في رحاب المهدي (عليه السلام)
قراءة في المعرفة المهدوية
بحث اشترك في المؤتمر العلمي الأوّل حول الإمام المهدي (عليه السلام) لمركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عليه السلام) في النجف الأشرف بتاريخ: (7/ رجب/ 1428هـ) المصادف (22/ 7/ 2007م).
تأليف: السيد علي محمّد الحسيني الصدر
مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عليه السلام)
الطبعة الأولى: 1429هـ
رقم الإصدار: 97
فهرست الموضوعات
مقدمة المركز..................7
مقدمة المؤلف..................15
الفصل الأوّل: في البدء: الظهور..................19
متى يظهر؟..................21
القسم الأوّل: العلائم العامة..................27
القسم الثاني: العلائم القريبة..................36
القسم الثالث: العلائم المقترنة..................38
أما العلائم المحتومة..................38
1 - الصيحة السماوية..................39
2 - خروج السفياني..................40
3 - خسف البيداء..................41
4 - خروج اليماني..................43
5 - قتل النفس الزكيّة..................43
أما العلائم غير المحتومة..................45
1 - خروج راية السيد الحسني الهاشمي..................45
2 - خسوف القمر لخمس بقين، وكسوف الشمس..................47
3 - كثرة الأمطار في جمادي الآخرة، وعشرة أيام من رجب..................48
4 - الموت الأحمر والموت الأبيض بذهاب ثلثي أهل العالم..................48
الفصل الثاني: القيام المقدّس..................51
تجمع الأصحاب..................53
الخطبة العصماء..................70
البيعة الكريمة..................74
القوة الإلهية..................76
المسيرة الإصلاحية..................80
المرحلة الأولى: مكّة المكرّمة..................81
المرحلة الثانية: المدينة المنورة..................82
المرحلة الثالثة: الكوفة العاصمة..................82
الفصل الثالث: دولة الإمام المهدي (عليه السلام)..................91
1 - نظام الدولة..................98
2 - قضاء الدولة..................103
3 - ثقافةُ الدَولة..................109
4 - اقتصاد الدولة..................113
5 - زراعة الدولة..................115
6 - حضارة الدولة..................117
7 - تكامل الدولة..................119
8 - حياة الدولة..................122
مصادر التحقيق..................127
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المركز:
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمّد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين.
أمّا بعد:
فقد أولى الدين الإسلامي الحنيف بعض الأفكار والقضايا العقائدية اهتماماً خاصاً وأولوية مميّزة، ولعلَّنا لا نبالغ ولا نذيع سرّاً إذا قلنا بأنّ الثقافة المهدوية تعدّ من أوائل تلك القضايا ترتيباً من حيث الأهمية والعناية التي أولاها المعصومون (عليهم السلام) من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وقد سبقهم إلى ذلك الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فكان ينتهز المناسبة تلو الأخرى ليطبع في ذهن الأمّة وتفكيرها مصطلحات ثقافة انتظار القائد المظفّر الذي سيرسم ملامح القسط والعدل على ربوع الأرض بعد أن تغرق في غياهب الظلم والجور، محقّقاً بذلك الحلم السرمدي الذي نامت البشرية حالمة به على مرّ العصور، والذي كان هو الأمل الأكبر الذي سعى إليه الأنبياء (عليهم السلام) كافة.
وإذا كانت مقاييس الأهمّية والرفعة والخطر الذي تحظى به كل القضايا تتمثل بطرفين هما مبدأ ومآل كل قضية. فإنّ قضيتنا المقدّسة - التي نحن بصدد الحديث عنها - لا تدانيها قضية في الفكر الإسلامي.
فلو تحقّقنا في مبدأ هذه القضية وأصلها لوجدنا أنّ النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) يعادل بينها وبين مجموع رسالة السماء المباركة الخالدة التي حملها إلى البشرية، فقد ورد عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: (من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني)(1)، ولا نجد أنفسنا بحاجة إلى مزيد من التوضيح لأهمية فكرة يعدّ إنكارها إنكاراً لخاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين.
بل يمكن القول بأنّ عدم الإيمان بهذه العقيدة يوازي عدم الإيمان بكل رسائل الأنبياء (عليهم السلام)، وهو الذي عبّر عنه بالضلالة عن الدين، فقد ورد في الدعاء في زمن الغيبة: (اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أعْرفْ رَسُولَكَ، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أعْرفْ حُجَّتَكَ، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِيني)، ومن واضحات الأمور نوع العلاقة والارتباط بين عدم معرفة الحجّة وبين الضلالة عن الدين، إذ أنّ هناك ثوابت ورواسخ لا يمكن أن تنفك بحال من الأحوال عن قاموس الفكر العقائدي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منتخب الأثر: 492.
الشيعي، بل الإسلامي بكل أطيافه، منها أنّ الذي يموت دون أن يعرف إمام زمانه، أو دون أن تكون في عنقه بيعة لإمام زمانه يموت ميتة جاهليّة كما ورد في الأحاديث الشريفة التي تناقلها المحدّثون من كافة الطوائف الإسلاميّة، وأيّ تعبير أفصح وأصرح من التعبير بالميتة الجاهلية عن بيان الضلالة في الدين؟!
هذا بالنسبة إلى الطرف الأوّل من طرفي مقياس أهمّية القضايا، والذي هو مبدأ هذه القضية وأصلها والإيمان بها.
وأمّا بالنسبة للطرف الثاني لهذه الفكرة المقدّسة التي حرص النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة من أهل بيته (عليهم السلام) على غرسها في صميم أفكار الفرد المسلم، وهو المآل الذي تؤول إليه أو الثمرة التي تنتجها، فإنّ فيها تحقيق حلم الأنبياء وهدفهم الذي سعوا لأجله على مرّ العصور، والأمنية التي رافقت العقل البشري منذ اليوم الأوّل لترعرعه، لأنّ هذا القائد المؤمّل هو الذي سينزع عن البشرية قيود الظلم والعبودية، وهو الذي سيخلع عليها حلّة العدل والإنصاف، فإنّه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً.
وليس بعيداً عن توقّع كل عاقل أنّ مثل هذه القضية التي تحمل بين طيّاتها كل هذا المقدار من الأهمية والخطورة ستتعرّض - حالها في ذلك حال كل مفاهيم العدالة الربّانية - إلى وابل من سهام الغدر والعداوة، حيث إنّها تمثّل الخط العقائدي
الإسلامي الأصيل الذي رسم ملامحه الناصعة نبي الرحمة (صلّى الله عليه وآله وسلم) وواكبه على ذلك الأئمّة المعصومون (عليهم السلام). فلقد أبت القوانين الدنيوية إلّا أن تضع بإزاء كل حق باطلاً ينازعه ويناوئه، فتكالب أعداء الحقيقة من كل حدب وصوب ليوجّهوا نبال التشويه والتشكيك، وكل أنواع المحاربة لهذه العقيدة التي هي من مسلّمات العقل الإسلامي، الذي تعامل مع هذه الفكرة منذ أعماق تأريخه على أنّها أمر لا يمكن الغفلة عنه أو التنكّر له.
وهذا واحد من أهم الأسباب التي حفّزت فينا الشعور بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقنا في الحفاظ والدفاع عن هذه العقيدة المباركة التي حظت بهذا المقدار العظيم من الرعاية الإلهية. هذا الأمر هو الذي دفعنا للنهوض لتحمّل جزء من أعباء هذه المسؤولية وإنجاز هذا التكليف الذي لا مناص من تحمّله، وإيصال ما يمكن إيصاله إلى المؤمنين المهتمّين بشؤون دينهم وعقائدهم، وذلك بعون الباري (عزَّ وجلَّ)، ورعاية من المرجع الديني الأعلى سماحة آية الله العظمى السيّد علي الحسيني السيستاني (دام ظلّه الوارف)، فكان تأسيس مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عليه السلام)، وقد عني هذا المركز بالاهتمام بكل ما يرتبط بالإمام المنتظر (عليه السلام)، ومن هذه الاهتمامات:
1 - طباعة ونشر الكتب المختصّة بالإمام المهدي (عليه السلام)، بعد تحقيقها.
2 - نشر المحاضرات المختصّة به (عليه السلام) من خلال تسجليها وطبعها وتوزيعها.
3 - إقامة الندوات العلمية التخصصية في الإمام (عليه السلام)، ونشرها من خلال التسجيل الصوتي والصوري وطبعها وتوزيعها في كتيّبات أو من خلال وسائل الإعلام وشبكة الانترنيت.
4 - إصدار مجلّة شهرية تخصّصية باسم (الانتظار).
5 - العمل في المجال الإعلامي بكل ما نتمكّن عليه من وسائل مرئية ومسموعة، بما فيها شبكة الانترنت العالمية من خلال الصفحة الخاصّة بالمركز.
6 - نشر كل ما من شأنه توثيق الارتباط بين الأطفال وإمامهم المنتظر (عليه السلام).
وقد سعى مركزنا بكافة ما يملك من طاقات لأن يعمل على أداء ما يقع على عاتقه من مهام ضمن هذه المحاور من العمل.
فكان من بين ما وفقنا الله لإنتاجه سلسلة من الكتب المتخصّصة في ما يتعلّق بالإمام المهدي (عليه السلام)، أسميناها: (سلسلة اعرف إمامك)، نقدّم بين يديك - عزيزي القارئ - هذا الكتاب كحلقة من هذه السلسة التي نسأل الباري (عزَّ وجلَّ) أن يوفّقنا للتواصل في العمل بها لتوفير كل ما يمكن أن يخدم إخواننا المؤمنين وإعطائهم ما يحتاجون في رفد أفكارهم العقائدية المرتبطة بالإمام الغائب (عليه السلام).
وكان العمل التحقيقي في هذا الكتاب يتضمّن تقطيع العبارات وإظهارها بالشكل المناسب الذي يضمن المساعدة في توضيح الفكرة المرادة من الكتاب وراحة القارئ الكريم، ثمّ استخراج المصادر والمآخذ للأحاديث والأقوال بشكل مختصر، والتخلّص من الأخطاء والاشتباهات، ثمّ إخراج الكتاب بالشكل المناسب له.
ولا بدَّ في نهاية المطاف من تقديم الشكر الجزيل والثناء الجميل للإخوة الأفاضل في المركز كافة، الذين لم يألوا جهداً في العمل على إظهار هذه السلسلة بشكلها اللائق.
مدير المركز
السيد محمّد القبانچي
الإهداء
إلى سيدة نساء العالمين.
إلى أُمّ الأئمّة الهداة المعصومين.
إلى التي دارت على معرفتها قرون الأوّلين.
إلى الأسوة الحسنة لبقية الله الكبرى في الأرضين.
إليك أيتها الصدّيقة الشهيدة أهدي كتاب ولدك المنتقم الإمام القائم (عليه السلام)، راجياً من حنانكِ المأمول، التفضّل بالقبول.
رقُّكِ: علي
قم المشرّفة
14/ ع 2/ 1428هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف:
الحمد لله رب العالمين، وصلواته على أحبّ خلقه إليه محمّد وآله الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم وظالميهم وقاتليهم ومنكري فضلهم إلى يوم الدين.
وبعد..
فإن الإمام المنتظر الحجّة المهدي أرواحنا فداه هو تلك الأمنية الكبرى والأنشودة العظمى التي انتظرتها الأجيال، وعقدت عليها الآمال، بعدما وعد به الله الذي لا يخلف الميعاد ولا يتخلف عنه القوة والسداد، حيث قال في كتابه الكريم وخطابه العظيم:
(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ)(2).
وحينما يظهر الإمام المهدي (عليه السلام) وعند قدميه المباركتين تنعُم الأمّة نعماً لم يتنعّموا بمثلها قطّ.
فيتبدّل الخوف إلى الأمن، والفقر إلى الغنى، والظلم إلى العدل، والجهل إلى العلم، والفساد إلى الصلاح، والضعف إلى القوة، والجحيم إلى النعيم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) القصص: 5.
وتملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً، بعد أن ارتمست في الظلم والجور والجهل.
ويتحقق آنذاك عصر النور والعلم والقدرة والسعادة والخير والبركة.
وتتشرّف الأرض بدولة الله، دولة الرسول، دولة أهل البيت، الدولة الكريمة التي لم نزل ولا نزال ندعو الله لها، ونبتهل إليه بها، ونتوجّه إليه بأنّا نرغب إليك في دولة كريمة تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذلّ بها النفاق وأهله.
ولقد وعد الله تعالى بنصره وتمكينه بقوله عزَّ اسمه:
(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)(3).
ولا عجب في ذلك والله غالب على أمره، وهو الناصر لأنبيائه وأوليائه.
وتاريخ الأنبياء شاهد حيّ على غالبيّة الله ونصره..
فكما أن جدّه الرسول قام من مكّة وحيداً غريباً، ودخلها بنصر الله تعالى فاتحاً رهيباً، ونزل قوله تعالى:
(إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)(4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكما أنّ النّبي نوح (عليه السلام) انتصر على البشريّة الفاسدة، واجتاح بطوفانه الكرة الأرضيّة، وتغلّب على جميع القوى الكافرة، حتّى صاح بأعلى صوته:
(لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلّا مَنْ رَحِمَ)(5).
وكما أن إبراهيم الخليل (عليه السلام) فاجأ العالم في عصره لأوّل مرة بكسر أصنام الكفر، وتلقّى النار بالبرد والسلام، وانتصاره الساحق على المشركين.
وكما أن النبي داود (عليه السلام) محا دولة الظلم، وقتل رأس الظالمين جالوت، وانتصر على جيشه العرمرم بثلاثة أحجار فقط، سدّدها إليهم وشتّت جمعهم.
وكما أن النبي سليمان (عليه السلام) بسط سلطانه على جميع الكائنات، وسخّر الإنس والجنّ والموجودات، واستولى على جميع مناطق الأرض حتّى جاء بعرش الملوك من أقصى الأرضين بطرفة عين، وحتّى استغلَّ الهواء والفضاء.
وكما أن النبي يوسف (عليه السلام) قفَز من قعر البئر إلى قمّة العرش، وصار عزيز مصر.
وكما أن موسى بن عمران (عليه السلام) طوى تاريخ الفراعنة الطويل، وأغرق جيوشهم في البحر، وأعجب العالم بتسع آيات بيّنات، وبعصاه التي صارت تلقف ما يأفكون حتّى وقع السحرة له ساجدين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) هود: 43.
وكما أن عيسى بن مريم (عليه السلام) أغرب أطباء العالم بإحياء الموتى، وإبراء المزمنات بإذن الله تعالى.
وكذلك الإمام المهدي (عليه السلام)..
بقوّة الله تعالى وقدرته وإرادته يظهر على الدين كلّه، وعلى الأرض جميعها ويكوّن دولة الله في خلقه، وحكومة السماء في الأرض.
وهذا الكتاب لمحات تدرس الجانب اليسير من ظهور ذلك الأمل الكبير، وتحقّق دولته الكريمة، وحكومته العظيمة.
وجعلنا الله من أعوانه وأنصاره، وأقرّ عيوننا بغُرّته الحميدة ودولته الكريمة.
قم المشرفة/ ليلة الجمعة
ميلاد الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) وولده الإمام الصادق (عليه السلام)
علي بن السيد محمّد الحسيني الصدر
سنة 1428هـ
حينما يظهر الإمام المهدي (عليه السلام) من غيبته الحكيمة.
حينما تخرج الشمس الساطعة من وراء السحاب المجلّل.
حينما يتجلّى نور الله تعالى في أرضه وسمائه.
حينما يأتي بقيّة الله وخليفة رسول الله.
حينما يجيء صاحب العصر وناموس الدهر.
تكون تلك البشرى السارة إيذاناً بنهاية دور الغيبة، وبداية الدولة الحقّة التي بشّر بها الأنبياء، ووعدتها كتب السماء.
ويكون ذلك الظهور المشرق إعلاناً لانتهاء الظلم والفساد، وانتشار العدل والرشاد.
ويكون قدومه المبارك إقامة لأسعد الحياة، وأزهى الحضارات، في خير الدنيا وفوز الأخرى.
فلنقتبس من أنوار معرفته، ونلقي الأضواء على ملامح من ظهوره، وقيامه، ودولته.
متى يظهر؟
اقتضت الحكمة الإلهية البارعة أن يكون وقت ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) مخفيّاً عند الناس كخفاء ليلة القدر.
ولم يوقّته نفس أهل البيت (عليهم السلام)، بل منعوا عن التوقيت..
ولذلك ورد في حديث منذر الجواز عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال:
(كذب الموقّتون، ما وقّتنا فيما مضى، ولا نوقّت فيما يستقبل)(6).
ولعلَّ من حِكَم ومصالح خفاء وقت ظهوره (عليه السلام) ما يلي:
الأوّل: إدراك فضيلة انتظار الفرج، الذي هو من أفضل الأعمال وأهمّ الخصال.
إذ لو كان وقت ظهوره المبارك مؤقّتاً محدّداً معلوماً، لكان الانتظار مبدّلاً إلى اليأس في الملايين من المؤمنين الماضين والحاضرين، ممّن لم يكونوا قريبي العصر من وقت الظهور.
فلم تحصل لهم حالة الانتظار، ولم يفوزوا بفضيلته التي نصّت وحثّت عليه الأحاديث المتظافرة مثل:
1 - حديث أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال ذات يوم:
(ألا أخبركم لما لا يقبل الله (عزَّ وجلَّ) من العباد عملاً إلّا به؟).
فقلت: بلى.
فقال: (شهادة أن لا إله إلّا الله، وأن محمّداً عبده (ورسوله)، والإقرار بما أمر الله، والولاية لنا (يعني الأئمة خاصّة)، والبراءة من أعدائنا والتسليم لهم، والورع، والاجتهاد، والطمأنينة، والانتظار للقائم (عليه السلام)).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) غيبة الطوسي: 262.
ثمّ قال: (من سرَّه أن يكون من أصحاب القائم فلينظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، وهو منتظر. فإن مات وقام القائم بعده، كان له من الأجر مثل أجر من أدركه.
فجدّوا وانتظروا، هنيئاً لكم أيتها العصابة المرحومة)(7).
2 - حديث أبي الجارود، عن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): يا بن رسول الله، هَل تعرف مودّتي لكم وانقطاعي إليكم وموالاتي إيّاكم؟
قال: فقال: (نعم). قال:
قال: فإني أسألك مسألة تجيبني فيها، فإنّي مكفوف البصر، قليل المشي، ولا أستطيع زيارتكم كلَّ حين.
قال: (هات حاجتك).
قلت: أخبرني بدينك الذي تدين الله (عزَّ وجلَّ) به أنت وأهل بيتك، لأدينَ الله (عزَّ وجلَّ) به.
قال: (إن كنت أقصرت الخطبة(8) فقد أعظمت المسألة. والله لأعطينك ديني ودين آبائي الذي ندين الله (عزَّ وجلَّ) به.
شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، والإقرار بما جاء به من عند الله، والولاية لوليّنا، والبراءة من عدوّنا، والتسليم لأمرنا، وانتصار قائمناً، والاجتهاد، والورع)(9).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) غيبة النعماني: 200/ باب 11/ ح 16.
(8) الظاهر أن الخطبة بضم الخاء، بمعنى ما يتقدم من الكلام المناسب قبل إظهار المطلوب.
(9) أصول الكافي 2: 21/ ح 10.
3 - حديث البزنطي، عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال:
(ما أحسن الصبر وانتظار الفرج. أما سمعت قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ)(10)، (انْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(11)؟ فعليكم بالصبر، فإنه إنما يجيء الفرج على اليأس، فقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم)(12).
4 - حديث الأربعمائة الشريف جاء فيه:
قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
(انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله، فإنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله (عزَّ وجلَّ) انتظار الفرج).
وقال (عليه السلام):
(مزاولة قلع الجبال أيسر من مزاولة ملك مؤجَّل، واستعينوا بالله واصبروا. إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. لا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا، ولا يطولنَّ عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم).
وقال (عليه السلام):
(الآخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس، والمنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله)(13).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) هود: 63.
(11) الأعراف: 71.
(12) كمال الدين: 654/ باب 55/ ح 5.
(13) بحار الأنوار 52: 122/ ح 7.
فنلاحظ ونعرف من خلال هذه الأحاديث الشريفة أن انتظار الفرج الإلهي من الأسس الدينية التي جعلها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أفضل أعمال أمّته.
إذ به فاز الإسلام منذ بدئه، حينما لم يكن إلّا هو (صلّى الله عليه وآله وسلم) وابن عمّه (عليه السلام) وناصراه سيدنا أبو طالب، والسيدة خديجة.
