المهدي المنتظر من ولد الإمام الحسن أم الإمام الحسين (صلوات الله عليهم جميعاً)

المهدي المنتظر من ولد الإمام الحسن أم الإمام الحسين (صلوات الله عليهم جميعاً)

رسالة علمية كتبها الشيخ مهدي حمد الفتلاوي جواباً على سؤال الأستاذ أحمد عثمان أبو المحد من القاهرة

تأليف: مهدي حمد الفتلاوي
الناشر: دار المحجة البيضاء

موضوعات الرسالة

كلمة الناشر

الإهداء
المقدمة
من هو المهدي المنتظر؟
هل المهدي هو محمد بن عبد الله الحسني؟
هل المهدي هو محمد بن عبد الله العباسي؟
مع الرأي القائل: إن المهدي المنتظر من ولد الإمام الحسن
مع الرأي القائل: إن المهدي من ولد الإمام الحسين (عليه السلام)
الدليل الأول: التصريحات النبوية
الدليل الثاني: شهادة أئمة أهل البيت (عليهم السلام)
الدليل الثالث: شهادة المؤرّخين
الدليل الرابع: شهادة الواقع التاريخي
الصورة التاريخية الأولى:
الصورة التاريخية الثانية:
الدليل الخامس: شهادة علماء أهل السنة
الدليل السادس: شهادة علماء الإمامية
سؤال وجيه:
الجواب:
إشكال وجواب:
مصادر الرسالة

هذه الرسالة

إن أهم ما تتميز به هذه الرسالة، هو اعتمادها المنهج العلمي الأكاديمي، والأسلوب السهل الممتنع، في طريقة البحث والتوثيق والاستدلال، فقدمت نصوصا نبوية مستفيضة، مع وثائق تاريخية دامغة، وأدلة فكرية رصينة، وعقلية حاسمة، تثبت نسب الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، إلى جده الإمام الحسين، صلوات الله وسلامه عليهما وعلى أهل البيت أجمعين.

(الناشر)

الإهداء

إلى الباحثين عن الحقيقة الضائعة، في خضمّ الخلافات التاريخية المذهبية، وبين سطور الأقلام المتعصبة والمأجورة... ﴿اَلَّذِينَ اِجْتَنَبُوا اَلطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وأَنَابُوا إِلَى اَللهِ لَهُمُ اَلْبُشْرى، فَبَشِّرْ عِبَادِ، اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ اَلْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، أُولَئِكَ اَلَّذِينَ هَدَاهُمُ اَللهُ وأُولَئِكَ هُمْ أُولُوا اَلْأَلْبَابِ﴾. (الزمر 17 - 18)
﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدىَ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾. (الملك 22)
نعم إلى هؤلاء جميعا، طلاب الحق وعشاق الحقيقة، أهدي هذه الرسالة المتواضعة...

المؤلف

المقدمة

بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأحب المرسلين، محمد وآله الطاهرين، وصحبه المخلصين.
من عظيم سرورنا، أن نشاهد في مجتمعاتنا المعاصرة أبناء الأمة الإسلامية، وخاصة الجامعيين والمثقفين منهم، وهم يسألون ويناقشون ويكتبون ويحاورون في أمور دينهم، بحثا عن قيمهم ومبادئهم الإسلامية الأصيلة، بهدف الوصول إلى الحقيقة لمعرفة طريق الهدى من طريق الضلال.
وإنه من دواعي الفخر والاعتزاز، أن أتصدى للإجابة على سؤال تلقيته من أخينا الأستاذ أحمد أبي المجد من جمهورية مصر العربية، يسأل فيه عن نسب الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، هل هو من ذرية الإمام الحسن، أم من ذرية الإمام الحسين؟ متوخيا أن تكون الإجابة على ضوء الأدلة العلمية الرصينة الدامغة، التي تخرس ألسنة أهل الارتياب، وتغلق جميع منافذ الشك، لتكون منار هدى لكل من يهمه معرفة الحق والصواب من مصادره الأصيلة، المعترف بها شرعا وعقلا وعرفا.
وها أنا أتوكل على الله تعالى لموافاته بالجواب، ولكنني سلفا أستميحه عذرا، لعدم إمكانية التوسع في البحث، نظرا لتراكم المسؤوليات وكثرة المشاغل ولذا سوف أقتصر في الإجابة على موضوع السؤال فقط، وهو: هل الإمام المهدي المنتظر من أبناء الإمام الحسن، أم من أبناء الإمام الحسين؟
صلوات الله وسلامه الكامل التام، على جدهم المصطفى خاتم المرسلين، وعلى أهل بيته المطهرين وصحبه المخلصين أجمعين.

