرك الوسائل: الميرزا حسين النوري/ ت مؤسسة آل البيت.
الخرائج والجرائح: قطب الدين الراوندي/ مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام)/ قم.
دلائل الإمامة: الشيخ محمّد بن جرير الطبري/ ت قسم الدراسات الإسلامية.
الدمعة الساكبة: محمّد باقر البهبهاني/ ط حجرية.
الذريعة إلى تصانيف الشيعة: آقا بزرك الطهراني/ دار الأضواء/ بيروت.
رجال النجاشي: الشيخ أحمد النجاشي/ ط مؤسسة النشر الإسلامي.
رحلة ابن بطوطة: ابن بطوطة/ ط مصر.
روضات الجنات: محمّد باقر الخونساري/ ط إسماعيليان.
رياض العلماء: الميرزا عبد الله الأفندي/ ت أحمد الحسيني/ قم/ المرعشي.
ريحانة الأدب: محمّد عليّ المدرس التبريزي/ ط طهران.
سرور أهل الإيمان: السيد بهاء الدين عليّ النيلي/ مخطوط.
سفينة البحار: الشيخ عبّاس القمي/ ط النجف.
الصحاح : إسماعيل الجوهري/ مط دار العلم/ بيروت.
الصراط المستقيم: عليّ بن يونس البياضي/ ت البهبودي.
طبقات أعلام الشيعة: آقا بزرك الطهراني/ طهران/ مجلس الشورى.
عوالي اللآلي العزيزية: ابن أبي جمهور/ ت السيد المرعشي والشيخ العراقي.
الغدير: الشيخ عبد الحسين الأميني/ مط دار الكتاب/ بيروت.
الغيبة: الشيخ الطوسي/ مؤسسة المعارف الإسلامية.
كشف الغمة: الشيخ بهاء الدين عليّ الإربلي/ ط النجف.
كمال الدين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق/ ت عليّ أكبر غفاري.
الكنى والألقاب: الشيخ عبّاس القمي/ ط النجف.
مختصر بصائر الدرجات: الشيخ حسن الحلي/ مط الحيدرية في النجف.
معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام): الشيخ عليّ الكوراني.
مكيال المكارم: الاصفهاني/ مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام).
منتخب الأنوار المضيئة: السيد النيلي/ ت مؤسسة الإمام الهادي/ ط 1/ قم.
منتخب الأنوار المضيئة: السيد النيلي/ ت السيد الكوهكمري/ ط 1/ مشهد.
المهذب البارع: أبي العبّاس الحلي/ ت الشيخ مجتبى العراقي.
النجم الثاقب: الميرزا حسين النوري/ ت السيد ياسين الموسوي.
* * *