وبه دام الإسلام ببركة جهاد وجهود أوصيائه وعترته.
وبه يظهر الإسلام على الدين كله والكون جميعه بظهور مصلحه وصاحبه.
فانتظار الفرج الحقيقي هي العدّة والعدد والحفاظ، في قبال الصدمات والكوارث والمخططات، التي يريد بها الأعداء أن يطفئوا نور الله: (وَيَأْبَى اللهُ إِلّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)(14).
لذلك يحق أن يكون انتظار الفرج وعدم اليأس هو الأصل الأصيل لبقاء العقيدة الإسلاميّة الخالصة، المتجسدة في ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) ودولته الحقّة.
الثاني: التهيّؤ لمقدمه الشريف، وإصلاح النفس لقدومه المبارك، فإن هذا الانتظار يسنح الفرصة المناسبة والوازع الأكيد لإصلاح النفس، وتزكية الروح، وقابليّة الشخص، بل تحصيل درجات الفضل والكمال.
كما نلاحظه ونلمسه فيمن اتّصف بها من المؤمنين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) التوبة: 32.
المنتظرين الذين حازوا فائق الكرامات، ونالوا رائق المكرمات، من كبّار العلماء والصالحين.
الثالث: حكمة الامتحان واختبار الخلق.
فإن مما تقتضيه الحكمة الإلهية، إتماماً للحجّة وكشفاً للمحجة، اختبار الناس ليتّضح مدى تصديقهم وتسليمهم لظهور الإمام المهدي (عليه السلام) الذي لم يعرفوا وقته، ولم يعلموا زمانه.
وكيف يكون ثباتهم وصبرهم على أمر لم يطّلعوا على حين تحقّقه، فيُمتحنون بذلك، وتتم عليهم الحجّة هنالك.
قال تعالى:
(أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ)(15).
وعند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان.
وبالامتحان يتبيّن الحال وحقائق الرجال.
فالحكمة البالغة إذن تقتضي خفاء زمان ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وعدم توقيته، رعاية لهذه المصالح العامّة، والدواعي التامّة.
لكن في نفس الوقت جُعل للظهور علائمه التي تُعلن عن بشارة تحقّقه، وتبشر المؤمنين بأوان تبلّجه، وتفيض علينا شآبيب النور وآيات السرور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15) العنكبوت: 3.
وقد قسّمت هذه العلائم إلى أقسام ثلاثة، لا ينبغي أن يُعدّ جميعها علائم ظهوره، لأن بعضها تحدث في زمان غيبته، بل حدث بعضها.
وبعضها الآخر يحدث قبل ظهوره..
والبعض الآخر يكون علامةً قريبة للظهور المبارك بالبيان التالي:
القسم الأوّل: العلائم العامة التي تحدث في زمان غيبة الإمام المهدي (عليه السلام).
القسم الثاني: العلائم التي تحدث قبل ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) بسنوات غير كثيرة.
القسم الثالث: العلائم التي هي قريبة من الظهور، في سنتها أو قبلها.
والقسم الثالث هذا على نوعين: المحتومة وغير المحتومة.
ونشير إلى هذه الأقسام باختصار:
القسم الأوّل: العلائم العامة:
وهي علامات كثيرة وحوادث متكاثرة، تحدث في الغيبة الكبرى قبل الظهور، مثل خروج الدجال ونحوه، وقد جاءت في روايات عديدة مثل:
1 - حديث النزال بن سبرة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): قال خَطَبنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فحمد الله (عزَّ وجلَّ) وأثنى عليه وصلّى على محمّد وآله، ثمَّ قال:
(سلوني أيها الناس قبل أن تفقدوني) ثلاثاً.
فقام إليه صعصعة بن صوحان فقال: يا أمير المؤمنين، متى يخرج الدجّال؟
فقال (عليه السلام): (احفظ، فإنَّ علامة ذلك، إذا أمات الناس الصلاة، وأضاعوا الأمانة، واستحلّوا الكذب، وأكلوا الربا، وأخذوا الرُّشا، وشيدوا البنيان، وباعوا الدين بالدنيا، واستعملوا السفهاء، وشاوروا النساء، وقطعوا الأرحام، واتبعوا الأهواء، واستخفّوا بالدماء.
وكان الحلم ضعفاً، والظلم فخراً، وكانت الأمراء فجرة، والوزراء ظلمة، والعرفاء خونة، والقرَّاء فسقة، وظهرت شهادة الزور، واستعلن الفجور، وقول البهتان، والإثم والطغيان، وحليت المصاحف، وزخرفت المساجد، وطوّلت المنارات، وأكرمت الأشرار، وازدحمت الصفوف، واختلفت القلوب، ونقضت العهود، واقترب الموعود، وشارك النساء أزواجهنَّ في التجارة حرصاً على الدنيا، وعلت أصوات الفسّاق واستمع منهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، واتقي الفاجر مخافة شرّه، وصدّق الكاذب، وائتمن الخائن.
واتخذت القيان(16) والمعازف، ولعن آخر هذه الأمّة أوّلها، وركب ذوات الفروج السروج، وتشبّه النساء بالرّجال والرجال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(16) القيان: جمع قينة، الإماء المغنّيات.
بالنساء، وشهد الشاهد من غير أن يُستشهد، وشهد الآخر قضاء لذمام بغير حقٍّ عرفه، وتفقّه لغير الدّين، وآثروا عمل الدّنيا على الآخرة، ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب، وقلوبهم أنتن من الجيف وأمرُّ من الصبر...)(17).
2 - الحديث العلوي الشريف:
(يظهر في آخر الزمان واقتراب الساعة - وهو شرّ الأزمنة - نسوةٌ كاشفات عاريات متبرجات، من الدين (خارجات خ ل)، داخلات في الفتن، مائلات إلى الشهوات، مسرعات إلى اللذات، مستحلاّت للمحرمات، في جهنّم (داخلات خ ل) خالدات)(18).
3 - الحديث الصادقي الشريف المفصّل، جاء فيه:
(ألا تعلم أن من انتظر أمرنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف، هو غداً في زمرتنا.
فإذا رأيت الحقَّ قد مات وذهب أهله، ورأيت الجور قد شمل البلاد، ورأيت القرآن قد خلق، وأحدث فيه ما ليس فيه، ووجّه على الأهواء، ورأيت الدين قد انكفأ كما ينكفئ الإناء.
ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحقّ، ورأيت الشرّ ظاهراً لا ينهى عنه ويعذّر أصحابه، ورأيت الفسق قد ظهر، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ورأيت المؤمن صامتاً لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقبل قوله، ورأيت الفاسق يكذب ولا يردّ عليه كذبه وفريته، ورأيت الصغير يستحقر بالكبير، ورأيت الأرحام قد تقطّعت، ورأيت من يمتدح بالفسق يضحك منه ولا يرد عليه قوله.
ورأيت الغلام يعطي ما تعطي المرأة، ورأيت النساء يتزوَّجن النساء، ورأيت الثناء قد كثر، ورأيت الرجل ينفق في المال في غير طاعة الله فلا ينهى ولا يؤخذ على يديه، ورأيت الناظر يتعوذ بالله مما يرى المؤمن فيه من الاجتهاد، ورأيت الجار يؤذي جاره وليس له مانع.
ورأيت الكافر فرحاً لما يرى في المؤمن، مرحاً لما يرى في الأرض من الفساد ورأيت الخمور تشرب علانية ويجتمع عليها من لا يخاف الله (عزَّ وجلَّ)، ورأيت الآمر بالمعروف ذليلاً، ورأيت الفاسق فيما لا يحب الله قويّاً محموداً. ورأيت أصحاب الآيات يحقَّرون ويحتقر من يحبهم، ورأيت سبيل الخير منقطعاً وسبيل الشرّ مسلوكاً، ورأيت بيت الله قد عطّل ويؤمر بتركه، ورأيت الرجل يقول ما لا يفعله.
ورأيت الرجال يتسمّنون للرجال والنساء للنساء، ورأيت الرجل معيشته من دبره ومعيشة المرأة من فرجها، ورأيت النساء يتّخذن المجالس كما يتخذها الرجال.
ورأيت التأنيث في ولد العبّاس قد ظهر، وأظهروا الخضاب، وامتشطوا كما تمتشط المرأة لزوجها، وأعطوا الرجال
الأموال على فروجهم، وتنوفس في الرجل وتغاير عليه الرجال، وكان صاحب المال أعزّ من المؤمن وكان الربا ظاهراً لا يعيّر، وكان الزنا تمتدح به النساء.
ورأيت المرأة تصانع زوجها على نكاح الرجال، ورأيت أكثر الناس وخير بيت من يساعد النساء على فسقهنّ، ورأيت المؤمن محزوناً محتقراً ذليلاً، ورأيت البدع والزنا قد ظهر، ورأيت الناس يعتدُّون بشاهد الزور، ورأيت الحرام يحلّل، ورأيت الحلال يحرّم، ورأيت الدين بالرأي، وعُطّل الكتاب وأحكامه، ورأيت الليل لا يستخفي من الجرأة على الله.
ورأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر إلّا بقلبه، ورأيت العظيم من المال ينفق في سخط الله (عزَّ وجلَّ).
ورأيت الولاة يقرّبون أهل الكفر ويباعدون أهل الخير، ورأيت الولاة يرتشون في الحكم، ورأيت الولاية قبالة لمن زاد.
ورأيت ذوات الأرحام ينكحن ويكتفى بهنَّ، ورأيت الرجل يقتل على (التهمة وعلى) الظنة، ويتغاير على الرجل الذكر فيبذل له نفسه وماله، ورأيت الرجل يعيّر على إتيان النساء، ورأيت الرجل يأكل من كسب امرأته من الفجور، يعلم ذلك ويقيم عليه، ورأيت المرأة تقهر زوجها وتعمل ما لا يشتهي وتنفق على زوجها.
ورأيت الرجل يكري امرأته وجاريته، ويرضى بالدني من
الطعام والشراب، ورأيت الإيمان بالله (عزَّ وجلَّ) كثيرة على الزور، ورأيت القمار قد ظهر، ورأيت الشراب تباع ظاهراً ليس عليه مانع، ورأيت النساء يبذلن أنفسهنَّ لأهل الكفر، ورأيت الملاهي قد ظهرت يمرُّ بها لا يمنعها أحد أحداً ولا يجترئ أحد على منعها، ورأيت الشريف يستذلّه الذي يخاف سلطانه.
ورأيت أقرب الناس من الولاة من يمتدح بشتمنا أهل البيت، ورأيت من يحبّنا يزوَّر ولا يقبل شهادته، ورأيت الزور من القول يتنافس فيه.
ورأيت القرآن قد ثقل على الناس استماعه، وخفَّ على الناس استماع الباطل، ورأيت الجار يكرم الجار خوفاً من لسانه، ورأيت الحدود قد عطّلت وعمل فيها بالأهواء، ورأيت المساجد قد زخرفت، ورأيت أصدق الناس عند الناس المفتري الكذب، ورأيت الشر قد ظهر والسعي بالنميمة، ورأيت البغي قد فشا، ورأيت الغيبة تُستملح يبشر بها الناس بعضهم بعضاً.
ورأيت طلب الحج والجهاد لغير الله، ورأيت السلطان يذلّ للكافر والمؤمن، ورأيت الخراب قد أُديل من العمران، ورأيت الرجل معيشته من بخس المكيال والميزان، ورأيت سفك الدماء يستخف بها.
ورأيت الرجل يطلب الرئاسة لعرض الدنيا، ويشهّر نفسه بخبث اللسان ليتّقى وتسند إليه الأمور، ورأيت الصلاة قد استخف
بها، ورأيت الرجل عنده المال الكثير لم يزكّه منذ ملكه، ورأيت الميت ينشر من قبره ويؤذى وتباع أكفانه، ورأيت الهرج قد كثر.
ورأيت الرجل يمسي نشوان ويصبح سكران لا يهتم بما (يقول) الناس فيه، ورأيت البهائم تنكح، ورأيت البهائم تفرس بعضها بعضاً، ورأيت الرجل يخرج إلى مصلاه ويرجع وليس عليه شيء من ثيابه، ورأيت قلوب الناس قد قست وجمدت أعينهم، وثقل الذكر عليهم، ورأيت السحت قد ظهر يتنافس فيه، ورأيت المصلي إنما يصلي ليراه الناس، ورأيت الفقيه يتفقّه لغير الدين يطلب الدنيا والرئاسة.
ورأيت الناس مع من غلب، ورأيت طالب الحلال يُذمُّ ويعيّر، وطالب الحرام يمدح ويعظّم، ورأيت الحرمين يعمل فيهما ما لا يحبُّ الله، لا يمنعهم مانع، ولا يحول بينهم وبين العمل القبيح أحد، ورأيت المعازف ظاهرة في الحرمين.
ورأيت الرجل يتكلم بشيء من الحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فيقوم إليه من ينصحه في نفسه فيقول: هذا عنك موضوع، ورأيت الناس ينظر بعضهم إلى بعض، يقتدون بأهل الشرور، ورأيت مسلك الخير وطريقه خيالاً لا يسلكه أحد، ورأيت الميت يهزَّ(ء) به فلا يفزع له أحد.
ورأيت كل عام يحدث فيه من البدعة والشر أكثر مما كان، ورأيت الخلق والمجالس لا يتابعون إلّا الأغنياء، ورأيت
المحتاج يعطى على الضحك به، ويرحم لغير وجه الله، ورأيت الآيات في السماء لا يفزع لها أحد، ورأيت الناس يتسافدون كما تسافد البهائم (أي علانية)، لا ينكر أحد منكراً خوفاً من الناس، ورأيت الرجل ينفق الكثير في غير طاعة الله، ويمنع اليسير في طاعة الله.
ورأيت النساء قد غلبن على الملك، وغلبن على كل أمر، لا يؤتى إلّا ما لهنَّ فيه هوى، ورأيت ابن الرجل يفتري على أبيه، ويدعو على والديه، ويفرح بموتهما، ورأيت الرجل إذا مرَّ به يوم ولم يكسب فيه الذنب العظيم، من فجور أو بخس مكيال أو ميزان أو غشيان حرام أو شرب مسكر، كئيباً حزيناً يحسب أنّ ذلك اليوم عليه وضيعة من عمره.
ورأيت السلطان يحتكر الطعام، ورأيت أموال ذوي القربى تقسم في الزور ويتقامر بها ويشرب بها الخمور، ورأيت الخمر يتداوى بها وتوصف للمريض ويستشفى بها، ورأيت الناس قد استووا في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك التدين به، ورأيت رياح المنافقين وأهل النفاق دائمة، ورياح أهل الحق لا تحرك.
ورأيت الأذان بالأجر والصلاة بالأجر، ورأيت المساجد محتشية ممن لا يخاف الله، مجتمعون فيها للغيبة وأكل لحوم أهل الحق، ويتواصفون فيها شراب المسكر، ورأيت السكران يصلي
بالناس فهو لا يعقل، ولا يشان بالسكر، وإذا سكر أُكرم واتقي وخيف وترك لا يعاقب ويعذر بسكره.
ورأيت من أكل أموال اليتامى يحدَّث بصلاحه، ورأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر الله، ورأيت الولاة يأتمنون الخونة للطمع، ورأيت الميراث قد وضعته الولاة لأهل الفسوق والجرأة على الله، يأخذون منهم ويخلونهم وما يشتهون، ورأيت المنابر يؤمر عليها بالتقوى، ولا يعمل القائل بما يأمر.
ورأيت الصلاة قد استخف بأوقاتها، ورأيت الصدقة بالشفاعة لا يراد بها وجه الله وتعطى لطلب الناس، ورأيت الناس همهم بطونهم وفروجهم، لا يبالون بما أكلوا وبما نكحوا، ورأيت الدنيا مقبلة عليهم، ورأيت أعلام الحق قد درست.
فكن على حذر، واطلب من الله (عزَّ وجلَّ) النجاة، واعلم أن الناس في سخط الله (عزَّ وجلَّ) (وإنما يمهلهم لأمر يراد بهم، فكن مترقباً! واجتهد ليراك الله (عزَّ وجلَّ)) في خلاف ما هم عليه.
فإن نزل بهم العذاب وكنت فيهم، عجلت إلى رحمة الله، وإن أخرت ابتلوا وكنت قد خرجت مما هم فيه من الجرأة على الله (عزَّ وجلَّ).
واعلم أن الله لا يضيع أجر المحسنين، وأن رحمة الله قريب من المحسنين)(19).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(19) روضة الكافي 8: 36 - 42؛ بحار الأنوار 52: 256/ باب 25/ ح 147.
القسم الثاني: العلائم القريبة:
وهي علامات كثيرة أيضاً تحدث قريباً من الظهور. ذكرتها الأحاديث الشريفة التي جمعها شيخ الشيعة المفيد (رضي الله عنه) في باب ذكر علامات قيام الإمام المهدي (عليه السلام) ولخّص (رضي الله عنه) تلك العلامات في أوّل الباب، وعدّ منها:
(كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات، وخسف بالبيداء، وخسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وركود الشمس من عند الزوال إلى أوسط أوقات العصر، وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام، وهدم حائط مسجد الكوفة، وإقبال رايات سود من قبل خراسان.
وظهور المغربي بمصر وتملكه الشامات، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، وطلوع نجم بالمشرق يضيء كما يضيء القمر ثمّ ينعطف حتّى يكاد يلتقي طرفاه، وحمرة يظهر في السماء وينشر في آفاقها، ونار تظهر بالمشرق طويلاً وتبقى في الجو ثلاثة أيام أو سبعة أيام، وخلع العرب أعنتها وتملكها البلاد وخروجها عن سلطان العجم.
وقتل أهل مصر أميرهم، وخراب الشام، واختلاف ثلاث رايات فيه، ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر ورايات كندة
إلى خراسان، وورود خيل من قبل العرب حتّى تربط بفناء الحيرة، وإقبال رايات سود من المشرق نحوها.
وبثق في الفرات حتّى يدخل الماء أزقة الكوفة، وخروج ستين كذّاباً كلهم يدّعي النبوة، وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلهم يدّعي الإمامة لنفسه، وإحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العبّاس بين جلولاء وخانقين، وعقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة السلام، وارتفاع ريح سوداء بها في أوّل النهار، وزلزلة حتّى ينخسف كثير منها.
وخوف يشمل أهل العراق وبغداد، وموت ذريع فيه، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتّى يأتي على الزرع والغلات، وقلة ريع لما يزرعه الناس، واختلاف صنفين من العجم، وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعات ساداتهم وقتلهم مواليهم.
(ومسخ لقوم) من أهل البدع حتّى يصيروا قردة وخنازير، وغلبة العبيد على بلاد السادات، ونداء من السماء حتّى يسمعه أهل الأرض كل أهل لغة بلغتهم، ووجه وصدر يظهران للناس في عين الشمس، وأموات ينشرون من القبور حتّى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون، ثمّ يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة يتصل فتحيا به الأرض بعد موتها، وتعرف بركاتها ويزول بعد ذلك كل عاهة عن معتقدي الحق من شيعة المهدي (عليه السلام).
فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكّة، فيتوجهون نحوه لنصرته كما جاءت بذلك الأخبار)(20).
وتفصيل العلامات تلاحظها في خطبة البيان المروية عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)(21).
القسم الثالث: العلائم المقترنة:
وهي علامات خاصة قريبة جدّاً من الظهور المبارك؛ تحدث في نفس سنة الظهور أو السنة السابقة عليه.
وهي كما تقدم على نوعين:
علائم محتومة.
وعلائم غير محتومة.
بالبيان التالي:
أما العلائم المحتومة:
فهي ما في حديث الإمام الصادق (عليه السلام):
(قبل قيام القائم خمس علامات محتومات: اليماني، والسفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء)(22).
فلنشير إلى شيء من بيان العلائم الحتمية الخمسة للظهور المبارك:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(20) الإرشاد 2: 368؛ كمال الدين: 330/ باب 32/ ح 16.
(21) قد ثبت عند الأعلام عدم صحة هذه الخطبة وعدم ثبوتها وفيها من الأخطاء الكثيرة ما لا ينسجم مع بلاغة أمير المؤمنين (عليه السلام).
(22) كمال الدين: 650/ باب 57/ ح 7.
1 - الصيحة السماوية:
وهي النداء السماوي الذي ينادي به جبرئيل (عليه السلام) في ليلة الجمعة، ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك:
(يا عباد الله! اسمعوا ما أقول: إنّ هذا مهدي آل محمّد خارج من أرض مكّة فأجيبوه)، كما في خطبة البيان(23).