مهدي حمد الفتلاوي
10/محرم/1421 هجرية
15/نيسان/2000 ميلادية
لبنان - بيروت

من هو المهدي المنتظر؟
لا شك أن الطامعين في الزعامة والمتآمرين على مركز الخلافة النبوية كان لهم دور خطير وكبير في تجهيل الأمة بهوية الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام).
وقد بدأت المؤامرة على العقيدة بالإمام المنتظر تاريخيا في عصر الخلافة الأموية في محاولة من معاوية نفسه، لتطبيق فكرة المهدي على عيسى بن مريم (عليه السلام) لقتلها في الفكر الإسلامي، والقضاء على جذوتها الإيمانية وفاعليتها الرسالية والجهادية في المجتمع الإسلامي. فقال لجماعة من بني هاشم: «زعمتم أن لكم ملكا هاشميا ومهديا قائما، والمهدي عيسى بن مريم، وهذا الأمر في أيدينا حتى نسلمه له»!!
وواضح من هذا الحوار، أن معاوية يريد أن يقضي على فكرة القائد المنتظر في الإسلام، ويجعلها من خصائص الديانة المسيحية، ومع ذلك يحاول تسخيرها لصالح الخلافة الأموية، ليبعد أهل البيت (عليهم السلام) عن الخلافة آملا أن تبقى في بني أمية، حتى يسلموها لعيسى بن مريم (عليه السلام).
وكان ابن عباس، من جملة الحاضرين من بني هاشم في هذا الحوار، فلم يسكت أمام معاوية الذي يسعى لتحريف الأحاديث النبوية، ويتلاعب بعقائد الإسلام ومفاهيمه، لصالح السياسة الأموية الظالمة، فقال له:
«اسمع يا معاوية، أما قولك إنا زعمنا أن لنا ملكا مهديا، فالزعم في كتاب الله شك، قال الله سبحانه وتعالى ﴿زَعَمَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى ورَبِّي لَتُبْعَثُنَّ﴾ (التغابن: 7)، أما قولك: إن لنا ملكا هاشميا، ومهديا قائما، فكل يشهد أن لنا ملكا ومهديا قائما، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لملّكه الله فيه، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، أما قولك أن المهدي عيسى بن مريم، فإنما ينزل عيسى لقتال الدجال، والمهدي رجل منا أهل البيت يصلي عيسى خلفه»(1).
ومن هذه المواجهة بين معاوية وابن عباس، نعلم أن الأحاديث التي طبقت فكرة المهدي على عيسى بن مريم (عليه السلام) هي جزء من حلقات المؤامرة السياسية على العقيدة بالمهدي المنتظر (عليه السلام) من قبل بني أمية.
فالأمويون ساهموا في محاولة طمس الهوية الحقيقية للمهدي كما تؤكد الوثائق التاريخية، وتعتبر الأحاديث الموضوعة من قبلهم شاهد صدق على كبر جريمتهم هذه، فهم أول من شارك في التشكيك بأصالة هذه العقيدة في الإسلام والتآمر عليها، ومن موضوعاتهم بهذا الصدد، ما روي عن عبد الله ابن الحارث قال: قلت لمحمد بن الحنفية: من المهدي؟ قال: «إنه إذا كان فإنه من ولد عبد شمس»(2).
وكذلك ما رووه عن ابن عباس أنه قال: «مهديّان من بني عبد شمس أحدهما عمر الأشج»(3).
وقد أثبت علماء الجرح والتعديل عدم صحة هذه الروايات، كما أثبتوا بأنها من موضوعات الأمويين على محمد بن الحنفية وابن عباس رحمهما الله تعالى، بدليل وجود عدد من المتهمين والمجهولين في رواتها، ومن أراد التأكد من ذلك فليراجع مصادرها وأسانيدها.
هل المهدي هو محمد بن عبد الله الحسني؟
ولنترك الإجابة على هذا السؤال للتاريخ، فما هو ثابت في الوثائق التاريخية أن الحسنيين تحركوا للإطاحة بالدولة الأموية، وتحالفوا مع بني العباس على هذا الأمر، ونصبوا ولدهم محمد بن عبد الله قائدا لثورتهم وزعيما عليهم، وأشاعوا بين الناس بأنه هو المهدي المبشّر به في الأحاديث النبوية، ودعوا الناس إلى بيعته.
وقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني في كتابه «مقاتل الطالبيين» ادعاء الحسنيين المهدية لولدهم محمد بن عبد الله الحسني، مؤكد بطلانها من طرق معتبرة، وبأسانيد متعددة، نذكر منها ما رواه بسند متصل عن عبد الأعلى بن أعين، وبسند أخر عن محمد بن أبي الكرّام، وبسند ثالث عن عيسى بن عبد الله، حفيد عمر بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقد روي عن هؤلاء جميعا أنهم قالوا:
«إن جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء وفيهم إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وأبو جعفر المنصور، وصالح بن علي، عبد الله بن الحسن وابناه محمد وإبراهيم، ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فقال صالح بن علي:
قد علمتم أنكم الذين تمد الناس أعينهم إليهم، وقد جمعكم الله في هذا الموضع فاعقدوا بيعة لرجل منكم تعطونه إياها من أنفسكم، وتواثقوا على ذلك، حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين.
فحمد الله عبد الله بن الحسن وأثنى عليه ثم قال: قد علمتم أن ابني هذا هو المهدي فهلموا فلنبايعه.
وقال أبو جعفر [المنصور]: لأي شيء تخدعون أنفسكم، ووالله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أطول أعناقا ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى - يريد به محمد بن عبد الله بن الحسن -.
قالوا: والله لقد صدقت إن هذا لهو الذي نعلم.
فبايعوا جميعا محمدا ومسحوا على يده.
قال عيسى: وجاء رسول عبد الله بن الحسن إلى أبي: أن ائتنا فإننا مجتمعون لأمر، وأرسل بذلك إلى جعفر بن محمد [الصادق].
هكذا قال عيسى وقال غيره: قال لهم عبد الله بن الحسن: لا نريد جعفرا لئلا يفسد عليكم أمركم.
قال عيسى: فأرسلني أبي أنظر ما اجتمعوا عليه، وأرسل جعفر بن محمد [الصادق] محمد بن عبد الله الأرقط بن علي بن الحسين، فجئناهم فإذا بمحمد بن عبد الله يصلي على طنفسة رجل مثنية.
فقلت: أرسلني أبي إليكم لأسألكم لأي شيء اجتمعتم؟ فقال عبد الله: اجتمعنا لنبايع المهدي ابن عبد الله.
قالوا: وجاء جعفر بن محمد [الصادق] فأوسع له عبد الله بن الحسن إلى جنبه، فتكلم بمثل كلامه فقال جعفر [الصادق]: «لا تفعلوا فإن هذا الأمر لم يأت بعد، إن كنت ترى - يعني عبد الله - أن ابنك هذا هو المهدي، فليس به ولا هذا أوانه، وإن كنت إنما تريد أن تخرجه غضبا لله، وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فإنا والله لا ندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك».
فغضب عبد الله وقال: علمت خلاف ما تقول ووالله ما أطلعك الله على غيبه، ولكن يحملك على هذا الحسد لابني.
فقال [جعفر الصادق]: «والله ما ذاك يحملني ولكن هذا واخوته وأبناؤهم دونكم، وضرب بيده على ظهر أبي العباس، ثم ضرب بيده على كتف عبد الله بن الحسن، وقال: إنها والله ما هي إليك، ولا إلى ابنيك، ولكنها لهم وإن ابنيك لمقتولان».
ثم نهض وتوكأ على يد عبد العزيز بن عمران فقال (عليه السلام): «أرأيت صاحب الرداء الأصفر؟ - يعني أبا جعفر [المنصور] - قال: قلت نعم، قال: فإنا والله نجده يقتله. قال له عبد العزيز: أيقتل محمدا؟ قال [الصادق]: نعم».
قال: فقلت في نفسي حسده ورب الكعبة. قال:
ثم والله ما خرجت من الدنيا حتى رأيته قتلهما.
قال: فلما قال جعفر [الصادق] ذلك، انفضّ القوم فافترقوا ولم يجتمعوا بعدها، وتبعه عبد الصمد وأبو جعفر [المنصور] فقالا: يا أبا عبد الله أتقول هذا؟ قال: «نعم أقوله والله وأعلمه»(4).
وفي رواية العابدي يقول: كان جعفر بن محمد [الصادق] إذا رأى محمد بن عبد الله بن الحسن اغر ورقت عيناه بالدموع، ثم يقول: «بنفسي هو، إنّ النّاس ليقولون فيه إنّه المهديّ، وإنّه لمقتول، ليس هذا - في كتاب أبيه: عليّ - من خلفاء هذه الأمّة»(5).
وفي رواية كان الإمام الصادق (عليه السلام) يقول لعبد الله بن الحسن والد محمد الذي لقّبوه بالمهدي: «ما هي إليك ولا إلى ابنك، وإنما هي لهذا - يعني السفّاح - ثم لهذا - يعني المنصور - يقتله على أحجار الزيت»(6).
وقد صادق الواقع التاريخي على كلمة الإمام الصادق (عليه السلام)، التي أخرجها للأمة من كتاب جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكان هذا الكتاب بإملاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليه، وهذا ما حصل فعلا، حيث لم يصل الحسنيون إلى الخلافة، وراح ولدهم محمد بن عبد الله ضحية المهدية المزعومة، تماما كما أخبر الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام).
هل المهدي هو محمد بن عبد الله العباسي؟
ذكر المؤرخون أن العباسيين بادروا لتجميع أنصارهم سرا، وسرقوا مخطط الثورة من الحسنيين، وتمكنوا فيما بعد من إعلان ثورتهم على الأمويين من بلاد خراسان، واستطاعوا إسقاط الدولة الأموية، واستلام الخلافة من بعدهم، ومن ثم القضاء على جميع معارضيهم بما فيهم الحسنيين حلفاؤهم بالأمس.
وقد شهدت العقيدة بالمهدي المنتظر في الأمة، قمة عمليات الوضع والتلاعب بأحاديثها النبوية، والتآمر على مبادئها وأصولها العقيدية، على يد خلفاء بني العباس، وبالأخص خليفتهم الثاني عبد الله العباسي، الملقب بأبي جعفر المنصور الدوانيقي، وهو الذي نصّب ولده محمد بن عبد الله خليفة للمسلمين من بعده، وحمل الأمة قسرا على مبايعته بالخلافة قبل وفاته، وأطلق عليه لقب المهدي، مدعيا أنه هو الخليفة المنتظر، المبشر به في الأحاديث النبوية، والذي يملأ الأرض قسطا وعدلا. ومما ذكره المؤرخ الشهير أبو الفرج الأصفهاني في كتابه «الأغاني» بهذا الصدد قوله:
لما أراد المنصور البيعة للمهدي، وكان ابنه جعفر يعترض عليه في ذلك، فأمر بإحضار الناس فحضروا، وقامت الخطباء فتكلموا، وقالت الشعراء فأكثرت في وصف المهدي وفضائله، وفيهم مطيع بن إياس، فلما فرغ الخطباء من كلامهم والشعراء من شعرهم قال للمنصور: يا أمير المؤمنين، حدثنا فلان عن فلان أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «المهدي منا، محمد بن عبد الله، وأمه من غيرنا، يملأها عدلا كما ملئت جورا». وهذا العباس بن محمد أخوك يشهد على ذلك.
ثم أقبل على العباس فقال له: أنشدك الله، هل سمعت هذا؟ فقال:
نعم، مخافة من المنصور! فأمر المنصور الناس بالبيعة للمهدي.
ولما انفضّ المجلس وكان العباس بن محمد لم يأنس به قال: أرأيتم هذا الزنديق - يعني: مطيع بن إياس - إذ كذب على الله عز وجل وعلى رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، حتى استشهدني على كذبه، فشهدت له خوفا، وشهد كل من حضر عليّ بأني كاذب.
وكان جعفر بن أبي جعفر المنصور ماجنا، ومع ذلك فلما بلغه هذا القول عن مطيع بن إياس وكذبه على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث المهدي، غاضه ذلك وقد شقت عليه البيعة لأخيه محمد لأنه كان يتطلع إلى الخلافة بعد أبيه، وكان مطيع بن إياس منقطعا في خدمة جعفر بن المنصور، ولكن بعد قوله هذا طرده من خدمته وتناوله بكلام فاحش ذكره أبو الفرج الأصفهاني، ونحن نترفع عن ذكره هنا(7).
ولم تقتصر يد التحريف العباسية على التلاعب بأحاديث المهدي وتزييفها، بل تطاولت إلى نصوص الخلافة، بهدف تثبيت سلطانهم الظالم الغاشم، من خلال اضفاء الطابع الديني والغيبي عليه.
ومن الروايات الموضوعة لصالح السلطة العباسية، ما أسندوه إلى الخليفة الثالث عثمان بن عفان أنه قال: سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: «المهديّ من ولد العبّاس عمّي»(8). ورووا أيضا عن عبد الله بن العباس، عن أبيه:
أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نظر إليه مقبلا فقال «هذا عمّي أبو الخلفاء الأربعين، من أجود قريش كفا وأحماها، من ولده السّفّاح والمنصور والمهدي، يا عمّ بي فتح الله ابتداء هذا الأمر، ويختمه برجل من ولدك»(9).
وإذا أردت التوسع في معرفة أبعاد المؤامرة العباسية الخبيثة، على الخلافة وعلى القضية المهدية، فعليك بمطالعة موضوع الفوارق التاريخية بين ثورة الموطئين للمهدي والثورة العباسية من كتابنا «ثورة الموطئين للمهدي»(10).
إن القضية المهدية بما لها من الأصالة في الفكر الإسلامي، وبما لها من موقع القداسة والعظمة والأهمية في ضمير الأمة ووجدانها، كانت ولازالت مطمعا لكل الطامعين بالخلافة، وشرفا يدعي امتلاكه الكثيرون من مرضى القلوب وطلاّب الدنيا، الساعين دوما للوصول إلى مواقع السلطة، ممن هم على شاكلة الأمويين والعباسيين وغيرهم.
وهذه الحركات المهدية المزيفة، التي شهدتها الأمة عبر تاريخ الصراع على الخلافة والحكم، في الوقت الذي يكشف لجووها إلى العقيدة المهدية، ورفعها لشعاراتها وتسّترها بها، أصالة هذه العقيدة في الفكر الإسلامي، فإنها أيضا كانت من جهة أخرى عاملا سلبيا خطيرا في طمس معالم الهوية المهدية الأصيلة.
ولا يشك أي باحث منصف، ما لعملية منع تدوين الحديث، بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من انعكاسات سلبية أصابت العقيدة المهدية بالصميم، بل أصابت المفاصل الكبرى لأصول الفكر الإسلامي عموما، بكل أبعاده العقيدية والسياسية والتشريعية.
قال الحافظ الذهبي: إن الصدّيق [الخليفة الأول] جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال: إنكم تحدثون عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه(11).
وروي عن عائشة أنها قالت: جمع أبي الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلّب كثيرا، فلما أصبح قال: أي بنيّة هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها، فدعا بنار فحرقها فقلت: لم أحرقتها؟! قال: خشيت أن أموت وهي عندي، فيكون فيها أحاديث عن رجل قد إئتمنته ووثقت به، ولم يكن كما حدثني!! فأكون قد نقلت ذاك(12).
وقد استمر منع تدوين الحديث والتحدث به في عصر الخليفة الثاني، فأمر رجالا من كبار الصحابة بأن لا يحدّثوا الناس بأحاديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وحبسهم في المدينة، لئلا يخرجوا إلى الأمصار ويحدثوا الناس بأحاديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(13).
وكان عمر إذا أرسل ولاته من الصحابة إلى الأمصار الأخرى، شيّعهم وودّعهم ثم يقول لهم: إنما خرجت معكم لأجل أن أوصيكم: إنكم تأتون أهل قرية، لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم، جردوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأنا شريككم.
فلما قدم بعضهم العراق قال له الناس: حدّثنا، قال: نهانا عمر(14)
وهكذا كان الصحابة على هذه السيرة، حتى توفي عمر سنة 24 هجرية.
وروي أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن، فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فأشاروا عليه أن يكتبها، فلم يكتبها وقال: إني أردت أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فأكبّوا عليها، فتركوا كتاب الله تعالى، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبدا(15).
وروي عن يحيى بن جعدة، أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب إلى الأمصار: من كان عنده منها شيء فليمحه(16).
وروي عن القاسم بن محمد بن أبي بكر: أن عمر بن الخطاب بلغه أنه قد ظهرت في أيدي الناس كتب، فاستنكرها وكرهها، وقال: أيها الناس! إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب، فأحبها إلى الله أعدلها وأقومها، فلا يبقين أحد عنده كتابا إلا أتاني به، فأرى فيه رأيي(17).
قال: فظنوا أنه يريد أن ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار!! (18).
ولما تولى عثمان الخلافة أعلن مضيه على سيرة الشيخين، في سياسة منع رواية الحديث، وخطب بالناس قائلا: لا يحل لأحد يروي حديثا لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا في عهد عمر، فإنه لم يمنعني أن أحدّث عن رسول الله أن لا أكون أوعى أصحابه(19).
والواقع أن هذه السيرة مخالفة لتوصيات رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كما جاء عنه صريحا في رواية أبي موسى الغافقي أنه قال: «عليكم بكتاب الله، وسترجعون إلى قوم يحبون الحديث عني، فليحدّث به، ومن قال عني ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار» وقال أبو موسى: هذا ما عهد إلينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(20).
لقد تنبأ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بهذا الإجراء التعسفي، القاضي بإقصاء سنّته المطهّرة عن التطبيق في الإدارة والحكم وفي معرفة أحكام الشريعة، ومما جاء عنه بهذا الصدد أنه قال: «يوشك الرجل متكئا على أريكته، يحدّث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرّمناه، ألا وإن ما حرّم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مثل ما حرّم الله»(21).
وعلى أي حال إن سياسة منع التحدث بالحديث وتدوينه، مهما كانت مبرراتها وأهدافها الموضوعية، فإنها اجتهاد مخالف للنص القرآني الصريح في قوله تعالى: ﴿وأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ اَلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ولَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(22).
فالسّنة النبوية هي تبيان للقرآن وتفصيل لمجمله وإيضاح لغوامضه وحل لألغازه ورموزه وتفسير لآياته، وهذا معنى قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إني أوتيت القرآن ومثله معه»(23). مما يؤكد أن سياسة منع تدوين الحديث والنهي عن التحدث به مخالفة للقرآن والسنة معا.
ونجد في قول أبي بكر: فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم قولوا بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله وحرّموا حرامه.
مصداقا لتلك النبوءة، بل إن قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يوشك الرجل متكئا على أريكته» يشعر بقرب تحقيق هذا الأمر بعد وفاته مباشرة، لأنه لم يقل كما قال في سائر أخباره عن الغيب البعيد «يكون في آخر الزمان».
ومما يؤسف له أن تمتد عملية منع تدوين الحديث رسميا، من بداية خلافة أبي بكر حتى قيام الدولة العباسية سنة (132 هـ)، حيث كانت بداية الانفراج والإجازة لتدوين الحديث، ولكن بعد أن لعبت النفوس المريضة والاجتهادات الخاطئة، لعبتها في فهم الدين وتحريفه، بعيدا عن هدي السنة المحمدية المطهّرة طيلة قرن كامل من الزمن.
فهل من الإنصاف القول بسلامة أحاديث المهدي من الوضع والتحريف في كتب الحديث، والأخذ بها تعبدا من دون الالتفات إلى المؤامرات التاريخية والسياسية الكثيرة، التي حيكت باسم القضية المهدية على الأمة، من قبل الطامعين بالخلافة والمتزلّفين لهم من الرواة، وكان ذلك قبل تدوين الحديث بعشرات السنين.
ومن هنا يبقى السؤال: من هو المهدي المنتظر؟ من دون جواب حاسم، إذا لم نشمّر عن سواعد الجد والاجتهاد، ونشد أحزمة الاستعداد لسبر أغوار البحث العلمي النزيه، سعيا وراء الحقيقة بعيدا عن التعصب الأعمى لهذا المذهب أو ذاك، لأن الحق أحق أن يتّبع ﴿أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى اَلْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾(يونس: 35).
مع الرأي القائل: إن المهدي المنتظر من ولد الإمام الحسن (عليهما السلام)
قبل الدخول في تفاصيل هذا الرأي، لا بد أن نستحضر في تصوراتنا حركة الحسنيين، بقيادة محمد بن عبد الله الحسني، الذي بويع بالخلافة في منطقة الأبواء لإسقاط الدولة الأموية، وعلى أعقاب ذلك أشيع بين الناس أنه المهدي المنتظر المبشّر به في الروايات، وهذا يعني أن كل حديث يصرح بأن المهدي المنتظر من ولد الحسن، ينبغي أن يكون موضع شك من قبل الباحثين والمحققين، لاحتمال وقوف دعاة هذه الحركة وراء هذا النوع من الأحاديث، بالإضافة إلى ذلك إن هذه الحركة سبقت مرحلة تدوين الحديث بفترة طويلة من الزمن، فلا نستبعد أن تكون هذه الأحاديث من مخلفات تلك الفترة، ومن هنا لا بد أن يخضع كل حديث من هذا النوع للبحث والتحقيق، ولا يمكن القبول به ما لم تثبت صحته وتتعدد رواته وطرقه.
وقد استدل القائلون بأن المهدي المنتظر من ولد الحسن بدليلين ذكرهما ابن القيم الجوزية في كتابه «المنار المنيف» وهما:
الدليل الأول: ما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه نظر إلى ابنه الحسن فقال: «إن ابني هذا سيد كما سماه النبي، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم، يشبهه في الخلق، ولا يشبهه في الخلق، يملأ الأرض عدلا»(24).
وهذا الحديث أخرجه أبو داود قال: وحدثت عن هارون بن المغيرة قال: أخبرني عمرو بن أبي قيس، عن شعيب بن خالد، عن أبي إسحاق قال: قال علي رضي الله عنه ونظر إلى ابنه الحسن فقال: فذكره.
وأخرجه أيضا نعيم بن حماد في الفتن قال: حدثنا غير واحد عن ابن عياش، عمّن حدثه، عن محمد بن جعفر، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: فذكره.
ويلاحظ على السند الأول أن هارون بن المغيرة، وإن وثّقه علماء الجرح والتعديل، لكنّ أبا داود قال: حدثت عن هارون، فالظاهر أن بينهما واسطة. فالحديث على هذا الأساس منقطع لا يحتج به.
أما السند الثاني فقد أخرجه نعيم بن حماد، ولكنه لم يذكر شيوخه وإنما قال: حدثنا غير واحد عن ابن عياش، كما أن شيخ ابن عياش غير معروف، فهذا السند فيه أكثر من واحد مبهم ومجهول فلا يعتمد عليه.
وهناك اتفاق بين علماء الجرح والتعديل على ضعف رجال هذا الحديث، وقال بعضهم إن في سنده انقطاع، ومنهم ابن القيم الجوزية في كتابه «المنار المنيف»، ولا ندري كيف استدلّ به هنا على كون المهدي المنتظر من أبناء الإمام الحسن؟(25).
وحسب الاستقصاء أنه ليس لأصحاب هذا الرأي من حديث أخر يحتجّون به، فهو خبر واحد لا يعوّل عليه.
وليس ببعيد أن يكون هذا الحديث صحيحا، وإنما حصلت الجهالة في بعض رجاله، بسبب تلاعب الثوار الحسنيين به، الذين ادعوا المهدية للثّائر الحسني فحرّفوه لصالحهم وأخفوا أنفسهم، بدليل أن العلاّمة الجزري
الدمشقي الشافعي رواه بنحو آخر وقال:
والأصحّ أنّه من ذريّة الحسين بن علي، لنص أمير المؤمنين عليّ على ذلك، فيما أخبرنا به شيخنا المسند، رحلة زمانه عمر بن الحسن الرّقي قراءة عليه قال: أنبأنا أبو الحسن بن البخاري، أنبأنا عمر بن محمد الدارقزي، أنبأنا أبو البدر الكرخي، أنبأنا أبو بكر الخطيب، أنبأنا أبو عمر الهاشمي، أنبأنا أبو علي اللؤلؤي، أنبأنا أبو داود الحافظ قال: ثم ذكر سند أبي داود لفظا بلفظ عن أبي إسحاق قال: قال علي - ونظر إلى ابنه الحسين - فقال:
«إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وسيخرج من صلبه رجل باسم نبيكم، يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق، ثم ذكر قصة يملأ الأرض عدلا». ثم قال: هكذا رواه أبو داود في سننه وسكت عنه(26).
الدليل الثاني: قال ابن القيم الجوزية، وفي كون المهدي من ولد الحسن رضي الله عنه سر لطيف، وهو أن الحسن رضي الله عنه ترك الخلافة لله، فجعل الله في ولده من يقوم بالخلافة الحقة المتضمنة للعدل الذي يملأ الأرض، وهذه سنة الله في عباده أنه من ترك شيئا لأجله، أعطاه الله أو أعطى ذريته أفضل منه، وهذا بخلاف الحسين رضي الله عنه، فإنه حرص عليها وقاتل عليها فلم يظفر بها(27).
وبغض النظر عما في هذا الحديث، من محاولة إعطاء الشرعية لحكم معاوية، في الادعاء بأن الإمام الحسن (عليه السلام) ترك الخلافة لله وتنازل عنها لمعاوية، وافتراء على الإمام الحسين (عليه السلام) بأنه حرص وقاتل عليها، فلم يظفر بها!! فإن كلام ابن القيم يحتاج إلى نقاش وتفنيد نتعرض له بعد قليل، ولكننا نقول ان العلامة البرزنجي ناقش هذا الادعاء واثبت بطلانه، وهو في معرض الاستدلال على أن المهدي من ذرية الإمام الحسين وليس من ذرية الإمام الحسن، تعليقا على رواية وردت بخصوص الثائر الحسني، الذي يخرج من المشرق في عصر ظهور الإمام المهدي، فإذا خرج المهدي (عليه السلام) جاء إليه وطالبه بالخلافة، مدعيا أنه ابن الإمام الحسن وأنه أحق بالخلافة من ولد الإمام الحسين(28).
قال العلامة البرزنجي تعليقا على هذه الرواية: وفي هذا الحديث فائدة وإشكال:
أما الفائدة فإنها تدل على أن المهدي من أولاد الحسين، وأن ابن عمه هذا حسني، وأنه يظن أن الخلافة في بني الحسن حيث يقول: أنا ابن الحسن، ومستنده في هذه الدعوى - والله أعلم - أمران: (أحدهما): أن الحسن استخلف فيكون أولاده أحق بها، و(الثاني): أنه نزل عنها حقنا لدماء المسلمين فعوضه الله الخلافة في أولاده، وكلا الأمرين معارض، فأما الأول: فلأن بيعة الحسن كانت من بعض الناس وهم من أهل العراق والمشرق واليمن، دون أهل الشام والمغرب ومصر، وقد بايع بعضهم الحسين أيضا، أما الثاني: فلأن الحسن قد فوت حقه بعد ما ناله، وأما الحسين فلم ينل ما أراد فحقه باقي فأعطاه الله في أولاده... ثم ذكر الإشكال وهو لا يتعلق بموضوع البحث(29).
