الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (عليهم السلام) - الجزء الأول

الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (عليهم السلام)
الجزء الأول

تأليف: العلامة الشيخ محمّد باقر المجلسي (قدّس سرّه)
إعداد: الشيخ ياسر الصالحي
الناشر: بيت الثقافة المهدويَّة
الطبعة الثانية: 1442هـ

الفهرس

المقدّمة..................3
عملنا في الكتاب..................5
[مقدّمة المؤلِّف]..................7
باب (1): ولادته وأحوال أُمِّه (صلوات الله عليه)..................9
باب (2): أسمائه (علیه السلام) وألقابه وكناه وعللها..................49
باب (3): النهي عن التسمية..................55
باب (4): صفاته (صلوات الله عليه) وعلاماته ونسبه..................63
باب (5): الآيات المؤوَّلة بقيام القائم (علیه السلام)..................81
أبواب النصوص من الله تعالى ومن آبائه عليه..................113
باب (1): ما ورد من إخبار الله وإخبار النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالقائم (علیه السلام)..................115
باب (2): ما ورد عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في ذلك..................179
باب (3): باب ما روي في ذلك عن الحسنين (صلوات الله عليهما)..................213
باب (4): ما روي في ذلك عن عليِّ بن الحسين (صلوات الله عليه)..................219
باب (5): ما روي عن الباقر (صلوات الله عليه) في ذلك..................223
باب (6): ما روي في ذلك عن الصادق (صلوات الله عليه)..................225
باب (7): ما روي عن الكاظم (صلوات الله عليه) في ذلك..................249
باب (8): باب ما جاء عن الرضا (علیه السلام) في ذلك..................255
باب (9): ما روي في ذلك عن الجواد (صلوات الله عليه)..................263
باب (10): نصُّ العسكريَّين (صلوات الله عليهما) على القائم (علیه السلام)..................269
باب (11): نادر فيما أخبر به الكهنة وأضرابهم وما وجد من ذلك مكتوباً في الألواح والصخور..................277
باب (12): ذكر الأدلَّة التي ذكرها شيخ الطائفة (رحمه الله) على إثبات الغيبة..................285
باب (13): ما فيه (علیه السلام) من سُنَن الأنبياء والاستدلال بغيباتهم على غيبته (صلوات الله عليهم)..................349
باب (14): ذكر أخبار المعمَّرين لرفع استبعاد المخالفين عن طول غيبة مولانا القائم (صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين)..................365
حَدِيثُ عُبَيْدِ بْن شَريدٍ الْجُرْهُمِيِّ..................378
حَدِيثُ الرَّبيع بْن الضَّبُع الْفَزَاريِّ..................380
حَدِيثُ شِقِّ الْكَاهِن..................381
وصيَّة أكثم بن صيفي عند موته..................403
باب (15): ما ظهر من معجزاته (صلوات الله عليه) وفيه بعض أحواله وأحوال سفرائه..................461
باب (16): أحوال السفراء الذين كانوا في زمان الغيبة الصغرى وسائط بين الشيعة وبين القائم (علیه السلام)..................533
[ذكر أبي عمرو عثمان بن سعيد العمري والقول فيه]..................536
ذكر أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري والقول فيه..................540
ذكر إقامة أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري أبا القاسم الحسين بن روح مقامه (رضي الله عنهما) بعده بأمر الإمام (صلوات الله عليه)..................547
ذِكْرُ أَمْر أَبِي الْحَسَن عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ السَّمُريِّ بَعْدَ الشَّيْخ أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رَوْح وَانْقِطَاع الْأَعْلَامِ بِهِ وَهُمُ الْأَبْوَابُ..................557
باب (17): ذكر المذمومين الذين ادَّعوا البابيَّة والسفارة كذباً وافتراءً (لعنهم الله)..................567
أوَّلهم: المعروف بالشريعي..................569
ومنهم: محمّد بن نصير النميري..................569
ومنهم: أحمد بن هلال الكرخي..................571
ومنهم: أبو طاهر محمّد بن عليِّ بن بلال..................571
ومنهم: الحسين بن منصور الحلَّاج..................572
ومنهم: ابن أبي العزاقر..................574
ذكر أمر أبي بكر البغدادي ابن أخي الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) وأبي دلف المجنون..................582
باب (18): ذكر من رآه (صلوات الله عليه)..................589

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدّمة:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلقه وخاتم بريَّته محمّد وآله الطيِّبين الطاهرين.
تُعَدُّ المجاميع المعرفيَّة والموسوعات العلميَّة من أفضل الوسائل المعاصرة لإيصال الفكر الممنهج في متناول أيدي الباحثين والمحقِّقين بصورة منظَّمة ومنسَّقة بدون عشوائيَّة وبعثرة، ولا تختصُّ هذه الموسوعات بعلم دون آخر ولا تنحصر بأُسلوب متَّحد، بل تختلف وتتغيَّر تبعاً لمتغيِّرات ذاتيَّة تختلف باختلاف العلم المراد بحثه، فكان أنْ تعدَّدت الموسوعات، فمنها اللغويَّة والأدبيَّة والفقهيَّة والتاريخيَّة والروائيَّة وغيرها، واختلفت أيضاً تبعاً لمتغيِّرات موضوعيَّة، فاعتمد البعض على المنهجة الموضوعيَّة للبحث، فبوَّب المسائل على عناوينها المختلفة، بينما البعض الآخر انتهج التسلسل الهجائي أو الأبجدي في عرض مطالبه المختلفة للعلم المراد بحثه.
وبعد الطفرة العلميَّة في عالم التكنلوجيا نجد الأمر اكتسب اهتماماً ملحوظاً في هذا المجال، إذ أصبحت أضخم المجاميع وأكبر الموسوعات في متناول اليد من خلال البرامج الليزريَّة المضغوطة أو من خلال الشبكة العنكبوتيَّة (الإنترنيت)، ويمكن إجمال فوائد هذه الموسوعات العلميَّة بما يلي:
1 - عرض أكبر عدد ممكن من الآراء والمفاهيم المشتركة في عنوان واحد، ممَّا يُعطي صورة متكاملة وواضحة عن المفهوم والفكرة المراد بحثها.

(٣)

2 - إيصال الباحث إلى اليقين الاستقرائي غالباً من خلال استعراض هذا الكمِّ الهائل من المسائل المشتركة بعد ربطه بين أجزاءها المتفرِّقة وملاحظة وحدة المناط واتِّحاد الروابط - بحسب حساب الاحتمال - وتجميع المحتملات وتوحيد المختلفات، فيصل الباحث من خلال هذا كلِّه إلى قناعة كاملة واطمئنان بالمطلب المراد تحقيقه، وهذه من أهمّ الفوائد والثمرات المتوخَّاة من تأليف أمثال هذه المعاجم والموسوعات المعرفيَّة.
3 - المحافظة على التراث العلمي والمعرفي للمدارس المختلفة خصوصاً بعد ملاحظة المطاردة التي مُنِيَ بها أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) والاضطهاد الفكري الذي مرُّوا به عبر القرون.
4 - عرض المادَّة الخامِّ ووضعها بين يدي الباحث والمحقِّق لفرز الغثِّ من السمين والصائب من غيره وتمييز الصحيح عمَّا سواه وربَّما الاستفادة من الضعيف لتقوية ومعاضدة الحسن، بل حتَّى الصحيح.
فالباحث يمكنه المقارنة بسهولة حينما يجد جميع الأدوات المعرفيَّة بين يديه فيعرضها على طاولة البحث ويجول بها في عالم الفكر للوصول إلى أُطروحة متكاملة من خلال نتائج المقارنة والتعارض والتراجيح.
وقد انفتح أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) على هذا النمط المعرفي، فكانوا من روَّاده والسابقين إليه، فزخرت المكتبات الشيعيَّة بالمعاجم والموسوعات المعرفيَّة، فكان منها الكُتُب الأربعة للمحمَّدين الثلاثة، حيث اعتمد مؤلِّفوها على (400) أصل من أُصول الشيعة وكُتُبهم المتفرِّقة، فشكَّلوا النواة الأُولى لحفظ التراث الشيعي وتنسيقه بمنهجيَّة غاية في المتانة والروعة والعمق.
ومن خلال كلِّ هذا تتجلَّى عظمة وأهمّيَّة ما قام به العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في (بحاره) حيث جمع بحقٍّ كلَّ هذا التراث في موسوعته العملاقة التي تُعتَبر مفخرة

(٤)

التراث الشيعي بامتياز، مضيفاً عليها ما جاد به قلمه الشريف من تعليقات علميَّة قيِّمة، إذ لم يكتفِ بالسرد والتجميع دون أنْ يفيض عليها من آرائه العلميَّة وتعليقاته السديدة، ممَّا أعان الباحث لفتح آفاق معرفيَّة أُخرى ربَّما لا يتوصَّل إليها بمفرده، خصوصاً مع ملاحظة التباعد الزمني بين عصر النصِّ وعصر المتلقِّي، فهو في تعليقه يُمثِّل جسراً بين الماضي والحاضر، وحلقة الوصل بين النصِّ والقراءة.
وهذا ينعكس على موسوعتنا هذه (الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في بحار الأنوار)، حيث تجد فيها التبويب الموضوعي من جهة واستقصاء الروايات وتتبُّع الأحاديث المتناثرة، مضافاً إلى التعليقات المهمَّة والأساسيَّة لتكوين رؤية متكاملة عن القضيَّة المهدويَّة.
سائلاً الله تعالى التوفيق لفضيلة الشيخ ياسر الصالحي، وأنْ يجعله وإيَّانا أعوان وأنصار المولى صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه).

السيِّد محمّد القبانچي

عملنا في الكتاب:
بعد التوكُّل على الله تعالى قمنا لإعداد هذا السِّفر العظيم بعدَّة خطوات، وهي كما يلي:
1 - استعنَّا في تخريج الأحاديث (المشكَّلة) من برنامج (نور) الليزري، إعداد (مركز تحقيقيات كامپيوتري علوم إسلامي).
2 - استفدنا من تحقيقات وتعليقات النسخة المطبوعة في (110) جزء، الطبعة الثالثة المصحَّحة، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
3 - استفدنا من تحقيقات وتعليقات الشيخ محمود درياب من النسخة المطبوعة في (40) جزء، طبعة دار التعارف، سنة (1421هـ).

(٥)

4 - أبدلنا رموز الكُتُب في بداية الأحاديث باسم الكتاب.
5 - قمنا بتطبيق أغلب التحقيقات مع برنامج مكتبة أهل البيت، الإصدار الأوَّل، سنة (1426هـ)، إعداد مركز المعجم الفقهي ومركز المصطفى للدراسات الإسلاميَّة، لتسهيل الوصول إليها.
6 - قمنا بحذف كتاب (جنَّة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجَّة (عجَّل الله فرجه)) للمحدِّث النوري (قدّس سرّه) من الجزء (53) من البحار، النسخة المطبوعة في (110) جزء، وجعلنا الكتاب في جزئين ضخمين.
7 - أرجعنا بعض الهوامش التي تُرشِد القارئ إلى الأجزاء الثلاثة من البحار إلى صفحات كتابنا هذا.
8 - تمَّت مطابقة صفحات كتابنا هذا مع صفحات المجلَّدات الثلاثة (51) و(52) و(53) من النسخة المطبوعة في (110) جزء، لمزيد من التسهيل على الباحث والمحقِّق.
هذا وآخر دعواي أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، راجياً من العليِّ القدير القبول والتوفيق، ومن القارئ الكريم السماح على الهفوات وإبداء الملاحظات.

4/ ربيع الثاني/ 1430هـ
الشيخ ياسر الصالحي

(٦)

بسم الله الرحمن الرحيم

[مقدّمة المؤلِّف]:
الحمد لله الذي وصل لعباده القول بإمام بعد إمام لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، وأكمل الدِّين بأُمنائه وحججه في كلِّ دهر وزمان لِقَوْم يُوقِنُونَ، والصلاة والسلام على من بشَّر به وبأوصيائه النبيُّون والمرسَلون، محمّد سيِّد الورى وآله مصابيح الدجى إِلى يَوْم يُبْعَثُونَ، ولعنة الله على أعدائهم ما دامت السماوات والأرضون.
أمَّا بعد:
فهذا هو المجلَّد الثالث عشر من كتاب بحار الأنوار في تاريخ الإمام الثاني عشر، والهادي المنتظر، والمهدي المظفَّر، ونور الأنوار، وحجَّة الجبَّار، والغائب عن معاينة الأبصار، والحاضر في قلوب الأخيار، وحليف الإيمان، وكاشف الأحزان، وخليفة الرحمن، الحجَّة بن الحسن إمام الزمان (صلوات الله عليه وعلى آبائه المعصومين ما توالت الأزمان)، من مؤلِّفات خادم أخبار الأئمَّة الأخيار، وتراب أعتاب حملة الآثار: محمّد باقر بن محمّد تقي حشرهما الله تعالى مع مواليهما الأطهار، وجعلهما في دولتهم من الأعوان والأنصار.

* * *

(٧)

[1/1] الكافي: وُلِدَ (علیه السلام) لِلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن(1).
[2/2] كمال الدِّين: ابْنُ عِصَام، عَن الْكُلَيْنيِّ، عَنْ عَلَّانٍ الرَّازِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَـمَّا حَمَلَتْ جَارِيَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) قَالَ: «سَتَحْمِلِينَ ذَكَراً، وَاسْمُهُ مُحَمَّدٌ، وَهُوَ الْقَائِمُ مِنْ بَعْدِي»(2).
[3/3] كمال الدِّين: ابْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ، عَن الْحُسَيْن بْن رِزْقِ اللهِ، عَنْ مُوسَى بْن مُحَمَّدِ بْن الْقَاسِم بْن حَمْزَةَ بْن مُوسَى بْن جَعْفَرٍ(3)، قَالَ: حَدَّثَتْنِي حَكِيمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن مُوسَى بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام) قَالَتْ: بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (علیهما السلام) فَقَالَ: «يَا عَمَّةُ اجْعَلِي إِفْطَارَكِ اللَّيْلَةَ عِنْدَنَا، فَإنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَإنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَيُظْهِرُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْحُجَّةَ، وَهُوَ حُجَّتُهُ فِي أَرْضِهِ»، قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهُ: وَمَنْ أُمُّهُ؟ قَالَ لِي: «نَرْجِسُ»، قُلْتُ لَهُ: وَاللهِ جَعَلَنِيَ اللهُ فِدَاكَ مَا بِهَا أثَرٌ، فَقَالَ: «هُوَ مَا أَقُولُ لَكِ»، قَالَتْ: فَجِئْتُ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ وَجَلَسْتُ جَاءَتْ تَنْزعُ خُفِّي وَقَالَتْ لِي: يَا سَيِّدَتِي، كَيْفَ أَمْسَيْتِ؟ فَقُلْتُ: بَلْ أَنْتِ سَيِّدَتِي وَسَيِّدَةُ أهْلِي، قَالَتْ: فَأَنْكَرَتْ قَوْلِي وَقَالَتْ: مَا هَذَا يَا عَمَّةُ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهَا: يَا بُنَيَّةُ، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَيَهَبُ لَكِ فِي لَيْلَتِكِ هَذِهِ غُلَاماً سَيِّداً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، قَالَتْ: فَجَلَسَتْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي (ج 1/ ص 514/ باب مولد الصاحب (علیه السلام)).
(2) كمال الدِّين (ج 2/ ص 408/ ح 4).
(3) في المصدر إضافة: (بن محمّد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (علیهم السلام)).

(١١)

وَاسْتَحْيَتْ(4)، فَلَمَّا أَنْ فَرَغْتُ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَأَفْطَرْتُ وَأَخَذْتُ مَضْجَعِي فَرَقَدْتُ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ فِي جَوْفِ اللَّيْل قُمْتُ إِلَى الصَّلَاةِ، فَفَرَغْتُ مِنْ صَلَاتِي وَهِيَ نَائِمَةٌ لَيْسَ بِهَا حَادِثٌ، ثُمَّ جَلَسْتُ مُعَقِّبَةً، ثُمَّ اضْطَجَعْتُ، ثُمَّ انْتَبَهْتُ فَزعَةً وَهِيَ رَاقِدَةٌ، ثُمَّ قَامَتْ فَصَلَّت(5).
قَالَتْ حَكِيمَةُ(6): فَدَخَلَتْنِي الشُّكُوكُ، فَصَاحَ بي أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام) مِنَ المَجْلِس فَقَالَ: «لَا تَعْجَلِي يَا عَمَّةُ فَإنَّ الْأَمْرَ قَدْ قَرُبَ»، قَالَتْ: فَقَرَأتُ الم السَّجْدَةَ وَيس، فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكِ إِذَا انْتَبَهَتْ فَزعَةً، فَوَثَبْتُ إِلَيْهَا فَقُلْتُ: اسْمُ اللهِ عَلَيْكَ، ثُمَّ قُلْتُ لَهَا: تَحِسِّينَ شَيْئاً؟ قَالَتْ: نَعَمْ يَا عَمَّةُ، فَقُلْتُ لَهَا: اجْمَعِي نَفْسَكِ وَاجْمَعِي قَلْبَكِ فَهُوَ مَا قُلْتُ لَكِ.
قَالَتْ حَكِيمَةُ: ثُمَّ أَخَذَتْنِي فَتْرَةٌ وَأَخَذَتْهَا فِطْرَةٌ(7)، فَانْتَبَهْتُ بِحِسِّ سَيِّدِي (علیه السلام)، فَكَشَفْتُ الثَّوْبَ عَنْهُ، فَإذَا أَنَا بِهِ (علیه السلام) سَاجِداً يَتَلَقَّى الْأَرْضَ بِمَسَاجِدِهِ، فَضَمَمْتُهُ إِلَيَّ، فَإِذَا أَنَا بِهِ نَظِيفٌ [مُنَظَّفٌ]، فَصَاحَ بِي أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام): «هَلُمِّي إِلَيَّ ابْني يَا عَمَّةُ»، فَجِئْتُ بِهِ إِلَيْهِ، فَوَضَعَ يَدَيْهِ تَحْتَ أَلْيَتَيْهِ وَظَهْرهِ وَوَضَعَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِهِ ثُمَّ أَدْلَى لِسَانَهُ فِي فِيهِ وَأَمَرَّ يَدَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ وَسَمْعِهِ وَمَفَاصِلِهِ، ثُمَّ قَالَ: «تَكَلَّمْ يَا بُنَيَّ»، فَقَالَ: «أَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَريكَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)...» ثُمَّ صَلَّى عَلَى أَمِير المُؤْمِنينَ (علیه السلام) وَعَلَى الْأَئِمَّةِ إِلَى أَنْ وَقَفَ عَلَى أَبيهِ، ثُمَّ أَحْجَمَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(4) استحت (خ ل)، وكلاهما وجيهان قُرئ بهما قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ (البقرة: 26).

(5) في المصدر إضافة: (ونامت).
(6) في المصدر إضافة: (وخرجت أتفقَّد الفجر فإذا أنا بالفجر الأوَّل كذنب السرحان وهي نائمة).
(7) في المصدر: (فترة) بدل (فطرة)؛ المراد بالفترة سكون المفاصل وهدوؤها قبل غلبة النوم، والمراد بالفطرة انشقاق البطن بالمولود وطلوعه منه.

(١٢)

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام): «يَا عَمَّةُ، اذْهَبِي بِهِ إِلَى أُمِّهِ لِيُسَلِّمَ عَلَيْهَا وَائْتِني بِهِ»، فَذَهَبْتُ بِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهَا وَرَدَدْتُهُ وَوَضَعْتُهُ فِي المَجْلِس، ثُمَّ قَالَ: «يَا عَمَّةُ، إِذَا كَانَ يَوْمُ السَّابِع فَأتِينَا».
قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ جِئْتُ لِأُسَلِّمَ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَكَشَفْتُ السِّتْرَ لِأَفْتَقِدَ(8) سَيِّدِي (علیه السلام) فَلَمْ أَرَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا فَعَلَ سَيِّدِي؟ فَقَالَ: «يَا عَمَّةُ، اسْتَوْدَعْنَاهُ الَّذِي اسْتَوْدَعَتْهُ أُمُّ مُوسَى(9) (علیه السلام)».
قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم السَّابِع جِئْتُ وَسَلَّمْتُ وَجَلَسْتُ، فَقَالَ: «هَلُمِّي إِلَيَّ ابْنِي»، فَجِئْتُ بِسَيِّدِي فِي الْخِرْقَةِ، فَفَعَلَ بِهِ كَفَعْلَتِهِ الْأُولَى، ثُمَّ أَدْلَى لِسَانَهُ فِي فِيهِ كَأنَّهُ يُغَذِّيهِ لَبَناً أَوْ عَسَلاً.
ثُمَّ قَالَ: «تَكَلَّمْ يَا بُنَيَّ»، فَقَالَ (علیه السلام): «أَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ...»، وَثَنَّى بِالصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَمِير المُؤْمِنِينَ وَالْأَئِمَّةِ(10) (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ) حَتَّى وَقَفَ عَلَى أَبِيهِ (علیه السلام)، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القَصص: 5 و6].
قَالَ مُوسَى: فَسَأَلْتُ عُقْبَةَ الْخَادِمَ عَنْ هَذَا، فَقَالَ: صَدَقَتْ حَكِيمَةُ(11).
بيان: يقال: حجمته عن الشيء فأحجم، أي كففته فكفَّ.
[4/4] كمال الدِّين: جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن مَسْرُورٍ، عَن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّدِ بْن عَامِرٍ، عَنْ مُعَلَّى بْن مُحَمَّدٍ، قَالَ: خَرَجَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) حِينَ قُتِلَ الزُّبَيْريُّ: «هَذَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(8) في المصدر: (لأتفقَّد).
(9) في المصدر إضافة: (موسى).
(10) في المصدر إضافة: (الطاهرين).
(11) كمال الدِّين (ج 2/ ص 424/ باب ما روي في ميلاد القائم (علیه السلام)/ ح 1).

(١٣)

جَزَاءُ مَن افْتَرَى عَلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَوْلِيَائِهِ، زَعَمَ أَنَّهُ يَقْتُلُنِي وَلَيْسَ لِي عَقِبٌ فَكَيْفَ رَأى قُدْرَةَ اللهِ (عزَّ وجلَّ)». وَوُلِدَ لَهُ وَسَمَّاهُ (م ح م د) سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن»(12).
الغيبة للطوسي: الكليني، عن الحسين بن محمّد، عن المعلَّى، عن أحمد بن محمّد، قال: خرج عن أبِي محمّد (علیه السلام)...، وذكر مثله(13).
بيان: ربَّما يُجمَع بينه وبين ما ورد من خمس وخمسين بكون السنة في هذا الخبر ظرفاً لـ(خرج) أو (قُتِلَ)، أو إحداهما على الشمسيَّة والأُخرى على القمريَّة(14).
[5/5] كمال الدِّين: ابْنُ عِصَام، عَن الْكُلَيْنِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ، قَالَ: وُلِدَ الصَّاحِبُ (علیه السلام) [فِي] النِّصْفِ(15) مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن(16).
[6/6] كمال الدِّين: مَاجِيلَوَيْهِ وَالْعَطَّارُ مَعاً، عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ، عَن الْحُسَيْن بْن عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ اللهِ بْن مُوسَى بْن جَعْفَرٍ (علیه السلام)، عَن الشَّارِيِّ(17)، عَنْ نَسِيم وَمَارِيَةَ، أَنَّهُ لَـمَّا سَقَطَ صَاحِبُ الزَّمَانِ (علیه السلام) مِنْ بَطْن أُمِّهِ سَقَطَ جَاثِياً عَلَى رُكْبَتَيْهِ، رَافِعاً سَبَّابَتَيْهِ [سبَّابته] إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ عَطَسَ فَقَالَ: «الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، زَعَمَتِ الظَّلَمَةُ أَنَّ حُجَّةَ اللهِ دَاحِضَةٌ، وَلَوْ أُذِنَ لَنَا فِي الْكَلَام لَزَالَ الشَّكُّ»(18).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(12) كمال الدِّين (ج 2/ ص 430/ باب ما روي في ميلاد القائم (علیه السلام)/ ح 3).
(13) الغيبة للطوسي (ص 231/ ح 198).
(14) ولكن الأخير غير صحيح لأنَّ السنة القمريَّة في خمس وخمسين ومأتي سنة يزيد على السنة الشمسيَّة بسبع سنوات، لا بسنة واحدة. فكانت السنة الشمسيَّة سنة تسع وأربعين ومائتين، والقمريَّة ستّ وخمسين ومائتين.
(15) في المصدر: (للنصف) بدل (في النصف).
(16) كمال الدِّين (ج 2/ ص 430/ باب ما روي في ميلاد القائم (علیه السلام)/ ح 4).
(17) في المصدر: (السياري) بدل (الشاري).
(18) كمال الدِّين (ج 2/ ص 430/ باب ما روي في ميلاد القائم (علیه السلام)/ ح 5).

(١٤)

الغيبة للطوسي: علَّان، عن محمّد العطَّار، مثله(19).
[7/7] كمال الدِّين: قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: وَحَدَّثَتْنِي نَسِيمٌ خَادِمُ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، قَالَتْ: قَالَ لِي صَاحِبُ الزَّمَانِ (علیه السلام) وَقَدْ دَخَلْتُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْلِدِهِ بِلَيْلَةٍ فَعَطَسْتُ عِنْدَهُ، فَقَالَ لِي: «يَرْحَمُكِ اللهُ»، قَالَتْ نَسِيمٌ: فَفَرحْتُ بِذَلِكَ، فَقَالَ لِي (علیه السلام): «أَلَا أُبَشِّرُكِ فِي الْعُطَاسِ؟»، فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «هُوَ أَمَانٌ مِنَ المَوْتِ ثَلَاثَةَ أَيَّام»(20).
[8/8] الغيبة للطوسي: الْكُلَيْنيُّ، رَفَعَهُ عَنْ نَسِيم الْخَادِم، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى صَاحِبِ الزَّمَانِ (علیه السلام) بَعْدَ مَوْلِدِهِ بِعَشْر لَيَالٍ فَعَطَسْتُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: «يَرْحَمُكِ اللهُ»، فَفَرحْتُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: «أَلَا أُبَشِّرُكِ فِي الْعُطَاس؟ هُوَ أَمَانٌ مِنَ المَوْتِ ثَلَاثَةَ أَيَّام»(21).
[9/9] كمال الدِّين: مَاجِيلَوَيْهِ وَابْنُ المُتَوَكِّل وَالْعَطَّارُ جَمِيعاً، عَنْ إِسْحَاقَ ابْن رِيَاح الْبَصْرِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْريِّ، قَالَ: لَـمَّا وُلِدَ السَّيِّدُ (علیه السلام) قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام): «ابْعَثُوا إِلَى أَبِي عَمْرو»، فَبُعِثَ إِلَيْهِ فَصَارَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «اشْتَر عَشَرَةَ آلَافِ رِطْلٍ خُبْزاً وَعَشَرَةَ آلَافِ رِطْلٍ لَحْماً وَفَرِّقْهُ»، أَحْسَبُهُ قَالَ: «عَلَى بَنِي هَاشِم، وَعُقَّ عَنْهُ بِكَذَا وَكَذَا شَاةً»(22).
[10/10] كمال الدِّين: مَاجِيلَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْخَيْزَرَانِيِّ، عَنْ جَارِيَةٍ لَهُ كَانَ أَهْدَاهَا لِأَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَلَمَّا أَغَارَ جَعْفَرٌ الْكَذَّابُ عَلَى الدَّارِ جَاءَتْهُ فَارَّةً مِنْ جَعْفَرٍ فَتَزَوَّجَ بِهَا، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: فَحَدَّثَتْنِي أَنَّهَا حَضَرَتْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(19) الغيبة للطوسي (ص 244/ ح 211).
(20) كمال الدِّين (ج 2/ ص 430/ باب ما روي في ميلاد القائم (علیه السلام)/ ذيل الحديث 5).
(21) الغيبة للطوسي (ص 232/ ح 200).
(22) كمال الدِّين (ج 2/ ص 430/ باب ما روي في ميلاد القائم (علیه السلام)/ ح 6).

(١٥)

وِلَادَةَ السَّيِّدِ (علیه السلام)، وَأَنَّ اسْمَ أُمِّ السَّيِّدِ صَقِيلُ، وَأنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ (علیه السلام) حَدَّثَهَا بِمَا جَرَى(23) عَلَى عِيَالِهِ، فَسَأَلَتْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهَا بأَنْ يَجْعَلَ مَنِيَّتَهَا قَبْلَهُ، فَمَاتَتْ قَبْلَهُ فِي حَيَاةِ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، وَعَلَى قَبْرهَا لَوْحٌ عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ: هَذَا أُمُّ مُحَمَّدٍ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: وَسَمِعْتُ هَذِهِ الْجَارِيَةَ تَذْكُرُ أنَّهُ لَـمَّا وُلِدَ السَّيِّدُ رَأتْ لَهُ نُوراً سَاطِعاً قَدْ ظَهَرَ مِنْهُ وَبَلَغَ أُفُقَ السَّمَاءِ، وَرَأتْ طُيُوراً بِيضاً تَهْبِطُ مِنَ السَّمَاءِ وَتَمْسَحُ أَجْنِحَتَهَا عَلَى رَأسِهِ وَوَجْهِهِ وَسَائِر جَسَدِهِ ثُمَّ تَطِيرُ، فَأَخْبَرْنَا أبَا مُحَمَّدٍ (علیه السلام) بذَلِكَ، فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: «تِلْكَ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ نَزَلَتْ لِتَتَبَرَّكَ بِهِ، وَهِيَ أَنْصَارُهُ إِذَا خَرَجَ»(24).
[11/11] كمال الدِّين: ابْنُ المُتَوَكِّل، عَن الْحِمْيَريِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ الْعَلَويِّ، عَنْ أَبِي غَانِم الْخَادِم، قَالَ: وُلِدَ لِأَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) وَلَدٌ، فَسَمَّاهُ مُحَمَّداً، فَعَرَضَهُ عَلَى أصْحَابِهِ يَوْمَ الثَّالِثِ وَقَالَ: «هَذَا صَاحِبُكُمْ مِنْ بَعْدِي، وَخَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ، وَهُوَ الْقَائِمُ الَّذِي تَمْتَدُّ إِلَيْهِ الْأَعْنَاقُ بِالْاِنْتِظَارِ، فَإذَا امْتَلَأَتِ الْأَرْضُ جَوْراً وَظُلْماً خَرَجَ فَمَلَأَهَا قِسْطاً وَعَدْلاً»(25).
[12/12] الغيبة للطوسي: جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي المُفَضَّل الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن بَحْر بْن سَهْل الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: قَالَ بِشْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّخَّاسُ، وَهُوَ مِنْ وُلْدِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَحَدُ مَوَالِي أَبِي الْحَسَن وَأَبِي مُحَمَّدٍ وَجَارُهُمَا بِسُرَّ مَنْ رَأى: أَتَانِي كَافُورٌ الْخَادِمُ فَقَالَ: مَوْلَانَا أَبُو الْحَسَن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَسْكَريُّ يَدْعُوكَ إِلَيْهِ، فَأَتَيْتُهُ فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ لِي: «يَا بِشْرُ، إِنَّكَ مِنْ وُلْدِ الْأَنْصَارِ، وَهَذِهِ المُوَالاَةُ لَمْ تَزَلْ فِيكُمْ يَرثُهَا خَلَفٌ عَنْ سَلَفٍ، وَأَنْتُمْ ثِقَاتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَإِنِّي مُزَكِّيكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(23) في المصدر: (يجري) بدل (جرى).
(24) كمال الدِّين (ج 2/ ص 431/ باب ما روي في ميلاد القائم (علیه السلام)/ ح 7).
(25) كمال الدِّين (ج 2/ ص 431/ باب ما روي في ميلاد القائم (علیه السلام)/ ح 8).

(١٦)

وَمُشَرِّفُكَ بِفَضِيلَةٍ تَسْبِقُ بِهَا الشِّيعَةَ فِي المُوَالاَةِ بِسِرٍّ أُطْلِعُكَ عَلَيْهِ، وَأُنْفِذُكَ فِي ابْتِيَاع أَمَةٍ»، فَكَتَبَ كِتَاباً لَطِيفاً بِخَطٍّ رُومِيٍّ وَلُغَةٍ رُومِيَّةٍ، وَطَبَعَ عَلَيْهِ خَاتَمَهُ، وَأَخْرَجَ شُقَّةً(26) صَفْرَاءَ فِيهَا مِائَتَانِ وَعِشْرُونَ دِينَاراً، فَقَالَ: «خُذْهَا وَتَوَجَّهْ بِهَا إِلَى بَغْدَادَ، وَاحْضَرْ مَعْبَرَ الْفُرَاتِ ضَحْوَةً يَوْمَ كَذَا، فَإذَا وَصَلَتْ إِلَى جَانِبِكَ زَوَارِيقُ السَّبَايَا وَتَرَى الْجَوَارِيَ فِيهَا سَتَجِدُ طَوَائِفَ المُبْتَاعِينَ مِنْ وُكَلَاءِ قُوَّادِ بَنِي الْعَبَّاس وَشِرْذِمَةً مِنْ فِتْيَانِ الْعَرَبِ، فَإذَا رَأَيْتَ ذَلِكَ فَأَشْرفْ مِنَ الْبُعْدِ عَلَى المُسَمَّى عُمَرَ ابْنَ يَزيدٍ النَّخَّاسَ عَامَّةَ نَهَارِكَ إِلَى أَنْ تَبْرُزَ لِلْمُبْتَاعِينَ جَارِيَةٌ صِفَتُهَا كَذَا وَكَذَا لَابِسَةٌ حَريرَيْنِ صَفِيقَيْن تَمْتَنِعُ مِنَ الْعَرْضِ وَلَمس المُعْتَرض وَالْاِنْقِيَادِ لِمَنْ يُحَاوِلُ لَمسَهَا، وَتَسْمَعُ صَرْخَةً رُومِيَّةً مِنْ وَرَاءِ سَتْرٍ رَقِيقٍ، فَاعْلَمْ أَنَّهَا تَقُولُ: وَا هَتْكَ سَتْرَاهْ، فَيَقُولُ بَعْضُ المُبْتَاعِينَ: عَلَيَّ ثَلَاثُمِائَةِ دِينَارٍ، فَقَدْ زَادَنِي الْعَفَافُ فِيهَا رَغْبَةً، فَتَقُولُ لَهُ بِالْعَرَبيَّةِ: لَوْ بَرَزْتَ فِي زِيِّ سُلَيْمَانَ بْن دَاوُدَ وَعَلَى شِبْهِ مُلْكِهِ مَا بَدَتْ لِي فِيكَ رَغْبَةٌ، فَاشْفَقْ عَلَى مَالِكَ، فَيَقُولُ النَّخَّاسُ: فَمَا الْحِيلَةُ؟ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيْعِكِ، فَتَقُولُ الْجَارِيَةُ: وَمَا الْعَجَلَةُ؟ وَلَا بُدَّ مِن اِخْتِيَارِ مُبْتَاع يَسْكُنُ قَلْبِي إِلَيْهِ وَإِلَى وَفَائِهِ وَأَمَانَتِهِ.
فَعِنْدَ ذَلِكَ قُمْ إِلَى عُمَرَ بْن يَزيدَ النَّخَّاس وَقُلْ لَهُ إِنَّ مَعَكَ كِتَاباً مُلَطَّفَةً(27) لِبَعْض الْأَشْرَافِ كَتَبَهُ بِلُغَةٍ رُومِيَّةٍ وَخَطٍّ رُومِيٍّ، وَوَصَفَ فِيهِ كَرَمَهُ وَوَفَاءَهُ وَنُبْلَهُ وَسَخَاءَهُ، تُنَاوِلُهَا لِتَتَأَمَّلَ مِنْهُ أخْلَاقَ صَاحِبِهِ، فَإنْ مَالَتْ إِلَيْهِ وَرَضِيَتْهُ فَأَنَا وَكِيلُهُ فِي ابْتِيَاعِهَا مِنْكَ».
قَالَ بِشْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ: فَامْتَثَلْتُ جَمِيعَ مَا حَدَّهُ لِي مَوْلَايَ أَبُو الْحَسَن (علیه السلام) فِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(26) في المصدر: (شقيقة) بدل (شقَّة)، والشقَّة - بالكسر والضمِّ -: السبيبة المقطوعة من الثياب المستطيلة، وقد يكون تصحيف (حقَّة) وهي وعاء تُسوَّى من خشب أو من العاج أو غير ذلك.
(27) في المصدر: (ملصقاً) بدل (ملطَّفة).

(١٧)

أَمْر الْجَارِيَةِ، فَلَمَّا نَظَرَتْ فِي الْكِتَابِ بَكَتْ بُكَاءً شَدِيداً، وَقَالَتْ لِعُمَرَ بْن يَزيدَ: بِعْنِي مِنْ صَاحِبِ هَذَا الْكِتَابِ، وَحَلَفَتْ بِالمُحَرِّجَةِ وَالمُغَلَّظَةِ(28) أَنَّهُ مَتَى امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهَا مِنْهُ قَتَلَتْ نَفْسَهَا، فَمَا زِلْتُ أُشَاحُّهُ فِي ثَمَنِهَا حَتَّى اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مِقْدَارِ مَا كَانَ أَصْحَبَنِيهِ مَوْلَايَ (علیه السلام) مِنَ الدَّنَانِير، فَاسْتَوْفَاهُ وَتَسَلَّمْتُ الْجَارِيَةَ ضَاحِكَةً مُسْتَبْشِرَةً، وَانْصَرَفْتُ بِهَا إِلَى الْحُجَيْرَةِ الَّتِي كُنْتُ آوَى إِلَيْهَا بِبَغْدَادَ، فَمَا أَخَذَهَا الْقَرَارُ حَتَّى أَخْرَجَتْ كِتَابَ مَوْلَانَا (علیه السلام) مِنْ جَيْبِهَا وَهِيَ تَلْثِمُهُ وَتُطْبِقُهُ عَلَى جَفْنِهَا وَتَضَعُهُ عَلَى خَدِّهَا وَتَمْسَحُهُ عَلَى بَدَنِهَا، فَقُلْتُ تَعَجُّباً مِنْهَا: تَلْثِمِينَ كِتَاباً لَا تَعْرفِينَ صَاحِبَهُ؟!
فَقَالَتْ: أَيُّهَا الْعَاجِزُ الضَّعِيفُ المَعْرفَةِ بِمَحَلِّ أَوْلَادِ الْأَنْبِيَاءِ، أَعِرْني سَمْعَكَ(29)، وَفَرِّغْ لِي قَلْبَكَ، أَنَا مَلِيكَةُ بِنْتُ يَشُوعَا بْن قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّوم، وَأُمِّي مِنْ وُلْدِ الْحَوَارِيِّينَ تُنْسَبُ إِلَى وَصِيِّ المَسِيح شَمْعُونَ، أُنَبِّئُكَ بِالْعَجَبِ.
إِنَّ جَدِّي قَيْصَرَ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَنِي مِن ابْن أَخِيهِ وَأَنَا مِنْ بَنَاتِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَجَمَعَ فِي قَصْرهِ مِنْ نَسْل الْحَوَارِيِّينَ مِنَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ، وَمِنْ ذَوِي الْأَخْطَارِ مِنْهُمْ سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ، وَجَمَعَ مِنْ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ وَقُوَّادِ الْعَسْكَر وَنُقَبَاءِ الْجُيُوش وَمُلُوكِ الْعَشَائِر أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَأَبْرَزَ مِنْ بَهِيِّ مُلْكِهِ عَرْشاً مُسَاغاً(30) مِنْ أَصْنَافِ الْجَوْهَر(31)، وَرَفَعَهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ مِرْقَاةً، فَلَمَّا صَعِدَ ابْنُ أَخِيهِ وَأَحْدَقَتِ الصُّلُبُ وَقَامَتِ الْأَسَاقِفَةُ عُكَّفاً وَنُشِرَتْ أَسْفَارُ الْإِنْجِيل تَسَافَلَتِ الصُّلُبُ مِنَ الْأَعْلَى فَلَصِقَتِ الْأَرْضَ وَتَقَوَّضَتْ أَعْمِدَةُ الْعَرْش فَانْهَارَتْ إِلَى الْقَرَارِ وَخَرَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(28) المغلَّظة: المؤكَّدة من اليمين، والمحرَّجة: اليمين التي تُضيِّق مجال الحالف بحيث لا يبقى له مندوحة عن برِّ قسمه.
(29) من الإعارة، أي أعطيني سمعك عاريةً.
(30) في المصدر: (مصنوعاً).
(31) في المصدر إضافة: (إلى صحن القصر).

(١٨)

الصَّاعِدُ مِنَ الْعَرْش مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَتَغَيَّرَتِ أَلْوَانُ الْأَسَاقِفَةِ وَارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُمْ، فَقَالَ كَبِيرُهُمْ لِجَدِّي: أَيُّهَا المَلِكُ أَعْفِنَا مِنْ مُلَاقَاةِ هَذِهِ النُّحُوسِ الدَّالَّةِ عَلَى زَوَالِ هَذَا الدِّين المَسِيحِيِّ وَالمَذْهَبِ المَلِكَانيِّ، فَتَطَيَّرَ جَدِّي مِنْ ذَلِكَ تَطَيُّراً شَدِيداً، وَقَالَ لِلْأَسَاقِفَةِ: أَقِيمُوا هَذِهِ الْأَعْمِدَةَ، وَارْفَعُوا الصُّلْبَانَ، وَأَحْضِرُوا أَخَا هَذَا المُدْبَر الْعَاهِر(32) المَنْكُوس جَدُّهُ لِأُزَوِّجَهُ هَذِهِ الصَّبِيَّةَ فَيُدْفَعُ نُحُوسُهُ عَنْكُمْ بسُعُودِهِ، وَلَـمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ حَدَثَ عَلَى الثَّانِي مِثْلُ مَا حَدَثَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ، وَقَامَ جَدِّي قَيْصَرُ مُغْتَمًّا، فَدَخَلَ مَنْزلَ النِّسَاءِ، وَأُرْخِيَتِ السُّتُورُ، وَأُرِيتُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ كَأَنَّ المَسِيحَ وَشَمْعُونَ وَعِدَّةً مِنَ الْحَوَارِيِّينَ قَدِ اجْتَمَعُوا فِي قَصْر جَدِّي، وَنَصَبُوا فِيهِ مِنْبَراً مِنْ نُورٍ يُبَارِي السَّمَاءَ عُلُوًّا وَارْتِفَاعاً فِي المَوْضِع الَّذِي كَانَ نَصَبَ جَدِّي وَ(33) فِيهِ عَرْشُهُ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَخَتَنُهُ وَوَصِيُّهُ (علیه السلام) وَعِدَّةٌ مِنْ أَبْنَائِهِ.
فَتَقَدَّمَ المَسِيحُ إِلَيْهِ فَاعْتَنَقَهُ، فَيَقُولُ لَهُ مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَا رُوحَ اللهِ، إِنِّي جِئْتُكَ خَاطِباً مِنْ وَصِيِّكَ شَمْعُونَ فَتَاتَهُ مَلِيكَةَ لِابْني هَذَا»، وَأَوْمَأ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) ابْن صَاحِبِ هَذَا الْكِتَابِ، فَنَظَرَ المَسِيحُ إِلَى شَمْعُونَ وَقَالَ لَهُ: قَدْ أَتَاكَ الشَّرَفُ، فَصِلْ رَحِمَكَ بِرَحِم آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، فَصَعِدَ ذَلِكَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَ مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَزَوَّجَنِي مِن ابْنِهِ، وَشَهِدَ المَسِيحُ (علیه السلام)، وَشَهِدَ أَبْنَاءُ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)، وَالْحَوَارِيُّونَ.
فَلَمَّا اسْتَيْقَظْتُ أَشْفَقْتُ أَنْ أَقُصَّ هَذِهِ الرُّؤْيَا عَلَى أَبِي وَجَدِّي مَخَافَةَ الْقَتْل، فَكُنْتُ أُسِرُّهَا وَلَا أُبْدِيهَا لَهُمْ، وَضَرَبَ صَدْرِي بِمَحَبَّةِ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) حَتَّى امْتَنَعْتُ مِنَ الطَّعَام وَالشَّرَابِ، فَضَعُفَتْ نَفْسِي وَدَقَّ شَخْصِي وَمَرضْتُ مَرَضاً شَدِيداً، فَمَا بَقِيَ فِي مَدَائِن الرُّوم طَبِيبٌ إِلَّا أَحْضَرَهُ جَدِّي وَسَأَلَهُ عَنْ دَوَائِي، فَلَمَّا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(32) في المصدر: (العاثر) بدل (العاهر).
(33) الواو ليست في المصدر.

(١٩)

بَرَّحَ بِهِ الْيَأسُ قَالَ: يَا قُرَّةَ عَيْني، هَلْ يَخْطُرُ بِبَالِكِ شَهْوَةٌ فَأُزَوِّدُكِهَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا؟ فَقُلْتُ: يَا جَدِّي، أَرَى أَبْوَابَ الْفَرَج عَلَيَّ مُغْلَقَةً، فَلَوْ كَشَفْتَ الْعَذَابَ عَمَّنْ فِي سِجْنِكَ مِنْ أُسَارَى المُسْلِمِينَ وَفَكَكْتَ عَنْهُمُ الْأَغْلَالَ وَتَصَدَّقْتَ عَلَيْهِمْ وَمَنَّيْتَهُمُ الْخَلَاصَ رَجَوْتُ أَنْ يَهَبَ(34) المَسِيحُ وَأُمُّهُ عَافِيَةً، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ تَجَلَّدْتُ فِي إِظْهَارِ الصِّحَّةِ مِنْ بَدَنِي قَلِيلاً، وَتَنَاوَلْتُ يَسِيراً مِنَ الطَّعَام، فَسَرَّ بِذَلِكَ وَأَقْبَلَ عَلَى إِكْرَام الْأُسَارَى وَإِعْزَازِهِمْ، فَأُرِيتُ أَيْضاً بَعْدَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً كَأَنَّ سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ فَاطِمَةَ (عليها السلام) قَدْ زَارَتْنِي وَمَعَهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَأَلْفٌ مِنْ وَصَائِفِ الْجِنَانِ، فَتَقُولُ لِي مَرْيَمُ: هَذِهِ سَيِّدَةُ النِّسَاءِ (عليها السلام) أُمُّ زَوْجِكِ أَبِي مُحَمَّدٍ، فَأَتَعَلَّقُ بِهَا وَأَبْكِي وَأَشْكُو إِلَيْهَا امْتِنَاعَ أَبِي مُحَمَّدٍ مِنْ زِيَارَتِي، فَقَالَتْ سَيِّدَةُ النِّسَاءِ (عليها السلام): «إِنَّ ابْنِي أَبَا مُحَمَّدٍ لَا يَزُورُكِ وَأَنْتِ مُشْركَةٌ بِاللهِ عَلَى مَذْهَبِ النَّصَارَى، وَهَذِهِ أُخْتِي مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ تَبْرَأُ إِلَى اللهِ مِنْ دِينكِ، فَإنْ مِلْتِ إِلَى رِضَى اللهِ تَعَالَى وَرِضَى المَسِيح وَمَرْيَمَ (علیهما السلام) وَزِيَارَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ إِيَّاكِ فَقُولِي: أَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ أبِي مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ»، فَلَمَّا تَكَلَّمْتُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ ضَمَّتْنِي إِلَى صَدْرِهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَطِيبَ نَفْسِي، وَقَالَتِ: «الْآنَ تَوَقَّعِي زِيَارَةَ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَإِنِّي مُنْفِذَتُهُ إِلَيْكِ»، فَانْتَبَهْتُ وَأَنَا أَنُولُ(35) وَأَتَوَقَّعُ لِقَاءَ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ رَأَيْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ (علیه السلام) وَكَأَنِّي أَقُولُ لَهُ: جَفَوْتَنِي يَا حَبِيبي بَعْدَ أَنْ أَتْلَفْتُ نَفْسِي مُعَالَجَةَ حُبِّكَ، فَقَالَ: «مَا كَانَ تَأَخُّري عَنْكِ إِلَّا لِشِرْكِكِ فَقَدْ أَسْلَمْتِ، وَأَنَا زَائِرُكِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ إِلَى أَنْ يَجْمَعَ اللهُ شَمْلَنَا فِي الْعَيَانِ»، فَلَمَّا(36) قَطَعَ عَنِّي زِيَارَتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(34) في المصدر إضافة: (لي).
(35) في النسخة المطبوعة: (أقول)، وهو سهو والصحيح ما أثبتناه، يقال: نالت المرأة بالحديث أو الحاجة تنول، أي سمحت أو همَّت.
(36) في المصدر: (فما).

(٢٠)

قَالَ بِشْرٌ: فَقُلْتُ لَهَا: وَكَيْفَ وَقَعْتِ فِي الْأُسَارَى؟ فَقَالَتْ: أَخْبَرَني أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام) لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي: «أَنَّ جَدَّكِ سَيُسَيِّرُ جَيْشاً إِلَى قِتَالِ المُسْلِمِينَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ يَتْبَعُهُمْ، فَعَلَيْكَ بِاللِّحَاقِ بِهِمْ مُتَنَكِّرَةً فِي زِيِّ الْخَدَم مَعَ عِدَّةٍ مِنَ الْوَصَائِفِ مِنْ طَريقِ كَذَا»، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَوَقَفَتْ عَلَيْنَا طَلَائِعُ المُسْلِمِينَ حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْري مَا رَأَيْتَ وَشَاهَدْتَ، وَمَا شَعَرَ بِأَنِّي ابْنَةُ مَلِكِ الرُّوم إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ أَحَدٌ سِوَاكَ وَذَلِكَ بِاِطِّلَاعِي إِيَّاكَ عَلَيْهِ، وَلَقَدْ سَأَلَنِي الشَّيْخُ الَّذِي وَقَعْتُ إِلَيْهِ فِي سَهْم الْغَنِيمَةِ عَن اسْمِي، فَأنْكَرْتُهُ وَقُلْتُ: نَرْجِسُ، فَقَالَ: اسْمُ الْجَوَارِي.
قُلْتُ: الْعَجَبُ أَنَّكِ رُومِيَّةٌ وَلِسَانُكِ عَرَبيٌّ؟! قَالَتْ: نَعَمْ مِنْ وَلُوع جَدِّي وَحَمْلِهِ إِيَّايَ عَلَى تَعَلُّم الْآدَابِ أَنْ أَوْعَزَ إِلَيَّ امْرَأَةً تَرْجُمَانَةً لَهُ(37) فِي الْاِخْتِلَافِ إِلَيَّ، وَكَانَتْ تَقْصُدُنِي صَبَاحاً وَمَسَاءً وَتُفِيدُنِي الْعَرَبِيَّةَ حَتَّى اسْتَمَرَّ لِسَانِي عَلَيْهَا وَاسْتَقَامَ.
قَالَ بِشْرٌ: فَلَمَّا انْكَفَأتُ بِهَا إِلَى سُرَّ مَنْ رَأى دَخَلَتْ عَلَى مَوْلَايَ أَبِي الْحَسَن (علیه السلام)، فَقَالَ: «كَيْفَ أرَاكِ اللهُ عِزَّ الْإسْلَام وَذُلَّ النَّصْرَانِيَّةِ وَشَرَفَ مُحَمَّدٍ وَأَهْل بَيْتِهِ (عليهم السلام)؟».
قَالَتْ: كَيْفَ أَصِفُ لَكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي؟ قَالَ: «فَإنِّي أُحِبُّ أَنْ أُكْرمَكِ، فَأَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكِ عَشَرَةُ آلَافِ دِينَارٍ أَمْ بُشْرَى لَكِ بِشَرَفِ الْأَبَدِ؟». قَالَتْ: بُشْرَى بِوَلَدٍ لِي. قَالَ لَهَا: «أَبْشِري بوَلَدٍ يَمْلِكُ الدُّنْيَا شَرْقاً وَغَرْباً وَيَمْلْأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»، قَالَتْ: مِمَّنْ؟ قَالَ: «مِمَّنْ خَطَبَكِ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لَهُ لَيْلَةَ كَذَا فِي شَهْر كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا بِالرُّومِيَّةِ»(38)، قَالَ لَهَا: «مِمَّنْ زَوَّجَكِ المَسِيحُ (علیه السلام) وَوَصِيُّهُ؟»، قَالَتْ: مِن ابْنكَ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَقَالَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(37) في المصدر: (ترجمانه لي) بدل (ترجمانة له).
(38) في المصدر إضافة: (قالت: من المسيح ووصيِّه).

(٢١)

«هَلْ تَعْرفِينَهُ؟»، قَالَتْ: وَهَلْ خَلَتْ لَيْلَةٌ لَمْ يَزُرْني فِيهَا مُنْذُ اللَّيْلَةِ الَّتِي أَسْلَمْتُ عَلَى يَدِ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ (عليها السلام)؟ قَالَ: فَقَالَ مَوْلَانَا: «يَا كَافُورُ، ادْعُ أُخْتِي حَكِيمَةَ»، فَلَمَّا دَخَلَتْ قَالَ لَهَا: «هَا هِيَهْ»، فَاعْتَنَقَتْهَا طَويلاً وَسَرَّتْ بِهَا كَثِيراً، فَقَالَ لَهَا أَبُو الْحَسَن (علیه السلام): «يَا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ، خُذِيهَا إِلَى مَنْزلِكِ وَعَلِّمِيهَا الْفَرَائِضَ وَالسُّنَنَ فَإنَّهَا زَوْجَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ وَأُمُّ الْقَائِمِ (علیه السلام)»(39).
[13/13] كمال الدِّين(40): مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدِ بْن(41) حَاتِم، عَنْ أَحْمَدَ بْن عِيسَى الْوَشَّاءِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ طَاهِرٍ الْقُمِّيِّ، عَنْ أَبِي الْحُسَيْن مُحَمَّدِ بْن يَحْيَى(42) الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: وَرَدْتُ كَرْبَلَاءَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْن، قَالَ: وَزُرْتُ قَبْرَ غَريبِ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثُمَّ انْكَفَأتُ إِلَى مَدِينَةِ السَّلَام مُتَوَجِّهاً إِلَى مَقَابِر قُرَيْشٍ وَقَدْ تَضَرَّمَتِ الْهَوَاجِرُ وَتَوَقَّدَتِ السَّمَاءُ، وَلَـمَّا وَصَلْتُ مِنْهَا إِلَى مَشْهَدِ الْكَاظِم (علیه السلام) وَاسْتَنْشَقْتُ نَسِيمَ تُرْبَتِهِ المَغْمُورَةِ مِنَ الرَّحْمَةِ المَحْفُوفَةِ بِحَدَائِقِ الْغُفْرَانِ أَكْبَبْتُ عَلَيْهَا بعَبَرَاتٍ مُتَقَاطِرَةٍ وَزَفَرَاتٍ مُتَتَابِعَةٍ، وَقَدْ حَجَبَ الدَّمْعُ طَرْفي عَن النَّظَر، فَلَمَّا رَقَأتِ الْعَبْرَةُ وَانْقَطَعَ النَّحِيبُ وَفَتَحْتُ بَصَري وَإِذَا أَنَا بِشَيْخ قَدِ انْحَنَى صُلْبُهُ وَتَقَوَّسَ مَنْكِبَاهُ وَثَفِنَتْ جَبْهَتُهُ وَرَاحَتَاهُ، وَهُوَ يَقُولُ لِآخَرَ مَعَهُ عِنْدَ الْقَبْر: يَا بْنَ أَخ، فَقَدْ نَالَ عَمُّكَ شَرَفاً بِمَا حَمَّلَهُ السَّيِّدَانِ مِنْ غَوَامِض الْغُيُوبِ وَشَرَائِفِ الْعُلُوم الَّتِي لَمْ يَحْمِلْ مِثْلَهَا إِلَّا سَلْمَانُ، وَقَدْ أَشْرَفَ عَمُّكَ عَلَى اسْتِكْمَالِ المُدَّةِ وَانْقِضَاءِ الْعُمُر، وَلَيْسَ يَجِدُ فِي أَهْل الْوَلَايَةِ رَجُلاً يُفْضِي إِلَيْهِ(43)، قُلْتُ: يَا نَفْسُ لَا يَزَالُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(39) الغيبة للطوسي (ص 208/ ح 178).
(40) في النسخة المطبوعة: (الكافي) وهو سهو، والصحيح ما أثبتناه.
(41) عبارة: (محمّد بن) ليست في المصدر.
(42) في المصدر: (بحر) بدل (يحيى).
(43) في المصدر: (يُفضي إليه بسرِّه).

(٢٢)

الْعَنَاءُ وَالمَشَقَّةُ يَنَالَانِ مِنْكِ بإتْعَابِي الْخُفَّ وَالْحَافِرَ فِي طَلَبِ الْعِلْم، وَقَدْ قَرَعَ سَمْعِي مِنْ هَذَا الشَّيْخ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى عِلْم جَسِيم وَأَمْرٍ عَظِيم.
فَقُلْتُ: أَيُّهَا الشَّيْخُ، وَمَن السَّيِّدَانِ؟ قَالَ: النَّجْمَانِ المُغَيَّبَانِ فِي الثَّرَى بِسُرَّ مَنْ رَأى، فَقُلْتُ: إِنِّي أُقْسِمُ بِالمُوَالاَةِ وَشَرَفِ مَحَلِّ هَذَيْن السَّيِّدَيْن مِنَ الْإمَامَةِ وَالْورَاثَةِ أَنِّي خَاطِبٌ عِلْمَهُمَا وَطَالِبٌ آثَارَهُمَا وَبَاذِلٌ مِنْ نَفْسِي الْأَيْمَانَ المُؤَكَّدَةَ عَلَى حِفْظِ أَسْرَارِهِمَا، قَالَ: إِنْ كُنْتَ صَادِقاً فِيمَا تَقُولُ فَأَحْضِرْ مَا صَحِبَكَ مِنَ الْآثَارِ عَنْ نَقَلَةِ أَخْبَارِهِمْ، فَلَمَّا فَتَّشَ الْكُتُبَ وَتَصَفَّحَ الرِّوَايَاتِ مِنْهَا قَالَ: صَدَقْتَ، أَنَا بِشْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّخَّاسُ مِنْ وُلْدِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَحَدُ مَوَالِي أَبِي الْحَسَن وَأَبِي مُحَمَّدٍ (علیهما السلام) وَجَارُهُمَا بِسُرَّ مَنْ رَأى، قُلْتُ: فَأَكْرمْ أَخَاكَ بِبَعْض مَا شَاهَدْتَ مِنْ آثَارِهِمَا، قَالَ: كَانَ مَوْلَايَ أَبُو الْحَسَن (علیه السلام) فَقَّهَني فِي عِلْم الرَّقِيقِ، فَكُنْتُ لَا أَبْتَاعُ وَلَا أَبيعُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَاجْتَنَبْتُ بِذَلِكَ مَوَارِدَ الشُّبُهَاتِ حَتَّى كَمَلَتْ مَعْرفَتِي فِيهِ، فَأَحْسَنْتُ الْفَرْقَ فِيمَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَام، فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي مَنْزلِي بِسُرَّ مَنْ رَأى وَقَدْ مَضَى هَويٌّ مِنَ اللَّيْل إِذْ قَدْ قَرَعَ الْبَابَ قَارِعٌ، فَعَدَوْتُ مُسْرعاً، فَإذَا بِكَافُورٍ الْخَادِم رَسُولِ مَوْلَانَا أَبِي الْحَسَن عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ (علیهما السلام) يَدْعُوني إِلَيْهِ، فَلَبِسْتُ ثِيَابِي وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَرَأيْتُهُ يُحَدِّثُ ابْنَهُ أَبَا مُحَمَّدٍ (علیه السلام) وَأُخْتَهُ حَكِيمَةَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْر، فَلَمَّا جَلَسْتُ قَالَ: «يَا بِشْرُ، إِنَّكَ مِنْ وُلْدِ الْأَنْصَارِ، وَهَذِهِ الْوَلَايَةُ لَمْ تَزَلْ فِيكُمْ يَرثُهَا خَلَفٌ عَنْ سَلَفٍ، وَأَنْتُمْ ثِقَاتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ» ... وَسَاقَ الْخَبَرَ نَحْواً مِمَّا رَوَاهُ الشَّيْخُ إِلَى آخِرهِ(44).
بيان: (يباري السماء): أي يعارضها. ويقال: برح به الأمر تبريحاً، جهده وأضرَّ به. وأوعز إليه في كذا: أي تقدَّم. وانكفأ: أي رجع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(44) كمال الدِّين (ج 2/ ص 417/ باب ما روي في نرجس/ ح 1).

(٢٣)

[14/14] كمال الدِّين: ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِبْرَاهِيمَ الْكُوفِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ اللهِ المُطَهَّريِّ(45)، قَالَ: قَصَدْتُ حَكِيمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ (علیه السلام) بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) أَسْأَلُهَا عَن الْحُجَّةِ وَمَا قَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ مِنَ الْحَيْرَةِ الَّتِي(46) فِيهَا، فَقَالَتْ لِي: اجْلِسْ، فَجَلَسْتُ، ثُمَّ قَالَتْ لِي: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يُخَلِّي الْأَرْضَ مِنْ حُجَّةٍ نَاطِقَةٍ أَوْ صَامِتَةٍ، وَلَمْ يَجْعَلْهَا فِي أَخَوَيْن بَعْدَ الْحَسَن وَالْحُسَيْن تَفْضِيلاً لِلْحَسَن وَالْحُسَيْن (علیهما السلام) وَتَمْيِيزاً لَهُمَا(47) أَنْ يَكُونَ فِي الْأَرْض عَدِيلُهُمَا، إِلَّا أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَصَّ وُلْدَ الْحُسَيْن بالْفَضْل عَلَى وُلْدِ الْحَسَن كَمَا خَصَّ وُلْدَ هَارُونَ عَلَى وُلْدِ مُوسَى وَإِنْ كَان مُوسَى حُجَّةً عَلَى هَارُونَ وَالْفَضْلُ لِوُلْدِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَةِ، وَلَا بُدَّ لِلأُمَّةِ مِنْ حَيْرَةٍ يَرْتَابُ فِيهَا المُبْطِلُونَ وَيَخْلُصُ فِيهَا المُحِقُّونَ، لِئَلَّا(48) يَكُونَ لِلنَّاس(49) عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل، وَإِنَّ الْحَيْرَةَ لَا بُدَّ وَاقِعَةٌ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن (علیه السلام).
فَقُلْتُ: يَا مَوْلَاتِي، هَلْ كَانَ لِلْحَسَن (علیه السلام) وَلَدٌ؟ فَتَبَسَّمَتْ ثُمَّ قَالَتْ: إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَسَن (علیه السلام) عَقِبٌ فَمَن الْحِجَّةُ مِنْ بَعْدِهِ؟ وَقَدْ أَخْبَرْتُكَ [أَنَّ الْإمَامَةَ لَا تَكُونُ لِأَخَوَيْن(50) بَعْدَ الْحَسَن وَالْحُسَيْن (علیهما السلام)].
[فَقُلْتُ: يَا سَيِّدَتِي]، حَدِّثِيني بِوِلَادَةِ مَوْلَايَ وَغَيْبَتِهِ (علیه السلام). [قال]: قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا: نَرْجِسُ، فَزَارَني ابْنُ أَخِي (علیه السلام)، وَأَقْبَلَ يُحِدُّ النَّظَرَ إِلَيْهَا، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، لَعَلَّكَ هَويتَهَا، فَأُرْسِلُهَا إِلَيْكَ؟ فَقَالَ: «لَا يَا عَمَّةُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(45) في المصدر: (الطهري) بدل (المطهَّري).
(46) في المصدر إضافة: (هم).
(47) في المصدر: (وتنزيهاً لهما).
(48) في المصدر: (كيلا).
(49) في المصدر: (للخلق) بدل (للناس).
(50) في المصدر: (لا إمامة لأخوين) بدل (الإمامة لا تكون لأخوين).

(٢٤)

لَكِنِّي أَتَعَجَّبُ مِنْهَا»، فَقُلْتُ: وَمَا أَعْجَبَكَ؟ فَقَالَ (علیه السلام): «سَيَخْرُجُ مِنْهَا وَلَدٌ كَرِيمٌ عَلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ) الَّذِي يَمْلَأُ اللهُ بِهِ الْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً»، فَقُلْتُ: فَأُرْسِلُهَا إِلَيْكَ يَا سَيِّدِي؟ فَقَالَ: «اسْتَأذِني فِي ذَلِكَ أبي»، قَالَتْ: فَلَبِسْتُ ثِيَابِي وَأَتَيْتُ مَنْزلَ أَبِي الْحَسَن، فَسَلَّمْتُ وَجَلَسْتُ، فَبَدَأني (علیه السلام) وَقَالَ: «يَا حَكِيمَةُ، ابْعَثِي بِنَرْجِسَ إِلَى ابْني أَبِي مُحَمَّدٍ»، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، عَلَى هَذَا قَصَدْتُكَ أَنْ أَسْتَأذِنَكَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: «يَا مُبَارَكَةُ، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَحَبَّ أَنْ يَشْرَكَكِ فِي الْأَجْر وَيَجْعَلَ لَكِ فِي الْخَيْر نَصِيباً»، قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ رَجَعْتُ إِلَى مَنْزلِي وَزَيَّنْتُهَا وَوَهَبْتُهَا لِأَبِي مُحَمَّدٍ، وَجَمَعْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي مَنْزلِي، فَأَقَامَ عِنْدِي أَيَّاماً، ثُمَّ مَضَى إِلَى وَالِدِهِ، وَوَجَّهْتُ بِهَا مَعَهُ.
قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَمَضَى أَبُو الْحَسَن (علیه السلام) وَجَلَسَ أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام) مَكَانَ وَالِدِهِ، وَكُنْتُ أَزُورُهُ كَمَا كُنْتُ أَزُورُ وَالِدَهُ، فَجَاءَتْنِي نَرْجِسُ يَوْماً تَخْلَعُ خُفِّي وَقَالَتْ: يَا مَوْلَاتِي، نَاوِلْنِي خُفَّكِ، فَقُلْتُ: بَلْ أَنْتِ سَيِّدَتِي وَمَوْلَاتِي، وَاللهِ لَا دَفَعْتُ إِلَيْكِ خُفِّي لِتَخْلَعِيهِ وَلَا خَدَمْتِيني(51)، بَلْ أَخْدُمُكِ(52) عَلَى بَصَري، فَسَمِعَ أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام) ذَلِكَ فَقَالَ: «جَزَاكِ اللهُ خَيْراً يَا عَمَّةُ»، فَجَلَسْتُ عِنْدَهُ إِلَى وَقْتِ غُرُوبِ الشَّمْس، فَصِحْتُ بِالْجَارِيَةِ وَقُلْتُ: نَاوِلِيني ثِيَابِي لِأَنْصَرفَ، فَقَالَ (علیه السلام): «يَا عَمَّتَاهُ، بِيتِيَ اللَّيْلَةَ عِنْدَنَا فَإنَّهُ سَيُولَدُ اللَّيْلَةَ المَوْلُودُ الْكَريمُ عَلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ) الَّذِي يُحْيِي اللهُ (عزَّ وجلَّ) بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا».
قُلْتُ: مِمَّنْ يَا سَيِّدِي وَلَسْتُ أَرَى بِنَرْجِسَ شَيْئاً مِنْ أَثَر الْحَمْل؟ فَقَالَ: «مِنْ نَرْجِسَ لَا مِنْ غَيْرهَا»، قَالَتْ: فَوَثَبْتُ إِلَى نَرْجِسَ فَقَلَبْتُهَا ظَهْراً لِبَطْنٍ فَلَمْ أَرَ بِهَا أثَراً مِنْ حَبَلٍ، فَعُدْتُ إِلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا فَعَلْتُ، فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ لِي: «إِذَا كَانَ وَقْتُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(51) في المصدر: (ولا لتخدميني).
(52) في المصدر: (بل أنا أخدمك).

(٢٥)

الْفَجْر يَظْهَرُ لَكِ بِهَا الْحَبَلُ، لِأَنَّ مَثَلَهَا مَثَلُ أُمِّ مُوسَى لَمْ يَظْهَرْ بِهَا الْحَبَلُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَحَدٌ إِلَى وَقْتِ وِلَادَتِهَا، لِأَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ يَشُقُّ بُطُونَ الْحَبَالَى فِي طَلَبِ مُوسَى وَهَذَا نَظِيرُ مُوسَى (علیه السلام)»(53).
قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْقُبُهَا إِلَى وَقْتِ طُلُوع الْفَجْر وَهِيَ نَائِمَةٌ بَيْنَ يَدَيَّ لَا تَقْلِبُ جَنْباً إِلَى جَنْبٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِر اللَّيْل وَقْتَ طُلُوع الْفَجْر وَثَبَتْ فَزعَةً، فَضَمَمْتُهَا إِلَى صَدْرِي وَسَمَّيْتُ عَلَيْهَا، فَصَاحَ(54) أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام) وَقَالَ: «اقْرَئِي عَلَيْهَا: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾»، فَأَقْبَلْتُ أَقْرَأ عَلَيْهَا، وَقُلْتُ لَهَا: مَا حَالُكِ؟ قَالَتْ: ظَهَرَ(55) الْأَمْرُ الَّذِي أَخْبَرَكِ بِهِ مَوْلَايَ، فَأَقْبَلْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهَا كَمَا أَمَرَني، فَأَجَابَني الْجَنِينُ مِنْ بَطْنِهَا يَقْرَأُ كَمَا أَقْرَأُ، وَسَلَّمَ عَلَيَّ، قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَفَزعْتُ لِمَا سَمِعْتُ، فَصَاحَ بِي أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام): «لَا تَعْجَبِي مِنْ أَمْر اللهِ (عزَّ وجلَّ)، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُنْطِقُنَا بِالْحِكْمَةِ صِغَاراً وَيَجْعَلُنَا حُجَّةً فِي أَرْضِهِ كِبَاراً»، فَلَمْ يَسْتَتِمَّ الْكَلَامَ حَتَّى غِيبَتْ عَنِّي نَرْجِسُ فَلَمْ أَرَهَا كَأنَّهُ ضُربَ بَيْني وَبَيْنَهَا حِجَابٌ، فَعَدَوْتُ نَحْوَ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) وَأَنَا صَارِخَةٌ، فَقَالَ لِي: «ارْجِعِي يَا عَمَّةُ فَإنَّكِ سَتَجِدِيهَا فِي مَكَانِهَا»، قَالَتْ: فَرَجَعْتُ فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ كُشِفَ الْحِجَابُ(56) بَيْني وَبَيْنَهَا، وَإِذَا أَنَا بِهَا وَعَلَيْهَا مِنْ أَثَر النُّورِ مَا غَشِيَ بَصَري، وَإِذَا أَنَا بِالصَّبِيِّ (علیه السلام) سَاجِداً عَلَى وَجْهِهِ، جَاثِياً عَلَى رُكْبَتَيْهِ، رَافِعاً سَبَّابَتَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، وَهُوَ يَقُولُ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَريكَ لَهُ، وَأَنَّ جَدِّي رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَأَنَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(53) في المصدر إضافة: (قالت حكيمة: فعدت إليها فأخبرتها بما قال وسألتها عن حالها، فقالت: يا مولاتي ما أرى بي شيئاً).
(54) في المصدر إضافة: (إليَّ) بين معقوفتين.
(55) في المصدر إضافة: (بي) بين معقوفتين.
(56) في المصدر: (الغطاء الذي كان) بدل (الحجاب).

(٢٦)

أَبِي أَمِيرُ المُؤْمِنينَ...»، ثُمَّ عَدَّ إِمَاماً إِمَاماً إِلَى أَنْ بَلَغَ إِلَى نَفْسِهِ، فَقَالَ (علیه السلام): «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي وَعْدِي، وَأَتْمِمْ لِي أَمْري، وَثَبِّتْ وَطْأَتِي، وَامْلْأ الْأَرْضَ بِي عَدْلاً وَقِسْطاً».
فَصَاحَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ (علیه السلام)، فَقَالَ: «يَا عَمَّةُ، تَنَاوَلِيهِ فَهَاتِيهِ»، فَتَنَاوَلْتُهُ وَأَتَيْتُ بِهِ نَحْوَهُ، فَلَمَّا مَثَلْتُ بَيْنَ يَدَيْ أَبيهِ وَهُوَ عَلَى يَدَيَّ سَلَّمَ عَلَى أَبيهِ، فَتَنَاوَلَهُ الْحَسَنُ (علیه السلام) وَالطَّيْرُ تُرَفْرفُ عَلَى رَأسِهِ(57)، فَصَاحَ بِطَيْرٍ مِنْهَا، فَقَالَ لَهُ: «احْمِلْهُ وَاحْفَظْهُ وَرُدَّهُ إِلَيْنَا فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْماً»، فَتَنَاوَلَهُ الطَّائِرُ وَطَارَ بِهِ فِي جَوِّ السَّمَاءِ وَأَتْبَعَهُ سَائِرُ الطَّيْر، فَسَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ يَقُولُ: «أَسْتَوْدِعُكَ الَّذِي اسْتَوْدَعَتْهُ أُمُّ مُوسَى(58)»، فَبَكَتْ نَرْجِسُ، فَقَالَ لَهَا: «اسْكُتِي فَإنَّ الرَّضَاعَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ ثَدْيِكِ، وَسَيُعَادُ إِلَيْكِ كَمَا رُدَّ مُوسَى إِلَى أُمِّهِ، وَذَلِكِ قَوْلُهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾ [القَصص: 13]».
قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَقُلْتُ: مَا هَذَا الطَّائِرُ؟ قَالَ: «هَذَا رُوحُ الْقُدُس المُوَكَّلُ بالْأَئِمَّةِ (عليهم السلام) يُوَفِّقُهُمْ وَيُسَدِّدُهُمْ وَيُرَبِّيهِمْ بِالْعِلْم».
قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمَّا أَنْ كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً رُدَّ الْغُلَامُ، وَوَجَّهَ إِلَيَّ ابْنُ أَخِي (علیه السلام) فَدَعَانِي، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَإذَا أَنَا بِصَبِيٍّ مُتَحَرِّكٌ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُلْتُ: سَيِّدِي هَذَا ابْنُ سَنَتَيْن، فَتَبَسَّمَ (علیه السلام) ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ أَوْلَادَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْصِيَاءِ إِذَا كَانُوا أَئِمَّةً يَنْشَئُونَ بِخِلَافِ مَا يَنْشَأُ غَيْرُهُمْ، وَإِنَّ الصَّبِيَّ مِنَّا إِذَا أَتَى عَلَيْهِ شَهْرٌ كَانَ كَمَنْ يَأتِي(59) عَلَيْهِ سَنَةٌ، وَإِنَّ الصَّبِيَّ مِنَّا لَيَتَكَلَّمُ فِي بَطْن أُمِّهِ وَيَقْرَأ الْقُرْآنَ وَيَعْبُدُ رَبَّهُ (عزَّ وجلَّ) وَعِنْدَ الرَّضَاع تُطِيعُهُ المَلَائِكَةُ وَتَنْزلُ عَلَيْهِ [كُلَّ] صَبَاح [وَ]مَسَاءٍ(60)».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(57) في المصدر إضافة: (وناوله لسانه فشرب منه، ثمّ قال: «امضي به إلى أُمِّه لترضعه وردِّيه إليَّ»، قالت: فتناولَته أُمُّه فأرضعته فرددته إلى أبي محمّد (علیه السلام) والطير ترفرف على رأسه).
(58) في المصدر: (موسى).
(59) في المصدر: (أتى).
(60) في المصدر: (وتنزل عليه صباحاً ومساءً).

(٢٧)

قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمْ أَزَلْ أَرَى ذَلِكَ الصَّبِيَّ كُلَّ أَرْبَعِينَ يَوْماً إِلَى أَنْ رَأيْتُهُ رَجُلاً قَبْلَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) بأَيَّام قَلَائِلَ فَلَمْ أَعْرفْهُ، فَقُلْتُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام): مَنْ هَذَا الَّذِي تَأمُرُني أَنْ أَجْلِسَ بَيْنَ يَدَيْهِ؟ فَقَالَ: «ابْنُ نَرْجِسَ، وَهُوَ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي، وَعَنْ قَلِيلٍ تَفْقِدُونِّي، فَاسْمَعِي لَهُ وَأَطِيعِي»، قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَمَضَى أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام) بِأَيَّام قَلَائِلَ، وَافْتَرَقَ النَّاسُ كَمَا تَرَى، وَوَاللهِ إِنِّي لَأَرَاهُ صَبَاحاً وَمَسَاءً، وَإِنَّهُ لَيُنْبِئُنِي عَمَّا تَسْألُونِّي عَنْهُ فَأُخْبِرُكُمْ، وَوَاللهِ إِنِّي لَأُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَن الشَّيْءِ فَيَبْدَأُني بِهِ، وَإِنَّهُ لَيَرُدُّ عَلَيَّ الْأَمْرَ فَيَخْرُجُ إِلَيَّ مِنْهُ جَوَابُهُ مِنْ سَاعَتِهِ مِنْ غَيْر مَسْأَلَتِي، وَقَدْ أَخْبَرَني الْبَارِحَةَ بِمَجِيئِكَ إِلَيَّ، وَأَمَرَني أَنْ أُخْبِرَكَ بِالْحَقِّ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: فَوَ اللهِ لَقَدْ أَخْبَرَتْنِي حَكِيمَةُ بِأَشْيَاءَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا أَحَدٌ إِلَّا اللهُ (عزَّ وجلَّ)، فَعَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ صِدْقٌ وَعَدْلٌ مِنَ اللهِ (عزَّ وجلَّ)، وَأَنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) قَدِ اطَّلَعَهُ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ(61).
بيان: قوله (علیه السلام): (وثبِّت وطأتي): الوطئ الدوس بالقدم، سُمِّي به الغزو والقتل لأنَّ من يطأ على الشيء برجله فقد استقصى في هلاكه وإهانته، ذكره الجزري(62)، أي أحكم وثبِّت ما وعدتني من جهاد المخالفين واستيصالهم.
[15/15] كمال الدِّين: الطَّالَقَانِيُّ، عَن الْحَسَن بْن عَلِيِّ بْن زَكَريَّا، عَنْ مُحَمَّدِ بْن خَلِيلَانَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ غِيَاثِ بْن أَسَدٍ(63)، قَالَ: وُلِدَ الْخَلَفُ المَهْدِيُّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأُمُّهُ رَيْحَانَةٌ، وَيُقَالُ لَهَا: نَرْجِسُ، وَيُقَالُ: صَقِيلُ، وَيُقَالُ: سَوْسَنُ، إِلَّا أَنَّهُ قِيلَ لِسَبَبِ الْحَمْل: صَقِيلُ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ (علیه السلام) لِثَمَانِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن، وَكِيلُهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(61) كمال الدِّين (ج 2/ ص 426/ باب ما روي في ميلاد القائم (علیه السلام)/ ح 2).
(62) النهاية (ج 5/ ص 200).
(63) في المصدر: (أُسيد) بدل (أسد).

(٢٨)

فَلَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ أَوْصَى إِلَى ابْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْن عُثْمَانَ، وَأَوْصَى أَبُو جَعْفَرٍ إِلَى أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رُوح، وَأَوْصَى أَبُو الْقَاسِم إِلَى أبِي الْحَسَن عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ السَّمُريِّ (رضي الله عنهم)، فَلَمَّا حَضَرَتِ السَّمُريَّ (رضي الله عنه) الْوَفَاةُ سُئِلَ أَنْ يُوصِيَ، فَقَالَ: للهِ أَمْرٌ هُوَ بَالِغُهُ، فَالْغَيْبَةُ التَّامَّةُ هِيَ الَّتِي وَقَعَتْ بَعْدَ السَّمُريِّ (رحمه الله)(64).
بيان: قوله: (إلَّا أنَّه قيل لسبب الحمل): أي إنَّما سُمِّي صقيلاً لِمَا اعتراه من النور والجلاء بسبب الحمل المنوَّر، يقال: صقل السيف وغيره، أي جلاه، فهو صقيل. ولا يبعد أنْ يكون تصحيف الجمال.
[16/16] كمال الدِّين: عَلِيُّ بْنُ الْحَسَن بْن الْفَرَج، عَنْ مُحَمَّدِ بْن الْحَسَن الْكَرْخِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هَارُونَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِنَا يَقُولُ: رَأَيْتُ صَاحِبَ الزَّمَانِ (علیه السلام) وَكَانَ مَوْلِدُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن(65).
[17/17] كمال الدِّين: ابْنُ المُتَوَكِّل، عَن الْحِمْيَريِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِبْرَاهِيمَ الْكُوفِيِّ، أَنَّ أبَا مُحَمَّدٍ (علیه السلام) بَعَثَ إِلَى [بَعْض] مَنْ سَمَّاهُ لِي بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ، قَالَ: «هَذِهِ مِنْ عَقِيقَةِ ابْني مُحَمَّدٍ»(66).
[18/18] كمال الدِّين: مَاجِيلَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ، عَن الْحَسَن بْن عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيِّ، عَن الْحَسَن بْن المُنْذِرِ، عَنْ حَمْزَةَ بْن أَبِي الْفَتْح، قَالَ: جَاءَنِي يَوْماً فَقَالَ لِي: الْبِشَارَةَ! وُلِدَ الْبَارِحَةَ فِي الدَّارِ مَوْلُودٌ لِأَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) وَأَمَرَ بِكِتْمَانِهِ، قُلْتُ: وَمَا اسْمُهُ؟ قَالَ: سُمِّيَ بِمُحَمَّدٍ، وَكُنِّيَ بِجَعْفَرٍ(67).
[19/19] كمال الدِّين: الطَّالَقَانِيُّ، عَن الْحَسَن بْن عَلِيِّ بْن زَكَريَّا، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(64) كمال الدِّين (ج 2/ ص 432/ باب ما روي في ميلاد القائم (علیه السلام)/ ح 12).
(65) كمال الدِّين (ج 2/ ص 432/ باب ما روي في ميلاد القائم (علیه السلام)/ ح 9).
(66) كمال الدِّين (ج 2/ ص 432/ باب ما روي في ميلاد القائم (علیه السلام)/ ح 10).
(67) كمال الدِّين (ج 2/ ص 432/ باب ما روي في ميلاد القائم (علیه السلام)/ ح 11).

(٢٩)

مُحَمَّدِ بْن خَلِيلَانَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ غِيَاثِ بْن أَسَدٍ(68)، قَالَ: سَمِعْتُ(69) مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ الْعَمْريَّ (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ) يَقُولُ: لَـمَّا وُلِدَ الْخَلَفُ المَهْدِيُّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) سَطَعَ نُورٌ مِنْ فَوْقِ رَأسِهِ إِلَى عَنَانِ السَّمَاءِ، ثُمَّ سَقَطَ لِوَجْهِهِ سَاجِداً لِرَبِّهِ (تَعَالَى ذِكْرُهُ)، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ وَهُوَ يَقُولُ: «أَشْهَدُ أنْ ﴿لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: 18 و19]»، قَالَ: وَكَانَ مَوْلِدُهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ(70).
[20/20] كمال الدِّين: بِهَذَا الْإسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عُثْمَانَ الْعَمْريِّ (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ)، أَنَّهُ قَالَ: وُلِدَ السَّيِّدُ (علیه السلام) مَخْتُوناً، وَسَمِعْتُ حَكِيمَةَ تَقُولُ: لَمْ يُرَ بِأُمِّهِ دَمٌ فِي نِفَاسِهَا، وَهَذَا سَبِيلُ أُمَّهَاتِ الْأَئِمَّةِ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ)(71).
[21/21] كمال الدِّين: أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن مِهْرَانَ، عَنْ أَحْمَدَ ابْن الْحَسَن بْن إِسْحَاقَ الْقُمِّيِّ، قَالَ: لَـمَّا وُلِدَ الْخَلَفُ الصَّالِحُ (علیه السلام) وَرَدَ مِنْ مَوْلَانَا أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن بْن عَلِيٍّ عَلَى جَدِّي أَحْمَدَ بْن إِسْحَاقَ كِتَابٌ، وَإِذَا فِيهِ مَكْتُوبٌ بِخَطِّ يَدِهِ (علیه السلام) الَّذِي كَانَ يَردُ بِهِ التَّوْقِيعَاتُ عَلَيْهِ: «وُلِدَ المَوْلُودُ، فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ مَسْتُوراً، وَعَنْ جَمِيع النَّاس مَكْتُوماً، فَإنَّا لَمْ نُظْهِرْ عَلَيْهِ إِلَّا الْأَقْرَبَ لِقَرَابَتِهِ وَالمَوْلَى(72) لِوَلَايَتِهِ، أَحْبَبْنَا إِعْلَامَكَ لِيَسُرَّكَ اللهُ بِهِ كَمَا سَرَّنَا وَالسَّلَامُ»(73).
[22/22] كمال الدِّين: ابْنُ الْوَلِيدِ(74)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الْعَبَّاس الْعَلَويِّ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(68) في المصدر: (أُسيد).
(69) في المصدر: (شهدت) بدل (سمعت).
(70) كمال الدِّين (ج 2/ ص 433/ باب ما روي في ميلاد القائم (علیه السلام)/ ح 13).
(71) كمال الدِّين (ج 2/ ص 433/ باب ما روي في ميلاد القائم (علیه السلام)/ ح 14).
(72) في المصدر: (الوليّ) بدل (المولى).
(73) كمال الدِّين (ج 2/ ص 433/ باب ما روي في ميلاد القائم (علیه السلام)/ ح 16).
(74) في المصدر إضافة: (عن محمّد بن الحسن الكرخي).

(٣٠)

عَن الْحَسَن بْن الْحُسَيْن الْعَلَويِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن بْن عَلِيٍّ (علیهما السلام) بِسُرَّ مَنْ رَأى، فَهَنَّأتُهُ بِولَادَةِ ابْنِهِ الْقَائِم (علیه السلام)(75).
الغيبة للطوسي: ابن أبِي جيِّد، عن ابن الوليد، مثله(76).
[23/23] كمال الدِّين: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْن حُبَابٍ، عَنْ أَبِي الْأَدْيَانِ(77)، قَالَ: قَالَ عَقِيدٌ الْخَادِمُ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنُ خَيْرَوَيْهِ الْبَصْريُّ(78)، وَقَالَ حَاجِزٌ الْوَشَّاءُ كُلُّهُمْ حَكَوْا عَنْ عَقِيدٍ، وَقَالَ أَبُو سَهْل بْنُ نَوْبَخْتَ: قَالَ عَقِيدٌ: وُلِدَ وَلِيُّ اللهِ الْحُجَّةُ بْنُ الْحَسَن بْن عَلِيِّ بْن مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن مُوسَى بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ ابْن الْحُسَيْن بْن عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ) لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ مِنْ شَهْر رَمَضَانَ(79) مِنْ سَنَةِ أَرْبَع وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن لِلْهِجْرَةِ، وَيُكَنَّى أَبَا الْقَاسِم، وَيُقَالُ: أَبُو جَعْفَرٍ، وَلَقَبُهُ المَهْدِيُّ، وَهُوَ حُجَّةُ اللهِ فِي أَرْضِهِ(80)، وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وِلَادَتِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَظْهَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَتَمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَهَى عَنْ ذِكْر خَبَرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْدَى ذِكْرَهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ(81).
[24/24] الغيبة للطوسي: جَمَاعَةٌ، عَن التَّلَّعُكْبَريِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن عَلِيٍّ، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(75) كمال الدِّين (ج 2/ ص 434/ باب ذكر من هنَّأ أبا محمّد الحسن بن عليٍّ (علیه السلام) بولادة ابنه القائم (علیه السلام)/ ح 1).
(76) الغيبة للطوسي (ص 251/ ح 221).
(77) أبو الأديان - كما في ريحانة الأدب (ج 7/ ص 8) - هو: عليٌّ البصري من مشاهير الصوفيَّة، تُوفِّي أواخر القرن الثالث الهجري، وكنيته أبو الحسن، وقيل له: (أبا الأديان) لأنَّه كان يناظر في جميع الأديان.
(78) في المصدر: (التستري) بدل (البصري).
(79) في المصدر: (ليلة الجمعة غرَّة شهر رمضان).
(80) في المصدر إضافة: (على جميع خلقه، وأُمُّه صقيل الجارية، ومولده بسُرَّ من رأى في درب الراضة).
(81) كمال الدِّين (ج 2/ ص 474/ ضمن الحديث 25).

(٣١)

مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْن زَكَريَّا، عَن الثِّقَةِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ الْعَبَّاسُ الْعَلَويُّ وَمَا رَأَيْتُ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْهُ، وَكَانَ خَالَفَنَا فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، عَن الْحَسَن بْن الْحُسَيْن الْعَلَويِّ(82)، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) بِسُرَّ مَنْ رَأى، فَهَنَّأتُهُ بِسَيِّدِنَا صَاحِبِ الزَّمَان (علیه السلام) لَـمَّا وُلِدَ(83).
[25/25] الغيبة للطوسي: ابْنُ أَبِي جَيِّدٍ، عَن ابْن الْوَلِيدِ، عَن الصَّفَّار، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ اللهِ المُطَهَّريِّ(84)، عَنْ حَكِيمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ الرِّضَا، قَالَتْ: بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام) سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَقَالَ: «يَا عَمَّةُ، اجْعَلِي اللَّيْلَةَ إِفْطَارَكِ عِنْدِي، فَإنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) سَيَسُرُّكِ بِوَلِيِّهِ وَحُجَّتِهِ عَلَى خَلْقِهِ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي»، قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَتَدَاخَلَنِي لِذَلِكَ سُرُورٌ شَدِيدٌ، وَأَخَذْتُ ثِيَابِي عَلَيَّ، وَخَرَجْتُ مِنْ سَاعَتِي حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) وَهُوَ جَالِسٌ فِي صَحْن دَارهِ وَجَوَاريهِ حَوْلَهُ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا سَيِّدِي، الْخَلَفُ مِمَّنْ هُوَ؟ قَالَ: «مِنْ سَوْسَنَ»، فَأَدَرْتُ طَرْفِي فِيهِنَّ، فَلَمْ أَرَ جَاريَةً عَلَيْهَا أَثَرٌ غَيْرَ سَوْسَنَ، قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمَّا أَنْ صَلَّيْتُ المَغْربَ وَالْعِشَاءَ الْآخِرَةَ أَتَيْتُ بِالمَائِدَةِ، فَأَفْطَرْتُ أَنَا وَسَوْسَنُ، وَبَايَتُّهَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، فَغَفَوْتُ غَفْوَةً(85)، ثُمَّ اسْتَيْقَظْتُ، فَلَمْ أَزَلْ مُفَكِّرَةً فِيمَا وَعَدَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام) مِنْ أَمْر وَلِيِّ اللهِ (علیه السلام)، فَقُمْتُ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي كُنْتُ أَقُومُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِلصَّلَاةِ، فَصَلَّيْتُ صَلَاةَ اللَّيْل حَتَّى بَلَغْتُ إِلَى الْوَتْر، فَوَثَبَتْ سَوْسَنُ فَزعَةً، وَخَرَجَتْ وَأَسْبَغَتِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ عَادَتْ فَصَلَّتْ صَلَاةَ اللَّيْل وَبَلَغَتْ إِلَى الْوَتْر، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ قَرُبَ، فَقُمْتُ لِأَنْظُرَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(82) في المصدر: (الحسين بن الحسين العلوي) بدل (الحسن بن الحسين العلوي).
(83) الغيبة للطوسي (ص 229/ ح 195).
(84) في المصدر: (عن أبي عبد الله المطهَّري).
(85) غفا يغفو غفواً: نام، وقيل: نعس، وقيل: نام نومة خفيفة.

(٣٢)

فَإذَا بِالْفَجْر الْأَوَّلِ قَدْ طَلَعَ، فَتَدَاخَلَ قَلْبِيَ الشَّكُّ(86) مِنْ وَعْدِ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَنَادَانِي مِنْ حُجْرَتِهِ: «لَا تَشُكِّي، وَكَأَنَّكِ بِالْأَمْر السَّاعَةَ قَدْ رَأَيْتِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ».
قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) وَمِمَّا وَقَعَ فِي قَلْبِي، وَرَجَعْتُ إِلَى الْبَيْتِ وَأَنَا خَجِلَةٌ، فَإذَا هِيَ قَدْ قَطَعَتِ الصَّلَاةَ وَخَرَجَتْ فَزعَةً، فَلَقِيتُهَا عَلَى بَابِ الْبَيْتِ، فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتِ وَأُمِّي، هَلْ تَحِسِّينَ شَيْئاً؟ قَالَتْ: نَعَمْ يَا عَمَّةُ، إِنِّي لَأَجِدُ أَمْراً شَدِيداً، قُلْتُ: لَا خَوْفَ عَلَيْكِ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَأَخَذْتُ وسَادَةً فَأَلْقَيْتُهَا فِي وَسَطِ الْبَيْتِ وَأَجْلَسْتُهَا عَلَيْهَا وَجَلَسْتُ مِنْهَا حَيْثُ تَقْعُدُ المَرْأَةُ مِنَ المَرْأَةِ لِلْولَادَةِ، فَقَبَضَتْ عَلَى كَفِّي وَغَمَزَتْ غَمْزَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ أَنَّتْ أَنَّةً وَتَشَهَّدَتْ، وَنَظَرْتُ تَحْتَهَا فَإِذَا أَنَا بِوَلِيِّ اللهِ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) مُتَلَقِّياً الْأَرْضَ بِمَسَاجِدِهِ، فَأَخَذْتُ بِكَتِفَيْهِ فَأَجْلَسْتُهُ فِي حَجْري، وَإِذَا هُوَ نَظِيفٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ، فَنَادَانِي أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام): «يَا عَمَّةُ، هَلُمِّي فَأتِيني بِابْني»، فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَتَنَاوَلَهُ، وَأَخْرَجَ لِسَانَهُ فَمَسَحَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ فَفَتَحَهَا، ثُمَّ أَدْخَلَهُ فِي فِيهِ فَحَنَّكَهُ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ فِي أُذُنَيْهِ وَأَجْلَسَهُ فِي رَاحَتِهِ الْيُسْرَى، فَاسْتَوَى وَلِيُّ اللهِ جَالِساً، فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى رَأسِهِ وَقَالَ لَهُ: «يَا بُنَيَّ، انْطِقْ بِقُدْرَةِ اللهِ»، فَاسْتَعَاذَ وَلِيُّ اللهِ (علیه السلام) مِنَ الشَّيْطَان الرَّجِيمِ، وَاسْتَفْتَحَ: «﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القَصص: 5 و6]...»، وَصَلَّى عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى أَمِير المُؤْمِنينَ وَالْأَئِمَّةِ (عليهم السلام) وَاحِداً وَاحِداً حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَبِيهِ، فَنَاوَلَنِيهِ أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام) وَقَالَ: «يَا عَمَّةُ، رُدِّيهِ إِلَى أُمِّهِ حَتَّى تَقَرَّ عَيْنُها وَلَا تَحْزَنَ، وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أكْثَرَ النَّاس لَا يَعْلَمُونَ(87)»، فَرَدَدْتُهُ إِلَى أُمِّهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(86) فتداخلني الشكُّ (خ).
(87) مقتبس من سورة (القَصص: 13).

(٣٣)

وَقَدِ انْفَجَرَ الْفَجْرُ الثَّانِي، فَصَلَّيْتُ الْفَريضَةَ وَعَقَّبْتُ إِلَى أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ وَدَّعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ (علیه السلام) وَانْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزلِي، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثٍ اشْتَقْتُ إِلَى وَلِيِّ اللهِ، فَصِرْتُ إِلَيْهِمْ، فَبَدَأتُ بِالْحُجْرَةِ الَّتِي كَانَتْ سَوْسَنُ فِيهَا، فَلَمْ أَرَ أثَراً وَلَا سَمِعْتُ ذِكْراً، فَكَرهْتُ أَنْ أَسْأَلَ، فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَبْدَأَهُ بِالسُّؤَالِ فَبَدَأَنِي، فَقَالَ: «يَا عَمَّةُ، فِي كَنَفِ اللهِ وَحِرْزِهِ وَسَتْرهِ وَعَيْنهِ(88) حَتَّى يَأذَنَ اللهُ لَهُ، فَإذَا غَيَّبَ اللهُ شَخْصِي وَتَوَفَّانِي وَرَأَيْتِ شِيعَتِي قَدِ اخْتَلَفُوا فَأَخْبِري الثِّقَاتَ مِنْهُمْ، وَلْيَكُنْ عِنْدَكِ وَعِنْدَهُمْ مَكْتُوماً، فَإنَّ وَلِيَّ اللهِ يُغَيِّبُهُ اللهُ عَنْ خَلْقِهِ وَيَحْجُبُهُ عَنْ عِبَادِهِ، فَلَا يَرَاهُ أَحَدٌ حَتَّى يُقَدِّمَ لَهُ جَبْرَئِيلُ (علیه السلام) فَرَسَهُ، ﴿لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً﴾ [الأنفال: 42]»(89).
[26/26] الغيبة للطوسي: أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْن سَمِيع بْن بُنَانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن أَبِي الدَّاريِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْن عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْن رُوح الْأَهْوَازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَكِيمَةَ بِمِثْل مَعْنَى الْحَدِيثِ الأوَّلِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: قَالَتْ: بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام) لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَهْر رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن، قَالَتْ: وَقُلْتُ لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، مَنْ أُمُّهُ؟ قَالَ: «نَرْجِسُ»، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّالِثِ اشْتَدَّ شَوْقِي إِلَى وَلِيِّ اللهِ، فَأَتَيْتُهُمْ عَائِدَةً، فَبَدَأتُ بِالْحُجْرَةِ الَّتِي فِيهَا الْجَاريَةُ، فَإذَا أَنَا بِهَا جَالِسَةً فِي مَجْلِس المَرْأَةِ النُّفَسَاءِ وَعَلَيْهَا أَثْوَابٌ صُفْرٌ وَهِيَ مُعَصَّبَةُ الرَّأس، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهَا، وَالْتَفَتُّ إِلَى جَانِبِ الْبَيْتِ وَإِذَا بِمَهْدٍ عَلَيْهِ أَثْوَابٌ خُضْرٌ، فَعَدَلْتُ إِلَى المَهْدِ وَرَفَعْتُ عَنْهُ الْأَثْوَابَ، فَإذَا أَنَا بِوَلِيِّ اللهِ نَائِمٌ عَلَى قَفَاهُ غَيْرَ مَحْزُوم وَلَا مَقْمُوطٍ، فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ وَجَعَلَ يَضْحَكُ وَيُنَاجِيني بِإصْبَعِهِ، فَتَنَاوَلْتُهُ وَأَدْنَيْتُهُ إِلَى فَمِي لِأُقَبِّلَهُ، فَشَمَمْتُ مِنْهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(88) في المصدر: (وغيبه) بدل (وعينه).
(89) الغيبة للطوسي (ص 234/ ح 204).

(٣٤)

رَائِحَةً مَا شَمَمْتُ قَطُّ أَطْيَبَ مِنْهَا، وَنَادَانِي أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام): «يَا عَمَّتِي، هَلُمِّي فَتَايَ إِلَيَّ»، فَتَنَاوَلَهُ، وَقَالَ: «يَا بُنَيَّ، انْطِقْ» ...، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
قَالَتْ: ثُمَّ تَنَاوَلَهُ مِنْهُ وَهُوَ يَقُولُ: «يَا بُنَيَّ، أَسْتَوْدِعُكَ الَّذِي اسْتَوْدَعَتْهُ أُمُّ مُوسَى! كُنْ فِي دَعَةِ اللهِ وَسَتْرهِ وَكَنَفِهِ وَجِوَارهِ»، وَقَالَ: «رُدِّيهِ إِلَى أُمِّهِ يَا عَمَّةُ، وَاكْتُمِي خَبَرَ هَذَا المَوْلُودِ عَلَيْنَا، وَلَا تُخْبِري بِهِ أَحَداً حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ»، فَأَتَيْتُ أُمَّهُ وَوَدَّعْتُهُمْ...، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى آخِرهِ(90).
بيان: حزمه يحزمه: شدَّه.
[27/27] الغيبة للطوسي: أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ، عَنْ حَنْظَلَةَ ابْن زَكَريَّا، قَالَ: حَدَّثَنِي الثِّقَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن بِلَالٍ، عَنْ حَكِيمَةَ بِمِثْل ذَلِكَ(91).
وَفِي روَايَةٍ أُخْرَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الشُّيُوخ أَنَّ حَكِيمَةَ حَدَّثَتْ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَذَكَرَتْ أَنَّهُ كَانَ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَأَنَّ أُمَّهُ نَرْجِسُ...، وَسَاقَتِ الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهَا: فَإذَا أَنَا بِحِسِّ سَيِّدِي وَبصَوْتِ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) وَهُوَ يَقُولُ: «يَا عَمَّتِي، هَاتِي ابْنِي إِلَيَّ»، فَكَشَفْتُ عَنْ سَيِّدِي، فَإذَا هُوَ سَاجِدٌ مُتَلَقِّياً الأرْضَ بِمَسَاجِدِهِ وَعَلَى ذِرَاعِهِ الْأَيْمَن مَكْتُوبٌ: ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾ [الإسراء: 81]، فَضَمَمْتُهُ إِلَيَّ، فَوَجَدْتُهُ مَفْرُوغاً مِنْهُ، فَلَفَفْتُهُ فِي ثَوْبٍ وَحَمَلْتُهُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)...، وَذَكَرُوا الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَأَنَّ عَلِيًّا أَمِيرُ المُؤْمِنينَ حَقًّا...»، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَعُدُّ السَّادَةَ الْأَوْصِيَاءَ إِلَى أَنْ بَلَغَ إِلَى نَفْسِهِ، وَدَعَا لِأَوْلِيَائِهِ بِالْفَرَج عَلَى يَدَيْهِ، ثُمَّ أحْجَمَ. وَقَالَتْ: ثُمَّ رُفِعَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي مُحَمَّدٍ كَالْحِجَابِ، فَلَمْ أَرَ سَيِّدِي، فَقُلْتُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(90) الغيبة للطوسي (ص 238/ ح 206).
(91) الغيبة للطوسي (ص 238/ ذيل الحديث 206).

(٣٥)

يَا سَيِّدِي، أَيْنَ مَوْلَايَ؟ فَقَالَ: «أَخَذَهُ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْكِ وَمِنَّا» ...، ثُمَّ ذَكَرُوا الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ وَزَادُوا فِيهِ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَإِذَا مَوْلَانَا الصَّاحِبُ يَمْشِي فِي الدَّار، فَلَمْ أَرَ وَجْهاً أَحْسَنَ مِنْ وَجْهِهِ، وَلَا لُغَةً أَفْصَحَ مِنْ لُغَتِهِ، فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: «هَذَا المَوْلُودُ الْكَريمُ عَلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ)»، فَقُلْتُ: سَيِّدِي، أَرَى مِنْ أَمْرهِ مَا أَرَى وَلَهُ أرْبَعُونَ يَوْماً؟!، فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: «يَا عَمَّتِي، أَمَا عَلِمْتِ أَنَّا مَعَاشِرَ الْأَئِمَّةِ نَنْشَأُ فِي الْيَوْم مَا يَنْشَأُ غَيْرُنَا فِي السَّنَةِ؟»، فَقُمْتُ فَقَبَّلْتُ رَأسَهُ وَانْصَرَفْتُ، ثُمَّ عُدْتُ وَتَفَقَّدْتُهُ فَلَمْ أَرَهُ، فَقُلْتُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام): مَا فَعَلَ مَوْلَانَا؟ فَقَالَ: «يَا عَمَّةُ، اسْتَوْدَعْنَاهُ الَّذِي اسْتَوْدَعَتْ أُمُّ مُوسَى»(92).
[28/28] الغيبة للطوسي: أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ، عَنْ حَنْظَلَةَ ابْن زَكَريَّا، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ بِلَالِ بْن دَاوُدَ الْكَاتِبِ، وَكَانَ عَامِّيًّا بِمَحَلٍّ مِنَ النَّصْبِ لِأَهْل الْبَيْتِ (عليهم السلام) يُظْهِرُ ذَلِكَ وَلَا يَكْتُمُهُ، وَكَانَ صَدِيقاً لِي يُظْهِرُ مَوَدَّةً بِمَا فِيهِ مِنْ طَبْع أَهْل الْعِرَاقِ، فَيَقُولُ كُلَّمَا لَقِيَنِي: لَكَ عِنْدِي خَبَرٌ تَفْرَحُ بِهِ وَلَا أُخْبِرُكَ بِهِ، فَأَتَغَافَلُ عَنْهُ إِلَى أَنْ جَمَعَنِي وَإِيَّاهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ فَاسْتَقْصَيْتُ عَنْهُ وَسَأَلْتُهُ أَنْ يُخْبِرَني بِهِ، فَقَالَ: كَانَتْ دُورُنَا بِسُرَّ مَنْ رَأى مُقَابِلَ دَار ابْن الرِّضَا - يَعْنِي أَبَا مُحَمَّدٍ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ (علیه السلام) -، فَغِبْتُ عَنْهَا دَهْراً طَويلاً إِلَى قَزْوينَ وَغَيْرهَا، ثُمَّ قَضَى لِيَ الرُّجُوعُ إِلَيْهَا، فَلَمَّا وَافَيْتُهَا وَقَدْ كُنْتُ فَقَدْتُ جَمِيعَ مَنْ خَلَّفْتُهُ مِنْ أَهْلِي وَقَرَابَاتِي إِلَّا عَجُوزاً كَانَتْ رَبَّتْنِي وَلَهَا بِنْتٌ مَعَهَا، وَكَانَتْ مِنْ طَبْعِ الْأُوَلِ مَسْتُورَةً صَائِنَةً لَا تُحْسِنُ الْكَذِبَ، وَكَذَلِكَ مُوَالِيَاتٌ لَنَا بَقِينَ فِي الدَّار، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُمْ أَيَّاماً، ثُمَّ عَزَمْتُ [عَلَى](93) الْخُرُوج، فَقَالَتِ الْعَجُوزُ: كَيْفَ تَسْتَعْجِلُ الْاِنْصِرَافَ وَقَدْ غِبْتَ زَمَاناً؟ فَأَقِمْ عِنْدَنَا لِنَفْرَحَ بِمَكَانِكَ، فَقُلْتُ لَهَا عَلَى جِهَةِ الْهُزْءِ: أُريدُ أَنْ أَصِيرَ إِلَى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(92) الغيبة للطوسي (ص 239/ ح 207).
(93) كلمة: (على) ليست في المصدر.

(٣٦)

كَرْبَلَاءَ، وَكَانَ النَّاسُ لِلْخُرُوج فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ لِيَوْم عَرَفَةَ، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، أُعِيذُكَ بِاللهِ أَنْ تستهيني بما [تَسْتَهِينَ مَا] ذَكَرْتَ، أَوْ تَقُولَهُ عَلَى وَجْهِ الْهُزْءِ، فَإنِّي أُحَدِّثُكَ بِمَا رَأَيْتُهُ، يَعْنِي بَعْدَ خُرُوجِكَ مِنْ عِنْدَنَا بِسَنَتَيْن.
كُنْتُ فِي هَذَا الْبَيْتِ نَائِمَةً بِالْقُرْبِ مِنَ الدِّهْلِيز، وَمَعِيَ ابْنَتِي، وَأَنَا بَيْنَ النَّائِمَةِ وَالْيَقْظَانَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، نَظِيفُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرَّائِحَةِ، فَقَالَ: يَا فُلَانَةُ، يَجِيئُكِ السَّاعَةَ مَنْ يَدْعُوكِ فِي الْجِيرَان، فَلَا تَمْتَنِعِي مِنَ الذَّهَابِ مَعَهُ وَلَا تَخَافِي، فَفَزعْتُ، وَنَادَيْتُ ابْنَتِي وَقُلْتُ لَهَا: هَلْ شَعَرْتِ بِأَحَدٍ دَخَلَ الْبَيْتَ؟ فَقَالَتْ: لَا، فَذَكَرْتُ اللهَ وَقَرَأتُ وَنمْتُ، فَجَاءَ الرَّجُلُ بِعَيْنِهِ وَقَالَ لِي مِثْلَ قَوْلِهِ، فَفَزعْتُ وَصِحْتُ بِابْنَتِي، فَقَالَتْ: لَمْ يَدْخُل الْبَيْتَ، فَاذْكُري اللهَ وَلَا تَفْزَعِي، فَقَرَأتُ وَنمْتُ، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ جَاءَ الرَّجُلُ وَقَالَ: يَا فُلَانَةُ، قَدْ جَاءَكِ مَنْ يَدْعُوكِ وَيَقْرَعُ الْبَابَ، فَاذْهَبِي مَعَهُ، وَسَمِعْتُ دَقَّ الْبَابِ، فَقُمْتُ وَرَاءَ الْبَابِ وَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: افْتَحِي وَلَا تَخَافِي، فَعَرَفْتُ كَلَامَهُ وَفَتَحْتُ الْبَابَ، فَإذَا خَادِمٌ مَعَهُ إِزَارٌ، فَقَالَ: يَحْتَاجُ إِلَيْكِ بَعْضُ الْجِيرَان لِحَاجَةٍ مُهِمَّةٍ فَادْخُلِي، وَلَفَّ رَأسِي بِالمُلَاءَةِ وَأَدْخَلَنِي الدَّارَ وَأَنَا أَعْرفُهَا، فَإذَا بِشِقَاقٍ مَشْدُودَةٍ وَسَطَ الدَّار وَرَجُلٌ قَاعِدٌ بِجَنْبِ الشِّقَاقِ، فَرَفَعَ الْخَادِمُ طَرَفَهُ، فَدَخَلْتُ وَإِذَا امْرَأَةٌ قَدْ أَخَذَهَا الطَّلْقُ وَامْرَأَةٌ قَاعِدَةٌ خَلْفَهَا كَأَنَّهَا تَقْبَلُهَا، فَقَالَتِ المَرْأَةُ: تُعِينُنَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَعَالَجْتُهَا بِمَا يُعَالَجُ بِهِ مِثْلُهَا، فَمَا كَانَ إِلَّا قَلِيلاً حَتَّى سَقَطَ غُلَامٌ، فَأَخَذْتُهُ عَلَى كَفِّي وَصِحْتُ غُلَامٌ غُلَامٌ، وَأَخْرَجْتُ رَأسِي مِنْ طَرَفِ الشِّقَاقِ أُبَشِّرُ الرَّجُلَ الْقَاعِدَ، فَقِيلَ لِي: لَا تَصِيحِي، فَلَمَّا رَدَدْتُ وَجْهِي إِلَى الْغُلَام قَدْ كُنْتُ فَقَدْتُهُ مِنْ كَفِّي، فَقَالَتْ لِيَ المَرْأَةُ الْقَاعِدَةُ: لَا تَصِيحِي، وَأَخَذَ الْخَادِمُ بِيَدِي وَلَفَّ رَأسِي بِالمُلَاءَةِ وَأَخْرَجَنِي مِنَ الدَّار وَرَدَّنِي إِلَى دَاري وَنَاوَلَنِي صُرَّةً، وَقَالَ لِي: لَا تُخْبِري بِمَا رَأَيْتِ أَحَداً.

(٣٧)

فَدَخَلْتُ الدَّارَ وَرَجَعْتُ إِلَى فِرَاشِي فِي هَذَا الْبَيْتِ وَابْنَتِي نَائِمَةٌ بَعْدُ، فَأَنْبَهْتُهَا وَسَأَلْتُهَا: هَلْ عَلِمْتِ بِخُرُوجِي وَرُجُوعِي؟ فَقَالَتْ: لَا، وَفَتَحْتُ الصُّرَّةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِذَا فِيهَا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ عَدَداً، وَمَا أَخْبَرْتُ بِهَذَا أَحَداً إِلَّا فِي هَذَا الْوَقْتِ لَـمَّا تَكَلَّمْتَ بِهَذَا الْكَلَام عَلَى حَدِّ الْهُزْءِ، فَحَدَّثْتُكَ إِشْفَاقاً عَلَيْكَ، فَإنَّ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْم عِنْدَ اللهِ (عزَّ وجلَّ) شَأناً وَمَنْزلَةً، وَكُلُّ مَا يَدَّعُونَهُ حَتَّى [حَقٌّ]، قَالَ: فَعَجِبْتُ مِنْ قَوْلِهَا وَصَرَفْتُهُ إِلَى السُّخْريَّةِ وَالْهُزْءِ، وَلَمْ أَسْأَلْهَا عَن الْوَقْتِ، غَيْرَ أَنِّي أَعْلَمُ يَقِيناً أَنِّي غِبْتُ عَنْهُمْ فِي سَنَةِ نَيِّفٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن، وَرَجَعْتُ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأى فِي وَقْتٍ أَخْبَرَتْنِي الْعَجُوزُ بهَذَا الْخَبَر فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْن فِي وزَارَةِ عُبَيْدِ اللهِ بْن سُلَيْمَانَ لَـمَّا قَصَدْتُهُ.
قَالَ حَنْظَلَةُ: فَدَعَوْتُ بِأَبِي الْفَرَج المُظَفَّر بْن أَحْمَدَ حَتَّى سَمِعَ مَعِي(94) هَذَا الْخَبَرَ(95).
بيان: قوله: (من طبع الأُوَل): أي كانت من طبع الخلق الأُوَل هكذا، أي كان مطبوعاً على تلك الخصال في أوَّل عمره. والشقاق جمع الشقَّة بالكسر، وهي من الثوب ما شُقَّ مستطيلاً.
[29/29] الغيبة للطوسي: رُويَ أنَّ بَعْضَ أَخَوَاتِ أَبِي الْحَسَن (علیه السلام) كَانَتْ لَهَا جَاريَةٌ رَبَّتْهَا تُسَمَّى: نَرْجِسَ، فَلَمَّا كَبِرَتْ دَخَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام) فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: أَرَاكَ يَا سَيِّدِي تَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَقَالَ: «إِنِّي مَا نَظَرْتُ إِلَيْهَا إِلَّا مُتَعَجِّباً، أَمَا إِنَّ المَوْلُودَ الْكَريمَ عَلَى اللهِ يَكُونُ مِنْهَا»، ثُمَّ أَمَرَهَا أَنْ تَسْتَأذِنَ أَبَا الْحَسَن (علیه السلام) فِي دَفْعِهَا إِلَيْهِ، فَفَعَلَتْ، فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ(96).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(94) في المصدر إضافة: (منه).
(95) الغيبة للطوسي (ص 240/ ح 208).
(96) الغيبة للطوسي (ص 244/ ح 210).

(٣٨)

[30/30] الغيبة للطوسي: رَوَى عَلَّانٌ بِإسْنَادِهِ أنَّ السَّيِّدَ (علیه السلام) وُلِدَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن مِنَ الْهِجْرَةِ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي الْحَسَن (علیه السلام) بِسَنَتَيْن(97).
[31/31] الغيبة للطوسي: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّلْمَغَانِيُّ فِي كِتَابِ الْأَوْصِيَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ نَصْرٍ غُلَامُ أَبِي الْحَسَن (علیه السلام)، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَـمَّا وُلِدَ السَّيِّدُ (علیه السلام) تَبَاشَرَ أَهْلُ الدَّار بِذَلِكَ، فَلَمَّا نَشَأَ خَرَجَ إِلَيَّ الْأَمْرُ أَنْ أَبْتَاعَ فِي كُلِّ يَوْم مَعَ اللَّحْم قَصَبَ مُخٍّ، وَقِيلَ: «إِنَّ هَذَا لِمَوْلَانَا الصَّغِير (علیه السلام)»(98).
[32/32] الغيبة للطوسي: الشَّلْمَغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الثِّقَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ابْن إِدْريسَ، قَالَ: وَجَّهَ إِلَيَّ مَوْلَايَ أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام) بِكَبْشٍ، وَقَالَ: «عُقَّهُ عَن ابْنِي فُلَانٍ، وَكُلْ وَأَطْعِمْ أَهْلَكَ»، فَفَعَلْتُ، ثُمَّ لَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ لِي: «المَوْلُودُ الَّذِي وُلِدَ لِي مَاتَ»، ثُمَّ وَجَّهَ إِلَيَّ بِكَبْشَيْن وَكَتَبَ: «بِسْم اللهِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ، عُقَّ هَذَيْن الْكَبْشَيْن عَنْ مَوْلَاكَ، وَكُلْ هَنَّأَكَ اللهُ وَأَطْعِمْ إِخْوَانَكَ»، فَفَعَلْتُ، وَلَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَا ذَكَرَ لِي شَيْئاً(99).
[33/33] الغيبة للنعماني: مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّام، عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّدِ بْن مَالِكٍ وَالْحِمْيَريِّ مَعاً، عَن ابْن أَبِي الْخَطَّابِ وَمُحَمَّدِ بْن عِيسَى وَعَبْدِ اللهِ بْن عَامِرٍ جَمِيعاً، عَن ابْن أَبِي نَجْرَانَ، عَن الْخَشَّابِ، عَنْ مَعْرُوفِ بْن خَرَّبوذَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِنَّمَا مَثَلُ أَهْل بَيْتِي فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَثَل نُجُوم السَّمَاءِ كُلَّمَا غَابَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ حَتَّى إِذَا مَدَدْتُمْ إِلَيْهِ حَوَاجِبَكُمْ وَأَشَرْتُمْ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِع جَاءَ مَلَكُ المَوْتِ فَذَهَبَ بِهِ، ثُمَّ بَقِيتُمْ سَبْتاً مِنْ دَهْركُمْ لَا تَدْرُونَ أَيًّا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(97) الغيبة للطوسي (ص 245/ ح 212).
(98) الغيبة للطوسي (ص 245/ ح 213).
(99) الغيبة للطوسي (ص 245/ ح 214).

(٣٩)

مِنْ أَيٍّ وَاسْتَوَى فِي ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَبَيْنَمَا أَنْتُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَطْلَعَ اللهُ نَجْمَكُمْ، فَاحْمَدُوهُ وَاقْبَلُوهُ»(100).
بيان: ليس المراد ذهاب مَلَك الموت به (علیه السلام) بقبض روحه، بل كان مع روح القُدُس عندما غاب به.
[34/34] كتاب النجوم: ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ الْأَوْصِيَاءِ، وَهُوَ كِتَابٌ مُعْتَمَدٌ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ جَعْفَرٍ الصَّيْمَريُّ، وَمُؤَلِّفُهُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْن زِيَادٍ الصَّيْمَريُّ، وَكَانَتْ لَهُ مُكَاتَبَاتٌ إِلَى الْهَادِي وَالْعَسْكَريِّ (علیهما السلام) وَجَوَابُهَا إِلَيْهِ، وَهُوَ ثِقَةٌ مُعْتَمَدٌ عَلَيْهِ، فَقَالَ مَا هَذَا لَفْظُهُ:
وَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْقُمِّيُّ ابْنُ أَخِي أَحْمَدَ بْن إِسْحَاقَ بْن مَصْقَلَةَ أَنَّهُ كَانَ بِقُمَّ مُنَجِّمٌ يَهُودِيٌّ مَوْصُوفٌ بِالْحِذْقِ بِالْحِسَابِ، فَأَحْضَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَقَالَ لَهُ: قَدْ وُلِدَ مَوْلُودٌ فِي وَقْتِ كَذَا وَكَذَا، فَخُذِ الطَّالِعَ وَاعْمَلْ لَهُ مِيلَاداً، قَالَ: فَأَخَذَ الطَّالِعَ وَنَظَرَ فِيهِ وَعَمِلَ عَمَلاً لَهُ، وَقَالَ لِأَحْمَدَ بْن إِسْحَاقَ: لَسْتُ أَرَى النُّجُومَ تَدُلُّنِي فِيمَا يُوجِبُهُ الْحِسَابُ أَنَّ هَذَا المَوْلُودَ لَكَ، وَلَا يَكُونُ مِثْلُ هَذَا المَوْلُودِ إِلَّا نَبِيًّا أوْ وَصِيَّ نَبِيٍّ، وَإِنَّ النَّظَرَ لَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ الدُّنْيَا شَرْقاً وَغَرْباً وَبَرًّا وَبَحْراً وَسَهْلاً وَجَبَلاً حَتَّى لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْض أَحَدٌ إِلَّا دَانَ بِدِينهِ وَقَالَ بِوَلَايَتِهِ(101).
[35/35] كشف الغمَّة: قَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّين بْنُ طَلْحَةَ: مَوْلِدُ الْحُجَّةِ ابْن الْحَسَن (علیهما السلام) بِسُرَّ مَنْ رَأى فِي ثَالِثٍ وَعِشْرينَ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن، وَأَبُوهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ، وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ تُسَمَّى: صَقِيلَ، وَقِيلَ: حَكِيمَةَ، وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْقَاسِم، وَلَقَبُهُ الْحُجَّةُ وَالْخَلَفُ الصَّالِحُ، وَقِيلَ: المُنْتَظَرُ(102).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(100) الغيبة للنعماني (ص 155)، وفيه: (عليكم نجمكم فاحمدوه وأقيلوه).
(101) فرج المهموم (ص 36).
(102) كشف الغمَّة (ج 3/ ص 347/ باب ذكر الإمام الثاني عشر (علیه السلام)).

(٤٠)

[36/36] الإرشاد: كَانَ مَوْلِدُهُ (علیه السلام) لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن، وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا: نَرْجِسُ، وَكَانَ سِنُّهُ عِنْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ خَمْسُ سِنِينَ، آتَاهُ اللهُ فِيهِ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ وَجَعَلَهُ آيَةً لِلْعالَمِينَ وَآتَاهُ الْحِكْمَةَ كَمَا آتَاهُ يَحْيَى صَبِيًّا، وَجَعَلَهُ إِمَاماً كَمَا جَعَلَ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ فِي المَهْدِ نَبِيًّا، وَلَهُ قَبْلَ قِيَامِهِ غَيْبَتَان إِحْدَاهُمَا أَطْوَلُ مِنَ الْأُخْرَى جَاءَتْ بِذَلِكَ الْأَخْبَارُ، فَأَمَّا الْقُصْرَى مِنْهَا فَمُنْذُ وَقْتِ مَوْلِدِهِ إِلَى انْقِطَاع السِّفَارَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شِيعَتِهِ وَعَدَم السُّفَرَاءِ بِالْوَفَاةِ، وَأَمَّا الطُّولَى فَهِيَ بَعْدَ الْأُولَى وَفِي آخِرهَا يَقُومُ بِالسَّيْفِ(103).
[37/37] كشف الغمَّة: قَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ: حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِم طَاهِرُ بْنُ هَارُونَ بْن مُوسَى الْعَلَويُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ سَيِّدِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: «الْخَلَفُ الصَّالِحُ مِنْ وُلْدِي، وَهُوَ المَهْدِيُّ، اسْمُهُ (م ح م د)، وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْقَاسِم، يَخْرُجُ فِي آخِر الزَّمَان، يُقَالُ لِأُمِّهِ: صَقِيلُ»، قَالَ لَنَا أَبُو بَكْرٍ الدَّارعُ(104): وَفِي روَايَةٍ أُخْرَى: بَلْ أُمُّهُ حَكِيمَةُ، وَفِي روَايَةٍ ثَالِثَةٍ: يُقَالُ لَهَا: نَرْجِسُ، وَيُقَالُ: بَلْ سَوْسَنُ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ.
وَيُكَنَّى بِأبِي الْقَاسِم، وَهُوَ ذُو الْاِسْمَيْن: خَلَفٍ وَمُحَمَّدٍ، يَظْهَرُ فِي آخِر الزَّمَان وَعَلَى رَأسِهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ مِنَ الشَّمْس تَدُورُ مَعَهُ حَيْثُمَا دَارَ، تُنَادِي بِصَوْتٍ فَصِيح: هَذَا المَهْدِيُّ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مِسْكِينٍ، عَنْ بَعْض أَصْحَابِ التَّاريخ أَنَّ أُمَّ المُنْتَظَر يُقَالُ لَهَا: حَكِيمَةُ(105).
أقول: سيأتي بعض الأخبار في (باب من رآه)(106).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(103) الإرشاد للمفيد (ج 2/ ص 339).
(104) في المصدر: (الذارع) بدل (الدارع).
(105) كشف الغمَّة (ج 2/ ص 475/ باب في ما روي في أمر المهدي (علیه السلام)).
(106) (باب 18/ ص 589).

(٤١)

وقال ابن خلِّكان في تاريخه: هو ثاني عشر الأئمَّة الاثنا عشر على اعتقاد الإماميَّة المعروف بالحجَّة، وهو الذي تزعم الشيعة أنَّه المنتظر والقائم والمهدي، وهو صاحب السرداب عندهم، وأقاويلهم فيه كثيرة، وهم ينتظرون ظهوره في آخر الزمان من السرداب بسُرَّ من رأى، كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومأتين، ولـمَّا تُوفِّي أبوه كان عمره خمس سنين، واسم أُمِّه خمط، وقيل: نرجس، والشيعة يقولون: إنَّه دخل السرداب في دار أبيه وأُمُّه تنظر إليه، فلم يعد يخرج إليها، وذلك في سنة خمس وستِّين ومأتين، [وعمره يومئذٍ تسع سنين، وذكر ابن الأزرق في تاريخ ميافارقين أنَّ الحجَّة المذكور وُلِدَ تاسع شهر ربيع الأوَّل سنة ثمان وخمسين ومأتين](107)، وقيل: في ثامن شعبان سنة ستٍّ وخمسين، وهو الأصحُّ، وإنَّه لـمَّا دخل السرداب كان عمره أربع سنين، وقيل: خمس سنين، وقيل: إنَّه دخل السرداب سنة خمس وسبعين ومأتين وعمره [سبع] عشر سنة، والله أعلم(108).
أقول: رَأَيْتُ فِي بَعْض مُؤَلَّفَاتِ أَصْحَابِنَا(109) روَايَةً هَذِهِ صُورَتُهَا، قَالَ: حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ مُسْلِم، عَنْ سَعْدَانَ الْبَصْريِّ وَمُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ الْبَغْدَادِيِّ وَأَحْمَدَ ابْن إِسْحَاقَ وَسَهْل بْن زِيَادٍ الْآدَمِيِّ وَعَبْدِ اللهِ بْن جَعْفَرٍ، عَنْ عِدَّةٍ مِنَ المَشَايِخ وَالثِّقَاتِ، عَنْ سَيِّدَيْنَا أَبِي الْحَسَن وَأَبِي مُحَمَّدٍ (علیهما السلام)، قَالَا: «إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ الْإمَامَ أَنْزَلَ قَطْرَةً مِنْ مَاءِ الْجَنَّةِ فِي المُزْن، فَتَسْقُطُ فِي ثَمَرَةٍ مِنْ ثِمَار الْجَنَّةِ، فَيَأكُلُهَا الْحُجَّةُ فِي الزَّمَان (علیه السلام)، فَإِذَا اسْتَقَرَّتْ فِيهِ فَيَمْضِي لَهُ أَرْبَعُونَ يَوْماً سَمِعَ الصَّوْتَ، فَإِذَا آنَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أشْهُرٍ وَقَدْ حُمِلَ كُتِبَ عَلَى عَضُدِهِ الْأَيْمَن: ﴿وَتَمَّتْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(107) ما بين المعقوفتين من المصدر، وكذا ما يأتي.
(108) وفيات الأعيان (ج 4/ ص 176/ الرقم 562).
(109) لم نتحقَّق اسم المصدر.

(٤٢)

كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأنعام: 115]، فَإِذَا وُلِدَ قَامَ بِأَمْر اللهِ وَرُفِعَ لَهُ عَمُودٌ مِنْ نُورٍ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَنْظُرُ فِيهِ إِلَى الْخَلَائِقِ وَأَعْمَالِهِمْ، وَيَنْزلُ أَمْرُ اللهِ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْعَمُودِ وَالْعَمُودُ نُصْبُ عَيْنهِ حَيْثُ تَوَلَّى وَنَظَرَ».
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام): «دَخَلْتُ عَلَى عَمَّاتِي، فَرَأَيْتُ جَاريَةً مِنْ جَوَاريهِنَّ قَدْ زُيِّنَتْ تُسَمَّى: نَرْجِسُ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا نَظَراً أَطَلْتُهُ، فَقَالَتْ لِي عَمَّتِي حَكِيمَةُ: أَرَاكَ يَا سَيِّدِي تَنْظُرُ إِلَى هَذِهِ الْجَاريَةِ نَظَراً شَدِيداً، فَقُلْتُ لَهُ: يَا عَمَّةُ، مَا نَظَري إِلَيْهَا إِلَّا نَظَرَ التَّعَجُّبِ مِمَّا للهِ فِيهِ مِنْ إِرَادَتِهِ وَخِيَرَتِهِ، قَالَتْ لِي: أَحْسَبُكَ يَا سَيِّدِي تُريدُهَا، فَأَمَرْتُهَا أَنْ تَسْتَأذِنَ أَبِي عَلِيِّ بْنَ مُحَمَّدٍ (علیه السلام) فِي تَسْلِيمِهَا إِلَيَّ، فَفَعَلَتْ، فَأَمَرَهَا (علیه السلام) بِذَلِكَ، فَجَاءَتْنِي بِهَا».
قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ حَمْدَانَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ إِلَيْهِ مِنَ المَشَايِخ، عَنْ حَكِيمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ الرِّضَا (علیه السلام)، قَالَ: كَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) فَتَدْعُو لَهُ أَنْ يَرْزُقَهُ اللهُ وَلَداً، وَأَنَّهَا قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ كَمَا أَقُولُ وَدَعَوْتُ كَمَا أَدْعُو.
فَقَالَ: «يَا عَمَّةُ، أَمَا إِنَّ الَّذِي تَدْعِينَ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنِيهِ يُولَدُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ»، وَكَانَتْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ سَبْع وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن، «فَاجْعَلِي إِفْطَارَكِ مَعَنَا»، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، مِمَّنْ يَكُونُ هَذَا الْوَلَدُ الْعَظِيمُ؟ فَقَالَ لِي (علیه السلام): «مِنْ نَرْجِسَ يَا عَمَّةُ».
قَالَ: فَقَالَتْ لَهُ(110): يَا سَيِّدِي، مَا فِي جَوَاريكِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهَا، وَقُمْتُ وَدَخَلْتُ إِلَيْهَا، وَكُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ فَعَلَتْ بِي كَمَا تَفْعَلُ، فَانْكَبَبْتُ عَلَى يَدَيْهَا فَقَبَّلْتُهُمَا وَمَنَعْتُهَا مِمَّا كَانَتْ تَفْعَلُهُ، فَخَاطَبَتْنِي بِالسِّيَادَةِ، فَخَاطَبْتُهَا بِمِثْلِهَا، فَقَالَتْ لِي: فَدَيْتُكِ، فَقُلْتُ لَهَا: أَنَا فِدَاكِ وَجَمِيعُ الْعَالَمِينَ، فَأَنْكَرَتْ ذَلِكِ، فَقُلْتُ لَهَا: لَا تُنْكِرينَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(110) كذا، والظاهر: (قالت: فقلت له).

(٤٣)

مَا فَعَلْتُ، فَإنَّ اللهَ سَيَهَبُ لَكِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ غُلَاماً سَيِّداً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهُوَ فَرَجُ المُؤْمِنينَ، فَاسْتَحْيَتْ.
فَتَأَمَّلْتُهَا فَلَمْ أَرَ فِيهَا أَثَرَ الْحَمْل، فَقُلْتُ لِسَيِّدِي أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام): مَا أَرَى بِهَا حَمْلاً، فَتَبَسَّمَ (علیه السلام)، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَوْصِيَاءِ لَسْنَا نُحْمَلُ فِي الْبُطُون وَإِنَّمَا نُحْمَلُ فِي الْجَنْبِ، وَلَا نَخْرُجُ مِنَ الْأَرْحَام وَإِنَّمَا نَخْرُجُ مِنَ الْفَخِذِ الْأَيْمَن مِنْ أُمَّهَاتِنَا، لِأَنَّنَا نُورُ اللهِ الَّذِي لَا تَنَالُهُ الدَّانِسَاتُ»، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، قَدْ أَخْبَرْتَنِي أَنَّهُ يُولَدُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ مِنْهَا؟ قَالَ لِي: «فِي طُلُوع الْفَجْر يُولَدُ الْكَريمُ عَلَى اللهِ إِنْ شَاءَ اللهُ».
قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَأَقَمْتُ، فَأَفْطَرْتُ، وَنمْتُ بِقُرْبٍ مِنْ نَرْجِسَ، وَبَاتَ أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام) فِي صُفَّةٍ فِي تِلْكَ الدَّار الَّتِي نَحْنُ فِيهَا، فَلَمَّا وَرَدَ وَقْتُ صَلَاةِ اللَّيْل قُمْتُ وَنَرْجِسُ نَائِمَةٌ مَا بِهَا أَثَرُ ولَادَةٍ، فَأَخَذْتُ فِي صَلَاتِي ثُمَّ أَوْتَرْتُ فَأَنَا فِي الْوَتْر حَتَّى وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ وَدَخَلَ قَلْبِي شَيْءٌ، فَصَاحَ أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام) مِنَ الصُّفَّةِ: «لَمْ يَطْلُع الْفَجْرُ يَا عَمَّةُ».
فَأَسْرَعْتُ الصَّلَاةَ، وَتَحَرَّكَتْ نَرْجِسُ، فَدَنَوْتُ مِنْهَا وَضَمَمْتُهَا إِلَيَّ وَسَمَّيْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قُلْتُ لَهَا: هَلْ تَحِسِّينَ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَوَقَعَ عَلَيَّ سُبَاتٌ لَمْ أَتَمَالَكْ مَعَهُ أَنْ نمْتُ، وَوَقَعَ عَلَى نَرْجِسَ مِثْلُ ذَلِكَ وَنَامَتْ، فَلَمْ أَنْتَبِهْ إِلَّا بِحِسِّ سَيِّدِي المَهْدِيِّ وَصَيْحَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «يَا عَمَّةُ، هَاتِي ابْنِي إِلَيَّ فَقَدْ قَبِلْتُهُ»، فَكَشَفْتُ عَنْ سَيِّدِي (علیه السلام)، فَإذَا أَنَا بِهِ سَاجِداً يَبْلُغُ الْأَرْضَ بِمَسَاجِدِهِ، وَعَلَى ذِرَاعِهِ الْأَيْمَن مَكْتُوبٌ: ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾ [الإسراء: 81]، فَضَمَمْتُهُ إِلَيَّ، فَوَجَدْتُهُ مَفْرُوغاً مِنْهُ، وَلَفَفْتُهُ فِي ثَوْبٍ وَحَمَلْتُهُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَأخَذَهُ فَأقْعَدَهُ عَلَى رَاحَتِهِ الْيُسْرَى، وَجَعَلَ رَاحَتَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرهِ، ثُمَّ أَدْخَلَ لِسَانَهُ فِي فِيهِ، وَأَمَرَّ بِيَدِهِ عَلَى ظَهْرهِ وَسَمْعِهِ وَمَفَاصِلِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «تَكَلَّمْ يَا بُنَيَّ».

(٤٤)

فَقَالَ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَأَنَّ عَلِيًّا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ وَلِيُّ اللهِ...»، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُعَدِّدُ السَّادَةَ الْأَئِمَّةَ (عليهم السلام) إِلَى أَنْ بَلَغَ إِلَى نَفْسِهِ، وَدَعَا لِأَوْلِيَائِهِ بِالْفَرَج عَلَى يَدِهِ، ثُمَّ أجْحَمَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام): «يَا عَمَّةُ، اذْهَبِي [بِهِ] إِلَى أُمِّهِ لِيُسَلِّمَ عَلَيْهَا وَأتِينِي بِهِ»، فَمَضَيْتُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهَا وَرَدَدْتُهُ، ثُمَّ وَقَعَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) كَالْحِجَابِ، فَلَمْ أَرَ سَيِّدِي، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، أَيْنَ مَوْلَانَا؟ فَقَالَ: «أَخَذَهُ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْكِ، فَإذَا كَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ فَأتِينَا».
فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم السَّابِع جِئْتُ فَسَلَّمْتُ ثُمَّ جَلَسْتُ، فَقَالَ (علیه السلام): «هَلُمِّي ابْنِي»، فَجِئْتُ بِسَيِّدِي وَهُوَ فِي ثِيَابٍ صُفْرٍ، فَفَعَلَ بِهِ كَفِعَالِهِ الْأَوَّلِ، وَجَعَلَ لِسَانَهُ (علیه السلام) فِي فِيهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «تَكَلَّمْ يَا بُنَيَّ»، فَقَالَ (علیه السلام): «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ...»، وَثَنَّى بِالصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَمِير المُؤْمِنينَ وَالْأَئِمَّةِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى أَبِيهِ (علیه السلام)، ثُمَّ قَرَأَ: «﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القَصص: 5 و6]»، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «اقْرَأ يَا بُنَيَّ مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ»، فَابْتَدَأ بِصُحُفِ آدَمَ فَقَرَأهَا بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَكِتَابِ إِدْريسَ، وَكِتَابِ نُوح، وَكِتَابِ هُودٍ، وَكِتَابِ صَالِح، وَصُحُفِ إِبْرَاهِيمَ، وَتَوْرَاةِ مُوسَى، وَزَبُور دَاوُدَ، وَإِنْجِيل عِيسَى، وَفُرْقَان جَدِّي رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثُمَّ قَصَّ قِصَصَ الْأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ إِلَى عَهْدِهِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً دَخَلْتُ دَارَ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَإِذَا مَوْلَانَا صَاحِبُ الزَّمَان يَمْشِي فِي الدَّار، فَلَمْ أَرَ وَجْهاً أَحْسَنَ مِنْ وَجْهِهِ (علیه السلام)، وَلَا لُغَةً أَفْصَحَ مِنْ لُغَتِهِ، فَقَالَ لِي أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام): «هَذَا المَوْلُودُ الْكَريمُ عَلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ)»، قُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، لَهُ أَرْبَعُونَ يَوْماً وَأَنَا أَرَى مِنْ أَمْرهِ مَا أَرَى، فَقَالَ (علیه السلام): «يَا عَمَّتِي، أَمَا عَلِمْتِ أَنَّا مَعْشَرَ الْأَوْصِيَاءِ نَنْشَأُ فِي الْيَوْم مَا يَنْشَأُ غَيْرُنَا فِي الْجُمْعَةِ، وَنَنْشَأُ فِي

(٤٥)

الْجُمْعَةِ مَا يَنْشَأُ غَيْرُنَا فِي السَّنَةِ؟»، فَقُمْتُ فَقَبَّلْتُ رَأَسَهُ فَانْصَرَفْتُ، فَعُدْتُ وَتَفَقَّدْتُهُ فَلَمْ أَرَهُ، فَقُلْتُ لِسَيِّدِي أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام): مَا فَعَلَ مَوْلَانَا؟ فَقَالَ: «يَا عَمَّةُ، اسْتَوْدَعْنَاهُ الَّذِي اسْتَوْدَعَتْهُ أُمُّ مُوسَى (علیه السلام)»، ثُمَّ قَالَ (علیه السلام): «لَـمَّا وَهَبَ لِي رَبِّي مَهْدِيَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَرْسَلَ مَلَكَيْن فَحَمَلَاهُ إِلَى سُرَادِقِ الْعَرْش حَتَّى وَقَفَا [بِهِ] بَيْنَ يَدَي اللهِ (عزَّ وجلَّ)، فَقَالَ لَهُ: مَرْحَباً بِكَ عَبْدِي لِنُصْرَةِ دِيني وَإِظْهَار أَمْري وَمَهْدِيّ عِبَادِي، آلَيْتُ أَنِّي بِكَ آخُذُ وَبِكَ أُعْطِي وَبكَ أَغْفِرُ وَبكَ أُعَذِّبُ، ارْدُدَاهُ أَيُّهَا المَلَكَان رُدَّاهُ رُدَّاهُ عَلَى أبِيهِ رَدًّا رَفِيقاً وَأَبْلِغَاهُ، فَإنَّهُ فِي ضَمَانِي وَكَنَفِي وَبِعَيْني إِلَى أَنْ أُحِقَّ بِهِ الْحَقَّ وَأُزْهِقَ بِهِ الْبَاطِلَ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِي وَاصِباً».
ثُمَّ قَالَتْ: لَـمَّا سَقَطَ مِنْ بَطْن أُمِّهِ إِلَى الْأَرْض وُجِدَ جَاثِياً عَلَى رُكْبَتَيْهِ رَافِعاً بِسَبَّابَتَيْهِ، ثُمَّ عَطَسَ فَقَالَ: «الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ عَبْداً دَاخِراً غَيْرَ مُسْتَنْكِفٍ وَلَا مُسْتَكْبِرٍ»، ثُمَّ قَالَ (علیه السلام): «زَعَمَتِ الظَّلَمَةُ أَنَّ حُجَّةَ اللهِ دَاحِضَةٌ، لَوْ أُذِنَ لِي لَزَالَ الشَّكُّ».
وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ صَاحِبِ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ: وَجَّهَ إِلَيَّ مَوْلَايَ أَبُو الْحَسَن (علیه السلام) بِأَرْبَعَةِ أَكْبُشٍ، وَكَتَبَ إِلَيَّ: «بِسْم اللهِ الرَّحْمن الرَّحِيم، [عُقَّ] هَذِهِ عَن ابْنِي مُحَمَّدٍ المَهْدِيِّ، وَكُلْ هَنَّأَكَ وَأَطْعِمْ مَنْ وَجَدْتَ مِنْ شِيعَتِنَا»(111).
أقول: وقال الشهيد (رحمه الله) في الدروس: وُلِدَ (علیه السلام) بسُرَّ من رأى يوم الجمعة ليلاً خامس عشر شعبان سنة خمس وخمسين ومأتين، وأُمُّه صقيل، وقيل: نرجس، وقيل: مريم بنت زيد العلويَّة(112).
أقول: وعيَّن الشيخ في المصباحين(113) والسيِّد ابن طاوس في كتاب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(111) لم نعثر على هذا الكتاب.
(112) الدروس الشرعيَّة (ج 2/ ص 16).
(113) مصباح المتهجِّد (ص 842)؛ مصباح الكفعمي (ص 523).

(٤٦)

الإقبال(114) وسائر مؤلِّفي كُتُب الدعوات ولادته (علیه السلام) في النصف من شعبان، وقال في الفصول المهمَّة: وُلِدَ (علیه السلام) بسُرَّ من رأى ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومأتين(115).
نُقِلَ مِنْ خَطِّ الشَّهِيدِ عَن الصَّادِقِ (علیه السلام) قَالَ: «إِنَّ اللَّيْلَةَ الَّتِي يُولَدُ فِيهَا الْقَائِمُ (علیه السلام) لَا يُولَدُ فِيهَا مَوْلُودٌ إِلَّا كَانَ مُؤْمِناً، وَإِنْ وُلِدَ فِي أَرْض الشِّرْكِ نَقَلَهُ اللهُ إِلَى الْإيمَان بِبَرَكَةِ الْإمَام (علیه السلام)»(116).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(114) إقبال الأعمال (ج 3/ ص 327/ فصل 49).
(115) الفصول المهمَّة (ص 288).
(116) لم نعثر على خطِّ الشهيد هذا.

(٤٧)

[38/1] علل الشرائع: الدَّقَّاقُ وَابْنُ عِصَام مَعاً، عَن الْكُلَيْنِيِّ، عَن الْقَاسِم بْن الْعَلَاءِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْفَزَاريِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن جُمْهُورٍ الْعَمِّيِّ، عَن ابْن أَبِي نَجْرَانَ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَن الثُّمَالِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ الْبَاقِرَ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ): يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، أَلَسْتُمْ كُلُّكُمْ قَائِمِينَ بِالْحَقِّ؟ قَالَ: «بَلَى»، قُلْتُ: فَلِمَ سُمِّيَ الْقَائِمُ قَائِماً؟ قَالَ: «لَـمَّا قُتِلَ جَدِّيَ الْحُسَيْنُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ) ضَجَّتِ المَلاَئِكَةُ إِلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ) بِالْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ، وَقَالُوا: إِلَهَنَا وَسَيِّدَنَا، أَتَغْفَلُ عَمَّنْ قَتَلَ صَفْوَتَكَ وَابْنَ صَفْوَتِكَ وَخِيَرَتَكَ مِنْ خَلْقِكَ؟ فَأَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَيْهِمْ: قَرُّوا مَلَائِكَتِي، فَوَ عِزَّتِي وَجَلَالِي لَأَنْتَقِمَنَّ مِنْهُمْ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ، ثُمَّ كَشَفَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) عَن الْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْن (علیه السلام) لِلْمَلَائِكَةِ، فَسَرَّتِ المَلَائِكَةُ بِذَلِكَ، فَإذَا أَحَدُهُمْ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَقَالَ اللهُ (عزَّ وجلَّ): بِذَلِكَ الْقَائِمِ أَنْتَقِمُ مِنْهُمْ»(117).
[39/2] علل الشرائع: أَبِي، عَنْ سَعْدٍ، عَن الْحَسَن بْن عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن المُغِيرَةِ، عَنْ سُفْيَانَ بْن عَبْدِ المُؤْمِن الْأَنْصَاريِّ، عَنْ عَمْرو بْن شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) وَأَنَا حَاضِرٌ، فَقَالَ: رَحِمَكَ اللهُ اقْبِضْ هَذِهِ الْخَمْسَمِائَةِ دِرْهَم فَضَعْهَا فِي مَوَاضِعِهَا فَإنَّهَا زَكَاةُ مَالِي، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام): «بَلْ خُذْهَا أَنْتَ فَضَعْهَا فِي جِيرَانِكَ وَالْأَيْتَام وَالمَسَاكِين وَفِي إِخْوَانِكَ مِنَ المُسْلِمِينَ، إِنَّمَا يَكُونُ هَذَا إِذَا قَامَ قَائِمُنَا، فَإنَّهُ يَقْسِمُ بِالسَّويَّةِ وَيَعْدِلُ فِي خَلْقِ الرَّحْمَن الْبَرِّ مِنْهُمْ وَالْفَاجِر، فَمَنْ أَطَاعَهُ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ عَصَاهُ فَقَدْ عَصَى اللهَ، فَإنَّمَا سُمِّيَ المَهْدِيَّ لِأَنَّهُ يُهْدَى لِأَمْرٍ خَفِيَّ، يَسْتَخْرجُ التَّوْرَاةَ وَسَائِرَ كُتُبِ اللهِ مِنْ غَارٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(117) علل الشرائع (ص 160/ باب 129/ ح 1).

(٥١)

بِأَنْطَاكِيَّةَ، فَيَحْكُمُ بَيْنَ أَهْل التَّوْرَاةِ بِالتَّوْرَاةِ، وَبَيْنَ أَهْل الْإنْجِيل بِالْإنْجِيل، وَبَيْنَ أَهْل الزَّبُور بِالزَّبُور، وَبَيْنَ أَهْل الْفُرْقَان بِالْفُرْقَان، وَتُجْمَعُ إِلَيْهِ أَمْوَالُ الدُّنْيَا كُلُّهَا مَا فِي بَطْن الْأَرْض وَظَهْرهَا، فَيَقُولُ لِلنَّاس: تَعَالَوْا إِلَى مَا قَطَعْتُمْ فِيهِ الْأَرْحَامَ، وَسَفَكْتُمْ فِيهِ الدِّمَاءَ، وَرَكِبْتُمْ فِيهِ مَحَارمَ اللهِ، فَيُعْطِي شَيْئاً لَمْ يُعْطِ أَحَدٌ كَانَ قَبْلَهُ»، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «هُوَ رَجُلٌ مِنِّي، اسْمُهُ كَاسْمِي، يَحْفَظُنِي اللهُ فِيهِ، وَيَعْمَلُ بِسُنَّتِي، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً وَنُوراً بَعْدَ مَا تَمْتَلِئُ ظُلْماً وَجَوْراً وَسُوءاً»(118).
بيان: قوله (علیه السلام): (إنَّما يكون هذا): أي وجوب رفع الزكاة إلى الإمام. وقوله: (يحكم بين أهل التوراة بالتوراة) لا ينافي ما سيأتي من الأخبار في أنَّه (علیه السلام) لا يقبل من أحد إلَّا الإسلام، لأنَّ هذا محمول على أنَّه يقيم الحجَّة عليهم بكُتُبهم، أو يفعل ذلك في بدو الأمر قبل أنْ يعلو أمره ويتمَّ حجَّته. قوله (علیه السلام): (يحفظني الله فيه): أي يحفظ حقِّي وحرمتي في شأنه فيعينه وينصره، أو يجعله بحيث يعلم الناس حقَّه وحرمته لجدِّه.
[40/3] معاني الأخبار: سُمِّيَ الْقَائِمُ (علیه السلام) قَائِماً لِأَنَّهُ يَقُومُ بَعْدَ مَوْتِهِ [مَوْتِ] ذِكْرهِ(119).
[41/4] كمال الدِّين: ابْنُ عُبْدُوسٍ، عَن ابْن قُتَيْبَةَ، عَنْ حَمْدَانَ بْن سُلَيْمَانَ، عَن الصَّقْر بْن دُلَفَ(120)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الرِّضَا (علیه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ الْإمَامَ بَعْدِي ابْنِي عَلِيٌّ، أَمْرُهُ أَمْري، وَقَوْلُهُ قَوْلِي، وَطَاعَتُهُ طَاعَتِي، وَالْإمَامَةُ بَعْدَهُ فِي ابْنِهِ الْحَسَن(121)، أَمْرُهُ أَمْرُ أبِيهِ، وَقَوْلُهُ قَوْلُ أَبِيهِ، وَطَاعَتُهُ طَاعَةُ أَبِيهِ» ثُمَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(118) علل الشرائع (ص 161/ باب 129/ ح 3).
(119) معاني الأخبار (ص 65/ باب معاني أسماء محمّد وعليٍّ وفاطمة (علیهم السلام)/ ح 17).
(120) في المصدر: (ابن أبي دلف).
(121) في المصدر: (والإمام بعده ابنه الحسن).