وهذا من أبرز الآيات وأوضح العلامات على ظهوره الشريف.
ويكون بصوت مفهوم ومسموع، يسمعه جميع أهل العالم، كل قوم بلسانهم؛ كما في حديث زرارة عن الإمام الصادق (عليه السلام)(24).
وفي حديث آخر: (ينادي منادٍ من السماء باسم القائم، فيسمع ما بين المشرق والمغرب فلا يبقى راقد إلّا قام، ولا قائم إلّا قعد، ولا قاعد إلّا قام على رجليه من ذلك الصوت، وهو صوت جبرائيل الروح الأمين (عليه السلام))(25).
وتكون هذه الصيحة أعظم بشرى وسرور للمؤمنين، حتّى تسمعه العذراء في خدرها، فتحرّض أباها وأخاها على الخروج لنصرة الإمام المهدي (عليه السلام).
في حين هي أكبر تهديد وإنذار للظالمين والمتكبرين،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(23) إلزام الناصب 2: 200.
(24) كمال الدين: 650/ باب 57/ ح 8.
(25) بحار الأنوار 52: 290.
حيث يأخذهم الفزع والخوف، كما قد يستفاد من حديث الإمام الباقر (عليه السلام)(26).
2 - خروج السفياني:
وهو رجل سفّاك للدماء، أموي النسب، حقود على أهل البيت (عليهم السلام)، اسمه عثمان بن عنبسة من ولد أبي سفيان.
وهو وحش الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر الجدري، يخرج من الوادي اليابس بالشام، كما في حديث أمير المؤمنين (عليه السلام)(27).
وله محنة كبرى وبلاء عظيم وقتل ذريع وهتك للحرمات، يفعلها هو وجيشه الذي يكون في الشام ويبعثه إلى العراق وإلى المدينة، كما يستفاد من خطبة البيان(28).
ويكون خروجه في رجب، ورايته حمراء، كما في حديث البحار(29).
أما جيشه إلى العراق فيرجع إلى الشام بعد إفساد كثير، وأما جيشه إلى المدينة فيخسف بهم في البيداء، كما يأتي في العلامة الثالثة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(26) غيبة النعماني: 254/ باب 14/ ح 13.
(27) كمال الدين: 651/ باب 57/ ح 188.
(28) إلزام الناصب 2: 188.
(29) بحار الأنوار 53: 248/ ح 131، و273/ ح 167.
ونهاية أمره هو الخسران المبين، كما تلاحظ مفصّل بيانه في كتاب الإمام المهدي(30) وحاصله:
توجه الإمام المهدي (عليه السلام) بعد الكوفة إلى الشام وقضاؤه على السفياني وأصحابه وجيشه الراجع إلى الشام، ويريح الله العباد من شره.
3 - خسف البيداء:
البيداء اسم للمفازة التي لا شيء فيها، وهي اسم أرض خاصة بين مكّة والمدينة، على ميل - أي 1860 متراً - من ذي الحليفة نحو مكّة، وكأنها مأخوذة من الإبادة أي الإهلاك.
وفي الحديث نهي عن الصلاة فيها، وعلل بأنها من الأماكن المغضوب عليها، كما في مجمع البحرين(31).
ومن العلامات الحتمية انخساف هذه الأرض بجيش السفياني وابتلاعها لهم، فإن السفياني يبعث جيشه إلى المدينة - كما عرفت - فيبغي فيها الظلم والفساد.
ويخرج الإمام المهدي (عليه السلام) من المدينة إلى مكّة على سُنّة موسى بن عمران، فيبلغ قائد جيش السفياني أن الإمام المهدي (عليه السلام) قد خرج إلى مكّة، فيبعث جيشه على أثره ليهدم الكعبة.
وينزل الجيش البيداء، فتبيدهم الأرض، كما يشير إليه حديث الإمام الباقر (عليه السلام)(32).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(30) الإمام المهدي من المهد إلى الظهور: 433.
(31) مجمع البحرين: 198.
(32) بحار الأنوار 52: 238/ باب 25/ ح 105.
وينجو من هذا الخسف رجلان، أحدهما يبشّر الإمام المهدي بهلاك الظالمين، والآخر ينذر السفياني بهلاك جيشه، كما في حديث المفضل حيث جاء فيه:
(ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَى الْقَائِم (عليه السلام) رَجُلٌ وَجْهُهُ إِلَى قَفَاهُ وَقَفَاهُ إِلَى صَدْرِهِ وَيَقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُولُ: يَا سَيِّدِي أنَا بَشِيرٌ، أمَرَني مَلَكٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ أنْ ألْحَقَ بِكَ، وأُبَشِّرَكَ بِهَلاكِ جَيْش السُّفْيَانِيِّ بِالْبَيْدَاءِ.
فَيَقُولُ لَهُ الْقَائِمُ (عليه السلام): بَيِّنْ قِصَّتَكَ وَقِصَّةَ أخِيكَ.
فَيَقُولُ الرَّجُلُ: كُنْتُ وَأخِي فِي جَيْش السُّفْيَانِيِّ وَخَرَّبْنَا الدُّنْيَا مِنْ دِمَشْقَ إِلَى الزَّوْرَاءِ وَتَرَكْنَاهَا جَمَّاءَ وَخَرَّبْنَا الْكُوفَةَ وَخَرَّبْنَا الْمَدِينَةَ...
وَخَرَجْنَا مِنْهَا، وَعَدَدُنَا ثَلاثُمِائَةِ ألْفِ رَجُلٍ نُريدُ إِخْرَابَ الْبَيْتِ وَقَتْلَ أهْلِهِ، فَلَمَّا صِرْنَا فِي الْبَيْدَاءِ عَرَّسْنَا فِيهَا، فَصَاحَ بِنَا صَائِحٌ: يَا بَيْدَاءُ أبِيدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
فَانْفَجَرَتِ الأرْضُ وَابْتَلَعَتْ كُلَّ الْجَيْش، فَوَاللهِ مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الأرْض عِقَالُ نَاقَةٍ فَمَا سِوَاهُ غَيْري وَغَيْرُ أخِي.
فَإِذَا نَحْنُ بِمَلَكٍ قَدْ ضَرَبَ وُجُوهَنَا فَصَارَتْ إِلَى وَرَائِنَا كَمَا تَرَى، فَقَالَ لأخِي: وَيْلَكَ يَا نَذِيرُ! امْض إِلَى الْمَلْعُونِ السُّفْيَانِيِّ بِدِمَشْقَ فَأنْذِرْهُ بِظُهُورِ الْمَهْدِيِّ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) وَعَرَّفْهُ أنَّ اللهَ قَدْ أهْلَكَ جَيْشَهُ بِالْبَيْدَاءِ.
وَقَالَ لِي: يَا بَشِيرُ، الْحَقْ بِالْمَهْدِيّ بِمَكَّةَ وَبَشّرْهُ بِهَلاكِ الظَّالِمِينَ، وَتُبْ عَلَى يَدِهِ فَإنَّهُ يَقْبَلُ تَوْبَتَكَ.
فَيُمِرُّ الْقَائِمُ (عليه السلام) يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَيَرُدُّهُ سَويّاً كَمَا كَانَ، وَيُبَايِعُهُ وَيَكُونُ مَعَه)(33).
4 - خروج اليماني:
من العلائم المحتومة خروج اليماني الذي يدعو إلى الحق وإلى الطريق المستقيم، كما صرّحت به الأحاديث مثل:
حديث الإمام الباقر (عليه السلام):
(وَلَيْسَ فِي الرَّايَاتِ أهْدَى مِنْ رَايَةِ الْيَمَانِيّ، هِيَ رَايَةُ هُدىً، لأنَّهُ يَدْعُو إِلَى صَاحِبِكُمْ، فَإِذَا خَرَجَ الْيَمَانِيُّ حَرَّمَ بَيْعَ السَّلاح عَلَى (النَّاسِ وَ)كُلّ مُسْلِم. وَإِذَا خَرَجَ الْيَمَانِيُّ فَانْهَضْ إِلَيْهِ فَإِنَّ رَايَتَهُ رَايَةُ هُدىً، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِم أنْ يَلْتَويَ عَلَيْهِ، فَمَنْ فَعَلَ فَهُوَ مِنْ أهْل النَّارِ، لأنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَريقٍ مُسْتَقِيم)(34).
واستفيد من بعض الأخبار الشريفة أن خروجه من صنعاء اليمن(35).
كما جاء في بعض الأحاديث أنه من ذريّة زيد الشهيد (عليه السلام)(36).
5 - قتل النفس الزكيّة:
وهو غلام من آل محمّد (عليهم السلام)، اسمه محمّد بن الحسن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(33) بحار الأنوار 53: 10/ باب 25/ ح 1.
(34) بحار الأنوار 52: 232/ باب 25/ ح 96.
(35) مهدي منتظر: 175.
(36) بشارة الإسلام: 175.
النفس الزكيّة، يُقتل بين الركن والمقام بدون أيّ ذنب، كما يستفاد من حديث الإمام الباقر (عليه السلام)(37).
يرسله الإمام المهدي (عليه السلام) إلى أهل مكّة - قبل وصوله إليها - إتماماً للحجة واستنصاراً لمظلومية أهل البيت (عليهم السلام)، كما يستفاد من حديث الإمام الباقر (عليه السلام) جاء فيه:
(يَقُولُ الْقَائِمُ (عليه السلام) لأصْحَابِهِ: يَا قَوْمِ إِنَّ أهْلَ مَكَّةَ لا يُرِيدُونَنِي، وَلَكِنّي مُرْسِلٌ إِلَيْهِمْ لأحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِمَا يَنْبَغِي لِمِثْلِي أنْ يَحْتَجَّ عَلَيْهِمْ.
فَيَدْعُو رَجُلاً مِنْ أصْحَابِهِ فَيَقُولُ لَهُ: امْض إِلَى أهْل مَكَّةَ فَقُلْ: يَا أهْلَ مَكَّةَ! أنَا رَسُولُ فُلانٍ إِلَيْكُمْ وَهُوَ يَقُولُ لَكُمْ: إِنَّا أهْلُ بَيْتِ الرَّحْمَةِ، وَمَعْدِنُ الرَّسَالَةِ وَالْخِلافَةِ، وَنَحْنُ ذُرِّيَّةُ مُحَمَّدٍ وَسُلالَةُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّا قَدْ ظُلِمْنَا وَاضْطُهِدْنَا وَقُهِرْنَا وَابْتُزَّ مِنَّا حَقُّنَا مُنْذُ قُبِضَ نَبِيُّنَا إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، فَنَحْنُ نَسْتَنْصِرُكُمْ فَانْصُرُونَا.
فَإِذَا تَكَلَّمَ هَذَا الْفَتَى بِهَذَا الْكَلام، أتَوْا إِلَيْهِ فَذَبَحُوهُ بَيْنَ الرُّكْن وَالْمَقَام، وَهِيَ النَّفْسُ الزَّكِيَّةُ.
فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ الإِمَامَ قَالَ لأصْحَابِهِ: ألا أخْبَرْتُكُمْ أنَّ أهْلَ مَكَّةَ لا يُريدُونَنَا، فَلا يَدْعُونَهُ حَتَّى يَخْرُجَ فَيَهْبِطُ مِنْ عَقَبَةِ طُوىً فِي ثَلاثِمِائَةٍ وَثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً - عِدَّةِ أهْل بَدْرٍ - حَتَّى يَأتِيَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَيُصَلّي فِيهِ عِنْدَ مَقَام إِبْرَاهِيمَ أرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَيُسْنِدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(37) بحار الأنوار 52: 192/ باب 25/ ح 24.
ظَهْرَهُ إِلَى الْحَجَر الأسْوَدِ، ثُمَّ يَحْمَدُ اللهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيَذْكُرُ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وَيُصَلّي عَلَيْهِ وَيَتَكَلَّمُ بِكَلام لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ أحَدٌ مِنَ النَّاس...)(38).
وهذه العلائم الخمسة من علامات الظهور المحتّمات - كما تقدم - تكون في سنة الظهور ويكون بعده القيام(39).
أما العلائم غير المحتومة:
فهي علامات عديدة منها:
1 - خروج راية السيد الحسني الهاشمي:
يشير إليه حديث الإمام الباقر (عليه السلام):
(يخرج شاب من بني هاشم، بكفّه اليمنى خال، ويأتي من خراسان برايات سود. بين يديه شعيب بن صالح، يقاتل أصحاب السفياني فيهزموهم)(40).
وكذلك حديث خطبة البيان التي ورد فيها:
(فيلحقه (أي الإمام المهدي (عليه السلام)) رجل من أولاد الحسن، في اثنى عشر ألف فارس، ويقول: يا ابن العمّ، أنا أحق منك بهذا الأمر لأني من ولد الحسن وهو أكبر من الحسين.
فيقول المهدي: إني أنا المهدي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(38) بحار الأنوار 52: 307/ باب 26/ ح 81.
(39) كمال الدين: 655/ باب 27/ ح 25.
(40) الملاحم والفتن للسيد ابن طاووس: 77.
فيقول له: هل عندك آية أو معجزة أو علامة؟
فينظر المهدي إلى طير في الهواء فيؤمي إليه فيسقط في كفه، فينطق بقدرة الله تعالى ويشهد له بالإمامة. ثمّ يغرس قضيباً يابساً في بقعة من الأرض ليس فيها ماء، فيخضر ويورق، ويأخذ جلموداً كان في الأرض من الصخر، فيفركه بيده ويعجنه مثل الشمع.
فيقول الحسني: الأمر لك. فيسلّم وتسلّم جنوده)(41).
وفي حديث المفضل:
(ثُمَّ يَخْرُجُ الْحَسَنِيُّ الْفَتَى الْصَبِيحُ الَّذِي نَحْوَ الدَّيْلَم، يَصِيحُ بِصَوْتٍ لَهُ فَصِيح: يَا آلَ أحْمَدَ! أجِيبُوا الْمَلْهُوفَ وَالْمُنَادِيَ مِنْ حَوْلِ الضَّريح.
فَتُجِيبُهُ كُنُوزُ اللهِ بِالطَّالَقَانِ؛ كُنُوزٌ وَأيُّ كُنُوزٍ. لَيْسَتْ مِنْ فِضَّةٍ وَلا ذَهَبٍ، بَلْ هِيَ رِجَالٌ كَزُبَر الْحَدِيدِ، عَلَى الْبَرَاذِين الشُّهْبِ بِأيْدِيهِمُ الْحِرَابُ، وَلَمْ يَزَلْ يَقْتُلُ الظَّلَمَةَ حَتَّى يَردَ الْكُوفَةَ وَقَدْ صَفَا أكْثَرُ الأرْض، فَيَجْعَلُهَا لَهُ مَعْقِلاً.
فَيَتَّصِلُ بِهِ وَبأصْحَابِهِ خَبَرُ الْمَهْدِيِّ (عليه السلام) وَيَقُولُونَ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، مَنْ هَذَا الَّذِي قَدْ نَزَلَ بِسَاحَتِنَا؟
فَيَقُولُ: اخْرُجُوا بِنَا إِلَيْهِ حَتَّى نَنْظُرَ مَنْ هُوَ وَمَا يُريدُ؟ وَهُوَ وَاللهِ يَعْلَمُ أنَّهُ الْمَهْدِيُّ، وَإِنَّهُ لَيَعْرفُهُ وَلَمْ يُردْ بِذَلِكَ الأمْر إِلّا لِيُعَرَّفَ أصْحَابَهُ مَنْ هُوَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(41) إلزام الناصب 2: 205.
فَيَخْرُجُ الْحَسَنِيُّ فَيَقُولُ: إِنْ كُنْتَ مَهْدِيَّ آلِ مُحَمَّدٍ فَأيْنَ هِرَاوَةُ جَدَّكَ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وَخَاتَمُهُ، وَبُرْدَتُهُ، وَدِرْعُهُ الْفَاضِلُ، وَعِمَامَتُهُ السَّحَابُ، وَفَرَسُهُ الْيَرْبُوعُ، وَنَاقَتُهُ الْعَضْبَاءُ، وَبَغْلَتُهُ الدُّلْدُلُ، وَحِمَارُهُ الْيَعْفُورُ، وَنَجِيبُهُ الْبُرَاقُ، وَمُصْحَفُ أمِير الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)؟
فَيَخْرُجُ لَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ يَأخُذُ الْهِرَاوَةَ فَيَغْرسُهَا فِي الْحَجَر الصَّلْدِ وَتُورِقُ، وَلَمْ يُردْ ذَلِكَ إِلّا أنْ يُريَ أصْحَابَهُ فَضْلَ الْمَهْدِيّ (عليه السلام) حَتَّى يُبَايِعُوهُ.
فَيَقُولُ الْحَسَنِيُّ: اللهُ أكْبَرُ مُدَّ يَدَكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى نُبَايِعَكَ، فَيَمُدُّ يَدَهُ فَيُبَايِعُهُ وَيُبَايِعُهُ سَائِرُ الْعَسْكَر الَّذِي مَعَ الْحَسَنِيّ إِلّا أرْبَعِينَ ألْفاً، أصْحَابُ الْمَصَاحِفِ الْمَعْرُوفُونَ بِالزِّيدِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَا هَذَا إِلّا سِحْرٌ عَظِيمٌ.
فَيَخْتَلِطُ الْعَسْكَرَانِ، فَيُقْبِلُ الْمَهْدِيُّ (عليه السلام) عَلَى الطَّائِفَةِ الْمُنْحَرفَةِ، فَيَعِظُهُمْ وَيَدْعُوهُمْ ثَلاثَةَ أيَّام، فَلا يَزْدَادُونَ إِلّا طُغْيَاناً وَكُفْراً، فَيَأمُرُ بِقَتْلِهِمْ فَيُقْتَلُونَ جَمِيعاً)(42).
2 - خسوف القمر لخمسٍ بقين، وكسوف الشمس لخمس عشرة مضين من شهر رمضان:
وهذه ظاهرة كونية خارقة للنظام الفلكي، يشير إليها حديث الإمام الباقر (عليه السلام):
(آيتان (اثنان) بين يدي هذا الأمر: خسوف القمر لخمس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(42) بحار الأنوار 53: 15.
وكسوف الشمس لخمس عشرة، (و)لم يكن ذلك منذ هبط آدم (عليه السلام) إلى الأرض، وعند ذلك يسقط حساب المنجمين)(43).
3 - كثرة الأمطار في جمادي الآخرة، وعشرة أيام من رجب:
ويشير إليها حديث الإمام الصادق (عليه السلام):
(إذا آن قيامه مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة الأيام من رجب، مطراً لم ترَ الخلائق مثله)(44).
ولعلَّه يشير إليه أيضاً حديث سعيد بن جبير الذي نقله الشيخ المفيد قدس سره(45).
4 - الموت الأحمر والموت الأبيض بذهاب ثلثي أهل العالم:
يشير إليها حديث الإمام الصادق (عليه السلام):
1 - عن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
(قدام القائم موتتان: موت أحمر وموت أبيض، حتّى يذهب من كل سبعة خمسة. الموت الأحمر السيف، والموت الأبيض الطاعون)(46).
2 - عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم، قالا: سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
(لا يكون هذا الأمر حتّى يذهب ثلثا الناس).
فقيل له: إذا ذهب ثلثا الناس فما يبقى؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(43) كمال الدين: 655/ ح 25؛ ونحوه في الغيبة للشيخ الطوسي: 270.
(44) إلزام الناصب 2: 159.
(45) الإرشاد 2: 373.
(46) كمال الدين: 655/ باب 75/ ح 27.
فقال (عليه السلام): (أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي)(47).
إلى غير ذلك من العلائم الأخرى التي وردت في أحاديث كثيرة، تلاحظها في باب علائم الظهور من الغيبتين.
مثل ما في حديث أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قول الله (عزَّ وجلَّ): (عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا)(48)، ما هو عذاب خزي الدنيا؟
فقال: (وأيّ خزي أخزى - يا أبا بصير - من أن يكون الرجل في بيته وحجاله وعلى إخوانه وسط عياله، إذ شق أهله الجيوب عليه وصرخوا.
فيقول الناس: ما هذا؟ فيقال: مُسخ فلان الساعة).
فقلت: قبل قيام القائم (عليه السلام) أو بعده؟
قال: (لا، بل قبله)(49).
ومن المناسب في المقام ذكر ما يكون من الحوادث عند ظهوره (عليه السلام) في رواية المفضل البيانية المفصلة، ويأتي بيانها.