وجوابنا تعليقا على كلام ابن الجوزي نقول:
والواقع أن ادعاء ترك الإمام الحسن للخلافة، وحرص الإمام الحسين عليها، هو محض افتراء وكذب صريح على أولاد الأنبياء، وعلى هذين السبطين والإمامين العظيمين، بل هو تزوير للتاريخ وتزييف للحقائق والوقائع المشهورة.
ويذكر التاريخ، أن معاوية دخل الكوفة في عام الصلح، وخطب فيها فذكر عليا ونال منه ومن الحسن، فقام الحسن وقال:
«أيها الذاكر عليا أنا الحسن وأبي علي، وأنت معاوية وأبوك صخر، وأمي فاطمة وأمك هند، وجدي رسول الله وجدك عتبة بن ربيعة، وجدتي خديجة وجدتك قتيلة، فلعن الله أخملنا ذكرا وألأمنا حسبا، وشرّنا قديما وحديثا وأقدمنا كفرا ونفاقا».
فقالت طائفة من أهل المسجد: آمين(30).
بربك هل يتنازل سبط الطاهرين وابن سيد المرسلين، عن الخلافة بملء إرادته، لرجل شهد له بنفسه بقديم نفاقه، وبخباثة نسبه ومنشأه، وفساد دينه وأخلاقه؟! اللهم لا يقول بذلك إلا النواصب، الذين لا فرق عندهم بين أبناء الطلقاء، وأبناء الأصفياء، ولا يميزون الخبيث من الطيّب، ممن هم على شاكلة ابن القيم الجوزية.
فالتاريخ يشهد أن الحسن (عليه السلام) لم يترك الخلافة لمعاوية بمحض إرادته، بل تركها مضطّرا مكرها، بعد أن غدر به أصحابه الذين أغرى معاوية الأكثرية منهم بالأموال والمناصب وأرهبهم بالنار والحديد(31).
فلم يعتزل حفيد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الحرب ضد معاوية، ولم يتخلّ عن الخلافة له، إلا بعد أن تفرق عنه عسكره وتخاذل الكثيرون من الذين ساروا معه، وبعد أن تأكد من عدم إمكانية توحيد صفوفهم، وتنظيم كتائبهم من جديد، بما عهده من نفاقهم وتلونهم واختلافهم في عهد أبيه، كما نص على ذلك الجاحظ في رسالته في بني أمية(32).
والثابت في التاريخ أن الإمام الحسين (عليه السلام) خرج إلى العراق وهو على علم بأن بني أمية سيقتلونه، ولو كان متعلقا بأستار الكعبة وهو القائل:
«وايم الله، لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني، حتى يقضوا فيّ حاجتهم، ووالله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في السبت»(33)، وإني ماض في أمر رسول الله حيث أمرني، وإِنَّا للهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(34).
كيف يقال إذن لثائر ينعى نفسه - قبل أن يضرب بالصفاح في ساحة الجهاد والشهادة - أنه يطلب الدنيا، ويحرص على الخلافة، وكيف يتّهم الإمام الحسين (عليه السلام) الذي آمتثل حكم الله وسنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأنه طالب دنيا؟! وهذه بيانات ثورته في تصريحاته، تشهد له على عكس ما يقول ابن القيم الجوزية، أليس هو القائل يوم كربلاء:
«أيها الناس إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: من رأى سلطانا جائرا، مستحلا لحرام الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول، كان حقا على الله أن يدخله مدخله، ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمان، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، واحلوا حرام الله، وحرّموا حلاله، وأنا أحق من غيّر»(35).
وقول الإمام الحسين (عليه السلام): «أنا أحق من غيّر» يوضح معنى قوله السابق: «وإني ماض في أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حيث أمرني، وإِنَّا للهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»، فهو ماض في طريق الثورة لتغيير الواقع المنحرف الفاسد في السلطة والمجتمع، تنفيذا لأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإن كان الموت ينتظره، والشهادة مصيره، لأنه أولى من جميع أفراد المجتمع الإسلامي في عصره، بتنفيذ أحكام الله تعالى، وامتثال توجيهات رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والقيام بمسؤولية قيادة الأمة.
فصلح الإمام الحسن وكربلاء الإمام الحسين (عليهما السلام)، لا يلتقيان مع دليل ابن الجوزية لإثبات المهدية لأبناء الإمام الحسن (عليه السلام)، وإذا نظرنا في الأدلة العلمية التي تثبت المهدية الحقّة لنسل الإمام الحسين (عليه السلام)، والتي سنقف عليها بعد قليل، علمنا أن ابن الجوزية وأمثاله، إنما ينسجون للناس التصورات الموهومة عن المهدي المنتظر (عليه السلام) من خيوط بيوت العنكبوت، فعلماء الإمامية يمتلكون شهادة التاريخ التي تثبت ولادة المهدي المنتظر من أبيه العسكري حفيد الإمام الحسين (عليهم السلام) جميعا، ويوافقهم على ذلك عشرات العلماء من أهل السنة، وشهادة أهل البيت عندهم تغني عن كل الشهادات، لأنهم أدرى بأبنائهم وأنسابهم من غيرهم.
مع الرأي القائل: إن المهدي من ولد الإمام الحسين (عليه السلام)
وهو الرأي المعتمد من قبل أهل البيت، ويعتقد به أتباعهم من الشيعة الأمامية، ويذهب إليه معهم جمع غفير من علماء أهل السنة، من أهل البحث والتحقيق وأهل الكشف والتدقيق، وذلك لتظافر الأدلة العلمية الواضحة الصريحة على صحته، وهي ستة:
الدليل الأول: التصريحات النبوية.
الدليل الثاني: شهادة أئمة أهل البيت.
الدليل الثالث: شهادة المؤرخين.
الدليل الرابع: شهادة الواقع التاريخي.
الدليل الخامس: شهادة علماء أهل السنة.
الدليل السادس: شهادة علماء الإمامية.
وسنحاول أن نتناول باختصار هذه الأدلة الستة، التي تثبت انتساب الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) إلى جده الإمام الحسين (عليه السلام)، من خلال ارتباطه بالسلسلة الذهبية، المؤلفة من أئمة أهل البيت المطهّرين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
الدليل الأول: التصريحات النبوية
روى هذه التصريحات عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عشرات الصحابة في أحاديث كثيرة، نصت بوضوح أن المهدي المنتظر (عليه السلام) من ولد الإمام الحسين (عليه السلام)، نذكر لكم طائفة منها، مقتصرين في هذا الدليل على ما جاء من طرق أهل السنة فقط:
الحديث الأول: عن أبي إسحاق قال: قال علي ونظر إلى ابنه الحسين:
«إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وسيخرج من صلبه رجل باسم نبيكم، يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق، يملأ الأرض عدلا»(36).
وقد روي هذا الحديث أيضا بلفظ أخر وبسند أخر: عن أبي وائل قال: نظر أمير المؤمنين علي إلى الحسين فقال:
«إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وسيخرج من صلبه رجل باسم نبيكم، يشبهه في الخلق والخلق، يخرج على حين غفلة من الناس، وإماتة للحق وإظهار للجور، والله لو لم يخرج لضربت عنقه، يفرح بخروجه أهل السماوات وسكانها، وهو رجل أجلى الجبين، أقنى الأنف، ضخم البطن(37)، أذيل الفخذين، بفخذه(38) اليمنى شامة، أفلج الثنايا، يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا»(39).
الحديث الثاني: وروي عن أبي الحسن الربعي المالكي، عن حذيفة، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال:
«لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لبعث الله فيه رجلا اسمه اسمي، وخلقه خلقي، يكنّى أبا عبد الله، يبايع له الناس بين الركن والمقام، يؤيّد الله به الدين، ويفتح له الفتوح، فلا يبقى على وجه الأرض إلا من يقول: لا إله إلا الله».
فقام سلمان فقال: يا رسول الله، من أي ولدك؟ قال:
«من ولد ابني هذا» وضرب بيده على الحسين»(40).
الحديث الثالث: عن علي (عليه السلام) انه ذكر المهدي فقال:
«انه من ولد الحسين (عليه السلام) - وذكر حليته - فقال: رجل أجلى الجبين، أقنى الأنف، ضخم البطن(41)، أذيل الفخذين، أفلج الثنايا، بفخذه(42) اليمنى شامة»(43).
الحديث الرابع: عن أبي هارون العبدي قال: أتيت أبا سعيد الخدري فقلت له: هل شهدت بدرا؟ فقال: نعم، قلت: ألا تحدثني بشيء مما سمعته من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في علي وفضله؟ فقال: بلى أخبرك أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مرض مرضة نقه منها، فدخلت عليه فاطمة (عليها السلام) تعوده، وأنا جالس عن يمين رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلما رأت ما برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الضعف، خنقتها العبرة حتى بدت دموعها على خدها فقال لها رسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم):
«ما يبكيك يا فاطمة أما علمت أن الله تعالى اطّلع إلى الأرض اطّلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبيا، ثم اطّلع ثانية فاختار بعلك فأوحى إلي فأنكحته واتخذته وصيا. أما علمت أنك بكرامة الله تعالى زوجتك أعلمهم علما وأكثرهم حلما وأقدمهم سلما. فضحكت واستبشرت فأراد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يزيدها مزيد الخير كله الذي قسمه الله لمحمد وآل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال لها: يا فاطمة ولعلي ثمانية أضراس - يعني: مناقب - إيمان بالله ورسوله وحكمته وزوجته، وسبطاه الحسن والحسين، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر. يا فاطمة إنّا أهل بيت أعطينا ستّ خصال لم يعطها أحد من الأوّلين ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا أهل البيت، نبينا خير الأنبياء وهو أبوك، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عمّ أبيك، ومنّا سبطا هذه الأمة وهما ابناك، ومنّا مهديّ الأمة الذي يصلي عيسى خلفه ثم ضرب على منكب الحسين (عليه السلام) فقال: من هذا مهديّ الأمة»(44).
الحديث الخامس: عن عبد الله بن عمرو قال:
«يخرج المهدي من ولد الحسين، من قبل المشرق، لو استقبلته الجبال لهدمها واتّخذ فيها طرقا»(45).
الحديث السادس: عن محمد بن جعفر قال: قال علىّ بن أبي طالب:
«يخرج رجل من ولد الحسين، اسمه اسم نبيكم، يفرح بخروجه أهل السماء والأرض..»(46).
الحديث السابع: وفي رواية عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):
«لا تذهب الدنيا حتى يقوم بأمّتي رجل من ولد الحسين، يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما»(47).
الحديث الثامن: وفي رواية عن سلمان الفارسي قال: دخلت على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإذا الحسين على فخذه، وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه ويقول:
«إنك سيّد ابن سيّد أبو سادة، إنك إمام ابن إمام أبو أئمة، إنك حجّة ابن حجّة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم»(48).
الحديث التاسع: تذكر الروايات من طرق الفريقين، خروج ثائر من ولد الحسن (عليه السلام)، قبل المهدي (عليه السلام) بفترة قصيرة، وهو ممدوح السيرة، وعلى أعقاب ثورته يخرج المهدي المنتظر (عليه السلام)، فإذا التقى به السيد الحسني سلم عليه وقال له محتجا: أنا المهدي.
وقد أورد هذا الحديث القرطبي في «التذكرة»، والمقدسي الشافعي في «عقد الدرر»، وهو قطعة من حديث طويل، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال:
«تختلف ثلاث رايات، راية بالمغرب، وراية بالجزيرة وراية بالشام، تدوم الفتنة بينهم سنة، ثم ذكر خروج السفياني وما يفعله من الظلم والفجور، ثم ذكر خروج المهدي ومبايعة الناس له بين الركن والمقام، ووصفه قائلا: «يسير بالجيوش حتى يصير بوادي القرى، في هدوء ورفق، ويلحقه هناك ابن عمه الحسني، في اثني عشر ألف فارس فيقول له:
يا ابن عم أنا أحق بهذا الجيش منك أنا ابن الحسن وأنا المهدي، فيقول له المهدي: بل أنا المهدي ويقول له الحسني هل لك من آية فأبايعك؟ فيومئ المهدي (عليه السلام) إلى الطير فيسقط على يديه، ويغرس قضيبا [يابسا] في بقعة من الأرض، فيخضرّ ويورق، فيقول له الحسني يا ابن عم هي لك»(49).
وعبّرت بعض الروايات عن المهدي «بالحسيني»، وقال الشريف البرزنجي في هذا الحديث فائدة وإشكال:
أما الفائدة فإنها تدل على أن المهدي من أولاد الحسين وأن ابن عمه هذا حسني... ثم ذكر الإشكال(50).
الحديث العاشر: عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال - في حديث طويل حول المهدي -:
«قد جاءكم الفرج وهو المهدي.. من ولد فاطمة ابنة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من ولد الحسين.. فيجمع الله عز وجل أصحابه على عدد أهل بدر وعلى عدد أصحاب طالوت، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، كأنهم ليوث خرجوا من غابة، قلوبهم مثل زبر الحديد، لو همّوا بإزالة الجبال لأزالوها عن موضعها..(51).
ولا تناقشني في أسانيد هذه الأحاديث ومدى صدقيّتها، بعد ما ذكرت لك أقوال علماء أهل السنة في تضعيف حديث أبي داود، ومنهم ابن القيم الجوزية، فإن الحديث إذا تعددت مخارجه وكثرت طرقه، ارتقى إلى درجة الاعتبار، وصار مشهورا معمولا به، وأصبح من القوة بحيث لا يمكن أن يقاومه أو يعارضه خبر الواحد الصحيح، فكيف إذا كان الحديث المعارض له في غاية الضعف.
الدليل الثاني: شهادة أئمة أهل البيت (عليهم السلام)
تظافرت الروايات من طرق أهل السنة مؤكدة أن المهدي المنتظر (عليه السلام) من أهل البيت (عليهم السلام)، ومن ولد فاطمة (عليها السلام)، وإليك طائفة منها:
*عن أبان بن الوليد قال: سمعت ابن عباس وهو عند معاوية يقول: «يبعث الله المهدي منا أهل البيت»(52).
*عن ابن مسعود، عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي»(53).
*عن عبد الله [ابن مسعود] عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يلي أمر هذه الأمة في آخر زمانها، رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي»(54).
عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه)، عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «هو رجل من أهل بيتي»(55).
* عن عبد الله [ابن مسعود] قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المهدي من ولد فاطمة»(56).
* عن زر بن حبيش سمع عليا (عليه السلام) يقول:
«المهدي رجل منّا، من ولد فاطمة رضي الله عنها»(57).
* عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة قالت:
سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة»(58).
بحكم هذه الروايات، نعلم بأن أهل البيت (عليهم السلام) أحق وأولى من غيرهم، وأقدر على تحديد هوية ونسب ولدهم المهدي، هل هو من ولد الإمام الحسن أم من ولد الإمام الحسين؟، لأن أهل البيت (عليهم السلام) أدرى بالذي فيه، وليس من الإنصاف أن نعرض عن شهاداتهم في هذا النسب الخاص بهم، ونبحث عنه في آراء غيرهم.
ومن الثابت تاريخيا وعقائديا أنهم متفقون على أن المهدي المنتظر من ذريّة الإمام الحسين، كما هو صريح الروايات السابقة المرويّة عن كبير أهل البيت وسيدهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
أما الروايات المصرّحة بأنه من ولد الإمام الحسين، من طرق الإمامية أتباع أهل البيت، فهي تبلغ أكثر من مئة رواية نذكر هنا جملة منها:
1 - روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال:
«إن الله عز وجل اختار من الأيام يوم الجمعة، ومن الليالي ليلة القدر، ومن الشهور شهر رمضان واختارني من الرسل، واختار مني [من أهل بيتي](59) عليا، واختار من علي الحسن والحسين، واختار من الحسين الأوصياء تاسعهم قائمهم، وهو ظاهرهم وباطنهم «وفي رواية أضاف قائلا: «ينفون عن التنزيل تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين»(60).
2 - عن ابن أبي جحيفة السوائي، والحرث بن عبد الله الحارثي الهمداني، والحرث بن شرب، كل حدثنا أنهم كانوا عند علي بن أبي طالب، فكان إذا أقبل ابنه الحسن يقول:
«مرحبا يا ابن رسول الله، وإذا أقبل الحسين (عليه السلام) يقول: بأبي أنت وأمي يا أبا ابن خيرة الإماء(61)، فقيل له: يا أمير المؤمنين ما بالك تقول هذا للحسن وتقول هذا للحسين؟ ومن ابن خيرة الإماء؟ فقال: ذاك الفقيد الطريد الشريد، محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين هذا، ووضع يده على رأس الحسين (عليه السلام)»(62).
3 - وسئل يوما الإمام علي عن معنى العترة في قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):
«إني مخلّف فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي، فقال: أنا والحسن والحسين، والأئمة التسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديّهم، لا يفارقون كتاب الله، ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حوضه»(63).
4 - وروي عن الإمام الحسن (عليه السلام) أنه قال:
«الأئمة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اثنا عشر، تسعة من صلب أخي الحسين، ومنهم مهدي هذه الأمة»(64).
5 - وروي عن الإمام الحسين (عليه السلام) أنه قال:
«قائم هذه الأمة هو التاسع من ولدي، وهو صاحب الغيبة، وهو الذي يقسّم ميراثه وهو حي»(65).
6 - وروي عن الإمام الحسين (عليه السلام) أيضا، في وصف ولده الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) فقال:
«في التاسع من ولدي سنّة من يوسف (عليه السلام)، وسنّة من موسى بن عمران (عليهم السلام)، وهو قائمنا أهل البيت، يصلح الله تبارك وتعالى أمره في ليلة واحدة»(66).
وهكذا يتبين أن أهل البيت (عليهم السلام) كلهم يشهدون بأن المهدي المنتظر (عليه السلام) من أبناء الإمام الحسين (عليه السلام)، وحسب الاستقراء لم ترد رواية واحدة من طرقهم، تنصّ على أنه من ولد الإمام الحسن (عليه السلام).
الدليل الثالث: شهادة المؤرّخين
يعترف المؤرخون جميعا بولادة الأئمة الاثني عشر من أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ابتداء من الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وانتهاء بحفيده الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر (عليه السلام)، وقلّما نجد كتابا تاريخيا يخلو من ذكرهم والاعتراف بفضائلهم، وهكذا كتب علماء الأنساب وتراجم رجال الحديث لأهل السنة، وإن أهمل بعضهم ترجمة بعض الأئمة، لعدم وقوعهم في أسانيد رواياتهم.
وقد جاء الاعتراف بولادة المهدي المنتظر (عليه السلام)، وانه من ذرية الإمام الحسين (عليه السلام)، من قبل المؤرخين على نحوين: (النحو الأول): المؤرّخون الذين ذكروا تاريخ ولادته من الإمام الحسن العسكري حفيد الإمام الحسين (عليه السلام)، بما يتطابق مع ما جاء في روايات أهل البيت (عليهم السلام) حرفا بحرف.
(النحو الثاني): المؤرّخون الذين اعترفوا انه ابن الإمام الحسن العسكري حفيد الإمام الحسين، من دون أن يذكروا تاريخ ولادته، وهم كما يلي:
ابن الأثير في «تاريخه»، والمسعودي في «مروج الذهب»، وابن شحنه في «تاريخه»، والقرماني في «أخبار الدول»، وابن الوردي في «تاريخه»، وابن خلدون في «تاريخه»، واليافعي في «مرآة الجنان»، وأبو الفداء في «تاريخه»، والسويدي في «سبائك الذهب»، وابن خلكان في «وفيّات الأعيان»، وابن الأزرق في «تاريخه»(67). وإليك تصريحات بعضهم:
قال ابن خلكان: أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري، ثاني عشر الأئمة الاثني عشر... وكانت ولادته يوم الجمعة، منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولما توفي أبوه كان عمره خمس سنين(68).
وقال القرماني: الفصل الحادي عشر: في ذكر أبي القاسم محمد الحجة الخلف الصالح، وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه الله فيها الحكمة كما أوتيها يحيى (عليه السلام) صبيا، وكان مربوع القامة، حسن الوجه والشعر، أقنى الأنف أجلى الجبهة(69).
وقال ابن خلدون: في ترجمة الإمام الحسن العسكري والد المهدي المنتظر: وترك حملا ولد(70) منه ابنه محمد فاعتقل، ويقال دخل مع أمه في السرداب بدار أبيه وفقد، فزعمت شيعتهم أنه الإمام بعد أبيه، ولقّبوه المهدي والحجّة، وزعموا أنه حيّ لم يمت، وهم الآن ينتظرونه، ووقفوا على هذا الانتظار، وهو الثاني عشر من ولد عليّ ولذلك سميت شيعته الاثني عشرية(71)...
وقال ابن الأزرق: إن الحجة المذكور، ولد تاسع شهر ربيع الأول، سنة ثمان وخمسين ومائتين وقيل: في ثامن شعبان سنة ست وخمسين [ومائتين] وهو الأصح(72).
وقال أبو الفداء في تاريخه: والحسن العسكري المذكور، هو والد محمد المنتظر، صاحب السرداب، ومحمد المنتظر المذكور، هو ثاني عشر الأئمة الاثني عشر، على رأي الإمامية، ويقال له «القائم والمهدي»، وولد المنتظر المذكور في سنة خمس وخمسين ومائتين(73).
وقال السويدي في «سبائك الذهب» في خط الحسن العسكري (عليه السلام):
محمد المهدي، وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين، وكان مربوع القامة، حسن الوجه والشعر، أقنى الأنف، صبيح الجبهة(74).
الدليل الرابع: شهادة الواقع التاريخي
إن الواقع التاريخي للأمة الإسلامية، لم يسجّل ولم يشهد في أوساط مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، أحدا من أبناء الإمام الحسن (عليه السلام)، قد تصدى للإمامة والمرجعية في العلم والفقه والحديث والحكمة والقيادة، بكفاءة وجدارة، كما شهد وسجل بخصوص أئمة أهل البيت التسعة من أبناء الإمام الحسين (عليه السلام)، وهم:
1 - الإمام علي بن الحسين زين العابدين.
2 - الإمام محمد بن علي الباقر.
3 - الإمام جعفر بن محمد الصادق.
4 - الإمام موسى بن جعفر الكاظم.
5 - الإمام علي بن موسى الرضا.
6 - الإمام محمد بن علي الجواد.
7 - الإمام علي بن محمد الهادي.
8 - الإمام الحسن بن علي العسكري.
9 - الإمام محمد بن الحسن المهدي المنتظر.
ولو لا طول المقام لتناولت لك صورا مشرقة، ومواقف رائعة لهؤلاء الأعلام التسعة العظام من أئمة اهل البيت (عليهم السلام)، قد سجّلها التاريخ بوضوح واعتزاز، بأقلام الكبار من المؤرخين المشهورين، ومن أعلام أهل السنّة، أكتفي هنا بنقل صورتين تاريخيتين منها:
الأولى: للأول من هؤلاء التسعة، وهو الإمام علي بن الحسين زين العابدين.
والثانية: للإمام الثامن منهم، وهو الإمام الحسن العسكري والد الإمام المهدي المنتظر صلوات الله وسلامه عليهم جميعا.
الصورة التاريخية الأولى:
وتتعلق بقصة الإمام زين العابدين، مع هشام بن عبد الملك ولي العهد الأموي.
يذكر التاريخ أن هشام بن عبد الملك، حج بيت الله الحرام في موسم شديد الزحام، تحفّ به شرطة الدولة الأموية، ووجوه أهل الشام وأعيانهم، وجمع كبير من رجال الأسرة الأموية الحاكمة، في موكب رسمي حاشد، وقد جهدت السلطة ساعية لإيصال هشام إلى الحجر، فلم يتمكن من استلامه لتزاحم الحجّاج وتدافعهم عليه، من دون أن يعبؤوا بالخليفة الأموي، ولم يكترثوا لهيبة الحكم التي كانت تحيط به، مما دعاه أن يتنحى جانبا، بعد ما طلب من مرافقيه أن ينصبوا له منبرا يجلس عليه ليراقب سير الحجّاج وعملية الطواف.
وفي هذا الحال دخل الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) بين الطائفين وتوجه نحو الحجر ليستلمه، فبصر به بعض من يعرفه فنادى بأعلى صوته:
هذا بقية النبوة، هذا ابن رسول الله، هذا إمام المتّقين وسيد الساجدين، هذا أيها المسلمون زين العابدين ابن الإمام الحسين. فارتفعت الأصوات بالتهليل والتكبير من جميع جنبات المسجد، وانفرج له المسلمون سماطين، وكان أسعدهم من يقترب إليه، ويتبارك منه، ويقبّل يديه، فذهل أهل الشام وأعيانهم، بهذا المنظر المهيب الرهيب، لأنهم لا يعرفون أحدا جديرا بالمهابة والاحترام، وبهذه الحفاوة والتكريم، غير أسيادهم الأمويين، باعتبارهم أقرب الناس إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، حسبما صوّر لهم الإعلام الأموي المعادي لأهل البيت (عليهم السلام)، فبادر أهل الشام يسألون هشاما: من هذا الذي تعظمه الناس وتهابه، وتجلّه أكثر منك؟! وأنت ابن الخليفة وولي العهد، فبهت هشام، وتميز غيظا وازداد حقدا، واحمر لونه غضبا، ورد عليهم منفعلا وقد انتفخت أوداجه: أنا لا أعرفه! وإنما قال ذلك مخافة أن يرغب به أهل الشام، ويزهدوا في بني أمية، وخوفا من أن تنكشف حقيقة الإعلام الأموي الكاذب.
وكان الشاعر الفرزدق أبو فراس حاضرا، باعتباره شاعر البلاط الأموي آنذاك، لكنه ما إن سمع تجاهل هشام لحفيد فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، حتى استشاط غضبا وانتفض منزعجا، نصرة للحق وحبا لأهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فتوجه لأهل الشام، وهو يضرب على صدره قائلا:
ولكن أنا أعرفه، ومن أراد منكم أن يعرفه فليأت إليّ، وتحلّق أهل الشام وغيرهم بالفرزدق، فانطلق يهدر مرتجلا قصيدته العصماء المشهورة:

هذا الّذي تعرف البطحاء وطأته * * * والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلّهم * * * هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهر العلم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * * * بجدّه أنبياء الله قد ختموا
وليس قولك: من هذا؟ بضائره * * * العرب تعرف من أنكرت والعجم
كلتا يديه غياث عمّ نفعهما * * * يستوكفان، ولا يعروهما عدم
سهل الخليقة، لا تخشى بوادره * * * يزينه اثنان: حسن الخلق والشّيم
حمّال أثقال أقوام، إذا افتدحوا * * * حلو الشمّائل، تحلو عنده نعم
ما قال: لا قطّ، إلاّ في تشهّده * * * لو لا التّشهد كانت لاءه نعم
عمّ البريّة بالإحسان، فانقشعت * * * عنها الغياهب والإملاق والعدم
إذا رأته قريش قال قائلها * * * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يغضي حياء، ويغضى من مهابته * * * فما يكلّم إلاّ حين يبتسم
بكفّه خيزران ريحه عبق * * * من كفّ أروع، في عرنينه شمم
يكاد يمسكه عرفان راحته * * * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
الله شرّفه قدما، وعظّمه * * * جرى بذلك في الواحة القلم
أيّ الخلائق ليست في رقابهم * * * لأوّليّة هذا، أوله نعم
من يشكر الله يشكر أوّليّة ذا * * * فالدّين من بيت هذا ناله الأمم
ينمى إلى ذروة الدّين التي قصرت * * * عنها الأكفّ، وعن إدراكها القدم
من جدّه دان فضل الأنبياء له * * * وفضل أمّته دانت له الأمم
مشتقّة من رسول الله نبعته * * * طابت مغارسه والخيم والشّيم
ينشقّ ثوب الدّجى عن نور غرّته * * * كالشمس تنجاب عن إشراقها الظّلم
من معشر حبّهم دين، وبغضهم * * * كفر، وقربهم منجى ومعتصم
مقدّم بعد ذكر الله ذكرهم * * * في كلّ بدء، ومختوم به الكلم
إن عدّ أهل التّقى كانوا أئمتّهم * * * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطيع جواد بعد جودهم * * * ولا يدانيهم قوم، وإن كرموا
هم الغيوث، إذا ما أزمة أزمت * * * والأسد أسد الشّرى، والبأس محتدم
لا ينقص العسر بسطا من أكفّهم * * * والأسد أسد الشّرى، والبأس محتدم
يستدفع الشّر والبلوى بحبهم * * * ويستربّ به الإحسان والنعم(75)