(٥٢)

سَكَتَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، فَمَن الْإمَامُ بَعْدَ الْحَسَن؟ فَبَكَى (علیه السلام) بُكَاءً شَدِيداً، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ مِنْ بَعْدِ الْحَسَن ابْنَهُ الْقَائِمَ بِالْحَقِّ المُنْتَظَرَ»، فَقُلْتُ لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، وَلِـمَ سُمِّيَ الْقَائِمَ؟ قَالَ: «لِأَنَّهُ يَقُومُ بَعْدَ مَوْتِ ذِكْرهِ وَارْتِدَادِ أَكْثَر الْقَائِلِينَ بِإمَامَتِهِ»، فَقُلْتُ لَهُ: وَلِـمَ سُمِّيَ المُنْتَظَرَ؟ قَالَ: «لِأَنَّ لَهُ غَيْبَةً تَكْثُرُ أَيَّامُهَا وَيَطُولُ أَمَدُهَا، فَيَنْتَظِرُ خُرُوجَهُ المُخْلِصُونَ، وَيُنْكِرُهُ المُرْتَابُونَ، وَيَسْتَهْزئُ بِذِكْرهِ الْجَاحِدُونَ، وَيَكْثُرُ(122) فِيهَا الْوَقَّاتُونَ، وَيَهْلِكُ فِيهَا المُسْتَعْجِلُونَ، وَيَنْجُو فِيهَا المُسْلِمُونَ»(123).
[42/5] الغيبة للطوسي: الْكُلَيْنِيُّ رَفَعَهُ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)(124) حِينَ وُلِدَ الْحُجَّةُ: «زَعَمَ الظَّلَمَةُ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَنِي لِيَقْطَعُوا هَذَا النَّسْلَ، فَكَيْفَ رَأَوْا قُدْرَةَ اللهِ؟»، وَسَمَّاهُ المُؤَمَّلَ(125).
[43/6] الغيبة للطوسي: الْفَضْلُ، عَنْ مُوسَى بْن سَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الْقَاسِم الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُرَاسَانِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام): المَهْدِيُّ وَالْقَائِمُ وَاحِدٌ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، فَقُلْتُ: لِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيَ المَهْدِيَّ؟ قَالَ: «لِأَنَّهُ يُهْدَى إِلَى كُلِّ أَمْرٍ خَفِيٍّ، وَسُمِّيَ الْقَائِمَ لِأَنَّهُ يَقُومُ بَعْدَ مَا يَمُوتُ، إِنَّهُ يَقُومُ بِأَمْر عَظِيم»(126).
بيان: قوله (علیه السلام): (بعدما يموت): أي ذكره، أو يزعم الناس.
[44/7] الإرشاد: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، قَالَ: «إِذَا قَامَ الْقَائِمُ (علیه السلام) دَعَا النَّاسَ إِلَى الْإسْلَام جَدِيداً، وَهَدَاهُمْ إِلَى أَمْرٍ قَدْ دَثَرَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(122) في المصدر: (ويكذب).
(123) كمال الدِّين (ج 2/ ص 378/ باب ما روي عن أبي جعفر الثاني (علیه السلام)/ ح 3).
(124) في المصدر: (أبو محمّد) بدل (أبو عبد الله).
(125) الغيبة للطوسي (ص 223/ ح 186).
(126) الغيبة للطوسي (ص 471/ ح 489).

(٥٣)

وَضَلَّ عَنْهُ الْجُمْهُورُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْقَائِمُ مَهْدِيًّا لِأَنَّهُ يُهْدَى إِلَى أَمْرٍ مَضْلُولٍ(127) عَنْهُ، وَسُمِّيَ الْقَائِمَ لِقِيَامِهِ بِالْحَقِّ»(128).
[45/8] تفسير فرات: جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَزَاريُّ، مُعَنْعَناً عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً﴾، قَالَ: «الْحُسَيْنُ»، ﴿فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً﴾ [الإسراء: 33]، قَالَ: «سَمَّى اللهُ المَهْدِيَّ المَنْصُورَ كَمَا سُمِّيَ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ [مَحْمُوداً] وَمَحْمُود، وَكَمَا سُمِّيَ عِيسَى المَسِيحَ (علیه السلام)»(129).
[46/9] كشف الغمَّة: قَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الطُّوسِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ(130) بْن مُحَمَّدٍ، عَن الْقَاسِم بْن عَدِيٍّ، قَالَ: يُقَالُ: كُنْيَةُ الْخَلَفِ الصَّالِح أَبُو الْقَاسِم، وَهُوَ ذُو الْاِسْمَيْن(131).
أقول: قد سبق أسماؤه (علیه السلام) في الباب السابق، وسيأتي في (باب من رآه (علیه السلام))(132) وغيره.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(127) في المصدر: (قد ضلُّوا).
(128) الإرشاد للمفيد (ج 2/ ص 383).
(129) تفسير فرات (ص 240/ ح 324).
(130) في المصدر: (عبيد الله) بدل (عبد الله).
(131) كشف الغمَّة (ج 2/ ص 475/ باب ما روي في أمر المهدي (علیه السلام)).
(132) (باب 18/ ص 589).

(٥٤)

[47/1] الغيبة للنعماني: عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن جَعْفَرٍ، عَن ابْن أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سِنَانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن يَحْيَى الْخَثْعَمِيِّ، عَن الضُّرَيْس، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابُلِيِّ، قَالَ: لَـمَّا مَضَى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْن دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ ابْن عَلِيٍّ الْبَاقِر (علیه السلام)، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَدْ عَرَفْتَ انْقِطَاعِي إِلَى أَبِيكَ وَأُنْسِي بِهِ وَوَحْشَتِي مِنَ النَّاس، قَالَ: «صَدَقْتَ يَا أبَا خَالِدٍ تُريدُ مَا ذَا؟»، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ قَدْ وَصَفَ لِي أَبُوكَ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْر بِصِفَةٍ لَوْ رَأيْتُهُ فِي بَعْض الطُّرُقِ لَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، قَالَ: «فَتُريدُ مَا ذَا يَا أبَا خَالِدٍ؟»، قَالَ: أُريدُ أَنْ تُسَمِّيَهُ لِي حَتَّى أَعْرفَهُ بِاسْمِهِ، فَقَالَ: «سَأَلْتَنِي وَاللهِ يَا أبَا خَالِدٍ عَنْ سُؤَالٍ مُجْهِدٍ، وَلَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ أَمْرٍ مَا(133) لَوْ كُنْتُ مُحَدِّثاً بِهِ أَحَداً لَحَدَّثْتُكَ، وَلَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ أَمْرٍ لَوْ أَنَّ بَني فَاطِمَةَ عَرَفُوهُ حَرَصُوا عَلَى أَنْ يَقْطَعُوهُ بَضْعَةً بَضْعَةً»(134).
[48/2] كمال الدِّين: أَبِي، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ الْعَلَويِّ، عَنْ أَبِي هَاشِم الْجَعْفَريِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَن الْعَسْكَريَّ (علیه السلام) يَقُولُ: «الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِ الْحَسَن ابْني، فَكَيْفَ لَكُمْ بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِ الْخَلَفِ؟»، قُلْتُ: وَلِـمَ جَعَلَنِيَ اللهُ فِدَاكَ؟ فَقَالَ: «لِأَنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ شَخْصَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ»، قُلْتُ: فَكَيْفَ نَذْكُرُهُ؟ فَقَالَ: «قُولُوا: الْحُجَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ)»(135).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(133) في المصدر: (عن أمر [ما كنت محدِّثاً به أحداً و] لو).
(134) الغيبة للنعماني (ص 288).
(135) كمال الدِّين (ج 2/ ص 648/ باب النهي عن تسمية القائم (علیه السلام))/ ح 4). علماً بأنَّه جاء في المطبوعة (النعماني) بدل (كمال الدِّين)، ولم نعثر عليه في (الغيبة للنعماني).

(٥٧)

كمال الدِّين: ابن الوليد، عن سعد، مثله(136).
الغيبة للطوسي: سعد، مثله(137).
كفاية الأثر: عليُّ بن محمّد السندي، عن محمّد بن الحسن، عن سعد، مثله(138).
أقول: قد مرَّ في بعض أخبار اللوح التصريح باسمه (علیه السلام)، فقال الصدوق (رحمه الله): جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائم (علیه السلام)، والذي أذهب إليه النهي عن تسميته (علیه السلام).
[49/3] التوحيد: الدَّقَّاقُ وَالْوَرَّاقُ مَعاً، عَنْ مُحَمَّدِ بْن هَارُونَ الصُّوفِيِّ، عَن الرُّويَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْعَظِيم الْحَسَنِيِّ، عَنْ أَبِي الْحَسَن الثَّالِثِ (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ فِي الْقَائِم (علیه السلام): «لَا يَحِلُّ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ حَتَّى يَخْرُجَ فَيَمْلَأ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً...» الْخَبَرَ(139).
[50/4] كمال الدِّين: ابْنُ إِدْريسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَيُّوبَ بْن نُوح، عَنْ مُحَمَّدِ ابْن سِنَانٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْن مِهْرَانَ، عَن الصَّادِقِ جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، أَنَّهُ قَالَ: «المَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِي، الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِع، يَغِيبُ عَنْكُمْ شَخْصُهُ، وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ تَسْمِيَتُهُ»(140).
كمال الدِّين: الدقَّاق، عن الأسدي، عن سهل، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن ابن أبِي يعفور، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، مثله(141).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(136) كمال الدِّين (ج 2/ ص 381/ باب ما روي عن أبي الحسن الهادي (علیه السلام)/ ح 5).
(137) الغيبة للطوسي (ص 202/ ح 169).
(138) كفاية الأثر (ص 284).
(139) التوحيد (ص 81/ باب 2/ ح 37).
(140) كمال الدِّين (ج 2/ ص 333/ باب ما روي عن الصادق (علیه السلام)/ ح 1).
(141) كمال الدِّين (ج 2/ ص 338/ باب ما روي عن الصادق (علیه السلام)/ ح 12).

(٥٨)

[51/5] كمال الدِّين: الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن زِيَادٍ الْأَزْدِيِّ، عَنْ مُوسَى بْن جَعْفَرٍ (علیه السلام)، أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ ذِكْر الْقَائِم (علیه السلام): «يَخْفَى عَلَى النَّاس ولَادَتُهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ تَسْمِيَتُهُ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) فَيَمْلَأ بِهِ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً»(142).
بيان: هذه التحديدات مصرَّحة في نفي قول من خصَّ ذلك بزمان الغيبة الصغرى تعويلاً على بعض العلل المستنبطة والاستبعادات الوهميَّة.
[52/6] كمال الدِّين: السِّنَانِيُّ(143)، عَن الْأَسَدِيِّ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَظِيم الْحَسَنِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ (علیه السلام)، قَالَ: «الْقَائِمُ هُوَ الَّذِي يَخْفَى عَلَى النَّاس ولَادَتُهُ، وَيَغِيبُ عَنْهُمْ شَخْصُهُ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ تَسْمِيَتُهُ، وَهُوَ سَمِيُّ رَسُولِ اللهِ وَكَنِيُّهُ...» الْخَبَرَ(144).
كفاية الأثر: أبو عبد الله الخزاعي، عن الأسدي، مثله(145).
[53/7] كمال الدِّين: أَبِي وَابْنُ الْوَلِيدِ مَعاً، عَن الْحِمْيَريِّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَحْمَدَ بْن إِسْحَاقَ عِنْدَ الْعَمْريِّ (رضي الله عنه)، فَقُلْتُ لِلْعَمْريِّ: إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ كَمَا قَالَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: 260]، هَلْ رَأَيْتَ صَاحِبِي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَهُ عُنُقٌ مِثْلُ ذِي - وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ جَمِيعاً إِلَى عُنُقِهِ -. قَالَ: قُلْتُ: فَالْاِسْمُ؟ قَالَ: إِيَّاكَ أَنْ تَبْحَثَ عَنْ هَذَا، فَإنَّ عِنْدَ الْقَوْم أنَّ هَذَا النَّسْلَ قَدِ انْقَطَعَ(146).
[54/8] الكافي: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الصَّالِحِيِّ، قَالَ: سَأَلَنِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(142) كمال الدِّين (ج 2/ ص 368/ باب ما روي عن الكاظم (علیه السلام)/ آخر الحديث 6).
(143) في المصدر: (الشيباني) بدل (السناني).
(144) كمال الدِّين (ج 2/ ص 377/ باب ما روي عن أبي جعفر الثاني (علیه السلام)/ ح 2).
(145) كفاية الأثر (ص 277).
(146) كمال الدِّين (ج 2/ ص 441/ باب ذكر من شاهد القائم (علیه السلام)/ ح 14).

(٥٩)

أَصْحَابُنَا بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) أَنْ أَسْأَلَ عَن الْاِسْم وَالمَكَان، فَخَرَجَ الْجَوَابُ: «إِنْ دَلَلْتُهُمْ عَلَى الْاِسْم أَذَاعُوهُ، وَإِنْ عَرَفُوا المَكَانَ دَلُّوا عَلَيْهِ»(147).
[55/9] كمال الدِّين: المُظَفَّرُ الْعَلَويُّ، عَن ابْن الْعَيَّاشِيِّ وَحَيْدَر بْن مُحَمَّدٍ، عَن الْعَيَّاشِيِّ، عَنْ آدَمَ بْن مُحَمَّدٍ الْبَلْخِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن(148) الدَّقَّاقِ وَإِبْرَاهِيمَ ابْن مُحَمَّدِ مَعاً، عَنْ عَلِيِّ بْن عَاصِم الْكُوفِيِّ، قَالَ: خَرَجَ فِي تَوْقِيعَاتِ صَاحِبِ الزَّمَان (علیه السلام): «مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ سَمَّانِي فِي مَحْفِلٍ مِنَ النَّاس»(149).
[56/10] كمال الدِّين: مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْن إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ مُحَمَّدَ بْنَ هَمَّام يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ الْعَمْريَّ (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ) يَقُولُ: خَرَجَ تَوْقِيعٌ بِخَطٍّ أَعْرفُهُ: «مَنْ سَمَّانِي فِي مَجْمَع مِنَ النَّاس بِاسْمِي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ»(150).
[57/11] كمال الدِّين: أَبِي، عَنْ سَعْدٍ، عَن ابْن يَزيدَ، عَن ابْن مَحْبُوبٍ، عَن ابْن رئَابٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) قَالَ: «صَاحِبُ هَذَا الْأَمْر رَجُلٌ لَا يُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ إِلَّا كَافِرٌ»(151).
[58/12] كمال الدِّين: أَبِي وَابْنُ الْوَلِيدِ مَعاً، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّدِ بْن مَالِكٍ، عَن ابْن فَضَّالٍ، عَن الرَّيَّان بْن الصَّلْتِ، قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا (علیه السلام) عَن الْقَائِم، فَقَالَ: «لَا يُرَى جِسْمُهُ، وَلَا يُسَمَّى بِاسْمِهِ»(152).
[59/13] كمال الدِّين: أَبِي وَابْنُ الْوَلِيدِ مَعاً، عَنْ سَعْدٍ، عَن الْيَقْطِينِيِّ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(147) الكافي (ج 1/ ص 333/ باب النهي عن الاسم/ ح 2).
(148) في المصدر: (الحسن) بدل (الحسين).
(149) كمال الدِّين (ج 2/ ص 482/ باب ذكر التوقيعات/ ح 1).
(150) كمال الدِّين (ج 2/ ص 483/ باب ذكر التوقيعات/ ح 3).
(151) كمال الدِّين (ج 2/ ص 648/ باب النهي عن تسمية القائم (علیه السلام)/ ح 1).
(152) كمال الدِّين (ج 2/ ص 648/ باب النهي عن تسمية القائم (علیه السلام)/ ح 2).

(٦٠)

عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبَانٍ، عَنْ عَمْرو بْن شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: «سَأَلَ عُمَرُ أَمِيرَ المُؤْمِنينَ (علیه السلام) عَن المَهْدِيِّ، قَالَ: يَا بْنَ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبِرْني عَن المَهْدِيِّ مَا اسْمُهُ؟ قَالَ: أَمَّا اسْمُهُ فَلَا، إِنَّ حَبِيبي وَخَلِيلي عَهِدَ إِلَيَّ أَنْ لَا أُحَدِّثَ بِاسْمِهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ)، وَهُوَ مِمَّا اسْتَوْدَعَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) رَسُولَهُ فِي عِلْمِهِ»(153).
الغيبة للطوسي: سعد، مثله(154).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(153) كمال الدِّين (ج 2/ ص 648/ باب النهي عن تسمية القائم (علیه السلام)/ ح 3).
(154) الغيبة للطوسي (ص 470/ ح 487).

(٦١)

[60/1] عيون أخبار الرضا: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْن الْحُسَيْن الْبَغْدَادِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن الْفَضْل، عَنْ بَكْر بْن أَحْمَدَ الْقَصْريِّ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْعَسْكَريِّ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ مُوسَى بْن جَعْفَرٍ (علیه السلام)، قَالَ: «لَا يَكُونُ الْقَائِمُ إِلَّا إِمَامَ ابْنَ إِمَام، وَوَصِيَّ ابْنَ وَصِيٍّ»(155).
[61/2] كمال الدِّين: أَحْمَدُ بْنُ هَارُونَ وَابْنُ شَاذَوَيْهِ وَابْنُ مَسْرُورٍ وَجَعْفَرُ ابْنُ الْحُسَيْن جَمِيعاً، عَنْ مُحَمَّدٍ الْحِمْيَريِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَيُّوبَ بْن نُوح، عَن الْعَبَّاس ابْن عَامِرٍ. وَحَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَلِيِّ بْن الْحَسَن بْن عَبْدِ اللهِ(156) بْن المُغِيرَةِ، عَنْ جَدِّهِ الْحَسَن، عَن الْعَبَّاس بْن عَامِرٍ، عَنْ مُوسَى بْن هِلَالٍ الضَّبِّيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَطَاءٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام): إِنَّ شِيعَتَكَ بِالْعِرَاقِ كَثِيرٌ(157)، وَوَاللهِ مَا فِي أَهْل الْبَيْتِ مِثْلُكَ، كَيْفَ لَا تَخْرُجُ؟ فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَطَاءٍ، قَدْ أَمْكَنْتَ الْحِشْوَةَ مِنْ أُذُنَيْكَ، وَاللهِ مَا أَنَا بِصَاحِبكُمْ»، قُلْتُ: فَمَنْ صَاحِبُنَا؟ قَالَ: «انْظُرُوا مَنْ تَخْفَى عَلَى النَّاس ولَادَتُهُ فَهُوَ صَاحِبُكُمْ»(158).
بيان: قال الجوهري: فلان من حِشوة بني فلان بالكسر، أي من رُذَّالهم(159).
أقول: أي تسمع كلام أراذل الشيعة وتقبل منهم في توهُّمهم أنَّ لنا أنصاراً كثيرة، وأنَّه لا بدَّ لنا من الخروج، وأنِّي القائم الموعود.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(155) عيون أخبار الرضا (علیه السلام) (ج 2/ ص 131).
(156) في المصدر: (جعفر بن عليِّ بن الحسن بن عليِّ بن عبد الله).
(157) في المصدر: (كثيرون) بدل (كثير).
(158) كمال الدِّين (ج 1/ ص 325/ باب ما أخبر به أبو جعفر الباقر (علیه السلام)/ ح 2).
(159) الصحاح (ج 5/ ص 2313).

(٦٥)

[62/3] الغيبة للطوسي: جَمَاعَةٌ، عَن التَّلَّعُكْبَريِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن عَلِيٍّ الرَّازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِسْحَاقَ المُقْري، عَنْ عَلِيِّ بْن الْعَبَّاس، عَنْ بَكَّار بْن أَحْمَدَ، عَن الْحَسَن بْن الْحُسَيْن، عَنْ سُفْيَانَ الْجَريريِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَن ابْن أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: وَاللهِ لَا يَكُونُ المَهْدِيُّ أَبَداً إِلَّا مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْن (علیه السلام)(160).
[63/4] الغيبة للطوسي: بِهَذَا الْإسْنَادِ، عَن الْجَريريِّ، عَن الْفُضَيْل بْن الزُّبَيْر، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ عَلِيٍّ (علیه السلام) يَقُولُ: المُنْتَظَرُ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْن بْن عَلِيٍّ، فِي ذُرِّيَّةِ الْحُسَيْن وَفِي عَقِبِ الْحُسَيْن، وَهُوَ المَظْلُومُ الَّذِي قَالَ اللهُ: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً﴾، قَالَ: وَلِيُّهُ رَجُلٌ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ مِنْ عَقِبِهِ - ثُمَّ قَرَأ: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: 28] -، ﴿سُلْطَاناً فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ﴾ [الإسراء: 33]، قَالَ: سُلْطَانُهُ فِي حُجَّتِهِ عَلَى جَمِيع مَنْ خَلَقَ اللهُ حَتَّى يَكُونَ لَهُ الْحُجَّةُ عَلَى النَّاس وَلَا يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حُجَّةٌ»(161).
[64/5] كمال الدِّين(162): ابْنُ مُوسَى(163)، عَن الْأَسَدِيِّ، عَن الْبَرْمَكِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ (علیه السلام)، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (علیه السلام) عَلَى الْمِنْبَر: «يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي فِي آخِر الزَّمَان، أَبْيَضُ، مُشْرَبٌ حُمْرَةً، مُبْدَحُ الْبَطْن، عَريضُ الْفَخِذَيْن، عَظِيمٌ مُشَاشُ المَنْكِبَيْن، بِظَهْرهِ شَامَتَان: شَامَةٌ عَلَى لَوْن جِلْدِهِ، وَشَامَةٌ عَلَى شِبْهِ شَامَةِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لَهُ اسْمَان: اسْمٌ يَخْفَى وَاسْمٌ يَعْلُنُ، فَأَمَّا الَّذِي يَخْفَى فَأَحْمَدُ، وَأَمَّا الَّذِي يَعْلُنُ فَمُحَمَّدٌ، فَإذَا هَزَّ رَايَتَهُ أَضَاءَ لَهَا مَا بَيْنَ المَشْرقِ وَالمَغْربِ، وَوَضَعَ يَدَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(160) الغيبة للطوسي (ص 188/ ح 151).
(161) الغيبة للطوسي (ص 188/ ح 150).
(162) كان في المطبوعة (الغيبة للطوسي)، وهو تصحيف، وما أثبتناه موافق لسند الصدوق (رحمه الله).
(163) هو عليُّ بن أحمد بن موسى من مشايخ الصدوق (رحمه الله).

(٦٦)

عَلَى رُءُوس الْعِبَادِ، فَلَا يَبْقَى مُؤْمِنٌ إِلَّا صَارَ قَلْبُهُ أَشَدَّ مِنْ زُبَر الْحَدِيدِ، وَأَعْطَاهُ اللهُ قُوَّةَ أَرْبَعِينَ رَجُلاً، وَلاَ يَبْقَى مَيِّتٌ إِلَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْفَرْحَةُ فِي قَلْبِهِ وَفِي قَبْرهِ، وَهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِي قُبُورهِمْ وَيَتَبَاشَرُونَ بِقِيَام الْقَائِم (علیه السلام)»(164).
بيان: (مبدح البطن) أي واسعه وعريضه، قال الفيروزآبادي: البداح كسحاب المتَّسع من الأرض أو الليِّنة الواسعة، والبدح بالكسر الفضاء الواسع، وامرأة بيدح: بادن، والأبدح: الرجل الطويل (السمين)(165) والعريض الجنبين من الدوابِّ(166). وقال: المُشاشة بالضمِّ: رأس العظم الممكِّن المضغ، والجمع مشاش(167). والشامة علامة تخالف البدن الذي هي فيه، وهي هنا إمَّا بأنْ تكون أرفع من سائر الأجزاء أو أخفض وإنْ لم تخالف في اللون.
[65/6] كمال الدِّين: بِهَذَا الْإسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سِنَانٍ، عَنْ عَمْرو بْن شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام)، قَالَ: «إِنَّ الْعِلْمَ بِكِتَابِ اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَنْبُتُ فِي قَلْبِ مَهْدِيِّنَا كَمَا يَنْبُتُ الزَّرْعُ عَنْ(168) أَحْسَن نَبَاتِهِ، فَمَنْ بَقِيَ مِنْكُمْ حَتَّى يَلْقَاهُ فَلْيَقُلْ حِينَ يَرَاهُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ بَيْتِ الرَّحْمَةِ وَالنُّبُوَّةِ، وَمَعْدِنَ الْعِلْم، وَمَوْضِعَ الرِّسَالَةِ».
وَرُويَ أنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى الْقَائِم (علیه السلام) أَنْ يُقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا بَقِيَّةَ اللهِ فِي أَرْضِهِ(169).
[66/7] الغيبة للطوسي: سَعْدٌ، عَن الْيَقْطِينِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبَانٍ، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(164) كمال الدِّين (ج 2/ ص 653/ باب ما روي في علامات خروج القائم (علیه السلام)/ ح 17).
(165) كلمة: (السمين) ليست في المصدر.
(166) القاموس المحيط (ج 1/ ص 222).
(167) القاموس المحيط (ج 2/ ص 299).
(168) في المصدر: (على) بدل (عن).
(169) كمال الدِّين (ج 2/ ص 653/ باب ما روي في علامات خروج القائم (علیه السلام)/ ح 18).

(٦٧)

عَمْرو بْن شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «سَايَرَ(170) عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (علیه السلام)، فَقَالَ: أَخْبِرْني عَن المَهْدِيِّ مَا اسْمُهُ؟ فَقَالَ: أَمَّا اسْمُهُ فَإنَّ حَبِيبي عَهِدَ(171) إِلَيَّ أَنْ لَا أُحَدِّثَ بِاسْمِهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْني عَنْ صِفَتِهِ، قَالَ: هُوَ شَابٌّ مَرْبُوعٌ، حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الشَّعْر، يَسِيلُ شَعْرُهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَنُورُ وَجْهِهِ يَعْلُو سَوَادَ لِحْيَتِهِ وَرَأسِهِ، بِأَبِي ابْنُ خِيَرَةِ الْإمَاءِ»(172).
الغيبة للنعماني: عن عمرو بن شمر، مثله(173).
[67/8] الغيبة للنعماني: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن مُوسَى الْعَلَويِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ الْقَلَانِسِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن، عَن الْعَبَّاس بْن عَامِرٍ، عَنْ مُوسَى بْن هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَطَاءٍ، قَالَ: خَرَجْتُ حَاجًّا مِنْ وَاسِطٍ، فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ (علیه السلام)، فَسَألَنِي عَن النَّاس وَالْأَسْعَار، فَقُلْتُ: تَرَكْتُ النَّاسَ مَادِّينَ أَعْنَاقَهُمْ إِلَيْكَ لَوْ خَرَجْتَ لَاتَّبَعَكَ الْخَلْقُ، فَقَالَ: «يَا بْنَ عَطَاءٍ، أَخَذْتَ تَفْرُشُ أُذُنَيْكَ لِلنَّوْكَى، لَا وَاللهِ مَا أَنَا بِصَاحِبكُمْ، وَلَا يُشَارُ إِلَى رَجُلٍ مِنَّا بِالْأَصَابِع وَيُمَطُّ إِلَيْهِ بِالْحَوَاجِبِ إِلَّا مَاتَ قَتِيلاً أَوْ حَتْفَ أَنْفِهِ»، قُلْتُ: وَمَا حَتْفُ أَنْفِهِ؟ قَالَ: «يَمُوتُ بِغَيْظِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ مَنْ لَا يُؤْبَهُ لِولَادَتِهِ»، قُلْتُ: وَمَنْ لَا يُؤْبَهُ لِولَادَتِهِ؟ قَالَ: «انْظُرْ مَنْ لَا يَدْري النَّاسُ أَنَّهُ وُلِدَ أَمْ لَا فَذَاكَ صَاحِبُكُمْ»(174).
بيان: النوكى: الحمقى. وقال الجوهري: مطَّ حاجبيه: أي مدَّهما(175)،(176).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(170) في المصدر: (سأل) بدل (ساير).
(171) في المصدر: (شهد).
(172) الغيبة للطوسي (ص 470/ ح 487).
(173) لم نعثر عليه في كتاب الغيبة هذا.
(174) الغيبة للنعماني (ص 168).
(175) يعني إذا كان يخاطب بهما.
(176) الصحاح (ج 2/ ص 1160).

(٦٨)

قوله: (قلت: ومن لا يؤبه): أي ما معناه، ويحتمل أنْ يكون سقط لفظة (من) من النُّسَّاخ لتوهُّم التكرار(177).
[68/9] الغيبة للنعماني: الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَعْدِ بْن عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَيُّوبَ بْن نُوح، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَن الرِّضَا (علیه السلام): إِنَّا نَرْجُو أَنْ تَكُونَ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْر، وَأَنْ يَسُوقَهُ اللهُ إِلَيْكَ عَفْواً بِغَيْر سَيْفٍ، فَقَدْ بُويِعَ لَكَ وَضُربَتِ الدَّرَاهِمُ بِاسْمِكَ، فَقَالَ: «مَا مِنَّا أَحَدٌ اخْتَلَفَ الْكُتُبُ إِلَيْهِ، وَأُشِيرَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِع، وَسُئِلَ عَن المَسَائِل، وَحُمِلَتْ إِلَيْهِ الْأَمْوَالُ إِلَّا اغْتِيلَ أَوْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ، حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ لِهَذَا الْأَمْر غُلَاماً مِنَّا خَفِيَّ المَوْلِدِ وَالمَنْشَإِ غَيْرُ خَفِيٍّ فِي نَفْسِهِ»(178).
بيان: قال الجوهري: يقال: أعطيته عفو المال يعني بغير مسألة، وعفا الماء إذا لم يطأه شيء يكدره(179).
[69/10] الغيبة للنعماني: مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّام، عَن الْفَزَاريِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن مِيثَمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مُوسَى، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْن حُصَيْنٍ الثَّعْلَبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ (علیه السلام) فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَقُلْتُ لَهُ: كَبِرَتْ سِنِّي، وَدَقَّ عَظْمِي، فَلَسْتُ أَدْري يُقْضَى لِي لِقَاؤُكَ أَمْ لَا؟ فَاعْهَدْ إِلَيَّ عَهْداً وَأَخْبِرْنِي مَتَى الْفَرَجُ؟ فَقَالَ: «إِنَّ الشَّريدَ الطَّريدَ الْفَريدَ الْوَحِيدَ، الْفَرْدَ مِنْ أَهْلِهِ، المَوْتُورَ بِوَالِدِهِ، المُكَنَّى بِعَمِّهِ، هُوَ صَاحِبُ الرَّايَاتِ، وَاسْمُهُ اسْمُ نَبِيٍّ»، فَقُلْتُ: أَعِدْ عَلَيَّ، فَدَعَا بِكِتَابٍ أَدِيم أوْ صَحِيفَةٍ، فَكَتَبَ فِيهَا(180).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(177) بل التكرار غلط، والمعنى: من الذي لا يؤبه لولادته؟
(178) الغيبة للنعماني (ص 168).
(179) الصحاح (ج 4/ ص 2432 و2433).
(180) الغيبة للنعماني (ص 178).

(٦٩)

بيان: (الموتور بوالده): أي قُتِلَ والده ولم يطلب بدمه، والمراد بالوالد إمَّا العسكري (علیه السلام) أو الحسين أو جنس الوالد ليشمل جميع الأئمَّة (عليهم السلام). قوله: (المكنَّى بعمِّه): لعلَّ كنية بعض أعمامه أبو القاسم، أو هو (علیه السلام) مكنَّى بأبِي جعفر أو أبِي الحسين أو أبِي محمّد أيضاً، ولا يبعد أنْ يكون المعنى لا يُصرَّح باسمه بل يُعبَّر عنه بالكناية خوفاً من عمِّه جعفر، والأوسط أظهر كما مرَّ في خبر حمزة بن أبي الفتح وخبر عقيد تكنيته (علیه السلام) بأبي جعفر وسيأتي أيضاً، ولا تنافي التكنية بأبي القاسم أيضاً. قوله (علیه السلام): (اسم نبيٍّ) يعني نبيِّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
[70/11] الغيبة للنعماني: ابْنُ عُقْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْن زَكَريَّا، عَنْ يُونُسَ بْن كُلَيْبٍ، عَنْ مُعَاويَةَ بْن هِشَام، عَنْ صَبَّاح، عَنْ سَالِم الْأَشَلِّ، عَنْ حُصَيْنٍ التَّغْلِبِيِّ، قَالَ: لَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام)(181)...، وَذَكَرَ مِثْلَ الْحَدِيثِ الأوَّلِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ كَلَامِهِ، فَقَالَ: «أَحَفِظْتَ [أَمْ] أَكْتُبُهَا لَكَ؟»، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ، فَدَعَا بِكُرَاعٍ مِنْ أَدِيم أَوْ صَحِيفَةٍ فَكَتَبَهَا ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَيَّ، وَأَخْرَجَهَا حُصَيْنٌ إِلَيْنَا فَقَرَأهَا عَلَيْنَا، ثُمَّ قَالَ: هَذَا كِتَابُ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام)(182).
[71/12] الغيبة للنعماني: مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّام، عَن الْفَزَاريِّ، عَنْ عَبَّادِ بْن يَعْقُوبَ، عَن الْحَسَن بْن حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام)، أَنَّهُ قَالَ: «صَاحِبُ هَذَا الْأَمْر هُوَ الطَّريدُ الْفَريدُ(183)، المَوْتُورُ بِأَبِيهِ، المُكَنَّى بِعَمِّهِ، المُفْرَدُ مِنْ أَهْلِهِ، اسْمُهُ اسْمُ نَبِيٍّ»(184).
[72/13] الغيبة للنعماني: ابْنُ عُقْدَةَ، عَنْ حُمَيْدِ بْن زِيَادٍ، عَن الْحَسَن بْن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(181) في المصدر إضافة: (محمّد بن عليٍّ).
(182) الغيبة للنعماني (ص 178).
(183) في المصدر: (الشريد) بدل (الفريد).
(184) الغيبة للنعماني (ص 179).

(٧٠)

مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ (علیهما السلام)، وَعَنْ يُونُسَ بْن يَعْقُوبَ، عَنْ سَالِم المَكِّيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْل، عَنْ عَامِر بْن وَاثِلَةَ، [عَنْ أَبِي الطُّفَيْل عَامِر بْن وَاصِلَةَ]: أَنَّ الَّذِي تَطْلُبُونَ وَتَرْجُونَ إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ، وَمَا يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى يَرَى الَّذِي يُحِبُّ، وَلَوْ صَارَ أَنْ يَأكُلَ الْأَعْضَاءُ أَعْضَاءَ الشَّجَرَةِ(185).
[73/14] الغيبة للنعماني: مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّام، عَنْ أَحْمَدَ بْن مَابُنْدَادَ، عَنْ أَحْمَدَ بْن هِلَالٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْن عَلِيٍّ الْقَيْسِيِّ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَم، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، قَالَ: «إِذَا تَوَالَتْ ثَلَاثَةُ أسْمَاءٍ: مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ وَالْحَسَنُ كَانَ رَابِعُهُمُ الْقَائِمَ (علیه السلام)»(186).
[74/15] الغيبة للنعماني: مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّام، عَن الْفَزَاريِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ المَدِينِيِّ، عَن ابْن أَسْبَاطٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سِنَانٍ، عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام): جُعِلْتُ فِدَاكَ قَدْ طَالَ هَذَا الْأَمْرُ عَلَيْنَا حَتَّى ضَاقَتْ قُلُوبُنَا وَمِتْنَا كَمَداً، فَقَالَ: «إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ آيَسُ مَا يَكُونُ وَأَشَدُّ(187) غَمًّا: يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ بِاسْم الْقَائِم وَاسْم أَبِيهِ»، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا اسْمُهُ؟ قَالَ: «اسْمُهُ اسْمُ نَبِيٍّ، وَاسْم أَبِيهِ اسْمُ وَصِيٍّ»(188).
[75/16] الغيبة للنعماني: مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّام، عَن الْفَزَاريِّ، عَنْ عَبَّادِ بْن يَعْقُوبَ، عَنْ يَحْيَى بْن سَالِم، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام)، أَنَّهُ قَالَ: «صَاحِبُ هَذَا الْأَمْر أَصْغَرُنَا سِنًّا، وَأَخْمَلُنَا شَخْصاً»، قُلْتُ: مَتَى يَكُونُ؟ قَالَ: «إِذَا سَارَتِ الرُّكْبَانُ بِبَيْعَةِ الْغُلَام، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَرْفَعُ كُلُّ ذِي صِيصِيَةٍ لِوَاءً»(189).
بيان: (أصغرنا سنًّا): أي عند الإمامة. قوله: (سارت الركبان): أي انتشر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(185) الغيبة للنعماني (ص 179)، وفيه: (يأكل الأغصان أغصان الشجر)، وهو الصحيح.
(186) الغيبة للنعماني (ص 179).
(187) في المصدر: (وأشدُّه).
(188) الغيبة للنعماني (ص 181).
(189) الغيبة للنعماني (ص 184)، وفيه إضافة: (فانتظروا الفرج).

(٧١)

الخبر في الآفاق بأنْ بويع الغلام، أي القائم (علیه السلام). و(الصيصية): شوكة الديك، وقرن البقر والظباء، والحصن، وكلُّ ما امتُنِعَ به، وهنا كناية عن القوَّة والصولة.
[76/17] الغيبة للنعماني: عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْن، عَنْ مُحَمَّدِ بْن يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ ابْن الْحَسَن(190) الرَّازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن هَاشِم، عَنْ حَمَّادِ ابْن عِيسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن عُمَرَ الْيَمَانِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، أَنَّهُ قَالَ: «يَقُومُ الْقَائِمُ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ لِأَحَدٍ»(191).
[77/18] الغيبة للنعماني: الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْن مُحَمَّدٍ، عَن الْحُسَيْن بْن سَعِيدٍ، عَن ابْن أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَام بْن سَالِم، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، أنَّهُ قَالَ: «يَقُومُ الْقَائِمُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ عَقْدٌ وَلَا بَيْعَةٌ»(192).
[78/19] الغيبة للنعماني: الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْن إِدْريسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ، عَنْ جَعْفَر بْن الْقَاسِم، عَنْ مُحَمَّدِ بْن الْوَلِيدِ، عَن الْوَلِيدِ بْن عُقْبَةَ، عَن الْحَارثِ بْن زِيَادٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْن(193) أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْر؟ فَقَالَ: «لَا»، قُلْتُ: [فَوَلَدُكَ؟ قَالَ: «لَا»، قُلْتُ](194): فَوَلَدُ وَلَدِكَ؟ قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: فَوَلَدُ وَلَدِ وَلَدِكَ؟ قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: فَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: «الَّذِي يَمْلَأهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ(195) جَوْراً لَعَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ يَأتِي، كَمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بُعِثَ عَلَى فَتْرَةٍ»(196).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(190) في المصدر: (حسَّان) بدل (الحسن).
(191) الغيبة للنعماني (ص 191).
(192) الغيبة للنعماني (ص 171)، وفيه: (عقد ولا عهد ولا بيعة).
(193) في المصدر: (عن) بدل (بن).
(194) ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر ومن الكافي (ج 1/ ص 341).
(195) في المصدر إضافة: (ظلماً و) بين معقوفتين.
(196) الغيبة للنعماني (ص 186).

(٧٢)

[79/20] الغيبة للنعماني: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن مُوسَى، عَنْ بَعْض رجَالِهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن الحَكَم(197) بْن ظُهَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن عَيَّاشٍ، عَن الْأَعْمَش، عَنْ أَبِي وَابِلٍ(198)، قَالَ: نَظَرَ أَمِيرُ المُؤْمِنينَ عَلِيٌّ إِلَى الْحُسَيْن (علیه السلام)، فَقَالَ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ كَمَا سَمَّاهُ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سَيِّداً، وَسَيُخْرجُ اللهُ مِنْ صُلْبِهِ رَجُلاً بِاسْم نَبِيِّكُمْ، يُشْبِهُهُ فِي الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ، يَخْرُجُ عَلَى حِين غَفْلَةٍ مِنَ النَّاس وَإِمَاتَةٍ لِلْحَقِّ وَإِظْهَارٍ لِلْجَوْر، وَاللهِ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ لَضُربَتْ عُنُقُهُ، يَفْرَحُ بِخُرُوجِهِ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَسُكَّانُهَا، وَهُوَ رَجُلٌ أَجْلَى الْجَبِين، أَقْنَى الْأَنْفِ، ضَخْمُ الْبَطْن، أَزْيَلُ الْفَخِذَيْن، لِفَخِذِهِ الْيُمْنَى شَامَةٌ، أَفْلَجُ الثَّنَايَا، يَمْلَأ الْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»(199).
بيان: القنا في الأنف طوله ودقَّة أرنبته مع حدب في وسطه. قوله (علیه السلام): (أزيل الفخذين): من الزيل، كناية عن كونهما عريضتين كما مرَّ في خبر آخر، وفي بعض النُّسَخ بالباء الموحَّدة من الزبول فينافي ما سبق ظاهراً، وفي بعضها أربل بالراء المهملة والباء الموحَّدة من قولهم: رجل ربل كثير اللحم، وهذا أظهر. وفلج الثنايا: انفراجها وعدم التصاقها.
[80/21] الغيبة للنعماني: أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ، عَن النَّهَاوَنْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن حَمَّادٍ، عَن ابْن بُكَيْرٍ، عَنْ حُمْرَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام): جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي قَدْ دَخَلْتُ المَدِينَةَ وَفِي حَقْوَيَّ هِمْيَانٌ فِيهِ أَلْفُ دِينَارٍ، وَقَدْ أَعْطَيْتُ اللهَ عَهْداً أَنَّنِي أُنْفِقُهَا بِبَابِكَ دِينَاراً دِينَاراً أَوْ تُجِيبَنِي فِيمَا أَسْأَلُكَ عَنْهُ، فَقَالَ: «يَا حُمْرَانُ، سَلْ تُجَبْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(197) جاء في المطبوعة: (الحسين) بدل (الحَكَم)، وما أثبتناه من المصدر، ويُؤيِّده ما جاء في الحديث (223/22). راجع: (ج 51/ ص 120) من المطبوعة.
(198) في المصدر: (أبي وائل) بدل (أبي وابل).
(199) الغيبة للنعماني (ص 212).

(٧٣)

وَلَا تُبَعِّضْ(200) دَنَانِيرَكَ»، فَقُلْتُ: سَأَلْتُكَ بِقَرَابَتِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ أَنْتَ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْر وَالْقَائِمُ بِهِ؟ قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: فَمَنْ هُوَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ فَقَالَ: «ذَاكَ المُشْرَبُ حُمْرَةً، الْغَائِرُ الْعَيْنَيْن، المُشَرَّفُ الْحَاجِبَيْن، عَريضٌ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْن، بِرَأسِهِ حَزَازٌ، وَبِوَجْهِهِ أَثَرٌ، رَحِمَ اللهُ مُوسَى»(201).
بيان: (المشرَّف الحاجبين): أي في وسطهما ارتفاع من الشرفة. والحزاز ما يكون في الشعر مثل النخالة. وقوله (علیه السلام): (رحم الله موسى)، لعلَّه إشارة إلى أنَّه سيظنُّ بعض الناس أنَّه القائم وليس كذلك، أو أنَّه قال: (فلاناً) كما سيأتي فعبَّر عنه الواقفيَّة بموسى.
[81/22] الغيبة للنعماني(202): عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْن مُحَمَّدِ ابْن رَبَاح، عَنْ أَحْمَدَ بْن عَلِيٍّ الْحِمْيَريِّ، عَن الْحُسَيْن بْن أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الْكَريم بْن عَمْرٍو الْخَثْعَمِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْن حَريزٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن زُرَارَةَ(203)، عَنْ حُمْرَانَ بْن أَعْيَنَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام)، فَقُلْتُ: أَنْتَ الْقَائِمُ؟ قَالَ: «قَدْ وَلَدَنِي رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَأَنَّى لِلطَّالِبِ(204) بِالدَّم، وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ»، ثُمَّ أَعَدْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «قَدْ عَرَفْتُ حَيْثُ تَذْهَبُ، صَاحِبُكَ المُدَبِّحُ(205) الْبَطْن، ثُمَّ الْحَزَازُ بِرَأسِهِ، ابْنُ الْأَرْوَاع، رَحِمَ اللهُ فُلَاناً»(206).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(200) في المصدر: (لا تنفق).
(201) الغيبة للنعماني (ص 215).
(202) في النسخة المطبوعة: (الإرشاد)، وهو سهو، لأنَّ الحديث لا يوجد في الإرشاد، والصحيح ما أثبتناه، مع ما يظهر من قوله بعد ذلك: (الغيبة للنعماني)، وبهذا الإسناد، وهكذا في صدر الإسناد الآتية مصدَّراً بعبد الواحد بن عبد الله، وهو من مشايخ النعماني.
(203) في المصدر: (عن محمّد بن زائدة) بدل (عن محمّد بن زرارة).
(204) في المصدر: (المطالب).
(205) في المصدر: (المبدح).
(206) الغيبة للنعماني (ص 215).

(٧٤)

بيان: ابن الأرواع لعلَّه جمع الأروع أي ابن جماعة هم أروع الناس، أو جمع الروع وهو من يعجبك بحسنه وجهارة منظره أو بشجاعته، أو جمع الروع بمعنى الخوف.
[82/23] الغيبة للنعماني: بِهَذَا الْإسْنَادِ، عَن الْحُسَيْن بْن أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ الْخَثْعَمِيِّ(207)، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ اللهِ(208)، عَنْ وُهَيْبِ بْن حَفْصٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) أَوْ أَبُو عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) - الشَّكُّ مِن ابْن عِصَام -: «يَا أبَا مُحَمَّدٍ، بِالْقَائِم عَلَامَتَان: شَامَةٌ فِي رَأسِهِ، وَدَاءُ الْحَزَازِ بِرَأسِهِ، وَشَامَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْسَر تَحْتَ كَتِفَيْهِ وَرَقَةٌ مِثْلُ وَرَقَةِ الْآس(209)، ابْنُ سِتَّةٍ، وَابْنُ خِيَرَةِ الْإمَاءِ».
بيان: لعلَّ المعنى ابن ستَّة أعوام عند الإمامة، أو ابن ستَّة بحسب الأسماء فإنَّ أسماء آبائه (عليهم السلام) محمّد وعليّ وحسين وجعفر وموسى وحسن ولم يحصل ذلك في أحد من الأئمَّة (عليهم السلام) قبله، مع أنَّ بعض رواة تلك الأخبار من الواقفيَّة ولا تُقبَل رواياتهم فيما يوافق مذهبهم(210).
[83/24] الغيبة للنعماني: ابْنُ عُقْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن الْفَضْل بْن قَيْسٍ وَسَعْدَانَ بْن إِسْحَاقَ بْن سَعِيدٍ وَأَحْمَدَ بْن الْحَسَن(211) بْن عَبْدِ المَلِكِ وَمُحَمَّدِ بْن الْحَسَن الْقَطَوَانِيِّ جَمِيعاً، عَن ابْن مَحْبُوبٍ، عَنْ هِشَام بْن سَالِم، عَنْ زَيْدٍ الْكُنَاسِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ (علیهما السلام) يَقُولُ: «إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(207) في المصدر: (عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي).
(208) في المصدر: (عن محمّد بن عصام) بدل (عن محمّد بن عبد الله).
(209) الغيبة للنعماني (ص 216).
(210) ولعلَّ الصحيح أنَّه (ابن ستَّة)، وهو عبارة أُخرى عن كونه (علیه السلام) (أزيل)، يعني: متباعداً ما بين الفخذين كما مرَّ في الحديث (78/19)، وقد صحَّحه الفاضل القمِّي المعروف بـ (أرباب) في نسخة المصدر بـ (ابن سبية)، لكنَّه لا يوافق مع الحديث (85/26) والحديث (86/27).
(211) في المصدر: (الحسين) بدل (الحسن).

(٧٥)

فِيهِ شَبَهٌ مِنْ يُوسُفَ، مِنْ(212) أَمَةٍ سَوْدَاءَ، يَصْلُحُ اللهُ لَهُ أَمْرَهُ فِي لَيْلَةٍ(213)»، يُريدُ بِالشَّبَهِ مِنْ يُوسُفَ (علیه السلام) الْغَيْبَةَ(214).
[84/25] الغيبة للنعماني: عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْن مُحَمَّدِ بْن رَبَاح، عَنْ أَحْمَدَ بْن عَلِيٍّ الْحِمْيَريِّ، عَن الْحَكَم بْن عَبْدِ الرَّحِيم الْقَصِير، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام): قَوْلُ أَمِير المُؤْمِنِينَ (علیه السلام): «بِأَبِي ابْنُ خِيَرَةِ الْإمَاءِ» أَهِيَ فَاطِمَةُ؟ قَالَ: «فَاطِمَةُ خَيْرُ الْحَرَائِر»، قَالَ: «المبدح [المُدَبِّحُ] بَطْنُهُ، المُشْرَبُ حُمْرَةً، رَحِمَ اللهُ فُلَاناً»(215).
[85/26] الغيبة للنعماني: ابْنُ عُقْدَةَ، عَن الْقَاسِم بْن مُحَمَّدِ بْن الْحُسَيْن، عَنْ عُبَيْس بْن هِشَام، عَن ابْن جَبَلَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْن المُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي الصَّبَّاح، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) فَقَالَ: «مَا وَرَاءَكَ؟»، فَقُلْتُ: سُرُورٌ مِنْ عَمِّكَ زَيْدٍ خَرَجَ يَزْعُمُ أَنَّهُ ابْنُ سِتَّةٍ(216)، وَأَنَّهُ قَائِمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأنَّهُ ابْنُ خِيَرَةِ الْإمَاءِ، فَقَالَ: «كَذَبَ لَيْسَ هُوَ كَمَا قَالَ، إِنْ خَرَجَ قُتِلَ»(217).
بيان: لعلَّ زيداً أدخل الحسن (علیه السلام) في عداد الآباء مجازاً فإنَّ العمَّ قد يُسمَّى أباً، فمع فاطمة (عليها السلام) ستَّة من المعصومين.
[86/27] الغيبة للنعماني: ابْنُ عُقْدَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن، عَنْ مُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ ابْنَا الْحَسَن، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْن مِهْرَانَ، عَنْ يَزيدَ بْن حَازِم(218)، قَالَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(212) في المصدر: (ابن) بدل (من).
(213) في المصدر إضافة: (واحدة).
(214) الغيبة للنعماني (ص 228).
(215) المصدر السابق.
(216) في المصدر: (سبية).
(217) الغيبة للنعماني (ص 228).
(218) في المصدر: (عن يزيد بن أبي حازم).

(٧٦)

خَرَجْتُ مِنَ الْكُوفَةِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ المَدِينَةَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي: «هَلْ صَاحَبَكَ أَحَدٌ؟»، فَقُلْتُ: نَعَمْ(219) صَحِبَنِي رَجُلٌ مِنَ المُعْتَزلَةِ، قَالَ: «فِيمَا(220) كَانَ يَقُولُ»، قُلْتُ: كَانَ يَزْعُمُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْن الْحَسَن يُرْجَى هُوَ الْقَائِمُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اسْمَهُ اسْمُ النَّبِيِّ وَاسْمَ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي النَّبِيِّ، فَقُلْتُ لَهُ فِي الْجَوَابِ: إِنْ كُنْتَ تَأخُذُ بِالْأَسْمَاءِ فَهُوَ ذَا فِي وُلْدِ الْحُسَيْن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن عَلِيٍّ، فَقَالَ لِي: إِنَّ هَذَا ابْنُ أَمَةٍ يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْن عَلِيٍّ، وَهَذَا ابْنُ مَهِيرَةٍ يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْن الْحَسَن بْن الْحَسَن، فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ (علیه السلام): «فَمَا رَدَدْتَ عَلَيْهِ؟»، قُلْتُ: مَا كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ أَرُدُّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ(221) أَنَّهُ ابْنُ سِتَّةٍ(222)»، يَعْنِي الْقَائِمَ (علیه السلام)(223).
[87/28] الغيبة للنعماني: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ(224) بْن مُوسَى، عَن ابْن أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِر (علیه السلام)، أَنَّهُ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «الْأَمْرُ فِي أَصْغَرنَا سِنًّا، وَأَخْمَلِنَا ذِكْراً»(225).
الغيبة للنعماني: عليُّ بن الحسين، عن محمّد بن يحيى العطَّار، عن محمّد بن الحسن(226) الرازي، عن محمّد بن عليٍّ الصيرفي، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (علیه السلام)، مثله(227).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(219) في المصدر إضافة: (فقال: أكنتم تتكلَّمون؟ قلت: نعم).
(220) في المصدر: (فما) بدل (فيما).
(221) في المصدر: (أو لم تعلموا) بدل (لو تعلمون).
(222) في المصدر: (أنَّه ابن سبية).
(223) الغيبة للنعماني (ص 229).
(224) في المصدر: (عن عبيد الله).
(225) الغيبة للنعماني (ص 322).
(226) في المصدر: (حسَّان) بدل (الحسن).
(227) الغيبة للنعماني (ص 322).

(٧٧)

[88/29] الغيبة للنعماني: مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّام، عَنْ أَحْمَدَ بْن مَابُنْدَادَ(228)، عَنْ أَحْمَدَ بْن هُلَيْلٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي السَّفَاتِج، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَحَدِهِمَا - لِأَبِي عَبْدِ اللهِ أَوْ لِأَبِي جَعْفَرٍ (علیهما السلام) -: أَيَكُونُ أَنْ يُفْضَى هَذَا الْأَمْرُ إِلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ؟ قَالَ: «سَيَكُونُ ذَلِكَ»، قُلْتُ: فَمَا يَصْنَعُ؟ قَالَ: «يُوَرِّثُهُ عِلْماً وَكُتُباً وَلَا يَكِلُهُ إِلَى نَفْسِهِ»(229).
بيان: لعلَّ المعنى أنْ لا مدخل للسنِّ في علومهم وحالاتهم فإنَّ الله تعالى لا يكلهم إلى أنفسهم، بل هم مؤيَّدون بالإلهام وروح القُدُس.
[89/30] الغيبة للنعماني: عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن جَعْفَرٍ الْقُرَشِيِّ، عَن ابْن أبِي الْخَطَّابِ، [عن] مُحَمَّدِ بْن سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام): «لَا يَكُونُ هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا فِي أَخْمَلِنَا ذِكْراً، وَأَحْدَثِنَا سِنًّا»(230).
[90/31] الغيبة للنعماني: مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّام، عَنْ أَحْمَدَ بْن مَابُنْدَادَ(231)، عَنْ أَحْمَدَ بْن هُلَيْلٍ(232)، عَنْ إِسْحَاقَ بْن صَبَّاح، عَنْ أَبِي الْحَسَن الرِّضَا (علیه السلام)، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ هَذَا سَيُفْضَى إِلَى مَنْ يَكُونُ لَهُ الْحَمْلُ»(233).
بيان: لعلَّ المعنى أنَّه يحتاج أنْ يُحمَل لصغره، ويحتمل أنْ يكون بالخاء المعجمة يعني يكون خامل الذكر.
[91/32] كشف الغمَّة: ابْنُ الْخَشَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ مُوسَى،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(228) في المصدر: (عن أحمد بن مابنداذ).
(229) الغيبة للنعماني (ص 322).
(230) الغيبة للنعماني (ص 323).
(231) في المصدر: (مابنداذ).
(232) في المصدر: (هلال) بدل (هليل).
(233) الغيبة للنعماني (ص 323).

(٧٨)

عَنْ أَبِيهِ، عَن الرِّضَا (علیه السلام)، قَالَ: «الْخَلَفُ الصَّالِحُ مِنْ وُلْدِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن بْن عَلِيٍّ، وَهُوَ صَاحِبُ الزَّمَان، وَهُوَ المَهْدِيُّ»(234).
[92/33] الغيبة للطوسي: أَحْمَدُ بْنُ إِدْريسَ، عَن ابْن قُتَيْبَةَ، عَن الْفَضْل، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سِنَانٍ، عَنْ عَمَّار بْن مَرْوَانَ، عَن المُنَخَّل، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام)، قَالَ: «المَهْدِيُّ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ، وَهُوَ رَجُلٌ آدَمُ»(235).
[93/34] الْفُصُولُ المُهِمَّةُ: صِفَتُهُ (علیه السلام): شَابٌّ مَرْبُوعُ(236) الْقَامَةِ، حَسَنُ الْوَجْهِ، وَالشَّعْرُ يَسِيلُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، أَجْلَى الْجَبْهَةِ، قِيلَ: إِنَّهُ غَابَ فِي السِّرْدَابِ وَالْحَرَسُ عَلَيْهِ، وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْن(237).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(234) كشف الغمَّة (ج 2/ ص 475/ باب ما روي في أمر المهدي (علیه السلام)).
(235) الغيبة للطوسي (ص 187/ ح 147).
(236) في المصدر: (مرفوع) بدل (مربوع).
(237) الفصول المهمَّة (ص 289).

(٧٩)

[94/1] تفسير القمِّي: ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ﴾، قَالَ: إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا إِلَى خُرُوج الْقَائِم (علیه السلام) فَنَرُدُّهُمْ وَنُعَذِّبُهُمْ، ﴿لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ﴾ أَنْ يَقُولُوا: لِـمَ لَا يَقُومُ الْقَائِمُ وَلَا يَخْرُجُ؟ عَلَى حَدِّ الْاِسْتِهْزَاءِ، فَقَالَ اللهُ: ﴿أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ﴾ [هود: 8].
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْريسَ، عَنْ أَحْمَدَ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْن الْحَكَم، عَنْ سَيْفِ ابْن(238) حَسَّانَ، عَنْ هِشَام بْن عَمَّارٍ، عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ (علیه السلام) -، عَنْ عَلِيٍّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ﴾ قَالَ: «الْأُمَّةُ المَعْدُودَةُ أَصْحَابُ الْقَائِم الثَّلَاثُمِائَةِ وَالْبِضْعَةَ عَشَرَ».
قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: وَالْأُمَّةُ فِي كِتَابِ اللهِ عَلَى وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ فَمِنْهُ: المَذْهَبُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [البقرة: 213]، أَيْ عَلَى مَذْهَبٍ وَاحِدٍ. وَمِنْهُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاس، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ﴾ [القَصص: 23]، أَيْ جَمَاعَةً. وَمِنْهُ: الْوَاحِدُ قَدْ سَمَّاهُ اللهُ أُمَّةً، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً للهِ حَنِيفاً﴾ [النحل: 120]. وَمِنْهُ: أَجْنَاسُ جَمِيع الْحَيَوَان، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [فاطر: 24]. وَمِنْهُ: أُمَّةُ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ﴾ [الرعد: 30]، وَهِيَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم). وَمِنْهُ: الْوَقْتُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(238) في المصدر: (عن سيف، عن حسَّان).

(٨٣)

مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ [يوسف: 45]، أَيْ بَعْدَ وَقْتٍ، وَقَوْلُهُ: ﴿إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ﴾ يَعْنِي الْوَقْتَ. وَمِنْهُ: يَعْنِي بِهِ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا﴾ [الجاثية: 28]، وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ [النحل: 84]، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ(239).
[95/2] تفسير القمِّي: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾ [إبراهيم: 5]، قَالَ: أيَّامُ اللهِ ثَلَاثَةٌ: يَوْمُ الْقَائِم (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ)، وَيَوْمُ المَوْتِ، وَيَوْمُ الْقِيَامَةِ(240).
[96/3] تفسير القمِّي: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ﴾ أيْ أَعْلَمْنَاهُمْ، ثُمَّ انْقَطَعَتْ مُخَاطَبَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَاطَبَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ: ﴿لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرضِ مَرَّتَيْنِ﴾ يَعْنِي فُلَاناً وَفُلَاناً وَأَصْحَابَهُمَا وَنَقْضَهُمُ الْعَهْدَ، ﴿وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً﴾ يَعْنِي مَا ادَّعَوْهُ مِنَ الْخِلَافَةِ، ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا﴾ يَعْنِي يَوْمَ الْجَمَل، ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ يَعْنِي أَمِيرَ المُؤْمِنينَ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) وَأَصْحَابَهُ، ﴿فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيارِ﴾ أيْ طَلَبُوكُمْ وَقَتَلُوكُمْ، ﴿وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً﴾ يَعْنِي يَتِمُّ وَيَكُونُ، ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ﴾ يَعْنِي لِبَني أُمَيَّةَ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، ﴿وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً﴾ مِنَ الْحُسَيْن بْن عَلِيٍّ (علیه السلام)(241) وَأَصْحَابِهِ، وَسَبَوْا(242) نِسَاءَ آلِ مُحَمَّدٍ، ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(239) تفسير القمِّي (ج 1/ ص 322).
(240) تفسير القمِّي (ج 1/ ص 367).
(241) في المصدر: (من الحسن والحسين أبناء عليٍّ (علیه السلام)).
(242) في المصدر: (وأصحابهما فقتلوا الحسين بن عليٍّ وسبوا).

(٨٤)

جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ﴾ يَعْنِي الْقَائِمَ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) وَأَصْحَابَهُ، ﴿لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ﴾ يَعْنِي تَسَوُّدَ(243) وُجُوهِهِمْ، ﴿وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ يَعْنِي رَسُولَ اللهِ وَأَصْحَابَهُ(244)، ﴿وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً﴾ أَيْ يَعْلُو عَلَيْكُمْ فَيَقْتُلُوكُمْ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) فَقَالَ: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ﴾ أَيْ يَنْصُرُكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ، ثُمَّ خَاطَبَ بَنِي أُمَيَّةَ فَقَالَ: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾ [الإسراء: 4 - 8]، يَعْنِي إِنْ عُدْتُمْ بِالسُّفْيَانِيِّ عُدْنَا بِالْقَائِم مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ)(245).
بيان: على تفسيره معنى الآية: أوحينا إلى بني إسرائيل أنَّكم يا أُمَّة محمّد تفعلون كذا وكذا، ويحتمل أنْ يكون الخبر الذي أخذ عنه التفسير محمولاً على أنَّه لـمَّا أخبر النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّ كلَّما يكون في بني إسرائيل يكون في هذه الأُمَّة نظيره فهذه الأُمور نظاير تلك الوقايع، وفي بطن الآيات إشارة إليها، وبهذا الوجه الذي ذكرنا تستقيم أوَّليهما. و(الكرَّة): الدولة والغلبة. و(النفير): من ينفر مع الرجل من قومه، وقيل: جمع نفر وهم المجتمعون للذهاب إلى العدوِّ. قوله تعالى: ﴿وَعْدُ الْآخِرَةِ﴾ أي وعد عقوبة المرَّة الآخرة. قوله تعالى: ﴿وَلِيُتَبِّرُوا﴾ أي وليهلكوا. ﴿مَا عَلَوْا﴾ أي ما غلبوه واستولوا عليه، أو مدَّة علوِّهم.
[97/4] تفسير القمِّي: ﴿أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً﴾ [طه: 113]، يَعْنِي(246) مِنْ أَمْر الْقَائِم وَالسُّفْيَانِيِّ(247).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(243) في المصدر: (تسودُّون).
(244) في المصدر إضافة: (وأمير المؤمنين وأصحابه).
(245) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 14).
(246) في المصدر: (يعني ما يحدث).
(247) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 65).

(٨٥)

[98/5] تفسير القمِّي: ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا﴾ يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ إِذَا أَحَسُّوا بِالْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، ﴿إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾ يَعْنِي الْكُنُوزَ الَّتِي كَنَزُوهَا، قَالَ: فَيَدْخُلُ بَنُو أُمَيَّةَ إِلَى الرُّومِ إِذَا طَلَبَهُمُ الْقَائِمُ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ)، ثُمَّ يُخْرجُهُمْ مِنَ الرُّومِ وَيُطَالِبُهُمْ بِالْكُنُوزِ الَّتِي كَنَزُوهَا، فَيَقُولُونَ كَمَا حَكَى اللهُ: ﴿يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ﴾ [الأنبياء: 12 - 15]، قَالَ: بِالسَّيْفِ وَتَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا لَفْظُهُ مَاضٍ وَمَعْنَاهُ مُسْتَقْبَلٌ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِمَّا تَأويلُهُ بَعْدَ تَنْزيلِهِ(248).
بيان: ﴿يَرْكُضُونَ﴾ أي يهربون مسرعين راكضين دوابَّهم. قوله تعالى: ﴿حَصِيداً﴾ أي مثل الحصيد، وهو النبت المحصود. ﴿خَامِدِينَ﴾ أي ميِّتين، من خمدت النار.
[99/6] تفسير القمِّي: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ﴾، قَالَ: الْكُتُبُ كُلُّهَا ذِكْرٌ، ﴿أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: 105]، قَالَ: الْقَائِمُ (علیه السلام) وَأَصْحَابُهُ(249).
توضيح: قوله: (الكُتُب كلُّها ذكر): أي بعد أنْ كتبنا في الكُتُب الأُخر المنزلة. وقال المفسِّرون: المراد به التوراة. وقيل: المراد بالزبور جنس الكُتُب المنزلة، وبالذكر اللوح المحفوظ.
[100/7] تفسير القمِّي: أَبِي، عَن ابْن أَبِي عُمَيْرٍ، عَن ابْن مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) فِي قَوْلِهِ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(248) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 68).
(249) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 77).

(٨٦)

لَقَدِيرٌ﴾ [الحجّ: 39]، قَالَ: «إِنَّ الْعَامَّةَ يَقُولُونَ: نَزَلَتْ فِي رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لَـمَّا أَخْرَجَتْهُ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ، وَإِنَّمَا هُوَ الْقَائِمُ (علیه السلام)(250) إِذَا خَرَجَ يَطْلُبُ بِدَم الْحُسَيْن (علیه السلام)، وَهُوَ قَوْلُهُ: نَحْنُ أَوْلِيَاءُ الدَّم وَطُلَّابُ التِّرَةِ»(251).
[101/8] تفسير القمِّي: ﴿وَمَنْ عَاقَبَ﴾ يَعْنِي رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ﴿بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ﴾ يَعْنِي حِينَ(252) أَرَادُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ، ﴿ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ﴾ [الحج: 60]، بِالْقَائِم مِنْ وُلْدِهِ (علیه السلام)(253).
[102/9] تفسير القمِّي: فِي روَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾ [الحجّ: 41]: «فَهَذِهِ لآِلِ مُحَمَّدِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمْ) إِلَى آخِر الْأَئِمَّةِ(254) وَالمَهْدِيِّ وَأَصْحَابِهِ يَمْلِكُهُمُ اللهُ مَشَارقَ الْأَرْض وَمَغَاربَهَا، وَيُظْهِرُ [بِهِ](255) الدِّينَ، وَيُمِيتُ اللهُ بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ الْبِدَعَ وَالْبَاطِلَ كَمَا أَمَاتَ السُّفَهَاءُ الْحَقَّ حَتَّى لَا يُرَى أَيْنَ الظُّلْمُ، وَيَأمُرُونَ بالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَن المُنْكَر»(256).
[103/10] تفسير القمِّي: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ [الشعراء: 4].
فَإنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي، عَن ابْن أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَام، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، قَالَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(250) في المصدر: (هي للقائم (علیه السلام)).
(251) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 84)، وفيه: (الدية) بدل (الترة).
(252) في المصدر: (حسيناً) بدل (حين).
(253) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 87).
(254) في المصدر: (الآية) بدل (الأئمَّة).
(255) ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.
(256) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 87)، وعبارة: (ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) ليست في المصدر، كذلك فيه: (أثر للظلم) بدل (أين الظلم).

(٨٧)

«تَخْضَعُ رقَابُهُمْ - يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ - وَهِيَ الصَّيْحَةُ مِنَ السَّمَاءِ بِاسْم صَاحِبِ الْأَمْر (علیه السلام)»(257).
[104/11] تفسير القمِّي: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرضِ﴾ [النمل: 62].
فَإنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي، عَن الْحَسَن بْن عَلِيِّ بْن فَضَّالٍ، عَنْ صَالِح بْن عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، قَالَ: «نَزَلَتْ فِي الْقَائِم (علیه السلام)، هُوَ وَاللهِ المُضْطَرُّ إِذَا صَلَّى فِي المَقَام رَكْعَتَيْن وَدَعَا اللهَ فَأَجَابَهُ، وَيَكْشِفُ السُّوءَ، وَيَجْعَلُهُ خَلِيفَةً فِي الْأَرْض»(258).
[105/12] تفسير القمِّي: ﴿وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ﴾ يَعْنِي الْقَائِمَ (علیه السلام)، ﴿لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾ [العنكبوت: 10](259).
[106/13] تفسير القمِّي: جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ الْكَريم بْن عَبْدِ الرَّحِيم، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن الْفُضَيْل، عَن الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ﴾ يَعْنِي الْقَائِمَ وَأَصْحَابَهُ، ﴿فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ﴾ وَالْقَائِمُ إِذَا قَامَ انْتَصَرَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَمِنَ المُكَذِّبِينَ وَالنُّصَّابِ، هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَهُوَ قَوْلُ اللهِ: ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الشورى: 41 و42]»(260).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(257) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 118).
(258) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 129).
(259) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 149).
(260) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 278).

(٨٨)

تفسير فرات: أحمد بن محمّد بن أحمد بن طلحة الخراساني، عن عليِّ بن الحسن بن فضَّال، عن إسماعيل بن مهران، عن يحيى بن أبان، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبِي جعفر (علیه السلام)، مثله(261).
[107/14] تفسير القمِّي: رُويَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾ [القمر: 1]، يَعْنِي خُرُوجَ الْقَائِم (علیه السلام)(262).
[108/15] تفسير القمِّي: أَحْمَدُ بْنُ إِدْريسَ، عَن الْأَشْعَريِّ، عَن ابْن يَزيدَ، عَنْ عَلِيِّ بْن حَمَّادٍ الْخَزَّازِ، عَن الْحُسَيْن بْن أحْمَدَ الْمِنْقَريِّ، عَنْ يُونُسَ بْن ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مُدْهَامَّتَانِ﴾ [الرحمن: 64]، قَالَ: «يَتَّصِلُ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ نَخْلاً»(263).
[109/16] تفسير القمِّي: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ﴾ [الصفّ: 8]، قَالَ: بِالْقَائِم مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ)(264) إِذَا خَرَجَ، ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [الصفّ: 9]، حَتَّى لَا يُعْبَدَ غَيْرُ اللهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً(265).
[110/17] تفسير القمِّي: ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ [الصفّ: 13]، يَعْنِي فِي الدُّنْيَا بِفَتْح الْقَائِم (علیه السلام)(266).
[111/18] تفسير القمِّي: ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ﴾، قَالَ: الْقَائِمُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(261) تفسير فرات (ص 399/ ح 532).
(262) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 340).
(263) المصدر السابق.
(264) في المصدر: (صلوات الله عليهم حتَّى إذا).
(265) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 365).
(266) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 366).

(٨٩)

وَأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (علیهما السلام)(267)، ﴿فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً﴾ [الجنّ: 24](268).
[112/19] تفسير القمِّي: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ﴾ يَا مُحَمَّدُ، ﴿أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً﴾ [الطارق: 15 - 17]، لَوْ بُعِثَ(269) الْقَائِمُ (علیه السلام) فَيَنْتَقِمُ لِي مِنَ الْجَبَّارينَ وَالطَّوَاغِيتِ مِنْ قُرَيْشٍ وَبَنِي أُمَيَّةَ وَسَائِر النَّاس(270).
[113/20] تفسير القمِّي: أَحْمَدُ بْنُ إِدْريسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ الْجَبَّار، عَن ابْن أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْن عُثْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن مُسْلِم، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنْ قَوْلِ اللهِ: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾ [الليل: 1]، قَالَ: «اللَّيْلُ فِي هَذَا المَوْضِع الثَّانِي(271) غَشَّ أَمِيرَ المُؤْمِنينَ (علیه السلام) فِي دَوْلَتِهِ الَّتِي جَرَتْ لَهُ عَلَيْهِ وَأُمِرَ أَمِيرُ المُؤْمِنينَ (علیه السلام) أَنْ يَصْبِرَ فِي دَوْلَتِهِمْ حَتَّى تَنْقَضِيَ»، قَالَ: ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ [الليل: 2]، قَالَ: «النَّهَارُ هُوَ الْقَائِمُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ (عليهم السلام) إِذَا قَامَ غَلَبَ دَوْلَةَ الْبَاطِل. وَالْقُرْآنُ ضَرَبَ فِيهِ الْأَمْثَالَ لِلنَّاس، وَخَاطَبَ نَبِيَّهُ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بِهِ، وَنَحْنُ [نَعْلَمُهُ]، فَلَيْسَ يَعْلَمُهُ غَيْرُنَا»(272).
إيضاح: قوله (علیه السلام): (غَشَّ) لعلَّه بيان لحاصل المعنى لا لأنَّه مشتقٌّ من الغشِّ، أي غشيه وأحاط به وأطفى نوره وظلمه وغشَّه، ويحتمل أنْ يكون من باب أمللت وأمليت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(267) في المصدر إضافة: (في الرجعة).
(268) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 391).
(269) في المصدر: (لوقت بعث) بدل (لو بعث).
(270) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 416).
(271) في المصدر: (فلان) بدل (الثاني).
(272) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 425).

(٩٠)

[114/21] تفسير القمِّي: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ [الملك: 30].
قُلْ: أَرَأيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ إِمَامُكُمْ غَائِباً فَمَنْ يَأتِيكُمْ بِإِمَام مِثْلِهِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ، عَن الْقَاسِم بْن الْعَلَاءِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن عَلِيٍّ الْفَزَاريِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن جُمْهُورٍ، عَنْ فَضَالَةَ بْن أَيُّوبَ، قَالَ: سُئِلَ الرِّضَا (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) عَنْ قَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾، فَقَالَ (علیه السلام): «مَاؤُكُمْ أَبْوَابُكُمُ(273) الْأَئِمَّةُ، وَالْأَئِمَّةُ أَبْوَابُ اللهِ(274)، ﴿فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ يَعْنِي يَأتِيكُمْ بِعِلْم الْإمَام»(275).
[115/22] تفسير القمِّي: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 33]، إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْقَائِم مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)، وَهُوَ الْإمَامُ الَّذِي يُظْهِرُهُ اللهُ عَلَى الدِّين كُلِّهِ فَيَمْلَأ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، وَهَذَا(276) مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ تَأويلَهُ(277) بَعْدَ تَنْزيلِهِ(278).
[116/23] الخصال: الْعَطَّارُ، عَنْ سَعْدٍ، عَن ابْن يَزيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن الْحَسَن الْمِيثَمِيِّ، عَنْ مُثَنَّى الْحَنَّاطِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «أَيَّامُ اللهِ ثَلَاثَةٌ: يَوْمُ يَقُومُ الْقَائِمُ، وَيَوْمُ الْكَرَّةِ، وَيَوْمُ الْقِيَامَةِ»(279).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(273) في المصدر إضافة: (أي).
(274) في المصدر إضافة: (بينه وبين خلقه).
(275) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 379).
(276) عبارة: (يُظهِره الله) حتَّى (وظلماً هذا) ليست في المصدر.
(277) في المصدر: (ذكرناه ممَّا تأويله) بدل (ممَّا ذكرنا أنَّ).
(278) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 289).
(279) الخصال (ج 1/ ص 108/ باب الثلاثة/ ح 75).

(٩١)

معاني الأخبار: أبي، عن الحميري، عن ابن هاشم، عن ابن أبي عمير، عن مثنَّى الحنَّاط، عن جعفر، عن أبيه (علیه السلام)، مثله(280).
[117/24] ثواب الأعمال: ابْنُ الْوَلِيدِ، عَن الصَّفَّار، عَنْ عَبَّادِ بْن سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام): ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾، قَالَ: «يَغْشَاهُمُ الْقَائِمُ بِالسَّيْفِ»، قَالَ: قُلْتُ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ﴾، قَالَ: «يَقُولُ خَاضِعَةٌ لَا تُطِيقُ الْاِمْتِنَاعَ»، قَالَ: قُلْتُ: ﴿عَامِلَةٌ﴾، قَالَ: «عَمِلَتْ بِغَيْر مَا أَنْزَلَ اللهُ (عزَّ وجلَّ)»، قُلْتُ: ﴿نَاصِبَةٌ﴾، قَالَ: «نَصْبُ غَيْر(281) وُلَاةِ الْأَمْر»، قَالَ: قُلْتُ: ﴿تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً﴾ [الغاشية: 1 - 4]، قَالَ: «تَصْلَى نَارَ الْحَرْبِ فِي الدُّنْيَا عَلَى عَهْدِ الْقَائِم، وَفِي الآخِرَةِ نَارَ جَهَنَّمَ»(282).
[118/25] كمال الدِّين، وثواب الأعمال: أَبِي، عَنْ سَعْدٍ، عَن ابْن أَبِي الْخَطَّابِ، عَن ابْن مَحْبُوبٍ، عَن ابْن رئَابٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ﴾ [الأنعام: 158]، فَقَالَ: «الآيَاتُ هُمُ الْأَئِمَّةُ، وَالْآيَةُ المُنْتَظَرُ هُوَ الْقَائِمُ (علیه السلام)، فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْل قِيَامِهِ بِالسَّيْفِ وَإِنْ آمَنَتْ بِمَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)»(283).
ثواب الأعمال: وحدَّثنا بذلك أحمد بن زياد، عن عليٍّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير وابن محبوب، عن ابن رئاب وغيره، عن الصادق (علیه السلام)(284).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(280) معاني الأخبار (ص 365 و366/ باب معنى أيَّام الله/ ح 1).
(281) في المصدر: (نصبت لغيره).
(282) ثواب الأعمال (ص 248/ ح 10).
(283) كمال الدِّين (ج 2/ ص 336/ باب ما روي عن الصادق (علیه السلام)/ ح 8)، ولم نعثر عليه في ثواب الأعمال.
(284) لم نعثر عليه في ثواب الأعمال، وعثرنا عليه في كمال الدِّين (ج 1/ ص 30).

(٩٢)

[119/26] كمال الدِّين: أَبِي وَابْنُ الْوَلِيدِ مَعاً، عَنْ سَعْدٍ وَالْحِمْيَريِّ مَعاً، عَنْ أَحْمَدَ بْن الْحُسَيْن بْن عُمَرَ بْن يَزيدَ، عَن الْحُسَيْن بْن الرَّبيع، عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِسْحَاقَ، عَنْ أَسَدِ بْن ثَعْلَبَةَ، عَنْ أُمِّ هَانِئ، قَالَتْ: لَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ ابْن الْحُسَيْن بْن عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام) فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ [التكوير: 15 و16]، فَقَالَ: «إِمَامٌ يَخْنِسُ فِي زَمَانِهِ عِنْدَ انْقِضَاءٍ مِنْ عِلْمِهِ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْن، ثُمَّ يَبْدُو كَالشِّهَابِ الْوَقَّادِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْل، فَإنْ أَدْرَكْتِ ذَلِكَ قَرَّتْ عَيْنَاكِ»(285).
الغيبة للطوسي: جماعة، عن التلعكبري، عن أحمد بن عليٍّ، عن الأسدي، عن سعد، عن الحسين بن عمر بن يزيد، عن أبي الحسن بن أبِي الربيع، عن محمّد ابن إسحاق، مثله(286).
الغيبة للنعماني: الكليني، عن عدَّة من رجاله، عن سعد، عن أحمد بن الحسين(287) بن عمر، عن الحسين(288) بن أبي الربيع، عن محمّد بن إسحاق، مثله(289).
تفسير: قال البيضاوي: ﴿بِالْخُنَّسِ﴾ بالكواكب الرواجع، من خنس إذا تأخَّر، وهي ما سوى النيِّرين(290) من السيَّارات الجوار. ﴿الْكُنَّسِ﴾ أي السيَّارات التي تختفي تحت ضوء الشمس، من كنس الوحش إذا دخل كناسته(291)، انتهى.
[وأقول: على تأويله على الجمعيَّة إمَّا للتعظيم، أو للمبالغة في التأخُّر، أو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(285) كمال الدِّين (ج 1/ ص 324/ باب ما أخبر به أبو جعفر الباقر (علیه السلام)/ ح 1).
(286) الغيبة للطوسي (ص 159/ ح 116).
(287) في المصدر: (الحسن) بدل (الحسين).
(288) في المصدر: (الحسن).
(289) الغيبة للنعماني (ص 150/ باب 10/ ح 7).
(290) في المصدر إضافة: (الكواكب).
(291) أنوار التنزيل (ج 2/ ص 573).

(٩٣)

لشموله لسائر الأئمَّة (عليهم السلام) باعتبار الرجعة، أو لأنَّ ظهوره (علیه السلام) بمنزلة ظهور الجميع. ويحتمل أنْ يكون المراد بها الكواكب، فيكون ذكرها لتشبيه الإمام بها في الغيبة والظهور كما في أكثر البطون. (فإنْ أدركتِ): أي على الفرض البعيد، أو في الرجعة. (ذلك): أي ظهوره وتمكُّنه](292).
[120/27] كمال الدِّين: أَبِي وَابْنُ الْوَلِيدِ مَعاً، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ مُوسَى بْن عُمَرَ بْن يَزيدَ، عَنْ عَلِيِّ بْن أَسْبَاطٍ، عَنْ عَلِيِّ بْن أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام)، قَالَ فِي قَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ [الملك: 30]، فَقَالَ: «هَذِهِ نَزَلَتْ فِي الْقَائِم، يَقُولُ: إِنْ أَصْبَحَ إِمَامُكُمْ غَائِباً عَنْكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيْنَ هُوَ فَمَنْ يَأتِيكُمْ بِإمَام ظَاهِرٍ يَأتِيكُمْ بِأَخْبَار السَّمَاءِ وَالْأَرْض وَحَلَالِ اللهِ (جَلَّ وَعَزَّ) وَحَرَامِهِ؟»، ثُمَّ قَالَ: «وَاللهِ مَا جَاءَ تَأويلُ الْآيَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَجِيءَ تَأويلُهَا»(293).
الغيبة للطوسي: جماعة، عن التلعكبري، عن أحمد بن عليٍّ الرازي، عن الأسدي، عن سعد، عن موسى بن عمر بن يزيد، مثله(294).
[121/28] كمال الدِّين: ابْنُ المُتَوَكِّل، عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّار، عَن ابْن عِيسَى، عَنْ عُمَرَ بْن عَبْدِ الْعَزيز، عَنْ غَيْر وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) فِي قَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: 3]، قَالَ: «مَنْ أَقَرَّ بِقِيَام الْقَائِمِ (علیه السلام) أَنَّهُ حَقٌّ»(295).
[122/29] كمال الدِّين: الدَّقَّاقُ، عَن الْأَسَدِيِّ، عَن النَّخَعِيِّ، عَن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(292) هكذا في المطبوعة بين معقوفتين.
(293) كمال الدِّين (ج 1/ ص 325/ باب ما أخبر به أبو جعفر الباقر (علیه السلام)/ ح 3).
(294) الغيبة للطوسي (ص 158/ ح 115).
(295) كمال الدِّين (ج 2/ ص 340/ باب ما أخبر به الصادق (علیه السلام)/ ح 19).

(٩٤)

النَّوْفَلِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي الْقَاسِم، قَالَ: سَأَلْتُ الصَّادِقَ (علیه السلام) عَنْ قَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: 1 - 3]، فَقَالَ: «المُتَّقُونَ شِيعَةُ عَلِيٍّ (علیه السلام)، وَأَمَّا الْغَيْبُ فَهُوَ الْحُجَّةُ الْغَائِبُ، وَشَاهِدُ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَيَقُولُونَ لَوْ لَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ [يونس: 20]»(296).
[123/30] كمال الدِّين: المُظَفَّرُ الْعَلَويُّ، عَن ابْن الْعَيَّاشِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَبْرَئِيلَ بْن أَحْمَدَ، عَنْ مُوسَى بْن جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ، عَنْ مُوسَى بْن الْقَاسِم، عَنْ عَلِيِّ بْن جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى (علیه السلام)، قَالَ: «سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) يَقُولُ فِي قَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ [الملك: 30]: قُلْ: أَرَأيْتُمْ إِنْ غَابَ عَنْكُمْ إِمَامُكُمْ فَمَنْ يَأتِيكُمْ بِإمَام جَدِيدٍ»(297).
الغيبة للنعماني: محمّد بن همَّام، عن أحمد بن مابنداد(298)، عن أحمد بن هليل(299)، عن موسى بن القاسم، مثله(300).
وعن الكليني، عن عليِّ بن محمّد، عن سهل، عن موسى بن القاسم، مثله(301).
[124/31] الغيبة للطوسي: إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْن مَالِكٍ، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(296) كمال الدِّين (ج 2/ ص 340/ باب ما أخبر به الصادق (علیه السلام)/ ح 20).
(297) كمال الدِّين (ج 2/ ص 351/ باب ما أخبر به الصادق (علیه السلام)/ ح 48).
(298) في المصدر: (مابنداذ).
(299) في المصدر: (هلال).
(300) الغيبة للنعماني (ص 176).
(301) الغيبة للنعماني (ص 176)، والكافي (ج 1/ ص 339/ باب 80/ ح 904).

(٩٥)

حَيْدَر بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبَّادِ بْن يَعْقُوبَ، عَنْ نَصْر بْن مُزَاحِم، عَنْ مُحَمَّدِ بْن مَرْوَانَ، عَن الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِح، عَن ابْن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات: 22]، قَالَ: هُوَ خُرُوجُ المَهْدِيِّ(302).
[125/32] الغيبة للطوسي: بِهَذَا الْإسْنَادِ، عَن ابْن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ يَعْنِي يُصْلِحُ الْأَرْضَ بِقَائِم آلِ مُحَمَّدٍ، مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا يَعْنِي مِنْ بَعْدِ جَوْر أَهْل مَمْلَكَتِهَا، ﴿قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ﴾ بِقَائِم آلِ مُحَمَّدٍ، ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الحديد: 17](303).
[126/33] الغيبة للطوسي: أَبُو مُحَمَّدٍ المَجْدِيُّ(304)، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن تَمَّام، عَن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّدٍ الْقِطَعِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن أَحْمَدَ بْن حَاتِم، عَنْ مُحَمَّدِ بْن مَرْوَانَ، عَن الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِح، عَن ابْن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللهِ: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَ رَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾ [الذاريات: 22 و23]، قَالَ: قِيَامُ الْقَائِم (علیه السلام)، وَمِثْلُهُ: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً﴾ [البقرة: 148]، قَالَ: أَصْحَابُ الْقَائِم يَجْمَعُهُمُ اللهُ فِي يَوْم وَاحِدٍ(305).
[127/34] الغيبة للطوسي: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ المُقْري، عَنْ عَلِيِّ بْن الْعَبَّاس، عَنْ بَكَّار بْن أَحْمَدَ، عَن الْحَسَن بْن الْحُسَيْن، عَنْ سُفْيَانَ الْجَريريِّ، عَنْ عُمَيْر بْن هَاشِم الطَّائِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْن عَبْدِ اللهِ بْن عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن فِي هَذِهِ الآيَةِ: ﴿فَوَ رَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(302) الغيبة للطوسي (ص 175/ ح 130).
(303) الغيبة للطوسي (ص 175/ ح 131).
(304) في المصدر: (المحمّدي) بدل (المجدي).
(305) الغيبة للطوسي (ص 175/ ح 132).

(٩٦)

[الذاريات: 23]، قَالَ: قِيَامُ الْقَائِم مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: وَفِيهِ نَزَلَتْ: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ [النور: 55]، قَالَ: نَزَلَتْ فِي المَهْدِيِّ (علیه السلام)(306).
كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة: محمّد بن العبَّاس، عن عليِّ بن عبد الله، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، عن الحسن بن الحسين، مثله(307).
[128/35] الغيبة للطوسي: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّدٍ الْقِطَعِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن حَاتِم، عَنْ مُحَمَّدِ بْن مَرْوَانَ، عَنْ عُبَيْدِ بْن يَحْيَى الثَّوْريِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن، عَنْ أبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ (علیه السلام) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ [القَصص: 5]، قَالَ: «هُمْ آلُ مُحَمَّدٍ يَبْعَثُ اللهُ مَهْدِيَّهُمْ بَعْدَ جَهْدِهِمْ، فَيُعِزُّهُمْ وَيُذِلُّ عَدُوَّهُمْ»(308).
[129/36] كمال الدِّين: عَلِيُّ بْنُ حَاتِم فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن زِيَادٍ، عَن الْحَسَن بْن عَلِيِّ بْن سَمَاعَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْن الْحَسَن الْمِيثَمِيِّ، عَنْ سَمَاعَةَ وَغَيْرهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، قَالَ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْقَائِمِ (علیه السلام): ﴿وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: 16]»(309).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(306) الغيبة للطوسي (ص 176/ ح 133).
(307) تأويل الآيات الظاهرة (ص 596).
(308) الغيبة للطوسي (ص 184/ ح 143).
(309) كمال الدِّين (ج 2/ ص 668/ باب النوادر/ ح 12).

(٩٧)

[130/37] كمال الدِّين: بِهَذَا الْإسْنَادِ، عَن الْمِيثَمِيِّ، عَن ابْن مَحْبُوبٍ، عَنْ مُؤْمِن الطَّاقِ، عَنْ سَلَّام بْن المُسْتَنِير، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) فِي قَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [الحديد: 17]، قَالَ: «يُحْيِيهَا اللهُ (عزَّ وجلَّ) بِالْقَائِم، بَعْدَ مَوْتِهَا يَعْنِي بِمَوْتِهَا كُفْرَ أَهْلِهَا، وَالْكَافِرُ مَيِّتٌ»(310).
[131/38] تفسير العيَّاشي: عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) فِي قَوْلِ اللهِ: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: 140]، قَالَ: «مَا زَالَ مُنْذُ خَلَقَ اللهُ آدَمَ دَوْلَةٌ للهِ وَدَوْلَةٌ لِإبْلِيسَ، فَأَيْنَ دَوْلَةُ اللهِ؟ أَمَا هُوَ قَائِمٌ وَاحِدٌ»(311).
[132/39] تفسير العيَّاشي: عَنْ عَمْرو بْن شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) فِي هَذِهِ الآيَةِ: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ﴾ [المائدة: 3]: «يَوْمَ يَقُومُ الْقَائِمُ (علیه السلام) يَئِسَ بَنُو أُمَيَّةَ، فَهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، يَئِسُوا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)»(312).
[133/40] تفسير العيَّاشي: عَنْ جَابِرٍ، عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ (علیهما السلام) فِي قَوْلِ اللهِ: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ﴾ [التوبة: 3]، قَالَ: «خُرُوجُ الْقَائِم، وَ﴿أَذَانٌ﴾ دَعْوَتُهُ إِلَى نَفْسِهِ»(313).
بيان: هذا بطن للآية.
[134/41] تفسير العيَّاشي: عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (علیه السلام): «سُئِلَ أَبِي عَنْ قَوْلِ اللهِ: ﴿قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً﴾ [التوبة: 36]، حَتَّى لَا يَكُونَ مُشْركٌ(314)، ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(310) كمال الدِّين (ج 2/ ص 668/ باب النوادر/ ح 13).
(311) تفسير العيِّاشي (ج 1/ ص 199/ ح 145)، وفيه: (وأمَّا هو إلَّا قائم واحد).
(312) تفسير العيَّاشي (ج 1/ ص 292/ ح 19).
(313) تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 76/ ح 15).
(314) في المصدر: (حتَّى لا تكون فتنة).

(٩٨)

[الأنفال: 39]»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّهُ لَمْ يَجِئْ تَأويلُ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَوْ قَدْ قَامَ قَائِمُنَا(315) سَيَرَى مَنْ يُدْركُهُ مَا يَكُونُ مِنْ تَأويل هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَيَبْلُغَنَّ دَيْنُ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مَا بَلَغَ اللَّيْلُ حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ عَلَى ظَهْر الْأَرْض كَمَا قَالَ اللهُ»(316).
بيان: أي كما قال الله في قوله: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلهِ﴾ [الأنفال: 39].
[135/42] تفسير العيَّاشي: عَنْ أَبَانٍ، عَنْ مُسَافِرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) فِي قَوْلِ اللهِ: ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ﴾ [هود: 8]: «يَعْنِي عِدَّةً كَعِدَّةِ بَدْرٍ»(317)، قَالَ: «يَجْمَعُونَ لَهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ قَزَعاً كَقَزَع الْخَريفِ»(318).
إيضاح: قال الجزري: في حديث عليٍّ (علیه السلام): «فيجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف»: أي قطع السحاب المتفرِّقة، وإنَّما خصَّ الخريف لأنَّه أوَّل الشتاء والسحاب يكون فيه متفرِّقاً غير متراكم ولا مطبق، ثمَّ يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك(319).
[136/43] تفسير العيَّاشي: عَن الْحُسَيْن، عَن الْخَزَّازِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام): ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ﴾ [هود: 8]، قَالَ: «هُوَ الْقَائِمُ وَأَصْحَابُهُ»(320).
[137/44] تفسير العيَّاشي: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن عُمَرَ، عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ عَهْدَ نَبِيِّ اللهِ صَارَ عِنْدَ عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن (علیه السلام)، ثُمَّ صَارَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(315) في المصدر إضافة: (بعده).
(316) تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 56/ ح 48).
(317) في المصدر إضافة: ﴿لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ﴾ (هود: 8).
(318) تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 140/ ح 7).
(319) النهاية (ج 4/ ص 59).
(320) تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 141/ ح 9).

(٩٩)

عِنْدَ مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ، ثُمَّ يَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ، فَالْزَمْ هَؤُلَاءِ، فَإذَا خَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مَعَهُ ثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ، وَمَعَهُ رَايَةُ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، عَامِداً إِلَى المَدِينَةِ حَتَّى يَمُرَّ بِالْبَيْدَاءِ، فَيَقُولَ: هَذَا مَكَانُ الْقَوْم الَّذِينَ خُسِفَ بِهِمْ، وَهِيَ الْآيَةُ الَّتِي قَالَ اللهُ: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [النحل: 45 و46]»(321).
[138/45] تفسير العيَّاشي: عَن ابْن سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللهِ: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ﴾ [النحل: 45]، قَالَ: «هُمْ أَعْدَاءُ اللهِ، وَهُمْ يُمْسَخُونَ وَيُقْذَفُونَ وَيَسْبُخُونَ فِي الْأَرْض»(322).
[139/46] تفسير العيَّاشي: عَنْ صَالِح بْن سَهْلٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرضِ مَرَّتَيْنِ﴾: «قَتْلُ عَلِيٍّ وَطَعْنُ الْحَسَن، ﴿وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً﴾ قَتْلُ الْحُسَيْن، ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا﴾ إِذَا جَاءَ نَصْرُ دَم الْحُسَيْن، ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيارِ﴾ قَوْمٌ يَبْعَثُهُمُ اللهُ قَبْلَ خُرُوج الْقَائِم لَا يَدَعُونَ وتْراً لِآلِ مُحَمَّدٍ إِلَّا أَحْرَقُوهُ، ﴿وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً﴾ قَبْلَ قِيَام الْقَائِم، ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً﴾ [الإسراء: 4 - 6]، خُرُوجُ الْحُسَيْن (علیه السلام) فِي الْكَرَّةِ فِي سَبْعِينَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ قُتِلُوا مَعَهُ، عَلَيْهِمُ الْبِيضُ المُذَهَّبُ، لِكُلِّ بِيضَةٍ وَجْهَان، وَالمُؤَدِّي إِلَى النَّاس أَنَّ الْحُسَيْنَ قَدْ خَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ حَتَّى لَا يَشُكَّ فِيهِ المُؤْمِنُونَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِدَجَّالٍ وَلَا شَيْطَانٍ، الْإمَامُ الَّذِي بَيْنَ أَظْهُر النَّاس يَوْمَئِذٍ، فَإذَا اسْتَقَرَّ عِنْدَ المُؤْمِن أَنَّهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(321) تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 261/ ح 34).
(322) تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 261/ ح 35).

(١٠٠)

الْحُسَيْنُ لَا يَشُكُّونَ فِيهِ، وَبَلَغَ عَن الْحُسَيْن الْحُجَّةُ الْقَائِمُ بَيْنَ أَظْهُر النَّاس وَصَدَّقَهُ المُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ، جَاءَ الْحُجَّةَ المَوْتُ، فَيَكُونُ الَّذِي يَلي غُسْلَهُ وَكَفْنَهُ وَحَنُوطَهُ وَإِيلَاجَهُ(323) حُفْرَتَهُ الْحُسَيْنَ، وَلَا يَلي الْوَصِيَّ إِلَّا الْوَصِيُّ»، وَزَادَ إِبْرَاهِيمُ فِي حَدِيثِهِ: «ثُمَّ يَمْلِكُهُمُ الْحُسَيْنُ حَتَّى يَقَعَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ»(324).
بيان: قوله: (لا يدعون وتراً): أي ذا وتر وجناية، ففي الكلام تقدير مضاف. والوتر بالكسر: الجناية والظلم.
[140/47] تفسير العيَّاشي: عَنْ حُمْرَانَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام)، قَالَ: كَانَ يَقْرَأُ: ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ [الإسراء: 5]، ثُمَّ قَالَ: «وَهُوَ الْقَائِمُ وَأَصْحَابُهُ أُولِي بَأسٍ شَدِيدٍ»(325).
[141/48] تفسير العيَّاشي: عَنْ مَسْعَدَةَ بْن صَدَقَةَ، عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنينَ (علیه السلام) فِي خُطْبَتِهِ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ سَلُوني قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُوني فَإنَّ بَيْنَ جَوَانِحِي عِلْماً جَمًّا، فَسَلُوني قَبْلَ أَنْ تَبْقَرَ(326) بِرجْلِهَا فِتْنَةً شَرْقِيَّةً، تَطَأُ فِي حُطَامِهَا، مَلْعُونٌ نَاعِقُهَا وَمَوْلَاهَا وَقَائِدُهَا وَسَائِقُهَا وَالمُتَحَرِّزُ فِيهَا، فَكَمْ عِنْدَهَا مِنْ رَافِعَةٍ ذَيْلَهَا يَدْعُو بِوَيْلِهَا دَخَلَهُ أَوْ حَوْلَهَا، لَا مَأوَى يَكُنُّهَا وَلَا أَحَدَ يَرْحَمُهَا، فَإذَا اسْتَدَارَ الْفَلَكُ قُلْتُمْ: مَاتَ، أَوْ هَلَكَ، وَأَيَّ وَادٍ سَلَكَ؟ فَعِنْدَهَا تَوَقَّعُوا الْفَرَجَ، وَهُوَ تَأويلُ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً﴾ [الإسراء: 6]، وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَيَعِيشُ إِذْ ذَاكَ مُلُوكٌ نَاعِمِينَ، وَلَا يَخْرُجُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ مِنَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(323) في المصدر إضافة: (في).
(324) تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 281/ ح 20).
(325) تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 281/ ح 21).
(326) في المصدر: (تشغر) بدل (تبقر).

(١٠١)

الدُّنْيَا حَتَّى يُولَدَ لِصُلْبِهِ أَلْفُ ذَكَرٍ، آمِنينَ مِنْ كُلِّ بِدْعَةٍ وَآفَةٍ [وَالتَّنْزِيِلِ]، عَامِلِينَ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، قَدِ اضْمَحَلَّتْ عَلَيْهِمُ الْآفَاتُ وَالشُّبُهَاتُ»(327).
توضيح: (قبل أنْ تبقر): قال الجزري: في حديث أبي موسى: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: «سيأتي على الناس فتنة باقرة تدع الحليم حيران» أي واسعة عظيمة(328). وفي بعض النُّسَخ بالنون والفاء: أي تنفر ضارباً برجلها. والضمير في (حطامها) راجع إلى الدنيا بقرينة المقام، أو إلى الفتنة بملابسة أخذها والتصرُّف فيها. قوله: (والمتجرِّز): لعلَّه من جرز، أي أكل أكلاً وحيا وقتل وقطع وبخس. وفي النسخة بالحاء المهملة، ولعلَّ المعنى من يتحرَّز من إنكارها ورفعها لئلَّا يخل بدنياه. وسائر الخبر كان مصحَّفاً، فتركته على ما وجدته، والمقصود واضح.
[142/49] الغيبة للنعماني: الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْأَشْعَريِّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْن حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الْقَاسِم، عَن المُفَضَّل، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ﴾ [المدَّثِّر: 8]، قَالَ: «إِنَّ مِنَّا إِمَاماً مُسْتَتِراً، فَإذَا أَرَادَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِظْهَارَ أَمْرهِ نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً، فَظَهَرَ فَقَامَ بِأَمْر اللهِ (عزَّ وجلَّ)»(329).
[143/50] الغيبة للنعماني: ابْنُ عُقْدَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْن يُوسُفَ بْن يَعْقُوبَ أَبو [أَبِي] الْحُسَيْن مِنْ كِتَابِهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن مِهْرَانَ، عَن ابْن الْبَطَائِنيِّ، عَنْ أَبِيهِ وَوَهْبٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) فِي قَوْلِهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(327) تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 282/ ح 22).
(328) النهاية (ج 1/ ص 144).
(329) الغيبة للنعماني (ص 187).

(١٠٢)

قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ [النور: 55]، قَالَ: «الْقَائِمُ وَأَصْحَابُهُ»(330).
[144/51] الغيبة للنعماني: ابْنُ عُقْدَةَ، عَنْ حُمَيْدِ بْن زِيَادٍ، عَنْ عَلِيِّ بْن الصَّبَّاح، عَن الْحَسَن بْن مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْن عَبْدِ الْعَزيز، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ﴾ [هود: 8]، قَالَ: «الْعَذَابُ خُرُوجُ الْقَائِم، وَالْأُمَّةُ المَعْدُودَةُ [عِدَّةُ] أَهْل بَدْرٍ وَأَصْحَابُهُ»(331).
[145/52] الغيبة للنعماني: ابْنُ عُقْدَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن مِهْرَانَ، عَن الْحَسَن بْن عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ وَوَهْبٍ(332)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً﴾ [البقرة: 148]، قَالَ: «نَزَلَتْ فِي الْقَائِم وَأَصْحَابِهِ، يَجْمَعُونَ(333) عَلَى غَيْر مِيعَادٍ»(334).
[146/53] الغيبة للنعماني: عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْن المَسْعُودِيُّ، عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّار، عَنْ مُحَمَّدِ بْن الْحَسَن(335)، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، عَن ابْن أَبِي نَجْرَانَ، عَن الْقَاسِم، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) فِي قَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ [الحجّ: 39]، قَالَ: «هِيَ فِي الْقَائِم (علیه السلام) وَأَصْحَابِهِ»(336).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(330) الغيبة للنعماني (ص 240)، وفيه: (قال: نزلت في القائم وأصحابه).
(331) الغيبة للنعماني (ص 241).
(332) في المصدر: (وهيب).
(333) في المصدر: (يجتمعون).
(334) الغيبة للنعماني (ص 241).
(335) في المصدر: (حسَّان) بدل (الحسن).
(336) الغيبة للنعماني (ص 241).

(١٠٣)

[147/54] الغيبة للنعماني: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن مُوسَى، عَن الْبَرْقِيِّ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) فِي قَوْلِهِ: ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ﴾ [الرحمن: 41]، قَالَ: «اللهُ يَعْرفُهُمْ، وَلَكِنْ نَزَلَتْ فِي الْقَائِم، يَعْرفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ فَيَخْبِطُهُمْ بِالسَّيْفِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ خَبْطاً»(337).
بيان: قال الفيروزآبادي: خبطه يخبطه: ضربه شديداً، والقوم بسيفه جلدهم(338).
[148/55] كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة: مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاس، عَنْ عَلِيِّ بْن حَاتِم، عَنْ حَسَن بْن مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ جَعْفَر(339) بْن عُمَرَ بْن سَالِم، عَنْ مُحَمَّدِ بْن حُسَيْن بْن عَجْلَانَ، عَنْ مُفَضَّل بْن عُمَرَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) عَنْ قَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾ [السجدة: 21]، قَالَ: «الْأَدْنَى غَلَاءُ السِّعْر، وَالْأَكْبَرُ المَهْدِيُّ بِالسَّيْفِ»(340).
[149/56] كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة: مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاس، عَنْ أَحْمَدَ(341) بْن زِيَادٍ، عَن الْحَسَن بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ(342) سَمَاعَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، قَالَ: «إِنَّ الْقَائِمَ إِذَا خَرَجَ دَخَلَ المَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَيَسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةَ، وَيَجْعَلُ ظَهْرَهُ إِلَى المَقَام، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْن، ثُمَّ يَقُومُ فَيَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنَا أَوْلَى النَّاس بِآدَمَ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنَا أَوْلَى النَّاس بِإبْراهِيمَ، يَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(337) الغيبة للنعماني (ص 242).
(338) القاموس المحيط (ج 2/ ص 369).
(339) في المصدر: (حفص) بدل (جعفر).
(340) تأويل الآيات الظاهرة (ص 437).
(341) في المصدر: (حميد) بدل (أحمد).
(342) في المصدر: (بن) بدل (عن).

(١٠٤)

أَيُّهَا النَّاسُ أَنَا أَوْلَى النَّاس بِإسْمَاعِيلَ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنَا أَوْلَى النَّاس بِمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ فَيَدْعُو وَيَتَضَرَّعُ حَتَّى يَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل: 62]».
وَبالْإسْنَادِ عَن ابْن عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن مُسْلِم، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) فِي قَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾، قَالَ: «هَذَا [هَذِهِ] نَزَلَتْ فِي الْقَائِم (علیه السلام)، إِذَا خَرَجَ تَعَمَّمَ، وَصَلَّى عِنْدَ المَقَام، وَتَضَرَّعَ إِلَى رَبِّهِ، فَلاَ تُرَدُّ لَهُ رَايَةٌ أَبَداً»(343).
[150/57] كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ [الصفّ: 8]، تَأويلُهُ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاس: عَنْ عَلِيِّ بْن عَبْدِ اللهِ بْن حَاتِم، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْن هَاشِم، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام)، أنَّهُ قَالَ: «لَوْ تَرَكْتُمْ(344) هَذَا الْأَمْرَ مَا تَرَكَهُ اللهُ».
وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ بَعْض أَصْحَابِنَا، عَن الْحَسَن بْن مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن الْفُضَيْل، عَنْ أَبِي الْحَسَن المَاضِي (علیه السلام)، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، قُلْتُ: ﴿وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ﴾، قَالَ: «﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ(345)﴾ وَلَايَةُ أمِير المُؤْمِنينَ (علیه السلام)(346)، ﴿وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ﴾ [الصفّ: 8]، الإمَامَةُ(347)، لِقَوْلِهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا﴾ [التغابن: 8]، وَالنُّورُ هُوَ الإمَامُ»، قُلْتُ لَهُ: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(343) تأويل الآيات الظاهرة (ص 399).
(344) في المصدر: (والله لو تركتم).
(345) عبارة: (نور الله بأفواههم) ليست في المصدر.
(346) في المصدر إضافة: (قلت).
(347) في المصدر: (قال: والله متمُّ الإمامة).

(١٠٥)

رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ﴾، قَالَ: «هُوَ الَّذِي أَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ بِالْوَلَايَةِ لِوَصِيِّهِ، وَالْوَلَايَةُ هِيَ دِينُ الْحَقِّ»، قُلْتُ: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [الصفّ: 9]، قَالَ: «عَلَى(348) جَمِيع الْأَدْيَان عِنْدَ قِيَام الْقَائِم، لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ﴾ بِوَلَايَةِ(349) الْقَائِم، ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ»، قُلْتُ: هَذَا تَنْزيلٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، أمَّا هَذَا الْحَرْفُ فَتَنْزيلٌ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَتَأويلٌ»(350).
[151/58] كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة: مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاس، عَنْ أَحْمَدَ بْن هَوْذَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 33]، فَقَالَ: «وَاللهِ مَا أُنْزلَ تَأويلُهَا بَعْدُ»، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَمَتَى يُنْزَلُ؟ قَالَ: «حَتَّى يَقُومَ الْقَائِمُ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَإذَا خَرَجَ الْقَائِمُ لَمْ يَبْقَ كَافِرٌ وَلَا مُشْركٌ إِلَّا كَرهَ خُرُوجَهُ(351) حَتَّى لَوْ كَانَ كَافِرٌ أَوْ مُشْركٌ فِي بَطْن صَخْرَةٍ لَقَالَتِ الصَّخْرَةُ: يَا مُؤْمِنُ، فِي بَطْنِي كَافِرٌ أَوْ مُشْركٌ فَاقْتُلْهُ»، قَالَ: «فَيُنَحِّيهِ اللهُ فَيَقْتُلُهُ»(352).
تفسير فرات: جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ، مُعَنْعَناً عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، مِثْلَهُ. وَفِيهِ: «لَقَالَتِ الصَّخْرَةُ: يَا مُؤْمِنُ، فِيَّ مُشْركٌ فَاكْسِرْني وَاقْتُلْهُ»(353).
[152/59] كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة: مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاس، عَنْ أَحْمَدَ بْن إِدْريسَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْن يَحْيَى، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(348) في المصدر: (قال: يظهر على).
(349) في المصدر: (لولاية) بدل (بولاية).
(350) تأويل الآيات الظاهرة (ص 661 و662).
(351) في المصدر: (حين) بدل (حتَّى).
(352) تأويل الآيات الظاهرة (ص 663).
(353) تفسير فرات (ص 481/ ح 627).

(١٠٦)

يَعْقُوبَ بْن شُعَيْبٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْن مِيثَمٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْن ربْعِيٍّ أَنَّهُ سَمِعَ أَمِيرَ المُؤْمِنينَ (علیه السلام) يَقُولُ: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى...﴾ الآيَةَ [التوبة: 33]، «أَظَهَرَ ذَلِكَ بَعْدُ؟ كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى قَرْيَةٌ إِلَّا وَنُودِيَ فِيهَا بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، بُكْرَةً وَعَشِيًّا»(354).
وَقَالَ أَيْضاً: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن أَبِي بَكْرٍ المُقْري، عَنْ نُعَيْم بْن سُلَيْمَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَن ابْن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 33]، قَالَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ وَلَا صَاحِبُ مِلَّةٍ إِلَّا دَخَلَ فِي الْإسْلَام، حَتَّى يَأمَنَ الشَّاةُ وَالذِّئْبُ وَالْبَقَرَةُ وَالْأَسَدُ وَالْإنْسَانُ وَالْحَيَّةُ، وَحَتَّى لَا تَقْرضَ فَأرَةٌ جِرَاباً، وَحَتَّى تُوضَعَ الْجِزْيَةُ، وَيُكْسَرَ الصَّلِيبُ، وَيُقْتَلَ الْخِنْزيرُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾، وَذَلِكَ يَكُونُ عِنْدَ قِيَام الْقَائِم (علیه السلام)(355).
[153/60] كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) فِي قَوْلِهِ: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [القلم: 15]: «يَعْنِي تَكْذِيبَهُ بِقَائِم آلِ مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، إِذْ يَقُولُ لَهُ: لَسْنَا نَعْرفُكَ، وَلَسْتَ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ، كَمَا قَالَ المُشْركُونَ لِمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(356).
[154/61] تفسير فرات: أَبُو الْقَاسِم الْعَلَويُّ، مُعَنْعَناً عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ﴾، قَالَ: «نَحْنُ وَشِيعَتُنَا»(357).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(354) تأويل الآيات الظاهرة (ص 663).
(355) المصدر السابق.
(356) تأويل الآيات الظاهرة (ص 748).
(357) تفسير فرات (ص 513/ ح 670).

(١٠٧)

وَقَالَ(358) أَبُو جَعْفَرٍ: «ثُمَّ شِيعَتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ(359) ﴿فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ يَعْنِي لَمْ يَكُونُوا مِنْ شِيعَةِ عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ، ﴿وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ﴾ فَذَاكَ يَوْمُ الْقَائِم(علیه السلام)، وَهُوَ يَوْمُ الدِّين، ﴿وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ﴾ أَيَّامُ الْقَائِم، ﴿فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾ [المدَّثِّر: 38 - 48]، فَمَا يَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ مَخْلُوقٍ، وَلَنْ يَشْفَعَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(360).
بيان: قوله (علیه السلام): (يعني لم يكونوا): يحتمل وجهين: أحدهما: أنَّ الصلاة لـمَّا لم تكن من غير الشيعة مقبولة فعبَّر عنهم بما لا ينفكُّ عنهم من الصلاة المقبولة، والثاني: أنْ يكون من المصلِّي تالي السابق في خيل السباق، وإنَّما يُطلَق عليه ذلك لأنَّ رأسه عند صلا السابق، والصلا ما عن يمين الذنب وشماله، فعبَّر عن التابع بذلك، وقيل: الصلاة أيضاً مأخوذة من ذلك عند إيقاعها جماعةً، وهذا الوجه الأخير مروي عن أبي عبد الله (علیه السلام) حيث قال: «عنى بها: لم نكن من أتباع الأئمَّة الذين قال الله فيهم: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [الواقعة: 10 و11]، أما ترى الناس يُسَمُّون الذي يلي السابق في الحلبة مصلِّي؟ فذلك الذي عنى حيث قال: ﴿لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ [المدَّثِّر: 43]، لم نكُ من أتباع السابقين».
[155/62] الكافي: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْن الْعَبَّاس، عَن الْحَسَن بْن عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ عَاصِم بْن حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) فِي قَوْلِهِ (عزَّ وجلَّ):

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(358) في المصدر إضافة: (جعفر بن محمّد الفزاري، معنعناً عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال).
(359) في المصدر: (في قوله تعالى) بدل (أبو جعفر ثمّ شيعتنا أهل البيت).
(360) تفسير فرات (ص 514/ ح 673).

(١٠٨)

﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾، قَالَ: أَمِيرُ المُؤْمِنينَ(361) (علیه السلام)، ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ [ص: 86 - 88]»، قَالَ: «عِنْدَ خُرُوج الْقَائِم»، وَفِي قَوْلِهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ﴾ [هود: 110]، قَالَ: «اخْتَلَفُوا كَمَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ فِي الْكِتَابِ، وَسَيَخْتَلِفُونَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي مَعَ الْقَائِم الَّذِي يَأتِيهِمْ بِهِ حَتَّى يُنْكِرَهُ نَاسٌ كَثِيرٌ، فَيُقَدِّمُهُمْ فَيَضْربُ أَعْنَاقَهُمْ»، وَأَمَّا قَوْلُهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَلَوْ لَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الشورى: 21]، قَالَ: «لَوْ لَا مَا تَقَدَّمَ فِيهِمْ مِنَ اللهِ عَزَّ ذِكْرُهُ مَا أَبْقَى الْقَائِمُ مِنْهُمْ وَاحِداً»، وَفِي قَوْلِهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ [المعارج: 26]، قَالَ: «بِخُرُوج الْقَائِم (علیه السلام)»، وَقَوْلُهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: 23]، قَالَ: «يَعْنُونَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ (علیه السلام)»، وَفِي قَوْلِهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ﴾ [الإسراء: 81]، قَالَ: «إِذَا قَامَ الْقَائِمُ (علیه السلام) ذَهَبَتْ دَوْلَةُ الْبَاطِل»(362).
[156/63] الكافي: أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَريُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ الْجَبَّار، عَن الْحَسَن بْن عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْن أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْأَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصِّلت: 53]، قَالَ: «يُريهِمْ فِي أَنْفُسِهِمُ المَسْخَ، وَيُريهِمْ فِي الْآفَاقِ انْتِقَاضَ الْآفَاقِ عَلَيْهِمْ، فَيَرَوْنَ قُدْرَةَ اللهِ (عزَّ وجلَّ) فِي أَنْفُسِهِمْ وَفِي الْآفَاقِ»، قُلْتُ لَهُ: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾، قَالَ: «خُرُوجُ الْقَائِم، هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ اللهِ (عزَّ وجلَّ) يَرَاهُ الْخَلْقُ لَا بُدَّ مِنْهُ»(363).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(361) في المصدر: (قال: هو أمير المؤمنين (علیه السلام)).
(362) روضة الكافي (ص 287/ ح 432).
(363) روضة الكافي (ص 381/ ح 575).

(١٠٩)

[157/64] الكافي: مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ سَلَمَةَ بْن الْخَطَّابِ، عَن الْحَسَن ابْن عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ عَلِيِّ بْن أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً﴾ [مريم: 75]، قَالَ: «أَمَّا قَوْلُهُ: ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ﴾ فَهُوَ خُرُوجُ الْقَائِم، وَهُوَ السَّاعَةُ، فَسَيَعْلَمُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ اللهِ عَلَى يَدَيْ قَائِمِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً﴾ يَعْنِي عِنْدَ الْقَائِم، ﴿وَأَضْعَفُ جُنْداً﴾»، قُلْتُ: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ﴾، قَالَ: «مَعْرفَةَ أَمِير المُؤْمِنينَ وَالْأَئِمَّةِ (عليهم السلام)»، ﴿نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾، قَالَ: «نَزيدُهُ مِنْهَا»، قَالَ: «يَسْتَوْفِي نَصِيبَهُ مِنْ دَوْلَتِهِمْ»، ﴿وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾ [الشورى: 20]، قَالَ: «لَيْسَ لَهُ فِي دَوْلَةِ الْحَقِّ مَعَ الْقَائِم نَصِيبٌ»(364).
[158/65] أَقُولُ: رَوَى السَّيِّدُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ فِي كِتَابِ الْأَنْوَار المُضِيئَةِ بِإسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ الْأَيَادِي يَرْفَعُهُ إِلَى أَمِير المُؤْمِنينَ (علیه السلام)، قَالَ: «المُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْض المَذْكُورُونَ فِي الْكِتَابِ(365) الَّذِينَ يَجْعَلُهُمُ اللهُ أَئِمَّةً نَحْنُ أَهْلَ الْبَيْتِ، يَبْعَثُ اللهُ مَهْدِيَّهُمْ فَيُعِزُّهُمْ وَيُذِلُّ عَدُوَّهُمْ»(366).
وَبِالْإسْنَادِ يَرْفَعُهُ إِلَى ابْن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات: 22]، قَالَ: هُوَ خُرُوجُ المَهْدِيِّ (علیه السلام)(367).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(364) الكافي (ج 1/ ص 431/ باب نتف ونكت من التنزيل/ ح 90)، والعبارة: (قلت: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ﴾ حتَّى (مع القائم نصيب)) ليست في المصدر.
(365) يريد قوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (القَصص: 5).
(366) منتخب الأنوار المضيئة (ص 30).
(367) منتخب الأنوار المضيئة (ص 31).

(١١٠)

وَبِالْإسْنَادِ أَيْضاً عَن ابْن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: [﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾، قَالَ: هُوَ خُرُوجُ المَهْدِيِّ (علیه السلام).
وَبِالْإسْنَادِ أَيْضاً عَن ابْن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى](368): ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾، قَالَ: يُصْلِحُ اللهُ الْأَرْضَ بِقَائِم آلِ مُحَمَّدٍ، ﴿بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ يَعْنِي بَعْدَ جَوْر أَهْل مَمْلَكَتِهَا، ﴿قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ﴾ بِالْحُجَّةِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الحديد: 17](369).
وَمِنَ الْكِتَابِ المَذْكُور بِإسْنَادِهِ عَن السَّيِّدِ هِبَةِ اللهِ الرَّاوَنْدِيِّ يَرْفَعُهُ إِلَى مُوسَى بْن جَعْفَرٍ (علیه السلام) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان: 20]، قَالَ: «النِّعْمَةُ الظَّاهِرَةُ الْإمَامُ الظَّاهِرُ، وَالْبَاطِنَةُ الْإمَامُ الْغَائِبُ، يَغِيبُ عَنْ أَبْصَار النَّاس شَخْصُهُ، وَيُظْهِرُ لَهُ كُنُوزَ الْأَرْض، وَيُقَرِّبُ عَلَيْهِ كُلَّ بَعِيدٍ»(370).
[وَوَجَدْتُ بِخَطِّ الشَّيْخ مُحَمَّدِ بْن عَلِيّ الْجُبَاعِيّ(371) (رحمه الله)، قَالَ: وَجَدْتُ بِخَطِّ الشَّهِيدِ نَوَّرَ اللهُ ضَريحَهُ: رَوَى الصَّفْوَانِيُّ فِي كِتَابِهِ، عَنْ صَفْوَانَ أنَّهُ لَـمَّا طَلَبَ المَنْصُورُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) تَوَضَّأَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْن ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَةَ الشُّكْر وَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ وَعَدْتَنَا عَلَى لِسَان نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَوَعْدُكَ الْحَقُّ أَنَّكَ تُبَدِّلُنَا مِنْ [بَعْدِ] خَوْفِنَا أَمْناً، اللَّهُمَّ فَأَنْجِزْ لَنَا مَا وَعَدْتَنَا إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ»، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، فَأَيْنَ وَعْدُ اللهِ لَكُمْ؟ فَقَالَ (علیه السلام): «قَوْلُ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ...﴾ الْآيَةَ [النور: 55]».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(368) ما جعلناه بين المعقوفتين استدركه النسخة المطبوعة في الهامش وجعل عليه رمز (صحَّ)، لكنَّه سهو مكرَّر كما لا يخفى.
(369) منتخب الأنوار المضيئة (ص 31 و32).
(370) منتخب الأنوار المضيئة (ص 39 و40).
(371) لم نعثر على خطِّ الجباعي هذا.

(١١١)

وَرُويَ أَنَّهُ تُلِيَ بِحَضْرَتِهِ (علیه السلام): ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا...﴾ الْآيَةَ [القَصص: 5]، فَهَمَلَتَا عَيْنَاهُ (علیه السلام) وَقَالَ: «نَحْنُ وَاللهِ المُسْتَضْعَفُونَ».
[159/66] نهج البلاغة: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنينَ (علیه السلام): «لَتَعْطِفَنَّ الدُّنْيَا عَلَيْنَا بَعْدَ شِمَاسِهَا عَطْفَ الضَّرُوس عَلَى وَلَدِهَا»، وَتَلَا عَقِيبَ ذَلِكَ: «﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ [القَصص: 5]»(372).
بيان: عطفت عليه: أي شفقت. وشمس الفرس شماساً: أي منع ظهره، ورجل شموس: صعب الخلق. وناقة ضروس: سيِّئة الخُلُق يعضُّ حالبها ليبقي لبنها لولدها].

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(372) نهج البلاغة (ص 506/ الكلمة 209).

(١١٢)

أبواب النصوص من الله تعالى ومن آبائه عليه (صلوات الله عليهم أجمعين)

سوى ما تقدَّم في كتاب أحوال أمير المؤمنين (علیه السلام) من النصوص على الاثني عشر (عليهم السلام)

(١١٣)

[160/1] أمالي الصدوق: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن إِسْحَاقَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن إِبْرَاهِيمَ الْحُلْوَانِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن مَنْصُورٍ زَاج(373)، عَنْ هُدْبَةَ بْن عَبْدِ الْوَهَّابِ، عَنْ سَعْدِ بْن عَبْدِ الْحَمِيدِ بْن جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن زِيَادٍ الْيَمَانِيِّ، عَنْ عِكْرمَةَ بْن عَمَّارٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْن عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «نَحْنُ بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ سَادَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ: رَسُولُ اللهِ، وَحَمْزَةُ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ، وَجَعْفَرٌ ذُو الْجَنَاحَيْن، وَعَلِيٌّ، وَفَاطِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، وَالمَهْدِيُّ»(374).
الغيبة للطوسي: محمّد بن عليٍّ، عن عثمان بن أحمد، عن إبراهيم بن عبد الله الهاشمي، عن الحسن بن الفضل البوصرائي، عن سعد بن عبد الحميد، مثله(375).
[161/2] عيون أخبار الرضا: بِإسْنَادِ التَّمِيمِيِّ، عَن الرِّضَا، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقُومَ الْقَائِمُ الْحَقُّ(376) مِنَّا، وَذَلِكَ حِينَ يَأذَنَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) لَهُ، وَمَنْ تَبِعَهُ نَجَا، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ هَلَكَ، اللهَ اللهَ عِبَادَ اللهِ فَأتُوهُ وَلَوْ عَلَى الثَّلْج، فَإنَّهُ خَلِيفَةُ اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَخَلِيفَتِي»(377).
[162/3] أمالي الصدوق: ابْنُ المُتَوَكِّل، عَن الْأَسَدِيِّ، عَن النَّخَعِيِّ، عَن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(373) في المصدر: (بزرج) بدل (زاج).
(374) أمالي الصدوق (ص 562/ مجلس 72/ ح 757)، علماً بأنَّه جاء في المطبوعة (الغيبة للنعماني) بدل (أمالي الصدوق)، ولم نعثر عليه في الغيبة للنعماني.
(375) الغيبة للطوسي (ص 183/ ح 142).
(376) في المصدر: (قائم للحقِّ) بدل (القائم الحقُّ).
(377) عيون أخبار الرضا (علیه السلام) (ج 2/ ص 59).

(١١٧)

النَّوْفَلِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن سَالِم، عَنْ أَبِيهِ، عَن الثُّمَالِيِّ، عَن ابْن طَريفٍ، عَن ابْن نُبَاتَةَ، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَـمَّا عُرجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَمِنْهَا إِلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى، وَمِنَ السِّدْرَةِ إِلَى حُجُبِ النُّور، نَادَانِي رَبِّي (جلَّ جلاله): يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، فَلِي فَاخْضَعْ، وَإِيَّايَ فَاعْبُدْ، وَعَلَيَّ فَتَوَكَّلْ، وَبِي فَثِقْ، فَإنِّي قَدْ رَضِيتُ بِكَ عَبْداً وَحَبِيباً وَرَسُولاً وَنَبِيًّا، وَبِأَخِيكَ عَلِيٍّ خَلِيفَةً وَبَاباً، فَهُوَ حُجَّتِي عَلَى عِبَادِي، وَإِمَامٌ لِخَلْقِي، بِهِ يُعْرَفُ أَوْلِيَائِي مِنْ أَعْدَائِي، وَبِهِ يُمَيَّزُ حِزْبُ الشَّيْطَان مِنْ حِزْبي، وَبِهِ يُقَامُ دِيني، وَتُحْفَظُ حُدُودِي، وَتُنْفَذُ أَحْكَامِي، وَبِكَ وَبِهِ [وَ]بِالْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِكَ(378) أَرْحَمُ عِبَادِي وَإِمَائِي، وَبِالْقَائِم مِنْكُمْ أَعْمُرُ أَرْضِي بِتَسْبِيحِي وَتَقْدِيسِي وَتَهْلِيلي وَتَكْبِيري وَتَمْجِيدِي، وَبِهِ أُطَهِّرُ الْأَرْضَ مِنْ أَعْدَائِي وَأُوَرِّثُهَا أَوْلِيَائِي، وَبِهِ أَجْعَلُ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِيَ السُّفْلَى وَكَلِمَتِيَ الْعُلْيَا، بِهِ أُحْيِي بِلَادِي وَعِبَادِي بِعِلْمِي، وَلَهُ أُظْهِرُ الْكُنُوزَ وَالذَّخَائِرَ بِمَشِيَّتِي، وَإِيَّاهُ أُظْهِرُ عَلَى الْأَسْرَار وَالضَّمَائِر بِإرَادَتِي، وَأُمِدُّهُ بِمَلَائِكَتِي لِتُؤَيِّدَهُ عَلَى إِنْفَاذِ أَمْري وَإِعْلاَن دِيني، ذَلِكَ وَلِيِّي حَقًّا، وَمَهْدِيُّ عِبَادِي صِدْقاً»(379).
أقول: قد مضى كثير من الأخبار في (باب النصوص على الاثني عشر)، وبعضها في (باب علل أسمائه (علیه السلام))(380).
[163/4] عيون أخبار الرضا: عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سَعِيدٍ، عَن الْحُسَيْن(381) بْن عَلِيٍّ، عَن الْوَلِيدِ بْن مُسْلِم، عَنْ صَفْوَانَ بْن عَمْرٍو، عَنْ شُرَيْح بْن عُبَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو الْبَكَّائِيِّ، عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَار، قَالَ فِي الْخُلَفَاءِ: هُمُ اثْنَيْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(378) في المصدر: (من ولده) بدل (من ولدك).
(379) أمالي الصدوق (ص 731/ مجلس 92/ ح 1002).
(380) (باب 2/ ص 49) من كتابنا هذا.
(381) في المصدر: (الحسن) بدل (الحسين).

(١١٨)

عَشَرَ، فَإذَا كَانَ عِنْدَ انْقِضَائِهِمْ وَأَتَى طَبَقَةٌ صَالِحَةٌ مَدَّ اللهُ لَهُمْ فِي الْعُمُر، كَذَلِكَ وَعَدَ اللهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [النور: 55]، قَالَ: وَكَذَلِكَ فَعَلَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) بِبَني إِسْرَائِيلَ، وَلَيْسَ بِعَزيزٍ أَنْ يَجْمَعَ هَذِهِ الْأُمَّةَ يَوْماً أَوْ نِصْفَ يَوْم، ﴿وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحجّ: 47](382).
[164/5] عيون أخبار الرضا: بِإسْنَادِ التَّمِيمِيِّ، عَن الرِّضَا، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ (علیه السلام)، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَقُومَ بِأَمْر أُمَّتِي(383) رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْن، يَمْلَأهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»(384).
[165/6] أمالي الطوسي: المُفِيدُ، عَن إِسْمَاعِيلَ بْن يَحْيَى الْعَبْسِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْن جَريرٍ الطَّبَريِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِسْمَاعِيلَ الصواري [الضِّرَاريِّ]، عَنْ أَبِي الصَّلْتِ الْهَرَويِّ، عَن الْحُسَيْن الْأَشْقَر، عَنْ قَيْس بْن الرَّبِيع، عَن الْأَعْمَش، عَنْ عَبَايَةَ بْن ربْعِيٍّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَاريِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لِفَاطِمَةَ فِي مَرَضِهِ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا بُدَّ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ مَهْدِيٍّ، وَهُوَ وَاللهِ مِنْ وُلْدِكِ»(385).
أقول: قد مضى بتمامه في (فضائل أصحاب الكساء (عليهم السلام))(386).
[166/7] أمالي الطوسي: الْحَفَّارُ، عَنْ عُثْمَانَ بْن أَحْمَدَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ بِشْر بْن عُمَرَ، عَنْ مَالِكِ بْن أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْن أَسْلَمَ(387)، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبَانٍ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(382) عيون أخبار الرضا (علیه السلام) (ج 1/ ص 51).
(383) عبارة: (بأمر أُمَّتي) ليست في المصدر.
(384) عيون أخبار الرضا (علیه السلام) (ج 2/ ص 66).
(385) أمالي الطوسي (ص 154/ مجلس 6/ ذيل الحديث 256)، وفيه: (محمّد بن إسماعيل الضراري).
(386) راجع: (ج 37/ ص 42) من المطبوعة.
(387) في المصدر: (عن محمّد بن عمر الجعابي، عن عليِّ بن موسى الخزَّاز، عن الحسن بن عليٍّ الهاشمي) بدل (عن عثمان بن أحمد، عن أبي قلابة، عن بشر بن عمر، عن مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم).

(١١٩)

عَنْ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ ثُوَيْر بْن أَبِي فَاخِتَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى، قَالَ: قَالَ أَبِي: دَفَعَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الرَّايَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ إِلَى عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام)، فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَصْبَهُ (علیه السلام) يَوْمَ الْغَدِير وَبَعْضَ مَا ذَكَرَ فِيهِ مِنْ فَضَائِلِهِ (علیه السلام)...، إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ بَكَى النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقِيلَ: مِمَّ بُكَاؤُكَ يَا رَسُولَ اللهِ [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)]؟ قَالَ: «أَخْبَرَني جَبْرَئِيلُ (علیه السلام) أَنَّهُمْ يَظْلِمُونَهُ، وَيَمْنَعُونَهُ حَقَّهُ، وَيُقَاتِلُونَهُ وَيَقْتُلُونَ وُلْدَهُ، وَيَظْلِمُونَهُمْ بَعْدَهُ، وَأَخْبَرَني جَبْرَئِيلُ (علیه السلام) عَنْ رَبِّهِ (عزَّ وجلَّ) أَنَّ ذَلِكَ يَزُولُ إِذَا قَامَ قَائِمُهُمْ، وَعَلَتْ كَلِمَتُهُمْ، وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى مَحَبَّتِهِمْ، وَكَانَ الشَّانِئُ لَهُمْ قَلِيلاً، وَالْكَارهُ لَهُمْ ذَلِيلاً، وَكَثُرَ المَادِحُ لَهُمْ، وَذَلِكَ حِينَ تُغَيَّرُ الْبِلَادُ، وَتُضَعَّفُ الْعِبَادُ، وَالْإيَاسُ مِنَ الْفَرَج، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَظْهَرُ الْقَائِمُ فِيهِمْ»(388).
قَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «اسْمُهُ كَاسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ كَاسِم ابْنِي، وَهُوَ مِنْ وُلْدِ ابْنَتِي، يُظْهِرُ اللهُ الْحَقَّ بِهِمْ، وَيحمد [يُخْمِدُ] الْبَاطِلَ بِأَسْيَافِهِمْ، وَيَتْبَعُهُمُ النَّاسُ بَيْنَ رَاغِبٍ إِلَيْهِمْ وَخَائِفٍ لَهُمْ»(389)، قَالَ: وَسَكَنَ الْبُكَاءُ عَنْ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ: «مَعَاشِرَ المُؤْمِنينَ أَبْشِرُوا بِالْفَرَج فَإنَّ وَعْدَ اللهِ لَا يُخْلَفُ، وَقَضَاؤُهُ لَا يُرَدُّ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ، فَإنَّ فَتْحَ اللهِ قَريبٌ، اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ أَهْلِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً، اللَّهُمَّ اكْلَأهُمْ وَاحْفَظْهُمْ وَارْعَهُمْ وَكُنْ لَهُمْ وَانْصُرْهُمْ وَأَعِنْهُمْ وَأَعِزَّهُمْ وَلَا تُذِلَّهُمْ وَاخْلُفْنِي فِيهِمْ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»(390).
[167/8] أمالي الطوسي: المُفِيدُ، عَنْ أَحْمَدَ بْن الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَن الصَّفَّار، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عُبَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْن أَسْبَاطٍ، عَنْ سَيْفِ بْن عَمِيرَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْن حُمْرَانَ، قَالَ: قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (علیه السلام): «لَـمَّا كَانَ مِنْ أَمْر الْحُسَيْن بْن عَلِيٍّ (علیه السلام) مَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(388) في المصدر إضافة: (فقيل له: ما اسمه؟).
(389) في المصدر: (منهم) بدل (لهم).
(390) أمالي الطوسي (ص 351/ مجلس 12/ ح 726).

(١٢٠)

كَانَ ضَجَّتِ المَلَائِكَةُ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَقَالَتْ: يَا رَبِّ، يُفْعَلُ هَذَا بِالْحُسَيْن صَفِيِّكَ وَابْن نَبِيِّكَ؟»، قَالَ: «فَأَقَامَ اللهُ لَهُمْ ظِلَّ الْقَائِم (علیه السلام) وَقَالَ: بِهَذَا أَنْتَقِمُ لَهُ مِنْ ظَالِمِيهِ»(391).
[168/9] أمالي الطوسي: جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي المُفَضَّل، عَنْ أَحْمَدَ بْن مُحَمَّدِ بْن بَشَّارٍ، عَنْ مُجَاهِدِ بْن مُوسَى، عَنْ عَبَّادِ بْن عَبَّادٍ، عَنْ مُجَالِدِ بْن سَعِيدٍ، عَنْ جُبَيْر بْن نَوْفٍ أَبِي الْوَدَّاكِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ: وَاللهِ مَا يَأتِي عَلَيْنَا عَامٌ إِلَّا وَهُوَ شَرٌّ مِنَ المَاضِي، وَلَا أَمِيرٌ إِلَّا وَهُوَ شَرٌّ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَهُ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ مَا تَقُولُ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: «لَا يَزَالُ بِكُمُ الْأَمْرُ حَتَّى يُولَدَ فِي الْفِتْنَةِ وَالْجَوْر مَنْ لَا يَعْرفُ غَيْرَهَا، حَتَّى تُمْلَأ الْأَرْضُ جَوْراً، فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ يَقُولُ: اللهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) رَجُلاً مِنِّي وَمِنْ عِتْرَتِي، فَيَمْلَأ الْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مَلَأهَا مَنْ كَانَ قَبْلَهُ جَوْراً، وَيُخْرجُ لَهُ الْأَرْضُ أَفْلاَذَ كَبِدِهَا، وَيَحْثُو المَالَ حَثْواً وَلَا يَعُدُّهُ عَدًّا، وَذَلِكَ حَتَّى يَضْربَ الْإسْلَامُ بِجِرَانِهِ»(392).
إيضاح: قال الفيروزآبادي: الجران باطن العنق، ومنه: حتَّى ضرب الحقُّ بجرانه، أي قرَّ قراره واستقام، كما أنَّ البعير إذا برك واستراح مدَّ عنقه على الأرض(393).
[169/10] كمال الدِّين: ابْنُ المُتَوَكِّل، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَن الْهَرَويِّ، عَن الرِّضَا، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ بَشِيراً لَيَغِيبَنَّ الْقَائِمُ مِنْ وُلْدِي بِعَهْدٍ مَعْهُودٍ إِلَيْهِ مِنِّي حَتَّى يَقُولَ أَكْثَرُ النَّاس: مَا للهِ فِي آلِ مُحَمَّدٍ حَاجَةٌ، وَيَشُكُّ آخَرُونَ فِي ولَادَتِهِ، فَمَنْ أَدْرَكَ زَمَانَهُ فَلْيَتَمَسَّكْ بِدِينِهِ وَلَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(391) أمالي الطوسي (ص 418/ مجلس 14/ ح 941).
(392) أمالي الطوسي (ص 512/ مجلس 18/ ح 1121).
(393) لم نعثر عليه في القاموس المحيط، وعثرنا عليه في النهاية (ج 1/ ص 363).

(١٢١)

يَجْعَلْ لِلشَّيْطَان إِلَيْهِ سَبِيلاً بِشَكِّهِ فَيُزيلَهُ عَنْ مِلَّتِي وَيُخْرجَهُ مِنْ دِيني فَقَدْ أَخْرَجَ أبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ مِنْ قَبْلُ، وَإِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) جَعَلَ الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ»(394).
[170/11] كمال الدِّين: ابْنُ إِدْريسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ الْآدَمِيِّ(395)، عَنْ مُحَمَّدِ ابْن آدَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَن ابْن أَبي إِيَاسٍ(396)، عَن المُبَارَكِ بْن فَضَالَةَ، عَنْ وَهْبِ بْن مُنَبِّهٍ يَرْفَعُهُ إِلَى ابْن عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَـمَّا عَرَجَ بِي(397) رَبِّي (جلَّ جلاله) أَتَانِي النِّدَاءُ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبَّ الْعَظَمَةِ لَبَّيْكَ، فَأَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَيَّ: يَا مُحَمَّدُ، فِيمَ اخْتَصَمَ المَلَأُ الْأَعْلَى؟
قُلْتُ: إِلَهِي لَا عِلْمَ لِي، فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ، هَلَّا اتَّخَذْتَ مِنَ الْآدَمِيِّينَ وَزِيراً وَأَخاً وَوَصِيًّا مِنْ بَعْدِكَ؟ فَقُلْتُ: إِلَهِي وَمَن أَتَّخِذُ؟ تَخَيَّرْ لِي أَنْتَ يَا إِلَهِي، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ: يَا مُحَمَّدُ، قَدِ اخْتَرْتُ لَكَ مِنَ الْآدَمِيِّينَ عَلِيًّا، فَقُلْتُ: إِلَهِي ابْنُ عَمِّي؟ فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ عَلِيًّا وَارثُكَ وَوَارثُ الْعِلْم مِنْ بَعْدِكَ، وَصَاحِبُ لِوَائِكَ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَصَاحِبُ حَوْضِكَ يَسْقِي مَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ مُؤْمِني أُمَّتِكَ.
ثُمَّ أَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ): يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي قَدْ أَقْسَمْتُ عَلَى نَفْسِي قَسَماً حَقًّا لَا يَشْرَبُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(394) كمال الدِّين (ج 1/ ص 51/ مقدّمة المصنِّف).
(395) سقطت عبارة: (عن الآدمي) من المطبوعة، وأثبتناها من المصدر، وهو سهل بن زياد الآدمي، ويُؤيِّده ما جاء تحت الرقم (813/172). راجع: (ج 52/ ص 276) من المطبوعة.
(396) في المطبوعة: (ابن إياس) وما أثبتناه من المصدر، وهو (آدم بن أبي إياس) كما في الحديث (813/172). علماً بأنَّ ابن حجر قد ترجم لآدم هذا، وأرَّخ وفاته عام (220هـ)، راجع: (تهذيب التهذيب: ج 1/ ص 126). وقال السمعاني: (أبو الحسن آدم بن أبي إياس - واسمه: ناهية - ويقال: آدم بن عبد الرحمن بن محمّد العسقلاني، مولى بني تميم، أصله من خراسان، رحل إلى العراقين والحجاز والشام، سكن عسقلان). (الأنساب: ج 4/ ص 191).
(397) في المصدر إضافة: (إلى).

(١٢٢)

مِنْ ذَلِكَ الْحَوْض مُبْغِضٌ لَكَ وَلِأَهْل بَيْتِكَ وَذُرِّيَّتِكَ الطَّيّبينَ(398)، حَقًّا حَقًّا أَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، لَأُدْخِلَنَّ الْجَنَّةَ جَمِيعَ أُمَّتِكَ إِلَّا مَنْ أَبَى(399)، فَقُلْتُ: إِلَهِي(400) وَأَحَدٌ يَأبَى دُخُولَ الْجَنَّةِ؟
فَأَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ): بَلَى، فَقُلْتُ: فَكَيْفَ يَأبَى؟ فَأَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَيَّ: يَا مُحَمَّدُ، اخْتَرْتُكَ مِنْ خَلْقِي، وَاخْتَرْتُ لَكَ وَصِيًّا مِنْ بَعْدِكَ، وَجَعَلْتُهُ مِنْكَ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَكَ، وَأَلْقَيْتُ مَحَبَّةً(401) فِي قَلْبِكَ، وَجَعَلْتُهُ أَبَا وُلْدِكَ(402)، فَحَقُّهُ بَعْدَكَ عَلَى أُمَّتِكَ كَحَقِّكَ عَلَيْهِمْ فِي حَيَاتِكَ، فَمَنْ جَحَدَ حَقَّهُ جَحَدَ(403) حَقَّكَ، وَمَنْ أَبَى أَنْ يُوَالِيَهُ فَقَدْ أَبَى أَنْ يُوَالِيَكَ، وَمَنْ أَبَى أَنْ يُوَالِيَكَ فَقَدْ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ. فَخَرَرْتُ للهِ سَاجِداً شُكْراً لِمَا أَنْعَمَ إِلَيَّ(404).
فَإذَا مُنَادٍ يُنَادِي: ارْفَعْ يَا مُحَمَّدُ رَأسَكَ وَسَلْنِي أُعْطِكَ، فَقُلْتُ: يَا إِلَهِي، اجْمَعْ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي عَلَى وَلَايَةِ عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام)، لِيَردُوا عَلَيَّ جَمِيعاً حَوْضِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَيَّ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي قَدْ قَضَيْتُ فِي عِبَادِي قَبْلَ أَنْ أَخْلُقَهُمْ، وَقَضَايَ مَاضٍ فِيهِمْ، لَأُهْلِكُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَأُهْدِي بِهِ مَنْ أَشَاءُ، وَقَدْ آتَيْتُهُ عِلْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ، وَجَعَلْتُهُ وَزِيرَكَ وَخَلِيفَتَكَ مِنْ بَعْدِكَ عَلَى أَهْلِكَ وَأُمَّتِكَ، عَزيمَةً مِنِّي، وَلَا يَدْخُلُ(405) الْجَنَّةَ مَنْ عَادَاهُ وَأَبْغَضَهُ وَأَنْكَرَ وَلَايَتَهُ بَعْدَكَ، فَمَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(398) في المصدر إضافة: (الطاهرين).
(399) في المصدر إضافة: (من خلقي).
(400) في المصدر إضافة: (هل) بين معقوفتين.
(401) في المصدر: (محبَّته).
(402) في المصدر: (وجعلته أباً لولدك).
(403) في المصدر: (فقد جحد).
(404) في المصدر: (عليَّ) بدل (إليَّ).
(405) في المصدر: (عزيمة منِّي [لأُدخل الجنَّة من أحبَّه و]لا أُدخل).

(١٢٣)

أَبْغَضَهُ أَبْغَضَكَ، وَمَنْ أَبْغَضَكَ فَقَدْ أَبْغَضَنِي، وَمَنْ عَادَاهُ فَقَدْ عَادَاكَ، وَمَنْ عَادَاكَ فَقَدْ عَادَانِي، وَمَنْ أَحَبَّهُ فَقَدْ أَحَبَّكَ، وَمَنْ أَحَبَّكَ فَقَدْ أَحَبَّني، وَقَدْ جَعَلْتُ لَهُ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ، وَأَعْطَيْتُكَ أَنْ أُخْرجَ مِنْ صُلْبِهِ أَحَدَ عَشَرَ مَهْدِيًّا كُلُّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ مِنَ الْبِكْر الْبَتُولِ، وَآخِرُ رَجُلٍ مِنْهُمْ يُصَلِّي خَلْفَهُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، أُنْجِي بِهِ مِنَ الْهَلَكَةِ، وَأُهْدِي بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَأُبْرئُ بِهِ الْأَعْمَى(406)، وَأُشْفِي بِهِ المَريضَ.
فَقُلْتُ: إِلَهِي وَسَيِّدِي مَتَى يَكُونُ ذَلِكَ؟ فَأَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ): يَكُونُ ذَلِكَ إِذَا رُفِعَ الْعِلْمُ، وَظَهَرَ الْجَهْلُ، وَكَثُرَ الْقُرَّاءُ، وَقَلَّ الْعَمَلُ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ، وَقَلَّ الْفُقَهَاءُ الْهَادُونَ، وَكَثُرَ فُقَهَاءُ الضَّلَالَةِ وَالْخَوَنَةِ، وَكَثُرَ الشُّعَرَاءُ، وَاتَّخَذَ أُمَّتُكَ قُبُورَهُمْ مَسَاجِدَ، وَحُلِّيَتِ المَصَاحِفُ، وَزُخْرفَتِ المَسَاجِدُ، وَكَثُرَ الْجَوْرُ وَالْفَسَادُ، وَظَهَرَ المُنْكَرُ، وَأَمَرَ أُمَّتُكَ بِهِ، وَنَهَى(407) عَن المَعْرُوفِ، وَاكْتَفَى الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ، وَصَارَ الْأُمَرَاءُ كَفَرَةً، وَأَوْلِيَاؤُهُمْ فَجَرَةً، وَأَعْوَانُهُمْ ظَلَمَةً، وَذَوُو الرَّأيِ مِنْهُمْ فَسَقَةً، وَعِنْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالمَشْرقِ، وَخَسْفٌ بِالمَغْربِ، وَخَسْفٌ بِجَزيرَةِ الْعَرَبِ، وَخَرَابُ الْبَصْرَةِ عَلَى يَدِ رَجُلٍ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ يَتْبَعُهُ الزُّنُوجُ، وَخُرُوجُ رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْن بْن عَلِيٍّ، وَظُهُورُ الدَّجَّالِ يَخْرُجُ مِنَ المَشْرقِ مِنْ سِجِسْتَانَ، وَظُهُورُ السُّفْيَانِيِّ، فَقُلْتُ: إِلَهِي مَا يَكُونُ بَعْدِي مِنَ الْفِتَن؟ فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ وَأَخْبَرَني بِبَلَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ لَعَنَهُمُ اللهُ، وَمِنْ فِتْنَةِ وُلْدِ عَمِّي(408)، وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْم الْقِيَامَةِ، فَأَوْصَيْتُ بِذَلِكَ ابْنَ عَمِّي حِينَ هَبَطْتُ إِلَى الْأَرْض، وَأَدَّيْتُ الرِّسَالَةَ، وَللهِ الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا حَمِدَهُ النَّبِيُّونَ، وَكَمَا حَمِدَهُ كُلُّ شَيْءٍ قَبْلي، وَمَا هُوَ خَالِقُهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَةِ»(409).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(406) في المصدر: (من العمى) بدل (الأعمى).
(407) في المصدر: (نهوا).
(408) في المصدر إضافة: (وما يكون).
(409) كمال الدِّين (ج 1/ ص 250/ باب نصِّ الله تعالى على القائم (علیه السلام)/ ح 1).

(١٢٤)

بيان: قوله تعالى: (فيما اختصم الملأ الأعلى؟) إشارة إلى قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [ص: 69]، والمشهور بين المفسِّرين أنَّه إشارة إلى قوله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30]، وسؤال الملائكة في ذلك، فلعلَّه تعالى سأله أوَّلاً عن ذلك ثُمَّ أخبره به وبيَّن أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة وخليفة، ثُمَّ سأله عن خليفته وعيَّن له الخلفاء بعده. ولا يبعد أنْ يكون الملائكة سألوا في ذلك الوقت عن خليفة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأخبره الله بذلك. وقد مضى في باب المعراج بعض القول في ذلك.
قوله تعالى: (وخراب البصرة): إشارة إلى قصَّة صاحب الزنج الذي خرج في البصرة سنة ستٍّ أو خمس وخمسين ومأتين، ووعد كلَّ من أتى إليه من السودان أنْ يعتقهم ويكرمهم، فاجتمع إليه منهم خلق كثير، وبذلك علا أمره، ولذا لُقِّب: صاحب الزنج، وكان يزعم أنَّه عليُّ بن محمّد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (علیه السلام).
وقال ابن أبي الحديد: وأكثر الناس يقدحون في نسبه، وخصوصاً الطالبيُّون، وجمهور النسَّابيِّن(410) على أنَّه من عبد القيس، وأنَّه عليُّ بن محمّد بن عبد الرحيم، وأُمُّه أسديَّة من أسد بن خزيمة، جدُّها محمّد بن الحَكَم الأسدي من أهل الكوفة(411). ونحو ذلك قال ابن الأثير في الكامل(412)، والمسعودي في مروج الذهب(413). ويظهر من الخبر أنَّ نسبه كان صحيحاً.
ثُمَّ اعلم أنَّ هذه العلامات لا يلزم كونها مقارنة لظهوره (علیه السلام)، إذ الغرض

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(410) في المصدر إضافة: (اتَّفقوا).
(411) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج 8/ ص 126 و127).
(412) الكامل في التاريخ (ج 7/ ص 206).
(413) مروج الذهب (ج 4/ ص 108).