هذه ملامح خاصة من علائم ظهور تلك الشمس المشرقة، وبزوغ ذلك النور الإلهي الأبلج، وانقشاع سحاب الغيبة عن جمال وجه الإمام المهدي أرواحنا فداه، ليقوم ويملأ الأرض بالقسط والعدل.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(47) كمال الدين: 655/ باب 75/ ح 29.
(48) فصلت: 16.
(49) غيبة النعماني: 269.
مبدأ قيام الإمام المهدي (عليه السلام) ونهضته المباركة يكون من بيت الله العتيق، بعد أن يحضر في المسجد الحرام في يوم عاشوراء(50)، ويصلّي ركعات عند مقام إبراهيم (عليه السلام).
فإنه بعد ظهوره يجمع الله تعالى له أصحابه، ويسند ظهره إلى الكعبة المعظمة، مستجيراً برب العظمة، فيلقي خطبته العصماء، ثمّ تتم له البيعة الكريمة، بيعة جنود الرحمن لصاحب الزمان، ثمّ يكون القيام بالسيف، بالقوة الإلهية القاهرة لاستئصال شأفة المعاندين والمنافقين والمستكبرين الضالّين.
فلنشرح هذه المراحل التمهيدية الهامة في سبيل تحقق الدولة المؤملة، والحكومة العالمية المفضلة.
تجمع الأصحاب:
أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) ثلة طيبة، وصفوة مهذبة، من خيرة الخلق ذوي الكفاءة التامة، واللياقة الكاملة، لصحبة الإمام، وتدبير المهام، وإدارة الكرة الأرضية، والدولة العالمية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(50) كما في حديث الإمام الباقر (عليه السلام) في البحار 52: 290/ باب 26/ ح 30، وسمي يوم قيامه (عليه السلام) بيوم الخلاص كما في حديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في البحار 51: 81/ باب 1/ ح 37.
وقد وردت أحاديث متظافرة من الفريقين في بيان مدحهم وعظيم مقامهم.
وتفيد أنهم تطوى لهم الأرض، ويذلل لهم كل صعب، وأنهم جيش الغضب لله تعالى. وأنهم خيار الأمّة مع أبرار العترة، والفقهاء القضاة، وأنهم أفضل من أصحاب الأنبياء. وأنهم أولوا البأس الشديد الذين وعد الله تعالى أن يسلّطهم على اليهود في قوله تعالى: (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ)(51).
وأنهم الأمّة المعدودة الموعودة في قوله تعالى:
(وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ)(52).(53)
وفي الحديث: (ينهض (عليه السلام) في خمسة آلاف من الملائكة، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، والمؤمنون بين يديه، وهو يفرق الجنود في البلاد)(54).
وقد سماهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بإخوانه مصابيح الدجى(55).
وفي حديث الإمام الصادق (عليه السلام):
(ويكون قيامه مع عمامة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ودرعه، وسيف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(51) الإسراء: 5.
(52) عصر الظهور: 210.
(53) هود: 8.
(54) الإرشاد 1: 380.
(55) بصائر الدرجات: 104.
ذي الفقار، مع أصحابه الذين هم رجال كأن قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شكّ في ذات الله أشد من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها، لا يقصدون براياتهم بلدة إلّا خربوها، كأن على خيولهم العقبان، يتمسحون بسرج الإمام (عليه السلام) يطلبون بذلك البركة، ويحفّون به يقونه بأنفسهم في الحروب، ويكفونه ما يريد فيهم.
رجال لا ينامون الليل، لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل، ليوث بالنهار، هم أطوع له من الأمّة لسيدها، كالمصابيح كأن قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مشفقون، يدعون بالشهادة، ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله، شعارهم: يا لثارات الحسين)(56).
وفي حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) في جيش الغضب:
(أولئك قوم يأتون في آخر الزمان، قزع كقزع الخريف، والرجل والرجلان والثلاثة من كل قبيلة حتّى يبلغ تسعة، أما والله إني لأعرف أميرهم واسمه، ومناخ ركابهم)(57).
وفي حديث الإمام الصادق (عليه السلام):
(إِذَا أُذِنَ الإِمَامُ دَعَا اللهَ بِاسْمِهِ الْعِبْرَانِيّ، فَأُتِيحَتْ لَهُ صَحَابَتُهُ الثَّلاثُمِائَةِ وَثَلاثَةَ عَشَرَ، قَزَعٌ كَقَزَع الْخَريفِ، وَهُمْ أصْحَابُ الألْويَةِ. مِنْهُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(56) بحار الأنوار 52: 308/ باب 26/ ح 81 و82.
(57) غيبة النعماني: 312/ باب 20/ ح 1.
مَنْ يُفْقَدُ عَنْ فِرَاشِهِ لَيْلاً فَيُصْبِحُ بِمَكَّةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَى يَسِيرُ فِي السَّحَابِ نَهَاراً يُعْرَفُ بِاسْمِهِ وَاسْم أبِيهِ وَحِلْيَتِهِ وَنَسَبِهِ).
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أيُّهُمْ أعْظَمُ إِيمَاناً؟
قَالَ: (الَّذِي يَسِيرُ فِي السَّحَابِ نَهَاراً، وَهُمُ الْمَفْقُودُونَ، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَة: (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً)(58))(59).
وقد جاء مدحهم وذكر عددهم وأسمائهم في خطبة البيان الشريفة التي ورد فيها:
(ألا وإن المهدي أحسن الناس خلقاً وخلقةً، ثمّ إذا قام يجتمع إليه أصحابه على عدّة أهل بدر وأصحاب طالوت، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً.
كلهم ليوث قد خرجوا من غاباتهم، مثل زبر الحديد، لو أنهم همّوا بإزالة الجبال الرواسي لأزالوها عن مواضعها.
فهم الذين وحّدوا الله تعالى حقّ توحيده، لهم بالليل أصوات كأصوات الثواكل حزناً من خشية الله تعالى.
قوّام الليل، صوّام النهار، كأنما ربّاهم أب واحد وأُمّ واحدة، قلوبهم مجتمعة بالمحبة والنصيحة.
ألا وإني لأعرف أسماءهم وأمصارهم).
فقال إليه جماعة من الأصحاب، وقالوا: نسألك بالله وبابن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عمّك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أن تسميهم بأسمائهم وأمصارهم، فلقد ذابت قلوبنا من كلامك؟
فقال (عليه السلام): (اسمعوا أبيّن لكم أسماء أنصار القائم، إن أوّلهم من أهل البصرة، وآخرهم من الأبدال...).
ثمّ عدّهم، وذكر بلادهم ثمّ قال (عليه السلام):
(هؤلاء يجتمعون كلهم من مطلع الشمس ومغربها، وسهلها وجبلها. يجمعهم الله تعالى في أقل من نصف الليلة، فيأتون إلى مكّة).
ولقد أجاد في ترتيب ذكر هؤلاء الأصحاب الطيبين مع ذكر بلادهم وقبائلهم وتوضيح ذلك في كتاب الإمام المهدي من المهد إلى الظهور في الجدول التالي:
بيّن فيه عدد الأفراد من كل بلد أو قبيلة.
مع أسماء البلاد أو القبائل.
مع أسماء أولئك الأصحاب.
بشرح وتوضيح ننقله نصّاً بكمّه وكيفه:
عدد الأفراد أسماء البلاد أو القبائل أسماء الأفراد
2 أرمينية(60) أحمد وحسين
4 الإسكندرية حسن ومحسن وشبيل وشيبان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(60) أرمينيّة: اسم منطقة واسعة جدّاً، تشمل مُدن كثيرة، قسمٌ منها في إيران، وقسم منها في تركيا.
1 أصفهان يونس
2 الإفرنج(61) علي وأحمد
1 ألومة(62) معشر
1 الأنبار(63) علوان
1 أنطاكية(64) عبد الرحمن
5 أوال(65) عامر وجعفر ونصير وبكير وليث
1 أوس(66) محمّد
1 بالس(67) نصير
3 بدو أعقيل منبه وضابط وغربان(68)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(61) الإفرنج: هم الفرنسيون بصورة خاصّة، الأوربيون بصورة عامة.
(62) أُلوم - على وزن أكولة -: بلد في ديار هذيل، كما في (معجم البلدان).
(63) الأنبار: بلدة في العراق، تقع بالقرب من الحدود العراقية - السورية، وتعرف أيضاً بـ (الرطبة).
(64) أنطاكية: مدينة في سوريا.
(65) أُوال: هو الاسم السابق للبحرين، وقد ذُكر في نصِّ الخطبة: (جزيرة أُوال، وهي البحرين).
(66) الأوس: اسم قبيلة عربية من الأزد، يمانيّة، ارتحلت وأختها الخزرج فنزلوا المدينة المنورة ولما بعث النبي وهاجر إلى المدينة التفوا حوله واعتنقوا دين الإسلام، وكانت هجرة النبي والمسلمين إليهم في المدينة، وسمي الجميع - بعد ذلك - بالأنصار.
(67) بالس: قرية في سوريا، بين حلب والرقة، وتعرف اليوم باسم (اسكي مسكنة).
(68) وفي نسخةٍ: عريان، أو عزبان.
1 بدو شيبان نهراش
1 بدو قسين جابر
1 بدو كلاب مطر
1 بدو أغير عمرو(69)
2 بدو مصر عجلان ودراج
3 برعة(70) يوسف وداود وعبد الله
2 البصرة علي ومحارب
1 بلخ(71) حسن
1 بلست(72) عبد الوارث
1 البلقاء(73) صادق
3 بيت المقدس بشر وداود وعمران
2 البيضاء(74) سعد وسعيد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(69) وفي نسخة: عمر.
(70) برعة: قرية في ضواحي الطائف.
(71) بلخ: مدينة في أفغانستان.
(72) بلست: قرية من قرى الإسكندرية.
(73) البلقاء: مدينة في الأردن.
(74) البيضاء: اسم لعدّة مدين وقرى، منها: مدينة في إيران، ومدينة في بلاد المغرب الأقصى، ومدينة في ليبيا، ومدينة في جنوب اليمن، والله العالم بالمقصود.
2 تُستَر(75) أحمد وهلال
1 تفليس(76) محمّد
1 تميم(77) ريان
1 الثقب(78) هارون
5 جبل اللكام(79) عبد الله وعبيد الله وقادم ويحيى وطالوت
1 جدّة إبراهيم
2 جعارة(80) يحيى وأحمد
4 الحبشة(81) إبراهيم وعيسى ومحمّد وحمدان
1 الحبش كثير
2 حلب صبيح ومحمّد
2 الحلّة محمّد وعلي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(75) تُسْتر - معرب شوشتر - مدينة في منطقة خوزستان، جنوب إيران.
(76) تفليس - وتعرب أيضاً بـ (تبيليسي)-: مدينة في جنوب غربي روسيا، وهي – اليوم - عاصمة جمهورية جورجيا.
(77) تميم: قبيلة عربية، ينتهي نسبها إلى تميم بن مر بن الياس بن مضر.
(78) الثقب: قرية من قرى اليمامة في منطقة نجد، في شبه الجزيرة العربية.
(79) جبل اللكام: هو الجبل المشرف على أنطاكيّة، وبالقرب منها مدينة كما في (معجم البلدان).
(80) جعارة: قيل: هي بلدة في ضواحي النجف الأشرف، في العراق.
(81) الحبشة - وتعرف اليوم بـ (إثيوبيا)-: هي دولة في الشرق الشمالي من إفريقيا.
1 حمص جعفر
2 حِمَير(82) مالك وناصر
2 خرشان تكيّة ومسنون
2 الخط(83) عزيز ومبارك
2 الخلاط(84) محمّد وجعفر
2 خونج(85) محروز ونوح
2 دمشق داود وعبد الرحمن
1 الدورق(86) عبد الغفور
1 ديار شعيب
1 ذهاب(87) حسين
2 الرملة(88) طليق وموسى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(82) حمير: قبيلة كانت تسكن بلاد اليمن.
(83) الخط: منطقة ساحلية في شبه الجزيرة العربية، تشمل عدة مدن، منها: مدينة القطيف في المنطقة.
(84) الخلاط: مدينة كبيرة في منطقة أرمنية - شمال إيران.
(85) خونج: مدينة في منطقة آذربايجان - شمال يران. وفي المصدر: خونج بالخاء لا الجيم. ولعله من أخطاء النساخ.
(86) الدورق: قرية من قرى الأهواز، في منطقة خوزستان - جنوب إيران.
(87) ذهاب - وتعرف أيضاً بـ (حلوان): هي بلدة بالقرب من مدينة كرمانشاه في إيران.
(88) الرملة: بلدة في فلسطين، شمال شرقي القدس.
1 رهاط(89) جعفر
1 الري(90) مجمع
3 الزوراء(91) عبد المطّلب وأحمد وعبد الله
3 زيد(92) محمّد وحسن وفهد
3 السادة صليب وسعدان وشبيب
1 سجار(93) محمّد
2 سرخس(94) ناجية وحفص
2 سرُّ من رأى(95) مرائي وعامر
3 سعداوة أحمد وحيى وفلاح
1 سلماس(96) هارون
2 سمرقند(97) علي ومجاهد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(89) رهاط: منطقة في ضواحي مكّة المكرمة.
(90) الري: مدينة في ضواحي طهران.
(91) الزوراء: مدينة بغداد.
(92) زيد: اسم موضع بالقرب من مدينة بالس في سوريا.
(93) سجار: قرية في ضواحي مدينة بخارى، في بلاد القفقاز.
(94) سرخس: مدينة في ضواحي مدينة مشهد المقدسة - في إيران.
(95) سر من رأى: مدينة في العراق، تعرف اليوم بـ (سامراء).
(96) سلماس: منطقة في شمال إيران بالقرب من تبريز، تشمل قرى متعددة.
(97) سمرقند: مدينة كبيرة في جمهورية (أوزبكستان).
2 السِن(98) مقداد وهود
2 سنجار(99) أبان وعلي
1 السند(100) عبد الرحمن
1 السهم جعفر
2 السوس(101) شيبان وعبد الوهاب
4 سيراف(102) خالد ومالك وحوقل وإبراهيم
3 سيلان(103) نوح وحسن وجعفر
1 الشوبك عمير
4 شيراز عبد الله وصالح وجعفر وإبراهيم
1 شيزَر(104) عبد الوهاب
1 صنعاء جبرئيل وحمزة ويحيى وسميع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(98) السن: مدينة على ساحل نهر دجلة في العراق، بالقرب من تكريت.
(99) سنجار: بلدة في ضواحي الموصل في شمال العراق، وفي نسخة سنحار: وهي قرية في ضواحي مدينة حلب في سوريا.
(100) السند: منطقة واسعة في جنوب باكستان.
(101) السوس - وتعرف (الشوش)- ق؛ بلدة من بلاد خوزستان، جنوب إيران، وأيضاً السوس: اسم بلدة في المغرب الأقصى.
(102) سيراف: بلدة في إيران، تقع على الخليج، تبعد عن مدينة شيراز حوالي 60 فرسخاً.
(103) سيلان: جزيرة تقع في جنوب شرقي الهند، سماها العرب: بلاد سرنديب.
(104) شيزر: مدينة في سوريا، تقع على نهر العاصي شمال مدينة حماة.
4 الضيعة زيد وعلي
2 الضيف(105) عالم وسهيل
3 الطائف علي وسبأ وزكريا
1 طائف اليمن هلال
24 طالقان(106) صالح وجعفر ويحيى وهود وفالح وداود وجميل وفضيل وعيسى وجابر وخالد وعلوان وعبد الله وأيّوب وملاعب وعمر وعبد العزيز ولقمان وسعد وقبضة ومهاجر
1 الطبرية(107) فليح
10 عبادان حمزة وشيبان وقاسم وجعفر وعمرو وعامر وعبد المهيمن وعبد الوارث ومحمّد وأحمد وعون وموسى
2 عدن عون وموسى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(105) لعلَّ الصحيح هو: الضيق - بالقاف -: قرية في منطقة نجد في شبه الجزيرة العربية.
(106) طالقان: اسم منطقة في مدينة قزوين وأبهر في إيران، وهذه المنطقة تشتمل على قرى متعددة يطلق عليها هذا الاسم وطالقان - أيضاً -: اسم مدينة كبيرة في مقاطعة طخارستان في أفغانستان.
(107) الطبرية: مدينة تقع على بحيرة طبريفة في فلسطين.
1 عرفة(108) فرج
5 عسقلان(109) محمّد ويوسف وعمر وفهد وهارون
2 عكسرٌ مكرم(110) الطيّب وميمون
1 عَقر(111) أحمد
2 عكّا(112) مروان وسعد
1 العمارة(113) مالك
6 عمّان محمّد وصالح وداود وهواشب وكوش ويونس
1 عنيزة(114) عمير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(108) عرفة: قرية بالقرب من أرض عرفات في ضواحي مكّة المكرمة، كما في (معجم البلدان) للحموي.
(109) عسقلان: مدينة في فلسطين وأيضاً: عسقلان: قرية في ضواحي مدينة بلخ في أفغانستان.
(110) عسكر مكرم: مدينة في منطقة خوزستان - جنوب إيران.
(111) عقر: اسم موضع بالقرب من مدينة كربلاء المقدسة، واسم قرية بين تكريت والموصل، وقرية في ضواحي بغداد، وقرية في ضواحي الموصل، والعقر - بفتح القاف -: قرية في ضواحي الرملة في فلسطين.
(112) عكا - وفي نسخة: عكة: مدينة في فلسطين.
(113) العمارة: مدينة في جنوب العراق.
(114) عنيزة: مدينة في مقاطعة نجد في شبه الجزيرة العربية، وفي نسخة: عنزة: اسم قبيلة عربية.
4 الفسطاط(115) أحمد وعبد الله ويونس وطاهر
2 قاشان(116) عبد الله وعبيد الله
1 القادسية(117) حصين
8 قزوين هارون وعبد الله وجعفر وصالح وعمر وليث وعلي ومحمّد
1 قم يعقوب
3 كازرون(118) عمر ومعمر ويونس
1 الكبش(119) محمّد
3 كربلاء حسين وحسين وحسن
1 كرخي بغداد(120) قاسم
1 الكرد(121) عون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(115) الفسطاط: مدينة في مصر.
(116) قاشان - معرب كاشان -: مدينة في إيران، تبعد عن طهران حوالي 230 كيلو متراً.
(117) القادسية: مدينة في العراق، واسم موضع بالقرب من مدينة النجف.
(118) كازرون: مدينة في إيران.
(119) موضع في ضواحي بغداد.
(120) كرخ بغداد: اسم محلة في بغداد.
(121) الكرد: مفرد الأكراد والكرد: قرية في إيران، تبعد عن أصفهان حوالي 60 كيلو متراً.
1 كرمان(122) عبد الله
1 الكورة(123) إبراهيم
4 الكوفة محمّد وغياث وهود وعتاب
1 لنجوية(124) كوثر
10 المدينة علي وحمزة وجعفر وعبّاس وطاهر وحسن وحسين وقاسم وإبراهيم ومحمّد
1 مراغة(125) صدقة
2 مرقية(126) بشر وشعيب
1 مرو(127) حذيفة
14 المعاذة سويد وأحمد ومحمّد وحسن ويعقوب وحسين وعبد الله وعبد القديم ونعيم وعلي وحيان وظاهر وتغلب وكثير
4 مكّة عمرو وإبراهيم ومحمّد وعبد الله
2 المنصورية عبد الرحمن وملاعب ومحمّد وعمر ومالك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(122) كرمان: مدينة في إيران.
(123) الكورة: بلدة في لبنان.
(124) لنجوية: جزيرة في أفريقيا الشرقية (زنجبار).
(125) مراغة: مدينة في شمال إيران.
(126) مرقية: بلدة في ضواحي مدينة حمص في سوريا.
(127) مرو: مدينة في مقاطعة خراسان في إيران.
3 المهجم(128) محمّد وعمر ومالك
2 الموصل هارون وفهد
2 النجف جعفر ومحمّد
2 نصيبين(129) أحمد وعلي
2 النوبة(130) واصل وفاضل
2 نيسابور(131) علي ومهاجر
2 هَجَر(132) موسى وعباس
1 هُجر عبد القدوس
1 هرات(133) نهروش
2 همدان(134) علي وصالح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(128) المهجم: بلدة في ضواحي مدينة زبيد في اليمن.
(129) نصيبين: مدينة في تركيا، بالقرب من الحدود التركية - العراقية، وقرية في ضواحي حلب في سوريا.
(130) النوبة: منطقة إفريقية ممتدة على شاطئ نهر النيل، قسم منها في مصر، وقسم منها في السودان.
(131) نيسابور: مدينة في إيران، في مقاطعة خراسان.