لقد انزعج هشام من موقف الفرزدق، ومن قصيدته التي عرّفت أهل الشام بزين العابدين - الذي طالما جهلوه وجهلوا آباءه - فامتلأ قلبه غيظا عليه، لأنه جعل الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) جزءا لا يتجزأ من الإسلام، حينما وصفه بأفضل الأوصاف وعرّفه بأنه أقرب الناس إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تحت سماء الدنيا في ذلك العصر، وهو أمر كان أهل الشام يجهلونه.
وأمر هشام باعتقال الفرزدق، فاعتقل وأودع في سجون عسفان(76)، وبلغ ذلك زين العابدين، فبعث إليه باثني عشر ألف درهم، فردها الفرزدق واعتذر عن قبولها قائلا: إنما قلت ما أنشدته في اهل البيت (عليهم السلام) غضبا لله ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فردها الإمام قائلا: «قد علم الله صدق نيتك في ذلك، واقسمت بالله عليك لتقبلها»، فقبلها منه(77)، وبقي في سجن عسفان مدة من الزمان، وجعل يهجو هشاما ومما قاله فيه:

أيحبسني بين المدينة والتي * * * إليها قلوب الناس تهوي منيبها
يقلّب رأسا لم يكن رأس سيد * * * وعينا له حولاء باد عيوبها(78)