(١٢٥)

بيان أنَّ قبل ظهوره (علیه السلام) يكون هذه الحوادث، كما أنَّ كثيراً من أشراط الساعة التي روتها العامَّة والخاصَّة ظهرت قبل ذلك بدهور وأعوام، وقصَّة صاحب الزنج كانت مقارنة لولادته (علیه السلام)، ومن هذا الوقت ابتدأت علاماته إلى أنْ يظهر (علیه السلام). على أنَّه يحتمل أنْ يكون الغرض علامات ولادته (علیه السلام)، لكنَّه بعيد.
[171/12] كمال الدِّين: ابْنُ مَسْرُورٍ، عَن ابْن عَامِرٍ، عَن المُعَلَّى، عَنْ جَعْفَر بْن سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الْحَكَم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، عَن ابْن عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِنَّ خُلَفَائِي وَأَوْصِيَائِي وَحُجَجُ اللهِ عَلَى الْخَلْقِ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ، أَوَّلُهُمْ أَخِي، وَآخِرُهُمْ وَلَدِي»، وَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)]، وَمَنْ أَخُوكَ؟ قَالَ: «عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ»، قِيلَ: فَمَنْ وَلَدُكَ؟ قَالَ: «المَهْدِيُّ يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَأَطَالَ اللهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَخْرُجَ فِيهِ وَلَدِي المَهْدِيُّ، فَيَنْزلَ رُوحُ اللهِ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (علیه السلام) فَيُصَلِّيَ خَلْفَهُ، وَتُشْرقَ الْأَرْضُ بِنُور رَبِّها(414)، وَيَبْلُغَ سُلْطَانُهُ المَشْرقَ وَالمَغْربَ»(415).
[172/13] كمال الدِّين: ابْنُ مَسْرُورٍ، عَن ابْن عَامِرٍ، عَنْ عَمِّهِ، عَن ابْن أَبِي عُمَيْرٍ، عَن أَبِي جَمِيلَةَ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، عَنْ جَابِرٍ الْأَنْصَاريِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِي، اسْمُهُ اسْمِي، وَكُنْيَتُهُ كُنْيَتِي، أَشْبَهُ النَّاس بِي خَلْقاً وَخُلْقاً، تَكُونُ لَهُ غَيْبَةٌ وَحَيْرَةٌ تَضِلُّ فِيهِ الْأُمَمُ، ثُمَّ يُقْبِلُ كَالشِّهَابِ الثَّاقِبِ وَيَمْلَأُهَا عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»(416).
[173/14] كمال الدِّين: ابْنُ الْوَلِيدِ، عَن الصَّفَّار، عَنْ أَحْمَدَ بْن الْحُسَيْن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(414) في المصدر: (ربِّه) بدل (ربِّها).
(415) كمال الدِّين (ج 1/ ص 280/ باب نصِّ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على القائم (علیه السلام)/ ح 27).
(416) كمال الدِّين (ج 1/ ص 286/ باب ما أخبر به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)/ ح 1).

(١٢٦)

ابْن سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن جُمْهُورٍ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنْ مُعَاويَةَ بْن وَهْبٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «طُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَ قَائِمَ أَهْل بَيْتِي وَهُوَ يَأتَمُّ بِهِ فِي غَيْبَتِهِ قَبْلَ قِيَامِهِ وَيَتَوَلَّى أَوْلِيَاءَهُ وَيُعَادِي أَعْدَاءَهُ، ذَاكَ مِنْ رُفَقَائِي وَذَوي مَوَدَّتِي وَأَكْرَم أُمَّتِي عَلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(417).
[174/15] كمال الدِّين: عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْبَلْخِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن مَسْعُودٍ، عَنْ خَلَفِ بْن حَامِدٍ(418)، عَنْ سَهْل بْن زِيَادٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْن مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن أَسْلَمَ الْجَبَليِّ، عَن الْخَطَّابِ بْن مُصْعَبٍ، عَنْ سَدِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «طُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَ قَائِمَ أَهْل بَيْتِي وَهُوَ مُقْتَدٍ بِهِ قَبْلَ قِيَامِهِ، يَأتَمُّ بِهِ وَبِأَئِمَّةِ الْهُدَى مِنْ قَبْلِهِ، وَيَبْرَاُ إِلَى اللهِ مِنْ عَدُوِّهِمْ، أُولَئِكَ رُفَقَائِي وَأَكْرَمُ أُمَّتِي عَلَيَّ»(419).
[175/16] كمال الدِّين: أَبِي وَابْنُ الْوَلِيدِ وَابْنُ المُتَوَكِّل جَمِيعاً، عَنْ سَعْدٍ وَالْحِمْيَريِّ وَمُحَمَّدٍ الْعَطَّار جَمِيعاً، عَن ابْن عِيسَى وَابْن هَاشِم وَالْبَرْقِيِّ وَابْن أَبِي الْخَطَّابِ جَمِيعاً، عَن ابْن مَحْبُوبٍ، عَنْ دَاوُدَ بْن الْحُصَيْن، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَن الصَّادِقِ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِي، اسْمُهُ اسْمِي، وَكُنْيَتُهُ كُنْيَتِي، أَشْبَهُ النَّاس بِي خَلْقاً وَخُلْقاً، تَكُونُ لَهُ غَيْبَةٌ وَحَيْرَةٌ حَتَّى يَضِلَّ الْخَلْقُ عَنْ أَدْيَانِهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُقْبِلُ كَالشِّهَابِ الثَّاقِبِ فَيَمْلَؤُهَا عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»(420).
[176/17] كمال الدِّين: ابْنُ عُبْدُوسٍ، عَن ابْن قُتَيْبَةَ، عَنْ حَمْدَانَ، عَن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(417) كمال الدِّين (ج 1/ ص 286/ باب ما أخبر به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)/ ح 2).
(418) في المصدر: (حمَّاد).
(419) كمال الدِّين (ج 1/ ص 286/ باب ما أخبر به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)/ ح 3).
(420) كمال الدِّين (ج 1/ ص 287/ باب ما أخبر به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)/ ح 4).

(١٢٧)

ابْن بَزِيع، عَنْ صَالِح بْن عُقْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَن الْبَاقِر، عَنْ آبَائِهِ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِي، تَكُونُ لَهُ غَيْبَةٌ وَحَيْرَةٌ تَضِلُّ فِيهَا الْأُمَمُ، يَأتِي بِذَخِيرَةِ الْأَنْبِيَاءِ، فَيَمْلَؤُهَا عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً»(421).
[177/18] كمال الدِّين: ابْنُ المُتَوَكِّل، عَن الْأَسَدِيِّ، عَن الْبَرْمَكِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن عُثْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن الْفُرَاتِ، عَنْ ثَابِتِ بْن دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، عَن ابْن عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام) إِمَامُ أُمَّتِي، وَخَلِيفَتِي عَلَيْهِمْ بَعْدِي، وَمِنْ وُلْدِهِ الْقَائِمُ المُنْتَظَرُ الَّذِي يَمْلَأُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) بِهِ الْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ بَشِيراً إِنَّ الثَّابِتِينَ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ فِي زَمَان غَيْبَتِهِ لَأَعَزُّ مِنَ الْكِبْريتِ الْأَحْمَر»، فَقَامَ إِلَيْهِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَاريُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلِلْقَائِم مِنْ وُلْدِكَ غَيْبَةٌ؟ فَقَالَ: «إِي وَرَبِّي، ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: 141]. يَا جَابِرُ، إِنَّ هَذَا لَأَمْرٌ مِنْ أَمْر اللهِ، وَسِرٌّ مِنْ سِرِّ اللهِ، مَطْويٌّ عَنْ عِبَادِهِ، فَإِيَّاكَ وَالشَّكَّ فِي أَمْر اللهِ، فَهُوَ كُفْرٌ»(422).
[178/19] كمال الدِّين: ابْنُ عُبْدُوسٍ، عَن ابْن قُتَيْبَةَ، عَنْ حَمْدَانَ بْن سُلَيْمَانَ(423)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الْفَضْل الْهَاشِمِيِّ، عَنْ هِشَام بْن سَالِم، عَن الصَّادِقِ جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «الْقَائِمُ مِنْ وُلْدِي، اسْمُهُ اسْمِي، وَكُنْيَتُهُ كُنْيَتِي، وَشَمَائِلُهُ شَمَائِلي، وَسُنَّتُهُ سُنَّتِي، يُقِيمُ النَّاسَ عَلَى مِلَّتِي وَشَريعَتِي، وَيَدْعُوهُمْ إِلَى كِتَابِ اللهِ (عزَّ وجلَّ)، مَنْ أَطَاعَهُ أَطَاعَنِي، وَمَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(421) كمال الدِّين (ج 1/ ص 287/ باب ما أخبر به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)/ ح 5).
(422) كمال الدِّين (ج 1/ ص 287/ باب ما أخبر به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)/ ح 7).
(423) في المصدر إضافة: (عن أحمد بن عبد الله بن جعفر الهمداني).

(١٢٨)

عَصَاهُ عَصَانِي، وَمَنْ أَنْكَرَهُ فِي غَيْبَتِهِ فَقَدْ أَنْكَرَني، وَمَنْ كَذَّبَهُ فَقَدْ كَذَّبَني، وَمَنْ صَدَّقَهُ فَقَدْ صَدَّقَنِي، إِلَى اللهِ أَشْكُو المُكَذّبِينَ لِي فِي أَمْرهِ، وَالْجَاحِدِينَ لِقَوْلِي فِي شَأنِهِ، وَالمُضِلِّينَ لِأُمَّتِي عَنْ طَريقَتِهِ، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ [الشعراء: 227]»(424).
[179/20] كمال الدِّين: الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَن ابْن أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ غِيَاثِ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَن الصَّادِقِ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَنْ أَنْكَرَ الْقَائِمَ مِنْ وُلْدِي فَقَدْ أَنْكَرَني»(425).
[180/21] كمال الدِّين: الْوَرَّاقُ، عَن الْأَسَدِيِّ، عَن النَّخَعِيِّ، عَن النَّوْفَلِيِّ، عَنْ غِيَاثِ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَن الصَّادِقِ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَنْ أَنْكَرَ الْقَائِمَ مِنْ وُلْدِي فِي زَمَان غَيْبَتِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»(426).
[181/22] الغيبة للطوسي: جَمَاعَةٌ، عَن التَّلَّعُكْبَريِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن عَلِيٍّ، عَن ابْن أَبِي دَارم، عَنْ عَلِيِّ بْن الْعَبَّاس، عَنْ مُحَمَّدِ بْن هَاشِم الْقَيْسِيِّ، عَنْ سَهْل بْن تَمَام الْبَصْريِّ، عَنْ عِمْرَانَ الْقَطَّان، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المَهْدِيُّ يَخْرُجُ فِي آخِر الزَّمَان»(427).
[182/23] الغيبة للطوسي: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَلِيِّ بْن الْعَبَّاس، عَنْ بَكَّار بْن أَحْمَدَ، عَن الْحَسَن بْن الْحُسَيْن، عَنْ مُعَلَّى بْن زِيَادٍ، عَن الْعَلَاءِ بْن بَشِيرٍ، عَنْ أَبِي الصَّدِيقِ النَّاجِي، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أُبَشِّرُكُمْ بِالمَهْدِيِّ يُبْعَثُ فِي أُمَّتِي عَلَى اخْتِلَافٍ مِنَ النَّاس وَزِلْزَالٍ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(424) كمال الدِّين (ج 2/ ص 411/ باب في من أنكر القائم (علیه السلام)/ ح 6).
(425) كمال الدِّين (ج 2/ ص 412/ باب في من أنكر القائم (علیه السلام)/ ح 8).
(426) كمال الدِّين (ج 2/ ص 412/ باب في من أنكر القائم (علیه السلام)/ ح 12).
(427) الغيبة للطوسي (ص 178/ ح 135).

(١٢٩)

عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، يَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ وَسَاكِنُ الْأَرْض...» تَمَامَ الْخَبَر(428).
[183/24] الغيبة للطوسي: بِهَذَا الْإسْنَادِ، عَن الْحَسَن بْن الْحُسَيْن، عَنْ تَلِيدٍ، عَنْ أَبِي الْحَجَّافِ(429)، [عن خالد بن عبد المَلِك، عن مطر الورَّاق، عن الناجي يعني أبا الصدِّيق، عن أبي سعيد](430)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أَبْشِرُوا بِالمَهْدِيِّ - قَالَهَا ثَلَاثاً -، يَخْرُجُ عَلَى حِين اخْتِلَافٍ مِنَ النَّاس وَزِلْزَالٍ شَدِيدٍ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، يَمْلَأُ قُلُوبَ عِبَادِهِ عِبَادَةً، وَيَسَعُهُمْ عَدْلُهُ»(431).
[184/25] الغيبة للطوسي: بِهَذَا الْإسْنَادِ، عَن الْحَسَن بْن الْحُسَيْن، عَنْ سُفْيَانَ الْجَريريِّ، عَنْ عَبْدِ المُؤْمِن، عَن الْحَارثِ بْن حَصِيرَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْن جُوَيْنٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَر: «إِنَّ المَهْدِيَّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ أَهْل بَيْتِي، يَخْرُجُ فِي آخِر الزَّمَان، تُنْزلُ لَهُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا، وَتُخْرجُ لَهُ الْأَرْضُ بَذْرَهَا، فَيَمْلَأ الْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مَلَأَهَا الْقَوْمُ ظُلْماً وَجَوْراً»(432).
[185/26] الغيبة للطوسي: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَلِيِّ بْن الْعَبَّاس، عَنْ بَكَّارٍ، عَنْ مُصَبِّح، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اللهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يُخْرجَ رَجُلاً مِنْ أَهْل بَيْتِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»(433).
[186/27] الغيبة للطوسي: بِهَذَا الْإسْنَادِ، عَنْ بَكَّارٍ، عَنْ عَلِيِّ بْن قَادِم،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(428) الغيبة للطوسي (ص 178/ ح 136).
(429) في المصدر: (الجحَّاف) بدل (الحجَّاف).
(430) الزيادة نقلاً عن هامش المصدر عن دلائل الإمامة.
(431) الغيبة للطوسي (ص 179/ ح 137).
(432) الغيبة للطوسي (ص 180/ ح 138).
(433) الغيبة للطوسي (ص 180/ ح 139).

(١٣٠)

عَنْ فِطْرٍ، عَنْ عَاصِم، عَنْ زِرِّ بْن حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ رَجُلاً مِنِّي، يُوَاطِئُ اسْمُه اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً»(434).
[187/28] الغيبة للطوسي: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الْعَبَّاس، عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ الزُّهْريِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْن مَنْصُورٍ، عَنْ قَيْسِ بْن الرَّبيع وَغَيْرهِ، عَنْ عَاصِم، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا يَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَليَ أُمَّتِي رَجُلٌ مِنْ أَهْل بَيْتِي يُقَالُ لَهُ: المَهْدِيُّ»(435).
[188/29] الغيبة للطوسي: جَمَاعَةٌ، عَن الْبَزَوْفَريِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن إِدْريسَ، عَن ابْن قُتَيْبَةَ، عَن الْفَضْل، عَنْ نَصْر بْن مُزَاحِم، عَنْ أَبِي لَهِيعَةَ(436)، عَنْ أَبِي قُبَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرو بْن الْعَاص، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فِي حَدِيثٍ طَويلٍ: «فَعِنْدَ ذَلِكَ خُرُوجُ المَهْدِيِّ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ هَذَا - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام) -، بِهِ يَمْحَقُ اللهُ الْكَذِبَ وَيُذْهِبُ الزَّمَانَ الْكَلِبَ، بِهِ يُخْرجُ ذُلَّ الرِّقِّ مِنْ أَعْنَاقِكُمْ»، ثُمَّ قَالَ: «أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَالمَهْدِيُّ أَوْسَطُهَا، وَعِيسَى آخِرُهَا، وَبَيْنَ ذَلِكَ تَيْحٌ أَعْوَجُ»(437).
بيان: قال الجزري: كَلِبَ الدهر على أهله: إذا ألحَّ عليهم واشتدَّ(438). وقال الفيروزآبادي: تاح له الشيء يتوح: تهيَّأ كتاح يتيح وأتاحه الله فأُتيح، والمتيح كمنير من يعرض فيما لا يعنيه، أو يقع في البلايا، وفرس يعترض في مشيته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(434) الغيبة للطوسي (ص 180/ ح 140).
(435) الغيبة للطوسي (ص 180/ ح 141).
(436) في المصدر: (ابن لهيعة) بدل (أبي لهيعة).
(437) الغيبة للطوسي (ص 185/ ح 144)، وفيه: (شيخ أعوج).
(438) النهاية (ج 4/ ص 195).

(١٣١)

نشاطاً، والمتياح الكثير الحركة العريض(439)، انتهى. وفيه تكلُّف، والأظهر أنَّه تصحيف ما مرَّ في أخبار اللوح وغير ذلك، (نتج الهرج): أي نتائج الفساد والجور(440).
[189/30] الغيبة للطوسي: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ(441)، عَنْ عُثْمَانَ بْن أَحْمَدَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن عَبْدِ اللهِ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن هَانِئ، عَنْ نُعَيْم بْن حَمَّادٍ(442)، عَنْ بقيَّةَ(443) بْن الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي مَرْيَمَ، عَن(444) الْفَضْل بْن يَعْقُوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي المَلِيح، عَنْ زِيَادِ بْن بُنَانٍ، عَنْ عَلِيِّ بْن نُفَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيَّبِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «المَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ»(445).
الغيبة للطوسي: جماعة، عن التلعكبري، عن أحمد بن عليٍّ، عن محمّد بن عليٍّ، عن عثمان بن أحمد، عن إبراهيم بن علاء، عن أبي المليح، مثله(446).
[190/31] الغيبة للطوسي: أَحْمَدُ بْنُ إِدْريسَ، عَن ابْن قُتَيْبَةَ، عَن الْفَضْل،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(439) القاموس المحيط (ج 1/ ص 225).
(440) ولعلَّه تصحيف: (ثبج أعوج)، الثبج: المتوسِّط بين الخيار والرذال، والأعوج: المائل البين العوج والسيِّئ الخُلُق، وقد يكون (ثبج أعرج)، فالأوَّل هو البوم النائح، والثاني الغراب.
(441) سيأتي إسناد الطوسي إلى محمّد بن عليٍّ هذا بعد هذا الحديث.
(442) هو نعيم بن حمَّاد المروزي أبو عبد الله المتوفَّى (229هـ)، له كتاب الفتن يروي فيه عن بقيَّة بن الوليد المتوفَّى (197هـ)، وبقيَّة روى فيه عن أبي بكر بن أبي مريم: «المهدي من ولد فاطمة». كتاب الفتن (ص 231/ باب نسبة المهدي).
(443) في المطبوعة: (عقبة)، وما أثبتناه من المصدر، وقد ذكرناه في التعليقة السابقة.
(444) هكذا في المطبوعة والمصدر، والظاهر (عن) تصحيف (و)، لأنَّ الفضل بن يعقوب هذا هو (الرخامي) كما في المصدر، وقد تُوفّي عام (258هـ) كما في تهذيب التهذيب (ج 4/ ص 499).
(445) الغيبة للطوسي (ص 185/ ح 145).
(446) الغيبة للطوسي (ص 187/ ح 148).

(١٣٢)

 عَنْ مُصَبِّح، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَن، عَمَّنْ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ: عَن ابْن عَبَّاسٍ فِي حَدِيثٍ طَويلٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا وَهْبُ، ثُمَّ يَخْرُجُ المَهْدِيُّ، قُلْتُ: مِنْ وُلْدِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللهِ مَا هُوَ مِنْ وُلْدِي وَلَكِنْ مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ (علیه السلام)، فَطُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَ زَمَانَهُ، وَبِهِ يُفَرِّجُ اللهُ عَن الْأُمَّةِ حَتَّى يَمْلَأَهَا قِسْطاً وَعَدْلاً...، إِلَى آخِر الْخَبَر(447).
[191/32] الغيبة للطوسي: جَمَاعَةٌ، عَن التَّلَّعُكْبَريِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن عَلِيٍّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن إِدْريسَ، عَن ابْن عِيسَى، عَن الْأَهْوَازِيِّ، عَن الْحُسَيْن بْن عُلْوَانَ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ فِي حَدِيثٍ لَهُ طَويلٍ اخْتَصَرْنَاهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لِفَاطِمَةَ: «يَا بُنَيَّةُ، إِنَّا أُعْطِينَا أَهْلَ الْبَيْتِ سَبْعاً لَمْ يُعْطَهَا أَحَدٌ قَبْلَنَا: نَبِيُّنَا خَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ أَبُوكِ، وَوَصِيُّنَا خَيْرُ الْأَوْصِيَاءِ وَهُوَ بَعْلُكِ، وَشَهِيدُنَا خَيْرُ الشُّهَدَاءِ وَهُوَ عَمُّ أَبِيكِ حَمْزَةُ، وَمِنَّا مَنْ لَهُ جَنَاحَان خَضِيبَان يَطِيرُ بِهِمَا فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ ابْنُ عَمِّكِ جَعْفَرٌ، وَمِنَّا سِبْطَا هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهُمَا ابْنَاكِ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، وَمِنَّا وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَهْدِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِي يُصَلِّي خَلْفَهُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ»، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِ الْحُسَيْن (علیه السلام) فَقَالَ: «مِنْ هَذَا - ثَلَاثاً -»(448).
 [192/33] الغيبة للنعماني: أَحْمَدُ بْنُ [عَلِيٍّ] الْبَنْدِيجِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مُوسَى الْعَبَّاسِيِّ، عَنْ مُوسَى بْن سَلَّام، عَن الْبَزَنْطِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بْن(449) الْخَشَّابِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي مَثَلُ نُجُوم السَّمَاءِ كُلَّمَا غَابَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ حَتَّى إِذَا نَجْمٌ مِنْهَا طَلَعَ فَرَمَقُوهُ(450) بِالْأَعْيُن وَأَشَرْتُمْ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِع أَتَاهُ مَلَكُ المَوْتِ فَذَهَبَتْ(451) بِهِ، ثُمَّ لَبِثْتُمْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(447) الغيبة للطوسي (ص 187/ ح 146).
(448) الغيبة للطوسي (ص 191/ ح 154).
(449) في المصدر: (عن) بدل (بن) بين معقوفتين.
(450) في المصدر: (فرمقتموه).
(451) في المصدر: (فذهب) بدل (فذهبت).

(١٣٣)

فِي ذَلِكَ سَبْتاً مِنْ دَهْركُمْ، وَاسْتَوَتْ بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَلَمْ يَدْر أَيٌّ مِنْ أَيٍّ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَبْدُو نَجْمُكُمْ، فَاحْمَدُوا اللهَ وَاقْبَلُوهُ»(452).
[193/34] الغيبة للنعماني: أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ، عَن النَّهَاوَنْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْن حَمَّادٍ، عَنْ أَبَان بْن عُثْمَانَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (علیه السلام): «بَيْنَنَا رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذَاتَ يَوْمٍ بِالْبَقِيع فَأَتَاه(453) عَلِيٌّ(454) فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): اجْلِسْ، فَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينهِ، ثُمَّ جَاءَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَسَأَلَ عَنْ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقِيلَ: هُوَ بِالْبَقِيع، فَأَتَاهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَأَجْلَسَهُ عَنْ يَسَارهِ، ثُمَّ جَاءَ الْعَبَّاسُ فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقِيلَ: هُوَ بِالْبَقِيع، فَأَتَاهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَأَجْلَسَهُ أَمَامَهُ.
ثُمَّ الْتَفَتَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِلَى عَلِيٍّ (علیه السلام) فَقَالَ: أَلَا أُبَشِّرُكَ، أَلَا أُخْبِرُكَ يَا عَلِيُّ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: كَانَ جَبْرَئِيلُ عِنْدِي آنِفاً وَخَبَّرَنِي أَنَّ الْقَائِمَ الَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِر الزَّمَان يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً مِنْ ذُرِّيَّتِكَ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْن (علیه السلام)، فَقَالَ عَلِيٌّ (علیه السلام): يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَصَابَنَا خَيْرٌ قَطُّ مِنَ اللهِ إِلَّا عَلَى يَدَيْكَ.
ثُمَّ الْتَفَتَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَقَالَ: يَا جَعْفَرُ، أَلَا أُبَشِّرُكَ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: كَانَ جَبْرَئِيلُ عِنْدِي آنِفاً فَأَخْبَرَني أَنَّ الَّذِي يَدْفَعُهَا إِلَى الْقَائِم هُوَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ، أَتَدْري مَنْ هُوَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: ذَاكَ الَّذِي وَجْهُهُ كَالدِّينَار، وَأَسْنَانُهُ كَالْمِنْشَار، وَسَيْفُهُ كَحَريقِ النَّار، يَدْخُلُ الْجَبَلَ(455) ذَلِيلاً وَيَخْرُجُ مِنْهُ عَزيزاً، يَكْتَنِفُهُ جَبْرَئِيلُ وَمِيكَائِيلُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(452) الغيبة للنعماني (ص 155).
(453) في المصدر: (حتَّى أقبل) بدل (فأتاه).
(454) في المصدر إضافة: (فسأل عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقيل: إنَّه بالبقيع، فأتاه عليٌّ (علیه السلام)).
(455) في المصدر: (الجند) بدل (الجبل).

(١٣٤)

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْعَبَّاس فَقَالَ: يَا عَمَّ النَّبِيِّ، أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَا أَخْبَرَني جَبْرَئِيلُ؟ فَقَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: قَالَ لِي: وَيْلٌ لِذُرِّيَّتِكَ مِنْ وُلْدِ الْعَبَّاس، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا أَجْتَنِبُ النِّسَاءَ؟ قَالَ لَهُ: قَدْ فَرَغَ اللهُ مِمَّا هُوَ كَائِنٌ»(456).
[194/35] الغيبة للنعماني: ابْنُ عُقْدَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ، عَن ابْن بَزيع، عَنْ عَمْرو(457) بْن يُونُسَ، عَنْ حَمْزَةَ بْن حُمْرَانَ، عَنْ سَالِم الْأَشَلِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ (علیه السلام) يَقُولُ: «نَظَرَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ (علیه السلام) فِي السِّفْر الْأَوَّلِ بِمَا يُعْطَى(458) قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ، قَالَ(459) مُوسَى: رَبِّ اجْعَلْنِي قَائِمَ آلِ مُحَمَّدٍ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ ذَاكَ مِنْ ذُرِّيَّةِ أَحْمَدَ، ثُمَّ نَظَرَ فِي السِّفْر الثَّانِي فَوَجَدَ فِيهِ مِثْلَ ذَلِكَ [فَقَالَ مِثْلَهُ فَقِيلَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ](460)، ثُمَّ نَظَرَ فِي السِّفْر الثَّالِثِ فَرَأى مِثْلَهُ [فَقَالَ مِثْلَهُ] فَقِيلَ لَهُ مِثْلُهُ»(461).
[195/36] الكافي: الْعِدَّةُ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سُلَيْمَانَ، عَنْ هَيْثَم(462) ابْن أَشْيَمَ، عَنْ مُعَاويَةَ بْن عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) قَالَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذَاتَ يَوْم وَهُوَ مُسْتَبْشِرٌ يَضْحَكُ سُرُوراً، فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَزَادَكَ سُرُوراً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ يَوْم وَلَا لَيْلَةٍ إِلَّا وَلِيَ فِيهِمَا تُحْفَةٌ مِنَ اللهِ، أَلَا وَإِنَّ رَبِّي أَتْحَفَنِي فِي يَوْمِي هَذَا بِتُحْفَةٍ لَمْ يُتْحِفْنِي بِمِثْلِهَا فِيمَا مَضَى، إِنَّ جَبْرَئِيلَ (علیه السلام) أَتَانِي فَأَقْرَأَنِي مِنْ رَبِّيَ السَّلَامَ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(456) الغيبة للنعماني (ص 247).
(457) في المصدر: (منصور) بدل (عمرو).
(458) في المصدر: (إلى ما يعطى).
(459) في المصدر: (من التمكين والفضل فقال) بدل (قال).
(460) ما بين المعقوفتين من المصدر، وكذا ما يأتي.
(461) الغيبة للنعماني (ص 240).
(462) في المصدر: (عيثم) بدل (هيثم).
 

(١٣٥)

(جَلَّ وَعَزَّ) اخْتَارَ مِنْ بَنِي هَاشِم سَبْعَةً لَمْ يَخْلُقْ مِثْلَهُمْ فِيمَنْ مَضَى وَلَا يَخْلُقُ مِثْلَهُمْ فِيمَنْ بَقِيَ: أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ سَيِّدُ النَّبِيِّينَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَصِيُّكَ سَيِّدُ الْوَصِيِّينَ، وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سِبْطَاكَ سَيِّدَا الْأَسْبَاطِ، وَحَمْزَةُ عَمُّكَ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ، وَجَعْفَرٌ ابْنُ عَمِّكَ الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ يَطِيرُ مَعَ المَلاَئِكَةِ حَيْثُ يَشَاءُ، وَمِنْكُمُ الْقَائِمُ يُصَلِّي عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ خَلْفَهُ إِذَا أَهْبَطَهُ اللهُ إِلَى الْأَرْض مِنْ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَمِنْ وُلْدِ الْحُسَيْن(علیه السلام)»(463).
[196/37] كشف الغمَّة: وَقَعَ لِي أَرْبَعُونَ حَدِيثاً جَمَعَهَا الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْم أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ (رحمه الله) فِي أَمْر المَهْدِيِّ (علیه السلام) أَوْرَدْتُهَا سَرْداً كَمَا أَوْرَدَهَا، وَاقْتَصَرْتُ عَلَى ذِكْر الرَّاوي عَن النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
الأوَّلُ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ، عَن النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّهُ قَالَ: «يَكُونُ مِنْ أُمَّتِيَ المَهْدِيُّ، إِنْ قَصُرَ عُمُرُهُ فَسَبْعُ سِنِينَ، وَإِلَّا فَثَمَانٍ، وَإِلَّا فَتِسْعٌ، يَتَنَعَّمُ أُمَّتِي فِي زَمَانِهِ نَعِيماً لَمْ يَتَنَعَّمُوا مِثْلَهُ قَطُّ، الْبِرُّ وَالْفَاجِرُ يُرْسِلُ(464) السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً، وَلَا تَدَّخِرُ الْأَرْضُ شَيْئاً مِنْ نَبَاتِهَا».
الثَّانِي: فِي ذِكْر المَهْدِيِّ (علیه السلام) وَأَنَّهُ مِنْ عِتْرَةِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ، عَن النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّهُ قَالَ: «تُمْلَأُ الْأَرْضُ ظُلْماً وَجَوْراً، فَيَقُومُ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي فَيَمْلَؤُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً، يَمْلِكُ سَبْعاً أوْ تِسْعاً».
الثَّالِثُ: وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا تَنْقَضِي السَّاعَةُ حَتَّى يَمْلِكَ الْأَرْضَ رَجُلٌ مِنْ أَهْل بَيْتِي، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ(465) جَوْراً، يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(463) روضة الكافي (ص 49/ ح 10).
(464) في المصدر إضافة: (الله).
(465) في المصدر إضافة: (قبله).

(١٣٦)

الرَّابِعُ: فِي قَوْلِهِ لِفَاطِمَةَ (عليها السلام): «المَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِكِ»، عَن الزُّهْريِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْن، عَنْ أَبِيهِ (علیهما السلام) أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ لِفَاطِمَةَ: «المَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِكِ».
الخَامِسُ: قَوْلُهُ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِنَّ مِنْهُمَا مَهْدِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ» يَعْنِي الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ (علیهما السلام)، عَنْ عَلِيِّ بْن هِلَالٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَهُوَ فِي الْحَالَةِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا، فَإذَا فَاطِمَةُ عِنْدَ رَأسِهِ، فَبَكَتْ حَتَّى ارْتَفَعَ صَوْتُهَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِلَيْهَا رَأسَهُ فَقَالَ: «حَبِيبَتِي فَاطِمَةُ مَا الَّذِي يُبْكِيكِ؟»، فَقَالَتْ: أَخْشَى الضَّيْعَةَ مِنْ بَعْدِكَ، فَقَالَ: «يَا حَبِيبَتِي، أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) اطَّلَعَ عَلَى الْأَرْض(466) اطِّلَاعَةً فَاخْتَارَ مِنْهَا أَبَاكِ فَبَعَثَهُ بِرسَالَتِهِ، ثُمَّ اطَّلَعَ اطِّلَاعَةً فَاخْتَارَ مِنْهَا بَعْلَكِ، وَأَوْحَى إِلَيَّ أَنْ أُنْكِحَكِ إِيَّاهُ. يَا فَاطِمَةُ، وَنَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ قَدْ أَعْطَانَا اللهُ (عزَّ وجلَّ) سَبْعَ خِصَالٍ لَمْ يُعْطِ أَحَداً قَبْلَنَا وَلَا يُعْطِي أَحَداً بَعْدَنَا: أَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَأَكْرَمُ النَّبِيِّينَ عَلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَأَحَبُّ المَخْلُوقِينَ إِلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَأَنَا أَبُوكِ، وَوَصِيِّي خَيْرُ الْأَوْصِيَاءِ وَأَحَبُّهُمْ إِلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَهُوَ بَعْلُكِ، وَشَهِيدُنَا خَيْرُ الشُّهَدَاءِ وَأَحَبُّهُمْ إِلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَهُوَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ عَمُّ أَبِيكِ وَعَمُّ بَعْلِكِ، وَمِنَّا مَنْ لَهُ جَنَاحَان يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ مَعَ المَلاَئِكَةِ حَيْثُ يَشَاءُ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ أَبِيكِ وَأَخُو بَعْلِكِ، وَمِنَّا سِبْطَا هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهُمَا ابْنَاكِ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَهُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْل الْجَنَّةِ وَأَبُوهُمَا وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ خَيْرٌ مِنْهُمَا.
يَا فَاطِمَةُ، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ إِنَّ مِنْهُمَا مَهْدِيَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، إِذَا صَارَتِ الدُّنْيَا هَرْجاً وَمَرْجاً، وَتَظَاهَرَتِ الْفِتَنُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، وَأَغَارَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَلَا كَبِيرٌ يَرْحَمُ صَغِيراً، وَلَا صَغِيرٌ يُوَقِّرُ كَبِيراً، فَيَبْعَثُ اللهُ عِنْدَ ذَلِكَ مِنْهُمَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(466) في المصدر: (على أهل الأرض).

(١٣٧)

مَنْ يَفْتَحُ حُصُونَ الضَّلَالَةِ وَقُلُوباً غُلْفاً، يَقُومُ بِالدِّين فِي آخِر الزَّمَان كَمَا قُمْتُ بِهِ فِي آخِر الزَّمَان(467)، وَيَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً.
يَا فَاطِمَةُ، لَا تَحْزَني وَلَا تَبْكِي فَإنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) أَرْحَمُ بِكِ وَأَرْأَفُ عَلَيْكِ مِنِّي، وَذَلِكِ لِمَكَانِكِ مِنِّي وَمَوْقِعِكِ مِنْ قَلْبِي، قَدْ زَوَّجَكِ اللهُ زَوْجَكِ وَهُوَ أَعْظَمُهُمْ حَسَباً، وَأَكْرَمُهُمْ مَنْصَباً، وَأَرْحَمُهُمْ بِالرَّعِيَّةِ، وَأَعْدَلُهُمْ بِالسَّويَّةِ، وَأَبْصَرُهُمْ بِالْقَضِيَّةِ، وَقَدْ سَألْتُ رَبِّي (عزَّ وجلَّ) أَنْ تَكُوني أَوَّلَ مَنْ يَلْحَقُنِي مِنْ أَهْل بَيْتِي»، قَالَ عَلِيٌّ (علیه السلام): «لَمْ تَبْقَ فَاطِمَةُ بَعْدَهُ إِلَّا خَمْسَةً وَسَبْعِينَ يَوْماً حَتَّى أَلْحَقَهَا اللهُ بِهِ (علیه السلام)».
السَّادِسُ: فِي أَنَّ المَهْدِيَّ هُوَ الْحُسَيْنيُّ، وَبِإسْنَادِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ (رضي الله عنه)، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَذَكَّرَنَا مَا هُوَ كَائِنٌ، ثُمَّ قَالَ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ رَجُلاً مِنْ وُلْدِي اسْمُهُ اسْمِي»، فَقَامَ سَلْمَانُ (رضي الله عنه) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مِنْ أَيِّ وُلْدِكَ هُوَ؟ قَالَ: «مِنْ وَلَدِي هَذَا»، وَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الْحُسَيْن (علیه السلام).
السَّابِعُ: فِي الْقَرْيَةِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا المَهْدِيُّ، وَبِإسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَخْرُجُ المَهْدِيُّ مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: كرعَةُ».
الثَّامِنُ: فِي صِفَةِ وَجْهِ المَهْدِيِّ، بِإسْنَادِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المَهْدِيُّ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي، وَجْهُهُ كَالْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ».
التَّاسِعُ: فِي صِفَةِ لَوْنهِ وَجِسْمِهِ، بِإسْنَادِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المَهْدِيُّ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي، لَوْنُهُ لَوْنٌ عَرَبيٌّ، وَجِسْمُهُ جِسْمٌ إِسْرَائِيليٌّ، عَلَى خَدِّهِ الْأَيْمَن خَالٌ كَأنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً، يَرْضَى فِي خِلَافَتِهِ أَهْلُ الْأَرْضِ وَأَهْلُ السَّمَاءِ وَالطَّيْرُ فِي الْجَوِّ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(467) كذا في المصدر، وفي سائر المصادر: (أوَّل الزمان).

(١٣٨)

الْعَاشِرُ: فِي صِفَةِ جَبِينهِ، بِإسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المَهْدِيُّ مِنَّا، أَجْلَى الْجَبِين، أَقْنَى الْأَنْفِ».
الحادِي عَشَرَ: فِي صِفَةِ أَنْفِهِ، بِإسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ، عَن النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أَنَّهُ قَالَ: «المَهْدِيُّ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ، رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي، أَشَمُّ الْأَنْفِ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً».
الثَّانِي عَشَرَ: فِي خَالِهِ عَلَى خَدِّهِ الْأَيْمَن، وَبِإسْنَادِهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الرُّوم أَرْبَعُ هُدَنٍ، يَوْمُ الرَّابِعَةِ عَلَى يَدِ رَجُلٍ مِنْ آلِ هِرَقْلَ، يَدُومُ سَبْعَ سِنِينَ»، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْس يُقَالُ لَهُ: المُسْتَوْردُ بْنُ غَيْلَانَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ إِمَامُ النَّاس يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «المَهْدِيُّ (علیه السلام) مِنْ وُلْدِي، ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، كَأنَّ وَجْهَهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، فِي خَدِّهِ الْأَيْمَن خَالٌ أَسْوَدُ، عَلَيْهِ عَبَاءَتَان قِطْريَّتَان(468)، كَأنَّهُ مِنْ رجَالِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَسْتَخْرجُ الْكُنُوزَ، وَيَفْتَحُ مَدَائِنَ الشِّرْكِ».
الثَّالِثَ عَشَرَ: قَوْلُهُ (علیه السلام): «المَهْدِيُّ أَفْرَقُ الثَّنَايَا»، بِإسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن ابْن عَوْفٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَيَبْعَثَنَّ اللهُ مِنْ عِتْرَتِي رَجُلاً أَفْرَقَ الثَّنَايَا، أَجْلَى الْجَبْهَةِ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً، يَفِيضُ المَالَ فَيْضاً».
الرَّابِعَ عَشَرَ: فِي ذِكْر المَهْدِيِّ (علیه السلام) وَهُوَ إِمَامٌ صَالِحٌ، بِإسْنَادِهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: «فَتَنْفِي المَدِينَةُ الْخَبَثَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ، وَيُدْعَى ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الْخَلَاص»، فَقَالَتْ أُمُّ شَريكٍ: فَأَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «هُمْ قَلِيلٌ يَوْمَئِذٍ، وَجُلُّهُمْ بِبَيْتِ المَقْدِس، إِمَامُهُمُ المَهْدِيُّ رَجُلٌ صَالِحٌ».
الخامِسَ عَشَرَ: فِي ذِكْر المَهْدِيِّ (علیه السلام) وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ عِيَاناً لِلنَّاس، وَبِإسْنَادِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(468) في المصدر: (قطوانيَّتان).

(١٣٩)

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ أنَّ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: «يَخْرُجُ المَهْدِيُّ فِي أُمَّتِي، يَبْعَثُهُ اللهُ عِيَاناً(469) لِلنَّاس، يَتَنَعَّمُ(470) الْأُمَّةُ، وَتَعِيشُ المَاشِيَةُ، وَتُخْرجُ الْأَرْضُ نَبَاتَهَا، وَيُعْطِي المَالَ صِحَاحاً».
السَّادِسَ عَشَرَ: فِي قَوْلِهِ (علیه السلام): «عَلَى رَأسِهِ غَمَامَةٌ»، وَبِإسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْن عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَخْرُجُ المَهْدِيُّ وَعَلَى رَأسِهِ غَمَامَةٌ فِيهَا مُنَادٍ يُنَادِي: هَذَا المَهْدِيُّ خَلِيفَةُ اللهِ، فَاتَّبِعُوهُ».
السَّابِعَ عَشَرَ: فِي قَوْلِهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «عَلَى رَأسِهِ مَلَكٌ»، وَبِإسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَخْرُجُ المَهْدِيُّ وَعَلَى رَأسِهِ مَلَكٌ يُنَادِي: هَذَا المَهْدِيُّ، فَاتَّبِعُوهُ».
الثَّامِنَ عَشَرَ: فِي بِشَارَةِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أُمَّتَهُ بِالمَهْدِيِّ، بِإسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أُبَشِّرُكُمْ بِالمَهْدِيِّ، يُبْعَثُ فِي أُمَّتِي عَلَى اخْتِلَافٍ مِن النَّاس وَزَلَازِلَ، فَيَمْلَأ الْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، يَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ وَسَاكِنُ الْأَرْض، يَقْسِمُ المَالَ صِحَاحاً»، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَمَا صِحَاحاً؟ قَالَ: «السَّويَّةُ بَيْنَ النَّاس».
التَّاسِعَ عَشَرَ: فِي اسْم المَهْدِيِّ (علیه السلام)، وَبِإسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا يَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً».
الْعِشْرُونَ: فِي كُنْيَتِهِ (علیه السلام)، وَبِإسْنَادِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَبَعَثَ اللهُ فِيهِ رَجُلاً اسْمُهُ اسْمِي، وَخُلُقُهُ خُلُقِي، يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(469) في المصدر: (غياثاً).
(470) في المصدر: (تنعم).

(١٤٠)

الحادِي وَالْعِشْرُونَ: فِي ذِكْر اسْمِهِ(471)، وَبِإسْنَادِهِ عَن ابْن عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا يَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ رَجُلاً مِنْ أَهْل بَيْتِي، يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي، يَمْلَؤُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً».
الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: فِي ذِكْر عَدْلِهِ (علیه السلام)، وَبِإسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَتُمْلَأنَّ الْأَرْضُ ظُلْماً وَعُدْوَاناً، ثُمَّ لَيَخْرُجَنَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْل بَيْتِي حَتَّى يَمْلَأَهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً [عُدْوَاناً](472) وَظُلْماً».
الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: فِي خُلُقِهِ، وَبِإسْنَادِهِ عَنْ زِرٍّ، عَنْ(473) عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْل بَيْتِي، يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَخُلُقُهُ خُلُقِي، يَمْلَؤُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً».
الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: فِي عَطَائِهِ (علیه السلام)، بِإسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَكُونُ عِنْدَ انْقِطَاع مِنَ الزَّمَان وَظُهُورٍ مِنَ الْفِتَن رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: المَهْدِيُّ، يَكُونُ عَطَاؤُهُ هَنِيئاً».
الخامِسُ وَالْعِشْرُونَ: فِي ذِكْر المَهْدِيِّ (علیه السلام) وَعِلْمِهِ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بِإسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْل بَيْتِي، وَيَعْمَلُ بِسُنَّتِي، وَيُنَزِّلُ اللهُ لَهُ الْبَرَكَةَ مِنَ السَّمَاءِ، وَتُخْرجُ الْأَرْضُ بَرَكَتَهَا، وَتُمْلَأُ بِهِ الْأَرْضُ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، وَيَعْمَلُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ سَبْعَ سِنينَ، وَيَنْزلُ بَيْتَ المَقْدِس».
السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: فِي مَجِيئِهِ وَرَايَاتِهِ، وَبِإسْنَادِهِ عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(471) في المصدر: (اسم أبيه).
(472) من المصدر، وعبارة: (وظلماً) ليست فيه.
(473) في المصدر: (بن) بدل (عن).

(١٤١)

رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِذَا رَأيْتُمُ الرَّايَاتِ السُّودَ قَدْ أَقْبَلَتْ مِنْ خُرَاسَانَ فَائْتُوهَا وَلَوْ حَبْواً عَلَى الثَّلْج، فَإنَّ فِيهَا خَلِيفَةَ اللهِ المَهْدِيَّ».
السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: فِي مَجِيئِهِ مِنْ قِبَل المَشْرقِ، وَبِإسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ(474)، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِذْ أَقْبَلَتْ فِتْيَةٌ مِنْ بَني هَاشِم، فَلَمَّا رَآهُمُ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا نَزَالُ نَرَى فِي وَجْهِكَ شَيْئاً نَكْرَهُهُ، فَقَالَ: «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اخْتَارَ اللهُ لَنَا الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا، وَإِنَّ أَهْلَ بَيْتِي سَيَلْقَوْنَ بَعْدِي بَلَاءً وَتَشْريداً وَتَطْريداً، حَتَّى يَأتِيَ قَوْمٌ مِنْ قِبَل المَشْرقِ وَمَعَهُمْ رَايَاتٌ سُودٌ، فَيَسْألُونَ الْحَقَّ فَلَا يُعْطَوْنَهُ، فَيُقَاتِلُونَ وَيُنْصَرُونَ، فَيُعْطَوْنَ مَا سَأَلُوا فَلَا يَقْبَلُونَ حَتَّى يَدْفَعُوهُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْل بَيْتِي، فَيَمْلَؤُهَا قِسْطاً كَمَا مَلَئُوهَا جَوْراً، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَأتِهِمْ وَلَوْ حَبْواً عَلَى الثَّلْج».
الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: فِي مَجِيئِهِ (علیه السلام) وَعَوْدِ الْإسْلَام بِهِ عَزيزاً، وَبِإسْنَادِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «وَيْحَ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ مُلُوكٍ جَبَابِرَةَ كَيْفَ يَقْتُلُونَ وَيُخِيفُونَ المُطِيعِينَ إِلَّا مَنْ أظْهَرَ طَاعَتَهُمْ، فَالمُؤْمِنُ التَّقِيُّ يُصَانِعُهُمْ بِلِسَانِهِ وَيَفِرُّ مِنْهُمْ بِقَلْبِهِ، فَإذَا أَرَادَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) أَنْ يُعِيدَ الْإسْلَامَ عَزيزاً فَصَمَ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى مَا يَشَاءُ أَنْ يُصْلِحَ أُمَّةً بَعْدَ فَسَادِهَا»، فَقَالَ (علیه السلام): «يَا حُذَيْفَةُ، لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اللهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْل بَيْتِي، تَجْري المَلاَحِمُ عَلَى يَدَيْهِ، وَيُظْهِرُ الْإسْلَامَ، لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ، وَهُوَ سَريعُ الْحِسَابِ».
التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: فِي تَنَعُّم الْأُمَّةِ فِي زَمَن المَهْدِيِّ (علیه السلام)، وَبِإسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ، عَن النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قَالَ: «يَتَنَعَّمُ أُمَّتِي فِي زَمَن المَهْدِيِّ (علیه السلام) نِعْمَةً لَمْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(474) في المصدر: (عبد الله بن عمر).

(١٤٢)

يَتَنَعَّمُوا قَبْلَهَا(475) قَطُّ، يُرْسِلُ السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً، وَلَا تَدَعُ الْأَرْضُ شَيْئاً مِنْ نَبَاتِهَا إِلَّا أَخْرَجَتْهُ».
الثَّلَاثُونَ: فِي ذِكْر المَهْدِيِّ وَهُوَ سَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِ الْجَنَّةِ، وَبِإسْنَادِهِ عَنْ أَنَس ابْن مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «نَحْنُ بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ سَادَاتُ أَهْل الْجَنَّةِ: أَنَا، وَأَخِي عَلِيٌّ، وَعَمِّي حَمْزَةُ، وَجَعْفَرٌ، وَالْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، وَالمَهْدِيُّ».
الحادِي وَالثَّلَاثُونَ: فِي مُلْكِهِ، وَبِإسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا لَيْلَةٌ لَمَلَكَ فِيهَا رَجُلٌ مِنْ أَهْل بَيْتِي».
الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: فِي خِلَافَتِهِ، وَبِإسْنَادِهِ عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يُقْتَلُ عِنْدَ كَنْزكُمْ ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمُ ابْنُ خَلِيفَةٍ، ثُمَّ لَا يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ تَجِيءُ الرَّايَاتُ السُّودُ فَيَقْتُلُونَهُمْ قَتْلاً لَمْ يُقْتَلْهُ قَوْمٌ، ثُمَّ يَجِيءُ خَلِيفَةُ اللهِ المَهْدِيُّ، فَإذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فَأتُوهُ فَبَايِعُوهُ فَإنَّهُ خَلِيفَةُ اللهِ المَهْدِيُّ».
الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي قَوْلِهِ (علیه السلام): «إِذَا سَمِعْتُمْ بِالمَهْدِيِّ فَأتُوهُ فَبَايِعُوهُ»، وَبِإسْنَادِهِ عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «تَجِيءُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَل المَشْرقِ، كَأنَّ قُلُوبَهُمْ زُبَرُ الْحَدِيدِ، فَمَنْ سَمِعَ بِهِمْ فَلْيَأتِهِمْ فَبَايَعَهُمْ وَلَوْ حَبْواً عَلَى الثَّلْج».
الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي ذِكْر المَهْدِيِّ وَبِهِ يُؤَلِّفُ اللهُ بَيْنَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، وَبِإسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام)، قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)]، أَمِنَّا آلَ مُحَمَّدٍ المَهْدِيُّ أَمْ مِنْ غَيْرنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لَا بَلْ مِنَّا، يَخْتِمُ اللهُ بِهِ الدِّينَ كَمَا فَتَحَ بِنَا، وَبِنَا يُنْقَذُونَ مِنَ الْفِتَن كَمَا أُنْقِذُوا مِنَ الشِّرْكِ، وَبِنَا يُؤَلِّفُ اللهُ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ بَعْدَ عَدَاوَةِ الْفِتْنَةِ إِخْوَاناً كَمَا أَلَّفَ بَيْنَهُمْ بَعْدَ عَدَاوَةِ الشِّرْكِ(476) إِخْوَاناً فِي دِينهِمْ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(475) في المصدر: (مثلها) بدل (قبلها).
(476) في المصدر إضافة: (وبنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخواناً كما أصبحوا بعد عداوة الشرك).

(١٤٣)

الخامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي قَوْلِهِ (علیه السلام): «لَا خَيْرَ فِي الْعَيْش بَعْدَ المَهْدِيِّ (علیه السلام)»، وَبِإسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا لَيْلَةٌ لَطَوَّلَ اللهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْل بَيْتِي، يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي، يَمْلَؤُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، وَيَقْسِمُ المَالَ بِالسَّويَّةِ، وَيَجْعَلُ اللهُ الْغِنَى فِي قُلُوبِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَيَمْلِكُ سَبْعاً أَوْ تِسْعاً، لَا خَيْرَ فِي الْعَيْش(477) بَعْدَ المَهْدِيِّ».
السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي ذِكْر المَهْدِيِّ وَبِيَدِهِ تُفْتَحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ، وَبِإسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْل بَيْتِي، يَفْتَحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَجَبَلَ الدَّيْلَم، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اللهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَفْتَحَهَا».
السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي ذِكْر المَهْدِيِّ وَهُوَ يَجِيءُ بَعْدَ مُلُوكٍ جَبَابِرَةَ، وَبِإسْنَادِهِ عَنْ قَيْس بْن جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أنَّ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: «سَيَكُونُ بَعْدِي خُلَفَاءُ، وَمِنْ بَعْدِ الْخُلَفَاءِ أُمَرَاءُ، وَمِنْ بَعْدِ الْأُمَرَاءِ مُلُوكٌ جَبَابِرَةُ، ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْل بَيْتِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً».
الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي قَوْلِهِ (علیه السلام): «مِنَّا الَّذِي يُصَلِّي عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (علیه السلام) خَلْفَهُ»، وَبِإسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مِنَّا الَّذِي يُصَلِّي عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (علیه السلام) خَلْفَهُ».
التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: وَهُوَ يُكَلِّمُ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ (علیه السلام)، وَبِإسْنَادِهِ عَنْ جَابِر ابْن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَنْزلُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (علیه السلام) فَيَقُولُ أَمِيرُهُمُ المَهْدِيُّ: تَعَالَ صَلِّ بِنَا، فَيَقُولُ: أَلَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرمَةً مِنَ اللهِ (عزَّ وجلَّ) لِهَذِهِ الْأُمَّةِ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(477) في المصدر: (عيش الحياة) بدل (العيش).

(١٤٤)

الْأَرْبَعُونَ: فِي قَوْلِهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فِي المَهْدِيِّ (علیه السلام)، وَبِإسْنَادِهِ يَرْفَعُهُ إِلَى مُحَمَّدِ بْن إِبْرَاهِيمَ الْإمَام حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ المَنْصُورَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْن الْعَبَّاس (رضي الله عنهما)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَنْ تَهْلِكَ أُمَّةٌ أَنَا فِي أَوَّلِهَا، وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فِي آخِرهَا، وَالمَهْدِيُّ فِي وَسَطِهَا»(478).
بيان: (جسمه جسم إسرائيلي): أي مثل بني إسرائيل في طول القامة وعظم الجثَّة. وقال الجزري: في صفة المهدي (علیه السلام) أنَّه أجلى الجبهة، الأجلى: الخفيف شعر ما بين النزعتين من الصدغين، والذي انحسر الشعر عن جبهته(479). وقال: الشمم ارتفاع قصبة الأنف واستواء أعلاها وإشراف الأرنبة قليلاً(480). وقال فيه: إنَّه (علیه السلام) كان متوشِّحاً بثوب قطري، هو ضرب من البرود فيه حمرة ولها أعلام فيها بعض الخشونة، وقيل: هي حُلَل جياد تُحمَل من قِبَل البحرين(481).
[197/38] كشف الغمَّة: ذكر الشيخ أبو عبد الله محمّد بن يوسف بن محمّد الشافعي في كتاب كفاية الطالب في مناقب عليِّ بن أبي طالب، وقال في أوَّله(482): إنِّي جمعت هذا الكتاب وعريته من طُرُق الشيعة ليكون الاحتجاج به آكد، فقال: في المهدي (علیه السلام):
الْبَابُ الأوَّلُ: فِي ذِكْر خُرُوجِهِ فِي آخِر الزَّمَان:
بِإسْنَادِهِ عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(478) كشف الغمَّة (ج 2/ ص 467 - 475/ فصل في أمر المهدي (علیه السلام)).
(479) النهاية (ج 1/ ص 290).
(480) النهاية (ج 2/ ص 502).
(481) النهاية (ج 4/ ص 80).
(482) جاءت هذه العبارة في أوَّل كتاب (البيان في أخبار صاحب الزمان) الملحق بـ (كفاية الطالب). راجع: كفاية الطالب (ص 476).

(١٤٥)

حَتَّى تَمْلِكَ الْعَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْل بَيْتِي، يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي»(483)، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ.
وَعَنْ عَلِيٍّ، عَن النَّبِيِّ (علیه السلام): «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا(484) إِلَّا يَوْمٌ لَبَعَثَ اللهُ رَجُلاً مِنْ أَهْل بَيْتِي يَمْلَؤُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً»، هَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ.
وَأَخْبَرَنَا الْحَافِظُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَزْهَرُ الصَّريفِينِيُّ بِدِمَشْقَ وَالْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ المَقْدِسِيُّ بِجَامِع جَبَل قاسبون(485)، قَالَا: أَنْبَأنَا أَبُو الْفَتْح نَصْرُ ابْنُ عَبْدِ الْجَامِع بْن عَبْدِ الرَّحْمَن الْفَامِيُّ بِهَرَاتَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن مَحْمُودٍ الطَّائِيُّ، أَنْبَأَنَا عِيسَى بْنُ شُعَيْبِ بْن إِسْحَاقَ السِّجْزيُّ(486)، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَن عَلِيُّ بْنُ بُشْرَى السِّجْزيُّ، أَنْبَأَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَن مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْن بْن إِبْرَاهِيمَ بْن عَاصِم الْآبُريُّ فِي كِتَابِ مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ: وَزَادَ زَائِدَةً(487) فِي روَايَتِهِ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ فِيهِ رَجُلاً مِنِّي - أَوْ مِنْ أَهْل بَيْتِي -، يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً».
قَالَ الْكَنْجِيُّ: وَقَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ الْحَدِيثَ فِي جَامِعِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ: «وَاسْمُ أَبِيهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(483) في المصدر إضافة: (وفي رواية: قال: يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، رواه الترمذي في جامعه وقال: لا تذهب الدنيا حتَّى تملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي).
(484) في المصدر: (الدهر) بدل (الدنيا).
(485) في المصدر: (قاسيون) بدل (قاسبون).
(486) في المصدر: (السنجري) بدل (الجسزي)، وكذا في ما بعد.
(487) هذه الزيادة ليست مخصوصة بحديث زائدة، عن زرٍّ، عن عبد الله، بل رواه غيره أيضاً كما مرَّ عليك في هذا الباب، وقد رواه أبو داود في سُنَنه (ج 2/ ص 309) عن فطر وغيره، والظاهر أنَّهم أرادوا أنْ يُحرِّفوا الحديث إلى محمّد بن عبد الله المهدي العبَّاسي، ولذلك تراهم يقولون في بعض الأحاديث: (وكنيته أبو عبد الله).

(١٤٦)

اسْمَ أَبِي»، وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِي مُعْظَم روَايَاتِ الْحُفَّاظِ وَالثِّقَاتِ مِنْ نَقَلَةِ الْأَخْبَار: «اسْمُهُ اسْمِي» فَقَطْ، وَالَّذِي رَوَى: «وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي» فَهُوَ زَائِدَةٌ، وَهُوَ يَزيدُ فِي الْحَدِيثِ، وَإِنْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ: «وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي»: أي الْحُسَيْنُ وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ، فَجَعْلُ الْكُنْيَةِ اسْماً كِنَايَةٌ عَنْ(488) أَنَّهُ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْن دُونَ الْحَسَن. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوي تَوَهَّمَ قَوْلَهُ: (ابْنِي) فَصَحَّفَهُ فَقَالَ: (أبِي)، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا جَمْعاً بَيْنَ الرِّوَايَاتِ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى (عَفَا اللهُ عَنْهُ): أَمَّا أَصْحَابُنَا الشِّيعَةُ فَلَا يُصَحِّحُونَ هَذَا الْحَدِيثَ لِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ مِن اسْمِهِ وَاسْم أَبِيهِ (علیه السلام)، وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَقَدْ نَقَلُوا أَنَّ زَائِدَةً كَانَ يَزيدُ فِي الْأَحَادِيثِ، فَوَجَبَ المَصِيرُ إِلَى أَنَّهُ مِنْ زِيَادَتِهِ، لِيَكُونَ جَمْعاً بَيْنَ الْأَقْوَالِ وَالرِّوَايَاتِ.
الْبَابُ الثَّانِي: فِي قَوْلِهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ»:
عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيَّبِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ، فَتَذَاكَرْنَا المَهْدِيَّ، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «المَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي(489) مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ»، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَةَ فِي سُنَنِهِ.
وَعَنْهُ، عَنْهَا (رضي الله عنها)، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «المَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ (عليها السلام)»، أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ.
وَعَنْ عَلِيٍّ (علیه السلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المَهْدِيُّ مِنَّا أهْلَ الْبَيْتِ (عليهم السلام)، يُصْلِحُهُ اللهُ فِي لَيْلَةٍ».
الْبَابُ الثَّالِثُ: فِي أَنَّ المَهْدِيَّ مِنْ سَادَاتِ أَهْل الجَنَّةِ:
عَنْ أَنَس بْن مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «نَحْنُ وُلْدُ عَبْدِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(488) في المصدر: (منه) بدل (عن).
(489) عبارة: (من عترتي) ليست في المصدر.

(١٤٧)

المُطَّلِبِ سَادَاتُ أَهْل الْجَنَّةِ: أَنَا، وَحَمْزَةُ، وَعَلِيٌّ، وَجَعْفَرٌ، وَالْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، وَالمَهْدِيُّ»، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَةَ فِي صَحِيحِهِ.
الْبَابُ الرَّابِعُ: فِي أَمْر النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بِمُبَايَعَةِ المَهْدِيِّ (علیه السلام):
عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يُقْتَلُ عِنْدَ كَنْزكُمْ ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمُ ابْنُ خَلِيفَةٍ، ثُمَّ لَا يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَل المَشْرقِ فَيَقْتُلُونَكُمْ قَتْلاً لَمْ يُقْتَلْهُ قَوْمٌ»، ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئاً لَا أَحْفَظُهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «فَإذَا رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ وَلَوْ حَبْواً عَلَى الثَّلْج فَإنَّهُ خَلِيفَةُ اللهِ المَهْدِيُّ»، أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ ابْنُ مَاجَةَ.
الْبَابُ الخامِسُ: فِي ذِكْر نُصْرَةِ أَهْل المَشْرقِ لِلْمَهْدِيِّ (علیه السلام):
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الْحَارثِ بْن جَزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَخْرُجُ أُنَاسٌ(490) مِنَ المَشْرقِ فَيُوطِئُونَ لِلْمَهْدِيِّ» يَعْنِي سُلْطَانَهُ، هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ رَوَتْهُ الثِّقَاتُ وَالْأَثْبَاتُ، أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ ابْنُ مَاجَةَ الْقَزْوينِيُّ فِي سُنَنِهِ.
وَعَنْ عَلْقَمَةَ بْن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِذْ أَقْبَلَ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِم، فَلَمَّا رَآهُمُ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ، قَالَ: فَقُلْنَا: مَا نَزَالُ نَرَى فِي وَجْهِكَ شَيْئاً نَكْرَهُهُ، قَالَ: «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اخْتَارَ اللهُ لَنَا الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا، وَإِنَّ أهْلَ بَيْتِي سَيَلْقَوْنَ بَعْدِي بَلَاءً وَتَشْريداً وَتَطْريداً، حَتَّى يَأتِيَ قَوْمٌ مِنْ قِبَل المَشْرقِ وَمَعَهُمْ رَايَاتٌ سُودٌ، فَيَسْألُونَ الْخَيْرَ وَلَا يُعْطَوْنَهُ، فَيُقَاتِلُونَ فَيُنْصَرُونَ، فَيُعْطَوْنَ مَا سَأَلُوا وَلَا يَقْبَلُونَهُ، حَتَّى يَدْفَعُوهَا إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْل بَيْتِي، فَيَمْلَؤُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مَلَئُوهَا جَوْراً، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكُمْ(491) مِنْكُمْ فَلْيَأتِهِمْ وَلَوْ حَبْواً عَلَى الثَّلْج».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(490) في المصدر: (ناس).
(491) في المصدر: (ذلك) بدل (ذلكم).

(١٤٨)

وَرَوَى ابْنُ أَعْثَمَ الْكُوفِيُّ فِي كِتَابِ الْفُتُوح عَنْ أَمِير المُؤْمِنينَ (علیه السلام)، أَنَّهُ قَالَ: «وَيْحاً لِلطَّالَقَان فَإنَّ للهِ (عزَّ وجلَّ) بِهَا كُنُوزاً لَيْسَتْ مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، وَلَكِنْ بِهَا رجَالٌ مُؤْمِنُونَ عَرَفُوا اللهَ حَقَّ مَعْرفَتِهِ، وَهُمْ أَيْضاً أَنْصَارُ المَهْدِيِّ فِي آخِر الزَّمَان».
الْبَابُ السَّادِسُ: فِي مِقْدَار مُلْكِهِ بَعْدَ ظُهُورهِ (علیه السلام):
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ، قَالَ: خَشِينَا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ نَبِيِّنَا حَدَثٌ، فَسَألْنَا نَبِيَّ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ: «إِنَّ فِي أُمَّتِي المَهْدِيّ يَخْرُجُ، يَعِيشُ خَمْساً أَوْ سَبْعاً أَوْ تِسْعاً» زَيْدٌ الشَّاكُّ(492).
قَالَ: قُلْنَا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: «سِنِينَ»، قَالَ: «فَيَجِيءُ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: يَا مَهْدِيُّ، أَعْطِني»، قَالَ: «فَيَحْثِي لَهُ فِي ثَوْبهِ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَحْمِلَهُ»، قَالَ الْحَافِظُ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُويَ مِنْ غَيْر وَجْهِ أَبِي سَعِيدٍ، عَن النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أنَّ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: «يَكُونُ فِي أُمَّتِيَ المَهْدِيُّ إِنْ قُصِرَ فَسَبْعٌ وَإِلَّا فَتِسْعٌ، يَتَنَعَّمُ(493) فِيهِ أُمَّتِي نِعْمَةً لَمْ يَتَنَعَّمُوا(494) مِثْلَهَا قَطُّ، تُؤْتِي الْأَرْضُ أُكُلَهَا وَلَا تَدَّخِرُ مِنْهُمْ شَيْئاً، وَالمَالُ يَوْمَئِذٍ كُدُوسٌ، يَقُومُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: يَا مَهْدِيُّ، أَعْطِني، فَيَقُولُ: خُذْ».
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْج النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قَالَ(495): «يَكُونُ اخْتِلَافٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ، فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْل المَدِينَةِ هَارباً إِلَى مَكَّةَ، فَيَأتِيهِ نَاسٌ مِنْ أَهْل مَكَّةَ فَيُخْرجُونَهُ وَهُوَ كَارهٌ، فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْن وَالمَقَام، وَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثُ الشَّام، فَتَنْخَسِفُ بِهِمُ الْبَيْدَاءُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، فَإذَا رَأى النَّاسُ ذَلِكَ أَتَاهُ أَبْدَالُ الشَّام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(492) جاء في البيان في أخبار صاحب الزمان: (زيد العمِّي) من رواة هذا الحديث.
(493) في المصدر: (تنعم) بدل (يتنعَّم).
(494) في المصدر: (ينعموه).
(495) في المصدر: (قالت) بدل (قال).

(١٤٩)

وَعَصَائِبُ أَهْل الْعِرَاقِ فَيُبَايِعُونَهُ، ثُمَّ يَنْشَأُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَحْوَالُهُ [أَخْوَالُهُ] كَلْبٌ، فَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بَعْثاً، فَيَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ بَعْثُ كَلْبٍ، وَالْخَيْبَةُ لِمَنْ لَمْ يَشْهَدْ غَنِيمَةَ كَلْبٍ، فَيَقْسِمُ المَالَ، وَيَعْمَلُ فِي النَّاس بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَيُلْقِي الْإسْلَامَ بِجِرَانِهِ إِلَى الْأَرْض، فَيَلْبَثُ سَبْعَ سِنِينَ، ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ».
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ هِشَام: تِسْعَ سِنِينَ(496)، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ غَيْرُ مُعَاذٍ عَنْ هِشَام: تِسْعَ سِنِينَ، قَالَ: هَذَا سِيَاقُ الْحُفَّاظِ كَالتِّرْمِذِيِّ وَابْن مَاجَةَ الْقَزْوينِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ.
الْبَابُ السَّابِعُ: فِي بَيَان أَنَّهُ يُصَلِّي بِعِيسَى بْن مَرْيَمَ (علیه السلام):
أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ؟»، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْن شِهَابٍ الزُّهْريِّ، رَوَاهُ الْبُخَاريُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا.
وَعَنْ جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، قَالَ: «فَيَنْزلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ (علیه السلام) فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ بِنَا، فَيَقُولُ: أَلَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرمَةَ(497) اللهِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ».
قال: هذا حديث حسن صحيح أخرجه مسلم في صحيحه، فإنْ كان الحديث المتقدِّم قد أُوِّل فهذا لا يمكن تأويله، لأنَّه صريح فإنَّ عيسى (علیه السلام) يُقدِّم أمير المسلمين، وهو يومئذٍ المهدي (علیه السلام)، فعلى هذا بطل تأويل من قال: معنى قوله: «وإمامكم منكم»، أي يؤمُّكم بكتابكم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(496) في المصدر إضافة: (وقال بعضهم: سبع سنين، وعن قتادة بهذا الحديث، وقال: تسع سنين).
(497) في المصدر إضافة: (من).

(١٥٠)

قال: فإنْ سأل سائل وقال: مع صحَّة هذه الأخبار وهي أنَّ عيسى يُصلِّي خلف المهدي (علیه السلام) ويجاهد بين يديه وأنَّه يقتل الدجَّال بين يدي المهدي (علیه السلام) ورتبة التقدُّم(498) في الصلاة معروفة وكذلك رتبة التقدُّم في الجهاد، وهذه الأخبار ممَّا يثبت طُرُقها وصحَّتها عند السُّنَّة وكذلك ترويها الشيعة على السواء، وهذا هو الإجماع من كافَّة أهل الإسلام، إذ من عدا الشيعة والسُّنَّة من الفِرَق فقوله ساقط مردود وحشو مطرح، فثبت أنَّ هذا إجماع كافَّة أهل الإسلام، ومع ثبوت الإجماع على ذلك وصحَّته فأيُّما أفضل الإمام أو المأموم في الصلاة والجهاد معاً؟
الجواب عن ذلك أنْ نقول: هما قدوتان نبيٌّ وإمام، وإنْ كان أحدهما قدوة لصاحبه في حال اجتماعهما وهو الإمام يكون قدوة للنبيِّ في تلك الحال، وليس فيهما من يأخذه في الله لومة لائم، وهما أيضاً معصومان من ارتكاب القبايح كافَّة والمداهنة والرياء والنفاق، ولا يدعو الداعي لأحدهما إلى فعل ما يكون خارجاً عن حكم الشريعة ولا مخالفاً لمراد الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وإذا كان الأمر كذلك فالإمام أفضل من المأموم لموضع ورود الشريعة المحمّديَّة بذلك، بدليل قَوْلِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَؤُمُّ بِالْقَوْم أَقْرَؤُهُمْ، فَإنْ اسْتَوَوْا فَأَعْلَمُهُمْ، فَإنْ اسْتَوَوْا فَأَفْقَهُهُمْ، فَإنْ اسْتَوَوْا فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإنْ اسْتَوَوْا فَأَصْبَحُهُمْ وَجْهاً»، فلو علم الإمام أنَّ عيسى أفضل منه لما جاز له أنْ يتقدَّم عليه لإحكامه علم الشريعة ولموضع تنزيه الله تعالى له عن ارتكاب كلِّ مكروه، وكذلك لو علم عيسى أنَّه أفضل منه لما جاز له أنْ يقتدي به لموضع تنزيه الله له من الرياء والنفاق والمحاباة، بل لما تحقَّق الإمام أنَّه أعلم منه جاز له أنْ يتقدَّم عليه، وكذلك قد تحقَّق عيسى أنَّ الإمام أعلم منه فلذلك قدَّمه وصلَّى خلفه، ولولا ذلك لم يسعه الاقتداء بالإمام، فهذه درجة الفضل في الصلاة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(498) في المصدر: (المتقدِّم)، وكذا في ما بعد.

(١٥١)

ثُمَّ الجهاد هو بذل النفس بين يدي من يرغب إلى الله تعالى بذلك، ولولا ذلك لم يصحّ لأحد جهاد بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا بين يدي غيره، والدليل على صحَّة ما ذهبنا إليه قول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 111]، ولأنَّ الإمام نائب الرسول في أُمَّته ولا يسوغ لعيسى (علیه السلام) أنْ يتقدَّم على الرسول فكذلك على نائبه.
وممَّا يُؤيِّد هذا القول مَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزيدَ بْن مَاجَةَ الْقَزْوينِيُّ فِي حَدِيثٍ طَويلٍ فِي نُزُولِ عِيسَى (علیه السلام)، فَمِنْ ذَلِكَ: قَالَتْ أُمُّ شَريكٍ بِنْتُ أَبِي الْعَكَر: يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ؟ فَقَالَ: «هُمْ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ، وَجُلُّهُمْ بِبَيْتِ المَقْدِس، وَإِمَامُهُمْ قَدْ تَقَدَّمَ يُصَلِّي بِهِمُ الصُّبْحَ إِذَا نَزَلَ بِهِمْ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (علیه السلام)، فَرَجَعَ ذَلِكَ الْإمَامُ يَنْكُصُ يَمْشِي الْقَهْقَرَى لِيَتَقَدَّمَ عِيسَى (علیه السلام) يُصَلِّي بِالنَّاس، فَيَضَعُ عِيسَى (علیه السلام) يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: تَقَدَّمْ».
قال: هذا حديث صحيح ثابت ذكره ابن ماجة في كتابه عن أبي أُمامة الباهلي، قال: خطبنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)... وهذا مختصره.
الْبَابُ الثَّامِنُ: فِي تَحْلِيَةِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المَهْدِيَّ:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المَهْدِيُّ مِنِّي، أَجْلَى الْجَبْهَةِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ»، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ(499) حَسَنٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ مِنَ الْحُفَّاظِ كَالطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرهِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(499) في المصدر إضافة: (ثابت).

(١٥٢)

وَذَكَرَ ابْنُ شِيرَوَيْهِ الدَّيْلَمِيُّ فِي كِتَابِ الْفِرْدَوْس فِي بَابِ الْأَلِفِ وَاللَّام بِإسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المَهْدِيُّ طَاوُوسُ أَهْل الْجَنَّةِ».
وَبِإسْنَادِهِ أَيْضاً عَنْ حُذَيْفَةَ بْن الْيَمَان، عَن النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أَنَّهُ قَالَ: «المَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِي، وَجْهُهُ كَالْقَمَر الدُّرِّيِّ، اللَّوْنُ لَوْنٌ عَرَبيٌّ، وَالْجِسْمُ جِسْمٌ إِسْرَائِيليُّ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً، يَرْضَى بِخِلَافَتِهِ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلُ الْأَرْض وَالطَّيْرُ فِي الْجَوِّ، يَمْلِكُ عِشْرينَ سَنَةً».
الْبَابُ التَّاسِعُ: فِي تَصْريح النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بِأنَّ المَهْدِيَّ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْن (علیه السلام):
عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْريَّ، فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ شَهِدْتَ بَدْراً؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقُلْتُ: أَلَا تُحَدِّثُنِي بِشَيْءٍ مِمَّا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فِي عَلِيٍّ وَفَضْلِهِ؟ فَقَالَ: بَلَى، أُخْبِرُكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مَرضَ مَرَضَةً نَقَهَ مِنْهَا، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ تَعُودُهُ وَأَنَا جَالِسٌ عَنْ يَمِين النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَلَمَّا رَأَتْ مَا بِرَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مِنَ الضَّعْفِ خَنَقَتْهَا الْعَبْرَةُ حَتَّى بَدَتْ دُمُوعُهَا عَلَى خَدِّهَا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَا يُبْكِيكِ يَا فَاطِمَةُ؟»، قَالَتْ: أَخْشَى الضَّيْعَةَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «يَا فَاطِمَةُ، أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى اطَّلَعَ إِلَى الْأَرْض اطِّلَاعَةً فَاخْتَارَ مِنْهُمْ أَبَاكِ فَبَعَثَهُ نَبِيًّا، ثُمَّ اطَّلَعَ ثَانِيَةً فَاخْتَارَ مِنْهُمْ بَعْلَكِ، فَأَوْحَى إِلَيَّ فَأَنْكَحْتُهُ وَاتَّخَذْتُهُ وَصِيًّا؟ أَمَا عَلِمْتِ أَنَّكِ بِكَرَامَةِ اللهِ إِيَّاكِ زَوَّجَكِ أَغْزَرَهُمْ عِلْماً، وَأَكْثَرَهُمْ حِلْماً، وَأَقْدَمَهُمْ سِلْماً؟»، فَاسْتَبْشَرَتْ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنْ يَزيدَهَا مَزيدَ الْخَيْر كُلِّهِ الَّذِي قَسَمَهُ اللهُ لِمُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ لَهَا: «يَا فَاطِمَةُ، وَلِعَلِيٍّ (علیه السلام) ثَمَانِيَةُ أَضْرَاسٍ - يَعْنِي مَنَاقِبَ -: إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَحِكْمَتُهُ، وَزَوْجَتُهُ، وَسِبْطَاهُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، وَأَمْرُهُ بِالمَعْرُوفِ وَنَهْيُهُ عَن المُنْكَر. يَا فَاطِمَةُ، إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ أُعْطِينَا سِتَّ خِصَالٍ لَمْ يُعْطَهَا أَحَدٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَلَا يُدْركُهَا أَحَدٌ مِنَ الْآخِرينَ

(١٥٣)

غَيْرُنَا: نَبِيُّنَا خَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ أَبُوكِ، وَوَصِيُّنَا خَيْرُ الْأَوْصِيَاءِ وَهُوَ بَعْلُكِ، وَشَهِيدُنَا خَيْرُ الشُّهَدَاءِ وَهُوَ حَمْزَةُ عَمُّ أَبِيكِ، وَمِنَّا سِبْطَا هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهُمَا ابْنَاكِ، وَمِنَّا مَهْدِيُّ الْأُمَّةِ الَّذِي يُصَلِّي عِيسَى خَلْفَهُ»، ثُمَّ ضَرَبَ عَلَى مَنْكِبِ الْحُسَيْن، فَقَالَ: «مِنْ هَذَا مَهْدِيُّ الْأُمَّةِ»، قَالَ: هَكَذَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ صَاحِبُ الْجَرْح وَالتَّعْدِيل.
الْبَابُ الْعَاشِرُ: فِي ذِكْر كَرَم المَهْدِيِّ (علیه السلام):
وَبِإسْنَادِهِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ قَفِيزٌ وَلَا دِرْهَمٌ، قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَل الْعَجَم يَمْنَعُونَ ذَاكَ، ثُمَّ قَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الشَّام أَنْ لَا يُجْبَى(500) إِلَيْهِمْ دِينَارٌ وَلَا مُدٌّ، قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَل الرُّوم، ثُمَّ سَكَتَ هُنَيْهَةً(501)، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَكُونُ فِي آخِر أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي المَالَ حَثْياً لَا يَعُدُّهُ عَدًّا»، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي نَضْرَةَ وَأَبِي الْعَلَاءِ الرَّيَّانِيِّ(502): إِنَّهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزيز؟ قَالَ: لَا»، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ.
وَبِإسْنَادِهِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مِنْ خُلَفَائِكُمْ خَلِيفَةٌ يَحْثُو المَالَ حَثْياً لَا يَعُدُّهُ عَدًّا»، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ(503).
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أُبَشِّرُكُمْ بِالمَهْدِيِّ، يُبْعَثُ فِي أُمَّتِي عَلَى اخْتِلَافٍ مِنَ النَّاس وَزَلَازِلَ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، يَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ وَسَاكِنُ الْأَرْض، يَقْسِمُ المَالَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(500) في المصدر: (يجيء) بدل (يجبى) وكذا في ما بعد.
(501) في المصدر: (هنيئة) بدل (هنيهة).
(502) في المصدر: (أتريان) بدل (الريَّاني).
(503) في المصدر إضافة: (وعن أبي سعيد وجابر بن عبد الله، قالا: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعدُّه». قال: هذا لفظ مسلم في صحيحه).

(١٥٤)

صِحَاحاً»، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا صِحَاحاً؟ قَالَ: «بِالسَّويَّةِ بَيْنَ النَّاس، وَيَمْلَأُ اللهُ قُلُوبَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) غِنًى، وَيَسَعُهُمْ عَدْلُهُ، حَتَّى يَأمُرَ مُنَادِياً يُنَادِي يَقُولُ: مَنْ لَهُ فِي المَالِ حَاجَةٌ؟ فَمَا يَقُومُ مِنَ النَّاس إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَيَقُولُ: أَنَا، فَيَقُولُ: ائْتِ السَّدَّانَ - يَعْنِي الْخَازِنَ -، فَقُلْ لَهُ: إِنَّ المَهْدِيَّ يَأمُرُكَ أَنْ تُعْطِيَني مَالاً، فَيَقُولُ لَهُ: احْثُ، حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ فِي حَجْرهِ وَأَبْرَزَهُ نَدِمَ، فَيَقُولُ: كُنْتُ أَجْشَعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ نَفْساً، أَعْجَزَ عَمَّا وَسِعَهُمْ، فَيَرُدُّهُ وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُ، فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّا لَا نَأخُذُ شَيْئاً أَعْطَيْنَاهُ، فَيَكُونُ لِذَلِكَ سَبْعَ سِنِينَ، أَوْ ثَمَانَ سِنِينَ، أَوْ تِسْعَ سِنِينَ(504)، ثُمَّ لَا خَيْرَ فِي الْعَيْش بَعْدَهُ»، أوْ قَالَ: «ثُمَّ لَا خَيْرَ فِي الْحَيَاةِ بَعْدَهُ»، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ ثَابِتٌ أَخْرَجَهُ شَيْخُ أَهْل الْحَدِيثِ فِي مُسْنَدِهِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أنَّ المُجْمَلَ فِي صَحِيح مُسْلِم هُوَ هَذَا المُبَيَّنُ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ بْن حَنْبَلٍ وفْقاً بَيْنَ الرِّوَايَاتِ.
وَبِإسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَكُونُ عِنْدَ انْقِطَاع مِنَ الزَّمَان وَظُهُورٍ مِنَ الْفِتَن رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: المَهْدِيُّ، [يَكُونُ](505) عَطَاؤُهُ هَنِيئاً»، قَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم الْحَافِظُ.
الْبَابُ الحادِي عَشَرَ: فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أنَّ المَهْدِيَّ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَم:
وَبِإسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْن أبِي طَالِبٍ (علیه السلام)، قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)]، أَمِنَّا آلُ مُحَمَّدٍ المَهْدِيُّ أَمْ مِنْ غَيْرنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لَا بَلْ مِنَّا، يَخْتِمُ اللهُ بِهِ الدِّينَ كَمَا فَتَحَ بِنَا، وَبِنَا يُنْقَذُونَ مِنَ الْفِتْنَةِ كَمَا أُنْقِذُوا مِنَ الشِّرْكِ، وَبِنَا يُؤَلِّفُ اللهُ بَيْنَ قُلُوبهِمْ بَعْدَ عَدَاوَةِ الْفِتْنَةِ كَمَا ألَّفَ بَيْنَ قُلُوبهِمْ بَعْدَ عَدَاوَةِ الشِّرْكِ، وَبِنَا يُصْبِحُونَ بَعْدَ عَدَاوَةِ الْفِتْنَةِ إِخْوَاناً كَمَا أَصْبَحُوا بَعْدَ عَدَاوَةِ الشِّرْكِ إِخْوَاناً فِي دِينِهِمْ»، قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ عَالٍ رَوَاهُ الْحُفَّاظُ فِي كُتُبِهِمْ، فَأَمَّا الطَّبَرَانِيُّ فَقَدْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(504) عبارة: (أو تسع سنين) ليست في المصدر.
(505) ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.

(١٥٥)

ذَكَرَهُ فِي المُعْجَم الأوْسَطِ، وَأَمَّا أَبُو نُعَيْمٍ فَرَوَاهُ فِي حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ، وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَن ابْنُ حَمَّادٍ فَقَدْ سَاقَهُ فِي عَوَالِيهِ.
وَعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَنْزلُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمُ المَهْدِيُّ: تَعَالَ صَلِّ بِنَا، فَيَقُولُ: أَلَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرمَةَ(506) اللهِ تَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّةَ»، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ رَوَاهُ الْحَارثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ، وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْم فِي عَوَالِيهِ.
وَفِي هَذِهِ النُّصُوص دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ المَهْدِيَّ غَيْرُ عِيسَى.
وَمَدَارُ الْحَدِيثِ: «لَا مَهْدِيَّ إِلَّا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ»، عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْن خَالِدٍ الْجُنْدِيُّ مُؤَذِّنُ الْجُنْدِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ المُطَلِّبِيُّ: كَانَ فِيهِ تَسَاهُلٌ فِي الْحَدِيثِ، قَالَ: قَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ وَاسْتَفَاضَتْ بِكَثْرَةِ رُوَاتِهَا عَن المُصْطَفَى (علیه السلام) فِي المَهْدِيِّ، وَأَنَّهُ يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ، وَيَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً، وَأَنَّهُ يَخْرُجُ مَعَ عِيسَى بْن مَرْيَمَ وَيُسَاعِدُهُ عَلَى قَتْل الدَّجَّالِ بِبَابِ لُدٍّ بِأَرْض فِلَسْطِينَ، وَأَنَّهُ يَؤُمُّ هَذِهِ الْأُمَّةَ وَعِيسَى يُصَلِّي خَلْفَهُ، فِي طُولٍ مِنْ قِصَّتِهِ وَأَمْرهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ، وَلَنَا بِهِ أَصْلٌ وَنَرْويهِ، وَلَكِنْ يَطُولُ ذِكْرُ سَنَدِهِ، قَالَ: وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ لَا يُقْبَلُ إِذَا كَانَ الرَّاوي مَعْرُوفاً بِالتَّسَاهُل فِي روَايَتِهِ.
الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ: فِي قَوْلِهِ (علیه السلام): «لَنْ تَهْلِكَ أُمَّةٌ أَنَا فِي أَوَّلِهَا، وَعِيسَى فِي آخِرهَا، وَالمَهْدِيُّ فِي وَسَطِهَا»:
وَبِإسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَنْ يَهْلِكَ أُمَّةٌ...» الْحَدِيثَ، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْم فِي عَوَالِيهِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «وَعِيسَى فِي آخِرهَا» لَمْ يُردْ بِهِ أَنَّ عِيسَى يَبْقَى بَعْدَ المَهْدِيِّ (علیه السلام)، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِوُجُوهٍ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(506) في المصدر إضافة: (من).

(١٥٦)

مِنْهَا: أَنَّهُ قَالَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا خَيْرَ فِي الْحَيَاةِ بَعْدَهُ»، وَفِي روَايَةٍ: «لَا خَيْرَ فِي الْعَيْش بَعْدَهُ»، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَمِنْهَا: أَنَّ المَهْدِيَّ (علیه السلام) إِذَا كَانَ إِمَامَ آخِر الزَّمَان وَلَا إِمَامَ بَعْدَهُ مَذْكُورٌ فِي روَايَةِ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَهَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ أنَّ الْخَلْقَ يَبْقَى بِغَيْر إِمَام.
فَإنْ قِيلَ: إِنَّ عِيسَى يَبْقَى بَعْدَهُ إِمَامُ الْأُمَّةِ.
قُلْتُ: لَا يَجُوزُ هَذَا الْقَوْلُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) صَرَّحَ أَنَّهُ لَا خَيْرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا كَانَ عِيسَى فِي قَوْم لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِمْ. وَأَيْضاً لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ نَائِبُهُ، لأنَّهُ جَلَّ مَنْصَبُهُ عَنْ ذَلِكَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِالْأُمَّةِ، لأنَّ ذَلِكَ يُوهِمُ الْعَوَامَّ انْتِقَالَ الْمِلَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ إِلَى الْمِلَّةِ الْعِيسَويَّةِ، وَهَذَا(507) كُفْرٌ، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الصَّوَابِ، وَهُوَ أَنَّهُ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَوَّلُ دَاع إِلَى مِلَّةِ الْإسْلَام، وَالمَهْدِيَّ أَوْسَطُ دَاع، وَالمَسِيحَ آخِرُ دَاع، فَهَذَا مَعْنَى الْخَبَر عِنْدِي. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: المَهْدِيُّ أَوْسَطُ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَعْنِي خَيْرَهَا، إِذْ هُوَ إِمَامُهَا، وَبَعْدَهُ(508) يَنْزلُ عِيسَى مُصَدِّقاً لِلْإمَام وَعَوْناً لَهُ وَمُسَاعِداً وَمُبَيِّناً لِلْأُمَّةِ صِحَّةَ مَا يَدَّعِيهِ الْإمَامُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ المَسِيحُ آخِرَ المُصَدِّقِينَ عَلَى وفْقِ النَّصِّ.
قَالَ الْفَقِيرُ إِلَى اللهِ تَعَالَى عَلِيُّ بْنُ عِيسَى أَثَابَهُ اللهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ: قَوْلُهُ: المَهْدِيُّ أَوْسَطُ الْأُمَّةِ يَعْنِي خَيْرَهَا، يُوهِمُ أَنَّ المَهْدِيَّ (علیه السلام) خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ (علیه السلام)، وَهَذَا لَا قَائِلَ بِهِ. وَالَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَوَّلُ دَاع، وَالمَهْدِيُّ (علیه السلام) لَـمَّا كَانَ تَابِعاً لَهُ وَمِنْ أَهْل مِلَّتِهِ جُعِلَ وَسَطاً لِقُرْبهِ مِمَّنْ هُوَ تَابِعُهُ وَعَلَى شَريعَتِهِ، وَعِيسَى (علیه السلام) لَـمَّا كَانَ صَاحِبَ مِلَّةٍ أُخْرَى وَدَعَا فِي آخِر زَمَانِهِ إِلَى شَريعَةٍ غَيْر شَريعَتِهِ حَسُنَ أَنْ يَكُونَ آخِرَهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(507) في المصدر: (فهذا).
(508) في المصدر: (وبعدها).

(١٥٧)

الْبَابُ الثَّالِثَ عَشَرَ: فِي ذِكْر كُنْيَتِهِ وَأَنَّهُ يُشْبِهُ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فِي خُلُقِهِ:
وَبِإسْنَادِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَبَعَثَ اللهُ رَجُلاً اسْمُهُ اسْمِي، وَخُلُقُهُ خُلُقِي، يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللهِ»، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ رُزِقْنَاهُ عَالِياً بِحَمْدِ اللهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «خُلُقُهُ خُلُقِي» مِنْ أَحْسَن الْكِنَايَاتِ عَن انْتِقَام المَهْدِيِّ (علیه السلام) مِنَ الْكُفَّار لِدِين اللهِ تَعَالَى، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].
قَالَ الْفَقِيرُ إِلَى اللهِ تَعَالَى عَلِيُّ بْنُ عِيسَى (عَفَا اللهُ عَنْهُ): الْعَجَبُ مِنْ قَوْلِهِ: مِنْ أَحْسَن الْكِنَايَاتِ إِلَى آخِر الْكَلَام، وَمِنْ أَيْنَ تَحَجَّرَ عَلَى الْخُلُقِ فَجَعَلَهُ مَقْصُوراً عَلَى الْاِنْتِقَام فَقَطْ وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيع أَخْلَاقِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مِنْ كَرَمِهِ وَشَرَفِهِ وَعِلْمِهِ وَحِلْمِهِ وَشَجَاعَتِهِ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَخْلاَقِهِ الَّتِي عَدَدْتُهَا صَدْرَ هَذَا الْكِتَابِ؟ وَأَعْجَبُ مِنْ قَوْلِهِ ذِكْرُ الْآيَةِ دَلِيلاً عَلَى مَا قَرَّرَهُ.
الْبَابُ الرَّابِعَ عَشَرَ: فِي ذِكْر اسْم الْقَرْيَةِ الَّتِي يَكُونُ مِنْهَا خُرُوجُ المَهْدِيِّ (علیه السلام):
وَبِإسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَخْرُجُ المَهْدِيُّ مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: كرعَةُ»، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ رُزِقْنَاهُ عَالِياً أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي عَوَالِيهِ كَمَا سُقْنَاهُ.
الْبَابُ الخامِسَ عَشَرَ: فِي ذِكْر الْغَمَامَةِ الَّتِي تُظَلِّلُ المَهْدِيَّ (علیه السلام) عِنْدَ خُرُوجِهِ:
وَبِإسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَخْرُجُ المَهْدِيُّ وَعَلَى رَأسِهِ غَمَامَةٌ فِيهَا مُنَادٍ يُنَادِي: هَذَا المَهْدِيُّ خَلِيفَةُ اللهِ»، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ مَا رُوِّينَاهُ عَالِياً إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
الْبَابُ السَّادِسَ عَشَرَ: فِي ذِكْر المَلَكِ الَّذِي يَخْرُجُ مَعَ المَهْدِيِّ (علیه السلام):
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَخْرُجُ المَهْدِيُّ وَعَلَى رَأسِهِ مَلَكٌ يُنَادِي: إِنَّ هَذَا المَهْدِيُّ، فَاتَّبِعُوهُ»، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَتْهُ الْحُفَّاظُ الْأَئِمَّةُ مِنْ أَهْل الْحَدِيثِ كَأَبِي نُعَيْم وَالطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرهِمَا.

(١٥٨)

الْبَابُ السَّابِعَ عَشَرَ: فِي ذِكْر صِفَةِ المَهْدِيِّ وَلَوْنهِ وَجِسْمِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مُرْسَلاً:
وَبِإسْنَادِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المَهْدِيُّ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي، لَوْنُهُ لَوْنٌ عَرَبيٌّ، وَجِسْمُهُ جِسْمٌ إِسْرَائِيليٌّ، عَلَى خَدِّهِ الْأَيْمَن خَالٌ كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً، يَرْضَى بِخِلَافَتِهِ أَهْلُ الْأَرْض وَأَهْلُ السَّمَاءِ وَالطَّيْرُ فِي الْجَوِّ»، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ رُزِقْنَاهُ عَالِياً بِحَمْدِ اللهِ عَنْ جَمٍّ غَفِيرٍ أَصْحَابِ(509) الثَّقَفِيِّ، وَسَنَدُهُ مَعْرُوفٌ عِنْدَنَا.
الْبَابُ الثَّامِنَ عَشَرَ: فِي ذِكْر خَالِهِ عَلَى خَدِّهِ الْأَيْمَن وَثِيَابِهِ وَفَتْحِهِ مَدَائِنَ الشِّرْكِ:
وَبِإسْنَادِهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الرُّوم أَرْبَعُ هُدَنٍ، فِي يَوْم الرَّابِعَةِ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْل هِرَقْلَ، يَدُومُ سَبْعَ سِنِينَ»، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ يُقَالُ لَهُ: المُسْتَوْردُ بْنُ غَيْلَانَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ إِمَامُ النَّاس يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «المَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِي، ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، كَأَنَّ وَجْهَهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، فِي خَدِّهِ الْأَيْمَن خَالٌ أَسْوَدُ، عَلَيْهِ عَبَاءَتَان قَطَوَانِيَّتَان، كَأَنَّهُ مِنْ رجَالِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَسْتَخْرجُ الْكُنُوزَ، وَيَفْتَحُ مَدَائِنَ الشِّرْكِ»، قَالَ: هَذَا سِيَاقُ الطَّبَرَانِيِّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَكْبَر.
الْبَابُ التَّاسِعَ عَشَرَ: فِي ذِكْر كَيْفِيَّةِ أَسْنَان المَهْدِيِّ (علیه السلام):
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بْن عَوْفٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَيَبْعَثَنَّ اللهُ مِنْ عِتْرَتِي رَجُلاً أَفْرَقَ الثَّنَايَا، أَجْلَى الْجَبْهَةِ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً، وَيَفِيضُ المَالَ فَيْضاً»، قَالَ: هَكَذَا أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْم فِي عَوَالِيهِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(509) في المصدر: (جمٍّ غفير من أصحاب).

(١٥٩)

الْبَابُ الْعِشْرُونَ: فِي ذِكْر فَتْح المَهْدِيِّ (علیه السلام) الْقُسْطَنْطِينيَّةَ(510):
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قَالَ: «لَا يَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْل بَيْتِي، يَفْتَحُ الْقُسْطَنْطِينيَّةَ وَجَبَلَ الدَّيْلَم، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَفْتَحَهَا»، قَالَ: هَذَا سِيَاقُ الْحَافِظِ أَبِي نُعَيْم، وَقَالَ: هَذَا هُوَ المَهْدِيُّ بِلَا شَكٍّ وفْقاً بَيْنَ الرِّوَايَاتِ.
الْبَابُ الحادِي وَالْعِشْرُونَ: فِي ذِكْر خُرُوج المَهْدِيِّ (علیه السلام) بَعْدَ مُلُوكٍ جَبَابِرَةٍ(511):
وَبِإسْنَادِهِ عَنْ جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: «سَيَكُونُ بَعْدِي خُلَفَاءُ، وَمِنْ بَعْدِ الْخُلَفَاءِ أُمَرَاءُ، وَمِنْ بَعْدِ الْأُمَرَاءِ مُلُوكٌ جَبَابِرَةٌ، ثُمَّ يَخْرُجُ المَهْدِيُّ مِنْ أَهْل بَيْتِي، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً»، قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْم فِي فَوَائِدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَكْبَر.
الْبَابُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: فِي قَوْلِهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المَهْدِيُّ إِمَامٌ صَالِحٌ»:
وَبِإسْنَادِهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَذَكَرَ الدَّجَّالَ وَقَالَ فِيهِ: «إِنَّ المَدِينَةَ لَتَنْفِي(512) خَبَثَهَا كَمَا يَنْفِي(513) الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ، وَيُدْعَى ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الْخَلَاص»، فَقَالَتْ أُمُّ شَريكٍ: فَأَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «هُمْ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ، وَجُلُّهُمْ بِبَيْتِ المَقْدِس، وَإِمَامُهُمُ المَهْدِيُّ رَجُلٌ صَالِحٌ»، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ هَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْم الْأَصْفَهَانِيُّ.
الْبَابُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: فِي ذِكْر تَنَعُّم الْأُمَّةِ زَمَنَ المَهْدِيِّ (علیه السلام):
بِإسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ، عَن النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قَالَ: «تَتَنَعَّمُ أُمَّتِي فِي زَمَن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(510) في المصدر إضافة: (وجبل الديلم).
(511) في المصدر: (ملك الجبابرة).
(512) في المصدر: (لتنقى) بدل (لتنفي).
(513) في المصدر: (ينقى).

(١٦٠)

المَهْدِيِّ (علیه السلام) نِعْمَةً لَمْ يَتَنَعَّمُوا مِثْلَهَا قَطُّ، يُرْسَلُ السَّمَاءُ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً، وَلَا تَدَعُ الْأَرْضُ شَيْئاً مِنْ نَبَاتِهَا إِلَّا أَخْرَجَتْهُ»، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنُ المَتْن رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَكْبَر.
الْبَابُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: فِي أَخْبَار رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بِأنَّ المَهْدِيَّ خَلِيفَةُ اللهِ تَعَالَى:
وَبِإسْنَادِهِ عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يُقْتَلُ عِنْدَ كَنْزكُمْ ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمُ ابْنُ خَلِيفَةٍ لَا يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ تَجِيءُ الرَّايَاتُ السُّودُ فَيَقْتُلُونَهُمْ قَتْلاً لَمْ يُقْتَلْهُ قَوْمٌ، ثُمَّ يَجِيءُ خَلِيفَةُ اللهِ المَهْدِيُّ، فَإذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فَأتُوهُ فَبَايِعُوهُ فَإنَّهُ خَلِيفَةُ اللهِ المَهْدِيُّ»، قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنُ المَتْن وَقَعَ إِلَيْنَا عَالِياً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِحَمْدِ اللهِ وَحُسْن تَوْفِيقِهِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى شَرَفِ المَهْدِيِّ بِكَوْنهِ خَلِيفَةَ اللهِ فِي الْأَرْض عَلَى لِسَان أَصْدَقِ وُلْدِ آدَمَ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ...﴾ الْآيَةَ [المائدة: 67].
الْبَابُ الخامِسُ وَالْعِشْرُونَ: فِي الدَّلَالَةِ عَلَى كَوْن المَهْدِيِّ حَيًّا بَاقِياً مُذْ غَيْبَتِهِ إِلَى الْآنَ:
وَلَا امْتِنَاعَ فِي بَقَائِهِ، بِدَلِيل بَقَاءِ عِيسَى وَالْخَضِر وَإِلْيَاسَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ تَعَالَى، وَبَقَاءِ الدَّجَّالِ وَإِبْلِيسَ اللَّعِين مِنْ أَعْدَاءِ اللهِ تَعَالَى، وَهَؤُلَاءِ قَدْ ثَبَتَ بَقَاؤُهُمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَدِ اتَّفَقُوا ثُمَّ أَنْكَرُوا جَوَازَ بَقَاءِ المَهْدِيِّ، لِأَنَّهُمْ(514) إِنَّمَا أَنْكَرُوا بَقَاءَهُ مِنْ وَجْهَيْن: أَحَدُهُمَا طُولُ الزَّمَان، وَالثَّانِي أَنَّهُ فِي سِرْدَابٍ مِنْ غَيْر أَنْ يَقُومَ أَحَدٌ بِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ عَادَةً.
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْن مُحَمَّدٍ الْكَنْجِيُّ: بِعَوْن اللهِ نَبْتَدِئُ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(514) في المصدر إضافة: (وها أنا أُبيِّن بقاء كلِّ واحد منهم، فلا يسع بعد هذا العاقل إنكار جواز بقاء المهدي).

(١٦١)

أَمَّا عِيسَى (علیه السلام) فَالدَّلِيلُ عَلَى بَقَائِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: 159]، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ مُنْذُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي آخِر الزَّمَان.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَن النُّوَاس بْن سِمْعَانَ فِي حَدِيثٍ طَويلٍ فِي قِصَّةِ الدَّجَّالِ، قَالَ: «فَيَنْزلُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ عِنْدَ المَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيِّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْن(515)، وَاضِعاً كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْن».
وَأَيْضاً مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ؟».
وَأَمَّا الْخَضِرُ وَإِلْيَاسُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ جَريرٍ الطَّبَريُّ: الْخَضِرُ وَإِلْيَاسُ بَاقِيَان يَسِيرَان فِي الْأَرْض.
وَأَيْضاً فَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حَدِيثاً طَويلاً عَن الدَّجَّالِ، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا قَالَ: «يَأتِي وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ المَدِينَةِ، فَيَنْتَهِي إِلَى بَعْض السِّبَاخ الَّتِي تَلِي المَدِينَةَ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاس - أَوْ مِنْ خَيْر النَّاس -، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حَدِيثَهُ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ أَتَشُكُّونَ فِي الْأَمْر؟ فَيَقُولُونَ: لَا، قَالَ: فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ: وَاللهِ مَا كُنْتُ فِيكَ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْآنَ، قَالَ: فَيُريدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ»، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ: يُقَالُ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ الْخَضِرُ (علیه السلام)، قَالَ: هَذَا لَفْظُ مُسْلِم فِي صَحِيحِهِ كَمَا سُقْنَاهُ سَوَاءً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(515) هكذا في مشكاة المصابيح (ص 473)؛ وفي سُنَن أبي داود (ج 2/ ص 319): (ممصرتين)، يقال: ثوب مهرود: أصفر مصبوغ بالهرد، وثوب ممصر: مصبوغ بالمصر، أي الطين الأحمر أو الأصفر.

(١٦٢)

وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى بَقَاءِ الدَّجَّالِ، فَإنَّهُ أَوْرَدَ حَدِيثَ تَمِيم الدَّاريِّ وَالْجَسَّاسَةِ وَالدَّابَّةِ الَّتِي كَلَّمَتْهُمْ(516)، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَقَالَ: هَذَا صَريحٌ فِي بَقَاءِ الدَّجَّالِ.
قَالَ: وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى بَقَاءِ إِبْلِيسَ اللَّعِين فَآيُ الْكِتَابِ الْعَزيز، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾ [الحجر: 36 و37].
وَأَمَّا بَقَاءُ المَهْدِيِّ (علیه السلام) فَقَدْ جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ:
أَمَّا الْكِتَابُ، فَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي تَفْسِير قَوْلِهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 33]، قَالَ: هُوَ المَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَةِ فَاطِمَةَ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهُ عِيسَى (علیه السلام)، فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْقَوْلَيْن، إِذْ هُوَ مُسَاعِدٌ لِلْإمَام عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَقَدْ قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَمَنْ شَايَعَهُ مِنَ المُفَسِّرينَ فِي تَفْسِير قَوْلِهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾ [الزخرف: 61]، قَالَ: هُوَ المَهْدِيُّ، يَكُونُ فِي آخِر الزَّمَان، وَبَعْدَ خُرُوجِهِ يَكُونُ قِيَامُ السَّاعَةِ وَأَمَارَاتُهَا(517).
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ طُولِ الزَّمَان، فَمِنْ حَيْثُ النَّصِّ وَالمَعْنَى:
أَمَّا النَّصُّ، فَمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَخْبَار عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الثَّلَاثَةِ فِي آخِر الزَّمَان، وَأَنَّهُمْ لَيْسَ فِيهِمْ مَتْبُوعٌ غَيْرُ المَهْدِيِّ، بِدَلِيل أَنَّهُ إِمَامُ الْأُمَّةِ فِي آخِر الزَّمَان، وَأَنَّ عِيسَى (علیه السلام) يُصَلِّي خَلْفَهُ كَمَا وَرَدَ فِي الصِّحَاح وَيُصَدِّقُهُ فِي دَعْوَاهُ، وَالثَّالِثُ هُوَ الدَّجَّالُ اللَّعِينُ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ حَيٌّ مَوْجُودٌ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(516) في المصدر: (تُكلِّمهم) بدل (كلَّمتهم).
(517) كشف الغمَّة (ج 2/ ص 475 - 490).

(١٦٣)

وَأَمَّا المَعْنَى فِي بَقَائِهِمْ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ قِسْمَيْن: إِمَّا أَنْ يَكُونَ بَقَاؤُهُمْ فِي مَقْدُور اللهِ تَعَالَى، أَوْ لَا يَكُونُ. وَمُسْتَحِيلٌ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مَقْدُور اللهِ، لأنَّ مَنْ بَدَأَ الْخَلْقَ مِنْ غَيْر شَيْءٍ وَأَفْنَاهُ ثُمَّ يُعِيدُهُ بَعْدَ الْفَنَاءِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْبَقَاءُ فِي مَقْدُورهِ تَعَالَى، فَلاَ يَخْلُو مِنْ قِسْمَيْن: إِمَّا أَنْ يَكُونَ رَاجِعاً إِلَى اخْتِيَار اللهِ تَعَالَى، أَوْ إِلَى اخْتِيَار الْأُمَّةِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعاً إِلَى اخْتِيَار الْأُمَّةِ، لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ لَجَازَ لِأَحَدِنَا أَنْ يَخْتَارَ الْبَقَاءَ لِنَفْسِهِ وَلِوُلْدِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ حَاصِلٍ لَنَا، غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ مَقْدُورنَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ رَاجِعاً إِلَى اخْتِيَار اللهِ سُبْحَانَهُ. ثُمَّ لَا يَخْلُو بَقَاءُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ مِنْ قِسْمَيْن أَيْضاً: إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِسَبَبٍ، أَوْ لَا يَكُونَ لِسَبَبٍ. فَإنْ كَانَ لِغَيْر سَبَبٍ كَانَ خَارجاً عَنْ وَجْهِ الْحِكْمَةِ، وَمَا يَخْرُجُ عَنْ وَجْهِ الْحِكْمَةِ لَا يَدْخُلُ فِي أَفْعَالِ اللهِ تَعَالَى، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِسَبَبٍ يَقْتَضِيهِ حِكْمَةُ اللهِ تَعَالَى.
قَالَ: وَسَنَذْكُرُ سَبَبَ بَقَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حِدَتِهِ:
أَمَّا بَقَاءُ عِيسَى (علیه السلام) لِسَبَبٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: 159]، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ مُنْذُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا أَحَدٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي آخِر الزَّمَان.
وَأَمَّا الدَّجَّالُ اللَّعِينُ لَمْ يُحْدِثْ حَدَثاً مُنْذُ عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّهُ خَارجٌ فِيكُمُ الْأَعْوَرُ الدَّجَّالُ، وَأَنَّ مَعَهُ جِبِالاً مِنْ خُبْزٍ تَسِيرُ مَعَهُ...، إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ آيَاتِهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي آخِر الزَّمَان لَا مُحَالَةَ.
وَأَمَّا الْإمَامُ المَهْدِيُّ (علیه السلام) مُذْ غَيْبَتِهِ عَن الْأَبْصَار إِلَى يَوْمِنَا هَذَا لَمْ يَمْلَأ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا تَقَدَّمَتِ الْأَخْبَارُ فِي ذَلِكَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَشْرُوطاً بِآخَر الزَّمَان، فَقَدْ صَارَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ لِاسْتِيفَاءِ الْأَجَل المَعْلُوم، فَعَلَى هَذَا اتَّفَقَتْ أَسْبَابُ بَقَاءِ الثَّلَاثَةِ [وَهُمْ عِيسَى وَالمَهْدِيُّ وَالدَّجَّالُ](518)، لِصِحَّةِ أَمْرٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(518) ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.

(١٦٤)

مَعْلُوم فِي وَقْتٍ مَعْلُوم، وَهُمْ صَالِحَان نَبِيٌّ وَإِمَامٌ، وَطَالِحٌ عَدُوُّ اللهِ وَهُوَ الدَّجَّالُ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْأَخْبَارُ مِنَ الصِّحَاح بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي صِحَّةِ بَقَاءِ الدَّجَّالِ مَعَ صِحَّةِ بَقَاءِ عِيسَى (علیه السلام)، فَمَا المَانِعُ مِنْ بَقَاءِ المَهْدِيِّ (علیه السلام) مَعَ كَوْن بَقَائِهِ بِاخْتِيَار اللهِ وَدَاخِلاً تَحْتَ مَقْدُورهِ سُبْحَانَهُ وَهُوَ آيَةُ الرَّسُولِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
فَعَلَى هَذَا هُوَ أَوْلَى بِالْبَقَاءِ مِنَ الْاِثْنَيْن الْآخَرَيْن، لِأَنَّهُ إِذَا بَقِيَ المَهْدِيُّ (علیه السلام) كَانَ إِمَامَ آخِر الزَّمَان يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا تَقَدَّمَتِ الْأَخْبَارُ، فَيَكُونُ بَقَاؤُهُ مَصْلَحَةً لِلْمُكَلَّفِينَ وَلُطْفاً بِهِمْ فِي بَقَائِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَالدَّجَّالُ إِذَا بَقِيَ فَبَقَاؤُهُ مَفْسَدَةٌ لِلْعَالَمِينَ، لِمَا ذُكِرَ مِن ادِّعَاءِ رُبُوبِيَّتِهِ(519) وَفَتْكِهِ بِالْأُمَّةِ، وَلَكِنْ فِي بَقَائِهِ ابْتِلَاءٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِيَعْلَمَ المُطِيعَ مِنْهُمْ مِنَ الْعَاصِي وَالمُحْسِنَ مِنَ المُسِيءِ وَالمُصْلِحَ مِنَ المُفْسِدِ، وَهَذَا هُوَ الْحِكْمَةُ فِي بَقَاءِ الدَّجَّالِ.
وَأَمَّا بَقَاءُ عِيسَى فَهُوَ سَبَبُ إِيمَان أَهْل الْكِتَابِ بِهِ، لِلْآيَةِ، وَالتَّصْدِيق بِنُبُوَّةِ سَيِّدِ الْأَنْبِيَاءِ مُحَمَّدٍ خَاتَم النَّبِيّينَ وَرَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ الطَّاهِرينَ)، وَيَكُونُ تِبْيَاناً لِدَعْوَى الْإمَام عِنْدَ أَهْل الْإيمَان، وَمُصَدِّقاً لِمَا دَعَا إِلَيْهِ عِنْدَ أَهْل الطُّغْيَان، بِدَلِيل صَلَاتِهِ خَلْفَهُ، وَنُصْرَتِهِ إِيَّاهُ، وَدُعَائِهِ إِلَى الْمِلَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ الَّتِي هُوَ إِمَامٌ فِيهَا، فَصَارَ بَقَاءُ المَهْدِيِّ (علیه السلام) أَصْلاً وَبَقَاءُ الْاِثْنَيْن فَرْعاً عَلَى بَقَائِهِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ بَقَاءُ الْفَرْعَيْن مَعَ عَدَم بَقَاءِ الْأَصْل لَهُمَا؟ وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَصَحَّ وُجُودُ المُسَبَّبِ مِنْ دُون وُجُودِ السَّبَبِ، وَذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ فِي الْعُقُولِ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ بَقَاءَ المَهْدِيِّ (علیه السلام) أَصْلٌ لِبَقَاءِ الْاِثْنَيْن، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وُجُودُ عِيسَى (علیه السلام) بِانْفِرَادِهِ غَيْرَ نَاصِرٍ لِمِلَّةِ الْإسْلَام وَغَيَر مُصَدِّقٍ لِلْإمَام، لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَكَانَ مُنْفَرداً بِدَوْلَةٍ وَدَعْوَةٍ، وَذَلِكَ يُبْطِلُ دَعْوَةَ الْإسْلَام مِنْ حَيْثُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ تَبَعاً فَصَارَ مَتْبُوعاً، وَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ فَرْعاً فَصَارَ أَصْلاً، وَالنَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: «لَا نَبِيَّ بَعْدِي»،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(519) في المصدر: (الربوبيَّة).

(١٦٥)

وَقَالَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللهُ عَلَى لِسَانِي إِلَى يَوْم الْقِيَامَةِ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَى لِسَانِي إِلَى يَوْم الْقِيَامَةِ»، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَوْناً وَنَاصِراً وَمُصَدِّقاً، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَكُونُ لَهُ عَوْناً وَمُصَدِّقاً لَمْ يَكُنْ لِوُجُودِهِ تَأثِيرٌ، فَثَبَتَ أنَّ وُجُودَ المَهْدِيِّ (علیه السلام) أَصْلٌ لِوُجُودِهِ. وَكَذَلِكَ الدَّجَّالُ اللَّعِينُ لَا يَصِحُّ وُجُودُهُ فِي آخِر الزَّمَان، وَلَا يَكُونُ لِلْأُمَّةِ إِمَامٌ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ وَوَزِيرٌ يُعَوِّلُونَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَزَلِ الْإسْلَامُ مَقْهُوراً وَدَعْوَتُهُ بَاطِلَةً، فَصَارَ وُجُودُ الْإمَام أَصْلاً لِوُجُودِهِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ إِنْكَارهِمْ بَقَاءَهُ فِي السِّرْدَابِ مِنْ غَيْر أَحَدٍ يَقُومُ بِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، فَفِيهِ جَوَابَان:
أحَدُهُمَا: بَقَاءُ عِيسَى (علیه السلام) فِي السَّمَاءِ مِنْ غَيْر أَحَدٍ يَقُومُ بِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، وَهُوَ بَشَرٌ مِثْلُ المَهْدِيِّ (علیه السلام)، فَلَمَّا جَازَ بَقَاؤُهُ فِي السَّمَاءِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَكَذَلِكَ المَهْدِيُّ فِي السِّرْدَابِ.
فَإنْ قُلْتَ: إِنَّ عِيسَى (علیه السلام) يُغَذِّيهِ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْ خِزَانَةِ غَيْبهِ، فَقُلْتُ: لَا تَفْنَى خَزَائِنُهُ بِانْضِمَام المَهْدِيِّ (علیه السلام) إِلَيْهِ فِي غِذَائِهِ.
فَإنْ قُلْتَ: إِنَّ عِيسَى خَرَجَ عَنْ طَبِيعَةِ الْبَشَريَّةِ، قُلْتُ: هَذِهِ دَعْوَى بَاطِلَةٌ، لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى لِأَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [الكهف: 110].
فَإنْ قُلْتَ: اكْتَسَبَ ذَلِكَ مِنَ الْعَالَم الْعِلْويِّ، قُلْتُ: هَذَا يَحْتَاجُ إِلَى تَوْقِيفٍ، وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ.
وَالثَّانِي: بَقَاءُ الدَّجَّالِ فِي الدَّيْر عَلَى مَا تَقَدَّمَ بِأَشَدِّ الْوَثَاقِ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ، وَفِي روَايَةٍ: فِي بِئْرٍ مَوْثُوقٌ، وَإِذَا كَانَ بَقَاءُ الدَّجَّالِ مُمْكِناً عَلَى الْوَجْهِ المَذْكُور مِنْ غَيْر أَحَدٍ يَقُومُ بِهِ، فَمَا المَانِعُ مِنْ بَقَاءِ المَهْدِيِّ (علیه السلام) مُكَرَّماً مِنْ غَيْر الْوَثَاقِ؟ إِذِ الْكُلُّ فِي مَقْدُور اللهِ تَعَالَى، فَثَبَتَ أَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِع شَرْعاً وَلَا عَادَةً.

(١٦٦)

ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ هَذِهِ الْأَبْحَاثِ خَبَرَ سُطَيْحٍ، وَأَنَا أذْكُرُ مِنْهُ مَوْضِعَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَمُقْتَضَاهُ، يَذْكُرُ لِذِي جَدَنٍ المَلِكِ وَقَائِعَ وَحَوَادِثَ تَجْري وَزَلَازِلَ مِنْ فِتَنٍ، ثُمَّ إِنَّهُ يَذْكُرُ خُرُوجَ المَهْدِيِّ (علیه السلام)، وَأَنَّهُ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً وَيُطَيِّبُ الدُّنْيَا وَأَهْلَهَا فِي أَيَّام دَوْلَتِهِ (علیه السلام)، وَرُويَ عَن الْحَافِظِ مُحَمَّدِ بْن النَّجَّار أَنَّهُ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ مِنْ طِوَالَاتِ المَشَاهِير، كَذَا ذَكَرَهُ الْحُفَّاظُ فِي كُتُبِهِمْ، وَلَمْ يُخَرَّجْ فِي الصَّحِيح(520).
[198/39] كشف الغمَّة: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ: وَأَمَّا مَا وَرَدَ عَن النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فِي المَهْدِيِّ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ:
فَمِنْهَا: مَا نَقَلَهُ الْإمَامَان أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ (رضي الله عنهما) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَنَدِهِ فِي صَحِيحِهِ يَرْفَعُهُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «المَهْدِيُّ مِنِّي، أَجْلَى الْجَبْهَةِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، وَيَمْلِكُ سَبْعَ سِنينَ».
وَمِنْهَا: [مَا أَخْرَجَهُ] أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدِهِ فِي صَحِيحِهِ يَرْفَعُهُ إِلَى عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدَّهْر إِلَّا يَوْمٌ لَبَعَثَ اللهُ رَجُلاً مِنْ أَهْل بَيْتِي يَمْلَؤُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً».
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَيْضاً أَبُو دَاوُدَ فِي صَحِيحِهِ يَرْفَعُهُ بِسَنَدِهِ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْج النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «المَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ».
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْبَغَويُّ فِي كِتَابِهِ المُسَمَّى بِشَرْح السُّنَّةِ، وَأَخْرَجَهُ الإمَامَان الْبُخَاريُّ وَمُسْلِمٌ (رضي الله عنهما) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَنَدِهِ فِي صَحِيحِهِ يَرْفَعُهُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ؟».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(520) كشف الغمَّة (ج 2/ ص 490 - 493/ فصل في الدلالة على كون المهدي حيًّا باقياً).

(١٦٧)

وَمِنْهَا: مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ (رضي الله عنهما) بِسَنَدِهِمَا فِي صَحِيحَيْهِمَا يَرْفَعُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَنَدِهِ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ (رضي الله عنه)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اللهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ رَجُلاً مِنِّي - أَوْ مِنْ أَهْل بَيْتِي -، يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً».
وَفِي روَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: «يَلي رَجُلٌ مِنْ أَهْل بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي» هَذِهِ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ (رضي الله عنهما).
وَمِنْهَا: مَا نَقَلَهُ الْإمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ(521) أَحْمَدُ(522) بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّعْلَبِيُّ (رضي الله عنه) فِي تَفْسِيرهِ يَرْفَعُهُ بِسَنَدِهِ إِلَى أَنَس بْن مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «نَحْنُ وُلْدُ عَبْدِ المُطَّلِبِ سَادَةُ الْجَنَّةِ: أَنَا، وَحَمْزَةُ، وَجَعْفَرٌ، وَعَلِيٌّ، وَالْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، وَالمَهْدِيُّ»(523).
أقول: روى السيِّد ابن طاوس في كتاب الطرائف من مناقب ابن المغازلي نحواً ممَّا مرَّ في الباب التاسع إلى قوله: «ومنَّا والذي نفسي بيده مهدي هذه الأُمَّة»(524).
روى صاحب كشف الغمَّة عن محمّد بن طلحة الحديث الذي أورده أوَّلاً في الباب الثامن عن أبي داود والترمذي(525)، والحديث الأوَّل من الباب الثاني عن أبي داود في صحيحه، والحديث الأوَّل من الباب السابع عن صحيحي البخاري ومسلم وشرح السُّنَّة للحسين بن مسعود البغوي، والحديث الثاني من الباب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(521) عبارة: (أبو إسحاق) ليست في المصدر.
(522) في المصدر إضافة: (بن إسحاق).
(523) كشف الغمَّة (ج 2/ ص 437 و438).
(524) الطرائف (ج 1/ ص 134/ ح 212).
(525) كشف الغمَّة (ج 2/ ص 437).

(١٦٨)

الأوَّل عن أبي داود في صحيحه، والحديث الثالث من الباب الأوَّل عن أبي داود والترمذي مع زيادة: «واسم أبيه اسم أبي» وبدونها، وحديث الباب الثالث عن تفسير الثعلبي(526).
ثُمَّ قال ابن طلحة: فإنْ قيل: بعض هذه الصفات لا تنطبق على الخلف الصالح، فإنَّ اسم أبيه لا يوافق اسم والد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثُمَّ أجاب بعد تمهيد مقدّمتين:
الأوَّل: أنَّه شائع في لسان العرب إطلاق لفظ الأب على الجدِّ الأعلى، كقوله تعالى: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ [الحجّ: 78]، وقوله حكاية عن يوسف: ﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ﴾ [يوسف: 38]، وفي حديث الإسراء أَنَّ جبرئيل قال: هذا أبوك إبراهيم.
والثاني: أنَّ لفظة الاسم تُطلَق على الكنية وعلى الصفة، كما روى البخاري ومسلم أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سمَّى عليًّا أبا تراب، ولم يكن اسم أحبُّ إليه منه، فأطلق لفظ الاسم على الكنية، ومثل ذلك قول المتنبِّي:

أجلّ قدرك أنْ تُسمَّى مؤنبة(527) * * * ومن كنَّاك فقد سمَّاك للعربِ

ثمّ قال: ولـمَّا كان الحجَّة من ولد أبي عبد الله الحسين فأطلق النبيُّ على الكنية لفظ الاسم إشارة إلى أنَّه من ولد الحسين (علیه السلام) بطريق جامع موجز(528)، انتهى.
أقول: ذكر بعض المعاصرين(529) فيه وجهاً آخر، وهو أنَّ كنية الحسن العسكري أبو محمّد وعبد الله أبو النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أبو محمّد، فتتوافق الكنيتان، والكنية داخلة تحت الاسم، والأظهر ما مرَّ من كون (أبي) مصحَّف (ابني).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(526) كشف الغمَّة (ج 2/ ص 438).
(527) في المصدر: (مؤننة) بدل (مؤنبة).
(528) كشف الغمَّة (ج 2/ ص 442) ملخَّصاً.
(529) لم نتحقَّق اسمه.

(١٦٩)

أَقُولُ: مَا رَوَاهُ عَن الصَّحِيحَيْن وَفِرْدَوْسٍ الدَّيْلَمِيِّ مُطَابِقٌ لِمَا عِنْدَنَا مِنْ نُسَخِهَا، وَعِنْدِي مِنْ شَرْح السُّنَّةِ لِلْحُسَيْن بْن مَسْعُودٍ الْبَغَويِّ نُسْخَةٌ قَدِيمَةٌ أَنْقُلُ عَنْهُ مَا وَجَدْتُهُ فِيهِ مِنْ روَايَاتِ المَهْدِيِّ (علیه السلام):
بِإسْنَادِهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْل زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن زِيَادٍ الْحَنَفِيُّ، أَخْبَرَنَا(530) الْحُسَيْنُ بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ المُزَنيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن السَّريِّ التَّمِيمِيُّ الْحَافِظُ بِالْكُوفَةِ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْن جَعْفَرٍ الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَن الْقَاسِم بْن أَبِي بُرْدَةَ(531)، عَنْ أَبِي الطُّفَيْل، عَنْ عَلِيٍّ، عَن النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قَالَ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَبَعَثَ اللهُ رَجُلاً مِنْ أَهْل بَيْتِي يَمْلَؤُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً»(532).
وَأَنْبَأنَا مُعَمَّرٌ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ مُعَاويَةَ بْن قُرَّةَ، عَنْ أَبِي الصَّدِيقِ النَّاجِي(533)، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) «بَلَاءً يُصِيبُ هَذِهِ الْأُمَّةَ حَتَّى لَا يَجِدَ الرَّجُلُ مَلْجَأً يَلْجَأُ إِلَيْهِ مِنَ الظُّلْم، فَيَبْعَثُ اللهُ رَجُلاً مِنْ عِتْرَتِي أَهْل بَيْتِي، فَيَمْلَأ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، يَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ وَسَاكِنُ الْأَرْض، لَا يَدَعُ السَّمَاءُ مِنْ قَطْرهَا شَيْئاً إِلَّا صَبَّهُ مِدْرَاراً، وَلَا يَدَعُ الْأَرْضُ مِنْ نَبَاتِهَا شَيْئاً إِلَّا أَخْرَجَتْهُ، حَتَّى يَتَمَنَّى الْأَحْيَاءُ الْأَمْوَاتَ، تَعِيشُ فِي ذَلِكَ سَبْعَ سِنِينَ، أَوْ ثَمَانَ سِنِينَ، أَوْ تِسْعَ سِنِينَ»، وَيُرْوَى هَذَا مِنْ غَيْر وَجْهٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ. وَأَبُو الصِّدِّيقِ النَّاجِي اسْمُهُ بَكْرُ بْنُ عُمَرَ(534).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(530) في المصدر إضافة: (أبو).
(531) في المصدر: (بزَّة).
(532) شرح السُّنَّة (ج 8/ ص 353/ ح 4279).
(533) اسمه (بكر بن عمرو) كما في نهاية الحديث هذا.
(534) في المصدر: (عمرو) بدل (عمر).

(١٧٠)

وَرُويَ عَنْ سَعِيدِ بْن المُسَيَّبِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «المَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ»، وَيُرْوَى: «وَيَعْمَلُ فِي النَّاس بِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ، فَيَلْبَثُ سَبْعَ سِنينَ، ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ».
وَرُويَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فِي قِصَّةِ المَهْدِيِّ، قَالَ: «فَيَجِيءُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: يَا مَهْدِيُّ، أَعْطِني أَعْطِني، فَيَحْثِي لَهُ فِي ثَوْبهِ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَحْمِلَهُ»(535).
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْل زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاذٍ(536) عَبْدُ الرَّحْمَن المُزَنيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن إِسْمَاعِيلَ المُقْري الْآدَمِيُّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحِسَائِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْن أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَخْرُجُ فِي آخِر الزَّمَان خَلِيفَةٌ يُعْطِي المَالَ بِغَيْر عَدَدٍ»، هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْر بْن حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْن عَبْدِ الْوَارثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ دَاوُدَ(537)، انْتَهَى.
أقول: روى ابن الأثير في جامع الأُصول ناقلاً عن عدَّة من صحاحهم عن أبي هريرة وجابر وابن مسعود وعليٍّ (علیه السلام) وأُمِّ سَلَمة (رضي الله عنها) وأبي سعيد وأبي إسحاق عشر روايات في خروج المهدي (علیه السلام) واسمه ووصفه، وأنَّ عيسى (علیه السلام) يُصلِّي خلفه(538)، تركناها مخافة الإطناب، وفيما أوردناه كفاية لأُولي الألباب.
[199/40] الطرائف: ذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِير ﴿حم * عسق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(535) شرح السُّنَّة (ج 8/ ص 354/ ح 4280).
(536) في المصدر إضافة: (الشاه بن).
(537) شرح السُّنَّة (ج 8/ ص 355/ ح 4281).
(538) جامع الأُصول( ج 11/ ص 47 - 50/ ح 7808 - 7815).

(١٧١)

[الشورى: 1 و2]، بِإسْنَادِهِ قَالَ: السِّينُ سَنَاءُ المَهْدِيِّ (علیه السلام)، وَالْقَافُ قُوَّةُ عِيسَى (علیه السلام) حِينَ يَنْزلُ فَيَقْتُلُ النَّصَارَى وَيُخَرِّبُ الْبِيَعَ(539).
وَعَنْهُ فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ(540) عَن النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أَنَّ المَهْدِيَّ (علیه السلام) يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ وَيُحْيِيهِمُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) لَهُ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى رَقْدَتِهِمْ فَلَا يَقُومُونَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَةِ»(541).
[200/41] الطرائف: ابْنُ شِيرَوَيْهِ فِي الْفِرْدَوْس بِإسْنَادِهِ إِلَى ابْن عَبَّاسٍ، عَن النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قَالَ: «المَهْدِيُّ طَاوُوسُ أَهْل الْجَنَّةِ»(542).
أقول: ثُمَّ روى السيِّد(543) عن الجمع بين الصحاح الستَّة وكتاب الفردوس والمناقب لابن المغازلي والمصابيح لأبِي محمّد ابن مسعود الفرَّاء كثيراً ممَّا مرَّ من أخبار المهدي (علیه السلام)، ثُمَّ قال: وكان بعض العلماء من الشيعة قد صنَّف كتاباً وجدته ووقفت عليه، وفيه أحاديث أحسن ممَّا أوردناه، وقد سمَّاه كتاب كشف المخفي في مناقب المهدي (علیه السلام)، وروى فيه مائة وعشرة أحاديث(544) من طُرُق رجال الأربعة المذاهب، فتركت نقلها بأسانيدها وألفاظها كراهيَّة للتطويل(545)، ولئلَّا يملَّ ناظرها، ولأنَّ بعض ما أوردنا يُغني عن زيادة التفصيل لأهل الإنصاف والعقل الجميل، وسأذكر أسماء من روى المائة وعشرة الأحاديث التي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(539) الطرائف (ج 1/ ص 176/ ح 276).
(540) في المصدر إضافة: (ورواه).
(541) الطرائف ( ج 1/ ص 176/ ح 277).
(542) الطرائف (ج 1/ ص 178/ ح 282).
(543) هو عليُّ بن موسى بن طاوس.
(544) تجد هذه الأحاديث في فصل في ذكر ما جاء في المهدي (علیه السلام) في العمدة لابن البطريق (ص 423 - 475).
(545) في المصدر: (التطويل).

(١٧٢)

في كتاب المخفي عن أخبار المهدي (علیه السلام) لتعلم مواضعها على التحقيق وتزداد هداية أهل التوفيق.
فمنها من صحيح البخاري ثلاثة أحاديث، ومنها من صحيح مسلم أحد عشر حديثاً، ومنها من الجمع بين الصحيحين للحميدي حديثان، ومن الجمع بين الصحاح الستَّة لزيد بن معاوية العبدري أحد عشر حديثاً، ومنها من كتاب فضايل الصحابة ممَّا أخرجه الشيخ الحافظ عبد العزيز العكبري من مسند أحمد بن حنبل سبعة أحاديث، ومنها من تفسير الثعلبي خمسة أحاديث، ومنها من غريب الحديث لابن قتيبة الدينوري ستَّة أحاديث، ومنها من كتاب الفردوس لابن شيرويه الديلمي أربعة أحاديث، ومنها من كتاب مسند سيِّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) تأليف الحافظ أبي الحسن علي الدارقطني ستَّة أحاديث، ومنها من كتاب الحافظ أيضاً من مسند أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (علیه السلام) ثلاثة أحاديث، ومن كتاب المبتدأ للكسائي حديثان يشتملان أيضاً على ذكر المهدي (علیه السلام) وذكر خروج السفياني والدجَّال، ومنها من كتاب المصابيح لأبي الحسين بن مسعود الفرَّاء خمسة أحاديث، ومنها من كتاب الملاحم لأبي الحسن أحمد بن جعفر بن محمّد بن عبيد الله المناري أربعة وثلاثون حديثاً، ومنها من كتاب الحافظ محمّد بن عبد الله الحضرمي المعروف بابن مطيق ثلاثة أحاديث، ومنها من كتاب الرعاية لآمل الرواية لأبي الفتح محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم الفرغاني ثلاثة أحاديث، ومنها خبر سطيح رواية الحميدي أيضاً، ومنها من كتاب الاستيعاب لأبي عمر يوسف بن عبد البَرِّ النميري(546) حديثان(547).
قال السيِّد: ووقفت على الجزء الثاني من كتاب السُّنَن رواية محمّد بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(546) في المصدر: (النمري).
(547) الطرائف (ج 1/ ص 179 و180).

(١٧٣)

يزيد ماجة قد كُتِبَ في زمان مؤلِّفه تاريخ كتابته وبعض الإجازات عليه ما هذا لفظها:
بسم الله الرحمن الرحيم، أمَّا بعد، فقد أجزت الأخبار(548) لأبي عمرو ومحمّد ابن سَلَمة وجعفر والحسن ابني محمّد بن سَلَمة حفظهم الله، وهو سماعي من محمّد ابن يزيد ماجة نفعنا الله وإيَّاكم به، وكتب إبراهيم بن دينار بخطِّه، وذلك في شهر شعبان سنة ثلاثمائة، وقد عارضت به، وصلَّى على محمّد وسلَّم كثيراً.
وقد تضمَّن هذا الجزء المذكور الموصوف كثيراً من الملاحم، فمنها باب خروج المهدي، وروى في هذا الباب من ذلك الكتاب(549) من هذه النسخة سبعة أحاديث بأسانيدها في خروج المهدي، وأنَّه من ولد فاطمة (عليها السلام)، وأنَّه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وذكر كشف الحالة وفضلها يرفعها إلى النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
قال السيِّد: ووقفت أيضاً على كتاب المقتصِّ على محدث الأعوام لبناء ملاحم غابر الأيَّام تلخيص أبي الحسين أحمد بن جعفر بن محمّد المناري، قد كُتِبَ في زمان مؤلِّفه في آخر النسخة التي وقفت عليها ما هذا لفظه: فكان الفراغ من تأليفه سنة ثلاثمأة وثلاثين، وعلى الكتاب إجازات وتجويزات تاريخ بعض إجازاته في ذي قعدة سنة ثمانين وأربعمائة، من جملة هذا الكتاب ما هذا لفظه: سيأتي بعض المأثور في المهدي (علیه السلام) وسيرته، ثُمَّ روى ثمانية عشر حديثاً بأسانيدها إلى النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بتحقيق خروج المهدي (علیه السلام) وظهوره، وأنَّه من ولد فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنَّه يملأ الأرض عدلاً، وذكر كمال سيرته وجلالة ولايته(550).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(548) في المصدر: (ما في هذا الكتاب من أوَّله إلى آخره وهو كتاب السُّنَن) بدل (الأخبار).
(549) عبارة: (من ذلك الكتاب) ليست في المصدر.
(550) الطرائف (ج 1/ ص 180 و181).

(١٧٤)

ثُمَّ أشار السيِّد إلى ما جمعه الحافظ أبو نعيم من أربعين حديثاً في وصف المهدي (علیه السلام) على ما نقله صاحب كشف الغمَّة، ثُمَّ قال: فجملة الأحاديث مائة حديث وستَّة وخمسون حديثاً. وأمَّا الذي ورد من طُرُق الشيعة فلا يسعه إلَّا مجلَّدات(551)، ونقل إلينا سلفنا نقلاً متواتراً أنَّ المهدي المشار إليه وُلِدَ ولادة مستورة، لأنَّ حديث تملكه ودولته وظهوره على كافَّة الممالك والعباد والبلاد كان قد ظهر للناس فخيف عليه، كما جرت الحال في ولادة إبراهيم وموسى (علیهما السلام) وغيرهما(552)، وعرفت الشيعة ذلك لاختصاصها بآبائه (عليهم السلام)(553)، فإنَّ كلَّ من يلزم(554) بقوم كان أعرف بأحوالهم وأسرارهم من الأجانب، كما أنَّ أصحاب الشافعي أعرف بحاله من أصحاب غيره من رؤساء الأربعة المذاهب.
وقد كان (علیه السلام) ظهر لجماعة كثيرة من أصحاب والده العسكري، ونقلوا عنه أخباراً وأحكاماً شرعيَّة وأسباباً مرضيَّة.
وكان له وكلاء ظاهرون في غيبته معروفون بأسمائهم وأنسابهم وأوطانهم يُخبِرون عنه بالمعجزات والكرامات وجواب المشكلات وبكثير ممَّا ينقله عن آبائه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الغائبات، منهم: عثمان بن سعيد العمري المدفون بقطقطان الجانب الغربي ببغداد، ومنهم(555): أبو جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري، ومنهم: أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي، ومنهم: عليُّ بن محمّد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(551) الطرائف (ج 1/ ص 181 - 183) ملخَّصاً.
(552) في المصدر إضافة: (ممَّا اقتضت المصلحة ستر ولادته).
(553) في المصدر إضافة: (وتلزمها بمحمّد نبيِّهم وعترته).
(554) في المصدر: (تلزم).
(555) في المصدر إضافة: (ولده).

(١٧٥)

السمري (رضي الله عنهم)، وقد ذكر نصر بن عليٍّ الجهضمي(556) برواية رجال الأربعة المذاهب حال هؤلاء الوكلاء وأسمائهم وأنَّهم كانوا وكلاء المهدي (علیه السلام)(557).
ولقد لقي المهدي (علیه السلام) بعد ذلك خلق كثير من الشيعة وغيرهم، وظهر لهم على يده من الدلايل ما ثبت عندهم(558) أنَّه هو (علیه السلام)، وإذا كان (علیه السلام) الآن غير ظاهر لجميع شيعته فلا يمتنع أنْ يكون جماعة منهم يلقونه وينتفعون بمقاله وفعاله ويكتمونه كما جرى الأمر في جماعة من الأنبياء والأوصياء(559) والملوك والأولياء حيث غابوا عن كثير من الأُمَّة لمصالح دينيَّة(560) أوجبت ذلك.
وأمَّا استبعاد من استبعد منهم ذلك لطول عمره الشريف، فما يمنع من ذلك إلَّا جاهل بالله وبقدرته وبأخبار نبيِّنا وعترته، كيف وقد تواتر كثير من الأخبار بطول عمر جماعة من الأنبياء وغيرهم من المعمَّرين؟ وهذا الخضر باقٍ على طول السنين، وهو عبد صالح(561) ليس بنبيٍّ ولا حافظ شريعة ولا بلطف في بقاء التكليف، فكيف يُستَبعد طول حياة المهدي (علیه السلام) وهو حافظ شريعة جدِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولطف في بقاء التكليف؟ والمنفعة ببقائه في حال ظهوره وخفائه أعظم من المنفعة بالخضر، وكيف يستبعد ذلك من يُصدِّق بقصَّة أصحاب الكهف؟ لأنَّه مضى لهم فيما تضمَّنه القرآن ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً وهم أحياء كالنيام بغير طعام وشراب، وبقوا إلى زمن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حيث بعث الصحابة ليُسلِّموا عليهم كما رواه الثعلبي(562).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(556) في المصدر إضافة: (في تاريخ أهل البيت).
(557) الطرائف (ج 1/ ص 183 و184).
(558) في المصدر إضافة: (وعند من أخبروه).
(559) عبارة: (والأولياء) ليست في المصدر.
(560) في المصدر إضافة: (أو دنيويَّة).
(561) في المصدر إضافة: (من بني آدم).
(562) الطرائف (ج 1/ ص 184 - 186) بتلخيص.

(١٧٦)

ورأيت تصنيفاً لأبي حاتم سهل بن محمّد السجستاني من أعيان الأربعة المذاهب سمَّاه (كتاب المعمَّرين)(563)... إلى آخر ما ذكره (رحمه الله) من الاحتجاج عليهم وتركناه لأنَّه خارج عن مقصود كتابنا.
[201/42] كفاية الأثر: بِالإسْنَادِ المُتَقَدِّم فِي بَابِ النُّصُوص عَلَى الْاِثْنَيْ عَشَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ أَمِير المُؤْمِنِينَ (علیه السلام)، عَن النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّهُ قَالَ: «يَا عَلِيُّ، أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ، وَأَنْتَ أَخِي وَوَزِيري، فَإذَا مِتُّ ظَهَرَتْ لَكَ ضَغَائِنُ فِي صُدُور قَوْم، وَسَتَكُونُ بَعْدِي فِتْنَةٌ صَمَّاءُ صَيْلَمٌ يَسْقُطُ فِيهَا كُلُّ(564) وَلِيجَةٍ وَبِطَانَةٍ، وَذَلِكَ عِنْدَ فِقْدَان الشِّيعَةِ الْخَامِسَ مِنْ وُلْدِ السَّابِع مِنْ وُلْدِكَ، تَحْزَنُ لِفَقْدِهِ أَهْلُ الْأَرْض وَالسَّمَاءِ، فَكَمْ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ مُتَأَسِّفٍ مُتَلَهِّفٍ حَيْرَانَ عِنْدَ فَقْدِهِ»، ثُمَّ أَطْرَقَ مَلِيًّا، ثُمَّ رَفَعَ رَأَسَهُ وَقَالَ: «بِأَبِي وَأُمِّي سَمِيِّي وَشَبِيهِي وَشَبِيهُ مُوسَى بْن عِمْرَانَ، عَلَيْهِ جُيُوبُ(565) النُّور - أَوْ قَالَ: جَلَابِيبُ النُّور -، تَتَوَقَّدُ مِنْ شُعَاع الْقُدْس، كَأنِّي بِهِمْ آيِسٌ مَا كَانُوا نُودُوا بِنِدَاءٍ(566) يُسْمَعُ مِنَ الْبُعْدِ كَمَا يُسْمَعُ مِنَ الْقُرْبِ، يَكُونُ رَحْمَةً عَلَى المُؤْمِنينَ وَعَذَاباً عَلَى المُنَافِقِينَ»، قُلْتُ: وَمَا ذَلِكَ النِّدَاءُ؟ قَالَ: «ثَلَاثَةُ أَصْوَاتٍ فِي رَجَبٍ: الْأَوَّلُ: أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ، الثَّانِي: أَزِفَتِ الْآزِفَةُ، الثَّالِثُ: يَرَوْنَ بَدَناً بَارزاً مَعَ قَرْن الشَّمْس يُنَادِي: أَلَا إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، حَتَّى يَنْسُبَهُ إِلَى عَلِيٍّ (علیه السلام)، فِيهِ هَلَاكُ الظَّالِمِينَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَأتِي الْفَرَجُ، وَيَشْفِي اللهُ صُدُورَهُمْ، وَيُذْهِبْ غَيْظَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(563) الطرائف (ج 1/ ص 186).
(564) الفتنة الصمَّاء: هي التي تدع الناس حيارى لا يجدون المخلَص منها. والصيلم: الشديد من الداهية.
(565) في المصدر: (جبوب) بدل (جيوب).
(566) في المصدر: (كأنِّي بهم آيس من كانوا ثمّ نودي بنداء).

(١٧٧)

قُلُوبهِمْ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَكَمْ يَكُونُ بَعْدِي مِنَ الْأَئِمَّةِ؟ قَالَ: «بَعْدَ الْحُسَيْن تِسْعَةٌ، وَالتَّاسِعُ قَائِمُهُمْ»(567).
بيان: (من ولد السابع): أي سابع الأئمَّة لا سابع الأولاد. وقوله: (من ولدك) حال أو صفة للخامس.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(567) كفاية الأثر (ص 158).

(١٧٨)

[202/1] كمال الدِّين: الشَّيْبَانِيُّ، عَن الْأَسَدِيِّ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَظِيم الْحَسَنِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ أَمِير المُؤْمِنينَ (علیه السلام)، قَالَ: «لِلْقَائِم مِنَّا غَيْبَةٌ أَمَدُهَا طَويلٌ، كَأنِّي بِالشِّيعَةِ يَجُولُونَ جَوَلَانَ النَّعَم فِي غَيْبَتِهِ، يَطْلُبُونَ المَرْعَى فَلَا يَجِدُونَهُ، أَلَا فَمَنْ ثَبَتَ مِنْهُمْ عَلَى دِينِهِ [وَ]لَمْ يَقْسُ قَلْبُهُ لِطُولِ أَمَدِ غَيْبَةِ إِمَامِهِ فَهُوَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، ثُمَّ قَالَ (علیه السلام): «إِنَّ الْقَائِمَ مِنَّا إِذَا قَامَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، فَلِذَلِكَ تَخْفَى ولَادَتُهُ وَيَغِيبُ شَخْصُهُ»(568).
[203/2] كمال الدِّين: الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْن مَعْبَدٍ، عَن الْحُسَيْن بْن خَالِدٍ، عَن الرِّضَا (علیه السلام)، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ أَمِير المُؤْمِنينَ أَنَّهُ قَالَ لِلْحُسَيْن (علیه السلام): «التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِكَ يَا حُسَيْنُ هُوَ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ، المُظْهِرُ لِلدِّين، الْبَاسِطُ لِلْعَدْلِ، قَالَ الْحُسَيْنُ (علیه السلام): فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ، وَإِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ؟ فَقَالَ (علیه السلام): إِي وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالنُّبُوَّةِ وَاصْطَفَاهُ عَلَى جَمِيع الْبَريَّةِ، وَلَكِنْ بَعْدَ غَيْبَةٍ وَحَيْرَةٍ لَا تَثْبُتُ فِيهَا عَلَى دِينهِ إِلَّا المُخْلِصُونَ المُبَاشِرُونَ لِرَوْح الْيَقِين الَّذِينَ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَهُمْ بِوَلَايَتِنَا، وَكَتَبَ فِي قُلُوبهِمُ الْإيمانَ، وَأَيَّدَهُمْ بِرُوح مِنْهُ»(569).
[204/3] كمال الدِّين: أَبِي، عَنْ عَلِيِّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سِنَانٍ، عَنْ زِيَادٍ المَكْفُوفِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِي عَفِيفٍ الشَّاعِر(570)، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ المُؤْمِنينَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(568) كمال الدِّين (ج 1/ ص 303/ باب ما أخبر به عليٌّ (علیه السلام)/ ح 14).
(569) كمال الدِّين (ج 1/ ص 304/ باب ما أخبر به عليٌّ (علیه السلام)/ ح 16).
(570) كذا في النسخة المطبوعة، وسيجيء في الحديث (214/13) عن الغيبة للنعماني: (ابن أبي عقب)، وفي نسخة كمال الدِّين (ج 1/ ص 304): (ابن أبي عقبة).

(١٨١)

عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «كَأَنِّي بِكُمْ تَجُولُونَ جَوَلَانَ الْإبل تَبْتَغُونَ المَرْعَى فَلَا تَجِدُونَهُ يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ»(571).
كمال الدِّين: أبي وابن الوليد معاً، عن سعد، عن ابن أبي الخطَّاب، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود، عن عبد الله بن أبي عفيف، مثله(572).
[205/4] كِتَابُ المُقْتَضَبِ لابْن الْعَيَّاش: قَالَ: حَدَّثَنِي الشَّيْخُ الثِّقَةُ أَبُو الْحُسَيْن بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْن عَلِيٍّ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْن عِنْدَ عُبَيْدِ بْن كَثِيرٍ، عَنْ نُوح بْن دَرَّاجٍ، عَنْ يَحْيَى، عَن الْأَعْمَش، عَنْ زَيْدِ بْن وَهْبٍ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ وَالْحَارثِ بْن عَبْدِ اللهِ الْهَمْدَانِيِّ وَالْحَارثِ بْن شَربٍ كُلٌّ حَدَّثَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ عَلِيِّ ابْن أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام)، فَكَانَ إِذَا أَقْبَلَ ابْنُهُ الْحَسَنُ يَقُولُ: «مَرْحَباً بِابْن رَسُولِ اللهِ»، وَإِذَا أَقْبَلَ الْحُسَيْنُ يَقُولُ: «بِأَبِي أَنْتَ يَا أَبَا ابْن خِيَرَةِ الْإمَاءِ»، فَقِيلَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ مَا بَالُكَ تَقُولُ هَذَا لِلْحَسَن وَهَذَا لِلْحُسَيْن؟ وَمَن ابْنُ خِيَرَةِ الْإمَاءِ؟ فَقَالَ: «ذَاكَ الْفَقِيدُ الطَّريدُ الشَّريدُ (م ح م د) بْنُ الْحَسَن بْن عَلِيِّ بْن مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن مُوسَى بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن هَذَا»، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأس الْحُسَيْن (علیه السلام)(573).
[206/5] الغيبة للطوسي: جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن الْحُسَيْن، عَن ابْن بَزيع، عَن الْأَصَمِّ، عَن ابْن سَيَابَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْن مِيثَم، عَنْ عَبَايَةَ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ المُؤْمِنينَ (علیه السلام) يَقُولُ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا بَقِيتُمْ بِلَا إِمَام هُدًى، وَلَا عَلَم يُرَى، يَبْرَاُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْض؟»(574).

[207/6] الإرشاد: رَوَى مَسْعَدَةُ بْنُ صَدَقَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(571) كمال الدِّين (ج 1/ ص 304/ باب ما أخبر به عليٌّ (علیه السلام)/ ح 17).
(572) كمال الدِّين (ج 1/ ص 304/ باب ما أخبر به عليٌّ (علیه السلام)/ ح 18).
(573) مقتضب الأثر (ص 31).
(574) الغيبة للطوسي (ص 341/ ح 291).