(132) هجر: اسم لعدّة أماكن، مها: قرية في البحرين، وقرية في اليمن، وقرية في المنطقة الشرقية في شبه الجزيرة العربية.
(133) هرات: مدينة في شمال غربي أفغانستان.
(134) همدان - بسكون الميم -: قبيلة عربيّة يمانية، واسم مدينة في اليمن، وهمدان - بفتح الميم -: مدينة في إيران، جنوب غربي طهران.
3 الهونين(135) عبد السلام وفارس وكليب
1 واسط(136) عقيل
2 اليمامة(137) ظافر وجميل
14 اليمن جبير وحويش ومالك وكعب وأحمد وشيبان وعامر وعمّار وفهد وعاصم وحجر وكلثوم وجابر ومحمّد
298 المجموع
وستة رجال من الأبدال(138) كلهم أسماؤهم عبد الله، وثلاثة من موالي أهل البيت عبد الله ومخنف وبراك، وأربعة رجال من موالي الأنبياء صباح وصياح وميمون وهود، ورجلان مملوكان: عبد الله وناصح.
المجموع: 313 رجلاً(139).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(135) الهونين: بلد في جبال عاملة، مطل على نواحي مصر.
(136) واسط: مدينة في العراق وقرية في اليمن وضواحي حلب وضواحي بلخ.
(137) اليمامة: منطقة واسعة في شبه الجزيرة العربية، وتعرف اليوم بـ (العارض).
(138) الأبدال: قوم من الصالحين... لا تخلو الدنيا منهم، إذا مات واحد أبدل الله مكانه آخر كما في مجمع البحرين للطريحي.
وقال الفيروز آبادي في القاموس: الأبدال قوم يقيم الله بهم الأرض وهم سبعون: أربعون بالشام المقصود من الشام هنا: سوريا ولبنان وفلسطين والأردن وثلاثون بغيرها، لا يموت أحدهم إلّا قام مقامه آخر من سائر الناس وقال - أيضاً -: النجباء: هم الأفاضل من الناس.
(139) المصدر: كتاب إلزام الناصب للشيخ علي الحائري 2: 201؛ وكتاب نوائب الدهور للميجهاني 2: 116.
هذا.. وهناك سوى هؤلاء الأصحاب الطيبين أنصار صالحون للإمام المهدي، يلتحقون به في مكّة وغيرها، ويكونون من المجاهدين بين يديه، وهم عدّة كثيرة ممن يتبعون الإمام (عليه السلام) ويكونون من أعوانه والذابّين عنه.
وقد ورد في الأدعية الشريفة والزيارات المأثورة أن يجعلنا الله من أنصاره وأعوانه.
من ذلك دعاء العهد الشريف الذي ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه:
(من دعا إلى الله تعالى أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا، فإن مات قبله أخرجه الله تعالى من قبره، وأعطاه بكل كلمة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيئة)(140).
وقد ورد أن جيشه (عليه السلام) الذي يخرج به من مكّة عشرة آلاف، والذي يدخل فيه العراق قد يبلغ مئات الألوف(141).
فعدّة الأنصار عدّة كثيرة جدّاً، هي من القوة المعينة.
والأصحاب 313 خاصة، هم أصحاب الألوية، وصفوة الصفوة.
الخطبة العصماء:
ومما يمتاز به حجة الله، أن يكون قيامه من بيت الله، ويبدأ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(140) مصباح الكفعمي: 551؛ وورد في مفاتيح الجنان المعرب: 535.
(141) عصر الظهور: 209.
في نطقه بكلام الله فيلقي خطبته الموجهة إلى أهل مكّة، وإلى المسلمين، وإلى الخلق جميعاً.
وفي البداية يورد (عليه السلام) خطبته البليغة التي يستنصر الله تعالى فيها، ويبيّن للناس مقامه الأسمى بها.
وأوّل ما ينطق به قوله تعالى:
(بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(142).(143)
وفي حديث جابر الجعفي عن الإمام الباقر (عليه السلام) في بيان الخطبة:
(يَا أيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا نَسْتَنْصِرُ اللهَ، وَمَنْ أجَابَنَا مِنَ النَّاس وَإِنَّا أهْلُ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ، وَنَحْنُ أوْلَى النَّاس بِاللهِ وَبِمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلم).
فَمَنْ حَاجَّنِي فِي آدَمَ فَأنَا أوْلَى النَّاس بِآدَمَ، وَمَنْ حَاجَّنِي فِي نُوح فَأنَا أوْلَى النَّاس بِنُوح، وَمَنْ حَاجَّنِي فِي إِبْرَاهِيمَ فَأنَا أوْلَى النَّاس بِإِبْرَاهِيمَ، وَمَنْ حَاجَّنِي فِي مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلم) فَأنَا أوْلَى النَّاس بِمُحَمَّدٍ، وَمَنْ حَاجَّنِي فِي النَّبِيِّينَ فَأنَا أوْلَى النَّاس بِالنَّبِيِّينَ.
ألَيْسَ اللهُ يَقُولُ فِي مُحْكَم كِتَابِهِ: (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(144).
فَأنَا بَقِيَّةٌ مِنْ آدَمَ، وَذَخِيرَةٌ مِنْ نُوح، وَمُصْطَفىً مِنْ إِبْرَاهِيمَ، وَصَفْوَةٌ مِن مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلم).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(142) هود: 86.
(143) بحار الأنوار 52: 192/ باب 25/ ح 24.
(144) آل عمران: 34.
ألا وَمَنْ حَاجَّنِي فِي كِتَابِ اللهِ فَأنَا أوْلَى النَّاس بِكِتَابِ اللهِ، ألا وَمَنْ حَاجَّنِي فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلم) فَأنَا أوْلَى النَّاس بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ.
فَأنْشُدُ اللهَ مَنْ سَمِعَ كَلامِي الْيَوْمَ لَمَّا بَلَّغَ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ، وَأسْألُكُمْ بِحَقِّ اللهِ وَرَسُولِهِ وَبِحَقِّي فَإنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقَّ الْقُرْبَى مِنْ رَسُولِ اللهِ إِلّا أعْنَتُمُونَا(145) وَمَنَعْتُمُونَا مِمَّنْ يَظْلِمُنَا؛ فَقَدْ أُخِفْنَا وَظُلِمْنَا، وَطُردْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأبْنَائِنَا، وَبُغِيَ عَلَيْنَا وَدُفِعْنَا عَنْ حَقِّنَا فَافْتَرَى أهْلُ الْبَاطِل عَلَيْنَا. فَاللهَ اللهَ فِينَا لا تَخْذُلُونَا وَانْصُرُونَا يَنْصُرْكُمُ الله)(146).
في حديث المفضل في البحار(147):
(وَسَيِّدُنَا الْقَائِمُ (عليه السلام) مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ وَيَقُولُ:
يَا مَعْشَرَ الْخَلائِق، ألا وَمَنْ أرَادَ أنْ يَنْظُرَ إِلَى آدَمَ وَشَيْثٍ فَهَا أنَا ذَا آدَمُ وَشَيْثٌ.
ألا وَمَنْ أرَادَ أنْ يَنْظُرَ إِلَى نُوح وَوَلَدِهِ سَام فَهَا أنَا ذَا نُوحٌ وَسَامٌ.
ألا وَمَنْ أرَادَ أنْ يَنْظُرَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ فَهَا أنَا ذَا إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ.
ألا وَمَنْ أرَادَ أنْ يَنْظُرَ إِلَى مُوسَى وَيُوشَعَ فَهَا أنَا ذَا مُوسَى وَيُوشَعُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(145) في بعض النسخ لمّا أعنتمونا.
(146) غيبة النعماني: 281/ باب 14/ ح 67.
(147) بحار الأنوار 53: 9/ باب 25/ ح 1.
ألا وَمَنْ أرَادَ أنْ يَنْظُرَ إِلَى عِيسَى وَشَمْعُونَ فَهَا أنَا ذَا عِيسَى وَشَمْعُونُ.
ألا وَمَنْ أرَادَ أنْ يَنْظُرَ إِلَى مُحَمَّدٍ وَأمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا فَهَا أنَا ذَا مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وَأمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام).
ألا وَمَنْ أرَادَ أنْ يَنْظُرَ إِلَى الْحَسَن وَالْحُسَيْن (عليهما السلام) فَهَا أنَا ذَا الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ.
ألا وَمَنْ أرَادَ أنْ يَنْظُرَ إِلَى الأئِمَّةِ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْن (عليهم السلام) فَهَا أنَا ذَا الأئِمَّةُ (عليهم السلام).
أجِيبُوا إِلَى مَسْألَتِي فَإنّي أُنَبِّئُكُمْ بِمَا نُبِّئْتُمْ بِهِ وَمَا لَمْ تُنَبَّئُوا بِهِ، وَمَنْ كَانَ يَقْرَأ الْكُتُبَ وَالصُّحُفَ فَلْيَسْمَعْ مِنّي.
ثُمَّ يَبْتَدِئُ بِالصُّحُفِ الَّتِي أنْزَلَهَا اللهُ عَلَى آدَمَ وَشَيْثٍ (عليهما السلام) وَيَقُولُ أُمَّةُ آدَمَ وَشَيْثٍ هِبَةِ اللهِ: هَذِهِ وَاللهِ هِيَ الصُّحُفُ حَقّاً وَلَقَدْ أرَانَا مَا لَمْ نَكُنْ نَعْلَمُهُ فِيهَا وَمَا كَانَ خَفِيَ عَلَيْنَا وَمَا كَانَ أُسْقِطَ مِنْهَا وَبُدَّلَ وَحُرَّفَ.
ثُمَّ يَقْرَأ صُحُفَ نُوح وَصُحُفَ إِبْرَاهِيمَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ، فَيَقُولُ أهْلُ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيل وَالزَّبُورِ: هَذِهِ وَاللهِ صُحُفُ نُوح وَإِبْرَاهِيمَ (عليهما السلام) حَقّاً وَمَا أُسْقِطَ مِنْهَا وَبُدَّلَ وَحُرَّفَ مِنْهَا هَذِهِ وَاللهِ التَّوْرَاةُ الْجَامِعَةُ، وَالزَّبُورُ التَّامُّ، وَالإِنْجِيلُ الْكَامِلُ، وَإِنَّهَا أضْعَافُ مَا قَرَأنَا مِنْهَا.
ثُمَّ يَتْلُو الْقُرْآنَ فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: هَذَا وَاللهِ الْقُرْآنُ حَقّاً الَّذِي أنْزَلَهُ اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلم)...)(148).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(148) بحار الأنوار 53: 9، وتلاحظ خطبته في حديث الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير العياشي 2: 56.
وفي الحديث الشريف:
(يدعو الناس إلى كتاب الله، وسُنّة نبيه، والولاية لعلي بن أبي طالب والبراءة من عدوه)(149).
وهكذا يلقي خطبته، ويتم حجته، فيبايعونه بين الركن والمقام ومعه عهد من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، قد توارثته الأبناء عن الآباء(150).
البيعة الكريمة:
بعد خطبته (عليه السلام) تتم البيعة معه، بيعة أهل السماء والأرض؛ بيعةٌ يبدءها أمين وحي الله جبرئيل (عليه السلام)، ثمّ المؤمنون الكرام.
ففي حديث الإمام الصادق (عليه السلام):
(إن أوّل من يبايع القائم (عليه السلام) جبرئيل (عليه السلام)...)(151).
وفي الحديث الآخر:
(فيبعث الله (جلَّ جلاله) جبرئيل (عليه السلام) يأتيه فينزل على الحطيم، ثمّ يقول له:
إلى أيّ شيء تدعو؟
فيخبره القائم (عليه السلام)، فيقول جبرئيل (عليه السلام): أنا أوّل من يبايعك، ابسط يدك.
فيمسح على يده، وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(149) بحار الأنوار 52: 343/ باب 27/ ح 91.
(150) بحار الأنوار 53: 238.
(151) بحار الأنوار 52: 285/ باب 26/ ح 18.
فيبايعونه، ويقيم بمكّة حتّى يتم أصحابه عشرة آلاف أنفس، ثمّ يسير منها إلى المدينة)(152).
وفي الحديث الآخر:
(يا مفضّل، كل بيعة قبل ظهور القائم (عليه السلام) فبيعته كفر ونفاق وخديعة لعن الله المبايع لها والمبايع له.
يا مفضّل يسند القائم (عليه السلام) ظهره إلى الحرم ويمدّ يده، فترى بيضاء من غير سوء ويقول: هذه يد الله، وعن أمر الله، وبأمر الله.
ثمّ يتلو هذه الآية: (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ...)(153) الآية.
فيكون أوّل من يقبّل يده جبرئيل (عليه السلام)، ثمّ يبايعه، وتبايعه الملائكة ونجباء الجن، ثمّ النقباء)(154).
فتتم البيعة والمعاهدة معه على الطاعة، ويكون السلام عليه بنحو: (السلام عليك يا بقية الله)، كما في الحديث(155).
وتكون بيعة أنصاره معه على الأمور التالية:
على أن لا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يسبّوا مسلماً، ولا يقتلوا محرّماً ولا يهتكوا حريماً محرماً، ولا يهجموا منزلاً، ولا يضروا أحداً إلّا بالحق، ولا يكنزوا ذهباً ولا فضّة ولا برّاً وشعيراً، ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(152) بحار الأنوار 52: 337/ باب 27/ ح 78.
(153) الفتح: 10.
(154) بحار الأنوار 53: 8/ باب 25/ ح 1.
(155) وسائل الشيعة 10: 470/ باب 106/ ح 2.
يأكلوا مال اليتيم، ولا يشهدوا بما لا يعلمون، ولا يخرّبوا مسجداً، ولا يشربوا مسكراً، ولا يلبسوا الخزّ ولا الحرير، ولا يتمنطقوا بالذهب، ولا يقطعوا طريقاً، ولا يخيفوا سبيلاً، ولا يفسقوا بغلام، ولا يحبسوا طعاماً من برّ أو شعير، ويرضون بالقليل، ولا يشتمون، ويكرهون النجاسة، ويأمرون بالمعروف ويجاهدون في الله حق جهاده، ويشترط على نفسه لهم أن يمشي حيث يمشون، ويلبس كما يلبسون، ويركب كما يركبون، ويكون من حيث يريدون، ويرضى بالقليل، ويملأ الأرض بعون الله عدلاً كما ملئت جوراً يعبد الله حق عبادته، ولا يتخذ حاجباً ولا بوّاباً(156).
وبالرغم مما يتمتع به أصحابه الكرام من الدرجات العالية، والعدالة الروحية، تكون هذه الشروط توثيقاً للحكم، وتأكيداً في الأمر، وتعليماً للحياة المثالية التي تخصهم لقيادة الكرة الأرضية وهي بيعة ميمونة يشمل خيرها جميع الموجودات في مسيرة الحياة.
القوة الإلهية:
هناك سؤال يطرح كثيرا في أنه كيف يغلب الإمام المهدي (عليه السلام) ويستولي على العالم، وكيف تخضع له الحكومات مع امتلاكهم هذه الأسلحة الفتاكة، والأجهزة الحديثة؟
وسرعان ما يتجلى الجواب إذا عرفنا بأنه (عليه السلام) مقرون بلا فصل مع الإرادة الربانية التي إذا أراد شيئاً يقول له كن فيكون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(156) منتخب الأثر: 469.
وهو (عليه السلام) ممتلك لما فوق السلاح البشري، وما هو أعظم من المصنوع الإنساني.
وهو (عليه السلام) مزوّدٌ بالقوة الإلهية القاهرة، والمدد السماوي المظفّر، والميراث النبوي الباهر، وبها يخضع له الكل، ويهيمن على الجميع، ويغلب على العالم.
1 - فله الاسم الأعظم الإلهي الذي هو معدن القدرات، اثنان وسبعون منه(157).
2 - وله الاسم الإلهي الخاص الذي كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إذا جعله بين المسلمين والمشركين، لم تصل من المشركين إلى المسلمين نشابةٌ قط(158).
3 - وله عصى موسى (عليه السلام) التي تأتي بالعجب العجاب(159).
4 - وله خاتم سليمان الذي كان إذا لبسه سخر الله تعالى له الملائكة، والإنس والجن، والطير، والريح(160).
5 - وله تابوت بني إسرائيل التي فيها السكينة والعلم والحكمة، ويدور معها العلم والنبوة والمُلك(161).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(157) أصول الكافي 1: 230.
(158) الإرشاد 2: 188.
(159) الكافي 1: 231.
(160) الكافي 1: 231.
(161) بحار الأنوار 26: 203.
6 - وله امتلاك الرعب في قلوب الأعداء، يسير معه وأمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله.
ولا يخفى شدة تأثير هذا الرعب في دهشة العدو، وعدم تسلطه على استعمال السلاح أساساً(162).
7 - وله نصرة الله تعالى التي لا يفوقها شيء: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ)(163)، فإن الله تعالى ينصره حتّى بزلزال الأرض، وصواعق السماء.
8 - وله الولاية الإلهية العظمى التي جعلها الله تعالى لهم تكويناً وتشريعاً، كما ثبت بالأدلة المتواترة(164).
9 - وله الاحتجاجات والحجج الكاملة، التي يحتج بها بأوصافه وعلائمه الموجودة في التوراة والألواح، التي تقدمت الإشارة إليها. ثمّ اقتداء النبي عيسى (عليه السلام) به في الصلاة التي توجب خضوع كثير من اليهود والنصارى له(165).
10 - وأخيراً وليس بآخر إرادة الله تعالى القادر القهّار الذي إذا أراد شيئاً لم يتخلف ما أراده طرفة عين، ولم يحل بينهما شيء في البين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(162) غيبة النعماني: 307.
(163) آل عمران: 160.
(164) لاحظ لبيان الأدلة كتابنا في رحاب الزيارة الجامعة: 595.
(165) راجع أحاديثه المتظافرة من الفريقين في منتخب الأثر: 206.
وقد أراد ذلك بصريح قوله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ)(166).
وبهذا تعرف أن الإمام المهدي (عليه السلام) يقوم بالقوة الإلهية التي لا تقاومها القوة البشريّة مهما بلغت وتطوّرت.
بل لا قدرة للبشرية أمام قدرة الله الغالبة، حتّى يتردد أحدٌ بأنه كيف يتغلب الإمام المهدي (عليه السلام) على الأسلحة العصريّة.
وهل في الكون قدرة تقف أمام إله الكون؟!
وهل للمخلوق قدرة تقوم أمام قدرة الخالق؟!
فبمثل هذه القوى الإلهية يقوم الإمام المنتظر (عليه السلام) بأمر الله، ويقيم دولة الله، فيرث الأرض عباده الصالحون.
وهو من المحتومات الإلهية التي لا تبديل لها عند الله تعالى، كما صرّحت به أحاديثنا الشريفة، مثل حديث أبي حمزة الثمالي:
قال: كنت عند أبي جعفر محمّد الباقر (عليه السلام) ذات يوم، فلمّا تفرق من كان عنده قال لي:
(يا أبا حمزة من المحتوم الذي لا تبديل له عند الله قيام قائمنا، فمن شكّ فيما أقول لقى الله وهو به كافر وله جاحد...
يا أبا حمزة من أدركه فلم يسلّم له فما سلّم لمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام)، وقد حرّم الله عليه الجنّة، ومأواه النار وبأس مثوى الظالمين)(167).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال الإمام الباقر (عليه السلام):
(لو خرج قائم آل محمّد (عليه السلام) لنصره الله بالملائكة المسوّمين، والمردفين، والمنزلين، والكروبيين.
يكون جبرائيل أمامه، وميكائيل عن يمينه، وإسرافيل عن يساره، والرعب يسير مسيرة شهر أمامه، وخلفه، وعن يمينه، وعن شماله، والملائكة المقربون حذاه)(168).
وبعد هذه القوة الإلهية القاهرة، ما هو الظن بالقوى البشرية، هل تعمل أم تتعطّل؟!
نعم بالقدرة الإلهية الغالبة على كل شيء يقوم الإمام المنتظر (عليه السلام) بالحق، ويبسط الحق، ويسير بالحق، وهي سيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأمير المؤمنين (عليه السلام)(169).
المسيرة الإصلاحية:
ينبغي أن نشير هنا إلى خريطة مسيره المبارك في قيامه الأغرّ الذي يمكن تخطيطه بالأحاديث الشريفة من البدء إلى استقرار دولته الكريمة، في المراحل الثلاث التالية:
1 - إصلاحاته في مكّة المكرّمة.
2 - التوجّه إلى المدينة المنوّرة.
3 - الكوفة عاصمته المباركة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرحلة الأولى: مكّة المكرّمة:
المستفاد من بعض الأحاديث، أن مكّة تستسلم له (عليه السلام) ويسيطر الإمام على البلدة بكاملها.