الصورة التاريخية الثانية:
وهي تتعلق بإحدى الفضائل والكرامات للإمام الحسن بن علي العسكري والد المهدي المنتظر (عليه السلام)، وقد وقعت في عصر الخليفة المعتمد ابن المتوكل العباسي، ذكرها العلامة ابن حجر الهيثمي في «الصواعق المحرقة»، في ترجمته للإمام العسكري، وسمّاه أبا محمد الحسن الخالص، وذكر له كرامات ومن كراماته قال:
لما حبس المطر قحط الناس بسر من رأى [سامراء] قحطا شديدا، فأمر الخليفة المعتمد بن المتوكل بالخروج للاستسقاء ثلاثة أيام فلم يسقوا، فخرج النصارى ومعهم راهب كلما مد يده إلى السماء هطلت، ثم خرج في اليوم الثاني فمد يده فهطلت كذلك، فشك بعض الجهلة وارتدّ بعضهم فشق ذلك على الخليفة، فأمر بإحضار الحسن الخالص وقال له: أدرك أمة جدك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبل ان يهلكوا، فقال الحسن: يخرجون غدا وأنا أزيل الشك إن شاء الله، وكلّم الخليفة في إطلاق أصحابه من السجن فاطلقهم، فلما خرج الناس للاستسقاء، ورفع الراهب يده، مع النصارى، غيّمت السماء فأمر الحسن بالقبض على يده، فإذا فيها عظم آدمي فأخذه من يده، وقال استسق فرفع يده فزال الغيم وطلعت الشمس، فعجب الناس من ذلك فقال الخليفة للحسن: ما هذا يا أبا محمد؟
فقال: «هذا عظم نبي ظفر به هذا الراهب من بعض القبور، وما كشف من عظم نبي تحت السماء إلا هطلت بالمطر».
فامتحنوا ذلك العظم فكان كما قال، وزالت الشبهة عن الناس، ورجع الحسن إلى داره وأقام عزيزا مكرما وصلات الخليفة تصل إليه كل وقت إلى أن مات بسر من رأى [سامراء]، ودفن عند أبيه وعمه، وعمره ثمانية وعشرون سنة، ويقال: إنه سمّ أيضا، ولم يخلّف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لكن آتاه الله فيها الحكمة ويسمى أبا القاسم المنتظر، قيل لأنه ستر بالمدينة وغاب فلم يعرف أين ذهب ومر في الآية الثانية عشرة قول الرافضة فيه أنه المهدي»(79).
وهكذا تؤكد الوقائع والأحداث التاريخية مرة أخرى، أن الإمامة في التقوى والعلم والفقه والدين والسياسة، كانت في طول التاريخ منحصرة بالأئمة الأطهار الأفذاذ من ذرية الإمام الحسين (عليه السلام)، وكان الخلفاء والحكام دائما ينظرون للأئمة من أبناء الحسين (عليه السلام) نظرة إجلال وإكبار وتقدير واحترام، ويفزعون إليهم في الأزمات، ويعتمدون عليهم في حل المعضلات، تأكيدا على عظيم منزلتهم وعلو شأنهم في العلم والحكمة والقيادة والسياسة. وقصة المأمون الخليفة العباسي مع الإمام الرضا (عليه السلام) أشهر من أن تذكر، وهي وحدها كافية في الدلالة على أن الإمامة والخلافة منحصرة بالأئمة من ذرية الإمام الحسين (عليه السلام)، ولم يكن لأبناء الإمام الحسن (عليه السلام) من نصيب فيها.
الدليل الخامس: شهادة علماء أهل السنة
واعترف بولادة المهدي المنتظر سنة 255 هجرية من أبيه الحسن العسكري حفيد الإمام الحسين، جمع غفير من علماء أهل السنّة، أحصاهم بعض علماء الإمامية المعاصرين(80)، فبلغوا بالإضافة إلى المؤرخين منهم أكثر من (130) عالما، نذكر هنا بعضهم مع عرض كلماتهم في تاريخ ولادته:
1 - العلامة نور الدين الحنفي في «شواهد النبوة»(81) ذكر قصة حمل أمه به إلى أن وضعته، فوقع ساجدا على الأرض، فلما جاءت به حكيمة إلى أبيه الإمام الحسن (عليه السلام) العسكري قال له:
«تكلم يا ولدي بإذن الله تعالى فقال: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ونُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ اَلْوَارِثِينَ﴾ (القصص 5). ثم قال الحسن العسكري لحكيمة:
يا عمة ردّيه إلى أمه ﴿كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا ولاَ تَحْزَنَ ولِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اَللهِ حَقٌّ ولَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (القصص 13) قالت حكيمة: فرددتّه إلى أمه، ولما ولد كان مقطوع السرة مختونا مكتوبا على ذراعه الأيمن ﴿جَاءَ اَلْحَقُّ وزَهَقَ اَلْبَاطِلُ إِنَّ اَلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾ (الإسراء 81).
2 - الحافظ الذهبي في كتاب «العبر»
قال: وفيها أي سنة (256 هـ) ولد محمد بن الحسن العسكري، بن علي الهادي، بن محمد الجواد، بن علي الرضا، بن موسى الكاظم، بن جعفر الصادق الحسيني، أبو القاسم الذي تلقبه الرافضة: الخلف الحجّة وهو خاتمة الأئمة الاثني عشر(82).
3 - العلامة المولوي محمد مبين الهندي الحنفي في «وسيلة النجاة» قال: روي عن أبي محمد العسكري أنه سأله رجل عن الإمام والخليفة من بعده، فدخل البيت فأخرج طفلا كان وجهه البدر، فقال:
«لو لم يكن لك عند الله كرامة لما أريتك، ثم قال: إن اسمه اسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكنيته كنيته، وهو الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا»(83).
4 - العلامة سراج الدين بن عبد الله المخزومي الرافعي في «صحاح الأخبار» قال: وكان له - أي الإمام علي الهادي - خمسة أولاد: الإمام الحسن العسكري والحسين، ومحمد، وجعفر، وعائشة، فالحسن العسكري أعقب صاحب السرداب، الحجّة المنتظر، ولي الله محمد المهدي(84).
5 - العلامة عبد الوهاب الشعراني في «اليواقيت والجواهر».
قال: يترقّب خروج المهدي، وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري، مولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى (عليه السلام) فيكون عمره إلى وقتنا هذا سنة (958 هـ) 766 سنة(85).
وقد كتب على مسودة كتاب «اليواقيت والجواهر» جماعة من مشايخ العلماء بمصر وأجازوه ومدحوه، منهم الشيخ شهاب الدين الشلبي الحنفي، والشيخ شهاب الدين عميرة الشافعي، والشيخ ناصر الدين اللقاني المالكي، والشيخ محمد البرمتوشي الحنفي، وشيخ الإسلام الفتوحي الحنبلي، كتبوا عليه: لا يقدح في معاني هذا الكتاب إلا معاند مرتاب أو جاحد كذاب.
وهذا يعني: أن هؤلاء العلماء الأجلاء، كلهم يعترفون بولادة المهدي المنتظر وغيبته، على طريقة العارف الكبير العلامة الشعراني رحمه الله تعالى.
6 - العلامة ابن طولون الدمشقي في «الشذرات الذهبية في تراجم الاثني عشرية» قال: ثاني عشرهم وهو أبو القاسم محمد بن الحسن بن علي الهادي، آخر الأئمة الاثني عشر، وكانت ولادته رضي الله عنه يوم الجمعة، منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولما توفي أبوه المتقدم ذكره (رضي الله عنهما)، كان عمره خمس سنين(86).
7 - العلامة ابن حجر الهيثمي في «الصواعق المحرقة» قال: ولم يخلّف - أي الإمام الحسن العسكري - غير ولده أبي القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لكن آتاه الله فيها الحكمة، ويسمى القائم المنتظر(87).
8 - العلامة الحمزاوي في «مشارق الأنوار» قال: قال سيدي عبد الوهاب الشعراني في «اليواقيت والجواهر»: المهدي من ولد الإمام الحسن العسكري، ومولده ليلة النصف من شعبان، سنة خمس وخمسين ومائتين، وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم (عليها السلام)(88).
9 - العلامة الشيخ حسن العراقي.
10 - العلامة علي الخواص.
ذكر هذين العلمين - أعني: حسن العراقي وعلي الخواص - العلامة الحمزاوي، بعد أن نقل خبر العلامة الشعراني، وهذا نص كلامه: هكذا اخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كوم الريش، المطل على بركة الرطل بمصر المحروسة، ووافقه على ذلك سيدي علي الخواص(89).
11 - العلامة عبد الرحمان بن عمر، مفتي الديار الحضرمية في كتابه «بغية المسترشدين» قال: نقل السيوطي عن شيخه العراقي: أن المهدي ولد سنة (255 هـ) وقال: ووافقه الشيخ علي الخواص، فيكون عمره في وقتنا سنة (958 هـ) (703 سنين)، وذكر أحمد الرملي أن المهدي موجود، وكذلك الشعراني(90).
12 - العلامة عبد الله بن محمد الشبراوي الشافعي المصري في كتابه «الإتحاف بحب الأشراف»(91) قال: ولد الإمام محمد الحجة ابن الإمام الحسن الخالص رضي الله عنه بسر من رأى [سامراء]، ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين قبل موت أبيه بخمس سنين، وكان أبوه قد أخفاه حين ولد وستر أمره لصعوبة الوقت وخوفه من الخلفاء، فإنهم كانوا في ذلك الوقت يطلبون الهاشميين ويقصدونهم بالحبس والقتل ويريدون إعدامهم، وكان الإمام محمد الحجة يلقب أيضا بـ «المهدي، والقائم، والمنتظر، والخلف الصالح، وصاحب الزمان وأشهرها المهدي»(92).
13 - العلامة عباس بن علي المكي في «نزهة الجليس» قال: الإمام المهدي المنتظر، أبي القاسم محمد بن الحسن العسكري، بن علي الهادي، بن محمد الجواد، بن علي الرضا، بن موسى الكاظم، بن جعفر الصادق، بن محمد الباقر، بن علي بن الحسين، بن علي بن أبي طالب، هو القائم والمنتظر.. كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولما توفي أبوه كان عمره خمس سنين.. والصحيح: أن ولادته في ثامن شعبان، سنة ست وخمسين ومائتين(93).
14 - العلامة ابن الصباغ المالكي في كتابه «الفصول المهمة» قال:
ولد أبو القاسم، محمد الحجة بن الحسن الخالص بسر من رأى [سامراء]، ليلة النصف من شعبان، سنة خمس وخمسين ومائتين للهجرة(94).
15 - العلامة ابن الخشاب في كتابه «مواليد أهل البيت» فإنه روى بسنده إلى علي بن موسى الرضا (عليه السلام) أنه قال:
«الخلف الصالح من ولد أبي محمد [العسكري] الحسن ابن علي، وهو صاحب الزمان، القائم المهدي»(95).
16 - العلامة أبو الفلاح عبد الحي الحنبلي، صرح بولادة المهدي المنتظر من أبيه الحسن العسكري في الجزء الثاني من كتابه «شذرات الذهب».
17 - العلامة عبد الرحمن البسطامي في كتابه «درة المعارف» قال بعد أن صرح بولادته: والمهدي أكثر الناس علما وحلما، وعلى خده الأيمن خال، وهو من ولد الحسين، ونقل القندوزي الحنفي في «ينابيع المودة» أن العلامة البسطامي له أشعار في شأن المهدي(96).
18 - العلامة الابياري في «جالية الكدر» في شرح منظومة البرزنجي قال في ترجمة المهدي المنتظر: كان عمره عند وفاة أبيه الحسن العسكري خمس سنين، آتاه الله فيها الحكمة كما آتاها يحيى صبيا(97).
19 - العلامة البدخشي في «مفتاح النجا» قال: ولد ابن الحسن العسكري ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ويلقب بـ «الخلف الصالح والحجة، والمنتظر، والقائم، والمهدي، وصاحب الزمان» قد آتاه الله الحكمة وفّصل الخطاب في الطفولة، كما آتاها يحيى (عليه السلام)، وجعله إماما في المهد كما جعل عيس (عليه السلام) نبيا(98).
20 - العلامة القندوزي الحنفي في كتابه «ينابيع المودة» قال: فالخبر المحقّق عند الثقات، أن ولادة المهدي ابن الإمام الحسن العسكري، كانت ليلة الخامس من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين في بلدة سامراء، عند القران الأصغر الذي كان في القوس، وهو رابع القران الأكبر الذي كان في القوس، وكان الطالع في الدرجة الخامسة والعشرين من السرطان(99).
21 - العلامة محمد خواجة بارسا في «فصل الخطاب» «ذكر قصة ولادته وقال: فلما كان وقت الفجر اضطربت والدته نرجس، فقامت إليها حكيمة فوضعت المولود المبارك، فلما رأته حكيمة أتت به الحسن (رضي الله عنهم) وهو مختون، فأخذه ومسح بيده على ظهره وعينيه وأدخل لسانه في فمه، وأذن في أذنه اليمنى وأقام في الأخرى، ثم قال: «يا عمه، اذهبي به إلى أمه» فردته إلى أمه.
وروي عن حكيمة أنها سألت الحسن العسكري عن مولوده، فقالت:
يا سيدي هل عندك من علم في هذا المولود المبارك؟ فقال:
«يا عمة هذا المنتظر المبارك الذي بشّرنا به» فخررت لله ساجدة شكرا على ذلك، ثم كنت أتردد إلى الإمام الحسن فلا أرى المولود فقلت: يا مولاي ما فعلت بسيدنا المنتظر؟ قال: «استودعناه الله الذي استودعته أم موسى (عليه السلام) ابنها» وقالوا:
آتاه الله تبارك وتعالى الحكمة وفصل الخطاب، وجعله آية للعالمين، كما قال تعالى ﴿يَا يَحْيى خُذِ اَلْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وآتَيْنَاهُ اَلْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ (مريم 12). وقال تعالى ﴿قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي اَلْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ (مريم 29).
وطوّل الله تبارك وتعالى عمره كما طوّل عمر الخضر (عليه السلام)(100).
22 - العلامة الشبلنجي في كتابه «نور الأبصار» اعترف بأن المهدي المنتظر هو المولود سنة 255 هجرية(101)، من أبيه الحسن العسكري حفيد الإمام الحسين (عليه السلام).
23 - العلامة الكنجي في كتابه «كفاية الطالب» صرّح بولادته بسامراء وذكر نسبه في السلسلة الذهبية الطاهرة إلى أبيه الحسن العسكري (عليهم السلام)(102).
24 - العلامة ابن طلحة الشافعي في كتابه «مطالب السؤول» فإنه نسب المهدي المنتظر (عليه السلام)، إلى آبائه، ابتداء من أبيه الحسن العسكري، صعودا إلى جده الإمام الحسين (عليه السلام)، وذكر أنه ولد سنة (258 هـ)(103).
25 - العلامة سبط ابن الجوزي في «تذكرة الخواص» اعترف بولادة المهدي المنتظر (عليه السلام)، وذكر نسبه إلى جده الإمام الحسين بن علي (عليه السلام)، وقال: وهو الخلف الحجة، صاحب الزمان، والقائم، والمنتظر، والتالي، وهو آخر الأئمة(104).
26 - العلامة العارف إمام المتصوفة، الشيخ محي الدين ابن العربي الطائي في كتابه «الفتوحات» على ما نقل عنه العلامة ابن الصبان في كتابه «إسعاف الراغبين» قال: قال الشيخ محي الدين في «الفتوحات» اعلموا:
«أنه لا بد من خروج المهدي، ولكن لا يخرج حتى تمتلئ الأرض جورا وظلما، فيملأها قسطا وعدلا، وهو من عترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من ولد فاطمة (رضي الله تعالى عنها)، جده الحسين بن علي بن أبي طالب، ووالده الإمام الحسن العسكري، ابن الإمام علي النقي [بالنون] ابن الإمام محمد التقي [بالتاء]، ابن الإمام الرضا، ابن الإمام موسى الكاظم، ابن الإمام جعفر الصادق، ابن الإمام محمد الباقر، ابن الإمام زين العابدين، ابن الإمام الحسين، ابن الإمام علي بن أبي طالب»(105).
ونقل هذا الكلام عن ابن العربي الشعراني أيضا في كتابه «اليواقيت والجواهر»(106).
والغريب العجيب أن النسخة المتداولة في عصرنا الحاضر لكتاب «الفتوحات» تخالف عباراتها ما ذكره الشعراني وابن الصبان، فإنه لا يوجد فيها النسب الشريف للمهدي المنتظر (عليه السلام)، وهكذا يفعل الجهلاء الذين لا قوة لهم على مواجهة أدلة الحق إلا بالتحريفات.
وبعد ثبوت ولادة المهدي المنتظر بشهادة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والأئمة من أهل بيته، واعتراف المؤرخين من الطائفتين، وجمع كبير من علماء أهل السنّة بولادته من أبيه الحسن العسكري حفيد الإمام الحسين، لا يبقى هناك مجال للشك فيها، إلا بدافع المكابرة والعناد، لأن مثل هذه الشهادات لم تتم حتى لكبار رجال التاريخ، بل ولم تتحقق كذلك حتى لكثير من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام أجمعين.
ولعل الأستاذ أحمد عثمان أبو المجد، بعد إطّلاعه على الوثائق التاريخية الدامغة، التي تثبت ولادة الإمام المهدي المنتظر حفيد الإمام الحسين، يقف حائرا ومتسائلا: أين ذهب هذا المولود المبارك؟ وهل حقا غاب عن الأنظار بقدرة الحكيم الجبار، كما يقول علماء الإمامية، ويؤيدهم على اعتقادهم هذا جماعة من علماء أهل السنة الأعلام؟ وإذا كان الأمر كذلك فما الأدلة العلمية التي تثبت غيبته، وتدل على أنه ما زال باقيا حيا إلى يومنا هذا؟
والجواب على هذه الأسئلة وتساؤلات أخرى كثيرة، يمكن أن تثار حول موضوع غيبة المهدي المنتظر حفيد الحسين، خارج عن نطاق البحث الذي حددناه سلفا لموضوع هذه الرسالة، ونأمل أن نجيب على هذه الأسئلة في رسالة مستقلة في وقت قريب إن شاء الله تعالى.
ولكن ما ينبغي الالتفات إليه هنا هو: أنه لم نجد أحدا من المؤرخين نص على وفاة المهدي المنتظر ابن الإمام العسكري بتاريخ محدد، مع أن المتعارف في تراجم الرجال الأعلام وقوع الاختلاف بين المؤرخين في ولاداتهم، وأما تواريخ وفياتهم فغالبا ما يتفقون عليها، لأنه ما أن يلمع نجم أحدهم ويسطع اسمه وينتشر صيته في مجال اختصاصه، يلتفت المؤرخون إليه - بعد ما كان مغمورا في مجتمعه - ويضبطون جميع تفاصيل حياته بشكل دقيق إلى مماته، ولكن الأمر في حياة ابن العسكري الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) كان مختلفا تماما، فهم يعرفون تاريخ ولادته، ولكنهم لا يعرفون شيئا عن حياته، مع أن أكثرهم يصرحون، بأن أباه مات وكان لولده المهدي من العمر خمس سنين، آتاه الله تعالى فيها العلم والحكمة وفصل الخطاب صبيا، كما آتاها يحيى بن زكريا صبيا، وهذا يعني أنه كان من مشاهير أعلام عصره في مطلع طفولته، بل إنه كان شخصية استثنائية في تاريخ الأمة الإسلامية.
والسؤال الذي يطرح نفسه على كل عاقل هو: كيف يجهل المؤرخون تاريخ وفاة هذه الشخصية الفريدة من نوعها والاستثنائية في زمانها، ولا يعرفون شيئا عن نشاطها العلمي ودورها الاجتماعي والسياسي في الأمة، ولا يعرفون شيئا عن تاريخ وفاتها!؟.
الدليل السادس: شهادة علماء الإمامية
يتفق علماء الشيعة الإمامية، على أن المهدي المنتظر من ذرية الإمام الحسين، كما يتفقون على أنه ابن الحسن العسكري الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام جميعا) وهذا ملخص كلامهم في ترجمة حياته حيث قالوا:
هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت، واسمه محمد ويعرف بالحجة، والمنتظر، والمهدي، وصاحب الزمان، وصاحب الأمر، والقائم والمنتقم، والغائب، وبقية الله، ووارث الأنبياء.. ولد في مدينة سامراء من مدن العراق، وكانت آنذاك عاصمة الخلافة العباسية، وكان مولده عند بزوغ الفجر الصادق، حين ارتفاع صوت المؤذن بـ «الله أكبر» لصلاة الصبح من يوم الجمعة، المصادف الخامس عشر من شهر شعبان المبارك، من سنة (255 هـ).
ومما جاء في أخبار ولادته، أنه نزل على الأرض - حين الولادة - على وجهه ساجدا جاثيا على ركبتيه، وشوهد انبثاق عمود من نور، وسطوعه من فوق رأسه، وارتفاعه إلى عنان السماء، وأضاءت المدينة كلها بنوره، ورافقت ولادته كرامات كثيرة نص على بعضها علماء الشيعة والسنة.
واسم أمه نرجس، ولها أسماء أخرى، وهي بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمها من ذرية الحواريين، تنسب إلى شمعون وصي المسيح، فيكون نبي الله عيسى بن مريم (عليه السلام) خال المهدي المنتظر بهذا النسب المتّصل بأمه من بعيد.
أما أبوه فهو الإمام الحسن العسكري، ابن الإمام على الهادي، ابن الإمام محمد الجواد، ابن الإمام علي الرضا، ابن الإمام موسى الكاظم، ابن الإمام جعفر الصادق، ابن الإمام محمد الباقر، ابن الإمام علي زين العابدين، ابن الإمام الحسين الشهيد، ابن الإمام علي بن أبي طالب عليهم الصلاة والسلام جميعا.
وقد توفي أبوه وكان للمهدي المنتظر (عليه السلام) من العمر خمس سنين، آتاه الله فيها العلم والحكمة وفصل الخطاب، وكان مربوع القامة حسن الوجه والشعر، أقنى الأنف، أجلى الجبهة، في خده الأيمن خال(107).
ومن الجدير بالذكر أن أحاديث الغيب النبوية لا تعتبر من دلائل النبوة ومعجزاتها، ما لم يتطابق مضمونها مع الواقع المخبر عنه تمام المطابقة، وهنا نسجل ملاحظة دقيقة وهي:
إن الأحاديث النبوية التي ذكرت أوصاف المهدي المنتظر، نجدها مطابقة تمام المطابقة لما جاء بشأن وصف المؤرخين، وعدد كبير من علماء أهل السنة، لمحمد بن الحسن العسكري حفيد الإمام الحسين، وللتأكد من هذه المطابقة، نعود ونذكّر بجملة من كلمات بعضهم في وصفه:
قال القرماني في أخبار الدول: في ذكر أبي القاسم محمد الحجة الخلف الصالح، وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه الله فيها الحكمة كما أؤتيها يحيى (عليه السلام) صبيا، وكان مربوع القامة، حسن الوجه والشعر، أقنى الأنف أجلى الجبهة(108).
وقال السويدي في (سبائك الذهب) في خط الإمام الحسن العسكري:
محمد المهدي وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين، وكان مربوع القامة، حسن الوجه والشعر، أقنى الأنف، صبيح الجبهة(109).
وهذه الأوصاف مطابقة لما جاء في الرواية الصحيحة عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: «المهدي منّي، أجلي الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا»(110).
ومن الدلائل المؤكدة بأن محمد بن الحسن العسكري حفيد الإمام الحسين هو المهدي المنتظر (عليهم السلام) ما ذكره المؤرخون، وجمع كبير من علماء أهل السنّة في وصفه بأنه «كان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه الله فيها العلم والحكمة والبيان صبيا، كما أوتيها نبي الله يحيى بن زكريا صبيا».
ذكره بهذا الوصف القرماني في «أخبار الدول»، وابن حجر في «الصواعق المحرقة»، والأبياري في «جالية الكدر»، والبدخشي في «مفتاح النجا»، وهذه هي صفات أولياء الله، الذين أعدهم لحمل رسالته للعالمين.
سؤال وجيه:
ورد في رواية لأبي سعيد الخدري عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث لفاطمة (عليه السلام) قوله (عليهم السلام) في الحسن والحسين «وهما سيدا شباب أهل الجنة... يا فاطمة والذي بعثني بالحق إن منهما مهدي هذه الأمة»(111) فكيف نفهم هذا الحديث مع ما فيه من الدلالة على أن المهدي (عليه السلام) من ولد الإمام الحسن (عليه السلام) أيضا؟!!
الجواب:
كما تعلمون أنه لم يرد في الروايات أن المهدي المنتظر من ولد الحسن إلا في رواية واحدة، ذكرها أبو داود في سننه، وهي رواية مطعون بسندها كما عرفنا، وإن صحت فهي محرّفة لصالح الحسنيين، أما الروايات التي ذكرت ان المهدي من ولد الحسين فبالعشرات، ولم نذكر منها هنا إلا نزرا يسيرا، ومع ذلك بإمكاننا أن نقول بأن المهدي المنتظر من ولد الحسن أيضا على ضوء الرواية التي ذكر فيها النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الحسن والحسين (عليهم السلام) وقال:
«إن منهما مهدي هذه الأمة»، فيكون المهدي المنتظر حقيقة من ولد الحسن أيضا، كما هو من ولد الحسين، لما هو ثابت تاريخيا:
أن زوجة الإمام علي بن الحسين زين العابدين، هي أم الإمام محمد الباقر، واسمها فاطمة بنت الحسن المجتبى، فيكون الإمام محمد الباقر هاشمي علوي من جهتين، لأن ذريته المباركة من ذرية الإمامين الحسن والحسين، والإمام المهدي المنتظر، من هذه الشجرة الطيبة الطاهرة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء.
وشاهد ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى ﴿ووَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ ويَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا ونُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ ومِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وسُلَيْمَانَ وأَيُّوبَ ويُوسُفَ ومُوسى وهَارُونَ وكَذَلِكَ نَجْزِي اَلْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا ويَحْيى وعِيسى وإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ اَلصَّالِحِينَ﴾ (الأنعام 84-85).
وهكذا ألحق الله تعالى عيسى (عليه السلام) بذرية الأنبياء من جهة مريم (عليها السلام)، وكذلك ألحقت ذرية الإمام محمد الباقر بالحسن من جهة أمه فاطمة بنت الحسن، وألحقت ذرية الإمام علي برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من جهة ابنته فاطمة زوجة الإمام علي (عليه السلام).
هذا هو التفسير الصحيح، الذي لا ينبغي التمسك بغيره في فهم معنى حديث أبي داود السابق، إذا ثبتت صحته، كما هو المعنى الظاهر من الرواية عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الحسن والحسين «وإن منهما مهدي هذه الأمة».
إشكال وجواب:
قد يقال إن الأكثرية من علماء أهل السنة، يعتقدون بأن اسم والد المهدي المنتظر هو عبد الله، استنادا إلى ما جاء في سنن أبي داود عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: «اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي»، وهذا يخالف ما يذهب إليه علماء الشيعة الإمامية، الذين يعتقدون بأن المهدي ابن الإمام الحسن العسكري، فكيف تجيبون على هذا الإشكال؟.
الجواب: إن علماء الشيعة الإمامية يمتلكون الأدلة القاطعة على عدم صحة ما روي من طرق إخوانهم أهل السنة، فيما يخص والد المهدي المنتظر، وذلك للأسباب التالية:
أولا: إن حديث أبي داود رواه بلفظه كل من الحافظ الترمذي في صحيحه، والحافظ ابن ماجة في سننه، وأبو نعيم الأصفهاني في كتبه الثلاثة المختصة بأحوال المهدي، كما أخرجه بلفظه غير هؤلاء الحفاظ، ولكنهم جميعا رووه بغير هذه الزيادة «اسم أبيه اسم أبي».
ثانيا: إن الإمام أحمد بن حنبل على سعة إطلاعه في علم الحديث وقرب عهده من عصر التابعين، وعلى كثرة رواياته لأحاديث المهدي (عليه السلام)، لم يذكر هذه الزيادة في مسنده، في جميع أحاديث المهدي (عليه السلام) التي بلغت في مسنده أكثر من ثلاثين حديثا.
ثالثا: من الثابت أن أهل البيت رووا أحاديث المهدي المنتظر (عليه السلام) بأسانيد السلسلة الذهبية، عن جدهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأخرج علماء الإمامية عنهم أكثر من ستمائة رواية بشأن المهدي (عليه السلام) لا توجد فيها هذه الزيادة إطلاقا.
وعلى ضوء تصريحات رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) التي مرت معنا، ودلت على أن المهدي المنتظر من ولد الحسين (عليهم السلام)، والتي عززتها شهادات أئمة أهل البيت، وشهادات كبار المؤرخين، بالإضافة إلى شهادة الواقع التاريخي لسيرة الأئمة من ذرية الإمام الحسين.
ومع هذه الشواهد الكثيرة نقطع بعدم صحة الرواية التي تقول «واسم أبيه اسم أبي» مما يوجب عدم الاعتناء بها إلا لمعاند متعصب، وخاصة بعد التأكد من تلاعب العباسيين بالأحاديث النبوية لدعم سلطانهم وتزكية خلفائهم، ومنهم محمد بن عبد الله الملقب بالمهدي ثالث خلفاء الدولة العباسية، مما يكشف أنهم هم الذين دسوا هذه الزيادة لتنطبق على خليفتهم العباسي، ثم دخلت في بعض الأحاديث الصحيحة عن طريق بعض الرواة المدسوسين أو المغفلين، وهناك أدلة كثيرة تعزز هذا الرأي سنتناولها في كتاب مستقل إن شاء الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين، وهو ولي التوفيق عليه توكلنا وإليه ننيب.