(١٨٢)

جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «خَطَبَ النَّاسَ أَمِيرُ المُؤْمِنينَ (علیه السلام) بِالْكُوفَةِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا سَيِّدُ الشَّيبِ، وَفِي سُنَّةٍ مِنْ أَيُّوبَ، وَسَيَجْمَعُ اللهُ لِي أَهْلِي كَمَا جَمَعَ لِيَعْقُوبَ شَمْلَهُ(575)، وَذَلِكَ إِذَا اسْتَدَارَ الْفَلَكُ، وَقُلْتُمْ: ضَلَّ أَوْ هَلَكَ، أَلَا فَاسْتَشْعِرُوا قَبْلَهَا بِالصَّبْر، وَبُوءُوا(576) إِلَى اللهِ بِالذَّنْبِ، فَقَدْ نَبَذْتُمْ قُدْسَكُمْ، وَأَطْفَأتُمْ مَصَابِيحَكُمْ، وَقَلَّدْتُمْ هِدَايَتَكُمْ مَنْ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ وَلَا لَكُمْ سَمْعاً وَلَا بَصَراً، ضَعُفَ وَاللهِ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ، هَذَا وَلَوْ لَمْ تَتَوَاكَلُوا أَمْرَكُمْ، وَلَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ نُصْرَةِ الْحَقِّ بَيْنَكُمْ، وَلَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِين الْبَاطِل لَمْ يَتَشَجَّعْ عَلَيْكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ، وَلَمْ يَقْوَ مَنْ قَويَ عَلَيْكُمْ وَعَلَى هَضْم الطَّاعَةِ وَإِزْوَائِهَا عَنْ أَهْلِهَا فِيكُمْ، تِهْتُمْ كَمَا تَاهَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى عَهْدِ مُوسَى، وَبِحَقٍّ أَقُولُ: لَيُضَعَّفَنَّ عَلَيْكُمُ التِّيهُ مِنْ بَعْدِي بِاضْطِهَادِكُمْ وُلْدِي ضِعْفَ مَا تَاهَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَلَوْ قَدِ اسْتَكْمَلْتُمْ نَهَلاً وَامْتَلَأتُمْ عَلَلاً عَنْ(577) سُلْطَان الشَّجَرَةِ المَلْعُونَةِ فِي الْقُرْآن، لَقَدِ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى نَاعِقِ ضَلَالٍ، وَلَأَجَبْتُمُ الْبَاطِلَ رَكْضاً، ثُمَّ لَغَادَرْتُمْ دَاعِيَ الْحَقِّ، وَقَطَعْتُمُ الْأَدْنَى مِنْ أَهْل بَدْرٍ وَوَصَلْتُمُ الْأَبْعَدَ مِنْ أَبْنَاءِ الْحَرْبِ(578)، أَلَا وَلَوْ ذَابَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، لَقَدْ دَنَا التَّمْحِيصُ لِلْجَزَاءِ، وَكُشِفَ الْغِطَاءُ، وَانْقَضَتِ المُدَّةُ، وَأَزِفَ الْوَعْدُ(579)، وَبَدَا لَكُمُ النَّجْمُ مِنْ قِبَل المَشْرقِ، وَأَشْرَقَ لَكُمْ قَمَرُكُمْ كَمِلْءِ شَهْرهِ وَكَلَيْلَةٍ تَمَّ، فَإِذَا اسْتَبَانَ(580) ذَلِكَ فَرَاجِعُوا التَّوْبَةَ، وَخَالِعُوا الْحَوْبَةَ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنْ أَطَعْتُمْ طَالِعَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(575) عبارة: (شمله) ليست في المصدر.
(576) في المصدر: (توبوا).
(577) في المصدر: (من) بدل (عن).
(578) في المصدر: (حرب).
(579) في المصدر: (الوعيد).
(580) في المصدر: (استتمَّ).

(١٨٣)

المَشْرقِ سَلَكَ بِكُمْ مِنْهَاجَ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَتَدَارَيْتُمْ(581) مِنَ الصَّمَم، وَاسْتَشْفَيْتُمْ مِنَ الْبَكَم، وَكُفِيتُمْ مَئُونَةَ التَّعَسُّفِ وَالطَّلَبِ، وَنَبَذْتُمُ الثِّقَلَ الْفَادِحَ عَن الْأَعْنَاقِ، فَلَا يُبْعِدُ اللهُ إِلَّا مَنْ أَبَى الرَّحْمَةَ وَفَارَقَ الْعِصْمَةَ، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ [الشعراء: 227]»(582).
بيان: (الشيب) بالكسر وبضمَّتين: جمع الأشيب، وهو من ابيضَّ شعره. واستدارة الفلك كناية عن طول مرور الأزمان، أو تغيُّر أحوال الزمان، وسيأتي خبر في (باب أشراط الساعة) يُؤيِّد الثاني. قوله: (هذا) فصل بين الكلامين، أي خذوا هذا. والنهل محرَّكة: أوَّل الشرب. والعلل محرَّكة: الشربة الثانية، والشرب بعد الشرب تباعاً. قوله: (كملء شهره) أي كما يملأ في شهره في الليلة الرابع عشر فيكون ما بعده تأكيداً، أو كما إذا فُرِضَ أنَّه يكون نامياً متزايداً إلى آخر الشهر. وسيأتي تفسير بعض الفقرات في شرح الخطبة المنقولة من الكافي(583)، وهي كالشرح لهذه، ويظهر منها ما وقع في هذا الموضع من التحريفات والاختصارات المخلَّة بالمعنى.
[208/7] الغيبة للنعماني: ابْنُ هَمَّام، عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّدِ بْن مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْن سِنَانٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْن خَارجَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْن عُثْمَانَ، عَنْ حراب(584) بْن أحْنَفَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: «زَادَ الْفُرَاتُ عَلَى عَهْدِ أَمِير المُؤْمِنينَ (علیه السلام)، فَرَكِبَ هُوَ وَابْنَاهُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ (علیهما السلام)، فَمَرَّ بِثَقِيفٍ، فَقَالُوا: قَدْ جَاءَ عَلِيٌّ يَرُدُّ المَاءَ، فَقَالَ عَلِيٌّ (علیه السلام): أَمَا وَاللهِ لَأُقْتَلَنَّ أَنَا وَابْنَايَ هَذَان،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(581) في المصدر: (فتداويتم).
(582) الإرشاد للمفيد (ج 1/ ص 290).
(583) يأتي في الحديث (225/24).
(584) في المصدر: (فرات) بدل (حراب).

(١٨٤)

وَلَيَبْعَثَنَّ اللهُ رَجُلاً مِنْ وُلْدِي فِي آخِر الزَّمَان يُطَالِبُ بِدِمَائِنَا، وَلَيَغِيبَنَّ عَنْهُمْ تَمْيِيزاً لِأَهْل الضَّلَالَةِ، حَتَّى يَقُولَ الْجَاهِلُ: مَا للهِ فِي آلِ مُحَمَّدٍ مِنْ حَاجَةٍ»(585).
[209/8] الغيبة للنعماني: مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّام وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَن بْن [مُحَمَّدِ بْن] جُمْهُورٍ جَمِيعاً، عَن الْحَسَن بْن مُحَمَّدِ بْن جُمْهُورٍ(586)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بَعْض رجَالِهِ، عَن المُفَضَّل بْن عُمَرَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (علیه السلام): «خَبَرٌ تَدْريهِ خَيْرٌ مِنْ عَشَرَةٍ تَرْويهِ، إِنَّ لِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً، وَلِكُلِّ صَوَابٍ نُوراً»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّا وَاللهِ لَا نَعُدُّ الرَّجُلَ مِنْ شِيعَتِنَا فَقِيهاً حَتَّى يُلْحَنَ لَهُ فَيَعْرفَ اللَّحْنَ، إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنينَ (علیه السلام) قَالَ عَلَى مِنْبَر الْكُوفَةِ: وَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ فِتَناً مُظْلِمَةً عَمْيَاءَ مُنْكَسِفَةً لَا يَنْجُو مِنْهَا إِلَّا النُّوَمَةُ، قِيلَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ، وَمَا النُّوَمَةُ؟ قَالَ: الَّذِي يَعْرفُ النَّاسَ وَلَا يَعْرفُونَهُ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ للهِ، وَلَكِنَّ اللهَ سَيُعْمِي خَلْقَهُ مِنْهَا بِظُلْمِهِمْ وَجَوْرهِمْ وَإِسْرَافِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَلَوْ خَلَتِ الْأَرْضُ سَاعَةً وَاحِدَةً مِنْ حُجَّةٍ للهِ لَسَاخَتْ بِأَهْلِهَا، وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ يَعْرفُ النَّاسَ وَلَا يَعْرفُونَهُ، كَمَا كَانَ يُوسُفُ يَعْرفُ النَّاسَ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ، ثُمَّ تَلَا: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ﴾ [يس: 30]»(587).
بيان: قوله (علیه السلام): (حتَّى يلحن له): أي يُتكلَّم معه بالرمز والإيماء والتعريض على جهة التقيَّة والمصلحة فيفهم المراد، قال الجزري: يقال: لحنت فلاناً إذا قلت له قولاً يفهمه ويخفى على غيره، لأنَّك تميله بالتورية عن الواضح المفهوم(588)، وقال: في حديث عليٍّ وذكر آخر الزمان والفتن، ثُمَّ قال: خير أهل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(585) الغيبة للنعماني (ص 140).
(586) في النسخة المطبوعة: (محمّد بن همَّام ومحمّد بن الحسين بن جمهور جميعاً، عن الحسين بن محمّد بن جمهور، عن أبيه)، والصحيح ما أثبتناه.
(587) الغيبة للنعماني (ص 141).
(588) النهاية (ج 4/ ص 241).

(١٨٥)

ذلك الزمان كلُّ مؤمن نومة. النومة بوزن الهمزة: الخامل الذكر الذي لا يُؤبَه له، وقيل: الغامض في الناس الذي لا يعرف الشرَّ وأهله، وقيل: النومة بالتحريك الكثير النوم، فأمَّا الخامل الذي لا يُؤبَه له فهو بالتسكين، ومن الأوَّل حَدِيثُ ابْن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ (علیه السلام): مَا النُّوَمَةُ؟ قَالَ: «الَّذِي يَسْكُتُ فِي الْفِتْنَةِ فَلَا يَبْدُو مِنْهُ شَيْءٌ»(589).
[210/9] نهج البلاغة: فِي حَدِيثِهِ (علیه السلام): «فَإذَا كَانَ ذَلِكَ ضَرَبَ يَعْسُوبُ الدِّين بِذَنَبِهِ، فَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ كَمَا يَجْتَمِعُ قَزَعُ الْخَريفِ».
قَالَ السَّيِّدُ (رضي الله عنه): يَعْسُوبُ الدِّين: السَّيِّدُ الْعَظِيمُ المَالِكُ لِأُمُور النَّاس يَوْمَئِذٍ. وَالْقَزَعُ: قِطَعُ الْغَيْم الَّتِي لَا مَاءَ فِيهَا(590).
بيان: قالوا: هذا الكلام في خبر الملاحم الذي يذكر فيه المهدي (علیه السلام)، وقال في النهاية: أي فارق أهل الفتنة وضرب في الأرض ذاهباً في أهل دينه وأتباعه الذين يتَّبعونه على رأيه وهم الأذناب(591). وقال الزمخشري: الضرب بالذنب هاهنا مَثَل للإقامة والثبات(592)، يعني أنَّه يثبت هو ومن يتَّبعه على الدِّين.
[211/10] نهج البلاغة: قَالَ (علیه السلام) فِي بَعْض خُطَبِهِ: «قَدْ لَبِسَ لِلْحِكْمَةِ جُنَّتَهَا، وَأَخَذَهَا بِجَمِيع أَدَبِهَا، مِنَ الْإقْبَالِ عَلَيْهَا، وَالمَعْرفَةِ بِهَا، وَالتَّفَرُّغ لَهَا، وَهِيَ عِنْدَ نَفْسِهِ ضَالَّتُهُ الَّتِي يَطْلُبُهَا، وَحَاجَتُهُ الَّتِي يَسْأَلُ عَنْهَا، فَهُوَ مُغْتَربٌ إِذَا اغْتَرَبَ الْإسْلَامُ، وَضَرَبَ بِعَسِيبِ ذَنَبِهِ، وَأَلْصَقَ الْأَرْضَ بِجِرَانِهِ، بَقِيَّةٌ مِنْ بَقَايَا حُجَّتِهِ، خَلِيفَةٌ مِنْ خَلَائِفِ أَنْبِيَائِهِ»(593).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(589) النهاية (ج 5/ ص 131).
(590) نهج البلاغة (ص 517/ من غريب كلامه المحتاج إلى تفسير/ ح 1).
(591) النهاية (ج 3/ ص 234 و235).
(592) الفائق (ج 2/ ص 431).
(593) نهج البلاغة (ص 263/ الخطبة 182).

(١٨٦)

بيان: قال ابن أبي الحديد: قالت الإماميَّة: إنَّ المراد به القائم (علیه السلام) المنتظر(594). والصوفيَّة يزعمون أنَّه وليُّ الله(595)، وعندهم أنَّ الدنيا لا يخلو عن الأبدال وهم أربعون، وعن الأوتاد وهم سبعة، وعن القطب وهو واحد. والفلاسفة يزعمون أنَّ المراد به العارف. وعند أهل السُّنَّة هو المهدي الذي سيُخلَق. وقد وقع اتِّفاق الفِرَق بين المسلمين على أنَّ الدنيا والتكليف لا ينقضي إلَّا على المهدي(596).
قوله (علیه السلام): (فهو مغترب): أي هذا الشخص يخفى نفسه إذا ظهر الفسق والفجور، واغترب الإسلام باغتراب العدل والصلاح، وهذا يدلُّ على ما ذهبت إليه الإماميَّة. والعسيب: عظم الذنب، أو منبت الشعر منه. وإلصاق الأرض بجرانه كناية عن ضعفه وقلَّة نفعه، فإنَّ البعير أقلّ ما يكون نفعه حال بروكه.
[212/11] الغيبة للنعماني: عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْن، عَنْ مُحَمَّدِ بْن يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْن الْحَسَن(597) الرَّازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، عَنْ عِيسَى بْن عَبْدِ اللهِ الْعَلَويِّ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام)، أَنَّهُ قَالَ: «صَاحِبُ هَذَا الْأَمْر مِنْ وُلْدِي هُوَ الَّذِي يُقَالُ: مَاتَ(598)، هَلَكَ، لَا بَلْ فِي أَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟»(599).
[213/12] الغيبة للنعماني: عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْن، عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّار، عَنْ مُحَمَّدِ ابْن الْحَسَن الرَّازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(594) في المصدر: (المنتظر عندهم).
(595) في المصدر إضافة: (في الأرض).
(596) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج 10/ ص 96).
(597) في المصدر: (حسَّان)، وكذا في ما بعد.
(598) في المصدر إضافة: (أو).
(599) الغيبة للنعماني (ص 156).

(١٨٧)

عَنْ مُزَاحِم الْعَبْدِيِّ، عَنْ عِكْرمَةَ بْن صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ (علیه السلام) يَقُولُ: «لَا تَنْفَكُّ هَذِهِ الشِّيعَةَ حَتَّى تَكُونَ بِمَنْزلَةِ المَعْز لَا يَدْري الْخَابِسُ عَلَى أَيِّهَا يَضَعُ يَدَهُ، فَلَيْسَ لَهُمْ شَرَفٌ يُشْرفُونَهُ، وَلَا سِنَادٌ يَسْتَنِدُونَ إِلَيْهِ فِي أُمُورهِمْ»(600).
إيضاح: خبس الشيء بكفِّه أخذه، وفلاناً حقَّه ظلمه، أي يكون كلُّهم مشتركين في العجز حتَّى لا يدري الظالم أيَّهم يظلم، لاشتراكهم في احتمال ذلك، كقصَّاب يتعرَّض لقطيع من المعز لا يدري أيَّهم يأخذ للذبح.
[214/13] الغيبة للنعماني: بِهَذَا الْإسْنَادِ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ الشَّاعِر يَعْنِي ابْنَ أَبِي(601) عَقِبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا (علیه السلام) يَقُولُ: «كَأَنِّي بِكُمْ تَجُولُونَ جَوَلَانَ الإبل تَبْتَغُونَ مَرْعًى وَلَا تَجِدُونَهَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ»(602).
[215/14] الغيبة للنعماني: عَلِيُّ بْنُ أحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن مُوسَى، عَنْ مُوسَى بْن هَارُونَ بْن عِيسَى الْعَبْدِيِّ(603)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مُسْلِم بْن قَعْنَبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْن هِلَالٍ(604)، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَن الْحُسَيْن ابْن عَلِيٍّ (علیه السلام)، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَمِير المُؤْمِنينَ (علیه السلام)، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ، نَبِّئْنَا بِمَهْدِيِّكُمْ هَذَا؟ فَقَالَ: إِذَا دَرَجَ الدَّارجُونَ، وَقَلَّ المُؤْمِنُونَ، وَذَهَبَ المُجْلِبُونَ فَهُنَاكَ(605)، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ عَلَيْكَ السَّلَامُ، مِمَّن الرَّجُلُ؟ فَقَالَ: مِنْ بَنِي هَاشِم، مِنْ ذِرْوَةِ طَوْدِ الْعَرَبِ وَبَحْر مَغِيضِهَا إِذَا وَرَدَتْ، وَمَجْفُوِّ أَهْلِهَا إِذَا أَتَتْ(606)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(600) الغيبة للنعماني (ص 193).
(601) كلمة: (أبي) ليست في المصدر.
(602) الغيبة للنعماني (ص 192).
(603) في المصدر: (المعبدي) بدل (العبدي).
(604) في المصدر: (بلال) بدل (هلال).
(605) في المصدر إضافة: (هناك).
(606) في المصدر: (أُتيت) بدل (أتت).

(١٨٨)

وَمَعْدِن صَفْوَتِهَا إِذَا اكْتَدَرَتْ، لَا يَجْبُنُ إِذَا المَنَايَا هَلِعَتْ(607)، وَلَا يَحُورُ(608) إِذَا المُؤْمِنُونَ اكْتَنَفَتْ(609)، وَلَا يَنْكُلُ إِذَا الْكُمَاةُ اصْطَرَعَتْ، مُشَمِّرٌ مُغْلَوْلِبٌ، ظَفِرٌ ضِرْغَامَةٌ، حَصِدٌ مُخَدِّشٌ، ذَكَرٌ، سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ، رَأسٌ، قُثَمُ، نَشِقٌ(610) رَأسَهُ فِي بَاذِخ السُّؤْدَدِ، وَغَارزٌ مَجْدَهُ فِي أَكْرَم المَحْتِدِ، فَلَا يَصْرفَنَّكَ عَنْ تَبِعَتِهِ(611) صَارفٌ عَارضٌ يَنُوصُ إِلَى الْفِتْنَةِ كُلَّ مَنَاصٍ، إِنْ قَالَ فَشَرُّ قَائِلٍ، وَإِنْ سَكَتَ فَذُو دَعَائِرَ.
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى صِفَةِ المَهْدِيِّ (علیه السلام) فَقَالَ: أَوْسَعُكُمْ كَهْفاً، وَأَكْثَرُكُمْ عِلْماً، وَأَوْصَلُكُمْ رَحِماً، اللَّهُمَّ فَاجْعَلْ بَيْعَتَهُ(612) خُرُوجاً مِنَ الْغُمَّةِ، وَاجْمَعْ بِهِ شَمْلَ الْأُمَّةِ، فَأنَّى جَازَ لَكَ(613) فَاعْزمْ وَلَا تَنْثَن عَنْهُ إِنْ وَفَّقْتَ لَهُ، وَلَا تُجِيزَنَّ عَنْهُ إِنْ هُدِيتَ إِلَيْهِ، هَاهْ - وَأَوْمَأ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرهِ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِ -»(614).
توضيح: قال الفيروزآبادي: درج دروجاً ودرجاناً مشى، والقوم انقرضوا، وفلان لم يخلف نسلاً أو مضى لسبيله(615)، انتهى. والغرض انقراض قرون كثيرة. قوله (علیه السلام): (وذهب المجلبون) أي المجتمعون على الحقِّ والمعينون للدِّين أو الأعمّ، قال الجزري: يقال: أجلبوا عليه إذا تجمَّعوا وتألَّبوا، وأجلبه أي أعانه، وأجلب عليه إذا صاح به واستحثَّه(616). والطود بالفتح: الجبل العظيم،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(607) في المصدر: (هكعت).
(608) في المصدر: (يخور).
(609) في المصدر: (إذا المن اكتنعت).
(610) في المصدر: (نَشُؤ) بدل (نشق).
(611) في المصدر: (عن بيعته).
(612) في المصدر: (بعثه) بدل (بيعته).
(613) في المصدر: (فإنْ خار الله لك).
(614) الغيبة للنعماني (ص 212).
(615) القاموس المحيط (ج 1/ ص 194).
(616) النهاية (ج 1/ ص 282).

(١٨٩)

وفي بعض النُّسَخ بالراء وهو بالضمِّ أيضاً الجبل، والأوَّل أصوب. والمغيض: الموضع الذي يدخل فيه الماء فيغيب، ولعلَّ المعنى أنَّه بحر العلوم والخيرات فهي كامنة فيه، أو شبَّهه ببحر في أطرافه مغايض فإنَّ شيعتهم مغايض علومهم. قوله (علیه السلام): (ومجفو أهلها) أي إذا أتاه أهله يجفونه ولا يطيعونه. قوله (علیه السلام): (هلعت) أي صارت حريصة على إهلاك الناس. قوله (علیه السلام): (ولا يحور) في بعض النُّسَخ: ولا يخور إذا المنون أكسفت، والخور الجبن، والمنون الموت. والكماة بالضمِّ: جمع الكمي وهو الشجاع أو لابس السلاح. ويقال: ظفر بعدوِّه فهو ظفر. والضرغامة بالكسر: الأسد.
قوله (علیه السلام): (حصد): أي يحصد الناس بالقتل. قوله: (مخدش): أي يخدش الكُفَّار ويجرحهم. والذكر من الرجال بالكسر: القويُّ الشجاع الأبيُّ، ذكره الفيروزآبادي(617). وقال: الرأس أعلا كلِّ شيء وسيِّد القوم(618). والقثم كزفر: الكثير العطاء(619). وقال الجزري: رجل نشق إذا كان يدخل في أُمور لا يكاد يخلص منها(620)، وفي بعض النُّسَخ باللَّام والباء، يقال: رجل لبق ككتف أي حاذق بما عمل، وفي بعضها: شقّ رأسه أي جانبه، والباذخ: العالي المرتفع.
قوله (علیه السلام): (وغارز مجده) أي مجده الغارز الثابت، من غرز الشيء في الشيء أي أدخله وأثبته. والمحتد بكسر التاء: الأصل. وقوله: (ينوص) صفة للصارف، وقال الفيروزآبادي: المناص الملجأ، وناص مناصاً تحرَّك، وعنه تنحَّى، وإليه نهض(621). قوله: (فذو دعاير) من الدعارة وهو الخبث والفساد، ولا يبعد أنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(617) القاموس المحيط (ج 2/ ص 35).
(618) القاموس المحيط (ج 2/ ص 224).
(619) القاموس المحيط (ج 4/ ص 162).
(620) لم نعثر عليه في النهاية، وعثرنا عليه في الصحاح (ج 3/ ص 1559).
(621) القاموس المحيط (ج 2/ ص 333).

(١٩٠)

يكون تصحيف الدغايل جمع الدغيلة وهي الدغل والحقد، أو بالمهملة من الدعل بمعنى الختل. قوله (علیه السلام): (فإنْ جاز لك) أي تيسَّر لك مجازاً. ويقال: انثنى أي انعطف. قوله (علیه السلام): (ولا تجيزنَّ عنه) أي إنْ أدركته في زمان غيبته، وفي بعض النُّسَخ: ولا تحيزنَّ بالحاء المهملة والزاء المعجمة، أي لا تتحيَّزَنَّ من التحيُّز عن الشيء بمعنى التنحِّي عنه. وكانت النُّسَخ مصحَّفة محرَّفة في أكثر ألفاظها.
[216/15] الطرائف: فِي الْجَمْع بَيْنَ الصِّحَاح السِّتَّةِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ (علیه السلام) وَنَظَرَ إِلَى ابْنِهِ الْحُسَيْن وَقَالَ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ كَمَا سَمَّاهُ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَسَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ رَجُلٌ بِاسْم نَبِيِّكُمْ يُشْبِهُهُ فِي الْخُلُقِ وَلَا يُشْبِهُهُ فِي الْخَلْقِ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً»(622).
[217/16] نهج البلاغة: «وَأَخَذُوا يَمِيناً وَشِمَالاً، طعناً(623) فِي مَسَالِكِ الْغَيِّ وَتَرْكاً لِمَذَاهِبِ الرُّشْدِ، فَلَا تَسْتَعْجِلُوا مَا هُوَ كَائِنٌ مُرْصَدٌ، وَلَا تَسْتَبْطِئُوا مَا يَجِيءُ بِهِ الْغَدُ، فَكَمْ مِنْ مُسْتَعْجِلٍ بِمَا إِنْ أَدْرَكَهُ وَدَّ أَنَّهُ لَمْ يُدْركْهُ، وَمَا أَقْرَبَ الْيَوْمَ مِنْ تَبَاشِير غَدٍ. يَا قَوْمُ، هَذَا إِبَّانُ وُرُودِ كُلِّ مَوْعُودٍ، وَدُنُوٌّ مِنْ طَلْعَةِ مَا لَا تَعْرفُونَ، أَلَا وَإِنَّ مَنْ أَدْرَكَهَا مِنَّا يَسْري فِيهَا بِسِرَاج مُنِيرٍ، وَيَحْذُو فِيهَا عَلَى مِثَالِ الصَّالِحِينَ، لِيَحُلَّ فِيهَا ربْقاً، وَتعتق(624) رقًّا، وَيَصْدَعَ شَعْباً، وَيَشْعَبَ صَدْعاً فِي سُتْرَةٍ عَن النَّاس، لَا يُبْصِرُ الْقَائِفُ أَثَرَهُ وَلَوْ تَابَعَ نَظَرَهُ، ثُمَّ لَيُشْحَذَنَّ فِيهَا قَوْمٌ شَحْذَ الْقَيْن النَّصْلَ، تُجْلَى بِالتَّنْزيل أَبْصَارُهُمْ، وَيُرْمَى بِالتَّفْسِير فِي مَسَامِعِهِمْ، وَيُغْبَقُونَ كَأسَ الْحِكْمَةِ بَعْدَ الصَّبُوح»(625).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(622) الطرائف (ص 177/ ح 279).
(623) في المصدر: (ظعناً) بدل (طعناً).
(624) في المصدر: (ويعتق) بدل (وتعتق).
(625) نهج البلاغة (ص 208/ الخطبة 150).

(١٩١)

بيان: مرصد: أي مترقِّب ما يجيء به الغد من الفتن والوقايع. من تباشير غد: أي أوائله أو من البشرى به. والإبَّان: الوقت والزمان. يسري: من السرى السير بالليل. والربق: الخيط. والقائف: الذي يتتبَّع الآثار. (ولو تابع نظره): أي ولو استقصى في الطلب وتابع النظر والتأمُّل. وشحذت السكِّين: حددته، أي ليُحرِضَنَّ في هذه الملاحم قوم على الحرب ويشحذ عزائمهم في قتل أهل الضلال كما يشحذ الحدَّاد النصل كالسيف وغيره. قوله (علیه السلام): (يجلي بالتنزيل) أي يكشف الرين والغطاء عن قلوبهم بتلاوة القرآن وإلهامهم تفسيره ومعرفة أسراره. والغبوق: الشرب بالعشي، مقابل الصبوح.
[218/17] أمالي الطوسي: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ المَعْرُوفُ بِابْن الْحَمَّامِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن جَعْفَرٍ الْقَاريِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِسْمَاعِيلَ بْن يُوسُفَ، عَنْ سَعِيدِ بْن أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن جَعْفَر بْن كَثِيرٍ، عَنْ مُوسَى بْن عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِم بْن ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ (علیه السلام)، أَنَّهُ قَالَ: «لَتُمْلَأنَّ الْأَرْضُ ظُلْماً وَجَوْراً حَتَّى لَا يَقُولَ أَحَدٌ: [اللهُ] إِلَّا مُسْتَخْفِياً، ثُمَّ يَأتِي اللهُ بِقَوْم صَالِحِينَ يَمْلَئُونَهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»(626).
[219/18] كمال الدِّين: أَبِي وَابْنُ الْوَلِيدِ مَعاً، عَنْ سَعْدٍ وَالْحِمْيَريِّ وَمُحَمَّدٍ الْعَطَّار وَأَحْمَدَ بْن إِدْريسَ جَمِيعاً، عَن ابْن أَبِي الْخَطَّابِ وَابْن عِيسَى وَالْبَرْقِيِّ وَابْن هَاشِم جَمِيعاً، عَن ابْن فَضَّالٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ، عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنيِّ.
وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْوَلِيدِ، عَن الصَّفَّار وَسَعْدٍ مَعاً، عَن الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْن مُحَمَّدِ(627) بْن قَابُوسَ، عَن النَّضْر بْن أَبِي السَّريِّ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ المُسْتَرقِّ، عَنْ ثَعْلَبَة، عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنيِّ، عَن الْحَارثِ بْن المُغِيرَةِ، عَن ابْن نُبَاتَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ أَمِيرَ المُؤْمِنينَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(626) أمالي الطوسي (ص 382/ مجلس 13/ ح 821).
(627) في المصدر: (عن منذر بن محمّد) بدل (عن زيد بن محمّد).

(١٩٢)

عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام)، فَوَجَدْتُهُ مُفَكِّراً(628) يَنْكُتُ فِي الْأَرْض، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ، مَا لِي أَرَاكَ مُفَكِّراً تَنْكُتُ فِي الْأَرْض، أَرَغْبَةً(629) فِيهَا؟ قَالَ: «لَا، وَاللهِ مَا رَغِبْتُ فِيهَا وَلَا فِي الدُّنْيَا يَوْماً قَطُّ، وَلَكِنِّي فَكَّرْتُ فِي مَوْلُودٍ يَكُونُ مِنْ ظَهْري الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِي هُوَ المَهْدِيُّ، يَمْلَؤُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، تَكُونُ لَهُ حَيْرَةٌ وَغَيْبَةٌ يَضِلُّ فِيهَا أَقْوَامٌ وَيَهْتَدِي فِيهَا آخَرُونَ»، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ، وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، كَمَا أَنَّهُ مَخْلُوقٌ، وَأَنَّى لَكَ بِالْعِلْم بِهَذَا الْأَمْر يَا أَصْبَغُ، أُولَئِكَ خِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ أَبْرَار هَذِهِ الْعِتْرَةِ»، قُلْتُ: وَمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «ثُمَّ يَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ، فَإنَّ لَهُ إِرَادَاتٌ وَغَايَاتٌ وَنهَايَاتٌ»(630).
الغيبة للطوسي: سعد، عن ابن أبي الخطاب، عن ابن فضَّال، عن ثعلبة، مثله(631).
الغيبة للطوسي: عبد الله بن محمّد بن خالد، عن منذر بن محمّد بن قابوس، عن نضر، [عن](632) ابن السندي، عن أبي داود، عن ثعلبة، مثله(633).
الغيبة للنعماني: الكليني، عن عليِّ بن محمّد، عن البرقي، عن نضر بن محمّد ابن قابوس، عن منصور بن السندي، عن أبي داود، مثله(634).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(628) في المصدر: (متفكِّراً)، وكذا في ما بعد.
(629) في المصدر: (أرغبت).
(630) كمال الدِّين (ج 1/ ص 288/ باب ما أخبر به عليٌّ (علیه السلام)/ ح 1).
(631) الغيبة للطوسي (ص 164/ ح 127).
(632) من المصدر.
(633) الغيبة للطوسي (ص 164/ ح 127).
(634) الغيبة للنعماني (ص 60).

(١٩٣)

الاختصاص: ابن قولويه، عن سعد، عن الطيالسي، عن المنذر بن محمّد، عن النضر بن أبي السري، مثله(635).
أقول: في هذه الروايات كلِّها سوى رواية الصدوق بعد قوله: «ويهتدي فيها آخرون»: قلت: يا مولاي، فكم تكون الحيرة والغيبة؟ قال: «ستَّة أيَّام، أو ستَّة أشهر، أو ستُّ سنين»، فقلت: وإنَّ هذا الكائن؟... إلى آخر الخبر. وفي الكافي أيضاً كذلك(636).
ونكت الأرض بالقضيب هو أنْ يُؤثِّر بطرفه، فعلى هذا المفكِّر: المهموم، وضمير (فيها) راجع إلى الأرض، أي اهتمامك وتفكُّرك لرغبة في الأرض وأنْ تصير مالكاً لها نافذ الحكم فيها، أو هو راجع إلى الخلافة، وربَّما يُحمَل الكلام على المطاية.
ولعلَّ المراد بالحيرة التحيُّر في المساكن، وأنْ يكون في كلِّ زمان في بلدة وناحية، وقيل: المراد حيرة الناس فيه، وهو بعيد.
قوله (علیه السلام): (ستَّة أيَّام...) إلخ، لعلَّه مبنيٌّ على وقوع البداء فيه، ولذا ردَّد (علیه السلام) بين أُمور وأشار إليه في آخر الخبر، ويمكن أنْ يقال: إنَّ السائل سأل عن الغيبة والحيرة معاً، فأجاب (علیه السلام) بأنَّ زمان مجموعهما أحد الأزمنة المذكورة وبعد ذلك تُرفَع الحيرة وتبقى الغيبة، فالترديد باعتبار اختلاف مراتب الحيرة إلى أنْ استقرَّ أمره (علیه السلام) في الغيبة، وقيل: المراد أنَّ آحاد زمان الغيبة هذا المقدار.
(كما أنَّه): أي المهدي (علیه السلام). (مخلوق): أي كما أنَّ وجوده محتوم فكذا غيبته محتوم. (فإنَّ له إرادات): في سائر الروايات: (فإنَّ له بداءات وإرادات)، أي يظهر من الله سبحانه فيه (علیه السلام) أُمور بدائيَّة في امتداد غيبته وزمان ظهوره وإرادات في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(635) الاختصاص (ص 209)، وفيه: (عن النضر بن السندي).
(636) الكافي (ج 1/ ص 338).

(١٩٤)

الإظهار والإخفاء والغيبة والظهور. و(غايات): أي منافع ومصالح فيها. و(نهايات) مختلفة لغيبته وظهوره بحسب ما يظهر للخلق من ذلك بسبب البداء.
[220/19] كمال الدِّين: ابْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْن إِدْريسَ، عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ الْفَزَاريِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْن مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيِّ، عَنْ أَبِي هَاشِم، عَنْ فُرَاتِ بْن أَحْنَفَ(637)، عَن ابْن طَريفٍ، عَن ابْن نُبَاتَةَ، عَنْ أَمِير المُؤْمِنينَ (علیه السلام) أَنَّهُ ذَكَرَ الْقَائِمَ (علیه السلام) فَقَالَ: «أَمَا لَيَغِيبَنَّ حَتَّى يَقُولَ الْجَاهِلُ: مَا للهِ فِي آلِ مُحَمَّدٍ حَاجَةٌ»(638).
كمال الدِّين: الورَّاق، عن سعد، عن إبراهيم بن هاشم، عن إسحاق بن محمّد، [عن أبي هاشم]، عن فرات بن أحنف، عن ابن نباته، مثله(639).
[221/20] كمال الدِّين: ابْنُ إِدْريسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّدِ بْن مَالِكٍ، عَنْ عَبَّادِ بْن يَعْقُوبَ، عَن الْحَسَن بْن مُحَمَّدٍ(640)، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ يَزيدَ الضَّخْم، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ المُؤْمِنينَ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) يَقُولُ: «كَأَنِّي بِكُمْ تَجُولُونَ جَوَلَانَ النَّعَم تَطْلُبُونَ المَرْعَى فَلَا تَجِدُونَهُ»(641).
[222/21] كمال الدِّين: ابْنُ مُوسَى، عَن الْأَسَدِيِّ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْن عَبْدِ الْحَمِيدِ وَعَبْدِ الصَّمَدِ بْن مُحَمَّدٍ مَعاً، عَنْ حَنَان بْن سَدِيرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْن حَزَوَّرٍ(642)، عَن ابْن نُبَاتَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ المُؤْمِنينَ (علیه السلام) يَقُولُ: «صَاحِبُ هَذَا الْأَمْر الشَّريدُ الطَّريدُ الْفَريدُ الْوَحِيدُ»(643).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(637) في المطبوعة: (ضرار بن أحنف)، والصحيح ما أثبتناه.
(638) كمال الدِّين (ج 1/ ص 302/ باب ما أخبر به عليٌّ (علیه السلام)/ ح 9).
(639) كمال الدِّين (ج 1/ ص 303/ باب ما أخبر به عليٌّ (علیه السلام)/ ح 15).
(640) في المصدر: (عن الحسن بن حمَّاد) بدل (عن الحسن بن محمّد).
(641) كمال الدِّين (ج 1/ ص 302/ باب ما أخبر به عليٌّ (علیه السلام)/ ح 12).
(642) في المصدر: (الحزور) بدل (حزوَّر).
(643) كمال الدِّين (ج 1/ ص 303/ باب ما أخبر به عليٌّ (علیه السلام)/ ح 13).

(١٩٥)

[223/22] الغيبة للطوسي: جَمَاعَةٌ، عَن التَّلَّعُكْبَريِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن عَلِيٍّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن إِدْريسَ، عَن ابْن قُتَيْبَةَ، عَن الْفَضْل، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن الْحَكَم، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن عَيَّاشٍ، عَن الْأَعْمَش، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: نَظَرَ أَمِيرُ المُؤْمِنينَ (علیه السلام) إِلَى ابْنِهِ الْحُسَيْن فَقَالَ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ كَمَا سَمَّاهُ [رَسُولُ] اللهِ سَيِّداً، وَسَيُخْرجُ اللهُ مِنْ صُلْبِهِ رَجُلاً بِاسْم نَبِيِّكُمْ، فَيُشْبِهُهُ فِي الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ، يَخْرُجُ عَلَى حِين غَفْلَةٍ مِنَ النَّاس، وَإِمَاتَةٍ مِنَ الْحَقِّ، وَإِظْهَارٍ مِنَ الْجَوْر، وَاللهِ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ لَضُربَ عُنُقُهُ، يَفْرَحُ لِخُرُوجِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ وَسُكَّانُهَا، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً...» تَمَامَ الْخَبَر(644).
[224/23] نهج البلاغة: فِي بَعْض خُطَبِهِ (علیه السلام): «فَلَبِثْتُمْ بَعْدَهُ - يَعْنِي نَفْسَهُ (علیه السلام)(645) - مَا شَاءَ اللهُ حَتَّى يُطْلِعَ اللهُ لَكُمْ مَنْ يَجْمَعُكُمْ، وَيَضُمُّ نَشْرَكُمْ...»(646) إِلَى آخِر مَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْفِتَن.
وَقَالَ ابْنُ مِيثَم (رحمه الله): قَدْ جَاءَ فِي بَعْض خُطَبِهِ (علیه السلام) مَا يَجْري مَجْرَى الشَّرْح لِهَذَا الْوَعْدِ، قَالَ (علیه السلام): «اعْلَمُوا عِلْماً يَقِيناً أَنَّ الَّذِي يَسْتَقْبِلُ قَائِمَنَا مِنْ أَمْر جَاهِلِيَّتِكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأُمَّةَ كُلَّهَا يَوْمَئِذٍ جَاهِلِيَّةٌ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ، فَلَا تَعْجَلُوا فَيَعْجَلَ الْخَوْفُ بِكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الرِّفْقَ يُمْنٌ، وَالْأَنَاةَ رَاحَةٌ وَبَقَاءٌ، وَالْإمَامَ أَعْلَمُ بِمَا يُنْكَرُ وَيُعْرَفُ، لَيَنْزعَنَّ عَنْكُمْ قُضَاةَ السَّوْءِ، وَلَيَقْبِضَنَّ عَنْكُمُ المُرَاضِينَ، وَلَيَعْزلَنَّ عَنْكُمْ أُمَرَاءَ الْجَوْر، وَلَيُطَهِّرَنَّ الْأَرْضَ مِنْ كُلِّ غَاشٍّ، وَلَيَعْمَلَنَّ بِالْعَدْلِ، وَلَيَقُومَنَّ فِيكُمْ بِالْقِسْطَاس المُسْتَقِيم، وَلَيَتَمَنَّيَنَّ أَحْيَاؤُكُمْ رَجْعَةَ الْكَرَّةِ عَمَّا قَلِيلٍ، فَتَعَيَّشُوا إِذَنْ فَإنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(644) الغيبة للطوسي (ص 189/ ح 152).
(645) عبارة: (يعني نفسه (علیه السلام)) ليست في المصدر.
(646) نهج البلاغة (ص 145/ الخطبة 100).

(١٩٦)

اللهَ أَنْتُمْ بِأَحْلَامِكُمْ، كُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ، وَكُونُوا مِنْ وَرَاءِ مَعَايِشِكُمْ فَإنَّ الْحِرْمَانَ سَيَصِلُ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ صَبَرْتُمْ وَاحْتَسَبْتُمْ وَاسْتَيْقَنْتُمْ أَنَّهُ طَالِبٌ وَتَرَكُمْ وَمُدْركٌ آثَارَكُمْ وَآخِذٌ بِحَقِّكُمْ، وَأُقْسِمُ بِاللهِ قَسَماً حَقًّا إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ».
أَقُولُ: وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ فِي شَرْح خُطْبَةٍ أَوْرَدَهَا السَّيِّدُ الرَّضِيُّ فِي نَهْج الْبَلاَغَةِ، وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ذِكْر بَنِي أُمَيَّةَ: هَذِهِ الْخُطْبَةُ ذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ السِّيَر، وَهِيَ مُتَدَاولَةٌ مَنْقُولَةٌ مُسْتَفِيضَةٌ، وَفِيهَا أَلْفَاظٌ لَمْ يُوردْهَا الرَّضِيُّ.
ثُمَّ قَالَ: وَمِنْهَا: «فَانْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ فَإنْ لَبَدُوا فَالْبَدُوا وَإِنْ اسْتَنْصَرُوكُمْ فَانْصُرُوهُمْ، لَيَفْرجَنَّ(647) اللهُ بِرَجُلٍ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ، بِأَبِي ابْن خِيَرَةِ الْإمَاءِ، لَا يُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْفَ هَرْجاً هَرْجاً، مَوْضُوعاً عَلَى عَاتِقِهِ ثَمَانِيَةً(648)، حَتَّى تَقُولَ قُرَيْشٌ: لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ لَرَحِمَنَا، فَيُغْريهِ اللهُ بِبَني أُمَيَّةَ حَتَّى يَجْعَلَهُمْ حُطَاماً وَرُفَاتاً، ﴿مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً * سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً﴾ [الأحزاب: 61 و62]»(649).
ثُمَّ قال ابن أبي الحديد: فإنْ قيل: من هذا الرجل الموعود؟ قيل: أمَّا الإماميَّة فيزعمون أنَّه إمامهم الثاني عشر وأنَّه ابن أَمَة اسمها نرجس، وأمَّا أصحابنا فيزعمون أنَّه فاطمي يُولَد في مستقبل الزمان لأُمِّ ولد وليس بموجود الآن.
فإنْ قيل: فمن يكون من بني أُميَّة في ذلك الوقت موجوداً حتَّى يقول (علیه السلام) في أمرهم ما قال من انتقام هذا الرجل منهم؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(647) في المصدر: (فليفرِّجنَّ).
(648) في المصدر: (ثمانية أشهر).
(649) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج 7/ ص 58).

(١٩٧)

قيل: أمَّا الإماميَّة فيقولون بالرجعة ويزعمون أنَّه سيعاد قوم بأعيانهم من بني أُميَّة وغيرهم إذا ظهر إمامهم المنتظر، وأنَّه يقطع أيدي أقوام وأرجلهم ويسمل عيون بعضهم ويصلب قوماً آخرين وينتقم من أعداء آل محمّد (عليهم السلام) المتقدِّمين والمتأخِّرين.
وأمَّا أصحابنا فيزعمون أنَّه سيخلق الله تعالى في آخر الزمان رجلاً من ولد فاطمة (عليها السلام) ليس موجوداً الآن وينتقم به(650)، وأنَّه يملأ الأرض عدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً(651) من الظالمين، وينكل بهم أشدّ النكال، وأنَّه لأُمِّ ولد كما قد ورد في هذا الأثر وفي غيره من الآثار، وأنَّ اسمه(652) كاسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنَّه يظهر بعد أنْ يستولي على كثير من الإسلام ملك من أعقاب بني أُميَّة وهو السفياني الموعود به في الصحيح(653) من ولد أبي سفيان بن حرب بن أُميَّة، وأنَّ الإمام الفاطمي يقتله وأشياعه(654) من بني أُميَّة وغيرهم، وحينئذٍ ينزل المسيح (علیه السلام) من السماء، وتبدو أشراط الساعة، وتظهر دابَّة الأرض، ويبطل التكليف، ويتحقَّق قيام الأجساد عند نفخ الصور كما نطق به الكتاب العزيز(655).
[225/24] الكافي: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ، عَنْ جَعْفَر بْن عَبْدِ اللهِ المُحَمَّدِيِّ، عَنْ أَبِي رَوْح فَرَج بْن قُرَّةَ، عَنْ جَعْفَر بْن عَبْدِ اللهِ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْن صَدَقَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، قَالَ: «خَطَبَ أَمِيرُ المُؤْمِنينَ (علیه السلام)، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَقْصِمْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(650) عبارة: (وينتقم به) ليست في المصدر.
(651) في المصدر إضافة: (وينتقم).
(652) في المصدر إضافة: (محمّد).
(653) في المصدر: (في الخبر الصحيح).
(654) في المصدر: (يقتله ويقتل أشياعه).
(655) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج 7/ ص 59).

(١٩٨)

جَبَّاري دَهْرٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ تَمْهِيلٍ وَرَخَاءٍ، وَلَمْ يَجْبُرْ كَسْرَ عَظْم [مِنَ](656) الْأُمَم إِلَّا بَعْدَ أَزْلٍ وَبَلَاءٍ، أَيُّهَا النَّاسُ فِي دُون مَا اسْتَقْبَلْتُمْ مِنْ عَطْبٍ وَاسْتَدْبَرْتُمْ مِنْ خَطْبٍ مُعْتَبَرٌ، وَمَا كُلُّ ذِي قَلْبٍ بِلَبِيبٍ، وَلَا كُلُّ ذِي سَمْع بِسَمِيع، وَلَا كُلُّ ذِي نَاظِر عَيْنٍ بِبَصِيرٍ، عِبَادَ اللهِ أَحْسِنُوا فِيمَا يُعِينُكُمُ النَّظَرُ فِيهِ، ثُمَّ انْظُرُوا إِلَى عَرَصَاتِ مَنْ قَدْ أَقَادَهُ اللهُ بِعِلْمِهِ، كَانُوا عَلَى سُنَّةٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ أَهْل جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوع وَمَقام كَريم، ثُمَّ انْظُرُوا بِمَا خَتَمَ اللهُ لَهُمْ بَعْدَ النَّظْرَةِ وَالسُّرُور وَالْأَمْر وَالنَّهْي، وَلِمَنْ صَبَرَ مِنْكُمُ الْعَاقِبَةُ فِي الْجِنَان وَاللهِ مُخَلَّدُونَ، وَللهِ عاقِبَةُ الْأُمُور.
فَيَا عَجَبَا، وَمَا لِي لَا أعْجَبُ مِنْ خَطَاءِ هَذِهِ الْفِرَقِ عَلَى اخْتِلَافِ حُجَجِهَا فِي دِينهَا، لَا يَقْتَفُونَ(657) أَثَرَ نَبِيٍّ، وَلَا يَعْتَدُّونَ(658) بِعَمَل وَصِيٍّ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِغَيْبٍ، وَلَا يَعِفُّونَ عَنْ عَيْبٍ، المَعْرُوفُ فِيهِمْ مَا عَرَفُوا، وَالمُنْكَرُ عِنْدَهُمْ مَا أَنْكَرُوا، وَكُلُّ امْرئٍ مِنْهُمْ إِمَامُ نَفْسِهِ آخِذٌ مِنْهَا فِيمَا يَرَى بِعُرًى وَثِيقَاتٍ وَأَسْبَابٍ مُحْكَمَاتٍ، فَلَا يَزَالُونَ بِجَوْرٍ، وَلَنْ يَزْدَادُوا إِلَّا خَطَأً، لَا يَنَالُونَ تَقَرُّباً، وَلَنْ يَزْدَادُوا إِلَّا بُعْداً مِنَ اللهِ (عزَّ وجلَّ)، أُنْسُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَتَصْدِيقُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، كُلُّ ذَلِكَ وَحْشَةً مِمَّا وَرَّثَ النَّبِيُّ(659) (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَنُفُوراً مِمَّا أَدَّى إِلَيْهِمْ مِنْ أَخْبَار فَاطِر السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض.
أَهْلُ حَسَرَاتٍ، وَكُهُوفُ شُبُهَاتٍ، وَأَهْلُ عَشَوَاتٍ، وَضَلَالَةٍ وَريبَةٍ، مَنْ وَكَلَهُ اللهُ إِلَى نَفْسِهِ وَرَأيِهِ فَهُوَ مَأمُونٌ عِنْدَ مَنْ يَجْهَلُهُ غَيْرُ المُتَّهَم عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرفُهُ، فَمَا أَشْبَهَ هَؤُلَاءِ بِأَنْعَام قَدْ غَابَ عَنْهَا رعَاؤُهَا.
وَوَا أَسَفَا مِنْ فَعَلَاتِ شِيعَتِنَا(660) مِنْ بَعْدِ قُرْبِ مَوَدَّتِهَا الْيَوْمَ، كَيْفَ يَسْتَذِلُّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(656) من المصدر.
(657) في المصدر: (يقتصون) بدل (يقتفون).
(658) في المصدر: (ولا يقتدون) بدل (ولا يعتدُّون).
(659) في المصدر إضافة: (الأُمِّي).
(660) في المصدر: (شيعتي).

(١٩٩)

بَعْدِي بَعْضُهَا بَعْضاً، وَكَيْفَ يَقْتُلُ بَعْضُهَا بَعْضاً، المُتَشَتِّتَةُ غَداً عَن الْأَصْل النَّازِلَةُ بِالْفَرْع، المُؤَمِّلَةُ الْفَتْحَ مِنْ غَيْر جِهَتِهِ، كُلُّ حِزْبٍ مِنْهُمْ آخِذٌ مِنْهُ بِغُصْنٍ أَيْنَمَا مَالَ الْغُصْنُ مَالَ مَعَهُ، مَعَ أَنَّ اللهَ وَلَهُ الْحَمْدُ سَيَجْمَعُ هَؤُلَاءِ لِشَرِّ يَوْم لِبَني أُمَيَّةَ كَمَا يَجْمَعُ قَزَعَ الْخَريفِ، يُؤَلِّفُ اللهُ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَجْعَلُهُمْ رُكَاماً كَرُكَام السَّحَابِ، ثُمَّ يَفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَاباً يَسِيلُونَ مِنْ مُسْتَثَارهِمْ كَسَيْل الْجَنَّتَيْن سَيْلَ الْعَرم حَيْثُ نَقَبَ(661) عَلَيْهِ فَأرَةٌ فَلَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِ أَكَمَةٌ وَلَمْ يَرُدَّ سَنَنَهُ رَصُّ(662) طَوْدٍ، يُذَعْذِعُهُمُ(663) اللهُ فِي بُطُون أَوْدِيَةٍ، ثُمَّ يَسْلُكُهُمْ يَنابِيعَ فِي الْأَرْض، يَأخُذُ بِهِمْ مِنْ قَوْم حُقُوقَ قَوْم، وَيُمَكِّنُ بِهِمْ قَوْماً فِي دِيَار قَوْم، تَشْريداً لِبَني أُمَيَّةَ، وَلِكَيْ لَا يَغْتَصِبُوا مَا غَصَبُوا، يُضَعْضِعُ اللهُ بِهِمْ رُكْناً، وَيَنْقُضُ بِهِمْ طَيَّ الْجَنَادِلِ مِنْ إِرَمَ، وَيَمْلَأُ مِنْهُمْ بُطْنَانَ الزَّيْتُون.
فَوَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَيَكُونَنَّ ذَلِكَ، وَكَأَنِّي أَسْمَعُ صَهِيلَ خَيْلِهِمْ وَطَمْطَمَةَ رجَالِهِمْ، وَايْمُ اللهِ لَيَذُوبَنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمْ بَعْدَ الْعُلُوِّ وَالتَّمْكِين فِي الْبِلَادِ كَمَا تَذُوبُ الْأَلْيَةُ عَلَى النَّار، مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ مَاتَ ضَالّاً، وَإِلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ) يُفْضِي مِنْهُمْ مَنْ دَرَجَ، وَيَتُوبُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) عَلَى مَنْ تَابَ، وَلَعَلَّ اللهَ يَجْمَعُ شِيعَتِي بَعْدَ التَّشَتُّتِ لِشَرِّ يَوْم لِهَؤُلَاءِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى اللهِ عَزَّ ذِكْرُهُ الْخِيَرَةُ، بَلْ للهِ الْخِيَرَةُ وَالْأَمْرُ جَمِيعاً.
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ المُنْتَحِلِينَ لِلْإمَامَةِ مِنْ غَيْر أَهْلِهَا كَثِيرٌ، وَلَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ مُرِّ الْحَقِّ، وَلَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِين الْبَاطِل، لَمْ يَتَشَجَّعْ عَلَيْكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ، وَلَمْ يَقْوَ مَنْ قَويَ عَلَيْكُمْ عَلَى هَضْم الطَّاعَةِ وَإِزْوَائِهَا عَنْ أَهْلِهَا، لَكِنْ تِهْتُمْ كَمَا تَاهَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى عَهْدِ مُوسَى (علیه السلام).
وَلَعَمْري لَيُضَاعَفَنَّ عَلَيْكُمُ التَّيْهُ مِنْ بَعْدِي أَضْعَافَ مَا تَاهَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(661) في المصدر: (بعث).
(662) في المصدر: (رضَّ).
(663) في المصدر: (يذعذعهم).

(٢٠٠)

وَلَعَمْري أَنْ لَوْ قَدِ اسْتَكْمَلْتُمْ مِنْ بَعْدِي مُدَّةَ سُلْطَان بَني أُمَيَّةَ لَقَدِ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى سُلْطَان الدَّاعِي إِلَى الضَّلَالَةِ وَأَحْيَيْتُمُ الْبَاطِلَ وَأَخْلَفْتُمُ الْحَقَّ وَرَاءَ ظُهُوركُمْ، وَقَطَعْتُمُ الْأَدْنَى مِنْ أَهْل بَدْرٍ وَوَصَلْتُمُ الْأَبْعَدَ مِنْ أَبْنَاءِ الْحَرْبِ لِرَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَلَعَمْري أنْ لَوْ قَدْ ذَابَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ لَدَنَا التَّمْحِيصُ لِلْجَزَاءِ وَقَرُبَ الْوَعْدُ وَانْقَضَتِ المُدَّةُ، وَبَدَا لَكُمُ النَّجْمُ ذُو الذَّنَبِ مِنْ قِبَل المَشْرقِ، وَلَاحَ لَكُمُ الْقَمَرُ المُنِيرُ، فَإذَا كَانَ ذَلِكَ فَرَاجِعُوا التَّوْبَةَ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنْ اتَّبَعْتُمْ طَالِعَ المَشْرقِ سَلَكَ بِكُمْ مِنْهَاجَ(664) الرَّسُولِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَتَدَاوَيْتُمْ مِنَ الْعَمَى وَالصَّمَم وَالْبَكَم، وَكُفِيتُمْ مَئُونَةَ الطَّلَبِ وَالتَّعَسُّفِ، وَنَبَذْتُمُ الثِّقَلَ الْفَادِح عَن الْأَعْنَاقِ، وَلَا يُبَعِّدُ اللهُ إِلَّا مَنْ أَبَى وَظَلَمَ وَاعْتَسَفَ وَأَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ [الشعراء: 227]»(665).
بيان: الأزل: الضيق والشدَّة. والخطب: الشأن والأمر. ويحتمل أنْ يكون المراد بما استدبروه ما وقع في زمن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من استيلاء الكفرة أوَّلاً وغلبة الحقِّ وأهله ثانياً. وبما استقبلوه ما ورد عليهم بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أشباهها ونظائرها من استيلاء المنافقين على أمير المؤمنين (علیه السلام) ثُمَّ رجوع الدولة إليه بعد ذلك فإنَّ الحالتين متطابقتان. ويحتمل أنْ يكون المراد بهما شيئاً واحداً وإنَّما يستقبل قبل وروده ويستدبر بعد مضيِّه، والمقصود التفكُّر في انقلاب أحوال الدنيا وسرعة زوالها وكثرة الفتن فيها فتدعو إلى تركها والزهد فيها. ويحتمل على بعد أنْ يكون المراد بما يستقبلونه ما هو أمامهم من أحوال البرزخ وأهوال القيامة وعذاب الآخرة، وبما استدبروه ما مضى من أيَّام عمرهم وما ظهر لهم ممَّا هو محلٌّ للعبرة فيها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(664) في المصدر: (مناهج).
(665) روضة الكافي (ص 63/ ح 22).

(٢٠١)

(بلبيب): أي عاقل. (بسميع): أي يفهم الحقَّ ويُؤثِّر فيه. (ببصير): أي يبصر الحقَّ ويعتبر بما يرى وينتفع بما يشاهد. (فيما يعنيكم): أي يهمُّكم وينفعكم، وفي بعض النُّسَخ: يغنيكم. (والنظر فيه) الظاهر أنَّه بدل اشتمال لقوله: (فيما يعنيكم)، ويحتمل أنْ يكون فاعلاً لقوله: (يعنيكم) بتقدير النظر قبل الظرف أيضاً.
(من قد أقاده الله) يقال: أقاده خيلاً، أي أعطاه ليقودها. ولعلَّ المعنى من مكَّنه الله من الملك بأنْ خلَّى بينه وبين اختياره ولم يمسك يده عمَّا أراده. (بعلمه): أي بما يقتضيه علمه وحكمته من عدم إجبارهم على الطاعات. ويحتمل أنْ يكون من القود والقصاص، ويُؤيِّده أنَّ في بعض النُّسَخ: بعمله، فالضمير راجع إلى الموصول. (على سُنَّة): أي طريقة وحالة مشبهة ومأخوذة. (من آل فرعون) من الظلم والكفر والطغيان، أو من الرفاهيَّة والنعمة، كما قال: (أهل جنَّات)، فعلى الأوَّل حال، وعلى الثاني بدل من قوله: (على سُنَّة)، أو عطف بيان له. (بما ختم الله): الباء بمعنى (في)، أو (إلى)، أو زائدة. والنضرة: الحسن والرونق.
وقوله (علیه السلام): (مخلَّدون) خبر لمبتدأ محذوف، والجملة مبيِّنة ومؤكِّدة للسابقة، أي هم والله مخلَّدون في الجنان. (ولله عاقبة الأُمور): أي مرجعها إلى حكمه كما قيل، أو عاقبة الملك والدولة والعزِّ لله ولمن طلب رضاه كما هو الأنسب بالمقام. (فيا عجبا) بغير تنوين، وأصله: يا عجبي، ثُمَّ قلبوا الياء ألفاً، فإنْ وقفت قلت: يا عجباه، أي يا عجبي أقبل هذا أوانك، أو بالتنوين أي يا قوم اعجبوا عجباً أو أعجب عجباً، والأوَّل أشهر وأظهر. (في دينها) الظرف متعلِّق بالاختلاف، أو بالخطاء، أو بهما على التنازع. (بغيب): أي بأمر غائب عن الحسِّ ممَّا أخبر به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الجنَّة والنار وغيرهما. (ولا يعفون) بكسر العين وتشديد الفاء من العفَّة والكفِّ، أو بسكون العين وتخفيف الفاء من العفو أي عن عيوب الناس.

(٢٠٢)

(المعروف...) إلخ، أي المعروف والخير عندهم ما يعدُّونه معروفاً ويستحسنونه بعقولهم الناقصة وإنْ كان منكراً في نفس الأمر، أو المعنى أنَّ المعروف والمنكر تابعان لإرادتهم وميول طبائعهم وشهواتهم فما اشتهته أنفسهم وإنْ أنكرته الشريعة فهو المعروف عندهم. (بعرى وثيقات): أي يظنُّون أنَّهم تمسَّكوا بدلائل وبراهين فيما يدَّعون من الأُمور الباطلة.
(وأسباب محكمات): أي يزعمون أنَّهم تعلَّقوا بوسائل محكمة فيمن يتوسَّلون بهم من أئمَّة الجور. (أنس بعضهم) على الفعل أو المصدر، والثاني أظهر. (وحشة): أي يفعلون كلَّ ذلك لوحشتهم ونفورهم عن العلوم التي ورثها النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أهل بيته. (أهل حسرات) بعد الموت وفي القيامة وفي النار. (وكهوف شُبُهات) أي تأوي إليهم الشُّبُهات لأنَّهم يقبلون إليها ويفتتنون بها، وفي بعض النُّسَخ: وكفر وشُبُهات، فيكونان معطوفين على حسرات.
وقال الجوهري: العشوة أنْ يركب أمراً على غير بيان، ويقال: أخذت عليهم بالعشوة، أي بالسواد من الليل(666). (فهو مأمون) خبر للموصول، والمعنى أنَّ حسن ظنِّ الناس والعوامِّ بهم إنَّما هو لجهلهم بضلالتهم وجهالتهم، ويحتمل أنْ يكون المراد بالموصول أئمَّة من قد ذمَّهم سابقاً لا أنفسهم. (من فعلات شيعتي): أي من يتبعني اليوم ظاهراً. و(اليوم) ظرف للقرب. (المتشتِّتة): أي هم الذين يتفرَّقون عن أئمَّة الحقِّ ولا ينصرونهم ويتعلَّقون بالفروع التي لا ينفع التعلُّق بها بدون التشبُّث بالأصل كاتِّباعهم المختار وأبا مسلم وزيداً وأضرابهم بعد تفرُّقهم عن الأئمَّة (عليهم السلام). (من غير جهته): أي من غير الجهة التي يُرجى منها الفتح، أو من غير الجهة التي أُمروا بالاستفتاح منها، فإنَّ خروجهم بغير إذن الإمام كان معصية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(666) الصحاح (ج 4/ ص 2427).

(٢٠٣)

(لشرِّ يوم) إشارة إلى اجتماعهم على أبي مسلم لدفع بني أُميَّة، وقد فعلوا لكن سلَّطوا على أئمَّة الحقِّ من هو شرٌّ منهم. وقال الجزري: وفي حديث عليٍّ: (فيجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف) أي قطع السحاب المتفرِّقة، وإنَّما خصَّ الخريف لأنَّه أوَّل الشتاء والسحاب يكون فيه متفرِّقاً غير متراكم ولا مطبق ثُمَّ يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك(667). وقال: الركام، السحاب المتراكم بعضه فوق بعض(668).
أقول: نسبة الجمع إليه تعالى مجاز، لعدم منعهم عنه وتمكينهم من أسبابه وتركهم واختيارهم. (ثُمَّ يفتح لهم) فتح الأبواب كناية عمَّا هيّئ لهم من أسبابهم وإصابة تدبيراتهم واجتماعهم وعدم تخاذلهم.
والمستثار: موضع ثورانهم وهيجانهم. ثُمَّ شبَّه (علیه السلام) تسليط هذا الجيش عليهم بسوء أعمالهم بما سلَّط الله على أهل سبأ بعد إتمام النعمة عليهم لكفرانهم، وإنَّما سُمِّي ذلك بسيل العرم لصعوبته، أي سيل الأمر العرم أي الصعب، أو المراد بالعرم المطر الشديد أو الجرذ، أضاف إليه لأنَّه نقب عليهم سدًّا ضربت لهم بلقيس، وقيل: اسم لذلك السدِّ. وقد مرَّت القصَّة في كتاب النبوَّة.
والضمير في (عليه) إمَّا راجع إلى السيل فـ(على) تعليليَّة، أو إلى العرم إذا فُسِّر بالسدِّ. وفي بعض النُّسَخ: بعث، وفي بعضها: نقب بالنون والقاف والباء الموحَّدة. فقوله: (فأرة) مرفوع بالفاعليَّة. وفي النهج: (كسيل الجنَّتين حيث لم تسلم عليه قارة ولم تثبت له أكمة)(669)، والقارة الجبل الصغير، والأكمة هي الموضع الذي يكون أشدّ ارتفاعاً ممَّا حوله وهو غليظ لا يبلغ أنْ يكون حجراً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(667) النهاية (ج 4/ ص 59).
(668) النهاية (ج 2/ ص 260).
(669) نهج البلاغة (ص 241/ الخطبة 166).

(٢٠٤)

 والحاصل بيان شدَّة السيل المشبَّه به بأنَّه أحاط بالجبال وذهب بالتلال ولم يمنعه شيء. والسَّنَن: الطريق. والرص: التصاق الأجزاء بعضها ببعض. والطود: الجبل، أي لم يرد طريقه طود مرصوص.
ولـمَّا بيَّن (علیه السلام) شدَّة المشبَّه به أخذ في بيان شدَّة المشبَّه فقال: (يذعذعهم الله): أي يُفرِّقهم في السُّبُل متوجِّهين إلى البلاد. (ثُمَّ يسلكهم ينابيع في الأرض) من ألفاظ القرآن أي كما أنَّ الله تعالى يُنزِل الماء من السماء فيسكن في أعماق الأرض ثُمَّ يُظهِره ينابيع إلى ظاهرها، كذلك هؤلاء يُفرِّقهم الله في بطون الأودية وغوامض الأغوار ثُمَّ يُظهِرهم بعد الاختفاء، كذا ذكره ابن أبي الحديد(670). والأظهر عندي أنَّه بيان لاستيلائهم على البلاد وتفرُّقهم فيها وتيسُّر أعوانهم من سائر الفِرَق، فكما أنَّ مياه الأنهار ووفورها توجب وفور مياه العيون والآبار فكذلك يظهر أثر هؤلاء في كلِّ البلاد وتكثر أعوانهم في جميع الأقطار، وكلُّ ذلك ترشيح لما سبق من التشبيه. (يأخذهم من قوم): أي بني أُميَّة. (حقوق قوم): أي أهل بيت (عليهم السلام) للانتقام من أعدائهم وإنْ لم يصل الحقُّ إليهم. (ويُمكِّن من قوم): أي بني العبَّاس. (لديار قوم): أي بني أُميَّة، وفي بعض النُّسَخ: ويُمكِّن بهم قوماً في ديار قوم، وفي النهج: ويُمكِّن لقوم في ديار قوم، والمآل في الكلِّ واحد. (تشريداً لبني أُميَّة) التشريد التفريق والطرد. والاغتصاب: الغصب. ولعلَّ المعنى أنَّ الغرض من استيلاء هؤلاء ليس إلَّا تفريق بني أُميَّة ودفع ظلمهم.
وقال الفيروزآبادي: ضعضعه هدمه حتَّى الأرض(671). والجنادل: جمع جندل، وهو ما يقلُّه الرجل من الحجارة، أي يهدم الله بهم ركناً وثيقاً هو أساس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(670) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج 9/ ص 285).
(671) القاموس المحيط (ج 3/ ص 58).

(٢٠٥)

دولة بني أُميَّة وينقض بهم الأبنية التي طُويت وبُنيت بالجنادل والأحجار من بلاد إرم وهي دمشق والشام، إذ كان مستقرُّ ملكهم في أكثر زمانهم تلك البلاد لاسيَّما في زمانه (علیه السلام).
وقال الجزري: (فيه ينادي منادٍ من بطنان العرش): أي من وسطه، وقيل: من أصله، وقيل: البطنان جمع بطن وهو الغامض من الأرض، يريد من دواخل العرش(672).
وقال الفيروزآبادي: الزيتون: مسجد دمشق أو جبال الشام وبلد بالصين(673). والمعنى أنَّ الله يملأ منهم وسط مسجد دمشق أو دواخل جبال الشام، والغرض بيان استيلاء هؤلاء القوم على بني أُميَّة في وسط ديارهم والظفر عليهم في محلِّ استقرارهم وأنَّه لا ينفعهم بناء ولا حصن في التحرُّز عنهم.
و(طمطمة رجالهم): الطمطمة اللغة العجميَّة، ورجل طمطمي في لسانه عجمة. وأشار (علیه السلام) بذلك إلى أنَّ أكثر عسكرهم من العجم، لأنَّ عسكر أبي مسلم كان من خراسان. (وأيم الله ليذوبنَّ) الظاهر أنَّ هذا أيضاً من تتمَّة بيان انقراض ملك بني أُميَّة وسرعة زواله، ويحتمل أنْ يكون إشارة إلى انقراض هؤلاء الغالبين من بني العبَّاس. (وإلى الله (عزَّ وجلَّ) يُقضى) من القضاء بمعنى المحاكمة، أو الإنهاء والإيصال كما في قوله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ﴾ [الحجر: 66]، وفي بعض النُّسَخ: يُفضي بالفاء، أي يوصل. ودرج الرجل: أي مشى، ودرج أيضاً بمعنى مات، ويقال: درج القوم أي انقرضوا. والظاهر أنَّ المراد به هنا الموت، أي من مات مات ضالّاً وأمره إلى الله يُعذِّبه كيف يشاء. ويحتمل أنْ يكون بمعنى المشي، أي من بقي منهم فعاقبته الفناء والله يقضي فيه بعلمه. (ولعلَّ الله يجمع) إشارة إلى زمن القائم (علیه السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(672) النهاية (ج 1/ ص 137).
(673) القاموس المحيط (ج 1/ ص 154).

(٢٠٦)

(وليس لأحد على الله عزَّ ذكره الخيرة): أي ليس لأحد من الخلق أنْ يشير بأمر على الله أنَّ هذا خير ينبغي أنْ تفعله، بل له أنْ يختار من الأُمور ما يشاء بعلمه، وله الأمر بما يشاء في جميع الأشياء. (عن مُرِّ الحقِّ): أي الحقّ الذي هو مُرٌّ أو خالص الحقِّ فإنَّه مُرٌّ واتِّباعه صعب، وفي النهج: عن نصر الحقِّ. والهضم: الكسر، وروي: الشيء عنه، أي صرفه ونحَّاه. ولم أطَّلع على الإزواء فيما عندي من كُتُب اللغة، وكفى بالخطبة شاهداً على أنَّه ورد بهذا المعنى.
(كما تاهت بنو إسرائيل): أي خارج المصر أربعين سنة ليس لهم مخرج بسبب عصيانهم وتركهم الجهاد، فكذا أصحابه (علیه السلام) تحيَّروا في أديانهم وأعمالهم لـمَّا لم ينصروه ولم يعينوه على عدوِّه، كَمَا رُويَ عَن النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّهُ قَالَ: «لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ النَّعْل بِالنَّعْل وَالْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ»(674).
(أضعاف ما تاهت) يحتمل أنْ يكون المراد بالمشبَّه به هنا تحيُّر قوم موسى بعده في دينهم، ويحتمل أنْ يكون المراد التحيُّر السابق، وعلى التقديرين إمَّا المراد المضاعفة بحسب الشدَّة وكثرة الحيرة، أو بحسب الزمان فإنَّ حيرتهم كان إلى أربعين سنة وهذه الأُمَّة إلى الآن متحيِّرون تائهون في أديانهم وأحكامهم. (الداعي إلى الضلالة): أي الداعي إلى بني العبَّاس. (وقطعتم الأدنى من أهل بدر): أي الأدنين إلى النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نسباً الناصرين له في غزوة بدر، وهي أعزّ غزوات الإسلام، يعني نفسه وأولاده (عليهم السلام). (ووصلتم الأبعد): أي أولاد العبَّاس فإنَّهم كانوا أبعد نسباً من أهل البيت (عليهم السلام)، وكان جدُّهم عبَّاس ممَّن حارب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في غزوة بدر حتَّى أُسِرَ. (ما في أيديهم): أي ملك بني العبَّاس. (لدنا التمحيص للجزاء): أي قرب قيام القائم، والتمحيص الابتلاء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(674) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 413)؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج 9/ ص 286).

(٢٠٧)

والاختبار، أي يبتلي الناس ويمتحنون بقيامه (علیه السلام)، ليخزي الكافرين ويُعذِّبهم في الدنيا قبل نزول عذاب الآخرة بهم. ويمكن أنْ يكون المراد تمحيص جميع الخلق لجزائهم في الآخرة إنْ خيراً فخيراً وإنْ شرًّا فشرًّا. (وقرب الوعد): أي وعد الفرج. (وانقضت المدَّة): أي قرب انقضاء دولة أهل الباطل.
(وبدا لكم النجم) هذا من علامات ظهور القائم (علیه السلام) كما سيأتي، وقيل: إنَّه إشارة إلى ما ظهر في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة هجريَّة والشمس في أوائل الميزان بقرب الإكليل الشمالي كانت تطلع وتغيب معه لا تفارقه ثُمَّ بعد مدَّة ظهر أنَّ لها حركة خاصَّة بطيئة فيما بين المغرب والشمال وكان يصغر جرمها ويضعف ضوؤها بالتدريج حتَّى انمحت بعد ثمانية أشهر تقريباً وقد بعدت عن الإكليل في الجهة المذكورة قدر رمح، لكن قوله (علیه السلام): (من قِبَل المشرق) يأبى عنه إلَّا بتكلُّف. وقد ظهر في زماننا في سنة خمس وسبعين وألف ذو ذؤابة ما بين القبلة والمشرق، وكان له طلوع وغروب، وكانت له حركة خاصَّة سريعة عجيبة على التوالي، لكن لا على نسق ونظام معلوم، ثُمَّ غاب بعد شهرين تقريباً، كان يظهر أوَّل الليل من جانب المشرق وقد ضعف حتَّى انمحى بعد شهر تقريباً، وتطبيقه على هذا يحتاج إلى تكلُّفين كما لا يخفى. (ولاح لكم القمر المنير) الظاهر أنَّه استعارة للقائم (علیه السلام)، ويُؤيِّده ما مرَّ بسند آخر: (وأشرق لكم قمركم). ويحتمل أنْ يكون من علامات قيامه (علیه السلام) ظهور قمر آخر أو شيء شبيه بالقمر.
(إنْ اتَّبعتم طالع المشرق): أي القائم (علیه السلام)، وذكر المشرق إمَّا لترشيح الاستعارة السابقة، أو لأنَّ ظهوره (علیه السلام) من مكَّة وهي شرقيَّة بالنسبة إلى المدينة، أو لأنَّ اجتماع العساكر عليه وتوجُّهه (علیه السلام) إلى فتح البلاد إنَّما يكون من الكوفة وهي شرقيَّة بالنسبة إلى الحرمين. وكونه إشارة إلى السلطان إسماعيل أنار الله برهانه بعيد. (والتعسُّف): أي لا تحتاجون في زمانه (علیه السلام) إلى طلب الرزق

(٢٠٨)

والظلم على الناس لأخذ أموالهم. (ونبذتهم الثقل الفادح): أي الديون المثقلة ومظالم العباد، أو إطاعة أهل الجور وظلمهم. (ولا يبعد الله): أي في ذلك الزمان أو مطلقاً. (إلَّا من أبى) أي عن طاعته (علیه السلام) أو طاعة الله. و(ظلم): أي نفسه أو الناس. (واعتسف): أي مال عن طريق الحقِّ أو ظلم غيره.
[226/25] نهج البلاغة: مِنْ خُطْبَةٍ لَهُ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) [فِي ذِكْر المَلاَحِم: «يَعْطِفُ الْهَوَى عَلَى الْهُدَى إِذَا عَطَفُوا الْهُدَى عَلَى الْهَوَى، وَيَعْطِفُ الرَّأيَ عَلَى الْقُرْآن إِذَا عَطَفُوا الْقُرْآنَ عَلَى الرَّأي.
مِنْهَا: حَتَّى تَقُومَ الْحَرْبُ بِكُمْ عَلَى سَاقٍ، بَادِياً نَوَاجِذُهَا، مَمْلُوءَةً أَخْلَافُهَا، حُلْواً رَضَاعُهَا، عَلْقَماً عَاقِبَتُهَا](675)، أَلَا وَفِي غَدٍ وَسَيَأتِي غَدٌ بِمَا لَا تَعْرفُونَ يَأخُذُ الْوَالِي مِنْ غَيْرهَا عُمَّالَهَا، عَلَى مَسَاوي أَعْمَالِهَا، وَتُخْرجُ لَهُ الْأَرْضُ أَفَالِيذَ كَبِدِهَا، وَتُلْقِي إِلَيْهِ سِلْماً مَقَالِيدَهَا، فَيُريكُمْ كَيْفَ عَدْلُ السِّيرَةِ، وَيُحْيِي مَيِّتَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ»(676).
[بيان: الساق: الشدَّة، أو بالمعنى المشهور كناية عن استوائها. وبدو النواجذ: كناية عن بلوغ الحرب غايتها، كما أنَّ غاية الضحك أنْ تبدو النواجذ، ويمكن أنْ يكون كناية عن الضحك على التهكُّم].
إيضاح: قال ابن أبي الحديد: (ألَا وفي غدٍ) تمامه قوله (علیه السلام): (يأخذ الوالي)، وبين الكلام جملة اعتراضيَّة، وهي قوله (علیه السلام): (وسيأتي غدٍ بما لا تعرفون)، والمراد تعظيم شأن الغد الموعود(677)، ومثله كثير في القرآن(678). ثُمَّ قال:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(675) من المصدر.
(676) نهج البلاغة (ص 195/ الخطبة 138).
(677) في المصدر إضافة: (بمجيئه).
(678) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج 9/ ص 42).

(٢٠٩)

قد كان تقدَّم ذكر طائفة من الناس ذات ملك وإمرة، فذكر (علیه السلام) أنَّ الوالي يعني القائم (علیه السلام) يأخذ عُمَّال هذه الطائفة على سوء أعمالهم. و(على) هاهنا متعلِّقة بـ(يأخذ)، وهي بمعنى يؤاخذ. وقال: الأفاليذ: جمع أفلاذ، والأفلاذ جمع فلذة وهي القطعة من الكبد، كناية عن الكنوز التي تظهر للقائم (علیه السلام)، وقد فُسِّر قوله تعالى: ﴿وَأَخْرَجَتِ الْأَرضُ أَثْقَالَهَا﴾ [الزلزلة: 2] بذلك في بعض التفاسير(679).
أَقُولُ: وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ فِي شَرْح بَعْض خُطَبِهِ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ): قَالَ شَيْخُنَا أَبُو عُثْمَانَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَزَادَ فِيهَا فِي روَايَةِ جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ (علیهما السلام) عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام): «أَلَا إِنَّ أَبْرَارَ عِتْرَتِي وَأَطَايِبَ أُرُومَتِي أَحْلَمُ النَّاس صِغَاراً وَأَعْلَمُ النَّاس كِبَاراً، أَلَا وَإِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ عِلْم اللهِ عَلِمْنَا وَبحُكْم اللهِ حَكَمْنَا وَمِنْ قَوْلٍ صَادِقٍ سَمِعْنَا فَإنْ تَتَّبِعُوا آثَارَنَا تَهْتَدُوا بِبَصَائِرنَا وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا يُهْلِكُكُمُ اللهُ بِأَيْدِينَا، مَعَنَا(680) رَايَةُ الْحَقِّ مَنْ تَبِعَهَا لَحِقَ وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنْهَا غَرقَ، أَلَا وَبِنَا يُدْرَكُ تِرَةُ كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَبِنَا تُخْلَعُ ربْقَةُ الذُّلِّ عَنْ أَعْنَاقِكُمْ، وَبِنَا فُتِحَ لَا بِكُمْ، وَبِنَا يُخْتَمُ لَا بِكُمْ»(681).
ثُمَّ قال ابن أبِي الحديد: (وبنا يُختَم لا بكم) إشارة إلى المهدي الذي يظهر في آخر الزمان، وأكثر المحدِّثين على أنَّه من ولد فاطمة (عليها السلام)، وأصحابنا المعتزلة لا يُنكِرونه، وقد صرَّحوا بذكره في كُتُبهم، واعترف به شيوخهم، إلَّا أنَّه عندنا لم يُخلَق بعد وسيُخلَق، وإلى هذا المذهب يذهب أصحاب الحديث أيضاً.
رَوَى قَاضِي الْقُضَاةِ، عَنْ كَافِي الْكُفَاةِ إِسْمَاعِيلَ بْن عَبَّادِ (رحمه الله) بِإسْنَادٍ مُتَّصِلٍ بِعَلِيٍّ (علیه السلام) أَنَّهُ ذَكَرَ المَهْدِيَّ وَقَالَ: «إِنَّهُ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْن (علیه السلام)»، وَذَكَرَ حِلْيَتَهُ فَقَالَ: «رَجُلٌ أَجْلَى الْجَبِين، أَقْنَى الْأَنْفِ، ضَخْمُ الْبَطْن، أَزْيَلُ الْفَخِذَيْن، أَبْلَجُ الثَّنَايَا،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(679) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج 9/ ص 46).
(680) في المصدر: (ومعنا).
(681) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج 1/ ص 276).

(٢١٠)

بِفَخِذِهِ الْيُمْنَى شَامَةٌ...»، وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِعَيْنهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِ غَريبِ الْحَدِيثِ(682)، انْتَهَى.
أَقُولُ: فِي دِيوَان أَمِير المُؤْمِنينَ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) المَنْسُوبِ إِلَيْهِ:

بُنَيَّ إِذَا مَا جَاشَتِ التُّرْكُ فَانْتَظِرْ * * * وَلَايَةَ مَهْدِيٍّ يَقُومُ فَيَعْدِلُ
وَذَلَّ مُلُوكُ الْأَرْض مِنْ آلِ هَاشِم * * * وَبُويِعَ مِنْهُمْ مَنْ يَلَذُّ وَيَهْزَلُ
صَبِيٌّ مِنَ الصِّبْيَان لَا رَأيَ عِنْدَهُ * * * وَلَا عِنْدَهُ جِدٌّ وَلَا هُوَ يَعْقِلُ
فَثَمَّ يَقُومُ الْقَائِمُ الْحَقُّ مِنْكُمْ * * * وَبِالْحَقِّ يَأتِيكُمْ وَبِالْحَقِّ يَعْمَلُ
سَمِيُّ نَبِيِّ اللهِ نَفْسِي فِدَاؤُهُ * * * فَلَا تَخْذُلُوهُ يَا بَنِيَّ وَعَجِّلُوا(683)
* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(682) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج 1/ ص 281 و282).
(683) ديوان أمير المؤمنين (علیه السلام) للميبدي (ص 355).

(٢١١)

[227/1] كمال الدِّين: المُظَفَّرُ الْعَلَويُّ، عَن ابْن الْعَيَّاشِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَبْرَئِيلَ بْن أَحْمَدَ، عَنْ مُوسَى بْن جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ، عَن الْحَسَن بْن مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيِّ، عَنْ حَنَان بْن سَدِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ سَدِير بْن حُكَيْم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عقيصاء [عَقِيصَى]، قَالَ: لَـمَّا صَالَحَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (علیه السلام) مُعَاويَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَلَامَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَيْعَتِهِ، فَقَالَ (علیه السلام): «وَيْحَكُمْ مَا تَدْرُونَ مَا عَمِلْتُ، وَاللهِ الَّذِي عَمِلْتُ خَيْرٌ لِشِيعَتِي مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ غَرَبَتْ، ألَا تَعْلَمُونَ أَنَّنِي إِمَامُكُمْ مُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ عَلَيْكُمْ وَأَحَدُ سَيِّدَيْ شَبَابِ أَهْل الْجَنَّةِ بِنَصٍّ مِنْ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟»، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ الْخَضِرَ لَـمَّا خَرَقَ السَّفِينَةَ وَقَتَلَ الْغُلَامَ وَأَقَامَ الْجِدَارَ كَانَ ذَلِكَ سَخَطاً لِمُوسَى بْن عِمْرَانَ (علیه السلام) إِذْ خَفِيَ عَلَيْهِ وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِيهِ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللهِ حِكْمَةً وَصَوَاباً؟ أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا وَيَقَعُ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ لِطَاغِيَةِ زَمَانِهِ إِلَّا الْقَائِمُ الَّذِي يُصَلِّي رُوحُ اللهِ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ خَلْفَهُ؟ فَإنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) يُخْفِي ولَادَتَهُ وَيُغَيِّبُ شَخْصَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ إِذَا خَرَجَ، ذَاكَ التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِ أَخِي الْحُسَيْن، ابْن سَيِّدَةِ الْإمَاءِ، يُطِيلُ اللهُ عُمُرَهُ فِي غَيْبَتِهِ، ثُمَّ يُظْهِرُهُ بِقُدْرَتِهِ فِي صُورَةِ شَابٍّ ابْن دُون أَرْبَعِينَ سَنَةً، ذَلِكَ لِيُعْلَمَ أنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»(684).
الاحتجاج: عن حنان بن سدير، مثله(685).
[228/2] كمال الدِّين: عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْن عُبْدُوسٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(684) كمال الدِّين (ج 1/ ص 315/ باب ما أخبر به الحسن (علیه السلام)/ ح 2).
(685) الاحتجاج (ج 2/ ص 67 و68/ ح 157).

(٢١٥)

اللَّيْثِيِّ(686)، عَنْ مُحَمَّدِ بْن مَسْعُودٍ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدِ بْن شُجَاع، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عِيسَى، عَن ابْن أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بْن الْحَجَّاج، عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن، قَالَ: قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا): «فِي التَّاسِع مِنْ وُلْدِي سُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ، وَسُنَّةٌ مِنْ مُوسَى بْن عِمْرَانَ، وَهُوَ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، يُصْلِحُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمْرَهُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ»(687).
[229/3] كمال الدِّين: المُعَاذِيُّ، عَن ابْن عُقْدَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْن مُوسَى بْن الْفُرَاتِ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الزُّبَيْر، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن شَريكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ هَمْدَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا) يَقُولُ: «قَائِمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ هُوَ التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِي، وَهُوَ صَاحِبُ الْغَيْبَةِ، وَهُوَ الَّذِي يُقْسَمُ مِيرَاثُهُ وَهُوَ حَيٌّ»(688).
[230/4] كمال الدِّين: الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ السَّلَام الْهَرَويِّ، عَنْ وَكِيع بْن الْجَرَّاح، عَن الرَّبيع بْن سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بْن سَلِيطٍ، قَالَ: قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا): «مِنَّا اثْنَا عَشَرَ مَهْدِيًّا، أَوَّلُهُمْ أَمِيرُ المُؤْمِنينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَآخِرُهُمُ التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِي، وَهُوَ الْإمَامُ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ، يُحْيِي اللهُ بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَيُظْهِرُ بِهِ دِينَ الْحَقِّ عَلَى الدِّين كُلِّهِ وَلَوْ كَرهَ المُشْركُونَ، لَهُ غَيْبَةٌ يَرْتَدُّ فِيهَا أَقْوَامٌ وَيَثْبُتُ عَلَى الدِّين فِيهَا آخَرُونَ، فيودون [فَيُؤْذَوْنَ]، وَيُقَالُ لَهُمْ: مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ؟ أَمَا إِنَّ الصَّابِرَ فِي غَيْبَتِهِ عَلَى الْأَذَى وَالتَّكْذِيبِ بِمَنْزِلَةِ المُجَاهِدِ بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(689).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(686) في المصدر: (الكشِّي) بدل (الليثي).
(687) كمال الدِّين (ج 1/ ص 316/ باب ما أخبر به الحسين (علیه السلام)/ ح 1).
(688) كمال الدِّين (ج 1/ ص 317/ باب ما أخبر به الحسين (علیه السلام)/ ح 2).
(689) كمال الدِّين (ج 1/ ص 317/ باب ما أخبر به الحسين (علیه السلام)/ ح 3).

(٢١٦)

[231/5] كمال الدِّين: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْن الْحَسَن الْقَزْوينيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن يَحْيَى الْأَحْوَلِ، عَنْ خَلَّادٍ المُقْري، عَنْ قَيْس بْن أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ يَحْيَى بْن وَثَّابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ (علیه السلام) يَقُولُ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي يَمْلَؤُهَا عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، كَذَلِكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ»(690).
[232/6] كمال الدِّين: أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْن يَحْيَى الْعَطَّار، عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّدِ بْن مَالِكٍ، عَنْ حَمْدَانَ بْن مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ عِيسَى الْخَشَّابِ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحُسَيْن بْن عَلِيٍّ (علیه السلام): أَنْتَ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْر؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنْ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْر الطَّريدُ، الشَّريدُ، المَوْتُورُ بِأَبِيهِ، المُكَنَّى بِعَمِّهِ، يَضَعُ سَيْفَهُ عَلَى عَاتِقِهِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ»(691).
[233/7] الغيبة للطوسي: جَمَاعَةٌ، عَن التَّلَّعُكْبَريِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن عَلِيٍّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن إِدْريسَ، عَن ابْن قُتَيْبَةَ، عَن الْفَضْل، عَنْ عَمْرو بْن عُثْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عُذَافِرٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْن يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن شَريكٍ فِي حَدِيثٍ لَهُ اخْتَصَرْنَاهُ، قَالَ: مَرَّ الْحُسَيْنُ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ بَني أُمَيَّةَ وَهُمْ جُلُوسٌ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ: «أَمَا وَاللهِ لَا يَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ مِنِّي رَجُلاً يَقْتُلُ مِنْكُمْ أَلْفاً وَمَعَ الْأَلْفِ أَلْفاً وَمَعَ الْأَلْفِ أَلْفاً»، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ هَؤُلَاءِ أَوْلَادُ كَذَا وَكَذَا لَا يَبْلُغُونَ هَذَا، فَقَالَ: «وَيْحَكَ إِنَّ فِي ذَلِكَ الزَّمَان يَكُونُ لِلرَّجُل مِنْ صُلْبِهِ كَذَا وَكَذَا رَجُلاً، وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْم مِنْ أَنْفُسِهِمْ»(692).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(690) كمال الدِّين (ج 1/ ص 318/ باب ما أخبر به الحسين (علیه السلام)/ ح 4).
(691) كمال الدِّين (ج 1/ ص 318/ باب ما أخبر به الحسين (علیه السلام)/ ح 5).
(692) الغيبة للطوسي (ص 190/ ح 153).

(٢١٧)

[234/1] كمال الدِّين: ابْنُ عِصَام، عَن الْكُلَيْنيِّ، عَن الْقَاسِم بْن الْعَلَاءِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن عَلِيٍّ، [عَنْ عَلِيِّ بْن إِسْمَاعِيلَ](693)، عَن ابْن حُمَيْدٍ، عَن ابْن قَيْسٍ، عَن الثُّمَالِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن (علیهما السلام)، أَنَّهُ قَالَ: «فِينَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿وَأُولُوا الْأَرحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ﴾ [الأنفال: 75]، وَفِينَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: 28]، وَالْإمَامَةُ فِي عَقِبِ الْحُسَيْن بْن عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام) إِلَى يَوْم الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ لِلْقَائِم مِنَّا غَيْبَتَيْن إِحْدَاهُمَا أَطْوَلُ مِنَ الْأُخْرَى، أمَّا الْأُولَى فَسِتَّةُ أَيَّام وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ وَسِتُّ سِنينَ(694)، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَيَطُولُ أَمَدُهَا حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ هَذَا الْأَمْر أَكْثَرُ مَنْ يَقُولُ بِهِ، فَلَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ إِلَّا مَنْ قَويَ يَقِينُهُ، وَصَحَّتْ مَعْرفَتُهُ، وَلَمْ يَجِدْ فِي نَفْسِهِ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْنَا، وَسَلَّمَ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ»(695).
بيان: قوله (علیه السلام): (فستَّة أيَّام) لعلَّه إشارة إلى اختلاف أحواله (علیه السلام) في غيبته، فستَّة أيَّام لم يطَّلع على ولادته إلَّا خاصَّ الخاصِّ من أهاليه (علیه السلام)، ثُمَّ بعد ستَّة أشهر اطَّلع عليه غيرهم من الخواصِّ، ثُمَّ بعد ستِّ سنين عند وفاة والده (علیه السلام) ظهر أمره لكثير من الخلق. أو إشارة إلى أنَّه بعد إمامته لم يطَّلع على خبره إلى ستَّة أيَّام أحد ثمّ بعد ستَّة أشهر انتشر أمره وبعد ستِّ سنين ظهر وانتشر أمر السفراء. والأظهر أنَّه إشارة إلى بعض الأزمان المختلفة التي قُدِّرت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(693) من المصدر.
(694) في المصدر: (فستَّة أيَّام أو ستَّة أشهر أو ستُّ سنين).
(695) كمال الدِّين (ج 1/ ص 323/ باب ما أخبر به عليُّ بن الحسين (علیه السلام)/ ح 8).

(٢٢١)

لغيبته، وأنَّه قابل للبداء، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ بِإسْنَادِهِ عَن الْأَصْبَغ فِي حَدِيثٍ طَويلٍ قَدْ مَرَّ بَعْضُهُ فِي بَابِ إِخْبَار أَمِير المُؤْمِنينَ (علیه السلام)، ثُمَّ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ، وَكَمْ تَكُونُ الْحَيْرَةُ وَالْغَيْبَةُ؟ فَقَالَ: «سِتَّةَ أَيَّام، أَوْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، أَوْ سِتَّ سِنِينَ»، فَقُلْتُ: وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، كَمَا أَنَّهُ مَخْلُوقٌ، وَأَنَّى لَكَ بِهَذَا الْأَمْر يَا أَصْبَغُ، أُولَئِكَ خِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ خِيَار أَبْرَار هَذِهِ الْعِتْرَةِ»، فَقُلْتُ: ثُمَّ مَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «ثُمَّ يَفْعَلُ اللهُ ما يَشَاءُ، فَإنَّ لَهُ بَدَاءَاتٍ وَإِرَادَاتٍ وَغَايَاتٍ وَنهَايَاتٍ»(696)، فإنَّه يدلُّ على أنَّ هذا الأمر قابل للبداء، والترديد قرينة ذلك، والله يعلم.
[235/2] كمال الدِّين: الدَّقَّاقُ وَالشَّيْبَانِيُّ مَعاً، عَن الْأَسَدِيِّ، عَن النَّخَعِيِّ، عَن النَّوْفَلِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْن حُمْرَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيِّ ابْن الْحُسَيْن (علیه السلام)، قَالَ: «الْقَائِمُ مِنَّا تَخْفَى ولَادَتُهُ عَلَى النَّاس حَتَّى يَقُولُوا: لَمْ يُولَدْ بَعْدُ، لِيَخْرُجَ حِينَ يَخْرُجُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ»(697).
[236/3] مجالس المفيد: ابْنُ قُولَوَيْهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، عَن ابْن عِيسَى، عَن ابْن أَبِي عُمَيْرٍ، عَن ابْن مُسْكَانَ، عَنْ بِشْرٍ الْكُنَاسِيِّ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابُليِّ، قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْن (علیه السلام): «يَا أبَا خَالِدٍ، لَتَأتِيَنَّ فِتَنٌ كَقِطَع اللَّيْل المُظْلِم لَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَهُ، أُولَئِكَ مَصَابِيحُ الْهُدَى وَيَنَابِيعُ الْعِلْم، يُنْجِيهِمُ اللهُ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ مُظْلِمَةٍ، كَأَنِّي بِصَاحِبكُمْ قَدْ عَلَا فَوْقَ نَجَفِكُمْ بِظَهْر كُوفَانَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهِ، وَمِيكَائِيلُ عَنْ شِمَالِهِ، وَإِسْرَافِيلُ أَمَامَهُ، مَعَهُ رَايَةُ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَدْ نَشَرَهَا، لَا يَهْوي بِهَا إِلَى قَوْم إِلَّا أَهْلَكَهُمُ اللهُ (عزَّ وجلَّ)»(698).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(696) الكافي (ج 1/ ص 338/ باب 80/ ح 7).
(697) كمال الدِّين (ج 1/ ص 322/ باب ما أخبر به عليُّ بن الحسين (علیه السلام)/ ح 6).
(698) مجالس المفيد (ص 45/ مجلس 6/ ح 5).

(٢٢٢)

[237/1] كمال الدِّين: ابْنُ المُتَوَكِّل، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن حَمَّادٍ وَمُحَمَّدِ بْن سِنَانٍ مَعاً، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام)، قَالَ: قَالَ لِي: «يَا أَبَا الْجَارُودِ، إِذَا دَارَ الْفَلَكُ، وَقَالَ النَّاسُ: مَاتَ الْقَائِمُ، أَوْ هَلَكَ، بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟ وَقَالَ الطَّالِبُ: أَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ وَقَدْ بُلِيَتْ عِظَامُهُ؟ فَعِنْدَ ذَلِكَ فَارْجُوهُ، فَإذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فَأتُوهُ وَلَوْ حَبْواً عَلَى الثَّلْج»(699).
الغيبة للنعماني: أحمد بن هوذه، عن النهاوندي، عن أبي الجارود، مثله(700).
بيان: الحبو: أنْ يمشي على يديه وركبتيه أو أسته.
[238/2] كمال الدِّين: ابْنُ الْوَلِيدِ، عَن الصَّفَّار، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عِيسَى(701) وَابْن أَبِي الْخَطَّابِ وَالْهَيْثَم النَّهْدِيِّ جَمِيعاً، عَن ابْن مَحْبُوبٍ، عَن ابْن رئَابٍ، عَن الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ أَقْرَبَ النَّاس إِلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَأَعْلَمَهُمْ وَأَرْأفَهُمْ بِالنَّاس مُحَمَّدٌ وَالْأَئِمَّةُ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ)، فَادْخُلُوا أَيْنَ دَخَلُوا وَفَارقُوا مَنْ فَارَقُوا، أَعْنِي بِذَلِكَ حُسَيْناً وَوُلْدَهُ (عليهم السلام) فَإنَّ الْحَقَّ فِيهِمْ، وَهُمُ الْأَوْصِيَاءُ، وَمِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ، فَأَيْنَ مَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَإنْ أَصْبَحْتُمْ يَوْماً لَا تَرَوْنَ مِنْهُمْ أَحَداً فَاسْتَعِينُوا(702) بِاللهِ، وَانْظُرُوا السُّنَّةَ الَّتِي كُنْتُمْ عَلَيْهَا فَاتَّبِعُوهَا، وَأَحِبُّوا مَنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ، وَأَبْغِضُوا مَنْ كُنْتُمْ تُبْغِضُونَ، فَمَا أَسْرَعَ مَا يَأتِيكُمُ الْفَرَجُ»(703).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(699) كمال الدِّين (ج 1/ ص 326/ باب ما أخبر به الباقر (علیه السلام)/ ح 5).
(700) الغيبة للنعماني (ص 154).
(701) في المصدر: (عن أحمد بن محمّد بن عيسى).
(702) في المصدر: (فاستغيثوا).
(703) كمال الدِّين (ج 1/ ص 328/ باب ما أخبر به الباقر (علیه السلام)/ ح 8).

(٢٢٥)

[239/3] كمال الدِّين: عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو اللَّيْثِيِّ(704)، عَنْ مُحَمَّدِ بْن مَسْعُودٍ، عَنْ جَبْرَئِيلَ بْن أَحْمَدَ، عَنْ مُوسَى بْن جَعْفَر بْن وَهْبٍ الْبَغْدَادِيِّ وَيَعْقُوبَ بْن يَزيدَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْن الْحَسَن، عَنْ سَعْدِ بْن أَبِي خَلَفٍ، عَنْ مَعْرُوفِ بْن خَرَّبُوذَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام): أَخْبِرْنِي عَنْكُمْ؟ قَالَ: «نَحْنُ بِمَنْزلَةِ النُّجُوم إِذَا خَفِيَ نَجْمٌ بَدَا نَجْمٌ، مَأمَنٌ(705) وَأَمَانٌ، وَسِلْمٌ وَإِسْلَامٌ، وَفَاتِحٌ وَمِفْتَاحٌ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَى بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ فَلَمْ يُدْرَ أَيٌّ مِنْ أَيٍّ أَظْهَرَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) صَاحِبَكُمْ، فَاحْمَدُوا اللهَ (عزَّ وجلَّ)(706)، وَهُوَ يُخَيَّرُ الصَّعْبَ عَلَى(707) الذَّلُولِ»، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأَيَّهُمَا يَخْتَارُ؟ قَالَ: «يَخْتَارُ الصَّعْبَ عَلَى الذَّلُولِ»(708).
بيان: (لم يُدرَ أيٌّ من أيٍّ): لا يُعرَف أيُّهم الإمام، أو لا يتميَّزون في الكمال تميُّزاً بيِّناً، لعدم كون الإمام ظاهراً بينهم. والصعب والذلول إشارة إلى السحابتين اللتين خُيِّر ذو القرنين بينهما، فاختار الذلول وترك الصعب للقائم (علیه السلام) وسيأتي، وقد مرَّ في أحوال ذي القرنين.
[240/4] كمال الدِّين: بِهَذَا الْإسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن مَسْعُودٍ، عَنْ نَصْر بْن الصَّبَّاح، عَنْ جَعْفَر بْن سَهْلٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ أَخِي أَبِي عَبْدِ اللهِ الْكَابُليِّ(709)، عَن الْقَابُوسِيِّ، عَنْ نَضْر(710) بْن السِّنْدِيِّ، عَن الْخَلِيل بْن عَمْرٍو، عَنْ عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن الْفَزَاريِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن عَطِيَّةَ، عَنْ أُمِّ هَانِئ الثَّقَفِيَّةِ، قَالَ: غَدَوْتُ عَلَى سَيِّدِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(704) في المصدر: (الكشِّي) بدل (الليثي).
(705) في المصدر: (بدا نجم [منَّا] أمن) بدل (بدا نجم مأمن).
(706) في المصدر إضافة: (لكم).
(707) في المصدر: (الصعب و) بدل (الصعب على).
(708) كمال الدِّين (ج 1/ ص 329/ باب ما أخبر به الباقر (علیه السلام)/ ح 13).
(709) في المصدر: (أخي أبي عليٍّ الكابلي).
(710) في المصدر: (نصر) بدل (نضر).

(٢٢٦)

مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ الْبَاقِر (علیه السلام)، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي آيَةٌ فِي كِتَابِ اللهِ (عزَّ وجلَّ) عَرَضَتْ بِقَلْبِي أَقْلَقَتْنِي وَأَسْهَرَتْنِي، قَالَ: «فَاسْأَلِي يَا أُمَّ هَانِئ»، قَالَتْ: قُلْتُ: قَوْلُ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ [التكوير: 15 و16]، قَالَ: «نِعْمَ المَسْألَةُ سَأَلْتِني يَا أُمَّ هَانِئ، هَذَا مَوْلُودٌ فِي آخِر الزَّمَان، هُوَ المَهْدِيُّ مِنْ هَذِهِ الْعِتْرَةِ، تَكُونُ لَهُ حَيْرَةٌ وَغَيْبَةٌ يَضِلُّ فِيهَا أَقْوَامٌ وَيَهْتَدِي فِيهَا أَقْوَامٌ، فَيَا طُوبَى لَكِ إِنْ أَدْرَكْتِهِ، وَيَا طُوبَى مَنْ أَدْرَكَهُ»(711).
[241/5] كمال الدِّين: المُظَفَّرُ الْعَلَويُّ، عَن ابْن الْعَيَّاشِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْقَاسِم، قَالَ: كَتَبْتُ مِنْ كِتَابِ أَحْمَدَ الدَّهَّان، عَن الْقَاسِم بْن حَمْزَةَ، عَن ابْن أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ السَّرَّاج، عَنْ خَيْثَمَةَ الْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ(712) المَخْزُومِيِّ، قَالَ: ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ (علیه السلام) سِيرَةَ الْخُلَفَاءِ(713) الرَّاشِدِينَ(714)، فَلَمَّا بَلَغَ آخِرَهُمْ قَالَ: «الثَّانِي عَشَرَ الَّذِي يُصَلِّي عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (علیه السلام) خَلْفَهُ، عَلَيْكَ بِسُنَّتِهِ وَالْقُرْآن الْكَريم»(715).
[242/6] الغيبة للنعماني: سَلَامَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْن دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ ابْن الْحَسَن، عَنْ عِمْرَانَ بْن الْحَجَّاج، عَن ابْن أَبِي نَجْرَانَ، عَن ابْن أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِسْحَاقَ، عَنْ أُسَيْدِ بْن ثَعْلَبَةَ، عَنْ أُمِّ هَانِئ، قَالَتْ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام): مَا مَعْنَى قَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ﴾ [التكوير: 15]؟ قَالَ لِي: «يَا أُمَّ هَانِئ، إِمَامٌ يَخْنِسُ نَفْسَهُ حَتَّى يَنْقَطِعَ عَن النَّاس عِلْمُهُ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْن،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(711) كمال الدِّين (ج 1/ ص 330/ باب ما أخبر به الباقر (علیه السلام)/ ح 14).
(712) في المصدر: (عن أبي لبيد المخزومي).
(713) في المصدر إضافة: (الاثني عشر).
(714) في المصدر إضافة: (صلوات الله عليهم).
(715) كمال الدِّين (ج 1/ ص 331/ باب ما أخبر به الباقر (علیه السلام)/ ح 17).

(٢٢٧)

ثُمَّ يَبْدُو كَالشِّهَابِ الْوَاقِدِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، فَإنْ أَدْرَكْتِ ذَلِكِ الزَّمَانَ قَرَّتْ عَيْنَاكِ»(716).
الغيبة للنعماني: الْكُلَيْنيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ(717)، عَنْ مُوسَى بْن جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ، عَنْ وَهْبِ بْن شَاذَانَ، عَن الْحُسَيْن بْن أَبِي الرَّبيع، عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِسْحَاقَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «كَالشِّهَابِ يَتَوَقَّدُ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ»(718).
[243/7] الغيبة للنعماني: الْكُلَيْنيُّ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَنَان بْن سَدِيرٍ، عَنْ مَعْرُوفِ بْن خَرَّبُوذَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام)، قَالَ: «إِنَّمَا نُجُومُكُمْ كَنُجُوم السَّمَاءِ كُلَّمَا غَابَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ، حَتَّى إِذَا أَشَرْتُمْ بِأَصَابِعِكُمْ وَمِلْتُمْ بِحَوَاجِبِكُمْ غَيَّبَ اللهُ عَنْكُمْ نَجْمَكُمْ، وَاسْتَوَتْ بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَلَمْ يُعْرَفْ أَيٌّ مِنْ أَيٍّ، فَإذَا طَلَعَ نَجْمُكُمْ فَاحْمَدُوا رَبَّكُمْ»(719).
[244/8] الغيبة للنعماني: مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّام بِإسْنَادٍ لَهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَطَاءٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام): إِنَّ شِيعَتَكَ بِالْعِرَاقِ كَثِيرٌ(720)، وَوَاللهِ مَا فِي بَيْتِكَ مِثْلُكَ، فَكَيْفَ لَا تَخْرُجُ؟ فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَطَاءٍ، قَدْ أَخَذْتَ تَفْرُشُ أُذُنَيْكَ لِلنَّوْكَى، لَا وَاللهِ مَا أَنَا بِصَاحِبكُمْ»، قُلْتُ: فَمَنْ صَاحِبُنَا؟ فَقَالَ: «انْظُرُوا مَنْ غُيِّبَ(721) عَن النَّاس ولَادَتُهُ فَذَلِكَ صَاحِبُكُمْ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنَّا أَحَدٌ يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِع وَيُمْضَغُ بِالْأَلْسُن إِلَّا مَاتَ غَيْظاً أَوْ حَتْفَ أَنْفِهِ»(722).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(716) الغيبة للنعماني (ص 149).
(717) في المصدر إضافة: (عن جعفر بن محمّد).
(718) الغيبة للنعماني (ص 150).
(719) الغيبة للنعماني (ص 156)، وفيه: مطلع الحديث: «إنَّما نحن كنجوم السماء».
(720) في المصدر: (كثيرة) بدل (كثير).
(721) في المصدر: (غُيِّبت).
(722) الغيبة للنعماني (ص 167).

(٢٢٨)

الغيبة للنعماني: الكليني، عن الحسن بن محمّد وغيره، عن جعفر بن محمّد ابن عليِّ بن الحسين، عن العبَّاس بن عامر(723)، عن موسى بن هليل العبدي(724)، عن عبد الله بن عطا، مثله(725).
بيان: الأظهر ما مرَّ في رواية ابن عطا أيضاً: إلَّا مات قتلاً. ومع قطع النظر عمَّا مرَّ يحتمل أنْ يكون الترديد من الراوي، ويحتمل أنْ يكون الموت غيظاً كناية عن القتل، أو يكون المراد بالشقِّ الثاني الموت على غير حال شدَّة وألم، أو يكون الترديد لمحض الاختلاف في العبارة، أي إنْ شئت قل هكذا وإنْ شئت هكذا.
[245/9] الغيبة للنعماني: مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّام، عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّدِ بْن مَالِكٍ، عَنْ عَبَّادِ بْن يَعْقُوبَ، عَنْ يَحْيَى بْن يَعْلَى، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ الْأَنْصَاريِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْن عَطَاءٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام): أَخْبِرْني عَن الْقَائِم (علیه السلام)، فَقَالَ: «وَاللهِ مَا هُوَ أَنَا، وَلَا الَّذِي تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْنَاقَكُمْ، وَلَا يُعْرَفُ ولَادَتُهُ»، قُلْتُ: بِمَا يَسِيرُ؟ قَالَ: «بِمَا سَارَ بِهِ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، هَدَرَ مَا قَبْلَهُ وَاسْتَقْبَلَ»(726).
[246/10] الغيبة للنعماني: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مُوسَى، عَن ابْن أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «لَا يَزَالُونَ وَلَا تَزَالُ حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ لِهَذَا الْأَمْر مَنْ لَا تَدْرُونَ خُلِقَ أَمْ لَمْ يُخْلَقْ»(727).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(723) في المصدر: (عن عليِّ بن العبَّاس بن عامر).
(724) في المصدر: (عن موسى بن هلال الكندي).
(725) الغيبة للنعماني (ص 168).
(726) الغيبة للنعماني (ص 169).
(727) الغيبة للنعماني (ص 182).

(٢٢٩)

الغيبة للنعماني: عليُّ بن الحسين، عن محمّد العطَّار، عن محمّد بن الحسين الرازي، عن ابن أبي الخطَّاب، مثله(728).
[247/11] الغيبة للنعماني: مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّام، قَالَ: حَدَّثَنِي الْفَزَاريُّ، عَن ابْن أَبِي الْخَطَّابِ، وَقَدْ حَدَّثَنِي الْحِمْيَريُّ، عَن ابْن عِيسَى مَعاً، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام)، أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَزَالُونَ تَمُدُّونَ أَعْنَاقَكُمْ إِلَى الرَّجُل مِنَّا تَقُولُونَ: هُوَ هَذَا، فَيَذْهَبُ اللهُ بِهِ حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ لِهَذَا الْأَمْر مَنْ لَا تَدْرُونَ وُلِدَ أَمْ لَمْ يُولَدْ، خُلِقَ أَوْ لَمْ يُخْلَقْ»(729).
الغيبة للنعماني: عليُّ بن أحمد، عن عبد الله بن موسى، عن محمّد بن أحمد القلانسي، عن محمّد بن عليٍّ، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود، مثله(730).
[248/12] الغيبة للنعماني: عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْن، عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّار، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَسَن الرَّازِيِّ، عَنْ [مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ] الْكُوفِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سِنَانٍ، عَنْ يَحْيَى ابْنِ المُثَنَّى، عَن ابْنِ بُكَيْرٍ. وَرَوَاهُ الْحَكَمُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام)، أَنَّهُ قَالَ: «كَأَنِّي(731) بِكُمْ إِذَا صَعِدْتُمْ فَلَمْ تَجِدُوا أَحَداً، وَرَجَعْتُمْ فَلَمْ تَجِدُوا أَحَداً»(732).
[249/13] الغيبة للنعماني: [رَوَى الشَّيْخُ المُفِيدُ (رحمه الله) فِي كِتَابِ الْغَيْبَةِ: عَنْ](733) عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن، عَنْ مُحَمَّدِ بْن يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْن الْحَسَن(734)، عَنْ مُحَمَّدِ بْن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(728) الغيبة للنعماني (ص 183)، وفيه: (عن محمّد بن حسَّان الرازي) بدل (عن محمّد بن الحسين الرازي).
(729) الغيبة للنعماني (ص 183).
(730) المصدر السابق.
(731) في المصدر: (كيف) بدل (كأنِّي).
(732) الغيبة للنعماني (ص 192).
(733) عبارة: (روى الشيخ المفيد (رحمه الله) في كتاب الغيبة، عن) بين معقوفتين ليست في المصدر، وهو الصحيح.
(734) في المصدر: (عن محمّد بن حسَّان) بدل (عن محمّد بن الحسن).

(٢٣٠)

عَلِيٍّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عِيسَى، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سِنَانٍ، عَنْ فُضَيْل الرَّسَّان، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ ابْن عَلِيٍّ الْبَاقِر (علیه السلام) ذَاتَ يَوْم، فَلَمَّا تَفَرَّقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ قَالَ لِي: «يَا أَبَا حَمْزَةَ، مِنَ المَحْتُوم الَّذِي حَتَمَهُ اللهُ قِيَامُ قَائِمِنَا، فَمَنْ شَكَّ فِيمَا أَقُولُ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ بِهِ كَافِرٌ»(735)، ثُمَّ قَالَ: «بِأَبِي وَأُمِّي المُسَمَّى بِاسْمِي، وَالمُكَنَّى بِكُنْيَتِي، السَّابِعُ مِنْ بَعْدِي، بِأَبِي [مَنْ](736) يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً [وَقِسْطاً] كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً. يَا أبَا حَمْزَةَ، مَنْ أَدْرَكَهُ فَيُسَلِّمُ لَهُ مَا سَلَّمَ لِمُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ لَمْ يُسَلِّمْ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأوَاهُ النَّارُ وَبئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ»(737).
وأوضح من هذا بحمد الله وأنور وأبين وأزهر لمن هداه وأحسن إليه قوله (عزَّ وجلَّ) في محكم كتابه: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ﴾ [التوبة: 36]، ومعرفة الشهور المحرَّم وصفر وربيع وما بعده، والحُرُم منها رجب وذو القعدة و ذو الحجَّة والمحرَّم، وذلك لا يكون ديناً قيِّماً، لأنَّ اليهود والنصارى والمجوس وسائر الملل والناس جميعاً من الموافقين والمخالفين يعرفون هذه الشهور ويعدُّونها بأسمائها، وليس هو كذلك، وإنَّما عنى بهم الأئمَّة القوَّامين بدين الله، والحُرُم منها أمير المؤمنين (علیه السلام) الذي اشتقَّ الله سبحانه له اسماً من أسمائه العليِّ كما اشتقَّ لمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اسماً من أسمائه المحمود، وثلاثة من ولده أسماؤهم عليُّ بن الحسين وعليُّ بن موسى وعليُّ بن محمّد، ولهذا الاسم المشتقِّ من أسماء الله (عزَّ وجلَّ) حرمة به يعني أمير المؤمنين (علیه السلام)(738).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(735) في المصدر إضافة: (به وله جاحد).
(736) ما بين المعقوفتين من المصدر، وكذا ما يأتي.
(737) هاهنا يتمُّ الحديث وما بعده من كلام النعماني (رحمه الله) فلا تغفل.
(738) الغيبة للنعماني (ص 86 - 88) باختلاف يسير.

(٢٣١)

[250/14] الكافي: الْعِدَّةُ، عَن ابْن عِيسَى، عَنْ عَلِيِّ بْن الْحَكَم، عَنْ زَيْدٍ أبِي الْحَسَن، عَن الْحَكَم بْن أَبِي نُعَيْم، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) وَهُوَ بِالمَدِينَةِ، فَقُلْتُ لَهُ: عَلَيَّ نَذْرٌ بَيْنَ الرُّكْن وَالمَقَام إِذَا أَنَا لَقِيتُكَ أَنْ لَا أَخْرُجَ مِنَ المَدِينَةِ حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّكَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ أَمْ لَا؟ فَلَمْ يُجِبْني بِشَيْءٍ، فَأَقَمْتُ ثَلَاثِينَ يَوْماً، ثُمَّ اسْتَقْبَلَنِي فِي طَريقٍ، فَقَالَ: «يَا حَكَمُ، وَإِنَّكَ لَهَاهُنَا بَعْدُ؟»، فَقُلْتُ: إِنِّي أَخْبَرْتُكَ بِمَا جَعَلْتُ للهِ عَلَيَّ، فَلَمْ تَأمُرْني وَلَمْ تَنْهَني عَنْ شَيْءٍ وَلَمْ تُجِبْني بِشَيْءٍ، فَقَالَ: «بَكِّرْ عَلَيَّ غُدْوَةً المَنْزلَ»، فَغَدَوْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ (علیه السلام): «سَلْ عَنْ حَاجَتِكَ»، فَقُلْتُ: إِنِّي جَعَلْتُ للهِ عَلَيَّ نَذْراً وَصِيَاماً وَصَدَقَةً بَيْنَ الرُّكْن وَالمَقَام إِنْ أَنَا لَقِيتُكَ أَنْ لَا أَخْرُجَ مِنَ المَدِينَةِ حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّكَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ أَمْ لَا؟ فَإنْ كُنْتَ أَنْتَ رَابَطْتُكَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَنْتَ سِرْتُ فِي الْأَرْض فَطَلَبْتُ المَعَاشَ، فَقَالَ: «يَا حَكَمُ، كُلُّنَا قَائِمٌ بِأمْر اللهِ»، قُلْتُ: فَأَنْتَ المَهْدِيُّ؟ قَالَ: «كُلُّنَا يُهْدَى(739) إِلَى اللهِ»، قُلْتُ: فَأَنْتَ صَاحِبُ السَّيْفِ؟ قَالَ: «كُلُّنَا صَاحِبُ السَّيْفِ وَوَارثُ السَّيْفِ»، قُلْتُ: فَأَنْتَ الَّذِي تَقْتُلُ أَعْدَاءَ اللهِ وَيَعِزُّ بِكَ أَوْلِيَاءُ اللهِ وَيَظْهَرُ بِكَ دِينُ اللهِ؟ فَقَالَ: «يَا حَكَمُ، كَيْفَ أَكُونُ أَنَا وَبَلَغْتُ خَمْساً وَأَرْبَعِينَ؟ وَإِنَّ صَاحِبَ هَذَا(740) أَقْرَبُ عَهْداً بِاللَّبَن مِنِّي، وَأَخَفُّ عَلَى ظَهْر الدَّابَّةِ»(741).
بيان: (عليَّ نذر): أي وجب عليَّ نذر، أي منذور. و(بين الركن والمقام) ظرف (عليَّ). والمراد بالمقام إمَّا مقامه الآن فيكون بياناً لطول الحطيم، أو مقامه السابق فيكون بياناً لعرضه، لكن العرض يزيد على ما هو المشهور أنَّه إلى الباب. وإنَّما اختار هذا الموضع لأنَّه أشرف البقاع فيصير عليه أوجب. وكأنَّ (صياماً)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(739) في المصدر: (نهدي) بدل (يهدي).
(740) في المصدر إضافة: (الأمر).
(741) الكافي (ج 1/ ص 536/ باب إنَّ الأئمَّة (علیهم السلام) كلُّهم قائمون بأمر الله/ ح 1).

(٢٣٢)

كان بدون الواو، ومع وجوده عطف تفسير، أو المراد بالنذر شيء آخر لم يُفسِّره. والظاهر أنَّ نذره كان هكذا: لله عليه إنْ لقيه (علیه السلام) وخرج من المدينة قبل أنْ يعلم هذا الأمر أنْ يصوم كذا ويتصدَّق بكذا. (رابطتك): أي لازمتك ولم أُفارقك. قوله: (يهدي إلى الله) على المجرَّد المعلوم لاستلزام كونهم هادين لكونهم مهديِّين، أو المجهول، أو على بناء الافتعال المعلوم بإدغام التاء في الدال وكسر الهاء، كقوله تعالى: ﴿أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى﴾ [يونس: 35]، والأوَّل أظهر. (أقرب عهداً باللبن): أي بحسب المرآى والمنظر، أي يحسبه الناس شابًا لكمال قوَّته وعدم ظهور أثر الكهولة والشيخوخة فيه. وقيل: أي عند إمامته، فذكر الخمس والأربعين لبيان أنَّه كان عند الإمامة أسنّ، لعلم السائل أنَّه لم يمضِ من إمامته حينئذٍ إلاَّ سبع سنين، فسنُّه عندها كانت ثماناً وثلاثين، والأوَّل أوفق بما سيأتي من الأخبار، فتفطَّن.

* * *

(٢٣٣)

[251/1] كمال الدِّين، وعلل الشرائع: أَبِي، عَن الْحِمْيَريِّ، عَنْ أَحْمَدَ ابْن هِلَالٍ، عَن ابْن أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنْ سَدِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ فِي الْقَائِم سُنَّةً مِنْ يُوسُفَ»، قُلْتُ: كَأَنَّكَ تَذْكُرُ حَيْرَةً أَوْ غَيْبَةً(742)؟ قَالَ لِي: «وَمَا تُنْكِرُ مِنْ هَذَا هَذِهِ الْأُمَّةُ أَشْبَاهُ الْخَنَازِير؟ إِنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ كَانُوا أَسْبَاطاً أَوْلَادَ أَنْبِيَاءَ تَاجَرُوا يُوسُفَ(743) وَبَايَعُوهُ(744) وَخَاطَبُوهُ وَهُمْ إِخْوَتُهُ وَهُوَ أَخُوهُمْ فَلَمْ يَعْرفُوهُ حَتَّى قَالَ لَهُمْ يُوسُفُ (علیه السلام): ﴿أَنَا يُوسُفُ﴾. فَمَا تُنْكِرُ هَذِهِ الْأُمَّةُ المَلْعُونَةُ أَنْ يَكُونَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ يُريدُ أَنْ يَسْتُرَ حُجَّتَهُ؟ لَقَدْ كَانَ يُوسُفُ إِلَيْهِ مُلْكُ مِصْرَ(745)، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَالِدِهِ مَسِيرَةُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً، فَلَوْ أَرَادَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) أَنْ يُعَرِّفَ(746) مَكَانَهُ لَقَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَاللهِ لَقَدْ سَارَ يَعْقُوبُ وَوُلْدُهُ عِنْدَ الْبِشَارَةِ تِسْعَةَ أَيَّام مِنْ بَدْوهِمْ إِلَى مِصْرَ، وَمَا تُنْكِرُ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ يَكُونَ اللهُ يَفْعَلُ بِحُجَّتِهِ مَا فَعَلَ بِيُوسُفَ؟ أَنْ يَكُونَ يَسِيرُ(747) فِي أَسْوَاقِهِمْ وَيَطَأُ بُسُطَهُمْ وَهُمْ لَا يَعْرفُونَهُ حَتَّى يَأذَنَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) أَنْ يُعَرِّفَهُمْ نَفْسَهُ كَمَا أَذِنَ لِيُوسُفَ حِينَ قَالَ: ﴿هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(742) في المصدرين: (خبره وغيبته) بدل (حيرة أو غيبة).
(743) في المصدرين: (بيوسف).
(744) في المصدرين: (وباعوه).
(745) في كمال الدِّين: (لقد كان يوسف يوماً ملك مصر)، وفي العلل: (لقد كان يوسف أحبّ إليه من ملك مصر).
(746) في كمال الدِّين: (يُعرِّفه).
(747) في كمال الدِّين إضافة: (فيما بينهم ويمشي في).

(٢٣٧)

وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي﴾ [يوسف: 89 و90]»(748).
بيان: (من بدوهم): أي من طريق البادية.
[252/2] علل الشرائع: المُظَفَّرُ الْعَلَويُّ، عَن ابْن الْعَيَّاشِيِّ وَحَيْدَر بْن مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيِّ مَعاً، عَن الْعَيَّاشِيِّ، عَنْ جَبْرَئِيلَ بْن أَحْمَدَ، عَنْ مُوسَى بْن جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ، عَن الْحَسَن بْن مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيِّ، عَنْ حَنَان بْن سَدِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، قَالَ: «إِنَّ لِلْقَائِم مِنَّا غَيْبَةً يَطُولُ أَمَدُهَا»، فَقُلْتُ لَهُ: وَلِـمَ ذَاكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ؟ قَالَ: «إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) أَبَى إِلَّا أَنْ يُجْريَ فِيهِ سُنَنَ الْأَنْبِيَاءِ (عليهم السلام) فِي غَيْبَاتِهِمْ، وَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ يَا سَدِيرُ مِن اسْتِيفَاءِ مَدَدِ غَيْبَاتِهِمْ، قَالَ اللهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ﴾ [الانشقاق: 19]، أَيْ سَنَناً عَلَى سَنَن مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ»(749).
[253/3] أمالي الصدوق: ابْنُ المُتَوَكِّل، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَن ابْن أَبِي عُمَيْرٍ، عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) يَقُولُ:

«لِكُلِّ أُنَاسٍ دَوْلَةٌ يَرْقَبُونَهَا * * * وَدَوْلَتُنَا فِي آخِر الدَّهْر تَظْهَرُ»(750)

[254/4] كمال الدِّين: ابْنُ إِدْريسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَيُّوبَ بْن نُوح، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سِنَانٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْن مِهْرَانَ، عَن الصَّادِقِ جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَقَرَّ بِجَمِيع الْأَئِمَّةِ (عليهم السلام) وَجَحَدَ المَهْدِيَّ كَانَ كَمَنْ أَقَرَّ بِجَمِيع الْأَنْبِيَاءِ وَجَحَدَ مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نُبُوَّتَهُ»، فَقِيلَ لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، مِمَّن المَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِكَ؟ قَالَ: «الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِع، يَغِيبُ عَنْكُمْ شَخْصُهُ، وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ تَسْمِيَتُهُ»(751).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(748) علل الشرائع (ص 244/ باب 179/ ح3)؛ كمال الدِّين (ج 1/ ص 144/ باب في غيبة يوسف (علیه السلام)/ ح 11).
(749) علل الشرائع (ص 245/ باب 179/ ح 7).
(750) أمالي الصدوق (ص 578/ مجلس 74/ ح 791).
(751) كمال الدِّين (ج 2/ ص 333/ باب ما أخبر به الصادق (علیه السلام)/ ح 1).

(٢٣٨)

كمال الدِّين: الدقَّاق، عن الأسدي، عن سهل، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن ابن أبي يعفور، عنه (علیه السلام)، مثله(752).
[255/5] كمال الدِّين: أَبِي وَابْنُ الْوَلِيدِ مَعاً، عَنْ سَعْدٍ، عَن الْحَسَن بْن عَلِيٍّ الزَّيْتُونيِّ وَمُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ بْن أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْن هِلَالٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بْن عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَم بْن أَبِي حَيَّةَ(753)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، قَالَ: «إِذَا اجْتَمَعَتْ ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ مُتَوَالِيَةً: مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ وَالْحَسَنُ، فَالرَّابِعُ الْقَائِمُ (علیه السلام)»(754).
الغيبة للطوسي: محمّد الحميري، عن أبيه، عن أحمد بن هلال، عن أُميَّة بن عليٍّ، عن سلم(755) بن أبي حيَّة، مثله(756).
[256/6] كمال الدِّين: الطَّالَقَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن هَمَّام، عَنْ أَحْمَدَ بْن مَابُنْدَارَ، عَنْ أَحْمَدَ بْن هِلَالٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بْن عَلِيٍّ الْقَيْسِيِّ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَم التَّمِيمِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، قَالَ: «إِذَا تَوَالَتْ ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ: مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ وَالْحَسَنُ، كَانَ رَابِعُهُمْ قَائِمَهُمْ»(757).
[257/7] كمال الدِّين: الدَّقَّاقُ، عَن الْأَسَدِيِّ، عَن النَّخَعِيِّ، عَن النَّوْفَلِيِّ، عَن المُفَضَّل بْن عُمَرَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، لَوْ عَهِدْتَ إِلَيْنَا فِي الْخَلَفِ مِنْ بَعْدِكَ، فَقَالَ لِي: «يَا مُفَضَّلُ، الْإمَامُ مِنْ بَعْدِي ابْني مُوسَى، وَالْخَلَفُ المَأمُولُ المُنْتَظَرُ (م ح م د) بْنُ الْحَسَن بْن عَلِيِّ بْن مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن مُوسَى»(758).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(752) كمال الدِّين (ج 2/ ص 410/ باب فيمن أنكر القائم (علیه السلام)/ ح 4).
(753) في المصدر: (حبَّة).
(754) كمال الدِّين (ج 2/ ص 333/ باب ما أخبر به الصادق (علیه السلام)/ ح 2).
(755) في المصدر: (سالم) بدل (سلم).
(756) الغيبة للطوسي (ص 233/ ح 201).
(757) كمال الدِّين (ج 2/ ص 334/ باب ما أخبر به الصادق (علیه السلام)/ ح 4).
(758) المصدر السابق.

(٢٣٩)

[258/8] كمال الدِّين: عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن خَلَفٍ(759)، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سِنَانٍ وَأَبِي عَلِيٍّ الزَّرَّادِ مَعاً، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْكَرْخِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، فَإنِّي لَجَالِسٌ عِنْدَهُ إِذْ دَخَلَ أَبُو الْحَسَن مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (علیه السلام) وَهُوَ غُلَامٌ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقَبَّلْتُهُ وَجَلَسْتُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (علیه السلام): «يَا إِبْرَاهِيمُ، أَمَا إِنَّهُ صَاحِبُكَ مِنْ بَعْدِي، أَمَا إِنَّهُ لَيَهْلِكَنَّ فِيهِ قَوْمٌ(760) وَيَسْعَدُ آخَرُونَ، فَلَعَنَ اللهُ قَاتِلَهُ وَضَاعَفَ عَلَى رُوحِهِ الْعَذَابَ، أَمَا لَيُخْرجَنَّ اللهُ مِنْ صُلْبِهِ خَيْرَ أَهْل الْأَرْض فِي زَمَانِهِ، سَمِيَّ جَدِّهِ وَوَارثَ عِلْمِهِ وَأَحْكَامِهِ وَفَضَائِلِهِ، مَعْدِنَ الْإمَامَةِ، وَرَأسَ الْحِكْمَةِ، يَقْتُلُهُ جَبَّارُ بَنِي فُلَانٍ بَعْدَ عَجَائِبَ طَريفَةٍ حَسَداً لَهُ، وَلَكِنَّ اللهَ بالِغُ أمْرهِ وَلَوْ كَرهَ المُشْركُونَ. يُخْرجُ اللهُ مِنْ صُلْبِهِ تَمَامَ اثْنَا عَشَرَ مَهْدِيًّا(761)، اخْتَصَّهُمُ اللهُ بِكَرَامَتِهِ، وَأَحَلَّهُمْ دَارَ قُدْسِهِ، المُقِرُّ بِالثَّانِي عَشَرَ(762) مِنْهُمْ كَالشَّاهِر سَيْفَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَذُبُّ عَنْهُ»، قَالَ: فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ مَوَالِي بَنِي أُمَيَّةَ فَانْقَطَعَ الْكَلَامُ، فَعُدْتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) إِحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً أُريدُ مِنْهُ أنْ يَسْتَتِمَّ الْكَلَامَ فَمَا قَدَرْتُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ قَابِلُ - السَّنَةِ الثَّانِيَةِ - دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ، فَقَالَ: «يَا إِبْرَاهِيمُ، المُفَرِّجُ لِلْكَرْبِ [عَنْ](763) شِيعَتِهِ بَعْدَ ضَنْكٍ شَدِيدٍ وَبَلَاءٍ طَويلٍ وَجَزَع وَخَوْفٍ، فَطُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ، حَسْبُكَ يَا إِبْرَاهِيمُ»، فَمَا رَجَعْتُ بِشَيْءٍ أَسَرَّ مِنْ هَذَا لِقَلْبِي وَلَا أَقَرَّ لِعَيْني(764).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(759) في المصدر: (عليُّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، قال: حدَّثنا أبي، عن جدِّي أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه محمّد بن خالد...) إلخ، وهو الصحيح.
(760) في المصدر: (أقوام) بدل (قوم).
(761) في المصدر: (تكملة اثني عشر إماماً مهديًّا) بدل (تمام اثنا عشر مهديًّا).
(762) في المصدر: (المنتظر للثاني عشر).
(763) من المصدر.
(764) كمال الدِّين (ج 2/ ص 334/ باب ما أخبر به الصادق (علیه السلام)/ ح 5).

(٢٤٠)

[259/9] كمال الدِّين: ابْنُ إِدْريسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن الْحُسَيْن بْن زَيْدٍ(765)، عَن الْحَسَن بْن مُوسَى، عَنْ عَلِيِّ بْن سَمَاعَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْن الْحَسَن بْن ربَاطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَن المُفَضَّل، قَالَ: قَالَ الصَّادِقُ (علیه السلام): «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نُوراً قَبْلَ خَلْقِ الْخَلْقِ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ عَام، فَهِيَ أَرْوَاحُنَا»، فَقِيلَ لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، وَمَن الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ؟ فَقَالَ: «مُحَمَّدٌ، وَعَلِيٌّ، وَفَاطِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، وَالْأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْن (عليهم السلام)، آخِرُهُمُ الْقَائِمُ الَّذِي يَقُومُ بَعْدَ غَيْبَتِهِ فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ، وَيُطَهِّرُ الْأَرْضَ مِنْ كُلِّ جَوْرٍ وَظُلْم»(766).
[260/10] كمال الدِّين: الْهَمْدَانِيُّ، عَن ابْن عُقْدَةَ(767)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْعَاصِمِيِّ، عَن الْحُسَيْن بْن الْقَاسِم بْن أَيُّوبَ، عَن الْحَسَن بْن مُحَمَّدِ بْن سَمَاعَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْن الصَّبَّاح(768)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مِنَّا اثْنَا عَشَرَ مَهْدِيًّا، مَضَى سِتَّةٌ وَبَقِيَ سِتَّةٌ، يَضَعُ اللهُ فِي السَّادِس(769) مَا أَحَبَّ»(770).
[261/11] كمال الدِّين: الدَّقَّاقُ، عَن الْأَسَدِيِّ، عَنْ سَهْلٍ، عَن ابْن مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزيزِ الْعَبْدِيِّ، عَن ابْن أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّادِقِ (علیه السلام): «مَنْ أَقَرَّ بِالْأَئِمَّةِ مِنْ آبَائِي وَوُلْدِي وَجَحَدَ المَهْدِيَّ مِنْ وُلْدِي كَانَ كَمَنْ أَقَرَّ بِجَمِيع الْأَنْبِيَاءِ (عليهم السلام) وَجَحَدَ مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نُبُوَّتَهُ»، فَقُلْتُ: سَيِّدِي، وَمَن المَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِكَ؟ قَالَ: «الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِع، يَغِيبُ عَنْكُمْ شَخْصُهُ، وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ تَسْمِيَتُهُ»(771).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(765) في المصدر: (يزيد) بدل (زيد).
(766) كمال الدِّين (ج 2/ ص 335/ باب ما أخبر به الصادق (علیه السلام)/ ح 7).
(767) في المصدر: (الطالقاني، عن الهمداني، عن أبي عبد الله العاصمي).
(768) في المصدر: (الصائغ) بدل (بن الصباح).
(769) في المصدر: (يصنع الله بالسادس).
(770) كمال الدِّين (ج 2/ ص 338/ باب ما أخبر به الصادق (علیه السلام)/ ح 13).
(771) كمال الدِّين (ج 2/ ص 338/ باب ما أخبر به الصادق (علیه السلام)/ ح 12).

(٢٤١)

[262/12] كمال الدِّين: الْعَطَّارُ، عَنْ أَبِيهِ، عَن ابْن هَاشِم، عَن ابْن أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ صَفْوَانَ الْجَمَّالِ، قَالَ: قَالَ الصَّادِقُ (علیه السلام): «أَمَا وَاللهِ لَيَغِيبَنَّ عَنْكُمْ مَهْدِيُّكُمْ حَتَّى يَقُولَ الْجَاهِلُ مِنْكُمْ: مَا للهِ فِي آلِ مُحَمَّدِ حَاجَةٌ، ثُمَّ يُقْبِلُ كَالشِّهَابِ الثَّاقِبِ فَيَمْلَؤُهَا عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً»(772).
[263/13] كمال الدِّين: ابْنُ عُبْدُوسٍ، عَن ابْن قُتَيْبَةَ، عَنْ حَمْدَانَ بْن سُلَيْمَانَ، عَن ابْن بَزيع، عَنْ حَنَانٍ(773) السَّرَّاج، عَن السَّيِّدِ بْن مُحَمَّدٍ الْحِمْيَريِّ فِي حَدِيثٍ طَويلٍ يَقُولُ فِيهِ: قُلْتُ لِلصَّادِقِ جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ (علیه السلام): يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، قَدْ رُويَ لَنَا أَخْبَارٌ عَنْ آبَائِكَ (عليهم السلام) فِي الْغَيْبَةِ وَصِحَّةِ كَوْنهَا، فَأَخْبِرْني بِمَنْ تَقَعُ؟ فَقَالَ (علیه السلام)(774): «سَتَقَعُ بِالسَّادِس مِنْ وُلْدِي وَالثَّانِي عَشَرَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْهُدَاةِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أَوَّلُهُمْ أَمِيرُ المُؤْمِنينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام)، وَآخِرُهُمُ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ، بَقِيَّةُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، صَاحِبُ الزَّمَان، وَخَلِيفَةُ الرَّحْمَن(775)، وَاللهِ لَوْ بَقِيَ فِي غَيْبَتِهِ مَا بَقِيَ نُوحٌ فِي قَوْمِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَظْهَرَ فَيَمْلَأ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً»(776).
[264/14] كمال الدِّين: ابْنُ المُتَوَكِّل، عَنْ عَلِيِّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عِيسَى، عَنْ صَالِح بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ هَانِئ التَّمَّار، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ (علیه السلام): «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْر غَيْبَةً، فَلْيَتَّقِ اللهَ عَبْدٌ، وَلْيَتَمَسَّكْ بِدِينهِ»(777).
[265/15] كمال الدِّين: الدَّقَّاقُ، عَن الْأَسَدِيِّ، عَن النَّخَعِيِّ، عَن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(772) كمال الدِّين (ج 2/ ص 341/ باب ما أخبر به الصادق (علیه السلام)/ ح 22).
(773) في المصدر: (حيَّان) بدل (حنان).
(774) في المصدر إضافة: (إنَّ الغيبة).
(775) عبارة: (وخليفة الرحمن) ليست في المصدر.
(776) كمال الدِّين (ج 2/ ص 342/ باب ما أخبر به الصادق (علیه السلام)/ ح 23).
(777) كمال الدِّين (ج 2/ ص 343/ باب ما أخبر به الصادق (علیه السلام)/ ح 25).

(٢٤٢)

النَّوْفَلِيِّ، عَن ابْن الْبَطَائِنيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ سُنَنَ الْأَنْبِيَاءِ (عليهم السلام) مَا وَقَعَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْغَيْبَاتِ جَاريَةٌ(778) فِي الْقَائِم مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ حَذْوَ النَّعْل بِالنَّعْل وَالْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ»، قَالَ أَبُو بَصِيرٍ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، وَمَن الْقَائِمُ مِنْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَقَالَ: «يَا أبَا بَصِيرٍ، هُوَ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ ابْني مُوسَى، ذَلِكَ ابْنُ سَيِّدَةِ الْإمَاءِ، يَغِيبُ غَيْبَةً يَرْتَابُ فِيهَا المُبْطِلُونَ، ثُمَّ يُظْهِرُهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ)، فَيَفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ مَشَارقَ الْأَرْض وَمَغَاربَهَا، وَيَنْزلُ رُوحُ اللهِ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (علیه السلام) فَيُصَلِّي خَلْفَهُ، وَتُشْرقُ الْأَرْضُ بِنُور رَبِّهَا، وَلَا تَبْقَى فِي الْأَرْض بُقْعَةٌ عُبِدَ فِيهَا غَيْرُ اللهِ (عزَّ وجلَّ) إِلَّا عُبِدَ اللهُ فِيهَا، وَيَكُونُ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ وَلَوْ كَرهَ المُشْركُونَ»(779).
بيان: قال الجزري: القذَّة: ريش السهم، ومنه الحديث: «لتركبنَّ سَنَن من كان قبلكم حذو القذَّة بالقذَّة»، أي كما يقدر كلُّ واحدة منهما على قدر صاحبتها وتقطع، يضرب مثلاً للشيئين يستويان ولا يتفاوتان(780).
[266/16] الغيبة للطوسي: جَمَاعَةٌ، عَن الْبَزَوْفَريِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن إِدْريسَ، عَن ابْن قُتَيْبَةَ، عَن الْفَضْل، عَن ابْن أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ أَبِي أيُّوبَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (علیه السلام): «إِنْ بَلَغَكُمْ عَنْ صَاحِبكُمْ غَيْبَةٌ فَلَا تُنْكِرُوهَا»(781).
[267/17] الغيبة للطوسي: أَحْمَدُ بْنُ إِدْريسَ، عَنْ عَلِيِّ بْن الْفَضْل، عَنْ أَحْمَدَ بْن عُثْمَانَ، عَنْ أَحْمَدَ بْن رزْقٍ، عَنْ يَحْيَى بْن الْعَلَاءِ الرَّازِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(778) في المصدر: (بما وقع بهم من الغيبات حادثة في القائم).
(779) كمال الدِّين (ج 2/ ص 345/ باب ما أخبر به الصادق (علیه السلام)/ ح 31).
(780) النهاية (ج 4/ ص 28).
(781) الغيبة للطوسي (ص 160/ ح 118).

(٢٤٣)

عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) يَقُولُ: «يُنْتِجُ اللهُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلاً مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، يَسُوقُ اللهُ بِهِ بَرَكَاتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض، فَتُنْزلُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا وَيُخْرجُ الْأَرْضُ بَذْرَهَا، وَتَأمَنُ وُحُوشُهَا وَسِبَاعُهَا، وَيَمْلَأُ الأرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، وَيَقْتُلُ حَتَّى يَقُولَ الْجَاهِلُ: لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ ذُرِّيَّةِ مُحَمَّدٍ لَرَحِمَ»(782).
[268/18] الغيبة للنعماني: مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّام، عَنْ أَحْمَدَ بْن مَابُنْدَادَ(783)، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سِنَانٍ، عَن الْكَاهِلِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، أَنَّهُ قَالَ: «تَوَاصَلُوا وَتَبَارُّوا وَتَرَاحَمُوا، فَوَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَيَأتِيَنَّ عَلَيْكُمْ وَقْتٌ لَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ لِدِينَارهِ وَدِرْهَمِهِ مَوْضِعاً»، يَعْنِي لَا يَجِدُ لَهُ عِنْدَ ظُهُور الْقَائِم (علیه السلام) مَوْضِعاً يَصْرفُهُ فِيهِ لِاسْتِغْنَاءِ النَّاس جَمِيعاً بِفَضْل اللهِ وَفَضْل وَلِيِّهِ، فَقُلْتُ: وَأَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «عِنْدَ فَقْدِكُمْ إِمَامَكُمْ، فَلَا تَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَطْلُعَ عَلَيْكُمْ كَمَا يَطْلُعُ الشَّمْسُ أَيْنَمَا(784) تَكُونُونَ، فَإيَّاكُمْ وَالشَّكَّ وَالْاِرْتِيَابَ، انْفُوا عَنْ نُفُوسِكُمُ الشُّكُوكَ، وَقَدْ حُذِّرْتُمْ(785) فَاحْذَرُوا، وَمِنَ اللهِ أَسْأَلُ تَوْفِيقَكُمْ وَإِرْشَادَكُمْ»(786).
بيان: الظاهر أنَّ (يعني) كلام النعماني، والظاهر أنَّه (رحمه الله) أخطأ في تفسيره، لأنَّه وصف لزمان الغيبة لا لزمان ظهوره (علیه السلام) كما يظهر من آخر الخبر، بل المعنى أنَّ الناس يكونون خونة لا يُوجَد من يُؤتَمن على درهم ولا دينار.
[269/19] الغيبة للنعماني: عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْن مُحَمَّدِ ابْن رَبَاح، عَنْ أَحْمَدَ بْن عَلِيٍّ الْحِمْيَريِّ، عَن الْحُسَيْن بْن أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الْكَريم الْخَثْعَمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عِصَام، عَن المُفَضَّل بْن عُمَرَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(782) الغيبة للطوسي (ص 188/ ح 149).
(783) في المصدر إضافة: (عن محمّد بن مالك).
(784) في المصدر: (آيس ما) بدل (أينما).
(785) في المصدر: (حذرتكم).
(786) الغيبة للنعماني (ص 150).

(٢٤٤)

اللهِ (علیه السلام) فِي مَجْلِسِهِ وَمَعِي غَيْري، فَقَالَ لَنَا: «إِيَّاكُمْ وَالتَّنْويهَ» يَعْنِي بِاسْم الْقَائِم (علیه السلام)، وَكُنْتُ أَرَاهُ يُريدُ غَيْري، فَقَالَ لِي: «يَا أبَا عَبْدِ اللهِ، إِيَّاكُمْ وَالتَّنْويهَ، وَاللهِ لَيَغِيبَنَّ سِنِيناً(787) مِنَ الدَّهْر، وَلَيَخْمُلَنَّ حَتَّى يُقَالَ: مَاتَ(788)، هَلَكَ، بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟ وَلَتَفِيضَنَّ عَلَيْهِ أَعْيُنُ المُؤْمِنينَ، وَلَيُكْفَأنَّ كَتَكَفُّؤ السَّفِينَةِ فِي أَمْوَاج الْبَحْر حَتَّى لَا يَنْجُوَ إِلَّا مَنْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَهُ وَكَتَبَ الْإيمَانَ فِي قَلْبِهِ وَأَيَّدَهُ بِرُوح مِنْهُ، وَلَتُرْفَعَنَّ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُعْرَفُ أَيٌّ مِنْ أَيٍّ»، قَالَ(789): فَبَكَيْتُ، فَقَالَ لِي: «مَا يُبْكِيكَ؟»، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ كَيْفَ لَا أَبْكِي وَأَنْتَ تَقُولُ: تُرْفَعُ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُعْرَفُ أَيٌّ مِنْ أَيٍّ؟ قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى كَوَّةٍ فِي الْبَيْتِ الَّتِي تَطْلُعُ فِيهَا الشَّمْسُ فِي مَجْلِسِهِ، فَقَالَ (علیه السلام): «أَهَذِهِ الشَّمْسُ مُضِيئَةٌ؟»، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «وَاللهِ لَأَمْرُنَا أَضْوَأُ مِنْهَا»(790).
بيان: [التنوين في قوله: (سنيناً) على لغة بني عامر، قال الأزهري في التصريح: وبعضهم يجري بنين وباب سنين وإنْ لم يكن عَلَماً مجرى غسلين في لزوم الياء والحركات على النون منوَّنة غالباً على لغة بني عامر(791)، انتهى].
خمل ذكره وصوته خمولاً: خفي. ويقال: كفأت الإناء، أي قلبته. وقوله: (وليكفأنَّ): أي المؤمنون، وفي بعض النُّسَخ بصيغة الخطاب.
[270/20] الغيبة للنعماني: مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّام، عَنْ حُمَيْدِ بْن زِيَادٍ، عَن الْحَسَن ابْن مُحَمَّدِ بْن سَمَاعَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْن الْحَسَن الْمِيثَمِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْن قُدَامَةَ، عَنْ بَعْض

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(787) في المصدر: (سبتاً) بدل (سنيناً).
(788) في المصدر إضافة: (أو).
(789) في المصدر إضافة: (المفضَّل).
(790) الغيبة للنعماني (ص 151).
(791) التصريح في النحو والتصريف (ص 98).

(٢٤٥)

رجَالِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، قَالَ: «إِنَّ الْقَائِمَ إِذَا قَامَ يَقُولُ النَّاسُ: أَنَّى ذَلِكَ وَقَدْ بُلِيَتْ عِظَامُهُ؟»(792).
[271/21] الغيبة للنعماني: عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْن، عَنْ مُحَمَّدِ بْن يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْن الْحَسَن الرَّازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، عَنْ يُونُسَ بْن يَعْقُوبَ، عَن المُفَضَّل بْن عُمَرَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام): مَا عَلَامَةُ الْقَائِم؟ قَالَ: «إِذَا اسْتَدَارَ الْفَلَكُ، فَقِيلَ: مَاتَ، أَوْ هَلَكَ، فِي أَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟»، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ ثُمَّ يَكُونُ مَا ذَا؟ قَالَ: «لَا يَظْهَرُ إِلَّا بِالسَّيْفِ»(793).
[272/22] الغيبة للنعماني: ابْنُ عُقْدَةَ، عَن الْقَاسِم بْن مُحَمَّدِ بْن الْحُسَيْن(794) ابْن حَازِم، عَنْ عَبَّاس بْن هِشَام النَّاشِريِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن جَبَلَةَ، عَنْ فُضَيْلٍ الصَّائِغ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن مُسْلِم، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا فَقَدَ النَّاسُ الْإمَامَ مَكَثُوا سَبْتاً(795) لَا يَدْرُونَ أَيًّا مِنْ أَيٍّ، ثُمَّ يُظْهِرُ اللهُ لَهُمْ صَاحِبَهُمْ»(796).
توضيح: السبت: الدهر.
[273/23] الغيبة للنعماني: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مُوسَى، عَن الْحَسَن بْن مُعَاويَةَ، عَن ابْن مَحْبُوبٍ، عَنْ خَلَّادِ بْن قَصَّارٍ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (علیه السلام): هَلْ وُلِدَ الْقَائِمُ؟ قَالَ: «لَا، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَخَدَمْتُهُ أَيَّامَ حَيَاتِي»(797).
إيضاح: (لخدمته): أي ربَّيته وأعنته.
[274/24] إقبال الأعمال: بِإسْنَادِنَا إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الطُّوسِيِّ، عَنْ جَمَاعَةٍ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(792) الغيبة للنعماني (ص 154).
(793) الغيبة للنعماني (ص 156).
(794) في المصدر: (الحسن) بدل (الحسين).
(795) في المصدر: (سنيناً) بدل (سبتاً).
(796) الغيبة للنعماني (ص 158).
(797) الغيبة للنعماني (ص 245).