ويستفاد هذا من قوله (عليه السلام) في النصّ الذي عبّر بالإطاعة بعد سؤال الراوي: فما يصنع بأهل مكّة؟
قال: (يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة فيطيعونه، ويستخلف فيهم رجلاً من أهل بيته)(170).
ويدلُّ الحديث الصادقي على أنه (عليه السلام) يردّ المسجد الحرام إلى أساسه الذي حدّه النبي إبراهيم (عليه السلام)، وهو الحزْوَرَة(171).
ويرد المقام إلى الموضع الذي كان فيه بجوار الكعبة(172).
كما ينادي مناديه أن يسلّم صاحب النافلة لصاحب الفريضة الحجر الأسود والطواف كما في الحديث الشريف(173).
فيفسح صاحب الطواف المستحب المجال لصاحب الطواف الواجب، ويتقدم ذلك لطوافه واستلام الحجر في سبيل راحة الطواف، وعدم الازدحام، وسهولة إنجاز مناسك الحج.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(170) بحار الأنوار 53: 11/ باب 25/ ح 1.
(171) الحزورة: اسم الموضع المعلوم بين الصفا والمروة، ويستفاد من بعض الأحاديث الشريفة أن الذي خطه النبي إبراهيم (عليه السلام) للمسجد الحرام هو ما بين الحزورة إلى المسعى، فلاحظ لذلك: الكافي 4: 527/ ح 10.
(172) الإرشاد: 383.
(173) الكافي 4: 427/ ح 1.
ثمّ بعد إنجازاته الموفّقة في مكّة المكرّمة ونصب والٍ من قبله هناك يتوجّه إلى مدينة جدّه الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم)(174).
المرحلة الثانية: المدينة المنورة:
للإمام المهدي (عليه السلام) شأن عظيم في المدينة المنورة، نشير إليه بحديث المفضّل الجعفي عن الإمام الصادق (عليه السلام) الذي يبيّن سرور المؤمنين، وخزي الكافرين، وأخذ الثأر من الظالمين، في مقامه (عليه السلام) هناك.
واعلم أنه قد جاء هذا الحديث مضافاً إلى البحار في كتاب الرجعة للأسترآبادي (ص 100) مسنداً عن الحسين بن حمدان، عن محمّد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسنيين، عن أبي شعيب محمّد بن نصير، عن عمر بن الفرات، عن محمّد بن المفضل، عن المفضل بن عمر.
وحكاه في هامشه عن حلية الأبرار (ج 2/ ص 652)، وإثبات الهداة (ج 3/ ص 523)، والإيقاظ من الهجعة (ص 286).
وذكر أيضاً في الهداية الكبرى للحضيني (ص 74) من النسخة المخطوطة.
وجاء ذكر قطعة منه في الصراط المستقيم (ص 257).
المرحلة الثالثة: الكوفة العاصمة:
بعد مُقام المدينة، يخرج الإمام المهدي (عليه السلام) إلى حرم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(174) بحار الأنوار 53: 11/ باب 25/ ح 1.
أمير المؤمنين (عليه السلام) الكوفة بعد أن يستعمل عليها رجلاً من أصحابه، كما في الحديث(175).
وفي حديث الإمام الباقر (عليه السلام):
(... ويسير نحو الكوفة، وينزل على سرير النبي سليمان (عليه السلام)، وبيمينه عصا موسى، وجليسه الروح الأمين، وعيسى بن مريم، متّشحاً ببرد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) متقلّدا بذي الفقار، ووجهه كدائرة القمر في ليالي كماله، يخرج من بين ثناياه نورٌ كالبرق الساطع، على رأسه تاجٌ من نور)(176).
وللكوفة يومئذٍ شأن عظيم ومجد كريم، حيث تكون عاصمة حكومته ودار خلافته ومركز شيعته. فيتجلى فيها السموّ والرفعة، وتصير مهد الحياة الزاهرة في دولة العترة الطاهرة، ببركة الإمام المهدي أرواحنا فداه.
ففي حديث المفضل: قلت: يا سيدي، فأين تكون دار المهدي ومجتمع المؤمنين؟ قال:
(دار ملكه الكوفة، ومجلس حكمه جامعها، وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة، وموضع خلواته الذكوات البيض من الغريّين).
قال المفضّل: يا مولاي كل المؤمنين يكونون بالكوفة؟
قال: (إي والله، لا يبقى مؤمن إلّا كان بها أو حواليها، وليبلغنّ مجالة فرس منها ألفي درهم...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(175) بحار الأنوار 52: 308/ ح 82.
(176) يوم الخلاص/ المترجم 1: 495.
ولتصيّرنّ الكوفة أربعة وخمسين ميلاً(177)، ويجاوزن قصورها كربلاء.
وليصيّرنّ الله كربلاء معقلاً ومقاماً تختلف فيه الملائكة والمؤمنون، وليكونن لها شأن من الشأن، وليكونن فيها من البركات ما لو وقف مؤمن ودعا ربه بدعوة لأعطاه الله بدعوته الواحدة مثل ملك الدنيا ألف مرّة)(178).
وفي الحديث العلوي الشريف:
(ثمّ يقبل إلى الكوفة، فيكون منزله بها. فلا يترك عبداً مسلماً إلّا اشتراه وأعتقه، ولا غارماً إلّا قضى دينه، ولا مظلمة لأحد من الناس إلّا ردّها، ولا يقتل منهم عبد إلّا أدى ثمنه دية مسلمة إلى أهله، ولا يقتل قتيل إلّا قضى عنه دينه، وألحق عياله في العطاء، حتّى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وعدواناً.
ويسكن هو وأهل بيت الرحبة، إنما كانت مسكن نوح وهي أرض طيبة ولا يسكن رجل من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) ولا يقتل إلّا بأرض طيبة زاكية، فهم الأوصياء الطيبون)(179).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(177) الميل يساوي (1860) متر، كما في الأوزان والمقادير: 132. وعليه يكون مقدار امتداد الكوفة آنذاك (54) ميل، ويساوي (100440) متر.
(178) بحار الأنوار 53: 11/ باب 25/ ح 1.
(179) تفسير العياشي 1: 66. والرحبة بضم الراء وسكون الحاء: موضع بالكوفة كما في مجمع البحرين، مادة رحب.
وأنه ليكثر فيها الخيرات والبركات حتّى تمطر السماء فيها ذهبا، كما تلاحظه في الحديث الصادقي:
(وتمطر السماء بها جراداً من ذهب)(180).
هذا، مضافاً إلى مرغوبية نفس الكوفة في حدّ ذاتها، كما تلاحظها في أحاديث فضلها وعظيم منزلتها(181).
وأنه يكون مسجدها أكبر مسجد في العالم، حتّى يبنى مسجدها الأعظم ويكون له ألف باب(182).
ولا بأس بالمناسبة بيان ما لهذا المسجد من فضل عظيم وشرف كبير:
1 - ففي حديث أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
(مسجد كوفان روضة من رياض الجنّة، صلى فيه ألف نبي وسبعون نبياً وميمنته رحمة، وميسرته مكرمة.
فيه عصا موسى، وشجرة يقطين، وخاتم سليمان، ومنه فار التنّور ونجرت السفينة، وهي صرة بابل(183) ومجمع الأنبياء)(184).
2 - وفي حديث الأصبغ بن نباتة، قال: بينا نحن ذات يوم حول أمير المؤمنين (عليه السلام) في مسجد الكوفة، إذ قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(180) بحار الأنوار 53: 34/ باب 25/ ح 1.
(181) بحار الأنوار 100: 396/ باب 6/ ح 33.
(182) بحار الأنوار 52: 330/ باب 27/ ح 76.
(183) في بيان البحار: صرة بابل: أشرف أجزاءها.
(184) بحار الأنوار 100: 389/ باب 6/ ح 13.
(يا أهل الكوفة! لقد حباكم الله (عزَّ وجلَّ) بما لم يحب به أحداً. ففضّل مصلاكم وهو بيت آدم، وبيت نوح، وبيت إدريس، ومصلى إبراهيم الخليل، ومصلى أخي الخضر (عليهم السلام)، ومصلاي.
وإن مسجدكم هذا أحد الأربع المساجد التي اختارها الله (عزَّ وجلَّ) لأهلها، وكأني به يوم القيامة في ثوبين أبيضين شبيه بالمحرم، يشفع لأهله ولمن صلى فيه، فلا ترد شفاعته، ولا تذهب الأيام حتّى ينصب الحجر الأسود فيه(185).
وليأتين عليه زمان يكون مصلى المهدي من ولدي، ومصلى كل مؤمن، ولا يبقى على الأرض مؤمن إلّا كان به أو حنَّ قلبه إليه.
فلا تهجرن، وتقربوا إلى الله (عزَّ وجلَّ) بالصلاة فيه، وارغبوا إليه في قضاء حوائجكم. فلو يعلم الناس ما فيه من البركة، لأتوه من أقطار الأرض ولو حبواً على الثلج)(186).
3 - وفي حديث عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم):
(يا ابن مسعود، لما أُسري بي إلى السماء الدنيا، أراني مسجد كوفان، فقلت: يا جبرئيل، ما هذا؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(185) في بيان البحار هنا: أن نصب الحجر الأسود في مسجد الكوفة كان في زمن القرامطة، حيث خرّبوا الكعبة المعظمة، ونقلوا الحجر الأسود إلى مسجد الكوفة، ثمّ ردّوه إلى موضعه، ونصبه الإمام القائم (عليه السلام) بحيث لم يعرفه الناس كما مرَّ ذكره في كتاب الغيبة.
(186) بحار الأنوار 100: 389/ باب 6/ ح 14.
قال: مسجد مبارك، كثير الخير، عظيم البركة. اختاره الله لأهله، وهو يشفع لهم يوم القيامة)(187).
4 - وفي حديث محمّد بن سنان، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول:
(الصلاة في مسجد الكوفة فرادى أفضل من سبعين صلاة في غير جماعة)(188).
5 - وفي حديث المفضل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
(صلاة في مسجد الكوفة تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد)(189).
وأما مسجد السهلة بالكوفة، فهو أيضاً من المساجد العظمى، ذات الفضيلة الكبرى:
1 - ففي حديث أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي:
(يا أبا محمّد، كأني أرى نزول القائم (عليه السلام) في مسجد السهلة بأهله وعياله).
قلت: يكون منزله جُعلت فداك؟
قال: (نعم، كان فيه منزل إدريس، وكان منزل إبراهيم خليل الرحمن، وما بعث الله نبياً إلّا وقد صلّى فيه، وفيه مسكن الخضر.
والمقيم فيه كالمقيم في فسطاط رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وما من مؤمن ولا مؤمنة إلّا وقلبه يحنّ إليه، وفيه صخرة فيها صورة كل نبي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(187) بحار الأنوار100: 394/ باب 6/ ح 27.
(188) بحار الأنوار 100: 397/ باب 6/ ح 34.
(189) بحار الأنوار 100: 397/ باب 6/ ح 36.
وما صلّى فيه أحد فدعا الله بنيّة صادقة إلّا صرفه الله بقضاء حاجته.
وما من أحد استجاره إلّا أجاره الله مما يخاف).
قلت: هذا لهو الفضل.
قال: (نزيدك؟).
قلت: نعم.
قال: (هو من البقاع التي أحبّ الله أن يدعى فيها، وما من يوم ولا ليلة إلّا والملائكة تزور هذا المسجد، يعبدون الله فيه. أما إني لو كنت بالقرب منكم ما صليت صلاة إلّا فيه.
يا أبا محمّد، وما لم أصف أكثر).
قلت: جُعلت فداك، لا يزال القائم فيه أبداً؟
قال: (نعم).
قلت: فمن بعده؟
قال: (هكذا من بعده إلى انقضاء الخلق)(190).
2 - وفي حديث العلاء، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):
(تصلي في المسجد الذي عندكم الذي تسمونه مسجد السهلة، ونحن نسميه مسجد الشرى؟).
قلت: إني لأُصلي فيه جُعلت فداك.
قال: (ائته، فإنه لم يأته مكروب إلّا فرّج الله كربته،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(190) بحار الأنوار 100: 436/ باب 7/ ح 7.
أو قال: قضى حاجته وفيه زبرجدة فيها صورة كل نبي وكل وصي)(191).
3 - وفي حديث الحضرمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أو عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: أيّ بقاع الله أفضل، بعد حرم الله جل وعز، وحرم رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟
فقال: (الكوفة يا أبا بكر. هي الزكية الطاهرة؛ فيها قبور النبيين المرسلين وغير المرسلين والأوصياء الصادقين.
وفيها مسجد سهيل الذي لم يبعث الله نبياً إلّا وقد صلّى فيه، ومنه يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمه والقوام من بعده، وهي منازل النبيين والأوصياء والصالحين)(192).
وفي هذا المسجد المبارك دعا الإمام الصادق (عليه السلام) لخلاص المرأة الصالحة في حديث بشار المكاري المعروف(193).
وفي هذا المسجد حصلت التشرفات الشريفة للأولياء والمؤمنين، وعباد الله الصالحين.
فبانتظار ذلك اليوم الزاهر، والعصر المشرق، والحياة الذهبية، مع المراقي المعنوية، تحت ظل الإمام المنتظر الحجة بن الحسن المهدي أرواحنا فداه، أمل المؤمنين.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(191) بحار الأنوار 100: 437/ باب 7/ ح 9.
(192) بحار الأنوار 100: 440/ باب 7/ ح 17.
(193) بحار الأنوار 47: 379/ باب 11/ ح 101.
هي دولة الله تعالى، ودولة أهل البيت (عليهم السلام)، والدولة الكريمة، والدولة الشريفة، ودولة الحق، كما جاءت تسميتها بها في الأحاديث المباركة.
ففي حديث الإمام الصادق (عليه السلام):
(فأين دولة الله؟ أما هو قائم واحد)(194).
وفي الحديث الآخر عنه (عليه السلام):
(ودولتنا في آخر الدهر تظهر)(195).
وفي دعاء الافتتاح الشريف كما في الحديث أيضاً:
(اللهم إنّا نرغب إليك في دولة كريمة)(196).
وفي الزيارة المباركة للإمام المهدي (عليه السلام):
(السلام عليك أيها المؤمل لإحياء الدولة الشريفة)(197).
وفي حديث توصيف أصحابه (عليه السلام):
(منتظرون لدولة الحق)(198).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(194) بحار الأنوار 51: 54/ باب 5/ ح 38.
(195) بحار الأنوار 51: 143/ باب 6/ ح 3.
(196) بحار الأنوار 91: 6/ باب 2/ ح 2.
(197) بحار الأنوار 102: 86/ باب 7/ ح 1.
(198) بحار الأنوار 52: 126/ باب 22/ ح 20.
وبدراستها تعرف أنها دولة السماء في الأرض، وأفضل دول العالم، منذ خلق الله تعالى آدم (عليه السلام).
في هذه الدولة يتبدل الخوف إلى الأمن، والفقر إلى الغنى، والحزن إلى السرور، والجحيم إلى النعيم، والظلم إلى العدل، والجهل إلى العلم، والفساد إلى الإصلاح، والضعف إلى القوة، والذبول إلى النضارة، ويكون فيها كل الخيرات، والخيرات كلها.
وما أجمل ما جاء من وصفها في الحديث:
(وفي أيام دولته تطيب الدنيا وأهلها)(199).
طيباً لا كدر فيه، وصلاحاً لا فساد فيه، وسعداً لا نحس فيه.
فهي الحرية بأنه يكون عصرها أفضل العصور، عصر النور، عصر العلم، عصر القدرة، عصر السعادة، عصر السلامة، عصر المعجزات، عصر الخير، وخير عصر.
وفي الحديث:
(يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً)(200).
كل ذلك ببركة دولة الإمام المهدي (عليه السلام) في قيادته الإلهية الحكمية. تلك القيادة التي يهيمن بها من عاصمته العصماء، على جميع الأماكن والأرجاء؛ هيمنةً تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته.
ففي حديث أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(إنه إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر، رفع الله تبارك وتعالى له كل منخفض من الأرض، وخفّض له كل مرتفع، حتّى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته، فأيكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها)(201).
وفي حديث آخر:
(ينصب له عمود من نور من الأرض إلى السماء فيرى فيه أعمال العباد، وأن له علوما مذخورة تحت بلاطة في أهرام مصر، لا يصل إليها أحد قبله)(202).
وفي الحديث الآخر:
(إن الدنيا تتمثل للإمام مثل فلقة الجوز، فلا يعزب عنه منها شيء، وإنه يتناولها من أطرافها كما يتناول أحدكم من فوق مائدته ما يشاء)(203).
وفي الحديث العلوي قال:
(قد أعطانا ربنا (عزَّ وجلَّ) علمنا للاسم الأعظم الذي لو شئنا خرقنا السماوات والأرض والجنّة والنار، ونعرج به إلى السماء ونهبط به الأرض ونغرّب ونشرّق، وننتهي به إلى العرش فنجلس(204) عليه بين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(201) بحار الأنوار 52: 328/ باب 27/ ح 46.
(202) كمال الدين: 565.
(203) الاختصاص: 217.
(204) لا يخفى أن هذا البيان كناية عن شدة قربهم المعنوي، وعظم منزلتهم عند الله تعالى. أو كناية عن إحاطتهم العلمية بأمور السماوات والأرضين بإفاضة الله تعالى لهم. أو بمعنى عظيم قدرتهم على الأمور بواسطة هذه المخلوقات وإطاعتها لهم.
يدي الله (عزَّ وجلَّ)، ويطيعنا كل شيء حتّى السماوات، والأرض، والشمس، والقمر، والنجوم، والجبال، والشجر، والدواب، والبحار، والجنّة، والنار؛ أعطانا الله ذلك كله بالاسم الأعظم الذي علمنا وخصنا به.
ومع هذا كله نأكل ونشرب ونمشي في الأسواق، ونعمل هذه الأشياء بأمر ربنا، ونحن عباد الله المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون)(205).
فقيادة هذه الدولة، يمدها رب الأرض والسماء بأفضل ما كان يمدّ به الأولياء في ولايتهم التكوينية وقدرتهم الربانية.
ولا شكّ أن الله تعالى قادر على كل شيء، وتنفذ قدرته في كل شيء.
وهب يسيراً من قدرته لسليمان بن داود (عليهما السلام)، فسخّر بها المخلوقات.
وأعطى حرفاً من اسمه الأعظم لآصف بن برخيا، فأتى بعرش بلقيس من سبأ بلمح البصر.
وستعرف من خلال الأحاديث الشريفة الآتية أن دولة الإمام المهدي (عليه السلام) الربانية العالمية أعظم وأعظم من دولة نبي الله سليمان (عليه السلام)، ومن ملك ذي القرنين.
فدولة النبي سليمان (عليه السلام) شملت فلسطين وبلاد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(205) بحار الأنوار 26: 7/ باب 13/ ح 1.
الشام، ولم تشمل مصر وأفريقيا، ولم تتجاوز إلى الهند والصين(206).
بينما دولة الإمام المهدي (عليه السلام) تشمل جميع مناطق العالم، بل تنفتح على العوالم الأخرى.
كما وأن مدّة دولة النبي سليمان (عليه السلام) كانت نحو نصف قرن فقط، ثمّ وقع الانحراف بعد وفاته، وتمزّقت الدولة، ووقعت المعركة بين مملكتي القدس ونابلس(207).
بينما دولة الإمام المهدي (عليه السلام) مستمرة إلى آخر الدنيا، ولا دولة بعدها أبداً.
وكذا ذو القرنين الذي آتاه الله الملك، وبلغ مطلع الشمس ومغربها من الأرض ولكن لم يتوصل إلى السماء.
بينما الإمام المهدي (عليه السلام) تُسخّر له السماوات والأرضون.
ففي حديث الإمام الباقر (عليه السلام):
(أما إن ذا القرنين قد خيّر بين السحابين فاختار الذلول، وذخر لصاحبكم الصعب).
قال: قلت: وما الصعب؟
قال (عليه السلام): (ما كان فيه رعد وصاعقة وبرق، فصاحبكم يركبه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما إنه سيركب السحاب، ويرقى في الأسباب، أسباب السماوات السبع والأرضين السبع)(208).
فالإمام المهدي (عليه السلام) منحه الله تعالى ما فوق ذلك، وخصّه بأعظم ما كان هنالك من الإعجازات الإلهية، والقدرات الربانية التي ما كان ولم يكن لها مثيل ونظير... متّعنا الله تعالى بدولته وأقرَّ عيوننا بطلعته.