مصادر الرسالة

كتب الحديث

1 - المصنف لابن أبي شيبة: الدار السلفية - طبع بومبي
2 - مسند أحمد بن حنبل لبنان - دار الفكر
3 - سنن أبي داود لبنان دار إحياء السنة النبوية
4 - سنن ابن ماجة لبنان - دار الفكر
5 - مستدرك الصحيحين للحاكم النيسابوري: لبنان - دار الكتب العلمية
6 - كنز العمال للمتقي الهندي: لبنان - مؤسسة الرسالة
7 - الموضوعات لابن الجوزي: القاهرة - مطبعة المجد
8 - فرائد السمطين للجويني: لبنان - مؤسسة المحمودي
9 - ينابيع المودة للحنفي القندوزي: تركيا، مطبعة إختر أسلامبول
10 - المعجم الكبير للطبراني: الطبعة الثانية - تحيق أحمد السفلي
11 - صحاح الأخبار للمخزومي الرافعي: طبع الهند - بومبي 1306 هجرية
12 - وسيلة النجاة للمولوي: مبين الهندي الحنفي - طبع الهند كلشن فيض بلكهنو
13 - دلائل الإمامة لأبي جعفر الطبري - النجف الأشرف المطبوعات الحيدرية
14 - مقتضب الأثر لأحمد الجوهري: إيران - قم، طبع مكتبة الطبطابئي
15 - اثبات الهداة للحر العاملي: إيران - قم، المطبعة العلمية
16 - كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر للخزار القمي: طبع إيران - قم، انتشارات بيدار 17 - حجية السنة لعبد الغني: مصر - دار السعادة
18 - المنار المنيف لأبي القيم الجوزية: حلب - مكتبة المطبوعات الجوزية
19 - منتخب كنز العمال للمتقي الهندي بهامش مسند أحمد: لبنان - دار الفكر
20 - اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة لابن بطريق: إيران قم 21 - العمدة لنور الدين الهيثمي: لبنان - دار الكتاب العربي
22 - مجمع الزوائد للسيوطي: لبنان - دار المعرفة
23 - ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري: القاهرة - مكتبة القدسي
24 - غريب الحديث لابن الجوزي: لبنان - دار الكتب العلمية
25 - النهاية في غريب الحديث للجزري: مصر المكتبة الإسلامية 26 - سنن الترمذي لبنان - دار إحياء التراث العربي
27 - حلية الأولياء لأبي نعيم: لبنان - دار الكتب العلمية 1988 ميلادية

كتب التاريخ

28 - تاريخ الأمم والملوك للطبري: لبنان - دار التراث
29 - سيرة الأئمة الاثني عشر لهاشم معروف الحسني: لبنان - دار التعارف 1986 ميلادية
30 - الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: النجف الأشرف - مكتبة دار الكتب
31 - بحار الأنوار للمجلسي: لبنان - دار الوفاء
32 - أخبار أصبهان لأبي نعيم الأصفهاني: طبع ليدن
33 - أخبار الدول وأثار الأول للقرماني: لبنان - عالم الكتب 34 - مروج الذهب للمسعودي: طبع مصر 1367 هجرية
35 - تاريخ ابن الودري النجف الأشرف - المطبعة الحيدرية
36 - تاريخ ابن خلدون لبنان - دار الفكر
37 - مرآة الجنان لليافعي: طبع لبنان 1379 هجرية
38 - كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفاني: لبنان - دار الفكر 1986 ميلادية
39 - أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب لابن الجزري الشافعي: طبع إيران - تحقيق الدكتور هادي الأميني 40 - مقتل الحسين للخوارزمي: طبع النجف الأشرف
41 - الكامل في التاريخ لابن الأثير: لبنان - دار صادر
42 - البداية والنهاية لابن كثير: لبنان - دار الفكر
43 - الصواعق المحرقة لابن حجر الميثمي: مصر - مكتبة القاهرة.
44 - مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني الأموي: تحقيق أحمد صقر، طبع القاهرة 1449 ميلادية
45 - الشذرات الذهبية في الأئمة الاثني عشر الإمامية لابن طولون: لبنان - دار صادر 46 - مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: طبع إيران - قم، منشورات العلامة
47 - كشف الغمة في معرفة الأئمة لأبي فتح الأربلي: لبنان - دار الكتاب الإسلامي 48 - الأنوار الإلهية في تاريخ الحجج الإلهية لعباس القمي: إيران - مكتبة المفيد 49 - نور الأبصار للشلبنجي: القاهرة - دار الفكر
50 - فصل الخطاب للخواجا بارسا البخاري عن ينابيع المودة: لبنان - طبع العرفان
51 - إسعاف الراغبين لابن الصبان المالكي موجود بهامس نور الأبصار للشبلنجي: القاهرة - دار الفكر
52 - مفتاح النجا للبدخشي مخطوط
53 - جالية الكدر للأبياري شرح منظومة البرزنجي: طبع مصر
54 - كفاية الطالب للكنجي الشافعي الدمشقي: النجف الأشرف - مطبعة الغري
55 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول لابن طالحة الشافعي: النجف الأشرف - دار الكتب
56 - تذكرة الخواص لابن الجوزي: النجف الأشرف - مطبعة الغري
57 - الإرشاد للشيخ المفيد: لبنان - مؤسسة الأعلمي
58 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: مطبعة البابي الحلبي
59 - وفيات الأعيان لابن خلكان: طبع مصر 1275 هجرية
60 - الشذرات الذهبية لابن طولون: طبع بيروت
61 - اثبات الوصية للمؤرخ المسعودي: النجف الأشرف - المطبعة الحيدرية
62 - الإمام السجاد للشيخ باقر الشريف القرشي: لبنان - دار الأضواء
63 - الإمام السجاد للدكتور حسين الحاج حسن: لبنان - دار المرتضى
64 - نهاية الإرب للنويري: تحقيق الدكتور العريبي 1992 ميلادية الكتب الخاصة بالمهدي المنتظر
65 - عقد الدرر للسلمي المقدسي: القاهرة - عالم الفكر
66 - الإشاعة للبرزنجي: لبنان - دار الكتب العلمية
67 - البيان في أخبار صاحب الزمان للكنجي الشافعي: لبنان - بيروت، إصدارات مركز وراث الأنبياء
68 - ثورة الموطئين للمهدي للشيخ الفتلاوي: لبنان - طبع دار الوسيلة 69 - البرهان في أخبار صاحب الزمان للمتقي الهندي مجلدان: تحقيق جاسم الياسين: الكويت - طبع دار السلاسل
70 - الحاوي للفتاوي للسيوطي: لبنان - دار الكتب العلمية
71 - السنن الواردة لأبي عمر الداني: لبنان - دار الكتب العلمية
72 - الغيبة للنعماني: طهران - مكتبة الصدوق
73 - كمال الدين وإتمام النعمة للصدوق: طبع إيران، قم، جامعة المدرسيين
74 - كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأنظار طهران - مكتبة نينوى
75 - منتخب الأثر في الأئمة الأثني عشر للطف الله الصافي: لبنان - مؤسسة الوفاء 76 - الملاحم والفتن لابن طاووس: إيران - قم، منشورات الرضي
77 - الغيبة للشيخ الطوسي طهران: مكتبة نينوى
78 - الفتن لنعيم بن حماد: لبنان - دار الكتب العلمية