(٢٤٦)

عَن التَّلَّعُكْبَريِّ، عَن ابْن هَمَّام، عَنْ جَمِيلٍ، عَن الْقَاسِم بْن إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَحْمَدَ بْن رَبَاح، عَنْ أَبِي الْفَرَج أَبَان بْن مُحَمَّدٍ المَعْرُوفِ بِالسِّنْدِيِّ نَقَلْنَاهُ مِنْ أَصْلِهِ، قَالَ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) - فِي الْحَجِّ فِي السَّنَةِ الَّتِي قَدِمَ فِيهَا أَبُو عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) - تَحْتَ الْمِيزَابِ وَهُوَ يَدْعُو، وَعَنْ يَمِينهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَسَن، وَعَنْ يَسَارهِ حَسَنُ بْنُ حَسَنٍ، وَخَلْفَهُ جَعْفَرُ بْنُ حَسَنٍ، قَالَ: فَجَاءَهُ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ الْبَصْريُّ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، قَالَ: فَسَكَتَ عَنْهُ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثاً، قَالَ: ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا جَعْفَرُ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ: «قُلْ مَا تَشَاءُ يَا أَبَا كَثِيرٍ»، قَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ فِي كِتَاب لِي عَلَمُ هَذِهِ الْبِنْيَةِ(798) رَجُلٌ يَنْقُضُهَا حَجَراً حَجَراً، قَالَ: فَقَالَ لَهُ: «كَذَبَ كِتَابُكَ يَا أَبَا كَثِيرٍ، وَلَكِنْ كَأَنِّي وَاللهِ بِأَصْفَر الْقَدَمَيْن، خَمْش السَّاقَيْن، ضَخْم الْبَطْن، دَقِيقِ(799) الْعُنُقِ، ضَخْم الرَّأس عَلَى هَذَا الرُّكْن - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الرُّكْن الْيَمَانِيِّ - يَمْنَعُ النَّاسَ مِنَ الطَّوَافِ حَتَّى يَتَذَعَّرُوا مِنْهُ»، قَالَ: «ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ لَهُ رَجُلاً مِنِّي - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرهِ - فَيَقْتُلُهُ قَتْلَ عَادٍ وَثَمُودَ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ»، قَالَ: فَقَالَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَسَن: صَدَقَ وَاللهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، حَتَّى صَدَّقُوهُ كُلُّهُمْ جَمِيعاً(800).
نُقِلَ مِنْ خَطِّ الشَّهِيدِ (رحمه الله) عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) فِي قَوْلِهِ: (قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ): «إِنَّمَا يَعْنِي بِهِ قِيَامَ الْقَائِم (علیه السلام)»(801).
[275/25] كِتَابُ مُقْتَضَبِ الْأَثَر فِي النَّصِّ عَلَى الْاِثْنَيْ عَشَرَ: عَنْ مُحَمَّدِ بْن جَعْفَرٍ الْآدَمِيِّ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ابْنُ غَالِبٍ الْحَافِظُ، عَنْ أَحْمَدَ بْن عُبَيْدِ بْن نَاصِح، عَن الْحُسَيْن بْن عُلْوَانَ، عَنْ هَمَّام بْن الْحَارثِ، عَنْ وَهْبِ بْن مُنَبِّهٍ، قَالَ: إِنَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(798) في المصدر: (البيِّنة).
(799) في المصدر: (رقيق).
(800) إقبال الأعمال (ج 3/ ص 87/ باب 1).
(801) لم نعثر على خطِّ الشهيد (رحمه الله).

(٢٤٧)

مُوسَى (علیه السلام) نَظَرَ لَيْلَةَ الْخِطَابِ إِلَى كُلِّ شَجَرَةٍ فِي الطُّور وَكُلِّ حَجَرٍ وَنَبَاتٍ تَنْطِقُ بِذِكْر مُحَمَّدٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ وَصِيًّا لَهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَقَالَ مُوسَى: إِلَهِي لَا أَرَى شَيْئاً خَلَقْتَهُ إِلَّا وَهُوَ نَاطِقٌ بِذِكْر مُحَمَّدٍ وَأَوْصِيَائِهِ الْاِثْنَيْ عَشَرَ، فَمَا مَنْزلَةُ هَؤُلَاءِ عِنْدَكَ؟
قَالَ: يَا بْنَ عِمْرَانَ، إِنِّي خَلَقْتُهُمْ قَبْلَ خَلْقِ الْأَنْوَار، وَجَعَلْتُهُمْ فِي خِزَانَةِ قُدْسِي، يَرْتَعُونَ فِي ريَاض مَشِيَّتِي، وَيَتَنَسَّمُونَ مِنْ رَوْح جَبَرُوتِي، وَيُشَاهِدُونَ أَقْطَارَ مَلَكُوتِي، حَتَّى إِذَا شِئْتُ مَشِيَّتِي أَنْفَذْتُ قَضَائِي وَقَدَري. يَا بْنَ عِمْرَانَ، إِنِّي سَبَقْتُ بِهِمُ اسْتِبَاقِي حَتَّى أُزَخْرفَ بِهِمْ جِنَانِي. يَا بْنَ عِمْرَانَ، تَمَسَّكْ بِذِكْرهِمْ فَإنَّهُمْ خَزَنَةُ عِلْمِي، وَعَيْبَةُ حِكْمَتِي، وَمَعْدِنُ نُوري.
قَالَ حُسَيْنُ بْنُ عُلْوَانَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِجَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَقَالَ: «حَقٌّ ذَلِكَ، هُمُ اثْنَا عَشَرَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ: عَلِيٌّ، وَالْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْن، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَمَنْ شَاءَ اللهُ»، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّمَا أَسْأَلُكَ لِتُفْتِيَني بِالْحَقِّ، قَالَ: «أَنَا، وَابْني هَذَا - وَأَوْمَأَ إِلَى ابْنهِ مُوسَى -، وَالْخَامِسُ مِنْ وُلْدِهِ يَغِيبُ شَخْصُهُ، وَلَا يَحِلُّ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ»(802).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(802) مقتضب الأثر (ص 41).

(٢٤٨)

[276/1] علل الشرائع: أَبِي، عَنْ سَعْدٍ، عَن الْحَسَن بْن عِيسَى بْن مُحَمَّدِ ابْن عَلِيِّ بْن جَعْفَرٍ، عَنْ جَدِّهِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْن جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْن جَعْفَرٍ (علیه السلام)، قَالَ: «إِذَا فُقِدَ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِع فَاللهَ اللهَ فِي أَدْيَانِكُمْ لَا يُزيلُكُمْ أَحَدٌ عَنْهَا. يَا بُنَيَّ، إِنَّهُ لَا بُدَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْر مِنْ غَيْبَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ هَذَا الْأَمْر مَنْ كَانَ يَقُولُ بِهِ، إِنَّمَا هِيَ مِحْنَةٌ مِنَ اللهِ (عزَّ وجلَّ) امْتَحَنَ بِهَا خَلْقَهُ، وَلَوْ عَلِمَ آبَاؤُكُمْ وَأَجْدَادُكُمْ دِيناً أَصَحَّ مِنْ هَذَا لَاتَّبَعُوهُ»، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، مَن الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِع؟ قَالَ: «يَا بُنَيَّ، عُقُولُكُمْ تَصْغُرُ عَنْ هَذَا، وَأَحْلَامُكُمْ تَضِيقُ عَنْ حَمْلِهِ، وَلَكِنْ إِنْ تَعِيشُوا فَسَوْفَ تُدْركُونَهُ»(803).
كمال الدِّين: أبي وابن الوليد معاً، عن سعد، مثله(804).
الغيبة للطوسي: سعد، مثله(805).
الغيبة للنعماني: الكليني، عن عليِّ بن محمّد، عن الحسن بن عيسى بن محمّد ابن عليِّ بن جعفر، عن أبيه، عن جدِّه، عن عليِّ بن جعفر، مثله(806).
كفاية الأثر: عليُّ بن محمّد السندي، عن محمّد بن الحسين، عن سعد، مثله(807).
بيان: قوله: (يا بُنَيَّ) على جهة اللطف والشفقة.
[277/2] كمال الدِّين: الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن زِيَادٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(803) علل الشرائع (ص 244/ باب 179/ ح 4).
(804) كمال الدِّين (ج 2/ ص 359/ باب ما أخبر به الكاظم (علیه السلام)/ ح 1).
(805) الغيبة للطوسي (ص 166/ ح 128).
(806) الغيبة للنعماني (ص 154).
(807) كفاية الأثر (ص 264)، وفيه: (الحسن) بدل (الحسين).

(٢٥١)

الْأَزْدِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ سَيِّدِي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنْ قَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان: 20]، فَقَالَ: «النِّعْمَةُ الظَّاهِرَةُ الْإمَامُ الظَّاهِرُ، وَالْبَاطِنَةُ الْإمَامُ الْغَائِبُ»، فَقُلْتُ لَهُ: وَيَكُونُ فِي الْأَئِمَّةِ مَنْ يَغِيبُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، يَغِيبُ عَنْ أَبْصَار النَّاس شَخْصُهُ، وَلَا يَغِيبُ عَنْ قُلُوبِ المُؤْمِنينَ ذِكْرُهُ، وَهُوَ الثَّانِي عَشَرَ مِنَّا، يُسَهِّلُ اللهُ لَهُ كُلَّ عَسِيرٍ، وَيُذَلِّلُ لَهُ كُلَّ صَعْبٍ، وَيُظْهِرُ لَهُ كُنُوزَ الْأَرْض، وَيُقَرِّبُ لَهُ كُلَّ بَعِيدٍ، وَيُبيرُ بِهِ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَيُهْلِكُ عَلَى يَدِهِ كُلَّ شَيْطَانٍ مَريدٍ، ذَاكَ ابْنُ سَيِّدَةِ الْإمَاءِ، الَّذِي يَخْفَى عَلَى النَّاس ولَادَتُهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ تَسْمِيَتُهُ، حَتَّى يُظْهِرَهُ [اللهُ] (عزَّ وجلَّ)، فَيَمْلَأ بِهِ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً».
قال الصدوق (رحمه الله): لم أسمع هذا الحديث إلَّا من أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، عند منصرفي من حجِّ بيت الله الحرام، وكان رجلاً ثقةً ديِّناً فاضلاً (رحمة الله عليه ورضوانه).
كفاية الأثر: محمّد بن عبد الله بن حمزة، عن عمِّه الحسن، عن عليٍّ، عن أبيه، مثله(808).
[278/3] كمال الدِّين: أَبِي، عَنْ سَعْدٍ، عَن الْخَشَّابِ، عَن الْعَبَّاس بْن عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَن مُوسَى (علیه السلام) يَقُولُ: «صَاحِبُ هَذَا الْأَمْر [مَنْ] يَقُولُ النَّاسُ: لَمْ يُولَدْ بَعْدُ»(809).
[279/4] كمال الدِّين: الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن خَالِدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْن حَسَّانَ، عَنْ دَاوُدَ بْن كَثِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَن مُوسَى (علیه السلام) عَنْ صَاحِبِ هَذَا الْأَمْر قَالَ: «هُوَ الطَّريدُ، الْوَحِيدُ، الْغَريبُ، الْغَائِبُ عَنْ أَهْلِهِ، المَوْتُورُ بِأَبِيهِ»(810).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(808) كفاية الأثر (ص 266).
(809) كمال الدِّين (ج 2/ ص 360/ باب ما أخبر به الكاظم (علیه السلام)/ ح 2).
(810) كمال الدِّين (ج 2/ ص 361/ باب ما أخبر به الكاظم (علیه السلام)/ ح 4).

(٢٥٢)

[280/5] كمال الدِّين: أَبِي، عَنْ سَعْدٍ، عَن ابْن عِيسَى(811)، عَن الْبَجَلِيِّ، عَنْ مُعَاويَةَ بْن وَهْبٍ وَأَبِي قَتَادَةَ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْن جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْن جَعْفَرٍ (علیه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا تَأويلُ قَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ [الملك: 30]، فَقَالَ: «إِذَا فَقَدْتُمْ إِمَامَكُمْ فَلَمْ تَرَوْهُ فَمَا ذَا تَصْنَعُونَ؟»(812).
[281/6] كمال الدِّين: الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِح بْن السِّنْدِيِّ، عَنْ يُونُسَ بْن عَبْدِ الرَّحْمَن، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُوسَى بْن جَعْفَرٍ (علیه السلام)، فَقُلْتُ لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، أَنْتَ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ؟ فَقَالَ: «أَنَا الْقَائِمُ بِالْحَقِّ، وَلَكِنَّ الْقَائِمَ الَّذِي يُطَهِّرُ الْأَرْضَ مِنْ أَعْدَاءِ اللهِ وَيَمْلَؤُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً(813) هُوَ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِي، لَهُ غَيْبَةٌ يَطُولُ أَمَدُهَا خَوْفاً عَلَى نَفْسِهِ، يَرْتَدُّ فِيهَا أَقْوَامٌ وَيَثْبُتُ فِيهَا آخَرُونَ»، ثُمَّ قَالَ (علیه السلام): «طُوبَى لِشِيعَتِنَا، المُتَمَسِّكِينَ بِحُبِّنَا فِي غَيْبَةِ قَائِمِنَا، الثَّابِتِينَ عَلَى مُوَالَاتِنَا وَالْبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدَائِنَا، أُولَئِكَ مِنَّا وَنَحْنُ مِنْهُمْ، قَدْ رَضُوا بِنَا أَئِمَّةً وَرَضِينَا بِهِمْ شِيعَةً، وَطُوبَى(814) لَهُمْ، هُمْ وَاللهِ مَعَنَا فِي دَرَجَتِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(815).
كفاية الأثر: محمّد بن عبد الله بن حمزة، عن عمِّه الحسن، عن عليِّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، مثله(816).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(811) في المصدر إضافة: (عن موسى بن القاسم).
(812) كمال الدِّين (ج 2/ ص 360/ باب ما أخبر به الكاظم (علیه السلام)/ ح 3).
(813) في المصدر إضافة: (وظلماً).
(814) في المصدر: (فطوبى لهم ثمّ طوبى) بدل (وطوبى).
(815) كمال الدِّين (ج 2/ ص 361/ باب ما أخبر به الكاظم (علیه السلام)/ ح 5).
(816) كفاية الأثر (ص 265).

(٢٥٣)

[282/1] علل الشرائع، وعيون أخبار الرضا: الطَّالَقَانِيُّ، عَن ابْن عُقْدَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْن الْحَسَن بْن فَضَّالٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَن الرِّضَا (علیه السلام)، أَنَّهُ قَالَ: «كَأَنِّي بِالشِّيعَةِ عِنْدَ فَقْدِهِمُ الثَّالِثَ مِنْ وُلْدِي يَطْلُبُونَ المَرْعَى فَلَا يَجِدُونَهُ»، قُلْتُ لَهُ: وَلِـمَ ذَلِكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ؟ قَالَ: «لِأَنَّ إِمَامَهُمْ يَغِيبُ عَنْهُمْ»، فَقُلْتُ: وَلِـمَ؟ قَالَ: «لِئَلَّا يَكُونَ فِي عُنُقِهِ لِأَحَدٍ بَيْعَةٌ إِذَا قَامَ بِالسَّيْفِ»(817).
[283/2] عيون أخبار الرضا: أَبِي، عَن الْحِمْيَريِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن هِلَالٍ، عَن ابْن مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَن الرِّضَا (علیه السلام)، قَالَ: قَالَ لِي: «لَا بُدَّ مِنْ فِتْنَةٍ صَمَّاءَ صَيْلَم يَسْقُطُ فِيهَا كُلُّ بِطَانَةٍ وَوَلِيجَةٍ، وَذَلِكَ عِنْدَ فِقْدَان الشِّيعَةِ الثَّالِثَ مِنْ وُلْدِي، يَبْكِي عَلَيْهِ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْض وَكُلُّ حَرَّى وَحَرَّانَ(818) وَكُلُّ حَزينٍ لَهْفَانَ»، ثُمَّ قَالَ: «بِأَبِي وَأُمِّي سَمِيُّ جَدِّي وَشَبِيهِي وَشَبِيهُ مُوسَى بْن عِمْرَانَ (علیه السلام)، عَلَيْهِ جُيُوبُ النُّور تَتَوَقَّدُ بِشُعَاع ضِيَاءِ الْقُدْس، كَمْ مِنْ حَرَّى مُؤْمِنَةٍ وَكَمْ مِنْ مُؤْمِنٍ مُتَأسِّفٍ حَيْرَانُ حَزينٌ عِنْدَ فِقْدَان المَاءِ المَعِين، كَأَنِّي بِهِمْ آيِسٌ مَا كَانُوا نُودُوا نِدَاءً يَسْمَعُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُ مَنْ قَرُبَ يَكُونُ رَحْمَةً عَلَى المُؤْمِنينَ وَعَذَاباً عَلَى الْكَافِرينَ»(819).
[284/3] كمال الدِّين: أَبِي، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ جَعْفَرٍ الْفَزَاريِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(817) علل الشرائع (ص 245/ باب 179/ ح 6)؛ عيون أخبار الرضا (علیه السلام) (ج 1/ ص 273).
(818) الحرَّة: العطش، فالرجل: حرَّان، والمرأة: حرَّى.
(819) عيون أخبار الرضا (علیه السلام) (ج 2/ ص 6).

(٢٥٧)

الْحَسَن بْن فَضَّالٍ، عَن الرَّيَّان بْن الصَّلْتِ، عَن الرِّضَا (علیه السلام) مِثْلَهُ(820)، وَفِيهِ: «تَتَوَقَّدُ مِنْ شُعَاع ضِيَاءِ الْقُدْس، يَحْزَنُ لِمَوْتِهِ أَهْلُ الْأَرْض وَالسَّمَاءِ، كَمْ مِنْ حَرَّى»(821).
بيان: قال الجزري: الفتنة الصمَّاء هي التي لا سبيل إلى تسكينها لتناهيها في دهائها، لأنَّ الأصمَّ لا يسمع الاستغاثة ولا يقلع عمَّا يفعله، وقيل: هي كالحيَّة الصمَّاء التي لا تقبل الرقي(822)، انتهى.
أقول: لا يبعد أنْ يكون مأخوذاً من قولهم: صخرة صمَّاء، أي الصلبة المصمتة، كناية عن نهاية اشتباه الأمر فيها حتَّى لا يمكن النفوذ فيها والنظر في باطنها وتحيُّر أكثر الخلق فيها، أو عن صلابتها وثباتها واستمرارها. والصيلم: الداهية والأمر الشديد، ووقعة صيلمة أي مستأصلة. وبطانة الرجل: صاحب سرِّه الذي يشاوره في أحواله. ووليجة الرجل: دخلاؤه وخاصَّته، أي يزل فيها خواصُّ الشيعة. والمراد بالثالث الحسن العسكري، والظاهر رجوع الضمير في (عليه) إليه، ويحتمل رجوعه إلى إمام الزمان المعلوم بقرينة المقام، وعلى التقديرين المراد بقوله: سميُّ جدِّي القائم (علیه السلام).
قوله (علیه السلام): (عليه جيوب النور) لعلَّ المعنى أنَّ جيوب الأشخاص النورانيَّة من كُمَّل المؤمنين والملائكة المقرَّبين وأرواح المرسَلين تشتعل للحزن على غيبته وحيرة الناس فيه، وإنَّما ذلك لنور إيمانهم الساطع من شموس عوالم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(820) في المصدر: (حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن هلال العبرتائي، عن الحسن بن محبوب، عن أبِي الحسن عليِّ بن موسى الرضا (علیه السلام)، قال: قال لي: «لا بدَّ من فتنة صمَّاء صيلم...» الحديث، وفيه: (ويتوقَّد من سناء ضياء القدس)، والظاهر أنَّ نسخة المصنِّف من كتاب كمال الدِّين قد كانت ناقصة اتَّصل سند الحديث الأوَّل بالمتن من حديث الثاني. راجع: كمال الدِّين (ج 2/ ص 41 و361).
(821) كمال الدِّين (ج 2/ ص 370/ باب ما أخبر به الرضا (علیه السلام)/ ح 3).
(822) النهاية (ج 3/ ص 54).

(٢٥٨)

القدس، ويحتمل أنْ يكون المراد بجيوب النور الجيوب المنسوبة إلى النور والتي يسطع منها أنوار فيضه وفضله تعالى. والحاصل أنَّ عليه (صلوات الله عليه) أثواب قدسيَّة وخلع ربَّانيَّة تتَّقد من جيوبها أنوار فضله وهدايته تعالى. ويُؤيِّده ما مرَّ في رواية محمّد بن الحنفيَّة عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «جلابيب النور». ويحتمل أنْ يكون (على) تعليليَّة، أي ببركة هدايته وفيضه (علیه السلام) يسطع من جيوب القابلين أنوار القدس من العلوم والمعارف الربَّانيَّة.
قوله: (يسمع) على بناء المجهول أو المعلوم، وعلى الأوَّل (من) حرف الجرِّ، وعلى الثاني اسم موصول. وكذا الفقرة الثانية يحتمل الوجهين.
[285/4] كمال الدِّين، وعيون أخبار الرضا: الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَن الْهَرَويِّ، قَالَ: سَمِعْتُ دِعْبِلَ بْنَ عَلِيٍّ الْخُزَاعِيَّ يَقُولُ: أَنْشَدْتُ مَوْلَايَ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا (علیه السلام) قَصِيدَتِيَ الَّتِي أَوَّلُهَا:

مَدَارسُ آيَاتٍ خَلَتْ مِنْ تِلَاوَةٍ * * * وَمَنْزلُ وَحْيٍ مُقْفِرُ الْعَرَصَاتِ

فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى قَوْلِي:

خُرُوجُ إِمَام لَا مَحَالَةَ خَارجٌ * * * يَقُومُ عَلَى اسْم اللهِ وَالْبَرَكَاتِ
يُمَيِّزُ فِينَا كُلَّ حَقٍّ وَبَاطِلٍ * * * وَيُجْزي عَلَى النَّعْمَاءِ وَالنَّقِمَاتِ

بَكَى الرِّضَا (علیه السلام) بُكَاءً شَدِيداً، ثُمَّ رَفَعَ رَأَسَهُ إِلَيَّ فَقَالَ لِي: «يَا خُزَاعِيُّ، نَطَقَ رُوحُ الْقُدُس عَلَى لِسَانِكَ بِهَذَيْن الْبَيْتَيْن، فَهَلْ تَدْري مَنْ هَذَا الْإمَامُ وَمَتَى يَقُومُ؟»، فَقُلْتُ: لَا يَا مَوْلَايَ(823)، إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ بِخُرُوج إِمَام مِنْكُمْ يُطَهِّرُ الْأَرْضَ مِنَ الْفَسَادِ، وَيَمْلَؤُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً(824)، فَقَالَ: «يَا دِعْبِلُ، الْإمَامُ بَعْدِي مُحَمَّدٌ ابْنِي، وَبَعْدَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(823) في عيون أخبار الرضا (علیه السلام): (سيِّدي) بدل (مولاي).
(824) عبارة: (كما مُلِئَت جوراً) ليست في العيون.

(٢٥٩)

مُحَمَّدٍ ابْنُهُ عَلِيٌّ، وَبَعْدَ عَلِيٍّ ابْنُهُ الْحَسَنُ، وَبَعْدَ الْحَسَن ابْنُهُ الْحُجَّةُ الْقَائِمُ، المُنْتَظَرُ فِي غَيْبَتِهِ، المُطَاعُ فِي ظُهُورهِ، لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اللهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَخْرُجَ فَيَمْلَأهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً. وَأَمَّا مَتَى فَإخْبَارٌ عَن الْوَقْتِ، وَلَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ (عليهم السلام) أَنَّ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى يَخْرُجُ الْقَائِمُ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ؟ فَقَالَ: مَثَلُهُ مَثَلُ السَّاعَةِ ﴿لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً﴾ [الأعراف: 187]»(825).
كفاية الأثر: محمّد بن عبد الله بن حمزة، عن عمِّه الحسن، عن عليٍّ، عن أبيه، عن الهروي، مثله(826).
[286/5] كمال الدِّين: ابْنُ الْوَلِيدِ، عَن الصَّفَّار، عَن ابْن يَزيدَ، عَنْ أَيُّوبَ ابْن نُوح، قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا (علیه السلام): إِنَّا لَنَرْجُو أَنْ تَكُونَ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْر، وَأَنْ يُسْدِيَهُ(827) اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَيْكَ مِنْ غَيْر سَيْفٍ، فَقَدْ بُويِعَ لَكَ وَضُربَتِ الدَّرَاهِمُ بِاسْمِكَ، فَقَالَ: «مَا مِنَّا أَحَدٌ اخْتَلَفَتْ إِلَيْهِ الْكُتُبُ، وَسُئِلَ عَن المَسَائِل، وَأَشَارَتْ إِلَيْهِ الْأَصَابِعُ، وَحُمِلَتْ إِلَيْهِ الْأَمْوَالُ إِلَّا اغْتِيلَ أَوْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ، حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) لِهَذَا الْأَمْر رَجُلاً خَفِيَّ المَوْلِدِ وَالمَنْشَإ غَيْرَ خَفِيٍّ فِي نَسَبِهِ»(828).
[بيان: في الكافي: (وأُشير إليه بالأصابع) كناية عن الشهرة. والاغتيال: الأخذ بغتةً والقتل خديعةً، والمراد هنا القتل بالآلة، وبالموت القتل بالسُّمِّ، والأوَّل يصحبهما، والمراد بالثاني الموت غيظاً بلا ظفر](829).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(825) كمال الدِّين (ج 2/ ص 372/ باب ما أخبر به الرضا (علیه السلام)/ ح 6)؛ عيون أخبار الرضا (علیه السلام) (ج 2/ ص 265).
(826) كفاية الأثر (ص 271).
(827) في المصدر: (يردَّه) بدل (يسديه).
(828) كمال الدِّين (ج 2/ ص 370/ باب ما أخبر به الرضا (علیه السلام)/ ح 1).
(829) أُصول الكافي (ج 1/ ص 341/ ح 915).

(٢٦٠)

[287/6] كمال الدِّين: الْعَطَّارُ، عَنْ أَبِيهِ، عَن الْأَشْعَريِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن حَمْدَانَ(830)، عَنْ خَالِهِ أَحْمَدَ بْن زَكَريَّا، قَالَ: قَالَ لِيَ الرِّضَا (علیه السلام): «أَيْنَ مَنْزلُكَ بِبَغْدَادَ؟»، قُلْتُ: الْكَرْخُ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ أَسْلَمُ مَوْضِع، وَلَا بُدَّ مِنْ فِتْنَةٍ صَمَّاءَ صَيْلَم يَسْقُطُ فِيهَا كُلُّ وَلِيجَةٍ وَبِطَانَةٍ، وَذَلِكَ بَعْدَ فِقْدَان الشِّيعَةِ الثَّالِثَ مِنْ وُلْدِي»(831).
[288/7] الغيبة للنعماني: مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّام، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن جَعْفَرٍ، عَن الْيَقْطِينيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن أَبِي يَعْقُوبَ الْبَلْخِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَن الرِّضَا (علیه السلام) يَقُولُ: «إِنَّهُ سَيُبْتَلَوْنَ(832) بِمَا هُوَ أَشَدُّ وَأَكْبَرُ، يُبْتَلَوْنَ(833) بِالْجَنِين فِي بَطْن أُمِّهِ وَالرَّضِيع، حَتَّى يُقَالَ: غَابَ وَمَاتَ، وَيَقُولُونَ: لَا إِمَامَ، وَقَدْ غَابَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَغَابَ وَغَابَ، وَهَا أَنَا ذَا أَمُوتُ حَتْفَ أَنْفِي»(834).
بيان: قوله (علیه السلام): (وغاب وغاب): أي كان له غيبات كثيرة كغيبته في حرى، وفي الشِّعب، وفي الغار وبعد ذلك إلى أنْ دخل المدينة. ويحتمل أنْ يكون فاعل الفعلين محذوفاً بقرينة المقام، أي غاب غيره من الأنبياء. ويحتمل أنْ يكون (علیه السلام) ذكرهم وعبَّر الراوي هكذا اختصاراً.
[289/8] الغيبة للنعماني: الْكُلَيْنيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ بَعْض رجَالِهِ، عَنْ أَيُّوبَ بْن نُوح، عَنْ أَبِي الْحَسَن الرِّضَا(835) (علیه السلام)، أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا رُفِعَ عِلْمُكُمْ مِنْ بَيْن أَظْهُركُمْ فَتَوَقَّعُوا الْفَرَجَ مِنْ تَحْتِ أَقْدَامِكُمْ»(836).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(830) في المصدر: (مهران) بدل (حمدان).
(831) كمال الدِّين (ج 2/ ص 371/ باب ما أخبر به الرضا (علیه السلام)/ ح 4).
(832) في المصدر: (إنَّكم ستبتلون) بدل (إنَّه سيبتلون).
(833) في المصدر: (تبتلون).
(834) الغيبة للنعماني (ص 180).
(835) في المصدر: (الثالث) بدل (الرضا).
(836) الغيبة للنعماني (ص 187).

(٢٦١)

[290/1] كمال الدِّين: الدَّقَّاقُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن هَارُونَ الرُّويَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْعَظِيم الْحَسَنِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ (علیهما السلام) وَأَنَا أُريدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَن الْقَائِم، أَهُوَ المَهْدِيُّ أَوْ غَيْرُهُ؟ فَابْتَدَأَنِي فَقَالَ: «يَا أَبَا الْقَاسِم، إِنَّ الْقَائِمَ مِنَّا هُوَ المَهْدِيُّ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُنْتَظَرَ فِي غَيْبَتِهِ، وَيُطَاعَ فِي ظُهُورهِ، وَهُوَ الثَّالِثُ مِنْ وُلْدِي، وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالنُّبُوَّةِ وَخَصَّنَا بِالإمَامَةِ إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اللهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَخْرُجَ فَيَمْلَأ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، وَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُصْلِحُ أَمْرَهُ فِي لَيْلَةٍ كَمَا أَصْلَحَ أَمْرَ كَلِيمِهِ مُوسَى (علیه السلام)(837) لِيَقْتَبِسَ لِأَهْلِهِ نَاراً فَرَجَعَ وَهُوَ رَسُولُ نَبِيٍّ»، ثُمَّ قَالَ (علیه السلام): «أَفْضَلُ أَعْمَالِ شِيعَتِنَا انْتِظَارُ الْفَرَج»(838).
[291/2] الغيبة للنعماني: مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّام، عَنْ أَحْمَدَ بْن مَابُنْدَادَ، عَنْ أَحْمَدَ ابْن هِلَالٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بْن(839) عَلِيٍّ الْقَيْسِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ الرِّضَا (علیه السلام): مَن الْخَلَفُ بَعْدَكَ؟ قَالَ: «ابْني عَلِيٌّ، ابْنِي عَلِيٌّ»، ثُمَّ أَطْرَقَ مَلِيًّا، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّهَا سَتَكُونُ حَيْرَةٌ»، قُلْتُ: فَإذَا كَانَ ذَلِكَ فَإلَى مَنْ(840)؟ فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ: «لَا أَيْنَ»، حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثاً، فَأَعَدْتُ، فَقَالَ: «إِلَى المَدِينَةِ»، فَقُلْتُ: أَيّ المُدُن؟ فَقَالَ: «مَدِينَتِنَا هَذِهِ، وَهَلْ مَدِينَةٌ غَيْرُهَا؟».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(837) في المصدر إضافة: (إذ ذهب).
(838) كمال الدِّين (ج 2/ ص 377/ باب ما أخبر به الجواد (علیه السلام)/ ح 1).
(839) في النسخة المطبوعة: (عن أحمد بن هلال، عن أبيه، عن عليٍّ القيسي)، والصحيح ما أثبتناه، وكذا فيما يأتي.
(840) في المصدر: (فإلى أين؟)، وهو المناسب لما في الجواب من قوله (علیه السلام): «لا أين».

(٢٦٥)

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ: أَخْبَرَني ابْنُ بَزيع أَنَّهُ حَضَرَ أُمَيَّةَ بْنَ عَلِيٍّ الْقَيْسِيَّ وَهُوَ يَسْأَلُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنْ ذَلِكَ، فَأَجَابَهُ بِهَذَا الْجَوَابِ(841).
الغيبة للنعماني: عليُّ بن أحمد، عن عبيد الله بن موسى، عن أحمد بن الحسين، عن أحمد بن هلال، عن أُميَّة بن عليٍّ القيسي...، وذكر مثله(842).
بيان: (فقال: لا أين): أي لا يُهتدى إليه وأين يوجد ويُظفَر به، ثُمَّ أشار (علیه السلام) إلى أنَّه يكون في بعض الأوقات في المدينة، أو يراه بعض الناس فيها.
[292/3] الغيبة للنعماني: مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّام، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْن هِشَام، عَنْ أَبِي سَعْدٍ سَهْل(843) بْن زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَظِيم بْن عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ ابْن عَلِيٍّ الرِّضَا (علیهما السلام)، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: «إِذَا مَاتَ ابْني عَلِيٌّ بَدَا سِرَاجٌ بَعْدَهُ، ثُمَّ خَفِيَ، فَوَيْلٌ لِلْمُرْتَابِ وَطُوبَى للغريب(844) الْفَارِّ بِدِينهِ، ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ أَحْدَاثٌ تَشِيبُ فِيهَا النَّوَاصِي، وَيَسِيرُ الصُّمُّ الصِّلَابُ»(845).
بيان: سير الصُّمِّ الصِّلاب كناية عن شدَّة الأمر وتغيُّر الزمان حتَّى كأنَّ الجبال زالت عن مواضعها، أو عن تزلزل الثابتين في الدِّين عنه.
[293/4] كفاية الأثر: أَبُو عَبْدِ اللهِ الْخُزَاعِيُّ، عَن الْأَسَدِيِّ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَظِيم الْحَسَنِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن مُوسَى: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ الْقَائِمَ مِنْ أَهْل بَيْتِ مُحَمَّدٍ الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، فَقَالَ: «يَا أَبَا الْقَاسِم، مَا مِنَّا إِلَّا قَائِمٌ بِأمْر اللهِ وَهَادٍ إِلَى دِين اللهِ، وَلَسْتُ(846)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(841) الغيبة للنعماني (ص 185).
(842) المصدر السابق.
(843) في المصدر: (عن أبي عبد الله محمّد بن عصام، عن أبي سعيد سهل بن زياد).
(844) في المطبوعة: (للعرب)، وما أثبتناه من المصدر.
(845) الغيبة للنعماني (ص 186).
(846) في المصدر: (ولكن) بدل (ولست).

(٢٦٦)

الْقَائِمَ الَّذِي يُطَهِّرُ اللهُ بِهِ الْأَرْضَ مِنْ أَهْل الْكُفْر وَالْجُحُودِ وَيَمْلَؤُهَا عَدْلاً وَقِسْطاً، هُوَ الَّذِي يَخْفَى عَلَى النَّاس ولَادَتُهُ، وَيَغِيبُ عَنْهُمْ شَخْصُهُ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ تَسْمِيَتُهُ، وَهُوَ سَمِيُّ رَسُولِ اللهِ وَكَنِيُّهُ، وَهُوَ الَّذِي يُطْوَى لَهُ الْأَرْضُ، وَيَذِلُّ لَهُ كُلُّ صَعْبٍ، يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِهِ عَدَدُ أَهْل بَدْرٍ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ أَقَاصِي الْأَرْض، وَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: 148]، فَإذَا اجْتَمَعَتْ لَهُ هَذِهِ الْعِدَّةُ مِنْ أَهْل الْأَرْض(847) أَظْهَرَ أَمْرَهُ، فَإذَا أُكْمِلَ لَهُ الْعَقْدُ وَهُوَ عَشَرَةُ آلَافِ رَجُلٍ خَرَجَ بِإذْن اللهِ، فَلَا يَزَالُ يَقْتُلُ أَعْدَاءَ اللهِ حَتَّى يَرْضَى اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى»، قَالَ عَبْدُ الْعَظِيم: قُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، وَكَيْفَ يَعْلَمُ أنَّ اللهَ قَدْ رَضِيَ؟ قَالَ: «يُلْقِي فِي قَلْبِهِ الرَّحْمَةَ»(848).
[294/5] كفاية الأثر: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَن ابْن عُبْدُوسٍ، عَن ابْن قُتَيْبَةَ، عَنْ حَمْدَانَ بْن سُلَيْمَانَ، عَن الصَّقْر بْن أَبِي دُلَفَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الرِّضَا (علیه السلام) يَقُولُ: «الْإمَامُ بَعْدِي ابْني عَلِيٌّ أَمْرُهُ أَمْري وَقَوْلُهُ قَوْلِي وَطَاعَتُهُ طَاعَتِي، وَالْإمَامُ بَعْدَهُ ابْنُهُ الْحَسَنُ أَمْرُهُ أَمْرُ أَبِيهِ وَقَوْلُهُ قَوْلُ أَبِيهِ وَطَاعَتُهُ طَاعَةُ أَبِيهِ»، ثُمَّ سَكَتَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، فَمَن الْإمَامُ بَعْدَ الْحَسَن؟ فَبَكَى (علیه السلام) بُكَاءً شَدِيداً، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ مِنْ بَعْدِ الْحَسَن ابْنُهُ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ المُنْتَظَرُ»، فَقُلْتُ لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، وَلِـمَ سُمِّيَ الْقَائِمَ؟ قَالَ: «لِأَنَّهُ يَقُومُ بَعْدَ مَوْتِ ذِكْرهِ وَارْتِدَادِ أَكْثَر الْقَائِلِينَ بِإمَامَتِهِ»، فَقُلْتُ لَهُ: وَلِـمَ سُمِّيَ المُنْتَظَرَ؟ قَالَ: «إِنَّ لَهُ غَيْبَةً يَكْثُرُ أَيَّامُهَا وَيَطُولُ أَمَدُهَا، فَيَنْتَظِرُ خُرُوجَهُ المُخْلِصُونَ، وَيُنْكِرُهُ المُرْتَابُونَ، وَيَسْتَهْزئُ بِهِ الْجَاحِدُونَ، وَيَكْذِبُ فِيهَا الْوَقَّاتُونَ، وَيَهْلِكُ فِيهَا المُسْتَعْجِلُونَ، وَيَنْجُو فِيهَا المُسْلِمُونَ»(849).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(847) في المصدر: (الإخلاص) بدل (الأرض).
(848) كفاية الأثر (ص 277).
(849) كفاية الأثر (ص 279).

(٢٦٧)

[295/6] كفاية الأثر: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْن السِّنْدِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن الْحَسَن، عَن الْحِمْيَريِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن هِلَالٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بْن عَلِيٍّ الْقَيْسِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي (علیه السلام): مَن الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِكَ؟ قَالَ: «ابْني عَلِيٌّ»، ثُمَّ قَالَ: «أَمَا إِنَّهَا سَتَكُونُ حَيْرَةٌ»، قَالَ: قُلْتُ: إِلَى أَيْنَ؟ فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ: «إِلَى المَدِينَةِ»، قَالَ: قُلْتُ: وَإِلَى أَيِّ مَدِينَةٍ؟ قَالَ: «مَدِينَتِنَا هَذِهِ، وَهَلْ مَدِينَةٌ غَيْرُهَا؟».
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ: فَأَخْبَرَني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْن بَزيع أَنَّهُ حَضَرَ أُمَيَّةَ بْنَ عَلِيٍّ وَهُوَ يَسْأَلُ أَبَا جَعْفَرٍ الثَّانِيَ عَنْ ذَلِكَ، فَأَجَابَهُ بِمِثْل ذَلِكَ الْجَوَابِ(850).
[296/7] وَبهَذَا الإسْنَادِ: عَنْ أُمَيَّةَ بْن عَلِيٍّ الْقَيْسِيِّ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَم التَّمِيمِيّ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (علیه السلام): «إِذَا تَوَالَتْ ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ كَانَ رَابِعُهُمْ قَائِمَهُمْ: مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ وَالْحَسَنُ»(851).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(850) كفاية الأثر (ص 280).
(851) كفاية الأثر (ص 280 و281).

(٢٦٨)

[297/1] عيون أخبار الرضا، وكمال الدِّين: أَبِي وَابْنُ الْوَلِيدِ(852)، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ الْعَلَويِّ، عَنْ أَبِي هَاشِم الْجَعْفَريِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَن صَاحِبَ الْعَسْكَر (علیه السلام) يَقُولُ: «الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي ابْنِيَ الْحَسَنُ، فَكَيْفَ لَكُمْ بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِ الْخَلَفِ؟»، فَقُلْتُ: وَلِـمَ جَعَلَنِيَ اللهُ فِدَاكَ؟ فَقَالَ: «لِأَنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ شَخْصَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ»، قُلْتُ: فَكَيْفَ نَذْكُرُهُ؟ قَالَ: «قُولُوا: الْحُجَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(853).
كفاية الأثر: عليُّ بن محمّد [بن] السندي، عن محمّد بن الحسن، عن سعد، مثله(854).
[298/2] كمال الدِّين: أَبِي، عَن الْحِمْيَريِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عِمْرَ[انَ](855) الْكَاتِبِ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ الصَّيْمَريِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن مَهْزيَارَ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَن (علیه السلام) أَسْأَلُهُ [عَن](856) الْفَرَج، فَكَتَبَ(857): «إِذَا غَابَ صَاحِبُكُمْ عَنْ دَار الظَّالِمِينَ فَتَوَقَّعُوا الْفَرَجَ»(858).
[299/3] كمال الدِّين: أَبِي وَابْنُ الْوَلِيدِ مَعاً، عَنْ سَعْدٍ، عَن الْخَشَّابِ، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(852) عبارة: (ابن الوليد) ليست في كمال الدِّين.
(853) كمال الدِّين (ج 2/ ص 648/ باب النهي عن التسمية)/ ح 4)؛ ولم نعثر عليه في العيون.
(854) كفاية الأثر (ص 284).
(855) ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.
(856) من المصدر.
(857) في المصدر إضافة: (إليَّ).
(858) كمال الدِّين (ج 2/ ص 380/ باب ما أخبر به الهادي (علیه السلام)/ ح 2).

(٢٧١)

إِسْحَاقَ بْن أَيُّوبَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَن عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ (علیهما السلام) يَقُولُ: «صَاحِبُ هَذَا الْأَمْر مَنْ يَقُولُ النَّاسُ: لَمْ يُولَدْ بَعْدُ»(859).
وحدَّثنا بهذا الحديث محمّد بن إبراهيم، عن إسحاق بن أيُّوب(860).
[300/4] كمال الدِّين: أَبِي، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عُبَيْدِ اللهِ(861) بْن أَبِي غَانِم، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن مُحَمَّدِ بْن فَارسٍ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا(862) وَأَيُّوبُ بْنُ نُوح فِي طَريقِ مَكَّةَ، فَنَزَلْنَا عَلَى وَادِي زُبَالَةَ، فَجَلَسْنَا نَتَحَدَّثُ، فَجَرَى ذِكْرُ مَا نَحْنُ فِيهِ وَبُعْدُ الْأَمْرُ عَلَيْنَا، فَقَالَ أَيُّوبُ بْنُ نُوح: كَتَبْتُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَذْكُرُ شَيْئاً مِنْ هَذَا، فَكَتَبَ [إِلَيَّ]: «إِذَا رُفِعَ عَلَمُكُمْ مِنْ بَيْن أَظْهُركُمْ فَتَوَقَّعُوا الْفَرَجَ مِنْ تَحْتِ أَقْدَامِكُمْ»(863).
[بيان: (عَلَمكم) بالتحريك: أي من يُعلَم به سبيل الحقِّ، وهو الإمام (علیه السلام)، أو بالكسر أي صاحب علمكم، فرجع إلى الأوَّل، أو أصل العلم بأنْ تشيع الضلالة والجهالة في الخلق. وتوقُّع الفرج من تحت الأقدام كناية عن قربه وتيسير حصوله، فإنَّ من كانت قدماه على شيء فهو أقرب الأشياء به ويأخذه إذا رفعهما. فعلى الأوَّلين المعنى أنَّه لا بدَّ أنْ تكونوا في ذلك الأزمان متوقِّعين للفرج كذلك غير آيسين منه. ويحتمل أنْ يكون المراد ما هو أعمّ من ظهور الإمام، أي يحصل لكم فرج إمَّا بالموت والوصول إلى رحمة الله، أو ظهور الإمام، أو رفع شرِّ الأعادي بفضل الله. وعلى الوجه الثالث الكلام محمول على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(859) كمال الدِّين (ج 2/ ص 382/ باب ما أخبر به الهادي (علیه السلام)/ ح 6).
(860) كمال الدِّين (ج 2/ ص 382/ باب ما أخبر به الهادي (علیه السلام)/ ح 7)، وفيه: (وحدَّثنا بهذا الحديث محمّد بن إبراهيم، عن محمّد بن معقل، عن جعفر بن محمّد بن مالك، عن إسحاق بن أيُّوب، عن أبي الحسن عليِّ بن محمّد (عليهما السلام)).
(861) في المصدر: (عبد الله) بدل (عبيد الله).
(862) في المصدر إضافة: (ونوح).
(863) كمال الدِّين (ج 2/ ص 381/ باب ما أخبر به الهادي (علیه السلام)/ ح 4).

(٢٧٢)

ظاهره، فإنَّه إذا تمَّت جهالة الخلق وضلالتهم لا بدَّ من ظهور الإمام (علیه السلام)، كما دلَّت الأخبار وعادة الله في الأُمَم الماضية عليه].
[301/5] كمال الدِّين: الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْن صَدَقَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْن عَبْدِ الْغَفَّار، قَالَ: لَـمَّا مَاتَ أَبُو جَعْفَرٍ الثَّانِي (علیه السلام) كَتَبَتِ الشِّيعَةُ إِلَى أَبِي الْحَسَن (علیه السلام) يَسْأَلُونَهُ عَن الْأَمْر، فَكَتَبَ (علیه السلام) إِلَيْهِمُ: «الْأَمْرُ لِي مَا دُمْتُ حَيًّا، فَإذَا نَزَلَتْ بِي مَقَادِيرُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَتَاكُمُ الْخَلَفُ مِنِّي، وَأَنَّى لَكُمْ بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِ الْخَلَفِ؟»(864).
[302/6] كمال الدِّين: الْعَطَّارُ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ مُوسَى بْن جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ (علیهما السلام) يَقُولُ: «كَأَنِّي بِكُمْ وَقَدِ اخْتَلَفْتُمْ بَعْدِي فِي الْخَلَفِ مِنِّي، أَمَا إِنَّ المُقِرَّ بِالْأَئِمَّةِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ المُنْكِرَ لِوَلَدِي كَمَنْ أَقَرَّ بِجَمِيع أَنْبِيَاءِ اللهِ وَرُسُلِهِ ثُمَّ أَنْكَرَ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَالمُنْكِرُ لِرَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كَمَنْ أَنْكَرَ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ، لِأَنَّ طَاعَةَ آخِرنَا كَطَاعَةِ أَوَّلِنَا، وَالمُنْكِرَ لِآخِرنَا كَالمُنْكِر لِأَوَّلِنَا، أَمَا إِنَّ لِوَلَدِي غَيْبَةً يَرْتَابُ فِيهَا النَّاسُ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ)»(865).
كفاية الأثر: الحسين بن عليٍّ، عن العطَّار، مثله(866).
[303/7] كمال الدِّين: الطَّالَقَانِيُّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ بْن هَمَّام، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ الْعَمْريَّ (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ) يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (علیه السلام) وَأَنَا عِنْدَهُ عَن الْخَبَر الَّذِي رُويَ عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَةِ، وَأَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرفْ إِمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، [فَقَالَ (علیه السلام): «إِنَّ هَذَا حَقٌّ كَمَا أَنَّ النَّهَارَ حَقٌّ»،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(864) كمال الدِّين (ج 2/ ص 382/ باب ما أخبر به الهادي (علیه السلام)/ ح 8).
(865) كمال الدِّين (ج 2/ ص 409/ باب ما أخبر به العسكري (علیه السلام)/ ح 8).
(866) كفاية الأثر (ص 291)، وفيه: (الحسن) بدل (الحسين).

(٢٧٣)

فَقِيلَ لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، فَمَن الْحُجَّةُ وَالْإمَامُ بَعْدَكَ؟ فَقَالَ: «ابْنِي مُحَمَّدٌ، وَهُوَ الْإمَامُ وَالْحُجَّةُ بَعْدِي، مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرفْهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً](867).
أَمَا إِنَّ لَهُ غَيْبَةً يَحَارُ فِيهَا الْجَاهِلُونَ، وَيَهْلِكُ فِيهَا المُبْطِلُونَ، وَيَكْذِبُ فِيهَا الْوَقَّاتُونَ، ثُمَّ يَخْرُجُ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْأَعْلَام الْبِيض تَخْفِقُ فَوْقَ رَأسِهِ بِنَجَفِ الْكُوفَةِ»(868).
كفاية الأثر: أبو المفضَّل، عن أبي عليٍّ بن همَّام، مثله(869).
[304/8] كمال الدِّين: عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْوَرَّاقُ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ مُوسَى بْن جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ، قَالَ: خَرَجَ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) تَوْقِيعٌ: «زَعَمُوا أَنَّهُمْ يُريدُونَ قَتْلِي لِيَقْطَعُوا نَسْلِي(870)، وَقَدْ كَذَّبَ اللهُ قَوْلَهُمْ، وَالْحَمْدُ للهِ»(871).
[305/9] كمال الدِّين: المُظَفَّرُ الْعَلَويُّ، عَن ابْن الْعَيَّاشِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْن عَلِيِّ بْن كُلْثُوم، عَنْ عَلِيِّ بْن أَحْمَدَ الرَّازِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن إِسْحَاقَ(872)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ الْحَسَن بْن عَلِيٍّ الْعَسْكَريِّ (علیه السلام) يَقُولُ: «الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يُخْرجْنِي مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى أَرَانِي الْخَلَفَ مِنْ بَعْدِي، أَشْبَهَ النَّاس بِرَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خَلْقاً وَخُلْقاً، يَحْفَظُهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي غَيْبَتِهِ، ثُمَّ يُظْهِرُهُ فَيَمْلَأ الْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً»(873).
[306/10] الغيبة للطوسي: سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَن الْحَسَن بْن عَلِيٍّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(867) من المصدر.
(868) كمال الدِّين (ج 2/ ص 409/ باب ما أخبر به العسكري (علیه السلام)/ ح 9).
(869) كفاية الأثر (ص 292).
(870) في المصدر: (هذا النسل) بدل (نسلي).
(871) كمال الدِّين (ج 2/ ص 407/ باب ما أخبر به العسكري (علیه السلام)/ ح 3).
(872) في المصدر إضافة: (بن سعد).
(873) كمال الدِّين (ج 2/ ص 408/ باب ما أخبر به العسكري (علیه السلام)/ ح 7).

(٢٧٤)

الزَّيْتُونيِّ، عَن الزُّهْريِّ الْكُوفِيِّ، عَنْ بُنَان بْن حَمْدَوَيْهِ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ أَبِي الْحَسَن الْعَسْكَريِّ (علیه السلام) مُضِيُّ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام)، فَقَالَ: «ذَاكَ إِلَيَّ مَا دُمْتُ حَيًّا بَاقِياً، وَلَكِنْ كَيْفَ بِهِمْ إِذَا فَقَدُوا مَنْ بَعْدِي؟»(874).
[307/11] الغيبة للطوسي: أَبُو هَاشِم الْجَعْفَريُّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام): جَلَالَتُكَ تَمْنَعُنِي عَنْ مَسْأَلَتِكَ، فَتَأذَنُ لِي فِي أَنْ أَسْأَلَكَ؟ قَالَ: «سَلْ»، قُلْتُ: يَا سَيِّدِي، هَلْ لَكَ وَلَدٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: فَإنْ حَدَثَ حَدَثٌ فَأَيْنَ أَسْأَلُ عَنْهُ؟ فَقَالَ: «بِالمَدِينَةِ»(875).
[308/12] الغيبة للطوسي: جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي المُفَضَّل الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي نُعَيْم نَصْر بْن عِصَام بْن المُغِيرَةِ الْفِهْريِّ المَعْرُوفِ بِقَرْقَارَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ المَرَاغِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن إِسْحَاقَ، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا مُحَمَّدٍ (علیه السلام) عَنْ صَاحِبِ هَذَا الْأَمْر، فَأشَارَ بِيَدِهِ، أَيْ إِنَّهُ حَيٌّ غَلِيظُ الرَّقَبَةِ(876).
[309/13] كفاية الأثر: أَبُو المُفَضَّل الشَّيْبَانِيُّ، عَن الْكُلَيْنيِّ، عَنْ عَلَّانٍ الرَّازِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَـمَّا حَمَلَتْ جَاريَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) قَالَ: «سَتَحْمِلِينَ ذَكَراً، وَاسْمُهُ (م ح م د)، وَهُوَ الْقَائِمُ مِنْ بَعْدِي»(877).
[310/14] كمال الدِّين: الْعَطَّارُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَعْفَرٍ الْفَزَاريِّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْن أَحْمَدَ المَدَائِنيِّ، عَنْ أَبِي حَاتِم(878)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ (علیه السلام) يَقُولُ: «فِي سَنَةِ مِائَتَيْن وَسِتِّينَ تَفَرَّقَ(879) شِيعَتِي»، فَفِيهَا قُبِضَ أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(874) الغيبة للطوسي (ص 162/ ح 122).
(875) الغيبة للطوسي (ص 232/ ح 199).
(876) الغيبة للطوسي (ص 251/ ح 220).
(877) كفاية الأثر (ص 290).
(878) في المصدر: (غانم) بدل (حاتم).
(879) في المصدر: (تفترق).

(٢٧٥)

وَتَفَرَّقَتْ شِيعَتُهُ وَأَنْصَارُهُ، فَمِنْهُمْ مَن انْتَمَى إِلَى جَعْفَرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَاهَ وَشَكَّ، وَمِنْهُمْ مَنْ وَقَفَ عَلَى تَحَيُّرهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ثَبَتَ عَلَى دِينهِ بِتَوْفِيقِ اللهِ (عزَّ وجلَّ)(880).
[311/15] الخرائج والجرائح: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِيسَى بْن صَبِيح، قَالَ: دَخَلَ الْحَسَنُ الْعَسْكَريُّ (علیه السلام) عَلَيْنَا الْحَبْسَ وَكُنْتُ بِهِ عَارفاً، فَقَالَ لِي: «لَكَ خَمْسٌ وَسِتُّونَ سَنَةً وَشَهْرٌ وَيَوْمَان»، وَكَانَ مَعِي كِتَابُ دُعَاءٍ عَلَيْهِ تَاريخُ مَوْلِدِي، وَإِنِّي نَظَرْتُ فِيهِ، فَكَانَ كَمَا قَالَ، وَقَالَ: «هَلْ رُزِقْتَ وَلَداً؟»، فَقُلْتُ: لَا، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ وَلَداً يَكُونُ لَهُ عَضُداً، فَنِعْمَ الْعَضُدُ الْوَلَدُ»، ثُمَّ تَمَثَّلَ (علیه السلام):

«مَنْ كَانَ ذَا عَضُدٍ يُدْركُ ظُلَامَتَهُ * * * إِنَّ الذَّلِيلَ الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ عَضُدٌ»

قُلْتُ: أَلَكَ وَلَدٌ؟ قَالَ: «إِي وَاللهِ، سَيَكُونُ لِي وَلَدٌ يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً(881)، فَأَمَّا الْآنَ فَلَا»، ثُمَّ تَمَثَّلَ:

«لَعَلَّكَ يَوْماً أَنْ تَرَانِي كَأَنَّمَا * * * بَنِيَّ حَوَالَيَّ الْأُسُودُ اللَّوَابِدُ
فَإنَّ تَمِيماً قَبْلَ أَنْ يَلِدَ الْحَصَا * * * أَقَامَ زَمَاناً وَهُوَ فِي النَّاس وَاحِدُ»(882)

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(880) كمال الدِّين (ج 2/ ص 408/ باب ما أخبر به العسكري (علیه السلام)/ ح 6).
(881) في المصدر إضافة: (وعدلاً).
(882) الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 478/ فصل في معجزات الإمام صاحب الزمان (علیه السلام)/ ح 19).

(٢٧٦)

روى البرسي في مشارق الأنوار عن كعب بن الحارث، قال: إنَّ ذا جدن(883) المَلِك أرسل إلى السطيح لأمر شكَّ فيه، فلمَّا قَدِمَ عليه أراد أنْ يُجرِّب علمه قبل حكمه، فخبَّأ له ديناراً تحت قدمه، ثُمَّ أَذِنَ له، فدخل، فقال له المَلِك: ما خبَّأت لك يا سطيح؟ فقال سطيح: حلفت بالبيت والحرم، والحجر الأصمِّ، والليل إذا أظلم، والصبح إذا تبسَّم، وبكلِّ فصيح وأبكم، لقد خبَّأت لي ديناراً بين النعل والقدم، فقال المَلِك: من أين علمك هذا يا سطيح؟ فقال: من قبل أخ لي حتَّى ينزل معي أنَّى نزلت.
فقال المَلِك: أخبرني عمَّا يكون في الدهور، فقال سطيح: إذا غارت الأخيار، وقادت(884) الأشرار، وكُذِّب بالأقدار، وحُمِلَ المال بالأوقار، وخشعت الأبصار لحامل الأوزار، وقُطِعَت الأرحام، وظهرت الطغام، المستحلِّي الحرام، في حرمة الإسلام، واختلفت الكلمة، وخفرت الذمَّة، وقلَّت الحرمة، وذلك عند طلوع الكوكب الذي يفزع العرب، وله شبيه الذنب، فهناك تنقطع الأمطار، وتجفُّ الأنهار، وتختلف الأعصار، وتغلو الأسعار، في جميع الأقطار.
ثُمَّ تقبل البربر بالرايات الصفر، على البراذين السبر(885)، حتَّى ينزلوا مصر، فيخرج رجل من ولد صخر، فيُبدِّل الرايات السود بالحمر، فيبيح المحرَّمات، ويترك النساء بالثدايا معلَّقات، وهو صاحب نهب الكوفة، فرُبَّ بيضاء الساق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(883) في المصدر: (يزن) بدل (جدن).
(884) في المصدر: (وغزت) بدل (وقادت).
(885) في المصدر: (ثمّ تقبل البرر (الهزبرخ) بالرايات الصفر على البرازين البتر).

(٢٧٩)

مكشوفة، على الطريق مردوفة، بها الخيل محفوفة، قُتِلَ زوجها، وكثر عجزها، واستُحِلَّ فرجها، فعندها يظهر ابن النبيِّ المهدي، وذلك إذا قُتِلَ المظلوم بيثرب، وابن عمِّه في الحرم، وظهر الخفي فوافق الوشمي(886)، فعند ذلك يقبل المشوم بجمعه الظلوم، فتظاهر الروم بقتل القروم(887)، فعندها ينكسف كسوف، إذا جاء الزحوف، وصُفَّ الصفوف.
ثُمَّ يخرج مَلِك من صنعاء اليمن، أبيض كالقطن(888)، اسمه حسين أو حسن، فيذهب بخروجه غمر الفتن، فهناك يظهر مباركاً زكيًّا، وهادياً مهديًّا، وسيِّداً علويًّا، فيُفرِّج الناس إذا أتاهم بمنِّ الله الذي هداهم، فيكشف بنوره الظلماء، ويظهر به الحقُّ بعد الخفاء، ويُفرِّق الأموال في الناس بالسواء، ويغمُّه(889) السيف فلا يسفك الدماء، ويعيش الناس في البشر والهناء، ويغسل بماء عدله عين الدهر من القذاء، ويردُّ الحقَّ على أهل القرى، ويكثر في الناس الضيافة والقرى، ويرفع بعدله الغواية والعمى، كأنَّه كان غبار فانجلى، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً والأيَّام حباء، وهو عَلَم للساعة بلا امتراء(890).
[وَرَوَى ابْنُ عَيَّاشٍ فِي المُقْتَضَبِ: عَن الْحُسَيْن بْن عَلِيِّ بْن سُفْيَانَ الْبَزَوْفَريِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن الْحَسَن الْبُوشَنْجَانِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَن النُّوشَجَان بْن البودمردان، قَالَ: لَـمَّا جَلَا الْفُرْسُ عَن الْقَادِسِيَّةِ، وَبَلَغَ يَزْدَجَرْدَ بْنَ شَهْريَارَ مَا كَانَ مِنْ رُسْتُمَ وَإِدَالَةِ الْعَرَبِ عَلَيْهِ، وَظَنَّ أَنَّ رُسْتُمَ قَدْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(886) في المصدر: (الوسمي).
(887) في المصدر: (فيطاهي الروم، ويقتل القروم).
(888) في المصدر: (كالشطن) بدل (كالقطن).
(889) في المصدر: (ويغمد).
(890) مشارق أنوار اليقين (ص 130).

(٢٨٠)

هَلَكَ وَالْفُرْسَ جَمِيعاً، وَجَاءَ مُبَادِرٌ(891) وَأَخْبَرَهُ بِيَوْم الْقَادِسِيَّةِ وَانْجِلَائِهَا عَنْ خَمْسِينَ أَلْفَ قَتِيلٍ، خَرَجَ يَزْدَجَرْدُ هَارباً فِي أَهْل بَيْتِهِ، وَوَقَفَ بِبَابِ الْإيوَان وَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْإيوَانُ، هَا أَنَا ذَا مُنْصَرفٌ عَنْكَ، وَرَاجِعٌ إِلَيْكَ أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي، لَمْ يَدْنُ زَمَانُهُ وَلَا آنَ أَوَانُهُ.
قَالَ سُلَيْمَانُ الدَّيْلَمِيُّ: فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقُلْتُ لَهُ: مَا قَوْلُهُ: (أَوْ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي)؟ فَقَالَ: «ذَلِكَ صَاحِبكُمُ، الْقَائِمُ بِأمْر اللهِ (عزَّ وجلَّ)، السَّادِسُ مِنْ وُلْدِي، قَدْ وَلَدَهُ يَزْدَجَرْدُ، فَهُوَ وَلَدُهُ»(892).
وَمِنْهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ اَلْقَاسِمِ الْبَلْخِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَامِ الْكَجِّيِّ، [عَنْ] عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ(893)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ هُرْمُزَ بْنِ حُورَانَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: إِنَّ عَبْدَ المَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ دَعَانِي، فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، إِنَّ مُوسَى بْنَ نَصْرٍ(894) الْعَبْدِيَّ كَتَبَ إِلَيَّ - وَكَانَ عَامِلَهُ عَلَى المَغْرِبِ - يَقُولُ: بَلَغَنِي أَنَّ مَدِينَةً مِنْ صِفْرٍ كَانَ ابْتَنَاهَا نَبِيُّ اللهِ تَعَالَى سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، أَمَرَ الْجِنَّ أَنْ يَبْنُوهَا لَهُ، فَاجْتَمَعَتِ الْعَفَارِيتُ مِنَ اَلْجِنِّ عَلَى بِنَائِهَا، وَأَنَّهَا مِنْ عَيْنِ الْقِطْرِ الَّتِي أَلَانَهَا اللهُ لِسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، وَأَنَّهَا فى مَفَازَةِ الْأَنْدُلُسِ، وَأَنَّ فِيهَا مِنَ الْكُنُوزِ الَّتِي اسْتَوْدَعَهَا سُلَيْمَانُ، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَتَعَاطَى الْاِرْتِحَالَ إِلَيْهَا، فَأَعْلَمَنِي الْغُلَامُ بِهَذَا اَلطَّرِيقِ أَنَّهُ صَعْبٌ لَا يُتَمَطَّى إِلَّا بِالْاِسْتِعْدَادِ مِنَ الظُّهُورِ وَالْأَزْوَادِ الْكَثِيرَةِ، مَعَ بُعْدِ المَسَافَةِ وَصُعُوبَتِهَا، وَأَنَّ أَحَداً لَمْ يَهْتَمَّ بِهَا إِلَّا قَصَرَ عَنْ بُلُوغِهَا إِلَّا دَارَا بْنَ دَارَا، فَلَمَّا قَتَلَهُ الْإِسْكَنْدَرُ قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ جِئْتُ الْأَرْضَ وَالْأَقَالِيمَ كُلَّهَا وَدَانَ لِي أَهْلُهَا، وَمَا أَرْضٌ إِلَّا وَقَدْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(891) في المصدر: (مناذر) بدل (مبادر).
(892) مقتضب الأثر (ص 40 و41).
(893) في المصدر: (عن أبي مسلم الكجِّي: عبد الله بن مسلم).
(894) في المصدر: (نصير) بدل (نصر)، وكذا في ما بعد.

(٢٨١)

وَطِئْتُهَا إِلَّا هَذِهِ الْأَرْضَ مِنَ الْأَنْدُلُسِ، فَقَدْ أَدْرَكَهَا دَارَا بْنَ دَارَا، وَإِنِّي لَجَدِيرٌ بِقَصْدِهَا كَيْ لَا أَقْصُرَ عَنْ غَايَةٍ بَلَغَهَا دَارَا.
فَتَجَهَّزَ الْإِسْكَنْدَرُ وَاسْتَعَدَّ لِلْخُرُوجِ عَاماً كَامِلاً، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّهُ قَدِ اسْتَعَدَّ لِذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ بَعَثَ رُوَّادَهُ فَأَعْلَمُوهُ أَنَّ مَوَانِعَ دُونَهَا.
فَكَتَبَ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ إِلَى مُوسَى بْنِ نُصَيْرٍ يَأْمُرُهُ بِالْاِسْتِعْدَادِ وَالْاِسْتِخْلَافِ عَلَى عَمَلِهِ، فَاسْتَعَدَّ وَخَرَجَ، فَرَآهَا وَذَكَرَ أَحْوَالَهَا، فَلَمَّا رَجَعَ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ بِحَالِهَا، وَقَالَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ: فَلَمَّا مَضَتِ الْأَيَّامُ وَفَنِيَتِ الْأَزْوَادُ، سِرْنَا نَحْوَ بُحَيْرَةٍ ذَاتِ شَجَرٍ، وَسِرْتُ مَعَ سُورِ المَدِينَةِ، فَصِرْتُ إِلَى مَكَانٍ مِنَ السُّورِ فِيهِ كِتَابٌ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَوَقَفْتُ عَلَى قِرَاءَتِهِ، وَأَمَرْتُ بِانْتِسَاخِهِ، فَإِذَا هُوَ شِعْرٌ:

لِيَعْلَمَ المَرْءُ ذُو الْعِزِّ المَنِيعِ وَمَنْ * * * يَرْجُو الْخُلُودَ وَمَا حَيٌّ بِمَخْلُودِ
لَوْ أَنَّ خَلْقاً يَنَالُ الْخُلْدَ فِي مَهَلٍ * * * لَنَالَ ذَاكَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدِ
سَالَتْ لَهُ الْقِطْرُ عَيْنُ الْقِطْرِ فَائِضَةً * * * بِالْقِطْرِ مِنْهُ(895) عَطَاءٌ غَيْرُ مَصْدُودِ
فَقَالَ لِلْجِنِّ ابْنُوا لِي بِهِ أَثَراً * * * يَبْقَى إِلَى الْحَشْرِ لَا يَبْلَى وَلَا يُؤْدِي
فَصَيَّرُوهُ صِفَاحاً ثُمَّ هِيلَ لَهُ * * * إِلَى السَّمَاءِ بِإِحْكَامٍ وَتَجْوِيدِ
وَأَفْرَغَ الْقِطْرَ فَوْقَ السُّورِ مُنْصَلِتاً * * * فَصَارَ أَصْلَبَ مِنْ صَمَّاءَ صَيْخُودِ(896)
وَبَثَّ(897) فِيهِ كُنُوزَ الْأَرْضِ قَاطِبَةً * * * وَسَوْفَ يَظْهَرُ يَوْماً غَيْرَ مَحْدُودِ
وَصَارَ فِي قَعْرِ بَطْنِ الْأَرْضِ مُضْطَجِعاً * * * مُصَمَّداً بِطَوَابِيقِ الْجَلَامِيدِ(898)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(895) في المطبوعة: (سنة)، وما أثبتناه من المصدر.
(896) الصيخود: الصخرة الشديدة. (الصحاح: ج 2/ ص 495).
(897) في المطبوعة: (وثب)، وما أثبتناه من المصدر.
(898) الجلمود: الصخر. (الصحاح: ج 2/ ص 459).

(٢٨٢)

لَمْ يَبْقَ مِنْ بَعْدِهِ لِلْمُلْكِ سَابِقَةٌ * * * حَتَّى تُضَمَّنَ رَمْساً غَيْرَ أُخْدُودِ
هَذَا لِيُعْلَمَ أَنَّ المُلْكَ مُنْقَطِعٌ * * * إِلَّا مِنَ اللهِ ذِي النَّعْمَاءِ وَالْجُودِ
حَتَّى إِذَا وَلَدَتْ عَدْنَانُ صَاحِبَهَا * * * مِنْ هَاشِمٍ كَانَ مِنْهَا خَيْرَ مَوْلُودِ
وَخَصَّهُ اللهُ بِالْآيَاتِ مُنْبَعِثاً * * * إِلَى الْخَلِيقَةِ مِنْهَا اَلْبِيضُ وَالسُّودِ
لَهُ مَقَالِيدُ أَهْلِ الْأَرْضِ قَاطِبَةً * * * وَالْأَوْصِيَاءُ لَهُ أَهْلُ اَلمَقَالِيدِ
هُمُ الْخَلَائِفُ اثْنَا عَشْرَةَ حُجَجاً * * * مِنْ بَعْدِهَا(899) الْأَوْصِيَاءَ السَّادَةَ اَلصِّيدِ
حَتَّى يَقُومَ بِأَمْرِ اللهِ قَائِمُهُمْ * * * مِنَ اَلسَّمَاءِ إِذَا مَا بِاسْمِهِ نُودِي

فَلَمَّا قَرَأَ عَبْدُ المَلِكِ الْكِتَابَ وَأَخْبَرَهُ طَالِبُ بْنُ مُدْرِكٍ - وَكَانَ رَسُولَهُ إِلَيْهِ - بِمَا عَايَنَ مِنْ ذَلِكَ، وَعِنْدَهُ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: مَا ذَا تَرَى فِي هَذَا الْأَمْرِ الْعَجِيبِ؟ فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَرَى وَأَظُنُّ أَنَّ جِنًّا كَانُوا مُوَكَّلِينَ بِمَا فِي تِلْكَ المَدِينَةِ حَفَظَةً لَهَا، يُخَيِّلُونَ إِلَى مَنْ كَانَ صَعِدَهَا، قَالَ عَبْدُ المَلِكِ: فَهَلْ عَلِمْتَ مِنْ أَمْرِ المُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ شَيْئاً؟ قَالَ: أُلْهُ عَنْ هَذَا يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قَالَ عَبْدُ المَلِكِ: كَيْفَ أَلْهُو عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَكْبَرُ أَوْطَارِي؟ لَتَقُولَنَّ بِأَشَدِّ مَا عِنْدَكَ فِي ذَلِكَ، سَاءَنِي أَمْ سَرَّنِي؟ فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ (علیهما السلام) أَنَّ هَذَا المَهْدِيَّ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ عَبْدُ المَلِكِ: كَذِبْتُمَا، لَا تَزَالَانِ تَدْحَضَانِ فِي بَوْلِكُمَا، وَتَكْذِبَانِ فِي قَوْلِكُمَا، ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَّا، قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَمَّا أَنَا فَرَوَيْتُهُ لَكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (علیهما السلام)، فَإِنْ شِئْتَ فَاسْأَلْهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا لَوْمَ عَلَيَّ فِيمَا قُلْتُهُ لَكَ، فَـ﴿إِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾ [غافر: 28]، فَقَالَ عَبْدُ المَلِكِ: لَا حَاجَةَ لِي إِلَى سُؤَالِ بَنِي أَبِي تُرَابٍ، فَخَفِّضْ عَلَيْكَ يَا زُهْرِيُّ بَعْضَ هَذَا الْقَوْلِ، فَلَا يَسْمَعْهُ مِنْكَ أَحَدٌ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَكَ عَلَيَّ ذَلِكَ(900).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(899) في المصدر: (بعده).
(900) مقتضب الأثر (ص 43 - 45).

(٢٨٣)

بيان: (لا يودي): أي لا يهلك. وقال الجوهري: كلُّ شيء أرسلته إرسالاً من رمل أو تراب أو طعام أو نحوه قلت: هلته أهيله هيلاً فانهال، أي جرى وانصبَّ(901). وقال: صلت ما في القدح، أي صببته(902). وقال: صخرة صيخود، أي شديدة(903).
قوله: (مصمداً) بالصاد المهملة أو بالضادِّ المعجمة، قال الجوهري: المصمد لغةً في المصمت، وهو الذي لا جوف له(904)، وقال: صمد فلان رأسه تصميداً، أي شدَّه بعصابة أو ثوب ما خلا العمامة(905). وقال: الطابق: الآجر الكبير، فارسي معرَّب(906). والجلاميد: جمع الجلمود بالضمِّ، هو الصخر. والرمس بالفتح: القبر أو ترابه. والأُخدود بالضمِّ: شقٌّ في الأرض مستطيل. والصيد: جمع الأصيد المَلِك، والرجل الذي يرفع رأسه كبراً].

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(901) الصحاح (ج 3/ ص 1855).
(902) الصحاح (ج 1/ ص 256).
(903) الصحاح (ج 2/ ص 495).
(904) الصحاح (ج 2/ ص 498).
(905) الصحاح (ج 2/ ص 510).
(906) الصحاح (ج 3/ ص 1513).

(٢٨٤)

قال (رحمه الله): اعلم أنَّ لنا في الكلام في غيبة صاحب الزمان (علیه السلام) طريقين:
أحدهما: أنْ نقول: إذا ثبت وجوب الإمامة في كلِّ حالٍ، وأنَّ الخلق مع كونهم غير معصومين لا يجوز أنْ يخلو من رئيس في وقت من الأوقات، وأنَّ من شرط الرئيس أنْ يكون مقطوعاً على عصمته، فلا يخلو ذلك الرئيس من أنْ يكون ظاهراً معلوماً أو غائباً مستوراً، فإذا علمنا أنَّ كلَّ من يُدَّعى له الإمامة ظاهراً ليس بمقطوع على عصمته، بل ظاهر أفعالهم وأحوالهم ينافي العصمة ممَّن هو غائب من الكيسانيَّة والناووسيَّة والفطحيَّة والواقفة وغيرهم قولهم باطل، علمنا بذلك صحَّة إمامة ابن الحسن وصحَّة غيبته وولايته، ولا نحتاج إلى تكلُّف الكلام في إثبات ولادته وسبب غيبته مع ثبوت ما ذكرناه، ولأنَّ الحقَّ لا يجوز خروجه عن الأُمَّة.
والطريق الثاني: أنْ نقول: الكلام في غيبة ابن الحسن فرع على ثبوت إمامته، والمخالف لنا إمَّا أنْ يُسلِّم لنا إمامته ويسأل عن سبب غيبته فنُكلَّف(907) جوابه، أو [لا](908) يُسلِّم لنا إمامته فلا معنى لسؤاله عن غيبة من لم يثبت إمامته. ومتى نوزعنا في ثبوت إمامته دلَّلنا عليها بأنْ نقول: قد ثبت وجوب الإمامة مع بقاء التكليف على من ليس بمعصوم في جميع الأحوال والأعصار بالأدلَّة القاهرة، وثبت أيضاً أنَّ من شرط الإمام أنْ يكون مقطوعاً على عصمته، وعلمنا أيضاً أنَّ الحقَّ لا يخرج عن الأُمَّة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(907) في المصدر: (فنتكلَّف).
(908) من المصدر.

(٢٨٧)

فإذا ثبت ذلك وجدنا الأُمَّة بين أقوال: بين قائل يقول: لا إمام، فما ثبت من وجوب الإمامة في كلِّ حالٍ يُفسِد قوله. وقائل يقول بإمامة من ليس بمقطوع على عصمته، فقوله يبطل بما دلَّلنا عليه من وجوب القطع على عصمة الإمام. ومن ادَّعى العصمة لبعض من يذهب إلى إمامته، فالشاهد يشهد بخلاف قوله، لأنَّ أفعالهم الظاهرة وأحوالهم تنافي العصمة، فلا وجه لتكلُّف القول فيما نعلم ضرورةً خلافه. ومن ادُّعيت له العصمة وذهب قوم إلى إمامته كالكيسانيَّة القائلين بإمامة محمّد بن الحنفيَّة، والناووسيَّة القائلين بإمامة جعفر بن محمّد وأنَّه لم يمت، والواقفة الذين قالوا: إنَّ موسى بن جعفر لم يمت، فقولهم باطل من وجوه سنذكرها.
فصار الطريقان محتاجين إلى فساد قول هذه الفِرَق ليتمَّ ما قصدناه، ويفتقران إلى إثبات الأُصول الثلاثة التي ذكرناها من وجوب الرئاسة، ووجوب القطع على العصمة، وأنَّ الحقَّ لا يخرج عن الأُمَّة.
ونحن ندلُّ على كلِّ واحدٍ من هذه الأقوال بموجز من القول، لأنَّ استيفاء ذلك موجود في كُتُبي في الإمامة على وجه لا مزيد عليه، والغرض بهذا الكتاب ما يختصُّ الغيبة دون غيرها، والله الموفِّق لذلك بمنِّه.
والذي يدلُّ على وجوب الرئاسة ما ثبت من كونها لطفاً في الواجبات العقليَّة فصارت واجبة، كالمعرفة التي لا يعرى مكلَّف من وجوبها عليه، ألَا ترى أنَّ من المعلوم أنَّ من ليس بمعصوم من الخلق متى خلوا من رئيس مهيب يردع المعاند ويُؤدِّب الجاني ويأخذ على يد المتقلِّب(909) ويمنع القويَّ من الضعيف وأمنوا ذلك، وقع الفساد وانتشر الحيل وكثر الفساد وقلَّ الصلاح، ومتى كان لهم رئيس هذه صفته كان الأمر بالعكس من ذلك من شمول الصلاح وكثرته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(909) في المصدر: (المتغلِّب).

(٢٨٨)

وقلَّة الفساد ونزارته؟ والعلم بذلك ضروري لا يخفى على العقلاء، فمن دفعه لا يحسن مكالمته. وأجبنا عن كلِّ ما يُسئَل على ذلك مستوفًى في تلخيص الشافي وشرح الجُمَل، لا نُطوِّل بذكره هاهنا.
ووجدت لبعض المتأخِّرين كلاماً اعترض به كلام المرتضى (رحمه الله) في الغيبة، وظنَّ أنَّه ظفر بطائل، فموَّه به على من ليس له قريحة ولا بصر بوجوه النظر، وأنا أتكلَّم عليه، فقال: الكلام في الغيبة والاعتراض عليها من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنْ نُلزِم الإماميَّة ثبوت وجه قبح فيها، أو في التكليف معها، فيلزمهم أنْ يُثبِتوا أنَّ الغيبة ليس فيها وجه قبح، لأنَّ مع ثبوت وجه القبح تقبح الغيبة وإنْ ثبت فيها وجه حسن، كما نقول في قبح تكليف ما لا يُطاق: إنَّ فيه وجه قبح وإنْ كان فيه وجه حسن بأنْ يكون لطفاً لغيره.
والثاني: أنَّ الغيبة تنقض طريق وجوب الإمامة في كلِّ زمانٍ، لأنَّ كون الناس مع رئيس مهيب متصرِّف أبعد من القبيح لو اقتضى كونه لطفاً واجباً في كلِّ حالٍ وقبح التكليف مع فقده لانتقض بزمان الغيبة، لأنَّا في زمان الغيبة نكون مع رئيس هذه سبيله أبعد من القبيح وهو دليل وجوب هذه الرئاسة، ولم يجب وجود رئيس هذه صفته في زمان الغيبة ولا قبح التكليف مع فقده، فقد وجد الدليل ولا مدلول، وهذا نقض الدليل.
والثالث: أنْ يقال: إنَّ الفائدة بالإمامة هي كونه مبعِّداً من القبيح على قولكم، وذلك لا يحصل مع وجوده غائباً، فلم ينفصل وجوده من عدمه، وإذا لم يختصّ وجوده غائباً بوجه الوجوب الذي ذكروه لم يقتضِ دليلهم وجوب وجوده مع الغيبة، فدليلكم مع أنَّه منتقَض حيث وُجِدَ مع انبساط اليد ولم يجب انبساط اليد مع الغيبة، فهو غير متعلِّق بوجود إمام غير منبسط اليد، ولا هو حاصل في هذه الحال.

(٢٨٩)

الكلام عليه أنْ نقول:
أمَّا الفصل الأوَّل من قوله: (إنَّا نُلزِم الإماميَّة أنْ يكون في الغيبة وجه قبح) وعيد منه محض لا يقترن به حجَّة، فكان ينبغي أنْ يُبيِّن وجه القبح الذي أراد إلزامه إيَّاهم لننظر فيه ولم يفعل، فلا يتوجَّه وعيده. وإنْ قال ذلك سائلاً على وجه: ما أنكرتم أنْ يكون فيها وجه قبح؟ فإنَّا نقول: وجوه القبح معقولة من كون الشيء ظلماً وعبثاً وكذباً ومفسدةً وجهلاً، وليس شيء من ذلك موجوداً هاهنا، فعلمنا بذلك انتفاء وجود(910) القبح.
فإنْ قيل: وجه القبح أنَّه لم يزح علَّة المكلَّف على قولكم، لأنَّ انبساط يده الذي هو لطف في الحقيقة والخوف من تأديبه لم يحصل، فصار ذلك إخلالاً بلطف المكلَّف، فقبح لأجله.
قلنا: قد بيَّنَّا في باب وجوب الإمامة بحيث أشرنا إليه أنَّ انبساط يده والخوف من تأديبه إنَّما فات المكلَّفين لما يرجع إليهم، لأنَّهم أحوجوه إلى الاستتار بأنْ أخافوه ولم يُمكِّنوه فأتوا من قِبَل نفوسهم، وجرى ذلك مجرى أنْ يقول قائل: من لم يحصل له معرفة الله تعالى في تكليفه وجه قبح، لأنَّه لم يحصل ما هو لطف له من المعرفة، فينبغي أنْ يقبح تكليفه، فما يقولونه هاهنا من أنَّ الكافر أُتِيَ من قِبَل نفسه لأنَّ الله قد نصب له الدلالة على معرفته ومكَّنه من الوصول إليها فإذا لم ينظر ولم يعرف أُتِيَ في ذلك من قِبَل نفسه ولم يقبح ذلك تكليفه، فكذلك نقول: انبساط يد الإمام وإنْ فات المكلَّف فإنَّما أُتِيَ من قِبَل نفسه، ولو مكَّنه لظهر وانبسطت يده فحصل لطفه فلم يقبح تكليفه، لأنَّ الحجَّة عليه لا له.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(910) في ثلاث نسخ من المصدر: (وجوه) بدل (وجود).

(٢٩٠)

وقد استوفينا(911) نظائر ذلك في الموضع الذي أشرنا إليه، وسنذكر فيما بعد إذا عرض ما يحتاج إلى ذكره.
وأمَّا الكلام في الفصل الثاني فهو مبني على ألفاظه، ولا نقول: إنَّه لم يفهم ما أورده، لأنَّ الرجل كان فوق ذلك، لكن أراد التلبيس والتمويه، وهو(912) قوله: (إنَّ دليل وجوب الرئاسة ينتقض بحال الغيبة، لأنَّ كون الناس مع رئيس مهيب متصرِّف أبعد من القبيح لو اقتضى كونه لطفاً واجباً على كلِّ حالٍ، وقبح التكليف مع فقده ينتقض في زمان الغيبة ولم يقبح التكليف مع فقده، فقد وُجِدَ الدليل ولا مدلول، وهذا نقض). وإنَّما قلنا: إنَّه تمويه، لأنْ(913) ظنَّ أنَّا نقول: إنَّ في حال الغيبة دليل وجوب الإمامة قائم ولا إمام فكان نقضاً، ولا نقول ذلك، بل دليلنا في حال وجود الإمام بعينه هو دليل حال غيبته في أنَّ في الحالين الإمام لطف، فذا(914) نقول: إنَّ زمان الغيبة خلا من وجود رئيس، بل عندنا أنَّ الرئيس حاصل وإنَّما ارتفع انبساط يده لما يرجع إلى المكلَّفين على ما بيَّنَّاه، لا لأنَّ انبساط يده خرج من كونه لطفاً، بل وجه اللطف به قائم، وإنَّما لم يحصل لما يرجع إلى غير الله، فجرى مجرى أنْ يقول قائل: كيف يكون معرفة الله تعالى لطفاً مع أنَّ الكافر لا يعرف الله؟ فلمَّا كان التكليف على الكافر قائماً والمعرفة مرتفعة دلَّ على أنَّ المعرفة ليست لطفاً على كلِّ حالٍ، لأنَّها لو كانت كذلك لكان نقضاً.
وجوابنا في الإمامة كجوابهم في المعرفة من أنَّ الكافر لطفه قائم بالمعرفة وإنَّما فوَّت [على](915) نفسه بالتفريط في النظر المؤدِّي إليها فلم يقبح تكليفه،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(911) بقيَّة كلام الطوسي (رحمه الله).
(912) في المصدر: (في) بدل (وهو).
(913) في المصدر: (لأنَّه) بدل (لأنْ).
(914) في المصدر: (فلا) بدل (فذا).
(915) كلمة: (على) ليست في المصدر.

(٢٩١)

فكذلك نقول: الرئاسة لطف للمكلَّف في حال الغيبة، وما يتعلَّق بالله من إيجاده حاصل، وإنَّما ارتفع تصرُّفه وانبساط يده لأمر يرجع إلى المكلَّفين، فاستوى الأمران. والكلام في هذا المعنى مستوفًى أيضاً بحيث ذكرناه.
وأمَّا الكلام في الفصل الثالث من قوله: (إنَّ الفائدة بالإمامة هي كونه مبعِّداً من القبيح على قولكم، وذلك لم يحصل مع غيبته، فلم ينفصل وجوده من عدمه، فإذا لم يختصّ وجوده غائباً بوجه الوجوب الذي ذكروه لم يقتضِ دليلهم(916) وجوب وجوده مع الغيبة، فدليلكم مع أنَّه منتقَض حيث وُجِدَ مع انبساط اليد ولم يجب انبساط اليد مع الغيبة، فهو غير متعلِّق بوجود إمام غير منبسط اليد، ولا هو حاصل في هذه الحال).
فإنَّا نقول: إنَّه لم يفعل في هذا الفصل أكثر من تعقيد القول على طريقة المنطقيِّين من قلب المقدّمات وردِّ بعضها على بعض، ولا شكَّ أنَّه قصد بذلك التمويه والمغالطة، وإلَّا فالأمر أوضح من أنْ يخفى(917)، متى قالت الإماميَّة: إنَّ انبساط يد الإمام لا يجب في حال الغيبة حتَّى يقول: دليلكم لا يدلُّ على وجوب إمام غير منبسط اليد لأنَّ هذه حال الغيبة؟ بل الذي صرَّحنا(918) دفعةً بعد أُخرى أنَّ انبساط يده واجب في الحالين: في حال ظهوره وحال غيبته، غير أنَّ حال ظهوره مُكِّن منه فانبسطت يده، وحال الغيبة لم يُمكَّن فانقبضت يده، لا أنَّ انبساط يده خرج من باب الوجوب، وبيَّنَّا أنَّ الحجَّة بذلك قائمة على المكلَّفين من حيث منعوه ولم يُمكِّنوه فأتوا من قِبَل نفوسهم، وشبَّهنا ذلك بالمعرفة دفعةً بعد أُخرى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(916) في المصدر: (دليلكم).
(917) في المصدر إضافة: (و).
(918) في المصدر إضافة: (به).

(٢٩٢)

وأيضاً فإنَّا نعلم أنَّ نصب الرئيس واجب بعد الشرع لما في نصبه من اللطف لتحمُّله القيام بما لا يقوم به غيره، ومع هذا فليس التمكين واقعاً لأهل الحلِّ والعقد من نصب من يصلح لها خاصَّة على مذهب أهل العدل الذين كلامنا معهم، ومع هذا لا يقول أحد: إنَّ وجوب نصب الرئيس سقط الآن من حيث لم يقع التمكين منه، فجوابنا في غيبة الإمام جوابهم في منع أهل الحلِّ والعقد من اختيار من يصلح لإمامة ولا فرق بينهما، فإنَّما الخلاف بيننا أنَّا قلنا: علمنا ذلك عقلاً، وقالوا: ذلك معلوم شرعاً، وذلك فرق من غير موضع الجمع.
فإنْ قيل: أهل الحلِّ والعقد إذا لم يتمكَّنوا(919) من اختيار من يصلح للإمامة فإنَّ الله يفعل ما يقوم مقام ذلك من الألطاف، فلا يجب إسقاط التكليف، وفي الشيوخ من قال: إنَّ الإمام يجب نصبه في الشرع لمصالح دنياويَّة، وذلك غير واجب أنْ يفعل لها اللطف.
قلنا: أمَّا من قال: نصب الإمام لمصالح دنياويَّة، قوله يفسد، لأنَّه لو كان كذلك لما وجب إمامته، ولا خلاف بينهم في أنَّه يجب إقامة الإمامة مع الاختيار. على أنَّ ما يقوم به الإمام من الجهاد وتولية الأُمراء والقضاء وقسمة الفيء واستيفاء الحدود والقصاصات أُمور دينيَّة لا يجوز تركها، ولو كان لمصلحة دنياويَّة لما وجب ذلك، فقوله ساقط بذلك. وأمَّا من قال: يفعل الله ما يقوم مقامه، باطل، لأنَّه لو كان كذلك لما وجب عليه إقامة الإمام مطلقاً على كلِّ حالٍ، ولكان يكون ذلك من باب التخيير، كما نقول في فروض الكفايات، وفي علمنا بتعيين ذلك ووجوبه على كلِّ حالٍ دليل على فساد ما قالوه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(919) في المصدر: (يُمكّنوا).

(٢٩٠)

على أنَّه يلزم على الوجهين جميعاً المعرفة بأنْ يقال: الكافر إذا لم يحصل له المعرفة يفعل الله له ما يقوم مقامها فلا يجب عليه المعرفة على كلِّ حالٍ، أو يقال: إنَّما يحصل من الانزجار عن فعل الظلم عند المعرفة أمر دنياوي لا يجب لها المعرفة فيجب من ذلك إسقاط وجوب المعرفة، ومتى قيل: إنَّه لا بدل للمعرفة، قلنا: وكذلك لا بدل للإمام، على ما مضى وذكرناه في تلخيص الشافي، وكذلك إنْ بيَّنوا أنَّ الانزجار من القبيح عند المعرفة أمر ديني، قلنا مثل ذلك في وجود الإمام سواء.
فإنْ قيل: لا يخلو وجود رئيس مطاع منبسط اليد من أنْ يجب على الله جميع ذلك، أو يجب علينا جميعه، أو يجب على الله إيجاده وعلينا بسط يده، فإنْ قلتم: يجب جميع ذلك على الله، فإنَّه ينتقض بحال الغيبة، لأنَّه لم يوجد إمام منبسط اليد، وإنْ وجب علينا جميعه، فذلك تكليف ما لا يطاق، لأنَّا لا نقدر على إيجاده، وإنْ وجب عليه إيجاده وعلينا بسط يده وتمكينه فما دليلكم عليه؟ مع أنَّ فيه أنَّه يجب علينا أنْ نفعل ما هو لطف للغير، وكيف يجب على زيد بسط يد الإمام ليحصل(920) لطف عمرو؟ وهل ذلك إلَّا نقض الأُصول؟
قلنا: الذي نقوله: إنَّ وجود الإمام المنبسط اليد إذا ثبت أنَّه لطف لنا على ما دلَّلنا عليه، ولم يكن إيجاده في مقدورنا، لم يحسن أنْ نُكلَّف إيجاده، لأنَّه تكليف ما لا يطاق، وبسط يده وتقوية سلطانه قد يكون في مقدورنا وفي مقدور الله، فإذا لم يفعل الله علمنا أنَّه غير واجب عليه وأنَّه واجب علينا، لأنَّه لا بدَّ من أنْ يكون منبسط اليد ليتمَّ الغرض بالتكليف، وبيَّنَّا بذلك أنَّ بسط يده لو كان من فعله تعالى لقهر الخلق عليه بالحيلولة بينه وبين أعدائه وتقوية أمره بالملائكة وبما أدَّى إلى سقوط الغرض بالتكليف وحصول الإلجاء، فإذاً يجب علينا بسط يده على كلِّ حالٍ، وإذا لم نفعله أتينا من قِبَل نفوسنا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(920) في المصدر: (لتحصيل).

(٢٩٤)

فأمَّا قولهم: في ذلك إيجاد اللطف علينا للغير، غير صحيح، لأنَّا نقول: إنَّ كلَّ من يجب عليه نصرة الإمام وتقوية سلطانه له في ذلك مصلحة تخصُّه وإنْ كانت فيه مصلحة ترجع إلى غيره كما تقوله(921) في أنَّ الأنبياء يجب عليهم تحمُّل أعباء النبوَّة والأداء إلى الخلق ما هو مصلحة لهم، لأنَّ لهم في القيام بذلك مصلحة تخصُّهم وإنْ كانت فيها مصلحة لغيرهم. ويلزم المخالف في أهل الحلِّ والعقد بأنْ يقال: كيف يجب عليهم اختيار الإمام لمصلحة ترجع إلى جميع الأُمَّة؟ وهل ذلك إلَّا إيجاب الفعل عليهم لما يرجع إلى مصلحة غيرهم؟ فأيُّ شيء أجابوا به فهو جوابنا بعينه سواء.
فإنْ قيل: لِـمَ زعمتم أنَّه يجب إيجاده في حال الغيبة؟ وهلَّا جاز أنْ يكون معدوماً؟
قلنا: إنَّما أوجبناه من حيث إنَّ تصرُّفه الذي هو لطفنا إذا لم يتمّ إلَّا بعد وجوده، وإيجاده لم يكن في مقدورنا، قلنا عند ذلك: إنَّه يجب على الله ذلك وإلَّا أدَّى إلى أنْ لا نكون مزاحي العلَّة بفعل اللطف، فنكون أتينا من قِبَله تعالى لا من قِبَلنا، وإذا أوجده ولم نُمكِّنه من انبساط يده أتينا من قِبَل نفوسنا، فحسن التكليف، وفي الأوَّل لم يحسن.
فإنْ قيل: ما الذي تريدون بتمكيننا إيَّاه؟ أتريدون أنْ نقصده ونشافهه وذلك لا يتمُّ إلَّا مع وجوده، وقيل لكم: لا يصحُّ جميع ذلك إلَّا مع ظهوره وعلمنا أو علم بعضنا بمكانه، وإنْ قلتم: نريد بتمكيننا أنْ نبخع(922) بطاعته(923) والشدّ على يده ونكفَّ عن نصرة الظالمين ونقوم على نصرته متى دعانا إلى إمامته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(921) في المصدر: (نقوله) بدل (تقوله).
(922) في أربع نُسَخ من المصدر: (ننجع) بدل (نبخع).
(923) في المصدر: (لطاعته).

(٢٩٥)

ودلَّنا عليها بمعجزته، قلنا لكم: فنحن يمكننا ذلك في زمان الغيبة وإنْ لم يكن الإمام موجوداً فيه. فكيف قلتم: لا يتمُّ ما كُلِّفناه من ذلك إلَّا مع وجود الإمام؟
قلنا: الذي نقوله في هذا الباب ما ذكره المرتضى (رحمه الله) في الذخيرة وذكرناه في تلخيص الشافي، أنَّ الذي هو لطفنا من تصرُّف الإمام وانبساط يده لا يتمُّ إلَّا بأُمور ثلاثة: أحدها يتعلَّق بالله وهو إيجاده، والثاني يتعلَّق به من تحمُّل أعباء الإمامة والقيام بها، والثالث يتعلَّق بنا من العزم على نصرته ومعاضدته والانقياد له، فوجوب تحمُّله عليه فرع على وجوده، لأنَّه لا يجوز أنْ يتناول التكليف المعدوم، فصار إيجاد الله إيَّاه أصلاً لوجوب قيامه، وصار وجوب نصرته علينا فرعاً لهذين الأصلين، لأنَّه إنَّما يجب علينا طاعته إذا وُجِدَ وتحمَّل أعباء الإمامة وقام بها، فحينئذٍ يجب علينا طاعته، فمع هذا التحقيق كيف يقال: لِـمَ لا يكن معدوماً؟
فإنْ قيل: فما الفرق بين أنْ يكون موجوداً مستتراً أو معدوماً حتَّى إذا علم(924) منَّا العزم على تمكينه أوجده؟
قلنا: لا يحسن من الله تعالى أنْ يوجب علينا تمكين من ليس بموجود، لأنَّه تكليف ما لا يطاق، فإذاً لا بدَّ من وجوده.
فإنْ قيل: يوجده الله إذا علم أنَّا ننطوي على تمكينه بزمان واحد، كما أنَّه يظهر عند مثل ذلك.
قلنا: وجوب تمكينه والانطواء على طاعته لازم في جميع أحوالنا، فيجب أنْ يكون التمكين من طاعته والمصير إلى أمره ممكناً في جميع الأحوال وإلَّا لم يحسن التكليف، وإنَّما كان يتمُّ ذلك لو لم نكن مكلَّفين في كلِّ حالٍ لوجوب طاعته والانقياد لأمره، بل كان يجب علينا ذلك عند ظهوره والأمر بخلافه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(924) في المصدر إضافة لفظة الجلالة: (الله).

(٢٩٦)

ثُمَّ يقال لمن خالفنا في ذلك وألزمنا عدمه على استتاره: لِـمَ لا يجوز أنْ يُكلِّف الله تعالى المعرفةَ ولا ينصب عليها دلالة إذا علم أنَّا لا ننظر فيها حتَّى إذا علم من حالنا أنَّا نقصد إلى النظر ونعزم على ذلك أوجد الأدلَّة ونصبها فحينئذٍ ننظر ونقول: ما الفرق بين دلالة منصوبة لا يُنظَر فيها وبين عدمها حتَّى إذا عزمنا على النظر فيها أوجدها الله؟
ومتى قالوا: نصب الأدلَّة من جملة التمكين الذي لا يحسن التكليف من دونه كالقدرة والآلة.
قلنا: وكذلك وجود الإمام (علیه السلام) من جملة التمكين من وجوب طاعته، ومتى لم يكن موجوداً لم يمكنَّا(925) طاعته، كما أنَّ الأدلَّة إذا لم تكن موجودة لم يمكنَّا النظر فيها، فاستوى الأمران.
وبهذا التحقيق يسقط جميع ما يورد في هذا الباب من عبارات لا ترتضيها(926) في الجواب وأسئلة المخالف عليها، وهذا المعنى مستوفًى في كُتُبي وخاصَّة في تلخيص الشافي، فلا نُطوِّل بذكره.
والمثال الذي ذكره من أنَّه لو أوجب الله علينا أنْ نتوضَّأ من ماء بئر معيَّنة لم يكن لها حبل يُستقى(927) به، وقال لنا: إنْ دنوتم من البئر خلقت لكم حبلاً تستقون به من الماء فإنَّه يكون مزيحاً لعلَّتنا، ومتى لم ندنُ من البئر كنَّا قد أتينا من قِبَل نفوسنا لا من قِبَله تعالى. وكذلك لو قال السيِّد لعبده وهو بعيد منه: اشتر لي لحماً من السوق، فقال: لا أتمكَّن من ذلك لأنَّه ليس معي ثمنه، فقال: إنْ دنوت أعطيتك ثمنه، فإنَّه يكون مزيحاً لعلَّته، ومتى لم يدنُ لأخذ الثمن يكون قد أُتِيَ من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(925) في المصدر: (تمكَّنا).
(926) في المصدر: (نرتضيها).
(927) في المصدر: (نستقي).

(٢٩٧)

قِبَل نفسه لا من قِبَل سيِّده. وهذه حال ظهور الإمام مع تمكيننا، فيجب أنْ يكون عدم تمكيننا هو السبب في أنْ لم يظهر في هذه الأحوال لا عدمه، إذ كنَّا لو مكَّناه لوُجِدَ وظهر.
قلنا: هذا كلام من يظنُّ أنَّه يجب علينا تمكينه إذا ظهر ولا يجب علينا ذلك في كلِّ حالٍ، ورضينا بالمثال الذي ذكره، لأنَّه تعالى لو أوجب علينا الاستقاء في الحال لوجب أنْ يكون الحبل حاصلاً في الحال، لأنَّ به تنزاح العلَّة، لكن إذا قال: متى دنوتم من البئر خلقت لكم الحبل إنَّما هو مكلِّف للدنوِّ لا للاستقاء، فيكفي القدرة على الدنوِّ في هذه الحال، لأنَّه ليس بمكلَّف للاستقاء منها، فإذا دنا من البئر صار حينئذٍ مكلَّفاً للاستقاء، فيجب عند ذلك أنْ يخلق له الحبل، فنظير ذلك أنْ لا يجب علينا في كلِّ حالٍ طاعة الإمام وتمكينه، فلا يجب عند ذلك وجوده، فلمَّا كانت طاعته واجبة في الحال ولم نقف على شرطه ولا وقت منتظر وجب أنْ يكون موجوداً لتنزاح العلَّة في التكليف ويحسن.
والجواب عن مثال السيِّد مع غلامه مثل ذلك، لأنَّه إنَّما كلَّفه الدنوَّ منه لا الشراء، فإذا دنا منه وكلَّفه الشراء وجب عليه إعطاء الثمن، ولهذا قلنا: إنَّ الله تعالى كلَّف من يأتي إلى يوم القيامة، ولا يجب أنْ يكونوا موجودين مزاحي العلَّة، لأنَّه لم يُكلِّفهم الآن، فإذا أوجدهم وأزاح علَّتهم في التكليف بالقدرة والآلة ونصب الأدلَّة حينئذٍ تناولهم التكليف، فسقط بذلك هذه المغالطة.
على أنَّ الإمام إذا كان مكلَّفاً للقيام بالأمر وتحمُّل أعباء الإمامة، كيف يجوز أنْ يكون معدوماً؟ وهل يصحُّ تكليف المعدوم عند عاقل؟ وليس لتكليفه ذلك تعلُّق بتمكيننا أصلاً، بل وجوب التمكين علينا فرع على تحمُّله، على ما مضى القول فيه، وهذا واضح.
ثُمَّ يقال لهم: أليس النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اختفى في الشعب ثلاث سنين لم يصل إليه

(٢٩٨)

أحد، واختفى في الغار ثلاثة أيَّام؟ ولم يجز قياساً على ذلك أنْ يُعدِمه الله تلك المدَّة مع بقاء التكليف على الخلق الذين بعثه لطفاً لهم.
ومتى قالوا: إنَّما اختفى بعدما دعا إلى نفسه وأظهر نبوَّته، فلمَّا أخافوه استتر.
قلنا: وكذلك الإمام لم يستتر إلَّا وقد أظهر آباؤه موضعه وصفته ودلُّوا عليه، ثُمَّ لـمَّا خاف عليه أبو[ه](928) الحسن بن عليٍّ (علیهما السلام) أخفاه وستره، فالأمر إذاً سواء.
ثُمَّ يقال لهم: خبِّرونا لو علم الله من حال شخص أنَّ من مصلحته أنْ يبعث الله إليه نبيًّا معيَّناً يُؤدِّي إليه مصالحه، وعلم أنَّه لو بعثه لقتله هذا الشخص، ولو مُنِعَ من قتله قهراً كان فيه مفسدة له أو لغيره، هل يحسن أنْ يُكلِّف هذا الشخص ولا يبعث إليه ذلك النبيَّ أو لا يُكلِّف؟ فإنْ قالوا: لا يُكلِّف، قلنا: وما المانع منه؟ وله طريق إلى معرفة مصالحه بأنْ يُمكِّن النبيَّ من الأداء إليه، وإنْ قلتم: يُكلِّفه ولا يبعث إليه، قلنا: وكيف يجوز أنْ يُكلِّفه ولم يفعل به ما هو لطف له مقدور؟
فإنْ قالوا: أُتِيَ في ذلك من قِبَل نفسه، قلنا: هو لم يفعل شيئاً وإنَّما علم أنَّه لا يُمكِّنه، وبالعلم لا يحسن تكليفه مع ارتفاع اللطف، ولو جاز ذلك لجاز أنْ يُكلِّف ما لا دليل عليه إذا علم أنَّه لا ينظر فيه، وذلك باطل، ولا بدَّ أنْ يقال: إنَّه يبعث إلى(929) ذلك الشخص ويوجب عليه الانقياد له، ليكون مزيحاً لعلَّته، فإمَّا أنْ يمنع منه بما لا ينافي التكليف، أو يجعله بحيث لا يتمكَّن من قتله، فيكون قد أُتِيَ من قِبَل نفسه في عدم الوصول إليه، وهذه حالنا مع الإمام في حال الغيبة سواء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(928) من المصدر.
(929) في ثلاث نُسَخ من المصدر: (إليه) بدل (إلى).

(٢٩٩)

فإنْ قال: لا بدَّ أنْ يُعلِمه أنَّ له مصلحة في بعثة هذا الشخص إليه على لسان غيره، ليعلم أنَّه قد أُتِيَ من قِبَل نفسه، قلنا: وكذلك أعلمنا الله على لسان نبيِّه والأئمَّة من آبائه (عليهم السلام) موضعه، وأوجب علينا طاعته، فإذا لم يظهر لنا علمنا أنَّا أتينا من قِبَل نفوسنا، فاستوى الأمران.
وأمَّا الذي يدلُّ على الأصل الثاني وهو أنَّ من شأن الإمام أنْ يكون مقطوعاً على عصمته، فهو أنَّ العلَّة التي لأجلها احتجنا إلى الإمام ارتفاع العصمة، بدلالة أنَّ الخلق متى كانوا معصومين لم يحتاجوا إلى إمام، وإذا خلوا من كونهم معصومين احتاجوا إليه، علمنا عند ذلك أنَّ علَّة الحاجة هي ارتفاع العصمة، كما نقوله في علَّة حاجة الفعل إلى فاعل: إنَّها الحدوث، بدلالة أنَّ ما يصحُّ حدوثه يحتاج إلى فاعل في حدوثه، وما لا يصحُّ حدوثه يستغني عن الفاعل، وحكمنا بذلك أنَّ كلَّ محدَث يحتاج إلى محدِث، فمثل ذلك يجب الحكم بحاجة كلِّ من ليس بمعصوم إلى إمام وإلَّا انتقضت العلَّة، فلو كان الإمام غير معصوم لكانت علَّة الحاجة فيه قائمة واحتاج إلى إمام آخر، والكلام في إمامته كالكلام فيه، فيُؤدِّي إلى إيجاب أئمَّة لا نهاية لهم، أو الانتهاء إلى معصوم، وهو المراد.
وهذه الطريقة قد أحكمناها في كُتُبنا، فلا نُطوِّل بالأسئلة عليها، لأنَّ الغرض بهذا الكتاب غير ذلك، وفي هذا القدر كفاية.
وأمَّا الأصل الثالث وهو أنَّ الحقَّ لا يخرج عن الأُمَّة، فهو متَّفق عليه بيننا وبين خصومنا وإنْ اختلفنا في علَّة ذلك، لأنَّ عندنا أنَّ الزمان لا يخلو من إمام معصوم لا يجوز عليه الغلط على ما قلناه، فإذاً الحقُّ لا يخرج عن الأُمَّة لكون المعصوم فيهم، وعند المخالف لقيام أدلَّة يذكرونها دلَّت على أنَّ الإجماع حجَّة، فلا وجه للتشاغل بذلك.

(٣٠٠)

فإذا ثبتت هذه الأُصول ثبت إمامة صاحب الزمان (علیه السلام)، لأنَّ كلَّ من يقطع على ثبوت العصمة للإمام قطع على أنَّه الإمام، وليس فيهم من يقطع على عصمة الإمام ويخالف في إمامته إلَّا قوم دلَّ الدليل على بطلان قولهم كالكيسانيَّة والناووسيَّة والواقفة، فإذا أفسدنا أقوال هؤلاء ثبت إمامته (علیه السلام).
أقول(930): وأمَّا الذي يدلُّ على فساد قول الكيسانيَّة القائلين بإمامة محمّد بن الحنفيَّة فأشياء:
منها: أنَّه لو كان إماماً مقطوعاً على عصمته لوجب أنْ يكون منصوصاً عليه نصًّا صريحاً(931)، لأنَّ العصمة لا تُعلَم إلَّا بالنصِّ، وهم لا يدَّعون نصًّا صريحاً، وإنَّما يتعلَّقون بأُمور ضعيفة دخلت عليهم فيها شبهة لا يدلُّ على النصِّ، نحو إعطاء أمير المؤمنين إيَّاه الراية يوم البصرة، وقوله له: «أنت ابني حقًّا»، مع كون الحسن والحسين (علیهما السلام) ابنيه، وليس في ذلك دلالة على إمامته على وجه، وإنَّما يدلُّ على فضله ومنزلته. على أنَّ الشيعة تروي أنَّه جرى بينه وبين عليِّ بن الحسين (علیه السلام) كلام في استحقاق الإمامة، فتحاكما إلى الحجر، فشهد الحجر لعليِّ ابن الحسين (علیه السلام) بالإمامة، فكان ذلك معجزاً له، فسلَّم له الأمر وقال بإمامته، والخبر بذلك مشهور عند الإماميَّة.
ومنها: تواتر الشيعة الإماميَّة بالنصِّ عليه من أبيه وجدِّه، وهي موجودة في كُتُبهم في أخبار لا نُطوِّل بذكره الكتاب.
ومنها: الأخبار الواردة عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من جهة الخاصَّة والعامَّة بالنصِّ على(932) الاثني عشر، وكلُّ من قال بإمامتهم قطع على وفاة محمّد بن الحنفيَّة، وسياقة الإمامة إلى صاحب الزمان (علیه السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(930) بقيَّة كلام الطوسي (رحمه الله).
(931) في المصدر إضافة: (عليه).
(932) في المصدر إضافة: (إمامة).

(٣٠١)

ومنها: انقراض هذه الفرقة، فإنَّه لم يبقَ في الدنيا في وقتنا ولا قبله بزمان طويل قائل يقول به، ولو كان ذلك حقًّا لما جاز انقراضهم(933).
فإنْ قيل: كيف يُعلَم انقراضهم؟ وهلَّا جاز أنْ يكون في بعض البلاد البعيدة وجزائر البحر وأطراف الأرض أقوام يقولون بهذا القول، كما يجوز أنْ يكون في أطراف الأرض من يقول بمذهب الحسن في أنَّ مرتكب الكبيرة منافق؟ فلا يمكن ادِّعاء انقراض هذه الفرقة، وإنَّما كان يمكن العلم لو كان المسلمون فيهم قلَّة والعلماء محصورين، فأمَّا وقد انتشر الإسلام وكثر العلماء فمن أين يُعلَم ذلك؟
قلنا: هذا يُؤدِّي إلى أنْ لا يمكن العلم(934) بإجماع الأُمَّة على قول ولا مذهب بأنْ يقال: لعلَّ في أطراف الأرض من يخالف ذلك، ويلزم أنْ يجوز أنْ يكون في أطراف الأرض من يقول: إنَّ البرد لا ينقض الصوم، وإنَّه يجوز للصائم أنْ يأكل إلى طلوع الشمس، لأنَّ الأوَّل كان مذهب أبِي طلحة الأنصاري، والثاني مذهب حذيفة والأعمش، وكذلك مسائل كثيرة من الفقه كان الخلف فيها واقعاً بين الصحابة والتابعين ثُمَّ زال الخلف فيما بعد واجتمع أهل الأعصار على خلافه، فينبغي أنْ يُشَكَّ في ذلك ولا يثق(935) بالإجماع على مسألة سبق الخلاف فيها، وهذا طعن من يقول: إنَّ الإجماع لا يمكن معرفته ولا التوصُّل إليه، والكلام في ذلك لا يختصُّ بهذه المسألة، فلا وجه لإيراده هاهنا.
ثُمَّ إنَّا نعلم أنَّ الأنصار طلبت الإمرة ودفعهم المهاجرون عنها، ثُمَّ رجعت الأنصار إلى قول المهاجرين على قول المخالف، فلو أنَّ قائلاً قال: يجوز عقد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(933) في المصدر: (انقراضه).
(934) في المصدر إضافة: (بذلك).
(935) في المصدر: (نثق).

(٣٠٢)

الإمامة لمن كان من الأنصار، لأنَّ الخلاف سبق فيه، ولعلَّ في أطراف الأرض من يقول به، فما كان يكون جوابهم فيه؟ فأيُّ شيء قالوه فهو جوابنا بعينه.
فإنْ قيل: إنْ كان الإجماع عندكم إنَّما يكون حجَّة لكون المعصوم فيه، فمن أين تعلمون دخول قوله في جملة أقوال الأُمَّة(936)؟
قلنا: المعصوم إذا كان من جملة علماء الأُمَّة فلا بدَّ أنْ يكون قوله موجوداً في جملة أقوال العلماء، لأنَّه لا يجوز أنْ يكون منفرداً مُظهِراً للكفر فإنَّ ذلك لا يجوز عليه، فإذاً لا بدَّ أنْ يكون قوله في جملة الأقوال وإنْ شككنا في أنَّه الإمام.
فإذا اعتبرنا أقوال الأُمَّة ووجدنا بعض العلماء يخالف فيه، فإنْ كنَّا نعرفه ونعرف مولده ومنشأه لم نعتد بقوله لعلمنا أنَّه ليس بإمام، وإنْ شككنا في نسبه لم تكن المسألة إجماعاً.
فعلى هذا أقوال العلماء من الأُمَّة اعتبرناها فلم نجد فيهم قائلاً بهذا المذهب الذي هو مذهب الكيسانيَّة أو الواقفة، وإنْ وجدنا فرضاً واحداً أو اثنين فإنَّا نعلم منشأه ومولده فلا يُعتَد بقوله واعتبرنا أقوال الباقين الذين نقطع على كون المعصوم فيهم، فسقطت هذه الشبهة على هذا التحرير وبان وهنها.
فأمَّا القائلون بإمامة جعفر بن محمّد من الناووسيَّة، وأنَّه حيٌّ لم يمت، وأنَّه المهدي، فالكلام عليهم ظاهر، لأنَّا نعلم موت جعفر بن محمّد كما نعلم موت أبيه وجدِّه وقتل عليٍّ (علیه السلام) وموت النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلو جاز الخلاف فيه لجاز الخلاف في جميع ذلك، ويُؤدِّي إلى قول الغلاة والمفوِّضة الذين جحدوا قتل عليٍّ والحسين (علیهما السلام)، وذلك سفسطة(937).
وأمَّا الذي يدلُّ على فساد مذهب الواقفة الذين وقفوا في إمامة أبِي الحسن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(936) في المصدر إضافة: (وهلَّا جاز أنْ يكون قوله منفرداً عنهم فلا تثقون بالإجماع؟).
(937) الغيبة للطوسي (ص 3 - 20/ فصل الكلام في الغيبة).

(٣٠٣)

موسى (علیه السلام) وقالوا: إنَّه المهدي. فقولهم باطل بما ظهر من موته واشتهر واستفاض كما اشتهر موت أبيه وجدِّه ومن تقدَّمه من آبائه (عليهم السلام)، ولو شككنا لم ننفصل من الناووسيَّة والكيسانيَّة والغلاة والمفوِّضة الذين خالفوا في موت من تقدَّم من آبائه (عليهم السلام).
على أنَّ موته اشتهر ما لم يشتهر موت أحد من آبائه (عليهم السلام)، لأنَّه أُظهِرَ وأُحضِرَ القضاة والشهود، ونودي عليه ببغداد على الجسر، وقيل: هذا الذي تزعم الرافضة أنَّه حيٌّ لا يموت، مات حتف أنفه. وما جرى هذا المجرى لا يمكن الخلاف فيه...(938).
أقول: ثُمَّ ذكر في ذلك أخباراً كثيرة روينا عنه في باب وفاة الكاظم (علیه السلام)، ثُمَّ قال:
فموته (علیه السلام) أشهر من أنْ يحتاج إلى ذكر الرواية به، لأنَّ المخالف في ذلك يدفع الضرورات، والشكُّ في ذلك يُؤدِّي إلى الشكِّ في موت كلِّ واحدٍ من آبائه (عليهم السلام) وغيرهم، فلا يُوثَق بموت أحد. على أنَّ المشهور عنه (علیه السلام) أنَّه أوصى إلى ابنه عليٍّ (علیه السلام) وأسند إليه أمره بعد موته، والأخبار بذلك أكثر من أنْ تُحصى...(939).
أقول: ثُمَّ ذكر بعض الأخبار التي أوردتها في باب النصِّ عليه (صلوات الله عليه)، ثُمَّ قال:
فإنْ قيل: قد مضى في كلامكم أنَّا نعلم موت موسى بن جعفر كما نعلم موت أبيه وجدِّه، فعليكم لقائل أنْ يقول: إنَّا نعلم أنَّه لم يكن للحسن بن عليِّ ابنٌ، كما نعلم أنَّه لم يكن له عشرة بنين، وكما نعلم أنَّه لم يكن للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ابنٌ من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(938) الغيبة للطوسي (ص 23/ الكلام على الواقفة).
(939) الغيبة للطوسي (ص 32/ الكلام على الواقفة).

(٣٠٤)

صلبه عاش بعد موته، فإنْ قلتم: لو علمنا أحدهما كما نعلم الآخر لما جاز أنْ يقع فيه خلاف، كما لا يجوز أنْ يقع الخلاف في الآخر، قيل: لمخالفكم أنْ يقول: ولو علمنا موت محمّد بن الحنفيَّة وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر كما نعلم موت محمّد بن عليِّ بن الحسين لما وقع الخلاف في أحدهما، كما لم يجز أنْ يقع في الآخر.
قلنا: نفي ولادة الأولاد من الباب الذي لا يصحُّ أنْ يُعلَم صدوره في موضع من المواضع، ولا يمكن أحداً أنْ يدَّعي فيمن لم يظهر له ولد أنْ يعلم أنَّه لا ولد له، وإنَّما يُرجَع في ذلك إلى غالب الظنِّ والأمارة بأنَّه لو كان له ولد لظهر وعُرِفَ خبره، لأنَّ العقلاء قد يدعوهم الدواعي إلى كتمان أولادهم لأغراض مختلفة.
فمن الملوك من يُخفيه خوفاً عليه وإشفاقاً، وقد وُجِدَ في ذلك كثير في عادة الأكاسرة والملوك الأُوَل، وأخبارهم معروفة.
وفي الناس من يُولَد له ولد من بعض سراياه أو ممَّن تزوَّج به(940) سرًّا فيرمي به ويجحده خوفاً من وقوع الخصومة مع زوجته وأولاده الباقين، وذلك أيضاً يوجد كثيراً في العادة.
وفي الناس من يتزوَّج بامرأة دنيئة في المنزلة والشرف وهو من ذوي الأقدار والمنازل، فيُولَد له، فيأنف من إلحاقه به، فيجحده أصلاً، وفيهم من يتحرَّج فيُعطيه شيئاً من ماله.
وفي الناس من يكون من أدونهم نسباً فيتزوَّج بامرأة ذات شرف ومنزلة لهوى منها فيه بغير علم من أهلها، إمَّا بأنْ يُزوِّجه نفسها بغير وليٍّ على مذهب كثير من الفقهاء، أو تُولِّي أمرها الحاكم فيُزوِّجها على ظاهر الحال، فيُولَد له فيكون الولد صحيحاً وتنتفي منه أنفةً وخوفاً من أوليائها وأهلها، وغير ذلك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(940) في المصدر: (بها) بدل (به).

(٣٠٥)

من الأسباب التي لا نُطوِّل بذكرها، فلا يمكن ادِّعاء نفي الولادة جملةً، وإنَّما نعلم ما نعلمه إذا كانت الأحوال سليمة ويُعلَم أنَّه لا مانع من ذلك، فحينئذٍ يُعلَم انتفاؤه.
فأمَّا علمنا بأنَّه لم يكن للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ابن عاش بعده، فإنَّما علمناه لما علمنا عصمته ونبوَّته، ولو كان له ولد لأظهره لأنَّه لا مخافة عليه في إظهاره، وعلمنا أيضاً بإجماع الأُمَّة على أنَّه لم يكن له ابن عاش بعده، ومثل ذلك لا يمكن أنْ يُدَّعى العلم به في ابن الحسن (علیه السلام)، لأنَّ الحسن (علیه السلام) كان كالمحجور عليه، وفي حكم المحبوس، وكان الولد يُخاف عليه، لما عُلِمَ وانتشر من مذهبهم أنَّ الثاني عشر هو القائم بالأمر(941) لإزالة الدُّوَل، فهو مطلوب لا محالة.
وخاف أيضاً من أهله كجعفر أخيه الذي طمع في الميراث والأموال، فلذلك أخفاه ووقعت الشبهة في ولادته، ومثل ذلك لا يمكن ادِّعاء العلم به في موت من عُلِمَ موته، لأنَّ الميِّت مشاهَد معلوم يُعرَف بشاهد الحال موته، وبالأمارات الدالَّة عليه يضطرُّ من رآه إلى ذلك، فإذا أخبر من لم يشاهده علمه واضطرَّ إليه، وجرى الفرق بين الموضعين، مثل ما يقول الفقهاء من أنَّ البيِّنة إنَّما يمكن أنْ يقوم على إثبات الحقوق لا على نفيها، لأنَّ النفي لا تقوم عليه بيِّنة إلَّا إذا كان تحته إثبات، فبان الفرق بين الموضعين لذلك.
فإنْ قيل: العادة تسوَّى بين الموضعين، لأنَّ [في](942) الموت قد يشاهد الرجل يحتضر كما يشاهد القوابل الولادة، وليس كلُّ أحد يشاهد احتضار غيره كما أنَّه ليس كلُّ أحد يشاهد ولادة غيره، ولكن أظهر ما يمكن في علم الإنسان بموت غيره إذا لم يكن يشاهده أنْ يكون جاره ويعلم بمرضه ويتردَّد في عيادته، ثُمَّ يعلم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(941) في المصدر إضافة: (المؤمَّل).
(942) كلمة: (في) ليست في المصدر.

(٣٠٦)

بشدَّة مرضه(943)، ثُمَّ يسمع الواعية من داره ولا يكون في الدار مريض غيره، ويجلس أهله للعزاء وآثار الحزن والجزع عليهم ظاهرة، ثُمَّ يقسم ميراثه، ثُمَّ يتمادى الزمان ولا يُشاهَد ولا يعلم لأهله غرض في إظهار موته وهو حيٌّ، فهذه سبيل الولادة، لأنَّ النساء يشاهدن الحمل ويتحدَّثْنَّ بذلك، سيّما إذا كانت حرمة رجل نبيه يتحدَّث الناس بأحواله(944) مثله، وإذا استسرَّ بجارية(945) لم يخفَ تردُّده إليها، ثُمَّ إذا وُلِدَ المولود ظهر البشر والسرور في أهل الدار وهنَّأهم الناس إذا كان المهنَّأ جليل القدر، وانتشر ذلك وتُحدِّث على حسب جلالة قدره، فيعلم الناس أنَّه قد وُلِدَ له مولود سيّما إذا عُلِمَ أنَّه لا غرض في أنْ يظهر أنَّه وُلِدَ له ولد ولم يُولَد له.
فمتى(946) اعتبرنا العادة وجدناها في الموضعين على سواء، وإنْ نقض الله العادة فيمكن في أحدهما مثل ما يمكن في الآخر، فإنَّه قد يجوز أنْ يمنع الله ببعض الشواغل عن مشاهدة الحامل، وعن أنْ يحضر ولادتها إلَّا عدد يؤمن مثلهم على كتمان أمره، ثُمَّ ينقله الله من مكان الولادة إلى قُلَّة جبل أو برّيَّة لا أحد فيها ولا يطَّلع على ذلك إلَّا من لا يُظهِره(947) على المأمون مثله.
وكما يجوز ذلك فإنَّه يجوز أنْ يمرض الإنسان ويتردَّد إليه عُوَّاده، فإذا اشتدَّ(948) وتُوقِّع موته وكان يُؤيَس من حياته نقله الله إلى قُلَّة جبل وصيَّر مكانه شخصاً ميِّتاً يشبهه كثيراً من الشبهة(949)، ثُمَّ يمنع بالشواغل وغيرها من مشاهدته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(943) في المصدر إضافة: (ويشتدُّ الخوف من موته).
(944) في المصدر: (بأحوال) بدل (بأحواله).
(945) في المصدر إضافة: (في بعض المواضع).
(946) بقيَّة كلام الطوسي (رحمه الله).
(947) في المصدر إضافة: (إلَّا).
(948) في المصدر إضافة: (حاله).
(949) في المصدر: (الشَّبه) بدل (الشبهة).

(٣٠٧)

إلَّا بمن(950) يُوثَق به، ثُمَّ يُدفَن الشخص ويحضر جنازته من كان يتوقَّع موته ولا يرجو حياته، فيتوهَّم أنَّ المدفون هو ذاك العليل.
وقد يسكن نبض الإنسان وتنفُّسه وينقض الله العادة ويُغيِّبه عنهم وهو حيٌّ، لأنَّ الحيَّ منَّا إنَّما يحتاج إليهما لإخراج البخارات المحترقة ممَّا حول القلب بإدخال هواءٍ باردٍ صافٍ ليُروِّح عن القلب، وقد يمكن أنْ يفعل الله من البرودة في الهواء المطيفة(951) بالقلب ما يجري مجرى هواء بارد يُدخِلها بالتنفُّس، فيكون الهواء المحدق بالقلب أبداً بارداً ولا يحترق منه شيء، لأنَّ الحرارة التي تحصل فيه يُقوَّم(952) بالبرودة.
والجواب أنَّا نقول: أوَّلاً: أنَّه لا يلتجئ من يتكلَّم في الغيبة إلى مثل هذه الخرافات إلَّا من كان مفلساً من الحجَّة، عاجزاً عن إيراد شبهة قويَّة، ونحن نتكلَّم على ذلك على ما به، ونقول: إنَّ ما ذكر من الطريق الذي به يُعلَم موت الإنسان ليس بصحيح على كلِّ وجهٍ، لأنَّه قد يتَّفق جميع ذلك وينكشف عن باطل، بأنْ يكون لمن أظهر ذلك غرض حكمي ويظهر التمارض ويتقدَّم إلى أهله بإظهار جميع ذلك ليختبر به أحوال غيره ممَّن له عليه طاعة وأمر(953)، وقد سبق الملوك كثيراً والحكماء إلى مثل ذلك. وقد يدخل عليهم أيضاً شبهة بأنْ يحلقه علَّة سكتة فيظهرون جميع ذلك، ثُمَّ ينكشف عن باطل، وذلك أيضاً معلوم بالعادات. وإنَّما يُعلَم الموت بالمشاهدة، وارتفاع الحسِّ، وخمود النبض، ويستمرُّ ذلك أوقات كثيرة، وربَّما انضاف إلى ذلك أمارات معلومة بالعادة من جرَّب المرضى ومارسهم يعلم ذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(950) في المصدر: (لمن) بدل (بمن).
(951) في المصدر: (المحدق) بدل (المطيفة).
(952) في المصدر: (تُقوَّم).
(953) في المصدر: (أو إمرة) بدل (وأمر).

(٣٠٨)

وهذه حالة موسى بن جعفر (علیهما السلام)، فإنَّه أُظهِرَ للخلق الكثير الذي لا يخفى على مثلهم الحال، ولا يجوز عليهم دخول الشبهة في مثله.
وقوله بأنَّه(954) يُغيِّب الله الشخص ويُحضِر شخصاً على شبهه(955)، أصله لا يصحُّ، لأنَّ هذا يسدُّ باب الأدلَّة، ويُؤدِّي إلى الشكِّ في المشاهدات، وأنَّ جميع ما نراه اليوم ليس هو الذي رأيناه بالأمس، ويلزم الشكُّ في موت جميع الأموات، ويجيء منه مذهب الغلاة والمفوِّضة الذين نفوا القتل عن أمير المؤمنين (علیه السلام) وعن الحسين (علیه السلام)، وما أدَّى إلى ذلك يجب أنْ يكون باطلاً.
وما قاله: إنَّ الله يفعل داخل الجوف حول القلب من البرودة ما ينوب مناب الهواء، ضرب من هو من الطبِّ(956)، ومع ذلك يُؤدِّي إلى الشكِّ في موت جميع الأموات على ما قلناه. على أنَّ على قانون الطبِّ حركات النبض والشريانات من القلب، وإنَّما يبطل ببطلان الحرارة الغريزيَّة، فإذا فقد حركات النبض علم بطلان الحرارة وعلم عند ذلك موته، وليس ذلك بموقوف على التنفُّس، ولهذا يلتجؤن إلى النبض عند انقطاع النفس أو ضعفه، فيبطل ما قاله وحمله الولادة على ذلك.
وما ادِّعاه من ظهور الأمر فيه صحيح متى فرضنا الأمر على ما قاله من أنَّه يكون الحمل لرجل نبيه وقد عُلِمَ إظهاره ولا مانع من ستره وكتمانه، ومتى فرضنا كتمانه وستره لبعض الأغراض التي قدَّمنا بعضها لا يجب العلم به ولا اشتهاره. على أنَّ الولادة في الشرع قد استقرَّ أنْ يثبت بقول القابلة، ويُحكَم بقولها في كونه حيًّا أو ميِّتاً، فإذا جاز ذلك كيف لا يُقبَل قول جماعة نقلوا ولادة صاحب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(954) في المصدر إضافة: (يجوز أنْ).
(955) في المصدر إضافة: (على).
(956) في المصدر: (ضرب من هوس الطبِّ).

(٣٠٩)

الأمر (علیه السلام) وشاهدوا من شاهده من الثقات؟ ونحن نورد الأخبار في ذلك عمَّن رآه وحُكِيَ له، وقد أجاز صاحب السؤال أنْ يعرض في ذلك عارض يقتضي المصلحة أنَّه إذا وُلِدَ أنْ ينقله الله إلى قُلَّة جبل أو موضع يخفى فيه أمره ولا يطَّلع عليه أحد، وإنَّما ألزم على ذلك عارضاً في الموت، وقد بيَّنَّا الفصل بين الموضعين.
وأمَّا من خالف من الفِرَق الباقية الذين قالوا بإمامة غيره كالمحمّديَّة الذين قالوا بإمامة محمّد بن عليِّ بن محمّد بن عليٍّ الرضا (عليهم السلام)، والفطحيَّة القائلة بإمامة عبد الله بن جعفر بن محمّد الصادق (علیهما السلام) وفي هذا الوقت بإمامة جعفر بن عليٍّ، وكالفرقة القائلة: إنَّ صاحب الزمان حمل بعد(957) لم يُولَد بعد، وكالذين قالوا: إنَّه مات ثُمَّ يعيش، وكالذين قالوا بإمامة الحسن وقالوا: هو اليقين ولم يصحّ لنا ولادة ولده فنحن في فترة، فقولهم ظاهر البطلان من وجوه:
أحدها: انقراضهم، فإنَّه لم يبقَ قائل يقول بشيء من هذه المقالات، ولو كان حقًّا لما انقرض.
ومنها: أنَّ محمّد بن عليٍّ العسكري مات في حياة أبيه موتاً ظاهراً، والأخبار في ذلك ظاهرة معروفة من دفعه كمن دفع موت من تقدَّم من آبائه (عليهم السلام)...(958).
أقول: ثُمَّ ذكر بعض ما أوردنا من الأخبار في المجلَّد السابق، ثمّ قال:
وأمَّا من قال: إنَّه لا ولد لأبِي محمّد، ولكن هاهنا حمل مستور(959) سيُولَد، فقوله باطل، لأنَّ هذا يُؤدِّي إلى خلوِّ الزمان من إمام يُرجَع إليه، وقد بيَّنَّا فساد ذلك. على أنَّا سندلُّ على أنَّه قد وُلِدَ له ولد معروف، ونذكر الروايات في ذلك، فيبطل قول هؤلاء أيضاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(957) كلمة: (بعد) ليست في المصدر.
(958) الغيبة للطوسي (ص 76 - 82).
(959) في المصدر: (مشهور) بدل (مستور).

(٣١٠)

وأمَّا من قال: إنَّ الأمر مشتبه فلا يُدرى هل للحسن ولد أم لا؟ وهو مستمسك بالأوَّل حتَّى يُحقِّق ولادة ابنه، فقوله أيضاً يبطل بما قلناه من أنَّ الزمان لا يخلو من إمام، لأنَّ موت الحسن (علیه السلام) قد علمناه كما علمنا موت غيره، وسنُبيِّن ولادة ولده، فيبطل قولهم أيضاً.
وأمَّا من قال: إنَّه لا إمام بعد الحسن (علیه السلام)، فقوله باطل بما دلَّلنا عليه من أنَّ الزمان لا يخلو من حجَّة لله عقلاً وشرعاً.
وأمَّا من قال: إنَّ أبا محمّد مات ويُحيى بعد موته، فقوله باطل بمثل ما قلناه، لأنَّه يُؤدِّي إلى خلوِّ الخلق من إمام من وقت وفاته إلى حين يُحييه الله. واحتجاجهم بما روي من أنَّ صاحب هذا الأمر يُحيى بعدما يموت، وأنَّه سُمِّي قائماً لأنَّه يقوم بعدما يموت، باطل، لأنَّ ذلك يحتمل - لو صحَّ الخبر - أنْ يكون أراد بعد أنْ مات ذكره حتَّى لا يذكره إلَّا من يعتقد إمامته، فيُظهِره الله لجميع الخلق. على أنَّا قد بيَّنَّا أنَّ كلَّ إمام يقوم بعد الإمام الأوَّل يُسمَّى قائماً.
وأمَّا القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر من الفطحيَّة وجعفر بن عليٍّ، فقولهم باطل بما دلَّلنا عليه من وجوب عصمة الإمام، وهما لم يكونا معصومين، وأفعالهما الظاهرة التي تنافي العصمة معروفة نقلها العلماء، وهو موجود في الكُتُب، فلا نُطوِّل بذكرها الكتاب.
على أنَّ المشهور الذي لا مرية فيه بين الطائفة أنَّ الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين (علیهما السلام)، فالقول بإمامة جعفر بعد أخيه الحسن يبطل بذلك.
فإذا ثبت بطلان هذه الأقاويل كلِّها لم يبقَ إلَّا القول بإمامة ابن الحسن (علیه السلام)، وإلَّا لأدَّى إلى خروج الحقِّ عن الأُمَّة، وذلك باطل.
وإذا ثبتت إمامته بهذه السياقة ثُمَّ وجدناه غائباً عن الأبصار علمنا أنَّه لم

(٣١١)

يغب مع عصمته وتعيُّن فرض الإمامة فيه وعليه إلَّا لسبب سوَّغه ذلك وضرورة ألجأته إليه وإنْ لم يُعلَم على وجه التفصيل، وجرى ذلك مجرى الكلام في إيلام الأطفال والبهائم وخلق المؤذيات والصور و(960) المشينات ومتشابه القرآن إذا سُئِلنا عن وجهها بأنْ نقول: إذا علمنا أنَّ الله تعالى حكيم لا يجوز أنْ يفعل ما ليس بحكمة ولا صواب، علمنا أنَّ هذه الأشياء لها وجه حكمة وإنْ لم نعلمه معيَّناً، كذلك نقول في صاحب الزمان، فإنَّا نعلم أنَّه لم يستتر إلَّا لأمر حكمي سوَّغه(961) ذلك وإنْ لم نعلمه مفصَّلاً.
فإنْ قيل: نحن نعترض قولكم في إمامته بغيبته، بأنْ نقول: إذا لم يمكنكم بيان وجه حسنها دلَّ ذلك على بطلان القول بإمامته، لأنَّه لو صحَّ لأمكنكم بيان وجه الحسن فيه.
قلنا: إنْ لزمنا ذلك لزم جميع أهل العدل قول الملاحدة إذا قالوا: إنَّا نتوصَّل بهذه الأفعال التي ليست بظاهر الحكمة إلى أنَّ فاعلها ليس بحكيم، لأنَّه لو كان حكيماً لأمكنكم بيان وجه الحكمة فيها، وإلَّا فما الفصل؟
فإذا قلتم: نحن أوَّلاً نتكلَّم في إثبات حكمته، فإذا ثبت بدليل منفصل ثُمَّ وجدنا هذه الأفعال المشتبهة الظاهر حملناها على ما يطابق ذلك، فلا يُؤدِّي إلى نقض ما علمنا، ومتى لم يُسلِّموا لنا حكمته انتقلت المسألة إلى القول في حكمته. قلنا مثل ذلك هاهنا، من أنَّ الكلام في غيبته فرع على إمامته، وإذا علمنا إمامته بدليل، وعلمنا عصمته بدليل آخر، وعلمناه غاب، حملنا غيبته على وجه يطابق عصمته، فلا فرق بين الموضعين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(960) لا توجد (الواو) في المصدر.
(961) في المصدر: (يُسوِّغه).

(٣١٢)

ثُمَّ يقال للمخالف: أيجوز(962) أنْ يكون للغيبة سبب صحيح اقتضاها، ووجه من الحكمة أوجبها، أم لا يجوز(963) ذلك؟
فإنْ قال: يجوز ذلك، قيل له: فإذا كان ذلك جائزاً فكيف جعلت وجود الغيبة دليلاً على فقد الإمام في الزمان مع تجويزك لها سبباً لا ينافي وجود الإمام؟
وهل يجري ذلك إلَّا مجرى من توصَّل بإيلام الأطفال إلى نفي حكمة الصانع وهو معترف بأنَّه يجوز أنْ يكون في إيلامهم وجه صحيح لا ينافي الحكمة، أو من توصَّل بظاهر الآيات المتشابهات إلى أنَّه تعالى مشبه للأجسام وخالق لأفعال العباد مع تجويز(964) أنْ تكون لها وجوه صحيحة توافق الحكمة والعدل والتوحيد ونفي التشبيه؟
وإنْ قال(965): لا أُجوِّز ذلك. قيل: هذا تحجُّر شديد فيما لا يُحاط بعلمه، ولا يقطع على مثله، فمن أين قلت: إنَّ ذلك لا يجوز؟ وانفصل ممَّن قال: لا يجوز أنْ يكون للآيات المتشابهات(966) وجوه صحيحة يطابق أدلَّة العقل ولا بدَّ أنْ يكون على ظواهرها.
ومتى قيل: نحن متمكِّنون من ذكر وجوه الآيات المتشابهات مفصَّلاً، بل يكفيني علم الجملة، ومتى تعاطيت ذلك كان تبرُّعاً. وإنْ أقنعتم أنفسكم بذلك فنحن أيضاً نتمكَّن من ذكر وجه صحَّة الغيبة وغرض حكمي لا ينافي عصمته، وسنذكر ذلك فيما بعد، وقد تكلَّمنا عليه مستوفًى في كتاب الإمامة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(962) في المصدر: (أتجوز).
(963) في المصدر: (تجوز).
(964) في المصدر: (تجويزه).
(965) بقيَّة كلام الطوسي (رحمه الله).
(966) في المصدر إضافة: (وأنتم لا تتمكَّنون من ذكر سبب صحيح للغيبة، قلنا: كلامنا على من يقول: لا أحتاج إلى العلم بوجوه الآيات المتشابهات).

(٣١٣)

ثُمَّ يقال: كيف يجوز أنْ يجتمع صحَّة إمامة ابن الحسن (علیه السلام) بما بيَّنَّاه من سياقة الأُصول العقليَّة مع القول بأنَّ الغيبة لا يجوز أنْ يكون لها سبب صحيح؟ وهل هذا إلَّا تناقض؟ ويجري مجرى القول بصحَّة التوحيد والعدل مع القطع على أنَّه لا يجوز أنْ يكون للآيات المتشابهات وجه يطابق هذه الأُصول.
ومتى قالوا: نحن لا نُسلِّم إمامة ابن الحسن، كان الكلام معهم في ثبوت الإمامة دون الكلام في سبب الغيبة، وقد تقدَّمت الدلالة على إمامته (علیه السلام) بما لا يحتاج إلى إعادته. وإنَّما قلنا ذلك لأنَّ الكلام في سبب غيبة الإمام (علیه السلام) فرع على ثبوت إمامته، فأمَّا قبل ثبوتها فلا وجه للكلام في سبب غيبته، كما لا وجه للكلام في وجوه الآيات المتشابهات وإيلام الأطفال وحسن التعبُّد بالشرائع قبل ثبوت التوحيد والعدل.
فإنْ قيل: ألا كان السائل بالخيار بين الكلام في إمامة ابن الحسن ليعرف صحَّتها من فسادها، وبين أنْ يتكلَّم في سبب الغيبة؟
قلنا: لا خيار في ذلك، لأنَّ من شكَّ في إمامة ابن الحسن يجب أنْ يكون الكلام معه في نصِّ إمامته والتشاغل بالدلالة عليها، ولا يجوز مع الشكِّ فيها أنْ يتكلَّم في سبب الغيبة، لأنَّ الكلام في الفروع لا يسوغ إلَّا بعد إحكام الأُصول لها، كما لا يجوز أنْ يتكلَّم في سبب إيلام الأطفال قبل ثبوت حكمة القديم تعالى وأنَّه لا يفعل القبيح.
وإنَّما رجَّحنا الكلام في إمامته على الكلام في غيبته وسببها لأنَّ الكلام في إمامته مبنيٌّ على أُمور عقليَّة لا يدخلها الاحتمال، وسبب الغيبة ربَّما غمض واشتُبِهَ، فصار الكلام في الواضح الجليِّ أولى من الكلام في المشتبه الغامض، كما فعلناه مع المخالفين للملَّة فرجَّحنا الكلام في نبوَّة نبيِّنا على الكلام على ادِّعائهم تأبيد شرعهم، لظهور ذلك وغموض هذا، وهذا بعينه موجود هاهنا.

(٣١٤)

ومتى عادوا إلى أنْ يقولوا: الغيبة فيها وجه من وجوه القبح، فقد مضى الكلام عليه. على أنَّ وجوه القبح معقولة، وهي كونه ظلماً أو كذباً أو عبثاً أو جهلاً أو استفساداً، وكلُّ ذلك ليس بحاصل فيها(967)، فيجب أنْ لا يُدَّعى فيه وجه القبح.
فإنْ قيل: ألا منع الله الخلق من الوصول إليه وحال بينهم وبينه ليقوم بالأمر ويحصل ما هو لطف لنا كما نقول في النبيِّ إذا بعثه الله تعالى(968) يمنع منه ما لم يُؤدِّ [الشرع](969)؟ فكان يجب أنْ يكون حكم الإمام مثله.
قلنا: المنع على ضربين: أحدهما لا ينافي التكليف بأنْ لا يلجأ إلى ترك القبيح، والآخر يُؤدِّي إلى ذلك. فالأوَّل قد فعله الله من حيث منع من ظلمه بالنهي عنه والحثِّ على وجوب طاعته والانقياد لأمره ونهيه، وأنْ لا يُعصى في شيء من أوامره، وأنْ يُساعَد على جميع ما يُقوِّي أمره ويُشيِّد سلطانه، فإنَّ جميع ذلك لا ينافي التكليف، فإذا عصى من عصى في ذلك ولم يفعل ما يتمُّ معه الغرض المطلوب، يكون قد أُتِيَ من قِبَل نفسه لا من قِبَل خالقه. والضرب الآخر أنْ يحول بينهم وبينه بالقهر والعجز عن ظلمه وعصيانه، فذلك لا يصحُّ اجتماعه مع التكليف، فيجب أنْ يكون ساقطاً.
فأمَّا النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فإنَّما نقول: يجب أنْ يمنع الله منه حتَّى يُؤدِّي الشرع، لأنَّه لا يمكن أنْ يُعلَم ذلك إلَّا من جهته، فلذلك وجب المنع منه، وليس كذلك الإمام، لأنَّ علَّة المكلَّفين مزاحة فيما يتعلَّق بالشرع، والأدلَّة منصوبة على ما يحتاجون إليه، ولهم طريق إلى معرفتها من دون قوله، ولو فرضنا أنَّه ينتهي الحال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(967) في المصدر: (هاهنا) بدل (فيها).
(968) في المصدر إضافة: (فإنَّ الله تعالى).
(969) كلمة: (الشرع) ليست في المصدر.

(٣١٥)

إلى حدٍّ لا يُعرَف الحقُّ من الشرعيَّات إلَّا بقوله، لوجب أنْ يمنع الله تعالى منه ويُظهِره بحيث لا يُوصَل إليه مثل النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ونظير مسألة الإمام أنَّ النبيَّ إذا أدَّى ثُمَّ عرض فيما بعد ما يوجب خوفه لا يجب على الله المنع منه، لأنَّ علَّة المكلَّفين قد انزاحت بما أدَّاه إليهم، فلهم طريق إلى معرفة لطفهم، اللَّهُمَّ إلَّا أنْ يتعلَّق به أداء آخر في المستقبل فإنَّه يجب المنع منه كما يجب في الابتداء، فقد سوَّينا بين النبيِّ والإمام.
فإنْ قيل(970): بيِّنوا على كلِّ حالٍ وإنْ لم يجب عليكم وجه علَّة الاستتار، وما يمكن أنْ يكون علَّة على وجه، ليكون أظهر في الحجَّة وأبلغ في باب البرهان.
قلنا: ممَّا يُقطَع على أنَّه سبب لغيبة الإمام هو خوفه على نفسه بالقتل بإخافة الظالمين إيَّاه ومنعهم إيَّاه من التصرُّف فيما جُعِلَ إليه التدبير والتصرُّف فيه، فإذا حيل بينه وبين مراده، سقط فرض القيام بالإمامة، وإذا خاف على نفسه وجبت غيبته ولزم استتاره كما استتر النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تارةً في الشِّعب وأُخرى في الغار، ولا وجه لذلك إلَّا الخوف من المضارِّ الواصلة إليه.
وليس لأحد أنْ يقول: إنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما استتر عن قومه إلَّا بعد أدائه إليهم ما وجب عليه أداؤه ولم يتعلَّق بهم إليه حاجة، وقولكم في الإمام بخلاف ذلك. وأيضاً فإنَّ استتار النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما طال ولا تمادى، واستتار الإمام قد مضت عليه الدهور وانقرضت عليه العصور.
وذلك أنَّه ليس الأمر على ما قالوه، لأنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنَّما استتر في الشِّعب والغار بمكَّة قبل الهجرة، وما كان أدَّى جميع الشريعة فإنَّ أكثر الأحكام ومعظم القرآن نزل بالمدينة، فكيف أوجبتم أنَّه كان بعد الأداء؟ ولو كان الأمر على ما قالوه من تكامل الأداء قبل الاستتار لما كان ذلك رافعاً للحاجة إلى تدبيره

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(970) بقيَّة كلام الطوسي (رحمه الله).

(٣١٦)

وسياسته وأمره ونهيه، فإنَّ أحداً لا يقول: إنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد أداء الشرع غير محتاج إليه ولا مفتقر إلى تدبيره، ولا يقول ذلك معاند.
وهو الجواب عن قول من قال: إنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما يتعلَّق من مصلحتنا قد أدَّاه، وما يُؤدِّي في المستقبل لم يكن في الحال مصلحة للخلق، فجاز لذلك الاستتار، وليس كذلك الإمام عندكم، لأنَّ تصرُّفه في كلِّ حالٍ لطف للخلق، فلا يجوز له الاستتار على وجه، ووجب تقويته والمنع منه، ليظهر وينزاح(971) علَّة المكلَّف. لأنَّا قد بيَّنَّا أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع أنَّه أدَّى المصلحة التي تعلَّقت بتلك الحال، لم يُستَغْنَ عن أمره ونهيه وتدبيره بلا خلاف بين المحصِّلين، ومع هذا جاز له الاستتار، فكذلك الإمام.
على أنَّ أمر الله تعالى له بالاستتار في الشِّعب تارة وفي الغار أُخرى فضرب من المنع منه، لأنَّه ليس كلُّ المنع أنْ يحول بينهم وبينه بالعجز أو بتقويته بالملائكة، لأنَّه لا يمتنع أنْ يُفرَض في تقويته بذلك مفسدة في الدِّين فلا يحسن من الله فعله، ولو كان خالياً من وجوه الفساد وعلم الله أنَّه يقتضيه(972) المصلحة لقوَّاه بالملائكة وحال بينهم وبينه، فلمَّا لم يفعل ذلك مع ثبوت حكمته ووجوب إزاحة علَّة المكلَّفين علمنا أنَّه لم يتعلَّق به مصلحة بل مفسدة، وكذلك نقول في الإمام أنَّ الله(973) فعل من قتله بأمره بالاستتار والغيبة، ولو علم أنَّ المصلحة يتعلَّق بتقويته بالملائكة لفعل، فلمَّا لم يفعل مع ثبوت حكمته ووجوب(974) إزاحة علَّة المكلَّفين في التكليف علمنا أنَّه لم يتعلَّق به مصلحة، بل ربَّما كان فيه مفسدة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(971) في المصدر: (يُزاح) بدل (ينزاح).
(972) في المصدر: (تقتضيه).
(973) في المصدر: (منع) بدل (فعل).
(974) في المصدر: (ووجوبه).

(٣١٧)

بل الذي نقول: إنَّ في الجملة يجب على الله تعالى تقوية يد الإمام بما يتمكَّن معه من القيام وينبسط يده، ويمكن ذلك بالملائكة وبالبشر، فإذا لم يفعله بالملائكة علمنا أنَّه لأجل أنَّه تعلَّق به مفسدة، فوجب أنْ يكون متعلِّقاً بالبشر، فإذا لم يفعلوه أتوا من قِبَل نفوسهم لا من قِبَله تعالى، فيبطل بهذا التحرير جميع ما يورد من هذا الجنس، وإذا جاز في النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنْ يستتر مع الحاجة إليه لخوف الضرر، وكانت التبعة في ذلك لازمة لمخيفيه ومحوجيه إلى الغيبة، فكذلك غيبة الإمام سواء.
فأمَّا التفرقة بطول الغيبة وقصرها فغير صحيحة، لأنَّه لا فرق في ذلك بين القصير المنقطع والطويل الممتدِّ، لأنَّه إذا لم يكن في الاستتار لائمة على المستتر إذا أُحوج إليه بل اللَّائمة على من أحوجه إليها، جاز أنْ يتطاول سبب الاستتار كما جاز أنْ يقصر زمانه.
فإنْ قيل: إذا كان الخوف أحوجه إلى الاستتار، فقد كان آباؤه عندكم على تقيَّة وخوف من أعدائهم، فكيف لم يستتروا؟
قلنا: ما كان على آبائه (عليهم السلام) خوف من أعدائه مع لزوم التقيَّة، والعدول عن التظاهر بالإمامة، ونفيها عن نفوسهم، وإمام الزمان كلُّ الخوف عليه، لأنَّه يظهر بالسيف، ويدعو إلى نفسه، ويجاهد من خالفه عليه، فأيُّ تشبُّه(975) بين خوفه من الأعداء وخوف آبائه (عليهم السلام) لو لا قِلَّة التأمُّل؟
على أنَّ آباءه (عليهم السلام) متى قُتِلُوا أو ماتوا كان هناك من يقوم مقامهم، ويسدُّ مسدَّهم يصلح للإمامة من أولاده، وصاحب الأمر بالعكس من ذلك، لأنَّ المعلوم أنَّه لا يقوم أحد مقامه ولا يسدُّ مسدَّه، فبان الفرق بين الأمرين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(975) في المصدر: (نسبة) بدل (تشبُّه).