وينبغي أن نشير إلى غيضٍ منن فيض ملامح تلك الدولة السامية في الصحائف التالية:
1 - نظام الدولة:
نظام دولة الإمام المهدي (عليه السلام) نظام فريد من نوعه، قمة في سموه، موفق في جميع المجالات، متقنٌ في كافة المهمات.
نظام يقوده إمام معصوم، لا زلل فيه ولا خطل، متصلٌ بربّ السماء، وملهم بإصلاح الآراء، يؤيده روح القدس والروح الأمين، ويرافقه ملائكة الله المقربين.
نظام لا مثيل له، بل هو خلافة الله في أرضه، وحكومة الله في خلقه، عظيمٌ كعظمة السماء، وثابت كثبات الأرض، في أتم التقدير وأكمل التدبير.
وذلك لأنه النظام الإلهي الأمثل، الذي نظّمه الله الحكيم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(208) بحار الأنوار 52: 321.
الذي أتقن كل شيء صنعه، وعرف ما يصلح خلقه، ورسمه له الله الخبير الذي أحاط بكل شيء علما، ونفذ في كل شيء قدرةً وحُكماً.
ويكفيك دليلاً على إتقان هذا النظام وصدوره من الله العلاّم، أحاديث ربّانيّة علم الإمام وبيان ما رسمه الله له من المهام، وروايات دولته، ونصوص الوصية الواصلة إليه من جدّه، مثل: حديث الإمام الصادق (عليه السلام) قال:
(إن الله (عزَّ وجلَّ) أنزل على نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلم) كتاباً قبل وفاته، فقال: يا محمّد! هذه وصيتك إلى النجبة من أهلك.
قال: وما النجبة يا جبرئيل؟
فقال: علي بن أبي طالب وولده (عليهم السلام)، وكان على الكتاب خواتيم من ذهب.
فدفعه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وأمره أن يفكَّ خاتماً منه ويعمل بما فيه.
ففكَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) خاتماً وعمل بما فيه.
ثمّ دفعه إلى ابنه الحسن (عليه السلام)، ففك خاتماً وعمل بما فيه.
ثمّ دفعه إلى الحسين (عليه السلام)، ففكّ خاتماً(209) فوجد فيه أن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(209) لعلَّ الخواتيم كانت متفرقة في مطاوي الكتاب، بحيث كلما نشرت طائفة من مطاويه انتهى النشر إلى خاتم يمنع من نشر ما بعدها من المطاوي إلّا أن يفضّ الخاتم كما في هامش الكافي.
اخرج بقوم إلى الشهادة، فلا شهادة لهم إلّا معك، واشْر نفسك (أي بعها) لله (عزَّ وجلَّ)، ففعل.
ثمّ دفعه إلى علي بن الحسين (عليه السلام)، ففك خاتماً فوجد فيه أن اطرق، واصمت والزم منزلك، واعبد ربك حتّى يأتيك اليقين، ففعل.
ثمّ دفعه إلى محمّد بن علي (عليه السلام) ففك خاتماً فوجد فيه: حدّث الناس وافتهم ولا تخافنّ إلّا الله (عزَّ وجلَّ)، فإنه لا سبيل لأحد عليك (ففعل).
ثمّ دفعه إلى ابنه جعفر، ففك خاتماً فوجد فيه: حدّث الناس وافتهم، وانشر علوم أهل بيتك، وصدّق آباءك الصالحين، ولا تخافن إلّا الله (عزَّ وجلَّ)، وأنت في حرز وأمان، ففعل.
ثمّ دفعه إلى ابنه موسى، وكذلك يدفعه موسى إلى الذي بعده. ثمّ كذلك إلى قيام المهدي صلى الله عليه)(210).
وأضاف في الحديث الرابع من الباب:
فقلت لأبي الحسن (عليه السلام): بأبي أنت وأُمّي، ألا تذكُر ما كان في الوصيّة؟
فقال: (سنن الله وسنن رسوله).
فقلت: أكان في الوصية توثبهم(211) وخلافهم على أمير المؤمنين (عليه السلام)؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(210) أصول الكافي 1: 280/ ح 2.
(211) التوثب هو الاستيلاء على الشيء ظلماً.
فقال: (نعم، والله شيئاً شيئاً وحرفاً حرفاً).
أما سمعت قول الله (عزَّ وجلَّ): (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ)(212)؟)(213).
وهذا كتاب دستوري كامل للإمام المعصوم في أعماله، وأقواله، وأفعاله، وسيرته وفي نظام دولته.
مضافاً إلى عمود النور الإلهي الذي به يسمع الإمام (عليه السلام) ويرى ما يحتاج إليه من أمور عوالمه، مما تلاحظه في أحاديثه مثل أحاديث البصائر:
1 - إسحاق الحريري،(214) قال كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فسمعته وهو يقول:
(إن لله عموداً من نور، حجبه الله عن جميع الخلائق. طرفه عند الله، وطرفه الآخر في أذن الإمام، فإذا أراد الله شيئاً أوحاه في أذن الإمام)(215).
2 - الحسن بن العبّاس بن جريش عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):
(... نور كهيأة العين على رأس النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأوصياء (عليهم السلام)، لا يريد أحد منّا علم أمر من أمر الأرض، أو أمر من أمر السماء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(212) يس: 12.
(213) أصول الكافي 1: 283/ ح 4.
(214) في البحار: الجريري.
(215) بصائر الدرجات: 439/ باب 12/ ح 1.
إلى الحجب التي بين الله وبين العرش، إلّا رفع طرفه إلى ذلك النور، فرأى تفسير الذي أراد فيه مكتوباً)(216).
3 - إسحاق القمي، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): جُعلت فداك، ما قدر الإمام؟
قال: (يسمع في بطن أمه، فإذا وصل إلى الأرض كان على منكبه الأيمن مكتوباً: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).(217)
ثمّ يبعث أيضاً له عموداً من نور تحت بطنان العرش إلى الأرض، يرى فيه أعمال الخلائق كلها.
ثمّ يتشعب له عمود آخر من عند الله إلى أذن الإمام كلّما احتاج إلى مزيد أفرغ فيه إفراغاً)(218).
وعليه فالقانون الأساسي والنظام الحكومي لدولة الإمام المهدي (عليه السلام)، قانون ونظام إلهي حكيم خالص، فيه أمور جميع أرجاء الكون ومجالات الحياة.
وقد عرفت من آيات البشائر المتقدمة أنه مبني على عظيم النعم والتمكن الأتم، حيث قال عزَّ اسمه: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ)(219)، والمنة هي النعمة العظيمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(216) بصائر الدرجات: 439/ باب 12/ ح 5.
(217) الأنعام: 115.
(218) بصائر الدرجات: 439/ باب 12/ ح 6.
(219) القصص: 5.
وقال عزَّ من قائل: (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ...)(220).
فتكون الحياة في دولته الشريفة هي الحياة الطيبة، حياة الجنّة، وعيشة السعادة، بنظام الله وتدبيره، وببركة قيادة الإمام المهدي (عليه السلام) الذي وجوده لطفٌ، وتصرفه لطف آخر.
ولا عجب في ذلك فإنّ أهل البيت (عليهم السلام) (مساكن بركة الله)، كما في الزيارة الجامعة، أي محل استقرار البركة التي هي كثرة النعمة والخير والكرم، وزيادة التشريف والكرامة، والنماء والسعادة.
وفي حديث الإمام الصادق (عليه السلام):
(نحن أهل بيت الرحمة، وبيت النعمة، وبيت البركة)(221).
بارك الله تعالى في كل ما يخصهم ويختص بهم، والشواهد ظاهرة باهرة.
2 - قضاء الدولة:
لا شكّ أن من أهم الأسس التي تفصل الحق عن الباطل، وتعيّن مصير الأمّة في سعادتها أو شقائها هي مسألة القضاء، والأحكام القضائية.
فهي التي إن حقّت سَعُدت الأمّة، وإن بطلت شقيت الأمّة، وآل أمرها إلى البوار والدمار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لذلك اهتمّ الشارع المقدّس جدّاً بقضاء العدل، وزجراً أكيداً عن قضاء الجور.
فإنه بالعدل قامت السماوات والأرض.
وفي الأحاديث الشريفة عن أمير المؤمنين (عليه السلام):
(العدل ميزان الله الذي وضعه في الخلق، ونصبه لإقامة الحق)(222).
(العدل يصلح الرعية)(223).
(ما عمّرت البلدان بمثل العدل)(224).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى:
(اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها)(225).
قال (عليه السلام): (العدل بعد الجور)(226).
وعن الإمام الرضا (عليه السلام):
(استعمال العدل والإحسان، مؤذنٌ بدوام النعمة)(227).
فبالقضاء العادل يصل كل ذي حقّ إلى حقّه.
وبالقضاء العادل يرتدع الظالم عن ظلمه.
وبالقضاء العادل يستساغ العيش، وتطيب الحياة، ويسعد الإنسان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(222) غرر الحكم 1: 222.
(223) غرر الحكم 1: 551.
(224) غرر الحكم 2: 741.
(225) الحديد: 17.
(226) بحار الأنوار 75: 353.
(227) بحار الأنوار 75: 26.
وقضاء دولة الإمام المهدي (عليه السلام)، قضاءٌ عادل حق، ومصيبٌ كبد الحقيقة. فإنه (عليه السلام) يقضي ويحكم بعلم الإمامة، وبما يلهمه الله تعالى، المطلع على الحقائق والضمائر، والواقف على جميع الأفعال في الظواهر والسرائر.
ومن الثابت أنه (عليه السلام) يقضي بعلمه الإلهي وتوسّمه الرباني، فيعطي كل نفس حقها من غير حاجة إلى انتظار شهادة الشهود أو وسائل الإثبات.
ومن الواضح في حكمة الحكم، أنه (عليه السلام) حيث يريد أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ويقضي على كل ظلم وجور، ويأخذ حق المظلوم من الظالم لا يتوقع منه، بل لا يناسبه أن ينتظر حتّى يرفع المظلوم إليه شكواه ويقدم له دعواه، أو يأتي الشهود ليشهدوا بحق مجحود.
ولعلَّ هناك من لا يستطيع إثبات حقه، أو يعجز عن ردّ ظالمه. بل من تمام الحكمة أن يحكم هو بما أراه الله تعالى بإلهامه، ونوّره بعلمه، ليطهر جميع البلاد من لوث الظلم والفساد.
قد أمدّه الله القدير بكفايته، وتولاّه برعايته، وأوضح له الحق الباهر كالصبح الزاهر.
بل أوضح ذلك ببركته (عليه السلام) لولاته، والقضاة المبعوثين من قبله أيضاً، كما يستفاد ذلك من الأحاديث المباركة.
ففي تفسير قوله تعالى: (إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ)(228)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(228) الحجر: 75.
المفسّر بأهل البيت (عليهم السلام)(229)، قد جاء في أحاديث تفسيره كيفية حكم الإمام المهدي (عليه السلام).
ففي حديث الإمام الصادق (عليه السلام):
(إذا قام قائم آل محمّد (عليه السلام)، حكم بين الناس بحكم داود، لا يحتاج إلى بيّنة، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه، ويخبر كلّ قوم ما استنبطوه، ويعرف وليّه من عدوّه بالتوسّم.
قال الله (عزَّ وجلَّ): (إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ))(230).
وفي حديثه الآخر:
(إذا قام القائم (عليه السلام)، لم يقم بين يديه أحد من خلق الرحمن إلّا عرفه، صالح هو أو(231) طالح، و(لأن)(232) فيه آية للمتوسمين، وهي السبيل(233) المقيم)(234).
وفي النهج الشريف:
(فيريكم كيف عدل السيرة، ويحي ميت الكتاب والسُنّة(235))(236).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(229) أصول الكافي 1: 218/ ح 1.
(230) كنز الدقائق 7: 150.
(231) في المصدر: (أم).
(232) من المصدر.
(233) في المصدر: (بسبيل).
(234) كنز الدقائق 7: 5.
(235) نهج البلاغة: الخطبة 138.
(236) منهاج البراعة 8: 346.
وفي الحديث الآخر:
(لا تذهب الدنيا حتّى يخرج رجلٌ منّي، يحكم بحكومة آل داود؛ لا يسأل عن بيّنة، يعطي كل نفس حكمها)(237).
وفي الحديث الآخر:
(وإنما سُمّي المهدي مهدياً لأنه يهدي إلى أمر خفيّ.
ويستخرج التوراة وسائر كتب الله (عزَّ وجلَّ) من غار بأنطاكية.
ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن.
وتجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض وظهرها.
فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدماء الحرام، وركبتم فيه ما حرّم الله (عزَّ وجلَّ).
فيعطي شيئاً لم يعطه أحدٌ كان قبله، ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً، كما ملئت ظلماً وجوراً وشراً)(238).
وفي الحديث الآخر:
(إذا قام القائم، بعث في أقاليم الأرض، في كل إقليم رجلاً يقول: عهدك في كفّك، فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه، فانظر إلى كفّك واعمل بما فيها)(239).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(237) بحار الأنوار 52: 320/ باب 27/ ح 22.
(238) غيبة النعماني: 243/ ح 26.
(239) غيبة النعماني: 319/ ح 8.
ولا يخفى أنه لا تخالف بين هذا القضاء وبين قضاء الإسلام، لأنه من القضاء بالعلم الذي هو من صميم الدين، ومن الحكم بالحق.
قال تعالى: (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ)(240).
فيكون قضاؤه (عليه السلام) على هدى سُنّة الله تعالى وسُنّة رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
لذلك أفاد في الجواهر بعد الاستدلال له بالكتاب والسُنّة:
(أن للإمام (عليه السلام) أن يقضي بعلمه مطلقاً، في حق الله، وحق الناس، بالإجماع. بل للقاضي ذلك في حق الناس قطعاً، وفي حق الله على الأصح، بل الإجماع)(241).
وقال أمين الإسلام الطبرسي:
(وإذا علم الإمام أو الحاكم أمراً من الأمور، فعليه أن يحكم بعلمه، ولا يسأل البيّنة، وليس في هذا نسخٌ للشريعة...
لأن النسخ هو ما تأخّر دليله على حكم المنسوخ ولم يكن مصاحباً له، وأما إذا اصطحب الدليلان، فلا يكون أحدهما ناسخاً لصاحبه...)(242).
ويوضح لنا ذلك حديث الإمام العسكري (عليه السلام):
(فإذا قام يقضي بين الناس بعلمه، كقضاء داود (عليه السلام))(243).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(240) ص: 26.
(241) الجواهر 40: 86.
(242) إعلام الورى: 477.
(243) بحار الأنوار 52: 320/ باب 27/ ح 25.
3 - ثقافةُ الدَولة:
من الواضح أن أسمى ازدهار أيّ دولة وأيّ أمّة، إنما يكون بثقافتها وعلمها، وأعظم الحضارات في المجتمعات، هي الحضارة العلمية. فبالعلم حياتها وقوّتها، وبالحكمة ازدهارها ورقيّها.
وهذه الحضارة العلمية، والكيان الثقافي، تبلغ القمة، وتصل إلى أعلى مرتبة في دولة الإمام المهدي (عليه السلام)، حتّى تكمل عقول العباد، ويُبلغ معالي السداد.
ففي الحديث الباقري (عليه السلام):
(إذا قام قائمنا، وضع يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم، وكملت بها أحلامهم)(244).
وفي الحديث الشريف الآخر:
(وتؤتون الحكمة في زمانه، حتّى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسُنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم))(245).
وما أعظمها من فضيلة وما أعلاها من مرتبة، إيتاء الحكمة، ثمّ عموم الحكمة حتّى إلى المخدرات في بيوتها.
وقد فسرت الحكمة في اللغة بأنها هي:
(العلم الذي يرفع الإنسان ويمنعه عن فعل القبيح)(246).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(244) بحار الأنوار 52: 328/ باب 27/ ح 47.
(245) غيبة النعماني: 239/ ح 30.
(246) مجمع البحرين: 511.
وعرفت في كلمات علمائنا بأنها هي:
(العلوم الحقيقية الإلهية)(247).
(وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً).
تلك الحكمة التي آتاها الله صفوة عباده الصالحين.
فقال عزَّ اسمه فيما اقتص عن أوليائه المقربين:
(فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ)(248).
(وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ)(249).
وقال تعالى عن النبي سليمان (عليه السلام):
(وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ)(250).
فتمتاز دولة الإمام المهدي (عليه السلام) على الصعيد الثقافي بمنح فضيلة الحكمة لجميع أفراد الأمّة.
والقرآن الكريم الذي هو مصدر النور والهدى، تعرفه الأمّة الإسلاميّة آنذاك حق المعرفة وبالمعرفة الحقّة.
ففي الحديث الشريف عن أمير المؤمنين (عليه السلام):
(كأني أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة، قد ضربوا الفساطيط، يعلّمون الناس القرآن كما أنزل)(251).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(247) الأنوار اللامعة: 77.
(248) النساء:54.
(249) لقمان: 12.
(250) ص: 34.
(251) غيبة النعماني: 318/ ح 3.
وفي ظلّ الإمام المهدي (عليه السلام) يستضيء المؤمنون بنور العلم الأكمل، ويعطون العرفان الأفضل.
ففي حديث الإمام الصادق (عليه السلام):
(العلم سبعة وعشرون حرفاً. فجميع ما جاءت به الرسل حرفان، فلم يعرف الناس حتّى اليوم غير الحرفين.
فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثّها في الناس، وضمَّ إليها الحرفين. حتّى يبثّها سبعة وعشرين حرفاً)(252).
وتعرف من هذا الحديث الشريف أن نسبة العلوم التي ظهرت للناس منذ زمن سيدنا آدم (عليه السلام) إلى الرسول الخاتم (صلّى الله عليه وآله وسلم) هي نسبة حرفين إلى سبعة وعشرين حرفاً بالرغم من كثرتها ووفُرتها، وتكامل البشر بها.
فما ظنّك بالخمسة والعشرين جزءً الباقية إلى تلك الدولة الزاكية.
وهذا أرقى مستوى علم يكون في دولته الكريمة، وقيادته الحكيمة.
ولا غرو في ذلك بعد تلك القابلية العقلية والكمال العقلي.
فيقذف ويلقي نور العلم في قلوب المؤمنين، كما تلاحظه في خطبة المخزون لأمير المؤمنين (عليه السلام) التي جاء فيها:
(ويسير الصديق الأكبر براية الهدى، والسيف ذي الفقار، والمخصرة(253) حتّى ينزل أرض الهجرة مرتين وهي الكوفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(252) بحار 52: 336/ باب 27/ ح 73.
(253) المخصرة: شيء كالسوط، وما يتوكأ عليه كالعصى.
فتستبشر الأرض بالعدل، وتعطي السماء قطرها، والشجر ثمرها، والأرض نباتها وتتزيّن لأهلها، وتأمن الوحوش حتّى ترتع في طريق الأرض كأنعامهم، ويُقذف في قلوب المؤمنين العلم فلا يحتاج مؤمن إلى ما عند أخيه من علم.
فيومئذٍ تأويل هذه الآية: (يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ)(254))(255).
ولا عجب في هذا القذف العلمي من أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم مظاهر القدرة الإلهية والكرامة الربانية، كما تلاحظ نظائره في موارده.
مثل القذف والإلقاء، في قضية زاذان أبو عمرو الفارسي في حديث سعد الخفاف، عن زاذان أبي عمرو، قال: قلت له: يا زاذان، إنك لتقرأ القرآن فتحسن قراءته؛ فعلى من قرأت؟
قال: فتبسّم ثمّ قال: إن أمير المؤمنين مرَّ بي وأنا أنشد الشعر، وكان لي خلق حسن، فأعجبه صوتي، فقال:
(يا زاذان؟ فهلاّ بالقرآن؟).
قلت: يا أمير المؤمنين، وكيف لي بالقرآن؟ فوالله ما أقرأ منه إلّا بقدر ما أُصلي به.
قال: (فادنُ منّي).
فدنوت منه، فتكلّم في أذني بكلام ما عرفته ولا علمت ما يقول.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثمّ قال: (افتح فاك، فتفل في فيَّ، فوالله ما زالت قدميّ من عنده حتّى حفظت القرآن بإعرابه وهمزه، وما احتجت أن أسأل عنه أحداً بعد موقفي ذلك).
قال سعد: فقصصت قصّة زاذان على أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (صدق زاذان؛ إن أمير المؤمنين (عليه السلام) دعا لزاذان بالاسم الأعظم الذي لا يرد)(256).
فالقرآن الكريم ومعالم أهل البيت (عليهم السلام) الطيبين تعمّان تلك الدولة الحقّة بالعلم والحكمة.