كتب تراجم الرجال

79 - تذكرة الحفاظ للذهبي: لبنان - دار إحياء التراث العربي
80 - ميزان الاعتدال للذهبي: لبنان - دار المعرفة
81 - الكامل في ضعف الرجال لابن عدي الجرجاني: لبنان - دار الفكر 82 - طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي: مطبعة الباب الحلبي 1383 هجرية

كتب متفرقة

83 - نزهة الجليس لعباس بن علي المكي: طبع القاهرة
84 - الإتحاف بحب الاشراف للشبراوي: طبع مصر 1316 هجرية 85 - بغية المسترشدين لعبد الرحمن بن عمر فتي الديار الحضرمية: طبع مصر
86 - مشارق الأنوار في فوز أهل الاعتبار للحمزاوي: مصر - الطبعة العثمانية 87 - اليواقيت والجواهر للشعراني: مصر - عبد الحميد أحمد حنفي
88 - ديوان الفرزدق شرح وضبط علي خريس: لبنان - مؤسسة الأعلمي

الهوامش:

ــــــــــــــــــــــ

(1) الملاحم والفتن لابن طاووس 166-117 نقلا عن تاريخ الطبري، وروى هذا الحوار ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح، لكنه لم يصرح باسم معاوية، كما رواه نعيم بن حماد في الفتن 102 بسند صحيح أيضا وفيه بعض الاختلاف، ونقله المتقي الهندي عن المنصف لا بن أبي شيبة وعن الفتن لنعيم بن حماد في كتابه البرهان في علامات مهدي آخر الزمان 2 /592. 593 وقال محقق الكتاب في الهامش التخريج صحيح.
(2) الفتن لابن حماد 263 حديث 1036.
(3) الفتن لابن حماد 266 حديث 1054.
(4) مقاتل الطالبيين 140/171، مناقب ابن شهرآشوب 4/227، البحار 47 ح 18.
(5) مقاتل الطالبيين 142.
(6) المناقب لابن شهرآشوب 4/248.
(7) الأغاني 12/81 طبع الساسي.
(8) كنز العمال ج 14 ص 264 حديث 38663، رواه الدار قطني في الأفراد وابن عساكر في تاريخه وقال الدار قطني: هذا حديث غريب تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم، الصواعق المحرقة الباب الحادي عشر، الفصل الأول ص 166 ثم علق عليه بقوله: قال الذهبي تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم وكان يضع الحديث.
(9) أخرجه ابن انجوزي في الموضوعات 2/136، اللآلئ 1/435.
(10) ثورة الموطئين للمهدي ص 229 للمؤلف طبع دار الوسيلة.
(11) تذكرة الحفاظ للذهبي1/2، حجية السنة 394.
(12) تذكرة الحفاظ للذهبي1/5، حجية السنة 394.
(13) تذكرة الحفاظ للذهبي1/7.
(14) تذكرة الحفاظ 1/7، مستدرك الصحيحين 1 حديث 374 صحيح باتفاق الذهبي.
(15) تقييد العلم 49، حجية السنة 395 عن البيهقي وابن عبد البّر.
(16) تقييد العلم 53، حجية السنة 395.
(17) حجية السنة 395.
(18) منتخب كنز العمال 4/172.
(19) مستدرك الصحيحين 1/196 حديث 385.
(20) مستدرك الصحيحين 1/196 حديث 385.
(21) سنن ابن ماجة 1/12 و13 و21، سنن أبي داود 3/3050، وج 4 حديث 4604، وحديث 4605، سنن الترمذي ج 5 حديث 2663 وحديث 2664، مستدرك الصحيحين 1 حديث 108 وحديث 109، مسند أحمد ج 4 حديث 130 و132.
(22) النحل 44.
(23) مسند أحمد 4/131، سنن أبي داود 4/200/ 4604.
(24) السنن لأبي داود 4/108/3290، الفتن لابن حماد 266/1061، كنز العمال 13/ 647/37636.
(25) المنار المنيف 144 حديث 329 عن أبي داود.
(26) عقد الدرر 24، اسمى المناقب في تهذيب أسنى المطالب للجزري الدمشقي الشافعي 165 168/61، العمدة 434 حديث 912.
(27) المنار المنيف 144.
(28) سيأتي هذا الحديث ضمن الأحاديث التي نثبت بها أن المهدي من ولد الحسين (عليه السلام).
(29) الإشاعة 147.
(30) شرح ابن أبي الحديد ج 4/407، سيرة الأئمة الاثني عشر 1/532.
(31) تاريخ الطبري ج 6 ص 92/ابن أبي الحديد 4/697، مجمع الزوائد 9/172.
(32) النزاع والتخاصم للمقريزي 93.
(33) الطبري 6/217، البداية والنهاية 8/169.
(34) مقتل الحسين للخوارزمي 1/158.
(35) الكامل في التاريخ 3/280، تاريخ الطبري 4/304.
(36) عقد الدرر 24، أسنى المطالب للجزري 130، العمدة 434 حديث 912.
(37) في بعض الروايات: ضخم البدن، وهو الأصح.
(38) اكثر الروايات من طرق أهل البيت (عليهم السلام) قالت: بخده الأيمن خال.
(39) عقد الدرر 38.
(40) عقد الدرر 24 وكذلك 31، ذخائر العقبى 136 وكذلك 37 وزاد فيه قوله «اسمه كاسمي»، فرائد السمطين 2/325 حديث 575 لكنه قال «فضرب بيده على ظهر الحسين»، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي 224، المنار المنيف 148 حديث 339 لكنه لم يذكر سؤال سلمان وجواب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليه، وهكذا يفعلون.
(41) وفي رواية ضخم البدن وهو الأصح لملائمتها لقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): الجسم جسم إسرائيلي.
(42) والأصح بخده الأيمن خال.
(43) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1/281 وقال ابن أبي الحديد: ذكر هذا الحديث بعينه عبد الله بن قتيبة في كتاب «غريب الحديث»، شرح النهج أيضا 19/130، غريب الحديث لابن الجوزي 1/449، النهاية 2/325 من الغريين للهروي، ينابيع المودة للحنفي القندوزي 497. 498.
(44) البيان للحافظ الكنجي الشافعي الباب التاسع عن الدارقطني، الفصول المهمة 295 عن الدارقطني، ينابيع المودة للقندوزي 490 عن فضائل الصحابة.
(45) عقد الدرر 223 وقال: أخرجه الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في «صفة المهدي»، والحافظ نعيم بن حماد، والحافظ الطبراني في «معجمه».
(46) الفتن لنعيم بن حماد 473 وهو مقطع من حديث طويل.
(47) ينابيع المودة للحنفي القندوزي 445.
(48) مقتل الحسين للخوارزمي 146، ينابيع المودة للحنفي القندوزي 166.
(49) البرهان 2/526 حديث 16، عقد الدرر 137-138.
(50) الإشاعة 147.
(51) عقد الدرر 90. 99.
(52) الفتن لابن حماد 262/1027، البرهان 2/594/76 عن ابن منده وليس فيه «يبعث الله».
(53) صحيح الترمذي 4/505، البرهان 2/568/53.
(54) أخبار اصبهان لأبي نعيم 1/329، المعجم الكبير للطبراني 10/167/10227.
(55) الفتن لابن حماد 262/1031، وكذلك 265/1049.
(56) ميزان الاعتدال للذهبي 2/249 عن الكامل لابن عدي.
(57) الفتن لابن حماد 266/1055، كنز العمال 14/591/39675، الحاوي للفتاوي 2/ 78، البرهان 2/589/71.
(58) السنن لأبي داود 4/107/4284، السنن الواردة 197/575/581.
(59) في الأصل قال «واختار مني».
(60) إثبات الوصية 225 و227، دلائل الإمامية 240، كمال الدين 1/81/32، كتاب الغيبة للنعماني 67 حديث 7، وقوله «ينفون عن التنزيل تحريف الغالبين..» رواه ابن حجر في الصواعق المحرقة ص 90، والطبراني في ذخائر العقبى 17 وغيرهما.
(61) يعني المهدي المنتظر (عليه السلام) لأنه ابن جارية.
(62) متقتضب الأثر 31، إثبات الهداة 3/463 حديث 114، البحار 51/110/4.
(63) كمال الدين 1/241 حديث 64، بحار الأنوار 23/147/110.
(64) كفاية الأثر 223، بحار الأنوار 36/383 حديث 1.
(65) كمال الدين 1/317 حديث 2، بحار الأنوار 51/133 حديث 3.
(66) كمال الدين 1/317، بحار الأنوار 51/132 حديث 2.
(67) الكامل في التاريخ 5/373 ط. مصر سنة 1357، مروج الذهب 4/199 ط. سنة 1367، الكامل في التاريخ 11/179 الهامس ط. سنة 1303، أخبار الدول 353 ط.
بيروت عالم الكتب 1412 الطبعة الأولى، تاريخ ابن الوردي 1/232، تاريخ ابن خلدون 2/115، مرآة الجنان 2/170 ط. سنة 1339، تاريخ أبي الفداء 2/45، سبائك الذهب 78، وفيات الأعيان 1/643 ط. مصر سنة 1275 و4/176 ط. بيروت، وفيات الأعيان عن ابن الأزرق 4/176 ط. بيروت.
(68) وفيات الأعيان 4/176 ط. بيروت.
(69) أخبار الدول للقرماني 353 ط. بيروت.
(70) ربما في الأصل: وترك حاملا ولدت منه.
(71) تاريخ ابن خلدون 4/38. 39 ط. بيروت دار الفكر.
(72) وفيات الأعيان 4/176 ط. بيروت.
(73) تاريخ أبي الفداء 78.
(74) سبائك الذهب 78.
(75) ديوان الفرزدق 454 ومنه نقلنا القصيدة، وقد ذكرت القصيدة في طبقات الشافعية 1/ 153، وفي كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني 20/40، ونهاية الإرب 21/327-331، وأخبار الدول للقرماني 110، وتاريخ دمشق 36/161، ودائرة المعارف للبستاني 9/356، وقد ذكرت هذه القصيدة، كلا أو بعضا في كثير من مصادر الأدب والتاريخ والتراجم منها: حياة زين العابدين للعلامة باقر شريف القرشي 1/231، والإمام السجاد للدكتور حسين الحاج حسن 75 وغيرهم.
(76) وهو منزل يقع بين مكة والمدينة.
(77) البداية والنهاية 9/108.
(78) نهاية الإرب 21/331.
(79) الصواعق المحرقة ص 207. 208.
(80) منهم شيخنا العلامة لطف الله الصافي في كتابه «منتخب الأثر» والبحاثة الميلاني في مقدمة «كشف الأستار» للمحدث النوري، والأستاذ ثامر هاشم العميدي في كتابه «دفاع عن الكافي».
(81) شواهد النبوة 21 ط. بغداد.
(82) العبر للذهبي 2/31 ط. بيروت.
(83) وسيلة النجاة 55 ط. بمبي سنة 1306 هـ.
(84) صحاح الأخبار 55 ط. بمبي سنة 1306 هـ.
(85) اليواقيت والجواهر 143 ط. عبد الحميد أحمد حنفي بمصر.
(86) الشذرات الذهبية 117 ط. بيروت.
(87) الصواعق المحرقة 124 ط. مصر.
(88) مشارق الأنوار 153 ط. مصر.
(89) المصدر السابق.
(90) بغية المسترشدين 296 ط. مصر.
(91) الإتحاف بحب الأشراف ص 68 ط. مصر سنة 1316 هـ.
(92) نزهة الجليس 2/128 ط. القاهرة.
(93) الفصول المهمة 274.
(94) المصدر السابق.
(95) شذرات الذهب 141 و150.
(96) ينابيع المودة 401.
(97) جالية الكدر 207 ط. مصر.
(98) مفتاح النجا 189 مخطوط.
(99) ينابيع المودة 2/132 مطبعة العرفان. بيروت.
(100) فصل الخطاب: نقلا عن ينابيع المودة 387 ط. اسلامبول.
(101) نور الأبصار 168 ط. الشعبية، وصفحة 229 المطبعة العثمانية بمصر.
(102) كفاية الطالب 468 مطبعة الغري.
(103) مطالب السؤول 89.
(104) تذكرة الخواص 363 مطبعة الغري.
(105) إسعاف الراغبين، المطبوع بهامش «نور الأبصار» للشبلنجي 140 ط. مطر مطبعة المكتبة السعدية بجوار الأزهر طبع بإشراف سعيد علي الخصوص طبعة مقابلة مع نسخة بخط المؤلف.
(106) اليواقيت والجواهر 2/145 المطبعة الأزهرية بمصر سنة 1307، إسعاف الراغبين 142 ط. الميمنة بمصر سنة 1312.
(107) الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإلهية 275، الإرشاد للشيخ المفيد 372، كمال الدين للصدوق 2/104، الغيبة للشيخ الطوسي 141، كشف الغمة 3/236، كشف الأستار 53، البحار ج 51 الباب الأول.
(108) أخبار الدول للقرماني ص 353 ط. بيروت.
(109) سبائك الذهب ص 78.
(110) سنن أبي داود 4/106، البرهان 2/597/77، المعجم 1/77.
(111) المعجم الكبير للطبراني 3/52/2675، مجمع الزوائد 9/165.