(٣١٨)

وقد بيَّنَّا(976) فيما تقدَّم الفرق بين وجوده غائباً لا يصل إليه أحد أو أكثر(977)، وبين عدمه حتَّى إذا كان المعلوم التمكُّن بالأمر يوجده.
وكذلك قولهم: ما الفرق بين وجوده بحيث لا يصل إليه أحد وبين وجوده في السماء؟ بأنْ قلنا: إذا كان موجوداً في السماء بحيث لا يخفى عليه أخبار أهل الأرض فالسماء كالأرض، وإنْ كان يخفى عليه أمرهم فذلك يجري مجرى عدمه. ثُمَّ يُقلَب(978) عليهم في النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأنْ يقال: أيُّ فرق بين وجوده مستتراً وبين عدمه وكونه في السماء؟ فأيُّ شيء قالوه قلنا مثله على ما مضى القول فيه.
وليس لهم أنْ يُفرِّقوا بين الأمرين بأنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما استتر من كلِّ أحدٍ وإنَّما استتر من أعدائه، وإمام الزمان مستتر عن الجميع. لأنَّا أوَّلاً لا نقطع على أنَّه مستتر عن جميع أوليائه، والتجويز في هذا الباب كافٍ. على أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لـمَّا استتر في الغار كان مستتراً من أوليائه وأعدائه، ولم يكن معه إلَّا أبو بكر وحده، وقد كان يجوز أنْ يستتر بحيث لا يكون معه أحد من وليٍّ ولا عدوٍّ إذا اقتضت المصلحة ذلك.
فإنْ قيل: فالحدود في حال الغيبة ما حكمها؟ فإنْ سقطت عن الجاني على ما يوجبها الشرع فهذا نسخ الشريعة، وإنْ كانت باقية فمن يقيمها؟
قلنا: الحدود المستحقَّة باقية في جنوب مستحقِّيها، فإنْ ظهر الإمام ومستحقُّوها باقون أقامها عليهم بالبيِّنة أو الإقرار، وإنْ كان فات ذلك بموته كان الإثم في تفويتها على من أخاف الإمام وألجأه إلى الغيبة.
وليس هذا نسخاً لإقامة الحدود، لأنَّ الحدَّ إنَّما يجب إقامته مع التمكُّن وزوال المنع، ويسقط مع الحيلولة، وإنَّما يكون ذلك نسخاً لو سقط إقامتها مع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(976) بقيَّة كلام الطوسي (رحمه الله).
(977) في المصدر: (أكثرهم).
(978) في المصدر: (نقلب) بدل (يقلب).

(٣١٩)

الإمكان وزوال الموانع. ويقال لهم: ما تقولون في الحال التي لا يتمكَّن أهل الحلِّ والعقد من اختيار الإمام، ما حكم الحدود؟ فإنْ قلتم: سقطت، فهذا نسخ على ما ألزمتمونا، وإنْ قلتم: هي باقية في جنوب مستحقِّيها، فهو جوابنا بعينه.
فإنْ قيل: قد قال أبو عليٍّ: إنَّ في الحال التي لا يتمكَّن أهل الحلِّ والعقد من نصب الإمام يفعل الله ما يقوم مقام إقامة الحدود وينزاح(979) علَّة المكلَّف، وقال أبو هاشم: إنَّ إقامة الحدود دنياويَّة لا تعلُّق لها بالدِّين.
قلنا: أمَّا ما قاله أبو عليٍّ فلو قلنا مثله ما ضرَّنا، لأنَّ إقامة الحدود ليس هو الذي لأجله أوجبنا الإمام حتَّى إذا فات إقامته انتقص(980) دلالة الإمامة، بل ذلك تابع للشرع، وقد قلنا: إنَّه لا يمتنع أنْ يسقط فرض إقامتها في حال انقباض يد الإمام أو تكون باقية في جنوب أصحابها، وكما جاز ذلك جاز أيضاً أنْ يكون هناك ما يقوم مقامها، فإذا صرنا إلى ما قاله لم ينتقض علينا أصل.
وأمَّا ما قاله أبو هاشم من أنَّ ذلك لمصالح الدنيا فبعيد، لأنَّ ذلك عبادة واجبة، ولو كان لمصلحة دنياويَّة لما وجبت. على أنَّ إقامة الحدود عنده على وجه الجزاء والنكال جزء من العقاب وإنَّما قُدِّم في دار الدنيا بعضه لما فيه من المصلحة، فكيف يقول مع ذلك: إنَّه لمصالح دنياويَّة؟ فبطل ما قالوه.
فإنْ قيل: كيف الطريق إلى إصابة الحقِّ مع غيبة الإمام؟ فإنْ قلتم: لا سبيل إليها جعلتم الخلق في حيرة وضلالة وشكٍّ في جميع أُمورهم، وإنْ قلتم: يصاب الحقُّ بأدلَّته، قيل لكم: هذا تصريح بالاستغناء عن الإمام بهذه الأدلَّة.
قلنا: الحقُّ على ضربين: عقلي وسمعي، فالعقلي يصاب بأدلَّته، والسمعي عليه أدلَّة منصوبة من أقوال النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ونصوصه وأقوال الأئمَّة من ولده، وقد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(979) في المصدر: (يُزاح) بدل (ينزاح).
(980) في المصدر: (انتقض) بدل (انتقص).

(٣٢٠)

بيَّنوا ذلك وأوضحوه ولم يتركوا منه شيئاً لا دليل عليه. غير أنَّ هذا وإنْ كان على ما قلناه فالحاجة إلى الإمام قد بيَّنَّا ثبوتها، لأنَّ جهة الحاجة المستمرَّة في كلِّ حالٍ وزمان كونه لطفاً لنا على ما تقدَّم القول فيه، ولا يقوم غيره مقامه. والحاجة المتعلِّقة بالسمع أيضاً ظاهرة، لأنَّ النقل وإنْ كان وارداً عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعن آباء الإمام (علیه السلام) بجميع ما يُحتاج إليه في الشريعة، فجائز على الناقلين العدول عنه إمَّا تعمُّداً وإمَّا لشبهة فيقطع(981) النقل أو يبقى فيمن لا حجَّة في نقله. وقد استوفينا هذه الطريقة في تلخيص الشافي، فلا نُطوِّل بذكره.
فإنْ قيل: لو فرضنا أنَّ الناقلين كتموا بعض منهم الشريعة واحتيج إلى بيان الإمام ولم يُعلَم الحقُّ إلَّا من جهته، وكان خوف القتل من أعدائه مستمرًّا، كيف يكون الحال؟ فإنْ قلتم: يظهر وإنْ خاف القتل، فيجب أنْ يكون خوف القتل غير مبيح له الاستتار ويلزم ظهوره، وإنْ قلتم: لا يظهر وسقط التكليف في ذلك الشيء المكتوم عن الأُمَّة، خرجتم من الإجماع، لأنَّه منعقد على أنَّ كلَّ شيء شرَّعه النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأوضحه فهو لازم للأُمَّة إلى أنْ يقوم الساعة، فإنْ قلتم: إنَّ التكليف لا يسقط، صرَّحتم بتكليف ما لا يُطاق، وإيجاب العمل بما لا طريق إليه.
قلنا: قد أجبنا عن هذا السؤال في التلخيص مستوفًى، وجملته أنَّ الله تعالى لو علم أنَّ النقل ببعض الشرع المفروض ينقطع في حال تكون تقيَّة الإمام فيها مستمرَّة وخوفه من الأعداء باقياً، لأسقط ذلك عمَّن لا طريق له إليه، فإذا علمنا بالإجماع أنَّ تكليف الشرع مستمرٌّ ثابت على جميع الأُمَّة إلى قيام الساعة علمنا عند ذلك أنَّه لو اتِّفق انقطاع النقل لشيء(982) من الشرع لما كان ذلك إلَّا في حال يتمكَّن فيها الإمام من الظهور والبروز والإعلام والإنذار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(981) في المصدر: (فينقطع).
(982) في المصدر: (بشيء) بدل (لشيء).

(٣٢١)

وكان المرتضى (رحمه الله) يقول أخيراً: لا يمتنع أنْ يكون هاهنا أُمور كثيرة غير واصلة إلينا هي مودعة عند الإمام وإنْ كان قد كتمها الناقلون ولم ينقلوها، ولم يلزم مع ذلك سقوط التكليف عن الخلق، لأنَّه إذا كان سبب الغيبة خوفه على نفسه من الذين أخافوه فمن أحوجه إلى الاستتار أُتِيَ من قِبَل نفسه في فوت ما يفوته من الشرع، كما أنَّه أُتِيَ من قِبَل نفسه فيما يفوته من تأديب الإمام وتصرُّفه من حيث أحوجه إلى الاستتار، ولو أزال خوفه لظهر، فيحصل له اللطف بتصرُّفه وتبيَّن له ما عنده فما انكتم عنه، فإذا لم يفعل وبقي مستتراً أُتِيَ من قِبَل نفسه في الأمرين، وهذا قويٌّ يقتضيه الأُصول.
وفي أصحابنا من قال: إنَّ علَّة استتاره عن أوليائه خوفه من أنْ يشيعوا خبره، ويتحدَّثوا باجتماعهم معه سروراً(983)، فيُؤدِّي ذلك إلى الخوف من الأعداء وإنْ كان غير مقصود. وهذا الجواب يضعف، لأنَّ عقلاء شيعته لا يجوز أنْ يخفى عليهم ما في إظهار اجتماعهم معه من الضرر عليه وعليهم، فكيف يُخبِرون بذلك(984) مع علمهم بما عليهم(985) فيه من المضرَّة العامَّة؟ وإنْ جاز(986) على الواحد والاثنين لا يجوز على جماعة شيعته الذين لا يظهر لهم.
على أنَّ هذا يلزم عليه أنْ يكون شيعته قد عُدِمُوا الانتقاع به على وجه لا يتمكَّنون من تلافيه وإزالته، لأنَّه إذا عُلِّق الاستتار بما يُعلَم من حالهم أنَّهم يفعلونه، فليس في مقدورهم الآن ما يقتضي ظهور الإمام، وهذا يقتضي سقوط التكليف الذي الإمام لطف فيه عنهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(983) في المصدر إضافة: (به).
(984) في المصدر إضافة: (العامَّة).
(985) في المصدر: (بما عليه وعليهم).
(986) في المصدر إضافة: (هذا).

(٣٢٢)

وفي أصحابنا من قال: علَّة استتاره عن الأولياء ما يرجع إلى الأعداء، لأنَّ انتفاع جميع الرعيَّة من وليٍّ وعدوٍّ بالإمام إنَّما يكون بأنْ ينفذ أمره ببسط يده فيكون ظاهراً متصرِّفاً بلا دافع ولا منازع، وهذا ممَّا المعلوم أنَّ الأعداء قد حالوا دونه ومنعوا منه.
قالوا: ولا فائدة في ظهوره سرًّا لبعض أوليائه، لأنَّ النفع المبتغى من تدبير الأُمَّة لا يتمُّ إلَّا بظهوره للكلِّ ونفوذ الأمر، فقد صارت العلَّة في استتار الإمام على الوجه الذي هو لطف ومصلحة للجميع واحدة.
ويمكن أنْ يعترض هذا الجواب بأنْ يقال: إنَّ الأعداء وإنْ حالوا بينه وبين الظهور على وجه التصرُّف والتدبير، فلم يحولوا بينه وبين لقاء من شاء من أوليائه على سبيل الاختصاص وهو يعتقد طاعته ويوجب اتِّباع أوامره، فإنْ كان لا نفع في هذا اللقاء لأجل الاختصاص لأنَّه نافذ الأمر للكلِّ، فهذا تصريح بأنَّه لا انتفاع للشيعة الإماميَّة بلقاء أئمَّتها من لدن وفاة أمير المؤمنين إلى أيَّام الحسن ابن عليٍّ إلى القائم (علیه السلام) لهذه العلَّة.
ويوجب أيضاً أنْ يكون أولياء أمير المؤمنين (علیه السلام) وشيعته لم يكن لهم بلقائه انتفاع قبل انتقال الأمر إلى تدبيره وحصوله في يده، وهذا بلوغ من قائله إلى حدٍّ لا يبلغه متأمِّل. على أنَّه لو سُلِّم أنَّ الانتفاع بالإمام لا يكون إلَّا مع الظهور لجميع الرعيَّة ونفوذ أمره فيهم لبطل قولهم من وجه آخر، وهو أنَّه يُؤدِّي إلى سقوط التكليف الذي الإمام لطف فيه عن شيعته، لأنَّه إذا لم يظهر لهم العلَّة(987) لا يرجع إليهم، ولا كان في قدرتهم وإمكانهم إزالته، فلا بدَّ من سقوط التكليف عنهم، لأنَّه لو جاز أنْ يمنع قوم من المكلَّفين غيرهم لطفهم، ويكون التكليف الذي ذلك اللطف لطف فيه مستمرًّا عليهم، لجاز أنْ يمنع بعض

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(987) في المصدر: (لعلَّة) بدل (العلَّة).

(٣٢٣)

المكلَّفين غيره بقيد وما أشبهه من المشي على وجه لا يمكن من إزالته، ويكون تكليف المشي مع ذلك مستمرًّا على الحقيقة.
وليس لهم أنْ يُفرِّقوا بين القيد وبين اللطف من حيث كان القيد يتعذَّر معه الفعل(988) ولا يُتوهَّم وقوعه، وليس كذلك فقد اللطف، لأنَّ أكثر أهل العدل على أنَّ فقد اللطف كفقد القدرة والآلة، وأنَّ التكليف مع فقد اللطف فيمن له لطف معلوم كالتكليف مع فقد القدرة والآلة ووجود الموانع، وأنَّ من لم يفعل له اللطف ممَّن له لطف معلوم غير مزاح العلَّة في التكليف، كما أنَّ الممنوع غير مزاح العلَّة.
والذي(989) ينبغي أنْ يُجاب عن السؤال الذي ذكرناه عن المخالف أنْ نقول: إنَّا أوَّلاً لا نقطع على استتاره عن جميع أوليائه، بل يجوز أنْ يظهر لأكثرهم، ولا يعلم كلُّ إنسان إلَّا حال نفسه، فإنْ كان ظاهراً له فعلَّته مزاحة، وإنْ لم يكن ظاهراً له علم أنَّه إنَّما لم يظهر له لأمر يرجع إليه وإنْ لم يعلمه مفصَّلاً لتقصير من جهته، وإلَّا لم يحسن تكليفه.
فإذا علم بقاء تكليفه عليه واستتار الإمام عنه علم أنَّه لأمر يرجع إليه، كما يقول(990) جماعتنا فيمن لم ينظر في طريق معرفة الله تعالى فلم يحصل له العلم وجب أنْ يقطع على أنَّه إنَّما لم يحصل لتقصير يرجع إليه وإلَّا وجب إسقاط تكليفه وإنْ لم يعلم ما الذي وقع تقصيره فيه.
فعلى هذا التقدير أقوى ما يُعلَّل به ذلك أنَّ الإمام إذا ظهر ولا يُعلَم شخصه وعينه من حيث المشاهدة، فلا بدَّ من أنْ يظهر عليه علم معجز يدلُّ على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(988) في نسختين من المصدر: (اللطف) بدل (الفعل).
(989) بقيَّة كلام الطوسي (رحمه الله).
(990) في المصدر: (تقوله).

(٣٢٤)

صدقه، والعلم بكون الشيء معجزاً يحتاج إلى نظر يجوز أنْ يعترض فيه شبهة، فلا يمنع أنْ يكون المعلوم من حال من لم يظهر له أنَّه متى ظهر وأظهر المعجز لم ينعم النظر فيدخل(991) فيه شبهة، ويعتقد أنَّه كذَّاب ويشيع خبره، فيُؤدِّي إلى ما تقدَّم القول فيه.
فإنْ قيل: أيُّ تقصير وقع من الوليِّ الذي لم يظهر له الإمام لأجل هذا المعلوم من حاله؟ وأيُّ قدرة له على النظر فيما يظهر له الإمام معه؟ وإلى أيِّ شيء يرجع في تلافي ما يوجب غيبته؟
قلنا: ما أحلنا في سبب الغيبة عن الأولياء إلَّا على معلوم يظهر موضع التقصير فيه وإمكان تلافيه، لأنَّه غير ممتنع أنْ يكون من المعلوم من حاله أنَّه متى ظهر له الإمام قصَّر في النظر في معجزه، فإنَّما أُتِيَ في ذلك لتقصيره الحاصل في العلم بالفرق بين المعجز والممكن، والدليل من ذلك والشبهة، ولو كان من ذلك على قاعدة صحيحة لم يجز أنْ يشتبه عليه معجز الإمام عند ظهوره له، فيجب عليه تلافي هذا التقصير واستدراكه.
وليس لأحد أنْ يقول: هذا تكليف لما لا يطاق وحوالة على غيب، لأنَّ هذا الوليَّ ليس يعرف ما قصَّر فيه بعينه من النظر والاستدلال فيستدركه حتَّى يتمهَّد في نفسه ويتقرَّر، ونراكم تلزمونه ما لا يلزمه، وذلك إنَّما يلزم في التكليف قد يتميَّز تارةً ويشتبه أُخرى بغيره، وإنْ كان التمكُّن من الأمرين ثابتاً حاصلاً، فالوليُّ على هذا إذا حاسب نفسه ورأى أنَّ الإمام لا يظهر له وأفسد أنْ يكون السبب في الغيبة ما ذكرناه من الوجوه الباطلة وأجناسها، علم أنَّه لا بدَّ من سبب يرجع إليه.
وإذا علم أنَّ أقوى العلل ما ذكرناه علم أنَّ التقصير واقع من جهته في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(991) في المصدر إضافة: (عليه).

(٣٢٥)

صفات المعجز وشروطه، فعليه معاودة النظر في ذلك عند ذلك، وتخليصه من الشوائب وما يوجب الالتباس، فإنَّه من اجتهد في ذلك حقَّ الاجتهاد ووفَّى النظر شروطه فإنَّه لا بدَّ من وقوع العلم بالفرق بين الحقِّ والباطل، وهذه المواضع الإنسان فيها على نفسه بصيرة، وليس يمكن أنْ يُؤمَر فيها بأكثر من التناهي في الاجتهاد والبحث والفحص والاستسلام للحقِّ، وقد بيَّنَّا أنَّ هذا نظير ما نقول لمخالفينا إذا نظروا في أدلَّتنا ولم يحصل لهم العلم سواء.
فإنْ قيل: لو كان الأمر على ما قلتم لوجب أنْ لا يعلم شيئاً من المعجزات في الحال، وهذا يُؤدِّي إلى أنْ لا يعلم النبوَّة وصدق الرسول، وذلك يُخرجه عن الإسلام فضلاً عن الإيمان.
قلنا: لا يلزم ذلك، لأنَّه لا يمتنع أنْ يدخل الشبهة في نوع من المعجزات دون نوع، وليس إذا دخلت الشبهة في بعضها دخل في سائرها، فلا يمتنع أنْ يكون المعجز الدالُّ على النبوَّة لم يدخل عليه فيه شبهة، فحصل له العلم بكونه معجزاً وعلم عند ذلك نبوَّة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والمعجز الذي يظهر على يد الإمام إذا ظهر يكون أمراً آخراً يجوز أنْ يدخل عليه الشبهة في كونه معجزاً فيشكُّ حينئذٍ في إمامته وإنْ كان عالماً بالنبوَّة. وهذا كما نقول: إنَّ من علم نبوَّة موسى (علیه السلام) بالمعجزات الدالَّة على ثبوته إذا لم ينعم النظر في المعجزات الظاهرة على عيسى ونبيِّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يجب أنْ يُقطَع على أنَّه ما عرف تلك المعجزات، لأنَّه لا يمتنع أنْ يكون عارفاً بها وبوجه دلالتها وإنْ لم يعلم هذه المعجزات واشتبه عليه وجه دلالتها.
فإنْ قيل: فيجب على هذا أنْ يكون كلُّ من لم يظهر له الإمام يقطع على أنَّه على كبيرة تلحق بالكفر، لأنَّه مقصِّر على ما فرضتموه فيما يوجب غيبة الإمام عنه ويقتضي فوت مصلحته، فقد لحق الوليُّ على هذا بالعدوِّ.

(٣٢٦)

قلنا: ليس يجب في التقصير الذي أشرنا إليه أنْ يكون كفراً ولا ذنباً عظيماً، لأنَّه في هذه الحال ما اعتقد [في](992) الإمام أنَّه ليس بإمام ولا أخافه على نفسه، وإنَّما قصَّر في بعض العلوم تقصيراً كان كالسبب في أنَّ علم من حاله أنَّ ذلك الشكَّ في الإمامة يقع منه مستقبلاً، والآن فليس بواقع، فغير لازم أنَّه يكون كافراً، غير أنَّه وإنْ لم يلزم أنْ يكون كفراً ولا جارياً مجرى تكذيب الإمام والشكِّ في صدقه فهو ذنب وخطأ لا ينافيان الإيمان واستحقاق الثواب، ولن(993) يلحق الوليُّ بالعدوِّ على هذا التقدير، لأنَّ العدوَّ في الحال معتقد في الإمام ما هو كفر وكبيرة والوليُّ بخلاف ذلك.
وإنَّما قلنا: إنَّ ما هو كالسبب في الكفر لا يجب أنْ يكون كفراً في الحال، أنَّ أحداً لو اعتقد في القادر منَّا بقدرة أنَّه يصحُّ أنْ يفعل في غيره من الأجسام مبتدءاً، كان ذلك خطأً وجهلاً ليس بكفر، ولا يمتنع أنْ يكون المعلوم من حال هذا المعتقد أنَّه لو ظهر نبيٌّ يدعو إلى نبوَّته، وجعل معجزه أنْ يفعل الله تعالى على يده جسماً(994) بحيث لا يصل إليه أسباب البشر، أنَّه لا يقبله، وهذا لا محالة لو علم أنَّه معجز كان يقبله، وما سبق من اعتقاده في مقدور العبد(995) كان كالسبب في هذا، ولم يلزم أنْ يجري مجراه في الكفر.
فإنْ قيل: إنَّ هذا الجواب أيضاً لا يستمرُّ على أصلكم، لأنَّ الصحيح من مذهبكم أنَّ من عرف الله تعالى بصفاته وعرف النبوَّة والإمامة وحصل مؤمناً لا يجوز أنْ يقع منه كفر أصلاً، فإذا ثبت هذا فكيف يمكنكم أنْ تجعلوا علَّة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(992) من المصدر.
(993) في المصدر: (لو لم) بدل (لن).
(994) في المصدر: (فعلاً) بدل (جسماً).
(995) في المصدر: (القدر) بدل (العبد).

(٣٢٧)

الاستتار عن الوليِّ أنَّ المعلوم من حاله أنَّه إذا ظهر الإمام فظهر(996) علم معجز شكَّ فيه ولا يعرفه(997)؟ وإنَّ الشكَّ في ذلك كفر، وذلك ينقض أصلكم الذي صحَّحتموه.
قيل: هذا الذي ذكرتموه ليس بصحيح، لأنَّ الشكَّ في المعجز الذي يظهر على يد الإمام ليس بقادح في معرفته لعين(998) الإمام على طريق الجملة، وإنَّما يقدح في أنَّ ما عُلِمَ على طريق الجملة وصحَّت معرفته هل هو هذا الشخص أم لا؟
والشكُّ في هذا ليس بكفر، لأنَّه لو كان كفراً لوجب أنْ يكون كفراً وإنْ لم يُظهِر المعجز، فإنَّه لا محالة قبل ظهور هذا المعجز على يده شاكٌّ فيه، ويُجوِّز كونه إماماً وكون غيره كذلك، وإنَّما يقدح في العلم الحاصل له على طريق الجملة أنْ لو شكَّ في المستقبل في إمامته على طريق الجملة، وذلك ممَّا يمنع من وقوعه منه مستقبلاً.
وكان المرتضى(999) (رحمه الله) يقول: سؤال المخالف لنا: لِـمَ لا يظهر الإمام للأولياء؟ غير لازم، لأ[نَّه] إنْ كان غرضه أنَّ لطف الوليِّ غير حاصل فلا يحصل تكليفه، فإنَّه لا يتوجَّه، فإنَّ لطف الوليَّ حاصل، لأنَّه إذا علم الوليُّ أنَّ له إماماً غائباً يتوقَّع ظهوره ساعة، ويجوز انبساط يده في كلِّ حالٍ، فإنَّ خوفه من تأديبه حاصل، وينزجر لمكانه عن المقبّحات، ويفعل كثيراً من الواجبات، فيكون حال غيبته كحال كونه في بلد آخر، بل ربَّما كان في حال الاستتار أبلغ، لأنَّه مع غيبته يجوز أنْ يكون معه في بلده وفي جواره، ويشاهده من حيث لا يعرفه ولا يقف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(996) في المصدر إضافة: (على يده).
(997) في المصدر إضافة: (إماماً).
(998) في المصدر: (لغير) بدل (لعين).
(999) بقيَّة كلام الطوسي (رحمه الله).

(٣٢٨)

على أخباره، وإذا كان في بلد آخر ربَّما خفي عليه خبره، فصار حال الغيبة الانزجار(1000) حاصلاً عن(1001) القبيح على ما قلناه، وإذا لم يكن قد فاتهم اللطف جاز استتاره عنهم وإنْ سُلِّم أنَّه يحصل ما هو لطف لهم، ومع ذلك يقال: لِـمَ لا يظهر لهم؟ قلنا: ذلك غير واجب على كلِّ حالٍ، فسقط السؤال من أصله.
على أنَّ لطفهم بمكانه حاصل من وجه آخر، وهو أنَّ بمكانه يثقون(1002) جميع الشرع إليهم، ولولاه لما وثقوا بذلك وجوَّزوا أنْ يخفى عليهم كثير من الشرع وينقطع دونهم، وإذا علموا وجوده في الجملة أمنوا جميع ذلك، فكان اللطف بمكانه حاصلاً من هذا الوجه أيضاً.
وقد ذكرنا فيما تقدَّم أنَّ ستر ولادة صاحب الزمان ليس بخارق العادات، إذ جرى أمثال ذلك فيما تقدَّم من أخبار الملوك، وقد ذكره العلماء من الفرس ومن روى أخبار الدوليين(1003)، من ذلك ما هو مشهور كقصَّة كيخسرو وما كان من ستر أُمِّه حملها وإخفاء ولادتها، وأُمُّه بنت ولد أفراسياب مَلِك الترك، وكان جدُّه كيقاووس أراد قتل ولده، فسترته أُمُّه إلى أنْ ولدته، وكان من قصَّته ما هو مشهور في كُتُب التواريخ ذكره الطبري.
وقد نطق القرآن بقصَّة إبراهيم، وأنَّ أُمَّه ولدته خفيًّا وغيبته في المغارة حتَّى بلغ وكان من أمره ما كان. وما كان من قصَّة موسى (علیه السلام) وأنَّ أُمَّه ألقته في البحر خوفاً عليه وإشفاقاً من فرعون عليه، وذلك مشهور نطق به القرآن. ومثل ذلك قصَّة صاحب الزمان سواء، فكيف يقال: إنَّ هذا خارج عن العادات(1004)؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1000) في المصدر إضافة: (والانزجار).
(1001) في ثلاث نُسَخ من المصدر: (من) بدل (عن).
(1002) في المصدر: (أنَّ لمكانه يثقون بوصول جميع).
(1003) في المصدر: (الدولتين) بدل (الدوليين).
(1004) في المصدر: (للعادات).

(٣٢٩)

ومن الناس من يكون له ولد من جارية يستترها(1005) من زوجته برهة من الزمان حتَّى إذا حضرته الوفاة أقرَّ به، وفي الناس من يستتر أمر ولده خوفاً من أهله أنْ يقتلوه طمعاً في ميراثه، قد جرت العادات بذلك، فلا ينبغي أنْ يُتعجَّب من مثله في صاحب الزمان، وقد شاهدنا من هذا الجنس كثيراً وسمعنا منه غير قليل، فلا نُطوِّل بذكره، لأنَّه معلوم بالعادات. وكم وجدنا من ثبت نسبه بعد موت أبيه بدهر طويل ولم يكن أحد يعرفه إذا شهد بنسبه رجلان مسلمان ويكون(1006) أشهدهما على نفسه سرًّا عن أهله وخوفاً من زوجته وأهله فوصَّى به فشهدا بعد موته، أو شهدا بعقده على امرأة عقداً صحيحاً فجاءت بولد يمكن أنْ يكون منه، فوجب بحكم الشرع إلحاقه به. والخبر بولادة ابن الحسن وارد من جهات أكثر ممَّا يثبت الأنساب في الشرع، ونحن نذكر طرفاً من ذلك فيما بعد إنْ شاء الله تعالى.
وأمَّا إنكار جعفر بن عليٍّ عمِّ صاحب الزمان شهادة الإماميَّة بولد لأخيه الحسن بن عليٍّ وُلِدَ في حياته، ودفعه بذلك وجوده بعده وأخذه تركته وحوزه ميراثه وما كان منه في حمله سلطان الوقت على حبس جواري الحسن واستبذالهنَّ بالاستبراء من الحمل(1007) ليتأكَّد نفيه لولد أخيه وإباحته دماء شيعته بدعواهم خلفاً له بعده كان أحقُّ بمقامه، فليس لشبهة(1008) يعتمد على مثلها أحد من المحصِّلين، لاتِّفاق الكلِّ على أنَّ جعفراً لم يكن له عصمة كعصمة الأنبياء فيمتنع عليه لذلك إنكار حقٍّ ودعوى باطل، بل الخطاء جائز عليه، والغلط غير ممتنع منه، وقد نطق القرآن بما كان من ولد يعقوب مع أخيهم يوسف وطرحهم إيَّاه في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1005) في المصدر: (يستتر بها).
(1006) في المصدر إضافة: (الأب).
(1007) في المصدر: (واستبدالهنَّ بالاستبراء لهنَّ من الحمل).
(1008) في المصدر: (بشبهة) بدل (لشبهة).

(٣٣٠)

الجُبِّ وبيعهم إيَّاه بالثمن البخس وهم أولاد الأنبياء، وفي الناس من يقول: كانوا أنبياء. فإذا جاز منهم مثل ذلك مع عظم الخطاء فيه، فلِمَ لا يجوز مثله من جعفر بن عليٍّ مع ابن أخيه، وأنْ يفعل معه من الجحد طمعاً في الدنيا ونيلها؟ وهل يمنع من ذلك أحد إلَّا مكابر معاند؟
فإنْ قيل: كيف يجوز أنْ يكون للحسن بن عليٍّ ولد مع إسناده وصيَّته في مرضه الذي تُوفّي فيه إلى والدته المسمَّاة بحديث المكنَّاة بأُمِّ الحسن بوقوفه وصدقاته وأسند النظر إليها في ذلك؟ ولو كان له ولد لذكره في الوصيَّة.
قيل: إنَّما فعل ذلك قصداً إلى تمام ما كان غرضه في إخفاء ولادته وستر حاله عن سلطان الوقت، ولو ذكر ولده أو أسند وصيَّته إليه لناقض غرضه، خاصَّة وهو احتاج إلى الإشهاد عليها وجوه الدولة وأسباب السلطان وشهود القضاة ليتحرَّس بذلك وقوفه ويتحفَّظ صدقاته ويتمَّ به الستر على ولده بإهمال ذكره وحراسة مهجته بترك التنبيه على وجوده.
ومن ظنَّ(1009) أنَّ ذلك دليل على بطلان دعوى الإماميَّة في وجود ولد للحسن (علیه السلام) كان بعيداً من معرفة العادات، وقد فعل نظير ذلك الصادق جعفر ابن محمّد (علیه السلام) حين أسند وصيَّته إلى خمسة نفر أوَّلهم المنصور إذ كان سلطان الوقت، ولم يُفرِد ابنه موسى (علیه السلام) بها إبقاءً عليه، وأشهد معه الربيع وقاضي الوقت وجاريته أُمَّ ولده حميدة البربريَّة وختمهم بذكر ابنه موسى بن جعفر (علیه السلام) لستر أمره وحراسة نفسه، ولم يذكر مع ولده موسى أحداً من أولاده الباقين لعلَّه(1010) كان فيهم من يدَّعي مقامه بعده ويتعلَّق بإدخاله في وصيَّته، ولو لم يكن موسى ظاهراً مشهوراً في أولاده معروف المكان منه وصحَّة نسبه واشتهار فضله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1009) بقيَّة كلام الطوسي (رحمه الله).
(1010) في المصدر: (لعلمه) بدل (لعلَّه).

(٣٣١)

وعلمه وكان مستوراً لما ذكره في وصيَّته ولاقتصر على ذكر غيره، كما فعل الحسن ابن عليٍّ والد صاحب الزمان.
فإنْ قيل: قولكم: إنَّه منذ وُلِدَ صاحب الزمان إلى وقتنا هذا مع طول المدَّة لا يعرف أحد مكانه، ولا يعلم مستقرَّه ولا يأتي بخبره من يُوثَق بقوله، خارج عن العادة، لأنَّ كلَّ من اتَّفق له الاستتار عن ظالم لخوف منه على نفسه أو لغير ذلك من الأغراض يكون مدَّة استتاره قريبة ولا يبلغ عشرين سنة، ولا يخفى أيضاً عن(1011) الكلِّ في مدَّة استتاره مكانه، ولا بدَّ من أنْ يعرف فيه بعض أوليائه وأهله مكانه أو يُخبِره بلقائه، وقولكم بخلاف ذلك.
قلنا: ليس الأمر على ما قلتم، لأنَّ الإماميَّة تقول: إنَّ جماعة من أصحاب أبِي محمّد الحسن بن عليٍّ (علیه السلام) قد شاهدوا وجوده في حياته، وكانوا أصحابه وخاصَّته بعد وفاته، والوسائط بينه وبين شيعته، معروفون بما(1012) ذكرناهم فيما بعد، ينقلون إلى شيعته معالم الدِّين، ويُخرِجون إليهم أجوبته في مسائلهم فيه، ويقبضون منهم حقوقه، وهم جماعة كان الحسن بن عليٍّ (علیه السلام) عدَّلهم في حياته، واختصَّهم أُمناء له في وقته، وجعل إليهم النظر في أملاكه والقيام بأُموره بأسمائهم وأنسابهم وأعيانهم، كأبِي عمرو عثمان بن سعيد السمَّان، وابنه أبِي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد، وغيرهم ممَّن سنذكر أخبارهم فيما بعد إنْ شاء الله، وكانوا أهل عقل وأمانة وثقة ظاهرة ودراية وفهم وتحصيل ونباهة، كانوا معظَّمين عند سلطان الوقت لعظم أقدارهم وجلالة محلِّهم، مكرَّمين لظاهر أمانتهم واشتهار عدالتهم، حتَّى إنَّه يدفع عنهم ما يضيفه إليهم خصومهم، وهذا يُسقِط قولكم: إنَّ صاحبكم لم يرَه أحد، ودعواهم خلافه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1011) في المصدر: (على) بدل (عن).
(1012) في المصدر: (ربَّما) بدل (بما).

(٣٣٢)

فأمَّا بعد انقراض أصحاب أبيه فقد كان مدَّة من الزمان أخباره واصلة من جهة السفراء الذين بينه وبين شيعته، ويُوثَق بقولهم ويُرجَع إليهم، لدينهم وأمانتهم وما اختصُّوا به من الدِّين والنزاهة، وربَّما ذكرنا طرفاً من أخبارهم فيما بعد.
وقد سبق الخبر عن آبائه (عليهم السلام) بأنَّ القائم له غيبتان: أُخراهما أطول من الأُولى، فالأُولى يُعرَف فيها خبره، والأُخرى لا يُعرَف فيها خبره، فجاء ذلك موافقاً لهذه الأخبار، فكان ذلك دليلاً ينضاف إلى ما ذكرناه، وسنُوضِّح عن هذه الطريقة فيما بعد إنْ شاء الله تعالى.
فأمَّا خروج ذلك عن العادات فليس الأمر على ما قالوه، ولو صحَّ لجاز أنْ ينقض الله تعالى العادة في ستر شخص ويخفي أمره لضرب من المصلحة وحسن التدبير لما يعرض من المانع من ظهوره.
وهذا الخضر (علیه السلام) موجود قبل زماننا من عهد موسى (علیه السلام) عند أكثر الأُمَّة وإلى وقتنا هذا باتِّفاق أهل السِّيَر، لا يُعرَف مستقرُّه، ولا يعرف أحد له أصحاباً إلَّا ما جاء به القرآن من قصَّته مع موسى، وما يذكره بعض الناس أنَّه يظهر أحياناً(1013) ويظنُّ من يراه أنَّه بعض الزُّهَّاد، فإذا فارق مكانه توهَّمه المسمَّى بالخضر ولم يكن عرفه بعينه في الحال ولا ظنَّه فيها، بل اعتقد أنَّه بعض أهل الزمان.
وقد كان من غيبة موسى بن عمران عن وطنه وهربه من فرعون ورهطه ما نطق به القرآن، ولم يظفر به أحد مدَّة من الزمان ولا عرفه بعينه، حتَّى بعثه الله نبيًّا ودعا إلى(1014)، فعرفه الوليُّ والعدوِّ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1013) في المصدر إضافة: (ولا يُعرَف).
(1014) في المصدر: (إليه) بدل (إلى).

(٣٣٣)

وكان من قصَّة يوسف بن يعقوب ما جاء به سورة في القرآن، وتضمَّنت استتار خبره عن أبيه، وهو نبيُّ الله يأتيه الوحي صباحاً ومساءً يخفى(1015) عليه خبر ولده، وعن ولده أيضاً، حتَّى إنَّهم كانوا يدخلون عليه ويعاملونه ولا يعرفونه، وحتَّى مضت على ذلك السنون والأزمان، ثُمَّ كشف الله أمره وظهره خبره وجمع بينه وبين أبيه وإخوته، وإنْ لم يكن ذلك في عادتنا اليوم ولا سمعنا بمثله.
وكان من قصَّة يونس بن متَّى نبيِّ الله مع قومه وفراره منهم حين تطاول خلافهم له واستخفافهم بجفوته(1016) وغيبته عنهم وعن كلِّ أحدٍ حتَّى لم يعلم أحد من الخلق مستقرَّه، وستره الله في جوف السمكة وأمسك عليه رمقه لضرب من المصلحة إلى أنْ انقضت تلك المدَّة وردَّه الله إلى قومه وجمع بينهم وبينه، وهذا أيضاً خارج عن عادتنا وبعيد من تعارفنا وقد نطق به القرآن وأجمع عليه أهل الإسلام.
ومثل ما حكيناه أيضاً قصَّة أصحاب الكهف، وقد نطق بها القرآن وتضمَّن شرح حالهم واستتارهم عن قومهم فراراً بدينهم، ولولا ما نطق القرآن به لكان مخالفونا يجحدونه دفعاً لغيبة صاحب الزمان وإلحاقهم به، لكن أخبر الله تعالى أنَّهم بقوا ثلاثمائة سنة مثل ذلك مستترين خائفين ثُمَّ أحياهم الله فعادوا إلى قومهم، وقصَّتهم مشهورة في ذلك.
وقد كان من أمر صاحب الحمار الذي نزل بقصَّته القرآن، وأهل الكتاب يزعمون أنَّه كان نبيًّا فأماته الله مائة عام ثُمَّ بعثه وبقى طعامه وشرابه لم يتغيَّر، وكان ذلك خارقاً للعادة.
وإذا كان ما ذكرناه معروفاً كائناً كيف يمكن مع ذلك إنكار غيبة صاحب

 

(1015) في المصدر: (ومساءً وما يخفى).
(1016) في المصدر: (بحقوقه) بدل (بجفوته).

(٣٣٤)

الزمان؟ اللَّهُمَّ إلاَّ أنْ يكون المخالف دهريًّا معطِّلاً يُنكِر جميع ذلك ويحيله، فلا نُكلِّم معه في الغيبة، بل يُنتَقل معه إلى الكلام في أصل التوحيد، وأنَّ ذلك مقدور، وإنَّما نُكلِّم في ذلك من أقرَّ بالإسلام، وجوَّز ذلك مقدوراً لله، فنُبيِّن لهم نظائره في العادات.
وأمثال(1017) ما قلناه كثيرة ممَّا رواه أصحاب السِّيَر والتواريخ من ملوك فرس وغيبتهم عن أصحابهم مدَّة لا يعرفون خبره ثُمَّ عودهم وظهورهم لضرب من التدبير، وإنْ لم ينطق به القرآن فهو مذكور في التواريخ. وكذلك جماعة من حكماء الروم والهند قد كانت لهم غيبات وأحوال خارجة عن العادات لا نذكرها، لأنَّ المخالف ربَّما جحدها على عادتهم جحد الأخبار وهو مذكور في التواريخ.
فإنْ قيل: ادِّعاؤكم طول عمر صاحبكم أمر خارق للعادات مع بقائه على قولكم كامل العقل تامّ القوَّة والشباب، لأنَّه على قولكم له في هذا الوقت الذي هو سنة سبع وأربعين وأربعمائة مائة وإحدى وتسعون سنة، لأنَّ مولده على قولكم سنة ستٍّ وخمسين ومائتين، ولم تجرِ العادة بأنْ يبقى أحد من البشر هذه المدَّة، فكيف انتقضت العادة فيه؟ ولا يجوز انتقاضها إلَّا على يد الأنبياء.
قلنا: الجواب عن ذلك من وجهين: أحدهما: أنْ لا نُسلِّم أنَّ ذلك خارق لجميع العادات، بل العادات فيما تقدَّم قد جرت بمثلها وأكثر من ذلك، وقد ذكرنا بعضها كقصَّة الخضر (علیه السلام) وقصَّة أصحاب الكهف وغير ذلك، وقد أخبر الله عن نوح (علیه السلام) أنَّه لبث في قومه ألف سنة إلَّا خمسين عاماً، وأصحاب السِّيَر يقولون: إنَّه عاش أكثر من ذلك، وإنَّما دعا قومه إلى الله هذه المدَّة المذكورة بعد أنْ مضت عليه ستُّون من عمره، وروى أصحاب الأخبار أنَّ سلمان الفارسي لقي عيسى بن مريم وبقي إلى زمان نبيِّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وخبره مشهور، وأخبار المعمَّرين من العجم و العرب معروفة مذكورة في الكُتُب والتواريخ، وروى أصحاب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1017) بقيَّة كلام الطوسي (رحمه الله).

(٣٣٥)

الحديث أنَّ الدجَّال موجود، وأنَّه كان في عصر النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنَّه باقٍ إلى الوقت الذي يخرج فيه وهو عدوُّ الله، فإذا جاز ذلك في عدوِّ الله لضرب من المصلحة فكيف لا يجوز مثله في وليِّ الله؟ إنَّ هذا من العناد...(1018).
أقول: ثُمَّ ذكر (رحمه الله) أخبار المعمَّرين على ما سنذكره، ثُمَّ قال:
إنْ كان المخالف لنا في ذلك من يحيل ذلك من المنجِّمين وأصحاب الطبايع فالكلام لهم(1019) في أصل هذه المسألة، فإنَّ العالم مصنوع وله صانع أجرى العادة بقصر الأعمار وطولاً(1020)، وأنَّه قادر على إطالتها وعلى إفنائها، فإذا بُيِّن ذلك سهل الكلام.
وإنْ كان المخالف في ذلك من يُسلِّم ذلك غير أنَّه يقول: هذا خارج عن العادات، فقد بيَّنَّا أنَّه ليس بخارج عن جميع العادات، ومتى قالوا: خارج عن عاداتنا، قلنا: وما المانع منه؟
فإنْ قيل: ذلك لا يجوز إلَّا في زمن الأنبياء.
قلنا: نحن ننازع في ذلك، وعندنا يجوز خرق العادات على يد الأنبياء والأئمَّة والصالحين، وأكثر أصحاب الحديث يُجوِّزون ذلك، وكثير من المعتزلة والحشويَّة. وإنْ سمُّوا ذلك كرامات كان ذلك خلافاً في عبارة، وقد دلَّلنا على جواز ذلك في كُتُبنا، وبيَّنَّا أنَّ المعجز إنَّما يدلُّ على صدق من يظهر على يده ثُمَّ نعلمه نبيًّا أو إماماً أو صالحاً بقوله(1021)، وكلَّما يذكرونه من شُبَههم قد بيَّنَّا الوجه فيه في كُتُبنا لا نُطوِّل بذكره هاهنا(1022).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1018) الغيبة للطوسي (ص 83 - 114).
(1019) في المصدر: (معهم) بدل (لهم).
(1020) في المصدر: (طولها) بدل (طولاً).
(1021) في المصدر: (لقوله) بدل (بقوله).
(1022) الغيبة للطوسي (ص 125 و126).

(٣٣٦)

فأمَّا ما يعرض من الهرم بامتداد الزمان وعلوِّ السنِّ وتناقض بنية الإنسان، فليس ممَّا لا بدَّ منه، وإنَّما أجرى الله العادة بأنْ يفعل ذلك عند تطاول الزمان، ولا إيجاب هناك، وهو تعالى قادر أنْ لا يفعل ما أجرى العادة بفعله. وإذا ثبتت هذه الجملة ثبت أنَّ تطاول الأعمار ممكن غير مستحيل، وقد ذكرنا فيما تقدَّم عن جماعة أنَّهم لم يتغيَّروا مع تطاول أعمارهم وعلوِّ سنِّهم، وكيف يُنكِر ذلك من يقرُّ بأنَّ الله تعالى يُخلِّد المؤمنين(1023) في الجنَّة شُبَّاناً لا يبلون؟ وإنَّما يمكن أنْ ينازع في ذلك من يجحد ذلك ويسنده إلى الطبيعة وتأثير الكواكب الذي قد دلَّ الدليل على بطلان قولهم باتِّفاق منَّا ومن خالفنا في هذه المسألة من أهل الشرع، فسقطت الشبهة من كلِّ وجه.
دليل آخر: وممَّا يدلُّ على إمامة صاحب الزمان وصحَّة غيبته، ما رواه الطائفتان المختلفان والفرقتان المتباينتان العامَّة والإماميَّة، أنَّ الأئمَّة بعد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اثنا عشر لا يزيدون ولا ينقصون، وإذا ثبت ذلك فكلُّ من قال بذلك قطع على الأئمَّة الاثني عشر الذين نذهب إلى إمامتهم، وعلى وجود ابن الحسن وصحَّة غيبته، لأنَّ من خالفهم في شيء من ذلك لا يقصر الإمامة على هذا العدد بل يُجوِّز الزيادة عليها، وإذا ثبت بالأخبار التي نذكرها هذا العدد المخصوص ثبت ما أردناه...(1024).
أقول: ثُمَّ أورد (رحمه الله) من طُرُق الفريقين بعض ما أوردناه في باب النصوص على الاثني عشر (عليهم السلام)، ثُمَّ قال (رحمه الله):
فإنْ قيل: دلُّوا أوَّلاً على صحَّة هذه الأخبار فإنَّها أخبار آحاد لا يُعوَّل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1023) في المصدر: (المثابين) بدل (المؤمنين).
(1024) الغيبة للطوسي (ص 126 و127).

(٣٣٧)

عليها فيم(1025) طريقه العلم، وهذه مسألة علميَّة. ثُمَّ دلُّوا على أنَّ المعنيَّ بها من تذهبون إلى إمامته، فإنَّ الأخبار التي رويتموها عن مخالفيكم وأكثر ما رويتموها من جهة الخاصَّة إذا سلمت فليس فيها صحَّة ما تذهبون إليه، لأنَّها تتضمَّن(1026) غير ذلك، فمن أين لكم أنَّ أئمَّتكم هم المرادون بها دون غيرهم؟
قلنا: أمَّا الذي يدلُّ على صحَّتها فإنَّ الشيعة الإماميَّة يروونها على وجه التواتر خلفاً عن سلف، وطريقة تصحيح ذلك موجود في كُتُب الإماميَّة في النصوص على أمير المؤمنين (علیه السلام)، والطريقة واحدة.
وأيضاً فإنَّ نقل الطائفتين المختلفتين المتباينتين في الاعتقاد يدلُّ على صحَّة ما قد اتَّفقوا على نقله، لأنَّ العادة جارية أنَّ كلَّ من اعتقد مذهباً وكان الطريق إلى صحَّة ذلك النقل فإنَّ دواعيه تتوفَّر إلى نقله، وتتوفَّر دواعي من خالفه إلى إبطال ما نقله أو الطعن عليه والإنكار لروايته، بذلك جرت العادات في مدائح الرجال وذمِّهم وتعظيمهم والنقص منهم، ومتى رأينا الفرقة المخالفة لهذه الفرقة قد نقلت مثل نقلها، ولم يتعرَّض(1027) للطعن على نقله، ولم يُنكِر متضمَّن الخبر، دلَّ ذلك على أنَّ الله تعالى قد تولَّى نقله وسخَّرهم لروايته، وذلك دليل على صحَّة ما تضمَّنه الخبر.
وأمَّا الدليل على أنَّ المراد بالأخبار والمعنيَّ بها أئمَّتنا (عليهم السلام)، فهو أنَّه إذا ثبت بهذه الأخبار أنَّ الأئمَّة(1028) محصورة في الاثني عشر إماماً، وأنَّهم لا يزيدون ولا ينقصون، ثبت ما ذهبنا إليه، لأنَّ الأُمَّة بين قائلين: قائل يعتبر العدد الذي ذكرناه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1025) في المصدر: (فيما) بدل (فيم).
(1026) في المصدر إضافة: (العدد فحسب ولا تتضمَّن).
(1027) في المصدر: (تتعرَّض).
(1028) في المصدر: (الإمامة) بدل (الأئمَّة).

(٣٣٨)

فهو يقول: إنَّ المراد بها من نذهب إلى إمامته، ومن خالف في إمامتهم لا يعتبر هذا العدد، فالقول مع اعتبار العدد أنَّ المراد غيرهم، خروج عن الإجماع، وما أدَّى إلى ذلك وجب القول بفساده.
ويدلُّ أيضاً على إمامة ابن الحسن (علیه السلام) وصحَّة غيبته ما ظهر وانتشر من الأخبار الشائعة الذائعة عن آبائه (عليهم السلام) قبل هذه الأوقات بزمان طويل من أنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة، وصفة غيبته، وما يجري فيها من الاختلاف، ويحدث فيها من الحوادث، وأنَّه يكون له غيبتان إحداهما أطول من الأُخرى، وأنَّ الأُولى يُعرَف فيها أخباره والثانية لا يُعرَف فيها أخباره، فوافق ذلك على ما تضمَّنته الأخبار، ولولا صحَّتها وصحَّة إمامته لما وافق ذلك، لأنَّ ذلك لا يكون إلَّا بإعلام الله على لسان نبيِّه، وهذه أيضاً طريقة اعتمدها الشيوخ قديماً.
ونحن نذكر من الأخبار التي تضمَّن ذلك طرفاً ليُعلَم صحَّة ما قلناه، لأنَّ استيفاء جميع ما روي في هذا المعنى يطول، وهو موجود في كُتُب الأخبار من أراده وقف عليه من هناك...(1029).
أقول: ثُمَّ نقل الأخبار التي نقلنا عنه (رحمه الله) في الأبواب السابقة واللَّاحقة، ثُمَّ قال:
فإنْ قيل: هذه كلُّها أخبار آحاد لا يُعوَّل على مثلها في هذه المسألة لأنَّها مسألة علميَّة.
قلنا: موضع الاستدلال من هذه الأخبار ما تضمَّنه الخبر بالشيء قبل كونه فكان كما تضمَّنه، فكان ذلك دلالة على صحَّة ما ذهبنا إليه من إمامة ابن الحسن، لأنَّ العلم بما يكون لا يحصل إلَّا من جهة علَّام الغيوب، فلو لم يرد إلَّا خبر واحد ووافق مخبره ما تضمَّنه الخبر، لكان ذلك كافياً، ولذلك كان ما تضمَّنه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1029) الغيبة للطوسي (ص 156 - 158).

(٣٣٩)

القرآن من الخبر بالشيء قبل كونه دليلاً على صدق النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنَّ القرآن من قِبَل الله تعالى، وإنْ كان المواضع التي تضمَّن ذلك محصورة، ومع ذلك مسموعة من مخبر واحد، لكن دلَّ على صدقه من الجهة التي قلناها.
على أنَّ الأخبار متواتر بها لفظاً ومعنًى. فأمَّا اللفظ فإنَّ الشيعة تواترت بكلِّ خبر منه، والمعنى أنَّ كثيرة(1030) الأخبار واختلاف جهاتها وتباين طُرُقها وتباعد رواتها تدلُّ على صحَّتها، لأنَّه لا يجوز أنْ يكون كلُّها باطلة، ولذلك يُستَدلُّ في مواضع كثيرة على معجزات النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) التي هي سوى القرآن وأُمور كثيرة في الشرع يتواتر(1031)، وإنْ كان كلُّ لفظ منه منقولاً من جهة الآحاد، وذلك معتمد عند من خالفنا في هذه المسألة، فلا ينبغي أنْ يتركوه وينسوه إذا جئنا إلى الكلام في الإمامة، والعصبيَّة لا ينبغي أنْ ينتهي بالإنسان إلى حدٍّ يجحد الأُمور المعلومة.
وهذا الذي ذكرناه معتبر في مدائح الرجال وفضائلهم، ولذلك استُدِلَّ على سخاء حاتم وشجاعة عمرو وغير ذلك بمثل ذلك وإنْ كان كلُّ واحدٍ ممَّا يُروى من عطاء حاتم ووقوف عمرو في موقف من المواقف من جهة الآحاد، وهذا واضح.
وممَّا يدلُّ أيضاً على إمامة ابن الحسن زائداً على ما مضى، أنَّه لا خلاف بين الأُمَّة أنَّه سيخرج في هذه الأُمَّة مهدي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً، وإذا بيَّنَّا أنَّ ذلك المهدي من ولد الحسين، وأفسدنا قول من يدَّعي ذلك من ولد الحسين سوى ابن الحسن، ثبت أنَّ المراد به هو (علیه السلام)...(1032).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1030) في المصدر: (كثرة) بدل (كثيرة).
(1031) في المصدر: (تتواتر معنًى) بدل (يتواتر).
(1032) الغيبة للطوسي (ص 173 و174).

(٣٤٠)

أقول: ثُمَّ أورد ما نقلنا عنه سابقاً من أخبار الخاصَّة والعامَّة في المهدي (علیه السلام)، ثُمَّ قال:
وأمَّا الذي يدلُّ على أنَّه يكون من ولد الحسين (علیه السلام)، فالأخبار التي أوردناها في أنَّ الأئمَّة اثنا عشر وذكر تفاصيلهم فهي متضمِّنة لذلك، ولأنَّ كلَّ من اعتبر العدد الذي ذكرناها(1033) قال: المهدي من ولد الحسين (علیه السلام)، وهو من أشرنا إليه...(1034).
ثُمَّ أورد (رحمه الله) الأخبار في ذلك على ما روينا عنه، ثُمَّ قال:
فإنْ قيل: أليس قد خالف جماعة فيهم من قال: المهدي من ولد عليٍّ (علیه السلام)، فقالوا(1035): هو محمّد بن الحنفيَّة، وفيهم من قال من السبائيَّة: هو عليٌّ (علیه السلام) لم يمت، وفيهم من قال: جعفر بن محمّد لم يمت، وفيهم من قال: موسى بن جعفر لم يمت، وفيهم من قال: الحسن بن عليٍّ العسكري (علیهما السلام) لم يمت، وفيهم(1036) من قال: المهدي هو أخوه محمّد بن عليٍّ، وهو حيٌّ باقٍ لم يمت، ما الذي يُفسِد قول هؤلاء؟
قلت: هذه الأقوال كلُّها قد أفسدناها بما دلَّلنا عليه من موت من ذهبوا إلى حياته، وبما بيَّنَّا أنَّ الأئمَّة اثنا عشر، وبما دلَّلنا على صحَّة إمامة ابن الحسن من الاعتبار، وبما سنذكره من صحَّة ولادته وثبوت معجزاته الدالَّة على إمامته.
فأمَّا من خالف في موت أمير المؤمنين وذكر أنَّه حيٌّ باقٍ فهو مكابر، فإنَّ العلم بموته وقتله أظهر وأشهر من قتل كلِّ أحد وموت كلِّ إنسان، والشكُّ في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1033) في المصدر: (ذكرناه).
(1034) الغيبة للطوسي (ص 188).
(1035) في المصدر: (فقال).
(1036) عبارة: (من قال) إلى (وفيهم) ليست في المصدر.

(٣٤١)

ذلك يُؤدِّي إلى الشكِّ في موت النبيِّ وجميع أصحابه. ثُمَّ ما ظهر من وصيَّته وإخبار النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إيَّاه: «أنَّك تُقتَل وتُخضَب لحيتك من رأسك»، يُفسِد ذلك أيضاً، وذلك أشهر من أنْ يحتاج أنْ يُروى فيه الأخبار(1037).
وأمَّا وفاة محمّد بن عليٍّ، ابن الحنفيَّة وبطلان قول من ذهب إلى إمامته، فقد بيَّنَّا فيما مضى من الكتاب. وعلى هذه الطريقة إذا بيَّنَّا أنَّ المهدي من ولد الحسين (علیه السلام) بطل قول المخالف في إمامته (علیه السلام)(1038).
وأمَّا الناووسيَّة الذين وقفوا على جعفر بن محمّد (علیه السلام)(1039)، فقد بيَّنَّا أيضاً فساد قولهم بما علمناه من موته واشتهار الأمر فيه، وبصحَّة(1040) إمامة ابنه موسى ابن جعفر (علیهما السلام)، وبما ثبت من إمامة الاثني عشر (عليهم السلام). ويُؤكِّد ذلك ما ثبت من صحَّة وصيَّته إلى من أوصى إليه، وظهور الحال في ذلك(1041).
وأمَّا الواقفة الذين وقفوا على موسى بن جعفر وقالوا: هو المهدي، فقد أفسدنا أقوالهم بما دلَّلنا عليه من موته واشتهار الأمر فيه، وثبوت إمامة ابنه الرضا (علیه السلام)، وفي ذلك كفاية لمن أنصف.
وأمَّا المحمّديَّة الذين قالوا بإمامة محمّد بن عليٍّ العسكري، وأنَّه حيٌّ لم يمت، فقولهم باطل لما دلَّلنا به على إمامة أخيه الحسن بن عليٍّ أبِي القائم (علیهما السلام)(1042)، وأيضاً فقد مات محمّد في حياة أبيه (علیه السلام) موتاً ظاهراً كما مات أبوه وجدُّه، فالمخالف في ذلك مخالف في الضرورة(1043).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1037) الغيبة للطوسي (ص 192 و193).
(1038) الغيبة للطوسي (ص 195).
(1039) في المصدر: (وقالوا: هو المهدي قد) بدل (فقد).
(1040) في المصدر: (لصحَّة) بدل (بصحَّة).
(1041) الغيبة للطوسي (ص 196).
(1042) في المصدر: (عليهم السلام) بدل (عليهما السلام).
(1043) الغيبة للطوسي (ص 198).

(٣٤٢)

وأمَّا القائلون بأنَّ الحسن بن عليٍّ لم يمت، وهو حيٌّ باقٍ، وهو المهدي، فقولهم باطل بما علمنا موته كما علمنا موت من تقدَّم من آبائه، والطريقة واحدة، والكلام عليهم واحد، هذا مع انقراض القائلين به واندراسهم، ولو كانوا محقِّين لما انقرضوا...(1044).
أقول: وقد أورد لكلِّ ما ذكر أخباراً كثيرة أوردناها مع غيرها في المجلَّدات السابقة في الأبواب التي هي أنسب بها، ثُمَّ قال:
وأمَّا من قال: إنَّ الحسن بن عليٍّ (علیه السلام) يعيش بعد موته، وإنَّه القائم بالأمر، وتعلُّقهم بما رُويَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ الْقَائِمَ(1045) لِأَنَّهُ يَقُومُ بَعْدَ مَا يَمُوتُ»، فقوله باطل بما دلَّلنا عليه من موته، وادِّعاؤهم أنَّه يعيش يحتاج إلى دليل، ولو جاز لهم ذلك لجاز أنْ تقول الواقفة: إنَّ موسى بن جعفر يعيش بعد موته. على أنَّ هذا يُؤدِّي إلى خلوِّ الزمان من إمام بعد موت الحسن إلى حين يُحيى، وقد دلَّلنا بأدلَّة عقليَّة على فساد ذلك(1046).
ويدلُّ على فساد ذلك الأخبار التي مضت في أنَّه لو بقيت الأرض بغير إمام ساعة لساخت.
وَقَوْلُ أَمِير المُؤْمِنينَ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ): «اللَّهُمَّ إِنَّكَ لَا تُخْلِي الْأَرْضَ بِغَيْر حُجَّةٍ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً أَوْ خَائِفاً مَغْمُوراً» يدلُّ على ذلك.
على أنَّ قوله: «يقوم بعدما يموت»، لو صحَّ الخبر احتمل أنْ يكون أراد: يقوم بعدما يموت ذكره ويخمل ولا يُعرَف، وهذا جائز في اللغة. وما دلَّلنا به على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1044) الغيبة للطوسي (ص 218).
(1045) في المصدر إضافة: (قائماً).
(1046) الغيبة للطوسي (ص 220).

(٣٤٣)

أنَّ الأئمَّة اثنا عشر يُبطِل هذا المقال، لأنَّه(1047) (علیه السلام) هو الحادي عشر(1048). على أنَّ القائلين بذلك قد انقرضوا ولله الحمد، ولو كان حقًّا لما انقرض القائلون به.
وأمَّا من ذهب إلى الفترة بعد الحسن بن عليٍّ وخلوِّ الزمان من إمام، فقولهم باطل بما دلَّلنا عليه من أنَّ الزمان لا يخلو من إمام في حالٍ من الأحوال بأدلَّة عقليَّة وشرعيَّة. وتعلُّقهم بالفترات بين الرُّسُل باطل، لأنَّ الفترة عبارة عن خلوِّ الزمان من نبيٍّ، ونحن لا نوجب النبوَّة في كلِّ حالٍ، وليس في ذلك دلالة على خلوِّ الزمان من إمام. على أنَّ القائلين بذلك قد انقرضوا ولله الحمد، فسقط هذا القول أيضاً.
وأمَّا القائلون بإمامة جعفر بن عليٍّ بعد أخيه، فقولهم باطل بما دلَّلنا عليه من أنَّه يجب أنْ يكون الإمام معصوماً لا يجوز عليه الخطاء، وأنَّه يجب أنْ يكون أعلم الأُمَّة بالأحكام، وجعفر لم يكن معصوماً بلا خلاف، وما ظهر من أفعاله التي تنافي العصمة أكثر من أنْ تُحصى لا نُطوِّل بذكرها الكتاب، وإنْ عرض فيما بعد ما يقتضي ذكر بعضها ذكرناه، وأمَّا كونه عالماً فإنَّه كان خالياً منه، فكيف تثبت إمامته؟ على أنَّ القائلين بهذه المقالة قد انقرضوا أيضاً ولله الحمد والمنَّة.
وأمَّا من قال: لا ولد لأبي محمّد (علیه السلام)، فقوله يبطل بما دلَّلنا عليه من إمامة الاثني عشر وسياقة الأمر فيهم(1049).
وأمَّا من زعم أنَّ الأمر قد اشتبه عليه، فلا يدري هل لأبِي محمّد (علیه السلام) ولد أم لا؟ إلَّا أنَّهم متمسِّكون بالأوَّل حتَّى يصحَّ لهم الآخر، فقوله باطل بما دلَّلنا عليه من صحَّة إمامة ابن الحسن، وبما بيَّنَّا من أنَّ الأئمَّة اثنا عشر، ومع ذلك لا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1047) في المصدر: (لأنَّ الحسن بن عليٍّ) بدل (لأنَّه).
(1048) في المصدر إضافة: (فيبطل قولهم).
(1049) الغيبة للطوسي (ص 221 و222).

(٣٤٤)

ينبغي التوقُّف بل يجب القطع على إمامة ولده، وما قدَّمناه أيضاً من أنَّه لا يمضي إمام حيٌّ حتَّى يُولَد له ويرى عقبه، وما دلَّلنا عليه من أنَّ الزمان لا يخلو من إمام عقلاً وشرعاً يُفسِد هذا القول أيضاً.
فأمَّا تمسُّكهم بما روي: «تمسَّكوا بالأوَّل حتَّى يصحَّ لكم الآخر»، فهو خبر واحد، ومع هذا فقد تأوَّله سعد بن عبد الله بتأويل قريب قال: قوله: «تمسَّكوا بالأوَّل حتَّى يظهر لكم الآخر» هو دليل على إيجاب الخلف، لأنَّه يقتضي وجوب التمسُّك بالأوَّل ولا يُبحَث عن أحوال الآخر إذا كان مستوراً غائباً في تقيَّة حتَّى يأذن الله في ظهوره، ويكون [هو](1050) الذي يُظهِر أمره ويشهر نفسه. على أنَّ القائلين بذلك قد انقرضوا والحمد لله.
وأمَّا من قال بإمامة الحسن وقالوا: انقطعت الإمامة كما انقطعت النبوَّة، فقولهم باطل بما دلَّلنا عليه من أنَّ الزمان لا يخلو من إمام عقلاً وشرعاً، وبما بيَّنَّا من أنَّ الأئمَّة اثنا عشر، وسنُبيِّن صحَّة ولادة القائم بعده، فسقط قولهم من كلِّ وجه. على أنَّ هؤلاء قد انقرضوا بحمد الله.
وقد بيَّنَّا فساد قول الذاهبين إلى إمامة جعفر بن عليٍّ من الفطحيَّة الذين قالوا بإمامة عبد الله بن جعفر لـمَّا مات الصادق (علیه السلام)، فلمَّا مات عبد الله ولم يخلف ولداً رجعوا إلى القول بإمامة موسى بن جعفر، ومن بعده إلى الحسن بن عليٍّ، فلمَّا مات الحسن قالوا بإمامة جعفر، وقول هؤلاء يبطل بوجوه(1051) أفسدناها، ولأنَّه لا خلاف بين الإماميَّة أنَّ الإمامة لا تجتمع في أخوين بعد الحسن والحسين، وقد أوردنا في ذلك أخباراً كثيرة(1052).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1050) كلمة: (هو) ليست في المصدر.
(1051) في المصدر: (من وجوه) بدل (بوجوه).
(1052) الغيبة للطوسي (ص 223 - 225).

(٣٤٥)

ومنها أنَّه لا خلاف أنَّه لم يكن معصوماً، وقد بيَّنَّا أنَّ من شرط الإمام أنْ يكون معصوماً، وما ظهر من أفعاله ينافي العصمة، وَقَدْ رُويَ أَنَّهُ لَـمَّا وُلِدَ لِأَبِي الْحَسَن جَعْفَرٌ هَنَّئُوهُ بِهِ، فَلَمْ يَرَوْا بِهِ سُرُوراً، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: «هَوِّنْ عَلَيْكَ أَمْرَهُ، سَيُضِلُّ خَلْقاً كَثِيراً»(1053)، وما روي فيه وله من الأفعال والأقوال الشنيعة أكثر من أنْ تُحصى نُنزِّه كتابنا عن ذلك.
فأمَّا من قال: إنَّ للخلف ولداً، وإنَّ الأئمَّة ثلاثة عشر، فقولهم يفسد بما دلَّلنا عليه من أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) اثنا عشر، فهذا القول يجب إطراحه.
على أنَّ هذه الفِرَق كلّها قد انقرضت بحمد الله ولم يبقَ قائل بقولها، وذلك دليل على بطلان هذه الأقاويل(1054). انتهى كلامه (قدَّس الله روحه).
وأقول: تحقيقاته (رحمه الله) في هذا المبحث يحتاج إلى تفصيل وتبيين وإتمام ونقض وإبرام ليس كتابنا محلّ تحقيق أمثال ذلك، وإنَّما أوردنا كلامه (رحمه الله) لأنَّه كان داخلاً فيما اشتمل عليه أُصولنا التي أخذنا منها، ومحلُّ تحقيق تلك المباحث من جهة الدلائل العقليَّة الكُتُب الكلاميَّة، وأمَّا ما يتعلَّق بكتابنا من الأخبار المتعلِّقة بها فقد وفَّينا حقَّها على وجه لا يبقى لمنصف بل معاند مجال الشكِّ فيها، ولنتكلَّم فيما التزمه (رحمه الله) في ضمن أجوبة اعتراضات المخالف من كون كلِّ من خفي عليه الإمام من الشيعة في زمان الغيبة فهم مقصِّرون مذنبون، فنقول:
يلزم عليه أنْ لا يكون أحد من الفرقة المحقَّة الناجية في زمان الغيبة موصوفاً بالعدالة، لأنَّ هذا الذنب الذي صار مانعاً لظهوره (علیه السلام) من جهتهم إمَّا كبيرة أو صغيرة أصرُّوا عليها، وعلى التقديرين ينافي العدالة، فكيف كان يحكم بعدالة الرواة والأئمَّة في الجماعات؟ وكيف كان يقبل قولهم في الشهادات؟ مع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1053) الغيبة للطوسي (ص 226 و227).
(1054) الغيبة للطوسي (ص 227 و228).

(٣٤٦)

أنَّا نعلم ضرورةً أنَّ كلَّ عصر من الأعصار مشتمل على جماعة من الأخيار لا يتوقَّفون مع خروجه (علیه السلام) وظهور أدنى معجز منه في الإقرار بإمامته وطاعته، وأيضاً فلا شكَّ في أنَّ في كثير من الأعصار الماضية كان الأنبياء والأوصياء محبوسين ممنوعين عن وصول الخلق إليهم، وكان معلوماً من حال المقرِّين أنَّهم لم يكونوا مقصِّرين في ذلك، بل نقول: لـمَّا اختفى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الغار كان ظهوره لأمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وكونه معه لطفاً له، ولا يمكن إسناد التقصير إليه، فالحقُّ في الجواب أنَّ اللطف إنَّما يكون شرطاً للتكليف إذا لم يكن مشتملاً على مفسدة، فإنَّا نعلم أنَّه تعالى إذا أظهر علامة مشيَّته عند ارتكاب المعاصي على المذنبين كأنْ يُسوِّد وجوههم مثلاً، فهو أقرب إلى طاعتهم وأبعد عن معصيتهم، لكن لاشتماله على كثير من المفاسد لم يفعله، فيمكن أنْ يكون ظهوره (علیه السلام) مشتملاً على مفسدة عظيمة للمقرِّين يوجب استئصالهم واجتياحهم، فظهوره (علیه السلام) مع تلك الحال ليس لطفاً لهم. وما ذكره (رحمه الله) من أنَّ التكليف مع فقد اللطف كالتكليف مع فقد الآلة، فمع تسليمه إنَّما يتمُّ إذا كان [لطفاً و] ارتفعت المفاسد المانعة عن كونه لطفاً.
وحاصل الكلام أنَّ بعدما ثبت من الحسن والقبح العقليَّين، وأنَّ العقل يحكم بأنَّ اللطف على الله تعالى واجب، وأنَّ وجود الإمام لطف باتِّفاق جميع العقلاء على أنَّ المصلحة في وجود رئيس يدعو إلى الصلاح ويمنع عن الفساد، وأنَّ وجوده أصلح للعباد وأقرب إلى طاعتهم، وأنَّه لا بدَّ أنْ يكون معصوماً، وأنَّ العصمة لا تُعلَم إلَّا من جهته تعالى، وأنَّ الإجماع واقع على عدم عصمة غير صاحب الزمان (علیه السلام)، يثبت وجوده.
وأمَّا غيبته عن المخالفين، فظاهر أنَّه مستند إلى تقصيرهم، وأمَّا عن المقرِّين فيمكن أنْ يكون بعضهم مقصِّرين، وبعضهم مع عدم تقصيرهم ممنوعين من

(٣٤٠)

بعض الفوائد التي تترتَّب على ظهوره (علیه السلام) لمفسدة لهم في ذلك ينشأ من المخالفين، أو لمصلحة لهم في غيبته بأنْ يؤمنوا به مع خفاء الأمر وظهور الشُّبَه وشدَّة المشقَّة فيكونوا أعظم ثواباً، مع أنَّ إيصال الإمام فوائده وهداياته لا يتوقَّف على ظهوره بحيث يعرفونه، فيمكن أنْ يصل منه (علیه السلام) إلى أكثر الشيعة ألطاف كثيرة لا يعرفونه، كما سيأتي عنه (علیه السلام) أنَّه في غيبته كالشمس تحت السحاب. على أنَّ في غيبات الأنبياء دليلاً بيِّناً على أنَّ في هذا النوع من وجود الحجَّة مصلحة وإلَّا لم يصدر منه تعالى.
وأمَّا الاعتراضات الموردة على كلٍّ من تلك المقدّمات وأجوبتها فموكول إلى مظانِّه.

* * *

(٣٤٨)

[312/1] كمال الدِّين: ابْنُ الْوَلِيدِ، عَن الصَّفَّار، عَنْ سَعْدٍ وَالْحِمْيَريِّ مَعاً، عَن ابْن أَبِي الْخَطَّابِ، عَن ابْن أَسْبَاطٍ، عَن ابْن عَمِيرَةَ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّام، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، قَالَ: «إِنَّ صَالِحاً (علیه السلام) غَابَ عَنْ قَوْمِهِ زَمَاناً، وَكَانَ يَوْمَ غَابَ عَنْهُمْ كَهْلاً مبدح [مُدَبِّحَ] الْبَطْن، حَسَنَ الْجِسْم، وَافِرَ اللِّحْيَةِ، خَمِيصَ الْبَطْن، خَفِيفَ الْعَارضَيْن، مُجْتَمِعاً رَبْعَةً مِنَ الرِّجَالِ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ لَمْ يَعْرفُوهُ بِصُورَتِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ: طَبَقَةٌ جَاحِدَةٌ لَا تَرْجِعُ أَبَداً، وَأُخْرَى شَاكَّةٌ فِيهِ، وَأُخْرَى عَلَى يَقِينٍ، فَبَدَأ (علیه السلام) حَيْثُ رَجَعَ بِطَبَقَةِ الشُّكَّاكِ(1055)، فَقَالَ لَهُمْ: أَنَا صَالِحٌ، فَكَذَّبُوهُ وَشَتَمُوهُ وَزَجَرُوهُ، وَقَالُوا: بَرئَ اللهُ مِنْكَ، إِنَّ صَالِحاً كَانَ فِي غَيْر صَورَتِكَ»، قَالَ: «فَأَتَى الْجُحَّادَ فَلَمْ يَسْمَعُوا مِنْهُ الْقَوْلَ وَنَفَرُوا مِنْهُ أَشَدَّ النَّفُور، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ وَهُمْ أَهْلُ الْيَقِين، فَقَالَ لَهُمْ: أَنَا صَالِحٌ، فَقَالُوا: أَخْبِرْنَا خَبَراً لَا نَشُكُّ فِيكَ مَعَهُ أَنَّكَ صَالِحٌ فَإنَّا لَا نَمْتَري أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْخَالِقُ يَنْقُلُ وَيُحَوِّلُ فِي أَيِّ الصُّوَر شَاءَ، وَقَدْ أُخْبِرْنَا وَتَدَارَسْنَا فِيمَا بَيْنَنَا بِعَلَامَاتِ الْقَائِم إِذَا جَاءَ، وَإِنَّمَا صَحَّ عِنْدَنَا إِذَا أَتَى الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ، فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: أَنَا صَالِحٌ الَّذِي أَتَيْتُكُمْ بِالنَّاقَةِ، فَقَالُوا: صَدَقْتَ وَهِيَ الَّتِي نَتَدَارَسُ، فَمَا عَلَامَاتُهَا(1056)؟ فَقَالَ: ﴿لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ [الشعراء: 155]، قَالُوا: آمَنَّا بِاللهِ وَبِمَا جِئْتَنَا بِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ﴾، قَالَ أَهْلُ الْيَقِين: ﴿إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾، وَ﴿قَالَ الَّذِينَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1055) في المصدر: (بالطبقة الشاكَّة).
(1056) في المصدر: (علامتها).

(٣٥١)

اسْتَكْبَرُوا﴾ وَهُمُ الشُّكَّاكُ وَالْجُحَّادُ: ﴿إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ [الأعراف: 75 و76]».
قُلْتُ: هَلْ كَانَ فِيهِمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ عَالِمٌ(1057)؟ قَالَ: «اللهُ تَعَالَى أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَ الْأَرْضَ بِغَيْر عَالِم يَدُلُّ عَلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَلَقَدْ مَكَثَ الْقَوْمُ بَعْدَ خُرُوج صَالِح سَبْعَةَ أَيَّام عَلَى فَتْرَةٍ لَا يَعْرفُونَ إِمَاماً، غَيْرَ أَنَّهُمْ عَلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ دِين اللهِ (عزَّ وجلَّ)، كَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ، فَلَمَّا ظَهَرَ صَالِحٌ (علیه السلام) اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا مَثَلُ [عَلِيٍّ وَ](1058) الْقَائِم مَثَلُ صَالِح (علیه السلام)»(1059).
[313/2] كمال الدِّين: أَبِي، عَنْ سَعْدٍ، عَن المُعَلَّى بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن جُمْهُورٍ وَغَيْرهِ، عَن ابْن أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «فِي الْقَائِم سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى بْن عِمْرَانَ (علیه السلام)»، فَقُلْتُ: وَمَا سُنَّةُ مُوسَى بْن عِمْرَانَ؟ قَالَ: «خَفَاءُ مَوْلِدِهِ، وَغَيْبَتُهُ عَنْ قَوْمِهِ»، فَقُلْتُ: وَكَمْ غَابَ مُوسَى عَنْ أَهْلِهِ وَقَوْمِهِ؟ قَالَ: «ثَمَانِيَ وَعِشْرينَ سَنَةً»(1060).
[314/3] كمال الدِّين: أَبِي وَابْنُ الْوَلِيدِ مَعاً، عَن الْحِمْيَريِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عِيسَى، عَنْ سُلَيْمَانَ بْن دَاوُدَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «فِي صَاحِبِ هَذَا الْأَمْر أَرْبَعُ سُنَنٍ مِنْ أَرْبَعَةِ أَنْبِيَاءَ: سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ عِيسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ، وَسُنَّةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ)، فَأَمَّا مِنْ مُوسَى فَخَائِفٌ يَتَرَقَّبُ، وَأَمَّا مِنْ يُوسُفَ فَالسِّجْنُ، وَأَمَّا مِنْ عِيسَى فَيُقَالُ: إِنَّهُ مَاتَ، وَلَمْ يَمُتْ، وَأَمَّا مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَالسَّيْفُ»(1061).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1057) في المصدر إضافة: (به).
(1058) عبارة: (عليّ و) ليست في المصدر.
(1059) كمال الدِّين (ج 1/ ص 136/ باب ذكر غيبة صالح/ ح 6).
(1060) كمال الدِّين (ج 2/ ص 340/ باب ما أخبر به الصادق (علیه السلام)/ ح 18).
(1061) كمال الدِّين (ج 1/ ص 326/ باب ما أخبر به الباقر (علیه السلام)/ ح 6).

(٣٥٢)

الغيبة للطوسي: محمّد الحميري، عن أبيه، مثله(1062).
كتاب الإمامة والتبصرة لعليِّ بن بابويه: عن عبد الله بن جعفر الحميري، مثله(1063).
[315/4] كمال الدِّين: عَلِيُّ بْنُ مُوسَى بْن أَحْمَدَ الْعَلَويُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن هَمَّام، عَنْ أَحْمَدَ بْن مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن هِلَالٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْن عِيسَى، عَنْ خَالِدِ بْن نَجِيح، عَنْ حَمْزَةَ بْن حُمْرَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَيِّدَ الْعَابِدِينَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْن (علیه السلام) يَقُولُ: «فِي الْقَائِم مِنَّا سُنَنٌ مِنْ سُنَن الْأَنْبِيَاءِ (عليهم السلام)، سُنَّةٌ مِنْ(1064) آدَمَ، وَسُنَّةٌ مِنْ نُوح، وَسُنَّةٌ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، وَسُنَّةٌ مِنْ مُوسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ عِيسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ أَيُّوبَ، وَسُنَّةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَأَمَّا مِنْ آدَمَ وَمِنْ نُوح فَطُولُ الْعُمُر، وَأَمَّا مِنْ إِبْرَاهِيمَ فَخَفَاءُ الْولَادَةِ وَاعْتِزَالُ النَّاس، وَأَمَّا مِنْ مُوسَى فَالْخَوْفُ وَالْغَيْبَةُ، وَأَمَّا مِنْ عِيسَى فَاخْتِلَافُ النَّاس فِيهِ، وَأَمَّا مِنْ أَيُّوبَ فَالْفَرَجُ بَعْدَ الْبَلْوَى، وَأَمَّا مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَالْخُرُوجُ بِالسَّيْفِ»(1065).
[316/5] كمال الدِّين: ابْنُ بَشَّارٍ، عَن المُظَفَّر بْن أَحْمَدَ، عَن الْأَسَدِيِّ، عَن النَّخَعِيِّ، عَن النَّوْفَلِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْن حُمْرَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَيِّدَ الْعَابِدِينَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْن (علیه السلام) يَقُولُ: «فِي الْقَائِم سُنَّةٌ مِنْ نُوح، وَهُوَ طُولُ الْعُمُر»(1066).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1062) الغيبة للطوسي (ص 424/ ح 408).
(1063) الإمامة والتبصرة (ص 93 و94/ باب 23/ ح 84).
(1064) في المصدر إضافة: (أبينا).
(1065) كمال الدِّين (ج 1/ ص 321/ باب ما أخبر به عليُّ بن الحسين (علیه السلام)/ ح 3).
(1066) كمال الدِّين (ج 1/ ص 322/ باب ما أخبر به عليُّ بن الحسين (علیه السلام)/ ح 4).

(٣٥٣)

كمال الدِّين: الدقَّاق والشيباني معاً، عن الأسدي، عن النخعي، عن النوفلي، عن حمزة بن حمران، مثله(1067).
[317/6] كمال الدَّين: الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عِيسَى، عَنْ سُلَيْمَانَ بْن دَاوُدَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ.
وَحَدَّثَنَا ابْنُ عِصَام، عَن الْكُلَيْنيِّ، عَن الْقَاسِم بْن الْعَلَاءِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْن إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَاصِم بْن حُمَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن مُسْلِم، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) وَأَنَا أُريدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَن الْقَائِم مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ لِي مُبْتَدِئاً:
«يَا مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِم، إِنَّ فِي الْقَائِم مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شَبَهاً مِنْ خَمْسَةٍ مِنَ الرُّسُل: يُونُسَ بْن مَتَّى، وَيُوسُفَ بْن يَعْقُوبَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَمُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ)، فَأَمَّا شَبَهُهُ مِنْ يُونُسَ فَرُجُوعُهُ مِنْ غَيْبَتِهِ وَهُوَ شَابٌّ بَعْدَ كِبَر السِّنِّ، وَأَمَّا شَبَهُهُ مِنْ يُوسُفَ بْن يَعْقُوبَ فَالْغَيْبَةُ مِنْ خَاصَّتِهِ وَعَامَّتِهِ وَاخْتِفَاؤُهُ مِنْ إِخْوَتِهِ وَإِشْكَالُ أَمْرهِ عَلَى أَبِيهِ يَعْقُوبَ (علیه السلام) مَعَ قُرْبِ المَسَافَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ وَأَهْلِهِ وَشِيعَتِهِ، وَأَمَّا شَبَهُهُ مِنْ مُوسَى فَدَوَامُ خَوْفِهِ وَطُولُ غَيْبَتِهِ وَخَفَاءُ ولَادَتِهِ وَتَعَبُ شِيعَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ بِمَا(1068) لَقُوا مِنَ الْأَذَى وَالْهَوَان إِلَى أَنْ أَذِنَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) فِي ظُهُورهِ وَنَصَرَهُ وَأَيَّدَهُ عَلَى عَدُوِّهِ، وَأَمَّا شَبَهُهُ مِنْ عِيسَى فَاخْتِلَافُ مَن اخْتَلَفَ فِيهِ حَتَّى قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: مَا وُلِدَ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَاتَ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: قُتِلَ وَصُلِبَ، وَأَمَّا شَبَهُهُ مِنْ جَدِّهِ المُصْطَفَى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَخُرُوجُهُ بِالسَّيْفِ وَقَتْلُهُ أَعْدَاءَ اللهِ وَأَعْدَاءَ رَسُولِهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَالْجَبَّارينَ وَالطَّوَاغِيتَ، وَأَنَّهُ يُنْصَرُ بِالسَّيْفِ وَالرُّعْبِ، وَأَنَّهُ لَا تُرَدُّ لَهُ رَايَةٌ، وَأَنَّ مِنْ عَلَامَاتِ خُرُوجِهِ خُرُوجَ السُّفْيَانِيِّ مِنَ الشَّام، وَخُرُوجَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1067) كمال الدِّين (ج 1/ ص 322/ باب ما أخبر به عليُّ بن الحسين (علیه السلام)/ ح 5).
(1068) في المصدر: (ممَّا) بدل (بما).

(٣٥٤)

الْيَمَانِيِّ(1069)، وَصَيْحَةً مِنَ السَّمَاءِ فِي شَهْر رَمَضَانَ، وَمُنَادٍ يُنَادِي(1070) بِاسْمِهِ وَاسْم أَبِيهِ»(1071).
[318/7] كمال الدِّين: عَلِيُّ بْنُ مُوسَى، عَن الْأَسَدِيِّ، عَن النَّخَعِيِّ، عَن النَّوْفَلِيِّ، عَن الْحَسَن بْن عَلِيِّ بْن أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «فِي صَاحِبِ الْأَمْر سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ عِيسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ، وَسُنَّةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَأَمَّا مِنْ مُوسَى فَخَائِفٌ يَتَرَقَّبُ، وَأَمَّا مِنْ عِيسَى فَيُقَالُ فِيهِ مَا قِيلَ فِي عِيسَى، وَأَمَّا مِنْ يُوسُفَ فَالسِّجْنُ وَالتَّقِيَّةُ(1072)، وَأَمَّا مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَالْقِيَامُ بِسِيرَتِهِ وَتَبْيينُ آثَارهِ، ثُمَّ يَضَعُ سَيْفَهُ عَلَى عَاتِقِهِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، وَلَا يَزَالُ يَقْتُلُ أعْدَاءَ اللهِ حَتَّى يَرْضَى اللهُ»، قُلْتُ: وَكَيْفَ يَعْلَمُ أنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) قَدْ رَضِيَ؟ قَالَ: «يُلْقِي اللهُ (عزَّ وجلَّ) فِي قَلْبِهِ الرَّحْمَةَ»(1073).
[319/8] كمال الدِّين: عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ(1074)، عَنْ مُحَمَّدِ بْن مَسْعُودٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ الْقُمِّيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن يَحْيَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن هَاشِم، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الْأَزْدِيِّ، عَنْ ضُرَيْسٍ الْكُنَاسِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْر فِيهِ سُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ، ابْنُ أَمَةٍ سَوْدَاءَ، يُصْلِحُ اللهُ أَمْرَهُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ»(1075).
الغيبة للنعماني: ابن عقدة، عن محمّد بن المفضَّل وسعدان بن إسحاق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1069) في المصدر إضافة: (من اليمن).
(1070) في المصدر إضافة: (من السماء).
(1071) كمال الدِّين (ج 1/ ص 327/ باب ما أخبر به الباقر (علیه السلام)/ ح 7).
(1072) في المصدر: (الغيبة) بدل (التقيَّة).
(1073) كمال الدِّين (ج 1/ ص 329/ باب ما أخبر به الباقر (علیه السلام)/ ح 11).
(1074) في المصدر: (الكشِّي) بدل (الليثي).
(1075) كمال الدِّين (ج 1/ ص 329/ باب ما أخبر به الباقر (علیه السلام)/ ح 12).

(٣٥٥)

وأحمد بن الحسن(1076) جميعاً، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن الكناسي، مثله(1077).
بيان: قوله (علیه السلام): (ابن أَمَة سوداء) يخالف كثيراً من الأخبار التي وردت في وصف أُمِّه (علیه السلام) ظاهراً إلَّا أنْ يُحمَل على الأُمِّ بالواسطة أو المربّية.
[320/9] كمال الدِّين: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْن حَاتِم، عَنْ أَحْمَدَ بْن عِيسَى الْوَشَّاءِ الْبَغْدَادِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن طَاهِرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن يَحْيَى بْن سَهْلٍ، عَنْ عَلِيِّ بْن الْحَارثِ، عَنْ سَعْدِ بْن مَنْصُور الْجَوَاشِنِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن عَلِيٍّ الْبُدَيْليِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَالمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو بَصِيرٍ وَأَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ عَلَى مَوْلَانَا أَبِي عَبْدِ اللهِ جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَرَأَيْنَاهُ جَالِساً عَلَى التُّرَابِ وَعَلَيْهِ مِسْحٌ(1078) خَيْبَريٌّ مُطَوَّقٌ بِلَا جَيْبٍ مُقَصَّرُ الْكُمَّيْن، وَهُوَ يَبْكِي بُكَاءَ الْوَالِهِ الثَّكْلَى ذَاتَ الْكَبِدِ الْحَرَّى، قَدْ نَالَ الْحُزْنُ مِنْ وَجْنَتَيْهِ، وَشَاعَ التَّغَيُّرُ(1079) فِي عَارضَيْهِ، وَأَبْلَى الدُّمُوعُ مَحْجِرَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: «سَيِّدِي غَيْبَتُكَ نَفَتْ رُقَادِي، وَضَيَّقَتْ عَلَيَّ مِهَادِي، وَأَسَرَتْ(1080) مِنِّي رَاحَةَ فُؤَادِي، سَيِّدِي غَيْبَتُكَ أَوْصَلَتْ مُصَابِي بِفَجَائِع الْأَبَدِ، وَفَقْدُ الْوَاحِدِ بَعْدَ الْوَاحِدِ يُفْنِي الْجَمْعَ وَالْعَدَدَ، فَمَا أُحِسُّ بِدَمْعَةٍ تَرْقَى مِنْ عَيْني، وَأَنِينٍ يَفْتُرُ مِنْ صَدْري عَنْ دَوَارج الرَّزَايَا وَسَوَالِفِ الْبَلَايَا إِلَّا مُثِّلَ لِعَيْني عَنْ عَوَائِر أَعْظَمِهَا وَأَفْظَعِهَا، وَتَرَاقِي(1081) أَشَدِّهَا وَأَنْكَرهَا، وَنَوَائِبَ مَخْلُوطَةٍ بِغَضَبِكَ، وَنَوَازِلَ مَعْجُونَةٍ بِسَخَطِكَ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1076) في المصدر: (ومحمّد بن أحمد بن الحسن).
(1077) الغيبة للنعماني (ص 163).
(1078) المِسح بالكسر: البلاس. (الصحاح: ج 1/ ص 405). وكأنَّ الراوي يصف جبَّة من شعر، وكيف كان الحديث منكر السند.
(1079) في المصدر: (التغيير).
(1080) في المصدر: (ابتزَّت) بدل (أسرت).
(1081) في المصدر: (عن غوابر أعظمها وأفظعها وبواقي أشدّها).

(٣٥٦)

قَالَ سَدِيرٌ: فَاسْتَطَارَتْ عُقُولُنَا وَلَهاً، وَتَصَدَّعَتْ قُلُوبُنَا جَزَعاً عَنْ ذَلِكَ الْخَطْبِ الْهَائِل وَالْحَادِثِ الْغَائِل، وَظَنَنَّا أَنَّهُ سِمَةٌ لِمَكْرُوهَةٍ قَارعَةٍ أَوْ حَلَّتْ بِهِ مِنَ الدَّهْر بَائِقَةٌ، فَقُلْنَا: لَا أَبْكَى اللهُ يَا بْنَ خَيْر الْوَرَى عَيْنَيْكَ، مِنْ أَيِّ(1082) حَادِثَةٍ تَسْتَنْزفُ دَمْعَتَكَ، وَتَسْتَمْطِرُ عَبْرَتَكَ، وَأَيَّةُ حَالَةٍ حَتَمَتْ عَلَيْكَ هَذَا المَأتَمَ؟
قَالَ: فَزَفَرَ الصَّادِقُ (علیه السلام) زَفْرَةً انْتَفَخَ مِنْهَا(1083) جَوْفُهُ، وَاشْتَدَّ مِنْهَا خَوْفُهُ، وَقَال: «وَيْكُمْ إِنِّي نَظَرْتُ فِي كِتَابِ الْجَفْر صَبِيحَةَ هَذَا الْيَوْم، وَهُوَ الْكِتَابُ المُشْتَمِلُ عَلَى عِلْم المَنَايَا وَالْبَلَايَا وَالرَّزَايَا وَعِلْم مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَةِ الَّذِي خَصَّ اللهُ تَقَدَّسَ اسْمُهُ بِهِ مُحَمَّداً وَالْأَئِمَّةَ مِنْ بَعْدِهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَتَأَمَّلْتُ فِيهِ مَوْلِدَ قَائِمِنَا، وَغِيبَتَهُ وَإِبْطَاءَهُ، وَطُولَ عُمُرهِ، وَبَلْوَى المُؤْمِنينَ [بِهِ مِنْ بَعْدِهِ](1084) فِي ذَلِكَ الزَّمَان، وَتَوَلُّدَ الشُّكُوكِ فِي قُلُوبهِمْ مِنْ طُولِ غَيْبَتِهِ، وَارْتِدَادَ أَكْثَرهِمْ عَنْ دِينِهِمْ وَخَلْعَهُمْ ربْقَةَ الْإسْلَام مِنْ أَعْنَاقِهِمُ الَّتِي قَالَ اللهُ تَقَدَّسَ ذِكْرُهُ: ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ [الإسراء: 13]، يَعْنِي الْوَلَايَةَ، فَأَخَذَتْنِي الرِّقَّةُ، وَاسْتَوْلَتْ عَلَيَّ الْأَحْزَانُ».
فَقُلْنَا: يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، كَرِّمْنَا وَشَرِّفْنَا بِإشْرَاكِكَ إِيَّانَا فِي بَعْض مَا أَنْتَ تَعْلَمُهُ مِنْ عِلْم، قَالَ(1085): «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَدَارَ فِي الْقَائِم مِنَّا ثَلَاثَةً أَدَارَهَا فِي ثَلَاثَةٍ مِنَ الرُّسُل، قَدَّرَ مَوْلِدَهُ تَقْدِيرَ مَوْلِدِ مُوسَى (علیه السلام)، وَقَدَّرَ غَيْبَتَهُ تَقْدِيرَ غَيْبَةِ عِيسَى (علیه السلام)، وَقَدَّرَ إِبْطَاءَهُ تَقْدِيرَ إِبْطَاءِ نُوح (علیه السلام)، وَجَعَلَ(1086) مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عُمُرَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1082) في المصدر: (أيَّة) بدل (أيّ).
(1083) في المصدر: (عنها) بدل (منها).
(1084) عبارة: (به من بعده) ليست في المصدر.
(1085) في المصدر إضافة: (ذلك).
(1086) في المصدر إضافة: (له).

(٣٥٧)

الْعَبْدِ الصَّالِح - أَعْنِي الْخَضِرَ - دَلِيلاً عَلَى عُمُرهِ»، فَقُلْتُ(1087): اكْشِفْ لَنَا يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ عَنْ وُجُوهِ هَذِهِ المَعَانِي.
قَالَ: «أَمَّا مَوْلِدُ مُوسَى فَإنَّ فِرْعَوْنَ لَـمَّا وَقَفَ عَلَى أَنَّ زَوَالَ مُلْكِهِ عَلَى يَدِهِ أَمَرَ بِإحْضَار الْكَهَنَةِ، فَدَلُّوهُ عَلَى نَسَبِهِ، وَأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَمْ يَزَلْ يَأمُرُ أَصْحَابَهُ بِشَقِّ بُطُون الْحَوَامِل مِنْ [نِسَاءِ](1088) بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى قَتَلَ فِي طَلَبِهِ نَيِّفاً وَعِشْرينَ أَلْفَ مَوْلُودٍ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إِلَى قَتْل مُوسَى لِحِفْظِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِيَّاهُ.
كَذَلِكَ بَنُو أُمَيَّةَ وَبَنُو الْعَبَّاس لَـمَّا وَقَفُوا عَلَى أَنَّ زَوَالَ مُلْكِهِمْ وَالْأُمَرَاءِ(1089) وَالْجَبَابِرَةِ مِنْهُمْ عَلَى يَدِ الْقَائِمِ مِنَّا، نَاصَبُونَا الْعَدَاوَةَ وَوَضَعُوا سُيُوفَهُمْ فِي قَتْل آلِ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَإِبَادَةِ نَسْلِهِ طَمَعاً مِنْهُمْ فِي الْوُصُولِ إِلَى قَتْل الْقَائِم (علیه السلام)، وَيَأبَى اللهُ أَنْ يَكْشِفَ أَمْرَهُ لِوَاحِدٍ مِنَ الظَّلَمَةِ إِلَى أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرهَ المُشْركُونَ.
وَأَمَّا غَيْبَةُ عِيسَى (علیه السلام) فَإنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّفَقَتْ عَلَى أَنَّهُ قُتِلَ، وَكَذَّبَهُمُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ [النساء: 157]، كَذَلِكَ غَيْبَةُ الْقَائِم (علیه السلام) فَإنَّ الْأُمَّةَ تُنْكِرُهَا [لِطُولِهَا]، فَمِنْ قَائِلٍ بِغَيْر هُدًى بِأنَّهُ لَمْ يُولَدْ، وَقَائِلٍ يَقُولُ(1090): إِنَّهُ وُلِدَ وَمَاتَ، وَقَائِلٍ يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ حَادِيَ عَشَرَنَا كَانَ عَقِيماً، وَقَائِلٍ يَمْرُقُ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ يَتَعَدَّى إِلَى ثَالِثَ عَشَرَ فَصَاعِداً، وَقَائِلٍ يَعْصِي اللهَ (عزَّ وجلَّ) بِقَوْلِهِ(1091): إِنَّ رُوحَ الْقَائِم (علیه السلام) يَنْطِقُ فِي هَيْكَل غَيْرهِ.
وَأَمَّا إِبْطَاءُ نُوح (علیه السلام) فَإِنَّهُ لَـمَّا اسْتَنْزَلَ الْعُقُوبَةَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ السَّمَاءِ بَعَثَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1087) في المصدر: (فقلنا له) بدل (فقلت).
(1088) من المصدر.
(1089) في المصدر: (وملك الأُمراء).
(1090) في المصدر: (فإنَّ الأُمَّة ستُنكِرها لطولها، فمن يهذي بأنَّه لم يلد، وقائل يقول).
(1091) عبارة: (إنَّه ولد) إلى قوله: (بقوله) ليست في المصدر.

(٣٥٨)

اللهُ (عزَّ وجلَّ) جَبْرَئِيلَ الرُّوحَ الْأَمِينَ بِسَبْعَةِ نَوَيَاتٍ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ لَكَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ خَلَائِقِي وَعِبَادِي، وَلَسْتُ أُبِيدُهُمْ بِصَاعِقَةٍ مِنْ صَوَاعِقِي إِلَّا بَعْدَ تَأكِيدِ الدَّعْوَةِ وَإِلْزَام الْحُجَّةِ، فَعَاودْ اجْتِهَادَكَ فِي الدَّعْوَةِ لِقَوْمِكَ فَإنِّي مُثِيبُكَ عَلَيْهِ، وَاغْرسْ هَذَا النَّوَى فَإنَّ لَكَ فِي نَبَاتِهَا وَبُلُوغِهَا وَإِدْرَاكِهَا إِذَا أَثْمَرَتِ الْفَرَجَ وَالْخَلَاصَ، فَبَشِّرْ بِذَلِكَ مَنْ تَبِعَكَ مِنَ المُؤْمِنينَ.
فَلَمَّا نَبَتَتِ الْأَشْجَارُ وَتَأَزَّرَتْ وَتَسَوَّقَتْ وَتَغَصَّنَتْ وَأَثْمَرَتْ وَزَهَّى الثَّمَرُ(1092) عَلَيْهَا بَعْدَ زَمَنٍ طَويلٍ اسْتَنْجَزَ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعِدَةَ، فَأَمَرَهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَغْرسَ مِنْ نَوَى تِلْكَ الْأَشْجَار وَيُعَاودَ الصَّبْرَ وَالْاِجْتِهَادَ وَيُؤَكِّدَ الْحُجَّةَ عَلَى قَوْمِهِ، فَأخْبَرَ بِذَلِكَ الطَّوَائِفَ الَّتِي آمَنَتْ بِهِ، فَارْتَدَّ مِنْهُمْ ثَلَاثُ مِائَةِ رَجُلٍ، وَقَالُوا: لَوْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ نُوحٌ حَقًّا لَمَا وَقَعَ فِي وَعْدِ رَبِّهِ خُلْفٌ.
ثُمَّ إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَزَلْ يَأمُرُهُ عِنْدَ كُلِّ مَرَّةٍ أَنْ يَغْرسَهَا تَارَةً(1093) بَعْدَ أُخْرَى إِلَى أَنْ غَرَسَهَا سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ الطَّوَائِفُ مِنَ المُؤْمِنِينَ تَرْتَدُّ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنْ عَادَ إِلَى نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ رَجُلاً، فَأَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) عِنْدَ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَقَالَ: يَا نُوحُ، الْآنَ أَسْفَرَ الصُّبْحُ عَن اللَّيْل لِعَيْنكَ حِينَ صَرَّحَ الْحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ وَصَفَا [الْأَمْرُ لِلْإيمَان](1094) مِنَ الْكَدَر بِارْتِدَادِ كُلِّ مَنْ كَانَتْ طِينَتُهُ خَبِيثَةً.
فَلَوْ أَنِّي أَهْلَكْتُ الْكُفَّارَ وَأَبْقَيْتُ مَنْ قَدِ ارْتَدَّ مِنَ الطَّوَائِفِ الَّتِي كَانَتْ آمَنَتْ بِكَ لَمَا كُنْتُ صَدَقْتُ وَعْدِيَ السَّابِقَ لِلْمُؤْمِنينَ الَّذِينَ أَخْلَصُوا التَّوْحِيدَ مِنْ قَوْمِكَ وَاعْتَصَمُوا بِحَبْل نُبُوَّتِكَ بِأَنْ أَسْتَخْلِفَهُمْ فِي الْأَرْض وَأُمَكِّنَ لَهُمْ دِينَهُمْ وَأُبَدِّلَ خَوْفَهُمْ بِالْأَمْن، لِكَيْ تَخْلُصَ الْعِبَادَةُ لِي بِذَهَابِ الشَّكِّ مِنْ قُلُوبهِمْ.
وَكَيْفَ يَكُونُ الْاِسْتِخْلَافُ وَالتَّمْكِينُ وَبَدَلُ الْخَوْفِ بِالْأَمْن مِنِّي لَهُمْ مَعَ مَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1092) في المصدر: (وزها التمر).
(1093) في المصدر: (مرَّة) بدل (تارة).
(1094) من المصدر.

(٣٥٩)

كُنْتُ أَعْلَمُ مِنْ ضَعْفِ يَقِين الَّذِينَ ارْتَدُّوا وَخُبْثِ طِينَتِهِمْ، وَسُوءِ سَرَائِرهِمُ الَّتِي كَانَتْ نَتَائِجَ النِّفَاقِ وَسُنُوحَ الضَّلَالَةِ؟ فَلَوْ أَنَّهُمْ تَسَنَّمُوا [مِنِّي](1095) مِنَ المُلْكِ الَّذِي أُوتِيَ المُؤْمِنينَ وَقْتَ الْاِسْتِخْلَافِ إِذَا أَهْلَكْتُ أَعْدَاءَهُمْ لَنَشَقُوا رَوَائِحَ صِفَاتِهِ، وَلَاسْتَحْكَمَتْ سَرَائِرُ نِفَاقِهِمْ، وَتَأَبَّدَ حِبَالُ ضَلَالَةِ قُلُوبهِمْ، وَكَاشَفُوا إِخْوَانَهُمْ بِالْعَدَاوَةِ، وَحَارَبُوهُمْ عَلَى طَلَبِ الرِّئَاسَةِ وَالتَّفَرُّدِ بِالْأَمْر وَالنَّهْي، وَكَيْفَ يَكُونُ التَّمْكِينُ فِي الدِّين وَانْتِشَارُ الْأَمْر فِي المُؤْمِنينَ مَعَ إِثَارَةِ الْفِتَن وَإِيقَاع الْحُرُوبِ؟ كَلَّا فَـ﴿اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾ [هود: 37]».
قَالَ الصَّادِقُ (علیه السلام): «وَكَذَلِكَ الْقَائِمُ (علیه السلام) تَمْتَدُّ أَيَّامُ غَيْبَتِهِ لِيُصَرِّحَ الْحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ وَيَصْفُوَ الإيمَانُ مِنَ الْكَدَر بِارْتِدَادِ كُلِّ مَنْ كَانَتْ طِينَتُهُ خَبِيثَةً مِنَ الشِّيعَةِ الَّذِينَ يُخْشَى عَلَيْهِمُ النِّفَاقُ إِذَا أَحَسُّوا بِالْاِسْتِخْلَافِ وَالتَّمْكِين وَالْأَمْن المُنْتَشِر فِي عَهْدِ الْقَائِم (علیه السلام)».
قَالَ المُفَضَّلُ: فَقُلْتُ: يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، إِنَّ النَّوَاصِبَ تَزْعُمُ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، قَالَ: «لَا يَهْدِ اللهُ قُلُوبَ النَّاصِبَةِ، مَتَى كَانَ الدِّينُ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللهُ وَرَسُولُهُ مُتَمَكِّناً بِانْتِشَار الْأَمْن فِي الْأُمَّةِ وَذَهَابِ الْخَوْفِ مِنْ قُلُوبهَا وَارْتِفَاع الشَّكِّ مِنْ صُدُورهَا فِي عَهْدِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَفِي عَهْدِ عَلِيٍّ (علیه السلام) مَعَ ارْتِدَادِ المُسْلِمِينَ وَالْفِتَن الَّتِي كَانَتْ تَثُورُ فِي أَيَّامِهِمْ وَالْحُرُوبِ الَّتِي كَانَتْ تَنْشَبُ بَيْنَ الْكُفَّار وَبَيْنَهُمْ؟»، ثُمَّ تَلَا الصَّادِقُ (علیه السلام): «﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ [يوسف: 110].
وَأَمَّا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الْخَضِرُ (علیه السلام) فَإنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا طَوَّلَ عُمُرَهُ لِنُبُوَّةٍ قَدَّرَهَا لَهُ، وَلَا لِكِتَابٍ يُنْزلُهُ عَلَيْهِ، وَلَا لِشَريعَةٍ يَنْسَخُ بِهَا شَريعَةَ مَنْ كَانَ قَبْلَهَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا لإمَامَةٍ يُلْزمُ عِبَادَهُ الْاِقْتِدَاءَ بِهَا، وَلَا لِطَاعَةٍ يَفْرضُهَا لَهُ، بَلَى إِنَّ اللهَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1095) من المصدر.

(٣٦٠)

تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَـمَّا كَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنْ يُقَدِّرَ مِنْ عُمُر الْقَائِمِ (علیه السلام) فِي أَيَّام غَيْبَتِهِ مَا يُقَدِّرُ، وَعَلِمَ مَا يَكُونُ مِنْ إِنْكَار عِبَادِهِ بِمِقْدَار ذَلِكَ الْعُمُر فِي الطُّولِ، طَوَّلَ عُمُرَ الْعَبْدِ الصَّالِح مِنْ غَيْر سَبَبٍ أَوْجَبَ(1096) ذَلِكَ إِلَّا لِعِلَّةِ الْاِسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى عُمُر الْقَائِم (علیه السلام)، وَلِيَقْطَعَ بِذَلِك حُجَّةَ المُعَانِدِينَ، ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ﴾ [النساء: 165]»(1097).
الغيبة للطوسي: جماعة، عن أبي المفضَّل، عن محمّد بن بحر الشيباني، عن عليِّ بن الحارث، مثله(1098).
بيان: قال الفيروزآبادي: المحجر كمجلس ومنبر: من العين وما دار بها وبدا من البرقع(1099). قوله (علیه السلام): (وفقد) لعلَّه معطوف على الفجائع أو على الأبد، أي أوصلت مصابي بما أصابني قبل ذلك من فقد واحد بعد واحد بسبب فناء الجمع والعدد. وفي بعض النُّسَخ: يغني، فالجملة معترضة أو حاليَّة.
قوله (علیه السلام): (يفتر): أي يخرج بضعف وفتور، وفي الغيبة للطوسي: يفشأ على البناء للمفعول، أي ينتشر. و(دوارج الرزايا): مواضيها.
والعواير: المصائب الكثيرة التي تعور العين لكثرتها، من قولهم: عنده من المال عائرة عين، أي يُحار فيه البصر من كثرته، أو من العائر وهو الرمد والقذى في العين. وتعدية التمثيل بـ(عن) لتضمين معنى الكشف. والتراقي: جمع الترقوة، أي يُمثِّل لي أشخاص مصائب أنظر إلى ترقوتها(1100). وقوله: (أعظمها)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1096) في المصدر: (في غير سبب يوجب).
(1097) كمال الدِّين (ج 2/ ص 352 - 357/ باب ما أخبر به الصادق (علیه السلام)/ ح 50).
(1098) الغيبة للطوسي (ص 167/ ح 129).
(1099) القاموس المحيط (ج 2/ ص 5).
(1100) ويحتمل أنْ يكون العوائر والتراقي، الغوابر بالغين المعجمة والباء الموحَّدة من الغابر خلاف الماضي، والتراقي: البواقي بالباء الموحَّدة والواو، فالغوابر والبواقي في المستثنى بحذاء الدوارج والسوالف في المستثنى منه، إذ الدوارج بمعنى المواضي من درج أي مضي، كما لا يخفى على المتأمِّل، فتأمَّل. كذا قيل.

(٣٦١)

على صيغة أفعل التفضيل فيكون بدلاً عن العوائر، أو صيغة المتكلِّم أي أعدُّها عظيمة فيكون صفة، والاحتمالان جاريان في الثلاثة الأُخر. وحاصل الكلام: أنِّي كلَّما أنظر إلى دمعة أو أسمع منِّي أنيناً للمصائب التي نزلت بنا في سالف الزمان أنظر بعين اليقين إلى مصائب جليلة مستقبلة أعدُّها عظيمة فظيعة. و(الغائل): المهلك، والغوائل الدواهي. قوله: (سمة): أي علامة.

وقد سبق تفسير سائر أجزاء الخبر في كتاب النبوَّة.
[321/10] كمال الدِّين: المُظَفَّرُ الْعَلَويُّ، عَن ابْن الْعَيَّاشِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدِ بْن شُجَاع، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عَلِيِّ بْن أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (علیه السلام): «إِنَّ فِي صَاحِبِ هَذَا الْأَمْر سُنَناً مِنَ الْأَنْبِيَاءِ: سُنَّةً مِنْ مُوسَى بْن عِمْرَانَ، وَسُنَّةً مِنْ عِيسَى، وَسُنَّةً مِنْ يُوسُفَ، وَسُنَّةً مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فَأَمَّا سُنَّتُهُ مِنْ مُوسَى فَخَائِفٌ يَتَرَقَّبُ، وَأَمَّا سُنَّتُهُ مِنْ عِيسَى فَيُقَالُ فِيهِ مَا قِيلَ فِي عِيسَى، وَأَمَّا سُنَّتُهُ مِنْ يُوسُفَ فَالسِّتْرُ جَعَلَ(1101) اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَلْقِ حِجَاباً يَرَوْنَهُ وَلَا يَعْرفُونَهُ، وَأَمَّا سُنَّتُهُ مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَيَهْتَدِي بِهُدَاهُ وَيَسِيرُ بِسِيرَتِهِ»(1102).
[322/11] كمال الدِّين: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْن بَشَّارٍ، عَن المُظَفَّر بْن أَحْمَدَ، عَن الْأَسَدِيِّ، عَن الْبَرْمَكِيِّ، عَن الْحَسَن بْن مُحَمَّدِ بْن صَالِح الْبَزَّازِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْعَسْكَريَّ (علیه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ ابْنِي هُوَ الْقَائِمُ مِنْ بَعْدِي، وَهُوَ الَّذِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1101) في المصدر: (يجعل).
(1102) كمال الدِّين (ج 2/ ص 350/ باب ما أخبر به الصادق (علیه السلام)/ ح 46).

(٣٦٢)

يَجْري فِيهِ سُنَنُ الْأَنْبِيَاءِ (عليهم السلام) بِالتَّعْمِير وَالْغَيْبَةِ، حَتَّى تَقْسُوَ قُلُوبٌ(1103) لِطُولِ الْأَمَدِ، وَلَا يَثْبُتَ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ إِلَّا مَنْ كَتَبَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) فِي قَلْبِهِ الْإيمَانَ وَأَيَّدَهُ بِرُوح مِنْهُ»(1104).
[323/12] الغيبة للطوسي: رَوَى أَبُو بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام)، قَالَ: «فِي الْقَائِم شَبَهٌ مِنْ يُوسُفَ»، قُلْتُ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: «الْحِيرَةُ وَالْغَيْبَةُ»(1105).
[324/13] الغيبة للطوسي: وَأَمَّا مَا رُويَ مِنَ الْأَخْبَار الَّتِي تَتَضَمَّنُ أَنَّ صَاحِبَ الزَّمَان يَمُوتُ ثُمَّ يَعِيشُ أَوْ يُقْتَلُ ثُمَّ يَعِيشُ، نَحْوَ مَا رَوَاهُ الْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنْ مُوسَى بْن سَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الْقَاسِم الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُرَاسَانِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام): لِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيَ الْقَائِمَ؟ قَالَ: «لِأَنَّهُ يَقُومُ بَعْدَ مَا يَمُوتُ، إِنَّهُ يَقُومُ بِأَمْرٍ عَظِيم، يَقُومُ بِأَمْر اللهِ»(1106).
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن جَعْفَرٍ الْحِمْيَريُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْن يَزيدَ، عَنْ عَلِيِّ بْن الْحَكَم، عَنْ حَمَّادِ بْن عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «مَثَلُ أَمْرنَا فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى مَثَلُ صَاحِبِ الْحِمَار أَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عام ثُمَّ بَعَثَهُ»(1107).
وَعَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ الْكُوفِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْن مُحَمَّدٍ، عَن الْقَاسِم بْن الرَّبيع، عَنْ عَلِيِّ بْن الْخَطَّابِ، عَنْ مُؤَذِّن مَسْجِدِ الْأَحْمَر، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (علیه السلام): هَلْ فِي كِتَابِ اللهِ مَثَلٌ لِلْقَائِم؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، آيَةُ صَاحِبِ الْحِمَار، أَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ».
وَرَوَى الْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَن ابْن أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن الْفُضَيْل، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1103) في المصدر: (القلوب).
(1104) كمال الدِّين (ج 2/ ص 524/ باب ما جاء في التعمير/ ح 4).
(1105) الغيبة للطوسي (ص 163/ ح 125).
(1106) الغيبة للطوسي (ص 422/ ح 403).
(1107) الغيبة للطوسي (ص 422/ ح 404).

(٣٦٣)

حَمَّادِ بْن عَبْدِ الْكَريم، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (علیه السلام): «إِنَّ الْقَائِمَ إِذَا قَامَ قَالَ النَّاسُ: أَنَّى يَكُونُ هَذَا وَقَدْ بَلِيَتْ عِظَامُهُ مُنْذُ دَهْرٍ طَويلٍ؟».
فَالْوَجْهُ فِي هَذِهِ الْأَخْبَار وَمَا شَاكَلَهَا أَنْ نَقُولَ: يَمُوتُ ذِكْرُهُ وَيَعْتَقِدُ أَكْثَرُ النَّاس أَنَّهُ بَليَ عِظَامُهُ ثُمَّ يُظْهِرُهُ اللهُ كَمَا أَظْهَرَ صَاحِبَ الْحِمَار بَعْدَ مَوْتِهِ الْحَقِيقِيِّ، وَهَذَا وَجْهٌ قَريبٌ فِي تَأويل هَذِهِ الْأَخْبَار. عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِأَخْبَارٍ آحَادٍ لَا يُوجِبُ عِلْماً عَمَّا دَلَّتِ الْعُقُولُ عَلَيْهِ وَسَاقَ الْاِعْتِبَارُ الصَّحِيحُ إِلَيْهِ وَعَضَدَهُ الْأَخْبَارُ المُتَوَاتِرَةُ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا، بَل الْوَاجِبُ التَّوَقُّفُ فِي هَذِهِ وَالتَّمَسُّكُ بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَإِنَّمَا تَأَوَّلْنَاهَا بَعْدَ تَسْلِيم صِحَّتِهَا عَلَى مَا يُفْعَلُ فِي نَظَائِرهَا. وَيُعَارضُ هَذِهِ الْأَخْبَارَ مَا يُنَافِيهَا(1108).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1108) الغيبة للطوسي (ص 423).

(٣٦٤)

وَلْنَبْدَأ بِذِكْر مَا ذَكَرَهُ الصَّدُوقُ (رحمه الله) فِي كِتَابِ إِكْمَالِ الدِّين، قَالَ:
[325/1] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ الْوَهَّابِ الشَّجَريُّ(1109)، عَنْ مُحَمَّدِ بْن الْقَاسِم(1110) الرَّقِّيِّ وَعَلِيِّ بْن الْحَسَن بْن جنكاء اللَّائكي(1111)، قَالَ: لَقِينَا بِمَكَّةَ رَجُلاً مِنْ أَهْل المَغْربِ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مِمَّنْ كَانَ حَضَرَ المَوْسِمَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَهِيَ سَنَةُ تِسْع وَثَلَاثِ مِائَةٍ، فَرَأَيْنَا رَجُلاً أَسْوَدَ الرَّأس وَاللِّحْيَةِ كَأنَّهُ شَنٌّ بَالٍ، وَحَوْلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَمَشَايِخُ مِنْ أَهْل بَلَدِهِ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ مِنْ أَقْصَى بِلَادِ المَغْربِ بِقُرْبِ بَاهِرَةَ(1112) الْعُلْيَا، وَشَهِدُوا هَؤُلَاءِ المَشَايِخُ أَنَّهُمْ سَمِعُوا آبَاءَهُمْ حَكَوْا عَنْ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادِهِمْ أَنَّهُمْ عَهِدُوا هَذَا الشَّيْخَ المَعْرُوفَ بِأَبِي الدُّنْيَا مُعَمَّرٍ وَاسْمُهُ عَلِيُّ بْنُ عُثْمَان بْن خَطَّابِ بْن مُرَّةَ بْن مُؤَيَّدٍ، وَذَكَرَ(1113) أَنَّهُ هَمْدَانِيٌّ، وَأَنَّ أَصْلَهُ مِنْ صُعْدِ(1114) الْيَمَن، فَقُلْنَا لَهُ: أَنْتَ رَأَيْتَ عَلِيَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ؟ فَقَالَ بِيَدِهِ فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ وَقَدْ كَانَ وَقَعَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ فَفَتَحَهُمَا كَأَنَّهُمَا سِرَاجَان، فَقَالَ: رَأَيْتُهُ بِعَيْني هَاتَيْن، وَكُنْتُ خَادِماً لَهُ، وَكُنْتُ مَعَهُ فِي وَقْعَةِ صِفِّينَ، وَهَذِهِ الشَّجَّةُ مِنْ دَابَّةِ عَلِيٍّ (علیه السلام)، وَأَرَانَا أَثَرَهَا عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَن، وَشَهِدَ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ كَانُوا حَوْلَهُ مِنَ المَشَايِخ وَمِنْ حَفَدَتِهِ وَأَسْبَاطِهِ بِطُولِ الْعُمُر، وَأَنَّهُمْ مُنْذُ وُلِدُوا عَهِدُوهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، وَكَذَا سَمِعْنَا مِنْ آبَائِنَا وَأَجْدَادِنَا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1109) في المصدر: (السجزيّ) بدل (الشجري)، وفي بعض النُّسَخ من المصدر كما في المتن.
(1110) في المصدر: (الفتح) بدل (القاسم).
(1111) في المصدر: (الأشكي) بدل (اللَّائكي).
(1112) في المصدر: (باهرت).
(1113) في المصدر: (ذكروا).
(1114) في المصدر: (صنعاء) بدل (صعد)، وفي بعض النُّسَخ من المصدر: (صعيد).

(٣٦٧)

ثُمَّ إِنَّا فَاتَحْنَاهُ وَسَأَلْنَاهُ عَنْ قِصَّتِهِ وَحَالِهِ وَسَبَبِ طُولِ عُمُرهِ، فَوَجَدْنَاهُ ثَابِتَ الْعَقْل يَفْهَمُ مَا يُقَالُ لَهُ وَيُجِيبُ عَنْهُ بِلُبٍّ وَعَقْلٍ، فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ وَالِدٌ قَدْ نَظَرَ فِي كُتُبِ الْأَوَائِل وَقَرَأَهَا، وَقَدْ كَانَ وَجَدَ فِيهَا ذِكْرَ نَهَر الْحَيَوَان، وَأَنَّهَا تَجْري فِي الظُّلُمَاتِ، وَأَنَّهُ مَنْ شَربَ مِنْهَا طَالَ عُمُرُهُ، فَحَمَلَهُ الْحِرْصُ عَلَى دُخُولِ الظُّلُمَاتِ، فَتَزَوَّدَ وَحَمَلَ حَسَبَ مَا قَدَّرَ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ فِي مَسِيرهِ، وَأَخْرَجَنِي مَعَهُ، وَأَخْرَجَ مَعَنَا خَادِمَيْن بَازِلَيْن(1115) وَعِدَّةَ جِمَالٍ لَبُونٍ وَرَوَايَا وَزَاداً، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَسَارَ بِنَا إِلَى أَنْ وَافَيْنَا طَرَفَ الظُّلُمَاتِ ثُمَّ دَخَلْنَا الظُّلُمَاتِ، فَسِرْنَا فِيهَا نَحْوَ سِتَّةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا، وَكُنَّا نُمَيِّزُ بَيْنَ اللَّيْل وَالنَّهَار بِأَنَّ النَّهَارَ كَانَ أَضْوَأ قَلِيلاً وَأقَلَّ ظُلْمَةً مِنَ اللَّيْل.
فَنَزَلْنَا بَيْنَ جِبَالٍ وَأَوْدِيَةٍ وَرَكَوَاتٍ(1116)، وَقَدْ كَانَ وَالِدِي (رحمه الله) يَطُوفُ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ فِي طَلَبِ النَّهَر، لِأَنَّهُ وَجَدَ فِي الْكُتُبِ الَّتِي قَرَأَهَا أَنَّ مَجْرَى نَهَر الْحَيَوَان فِي ذَلِكَ المَوْضِع، فَأَقَمْنَا فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ أَيَّاماً حَتَّى فَنِيَ المَاءُ الَّذِي كَانَ مَعَنَا وَأَسْقَيْنَاهُ(1117) جِمَالَنَا، وَلَوْ لَا أنَّ جِمَالَنَا كَانَتْ لَبُوناً لَهَلَكْنَا وَتَلِفْنَا عَطَشاً، وَكَانَ وَالِدِي يَطُوفُ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ فِي طَلَبِ النَّهَر، وَيَأمُرُنَا أَنْ نُوقِدَ نَاراً لِيَهْتَدِيَ بِضَوْئِهَا إِذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ إِلَيْنَا.
فَمَكَثْنَا فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ نَحْوَ خَمْسَةِ أَيَّام وَوَالِدِي يَطْلُبُ النَّهَرَ فَلَا يَجِدُهُ، وَبَعْدَ الْإيَاس عَزَمَ عَلَى الْاِنْصِرَافِ حَذَراً مِنَ التَّلَفِ لِفَنَاءِ الزَّادِ وَالمَاءِ وَالْخَدَم الَّذِينَ كَانُوا مَعَنَا، فَأَوْجَسُوا(1118) فِي أَنْفُسِهِمْ خِيفَةً مِنَ الطَّلَبِ، فَأَلَحُّوا عَلَى وَالِدِي بِالْخُرُوج

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1115) في المصدر: (باذلين).
(1116) في المصدر: (دكوات).
(1117) في المصدر: (استقيناه).
(1118) في المصدر: (معنا ضجروا فأوجسوا).

(٣٦٨)

مِنَ الظُّلُمَاتِ، فَقُمْتُ يَوْماً مِنَ الرَّحْل لِحَاجَتِي، فَتَبَاعَدْتُ مِنَ الرَّحْل قَدْرَ رَمْيَةِ سَهْم، فَعَثَرْتُ بِنَهَر مَاءٍ أَبْيَض اللَّوْن عَذْبٍ لَذِيذٍ لَا بِالصَّغِير مِنَ الْأَنْهَار وَلَا بِالْكَبِير يَجْري جَرْياً لَيِّناً، فَدَنَوْتُ مِنْهُ وَغَرَفْتُ مِنْهُ بِيَدِي غُرْفَتَيْن أَوْ ثَلَاثاً، فَوَجَدْتُهُ عَذْباً بَارداً لَذِيذاً، فَبَادَرْتُ مُسْرعاً إِلَى الرَّحْل فَبَشَّرْتُ الْخَدَمَ بِأَنِّي قَدْ وَجَدْتُ المَاءَ، فَحَمَلُوا مَا كَانَ مَعَنَا مِنَ الْقِرَبِ وَالْأَدَاوي(1119) لِنَمْلَأَهَا، وَلَمْ أَعْلَمْ أنَّ وَالِدِي فِي طَلَبِ ذَلِكَ النَّهَر، وَكَانَ سُرُوري بِوُجُودِ المَاءِ لِمَا كُنَّا فِيهِ مِنْ عَدَم المَاءِ، وَكَانَ وَالِدِي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَائِباً عَن الرَّحْل مَشْغُولاً بِالطَّلَبِ، فَجَهَدْنَا وَطُفْنَا سَاعَةً هَويَّةً فِي طَلَبِ(1120) النَّهَر فَلَمْ نَهْتَدِ إِلَيْهِ حَتَّى إِنَّ الْخَدَمَ كَذَّبُوني وَقَالُوا لِي: لَمْ تَصْدُقْ.
فَلَمَّا انْصَرَفْتُ إِلَى الرَّحْل وَانْصَرَفَ وَالِدِي أَخْبَرْتُهُ بِالْقِصَّةِ، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، الَّذِي أَخْرَجَنِي إِلَى ذَلِكَ المَكَان وَتَحَمُّل الْخَطَر كَانَ لِذَلِكَ النَّهَر، وَلَمْ أُرْزَقْ أَنَا وَأَنْتَ رُزِقْتَهُ، وَسَوْفَ يَطُولُ عُمُرُكَ حَتَّى تَمَلَّ الْحَيَاةَ، وَرَحَلْنَا مُنْصَرفِينَ وَعُدْنَا إِلَى أَوْطَانِنَا وَبَلَدِنَا، وَعَاشَ وَالِدِي بَعْدَ ذَلِكَ سُنَيَّاتٍ ثُمَّ مَاتَ (رحمه الله).
فَلَمَّا بَلَغَ سِنِّي قَريباً مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَكَانَ قَدِ اتَّصَلَ بِنَا وَفَاةُ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَوَفَاةُ الْخَلِيفَتَيْن بَعْدَهُ خَرَجْتُ حَاجًّا، فَلَحِقْتُ آخِرَ أَيَّام عُثْمَانَ.
فَمَالَ قَلْبِي مِنْ بَيْن جَمَاعَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِلَى عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام)، فَأقَمْتُ مَعَهُ أَخْدُمُهُ، وَشَهِدْتُ مَعَهُ وَقَائِعَ، وَفِي وَقْعَةِ صِفِّينَ أَصَابَتْنِي هَذِهِ الشَّجَّةُ مِنْ دَابَّتِهِ، فَمَا زِلْتُ مُقِيماً مَعَهُ إِلَى أَنْ مَضَى لِسَبِيلِهِ (علیه السلام)، فَألَحَّ عَلَيَّ أَوْلَادُهُ وَحَرَمُهُ أَنْ أُقِيمَ عِنْدَهُمْ فَلَمْ أُقِمْ وَانْصَرَفْتُ إِلَى بَلَدِي، وَخَرَجْتُ أَيَّامَ بَنِي مَرْوَانَ حَاجًّا، وَانْصَرَفْتُ مَعَ أَهْل بَلَدِي إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ مَا خَرَجْتُ فِي سَفَرٍ إِلَّا مَا كَانَ(1121) المُلُوكُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1119) في المصدر: (والأدوات) بدل (والأداوي).
(1120) في المصدر: (على أنْ نجد) بدل (في طلب).
(1121) في المصدر إضافة: (إلى).

(٣٦٩)

فِي بِلَادِ المَغْربِ يَبْلُغُهُمْ خَبَري وَطُولُ عُمُري فَيَشْخَصُوني إِلَى حَضْرَتِهِمْ لِيَرَوْني وَيَسْأَلُوني عَنْ سَبَبِ طُولِ عُمُري وَعَمَّا شَاهَدْتُ، وَكُنْتُ أَتَمَنَّى وَأَشْتَهِي أَنْ أَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى، فَحَمَلَنِي هَؤُلَاءِ حَفَدَتِي وَأَسْبَاطِيَ الَّذِينَ تَرَوْنَهُمْ حَوْلِي. وَذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ مَرَّتَيْن أَوْ ثَلَاثَةً.
فَسَأَلْنَاهُ أَنْ يُحَدِّثَنَا بِمَا سَمِعَ مِنْ أَمِير المُؤْمِنينَ عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام)، فَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِرْصٌ وَلَا هِمَّةٌ فِي طَلَبِ الْعِلْم وَقْتَ صُحْبَتِهِ لِعَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام)، وَالصَّحَابَةُ أَيْضاً كَانُوا مُتَوَافِرينَ، فَمِنْ فَرْطِ مَيْلي إِلَى عَلِيٍّ (علیه السلام) وَمَحَبَّتِي لَهُ لَمْ أَشْتَغِلْ بِشَيْءٍ سِوَى خِدْمَتِهِ وَصُحْبَتِهِ، وَالَّذِي كُنْتُ أَتَذَكَّرُهُ مِمَّا كُنْتُ سَمِعْتُهُ مِنْهُ قَدْ سَمِعَهُ مِنِّي عَالَمٌ كَثِيرٌ مِنَ النَّاس بِبِلَادِ المَغْربِ وَمِصْرَ وَالْحِجَازِ وَقَدِ انْقَرَضُوا وَتَفَانَوْا، وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ بَلَدِي(1122) وَحَفَدَتِي قَدْ دَوَّنُوهُ، فَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا النُّسْخَةَ، وَأَخَذَ يُمْلِي عَلَيْنَا مِنْ خَطِّهِ(1123):
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ بْن خَطَّابِ بْن مُرَّةَ بْن مُؤَيَّدٍ الْهَمْدَانِيِّ المَعْرُوفِ بِأَبِي الدُّنْيَا مُعَمَّرٍ المَغْربيِّ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَيًّا وَمَيِّتاً)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَنْ أَحَبَّ أَهْلَ الْيَمَن فَقَدْ أَحَبَّني، وَمَنْ أَبْغَضَ أَهْلَ الْيَمَن فَقَدْ أَبْغَضَنِي»(1124).
وَحَدَّثَنَا أَبُو الدُّنْيَا مُعَمَّرٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَنْ أَعَانَ مَلْهُوفاً كَتَبَ اللهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ، وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ»، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَنْ سَعَى فِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1122) في المصدر: (بيتي) بدل (بلدي).
(1123) كمال الدِّين (ج 2/ ص 538 - 541/ باب 50/ ح 1)، وفيه: (حفظه) بدل (خطِّه)، وفي بعض النُّسَخ من المصدر كما في المتن.
(1124) كمال الدِّين (ج 2/ ص 541/ باب 50/ ح 2).

(٣٧٠)

حَاجَةِ أَخِيهِ المُسْلِم للهِ فِيهَا رضًى وَلَهُ فِيهَا صَلَاحٌ فَكَأنَّمَا خَدَمَ اللهَ أَلْفَ سَنَةٍ وَلَمْ يَقَعْ فِي مَعْصِيَتِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ»(1125).
حَدَّثَنَا أَبُو الدُّنْيَا مُعَمَّرٌ المَغْربيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «أَصَابَ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جُوعٌ شَدِيدٌ وَهُوَ فِي مَنْزلِ فَاطِمَةَ»، قَالَ عَلِيٌّ: «فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ: يَا عَلِيُّ، هَاتِ المَائِدَةَ، فَقَدَّمْتُ المَائِدَةَ، فَإذَا عَلَيْهَا خُبْزٌ وَلَحْمٌ مَشْويٌّ»(1126).
حَدَّثَنَا أَبُو الدُّنْيَا مُعَمَّرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ المُؤْمِنينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «جُرحْتُ فِي وَقْعَةِ خَيْبَرَ خَمْساً وَعِشْرينَ جِرَاحَةً، فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَلَمَّا رَأَى مَا بِي(1127) بَكَى وَأَخَذَ مِنْ دُمُوع عَيْنَيْهِ فَجَعَلَهَا عَلَى الْجِرَاحَاتِ، فَاسْتَرَحْتُ مِنْ سَاعَتِي»(1128).
وَحَدَّثَنَا أَبُو الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَنْ قَرَأ: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ مَرَّةً فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآن، وَمَنْ قَرَأَهَا مَرَّتَيْن فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثُلُثَي الْقُرْآن، وَمَنْ قَرَأَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ»(1129).
وَحَدَّثَنَا أَبُو الدُّنْيَا، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «قَال رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): كُنْتُ أَرْعَى الْغَنَمَ، فَإذَا أَنَا بِذِئْبٍ عَلَى قَارعَةِ الطَّريقِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا تَصْنَعُ هَاهُنَا؟ فَقَالَ لِي: وَأَنْتَ مَا تَصْنَعُ هَاهُنَا؟ قُلْتُ: أَرْعَى الْغَنَمَ، قَالَ: مُرَّ، أَوْ قَالَ: ذَا الطَّريقُ، قَالَ: فَسُقْتُ الْغَنَمَ، فَلَمَّا تَوَسَّطَ الذِّئْبُ الْغَنَمَ إِذَا أَنَا بِهِ قَدْ شَدَّ عَلَى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1125) كمال الدِّين (ج 2/ ص 541/ باب 50/ ح 3).
(1126) كمال الدِّين (ج 2/ ص 541/ باب 50/ ح 4).
(1127) في المصدر إضافة: (من الجراحة).
(1128) كمال الدِّين (ج 2/ ص 542/ باب 50/ ح 5).
(1129) كمال الدِّين (ج 2/ ص 542/ باب 50/ ح 6).

(٣٧١)

شَاةٍ فَقَتَلَهَا، قَالَ: فَجِئْتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِقَفَاهُ فَذَبَحْتُهُ وَجَعَلْتُهُ عَلَى يَدِي وَجَعَلْتُ أَسُوقُ الْغَنَمَ.
فَلَمَّا(1130) سِرْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ وَإِذَا أَنَا بِثَلَاثَةِ أَمْلاَكٍ: جَبْرَئِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَمَلَكِ المَوْتِ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ)، فَلَمَّا رَأَوْني قَالُوا: هَذَا مُحَمَّدٌ بَارَكَ اللهُ فِيهِ، فَاحْتَمَلُوني وَأَضْجَعُوني وَشَقُّوا جَوْفِي بِسِكِّينٍ كَانَ مَعَهُمْ، وَأَخْرَجُوا قَلْبِي مِنْ مَوْضِعِهِ، وَغَسَلُوا جَوْفِي بِمَاءٍ بَاردٍ كَانَ مَعَهُمْ فِي قَارُورَةٍ حَتَّى نَقِيَ مِنَ الدَّم، ثُمَّ رَدُّوا قَلْبِي إِلَى مَوْضِعِهِ، وَأَمَرُّوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى جَوْفِي فَالْتَحَمَ الشِّقُّ بِإذْن اللهِ تَعَالَى، فَمَا أَحْسَسْتُ بِسِكِّينٍ وَلَا وَجَع، قَالَ: وَخَرَجْتُ أَغْدُو إِلَى أُمِّي - يَعْنِي حَلِيمَةَ دَايَةَ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) -، فَقَالَ: [فَقَالَتْ] لِي: أَيْنَ الْغَنَمُ؟ فَخَبَّرْتُهَا بِالْخَبَر، فَقَالَتْ: سَوْفَ تَكُونُ لَكَ فِي الْجَنَّةِ مَنْزلَةٌ عَظِيمَةٌ»(1131).
وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَتْح الْمِرْكَنِيُّ(1132) وَأَبُو الْحَسَن عَلِيُّ بْنُ الْحَسَن اللَّائكي(1133) أنَّ السُّلْطَانَ بِمَكَّةَ لَـمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ أَبِي الدُّنْيَا تَعَرَّضَ لَهُ وَقَالَ: لَا بُدَّ أَنْ أُخْرجَكَ إِلَى بَغْدَادَ إِلَى حَضْرَةِ أَمِير المُؤْمِنينَ المُقْتَدِر، فَإنِّي أَخْشَى أَنْ يَعْتِبَ عَلَيَّ إِنْ لَمْ أُخْرجْكَ مَعِي، فَسَأَلَهُ الْحَاجُّ مِنْ أَهْل المَغْربِ وَأَهْل مِصْرَ وَالشَّام أَنْ يُعْفِيَهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَشْخَصَهُ فَإنَّهُ شَيْخٌ ضَعِيفٌ وَلَا يُؤْمَنُ مَا يَحْدُثُ عَلَيْهِ، فَأَعْفَاهُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَلَوْ أَنِّي أَحْضُرُ المَوْسِمَ تِلْكَ(1134) السَّنَةَ لَشَاهَدْتُهُ، وَخَبَرُهُ كَانَ شَائِعاً مُسْتَفِيضاً فِي الْأَمْصَار، وَكَتَبَ عَنْهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْمِصْريُّونَ وَالشَّامِيُّونَ وَالْبَغْدَادِيُّونَ وَمِنْ سَائِر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1130) في المصدر: (فما) بدل (فلمَّا).
(1131) كمال الدِّين (ج 2/ ص 542/ باب 50/ ح 7).
(1132) في المصدر: (الرقِّي) بدل (المركني)، راجع سند الحديث (1) من الكتاب.
(1133) في المصدر: (الأشكي) بدل (اللَّائكي).
(1134) في المصدر: (أنِّي حضرت الموسم في تلك).

(٣٧٢)

الْأَمْصَار مَنْ(1135) حَضَرَ المَوْسِمَ وَبَلَغَهُ خَبَرُ هَذَا الشَّيْخ وَأَحَبَّ أَنْ يَلْقَاهُ وَيَكْتُبَ عَنْهُ(1136)، نَفَعَهُمُ اللهُ وَإِيَّانَا بِهَا(1137).
[326/2] وَأَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن يَحْيَى بْن الْحَسَن بْن جَعْفَر بْن عَبْدِ اللهِ بْن الْحَسَن بْن عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام) فِيمَا أَجَازَهُ لِي مِمَّا صَحَّ عِنْدِي مِنْ حَدِيثِهِ. وَصَحَّ عِنْدِي هَذَا الْحَدِيثُ بِروَايَةِ الشَّريفِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْن الْحَسَن بْن إِسْحَاقَ بْن الْحُسَيْن(1138) بْن إِسْحَاقَ بْن مُوسَى بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام) عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: حَجَجْتُ فِي سَنَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَفِيهَا حَجَّ نَصْرٌ الْقشوريُّ صَاحِبُ(1139) المُقْتَدِر بِاللهِ، وَمَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ عِمْرَانَ المُكَنَّى(1140) بِأَبِي الْهَيْجَاءِ، فَدَخَلْتُ مَدِينَةَ الرَّسُولِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَصَبْتُ قَافِلَةَ الْمِصْريِّينَ، وَبِهَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ المَادَرَائِيُّ وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْل المَغْربِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ رَأى(1141) أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَازْدَحَمُوا وَجَعَلُوا يَمْسَحُونَ بِهِ وَكَادُوا يَأتُونَ عَلَى نَفْسِهِ، فَأَمَرَ عَمِّي أَبُو الْقَاسِم طَاهِرُ بْنُ يَحْيَى فِتْيَانَهُ وَغِلْمَانَهُ، فَقَالَ: أَفْرجُوا عَنْهُ النَّاسَ، فَفَعَلُوا وَأَخَذُوهُ وَأَدْخَلُوهُ دَارَ أَبِي سَهْلٍ(1142) الطَّفِّيِّ، وَكَانَ عَمِّي نَازِلَهَا، فَأُدْخَلَ وَأَذِنَ لِلنَّاس فَدَخَلُوا، وَكَانَ مَعَهُ خَمْسَةُ نَفَرٍ ذَكَرَ أَنَّهُمْ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ، فِيهِمْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1135) في المصدر: (ممَّن) بدل (من).
(1136) في المصدر إضافة: (هذه الأحاديث).
(1137) كمال الدِّين (ج 2/ ص 542 و543/ باب 50/ ح 7).
(1138) في بعض النُّسَخ من المصدر: (الحسن) بدل (الحسين).
(1139) في بعض النُّسَخ من المصدر: (حاجب) بدل (صاحب).
(1140) في المصدر: (عبد الله بن حمدان المكنَّى) بدل (عبد الرحمن بن عمران المكنَّى).
(1141) في المصدر إضافة: (رجلاً من).
(1142) في المصدر: (ابن أبي سهل).

(٣٧٣)

شَيْخٌ لَهُ نَيِّفٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً، فَسَأَلْنَاهُ عَنْهُ، فَقَالَ: هَذَا ابْنُ ابْنِي، وَآخَرُ لَهُ سَبْعُونَ سَنَةً، فَقَالَ: هَذَا ابْنُ ابْنِي، وَاثْنَان لَهُمَا سِتُّونَ سَنَةً أَوْ خَمْسُونَ أَوْ نَحْوُهَا، وَآخَرُ لَهُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَقَالَ: هَذَا ابْنُ ابْن ابْنِي، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِيهِمْ أَصْغَرُ مِنْهُ، وَكَانَ إِذَا رَأَيْتَهُ قُلْتَ: ابْنُ ثَلَاثِينَ(1143) أَوْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، أَسْوَدُ الرَّأس وَاللِّحْيَةِ، ضَعِيفُ(1144) الْجِسْم، آدَمُ، رَبْعٌ مِنَ الرِّجَالِ، خَفِيفُ الْعَارضَيْن(1145)، إِلَى قِصَرٍ أَقْرَبُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْعَلَويُّ: فَحَدَّثَنَا هَذَا الرَّجُلُ وَاسْمُهُ عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ بْن الْخَطَّابِ بْن مُرَّةَ بْن مُؤَيَّدٍ بِجَمِيع مَا كَتَبْنَاهُ عَنْهُ وَسَمِعْنَاهُ مِنْ لَفْظِهِ وَمَا رَأَيْنَا مِنْ بَيَاض عَنْفَقَتِهِ(1146) بَعْدَ اسْودَادِهَا وَرُجُوع سَوَادِهَا بَعْدَ بَيَاضِهَا عِنْدَ شِبَعِهِ مِنَ الطَّعَام.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْعَلَويُّ: وَلَوْلَا أَنَّهُ حَدَّثَ جَمَاعَةً مِنْ أَهْل المَدِينَةِ مِنَ الْأَشْرَافِ وَالْحَاجِّ مِنْ أَهْل مَدِينَةِ السَّلَام وَغَيْرهِمْ مِنْ جَمِيع الْآفَاقِ مَا حَدَّثْتُ عَنْهُ بِمَا سَمِعْتُ، وَسَمَاعِي مِنْهُ بِالمَدِينَةِ وَمَكَّةَ فِي دَار السَّهْمِيِّينَ فِي الدَّار المَعْرُوفَةِ بِالمَكْتُوبَةِ(1147)، وَهِيَ دَارُ عَلِيِّ بْن عِيسَى(1148) الْجَرَّاح، وَسَمِعْتُ مِنْهُ فِي مِضْرَبِ الْقشوريِّ وَمِضْرَبِ المَادَرَائِيِّ وَمِضْرَبِ أَبِي الْهَيْجَاءِ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ بِمِنًى وَبَعْدَ مُنْصَرفِهِ مِنَ الْحَجِّ بِمَكَّةَ فِي دَار المَادَرَائِيِّ عِنْدَ بَابِ الصَّفَا.
وَأَرَادَ الْقشوريُّ حَمْلَهُ وَوُلْدَهُ إِلَى بَغْدَادَ إِلَى المُقْتَدِر، فَجَاءَهُ فُقَهَاءُ أَهْل مَكَّةَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1143) في المصدر: (هذا ابن ثلاثين سنة).
(1144) في المصدر: (شابٌّ نحيف) بدل (ضعيف).
(1145) في المصدر إضافة: (هو).
(1146) العنفقة: شعيرات بين الشفة السفلى والذقن، قيل لها ذلك لخفَّتها وقلَّتها، وربَّما أُطلقت العنفقة على موضع تلك الشعيرات.
(1147) في المصدر: (بالمكبّريَّة).
(1148) في المصدر إضافة: (بن).

(٣٧٤)

فَقَالُوا: أَيَّدَ اللهُ الْأُسْتَاذَ إِنَّا رُوِّينَا فِي الْأَخْبَار المَأثُورَةِ عَن السَّلَفِ أَنَّ المُعَمَّرَ المَغْربيَّ إِذَا دَخَلَ مَدِينَةَ السَّلَام افْتُتِنَتْ(1149) وَخَربَتْ وَزَالَ المُلْكُ، فَلَا تَحْمِلْهُ وَرُدَّهُ إِلَى المَغْربِ، فَسَأَلْنَا مَشَايِخَ أَهْل المَغْربِ وَمِصْرَ، فَقَالُوا: لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ آبَائِنَا وَمَشَايِخِنَا يَذْكُرُونَ اسْمَ هَذَا الرَّجُل وَاسْمَ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ مُقِيمٌ فِيهِ طَنْجَةَ، وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُهُمْ بِأَحَادِيثَ قَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهَا فِي كِتَابِنَا هَذَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْعَلَويُّ(1150): فَحَدَّثَنَا هَذَا الشَّيْخُ أَعْنِي عَلِيَّ بْنَ عُثْمَانَ المَغْربيَّ بَدْوَ خُرُوجِهِ مِنْ بَلَدِهِ مِنْ حَضْرَمَوْتَ(1151)، وَذَكَرَ أَنَّ أَبَاهُ خَرَجَ هُوَ وَعَمُّهُ وَأَخْرَجَا(1152) بِهِ مَعَهُمَا يُريدُونَ الْحَجَّ وَزِيَارَةَ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَخَرَجُوا مِنْ بِلَادِهِمْ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَسَارُوا أَيَّاماً ثُمَّ أَخْطَئُوا الطَّريقَ وَتَاهُوا عَن المَحَجَّةِ، فَأَقَامُوا تَائِهِينَ ثَلَاثَةَ أَيَّام وَثَلَاثَةَ لَيَالٍ عَلَى غَيْر مَحَجَّةٍ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ وَقَعُوا فِي جِبَالِ رَمْلٍ يُقَالُ لَهُ: رَمْلُ عَالِج يَتَّصِلُ بِرَمْل إِرَم ذَاتِ الْعِمَادِ(1153)، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ نَظَرْنَا إِلَى أَثَر قَدَم طَويلٍ، فَجَعَلْنَا نَسِيرُ عَلَى أَثَرهَا، فَأَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ، وَإِذَا بِرَجُلَيْن قَاعِدَيْن عَلَى بِئْرٍ أَوْ عَلَى عَيْنٍ.
قَالَ: فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْنَا قَامَ أَحَدُهُمَا فَأَخَذَ دَلْواً فَأَدْلَاهُ فَاسْتَقَى فِيهِ مِنْ تِلْكَ الْعَيْن أَو الْبِئْر وَاسْتَقْبَلَنَا، فَجَاءَ إِلَى أَبِي فَنَاوَلَهُ الدَّلْوَ، فَقَالَ أَبِي: قَدْ أَمْسَيْنَا نُنِيخُ عَلَى هَذَا المَاءِ وَنُفْطِرُ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَصَارَ إِلَى عَمِّي فَقَالَ: اشْرَبْ، فَرَدَّ عَلَيْهِ كَمَا رَدَّ عَلَيْهِ أَبِي، فَنَاوَلَنِي فَقَالَ لِي: اشْرَبْ، فَشَربْتُ، فَقَالَ لِي: هَنِيئاً لَكَ، فَإنَّكَ سَتَلْقَى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام)، فَأَخْبِرْهُ أَيُّهَا الْغُلَامُ بِخَبَرنَا، وَقُلْ لَهُ: الْخَضِرُ وَإِلْيَاسُ يُقْرئَانِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1149) في المصدر: (فنيت) بدل (افتتنت).
(1150) بقيَّة كلام الصدوق (رحمه الله).
(1151) في المصدر: (بلدة حضرموت).
(1152) في المصدر: (وعمُّه محمّد وخرجا).
(1153) في المصدر إضافة: (قال).