وتفتحان له الحياة العلمية الزاهرة، في ظلال سليل العترة الطاهرة الإمام المهدي (عليه السلام).
فإذا زها العلم وزال الجهل، واقترنت الحياة بهدى كلام الله وأهل البيت كانت السعادة العظمى في الآخرة والدنيا.
4 - اقتصاد الدولة:
لا شكّ أن من أهم العروق الحيوية للتعايش، هو الجانب الاقتصادي بجميع أنحائه، من التجارة، والصناعة، والمصادر المالية.
وهي بمعناها الصحيح، ومستواها الرفيع، ومحتواها الخالي عن المشاكل والمستجمع للفضائل، لا تكون إلّا في دولة الإمام المهدي (عليه السلام)، كما تُفصح عنها الأحاديث الشريفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(256) بحار الأنوار 41: 195/ باب 110/ ح 6.
ففي حديث أبي سعيد الخدري، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، قال:
(أبشركم بالمهدي يُبعث في أمّتي على اختلاف من الناس وزلزال، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض. يقسم المال صحاحاً).
فقال له رجل: ما صحاحاً؟
قال: (بالسوية بين الناس)، قال:
(ويملأ الله قلوب أمّة محمّد غنى ويسعهم عدله، حتّى يأمر منادياً، فينادي فيقول: من له في المال حاجة؟
فما يقوم من الناس إلّا رجل واحد فيقول: أنا.
فيقال له: ائت السادن (يعني الخازن) فقل له: إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالاً.
فيقول له: أحث. فيحثي، حتّى إذا جعله في حجره وأبرزه في حجره ندم، فيقول: كنت أجشع أمّة محمّد نفساً، أو عجز عنّي ما وسعهم، فيرده فلا يقبل منه.
فيقال له: إنّا لا نأخذ شيئاً أعطيناه).
وفي حديثه الآخر: (ويطاف بالمال في أهل الحواء (أي البيوت المجتمعة من الناس)، فلا يوجد أحد يقبله)(257).
وهذه الأحاديث الشريفة ترشدنا إلى أعظم غناءٍ اقتصادي رشيد في ذلك المجتمع البشري السعيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(257) عقد الدرر: 219.
غناءٌ في كلا الجانبين الدولة والأمّة.
ثراءٌ في الدولة بحيث تسع خزانتها لحاجات جميع الأمّة. وثراء في الأمّة بحيث لا يحتاج منهم أحدٌ إلى أموال الدولة.
وهذا لم يسبق له مثيل ونظير، في جميع الأزمنة والعصور.
5 - زراعة الدولة:
لا ريب في أن من أعظم أركان الحياة في كل ذي روح وحياة، هي أقواته ومآكله في غذائه ودوائه، في سفره وحضره، وفي صغره وكبره.
ومن المعلوم أنها لا تحصل إلّا من الحقل الزراعي والنماء الأرضي، الذي يشكّل أعظم جانبٍ من غذاء الإنسان ورخائه، إلى جانب مصادر ماله وثروته.
وهذا الحقل الحياتي إن تحسّن حسنت الحياة وطاب العيش، وإن تدهور - والعياذ بالله - ساءت الحياة وانكدر العيش، وعقّب القحط والشدة، وكانت ضحاياه الأرواح والأنفس.
والمستوى الأرقى لتحسّن الحقل الزراعي الطبيعي، لم يحصل بعد، ولم يكن إلّا في عهد دولة الإمام المهدي (عليه السلام) المباركة.
حيث تبلغ فيها بركات الأرض والسماء الغاية والنهاية، ويعيش الناس فيها العيش الرغيد والسعيد.
ويكفينا لمعرفة ذلك، مراجعة الأحاديث الشريفة الواردة في هذا المقام، مثل:
1 - حديث الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، قال:
(تنعم أمّتي في زمن المهدي نعمة لم يتنعموا مثلها قط؛ ترسل السماء عليهم مدراراً، ولا تدع الأرض شيئاً من نباتها إلّا أخرجته)(258).
2 - حديث أمير المؤمنين، قال:
(فيبعث المهدي (عليه السلام) إلى أمرائه بسائر الأمصار بالعدل بين الناس، ويذهب الشر ويبقى الخير، ويزرع الإنسان مدّاً يخرج له سبعمائة مدّ، كما قال الله تعالى: (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)(259))(260).
3 - حديث الأربعمائة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
(بنا يفتح الله، وبنا يختم الله، وبنا يمحو الله ما يشاء وبنا يثبت، وبنا يدفع الله الزمان الكلب، وبنا ينزل الغيث، فلا يغرنكم بالله الغرور.
ما أنزلت السماء قطرة من ماء منذ حبسه الله (عزَّ وجلَّ)، ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتّى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام، لا تضع قدميها إلّا على النبات، وعلى رأسها زبّيلها لا يهيجها سبع ولا تخافه)(261).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(258) عقد الدرر: 195.
(259) البقرة: 261.
(260) شرح إحقاق الحق 29: 441.
(261) الخصال: 626/ ح 400.
وهذه الروايات الشريفة تعطينا بوضوح بلوغ النماء الزراعي إلى أقصى قمته الزاهرة، في تلك الدولة المظفرة.
6 - حضارة الدولة:
من الواضح أن للدولة دوراً كبيراً وتأثيراً بالغاً في بناء الأمّة وصياغة المجتمع.
فإذا توصلت الدولة إلى الحضارة الصالحة، صلحت الأمّة وارتقى المجتمع إلى التمدن الصالح.
وقد عرفت أن دولة الإمام المهدي (عليه السلام) هي القمة: في نظامها، وقضائها، وثقافتها، واقتصادها وزراعتها...
فتكون هي الوحيدة التي تبلغ أرقى الحضارات وأقوى الإمكانيات التي لم يتوصل إليها تاريخ العالم.
حضارة مثلى، يمنحها رب السماوات العلى، ويرعاها بقية الله العظمى.
حضارة السماء في الأرض.
حضارة بريئة من كل شين ورين.
الحضارة التي كان يرضاها الله تعالى لأمّة الرسول، والتي نطقت بها الزهراء البتول (عليها السلام) في احتجاجها على نساء المهاجرين والأنصار، حيث قالت (عليها السلام):
(ما الذي نقموا من أبي الحسن، نقموا والله منه شدة وطأته ونكال وقعته...
وأيم الله لو تكافوا عن زمام نبذه إليه رسول الله لاعتقله، ثمّ سار بهم سيراً سجحاً، لا يكلم حشاشة، ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم منهلاً رويّاً، صافياً، فضفاضاً، تطفح ضفّتاه.
ثمّ لأصدرهم بطاناً بغمرة الشارب، وشبعة الساغب، ولتفتحت عليهم بركاتٌ من السماء والأرض.
ولكنهم بغوا فسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون)(262).
وفي خطبة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام):
(وأقسم الله لو أن الناس بايعوا أبي حين فارقهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها...)(263).
فتقدّم الحضارة في جميع مرافق الحياة في دولة صاحب الأمر (عليه السلام) هي المزية الخاصة بها، دون جميع الأدوار المارة على الكرة الأرضية.
هذا إلى جانب تفتّحهم على جميع مخلوقات الأرض كما في حديث الإمام الباقر (عليه السلام):
(كأني بأصحاب القائم وقد أحاطوا بما بين الخافقين، ليس شيء إلّا وهو مطيع لهم، حتّى سباع الأرض، وسباع الطير، تطلب رضاهم، وكل شيء. حتّى تفخر الأرض على الأرض وتقول: مرَّ بي اليوم رجلٌ من أصحاب القائم)(264).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(262) دلائل الإمامة: 39.
(263) بحار الأنوار 47: 26.
(264) بحار الأنوار 52: 327.
بل تفتحهم وتوصّلهم إلى طرق السماء كما تقدم في حديث الإمام الباقر (عليه السلام):
(... أما إنه سيركب السحاب، ويرقى في الأسباب، أسباب السماوات السبع والأرضين السبع)(265).
فما أسعدها من حياة طيبة، وحضارة سامية.
يعقبها سعادة الآخرة، ونعيم الجنّة.
7 - تكامل الدولة:
من المكارم الخاصة بدولة الإمام الحجة (عليه السلام) التكامل الأبهى في كلا المجالين الروحي والبدني.
فمضافاً إلى الكمال الروحي في ذلك العصر بالنفوس الزاكية والمعنويات الراقية، والشخصيات المتشبّعة بالعلم والحكمة.
كما في الحديث المتقدم عن الإمام الباقر (عليه السلام):
(إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم، وكملت بها أحلامهم)(266).
مضافاً إلى ذلك يتحقق التكامل العضوي، والسلامة البدنية، إلى أقصى حدّ وغاية.
بحيث ينالون أزهى الجمال، وأنور المثال، كما تلاحظه في الأحاديث المتظافرة عن العترة الطاهرة (عليهم السلام)، من ذلك:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(265) بحار الأنوار 52: 321.
(266) بحار الأنوار 52: 328/ باب 27/ ح 47.
1 - حديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في وصف الإمام المهدي (عليه السلام)، جاء فيه:
(يا أُبيُّ! طوبى لمن لقيه، وطوبى لمن أحبه، وطوبى لمن قال به. ينجيهم من الهلكة، وبالإقرار بالله وبرسوله وبجميع الأئمّة، يفتح الله لهم الجنّة، مثلهم في الأرض كمثل المسك الذي يسطع ريحه فلا يتغير أبداً، ومثلهم في السماء كمثل القمر المنير الذي لا يطفأ نوره أبداً)(267).
2 - حديث الإمام السجاد (عليه السلام)، قال:
(إذا قام قائمنا، أذهب الله (عزَّ وجلَّ) عن شيعتنا العاهة، وجعل قلوبهم كزبر الحديد، وجعل قوة الرجل منهم قوة أربعين رجلاً، ويكونون حكام الأرض وسنامها)(268).
3 - حديث الإمام الباقر (عليه السلام):
(فإذا وقع أمرنا وجاء مهديّنا، كان الرجل من شيعتنا أجرأ من ليث وأمضى من سنان، يطأ عدوَّنا برجليه ويضربه بكفيه، وذلك عند نزول رحمة الله وفرجه على العباد)(269).
4 - حديث الإمام الصادق (عليه السلام):
(إن قائمنا إذا قام، مد الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(267) بحار الأنوار 52: 31/ باب 27/ ح 4.
(268) بحار الأنوار 52: 317/ باب 27/ ح 12.
(269) بحار الأنوار 52: 318/ باب 27/ ح 17.
حتّى (لا) يكون بينهم وبين القائم بريد(270)؛ يكلمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه)(271).
5 - حديث الإمام الباقر (عليه السلام):
(... ولا يبقى على وجه الأرض أعمى، ولا مقعد، ولا مبتلى، إلّا كشف الله عنه بلاءه بنا أهل البيت.
ولتنزلن البركة من السماء إلى الأرض، حتّى أن الشجرة لتقصف مما يزيد الله فيه من الثمرة، ولتؤكل ثمرة الشتاء في الصيف وثمرة الصيف في الشتاء.
وذلك قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(272))(273).
هذه جوانب موجزة من شؤون دولة الإمام المهدي (عليه السلام) التي تعم خيرها جميع البلاد والعباد، ويسود أمنها جميع البقاع والأصقاع، ولا يدركها ذو عاهة إلّا برئ ولا ذو ضعف إلّا قوى، ويظهر فيها أرقى العمران، وتتجلى فيها كرامة الإنسان.
كرامة لا يرافقها مشكلة، ولا ينغصها معضلة.
كرامة تدعمها المعنويات، وتساندها أسمى الدرجات.
كرامة في رفاه كامل، وعيش فاضل، وعمر مديد، وفكر سديد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(270) البريد: أربعة فراسخ.
(271) بحار الأنوار 52: 336/ باب 27/ ح 72.
(272) الأعراف: 96.
(273) مختصر بصائر الدرجات: 51.
8 - حياة الدولة:
من مختصات دولة الإمام المهدي (عليه السلام) المظفّرة أنها آخر الدول، وباقية الدول إلى آخر الدنيا.
فيردف الله تعالى مع الكرم كرماً ومع الفضل فضلاً، فتدوم هذه الدولة الكريمة بالرجعة العظيمة رجعة أهل البيت (عليهم السلام) إلى الدنيا، وتبقى إلى مئات السنين وآلاف السنوات، وإلى ما قدّر الله تعالى في الدنيا من الحياة.
ففي الحديث القدسي الشريف:
(ولأملكنه مشارق الأرض ومغاربها، ولأسخرن له الرياح، ولأذللن له الرقاب الصعاب، ولأرقينه في الأسباب، ولأنصرنه بجندي، ولأمدنه بملائكتي حتّى يعلن دعوتي، ويجمع الخلق على توحيدي. ثمّ لأديمن ملكه ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة)(274).
فدوام ملكه وبقاء دولته يكون إلى يوم القيامة بوجوده أوّلاً، ثمّ بالأئمة الطاهرين (عليهم السلام) الراجعين إلى الدنيا من بعده.
وهنا سؤالٌ يُطرح كثيراً وهو أنه كم يملك وكم سنة يحكم الإمام المهدي (عليه السلام) في دولته؟
الجواب: أن الأحاديث الواردة في المقام مختلفة.
فبعضها تحدّد مدّة حكومته (عليه السلام) بسبع سنين، وبعضها بتسع عشرة سنة وأشهراً، وبعضها بسبعين سنة(275).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(274) كمال الدين: 254/ باب 23/ ح 4.
(275) راجع: غيبة النعماني: 232/ باب 26.
وقال الشيخ المفيد أعلى الله مقامه: (قد روي أن مدّة دولة القائم (عليه السلام) تسع عشرة سنة، يطول أيامها وشهورها)(276).
لكن اختار السيد الأصفهاني القول بأن ملكه (عليه السلام) 309 سنة، استناداً إلى حديث الفضل بن شاذان أنه قال: حدّثنا عبد الرحمن بن أبي نجران، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال:
(يملك المهدي ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أهل الكهف في كهفهم...)(277).
ثمّ أنه ترتعش الأنامل، وتفيض عيناي الدموع، لهول المصاب ومحنة الاكتئاب حين أنقل حديث الإمام الصادق (عليه السلام) أنه: إذا جاء الحجة الموت يكون الذي يغسّله، ويكفّنه، ويحنّطه، ويلحّده في حفرته الحسين بن علي (عليهما السلام)، ولا يلي الوصيّ إلّا الوصي(278)، فسلام عليه يوم ولد إلى يوم يبعث حيّاً.
وفي حديث الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) أنه قال:
(لقد حدّثني حبيبي جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أن الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من أهل بيته وصفوته، ما منّا إلّا مقتول، أو مسموم)(279).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(276) الإرشاد 2: 386، ولا يخفى أنه نقل قبل هذا الحديث ما رواه عبد الكريم الخثعمي عن الإمام الصادق (عليه السلام): قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) كم يملك القائم (عليه السلام)؟ قال: (سبع سنين).
(277) مختصر كفاية المهتدي: 236.
(278) بحار الأنوار 53: 94/ باب 29/ ح 103.
(279) بحار الأنوار 27: 217/ باب 9/ ح 19.
فصلوات الله عليهم أجمعين، ولعن الله ظالميهم وقاتليهم إلى يوم الدين.
نعم.. يصاب الناس بإمامهم (عليه السلام) لكن تدوم دولته الحقة إلى يوم القيامة، يؤمّها بقية العترة الطاهرة في رجعتهم الزاهرة، التي ثبتت بالأدلة القطعية، كما حررناها في كتابنا (محاضرات في الرجعة).
ونذكر هنا حديثاً واحداً في الختام، مسكاً نتبرك به، وكرامةً نأملها في رجعة المعصومين (عليهم السلام) ورجوع سيد الشهداء الحسين (عليه السلام).
وهو ما رواه الشيخ الجليل الحسن بن سليمان الحلي - تلميذ الشهيد الأوّل - في كتابه، قال:
رويت عن جعفر بن محمّد، عن الحسين بن محمّد بن عامر، عن المعلى بن محمّد البصري، قال: حدّثني أبو الفضل، عن ابن صدقة، عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):
(كأني والله بالملائكة قد زاحموا المؤمنين على قبر الحسين (عليه السلام)).
قال: قلت: فيتراؤون لهم؟
قال: (هيهاتَ هيهات، لزماء والله المؤمنين، حتّى أنهم ليمسحون وجوههم بأيديهم).
قال: (وينزل الله على زوار الحسين (عليه السلام) غدوة وعشية من طعام الجنّة، وخدامهم الملائكة.
ولا يسأل الله عبد حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلّا أعطاه إيّاها).
قال: قلت: هذه والله الكرامة.
قال المفضل: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): (أزيدك؟).
قلت: نعم يا سيدي.
قال: (كأني بسرير من نور قد وضع، وقد ضربت عليه قبة من ياقوتة حمراء مكللة بالجوهر.
وكأني بالحسين (عليه السلام) جالساً على ذلك السرير وحوله تسعون ألف قبة خضراء، وكأني بالمؤمنين يزورونه ويسلّمون عليه، فيقول الله (عزَّ وجلَّ) لهم:
أوليائي سلوني، فطال ما أوذيتم وذللتم واضطهدتم، فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلّا قضيتها لكم.
فيكون أكلهم وشربهم من الجنّة. فهذه والله الكرامة التي لا يشبهها شيء)(280).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وسلام على محمّد وآله الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(280) مختصر بصائر الدرجات: 193.
القرآن الكريم.
الاختصاص: الشيخ المفيد/ ت عليّ أكبر غفاري/ جماعة المدرسين/ قم.
إعلام الورى: الطبرسي/ مؤسسة آل البيت/ قم/ الطبعة الأولى 1417هـ.
الإرشاد: الشيخ المفيد/ مؤسسة آل البيت لإحياء التراث/ قم.
أصول الكافي: الكليني/ دار الكتب الإسلامية/ طهران ط 3/ 1388هـ.
إلزام الناصب: الشيخ علي اليزدي الحائري.
الإمام المهدي من المهد إلى الظهور: السيد محمد كاظم القزويني/ ط 1/ مؤسسة الوفاء/ قم.
بحار الأنوار: المجلسي/ مؤسسة الوفاء/ بيروت/ 1403 هـ.
بشارة الإسلام: السيد مصطفى الكاظمي.
بصائر الدرجات: محمّد بن الحسن الصفار/ ط 1404/ مط أحمدي/ طهران.
تفسير العياشي: العياشي/ المكتبة العلمية الإسلامية/ طهران/ 1380هـ.
جواهر الكلام: الشيخ محمد حسن النجفي/ دار الكتب الإسلامية/ طهران/ ط3/ 1362هـ.
الخصال: الشيخ الصدوق/ ت عليّ أكبر الغفاري/ جماعة المدرسين/ قم.
دلائل الإمامة: الطبري (الشيعي)/ مؤسسة البعثة/ قم/ 1413 هـ.
عصر الظهور: علي الكوراني/ مكتب الإعلام الإسلامي/ ط 1.
عقد الدرر في أخبار المنتظر: يوسف بن يحيى المقدسي الشافعي/ ت عبد الفتاح الحلو/ ط 1/ 1416هـ/ مط أسوة.
الغيبة: الطوسي/ مؤسسة المعارف الإسلامية/ ط 1 المحققة/ 1411هـ.
الغيبة: النعماني/ مكتبة الصدوق/ طهران.
كمال الدين: الصدوق/ مؤسسة النشر الإسلامي/ قم/ 1405هـ.
مختصر بصائر الدرجات: الشيخ حسن بن سليمان الحلي/ المطبعة الحيدرية في النجف/ ط 1/ 1370 هـ.
مفاتيح الجنان/ الشيخ عباس القمي/ الطبعة الأولى/ قم/ 1421 هـ.
مجمع البحرين: فخر الدين الطريحي.
المصباح: الكفعمي/ مؤسسة الأعلمي/ بيروت/ الطبعة الثالثة/ 1403 هـ.
الملاحم والفتن: ابن طاووس/ مؤسسة صاحب الأمر/ قم/ ط1/ 1416 هـ.
منتخب الأثر: لطف الله الصافي الكلبايكاني/ نشر مكتب المؤلف/ الطبعة الأولى/ 1422 هـ.
نهج البلاغة: خطب الإمام عليّ (عليه السلام)/ ت محمّد عبده/ الناشر دار المعرفة/ بيروت.
وسائل الشيعة: الحر العاملي/ مؤسسة آل البيت لإحياء التراث/ قم/ الطبعة الثانية - 1414هـ.
* * *