(٣٧٥)

[السَّلَامَ](1154)، وَسَتُعَمَّرُ حَتَّى تَلْقَى المَهْدِيَّ وَعِيسَى بْنَ مَرْيَمَ (علیهما السلام)، فَإذَا لَقِيتَهُمَا فَأقْرئْهُمَا السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَا: مَا يَكُونُ هَذَان مِنْكَ؟ فَقُلْتُ: أَبِي وَعَمِّي، فَقَالَا: أَمَّا عَمُّكَ فَلَا يَبْلُغُ مَكَّةَ، وَأَمَّا أَنْتَ وَأَبُوكَ فَسَتَبْلُغَان، وَيَمُوتُ أَبُوكَ، فَتُعَمَّرُ أَنْتَ، وَلَسْتُمْ تَلْحَقُونَ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لأنَّهُ قَدْ قَرُبَ أَجَلُهُ، ثُمَّ مَثَلَا(1155).
فَوَ اللهِ مَا أَدْري أَيْنَ مَرَّا أَفِي السَّمَاءِ أَوْ فِي الْأَرْض، فَنَظَرْنَا وَإِذَا لَا أَثَرَ(1156) وَلَا عَيْنَ وَلَا مَاءَ، فَسِرْنَا مُتَعَجِّبِينَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ رَجَعْنَا إِلَى نَجْرَانَ، فَاعْتَلَّ عَمِّي وَمَاتَ بِهَا، وَأَتْمَمْتُ أَنَا وَأَبِي حَجَّنَا وَوَصَلْنَا إِلَى المَدِينَةِ، فَاعْتَلَّ بِهَا أَبِي وَمَاتَ وَأَوْصَى إِلَى عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام)، فَأَخَذَنِي وَكُنْتُ مَعَهُ أَيَّامَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَخِلَافَتِهِ حَتَّى قَتَلَهُ ابْنُ مُلْجَم (لَعَنَهُ اللهُ).
وَذَكَرَ أَنَّهُ لَـمَّا حُوصِرَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي دَارهِ دَعَانِي فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَاباً وَنَجِيباً وَأَمَرَني بِالْخُرُوج إِلَى عَلِيِّ بْن أبِي طَالِبٍ (علیه السلام) وَكَانَ غَائِباً بِيَنْبُعَ فِي مَالِهِ وَضِيَاعِهِ، فَأخَذْتُ الْكِتَابَ وَصِرْتُ إِلَى مَوْضِع يُقَالُ لَهُ: جِدَارُ أَبِي عَبَايَةَ سَمِعْتُ قُرْآناً، فَإذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام) يَسِيرُ مُقْبِلاً مِنْ يَنْبُعَ وَهُوَ يَقُولُ: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون: 115].
فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ قَالَ: «أَبَا الدُّنْيَا، مَا وَرَاكَ؟»، قُلْتُ: هَذَا كِتَابُ أَمِير المُؤْمِنينَ، فَأَخَذَهُ فَقَرَأَهُ، فَإذَا فِيهِ:

فَإنْ كُنْتُ مَأكُولاً فَكُنْ أَنْتَ آكِلِي * * * وَإِلَّا فَأَدْركْنِي وَلَـمَّا أُمَزَّقْ

فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ: «سِرْ»(1157)، فَدَخَلَ إِلَى المَدِينَةِ سَاعَةَ قَتْل عُثْمَانَ بْن عَفَّانَ، فَمَالَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1154) من المصدر.
(1155) أي قاما وذهبا. وفي المصدر: (مرَّا) بدل (مثلا).
(1156) في المصدر: (بئر) بدل (أثر).
(1157) في المصدر: (برٌّ سرٌّ) بدل (سِرْ).

(٣٧٦)

إِلَى حَدِيقَةِ بَنِي النَّجَّار، وَعَلِمَ النَّاسُ بِمَكَانِهِ، فَجَاءُوا إِلَيْهِ رَكْضاً وَقَدْ كَانُوا عَازِمِينَ عَلَى أَنْ يُبَايِعُوا طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ ارْفَضُّوا إِلَيْهِ ارْفِضَاضَ الْغَنَم شَدَّ عَلَيْهَا السَّبُعُ، فَبَايَعَهُ طَلْحَةُ، ثُمَّ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ بَايَعَ المُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ.
فَأَقَمْتُ مَعَهُ أَخْدُمُهُ، فَحَضَرْتُ مَعَهُ الْجَمَلَ وَصِفِّينَ، وَكُنْتُ بَيْنَ الصَّفَّيْن وَاقِفاً عَنْ يَمِينهِ إِذْ سَقَطَ سَوْطُهُ مِنْ يَدِهِ، فَأَكْبَبْتُ آخُذُهُ وَأَرْفَعُهُ(1158) إِلَيْهِ، وَكَانَ لِجَامُ دَابَّتِهِ حَدِيداً مُزَجَّجاً، فَرَفَعَ الْفَرَسُ رَأسَهُ فَشَجَّنِي هَذِهِ الشَّجَّةَ الَّتِي فِي صُدْغِي، فَدَعَانِي أَمِيرُ المُؤْمِنينَ فَتَفَلَ فِيهَا، وَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فَتَرَكَهُ عَلَيْهَا، فَوَ اللهِ مَا وَجَدْتُ لَهَا أَلَماً وَلَا وَجَعاً، ثُمَّ أَقَمْتُ مَعَهُ حَتَّى قُتِلَ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ)، وَصَحِبْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ (علیه السلام) حَتَّى ضُربَ بِسَابَاطِ المَدَائِن، ثُمَّ بَقِيتُ مَعَهُ بِالمَدِينَةِ أَخْدُمُهُ وَأَخْدُمُ الْحُسَيْنَ (علیه السلام) حَتَّى مَاتَ الْحَسَنُ (علیه السلام) مَسْمُوماً سَمَّتْهُ جَعْدَةُ بِنْتُ الْأَشْعَثِ بْن قَيْسٍ الْكِنْدِيِّ لَعَنَهَا اللهُ دَسًّا مِنْ مُعَاويَةَ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَ الْحُسَيْن بْن عَلِيٍّ (علیه السلام) حَتَّى حَضَرَ(1159) كَرْبَلَاءَ وَقُتِلَ (علیه السلام)، وَخَرَجْتُ هَارباً مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، وَأَنَا مُقِيمٌ بِالمَغْربِ أَنْتَظِرُ خُرُوجَ المَهْدِيِّ وَعِيسَى بْن مَرْيَمَ (علیهما السلام).
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْعَلَويُّ (رضي الله عنه): وَمِنْ عَجِيبِ مَا رَأَيْتُ مِنْ هَذَا الشَّيْخ عَلِيِّ بْن عُثْمَانَ وَهُوَ فِي دَار عَمِّي طَاهِر بْن يَحْيَى (رضي الله عنه) وَهُوَ يُحَدِّثُ بِهَذِهِ الْأَعَاجِيبِ وَبَدْو خُرُوجِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى عَنْفَقَتِهِ وَقَدِ احْمَرَّتْ ثُمَّ ابْيَضَّتْ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي لِحْيَتِهِ وَلَا فِي رَأسِهِ وَلَا فِي عَنْفَقَتِهِ بَيَاضٌ الْبَتَّةَ.
قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى نَظَري إِلَى لِحْيَتِهِ وَعَنْفَقَتِهِ، فَقَالَ: مَا تَرَوْنَ؟ إِنَّ هَذَا يُصِيبُني إِذَا جُعْتُ فَإذَا شَبِعْتُ رَجَعَتْ إِلَى سَوَادِهَا، فَدَعَا عَمِّي بِطَعَام وَأُخْرجَ مِنْ دَارهِ ثَلَاثُ مَوَائِدَ، فَوُضِعَتْ وَاحِدَةٌ بَيْنَ يَدَي الشَّيْخ، وَكُنْتُ أَنَا أَحَدُ مَنْ جَلَسَ عَلَيْهَا،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1158) في المصدر: (أدفعه) بدل (أرفعه).
(1159) في المصدر: (حضرت).

(٣٧٧)

فَأَكَلْتُ مَعَهُ، وَوُضِعَتِ المَائِدَتَان فِي وَسَطِ الدَّار، وَقَالَ عَمِّي لِلْجَمَاعَةِ: بِحَقِّي عَلَيْكُمْ إِلَّا أَكَلْتُمْ وَتَحَرَّمْتُمْ بِطَعَامِنَا، فَأَكَلَ قَوْمٌ وَامْتَنَعَ قَوْمٌ، وَجَلَسَ عَمِّي عَلَى يَمِين الشَّيْخ يَأكُلُ وَيُلْقِي بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَكَلَ أَكْلَ شَابٍّ وَعَمِّي يُخْلِفُ عَلَيْهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى عَنْفَقَتِهِ وَهِيَ تَسْوَدُّ حَتَّى إِذَا(1160) عَادَتْ إِلَى سَوَادِهَا [حِينَ] شَبِعَ(1161).
فَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ بْن خَطَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَنْ أَحَبَّ أَهْلَ الْيَمَن فَقَدْ أَحَبَّني، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَقَدْ أَبْغَضَنِي»(1162).
حَدِيثُ عُبَيْدِ بْن شَريدٍ الْجُرْهُمِيِّ:
[327/3] حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ الْوَهَّابِ الشَّجَريُّ(1163)، قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابٍ لِأَخِي أَبِي الْحَسَن بِخَطِّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْل الْعِلْم مِمَّنْ قَرَأَ الْكُتُبَ وَسَمِعَ الْأَخْبَارَ أنَّ عُبَيْدَ بْنَ شَريدٍ الْجُرْهُمِيَّ وَهُوَ مَعْرُوفٌ عَاشَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، فَأَدْرَكَ النَّبِيَّ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَعَمَّرَ بَعْدَ مَا قُبِضَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حَتَّى قَدِمَ عَلَى مُعَاويَةَ فِي أَيَّام تَغَلُّبِهِ وَمُلْكِهِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاويَةُ: أَخْبِرْني يَا عُبَيْدُ عَمَّا رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ، وَمَنْ أَدْرَكْتَ، وَكَيْفَ رَأَيْتَ الدَّهْرَ؟ قَالَ: أَمَّا الدَّهْرُ فَرَأَيْتُ لَيْلاً يُشْبِهُ لَيْلاً، وَنَهَاراً يُشْبِهُ نَهَاراً، وَمَوْلُوداً يُولَدُ، وَمَيِّتاً يَمُوتُ، وَلَمْ أُدْركْ أَهْلَ زَمَانٍ إِلَّا وَهُمْ يَذُمُّونَ زَمَانَهُمْ.
وَأَدْرَكْتُ مَنْ قَدْ عَاشَ أَلْفَ سَنَةٍ، فَحَدَّثَنِي عَمَّنْ قَدْ كَانَ قَبْلَهُ قَدْ عَاشَ أَلْفَيْ سَنَةٍ. وَأَمَّا مَا سَمِعْتُ فَإنَّهُ حَدَّثَنِي مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ حِمْيَرٍ أَنَّ بَعْضَ مُلُوكِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1160) كلمة: (إذا) ليست في المصدر.
(1161) كمال الدِّين (ج 2/ ص 543 - 547/ باب 50/ ح 9)، وفيه: (وشبع) بدل (حين شبع).
(1162) كمال الدِّين (ج 2/ ص 547/ باب 50/ ح 10).
(1163) في المصدر: (السجزِّي) بدل (الشجري).

(٣٧٨)

النَّابِغَةِ(1164) مِمَّنْ دَانَتْ لَهُ الْبِلَادُ كَانَ يُقَالُ لَهُ: ذُو سَرْح، كَانَ أُعْطِيَ المُلْكَ فِي عُنْفُوَان شَبَابِهِ، وَكَانَ حَسَنَ السِّيرَةِ فِي أَهْل مَمْلَكَتِهِ سَخِيًّا فِيهِمْ مُطَاعاً، فَمَلَكَهُمْ سَبْعَمِائَةِ سَنَةٍ، وَكَانَ كَثِيراً مَا(1165) يَخْرُجُ فِي خَاصَّتِهِ إِلَى الصَّيْدِ وَالنُّزْهَةِ.
فَخَرَجَ يَوْماً إِلَى بَعْض مُتَنَزِّهِهِ، فَأَتَى إِلَى حَيَّتَيْن أَحَدُهُمَا بَيْضَاءُ كَأَنَّهَا سَبِيكَةُ فِضَّةٍ وَالْأُخْرَى سَوْدَاءُ كَأنَّهَا حُمَمَةٌ، وَهُمَا يَقْتَتِلَان، وَقَدْ غَلَبَتِ السَّوْدَاءُ الْبَيْضَاءَ وَكَادَتْ تَأتِي عَلَى نَفْسِهَا، فَأَمَرَ المَلِكُ بِالسَّوْدَاءِ فَقُتِلَتْ، وَأَمَرَ بِالْبَيْضَاءِ فَاحْتُمِلَتْ حَتَّى انْتَهَى بِهَا إِلَى عَيْنٍ مِنْ مَاءٍ بَقِيَ(1166) عَلَيْهَا شَجَرَةٌ، فَأَمَرَ فَصُبَّ عَلَيْهَا مِنَ المَاءِ وَسُقِيَتْ حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهَا نَفَسُهَا فَأفَاقَتْ فَخَلَّى سَبِيلَهَا، فَانْسَابَتِ الْحَيَّةُ وَمَضَتْ لِسَبِيلِهَا، وَمَكَثَ المَلِكُ يَوْمَئِذٍ فِي مُتَصَيَّدِهِ وَنُزْهَتِهِ.
فَلَمَّا أَمْسَى وَرَجَعَ إِلَى مَنْزلِهِ وَجَلَسَ عَلَى سَريرهِ فِي مَوْضِع لَا يَصِلُ إِلَيْهِ حَاجِبٌ وَلَا أَحَدٌ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا [إِذْ] رَأى شَابًّا آخِذاً بِعِضَادَتَي الْبَابِ وَبهِ مِنَ الثِّيَابِ(1167) وَالْجَمَالِ شَيْءٌ لَا يُوصَفُ، فَسَلَّمَ عَلَى المَلِكِ، فَذَعِرَ مِنْهُ المَلِكُ، وَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ وَمَنْ أَدْخَلَكَ وَأَذِنَ لَكَ فِي الدُّخُولِ عَلَيَّ فِي هَذَا المَوْضِع الَّذِي لَا يَصِلُ فِيهِ حَاجِبٌ وَلَا غَيْرُهُ؟ فَقَالَ لَهُ الْفَتَى: لَا تَرُعْ أَيُّهَا المَلِكُ إِنِّي لَسْتُ بِإنْسِيٍّ وَلَكِنِّي فَتًى مِنَ الْجِنِّ أَتَيْتُكَ لِأُجَازِيَكَ عَلَى بَلَائِكَ الْحَسَن الْجَمِيل عِنْدِي، قَالَ المَلِكُ: وَمَا بَلَائِي عِنْدَكَ؟ قَالَ: أَنَا الْحَيَّةُ الَّتِي أَحْيَيْتَنِي فِي يَوْمِكَ هَذَا، وَالْأَسْوَدُ الَّذِي قَتَلْتَهُ وَخَلَّصْتَنِي مِنْهُ كَانَ غُلَاماً لَنَا [تَمَرَّدَ عَلَيْنَا](1168) وَقَدْ قَتَلَ مِنْ أَهْل بَيْتِي عِدَّةً كَانَ إِذَا خَلَا بِوَاحِدٍ مِنَّا قَتَلَهُ، فَقَتَلْتَ عَدُوِّي وَأَحْيَيْتَنِي، فَجِئْتُ لِأُكَافِيَكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1164) في المصدر: (التبابعة) بدل (النابغة).
(1165) كلمة: (ما) ليست في المصدر.
(1166) في المصدر: (نقي) بدل (بقي).
(1167) في المصدر: (الشباب) بدل (الثياب).
(1168) من المصدر.

(٣٧٩)

بِبَلَائِكَ عِنْدِي، وَنَحْنُ أَيُّهَا المَلِكُ الْجِنُّ لَا الْجِنُّ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْجِنِّ وَالْجِنِّ.
ثُمَّ انْقَطَعَ الْحَدِيثَ الَّذِي كَتَبَ(1169) أَخِي، فَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَمَامُهُ(1170).
حَدِيثُ الرَّبيع بْن الضَّبُع الْفَزَاريِّ:
[328/4] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى المُكَتِّبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الطَّيِّبِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَن بْن دُرَيْدٍ الْأَزْدِيُّ الْعَمَّانِيُّ بِجَمِيع أَخْبَارهِ وَكُتُبِهِ الَّتِي صَنَّفَهَا، وَوَجَدْنَا فِي أَخْبَارهِ أَنَّهُ قَالَ: لَـمَّا وَفَدَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ بْن مَرْوَانَ قَدِمَ فِيمَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ الرَّبيعُ بْنُ الضَّبُع الْفَزَاريُّ، وَكَانَ أَحَدَ المُعَمَّرينَ، وَمَعَهُ ابْنُ ابْنِهِ وَهْبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن الرَّبيع شَيْخاً فَانِياً قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ وَقَدْ عَصَبَهُمَا، فَلَمَّا رَآهُ الْآذِنُ وَكَانُوا يَأذَنُونَ لِلنَّاسِ عَلَى أَسْنَانِهِمْ قَالَ لَهُ: ادْخُلْ أَيُّهَا الشَّيْخُ، فَدَخَلَ يَدِبُّ عَلَى الْعَصَا يُقِيمُ بِهَا صُلْبَهُ وَلِحْيَتَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ.
قَالَ: فَلَمَّا رَآهُ عَبْدُ المَلِكِ رَقَّ لَهُ وَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ أَيُّهَا الشَّيْخُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ، أَيَجْلِسُ الشَّيْخُ وَجَدُّهُ عَلَى الْبَابِ؟ فَقَالَ: أَنْتَ إِذاً مِنْ وُلْدِ الرَّبيع بْن ضَبُع، قَالَ: نَعَمْ، أَنَا وَهْبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن الرَّبيع، قَالَ لِلْآذِن: ارْجِعْ فَأَدْخِل الرَّبيعَ، فَخَرَجَ الْآذِنُ فَلَمْ يَعْرفْهُ حَتَّى نَادَى: أَيْنَ الرَّبيعُ؟ قَالَ: هَا أَنَا ذَا، فَقَامَ يُهَرْولُ فِي مِشْيَتِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ سَلَّمَ، فَقَالَ عَبْدُ المَلِكِ: وَأَبِيكُمْ إِنَّهُ(1171) لَأَشَبُّ الرِّجْلَيْن، يَا رَبيعُ أَخْبِرْني عَمَّا أَدْرَكْتَ مِنَ الْعُمُر وَالمَدَى، وَرَأَيْتَ(1172) مِنَ الْخُطُوبِ المَاضِيَةِ، قَالَ: أَنَا الَّذِي أَقُولُ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1169) في المصدر: (الحديث من الأصل الذي كتبه أخي).
(1170) كمال الدِّين (ج 2/ ص 547 - 549/ باب 51/ ح 1).
(1171) في المصدر: (فقال عبد المَلِك لجلسائه: ويلكم إنَّه).
(1172) في المصدر: (والذي رأيت).

(٣٨٠)

هَا أَنَا ذَا آمُلُ الْخُلُودَ وَقَدْ * * * أَدْرَكَ عُمْري وَمَوْلِدِي حَجَرا
أمَّا(1173) امْرُؤُ الْقَيْس قَدْ سَمِعْتَ بِهِ * * * هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ طَالَ ذَا عُمُرا

قَالَ عَبْدُ المَلِكِ: قَدْ رُوِّيتُ هَذَا مِنْ شِعْركَ وَأَنَا صَبِيٌّ، قَالَ: وَأَنَا الْقَائِلُ:

إِذَا عَاشَ الْفَتَى مِائَتَيْن عَاماً * * * فَقَدْ ذَهَبَ اللَّذَاذَةُ وَالْغِنَاءُ(1174)

قَالَ عَبْدُ المَلِكِ: وَقَدْ رُوِّيتُ هَذَا مِنْ شِعْركَ أَيْضاً وَأَنَا غُلَامٌ، وَأَبِيكَ يَا رَبيعُ لَقَدْ طَلَبَكَ جَدٌّ غَيْرُ عَاثِرٍ، فَفَصِّلْ لِي عُمُرَكَ.
فَقَالَ: عِشْتُ مِائَتَيْ سَنَةٍ فِي الْفَتْرَةِ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَعِشْرينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَسِتِّينَ سَنَةً فِي الْإسْلَام.
قَالَ: أَخْبِرْني عَن الْفِتْيَةِ مِنْ قُرَيْشٍ المُتَوَاطِئ الْأَسْمَاءِ، قَالَ: سَلْ عَنْ أَيِّهِمْ شِئْتَ، قَالَ: أَخْبِرْني عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَبَّاسٍ، قَالَ: فَهْمٌ وَعِلْمٌ وَعَطَاءٌ وَحِلْمٌ وَمُقْرًى ضَخْم، قَالَ: فَأَخْبِرْني عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، قَالَ: حِلْمٌ وَعِلْمٌ وَطَوْلٌ وَكَظْمٌ وَبُعْدٌ مِنَ الظُّلْم، قَالَ: فَأَخْبِرْني عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن جَعْفَرٍ، قَالَ: رَيْحَانَةٌ طَيِّبٌ ريحُهَا لَيِّنٌ مَسُّهَا قَلِيلٌ عَلَى المُسْلِمِينَ ضَرَرُهَا، قَالَ: فَأَخْبِرْني عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الزُّبَيْر، قَالَ: جَبَلٌ وَعْرٌ يَنْحَدِرُ مِنْهُ الصَّخْرُ.
قَالَ: للهِ دَرُّكَ مَا أَخْبَرَكَ بِهِمْ؟ قَالَ: قَرُبَ جِوَاري، وَكَثُرَ اسْتِخْبَاري(1175).
حَدِيثُ شِقِّ الْكَاهِن:
[329/5] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى المُكَتِّبِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الطَّيِّبِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَن بْن دُرَيْدٍ الْأَزْدِيُّ الْعَمَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1173) في المصدر: (أنا) بدل (أمَّا).
(1174) في المصدر: (الفتاء) بدل (الغناء).
(1175) كمال الدِّين (ج 2/ ص 549 و550/ باب 52/ ح 1).

(٣٨١)

أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى أَبُو بَشِيرٍ الْعُقَيْليُّ، عَنْ أَبِي حَاتِم، عَنْ أَبِي قَبِيصَةَ، عَن ابْن الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ شُيُوخاً مِنْ بَجِيلَةَ مَا رَأَيْتُ عَلَى سَرْوهِمْ وَحُسْن هَيْأَتِهِمْ يُخْبِرُونَ أنَّهُ عَاشَ [شِقُّ](1176) الْكَاهِن ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ قَوْمُهُ وَقَالُوا لَهُ: أَوْصِنَا فَقَدْ آنَ أَنْ يَفُوتَنَا بِكَ الدَّهْرُ، فَقَالَ: تَوَاصَلُوا وَلَا تَقَاطَعُوا، وَتَقَاتَلُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَأَوْصِلُوا(1177) الْأَرْحَامَ، وَاحْفَظُوا الذِّمَامَ، وَسَوِّدُوا الْحَكِيمَ(1178)، وَأَجِلُّوا الْكَريمَ، وَوَقِّرُوا ذَا الشَّيْبَةِ، وَأَذِلُّوا اللَّئِيمَ، وَتَجَنَّبُوا الْهَزْلَ فِي مَوَاضِع الْجِدِّ، وَلَا تُكَدِّرُوا الْإنْعَامَ بِالمَنِّ، وَاعْفُوا إِذَا قَدَرْتُمْ، وَهَادِنُوا إِذَا هَجَرْتُمْ(1179)، وَأَحْسِنُوا إِذَا كُوبدْتُمْ، وَاسْمَعُوا مِنْ مَشَايِخِكُمْ، وَاسْتَبِقُوا دَوَاعِيَ الصَّلَاح عِنْدَ أَوَاخِر(1180) الْعَدَاوَةِ، فَإِنَّ بُلُوغَ الْغَايَةِ فِي النَّدَامَةِ(1181) جُرْحٌ بَطِيءُ الْاِنْدِمَالِ، وَإِيَّاكُمْ وَالطَّعْنَ فِي الْأَنْسَابِ، وَلَا تَفْحَصُوا عَنْ مَسَاويكُمْ، وَلَا تُودِعُوا عَقَائِلَكُمْ غَيْرَ مُسَاويكُمْ، فَإنَّهَا وَصْمَةٌ قَادِحَةٌ(1182)، وَقَضَاءَةٌ فَاضِحَةٌ، الرِّفْقَ الرِّفْقَ لَا الْخُرْقَ فَإنَّ الْخُرْقَ مَنْدَمَةٌ فِي الْعَوَاقِبِ مَكْسَبَةٌ لِلْعَوَائِبِ(1183)، الصَّبْرُ أَنْفَذُ عِتَابٍ، وَالْقَنَاعَةُ خَيْرُ مَالٍ، وَالنَّاسُ أَتْبَاعُ الطَّمَع، وَقَرَائِنُ الْهَلَع، وَمَطَايَا الْجَزَع، وَرُوحُ الذُّلِّ التَّخَاذُلُ، وَلَا تَزَالُونَ نَاظِرينَ بِعُيُونٍ نَائِمَةٍ مَا اتَّصَلَ الرَّجَاءُ بِأَمْوَالِكُمْ، وَالْخَوْفُ بِمَحَالِّكُمْ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1176) من المصدر.
(1177) في المصدر: (بلوا) بدل (أوصلوا).
(1178) في المصدر: (الحليم) بدل (الحكيم).
(1179) في المصدر: (عجزتم) بدل (هجرتم).
(1180) في المصدر: (احن) بدل (أواخر).
(1181) في المصدر: (النكاية) بدل (الندامة).
(1182) في المصدر: (فادحة).
(1183) في المصدر: (للعواتب).

(٣٨٢)

ثُمَّ قَالَ: يَا لَهَا نَصِيحَةً زَلَّتْ عَنْ عَذَبَةٍ فَصِيحَةٍ، إِنْ كَانَ وعَاؤُهَا وَكِيعاً وَمَعْدِنُهَا مَنِيعاً، ثُمَّ مَاتَ.
قال الصدوق (رضي الله عنه): إنَّ مخالفينا يروون مثل هذه الأحاديث ويُصدِّقون بها ويروون حديث شدَّاد بن عاد بن إرم ذات العماد وأنَّه عمَّر تسعمائة سنة، ويروون صفة جنَّته وأنَّها مغيَّبة عن الناس فلا تُرى وأنَّها في الأرض. ولا يُصدِّقون بقائم آل محمّد (صلوات الله عليه وعليهم)، ويُكذِّبون بالأخبار التي وردت فيه جحوداً للحقِّ وعناداً لأهله(1184).
بيان: قوله: (مزجَّجاً) أي مرقَّقاً ممدَّداً. قوله: (لقد طلبك جدٌّ غير عاثر): الجَدُّ بالفتح الحظُّ والبخت والغناء، أي طلبك بخت عظيم لم يعثر حتَّى وصل إليك، أو لم يعثر بك بل نعَّشك في كلِّ الأحوال. والسرو: السخاء في مروءة. والعقايل: جمع العقيلة، وهي كريمة الحيِّ، أي لا تُزوِّجوا بناتكم إلَّا ممَّن يساويكم في الشرف. والوصمة: العيب والعار. والفادحة: الثقيلة، ويقال: فيه قضاءة ويُضَمُّ: عيب وفساد، وتقضَّؤوا منه أنْ يُزوِّجوه: استحسنوا حسبه. ووعاء وكيع: شديد متين.
أقول: ثُمَّ ذكر الصدوق (رحمه الله) قصَّة شدَّاد بن عاد كما نقلنا عنه في كتاب النبوَّة، ثُمَّ قال:
وعاش أوس بن ربيعة بن كعب بن أُميَّة مائتي وأربع عشرة سنة، فقال في ذلك:

لقد عمَّرت حتَّى ملَّ أهلي * * * ثواي عندهم وسئمت عمري
وحقٌّ لمن أتى مأتان عام * * * عليه وأربع من بعد عشرِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1184) كمال الدِّين (ج 2/ ص 550 - 552/ باب 53/ ح 1).

(٣٨٣)

يملُّ من الثواء وصبح ليل * * * يغاديه وليل بعد يسري
فأبلى شلوتي وتركت شلوي(1185) * * * وباح بما أجن ضمير صدري

وعاش أبو زبيد واسمه المنذر(1186) بن حرملة الطائي وكان نصرانيًّا خمسين ومائة سنة.
وعاش نضر بن دهمان بن سليمان بن أشجع بن زيد(1187) بن غطفان مائة وتسعين سنة حتَّى سقطت أسنانه وخرف عقله وابيضَّ رأسه، فحرب(1188) قومه أمر فاحتاجوا فيه إلى رأيه، فدعوا الله أنْ يردَّ عليه عقل(1189) وشبابه فعاد إليه شبابه واسودَّ شعره، فقال فيه سَلَمة بن الحريش، ويقال: عبَّاس بن مرداس السلمي:

لنضر(1190) بن دهمان الهنيدة عاشها * * * وتسعين حولاً ثُمَّ قوم فانصاتا
وعاد سواد الرأس بعد بياضه * * * وعاوده(1191) شرخ الشباب الذي فاتا
وراجع عقلاً بعدما فات عقله * * * ولكنَّه من بعد ذا كلِّه ماتا

وعاش ثوب بن صداق(1192) العبدي مائتي سنة.
وعاش خثعم(1193) بن عوف بن جذيمة دهراً طويلاً، فقال:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1185) في المصدر: (فأبلى جدَّتي وتركت شلواً).
(1186) في المصدر: (البدر) بدل (المنذر).
(1187) في المصدر: (وعاش نصر بن دهمان بن [بصار بن بكر بن] سُلَيم بن أشجع بن الرَّيث بن غطفان).
(1188) في المصدر: (فحزب).
(1189) في المصدر: (عقله).
(1190) في المصدر: (لنصر).
(1191) في المصدر: (راجعه) بدل (عاوده).
(1192) في المصدر: (سويد بن حذَّاق) بدل (ثوب بن صداق).
(1193) في المصدر: (الجشم)، وكذا في ما بعد.

(٣٨٤)

حتَّى متى خثعم في الأحياء * * * ليس بذي أيدي ولا غناء
هيهاتَ ما للموت من دواء

وعاش ثعلبة بن كعب(1194) بن عبد الأشهل بن الأشوس مائتي سنة، فقال:

لقد صاحبت أقواماً فأمسوا * * * خفاتاً لا يجاب له دعاء
مضوا قصد السبيل وخلفوني * * * فطال عليَّ بعدهم الثواء
فأصبحت الغداة رهين شيء(1195) * * * وأخلفني من الموت الرجاء

وعاش رداءة بن كعب بن ذهل بن قيس النخعي ثلاثمائة سنة، فقال:

لم يبقَ يا خذيَّه(1196) من لداتي * * * أبو بنين لا ولا بناتِ
ولا عقيم غير ذي سبات * * * إلَّا يُعَدُّ اليوم في الأمواتِ
هل مشتر أبيعه حياتي

وعاش عدي بن حاتم طيئ عشرين ومائة سنة.
وعاش أماباة بن قيس بن الحرملة بن سنان(1197) الكندي ستِّين ومائة سنة.
وعاش عمير(1198) بن هاجر بن عمير بن عبد العزى بن قيس(1199) الخزاعي سبعين ومأة سنة، فقال:

بليت وأفناني الزمان وأصبحت * * * هنيدة قد أبقيت من بعدها عشرا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1194) في المصدر إضافة: (بن زيد).
(1195) في المصدر: (بيتي) بدل (شيء).
(1196) في المصدر: (يا خدلة) بدل (يا خذيه).
(1197) في المصدر: (الحارث بن شيبان) بدل (الحرملة بن سنان).
(1198) في المصدر: (عميرة).
(1199) في المصدر: (قمير) بدل (قيس).

(٣٨٥)

وأصبحت مثل الفرخ لا أنا ميِّت * * * فأُبكى(1200) ولا حيٌّ فأصدر لي أمرا
وقد عشت دهراً ما تجن عشيرتي * * * لها ميِّتاً حتَّى تخطَّ له قبرا

وعاش العوَّام بن المنذر بن زيد(1201) بن قيس بن حارثة بن لام دهراً طويلاً في الجاهليَّة، وأدرك عمر بن عبد العزيز، فأُدخل عليه وقد اختلف ترقوتاه وسقط حاجباه، فقيل له: ما أدركت؟ فقال:

فوَ الله ما أدري أأدركت أُمَّة * * * على عهد ذي القرنين أم كنت أقدما
متى يخلعوا عنِّي القميص تبيَّنوا * * * جانجن(1202) لم يكسين لحماً ولا دما

وعاش سيف بن وهب بن جذيمة الطائي مائتي سنة، فقال:

ألَا إنَّني كاهب(1203) ذاهب * * * فلا تحسبوا أنَّني كاذب
لبست شبابي فأفنيته * * * وأدركني القدر الغالب
وخصم دفعت ومولى نفعت * * * حتَّى يثوب له ثائب

وعاش أرطاة بن دشهبة المزني عشرين ومائة سنة، وكان يُكنَّى أبا الوليد، فقال له عبد المَلِك: ما بقي من شعرك يا أرطاة؟ فقال: يا أمير المؤمنين، [إنِّي](1204) ما أشرب ولا أطرب ولا أغضب، ولا يجيئني الشعر(1205) إلَّا على إحدى هذه الخصال، على أنِّي أقول:

رأيت المرء تأكله الليالي * * * كأكل الأرض ساقطة الحديد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1200) في المصدر: (فأسلى) بدل (فأبكى)، وفي بعض النُّسَخ من المصدر: (فأبلى).
(1201) في المصدر: (وعاش العرَّام بن المنذر بن زبيد بن قيس).
(1202) في المصدر: (تبيَّنا جآجيء) بدل (تبيَّنوا جناجن).
(1203) في المصدر: (عاجلاً) بدل (كاهب).
(1204) من المصدر.
(1205) في المصدر: (الشعراء) بدل (الشعر).

(٣٨٦)

وما تبقى المنيَّة حين تأتي * * * على نفس ابن آدم من مزيد
وأعلم أنَّها ستكرُّ حتَّى * * * توفي نذرها بأبي الوليد

فارتاع عبد المَلِك، فقال أرطاة: يا أمير المؤمنين، إنِّي أُكنَّى أبا الوليد.
وعاش عبيد بن الأبرص ثلاثمائة سنة، فقال:

فنيت وأفناني الزمان وأصبحت * * * لداتي بنوا نعش وزهر الفراقد

ثُمَّ أخذه النعمان بن منذر يوم بؤسه فقتله.
وعاش شريح بن هانئ عشرين ومائة سنة حتَّى قُتِلَ في نفرة(1206) الحجَّاج بن يوسف، فقال في كبره وضعفه:

أصبحت ذا بث أقاصي الكبرا * * * قد عشت بين المشركين أعصرا
ثَمَّت أدركت النبيَّ المنذرا * * * وبعده صدِّيقه وعمرا
ويوم مهران ويوم تسترا * * * والجمع في صفِّينهم والنهرا
هيهاتَ ما أطول هذا عمرا

وعاش رجل من بني ضبة يقال له: المسجاح بن سباع دهراً طويلاً، فقال:

لقد طوَّفت في الآفاق حتَّى * * * بليت وقد [دنا](1207) لي أنْ أبيد
وأفناني ولا يفنى نهار * * * وليل كلَّما يمضي يعود
وشهر مستهلٌّ بعد شهر * * * وحول بعده جول جديد

وعاش لقمان العادي الكبير خمسمائة سنة وستِّين سنة، وعاش عمر سبعة أنسر كلُّ نسر منها ثمانين عاماً، وكان من بقيَّة عاد الأُولى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1206) في المصدر: (زمن) بدل (نفرة).
(1207) في المصدر: (أنى) بدل (دنا).

(٣٨٧)

وروي أنَّه عاش ثلاثة آلاف سنة وخمسمائة سنة، وكان من ولد(1208) عاد الذين بعثهم قومهم إلى الحرم ليستسقوا لهم، وكان أُعطي عمر سبعة أنسر، فكان يأخذ فرخ النسر الذكر فيجعله في الجبل الذي هو في أصله فيعيش النسر فيها ما عاش فإذا مات أخذ آخر فربَّاه، حتَّى كان آخرها لبد وكان أطولها عمراً، فقيل فيه: (طال الأمد(1209) على لبد)، وقد قيل فيه أشعار معروفة، وأُعطي من السمع والبصر والقوَّة على قدر ذلك، وله أحاديث كثيرة.
وعاش زهير بن عباب بن هبل بن عبد الله بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد بن عبد الله بن وهدة بن ثور بن كليب(1210) الكلبي ثلاثمائة سنة.
وعاش مزيقيا واسمه عمرو(1211) بن عامر وعامر هو ماء السماء، وإنَّما سُمِّي ماء السماء لأنَّه كان حياة أينما نزل كمثل ماء السماء، وإنَّما سُمِّي مزيقيا لأنَّه عاش ثمانمائة سنة أربعمائة سوقة وأربعمائة ملكاً، فكان يلبس في كلِّ يوم حُلَّتين ثُمَّ يأمر بهما فيُمزَّقان حتَّى لا يلبسهما أحد غيره.
وعاش ابن هبل بن عبد الله بن كنانة ستّمائة سنة.
وعاش أبو الطمحان القيسي(1212) مائة وخمسين سنة.
وعاش المستوعر(1213) بن ربيعة بن كعب بن زيد مناة بن تميم ثلاثمائة وثلاثين سنة ثُمَّ أدرك الإسلام فلم يسلم، وله شعر معروف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1208) في المصدر: (وفد) بدل (ولد).
(1209) في المصدر: (طال الأبد).
(1210) في المصدر: (وعاش زهير بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد بن عبد الله بن رفيدة بن ثور بن كلب الكلبي)، وفي بعض النُّسَخ منه: (حباب) بدل (جناب).
(1211) في المصدر: (عمر) بدل (عمرو).
(1212) في المصدر: (الطحمان القيني) بدل (الطمحان القيسي).
(1213) في المصدر: (مستوغر) بدل (المستوعر).

(٣٨٨)

وعاش دريد(1214) بن زيد بن نهد أربعمائة سنة وخمسين سنة، فقال في ذلك:

ألقى عليَّ الدهر رجلاً ويدا * * * والدهر ما يصلح يوماً أفسدا
يصلحه اليوم ويفسده غدا(1215)

وجمع بنيه حين حضرته الوفاة، فقال: يا بنيَّ، أُوصيكم بالناس شرًّا، لا تقبلوا لهم معذرةً، ولا تقبلوا لهم عثرةً.
وعاش تيم الله بن [ثعلبة بن](1216) عكابه مائتي سنة.
وعاش الربيع بن ضبع بن وهب بن بعيض بن مالك بن سعدى(1217) بن عدي بن فزارة مائتي وأربعين سنة، وأدرك الإسلام فلم يسلم.
وعاش معدي كرب الحميري من آل ذي رعين مائتي وخمسين سنة.
وعاش ثرية(1218) بن عبد الله الجعفي ثلاثمائة سنة، فقَدِمَ على عمر بن الخطَّاب المدينة، فقال: لقد رأيت هذا الوادي الذي أنتم به وما به قطرة ولا هضبة ولا شجرة، ولقد أدركت أُخريات قوم يشهدون بشهادتكم هذه يعني لا إله إلَّا الله، ومعه ابن له يتهادى قد خرف، فقال: يا ثرية(1219)، هذا ابنك قد خرف وبك بقيَّة؟ فقال: ما(1220) تزوَّجت أُمَّه حتَّى أتت عليَّ سبعون سنة، ولكنِّي تزوَّجتها عفيفة(1221) ستيرة، إنْ رضيت رأيت ما تقرُّ به عيني، وإنْ سخطت أتتني(1222) حتَّى أرضى، وإنَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1214) في المصدر: (دويد) بدل (دريد).
(1215) في المصدر: (يفسد ما أصلحه اليوم غداً).
(1216) من المصدر.
(1217) في المصدر: (بغيض بن مالك بن سعد).
(1218) في المصدر: (شرية) بدل (ثرية).
(1219) في المصدر: (له يهادي قد خرف، فقيل له: يا شرية).
(1220) في المصدر إضافة: (والله).
(1221) في المصدر: (عنيفة) بدل (عفيفة).
(1222) في المصدر: (تأتَّت لي) بدل (أتتني).

(٣٨٩)

ابني هذا تزوَّج امرأة بذيَّة فاحشة، إنْ رأى ما تقرُّ به عينه تعرَّضت له حتَّى يسخط، وإنْ سخط تلقَّته(1223) حتَّى يهلك(1224).
وَعَاشَ عَوْفُ بْنُ كِنَانَةَ الْكَلْبِيُّ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ جَمَعَ بَنِيهِ فَأَوْصَاهُمْ، وهُوَ عَوْفُ بْنُ كِنَانَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُذْرَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ تَوْرِ(1225) بْنِ كَلْبٍ، فَقَالَ:
يَا بَنِيَّ، احْفَظُوا وَصِيَّتِي فَإِنَّكُمْ إِنْ حَفِظْتُمُوهَا سُدْتُمْ قَوْمَكُمْ مِنْ بَعْدِي: إِلَهَكُمْ فَاتَّقُوهُ، وَلَا تَخُونُوا، وَلَا تَحْزَنُوا، وَلَا تُثِيرُوا السِّبَاعَ مِنْ مَرَابِضِهَا(1226)، وَجَاوِرُوا النَّاسَ بِالْكَفِّ عَنْ مَسَاوِيِهِمْ تَسْلَمُوا وَتَصْلُحُوا، وَعِفُّوا عَنِ الطَّلَبِ إِلَيْهِمْ، وَلَا تُسْتَثْقَلُوا، وَالْزَمُوا الصَّمْتَ إِلَّا مِنْ حَقٍّ تُحْمَدُوا، وَابْذُلُوا لَهُمُ المَحَبَّةَ تَسْلَمْ لَكُمُ الصُّدُورُ، وَلَا تُحَرِّمُوهُمُ المَنَافِعَ فَيَظْهَرُوا الشَّكَاةَ، وَكُونُوا مِنْهُمْ فِي سِتْرٍ يُنْعَمْ بَالُكُمْ، وَلَا تُكْثِرُوا مُجَالَسَتَهُمْ فَيَسْتَخِفَّ بِكُمْ، وَإِذَا نَزَلَتْ بِكُمْ مُعْضِلَةٌ فَاصْبِرُوا لَهَا، وَالْبَسُوا لِلدَّهْرِ أَثْوَابَهُ فَإِنَّ لِسَانَ الصِّدْقِ مَعَ النِّكْبَةِ(1227) خَيْرٌ مِنْ سُوءِ الذِّكْرِ مَعَ المَسَرَّةِ(1228)، وَوَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى الذِّلَّةِ لِمَنْ ذَلَّ(1229) لَكُمْ فَإِنَّ أَقْرَبَ المَسَائِلِ المَوَدَّةُ، وَإِنْ أَبْعَدَ النَّسَبِ(1230) الْبِغْضَةَ، وَعَلَيْكُمْ بِالْوَفَاءِ، وَتَنَكَّبُوا الْغَدْرَ يَأْمَنْ سَرْبُكُمْ(1231)، وَأَحْيُوا الْحَسَبَ بِتَرْكِ الْكَذِبِ فَإِنَّ آفَةَ المُرُوءَةِ الْكَذِبُ وَالْخُلْفُ، لَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1223) في المصدر: (تغلَّبته) بدل (تلقَّته).
(1224) كمال الدِّين (ج 2/ ص 555 - 562).
(1225) في المصدر: (ثور) بدل (تور).
(1226) في المصدر إضافة: (فتندموا).
(1227) في المصدر: (المسكنة) بدل (النكبة).
(1228) في المصدر: (الميسرة).
(1229) في المصدر: (على المذلَّة لمن تُذلَّل).
(1230) في المصدر: (أتعبت النشب) بدل (أبعد النسب).
(1231) في المصدر إضافة: (وأصيخوا للعدل).

(٣٩٠)

تُعْلِمُوا النَّاسَ إِقْتَارَكُمْ فَتَهُونُوا وَتَخْمُلُوا، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُرْبَةَ فَإِنَّهَا ذِلَّةٌ، وَلَا تَضَعُوا الْكَرَائِمَ إِلَّا عِنْدَ الْأَكْفَاءِ، وَابْتَغُوا بِأَنْفُسِكُمُ(1232) المَعَالِيَ، وَلَا يَخْتَلِجَنَّكُمْ جَمَالُ النِّسَاءِ عَنِ الصِّحَّةِ فَإِنَّ نِكَاحَ الْكَرَائِمِ مَدَارِجُ الشَّرَفِ، وَاخْضَعُوا لِقَوْمِكُمْ، وَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِمْ لِتَنَالُوا المَنَافِسَ، وَلَا تُخَالِفُوهُمْ فِيمَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ فَإِنَّ الْخِلَافَ يُزْرِي بِالرَّجُلِ(1233) المُطَاعِ، وَلْيَكُنْ مَعْرُوفُكُمْ لِغَيْرِ قَوْمِكُمْ(1234) بَعْدِهِمْ، وَلَا تُوحِشُوا أَفْنِيَتَكُمْ مِنْ أَهْلِهَا فَإِنَّ إِيحَاشَهَا إِخْمَادُ النَّارِ وَدَفْعُ الْحُقُوقِ، وَارْفُضُوا النَّمَائِمَ بَيْنَكُمْ تَكُونُوا(1235) أَعْوَاناً عِنْدَ المُلِمَّاتِ تَغْلِبُوا، وَاحْذَرُوا النَّجْعَةَ إِلَّا فِي مَنْفَعَةٍ لَا تُصَابُوا، وَأَكْرِمُوا الْجَارَ يَخْصِبْ جَنَابُكُمْ، وَآثِرُوا حَقَّ الضَّيْفِ(1236) عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَالْزَمُوا مَعَ السُّفَهَاءِ الْحِلْمَ تَقِلَّ هُمُومُكُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّهَا ذِلَّةٌ، وَلَا تُكَلِّفُوا أَنْفُسَكُمْ فَوْقَ طَاقَتِهَا إِلَّا المُضْطَرَّ فَإِنَّكُمْ إِنْ تُلَامُوا عِنْدَ إِيضَاحِ(1237) الْعُذْرِ وَبِكُمْ قُوَّةٌ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُعَانُوا(1238) فِي الْاِضْطِرَارِ مِنْكُمْ إِلَيْهِمْ بِالمَعْذِرَةِ، وَجِدُّوا وَلَا تُفْرِطُوا فَإِنَّ الْجِدَّ مَانِعُةُ(1239) الضَّيْمِ، وَلْتَكُنْ كَلِمَتُكُمْ وَاحِدَةً تَعِزُّوا وَيُرْهَفْ حَدُّكُمْ، وَلَا تَبْذُلُوا الْوُجُوهَ لِغَيْرِ مَكْرَمَةٍ فَتخلقُوهَا، وَلَا تَجَشَّمُوا(1240) أَهْلَ الدَّنَاءَةِ فَتَقْصُرُوا بِهَا، وَلَا تَحَاسَدُوا فَتَبُورُوا، وَاجْتَنِبُوا الْبُخْلَ فَإِنَّهُ دَاءٌ، وَابْنُوا المَعَالِيَ بِالْجُودِ وَالْأَدَبِ وَمُصَافَاةِ أَهْلِ الْفَضْلِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1232) في المصدر: (لأنفسكم).
(1233) في المصدر: (بالرئيس) بدل (بالرجل).
(1234) في المصدر إضافة: (من).
(1235) في المصدر: ([تسلموا] وكونوا) بدل (تكونوا).
(1236) في المصدر: (الضعيف) بدل (الضيف).
(1237) في المصدر: (فإنَّكم لن تُلاموا عند اتِّضاح).
(1238) في المصدر: (تعاونوا).
(1239) في المصدر: (مانع).
(1240) في المصدر: (مكرميها فتكلحوها ولا تجشَّموها).

(٣٩١)

وَالْحَيَاءِ(1241)، وَابْتَاعُوا المَحَبَّةَ بِالْبَذْلِ، وَوَقِّرُوا أَهْلَ الْفَضِيلَةِ، وَخُذُوا عَنْ أَهْلِ التَّجَارِبِ، وَلَا يَمْنَعْكُمْ مِنْ مَعْرُوفٍ صِغَرُهُ فَإِنَّ لَهُ ثَوَاباً، وَلَا تُحَقِّرُوا الرِّجَالَ فَتَزْدَرُوهَا، فَإِنَّمَا المَرْءُ بِأَصْغَرَيْهِ ذَكَاءِ قَلْبِهِ وَلِسَانٍ يُعَبِّرُ عَنْهُ، وَإِذَا خُوِّفْتُمْ دَاهِيَةً فَاللَّبْثَ(1242) قَبْلَ الْعَجَلَةِ، وَالْتَمِسُوا بِالتَّوَدُّدِ المَنْزِلَةَ عِنْدَ المُلُوكِ فَإِنَّهُمْ مَنْ وَضَعُوهُ اتَّضَعَ وَمَنْ رَفَعُوهُ ارْتَفَعَ، وَتَبَسَّلُوا بِالْفِعَالِ(1243) تَسْمُ إِلَيْكُمُ الْأَبْصَارُ، وَتَوَاضَعُوا بِالْوَقَارِ لِيُحِبَّكُمْ(1244) ربُّكُمْ. ثُمَّ قَالَ:

وَمَا كُلُّ ذِي لُبٍّ بِمُؤْتِيكَ نُصْحَهُ * * * وَلَا كُلُّ مُوفٍ(1245) نُصْحَهُ بِلَبِيبِ
وَلَكِنْ إِذَا مَا اسْتَجْمَعَا عِنْدَ وَاحِدٍ * * * فَحَقٌّ لَهُ مِنْ طَاعَةٍ بِنَصِيبِ(1246)

وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ يَزِيْدَ(1247) الشَّعْرَانِيَّ مِنْ وُلْدِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ (رضي الله عنه) يَقُولُ: حَكَى أَبُو الْقَاسِمِ مُحَمَّدُ ابْنُ الْقَاسِمِ الْبَصْرِيَّ(1248) أَنَّ أَبَا اَلحَسْنِ حِمَارَوَيْهِ(1249) بْنَ أَحْمَدَ بْنِ طُولُونَ كَانَ قَدْ فُتِحَ(1250) عَلَيْهِ مِنْ كُنُوزِ مِصْرَ مَا لَمْ يُرْزَقْ أَحَدٌ قَبْلَهُ، فَأُغْرِيَ(1251) بِالْهَرَمَيْنِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ ثِقَاتُهُ وَحَاشِيَتُهُ وَبِطَانَتُهُ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِهَدْمِ الْأَهْرَامِ فَإِنَّهُ مَا تَعَرَّضَ أَحَدٌ لَهَا فَطَالَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1241) في المصدر: (الحباء).
(1242) في المصدر: (فعليكم بالتثبُّت) بدل (فاللبث).
(1243) في المصدر: (تنبلوا) بدل (تبسلوا بالفعال).
(1244) في المصدر: (وتواضعوا بالوقار ليُحِبّكم).
(1245) في المصدر: (موت) بدل (موف).
(1246) كمال الدِّين (ج 2/ 568 - 570).
(1247) في المصدر: (حمزة) بدل (يزيد).
(1248) في المصدر: (المصري) بدل (البصري).
(1249) في المصدر: (أبا الجيش حماروية)، وكذا في ما بعد.
(1250) في المصدر إضافة: (الله).
(1251) في المصدر: (فعزى) بدل (فأُغري).

(٣٩٢)

عُمُرُهُ، فَلَجَّ(1252) فِي ذَلِكَ وَأَمَرَ أَلْفاً مِنَ الْفَعَلَةِ أَنْ يَطْلُبُوا الْبَابَ، وَكَانُوا يَعْمَلُونَ سَنَةً حَوَالَيْهِ حَتَّى ضَجِرُوا وَكَلُّوا، فَلَمَّا هَمُّوا بِالْاِنْصِرَافِ بَعْدَ الْإِيَاسِ مِنْهُ وَتَرْكِ الْعَمَلِ وَجَدُوا سَرَباً، فَقَدَّرُوا أَنَّهَا الْبَابُ الَّذِي يَطْلُبُونَهُ، فَلَمَّا بَلَغُوا آخِرَهُ وَجَدُوا بَلَاطَةً قَائِمَةً مِنْ مَرْمَرٍ، فَقَدَّرُوا أَنَّهَا الْبَابُ، فَاحْتَالُوا فِيهَا إِلَى أَنْ قَلَعُوهَا وَأَخْرَجُوهَا(1253).
فَإِذَا عَلَيْهَا كِتَابَةٌ بِالْيُونَانِيَّةِ، فَجَمَعُوا حُكَمَاءَ مِصْرَ وَعُلَمَاءَهَا(1254) فَلَمْ يَهْتَدُوا لَهَا، وَكَانَ فِي الْقَوْمِ رَجُلٌ يُعْرَفُ بِأَبِي عَبْدِ اللهِ المَدِينِيِّ أَحَدُ حُفَّاظِ الدُّنْيَا وَعُلَمَائِهَا، فَقَالَ لِأَبِي الْحَسَنِ حِمَارَوَيْهِ بْنِ أَحْمَدَ: أَعْرِفُ فِي بَلَدِ الْحَبَشَةِ أُسْقُفًّا قَدْ عُمِّرَ وَأَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ سَنَةً يَعْرِفُ هَذَا الْخَطَّ، وَقَدْ كَانَ عَزَمَ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَنِيهِ، فَلِحِرْصِي عَلَى عِلْمِ الْعَرَبِ لَمْ أَقُمْ عَلَيْهِ(1255)، وَهُوَ بَاقٍ، فَكَتَبَ أَبُو الْحَسَنِ إِلَى مَلِكِ الْحَبَشَةِ يَسْأَلُهُ أَنْ يَحْمِلَ هَذَا الْأُسْقُفَّ إِلَيْهِ، فَأَجَابَهُ أَنَّ هَذَا(1256) قَدْ طُعِنَ فِي السِّنِّ، وَحَطَمَهُ الزَّمَانُ، وَإِنَّمَا يَحْفَظُهُ هَذَا الْهَوَاءُ(1257)، وَيُخَافُ عَلَيْهِ إِنْ نُقِلَ إِلَى هَوَاءٍ آخَرَ وَإِقْلِيمٍ آخَرَ وَلَحِقَتْهُ حَرَكَةٌ وَتَعَبٌ وَمَشَقَّةُ السَّفَرِ أَنْ يَتْلَفَ، وَفِي بَقَائِهِ لَنَا شَرَفٌ وَفَرَجٌ وَسَكِينَةٌ، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ شَيْءٌ يَقْرَؤُهُ وَيُفَسِّرُهُ وَمَسْأَلَةٌ تَسْأَلُونَهُ فَاكْتُبْ بِذَلِكَ، فَحُمِلَتِ الْبَلَاطَةُ فِي قَارِبٍ(1258) إِلَى بَلَدِ أُسْوَانَ مِنَ الصَّعِيدِ الْأَعْلَى، وَحُمِلَتْ مِنْ أُسْوَانَ عَلَى الْعَجَلَةِ إِلَى بِلَادِ الْحَبَشَةِ، وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنَ أُسْوَانِ، فَلَمَّا وَصَلَتْ قَرَأَهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1252) في المصدر: (فألحَّ) بدل (فلجَّ).
(1253) في المصدر إضافة: (قال محمّد بن المظفَّر: وجدوا من ورائها بناءً منضمًّا لا يقدروا عليه فأخرجوها ثمّ نظَّفوها).
(1254) في المصدر إضافة: (من سائر الأديان).
(1255) في المصدر: (عنده) بدل (عليه).
(1256) في المصدر إضافة: (شيخ).
(1257) في المصدر إضافة: (وهذا الإقليم).
(1258) أي سفينة صغيرة.

(٣٩٣)

الْأُسْقُفُّ وَفَسَّرَ مَا كَانَ فِيهَا بِالْحَبَشِيَّةِ، ثُمَّ نُقِلَتْ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ، فَإِذَا فِيهَا مَكْتُوبٌ: أَنَا الرَّيَّانُ بْنُ دَوْمَغٍ، فَسُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَنِ الرَّيَّانِ مَنْ كَانَ؟ فَقَالَ: هُوَ وَالِدُ الْعَزِيزِ مَلِكِ يُوسُفَ (علیه السلام)، وَاسْمُهُ الرَّيَّانِ(1259) بْنِ دَوْمَغٍ، وَكَانَ عُمُرُ الْعَزِيزِ سَبْعَمِائَةِ سَنَةٍ، وَعُمُرُ الرَّيَّانِ وَالِدِهِ أَلْفَ وَسَبْعَمِائَةِ، وَعُمُرُ دَوْمَغٍ ثَلَاثَةَ آلَافِ سَنَةٍ.
فَإِذَا فِيهَا: أَنَا الرَّيَّانُ بْنُ دَوْمَغٍ، خَرَجْتُ فِي طَلَبِ عِلْمِ النِّيلِ لِأَعْلَمَ فَيْضَهُ وَمَنْبَعَهُ إِذْ كُنْتُ أَرَى مُفِيضَهُ، فَخَرَجْتُ وَمَعِي مِمَّنْ صَحِبْتُ أَرْبَعَةُ آلَافِ أَلْف(1260) رَجُلٍ، فَسِرْتُ ثَمَانِينَ سَنَةً إِلَى أَنِ انْتَهَيْتُ إِلَى الظُّلُمَاتِ وَالْبَحْرِ المُحِيطِ بِالدُّنْيَا، فَرَأَيْتُ النِّيلَ يَقْطَعُ الْبَحْرَ المُحِيطَ وَيَعْبَرُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لِي مَنْفَذٌ، وَتَمَاوَتَ أَصْحَابِي، وَبَقِيتُ فِي أَرْبَعَةِ آلَافِ رَجُلٍ، فَخَشِيتُ عَلَى مُلْكِي، فَرَجَعْتُ إِلَى مِصْرَ وَبَنَيْتُ الْأَهْرَامَ وَالْبَرَانِيَّ، وَبَنَيْتُ الْهَرَمَيْنِ وَأَوْدَعْتُهُمَا كُنُوزِي وَذَخَائِرِي، وَقُلْتُ فِي ذَلِكَ:

وَأَدْرَكَ عِلْمِي بَعْضَ مَا هُوَ كَائِنٌ * * * وَلَا عِلْمَ لِي بِالْغَيْبِ وَاللهُ أَعْلَمُ
وَأَتْقَنْتُ مَا حَاوَلْتُ إِتْقَانَ صُنْعِهِ * * * وَأَحْكَمْتُهُ وَاللهُ أَقْوَى وَأَحْكَمُ
وَحَاوَلْتُ عِلْمَ النِّيلِ مِنْ بَدْءِ فَيْضِهِ * * * فَأَعْجَزَنِي وَالمَرْءُ بِالْعَجْزِ مُلْجَمُ
ثَمَانِينَ شَاهُوراً قَطَعْتُ مَسَايِحاً * * * وَحَوْلِي بَنوُ حُجْرٍ وَجَيْشٌ عَرَمْرَمُ
إِلَى أَنْ قَطَعْتُ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ كُلَّهُمْ * * * وَعَارَضَنِي لُجٌّ مِنَ الْبَحْرِ مُظْلِمُ
فَأَتْقَنْتُ أَنْ لَا مَنْفَذاً(1261) بَعْدَ مَنْزِلِي * * * لِذِي هِمَّةٍ بَعْدِي وَلَا مُتَقَدِّمُ
فَأُبْتُ إِلَى مُلْكِي وَأَرْسَيْتُ نَادِياً(1262) * * * بِمِصْرَ وَلِلْأَيَّامِ بُؤْسٌ وَأَنْعُمُ
أَنَا صَاحِبُ الْأَهْرَامِ فِي مِصْرَ كُلِّهَا * * * وَبَانِي بَرَانِيهَا بِهَا وَالمُقَدَّمُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1259) في المصدر إضافة: (الوليد) بدل (الريَّان).
(1260) كلمة: (ألف) ليست في المصدر.
(1261) في المصدر: (فأيقنت أنْ لا منقذ).
(1262) في المصدر: (ثاوياً) بدل (نادياً).

(٣٩٤)

تَرَكْتُ بِهَا آثَارَ كَفِّي وَحِكْمَتِي * * * عَلَى الدَّهْرِ لَا تُبْلَى وَلَا تَتَهَدَّمُ
وَفِيهَا كُنُوزٌ جَمَّةٌ وَعَجَائِبُ * * * وَلِلدَّهْرِ أَمْرٌ مَرَّةً وَتَهَجُمُ
سَيَفْتَحُ أَقْفَالِي وَيُبْدِي عَجَائِبِي * * * وَلِيٌّ لِرَبِّي آخِرَ الدَّهْرِ يَنْجُمُ
بِأَكْنَافِ بَيْتِ اللهِ تَبْدُو أُمُورُهُ * * * وَلَا بُدَّ أَنْ يَعْلُوَ وَيَسْمُوَ بِهِ السِّمُ
ثَمَانٍ وَتِسْعٌ وَاثْنَتَانِ وَأَرْبَعٌ * * * وَتِسْعُونَ أُخْرَى مِنْ قَتِيلٍ وَمُلْجَمُ
وَمِنْ بَعْدِ هَذَا كَرَّ تِسْعُونَ تِسْعَةٌ * * * وَتِلْكَ الْبَرَانِيُّ تَسْتَخِرُّ وَتُهْدَمُ
وَتُبْدَى كُنُوزِي كُلُّهَا غَيْرَ أَنَّنِي * * * أَرَى كُلَّ هَذَا أَنْ يُفَرِّقَهَا الدَّمُ
رَمَزْتُ مَقَالِي(1263) فِي صُخُورٍ قَطَعْتُهَا * * * سَتَبْقَى وَأَفْنَى بَعْدَهَا ثُمَّ أُعْدَمُ

فَحِينَئِذٍ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ حِمَارَوَيْهِ بْنُ أَحْمَدَ: هَذَا شَيْءٌ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ حِيلَةٌ إِلَّا لِلْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)، وَرُدَّتِ الْبَلَاطَةُ كَمَا كَانَتْ مَكَانَهَا.
ثُمَّ إِنَّ أَبَا الْحَسَنِ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ قَتَلَهُ طَاهِرٌ الْخَادِمُ، [ذَبَحَهُ](1264) عَلَى فِرَاشِهِ وَهُوَ سَكْرَانُ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ عُرِفَ خَبَرُ الْهَرَمَيْنِ وَمَنْ بَنَاهُمَا، فَهَذَا أَصَحُّ مَا يُقَالُ مِنْ خَبَرِ النِّيلِ وَالْهَرَمَيْنِ.
وعاش صبيرة بن(1265) سعد بن سهم القرشي مائة وثمانين سنة، وأدرك الإسلام، فهلك فجاءة بلا سبب(1266).
وعاش لبيد بن ربيعة الجعفري مائة وأربعين سنة، وأدرك الإسلام فأسلم، فلمَّا بلغ سبعين من عمره أنشأ يقول:

كأنِّي وقد جاوزت سبعين حجَّة * * * خلعت بها عن منكبي ردائيا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1263) في المصدر: (زبرت مقالي).
(1264) من المصدر.
(1265) في المصدر إضافة: (سعيد بن).
(1266) عبارة: (بلا سبب) ليست في المصدر.

(٣٩٥)

فلمَّا بلغ سبعاً وسبعين سنة أنشأ يقول:

باتت تشكي إليَّ النفش مجهشة * * * وقد حملتك سبعاً بعد سبعين(1267)
فإنْ تزادي ثلاثاً تبلغي أملاً * * * وفي الثلاث وفاء للثمانين(1268)

فلمَّا بلغ تسعين سنة أنشأ يقول:

كأنِّي وقد جاوزت تسعين حجَّة * * * خلعت بها عنِّي عذار لثامي
رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى * * * فكيف بمن يرمي وليس برام
فلو أنَّني أرمي بنبل رأيتها * * * ولكنَّني أُرمى بغير سهام

فلمَّا بلغ مائة وعشر سنين أنشأ يقول:

وليس في مائة قد عاشها رجل * * * وفي تكامل عشر بعدها عمر

فلمَّا بلغ مائة وعشرين سنة أنشأ يقول:

قد عشت دهراً قبل مجرى داحس * * * لو كان في النفس(1269) اللجوج خلود

فلمَّا بلغ مائة وأربعين سنة أنشأ يقول:

ولقد سئمت من الحياة وطولها * * * وسؤال هذا الناس كيف لبيد
غلب الرجال فكان غير مغلب * * * دهر طويل دائم ممدود
يوم إذا يأتي عليَّ وليلة * * * وكلاهما بعد المضيِّ يعود

فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ، إِنَّ أَبَاكَ لَمْ يَمُتْ وَلَكِنَّهُ فَنِيَ، فَإِذَا قُبِضَ أَبُوكَ فَأَغْمِضْهُ وَأَقْبِلْ بِهِ الْقِبْلَةَ وَسَجِّهِ بِثَوْبِهِ، وَلَا أَعْلَمَنَّ مَا صَرَخَتْ عَلَيْهِ صَارِخَةٌ أَوْ بَكَتْ عَلَيْهِ بَاكِيَةٌ، وَانْظُرْ جَفْنَتِيَ الَّتِي كُنْتُ أُضِيفُ بِهَا فَأَجِدْ صَنَعْتَهَا،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1267) في المصدر: (سبعينا) بدل (سبعين).
(1268) في المصدر: (للثمانينا) بدل (للثمانين).
(1269) في المصدر: (للنفس) بدل (في النفس).

(٣٩٦)

ثُمَّ احْمِلْهَا إِلَى مَسْجِدِكَ وَإِلَى مَنْ كَانَ يَغْشَانِي عَلَيْهَا، فَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) فَقَدِّمْهَا إِلَيْهِمْ يَأْكُلُونَ مِنْهَا، فَإِذَا فَرَغُوا فَقُلْ: احْضُرُوا جَنَازَةَ أَخِيكُمْ لَبِيدِ ابْنِ رَبِيعَةَ فَقَدْ قَبَضَهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ)، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:

وَإِذَا دَفَنْتَ أَبَاكَ فَاجْعَـ * * * ـلْ فَوْقَهُ خَشَباً وطِينا
وَصَفَائِحاً صُمًّا رَوَا * * * سِيهَا تشدد وَالْغُصُونَا(1270)
لِيَقِينَ حَرَّ الْوَجْهِ سَفْـ * * * ـسَافُ التُّرَابِ وَلَنْ يَقِينَا

وقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ فِي أَمْرِ الْجَفْنَةِ غَيْرُ هَذَا، ذَكَرُوا أَنَّ لَبِيدَ ابْنَ رَبِيعَةَ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ كُلَّمَا هَبَّتِ الشَّمَالُ أَنْ يَنْحَرَ جَزُوراً فَيَمْلَأَ الْجَفْنَةَ الَّتِي حَكَوْا عَنْهَا فِي أَوَّلِ حَدِيثِهِ.
فَلَمَّا وَلِيَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ الْكُوفَةَ خَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ عَلِمْتُمْ حَالَ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ الْجَعْفَرِيِّ وَشَرَفَهُ وَمُرُوءَتَهُ وَمَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ كُلَّمَا هَبَّتِ الشَّمَالُ أَنْ يَنْحَرَ جَزُوراً، فَأَعِينُوا أَبَا عَقِيلٍ عَلَى مُرُوءَتِهِ، ثُمَّ نَزَلَ وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِخَمْسَةٍ مِنَ الْجُزُرِ، وَأَبْيَاتُ شِعْرٍ يَقُولُ فِيهَا:

أَرَى الْجَزَّارَ يَشْحَذُ شَفْرَتَيْهِ * * * إِذَا هَبَّتْ رِيَاحُ أَبِي عَقِيلِ
طَوِيلُ الْبَاعِ أَبْلَجُ جَعْفَرِيٍ * * * كَرِيمُ الْجَدِّ كَالسَّيْفِ الصَّقِيلِ
وَفِي ابْنِ الْجَعْفِيِّ بِمَا لَدَيْهِ * * * عَلَى الْعَلَّاتِ وَالمَالِ الْقَلِيلِ

وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْجُزُرَ كَانَتْ عِشْرِينَ، فَلَمَّا أَتَتْهُ قَالَ: جَزَى اللهُ الْأَمِيرَ خَيْراً، قَدْ عَرَفَ أَنِّي لَا أَقُولُ الشِّعْرَ وَلَكِنْ اخْرُجِي يَا بُنَيَّةُ، فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ بُنَيَّةٌ لَهُ خُمَاسِيَّةٌ، فَقَالَ لَهَا: أَجِيبِي الْأَمِيرَ، فَأَقْبَلَتْ وَأَدْبَرَتْ ثُمَّ قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1270) في المصدر: (وصفائحاً صمًّا رواشنها تسدون الغصونا).

(٣٩٧)

إِذَا هَبَّتْ رِيَاحُ أَبِي عَقِيلِ * * * دَعَوْنَا عِنْدَ هَبَّتِهَا الْوَلِيدَا
طَوِيلُ الْبَاعِ أَبْلَجُ عَبْشَمِيًّا * * * أَعَانَ عَلَى مُرُوءَتِهِ لَبِيدا
بِأَمْثَالِ الْهِضَابِ كَأَنَّ رَكْباً * * * عَلَيْهَا مِنْ بَنِي حَامٍ قُعُودا
أَبَا وَهْبٍ جَزَاكَ اللهُ خَيْراً * * * نَحَرْنَاهَا وَأَطْعَمْنَا التَّرِيدَا
فَعُدْ إِنَّ الْكَرِيمَ لَهُ مُعَادٌ * * * وَعَهْدِي بِابْنِ أَرْوَى أَنْ تَعُودَا

فَقَالَ لَهَا: أَحْسَنْتِ يَا بُنَيَّةِ لَوْ لَا أَنَّكِ سَأَلْتِ، قَالَتْ: إِنَّ المُلُوكَ لَا يُسْتَحْيى مِنْ مَسْأَلَتِهِمْ، قَالَ: وَأَنْتِ فِي هَذَا يَا بُنَيَّةِ أَشْعَرُ.
وعاش ذو الإصبع العدواني واسمه حرثان بن الحارث بن محرث بن ربيعة ابن هبيرة بن ثعلبة بن ظرب بن عثمان بن عبَّاد ثلاثمائة سنة.
وعاش جعفر بن قبط ثلاثمائة سنة، وأدرك الإسلام.
وعاش عامر بن ظرب العدواني ثلاثمائة سنة.
وعاش محصن بن غسَّان بن ظالم بن عمرو بن قطيعة بن الحارث بن سَلَمة ابن مازن الزبيدي مائتي وخمسين سنة، فقال في ذلك:

ألَا يا سلم إنِّي لست منكم * * * ولكنِّي امرء قوتي سغوب
دعاني الداعيان فقلت هيَّا * * * فقالا كلُّ من يُدعى يجيب
ألَا يا سلم أعياني قيامي * * * وأعيتني المكاسب والركوب
وصرت رديئة في البيت كلًّا * * * تأذَّى بي الأباعد والقريب
كذاك الدهر والأيَّام خون * * * لها في كلِّ سائمة نصيب(1271)

وعاش صيفي بن رباح أبو(1272) أكثم أحد بني أسد بن عمرو بن تميم مائتي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1271) كمال الدِّين (ج 2/ ص 562 - 568).
(1272) في المصدر: (بن) بدل (أبو).

(٣٩٨)

سنة وسبعين سنة، وكان يقول: لك على أخيك سلطان في كلِّ حالٍ إلَّا في القتال، فإذا أخذ الرجال السلاح فلا سلطان(1273) عليه، كفى بالمشرفيَّة واعظاً، وترك الفخر أبقى لك، وأسرع الحزم(1274) عقوبة البغي، وشرُّ النصرة التعدِّي، وألأم الأخلاق أضيقها، ومن الأذى كثرة العتاب، وأقرع الأرض بالعصا، فذهبت مثلاً:

لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا * * * وما عُلِّم الإنسان إلَّا ليعلم(1275)

وعاش عاد بن شدَّاد اليربوعي مائة وخمسين سنة.
وعاش أكثم بن صيفي أحد بني أسد بن عمرو بن تميم ثلاثمائة سنة، وقال بعضهم: مائة وتسعين سنة، وأدرك الإسلام واختُلِفَ في إسلامه إلَّا أنَّ أكثرهم لا يشكُّ في أنَّه لم يسلم، فقال في ذلك:

وإنَّ امرءاً قد عاش تسعين حجَّة * * * إلى مائة لم يسأم العيش جاهل
خلت مائتان غير ستٍّ وأربع * * * وذلك من عدِّ الليالي قلائل

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ: أَقْبَلَ أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِيٍّ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ، فَقَتَلَهُ ابْنُهُ عَطَشاً(1276)، فَسَمِعْتُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ﴾ [النساء: 100]، وَلَمْ تَكُنِ الْعَرَبُ تُقَدِّمُ عَلَيْهِ أَحَداً فِي الْحِكْمَةِ، وَإِنَّهُ لَـمَّا سَمِعَ بِرَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بَعَثَ ابْنَهُ حَبِيشاً، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنِّي أَعِظُكَ بِكَلِمَاتٍ فَخُذْهُنَّ مِنْ حِينَ تَخْرُجُ مِنْ عِنْدِي إِلَى أَنْ تَرْجِعَ إِلَيَّ، ائْتِ نَصِيبَكَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ فَلَا تَسْتَحِلَّهُ فَيُسْتَحَلَّ مِنْكَ، فَإِنَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1273) في المصدر إضافة: (لك).
(1274) في المصدر: (الجرم) بدل (الحزم).
(1275) في المصدر: (ليعلما) بدل (ليعلم).
(1276) كذا في المصدر والبحار، والظاهر أنَّه تصحيف: (حبيشاً).

(٣٩٩)

الْحَرَامَ لَيْسَ يُحَرِّمُ نَفْسَهُ وَإِنَّمَا يُحَرِّمُهُ أَهْلُهُ، وَلَا تَمُرَّنَّ بِقَوْمٍ إِلَّا تَنْزِلَ(1277) عِنْدَ أَعَزِّهِمْ، وَأَحْدِثْ عَقْداً مَعَ شَرِيفِهِمْ، وَإِيَّاكَ وَالذَّلِيلَ فَإِنَّهُ أَذَلَّ نَفْسَهُ وَلَوْ أَعَزَّهَا لَأَعَزَّهُ قَوْمُهُ، فَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ فَإِنِّي قَدْ عَرَفْتُهُ وَعَرَفْتُ نَسَبَهُ وَفِي(1278) فِي بَيْتِ قُرَيْشٍ وَهِي [أَعَزُّ](1279) الْعَرَبِ، وَهُوَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ إِمَّا ذُو نَفْسٍ أَرَادَ مُلْكاً، فَخَرَجَ لِلْمُلْكِ بِعِزِّهِ، فَوَقِّرْهُ وَشَرِّفْهُ وَقُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا تَجْلِسْ إِلَّا بِإِذْنِهِ حَيْثُ يَأْمُرُكَ وَيُشِيرُ إِلَيْكَ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ أَدْفَعَ لِشَرِّهِ عَنْكَ وَأَقْرَبَ لِخَيْرِهِ مِنْكَ، وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ يَسُوؤُهُمْ، وَلَا يَبْطُرُ فَيُحَتَشَمَ(1280)، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ الْخِيَرَةَ حَيْثُ يَعْلَمُ، لَا يُخْطِئُ فَيُسْتَعْتَبَ إِنَّمَا أَمْرُهُ عَلَى مَا تُحِبُّ، وَإِنْ كَانَ(1281) فَسَتَجِدُ أَمْرَهُ كُلَّهُ صَالِحاً وَخَبَرَهُ كُلَّهُ صَادِقاً، وَسَتَجِدُهُ مُتَوَاضِعاً فِي نَفْسِهِ مُتَذَلِّلًا لِرَبِّهِ، فَذِلَّ لَهُ فَلَا تُحْدِثَنَّ أَمْراً دُونِي، فَإِنَّ الرَّسُولَ إِذَا أَحْدَثَ الْأَمْرَ مِنْ عِنْدِهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيِ الَّذِي أَرْسَلَهُ، وَاحْفَظْ مَا يَقُولُ لَكَ إِذَا رَدَّكَ إِلَيَّ، فَإِنَّكَ وَلَوْ تَوَهَّمْتَ أَوْ نَسِيتَ حَتَمْتَنِي(1282) رَسُولاً غَيْرَكَ.
وَكَتَبَ مَعَهُ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، مِنَ الْعَبْدِ إِلَى الْعَبْدِ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّا بَلَغَنَا مَا بَلَغَكَ، فَقَدْ أَتَانَا عَنْكَ خَبَرٌ لَا نَدْرِي مَا أَصْلُهُ، فَإِنْ كُنْتَ أُرِيتَ فَأَرِنَا، وَإِنْ كُنْتَ عُلِّمْتَ فَعَلِّمْنَا وَأَشْرِكْنَا فِي كَنْزِكَ، وَالسَّلَامُ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ فِيمَا ذَكَرُوا: «مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى أَكْثَمَ بْنِ صَيْفِيٍّ، أَحْمَدُ اللهَ إِلَيْكَ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَقُولُهُا وَآمُرَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1277) في المصدر: (نزلت) بدل (تنزل).
(1278) في المصدر: (وهو) بدل (وفي).
(1279) من المصدر.
(1280) في المصدر: (فإنَّ الله لا يُحَسُّ فيُتوهَّم ولا يُنظَر فيُتجسَّم).
(1281) في المصدر إضافة: (نبيًّا).
(1282) في المصدر: (جشَّمتني) بدل (حتَّمتني).

(٤٠٠)

النَّاسَ بِقَوْلِهَا، وَالْخَلْقُ خَلْقُ اللهِ، وَالْأَمْرُ كُلُّهُ لِلهِ، خَلَقَهُمْ وَأَمَاتَهُمْ، وَهُوَ يَنْشُرُهُمْ وَإِلَيْهِ المَصِيرُ، أَدَّبْتُكُمْ بِآدَابِ المُرْسَلِينَ، وَلَتُسْأَلُنَّ عَنِ النَّبَأ الْعَظِيمِ، وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ».
فَلَمَّا جَاءَهُ كِتَابُ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ، مَا ذَا رَأَيْتَ؟ قَالَ: رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَيَنْهَى عَنْ مَلَائِمِهَا.
فَجَمَعَ أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِيٍّ إِلَيْهِ بَنِي تَمِيمٍ، ثُمَّ قَالَ: يَا بَنِي تَمِيمٍ، لَا تُحْضِرُونِي سَفِيهاً فَإِنَّ مَنْ يَسْمَعْ يَخَلْ، وَلِكُلِّ إِنْسَانٍ رَأْيٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّ السَّفِيهَ وَاهِنُ الرَّأْيِ وَإِنْ كَانَ قَوِيَّ الْبَدَنِ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ.
يَا بَنِي تَمِيمٍ، كَبِرَتْ سِنِّي وَدَخَلَتْنِي ذِلَّةُ الْكِبَرِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنِّي حَسَناً فَأْتُوهُ، وَإِذَا أَنْكَرْتُمْ مِنِّي شَيْئاً فَقُولُوا لِي الْحَقَّ(1283) أَسْتَقِمْ، إِنَّ ابْنِي قَدْ جَاءَنِي وَقَدْ شَافَهَ هَذَا الرَّجُلَ فَرَآهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ(1284) وَيَنْهَى عَنِ مَلَائِمِهَا، عَنْ مَلَائِمِهَا، وَيَدْعُو إِلَى أَنْ يُعْبَدَ اللهَ وَحْدَهُ وَتُخْلَعَ الْأَوْثَانُ وَيُتْرَكَ الْحَلْفُ بِالنِّيرَانِ، وَيَذْكُرُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَأَنَّ قَبْلَهُ رُسُلاً لَهُمْ كُتُبٌ، وَقَدْ عَلِمْتُ رَسُولاً قَبْلَهُ كَانَ يَأْمُرُ بِعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ، وَإِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِمُعَاوَنَةِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَمُسَاعَدَتِهِ عَلَى أَمْرِهِ أَنْتُمْ، فَإِنْ يَكُنِ الَّذِي يَدْعُو إِلَيْهِ حَقًّا فَهُوَ لَكُمْ، وَإِنْ يَكُ بَاطِلاً كُنْتُمْ أَحَقَّ مَنْ كَفَّ عَنْهُ وَسَتَرَ عَلَيْهِ.
وَقَدْ كَانَ أُسْقُفُّ نَجْرَانَ يُحَدِّثُ بِصِفَتِهِ، وَلَقَدْ كَانَ سُفْيَانُ بْنُ مُجَاشِعٍ قَبْلَهُ يُحَدِّثُ بِهِ، وَسَمَّى ابْنَهُ مُحَمَّداً، وَقَدْ عَلِمَ ذَوُو الرَّأْيِ مِنْكُمْ أَنَّ الْفَضْلَ فِيمَا يَدْعُو إِلَيْهِ وَيَأْمُرُ بِهِ، فَكُونُوا فِي أَمْرِهِ أَوَّلاً وَلَا تَكُونُوا أَخِيراً، اتَّبِعُوهُ تَشَرَّفُوا، وَتَكُونُوا سَنَامَ الْعَرَبِ، وَائْتُوهُ طَائِعِينَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتُوهُ كَارِهِينَ، فَإِنِّي أَرَى أَمْراً مَا هُوَ بِالْهُوَيْنَا لَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1283) في المصدر: (وإذا أنكرتم منِّي شيئاً فقوِّموني بالحقِّ).
(1284) في المصدر: (فرآه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويأخذ بمحاسن الأخلاق).

(٤٠١)

يَتْرُكُ مَصْعَداً إِلَّا صَعِدَهُ وَلَا مَنْصُوباً إِلَّا بَلَغَهُ، إِنَّ هَذَا الَّذِي يَدْعُو إِلَيْهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ دِيناً لَكَانَ فِي الْأَخْلَاقِ حَسَناً، أَطِيعُونِي وَاتَّبِعُوا أَمْرِي أَسْأَلْ لَكُمْ مَا لَا يُنْزَعُ مِنْكُمْ أَبَداً، إِنَّكُمْ أَصْبَحْتُمْ أَكْثَرَ الْعَرَبِ عَدَداً، وَأَوْسَعَهُمْ بَلَداً، وَإِنِّي لَأَرَى أَمْراً لَا يَتَّبِعُهُ ذَلِيلٌ إِلَّا عَزَّ، وَلَا يَتْرُكُهُ عَزِيزٌ إِلَّا ذَلَّ، اتَّبِعُوهُ مَعَ عِزِّكُمْ تَزْدَادُوا عِزًّا، وَلَا يَكُنْ أَحَدٌ مِثْلَكُمْ. إِنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَدَعْ لِلْآخِرِ شَيْئاً، وَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ لِمَا بَعْدَهُ، مَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ فَهُوَ الْبَاقِي، وَمَنْ(1285) اقْتَدَى بِهِ الثَّانِي، فَأَصْرِمُوا أَمْرَكُمْ فَإِنَّ الصَّرِيمَةَ قُوَّةٌ، وَالْاِحْتِيَاطَ عَجْزٌ.
فَقَالَ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ: خَرِفَ شَيْخُكُمْ، فَقَالَ أَكْثَمُ: وَيْلٌ لِلشَّجَيِّ مِنَ الْخَلَيِّ، أَرَاكُمْ سُكُوتاً، وَآفَةَ المَوْعِظَةِ الْإِعْرَاضُ عَنْهَا، وَيْلَكَ يَا مَالِكُ إِنَّكَ هَالِكٌ، إِنَّ [الْحَقَّ](1286) إِذَا قَامَ رَفَعَ(1287) الْقَائِمُ مَعَهُ، وَجَعَلَ الصَّرْعَى قِيَاماً، فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ، أَمَّا إِذْ سَبَقْتُمُونِي بِأَمْرِكُمْ فَقَرِّبُوا بَعِيرِي أَرْكَبْهُ.
فَدَعَا بِرَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا، فَتَبِعَهُ بَنُوهُ وَبَنُو أَخِيهِ، فَقَالَ: لَهْفَي عَلَى أَمْرٍ لَنْ أُدْرِكَهُ وَلَمْ يَسْبِقْنِي.
وَكَتَبَتْ طَيِءٌ إِلَى أَكْثَمَ وَكَانُوا أَخْوَالَهُ، وَقَالَ آخَرُونَ: كَتَبَتْ بَنُو مُرَّةَ وَكَانُوا أَخْوَالُهُ: أَنْ أَحْدِثْ إِلَيْنَا مَا نَعِيشُ بِهِ.
فَكَتَبَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي مُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، فَإِنَّهَا ثَبْتٌ أَصْلُهَا وَنَبْتٌ فَرْعُهَا، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ فَإِنَّهَا لَا يَثْبُتُ لَهَا أَصْلٌ وَلَا يَنْبُتُ لَهَا فَرْعٌ، وَإِيَّاكُمْ وَنِكَاحَ الْحَمْقَاءِ فَإِنَّ مُبَاضَعَتَهَا قَذَرٌ وَوُلْدَهَا ضَيَاعٌ، وَعَلَيْكُمْ بِالْإِبِلِ فَأَكْرِمُوهَا فَإِنَّهَا حُصُونُ الْعَرَبِ، وَلَا تَضَعُوا رِقَابَهَا إِلَّا فِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1285) في المصدر: (اقتدى) بدل (من اقتُدِي).
(1286) من المصدر.
(1287) في المصدر: (وقع)، راجع (بيان) المؤلّف.

(٤٠٢)

حَقِّهَا فَإِنَّ فِيهَا مَهْرَ الْكَرِيمَةِ وَرَقُوءَ الدَّمِ، وَبِأَلْبَانِهَا يُتْحَفُ الْكَبِيرُ وَيُغَذَّى الصَّغِيرُ، وَلَوْ كُلِّفَتِ الْإِبِلُ الطَّحْنَ لَطَحَنَتْ، وَلَنْ يَهْلِكَ امْرُؤٌ عَرَفَ قَدْرَهُ، وَالْعُدْمُ عُدْمُ الْعَقْلِ، وَالمَرْءُ الصَّالِحُ لَا يَعْدَمُ المَالَ، وَرُبَّ رَجُلٍ خَيْرٌ مِنْ مِائَةٍ، وَرُبَّ فِئَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ فِئَتَيْنِ، وَمَنْ عَتَبَ عَلَى الزَّمَانِ طَالَتْ مَعْتَبَتُهُ، وَمَنْ رَضِيَ بِالْقَسْمِ طَابَتْ مَعِيشَتُهُ، آفَةُ الرَّأْيِ الْهَوَى، وَالْعَادَةُ أَمْلَكُ بِالْأَدَبِ، وَالْحَاجَةُ مَعَ المَحَبَّةِ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى مَعَ الْبِغْضَةِ، وَالدُّنْيَا دُوَلٌ فَمَا كَانَ مِنْهَا لَكَ أَتَاكَ عَلَى ضَعْفِكَ وَإِنْ قَصُرْتَ فِي طَلَبِهِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا عَلَيْكَ لَمْ تَدْفَعْهُ بِقُوَّتِكَ، وَسُوءُ حَمْلِ الرِّيِبَةِ تَضَعُ الشَّرَفَ، وَالْحَسَدُ دَاءٌ لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ، وَالشَّمَاتَةُ تُعْقِبُ، وَمَنْ بَرَّ يَوْماً بُرَّ بِهِ، وَالنَّدَامَةُ مَعَ السَّفَاهَةِ(1288)، وَدِعَامَةُ الْعَقْلِ الْحِلْمُ، وَجِمَاعُ الْأَمْرِ الصَّبْرُ، وَخَيْرُ الْأُمُورِ مَغَبَّةُ الْعَفْوِ، وَأَبْقَى المَوَدَّةِ حُسْنُ التَّعَاهُدِ، وَمَنْ يَزُرْ غِبًّا يَزْدَدْ حُبًّا(1289).
وصيَّة أكثم بن صيفي عند موته:
جَمَعَ أَكْثَمُ بَنِيهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَقَالَ: يَا بَنِيَّ، إِنَّهُ قَدْ أَتَى عَلَيَّ دَهْرٌ طَوِيلٌ، وَأَنَا مُزَوِّدُكُمْ مِنْ نَفْسِي قَبْلَ المَمَاتِ، أُوصِيكُمْ [اللهَ](1290) بِتَقْوَى اللهِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْبِرِّ فَإِنَّهُ يُنْمِي عَلَيْهِ الْعَدَدَ وَلَا يَبِيدُ عَلَيْهِ أَصْلٌ وَلَا فَرْعٌ(1291)، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ، فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهَا أَصْلٌ وَلَا يَنْبُتُ عَلَيْهَا فَرْعٌ، كُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ فَإِنَّ مَقْتَلَ الرَّجُلِ بَيْنَ فَكَّيْهِ، إِنَّ قَوْلَ الْحَقِّ لَمْ يَدَعْ لِي صَدِيقاً.
انْظُرُوا أَعْنَاقَ الْإِبِلِ فَلَا تَضَعُوهَا إِلَّا فِي حَقِّهَا فَإِنَّ فِيهَا مَهْرَ الْكَرِيمَةِ وَرَقُوءَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1288) في المصدر: (واللومة مع السفاهة).
(1289) كمال الدِّين (ج 2/ ص 570 - 574).
(1290) لفظ الجلالة ليس في المصدر.
(1291) في المصدر: (ولا يهتصر فرع).

(٤٠٣)

الدَّمِ، وَإِيَّاكُمْ وَنِكَاحَ الْحَمْقَاءِ فَإِنَّ نِكَاحَهَا قَذَرٌ وَوُلْدَ[هَا](1292) ضَيَاعٌ، الْاِقْتِصَادُ فِي السَّفَرِ أَبْقَى لِلْجِمَامِ، مَنْ لَمْ يَأْسَ عَلَى مَا فَاتَهُ أَوْدَعَ بَدَنُهُ، مَنْ قَنِعَ بِمَا هُوَ فِيهِ قَرَّتْ عَيْنُهُ، التَّقَدُّمُ قَبْلَ النَدَمِ، أُصْبِحَ عِنْدَ رَأْسِ الْأَمْرِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصْبِحَ عِنْدَ ذَنَبِهِ(1293).
لَمْ يَهْلِكِ مَنْ عَرَفَ قَدْرَهُ، الْعَجْزُ عِنْدَ الْبَلَاءِ آفَةُ المُتَحَمِّلِ(1294)، لَمْ يَهْلِكْ مِنْ مَالِكَ مَا وَعَظَكَ، وَيْلٌ لِعَالِمِ أَمِنَ مِنْ جَاهِلٍ، الْوَحْشَةُ ذَهَابُ الْأَعْلَامِ، يَتَشَابَهُ الْأَمْرُ إِذَا أَقْبَلَ فَإِذَا أَدْبَرَ عَرَفَهُ الْكَيِّسُ وَالْأَحْمَقُ، وَالْبَطَرُ عِنْدَ الرَّخَاءِ حُمْقٌ، وَفِي طَلَبِ المَعَالِي يَكُونُ القُرْبُ(1295)، لَا تَغْضَبُوا مِنَ الْيَسِيرِ فَإِنَّهُ يَجْتَنِي(1296) الْكَثِيرَ، لَا تُجِيبُوا عَمَّا لَا تُسْأَلُوه، وَلَا تَضْحَكُوا مِمَّا لَا يُضْحَكُ مِنْهُ.
تَبَارُّوا فِي الدُّنْيَا وَلَا تَبَاغَضُوا، الْحَسَدُ فِي الْقُرْبِ فَإِنَّهُ مَنْ يَجْتَمِعْ يَتَقَعْقَعْ عُمُدُهُ لِيَنْفَرِدَ بَعْضُهُمْ(1297) مِنْ بَعْضٍ فِي المَوَدَّةِ، لَا تَتَكَلَّمُوا عَلَى الْقَرَابَةِ فَتَقَاطَعُوا، فَإِنَّ الْقَرِيبَ مَنْ قَرَّبَ نَفْسَهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالمَالِ فَأَصْلِحُوهُ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ الْأَمْوَالُ إِلَّا بِإِصْلَاحِكُمْ، وَلَا يَتَّكِلَنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى مَالِ أَخِيهِ يَرَى فِيهِ قَضَاءَ حَاجَتِهِ فَإِنَّهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ كَالْقَابِضِ عَلَى المَاءِ، وَمَنِ اسْتَغْنَى كَرُمَ عَلَى أَهْلِهِ، وَأَكْرِمُوا الْخَيْلَ، نِعْمَ لَهْوُ الْحُرَّةِ المَغْزِلُ، وَحِيلَةُ مَنْ لَا حِيلَةَ لَهُ الصَّبْرُ.
وعاش فروة بن ثعلبة بن نفاية(1298) السلولي مائة وثلاثين سنة في الجاهليَّة ثُمَّ أدرك الإسلام فأسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1292) من المصدر.
(1293) في المصدر: (من أصبح عند رأس الأمر، أحبُّ إليَّ ممَّن أصبح عند ذنبه).
(1294) في المصدر: (التجمُّل) بدل (المتحمِّل).
(1295) في المصدر: (العزّ) بدل (القرب).
(1296) في المصدر: (يجنى) بدل (يجتني).
(1297) في المصدر: (يتقرَّب بعضكم) بدل (لينفرد بعضهم).
(1298) في المصدر: (نفاثة) بدل (نفاية).

(٤٠٤)

وعاش مضاد بن حبابة بن مرارة من بني عمرو بن يربوع بن حنظلة بن زيد مناة أربعين ومائة سنة.
وعاش قسُّ بن ساعدة ستّمائة سنة وهو الذي يقول:

هل الغيث يُعطي الأمر(1299) عند نزوله * * * بحال مسيء في الأُمور ومحسنِ
ومن قد تولَّى وهو قد فات ذاهب * * * فهل ينفعني ليتني ولو أنَّني

وكذلك يقول لبيد:

وأخلف قسًّا ليتني ولو أنَّني * * * وأعيا على لقمان حكم التدبُّر

وعاش الحارث بن كعب المذحجي ستِّين ومائة سنة(1300).
قَالَ الصَّدُوقُ (رحمه الله): هَذِهِ الْأَخْبَارُ الَّتِي ذَكَرْتُهَا فِي المُعَمَّرينَ قَدْ رَوَاهَا مُخَالِفُونَا أَيْضاً مِنْ طَريقِ مُحَمَّدِ بْن السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْن إِسْحَاقَ بْن يَسَارٍ(1301)، وَعَوَانَةَ بْن الْحَكَم، وَعِيسَى بْن يَزيدَ بْن رئَابٍ(1302)، وَالْهَيْثَم بْن عَدِيٍّ الطَّائِيِّ، وَقَدْ رُويَ عَن النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّهُ قَالَ: «كُلَّمَا كَانَ فِي الْأُمَم السَّالِفَةِ فَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مِثْلُهُ حَذْوَ النَّعْل بِالنَّعْل وَالْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ»، وَقَدْ صَحَّ هَذَا التَّعْمِيرُ فِيمَنْ تَقَدَّمَ، وَصَحَّتِ الْغَيْبَاتُ الْوَاقِعَةُ بِحُجَج اللهِ (عليهم السلام) فِيمَا مَضَى مِنَ الْقُرُون، فَكَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى إِنْكَار الْقَائِم (علیه السلام) لِغَيْبَتِهِ وَطُولِ عُمُرهِ؟
مع الأخبار الواردة فيه عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعن الأئمَّة (عليهم السلام) وهي التي قد ذكرناها في هذا الكتاب بأسانيدها.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْكُوفِيُّ، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1299) في المصدر: (الأمن) بدل (الأمر).
(1300) كمال الدِّين (ج 2/ ص 574 و575).
(1301) في المصدر: (بشَّار) بدل (يسار).
(1302) في المصدر: (آب) بدل (رئاب).
 

(٤٠٥)

مُوسَى بْن عِمْرَانَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَمِّهِ الْحُسَيْن بْن يَزيدَ النَّوْفَلِيِّ، عَنْ غِيَاثِ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَن الصَّادِقِ جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «كُلُّ مَا كَانَ فِي الْأُمَم السَّالِفَةِ فَإنَّهُ يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مِثْلُهُ حَذْوَ النَّعْل بِالنَّعْل وَالْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ»(1303).
الخصال: عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَسْوَارِيُّ، عَنْ مَكِّيِّ بْنِ أَحْمَدَ، قَالَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الطُّوسِيَّ يَقُولُ - وَكَانَ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ سَبْعٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً عَلَى بَابِ يَحْيَى بْنِ مَنْصُورٍ -، قَالَ: رَأَيْتُ سَرْبَايَكَ مَلِكَ الْهِنْدِ فِي بَلْدٍ تُسَمَّى: (صوح)(1304)، فَسَأَلْنَاهُ: كَمْ أَتَى عَلَيْكَ مِنَ السِّنِينَ؟ قَالَ: تِسْعُمِائَةِ سَنَةٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنْفَذَ إِلَيْهِ عَشَرَةً مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْهُمْ: حُذَيْفَةُ بْنُ يَمَانِ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَصُهَيْبٌ الرُّومِيُّ، وَسَفِينَةُ، وَغَيْرُهُمْ يَدْعُونَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَأَجَابَ وَأَسْلَمَ وَقَبَّلَ كِتَابَ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تُصَلِّي مَعَ هَذَا الضَّعْفِ؟ فَقَالَ لِي: قَالَ اللهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ...﴾ الْآيَةَ [آل عمران: 191]، فَقُلْتُ لَهُ: مَا طَعَامُكَ؟ فَقَالَ لِي: آكُلُ مَاءَ اللَّحْمِ وَالْكُرَّاثَ، وَسَأَلْتُ: هَلْ يَخْرُجُ مِنْكَ شَيْءٌ؟ فَقَالَ: فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً شَيْءٌ يَسِيرٌ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ أَسْنَانِهِ، فَقَالَ: أَبْدَلْتُهَا عِشْرِينَ مَرَّةً.
وَرَأَيْتُ لَهُ فِي إِصْطَبْلِهِ شَيْئاً مِنَ الدَّوَابِّ أَكْبَرَ مِنَ الْفِيلِ يُقَالُ لَهُ: زَنْدَفِيلُ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا تَصْنَعُ بِهَذَا؟ قَالَ: يُحْمَلُ بِهَا ثِيَابُ الْخَدَمِ إِلَى الْقَصَّارِ. وَمَمْلَكَتُهُ مَسِيرَةُ أَرْبَعِ سِنِينَ فِي مِثْلِهَا، وَمَدِينَتُهُ طُولُهَا خَمْسُونَ فَرْسَخاً فِي مِثْلِهَا، وَعَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْهَا عَسْكَرٌ فِي مِائَةِ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفاً، إِذَا وَقَعَ فِي أَحَدٍ الْأَبْوَابِ حَدَثٌ خَرَجَتْ تِلْكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1303) كمال الدِّين (ج 2/ ص 575 و576).
(1304) بفتح القاف وتشديد النون وآخره جيم، موضع في بلاد الهند. (مراصد الاطِّلاع: ج 3/ ص 1129).

(٤٠٦)

الْفِرْقَةُ إِلَى الْحَرْبِ لَا تَسْتَعِين بِغَيْرِهَا، وَهُوَ فِي وَسَطِ المَدِينَةِ. وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: دَخَلْتُ المَغْرِبَ، فَبَلَغْتُ إِلَى الرَّمْلِ - رَمْلِ الْعَالِجِ - وَصِرْتُ إِلَى قَوْمِ مُوسَى (علیه السلام)، فَرَأَيْتُ سُطُوحَ بُيُوتِهِمْ مُسْتَوِيَةً، وَبَيْدَرَ الطَّعَامِ خَارِجَ الْقَرْيَةِ يَأْخُذُونَ مِنْهُ الْقُوتَ وَالْبَاقِي يَتْرُكُونَهُ هُنَاكَ، وَقُبُورُهُمْ فِي دُورِهِمْ، وَبَسَاتِينُهُمْ مِنَ المَدِينَةِ عَلَى فَرْسَخَيْنِ، لَيْسَ فِيهِمْ شَيْخٌ وَلَا شَيْخَةٌ، وَلَمْ أَرَ فِيهِمْ عِلَّةً، وَلَا يَعْتَلُّونَ إِلَى أَنْ يَمُوتُوا، وَلَهُمْ أَسْوَاقٌ إِذَا أَرَادَ إِنْسَانٌ مِنْهُمْ شِرَاءَ شَيْءٍ صَارَ إِلَى السُّوقِ فَوَزَنَ لِنَفْسِهِ وَأَخَذَ مَا يُصِيبُهُ وَصَاحِبُهُ غَيْرُ حَاضِرٍ، وَإِذَا أَرَادُوا الصَّلَاةَ حَضَرُوا فَصَلُّوا وَانْصَرَفُوا، لَا يَكُونُ بَيْنَهُمْ خُصُومَةٌ أَبَداً، وَلَا كَلَامٌ يُكْرَهُ إِلَّا ذِكْرَ اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَالصَّلَاةَ وَذِكْرَ المَوْتِ.
قال الصدوق (رحمه الله): إذا كان عند مخالفينا مثل هذه الحال لسربايك مَلِك الهند، فينبغي أنْ لا يحيلوا مثل ذلك في حجَّة الله من التعمير، ولا قوَّة إلَّا بالله العليِّ العظيم(1305).
بيان: (وصبح ليل) عطف على (الثواء). قوله: (يغاديه): أي يأتيه غدوةً. قوله: (وليل بعد يسري): أي بعد ذلك الصبح يسير ليلاً. والشلو بالكسر: العضو. والسلو: الصبر. وقال الجوهري: الهنيدة المائة من الإبل وغيرها، وقال أبو عبيدة: هي اسم لكلِّ مائة وأنشد:

ونصر بن دهمان الهنيدة عاشها * * * وتسعين عاماً ثُمَّ قوم فانصاتا(1306)

وقال في الصاد والتاء: وقد انصات الرجل، إذا استوت قامته بعد الانحناء، ثُمَّ ذكر هذا البيت والذي بعده(1307). وقال: شرخ الشباب أوَّله(1308).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1305) لم نعثر عليه في الخصال.
(1306) الصحاح (ج 2/ ص 557).
(1307) الصحاح (ج 1/ ص 257 و258).
(1308) الصحاح (ج 1/ ص 424).

(٤٠٧)

قوله: (رهين شيء): أي كلُّ شيء احتاج إليه، وفي بعض النُّسَخ بالسين المهملة، وهو اللبن يكون في أطراف الأخلاف قبل نزول الدرَّة.
ولدة الرجل: تربه، والجمع لدات. والسُّبات بالضمِّ: النوم والراحة. قوله: (حتَّى تخطَّ له قبراً) لعلَّه إشارة إلى إدراك ما قبل الجاهليَّة. والكهب: الجاموس المسنُّ. والكُهبة بالضمِّ: بياض علته كدورة أو الدهمة أو غبرة مشربة سواداً.
وثاب الرجل يثوب ثوباً: رجع بعد ذهابه، أي نفعت مولى حتَّى يعود إليَّ نفعه وجزاؤه. والبثُّ: الحزن. والكِبَر كعِنَب: الشيخوخة، أو هو كصُرَد جمع الكبرى، أي المصائب الكبر. و(يوم مهران ويوم تسترا) إشارتان إلى غزوتان مشهورتان في الإسلام كانتا في زمن عمر. و(قدني): أي حسبي. (أنْ أبيد): أي أهلك، وفي بعض النُّسَخ: وقد لي، أي وقد حان لي(1309).
وقال الجوهري: ولبد آخر نسور لقمان، هو الذي بعثته عاد في وفدها إلى الحرم يستسقي لها، فلمَّا أُهلكوا خُيِّر لقمان بين بقاء سبع بقرات(1310) سمر من أظب عفر في جبل وعر لا يمسُّها القطر، وبين بقاء سبعة أنسر كلَّما هلك نسر خلف بعده نسر، فاختار النسور، فكان آخر نسوره يُسمَّى لبداً.
وقال: مزيقياء: لقب عمرو بن عامر مَلِك من ملوك اليمن، زعموا أنَّه كان يلبس كلَّ يوم حُلَّتين فيُمزِّقهما بالعشيِّ، ويكره أنْ يعود فيهما ويأنف أنْ يلبسهما أحد غيره(1311).
وقال: جاء فلان يهادي بين اثنين، إذا كان يمشي بينهما معتمداً عليهما من ضعفه وتمايله(1312).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1309) لكن على هذه النسخة لا يستقيم وزن الشعر، وقد أضفنا إليه ما كان يحتمل نقصانه.
(1310) الصحاح (ج 2/ ص 534)، وفيه: (بعرات) بدل (بقرات)، قيل: وهو الصحيح.
(1311) الصحاح (ج 3/ ص 1555).
(1312) الصحاح (ج 4/ ص 2534).

(٤٠٨)

وإخماد النار: كناية عن خمول الذكر أو ذهاب البركة. قوله: (فإنَّكم لا تلاموا)، الحاصل أنَّكم إنْ بذلتم على قدر وسعكم فسيعذركم الناس ولا يلومونكم ويبقى لكم قوَّة على البذل بعد ذلك، وذلك خير من أنْ تسرفوا وتبذلوا جميع ما في أيديكم وتحتاجوا إليه ويعانوكم. (بالمعذرة): أي بقليل يعتذرون إليكم في ذلك، أو مع كونكم معذورين في السؤال لاضطراركم، وفي بعض النُّسَخ: من أنْ تضاموا، أي من أنْ يظلموكم بأنْ يعتذروا إليكم مع قدرتهم على البذل، وعلى التقادير الأظهر: فإنَّكم إنْ تلاموا.
(ولا تُجشِّموا): أي لا تُكلِّفوا. (أهل الدناءة): أي البخلاء والذين لم ينشأوا في الخير. (فتُقصِّروا بها): أي تجعلوهم مقصِّرين عاجزين عمَّا طلبتم منهم، والضمير راجع إلى (أهل الدناءة) بتأويل الجماعة.
قوله: (فتبوروا): أي فتهلكوا. والازدراء: التحقير. وقوله: (ذكاء قلبه): تفسير للأصغرين. والتبسُّل: إظهار البسالة وهي الشجاعة، وفي بعض النُّسَخ: وتبتَّلوا، والتبتُّل الانقطاع عن الدنيا إلى الله. وقوله: (تسم إليكم الأبصار) من قولهم: سما بصره أي علا. والقارب: السفينة الصغيرة. والشاهور: لعلَّه لغة في الشهر. والعرمرم: الجيش الكثير.
قوله: (وللدهر أمر مرَّة) أي قد يجعل الرجل أميراً وقد يجعله متهجِّماً عليه، أو للدهر أُمور غريبة وتهجُّمات، والأظهر أنَّه بالكسر بمعنى الشدَّة والأمر العجيب. قوله: (ينجم) بضمِّ الجيم: أي يطلع ويظهر. قوله: (ويسمو به السمِّ): السمُّ بالضمِّ والكسر الاسم، أي يعلو به اسم الله وكلمة التوحيد.
وقوله: (ثمان...) إلى آخر البيت، لعلَّه إشارة إلى الطوائف التي يقتلهم القائم (علیه السلام) أو يطيعونه. وقوله: (ومن بعد هذا كرُّ تسعون) إشارة إلى من يعود في الرجعة. قوله: (أنْ يفرقها الدم) لعلَّ المعنى أنَّ كلَّها يصرف في الجهاد، أو أنَّ دم القتلى حولها يهدمها إمَّا حقيقةً أو مجازاً.

(٤٠٩)

وقال الجوهري: الداحس اسم فرس مشهور لقيس بن زهير بن جذيمة العبسي، ومنه حرب داحس، وذلك أنَّ قيساً وحذيفة بن بدر تراهنا على خطر عشرين بعيراً، وجعلا الغاية مائة غلوة والمضمار أربعين ليلة والمجرى من ذات الآصاد(1313)، فأجرى قيس داحساً والغبراء، وأجرى حذيفة الخطار والحنفاء، فوضعت بنو فزارة رهط حذيفة(1314) كميناً على الطريق فردُّوا الغبراء ولطموها، وكانت سابقة، فهاجت الحرب بين عبس وذبيان أربعين سنة(1315).
قوله: (على العلات): أي على كلِّ حالٍ. والردء: الفاسد. وبنو حام: السودان، شُبِّهت الجُزُر في عظمها وعظم سنامها بجبال صغار عليها بنو حام قعوداً. وأروى: أُمُّ عثمان، وكان الوليد أخاه لأُمِّه.
قوله: (واقرع الأرض بالعصا): أي نبِّه الغافل بأدنى تنبيه ليعقل، ولا تؤذه ولا تفضحه، قال الجوهري: قال الشاعر:

وزعمت أنَّا لا حلوم لنا(1316) * * * إنَّ العصا قرعت لذي الحلم

أي إنَّ الحليم إذا نُبِّه انتبه، وأصله أنَّ حَكَماً من حُكَّام العرب عاش حتَّى اهتر، فقال لابنته: إذا أنكرتِ شيئاً من فهمي عند الحكم فاقرعي لي المجن بالعصا لأرتدع، قال المتلمِّس: لذي الحلم... البيت(1317)، انتهى. وعلى ما ذكره يحتمل المراد تنبيهه عند الغفلة.
قوله: (فإنَّ من يسمع يخل) هو من الخيال، أي إذا أحضرتم سفيهاً فهو يتكلَّم على سفاهته، وكلُّ من يسمع منه يقع في خياله شيء ويُؤثِّر فيه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1313) في المصدر: (الإصاد) بدل (الآصاد).
(1314) عبارة: (رهط حذيفة) ليست في المصدر.
(1315) الصحاح (ج 2/ ص 927).
(1316) عبارة: (وزعمت أنَّا لا حلوم لنا) ليست في المصدر.
(1317) الصحاح (ج 3/ ص 1261).

(٤١٠)

وقال الزمخشري في مستقصى الأمثال: من يسمع يخل: أي يظنُّ ويتَّهم بقوله إذا بلغ شيئاً عن رجل فاتَّهمه، وقيل: إنَّ من يسمع أخبار الناس ومعايبهم يقع في نفسه المكروه عليهم، أي إنَّ المجانبة للناس أسلم، ومفعولا (يخل) محذوفان(1318)، انتهى.
و(الصريمة): العزيمة في الشيء، والصرم القطع. و(الخلي): الخالي من الهمِّ والحزن خلاف الشجي، والمثل معروف، والمعنى أنِّي في همٍّ عظيم لهذا الأمر الذي أدعوكم إليه وأنتم فارغون غافلون فويل لي منكم.
قوله: (وقع القائم معه)(1319): أي يصير العزيز بعد ظهور الحقِّ ذليلاً والذليل عزيزاً، لأنَّ الحقَّ يظهر عند غلبة الباطل وأهله. قوله: (أنْ أدركه) بالفتح: أي أنْ أتلهَّف على إدراك هذا الأمر فإنِّي آئس منه، أو بالكسر فيكون الجزاء محذوفاً، أي على أمر إنْ أدركته فزت، أو لهفي عليكم إنْ أدركته وفات عنكم.
قوله: (والعادة أملك بالأدب): أي الآداب الحسنة إنَّما تُملَك باعتيادها لتصير ملكة، أو متابعة عادات القوم وما هو معروف بينهم أملك بالآداب، والأوَّل أظهر. قوله: (ورقوء الدم): قال الجزري: فيه «لا تسبُّوا الإبل فإنَّ فيها رقوء الدم»، يقال: رقا الدمع والدم والعرق يرقأ رقوءاً بالضمِّ إذا سكن وانقطع، والاسم الرقوء بالفتح، أي إنَّها تُعطى في الديات بدلاً من القود ويسكن بها الدم(1320).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1318) المستقصى في الأمثال (ج 2/ ص 362).
(1319) هذا على نسخة المصنِّف (رحمه الله)، ولا يخفى عدم المناسبة بين اللفظ والمعنى، والصحيح ما أثبتناه في المتن: (رفع القائم معه) طبقاً للمصدر المطبوع، والمعنى: أنَّ الحقَّ إذا قام رفع من قام معه وأعلاه واستنهض الصرعى حتَّى يجعلهم قياماً، والمحصَّل أنَّه إذا قام الحقُّ صيَّر القاعد قائماً والقائم مترفِّعاً.
(1320) النهاية (ج 2/ ص 248).

(٤١١)

قوله: (التقدُّم قبل الندم): أي ينبغي أنْ يُتقدَّم في الأُمور قبل أنْ يفوت ولا يبقى إلَّا الندم. قوله: (الوحشة ذهاب الأعلام): أي إنَّما يكون الوحشة في الطُّرُق عند ذهاب الأعلام المنصوبة فيها، فكذا الوحشة بين الناس إنَّما يكون بذهاب العلماء والهداة الذين هم أعلام طُرُق الحقِّ.
قوله: (يكون القرب): أي من الناس أو من الله، وقال الجوهري: تقعقعت عمدهم: أي ارتحلوا، وفي المثل: من يجتمع يتقعقع عمده، كما يقال: إذا تمَّ أمردنا نقصه(1321).
غوالي اللئالي: بِالإسْنَادِ إِلَى أَحْمَدَ بْن فَهْدٍ، عَنْ بَهَاءِ الدِّين عَلِيِّ بْن عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ يَحْيَى بْن النَّجْل الْكُوفِيِّ، عَنْ صَالِح بْن عَبْدِ اللهِ الْيَمَنِيِّ كَانَ قَدِمَ الْكُوفَةَ، قَالَ يَحْيَى: وَرَأَيْتُهُ بِهَا سَنَةَ أَرْبَع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللهِ الْيَمَنِيِّ وَإِنَّهُ كَانَ مِنَ المُعَمَّرينَ وَأَدْرَكَ سَلْمَانَ الْفَارسِيَّ وَإِنَّهُ رَوَى عَن النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّهُ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا رَأسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ، وَرَأسُ الْعِبَادَةِ حُسْنُ الظَّنِّ بِاللهِ»(1322).
غوالي اللئالي: حَدَّثَنِي المَوْلَى الْعَالِمُ الْوَاعِظُ عَبْدُ اللهِ بْنُ فَتْح اللهِ بْن عَبْدِ المَلِكِ(1323)، عَنْ تَاج الدِّين حَسَن السرايشنوي(1324)، عَن الشَّيْخ جَمَالِ الدِّين حَسَن بْن يُوسُفَ بْن المُطَهَّر، قَالَ: رُوِّيتُ عَنْ مَوْلَانَا شَرَفِ الدِّين إِسْحَاقَ بْن مَحْمُودٍ الْيَمَانِيِّ الْقَاضِي بِقُمَّ، عَنْ خَالِهِ مَوْلَانَا عِمَادِ الدِّين مُحَمَّدِ بْن مُحَمَّدِ بْن فَتْحَانَ الْقُمِّيِّ، عَن الشَّيْخ صَدْر الدِّين السَّاوي، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الشَّيْخ بَابَارَتَنَ وَقَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الْكِبَر فَرَفَعَهُمَا عَنْ عَيْنَيْهِ فَنَظَرَ إِلَيَّ وَقَالَ: تَرَى عَيْنَيَّ هَاتَيْن، طَالَ مَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1321) الصحاح (ج 3/ ص 1269).
(1322) غوالي اللئالي (ج 1/ ص 27/ فصل 3/ ح 9).
(1323) في المصدر إضافة: (شرف الدِّين عليّ، عن أبيه).
(1324) في المصدر: (السرابشنوي).

(٤١٢)

نَظَرَتَا إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَقَدْ رَأَيْتُهُ يَوْمَ حَفْر الْخَنْدَقِ وَكَانَ يَحْمِلُ عَلَى ظَهْرهِ التُّرَابَ مَعَ النَّاس، وَسَمِعْتُهُ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ فِي ذَلِكَ الْيَوْم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِيشَةً هَنِيئَةً، وَمِيتَةً سَويَّةً، وَمَرَدًّا غَيْرَ مُخْزٍ وَلَا فَاضِح»(1325).
أقول: وروى السيِّد عليُّ بن عبد الحميد في كتاب الأنوار المضيئة(1326)، قال: رَوَى الْجَدُّ السَّعِيدُ عَبْدُ الْحَمِيدِ يَرْفَعُهُ إِلَى الرَّئِيسِ أَبِي الْحَسَنِ الْكَاتِبِ الْبَصْرِيِّ، وَكَانَ مِنَ الْأُدَبَاءِ(1327)، قَالَ: فِي سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةِ أَسْنَتَ الْبَرُّ سِنِينَ عِدَّة، وَبَعَثَتِ اَلسَّمَاءُ دَرَّهَا فِي(1328) أَكْنَافَ الْبَصْرَةِ، فَتَسَامَعَ اَلْعَرَبُ بِذَلِكَ، فَوَرَدُوهَا مِنَ الْأَقْطَارِ الْبَعِيدَةِ(1329) عَلَى اخْتِلَافِ لُغَاتِهِمْ(1330)، فَخَرَجْتُ مَعَ جَمَاعَةٍ(1331) نَتَصَفَّحُ أَحْوَالَهُمْ وَنَلْتَمِسَنَّ فَائِدَةً رُبَّمَا وَجَدْنَاهَا عِنْدَ أَحَدِهِمْ، فَارْتَفَعَ لَنَا بَيْتٌ عَالٍ فَقَصَدْنَاهُ، فَوَجَدْنَا فِي كِسْرِهِ شَيْخاً جَالِساً قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ كِبَراً وَحَوْلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ عَبِيدِهِ وَأَصْحَابِهِ، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَرَدَّ التَّحِيَّةَ وَأَحْسَنَ التَّلْقِيَةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَّا: هَذَا السَّيِّدُ - وَأَشَارَ إِلَيِّ - هُوَ النَّاظِرُ فِي مُعَامَلَةِ اَلدَّرْبِ، وَهُوَ مِنَ الْفُصَحَاءِ وَأَوْلَادِ الْعَرَبِ، وَكَذَلِكَ الْجَمَاعَةُ مَا مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ يُنْسَبُ إِلَى قَبِيلَةٍ وَيَخْتَصُّ بِسَدَادٍ وَفَصَاحَةٍ، وَقَدْ خَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ حِينَ وَرَدْتُمْ نَلْتَمِسُ الْفَائِدَةَ المُسْتَطْرِفَةَ مِنْ أَحَدِكُمْ، وَحِينَ شَاهَدْنَاكَ رَجَوْنَا مَا نَبْغِيهِ عِنْدَكَ لِعُلُوِّ سِنِّكَ.
فَقَالَ الشَّيْخُ: وَاللهِ يَا بَنِي أَخِي حَيَّاكُمْ اللهُ، إِنَّ الدُّنْيَا شَغَلَتْنَا عَمَّا تَبْتَغُونَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1325) غوالي اللئالي (ج 2/ ص 28/ فصل 3/ ح 10).
(1326) لم نعثر على كتاب الأنوار المضيئة هذا، وخرَّجنا الحديث وفقاً لمنتخب الأنوار المضيئة.
(1327) في المصدر: (الأسداء) بدل (الأدباء).
(1328) في المصدر: (وخصَّ الحيا) بدل (في).
(1329) في المصدر إضافة: (والبلاد الشاسعة).
(1330) في المصدر إضافة: (وتبائن فطرتهم).
(1331) في المصدر إضافة: (من الكُتَّاب ووجوه التُّجَّار).

(٤١٣)

مِنِّي، فَإِنْ أَرَدْتُمُ الْفَائِدَةَ فَاطْلُبُوهَا عِنْدَ أَبِي، وَهَا بَيْتُهُ - وَأَشَارَ إِلَى خِبَاءٍ كَبِيرٍ بِإِزَائِهِ(1332) -، فَقَصَدْنَا اَلْبَيْتَ، فَوَجَدْنَا فِيه شَيْخاً مُتَضَجِّعاً وَحَوْلَهُ مِنَ الْخَدَمِ وَالْأَمْرِ أَوْفَى مِمَّا شَاهَدْنَاهُ أَوَّلاً(1333)، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ وَأَخْبَرْنَاهُ بِخَبَرِ ابْنِهِ، فَقَالَ: يَا بَنِي أَخِي حَيَّاكُمُ اللهُ، إِنَّ الَّذِي شَغَلَ ابْنِي عَمَّا الْتَمَسْتُمُوهُ مِنْهُ هُوَ اَلَّذِي شَغَلَنِي عَمَّا هَذِهِ سَبِيلُهُ، وَلَكِنَّ الْفَائِدَةَ تَجِدُونَهَا عِنْدَ وَالِدِي، وَهَا هُوَ بَيْتُهُ - وَأَشَارَ إِلَى بَيْتٍ مُنِيفٍ(1334) -، فَقُلْنَا فِيمَا بَيْنَنَا: حَسْبُنَا مِنَ الْفَوَائِدِ مُشَاهَدَةُ وَالِدِ هَذَا الشَّيْخِ الْفَانِي، فَإِنْ كَانَتْ مِنْهُ فَائِدَةٌ فَهِيَ رِبْحٌ لَمْ نَحْتَسِبْ(1335).
فَقَصَدْنَا ذَلِكَ اَلْخِبَاءَ، فَوَجَدْنَا حَوْلَهُ عَدَداً كَثِيراً مِنَ الْإِمَاءِ وَالْعَبِيدِ، فَحِينَ رَأَوْنَا تَسَرَّعُوا إِلَيْنَا وَبَدَءُوا بِالسَّلَامِ عَلَيْنَا، وَقَالُوا: مَا تَبْغُونَ حَيَّاكُمُ اللهُ؟ فَقُلْنَا: نَبْغِي السَّلَامَ عَلَى سَيِّدِكُمْ، وَطَلَبَ الْفَائِدَةِ مِنْ عِنْدِهِ(1336)، فَقَالُوا: الْفَوَائِدُ كُلُّهَا عِنْدَ سَيِّدِنَا، وَدَخَلَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَأْذِنُ، ثُمَّ خَرَجَ بِالْإِذْنِ لَنَا، فَدَخَلْنَا فَإِذَا سَرِيرٌ فِي صَدْرِ الْبَيْتِ وَعَلَيْهِ مَخَادٌّ مِنْ جَانِبَيْهِ، وَوِسَادَةٌ فِي أَوَّلِهِ، وَعَلَى الْوِسَادَةِ رَأْسُ شَيْخٍ قَدْ بَلِىَ وَطَارَ شَعْرُهُ(1337)، فَجَهَرْنَا بِالسَّلَامِ، فَأَحْسَنَ الرَّدَّ، وَقَالَ قَائِلُنَا مِثْلَ مَا قَالَ لِوَلَدِ وَلَدِهِ، وَأَعْلَمْنَاهُ أَنَّهُ أَرْشَدَنَا(1338) إِلَيكَ وَبَشَّرَنَا بِالْفَائِدَةِ مِنْكَ.
فَفَتَحَ اَلشَّيْخُ عَيْنَيْنِ قَدْ غَارَتَا فِي أُمِّ رَأْسِهِ، وَقَالَ لِلْخَدَمِ: أَجْلِسُونِي(1339)، ثُمَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1332) في المصدر إضافة: (فقلنا: النظر إلى مثل والد هذا الشيخ الهمِّ فائدة تُتعجَّل).
(1333) في المصدر إضافة: (ورأينا عليه آثار السنِّ ما يجوز أنْ يكون والد ذلك الشيخ، فدنونا منه).
(1334) في المصدر إضافة: (بنحوه منه).
(1335) في المصدر: (يُحتَسب).
(1336) في المصدر إضافة: (ببركتكم).
(1337) في المصدر إضافة: (والإزار على المخاد التي من جانبي السرير ليستره ولا يثقل منه عليه).
(1338) في المصدر إضافة: (إلى أبيه فحججنا بما احتجَّ وأنَّ أباه أرشدنا).
(1339) في المصدر إضافة: (وتفيدون منه).

(٤١٤)

قَالَ لَنَا: يَا بَنِي أَخِي، لَأُحَدِّثَنَّكُمْ بِخَبَرٍ تَحْفَظُونَهُ عَنِّي(1340)، كَانَ وَالِدِي لَا يَعِيشُ لَهُ وَلَدٌ، وَيُحِبُّ أَنْ تَكُونَ لَهُ عَاقِبَةٌ، فَوُلِدْتُ لَهُ عَلَى كِبَرٍ، فَفَرحَ بِي وَابْتَهَجَ بِمَوْردِي، ثُمَّ قَضَى وَلِي سَبْعُ سِنِينَ، فَكَفَلَنِي عَمِّي بَعْدَهُ، وَكَانَ مِثْلَهُ فِي الْحَذَر عَلَيَّ، فَدَخَلَ بِي يَوْماً عَلَى رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)]، إِنَّ هَذَا ابْنُ أَخِي وَقَدْ مَضَى أَبُوهُ لِسَبِيلِهِ وَأَنَا كَفِيلٌ بِتَرْبيَتِهِ، وَإِنَّنِي أَنْفَسُ بِهِ عَلَى المَوْتِ، فَعَلِّمْنِي عُوذَةً أُعَوِّذُهُ بِهَا لِيَسْلَمَ بِبَرَكَتِهَا، فَقَالَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أَيْنَ أَنْتَ عَنْ ذَاتِ الْقَلَاقِل؟»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)]، وَمَا ذَاتُ الْقَلَاقِل؟ قَالَ: «أَنْ تُعَوِّذَهُ فَتَقْرَأ عَلَيْهِ سُورَةَ الْجَحْدِ، وَسُورَةَ الْإخْلَاص، وَسُورَةَ الْفَلَقِ، وَسُورَةَ النَّاس»، وَأَنَا إِلَى الْيَوْم أَتَعَوَّذُ بِهَا كُلَّ غَدَاةٍ، فَمَا أُصِبْتُ وَلَا أُصِيبَ لِي مَالٌ، وَلَا مَرضْتُ، وَلَا افْتَقَرْتُ، وَقَدِ انْتَهَى بِيَ السِّنُّ إِلَى مَا تَرَوْنَ، فَحَافِظُوا عَلَيْهَا وَاسْتَكْثِرُوا مِنَ التَّعَوُّذِ بِهَا. ثُمَّ انْصَرَفْنَا مِنْ عِنْدِهِ(1341)، انْتَهَى.
مجالس الشيخ: عن المفيد، عن إبراهيم بن الحسن بن جمهور، قال: حدَّثني أبو بكر المفيد الجرجرائي في شهر رمضان سنة ستٍّ وسبعين وثلاثمائة، قال: اجتمعت مع أبي عمرو عثمان بن الخطَّاب بن عبد الله بن العوَّام بمصر في سنة ستَّ عشر وثلاثمائة وقد ازدحم الناس عليه حتَّى رُقِيَ به إلى سطح دار كبيرة كان فيها، ومضيت إلى مكَّة، ولم أزل أتبعه إلى مكَّة إلى أنْ كتبت عنه خمسة عشر حديثاً.
وذكر أنَّه وُلِدَ في خلافة أبي بكر عتيق بن أبي قحافة، وأنَّه لـمَّا كان في زمن أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (علیه السلام) خرجت ووالدي معي أُريد لقاءه، فلمَّا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1340) في المصدر إضافة: (فلم تزل أيديهم تتهاداه بلطف إلى أنْ جلس وسُتِرَ بالإزار التي طُرِحَت على المخاد).
(1341) منتخب الأنوار المضيئة (ص 99 - 101).

(٤١٥)

صرنا قريباً من الكوفة أو الأرض التي كان بها عطشنا عطشاً شديداً في طريقنا وأشرفنا على التلف، وكان والدي شيخاً كبيراً، فقلت له: اجلس حتَّى أدور الصحراء أو البرّيَّة فلعلِّي أقدر على ماء أو من يدلُّني عليه أو ماء مطر.
فقصدت أطلب ذلك، فلم ألبث عنه غير بعيد إذ لاح لي ماء فصرت إليه، فإذا أنا ببئر شبه الركية أو الوادي، فنزعت ثيابي واغتسلت من ذلك الماء وشربت حتَّى رويت، وقلت: أمضي وأجيء بأبي فإنَّه قريب منِّي، فجئت إليه فقلت: قم فقد فرَّج الله (عزَّ وجلَّ) عنَّا، وهذه عين ماء قريب منَّا، فقام فلم نرَ شيئاً ولم نقف على الماء، وجلس وجلست معه، ولم يضطرب إلى أنْ مات، واجتهدت إلى أنْ واريته، وجئت إلى مولانا أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ولقيته وهو خارج إلى صفِّين وقد أُخرجت له البغلة، فجئت وأمسكت له الركاب، فالتفت إليَّ، فانكببت أُقبِّل الركاب، فشجَّني في وجهي شجَّة.
قال أبو بكر المفيد: ورأيت الشجَّة في وجهه واضحة.
ثُمَّ سألني عن خبري، فأخبرته بقصَّتي وقصَّة والدي وقصَّة العين، فقال: «عين لم يشرب منها أحد إلَّا وعمَّر عمراً طويلاً، فأبشر فإنَّك تُعمِّر، وما كنت لتجدها بعد شربك منها»، وسمَّاني بالمعتمر.
قال أبو بكر المفيد: فحدَّثنا عن مولانا أمير المؤمنين (علیه السلام) بالأحاديث وجمعتها ولم تجتمع لغيري منه، وكان معه جماعة مشايخ من بلده وهي طنجة.
فسألتهم عنه فذكروا أنَّهم من بلده، وأنَّهم يعرفونه بطول العمر وآباؤهم وأجدادهم بمثل ذلك واجتماعه مع مولانا أمير المؤمنين (علیه السلام)، وأنَّه تُوفّي في سنة سبع عشر وثلاثمائة(1342).
أقول: روى الكراجكي (رحمه الله) في كنز الفوائد هذا الخبر بطوله مع الأخبار

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1342) لم نعثر على مظانِّه من أمالي الطوسي.

(٤١٦)

التي رواها أبو الدنيا عن الشريف طاهر بن موسى الحسيني، عن ميمون بن حمزة الحسيني، عن المعمَّر المغربي. وعن أسد بن إبراهيم السلمي والحسين بن محمّد الصيرفي البغدادي معاً، عن أبي بكر محمّد بن محمّد المعروف بالمفيد الجرجرائي، عن عليِّ بن عثمان بن الخطَّاب بن عبد الله بن عوَّام البلوي من مدينة بالمغرب يقال لها: مزيدة. يُعرَف بأبي الدنيا الأشجِّ المعتمر، إلى آخر ما مرَّ من قَصصه وما أوردناه من رواياته في كتاب الفتن وغيره.
ثُمَّ ذكر (رحمه الله) قصَّة رجل آخر يُعرَف بالمعمَّر المشرقي، وقال: هو رجل مقيم ببلاد العجم من أرض الجبل يُذكَر أنَّه رأى أمير المؤمنين (علیه السلام) ويعرفه الناس بذلك على مرِّ السنين والأعوام، ويقول: إنَّه لحقه مثل ما لحق المغربي من الشجَّة في وجهه، وأنَّه صحب أمير المؤمنين (علیه السلام) وخدمه.
وحدَّثني جماعة مختلفو المذاهب بحديثه، وأنَّهم رأوه وسمعوا كلامه، منهم أبو العبَّاس أحمد بن نوح بن محمّد الحنبلي الشافعي، حدَّثني بمدينة الرملة في سنة إحدى عشرة وأربعمائة، قال: كنت متوجِّهاً إلى العراق للتفقُّه، فعبرت بمدينة يقال لها: سهرورد من أعمال الجبل قريبة من زنجان، وذلك في سنة خمسين وأربعمائة(1343)، فقيل لي: إنَّ هنا شيخاً يزعم أنَّه لقي أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب (علیه السلام)، فلو صرت إليه(1344) لكان ذلك فائدة عظيمة، قال: فدخلنا عليه، فإذا هو في بيته لعمل(1345) النوار، وإذا هو شيخ نحيف الجسم مدوَّر اللحية كبيرها، وله ولد صغير وُلِدَ له منذ سنة.
فقيل له: إنَّ هؤلاء قوم من أهل العلم متوجِّهون إلى العراق يُحِبُّون أنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1343) في المصدر: (ثلاثمائة) بدل (أربعمائة).
(1344) في المصدر إضافة: (ورأيته).
(1345) في المصدر: (يعمل).

(٤١٧)

يسمعوا من الشيخ ما قد لقي من أمير المؤمنين (علیه السلام)، فقال: نعم، كان السبب في لقائي له أنِّي كنت قائماً في موضع من المواضع فإذا بفارس مجتاز، فرفعت رأسي، فجعل الفارس يمرُّ يده على رأسي ويدعو لي، فلمَّا أنْ عبر أُخبرت بأنَّه عليُّ بن أبي طالب (علیه السلام)، فهرولت حتَّى لحقته وصاحبته.
وذكر أنَّه كان معه في تكريت وموضع من العراق يقال له: تل فلان بعد ذلك، وكان بين يديه يخدمه إلى أنْ قُبِضَ (علیه السلام) فخدم أولاده.
قال لي أحمد بن نوح: رأيت جماعة من أهل البلد ذكروا ذلك عنه، وقالوا: إنَّا سمعنا آباءنا يُخبِرون عن أجدادنا بحال هذا الرجل، وأنَّه على هذه الصفة، وكان قد مضى فأقام بالأهواز، ثُمَّ انتقل عنها لأذيَّة الديلم له، وهو مقيم بسهرورد.
وحدَّثني أبو عبد الله الحسين بن محمّد بن(1346) القمِّي (رحمه الله) أنَّ جماعة كانوا حدَّثوه بأنَّهم رأوا هذا المعمَّر وشاهدوه وسمعوا ذلك عنه، وحدَّثني بحديثه أيضاً قوم من أهل سهرورد ووصفوا لي صفته، وقالوا: هو يعمل الزنانير(1347).
قال السيِّد المرتضى (قدَّس الله روحه) في كتاب الغُرَر والدُّرَر: أحد المعمَّرين الحارث بن كعب بن عمرو بن وعلة بن خالد(1348) بن مالك بن أدد المذحجي، ومذحج هي أُمُّ مالك بن أدر، نُسِبَ ولده مالك إليها، وإنَّما سُمّيت مذحج لأنَّها وُلِدَت على أكمة تُسمَّى مذحجاً، وهي مدلَّة بنت ذي مهجشان(1349).
قال أبو حاتم السجستاني: جمع الحارث بن كعب بنيه لـمَّا حضرته الوفاة،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1346) كلمة: (بن) ليست في المصدر.
(1347) كنز الفوائد (ج 2/ ص 154).
(1348) في المصدر: (جلد) بدل (خالد).
(1349) في المصدر: (تُسمَّى مذحجاً، واسمها مدلَّة بنت ذي هميجشان).

(٤١٨)

فقال: يا بَنِيَّ، قد أتت عليَّ ستُّون ومائة سنة ما صافحت يميني يمين غادر، ولا قنعت نفسي بخلَّة فاجر، ولا صبوت بابنة عمٍّ ولا كنَّة، ولا طرحت عندي مومسة قناعها، ولا بحت لصديق بسرٍّ، وإنِّي لعلى دين شعيب النبيِّ (علیه السلام) وما عليه أحد من العرب غيري وغير أسد بن خزيمة وتميم بن مرٍّ(1350)، فاحفظوا وصيَّتي وموتوا على شريعتي، إلهكم فاتَّقوه يكفكم المهمَّ من أُموركم ويُصلِح لكم أعمالكم، وإيَّاكم ومعصيته لا يحلُّ بكم الدمار ويوحش منكم الديار.
يا بَنِيَّ، كونوا جميعاً ولا تتفرَّقوا فتكونوا شِيَعاً، وإنَّ موتاً في عزٍّ خير من حياة في ذلٍّ وعجز، وكلُّ ما هو كائن كائن، وكلُّ جميع إلى تباين، الدهر ضربان: فضرب رخاء وضرب بلاء، واليوم يومان: فيوم حبرة ويوم عبرة، والناس رجلان: فرجل لك ورجل عليك. تزوَّجوا(1351) الأكفاء، وليستعملنَّ في طيبهنَّ الماء، وتجنَّبوا الحمقاء فإنَّ ولدها إلى أفن ما يكون، ألَا إنَّه لا راحة لقاطع القرابة، وإذا اختلف القوم أمكنوا عدوَّهم منهم، وآفة العدد اختلاف الكلمة، والتفضُّل(1352) بالحسنة يقي السيِّئة، والمكافا بالسيِّئة الدخول فيها، والعمل السوء يزيل النعماء، وقطيعة الرحم تورث الهمَّ، وانتهاك الحرمة يزيل النعمة، وعقوق الوالدين يعقب النكد، ويمحق العدد، ويخرب البلد، والنصيحة تجرُّ الفضيحة، والحقد يمنع الوفد، ولزوم الخطيئة يعقب البليَّة، وسوء الرعة يقطع أسباب المنفعة، والضغائن تدعو إلى التباين. ثُمَّ أنشأ يقول:

أكلت شبابي فأفنيته * * * وأنضيت بعد دهور دهورا(1353)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1350) في المصدر: (أحيد بن خزيمة وتميم بن مرَّة).
(1351) في المصدر: (وزوِّجوا) بدل (تزوَّجوا).
(1352) في المصدر: (التفضيل).
(1353) في المصدر: (وأفنيت من بعد دهري دهوراً).

(٤١٩)

ثلاثة أهلين صاحبتهم * * * فبادوا وأصبحت شيخاً كبيرا
قليل الطعام عسير القيام * * * قد ترك الدهر خطوي قصيرا
أبيت أراعي نجوم السماء * * * أُقلِّب أمري بطوناً ظهورا

قوله: (ولا صبوت بابنة عمٍّ ولا كنَّة) الصبوة رقَّة الحبِّ، والكنَّة امرأة ابن الرجل وامرأة أخيه. فأمَّا المومسة فهي الفاجرة البغيُّ. أراد بقوله: (إنَّها لم تطرح عنده قناعها): أي لم تبتذل عندي(1354) وتنبسط، كما تفعل مع من يريد الفجور بها. وقوله: (فيوم حبرة ويوم عبرة) فالحبرة الفرح والسرور، والعبرة تكون من ضدِّ ذلك، لأنَّ العبرة لا تكون إلَّا من أمر محزن مؤلم. فأمَّا (الأفن) فهو الحمق، يقال: رجل أفين إذا كان أحمق. ومن أمثالهم وجدان الرقين يُغطِّي على أفن الأفين، أي وجدان الماء يُغطِّي على حمق الأحمق. وواحد الرقين رقَّة، وهي الفضَّة.
فأمَّا قوله: (النصيحة تجرُّ الفضيحة) فيشبه أنْ يكون معناه أنَّ النصيح إذا نصح من لا يقبل النصيحة ولا يصغي إلى موعظته فقد افتضح عنده، لأنَّه أفضى إليه بسرِّه وباح بمكنون صدره.
فأمَّا سوء الرعة فإنَّه يقال: فلان حسن الرعة والتورُّع، أي حسن الطريقة.
ومن المعمَّرين المستوغر، وهو عمرو بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم بن مرِّ بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضرّ، وإنَّما سُمِّي المستوغر لبيت قاله، وهو:

ينش الماء في الربلات منها * * * نشيش الرضف في اللبن الوغير

(الربلات) واحدتها ربلة(1355)، وربلة بفتح الباء وإسكانها هي كلُّ لحمة غليظة، هكذا ذكر ابن دريد. و(الرضف) الحجارة المحماة، وفي الحديث: «كأنَّه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1354) في المصدر: (عنده).
(1355) في المصدر إضافة: (بفتح).

(٤٢٠)

على الرضف». و(اللبن الوغير) لبن تُلقى(1356) فيه حجارة محماة ثُمَّ يُشرَب، أُخِذَ من وغرة(1357) الظهيرة، وهي أشدّ ما يكون من الحرِّ، ومنه وغر صدر فلان يوغر وغراً إذا التهب من غضب(1358) أو حقد.
وقال أصحاب الأنساب: عاش المستوغر ثلاثمائة سنة وعشرين سنة، وأدرك الإسلام أو كاد يُدرك أوَّله، وقال ابن سلام: كان المستوغر قديماً وبقي بقاءً طويلاً حتَّى قال:

ولقد سئمت من الحياة وطولها * * * وعمَّرت من عدد السنين مئينا
مائة أتت من بعدها مائتان لي * * * وازددت من عدد الشهور سنينا
هل ما(1359) بقي إلَّا كما قد فاتنا * * * يوم يكرُّ وليلة تحدونا

وهو القائل:

إذا ما المرء صم فلم يُكلِّم * * * وأودى سمعه إلَّا ندايا
ولاعب بالعشيِّ بني بنيه * * * كفعل الهرِّ يحترش العظايا
يلاعبهم وودُّوا لو سقوه * * * من الذيفان مترعة ملايا
فلا ذاق النعيم ولا شراباً * * * ولا يشفى من المرض الشفايا

أراد بقوله: (صم فلم يُكلِّم): أي لم يسمع ما يُكلِّم به فاحتصر، ويجوز أنْ يريد أنَّه لم يُكلِّم لليأس(1360) من استماعه فأعرض عن خطابه لذلك. وقوله:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1356) في المصدر: (يلقى).
(1357) في المصدر: (وغيرة) بدل (وغرة).
(1358) في المصدر: (غيظ) بدل (غضب).
(1359) في المصدر: (قد) بدل (ما).
(1360) في المصدر: (الناس) بدل (لليأس).

(٤٢١)

(وأودى سمعه إلَّا ندايا) إنَّما أراد أنَّ سمعه هلك إلَّا أنَّه يسمع الصوت العالي الذي يُنادى به. وقوله: (ولاعب بالعشيِّ بني بنيه) فإنَّه مبالغة في وصفه بالهرم والخرف، وأنَّه قد انتهى إلى ملاعبة الصبيان وأُنسهم به. ويشبه أنْ يكون خصَّ العشيَّ بذلك لأنَّه وقت رواح الصبيان إلى بيوتهم واستقرارهم فيها.
وقوله: (يحترش العظايا): أي يصيدها. والاحتراش أنْ يقصد الرجل إلى جحر الضبِّ فيضربه بكفِّه ليحسبه الضبُّ أفعى فيخرج إليه فيأخذه، يقال: حرشت الضبَّ واحترشته. ومن أمثالهم: هذا أجلُّ من الحرش، يُضرَب هذا لأمر يُستَعظم ويُتكلَّم بذلك على لسان الضبِّ. قال ابن دريد: قال الضبُّ لابنه: اتَّق الحرش، قال: وما الحرش؟ قال: إذا سمعت حركة بباب الجحر فلا تخرج، فسمع يوماً وقع المحفار، فقال: يا أبه، أهذا الحرش؟ فقال: هذا أجلُّ من الحرش، فجُعِلَ مثلاً للرجل إذا سمع الشيء الذي هو أشدّ ممَّا كان يتوقَّعه.
و(الذيفان): السُّمُّ. و(العظايا): جمع عظَّاية، وهي دويبة معروفة(1361).
وأحد المعمَّرين دويد بن زيد بن نهد بن زيد بن ليث بن سود(1362) بن أسلُم - بضمِّ اللَّام - بن ألحاف(1363) بن قضاعة بن مالك بن مرَّة بن مالك بن حمير.
قال أبو حاتم: عاش دويد بن زيد أربعمائة سنة وستًّا وخمسين سنة، وقال ابن دريد: لـمَّا حضرت دويد بن زيد الوفاة - وكان من المعمَّرين، قال: ولا تعدُّ العرب معمَّراً إلَّا من عاش مائة وعشرين سنة فصاعداً -، قال لبنيه: أُوصيكم بالناس شرًّا، لا ترحموا لهم عبرة، ولا تقبلوا لهم عثرة، قصِّروا الأعنَّة، وطوِّلوا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1361) دويبة ملساء تعدو وتردد كثيراً تشبه سام أبرص، وتُسمَّى شحمة الأرض وشحمة الرمل، وهي أنواع كثيرة وكلُّها منقَّطة بالسواد، ومن طبعها أنَّها تمشي مشياً سريعاً ثُمَّ تقف.
(1362) في المصدر: (أسود) بدل (سود).
(1363) في المصدر: (الخفاف) بدل (ألحاف).

(٤٢٢)

الأسنَّة، واطعنوا شزراً، واضربوا هبراً، وإذا أردتم المحاجزة فقبل المناجزة، والمرء يعجز لا المحالة(1364) بالجدِّ لا بالكدِّ، التجلُّد ولا التبلُّد، المنيَّة ولا الدنيَّة، ولا تأسوا على فائت وإنْ عزَّ فقده، ولا تحنوا إلى ظاعن وإنْ ألف قربه، ولا تطعموا فتطبعوا، ولا تهنوا فتخرعوا، ولا يكن لكم المثل السوء، إنَّ الموصّين بنو سهوان، إذا متُّ فارحبوا خطَّ مضجعي ولا تضنوا عليَّ برحب الأرض وما ذاك بمؤدٍّ إليَّ روحاً ولكن راحة(1365) نفس خامرها الإشفاق، ثُمَّ مات.
قال أبو بكر بن دريد: ومن حديث آخر أنَّه قال:

ليوم يدني(1366) لدويد بيته * * * يا رُبَّ نهب صالح حويته
ورُبَّ قرن بطل أرديته * * * ورُبَّ غيل حسن لويته
ومعصم مخضب ثنيته * * * لو كان للدهر بلى أبليته

أو كان قرني واحداً كفيته

ومن قوله أيضاً:

ألقى عليَّ الدهر رجلاً ويدا * * * والدهر ما أصلح يوماً أفسدا
يفسد ما أصلحه اليوم غدا(1367)

قوله: (اطعنوا شزراً واضربوا هبراً) معنى الشزر أنْ يطعنه في إحدى ناحيتيه، يقال: قتل الحبل شزراً، إذا قتله على الشمال. والنظر الشزر نظر بمؤخَّر محجر العين. وقال الأصمعي: نظر إليَّ شزراً، إذا نظر إليه من عن يمينه وشماله، وطعنه طعناً شزراً كذلك. وقوله: (هبراً) قال ابن دريد: يقال: هبرت اللحم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1364) في المصدر: (محالة) بدل (المحالة).
(1365) في المصدر: (حاجة) بدل (راحة).
(1366) في المصدر: (يُبنى) بدل (يدنى).
(1367) في المصدر: (يُصلِح ما أفسده اليوم غداً).

(٤٢٣)

أهبره هبراً، إذا قطعته قطعاً [كباراً](1368)، والاسم الهَبرة والهُبرة، وسيف هبَّار وهابر، واللحم هبير ومهبور. و(المحالة): الحيلة. وقوله: (بالجدِّ لا بالكدِّ) أي يُدرك الرجل حاجته وطلبته بالجدِّ وهو الحظُّ والبخت، ومنه: رجل مجدود، فإذا كسرت الجيم فهو الانكماش في الأمر والمبالغة فيه. وقوله: (التجلُّد ولا التبلُّد) أي تجلَّدوا ولا تتبلَّدوا. وقوله: (فتطيعوا): أي تدنسوا، والطبع الدنس، يقال: طبع السيف يطبع طبعاً، إذا ركبه الصداء، قال ثابث قطنة العتكي: لا خير في طمع يدني إلى طبع، وغفة من قوام العيش تكفيني. قوله: (ولا تهنوا فتخرعوا) فالوهن الضعف، والخرع والخراعة اللين، ومنه سُمّيت الشجرة الخروع للينها. وقوله: (إنَّ الموصّين بنو سهوان) فالموصّين جمع موصي، وبنو سهوان ضربه مثلاً، أي لا تكونوا ممَّن تقدَّم إليهم فسهوا وأعرضوا عن الوصيَّة، قال: إنَّه يُضرَب هذا المثل للرجل الموثوق به(1369)، ومعناه أنَّ الذين يحتاجون أنْ يوصوا بحوائج إخوانهم هم الذين يسهون عنها لقلَّة عنايتهم، وأنت غير غافل ولا ساهٍ عن حاجتي. وقوله: (فارحبوا): أي وسِّعوا. والرحب: السعة. والروح: الراحة. وقوله في الشعر: (ورُبَّ غيل) فالغيل الساعد الممتلئ. والمعصم: موضع السوار من اليد.
ومن المعمَّرين زهير بن جناب(1370) بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة ابن زيد اللَّات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن [عمران ابن](1371) ألحاف بن قضاعة بن ملك(1372) بن عمرو بن مرَّة بن زيد بن مالك بن حمير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1368) من المصدر.
(1369) في المصدر: (الموتر دمه) بدل (الموثوق به).
(1370) في المصدر إضافة: (ابن هُبَل).
(1371) من المصدر.
(1372) في المصدر: (مالك) بدل (ملك).

(٤٢٤)

قال أبو حاتم: عاش زهير بن جناب مائتي سنة وعشرين سنة، وواقع مائتي وقعة، وكان سيِّداً مطاعاً شريفاً في قومه، ويقال: كانت فيه عشر خصال لم يجتمعن في غيره من أهل زمانه: كان سيِّد قومه، وشريفهم، وخطيبهم، وشاعرهم، ووافدهم إلى الملوك، وطبيبهم والطبُّ في ذلك الزمان شرف، وحازي قومه والحزاة الكُهَّان، وكان فارس قومه، وله البيت فيهم والعدد منهم، فأوصى بنيه، فقال:
يا بَنِيَّ، إنِّي قد كبرت سنِّي وبلغت حرساً من دهري فأحكمتني التجارب والأُمور تجربة واختبار، فاحفظوا عنِّي ما أقول وعوا: إيَّاكم والخور(1373) عند المصائب والتواكل عند النوائب، فإنَّ ذلك داعية للغمِّ وشماتة للعدوِّ وسوء ظنٍّ بالربِّ، وإيَّاكم أنْ تكونوا بالأحداث مغترِّين ولها آمنين ومنها ساخرين، فإنَّه ما سخر قوم قطُّ إلَّا ابتلوا، ولكن توقَّعوها فإنَّما الإنسان في الدنيا غرض تعاوره الرماة فمقصِّر دونه، ومجاوز موضعه، وواقع عن يمينه وشماله ولا بدَّ أنَّه يصيبه.
قوله: (حرساً من دهري) يريد دهراً(1374)، والحرس الدهر، قال الراجز: في سنة(1375) عشنا بذاك حرساً، فالسنية المدَّة من الدهر. والتواكل أنْ يَكِلَ القوم أمرهم إلى غيرهم، من قولهم: رجل وَكِلٌ، إذا كان لا يكفي نفسه ويَكِل أمره إلى غيره، ويقال: رجل وكلة تكلة، والغرض: كلَّما نصبته للرمي. وتعاوره: أي تداوله.
قال المرتضى (رحمه الله): وقد أتى لابن الرومي معنى قول زهير بن جناب: (الإنسان في الدنيا غرض تعاوره الرماة، فمقصِّر دونه، ومجاوز له، وواقع عن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1373) في المصدر: (والخوار).
(1374) في المصدر: (طويلاً منه) بدل (دهراً)، والحرس من الدهر: الطويل.
(1375) في المصدر: (سنية) بدل (سنة).

(٤٢٥)

يمينه وشماله ثُمَّ لا بدَّ أنْ يصيبه) في أبيات له فأحسن فيها كلَّ الإحسان، والأبيات لابن الرومي:

كفى بسراج الشيب في الرأس هاديا * * * لمن قد أضلَّته المنايا لياليا
أمن بعد إبداء المشيب مقاتلي * * * لرامي المنايا تحسبيني راجيا(1376)
غدا الدهر يرميني فتدنو سهامه * * * لشخصي أخلق أنْ يصبن سواديا
وكان كرامي الليل يرمي ولا يُرى * * * فلمَّا أضاء الشيب شخصي رمانيا

أمَّا البيت الأخير فإنَّه أبدع فيه وغرب، وما علمت أنَّه سُبِقَ إلى معناه، لأنَّه جعل الشباب كالليل الساتر على الإنسان الحاجز بينه وبين من أراد رميه لظلمته، والشيب مبدياً لمقاتله هادياً إلى إصابته لضوئه وبياضه، وهذا في نهاية حسن المعنى. وأراد بقوله: (رماني) أصابني، ومثله قول الشاعر:

فلمَّا رمى شخصي رميت سواده * * * ولا بدَّ أنْ يُرمى سواد الذي يرمي

وكان زهير بن جناب على عهد كليب وائل، ولم يكُ في العرب أنطق من زهير ولا أوجه عند الملوك، وكان لسداد رأيه يُسمَّى كاهناً، ولم تجتمع قضاعة إلَّا عليه وعلى رزاح بن ربيعة.
وسمع زهير بعض نسائه تتكلَّم بما لا ينبغي لامرأة أنْ تتكلَّم به عند زوجها، فنهاها، فقالت له: اسكت عنِّي وإلَّا ضربتك بهذا العمود، فوَالله ما كنت أراك تسمع شيئاً ولا تعقله، فقال عند ذلك:

ألَا يا لقوم(1377) لا أرى النجم طالعا * * * ولا الشمس إلَّا حاجبي(1378) بيميني
معزبتي عند القفا بعمودها * * * يكون نكيري أنْ أقول ذريني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1376) في المصدر: (ناجياً) بدل (راجياً).
(1377) في المصدر: (يا لقومي).
(1378) في المصدر: (حاجتي) بدل (حاجبي).

(٤٢٦)

أميناً على سرِّ النساء وربَّما * * * أكون على الأسرار غير أمينِ
فللموت خير من حداج موطأ * * * مع الظعن لا يأتي المحلَّ لحيني

وهو القائل:

أَبَنِيَّ إنْ أهلك فقد * * * أورثتكم مجداً بنيَّه
وتركتكم أبناء(1379) سادات * * * زنادكم ورِيَّه
من كلِّ ما نال الفتى * * * قد نلته إلَّا التحيَّه
ولقد رحلت البازل الكوماء * * * ليس لها وليَّه
وخطبت خطبة حازم * * * غير الضعيف ولا العييَّه
والموت خير للفتى * * * فليهلكنَّ وبه بقيَّه
من أنْ يرى الشيخ البجال * * * وقد يُهادى بالعشيَّه

وهو القائل:

ليت شعري والدهر ذو حدثان * * * أي حين منيَّتي تلقاني
أسبات على الفراش خفات * * * أم يكفي مفجع حرَّانِ

وقال حين مضت له مائتا سنة من عمره:

لقد عمَّرت حتَّى ما أُبالي * * * أحتفي في صباحي أو مسائي
وحقٌّ لمن أتت مأتان عاماً * * * عليه أنْ يملَّ من الثواءِ

قوله: (معزبتي) [يعني امرأته](1380)، يقال: معزبة الرجل وطلته وحنَّته(1381)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1379) في المصدر: (أرباب) بدل (أبناء).
(1380) من المصدر.
(1381) في المصدر: (حليلته وزوجته) بدل (طلته وحنَّته).

(٤٢٧)

كلُّ ذلك امرأته. وقوله: (أميناً على سرِّ النساء) فالسرُّ خلاف العلانية، والسرُّ أيضاً النكاح، قال الحطيئة:

ويحرم سرُّ جارهم عليهم * * * ويأخذ(1382) جارهم أنف القصاع

وقال امرؤ القيس:

ألَا زعمت بسباسة اليوم أنَّني * * * كبرت وأنْ لا يحسن السرَّ أمثالي

وكلام زهير يحتمل الوجهين جميعاً، لأنَّه إذا كبر وهرم لم تتهيَّبه النساء أنْ يتحدَّثْنَّ بحضرته بأسرارهنَّ تهاوناً وتعويلاً على ثقل سمعه، وكذلك هرمه وكبره يوجبان كونه أميناً على نكاح النساء لعجزه عنه.
وقوله: (حداج موطأ) الحداج مركب من مراكب النساء، والجمع أحداج وحدوج. والظعن والأظعان الهوادج، والظعينة المرأة في الهودج، ولا تُسمَّى ظعينة حتَّى تكون في هودج، والجمع ظعائن، وإنَّما أخبر عن هرمه وأنَّ موته خير من كونه مع الظعن في جملة النساء. وقوله: (زنادكم وريَّه) الزناد جمع زند وزندة وهما عودان يتقدَّح بهما النار وفي أحدهما فروض وهي ثقب(1383)، فالتي فيها الفروض هي الأُنثى والذي يُقدَح بطرفه هو الذَّكَر، ويُسمَّى الزند الأب والزندة الأُمُّ، وكنَّى بـ(زنادكم وريَّه) عن بلوغهم مآربهم، تقول العرب: وريت بك(1384) زنادي) أي نلت بك(1385) ما أُحِبُّ من النجح والنجاة، ويقال للرجل الكريم: واري الزناد.
فأمَّا التحيَّة فهي الملك، فكأنَّه قال: من كلِّ ما نال الفتى قد نلته إلَّا الملك،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1382) في المصدر: (يأكل) بدل (يأخذ).
(1383) في المصدر: (تغث) بدل (ثقب).
(1384) في المصدر: (بكم).
(1385) في المصدر: (بكم).

(٤٢٨)

وقيل: التحيَّة هاهنا الخلود والبقاء. و(البازل) الناقة التي قد بلغت تسع سنين وهي أشدّ ما تكون، ولفظ البازل في الناقة والجمل سواء. و(الكوماء) العظيمة السنام. والولية: برذعة تُطرَح على ظهر البعير تلي جلده. و(البجال) الذي يُبجِّله قومه ويُعظِّمونه. ومعنى (يُهادى بالعشيَّه): أي تماشيه الرجال فيسندونه لضعفه، والتهادي المشي الضعيف. وقوله: (أسبات) فالسبات سكون الحركة، ورجل مسبوت. والخفات: الضعف، يقال: خفت الرجل إذا أصابه ضعف من مرض أو جوع. والمفجع: الذي قد فُجِعَ بولد له أو قرابة. والحرَّان: العطشان الملتهب، وهو هاهنا المحترق على قتلاه.
وممَّا يُروى لزهير بن جناب:

إذا ما شئت أنْ تسلى(1386) خليلا * * * فأكثر دونه عدد الليالي
فما سلى حبيبك مثل نأي * * * ولا بلى جديدك كابتذالِ(1387)

ومن المعمَّرين ذو الإصبع العدواني، واسمه حرثان بن محرث بن الحارث بن ربيعة بن وهب بن ثعلبة بن ظرب بن عمرو بن عتاب بن يشكر بن عدوان، وهو الحارث بن عمير بن قيس بن عيلان بن مضرّ(1388)، وإنَّما سُمِّي الحارث عدوان لأنَّه عدا على أخيه فهمَّ فقتله(1389)، وقيل: بل فقأ عينيه، وقيل: إنَّ اسم ذي الإصبع محرث بن حرثان، وقيل: حرثان بن حويرث، وقيل: حرثان ابن حارثة، ويُكنَّى أبا عدوان. وسبب لقبه بذي الإصبع أنَّ حيَّة نهشته على إصبعه فشُلَّت فسُمِّي بذلك، ويقال: إنَّه عاش مائة وسبعين سنة، وقال أبو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1386) في المصدر: (تسلو).
(1387) أمالي المرتضى (ج 1/ ص 167 - 176/ مجلس 16).
(1388) في المصدر: (الحارث بن عمرو بن قيس بن غيلان بن مضرّ).
(1389) في المصدر المطبوع بمصر: (فهمَّ بقتله) وهو تصحيف غريب راجع القاموس.

(٤٢٩)

حاتم: عاش ثلاثمائة سنة، وهو أحد حُكَّام العرب في الجاهليَّة، وذكر الجاحظ أنَّه كان أثرم، وروى عنه:

لا يبعدنَّ عهد الشباب ولا * * * لذَّاته ونباته النضرِ
لولا أُولئك ما حفلت متى * * * عوليت في حرجي إلى قبري
هزئت أثيلة إنْ رأت هرمي * * * وأنْ انحنى لتقادم ظهري

وكان لذي الإصبع بنات أربع، فعرض عليهنَّ التزويج فأبين وقلن: خدمتك وقربك أحبُّ إلينا، فأشرف عليهنَّ يوماً من حيث لا يرينه فقلن: لتقل كلُّ واحدة منَّا ما في نفسها، فقالت الكبرى:

ألَا هل أراها ليلة وضجيعها * * * أشمّ كنصل السيف غير مهنَّدِ
عليم بأدوات النساء وأصله * * * إذا ما انتمى من سرِّ أهلي(1390) محتدي

ويُروى: (عين مهنَّد)، ويروى: (من سرِّ أصلي ومحتدي)، فقلن لها: أنتِ تريدين ذا قرابة قد عرفته.
وقالت الثانية:

ألَا ليت زوجي من أُناس أُولي عدى * * * حديث الشباب طيِّب الثوب والعطرِ
لصوق بأكباد النساء كأنَّه * * * خليفة جان لا ينام على وترِ

ويُروى: (أُولي غنى)، ويُروى: (لا ينام على هجري)، فقلن لها: أنتِ تريدين فتى ليس من أهلكِ.
ثُمَّ قالت الثالثة:

ألَا ليته يُكسى الجمال نديه * * * له جفنة تشقى بها المعز والجزرُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1390) في المصدر: (أهل سري) بدل (سر أهلي).

(٤٣٠)

له حكمات الدهر من غير كبرة * * * تشين فلا فان(1391) ولا ضرع غمرُ

فقلن لها: أنتِ تريدين سيِّداً شريفاً، وقلن للرابعة: قولي، فقالت: لا أقول شيئاً، فقلن [لها](1392): يا عدوَّة الله، علمتِ ما في أنفسنا ولا تعلميننا ما في نفسكِ؟ فقالت: زوج من عود خير من قعود، فمضت مثلاً، فزوَّجهنَّ أربعهنَّ وتركهنَّ حولاً.
ثُمَّ أتى الكبرى فقال: يا بنيَّة، كيف ترين زوجكِ؟ فقالت: خير زوج، يكرم الحليلة ويُعطي الوسيلة، قال: فما مالكم؟ قالت: خير مال، الإبل، نشرب ألبانها جرعاً - ويُروى: (جزعاً) بالزاي معجمة -، ونأكل لحمانها مزعاً، وتحملنا وضعفتنا معاً، فقال: يا بنيَّة، زوج كريم ومال عميم.
ثُمَّ أتى الثانية فقال: يا بنيَّة، كيف زوجكِ؟ فقالت: خير زوج، يكرم أهله وينسى فضله، قال: وما مالكم؟ قالت: البقر، تألف الفناء، وتملأ الإناء، وتودك السقاء، ونساء مع النساء، فقال لها: خظيت وبظيت(1393).
ثُمَّ أتى الثالثة فقال: يا بنيَّة، كيف زوجكِ؟ فقالت: لا سمح بذر ولا بخيل حكر، قال: فما مالكم؟ قالت: المعزى، قال: وما هي؟ قالت: لو كنَّا نولدها فطماً ونسلخها إدماً - ويُروى: (أدماً) بالفتح - لم نبغِ بها نعماً، فقال لها: حذوة(1394) مغنية - ويُروى: (حذوى(1395) مغنية) -.
ثُمَّ أتى الصغرى، فقال: يا بنيَّة، كيف زوجكِ؟ قالت: شرُّ زوج يكرم نفسه ويهين عرسه، قال: فما مالكم؟ قالت: شرُّ مال، قال: وما هو؟ قالت:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1391) في المصدر: (وانٍ) بدل (فان).
(1392) من المصدر.
(1393) في المصدر: (حظيت ورضيت) بدل (خظيت وبظيت).
(1394) في المصدر: (جذوة).
(1395) في المصدر: (جذوى).

(٤٣١)

الضأن، جوف لا يشبعن، وهيم لا ينقعن، وصم لا يسمعن، وأمر مغويتهنَّ يتبعن، فقال أبوها: (أشبه امرء بعض بزِّه)، فمضت مثلاً.
أمَّا قول إحدى بناته في الشعر: (أشمّ) فالشمم هو ارتفاع أرنبة الأنف وورودها، يقال: رجل أشمّ وامرأة شمَّاء وقوم شمٌّ، قال حسَّان:

بيض الوجوه كريمة أنسابهم(1396) * * * شمُّ الأُنوف من الطراز الأُوَل

فالشمم الارتفاع في كلِّ شيء، فيحتمل أنْ يكون أراد حسَّان بشمِّ الأُنوف ما ذكرناه من ورود الأرنبة، لأنَّ ذلك عندهم دليل العتق والنجابة، ويجوز أنْ يكون أراد بذلك الكناية عن نزاهتهم وتباعدهم عن دنايا الأُمور ورذائلها، وخصَّ الأُنوف بذلك لأنَّ الحميَّة والغضب والأنفة فيها ولم يرد طول أنفهم، وهذا أشبه أنْ يكون مراده، لأنَّه قال في أوَّل البيت: بيض الوجوه، ولم يرد [بياض](1397) اللون في الحقيقة، وإنَّما كنَّى بذلك عن نقاء أعراضهم، وجميل أخلاقهم وأفعالهم، كما يقال: جاءني فلان بوجه أبيض، وقد بيَّض فلان وجهه(1398) بكذا وكذا، وإنَّما يعني ما ذكرناه. وقول المرأة: (أشمّ كنصل السيف) يحتمل الوجهين أيضاً. ومعنى قول حسَّان: من الطراز الأُوَل، أي إنَّ أفعالهم أفعال آبائهم وسلفهم فإنَّهم لم يُحدِثوا أخلاقاً مذمومة لا تشبه نجارهم وأُصولهم.
وقولها: (عين مهنَّد) أي هو المهنَّد بعينه، كما يقال: هو هذا بعينه، وعين الشيء نفسه. وعلى الرواية الأُخرى: (غير مهنَّد) أي ليس هو السيف المنسوب إلى الهند في الحقيقة، وإنَّما هو مشبَّه به في مضائه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1396) في المصدر: (أحسابهم) بدل (أنسابهم).
(1397) من المصدر.
(1398) في المصدر: (وجهي) بدل (وجهه).

(٤٣٢)

وقولها: (من سرِّ أهلي): أي من أكرمهم وأخلصهم، يقال: فلان في سرِّ قومه، أي في صميمهم وشرفهم، وسرُّ الوادي أطيبه تراباً. والمحتد: الأصل.
وقول الثانية: (أُولي عدى) فإنَّما معناه أنْ يكون لهم أعداء، لأنَّ من لا عدوَّ له هو الفسل الرذل الذي لا خير عنده، والكريم الفاضل من الناس هو المحسد المعادى.
وقولها: (لصوق بأكباد النساء) تعني في المضاجعة، ويحتمل أنْ تكون أرادت في المحبَّة والمودَّة، وكنَّت بذلك عن شدَّة محبَّتهنَّ له وميلهنَّ إليه، وهو أشبه.
وقولها: (كأنَّه خليفة جان) أي كأنَّه حيَّة للصوقه، والجانُّ جنس من الحيَّات، فخُفِّفت لضرورة الشعر.
وقول الثالثة: (يُكسى الجمال نديه) فالندي هو المجلس.
وقولها: (له حكمات الدهر) تقول: قد أحكمته التجارب وجعلته حكيماً. فأمَّا (الضرع) فهو الضعيف، و(الغمر) الذي لم يُجرِّب الأُمور.
وقول الكبرى: (يكرم الحليلة ويُعطي الوسيلة)، فالحليلة هي امرأة الرجل، والوسيلة الحاجة.
وقولها: (نشرب ألبانها جزعاً) فالجزع جمع جزعة، وهي القليل من الماء يبقى في الإناء.
وقوله(1399): (مزعاً) فالمزعة البقيَّة من دسم، ويقال: ما له جزعة ولا مزعة، كذا ذكر ابن دريد بالضمِّ في جُزعة، ووجدت غيره يكسرها ويقول: جِزعة، وإذا كسرت فينبغي أنْ يكون (نشرب ألبانها جزعاً)، وتُكسَر المزعة أيضاً ليزدوج الكلام فيقول: (ونأكل لحمانها مِزعاً) فإنَّ المِزعة بالكسر هي القطعة من الشحم، والمِزعة بالكسر أيضاً من الريش والقطن وغير ذلك كالمِزقة من الخرق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1399) في المصدر: (وقولها).

(٤٣٣)

والتمزيع: التقطيع والتشقيق، يقال: إنَّه يكاد يتمزَّع من الغيظ، ومزع الظبي في عَدْوه يمزع مزعاً إذا أسرع.
وقوله: (مال عميم): أي كثير.
وقول الثانية: (تودك السقاء) من الودك الذي هو الدسم.
وقول الثالثة: (نولدها فطماً) فالفطم جمع فطيم، وهو المفطوم من الرضاع.
وقولها: (نسلخها أدماً) فالأدم جمع إدام وهو الذي يؤكل، تقول: لو أنَّا فطمناها عند الولادة وسلخناها للأدم من الحاجة لم نبغِ بها نعماً. وعلى الرواية الأُخرى: أدماً من الأديم. وقوله: (حذوة مغنية) فالحذوة(1400) القطعة.
وقول الصغرى: (جوف لا يشبعن) فالجوف جمع جوفاء، وهي العظيمة الجوف. والهيم: العطاش. و(لا ينقعن): أي لا يروين. ومعنى قولها: (وأمر مغويتهنَّ يتبعن): أي(1401) القطيع من الضأن يمرُّ على قنطرة فتزلُّ واحدة فتقع في الماء فيقعن كلُّهُنَّ اتِّباعاً لها، والضأن يُوصَف بالبلادة.
أخبرنا أبو الحسن عليُّ بن محمّد الكاتب، قال: حدَّثنا ابن دريد، قال: حدَّثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، عن يونس. قال ابن دريد: وأخبرنا به العكلي، عن ابن(1402) أبي خالد، عن الهيثم بن عدي، عن مسعر بن كدام، قال: حدَّثنا سعيد ابن خالد الجدلي، قال: لـمَّا قَدِمَ عبد المَلِك بن مروان الكوفة بعد قتل مصعب دعا الناس على فرائضهم فأتيناه، فقال: من القوم؟ قلنا: جديلة، قال: جديلة عدوان؟ قلنا: نعم، فتمثَّل عبد المَلِك:

عذير الحيِّ من عدوان * * * كانوا حيَّة الأرضِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1400) في المصدر: (جذوة مغنية، فالجذوة).
(1401) في المصدر: (لأنَّ) بدل (أي).
(1402) كلمة: (ابن) ليست في المصدر.

(٤٣٤)

بغى بعضهم بعضاً * * * فلم يرعوا على بعضِ
ومنهم كانت السادات * * * والموفون بالفرضِ(1403)
ومنهم حكم يقضي * * * فلا ينقض ما يقضي
ومنهم من يحيل الناس(1404) * * * بالسُّنَّة والفرضِ

ثُمَّ أقبل على رجل كنَّا قدَّمناه أمامنا، جسيم وسيم، فقال: أيُّكم يقول هذا الشعر؟ فقال: لا أدري، فقلت [أنا](1405) من خلفه: يقول ذو الإصبع، فتركني وأقبل على ذلك الجسيم، وقال: ما كان اسم ذي الإصبع؟ فقال: لا أدري، فقلت أنا من خلفه: حرثان، فأقبل عليه وتركني، فقال: لِـمَ سُمِّي ذا الإصبع؟ فقال: لا أدري، فقلت أنا من خلفه: نهشته حيَّة على إصبعه، فأقبل عليه وتركني، فقال: من أيِّكم كان؟ قال: لا أدري، فقلت أنا من خلفه: من بني ناج، فأقبل على الجسيم فقال: كم عطاؤك؟ قال: سبعمائة درهم، ثُمَّ أقبل عليَّ فقال: كم عطاؤك؟ فقلت: أربعمائة، فقال: يا بن الزعيزعة، حطَّ من عطاء هذا ثلاثمائة وزدها في عطاء هذا، فرحت وعطائي سبعمائة وعطاؤه أربعمائة.
وفي رواية أُخرى أنَّه: لـمَّا قال له: من أيِّكم كان؟ قال: لا أدري، فقلت أنا من خلفه: من بني ناج الذين يقول فيهم الشاعر:

وأمَّا بنو ناج فلا تذكرنهم * * * ولا تتبعنَّ عينيك من كان هالكا
إذا قلت معروفاً لتصلح بينهم * * * يقول وهيب لا أُسالم(1406) ذلكا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1403) في المصدر: (بالقرض).
(1404) في المصدر: (يجيز) بدل (يحيل)، ونُقِلَ في الهامش عن أبي الفرج، قال: قوله: (ومنهم من يجيز الناس) فإنَّ إجازة الحجِّ كانت لخزاعة فأخذتها منهم عدوان.
(1405) من المصدر.
(1406) في المصدر: (أُسلِّم) بدل (أُسالم).

(٤٣٥)

ويُروى: (لا أُحاول [ذلكا](1407)).

فأضحى كظهر العود جبَّ سنامه * * * يدبُّ إلى الأعداء أحدب باركا

ويُروى:

فأضحى كظهر العود جبَّ سنامه * * * تحوم عليه الطير أحدب باركا

وقد رُويت هذه الأبيات لذي الإصبع أيضاً.
ومن أبيات ذي الإصبع السائرة قوله:

أُكاشر ذا الضغن المبين عنهم * * * وأضحك حتَّى يبدو الناب أجمع
وأُهدنه بالقول هدناً ولو يرى * * * سريرة ما أخفي لبات يفزع

ومعنى (أُهدنه) أُسكِّنه.
ومن قوله أيضاً:

إذا ما الدهر جرَّ على أُناس * * * شراشره(1408) أناخ بآخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا * * * سيلقى الشامتون كما لقينا

ومعنى (الشراشر) هاهنا الثقل، يقال: ألقى علي شراشره وجراميزه، أي ثقله.
ومن قوله أيضاً:

ذهب الذين إذا رأوني * * * مقبلاً هشوا إليَّ ورحَّبوا بالمقبل
وهم الذين إذا حملت حمالة * * * وليقتهم فكأنَّني لم أُحمل

ومن قوله وهي مشهورة:

لي ابن عمٍّ على ما كان من خلق * * * مختلفان فأقليه ويقليني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1407) كلمة: (ذلكا) ليست في المصدر، وكذا البيت الذي بعده.
(1408) في المصدر: (حوادثه)، وبعده إضافة: (ويُروى شراشره).

(٤٣٦)

أزرى بنا أنَّنا شالت نعامتنا * * * فخالني دونه وخلته دوني
لاه ابن عمِّك لا أفضلت في نسب(1409) * * * عنِّي ولا أنت ديَّاني فتخزوني
إنِّي لعمرك ما بابي بذي غلق * * * عن الصديق(1410) ولا خيري بممنونِ
ولا لساني على الأدنى بمنطلق * * * بالفاحشات ولا أغضي على الهونِ
ماذا عليَّ وإنْ كنتم ذوي رحمي * * * ألَّا أُحِبّكم إنْ لم تُحِبُّوني
يا عمرو إلَّا تدع شتمي ومنقصتي * * * أضربك حيث تقول الهامة اسقوني
وأنتم معشر زيد عليَّ مائة * * * فأجمعوا أمركم طرًّا فكيدوني
لا يخرج القسر منِّي غير مأبية * * * ولا ألين لمن لا يبتغي ليني

قوله: (شالت نعامتنا) معناه تنافرنا، فضرب النعام مثلاً، أي لا أطمئنُّ إليه ولا يطمئنُّ إليَّ، يقال: شالت نعامة القوم، إذا أجلوا عن الموضع. وقوله: (لاه ابن عمِّك) قال قوم: أراد: لله ابن عمِّك، وقال ابن دريد: أقسم وأراد(1411): الله ابن عمِّك. وقوله: (عنِّي) أي عليَّ. والديَّان: الذي يلي أمره. ومعنى (فتخزوني): أي تسوسني. و(الهون): الهوان.
وقوله: (أضربك حيث تقول الهامة اسقوني) قال الأصمعي: العطش في الهامة، فأراد: أضربك في ذلك الموضع، أي على الهامة بحيث تعطش. وقال آخرون: العرب تقول: إنَّ الرجل إذا قُتِلَ خرجت من رأسه هامة تدور حول قبره وتقول: اسقوني اسقوني، فلا تزال كذلك حتَّى يُؤخَذ بثأره، وهذا باطل، ويجوز أنْ يعنيه ذو الإصبع على مذاهب العرب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1409) في المصدر: (حسب) بدل (نسب).
(1410) في المصدر: (الضيوف) بدل (الصديق).
(1411) في المصدر: (أقسم بالله).

(٤٣٧)

وقوله: (لا يخرج القسر منِّي غير مأبية) فالقسر القهر، أي إنْ أخذت قسراً لم أزدد إلَّا إباءً.
ومن المعمَّرين معدي كرب الحميري من آل ذي رعين، قال ابن سلام: وقال معدي كرب الحميري وقد طال عمره:

أراني كلَّما أفنيت يوماً * * * أتاني بعده يوم جديدُ
يعود ضياؤه(1412) في كلِّ فجر * * * ويأبى لي شبابي لا يعودُ

ومن المعمَّرين الربيع بن ضبع الفزاري، يقال: إنَّه بقي إلى أيَّام بني أُميَّة، ويُروى أنَّه دخل على عبد المَلِك بن مروان، فقال له: يا ربيع، أخبرني عمَّا أدركت من العمر والمدى، ورأيتَ من الخطوب الماضية...، وساق الحديث إلى آخر ما مرَّ في رواية الصدوق (رحمه الله).
وفيه: (لقد طار بك(1413) جدٌّ غير عاثر)، و(عطاء جذم ومقرًى ضخم)، ثُمَّ قال(1414) (رضي الله عنه): إنْ كان هذا الخبر صحيحاً فيشبه أنْ يكون سؤال عبد المَلِك له إنَّما كان في أيَّام معاوية(1415) لا في ولايته، لأنَّ الربيع يقول في الخبر: عشت [في الإسلام](1416) ستِّين سنة، وعبد المَلِك ولي في سنة خمس وستِّين من الهجرة، فإنْ كان صحيحاً فلا بدَّ ممَّا ذكرناه.
وقد روي أنَّ الربيع أدرك أيَّام معاوية، ويقال: إنَّ الربيع لـمَّا بلغ مائتي سنة قال:

ألَا بلغ بني بني ربيع * * * فأشرار البنين لكم فداءُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1412) في المصدر: (بياضه) بدل (ضياؤه).
(1413) في المصدر المطبوع بمصر: (لقد طالبك).
(1414) في المصدر إضافة: (المرتضى).
(1415) في المصدر: (غفلته) بدل (معاوية).
(1416) من المصدر.

(٤٣٨)

بأنِّي قد كبرت ودقَّ عظمي * * * فلا تشغلكم عنِّي النساءُ
وإنَّ كنائني لنساء * * * صدق وما آلى بنيَّ ولا أساؤوا
إذا كان الشتاء فأدفئوني * * * فإنَّ الشيخ يهدمه الشتاءُ
وأمَّا حين يذهب كلُّ قرٍّ * * * فسربال خفيف أو رداءُ
إذا عاش الفتى مأتين عاماً * * * فقد ذهب اللذاذة والفتاءُ

وقال حين بلغ مأتين وأربعين سنة:

أصبح عنِّي الشباب قد حسرا * * * إنْ بان عنِّي فقد ثوى عصرا
ودَّعنا قبل أنْ نُودِّعه * * * لـمَّا قضى من جماعنا وطرا
ها أنا ذا آمل الخلود وقد * * * أدرك سنِّي ومولدي حجرا
أنا امرئ القيس هل سمعت به * * * هيهاتَ هيهاتَ طال ذا عمرا
أصبحت لا أحمل السلاح ولا * * * أملك رأس البعير إنْ نفرا
والذئب أخشاه إنْ مررت به * * * وحدي وأخشى الرياح والمطرا
من بعد ما قوَّة أنوء بها * * * أصبحت شيخاً أُعالج الكبرا

قوله: (عطاء جذم) أي سريع، وكلُّ شيء أسرعت فيه فقد جذمته، وفي الحديث: «إذا أذَّنت فرتِّل، وإذا أقمت فاجذم» أي أسرع. والمقرى: الإناء الذي يُقرى فيه. وقوله: (ما آلى بنيَّ ولا أساؤوا) أي لم يُقصِّروا، والآلي المقصِّر(1417).
ومن المعمَّرين أبو الطمحان القيني، واسمه حنظلة بن الشرقي من بني كنانة بن القين، قال أبو حاتم: عاش أبو الطمحان القيني مائتي سنة، وقال في ذلك:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1417) أمالي المرتضى (ج 1/ ص 176 - 185/ مجلس 17).

(٤٣٩)

حنتني حانيات الدهر حتَّى * * * كأنِّي خاتل يدنو لصيدِ
قصير الخطب يحسب من رآني * * * ولست مقيَّداً أنِّي بقيدِ

ويُروى: (قريب الخطو).
قال أبو حاتم السجستاني: حدَّثني عدَّة من أصحابنا أنَّهم سمعوا يونس ابن حبيب ينشد هذين البيتين، وينشد أيضاً:

تقارب خطو رجلك يا دويد(1418) * * * وقيَّدك الزمان بشرِّ قيدِ

وهو القائل:

وإنِّي من القوم الذي هم هُمُ * * * إذا مات منهم سيِّد(1419) قام صاحبُهُ
نجوم سماء كلَّما غاب كوكب * * * بدا كوكب تأوي إليه كواكبُهُ
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم * * * دجى الليل حتَّى نظم الجزع ثاقبُهُ
وما زال منهم حيث كان مسوَّد(1420) * * * تسير المنايا حيث سارت كتائبُهُ(1421)

ومعنى البيتين الأوَّلين يشبه قول أوس بن حجر:

إذا مقرَّم منَّا ذا(1422) حدَّ نابه * * * تخمَّط فينا ناب آخر مقرَّمُ

ولطفيل الغنوي مثل هذا المعنى، وهو قوله:

كواكب دجن كلَّما انقضَّ كوكب * * * بدا وانجلت عنه الدجنة كوكبُ

وقد أخذ الخزيمي هذا المعنى فقال:

إذا قمر منَّا تغور أو خبا * * * بدا قمر في جانب الأُفق يلمعُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1418) في المصدر: (سويد) بدل (دويد).
(1419) في المصدر: (ميِّت) بدل (سيِّد).
(1420) في المصدر: (مسوَّداً).
(1421) في المصدر: (ركائبه) بدل (كتائبه).
(1422) في المصدر: (ذرى).

(٤٤٠)

ومثل ذلك:

خلافة أهل الأرض فينا وراثة * * * إذا مات منَّا سيِّد قام صاحبُهُ

ومثله:

إذا سيِّد منَّا مضى لسبيله * * * أقام عمود الملك(1423) آخر سيِّدُ

وكأنَّ مزاحماً العقيلي نظر إلى قول أبي الطمحان: (أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم) في قوله وقد أحسن:

وجوه لو أنَّ المدلجين اعتشوا بها * * * صدعن الدجى حتَّى ترى الليل ينجلي

ويقارب ذلك قول حجية بن المضرب السعيدي(1424):

أضاءت لهم أحسابهم فتضاءلت * * * لنورهم الشمس المضيئة والبدرُ

وأنشد محمّد بن يحيى الصولي في معنى بيت(1425) أبي الطمحان:

من البيض الوجوه بني سنان * * * لو أنَّك تستضيء بهم أضاؤوا
هم حلوا من الشرف المعلَّى * * * ومن كرم العشيرة حيث شاؤوا
فلو أنَّ السماء دنت لمجد * * * ومكرمة دنت لهم السماءُ

وأبو الطمحان القائل(1426):

إذا كان في صدر ابن عمِّك إحنة * * * فلا تستثرها سوف يبود دفينها

وهو القائل:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1423) في المصدر: (الدِّين) بدل (الملك).
(1424) في المصدر: (الكندي) بدل (السعيدي).
(1425) في المصدر: (بيتي).
(1426) في النسخة المطبوعة من البحار هناك تقديم وتأخير، وهو سهو. والصحيح ما أثبتناه عرضاً على المصدر.

(٤٤١)

إذا شاء ماعيها(1427) استقى من وقيعة * * * كعين العذاب(1428) صفوها لم يكدر

والوقيعة: المستنقع في الصخرة للماء، ويقال: للماء إذا أزل عن صخرة فوقع في بطن أُخرى فهو ماء الوقائع، وأنشد(1429) لذي الرمة:

ونلنا سقاطاً من حديث كأنَّه * * * جنى النحل ممزوجاً بماء الوقائع

ويقال للماء الذي يجري على الصخرة: ماء الحشرج، وللماء الذي يجري بين الحصا والرمل: ماء المفاصل، وأنشدوا لأبي ذؤيب:

مطافيل أبكار حديث نتاجها * * * تشاب بماء مثل ماء المفاصل

وأنشد أبو محلم السعدي لأبي الطمحان:

بُنَيَّ إذا ما سامك الذلُّ قاهر * * * عزيز فبعض الذلِّ أتقى(1430) وأحرزُ
ولا تحرمنَّ(1431) بعض الأُمور تعزُّزاً * * * فقد يورث(1432) الذلُّ الطويل التعزُّزُ

وهذان البيتان يرويان لعبد الله بن معاوية الجعفري.
وروي لأبي الطمحان أيضاً في هذا المعنى:

يا رُبَّ مظلمة يوماً لطئت لها(1433) * * * تمضي عليَّ إذا ما غاب أنصاري
حتَّى إذا ما انجلت عنِّي غيابتها * * * وثبت فيها وثوب المخدر الضاري

ومن المعمَّرين عبد المسيح بن بقيلة الغسَّاني، وهو عبد المسيح بن عمرو بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1427) في المصدر: (راعيها) بدل (ماعيها).
(1428) في المصدر: (الغراب) بدل (العذاب)، وعين الغراب يُضرَب بها المثل في الصفاء.
(1429) في المصدر: (أنشدوا).
(1430) في المصدر: (أبقى).
(1431) في المصدر: (تحم) بدل (تحر).
(1432) في المصدر: (يورد) بدل (يورث).
(1433) في المصدر: (لطيت بها) بدل (لطئت لها).

(٤٤٢)

قيس بن حيَّان بن بقيلة، وبقيلة اسمه ثعلبة، وقيل: الحارث، وإنَّما سُمِّي بقيلة لأنَّه خرج على قومه في بردين أخضرين، فقالوا له: ما أنت إلَّا بقيلة، فسُمِّي بذلك.
وذكر الكلبي وأبو مخنف وغيرهما أنَّه عاش ثلاثمائة وخمسين سنة، وأدرك الإسلام فلم يسلم، وكان نصرانيًّا.
وروي أنَّ خالد بن الوليد لـمَّا نزل على الحيرة وتحصَّن منه أهلها أرسل إليهم: ابعثوا إليَّ رجلاً من عقلائكم وذوي أنسابكم، فبعثوا إليه عبد المسيح بن بقيلة، فأقبل يمشي حتَّى دنا من خالد، فقال [له](1434): أنعم صباحاً أيُّها المَلِك، قال: قد أغنانا الله عن تحيَّتك هذه، فمن أين أقصى أثرك أيُّها الشيخ؟ قال: من ظهر أبي، قال: فمن أين خرجت؟ قال: من بطن أُمِّي، قال: فعلى مَ أنت؟ قال: على الأرض، قال: ففيم أنت؟ قال: في ثيابي، قال: أتعقل لا عقلت، قال: إي والله وأقيد، قال: ابن كم أنت؟ قال: ابن رجل واحد.
قال خالد: ما رأيت كاليوم قطُّ، إنِّي أسأله عن الشيء وينحو في غيره، قال: ما أجبتك إلاَّ عمَّا سألت، فسَلْ عمَّا بدا لك، قال: أعرب أنتم أم نبيط؟ قال: عرب استنبطنا ونبيط(1435) استعربنا، قال: [أ](1436) فحرب أنتم أم سلم؟ قال: بل سلم، قال: فما هذه الحصون؟ قال: بنيناها لسفيه نحذر منه حتَّى يجيء الحليم ينهاه، قال: كم أتى لك؟ قال: خمسون وثلاثمائة سنة، قال: فما أدركت؟ قال: أدركت سُفُن البحر ترفأ إلينا في هذا الجرف(1437)، ورأيت المرأة من أهل الحيرة تخرج وتضع مكتلها على رأسها لا تزوَّد إلَّا رغيفاً واحداً حتَّى تأتي الشام، ثُمَّ قد أصبحت اليوم خراباً يباباً، وذلك دأب الله في العباد والبلاد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1434) من المصدر.
(1435) في المصدر: (نبط) بدل (نبيط).
(1436) من المصدر.
(1437) في المصدر: (البحر في السماوة في هذا الجرف).

(٤٤٣)

قال: ومعه سمُّ ساعة يقلبه في كفِّه، فقال له خالد: ما هذا في كفِّك؟ قال: هذا السمُّ، قال: وما تصنع به؟ قال: إنْ كان عندك ما يوافق قومي وأهل بلدي حمدت الله تعالى وقبلته، وإنْ كانت الأُخرى لم أكن أوَّل من ساق إليهم ذلّاً وبلاءً أشربه وأستريح من الحياة، فإنَّما بقي من عمري اليسير، قال خالد: هاته، فأخذه [ثمّ](1438) قال: بسم الله وبالله ربِّ الأرض والسماء الذي لا يضرُّ مع اسمه شيء، ثُمَّ أكله(1439) فتجلَّلته غشية، ثُمَّ ضرب بذقنه في صدره طويلاً، ثُمَّ عرف وأفاق كأنَّما نشط من عقال.
فرجع ابن بقيلة إلى قومه، فقال: قد جئتكم من عند شيطان أكل سمَّ ساعة فلم يضرّه، صانعوا القوم وأخرجوهم عنكم فإنَّ هذا أمر مصنوع لهم، فصالحوهم على مائة ألف درهم، وأنشا ابن بقيلة يقول:

أبعد المنذرين أرى سوماً * * * تروح بالخورنق والسدير(1440)
تحاماه فوارس كلِّ قوم * * * مخافة ضيغم عالي الزئير
وصرنا بعد هلك أبي قبيس * * * كمثل الشاء في اليوم المطير

يريد: أبا قابوس، فصغَّره. ويروى: (كمثل المعز).

تقسمنا القبائل من معد * * * علانية كأيسار الجوزر
نؤدِّي الخرج بعد خراج كسرى * * * وخرج من(1441) قريظة والنضير
كذاك الدهر دولته سجال * * * فيوم من ساة أو سرور

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1438) من المصدر.
(1439) في المصدر: (فشربه) بدل (ثمّ أكله).
(1440) في المصدر بعد هذا البيت إضافة:

أبعد فوارس النعمان أرعى * * * مراعي نهر مرَّة فالحفير

(1441) في المصدر: (بني) بدل (من).

(٤٤٤)

ويقال: إنَّ عبد المسيح لـمَّا بنى بالحيرة قصره المعروف بقصر بني بقيلة قال:

لقد بنيت للحدثان حصنا(1442) * * * لو أنَّ المرء تنفعه الحصونُ
طويل الرأس أقعس مشمخراً * * * لأنواع الرياح به حنينُ(1443)

وممَّا يُروى لعبد المسيح بن بقيلة:

والناس أبناء علات فمن علموا * * * أنْ قد أقبل فمجفوٌّ ومحقورُ
وهم بنون لأُمٍّ إنْ رأوا نشباً * * * فذاك بالغيب محفوظ ومخفورُ

وهذا يشبه قول أوس بن حجر:

بني أُمٍّ ذي المال الكثير يرونه * * * وإنْ كان عبداً سيِّد الأمر جحفلا
وهم لقليل المال أولاد علَّة * * * وإنْ كان محضاً في العمومة مخولا

وذُكِرَ أنَّ بعض مشايخ أهل الحيرة خرج إلى ظهرها يختط ديراً، فلمَّا حفر موضع الأساس وأمعن في الاحتفار أصاب كهيأة البيت فدخله، فإذا رجل على سرير من زجاج(1444)، وعند رأسه كتابة: أنا عبد المسيح بن بقيلة.

حلبت الدهر أشطره حياتي * * * ونلت من المنى بلغ(1445) المزيدِ
وكافحت الأُمور وكافحتني * * * ولم أحفل بمعضلة كؤودِ
وكدت أنال في الشرف الثريَّا * * * ولكن لا سبيل إلى الخلودِ

ومن المعمَّرين النابغة الجعدي، واسمه قيس بن كعب بن عبد الله بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1442) في المصدر: (قصراً) بدل (حصناً).
(1443) في المصدر: (أنين) بدل (حنين).
(1444) في المصدر: (رخام) بدل (زجاج).
(1445) في المصدر: (فوق) بدل (بلغ).
(1446) في المصدر: (قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة).

(٤٤٥)

عامر بن ربيعة(1446) بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، ويُكنَّى أبا ليلى.
وروى أبو حاتم السجستاني قال: كان النابغة الجعدي أسنّ من النابغة الذبياني، والدليل على ذلك قوله:

تذكرت والذكرى تهيج على الهوى(1447) * * * ومن حاجة المحزون أنْ يتذكَّرا
نداماي عند المنذر بن محرق * * * أرى اليوم منهم ظاهر الأرض مقفرا
كهول وشبَّان كأنَّ وجوههم * * * دنانير ممَّا شيف في أرض قيصرا

فهذا يدلُّ على أنَّه كان مع المنذر بن محرق، والنابغة الذبياني كان مع النعمان ابن المنذر بن محرق.
وقوله: (شيف) يعني جلي، والمشوف المجلو.
ويقال: إنَّ النابغة غير ثلاثين سنة لا يتكلَّم، ثُمَّ تكلَّم بالشعر، ومات وهو ابن عشرين ومائة سنة بأصبهان، وكان ديوانه بها، وهو الذي يقول:

من يكُ سائلاً عنِّي فإنِّي * * * من الفتيان أيَّام الخنانِ

و(أيَّام الخنان) أيَّام كانت للعرب قديمة هاج بها فيهم مرض في أُنوفهم وحلوقهم.

مضت مائة لعام ولدت فيه * * * وعشر بعد ذاك وحجَّتانِ
فأبقى الدهر والأيَّام منِّي * * * كما أبقى من السيف اليماني
تفلَّل وهو مأثور جراز * * * إذا جمعت(1448) بقائمة اليدانِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1447) في المصدر: (الجوى) بدل (الهوى).
(1448) في المصدر: (اجتمعت).

(٤٤٦)

وقال أيضاً في طول عمره:

لبست أُناس فأفنيتهم * * * وأفنيت بعد أُناس أُناسا
ثلاثة أهلين أفنيتهم * * * وكان الإله هو المستآسا

معنى المستآس: المستعاض.
وروي عن هشام بن محمّد الكلبي أنَّه عاش مائة وثمانين سنة. وروى ابن دريد عن أبي حاتم في موضع آخر أنَّ النابغة الجعدي عاش مائتي سنة وأدرك الإسلام، وروى له:

قالت إمامة كم عمرت زمانة * * * وذبحت من عتر على الأوثانِ

العتيرة: شاة تُذبَح لأصنامهم في رجب في الجاهليَّة.

ولقد شهدت عكاظ قبل محلِّها * * * فيها وكنت أعدُّ ملفتيانِ
والمنذر بن محرف في ملكه * * * وشهدت يوم هجائنا لنعمانِ
وعمَّرت حتَّى جاء أحمد بالهدى * * * وقوارع تُتلى من القرآنِ
ولبست مل إسلام ثوباً واسعاً * * * من سيب لا حرم ولا منانِ

وله أيضاً في طول عمره:

المرء يهوى أنْ يعيش * * * وطول عيش ما(1449) يضرُّه
تفنى بشاشته ويبقى * * * بعد حلو العيش مرُّه
وتتابع الأيَّام حتَّى * * * لا يرى شيئاً يسرُّه
كم شامت بي إنْ هلكت * * * وقائل لله درُّه

وَرُويَ أنَّ النَّابِغَةَ الْجَعْدِيَّ كَانَ يَفْتَخِرُ وَيَقُولُ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَأَنْشَدْتُهُ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1449) في المصدر: (قد) بدل (ما).

(٤٤٧)

بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدُنَا وَجُدُودُنَا * * * وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرا

فَقَالَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أَيْنَ المَظْهَرُ يَا أَبَا لَيْلَى؟»، فَقُلْتُ: الْجَنَّةُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أَجَلْ إِنْ شَاءَ اللهُ»، وَأَنْشَدْتُهُ:

فَلَا خَيْرَ فِي حِلْم إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ * * * بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوُهُ أَنْ يُكَدَّرَا(1450)
وَلَا خَيْرَ فِي جَهْلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ * * * حَلِيمٌ إِذَا مَا أَوْرَدَ الْأَمْرَ أَصْدَرَا

فَقَالَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا يُفَضِّضُ اللهُ فَاكَ»، وَفِي روَايَةٍ اُخْرَى: «لَا يُفَضَّضُ فُوكَ».
فيقال: إنَّ النابغة عاش عشرين ومائة سنة لم تسقط له سنٌّ ولا ضرس، وفي رواية أُخرى عن بعضهم قال: رأيته وقد بلغ الثمانين ترف غروبه، وكانت كلَّما سقطت له ثنية نبتت له أُخرى مكانها، وهو من أحسن الناس ثغراً.
معنى (ترف): أي تبرق، وكأنَّ الماء يقطر منها.
قال المرتضى (رحمه الله): وممَّا يشاكل قوله: (إلى الجنَّة) في جواب قول النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أين المظهر يا أبا ليلى؟»، وإنْ كان يتضمَّن العكس من معناه، ما روي من دخول الأخطل على عبد المَلِك مستغيثاً من فعل الجحَّاف السلمي، وأنَّه أنشده:

لقد أوقع الجحَّاف بالبشر وقعة * * * إلى الله منها المشتكى والمعولُ
فإنْ لم تُغيِّرها قريش بحلمها(1451) * * * يكن من قريش مستماز ومزحلُ

فقال عبد المَلِك [له]: إلى أين يا بن اللخناء؟ قال: إلى النار، قال: لو قلت غيرها قطعت لسانك.
فقوله: (إلى النار) تخلُّص مليح على البديهة، كما تخلَّص الجعدي بقوله: إلى الجنَّة، وأوَّل قصيدة الجعدي التي ذكرنا منها الأبيات:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1450) هذا البيت ليس في المصدر.
(1451) في المصدر: (بمثلها) بدل (بحملها).

(٤٤٨)

خليلي غضا ساعة وتهجرا * * * ولوماً على ما أحدث الدهر أو ذرا
ولا تسألا إنَّ الحياة قصيرة * * * فطيرا لروعات الحوادث أو قرا
وإنْ كان أمر لا تطيقان دفعه * * * فلا تجزعا ممَّا قضى الله واصبرا
ألم تعلما أنَّ العلامة نفعها * * * قليل إذا ما الشيء ولَّى فأدبرا
يهيج اللحاء في الملامة ثُمَّ ما * * * يقرب منَّا غير ما كان قُدِّرا(1452)

وفيها يقول:

لوى الله علم الغيب عمَّن سواءه * * * ويعلم منه ما مضى وتأخَّرا
وجاهدت حتَّى ما أحسّ ومن معي * * * سهيلاً إذا ما لاح ثُمَّ تغورا

يريد: أنِّي كنت بالشام وسهيل لا يكاد يُرى هناك، وهذا بيت معنى(1453)، وفيها يقول:

ونحن أُناس لا نعود خيلنا * * * إذا ما التقينا أنْ تحيد وتنفرا
ونُنكِر يوم الروع ألوان خيلنا * * * من الطعن حتَّى تحسب الجون أشقرا(1454)
وليس بمعروف لنا أنْ نردَّها * * * صحاحاً ولا مستنكراً أنْ تعقرا

وأخبرنا المرزباني قال: أنشدنا عليُّ بن سليمان الأخفش، قال: أنشدنا أحمد ابن يحيى، قال: أنشدني محمّد بن سلام وغيره للنابغة الجعدي:

تلوم على هلك البعير ظعينتي * * * وكنت على لوم العواذل زاريا
ألم تعلمي أنِّي رزئت محارباً * * * فما لك منه اليوم شيئاً ولا ليا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1452) هذا البيت ليس في المصدر.
(1453) في المصدر: (معين) بدل (معنى).
(1454) في المصدر: (أحمرا) بدل (أشقرا).

(٤٤٩)

ومن قبله ما قد رزئت بوحوح * * * وكان ابن أُمِّي والخليل المصافيا
فتى كملت خيراته(1455) غير أنَّه * * * جواد فما يُبقي من المال باقيا
فتى تمَّ فيه ما يسرُّ صديقه * * * على أنَّ فيه ما يسوء الأعاديا
أشمّ طويل الساعدين سميدع * * * إذا لم يرح للمجد أصبح غاديا

السميدع: السيِّد.
وممَّا يُروى للنابغة الجعدي:

عقيليَّة أو من هلال ابن عامر * * * بذي الرمث من وادي المنار(1456) خيامها
إذا ابتسمت في البيت(1457) والليل دونها * * * أضاء دجى الليل البهيم ابتسامها

وذكر الأصمعي، عن أبي عمرو بن العلاء، قال: سُئِلَ الفرزدق بن غالب عن النابغة الجعدي، فقال: صاحب خلقان، يكون عنده مطرف بألف [دينار](1458) وخمار بواف، قال الأصمعي: وصدق الفرزدق، بينا النابغة في كلام أسهل من الزلال وأشدّ من الصخر إذ لان وذهب، ثُمَّ أنشد له:

سما لك همٌّ ولم تطرب * * * وبتَّ ببثٍّ ولم تنصبِ
وقالت سليمى أرى رأسه * * * كناصية الفرس الأشهبِ
وذلك من وقعات(1459) المنون * * * ففيئي إليكِ ولا تعجبي

قال: ثُمَّ يقول بعدها:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1455) في المصدر: (أخلاقه) بدل (خيراته).
(1456) في المصدر: (المياه) بدل (المنار).
(1457) في المصدر: (الليل) بدل (البيت).
(1458) من المصدر.
(1459) في المصدر: (دفعات) بدل (وقعات).

(٤٥٠)

أتين على إخوة سبعة * * * وعدن عليَّ ربعي الأقربِ

ثُمَّ يقول بعدها:

فأدخلك الله برد الجنان * * * جذلان في مدخل طيِّبِ

فألان كلامه حتَّى لو أنَّ أبا الشمقمق قال هذا البيت كان رديئاً ضعيفاً.
قال الأصمعي: وطريق الشعر إذا أدخلته في باب الخير لان، ألَا ترى أنَّ حسَّان بن ثابت كان علا(1460) في الجاهليَّة والإسلام، فلمَّا أدخل شعره في باب الخير من مراثي النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحمزة وجعفر وغيرهما لان شعره(1461)؟
ثُمَّ قال(1462) (رضي الله عنه): إنْ سأل سائل فقال: كيف يصحُّ ما أوردتموه من تطاول الأعمار وامتدادها، وقد علمتم أنَّ كثيراً من الناس يُنكِر ذلك ويحيله ويقول: إنَّه لا قدرة عليه ولا سبيل إليه، ومنهم من ينزل في إنكاره درجة فيقول: إنَّه وإنْ كان جائزاً من طريق القدرة والإمكان فإنَّه ممَّا يُقطَع على انتفائه لكونه خارقاً للعادات، فإنَّ العادات إذا وثق الدليل بأنَّها لا تنخرق إلَّا على سبيل الإبانة والدلالة على صدق نبيٍّ من الأنبياء (عليهم السلام) عُلِمَ أنَّ جميع ما روي من زيادة الأعمار على العادة باطل مصنوع لا يُلتَفت إلى مثله.
الجواب: قيل له: أمَّا من أبطل تطاول الأعمار من حيث الإحالة وأخرجه عن باب الإمكان، فقوله ظاهر الفساد، لأنَّه لو علم ما العمر في الحقيقة وما المقتضي لدوامه إذا دام وانقطاعه متى انقطع، لعلم من جواز امتداده ما علمناه، والعمر هو استمرار كون من يجوز أنْ يكون حيًّا، وغير حيٍّ حيًّا، وإنْ شئت أنْ تقول: هو استمرار كون الحيِّ الذي لكونه على هذه الصفة ابتداءً حيًّا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1460) في المصدر: (عليه) بدل (علا).
(1461) أمالي المرتضى (ج 1/ ص 185 - 195/ مجلس 18).
(1462) أي قال المرتضى (رحمه الله).

(٤٥١)

وإنَّما شرطنا الاستمرار لأنَّه يبعد(1463) أنْ يُوصَف من كان في حالة واحدة حيًّا بأنَّ له عمراً، بل لا بدَّ من أنْ يراعوا في ذلك ضرباً من الامتداد والاستمرار وإنْ قلَّ.
وشرطنا أنْ يكون ممَّن يجوز أنْ يكون غير حيٍّ أو يكون لكونه حيًّا ابتداءً، احترازاً من أنْ يلزم القديم تعالى جلَّت عظمته ممَّن لا يُوصَف بالعمر وإنْ استمرَّ كونه حيًّا.
فقد علمنا أنَّ المختصَّ بفعل الحياة هو القديم تعالى، وفيما تحتاج إليه الحياة من البنية ومن المعاني ما يختصُّ به (جلَّ وعزَّ)، ولا يدخل إلَّا تحت مقدوره تعالى، كالرطوبة وما جرى مجراها، فمتى فعل القديم تعالى الحياة وما تحتاج إليه من البنية وهي ممَّا يجوز عليه البقاء وكذلك ما تحتاج إليه، فليس ينتفى إلَّا بضدٍّ يطرأ عليها أو بضدٍّ ينفي ما تحتاج إليه. والأقوى أنَّه لا بضدٍّ لها في الحقيقة، وربَّما ادَّعى قوم أنَّه ما تحتاج إليه، ولو كان للحياة ضدٌّ على الحقيقة لم يخل بما نقصده في هذا الباب.
فمهما لم يفعل القديم تعالى ضدَّها أو ضدَّ ما تحتاج إليه، ولا نقض ناقض بنية الحيِّ استمرَّ كون الحيِّ حيًّا، ولو كانت الحياة أيضاً لا تبقى على مذهب من رأى ذلك لكان ما قصدناه صحيحاً، لأنَّه تعالى قادر على أنْ يفعلها حالاً فحالاً ويوالي بين فعلها وبين فعل ما تحتاج إليه فيستمرُّ كون الحيِّ حيًّا.
فأمَّا ما يعرض من الهرم بامتداد الزمان وعلوِّ السنِّ وتناقص بنية الإنسان فليس ممَّا لا بدَّ منه، وإنَّما أجرى الله تعالى العادة بأنْ يفعل ذلك عند تطاول الزمان، ولا إيجاب هناك، ولا تأثير للزمان على وجه من الوجوه، وهو تعالى قادر على أنْ لا يفعل ما أجرى العادة بفعله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1463) في المصدر: (يتعذَّر) بدل (يبعد).

(٤٥٢)

وإذا ثبتت هذه الجملة ثبت أنَّ تطاول العمر ممكن غير مستحيل، وإنَّما أبي(1464) من أحال ذلك من حيث اعتقد أنَّ استمرار كون الحيِّ حيًّا وجب عن طبيعة وقوَّة لهما مبلغ من المادَّة متى انتهتا إليه انقطعتا واستحال أنْ تدوما، فلو أضافوا ذلك إلى فاعل مختار متصرِّف لخرج عندهم من باب الاستحالة.
فأمَّا الكلام في دخول ذلك في العادة أو خروجه عنها فلا شكَّ في أنَّ العادة قد جرت في الأعمار بأقدار متقاربة يعدُّ الزائد عليها خارقاً للعادة إلَّا أنَّه قد ثبت أنَّ العادات قد تختلف في الأوقات وفي الأماكن أيضاً، ويجب أنْ يُراعى في العادات إضافتها إلى من هي عادة له في المكان والوقت.
وليس بممتنع أنْ يقلَّ ما كانت العادة جارية به على تدريج حتَّى يصير حدوثه خارقاً للعادة بغير خلاف، ولا أنْ يكثر الخارق للعادة حتَّى يصير حدوثه غير خارق لها على خلاف فيه، وإذا صحَّ ذلك لم يمتنع أنْ يكون العادات في الزمان الغابر كانت جارية بتطاول الأعمار وامتدادها ثُمَّ تناقص ذلك على تدريج حتَّى صارت عادتنا الآن جارية بخلافه، وصار ما بلغ مبلغ تلك الأعمار خارقاً للعادة، وهذا جملة فيما أوردناه كافية(1465).
أقول: وذكر الشيخ(1466) (رحمه الله) من المعمَّرين لقمان بن عاد وأنَّه عاش ثلاثة آلاف سنة وخمس مائة سنة، وقال: وفيه يقول الأعشى:

لنفسك إذ تختار سبعة أنسر * * * إذا ما مضى نسر خلدت إلى نسرِ
فعمَّر حتَّى خال أنَّ نسوره خلود * * * وهل تبقى النفوس على الدهرِ
وقال لأدناهنَّ إذ حلَّ ريشه * * * هلكت وأهلكت ابن عاد وما تدري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1464) في المصدر: (أُتِيَ).
(1465) أمالي المرتضى (ج 1/ ص 196 و197/ مجلس 19).
(1466) أي الشيخ الطوسي (رحمه الله).

(٤٥٣)

قال: ومنهم ربيع بن ضبع بن وهب بن بغيض بن مالك بن سعد بن عبس بن فزارة، عاش ثلاثمائة سنة وأربعين سنة، ثُمَّ ذكر ما مرَّ من قَصصه وأشعاره(1467).
ثُمَّ ذكر أكثم بن صيفي وأنَّه عاش ثلاثمائة سنة وثلاثين سنة، وذكر والده صيفي بن رباح أبا أكثم، وأنَّه عاش مائتين وسبعين سنة لا يُنكَر من عقله شيء، وهو المعروف بذي الحلم الذي قال فيه المتلمِّس اليشكري:

لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا * * * وما عُلِّم الإنسان إلَّا ليعلما

ومنهم: ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو، عاش مائتي سنة وعشرين سنة، ولم يشب قطُّ، وأدرك الإسلام ولم يسلم. وروى أبو حاتم والرياشي، عن العتبي، عن أبيه، قال: مات ضبيرة السهمي وله مائتا سنة وعشرون سنة، وكان أسود الشعر، صحيح الأسنان، ورثاه ابن عمِّه قيس بن عدي، فقال:

من يأمن الحدثان بعد * * * ضبيرة السهمي ماتا
سبقت منيَّته المشيب * * * وكان منيَّته(1468) افتلاتا
فتزوَّدوا لا تهلكوا * * * من دون أهلكم خفاتا

ومنهم: دريد بن الصمة الجشمي، عاش مائتي سنة وأدرك الإسلام ولم يسلم، وكان أحد قوَّاد المشركين يوم حنين ومقدَّمهم(1469)، حضر حرب النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقُتِلَ يومئذٍ.
ومنهم: محصن بن غسَّان بن ظالم الزبيدي، عاش مائتي سنة وستاً وخمسين سنة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1467) الغيبة للطوسي (ص 114/ ح 87).
(1468) في المصدر: (ميتته).
(1469) في المصدر: (مقدَّمتهم).
(1470) كلمة: (قد) ليست في المصدر.

(٤٥٤)

ومنهم: عمرو بن حممة الدوسي، عاش أربعمائة سنة، وهو الذي يقول:

كبرت وطال العمر حتَّى * * * كأنَّني سليم أفاع ليلة غير مودعِ
فما الموت أفناني ولكن تتابعت * * * عليَّ سنون من مصيف ومربعِ
ثلاث مآت قد مررن كواملاً * * * وها أنا ذا [قد](1470) أرتجي منه أربعِ

ومنهم: الحارث بن مضاض الجرهمي، عاش أربعمائة سنة، وهو القائل(1471):

كأنْ لم يكن بين الحجون إلى * * * الصفا أنيس ولم يسمر بمكَّة سامرُ
بلى نحن كنَّا أهلها فأبادنا * * * صروف الليالي والجدود العواثرُ

ومنهم: عبد المسيح بن بقيلة الغسَّاني، ذكر الكلبي وأبو عبيدة وغيرهما أنَّه عاش ثلاثمائة سنة وخمسين سنة، وذكر من أحواله وأشعاره نحواً ممَّا مرَّ(1472).
ثُمَّ ذكر النابغة الجعدي، وأبا الطمحان القيني، وذا الإصبع العدواني، وزهير بن جنب ودويد بن نهد، والحارث بن كعب، وأحوالهم وأقوالهم نحواً ممَّا مرَّ في كلام السيِّد (رضي الله عنهما)(1473).
ثُمَّ قال: فهذا طرف من أخبار المعمَّرين من العرب، واستيفاؤه في الكُتُب المصنَّفة في هذا المعنى موجود.
وأمَّا الفرس فإنَّها تزعم أنَّ فيما تقدَّم من ملوكها جماعة طالت أعمارهم، فيروون أنَّ الضحَّاك صاحب الحيَّتين عاش ألف سنة ومائتي سنة، وإفريدون العادل عاش فوق الألف سنة، ويقولون: إنَّ المَلِك الذي أحدث المهرجان(1474)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1471) في سيرة ابن هشام (ج 1/ ص 75) أنَّ قائلها عمرو بن الحارث [بن عمرو] بن مضاض.
(1472) الغيبة للطوسي (ص 115 - 118/ ح 87).
(1473) الغيبة للطوسي (ص 118 - 122/ ح 122).
(1474) المهرجان معرَّب (مهركان) من أعياد الفرس القديمة، ستَّة أيَّام من برج الميزان من اليوم السادس عشر إلى الحادي والعشرين.

(٤٥٥)

عاش ألف(1475) سنة وخمسمائة استتر منها عن قومه ستّمائة سنة، وغير ذلك ممَّا هو موجود في تواريخهم وكُتُبهم لا نطوِّل بذكرها، فكيف يقال: إنَّ ما ذكرناه في صاحب الزمان خارج عن العادات؟
ومن المعمَّرين من العرب يعرب بن قطحان، واسمه ربيعة، أوَّل من تكلَّم بالعربيَّة، ملك مائتي سنة على ما ذكره أبو الحسن النسَّابة الأصفهاني في كتاب الفرع والشجر، وهو أبو اليمن كلِّها، وهو منها كعدنان إلَّا شاذًّا نادراً.
ومنهم: عمرو بن عامر مزيقيا، روى الأصفهاني عن عبد المجيد بن أبي عبس الأنصاري والشرقي بن قطامي أنَّه عاش ثمانمائة سنة، ثُمَّ ذكر نحواً ممَّا مرَّ في كلام الصدوق (رحمه الله)(1476).
ثُمَّ قال: وقيل(1477): إنَّما سُمِّي مزيقيا لأنَّ على عهده تمزَّقت الأزد فصاروا إلى أقطار الأرض، وكان ملك أرض سبأ، فحدَّثته الكُهَّان أنَّ الله يُهلِكها بالسيل العرم، فاحتال حتَّى باع ضياعه وخرج فيمن أطاعه من أولاده قبل السيل العرم، ومنه انتشرت الأزد كلُّها، والأنصار من ولده.
ومنهم: جلهمة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن يعرب، ويقال لجلهمة: طيئ، وإليه يُنسَب طيئ كلُّها، وله خبر يطول شرحه، وكان له ابن أخ يقال له: يحابر بن مالك بن أدد، كان قد أتى على كلِّ واحدٍ منهما خمسمائة سنة، ووقع بينهما ملاحاة بسبب المرعى، فخاف جلهمة هلاك عشيرته، فرحل عنه وطوى المنازل فسُمِّي طيئاً، وهو صاحب أجأ وسلمى جبلين لطيئ(1478)، ولذلك خبر يطول معروف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1475) في المصدر: (ألفي).
(1476) الغيبة للطوسي (ص 123 و124).
(1477) نقله ابن إسحاق في السيرة عن أبي زيد الأنصاري.
(1478) في المصدر: (بطيء).

(٤٥٦)

ومنهم: عمرو بن لحي(1479)، وهو ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقيا في قول علماء خزاعة، كان رئيس خزاعة في حرب خزاعة وجرهم، وهو الذي سنَّ السائبة والوصيلة والحام، ونقل صنمين وهما هُبَل ومناة من الشام إلى مكَّة فوضعهما للعبادة، فسلَّم هُبَل إلى خزيمة بن مدركة، فقيل: هُبَل خزيمة، وصعد على أبي قبيس ووضع مناة بالمشلّل(1480)، وقَدِمَ بالنرد، وهو أوَّل من أدخلها مكَّة، فكانوا يلعبون بها في الكعبة غدوةً وعشيَّةً.
فَرُويَ عَن النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّهُ قَالَ: «رُفِعَتْ إِلَيَّ النَّارُ، فَرَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ رَجُلاً قَصِيراً أَحْمَرَ أَزْرَقَ يَجُرُّ قُصْبَهُ(1481) فِي النَّار، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ»، وَكَانَ يَلي مِنْ أَمْر الْكَعْبَةِ مَا كَانَ يَلِيهِ جُرْهُمُ قَبْلَهُ حَتَّى هَلَكَ(1482).
ووجدت بخطِّ الشريف الأجلِّ الرضي أبي الحسن محمّد بن الحسين الموسوي (رضي الله عنه) تعليقاً في تقاويم جمعها مؤرَّخاً بيوم الأحد الخامس عشر من المحرَّم سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة أنَّه ذُكِرَ له حال شيخ بالشام قد جاوز المائة وأربعين سنة، فركبت إليه حتَّى تأمَّلته وحملته إلى القرب من داري بالكرخ، وكان أُعجوبة شاهد الحسن بن عليِّ بن محمّد بن الرضا (عليهم السلام)، ووصف صفته، إلى غير ذلك من العجائب التي شاهدها(1483).
[وقال الكراجكي (رحمه الله) في كنز الفوائد: إنَّ أهل الملل كلَّها متَّفقون على جواز امتداد الأعمار وطولها، وقد تضمَّنت التوراة من الإخبار بذلك ما ليس بينهم فيه تنازع، وفيها أنَّ آدم (علیه السلام) عاش تسعمائة وثلاثين سنة، وعاش شيث تسعمائة واثنتي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1479) وفي السيرة: (عمرو بن لحى بن قمعة بن خندق).
(1480) في المصدر: (بالمسلّل).
(1481) القصب: الأمعاء.
(1482) الغيبة للطوسي (ص 124 و125/ ح 87 و88).
(1483) لم نعثر على خطِّ السيِّد الرضي هذا.

(٤٥٧)

عشرة سنة، وعاش أنوش تسعمائة وخمساً وستِّين سنة، وعاش قنيان(1484) تسعمائة سنة وعشر سنين، وعاش مهلائيل ثمانمائة وخمساً وتسعين سنة، وعاش برد تسعمائة واثنتين وستِّين سنة، وعاش أخنوخ وهو إدريس (علیه السلام) تسعمائة وخمساً وستِّين سنة، وعاش متوشلح تسعمائة وتسعاً وستِّين سنة، وعاش لمك سبع مائة وسبعاً وستِّين سنة، وعاش نوح تسعمائة وخمسين، وعاش سام ستّمائة وتسعين سنة، وعاش أرفخشاو(1485) أربعمائة وثماني وتسعين سنة، وعاش شالخ أربعمائة وثلاثاً وتسعين سنة، وعاش عابر(1486) ثمانمائة وسبعين سنة، وعاش فالغ(1487) مائتين وتسعاً وتسعين سنة، وعاش أرغو مائتين وستِّين سنة، وعاش باحور مائة وستًّا وأربعين سنة، وعاش تارخ مائتين وثمانين سنة، وعاش إبراهيم (علیه السلام) مائة وخمساً وسبعين سنة، وعاش إسماعيل (علیه السلام) مائة وسبعاً وثلاثين سنة، وعاش إسحاق (علیه السلام) مائة وثمانين سنة.
فهذا ما تضمَّنته التوراة ممَّا ليس بين اليهود والنصارى اختلاف، وقد تضمَّنت نظيره شريعة الإسلام، ولم نجد أحداً من علماء المسلمين يخالفه أو يعتقد فيه البطلان، بل قد أجمعوا من جواز طول الأعمار على ما ذكرناه.
ثُمَّ قال: ومن المعمَّرين عمرو بن حممة الدوسي عاش أربعمائة سنة، قال أبو روق(1488): حدَّثنا الرياشي(1489)، عن عمرو بن بكير، عن الهيثم بن عدي، عن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1484) في المصدر: (قينان).
(1485) في المصدر: (أرفخشاد).
(1486) في المصدر: (غابر).
(1487) في المصدر: (فالخ).
(1488) في المطبوعة: (أبو أرق)، وما أثبتناه من المصدر، وهو أحمد بن محمّد بن بكر أبو روق الهِزَّاني، ترجم له ابن حجر في لسان الميزان (ص 279)، وأرَّخ وفاته عام (324هـ). وراجع: الأنساب للسمعاني (ج 5/ ص 640).
(1489) هو العبَّاس بن الفرج أبو الفضل الرياشي اللغوي النحوي، ترجم له السيوطي في بغيبة الوعاة (ج 2/ ص 27)، وأرَّخ وفاته عام (257هـ). وراجع: الأنساب للسمعاني (ج 3/ ص 111).

(٤٥٨)

مجالد، عن الشعبي، قال: كنَّا عند ابن عبَّاس في قبَّة زمزم وهو يفتي الناس، فقام إليه رجل، فقال له: لقد أفتيت أهل الفتوى فأفت أهل الشعر، قال: قل، قال: ما معنى قول الشاعر:

لذي الحلم قبل اليوم ما يقرع العصا * * * وما عُلِّم الإنسان إلَّا ليعلما

فقال: ذاك عمرو بن حممة الدوسي، قضى على العرب ثلاثمائة سنة، فلمَّا [كبر](1490) ألزموه، وقد رأى السادس أو السابع من ولد ولده، فقال: إنَّ فؤادي بضعة منِّي، فربَّما تغيَّر عليَّ اليوم والليلة مراراً، وأمثل ما أكون فهماً(1491) في صدر النهار، فإذا رأيتني قد تغيَّرت فاقرع العصا، فكان إذا رأى منه تغيُّراً قرع العصا فيراجعه فهمه، فقال المتلمِّس هذا البيت](1492).
أقول: إلى هنا انتهى ما أردت إيراده من أخبار المعمَّرين، وإنَّما أطلت في ذلك مع قلَّة الجدوى تبعاً للأصحاب، ولئلَّا يقال: هذا الكتاب عارٍ عن فوائدهم التي أوردوها في هذا الباب.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1490) كلمة: (كبر) ليست في المصدر.
(1491) في المصدر: (فيهما).
(1492) كنز الفوائد (ج 2/ ص 126).

(٤٥٩)

[330/1] الغيبة للطوسي: جَمَاعَةٌ، عَن الْحُسَيْن بْن عَلِيِّ بْن بَابَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْل بَلَدِنَا المُقِيمِينَ كَانُوا بِبَغْدَادَ فِي السَّنَةِ الَّتِي خَرَجَتِ الْقَرَامِطَةُ عَلَى الْحَاجِّ وَهِيَ سَنَةُ تَنَاثُر الْكَوَاكِبِ أنَّ وَالِدِي (رضي الله عنه) كَتَبَ إِلَى الشَّيْخ أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رُوح (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ) يَسْتَأذِنُ فِي الْخُرُوج إِلَى الْحَجِّ، فَخَرَجَ فِي الْجَوَابِ: «لَا تَخْرُجْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ»، فَأَعَادَ وَقَالَ: هُوَ نَذْرٌ وَاجِبٌ أَفَيَجُوزُ لِيَ الْقُعُودُ عَنْهُ؟ فَخَرَجَ فِي الْجَوَابِ: «إِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَكُنْ فِي الْقَافِلَةِ الْأَخِيرَةِ»، وَكَانَ فِي الْقَافِلَةِ الْأَخِيرَةِ فَسَلِمَ بِنَفْسِهِ، وَقُتِلَ مَنْ تَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَافِل الْأُخَر(1493).
[331/2] الغيبة للطوسي: رَوَى الشَّلْمَغَانِيُّ فِي كِتَابِ الْأَوْصِيَاءِ: أَبُو جَعْفَرٍ المَرْوَزِيُّ، قَالَ: خَرَجَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن عُمَرَ وَجَمَاعَةٌ إِلَى الْعَسْكَر وَرَأوْا أَيَّامَ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) فِي الْحَيَاةِ، وَفِيهِمْ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْن طَنِينٍ، فَكَتَبَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن عُمَرَ يَسْتَأذِنُ فِي الدُّخُولِ إِلَى الْقَبْر، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ: لَا تَكْتُبْ اسْمِي فَإنِّي لَا أَسْتَأذِنُ، فَلَمْ يَكْتُبْ اسْمَهُ، فَخَرَجَ إِلَى جَعْفَرٍ: «ادْخُلْ أَنْتَ وَمَنْ لَمْ يَسْتَأذِنْ»(1494).
[332/3] الخرائج والجرائح: رُويَ عَنْ حَكِيمَةَ، قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً مِنْ ولَادَةِ نَرْجِسَ، فَإذَا مَوْلَانَا صَاحِبُ الزَّمَان يَمْشِي فِي الدَّار، فَلَمْ أَرَ لُغَةً أَفْصَحَ مِنْ لُغَتِهِ، فَتَبَسَّمَ أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَقَالَ: «إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَئِمَّةِ نَنْشَأُ فِي يَوْم كَمَا يَنْشَأُ غَيْرُنَا فِي سَنَةٍ»، قَالَتْ: ثُمَّ كُنْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَسْأَلُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَنْهُ، فَقَالَ: «اسْتَوْدَعْنَاهُ الَّذِي اسْتَوْدَعَتْهُ أُمُّ مُوسَى وَلَدَهَا»(1495).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1493) الغيبة للطوسي (ص 322/ ح 270).
(1494) الغيبة للطوسي (ص 343/ ح 293)، وفيه: (جعفر بن محمّد بن عمرو).
(1495) الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 466/ فصل في معجزات صاحب الزمان (علیه السلام)/ ح 12).

(٤٦٣)

[333/4] الخرائج والجرائح: رُويَ عَنْ مُحَمَّدِ بْن هَارُونَ الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: كَانَ(1496) عَلَيَّ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ وَضِقْتُ بِهَا ذَرْعاً، ثُمَّ قُلْتُ فِي نَفْسِي: لِي حَوَانِيتُ اشْتَرَيْتُهَا بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ وَثَلَاثِينَ دِينَاراً قَدْ جَعَلْتُهَا لِلنَّاحِيَةِ بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَا وَاللهِ مَا نَطَقْتُ بِذَلِكَ وَلَا قُلْتُ، فَكَتَبَ (علیه السلام) إِلَى مُحَمَّدِ بْن جَعْفَرٍ: «اقْبِض الْحَوَانِيتَ مِنْ مُحَمَّدِ بْن هَارُونَ بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ الَّتِي لَنَا عَلَيْهِ»(1497).
[334/5] الخرائج والجرائح: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الشَّاشِيُّ: أَنَّنِي لَـمَّا انْصَرَفْتُ مِنَ الْعِرَاقِ كَانَ عِنْدَنَا رَجُلٌ بِمَرْوَ يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُصَيْن الْكَاتِبُ، وَقَدْ جَمَعَ مَالاً لِلْغَريم.
قَالَ: فَسَأَلَنِي عَنْ أَمْرهِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُهُ مِنَ الدَّلَائِل، فَقَالَ: عِنْدِي مَالٌ لِلْغَريم، فَمَا تَأمُرُني؟
فَقُلْتُ: وَجِّهْ(1498) إِلَى حَاجِزٍ، فَقَالَ لِي: فَوْقَ حَاجِزٍ أَحَدٌ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ الشَّيْخُ، فَقَالَ: إِذَا سَأَلَنِي اللهُ عَنْ ذَلِكَ أَقُولُ: إِنَّكَ أَمَرْتَنِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَقِيتُهُ بَعْدَ سِنِينَ، فَقَالَ: هُوَ ذَا أَخْرُجُ إِلَى الْعِرَاقِ وَمَعِي مَالٌ لِلْغَريم، وَأُعْلِمُكَ أَنِّي وَجَّهْتُ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ عَلَى يَدِ الْعَابِدِ(1499) بْن يَعْلَى الْفَارسِيِّ وَأَحْمَدَ بْن عَلِيٍّ الْكُلْثُومِيِّ، وَكَتَبْتُ إِلَى الْغَريم بِذَلِكَ، وَسَأَلْتُهُ الدُّعَاءَ، فَخَرَجَ الْجَوَابُ بِمَا وَجَّهْتُ، ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ قِبَلي أَلْفُ دِينَارٍ وَأَنِّي وَجَّهْتُ إِلَيْهِ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ لِأَنِّي شَكَكْتُ [وَ](1500) أنَّ الْبَاقِيَ لَهُ عِنْدِي، فَكَانَ كَمَا وَصَفَ، قَالَ(1501): «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تُعَامِلَ أَحَداً فَعَلَيْكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1496) في المصدر إضافة: (للناحية).
(1497) الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 472/ فصل في معجزات صاحب الزمان (علیه السلام)/ ح 16).
(1498) في المصدر: (وجِّهه).
(1499) في المصدر: (العامر) بدل (العابد).
(1500) من المصدر.
(1501) في المصدر: (وقال).

(٤٦٤)

بِأَبِي الْحُسَيْن الْأَسَدِيِّ بِالرَّيِّ»، فَقُلْتُ: أَكَانَ كَمَا كَتَبَ إِلَيْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَجَّهْتُ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ لِأَنِّي شَكَكْتُ، فَأَزَالَ اللهُ عَنِّي ذَلِكَ، فَوَرَدَ مَوْتُ حَاجِزٍ بَعْدَ يَوْمَيْن أَوْ ثَلَاثَةٍ، فَصِرْتُ إِلَيْهِ وَأَخْبَرْتُهُ بِمَوْتِ حَاجِزٍ، فَاغْتَمَّ، فَقُلْتُ: لَا تَغْتَمَّ فَإنَّ ذَلِكَ(1502) فِي تَوْقِيعِهِ إِلَيْكَ وَإِعْلَامِهِ أَنَّ المَالَ أَلْفُ دِينَارٍ، وَالثَّانِيَةُ أَمْرُهُ بِمُعَامَلَةِ الْأَسَدِيِّ لِعِلْمِهِ بِمَوْتِ حَاجِزٍ(1503).
[335/6] الخرائج والجرائح: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْن أنَّ التَّمِيمِيَّ حَدَّثَنِي عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْل أَسْتَرْآبَادَ(1504)، قَالَ: صِرْتُ إِلَى الْعَسْكَر وَمَعِي ثَلَاثُونَ دِينَاراً فِي خِرْقَةٍ، مِنْهَا دِينَارٌ شَامِيٌّ، فَوَافَيْتُ الْبَابَ، وَإِنِّي لَقَاعِدٌ إِذْ خَرَجَ إِلَيَّ جَاريَةٌ أَوْ غُلَامٌ - الشَّكُّ مِنِّي -، قَالَ: هَاتِ مَا مَعَكَ، قُلْتُ: مَا مَعِي شَيْءٌ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ وَقَالَ: مَعَكَ ثَلَاثُونَ دِينَاراً فِي خِرْقَةٍ خَضْرَاءَ، مِنْهَا دِينَارٌ شَامِيٌّ وَخَاتَمٌ - كُنْتَ نَسِيتَهُ(1505) -، فَأَوْصَلْتُهُ إِلَيْهِ، وَأَخَذْتُ الْخَاتَمَ(1506).
[336/7] الخرائج والجرائح: رُويَ عَنْ مَسْرُورٍ الطَّبَّاخ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى الْحَسَن بْن رَاشِدٍ لِضِيقَةٍ أَصَابَتْنِي، فَلَمْ أَجِدْهُ فِي الْبَيْتِ، فَانْصَرَفْتُ، فَدَخَلْتُ مَدِينَةَ أَبِي جَعْفَرٍ، فَلَمَّا صِرْتُ فِي الرَّحْبَةِ حَاذَانِي رَجُلٌ لَمْ أَرَ وَجْهَهُ، وَقَبَضَ عَلَى يَدِي وَدَسَّ إِلَيَّ(1507) صُرَّةً بَيْضَاءَ، فَنَظَرْتُ فَإذَا عَلَيْهَا كِتَابَةٌ فِيهَا اثْنَا عَشَرَ دِينَاراً، وَعَلَى الصُّرَّةِ مَكْتُوبٌ: مَسْرُورٌ الطَّبَّاخُ(1508).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1502) في المصدر إضافة: (دلالة لك).
(1503) الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 695/ فصل في أعلام الإمام/ ح 10).
(1504) في المصدر: (أسدآباد).
(1505) في المصدر: (تمنَّيته) بدل (نسيته).
(1506) الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 696/ فصل في أعلام الإمام/ ح 11).
(1507) في المصدر: (فيها) بدل (إليَّ).
(1508) الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 697/ فصل في أعلام الإمام/ ح 12).

(٤٦٥)

[337/8] الخرائج والجرائح: عَنْ مُحَمَّدِ بْن شَاذَانَ، قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدِي خَمْسُمِائَةِ دِرْهَم نَاقِصَةً عِشْرينَ، فَأَتْمَمْتُهَا(1509) مِنْ عِنْدِي وَبَعَثْتُ بِهَا إِلَى مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ الْقُمِّيِّ، وَلَمْ أَكْتُبْ كَمْ لِي مِنْهَا، فَأَنْفَذَ إِلَيَّ كِتَابَهُ: «وَصَلَتْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَم لَكَ فِيهَا عِشْرُونَ دِرْهَماً»(1510).
[338/9] الخرائج والجرائح: رُويَ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ المَحْمُودِيِّ، قَالَ: وُلِّينَا دِينَوَرَ مَعَ جَعْفَر بْن عَبْدِ الْغَفَّار، فَجَاءَنِي الشَّيْخُ قَبْلَ خُرُوجِنَا، فَقَالَ: إِذَا أَرَدْتَ الرَّيَّ فَافْعَلْ كَذَا(1511)، فَلَمَّا وَافَيْنَا دِينَوَرَ وَرَدَتْ عَلَيْهِ وَلَايَةُ الرَّيِّ بَعْدَ شَهْرٍ، فَخَرَجْتُ إِلَى الرَّيِّ، فَعَمِلْتُ مَا قَالَ لِي(1512).
[339/10] الخرائج والجرائح: رُويَ عَنْ غِلَالِ(1513) بْن أَحْمَدَ، عَنْ أَبِي الرَّجَاءِ الْمِصْريِّ وَكَانَ أَحَدَ الصَّالِحِينَ، قَالَ: خَرَجْتُ فِي الطَّلَبِ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ كَانَ شَيْءٌ لَظَهَرَ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ، فَسَمِعْتُ صَوْتاً وَلَمْ أَرَ شَخْصاً: «يَا نَصْرَ بْنَ عَبْدِ رَبِّهِ، قُلْ لِأَهْل مِصْرَ: هَلْ رَأَيْتُمْ رَسُولَ اللهِ فَآمَنْتُمْ بِهِ؟»، قَالَ أَبُو رَجَاءٍ: لَمْ أَعْلَمْ أنَّ اسْمَ أَبِي عَبْدُ رَبِّهِ، وَذَلِكَ أَنِّي وُلِدْتُ بِالمَدَائِن، فَحَمَلَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ النَّوْفَلِيُّ إِلَى مِصْرَ، فَنَشَأتُ بِهَا، فَلَمَّا سَمِعْتُ الصَّوْتَ لَمْ أَعْرجْ عَلَى شَيْءٍ وَخَرَجْتُ(1514).
[340/11] الخرائج والجرائح: رُويَ عَنْ أَحْمَدَ بْن أَبِي رَوْح، قَالَ: وُجِّهْتُ إِلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَهْل دِينَوَرَ، فَأَتَيْتُهَا، فَقَالَتْ: يَا بْنَ أَبِي رَوْح، أَنْتَ أَوْثَقُ مَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1509) في المصدر: (اجتمعت عندي خمسمائة درهم تنقص عشرون درهماً فأتممتها).

(1510) الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 697/ فصل في أعلام الإمام/ ح 14).
(1511) في المصدر: (كذا وكذا).
(1512) الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 698/ فصل في أعلام الإمام/ ح 15).
(1513) في المصدر: (علَّان).
(1514) الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 698/ فصل في أعلام الإمام/ ح 16).

(٤٦٦)

فِي نَاحِيَتِنَا دِيناً وَوَرَعاً، وَإِنِّي أُريدُ أَنْ أُوَدِّعَكَ أَمَانَةً أَجْعَلَهَا فِي رَقَبَتِكَ تُؤَدِّيهَا وَتَقُومُ بِهَا، فَقُلْتُ: أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَقَالَتْ: هَذِهِ دَرَاهِمُ فِي هَذَا الْكِيس المَخْتُوم لَا تَحُلَّهُ وَلَا تَنْظُرْ فِيهِ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ إِلَى مَنْ يُخْبِرُكَ بِمَا فِيهِ، وَهَذَا قُرْطِي يُسَاوي(1515) عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، وَفِيهِ ثَلَاثُ حَبَّاتٍ يُسَاوي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، وَلِي إِلَى صَاحِبِ الزَّمَان حَاجَةٌ أُريدُ أَنْ يُخْبِرَني بِهَا قَبْلَ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهَا، فَقُلْتُ: وَمَا الْحَاجَةُ؟ قَالَتْ: عَشَرَةُ دَنَانِيرَ اسْتَقْرَضَتْهَا أُمِّي فِي عُرْسِي لَا أَدْري مِمَّن اسْتَقْرَضَتْهَا وَلَا أَدْري إِلَى مَنْ أَدْفَعُهَا، فَإنْ أَخْبَرَكَ بِهَا فَادْفَعْهَا إِلَى مَنْ يَأمُرُكَ بِهَا.
قَالَ: [فَقُلْتُ فِي نَفْسِي](1516): وَكَيْفَ أَقُولُ لِجَعْفَر بْن عَلِيٍّ(1517)؟ فَقُلْتُ: هَذِهِ الْمِحْنَةُ(1518) بَيْني وَبَيْنَ جَعْفَر بْن عَلِيٍّ، فَحَمَلْتُ المَالَ وَخَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ بَغْدَادَ، فَأَتَيْتُ حَاجِزَ بْنَ يَزيدَ الْوَشَّاءَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَجَلَسْتُ، قَالَ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟ قُلْتُ: هَذَا مَالٌ دُفِعَ إِلَيَّ لَا أَدْفَعُهُ إِلَيْكَ حَتَّى تُخْبِرَني كَمْ هُوَ وَمَنْ دَفَعَهُ إِلَيَّ؟ فَإنْ أَخْبَرْتَنِي دَفَعْتُهُ إِلَيْكَ، قَالَ: يَا أَحْمَدَ(1519) بْنَ أَبِي رَوْح، تَوَجَّهْ بِهِ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأى، فَقُلْتُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، لَهَذَا أَجَلُّ شَيْءٍ أَرَدْتُهُ، فَخَرَجْتُ وَوَافَيْتُ سُرَّ مَنْ رَأى، فَقُلْتُ: أَبْدَأُ بِجَعْفَرٍ، ثُمَّ تَفَكَّرْتُ فَقُلْتُ: أَبْدَأُ بِهِمْ فَإنْ كَانَتِ الْمِحْنَةُ مِنْ عِنْدِهِمْ وَإِلَّا مَضَيْتُ إِلَى جَعْفَرٍ، فَدَنَوْتُ مِنْ دَار أَبِي مُحَمَّدٍ، فَخَرَجَ إِلَيَّ خَادِمٌ، فَقَالَ: أَنْتَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَوْح؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: هَذِهِ الرُّقْعَةُ اقْرَأهَا، فَإذَا فِيهَا مَكْتُوبٌ: «بِسْم اللهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم، يَا بْنَ أَبِي رَوْح أَوْدَعَتْكَ عَاتِكَةُ بِنْتُ الدَّيْرَانِيِّ كِيساً فِيهِ أَلْفُ دِرْهَم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1515) في المصدر: (ثلاث حبَّات لؤلؤ تساوي).
(1516) ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.
(1517) في المصدر: (بجعفر بن عليٍّ).
(1518) في المصدر: (المحبَّة).
(1519) في المصدر: (قال: لم أُؤمر بأخذه وهذه رقعة جاءتني بأمرك فإذا فيها: «لا تقبل من أحمد»).

(٤٦٧)

بِزَعْمِكَ، وَهُوَ خِلَافُ مَا تَظُنُّ، وَقَدْ أَدَّيْتَ فِيهِ الْأَمَانَةُ وَلَمْ تَفْتَح الْكِيسَ وَلَمْ تَدْر مَا فِيهِ، وَفِيهِ أَلْفُ دِرْهَم وَخَمْسُونَ دِينَاراً(1520)، وَمَعَكَ قُرْطٌ زَعَمَتِ المَرْأَةُ أَنَّهُ يُسَاوي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، صَدَقَتْ مَعَ الْفَصَّيْن اللَّذَيْن فِيهِ، وَفِيهِ ثَلَاثُ حَبَّاتِ لُؤْلُؤٍ شِرَاؤُهَا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَتُسَاوي أَكْثَرَ، فَادْفَعْ ذَلِكَ إِلَى خَادِمَتِنَا إِلَى فُلَانَةَ فَإنَّا قَدْ وَهَبْنَاهُ لَهَا، وَصِرْ إِلَى بَغْدَادَ وَادْفَع المَالَ إِلَى الْحَاجِز وَخُذْ مِنْهُ مَا يُعْطِيكَ لِنَفَقَتِكَ إِلَى مَنْزلِكَ، وَأَمَّا عَشَرَةُ الدَّنَانِير الَّتِي زَعَمَتْ أَنَّ أُمَّهَا اسْتَقْرَضَتْهَا فِي عُرْسِهَا وَهِيَ لَا تَدْري مَنْ صَاحِبُهَا، بَلْ هِيَ تَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ، [هِيَ](1521) لِكُلْثُوم بِنْتِ أَحْمَدَ، وَهِيَ نَاصِبِيَّةٌ، فَتَحَرَّجَتْ أَنْ تُعْطِيَهَا، وَأَحَبَّتْ(1522) أَنْ تَقْسِمَهَا فِي أَخَوَاتِهَا، فَاسْتَأذَنَتْنَا فِي ذَلِكَ، فَلْتُفَرِّقْهَا فِي ضُعَفَاءِ أَخَوَاتِهَا، وَلَا تَعُودَنَّ يَا بْنَ أَبِي رَوْح إِلَى الْقَوْلِ بِجَعْفَرٍ وَالْمِحْنَةِ(1523) لَهُ، وَارْجِعْ إِلَى مَنْزلِكَ فَإنَّ عَمَّكَ قَدْ مَاتَ وَقَدْ رَزَقَكَ(1524) اللهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ».
فَرَجَعْتُ إِلَى بَغْدَادَ، وَنَاوَلْتُ الْكِيسَ حَاجِزاً، فَوَزَنَهُ فَإذَا فِيهِ أَلْفُ دِرْهَم وَخَمْسُونَ دِينَاراً، فَنَاوَلَنِي ثَلَاثِينَ دِينَاراً وَقَالَ: أُمِرْتُ بِدَفْعِهَا إِلَيْكَ لِنَفَقَتِكَ، فَأَخَذْتُهَا وَانْصَرَفْتُ إِلَى المَوْضِع الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، وَقَدْ جَاءَنِي مَنْ يُخْبِرُني أَنَّ عَمِّي قَدْ مَاتَ(1525)، وَأَهْلِي يَأمُرُونِّي بِالْاِنْصِرَافِ إِلَيْهِمْ، فَرَجَعْتُ فَإذَا هُوَ قَدْ مَاتَ وَوَرثْتُ مِنْهُ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِينَارٍ وَمِائَةَ أَلْفِ دِرْهَم(1526).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1520) في المصدر إضافة: (صحاح).
(1521) من بعض نُسَخ المصدر.
(1522) في المصدر: (وأوجبت).
(1523) في المصدر: (والمحبَّة).
(1524) في المصدر: (فإنَّ عدوَّك قد مات، وقد ورَّثك الله).
(1525) في المصدر: (نزلت فيه فإذا أنا بفيج وقد جاءني من منزلي يُخبِرني بأنَّ حموي قد مات).
(1526) الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 699/ فصل في أعلام الإمام/ ح 17).

(٤٦٨)

بيان: قوله: (قال: وكيف): أي قال ابن أبي روح: كيف أقول لجعفر إذا طلب منِّي هذا المال؟ ثُمَّ قلت: أمتحنه بما قالت المرأة. ولعلَّ الأصوب: (فقالت) مكان (فقلت).
[341/12] [الكافي](1527)، والإرشاد: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ السَّيَّاريُّ(1528)، قَالَ: أَوْصَلْتُ أَشْيَاءَ لِلْمَرْزُبَانِيِّ الْحَارثِيِّ فِي جُمْلَتِهَا سِوَارُ ذَهَبٍ، فَقُبِلَتْ وَرَدَّ(1529) السِّوَارَ، وَأُمِرْتُ بِكَسْرهِ، فَكَسَرْتُهُ فَإذَا فِي وَسَطِهِ مَثَاقِيلُ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَصُفْرٍ، فَأَخْرَجْتُهُ وَأَنْفَذْتُ الذَّهَبَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقُبِلَ(1530).
[342/13] الكافي، والإرشاد: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بْن صَالِح، قَالَ: خَرَجْتُ سَنَةً مِنَ السِّنِينَ إِلَى بَغْدَادَ وَاسْتَأذَنْتُ فِي الْخُرُوج فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، فَأَقَمْتُ اثْنَيْن وَعِشْرينَ يَوْماً بَعْدَ خُرُوج الْقَافِلَةِ إِلَى النَّهْرَوَان، ثُمَّ أُذِنَ لِي بِالْخُرُوج يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَقِيلَ لِيَ: «اخْرُجْ فِيهِ»، فَخَرَجْتُ وَأَنَا آيِسٌ مِنَ الْقَافِلَةِ أَنْ أَلْحَقَهَا، فَوَافَيْتُ النَّهْرَوَانَ وَالْقَافِلَةُ مُقِيمَةٌ، فَمَا كَانَ إِلَّا أَنْ عَلَفْتُ جَمَلِي حَتَّى رَحَلَتِ الْقَافِلَةُ وَرَحَلْتُ، وَقَدْ دَعَا لِي بِالسَّلَامَةِ، فَلَمْ أَلْقَ سُوءاً وَالْحَمْدُ للهِ(1531).
[343/14] الكافي، والخرائج والجرائح، والإرشاد: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ(1532)، عَنْ نَصْر(1533) بْن صَبَّاح الْبَلْخِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن يُوسُفَ الشَّاشِيِّ، قَالَ: خَرَجَ بِي نَاسُورٌ، فَأَرَيْتُهُ الْأَطِبَّاءَ، وَأَنْفَقْتُ عَلَيْهِ مَالاً، فَلَمْ يَصْنَع الدَّوَاءُ فِيهِ شَيْئاً، فَكَتَبْتُ رُقْعَةً(1534)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1527) كذا في المطبوع بين معقوفتين.
(1528) في الكافي إضافة: (عن أبي عبد الله النسائي).
(1529) في المصدرين إضافة: (عليَّ).
(1530) الكافي (ج 1/ ص 518/ باب مولد الصاحب (علیه السلام)/ ح 6)؛ الإرشاد للمفيد (ج 2/ ص 356).
(1531) الكافي (ج 1/ ص 519/ باب مولد الصاحب (علیه السلام)/ ح 10)؛ الإرشاد للمفيد (ج 2/ ص 357).
(1532) عبارة: (عليّ بن محمّد) ليست في الخرائج.
(1533) في الكافي: (نضر).
(1534) في الخرائج إضافة: (على يدي امرأة تختلف إلى الدار).

(٤٦٩)

أَسْأَلُ الدُّعَاءَ، فَوَقَّعَ لِي: «أَلْبَسَكَ اللهُ الْعَافِيَةَ، وَجَعَلَكَ مَعَنَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»، فَمَا أَتَتْ عَلَيَّ الْجُمُعَةُ حَتَّى عُوفِيتُ وَصَارَ المَوْضِعُ مِثْلَ رَاحَتِي، فَدَعَوْتُ طَبِيباً مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَرَيْتُهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ: مَا عَرَفْنَا لِهَذَا دَوَاءً، وَمَا جَاءَتْكَ الْعَافِيَةُ إِلَّا مِنْ قِبَل اللهِ بِغَيْر احْتِسَابٍ(1535).
[344/15] الكافي، والإرشاد: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن صَالِح، قَالَ: لَـمَّا مَاتَ أَبِي وَصَارَ الْأَمْرُ إِلَيَّ كَانَ لِأَبِي عَلَى النَّاس سَفَاتِجُ مِنْ مَالِ الْغَريم - يَعْنِي صَاحِبَ الْأَمْر (علیه السلام)، قَالَ الشَّيْخُ المُفِيدُ: وَهَذَا رَمْزٌ كَانَتِ الشِّيعَةُ تَعْرفُهُ قَدِيماً بَيْنَهَا وَيَكُونُ خِطَابُهَا عَلَيْهِ لِلتَّقِيَّةِ -، قَالَ: فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ أُعْلِمُهُ، فَكَتَبَ إِلَيَّ: «طَالِبْهُمْ وَاسْتَقْص عَلَيْهِمْ»، فَقَضَانِي النَّاسُ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَكَانَتْ عَلَيْهِ سَفْتَجَةٌ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ، فَجِئْتُ إِلَيْهِ أَطْلُبُهُ، فَمَطَلَنِي(1536) وَاسْتَخَفَّ بِي ابْنُهُ وَسَفِهَ عَلَيَّ، فَشَكَوْتُهُ إِلَى أَبِيهِ، فَقَالَ: وَكَانَ مَا ذَا؟ فَقَبَضْتُ عَلَى لِحْيَتِهِ وَأَخَذْتُ بِرجْلِهِ وَسَحَبْتُهُ إِلَى وَسَطِ الدَّار [وَرَكَلْتُهُ رَكْلاً كَثِيراً](1537)، فَخَرَجَ ابْنُهُ مُسْتَغِيثاً بِأَهْل بَغْدَادَ يَقُولُ: قُمِّيٌّ رَافِضِيٌّ قَدْ قَتَلَ وَالِدِي، فَاجْتَمَعَ عَلَيَّ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَرَكِبْتُ دَابَّتِي وَقُلْتُ: أَحْسَنْتُمْ يَا أَهْلَ بَغْدَادَ تَمِيلُونَ مَعَ الظَّالِم عَلَى الْغَريبِ المَظْلُوم، أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْل هَمَذَانَ مِنْ أَهْل السُّنَّةِ، وَهَذَا يَنْسُبُني إِلَى قُمَّ وَيَرْمِيني بِالرَّفْض لِيَذْهَبَ بِحَقِّي وَمَالِي، قَالَ: فَمَالُوا عَلَيْهِ وَأَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوا إِلَى حَانُوتِهِ حَتَّى سَكَّنْتُهُمْ، وَطَلَبَ إِلَيَّ صَاحِبُ السَّفْتَجَةِ أَنْ آخُذَ مَا فِيهَا، وَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ يُوَفِّيني مَالِي فِي الْحَالِ، فَاسْتَوْفَيْتُ مِنْهُ(1538).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1535) أُصول الكافي (ج 1/ ص 519/ باب مولد الصاحب (علیه السلام)/ ح 11)؛ الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 965/ فصل في أعلام الإمام/ ح 9)؛ الإرشاد للمفيد (ج 2/ ص 357)، وفيه: (مالاً عظيماً).
(1536) في الكافي: (فماطلني).
(1537) هذه الزيادة موجودة في الكافي، ساقطة عن الإرشاد وهكذا عن النسخة المطبوعة، وسيجيء معناه في البيان.
(1538) أُصول الكافي (ج 1/ ص 521/ باب مولد الصاحب (علیه السلام)/ ح 15)؛ الإرشاد للمفيد (ج 2/ ص 362)، وفيه: (فاستوفيه) بدل (فاستوفيت).

(٤٧٠)

[بيان: في القاموس: السفتجة كقرطقة أنْ تُعطي مالاً لأخذ وللآخذ(1539) مال في بلد المعطي فيوفيه إيَّاه ثَمَّ فيستفيد أمن الطريق، وفعله السفتجة بالفتح(1540). وقال: (الغريم) المديون، والدائن ضدٌّ(1541)، انتهى.
وأقول: تكنيته (علیه السلام) به تقيَّة يحتمل الوجهين، أمَّا على الأوَّل فيكون على التشبيه، لأنَّ من عليه الديون يخفي نفسه من الناس ويستتر منهم، أو لأنَّ الناس يطلبونه لأخذ العلوم والشرائع منه وهو يهرب منهم تقيَّةً، فهو غريم مستتر محقٌّ (صلوات الله عليه). وأمَّا على الثاني فهو ظاهر، لأنَّ أمواله (علیه السلام) في أيدي الناس وذممهم لكثيرة، وهذا أنسب بالأدب.
(واستقص) في بعض النُّسَخ بالضاد المعجمة من قولهم: استقضى فلاناً، طلب إليه ليقضيه، فالتعدية بعلى لتضمين معنى الاستيلاء والاستعلاء، إيذاناً بعدم المساهلة والمدهنة(1542) تقيَّةً. وفي بعضها بالمهملة من قوله: استقصى المسألة وتقصَّى، إذا بلغ الغاية فيها. والمماطلة: التسويف بالعِدَة والدَّين. واستخفَّ به: أي عدَّه خفيفاً واستهان به. وسفهه عليه كفرح وكرم: جهل.
قوله: (ماذا) استفهام تحقيري، أي استخفافه بك وسفهه عليك سهل، كما يقال في العرب: أيّ شيء وقع؟ و(سحبته) كمنعته: أي جررته على الأرض. والركل: الضرب برجل واحدة. وقوله: (أحسنتم) من قبيل التعريض والتشنيع. ومال عليه: أي جار وظلم. و(همدان) في أكثر النُّسَخ بالدال المهملة، والمعروف عند أهل اللغة: أنَّه بالفتح والمهملة، قبيلة باليمن، وبالتحريك والمعجمة: البلد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1539) في القاموس المطبوع بمصر هكذا: (أنْ يُعطي مالاً لآخر وللآخر) وهو أنسب، ويحتمل أنْ يكون هكذا: (أنْ يُعطي مالاً لأخذ وللآخذ...) إلخ.
(1540) القاموس المحيط (ج 1/ ص 201).
(1541) القاموس المحيط (ج 4/ ص 226).
(1542) كذا في النسخة المطبوعة، والصحيح: (المداهنة).

(٤٧١)

المعروف، سُمِّي باسم بانيه همذان بن الفلوح بن سام بن نوح (علیه السلام). وإرادة دخولهم إلى حانوته أي دُكَّانه لأخذ حقِّ ابن صالح منه].
[345/16] الإرشاد: ابْنُ قُولَوَيْهِ، عَن الْكُلَيْنيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ، عَن الْحَسَن بْن عِيسَى الْعُرَيْضِيِّ، قَالَ: لَـمَّا مَضَى أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (علیه السلام) وَرَدَ رَجُلٌ مِنْ مِصْرَ بِمَالٍ إِلَى مَكَّةَ لِصَاحِبِ الْأَمْر، فَاخْتَلَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاس: إِنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ قَدْ مَضَى مِنْ غَيْر خَلَفٍ، وَقَالَ آخَرُونَ: الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِهِ جَعْفَرٌ، وَقَالَ آخَرُونَ: الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِهِ وَلَدُهُ، فَبَعَثَ رَجُلاً يُكَنَّى أَبُو طَالِبٍ إِلَى الْعَسْكَر يَبْحَثُ عَن الْأَمْر وَصِحَّتِهِ وَمَعَهُ كِتَابٌ، فَصَارَ الرَّجُلُ إِلَى جَعْفَرٍ وَسَأَلَهُ عَنْ بُرْهَانٍ، فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: لَا يَتَهَيَّاُ لِي فِي هَذَا الْوَقْتِ، فَصَارَ الرَّجُلُ إِلَى الْبَابِ وَأَنْفَذَ الْكِتَابَ إِلَى أَصْحَابِنَا المَوْسُومِينَ بِالسِّفَارَةِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ: «آجَرَكَ اللهُ فِي صَاحِبكَ فَقَدْ مَاتَ وَأَوْصَى بِالمَالِ الَّذِي كَانَ مَعَهُ إِلَى ثِقَةٍ يَعْمَلُ فِيهِ بِمَا يُحِبُّ»، وَأُجِيبَ عَنْ كِتَابِهِ، وَكَانَ الْأَمْرُ كَمَا قِيلَ لَهُ(1543).
[346/17] الإرشاد: بِهَذَا الْإسْنَادِ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَمَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْل آبَهْ شَيْئاً يُوصِلُهُ، وَنَسِيَ سَيْفاً كَانَ أَرَادَ حَمْلَهُ، فَلَمَّا وَصَلَ الشَّيْءُ كَتَبَ إِلَيْهِ بِوُصُولِهِ، وَقِيلَ فِي الْكِتَابِ: «مَا خَبَرُ السَّيْفِ الَّذِي نَسَيْتَهُ؟»(1544).
[347/18] الإرشاد: الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَريُّ، قَالَ: كَانَ يَردُ كِتَابُ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) فِي الْإجْرَاءِ عَلَى الْجُنَيْدِ قَاتِل فَارس بْن حَاتِم بْن مَاهَوَيْهِ وَأَبِي الْحَسَن وَآخَرَ. فَلَمَّا مَضَى أَبُو مُحَمَّدٍ وَرَدَ اسْتِئْنَافٌ مِنَ الصَّاحِبِ (علیه السلام) بِالْإجْرَاءِ لِأَبِي الْحَسَن وَصَاحِبهِ وَلَمْ يَردْ فِي الْجُنَيْدِ شَيْءٌ، قَالَ: فَاغْتَمَمْتُ لِذَلِكَ، فَوَرَدَ نَعْيُ الْجُنَيْدِ بَعْدَ ذَلِكَ(1545).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1543) الإرشاد للمفيد (ج 2/ ص 364).
(1544) الإرشاد للمفيد (ج 2/ ص 365)، وفيه (أنسيته).
(1545) الإرشاد للمفيد (ج 2/ ص 365)، وفيه: (أخي) بدل (وآخر)؛ وهذه الروايات الثلاث توجد في أُصول الكافي (ج 1/ ص 523) أيضاً مع اختلاف يسير.

(٤٧٢)

[348/19] كتاب النجوم: رُوِّينَا بِإسْنَادِنَا إِلَى الشَّيْخ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْن جَريرٍ الطَّبَريِّ، بِإسْنَادِهِ(1546) يَرْفَعُهُ إِلَى أَحْمَدَ الدِّينَوَريِّ السَّرَّاج المُكَنَّى بِأَبِي الْعَبَّاس المُلَقَّبِ بِآستاره، قَالَ: انْصَرَفْتُ مِنْ أَرْدَبِيلَ إِلَى دِينَوَرَ أُريدُ أَنْ أَحُجَّ، وَذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن بْن عَلِيٍّ (علیه السلام) بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْن، وَكَانَ النَّاسُ فِي حِيرَةَ، فَاسْتَبْشَرَ أَهْلُ دِينَوَرَ بِمُوَافَاتِي، وَاجْتَمَعَ الشِّيعَةُ عِنْدِي، فَقَالُوا: اجْتَمَعَ عِنْدَنَا سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ مِنْ مَالِ المَوَالِي وَنَحْتَاجُ أَنْ نَحْمِلَهَا مَعَكَ وَتُسَلِّمَهَا بِحَيْثُ يَجِبُ تَسْلِيمُهَا(1547).
قَالَ: فَقُلْتُ: يَا قَوْم، هَذِهِ(1548) حِيرَةُ، وَلَا نَعْرفُ الْبَابَ فِي هَذَا الْوَقْتِ، قَالَ: فَقَالُوا: إِنَّمَا اخْتَرْنَاكَ لِحَمْل هَذَا المَالِ لِمَا نَعْرفُ مِنْ ثِقَتِكَ وَكَرَمِكَ، فَاعْمَلْ عَلَى أَنْ لَا تُخْرجَهُ مِنْ يَدَيْكَ إِلَّا بِحُجَّةٍ.
قَالَ: فَحُمِلَ إِلَيَّ ذَلِكَ المَالُ فِي صُرَرٍ بِاسْم رَجُلٍ رَجُلٍ، فَحَمَلْتُ ذَلِكَ المَالَ وَخَرَجْتُ، فَلَمَّا وَافَيْتُ قَرْمِيسِينَ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَن بْن الْحَسَن مُقِيماً بِهَا، فَصِرْتُ إِلَيْهِ مُسَلِّماً، فَلَمَّا لَقِيَني اسْتَبْشَرَ بِي، ثُمَّ أَعْطَانِي أَلْفَ دِينَارٍ فِي كِيسٍ وَتُخُوتَ ثِيَابِ أَلْوَانٍ مُعْكَمَةٍ لَمْ أَعْرفْ مَا فِيهَا، ثُمَّ قَالَ لِي: احْمِلْ هَذَا مَعَكَ، وَلَا تُخْرجْهُ عَنْ(1549) يَدِكَ إِلَّا بِحُجَّةٍ.
قَالَ: فَقَبَضْتُ المَالَ وَالتُّخُوتَ بِمَا فِيهَا مِنَ الثِّيَابِ، فَلَمَّا وَرَدْتُ بَغْدَادَ لَمْ يَكُنْ لِي هِمَّةٌ غَيْرَ الْبَحْثِ عَمَّنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالنِّيَابَةِ، فَقِيلَ لِي: إِنَّ هَاهُنَا رَجُلاً يُعْرَفُ بِالْبَاقَطَانِيِّ يَدَّعِي بِالنِّيَابَةِ، وَآخَرُ يُعْرَفُ بِإسْحَاقَ الْأَحْمَر يَدَّعِي النِّيَابَةَ، وَآخَرُ يُعْرَفُ بِأَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْريِّ يَدَّعِي بِالنِّيَابَةِ، قَالَ: فَبَدَأتُ بِالْبَاقَطَانِيِّ وَصِرْتُ إِلَيْهِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1546) والإسناد هكذا: (عن أبي المفضَّل محمّد بن عبد الله، عن محمّد بن جعفر المقري، عن محمّد بن سابور، عن الحسن بن محمّد بن حمران، عن أحمد الدينوري).
(1547) في المصدر: (ونحن نحتاج أنْ تحملها معك وتُسلِّمها لمن يجب تسليمها إليه).
(1548) في المصدر إضافة: (أيَّام).
(1549) في المصدر: (من) بدل (عن).

(٤٧٣)

فَوَجَدْتُهُ شَيْخاً مَهِيباً لَهُ مُرُوءَةٌ ظَاهِرَةٌ وَفَرَسٌ عَرَبيٌّ وَغِلْمَانٌ كَثِيرٌ، وَيَجْتَمِعُ النَّاسُ عِنْدَهُ يَتَنَاظَرُونَ(1550).
قَالَ: فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ وَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَحَّبَ وَقَرَّبَ وَسَرَّ وَبَرَّ، قَالَ: فَأَطَلْتُ الْقُعُودَ إِلَى أَنْ خَرَجَ أَكْثَرُ النَّاس، قَالَ: فَسَأَلَنِي عَنْ دِيني(1551)، فَعَرَّفْتُهُ أَنِّي رَجُلٌ مِنْ أَهْل دِينَوَرَ وَافَيْتُ وَمَعِي شَيْءٌ مِنَ المَالِ أَحْتَاجُ أَنْ أُسَلِّمَهُ، فَقَالَ لِي: احْمِلْهُ، قَال: فَقُلْتُ: أُريدُ حُجَّةً، قَالَ: تَعُودُ إِلَيَّ فِي غَدٍ، قَالَ: فَعُدْتُ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدِ فَلَمْ يَأتِ بِحُجَّةٍ، وَعُدْتُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْم الثَّالِثِ فَلَمْ يَأتِ بِحُجَّةٍ.
قَالَ: فَصِرْتُ إِلَى إِسْحَاقَ الْأَحْمَر، فَوَجَدْتُهُ شَابًّا نَظِيفاً مَنْزلُهُ أَكْبَرُ مِنْ مَنْزِلِ الْبَاقَطَانِيِّ وَفَرَسُهُ وَلِبَاسُهُ وَمُرُوءَتُهُ أَسْرَى وَغِلْمَانُهُ أَكْثَرُ مِنْ غِلْمَانِهِ وَيَجْتَمِعُ عِنْدَهُ مِنَ النَّاس أَكْثَرُ مِمَّا يَجْتَمِعُ عِنْدَ الْبَاقَطَانِيِّ، قَالَ: فَدَخَلْتُ وَسَلَّمْتُ، فَرَحَّبَ وَقَرَّبَ، قَالَ: فَصَبَرْتُ إِلَى أَنْ خَفَّ النَّاسُ، قَالَ(1552): فَسَأَلَنِي عَنْ حَاجَتِي، فَقُلْتُ لَهُ كَمَا قُلْتُ لِلْبَاقَطَانِيِّ، وَعُدْتُ إِلَيْهِ ثَلَاثَةَ(1553) أَيَّام فَلَمْ يَأتِ بِحُجَّةٍ.
قَالَ: فَصِرْتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْريِّ، فَوَجَدْتُهُ شَيْخاً مُتَوَاضِعاً عَلَيْهِ مُبَطَّنَةٌ(1554) بَيْضَاءُ قَاعِدٌ عَلَى لِبْدٍ فِي بَيْتٍ صَغِيرٍ لَيْسَ لَهُ غِلْمَانٌ وَلَا مِنَ المُرُوءَةِ وَالْفَرَس مَا وَجَدْتُ(1555) لِغَيْرهِ، قَالَ: فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّ الْجَوَابَ وَأَدْنَانِي وَبَسَطَ مِنِّي، ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ حَالِي(1556)، فَعَرَّفْتُهُ أَنِّي وَافَيْتُ مِنَ الْجَبَل وَحَمَلْتُ مَالاً، قَالَ: فَقَالَ: إِنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1550) في المصدر: (فيتناظرون) بدل (عنده يتناظرون).
(1551) في المصدر: (أربتي) بدل (ديني).
(1552) كلمة: (قال) ليست في المصدر.
(1553) في المصدر: (قلت للباقطاني: ووعدني بالحجَّة فعدت إليه ثمانية أيَّام).
(1554) في المصدر: (منطقة) بدل (مبطنة).
(1555) في المصدر: (والفرش ما وجدته).
(1556) في المصدر: (حاجتي) بدل (حالي).

(٤٧٤)

أَحْبَبْتَ أَنْ يَصِلَ هَذَا الشَّيْءُ إِلَى مَنْ يَجِبُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ تَخْرُجُ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأى وَتَسْأَلُ دَارَ ابْن الرِّضَا وَعَنْ فُلَان بْن فُلَانٍ الْوَكِيل - وَكَانَتْ دَارُ ابْن الرِّضَا عَامِرَةً بِأَهْلِهَا -، فَإنَّكَ تَجِدُ هُنَاكَ مَا تُريدُ.
قَالَ: فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَمَضَيْتُ نَحْوَ سُرَّ مَنْ رَأى وَصِرْتُ إِلَى دَار ابْن الرِّضَا وَسَأَلْتُ عَن الْوَكِيل، فَذَكَرَ الْبَوَّابُ أَنَّهُ مُشْتَغِلٌ فِي الدَّار، وَأَنَّهُ يَخْرُجُ آنِفاً، فَقَعَدْتُ عَلَى الْبَابِ أَنْتَظِرُ خُرُوجَهُ، فَخَرَجَ بَعْدَ سَاعَةٍ، فَقُمْتُ وَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَأَخَذَ بِيَدِي إِلَى بَيْتٍ كَانَ لَهُ، وَسَأَلَنِي عَنْ حَالِي وَمَا وَرَدْتُ لَهُ، فَعَرَّفْتُهُ أَنِّي حَمَلْتُ شَيْئاً مِنَ المَالِ مِنْ نَاحِيَةِ الْجَبَل وَأَحْتَاجُ أَنْ أُسَلِّمَهُ بِحُجَّةٍ، قَالَ: فَقَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ قَدَّمَ إِلَيَّ طَعَاماً وَقَالَ لِي: تَغَدَّ بِهَذَا وَاسْتَرحْ، فَإنَّكَ تَعِبْتَ، فَإنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الْأُولَى سَاعَةً فَإنّي أَحْمِلُ إِلَيْكَ مَا تُريدُ، قَالَ: فَأَكَلْتُ وَنمْتُ، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الصَّلَاةِ نَهَضْتُ وَصَلَّيْتُ وَذَهَبْتُ إِلَى المَشْرَعَةِ فَاغْتَسَلْتُ وَنَضَّرْتُ(1557) وَانْصَرَفْتُ إِلَى بَيْتِ الرَّجُل وَسَكَنْتُ(1558) إِلَى أَنْ مَضَى مِنَ اللَّيْل رُبُعُهُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ أَنْ مَضَى مِنَ اللَّيْل رُبُعُهُ وَمَعَهُ دَرْجٌ فِيهِ:
«بِسْم اللهِ الرَّحْمن الرَّحِيم، وَافَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ(1559) الدِّينَوَريُّ وَحَمَلَ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ فِي كَذَا وَكَذَا صُرَّةً، فِيهَا صُرَّةُ فُلَان بْن فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا دِينَاراً - إِلَى أَنْ عَدَّدَ الصُّرَرَ كُلَّهَا -، وَصُرَّةُ(1560) فُلَان بْن فُلَانٍ الذَّرَّاع سِتَّةَ عَشَرَ دِينَاراً».
قَالَ: فَوَسْوَسَ إِلَيَّ الشَّيْطَانُ، فَقُلْتُ: إِنَّ سَيِّدِي أَعْلَمُ بِهَذَا مِنِّي؟ فَمَا زِلْتُ أَقْرَأُ ذِكْرَهُ صُرَّةً صُرَّةً وَذِكْرَ صَاحِبِهَا حَتَّى أَتَيْتُ عَلَيْهَا عِنْدَ آخِرهَا، ثُمَّ ذَكَرَ: «قَدْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1557) في المصدر: (زرت) بدل (نضَّرت).
(1558) في المصدر: (مكثت) بدل (سكنت).
(1559) في المصدر: (محمّد بن أحمد) بدل (أحمد بن محمّد).
(1560) في المصدر: (وفيها صرَّة).

(٤٧٥)

حُمِلَ مِنْ قَرْمِيسِينَ مِنْ عِنْدِ أَحْمَدَ بْن الْحَسَن المَادَرَائِيِّ أَخِي الصَّوَّافِ(1561) كِيسٌ فِيهِ أَلْفُ دِينَارٍ، وَكَذَا وَكَذَا تَخْتاً مِنَ الثِّيَابِ مِنْهَا ثَوْبُ فُلَانٍ وَثَوْبٌ لَوْنُهُ كَذَا...» حَتَّى نَسَبَ الثِّيَابَ إِلَى آخِرهَا بِأَنْسَابِهَا وَأَلْوَانِهَا.
قَالَ: فَحَمِدْتُ اللهَ وَشَكَرْتُهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيَّ مِنْ إِزَالَةِ الشَّكِّ عَنْ قَلْبِي، فَأَمَرَ بِتَسْلِيم جَمِيع مَا حَمَلْتُ إِلَى حَيْثُ يَأمُرُني أَبُو جَعْفَرٍ الْعَمْريُّ، قَالَ: فَانْصَرَفْتُ إِلَى بَغْدَادَ وَصِرْتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْريِّ، قَالَ: وَكَانَ خُرُوجِي وَانْصِرَافِي فِي ثَلَاثَةِ أَيَّام.
قَالَ: فَلَمَّا بَصُرَ بِي أَبُو جَعْفَرٍ (رحمه الله) قَالَ: لِـمَ لَمْ تَخْرُجْ(1562)؟ فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، مِنْ سُرَّ مَنْ رَأى انْصَرَفْتُ، قَالَ: فَأَنَا أُحَدِّثُ أَبَا جَعْفَرٍ بِهَذَا إِذْ وَرَدَتْ رُقْعَةٌ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْريِّ مِنْ مَوْلَانَا صَاحِبِ الْأَمْر (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ)، وَمَعَهَا دَرْجٌ مِثْلُ الدَّرْج الَّذِي كَانَ مَعِي فِيهِ ذِكْرُ المَالِ وَالثِّيَابِ، وَأَمَرَ أَنْ يُسَلَّمَ جَمِيعُ ذَلِكَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ بْن جَعْفَرٍ الْقَطَّان الْقُمِّيِّ، فَلَبِسَ أَبُو جَعْفَرٍ الْعَمْريُّ ثِيَابَهُ وَقَالَ لِي: احْمِلْ مَا مَعَكَ إِلَى مَنْزلِ مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ بْن جَعْفَرٍ الْقَطَّان الْقُمِّيِّ، قَالَ: فَحَمَلْتُ المَالَ وَالثِّيَابَ إِلَى مَنْزلِ مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ بْن جَعْفَرٍ الْقَطَّان وَسَلَّمْتُهَا إِلَيْهِ وَخَرَجْتُ إِلَى الْحَجِّ.
فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى دِينَوَرَ اجْتَمَعَ عِنْدِي النَّاسُ، فَأَخْرَجْتُ الدَّرْجَ الَّذِي أَخْرَجَهُ وَكِيلُ مَوْلَانَا (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) إِلَيَّ وَقَرَأتُهُ عَلَى الْقَوْم، فَلَمَّا سَمِعَ بِذِكْر الصُّرَّةِ بِاسْم الذَّرَّاع سَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، وَمَا زِلْنَا نُعَلِّلُهُ حَتَّى أَفَاقَ، فَلَمَّا أَفَاقَ سَجَدَ شُكْراً للهِ (عزَّ وجلَّ) وَقَالَ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِالْهِدَايَةِ، الْآنَ عَلِمْتُ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ، هَذِهِ الصُّرَّةُ دَفَعَهَا وَاللهِ إِلَيَّ هَذَا الذَّرَّاعُ لَمْ يَقِفْ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا اللهُ (عزَّ وجلَّ).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1561) في المصدر: (الصرَّاف).
(1562) في المصدر: (قال لي: ألم تخرج؟).

(٤٧٦)

قَالَ: فَخَرَجْتُ وَلَقِيتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَا الْحَسَن المَادَرَائِيَّ وَعَرَّفْتُهُ الْخَبَرَ وَقَرَأتُ عَلَيْهِ الدَّرْجَ، فَقَالَ: يَا سُبْحَانَ اللهِ، مَا شَكَكْتُ فِي شَيْءٍ فَلاَ تَشُكَّ فِي أَنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) لَا يُخَلِّي أَرْضَهُ مِنْ حُجَّتِهِ. اعْلَمْ أَنَّهُ لَـمَّا غَزَا إِذْكُوتَكِينُ(1563) يَزيدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بِشَهْرَزُورَ وَظَفِرَ بِبلَادِهِ وَاحْتَوَى عَلَى خَزَائِنهِ صَارَ إِلَيَّ رَجُلٌ، وَذَكَرَ أَنَّ يَزيدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ جَعَلَ الْفَرَسَ الْفُلَانِيَّ وَالسَّيْفَ الْفُلَانِيَّ فِي بَابِ مَوْلَانَا (علیه السلام)، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَنْقُلُ خَزَائِنَ يَزيدَ بْن عَبْدِ اللهِ إِلَى إِذْكُوتَكِينَ أَوَّلاً فَأَوَّلاً، وَكُنْتُ أُدَافِعُ بِالْفَرَس وَالسَّيْفِ إِلَى أَنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ غَيْرُهُمَا، وَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ أُخَلِّصَ ذَلِكَ لِمَوْلَانَا (علیه السلام)، فَلَمَّا اشْتَدَّتْ مُطَالَبَةُ إِذْكُوتَكِينَ إِيَّايَ وَلَمْ يُمْكِنِّي مُدَافَعَتُهُ جَعَلْتُ فِي السَّيْفِ وَالْفَرَس فِي(1564) نَفْسِي أَلْفَ دِينَارٍ وَوَزَنْتُهَا وَدَفَعْتُهَا إِلَى الْخَازِن وَقُلْتُ لَهُ: ارْفَعْ(1565) هَذِهِ الدَّنَانِيرَ فِي أَوْثَقِ مَكَانٍ وَلَا تُخْرجَنَّ إِلَيَّ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ(1566) وَلَو اشْتَدَّتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهَا، وَسَلَّمْتُ الْفَرَسَ وَالسَّيْفَ.
قَالَ: فَأَنَا قَاعِدٌ فِي مَجْلِسِي بِالَّذِي أُبْرمُ(1567) الْأُمُورَ وَأُوفِي الْقَصَصَ وَآمُرُ وَأَنْهَى إِذْ دَخَلَ أَبُو الْحَسَن الْأَسَدِيُّ، وَكَانَ يَتَعَاهَدُنِي الْوَقْتَ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَكُنْتُ أَقْضِي حَوَائِجَهُ، فَلَمَّا طَالَ جُلُوسُهُ وَعَلَيَّ بُؤْسٌ كَثِيرٌ قُلْتُ لَهُ: مَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: أَحْتَاجُ مِنْكَ إِلَى خَلْوَةٍ، فَأَمَرْتُ الْخَازِنَ أَنْ يُهَيِّئَ لَنَا مَكَاناً مِنَ الْخِزَانَةِ، فَدَخَلْنَا الْخِزَانَةَ، فَأَخْرَجَ إِلَيَّ رُقْعَةً صَغِيرَةً مِنْ مَوْلَانَا (علیه السلام)، فِيهَا: «يَا أَحْمَدَ بْنَ الْحَسَن، الْأَلْفُ دِينَارٍ الَّتِي لَنَا عِنْدَكَ ثَمَنُ الْفَرَس وَالسَّيْفِ سَلِّمْهَا إِلَى أَبِي الْحَسَن الْأَسَدِيِّ»، قَالَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1563) في المصدر: (إزكوتكين)، وكذا في ما بعد.
(1564) في المصدر: (على) بدل (في).
(1565) في المصدر: (ادفع).
(1566) في المصدر إضافة: (شيئاً منها).
(1567) في المصدر إضافة: (فيه).

(٤٧٧)

فَخَرَرْتُ للهِ سَاجِداً شُكْراً لِمَا مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ حُجَّةُ اللهِ حَقًّا، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقَفَ عَلَى هَذَا أَحَدٌ غَيْري، فَأَضَفْتُ إِلَى ذَلِكَ المَالِ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِينَارٍ أُخْرَى سُرُوراً بِمَا مَنَّ اللهُ عَلَيَّ بِهَذَا(1568) الْأَمْر.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَيْنَاهُ بِإسْنَادِنَا إِلَى الشَّيْخ أبِي جَعْفَرٍ الطَّبَريِّ أَيْضاً مِنْ كِتَابِهِ: عَنْ أَبِي المُفَضَّل الشَّيْبَانِيِّ، عَن الْكُلَيْنيِّ(1569)، قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ الْعَلَاءِ: كَتَبْتُ إِلَى صَاحِبِ الزَّمَان ثَلَاثَةَ كُتُبٍ فِي حَوَائِجَ لِي، وَأَعْلَمْتُهُ أنَّنِي رَجُلٌ قَدْ كَبِرَ سِنِّي، وَأَنَّهُ لاَ وَلَدَ لِي، فَأَجَابَني عَن الْحَوَائِج وَلَمْ يُجِبْني فِي الْوَلَدِ بِشَيْءٍ، فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ فِي الرَّابِعَةِ كِتَاباً وَسَأَلْتُهُ أَنْ يَدْعُوَ إِلَى اللهِ أَنْ يَرْزُقَنِي وَلَداً، فَأَجَابَني وَكَتَبَ بِحَوَائِجِي، وَكَتَبَ: «اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ وَلَداً ذَكَراً تَقَرُّ بِهِ عَيْنُهُ، وَاجْعَلْ هَذَا الْحَمْلَ الَّذِي لَهُ وَلَداً ذَكَراً»، فَوَرَدَ الْكِتَابُ وَأَنَا لَا أَعْلَمُ أنَّ لِي حَمْلاً، فَدَخَلْتُ إِلَى جَاريَتِي، فَسَأَلْتُهَا عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَتْنِي أنَّ عِلَّتَهَا قَدِ ارْتَفَعَتْ، فَوَلَدَتْ غُلَاماً.
وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْحِمْيَريُّ أَيْضاً(1570).
وَبِإسْنَادِنَا إِلَى الشَّيْخ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْن جَريرٍ الطَّبَريِّ فِي كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ بْن مُوسَى التَّلَّعُكْبَريُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحُسَيْن ابْنُ أَبِي الْبَغْل الْكَاتِبُ، قَالَ: تَقَلَّدْتُ عَمَلاً مِنْ أَبِي مَنْصُور بْن صَالِحَان، وَجَرَى بَيْني وَبَيْنَهُ مَا أَوجبت اسْتِتَاري(1571)، فَطَلَبَني وَأَخَافَنِي، فَمَكَثْتُ مُسْتَتِراً خَائِفاً، ثُمَّ قَصَدْتُ مَقَابِرَ قُرَيْشٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَاعْتَمَدْتُ المَبِيتَ هُنَاكَ لِلدُّعَاءِ وَالمَسْأَلَةِ، وَكَانَتْ لَيْلَةَ ريح وَمَطَرٍ، فَسَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْقَيِّمَ أَنْ يُغْلِقَ الْأَبْوَابَ وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1568) في المصدر: (من معرفة هذا) بدل (بهذا).
(1569) في المصدر: (ما لفظه) بدل (عن أبي المفضَّل الشيباني، عن الكليني).
(1570) في المصدر: (قد ارتفعت وأنَّها حامل فولدت غلاماً. وهذان الحديثان رويتهما عن الطبري والحميري).
(1571) في المصدر إضافة: (عنه).

(٤٧٨)

خَلْوَةِ المَوْضِع لِأَخْلُوَ بِمَا أُريدُهُ مِنَ الدُّعَاءِ وَالمَسْألَةِ وَآمَنَ مِنْ دُخُولِ إِنْسَانٍ مِمَّا لَمْ آمَنْهُ وَخِفْتُ مِنْ لِقَائِي لَهُ، فَفَعَلَ وَقَفَّلَ الْأَبْوَابَ، وَانْتَصَفَ اللَّيْلُ وَوَرَدَ مِنَ الرِّيح وَالمَطَر مَا قَطَعَ النَّاسَ عَن المَوْضِع، وَمَكَثْتُ أَدْعُو وَأَزُورُ وَأُصَلِّي.
فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ سَمِعْتُ وَطْئاً عِنْدَهُ(1572) مَوْلَانَا مُوسَى (علیه السلام)، وَإِذَا رَجُلٌ يَزُورُ، فَسَلَّمَ عَلَى آدَمَ وَأُولِي الْعَزْم (عليهم السلام) ثُمَّ الْأَئِمَّةِ وَاحِداً وَاحِداً إِلَى أنْ انْتَهَى إِلَى صَاحِبِ الزَّمَان (علیه السلام) فَلَمْ يَذْكُرْهُ، فَعَجِبْتُ مِنْ ذَلِكَ، وَقُلْتُ لَهُ(1573): لَعَلَّهُ نَسِيَ، أَوْ لَمْ يَعْرفْ، أوْ هَذَا مَذْهَبٌ لِهَذَا الرَّجُل.
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ زِيَارَتِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْن وَأَقْبَلَ إِلَيَّ عِنْدَ مَوْلَانَا أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام)، فَزَارَ مِثْلَ تِلْكَ الزِّيَارَةِ وَذَلِكَ(1574) السَّلَام. وَصَلَّى رَكْعَتَيْن وَأَنَا خَائِفٌ مِنْهُ إِذْ لَمْ أَعْرفْهُ، وَرَأَيْتُهُ شَابًّا تَامًّا مِنَ الرِّجَالِ عَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ وَعِمَامَةٌ مُحَنَّكٌ وَذُؤَابَةٌ(1575) وَردَاءٌ عَلَى كَتِفِهِ مُسْبَلٌ، فَقَالَ: «يَا أَبَا الْحُسَيْن بْنَ أَبِي الْبَغْل، أَيْنَ أَنْتَ عَنْ دُعَاءِ الْفَرَج؟»، فَقُلْتُ: وَمَا هُوَ يَا سَيِّدِي؟
فَقَالَ: «تُصَلِّي رَكْعَتَيْن وَتَقُولُ: يَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِيلَ وَسَتَرَ الْقَبِيحَ، يَا مَنْ لَمْ يُؤَاخِذْ بِالْجَريرَةِ، وَلَمْ يَهْتِكِ السِّتْرَ، يَا عَظِيمَ المَنِّ، يَا كَريمَ الصَّفْح، يَا حَسَنَ التَّجَاوُزِ، يَا وَاسِعَ المَغْفِرَةِ، يَا بَاسِطَ الْيَدَيْن بِالرَّحْمَةِ، يَا مُنْتَهَى كُلِّ نَجْوَى، وَيَا غَايَةَ كُلِّ شَكْوَى، يَا عَوْنَ كُلِّ مُسْتَعِينٍ، يَا مُبْتَدِئاً بِالنِّعَم قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا، يَا رَبَّاهْ (عَشْرَ مَرَّاتٍ)(1576)، يَا سَيِّدَاهْ (عَشْرَ مَرَّاتٍ)، يَا مَوْلَيَاهْ (عَشْرَ مَرَّاتٍ)، يَا غَايَتَاهْ (عَشْرَ مَرَّاتٍ)، يَا مُنْتَهَى غَايَةِ رَغْبَتَاهْ (عَشْرَ مَرَّاتٍ)، أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَبِحَقِّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1572) في المصدر: (عند) بدل (عنده).
(1573) في المصدر: (في نفسي) بدل (له).
(1574) في المصدر: (وسلَّم ذلك).
(1575) في المصدر: (محنَّك بها، وله ذؤابة).
(1576) من قوله: (يا سيِّداه) إلى قوله: (عشر مرّات) ليس في المصدر.

(٤٧٩)

مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرينَ (عليهم السلام) إِلَّا مَا كَشَفْتَ كَرْبي وَنَفَّسْتَ هَمِّي وَفَرَّجْتَ غَمِّي وَأَصْلَحْتَ حَالِي.
وَتَدْعُو بَعْدَ ذَلِكَ مَا شِئْتَ وَتَسْأَلُ حَاجَتَكَ، ثُمَّ تَضَعُ خَدَّكَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَرْض وَتَقُولُ مِائَةَ مَرَّةٍ فِي سُجُودِكَ: يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ، يَا عَلِيُّ يَا مُحَمَّدُ(1577)، اكْفِيَانِي فَإنَّكُمَا كَافِيَايَ، وَانْصُرَانِي فَإنَّكُمَا نَاصِرَايَ، وَتَضَعُ خَدَّكَ الْأَيْسَرَ عَلَى الْأَرْض وَتَقُولُ مِائَةَ مَرَّةٍ: أَدْركْنِي، وَتُكَرِّرُهَا(1578) كَثِيراً وَتَقُولُ: الْغَوْثَ الْغَوْثَ الْغَوْثَ حَتَّى يَنْقَطِعَ النَّفَسُ، وَتَرْفَعُ رَأسَكَ فَإنَّ اللهَ بِكَرَمِهِ يَقْضِي حَاجَتَكَ إِنْ شَاءَ اللهُ».
فَلَمَّا شَغَلْتُ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ خَرَجَ، فَلَمَّا فَرَغْتُ خَرَجْتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ لِأَسْأَلَهُ عَن الرَّجُل وَكَيْفَ دَخَلَ؟ فَرَأَيْتُ الْأَبْوَابَ عَلَى حَالِهَا مُغَلَّقَةً مُقَفَّلَةً، فَعَجِبْتُ مِنْ ذَلِكَ وَقُلْتُ: لَعَلَّهُ بَاتَ هَاهُنَا وَلَمْ أَعْلَمْ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْقَيِّم، فَخَرَجَ إِلَى عِنْدِي مِنْ بَيْتِ(1579) الزَّيْتِ، فَسَأَلْتُهُ عَن الرَّجُل وَدُخُولِهِ، فَقَالَ: الْأَبْوَابُ مُقَفَّلَةٌ كَمَا تَرَى مَا فَتَحْتُهَا، فَحَدَّثْتُهُ بِالْحَدِيثِ، فَقَالَ: هَذَا مَوْلَانَا صَاحِبُ الزَّمَان (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) وَقَدْ شَاهَدْتُهُ مِرَاراً فِي مِثْل هَذِهِ اللَّيْلَةِ عِنْدَ خُلُوِّهَا مِنَ النَّاس.
فَتَأَسَّفْتُ عَلَى مَا فَاتَنِي مِنْهُ، وَخَرَجْتُ عِنْدَ قُرْبِ الْفَجْر، وَقَصَدْتُ الْكَرْخَ إِلَى المَوْضِع الَّذِي كُنْتُ مُسْتَتِراً فِيهِ، فَمَا أَضْحَى النَّهَارَ إِلَّا وَأَصْحَابُ ابْن الصَّالِحَان يَلْتَمِسُونَ لِقَائِي وَيَسْأَلُونَ عَنِّي(1580) أَصْدِقَائِي وَمَعَهُمْ أَمَانٌ مِنَ الْوَزِير وَرُقْعَةٌ بِخَطِّهِ فِيهَا كُلُّ جَمِيلٍ، فَحَضَرْتُهُ مَعَ ثِقَةٍ مِنْ أَصْدِقَائِي عِنْدَهُ، فَقَامَ وَالْتَزَمَنِي وَعَامَلَنِي بِمَا لَمْ أَعْهَدْهُ مِنْهُ وَقَالَ: انْتَهَتْ بِكَ الْحَالُ إِلَى أَنْ تَشْكُوَني إِلَى صَاحِبِ الزَّمَان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1577) عبارة: (يا عليُّ يا محمّد) ليست في المصدر.
(1578) في المصدر: (وتقول: أدركني يا صاحب الزمان وتُكرِّرها).
(1579) في المصدر: (باب) بدل (بيت).
(1580) في المصدر إضافة: (أصحاب و).

(٤٨٠)

(صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ)؟ فَقُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنِّي دُعَاءٌ وَمَسْأَلَةٌ، فَقَالَ: وَيْحَكَ رَأَيْتُ الْبَارحَةَ مَوْلَايَ صَاحِبَ الزَّمَان (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) فِي النَّوْم - يَعْنِي لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ - وَهُوَ يَأمُرُني بِكُلِّ جَمِيلٍ وَيَجْفُو عَلَيَّ فِي ذَلِكَ جَفْوَةً خِفْتُهَا.
فَقُلْتُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّهُمُ الْحَقُّ وَمُنْتَهَى الْحَقِّ، رَأَيْتُ الْبَارحَةَ مَوْلَانَا فِي الْيَقَظَةِ وَقَالَ كَذَا وَكَذَا، وَشَرَحْتُ مَا رَأَيْتُهُ فِي المَشْهَدِ، فَعَجِبَ مِنْ ذَلِكَ، وَجَرَتْ مِنْهُ أُمُورٌ عِظَامٌ حِسَانٌ فِي هَذَا المَعْنَى، وَبَلَغْتُ مِنْهُ غَايَةَ مَا لَمْ أَظُنَّهُ بِبَرَكَةِ مَوْلَانَا صَاحِبِ الزَّمَان (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ)(1581).
[أقول: وجدت هذا الخبر وسائر الأخبار السالفة التي رواها عن كتاب الطبري في أصل كتابه موافقة لما نقله رحمة الله عليهما].
[349/20] كتاب النجوم: وَمِمَّا رُوِّينَا بِإسْنَادِنَا إِلَى الشَّيْخ أَبِي الْعَبَّاس عَبْدِ اللهِ بْن جَعْفَرٍ الْحِمْيَريِّ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الدَّلَائِل، قَالَ: وَكَتَبَ رَجُلٌ مِنْ رَبَض حُمَيْدٍ يَسْأَلُ الدُّعَاءَ فِي حَمْلٍ لَهُ، فَوَرَدَ عَلَيْهِ الدُّعَاءُ فِي الْحَمْل قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُر: «سَتَلِدُ ابْناً»، فَجَاءَ كَمَا قَالَ.
وَمِنَ الْكِتَابِ المَذْكُور، قَالَ: الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَن(1582) السَّيَّاريِّ، قَالَ: كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمُريُّ يَسْأَلُ كَفَناً، فَوَرَدَ: «إِنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ سَنَةَ ثَمَانِينَ»، فَمَاتَ(1583) فِي هَذَا الْوَقْتِ الَّذِي حَدَّهُ، وَبُعِثَ إِلَيْهِ بِالْكَفَن قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرَيْن(1584).
بيان: التخت: وعاء يُجعَل فيه الثياب. وعكم المتاع يعكمه: شدَّه بثوب، وأعكمه أعانه على العكم. والمبطَّنة بفتح الطاء المشدَّدة: الثوب الذي جُعِلَت له

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1581) فرج المهموم (ص 239 - 247).
(1582) كلمة: (عن) ليست في المصدر.
(1583) في المصدر: (يسأل الصاحب (علیه السلام) كفناً، فورد عليه: «تموت في إحدى وثمانين»، فمات).
(1584) فرج المهموم (ص 247).

(٤٨١)

بطانة، وهي خلاف الظهارة، يقال: بطَّن الثوب تبطيناً وأبطنه، أي جعل له بطانة. والدرج بالفتح ويُحرَّك: الذي يُكتَب فيه.
[350/21] رجال الكشِّي: كَتَبَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْبَلْخِيُّ إِلَيَّ يَذْكُرُ عَن الْحُسَيْن بْن رُوح الْقُمِّيِّ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْتَأذِنُهُ فِي الْحَجِّ فَأَذِنَ لَهُ وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِثَوْبٍ، فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ: نَعَى إِلَيَّ نَفْسِي، فَانْصَرَفَ مِنَ الْحَجِّ، فَمَاتَ بِحُلْوَانَ(1585).
[351/22] الفهرست للنجاشي: اجْتَمَعَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْن بْن بَابَوَيْهِ مَعَ أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رَوْح وَسَأَلَهُ مَسَائِلَ، ثُمَّ كَاتَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى يَدِ عَلِيِّ بْن جَعْفَر بْن الْأَسْوَدِ يَسْأَلُهُ أَنْ يُوصِلَ لَهُ رُقْعَةً إِلَى الصَّاحِبِ (علیه السلام)، وَيَسْأَلُهُ فِيهَا الْوَلَدَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: «قَدْ دَعَوْنَا اللهَ لَكَ بِذَلِكَ، وَسَتُرْزَقُ وَلَدَيْن ذَكَرَيْن خَيِّرَيْن». فَوُلِدَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مِنْ أُمِّ وَلَدٍ، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُولُ: أَنَا وُلِدْتُ بِدَعْوَةِ صَاحِبِ الْأَمْر (علیه السلام)، وَيَفْتَخِرُ بِذَلِكَ(1586).
[352/23] مهج الدعوات: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلَويُّ الْعُرَيْضِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْن عَلِيٍّ الْعَلَويِّ الْحُسَيْنيِّ وَكَانَ يَسْكُنُ بِمِصْرَ، قَالَ: دَهَمَنِي أَمْرٌ عَظِيمٌ وَهَمٌّ شَدِيدٌ مِنْ قِبَل صَاحِبِ مِصْرَ، فَخَشِيتُهُ عَلَى نَفْسِي، وَكَانَ قَدْ سَعَى بِي إِلَى أَحْمَدَ بْن طُولُونَ، فَخَرَجْتُ مِنْ مِصْرَ حَاجًّا، وَسِرْتُ مِنَ الْحِجَازِ إِلَى الْعِرَاقِ، فَقَصَدْتُ مَشْهَدَ مَوْلَائِيَ الْحُسَيْن بْن عَلِيٍّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا) عَائِذاً بِهِ وَلَائِذاً بِقَبْرهِ وَمُسْتَجِيراً بِهِ مِنْ سَطْوَةِ مَنْ كُنْتُ أَخَافُهُ، فَأَقَمْتُ بِالْحَائِر خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً أَدْعُو وَأَتَضَرَّعُ لَيْلي وَنَهَاري.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1585) اختيار معرفة الرجال (ص 557/ ح 1052).
(1586) رجال النجاشي (ص 261/ الرقم 684).

(٤٨٢)

فَتَرَاءَى لِي قَيِّمُ الزَّمَان وَوَلِيُّ الرَّحْمَن (علیه السلام) وَأَنَا بَيْنَ النَّائِم وَالْيَقْظَان، فَقَالَ لِي: «يَقُولُ لَكَ الْحُسَيْنُ: يَا بُنَيَّ، خِفْتَ فُلَاناً؟»، فَقُلْتُ: نَعَمْ، أَرَادَ هَلَاكِي، فَلَجَأتُ إِلَى سَيِّدِي (علیه السلام)، وَأَشْكُو إِلَيْهِ عَظِيمَ مَا أَرَادَ بِي.
فَقَالَ: «هَلَّا دَعَوْتَ اللهَ رَبَّكَ وَرَبَّ آبَائِكَ بِالْأَدْعِيَةِ الَّتِي دَعَا بِهَا مَنْ سَلَفَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ (عليهم السلام)، فَقَدْ كَانُوا فِي شِدَّةٍ، فَكَشَفَ اللهُ عَنْهُمْ ذَلِكَ؟»، قُلْتُ: وَبِمَا ذَا أَدْعُوهُ؟ فَقَالَ: «إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ فَاغْتَسِلْ وَصَلِّ صَلَاةَ اللَّيْل، فَإذَا سَجَدْتَ سَجْدَةَ الشُّكْر دَعَوْتَ بِهَذَا الدُّعَاءِ وَأَنْتَ بَاركٌ عَلَى رُكْبَتَيْكَ»، فَذَكَرَ لِي دُعَاءً. قَالَ: وَرَأَيْتُهُ فِي مِثْل ذَلِكَ الْوَقْتِ يَأتِيني وَأَنَا بَيْنَ النَّائِم وَالْيَقْظَان، قَالَ: وَكَانَ يَأتِيني خَمْسَ لَيَالٍ مُتَوَالِيَاتٍ يُكَرِّرُ عَلَيَّ هَذَا الْقَوْلَ وَالدُّعَاءَ حَتَّى حَفِظْتُهُ وَانْقَطَعَ عَنِّي مَجِيئُهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَاغْتَسَلْتُ وَغَبَّرْتُ(1587) ثِيَابِي وَتَطَيَّبْتُ وَصَلَّيْتُ صَلَاةَ اللَّيْل وَسَجَدْتُ سَجْدَةَ الشُّكْر وَجَثَوْتُ عَلَى رُكْبَتَيَّ وَدَعَوْتُ اللهَ جَلَّ وَتَعَالَى بِهَذَا الدُّعَاءِ، فَأَتَانِي (علیه السلام) لَيْلَةَ السَّبْتِ فَقَالَ لِي: «قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكَ يَا مُحَمَّدُ وَقُتِلَ عَدُوُّكَ عِنْدَ فَرَاغِكَ مِنَ الدُّعَاءِ عِنْدَ مَنْ وَشَى بِكَ إِلَيْهِ».
قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ وَدَّعْتُ سَيِّدِي وَخَرَجْتُ مُتَوَجِّهاً إِلَى مِصْرَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ الْأُرْدُنَّ وَأَنَا مُتَوَجِّهٌ إِلَى مِصْرَ رَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ جِيرَانِي بِمِصْرَ وَكَانَ مُؤْمِناً، فَحَدَّثَنِي أنَّ خَصْمِي(1588) قَبَضَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ طُولُونَ فَأَمَرَ بِهِ فَأَصْبَحَ مَذْبُوحاً مِنْ قَفَاهُ، قَالَ: وَذَلِك فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ، وَأَمَرَ بِهِ فَطُرحَ فِي النِّيل، وَكَانَ ذَلِكَ فِيمَا أَخْبَرَني جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِهَا وَإِخْوَانِنَا الشِّيعَةِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِيمَا بَلَغَهُمْ عِنْدَ فَرَاغِي مِنَ الدُّعَاءِ كَمَا أَخْبَرَني مَوْلَايَ (علیه السلام)(1589).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1587) في المصدر: (وغيَّرت).
(1588) في المصدر: (خصمك).
(1589) مهج الدعوات (ص 279).

(٤٨٣)

[353/24] الإرشاد: ابْنُ قُولَوَيْهِ، عَن الْكُلَيْنيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: وُلِدَ لِي وَلَدٌ، فَكَتَبْتُ أَسْتَأذِنُ فِي تَطْهِيرهِ يَوْمَ السَّابِع، فَوَرَدَ: «لَا تَفْعَلْ»، فَمَاتَ يَوْمَ السَّابِع أَوْ الثَّامِن، ثُمَّ كَتَبْتُ بِمَوْتِهِ فَوَرَدَ: «سَتُخْلَفُ غَيْرُهُ وَغَيْرُهُ، فَسَمِّ الْأَوَّلَ أَحْمَدَ وَمِنْ بَعْدِ أَحْمَدَ جَعْفَراً»، فَجَاءَا كَمَا قَالَ.
قَالَ: وَتَهَيَّأتُ لِلْحَجِّ وَوَدَّعْتُ النَّاسَ وَكُنْتُ عَلَى الْخُرُوج(1590)، فَوَرَدَ: «نَحْنُ لِذَلِكَ كَارهُونَ وَالْأَمْرُ إِلَيْكَ»، فَضَاقَ صَدْري وَاغْتَمَمْتُ، وَكَتَبْتُ: أَنَا مُقِيمٌ عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَةِ غَيْرَ أَنِّي مُغْتَمٌّ بِتَخَلُّفِي عَن الْحَجِّ، فَوَقَّعَ: «لَا يَضِيقُ صَدْرُكَ فَإنَّكَ سَتَحُجُّ قَابِلاً إِنْ شَاءَ اللهُ»، فَلَمَّا كَانَ مِنْ قَابِل كَتَبْتُ أَسْتَأذِنُ، فَوَرَدَ الْإذْنُ، وَكَتَبْتُ: أَنِّي قَدْ عَادَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْعَبَّاس، وَأَنَا وَاثِقٌ بِدِيَانَتِهِ وَصِيَانَتِهِ، فَوَرَدَ: «الْأَسَدِيُّ نِعْمَ الْعَدِيلُ، فَإنْ قَدِمَ فَلَا تَخْتَرْ عَلَيْهِ»، فَقَدِمَ الْأَسَدِيُّ، فَعَادَلْتُهُ(1591).
الغيبة للطوسي: جماعة، عن ابن قولويه، مثله إلى قوله: كما قال(1592).
[354/25] الكافي: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَعْدِ بْن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: إِنَّ الْحَسَنَ ابْنَ النَّضْر وَأَبَا صِدَام وَجَمَاعَةً تَكَلَّمُوا بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ فِيمَا فِي أَيْدِي الْوُكَلَاءِ وَأَرَادُوا الْفَحْصَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ النَّضْر إِلَى أَبِي صِدَام فَقَالَ: إِنِّي أُريدُ الْحَجَّ، فَقَالَ أَبُو صِدَام: أَخِّرْهُ هَذِهِ السَّنَةَ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: إِنِّي أَفْزَعُ فِي المَنَام وَلَا بُدَّ مِنَ الْخُرُوج، وَأَوْصَى إِلَى أَحْمَدَ بْن يَعْلَى بْن حَمَّادٍ، وَأَوْصَى لِلنَّاحِيَةِ بِمَالٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يُخْرجَ شَيْئاً إِلَّا مِنْ يَدِهِ إِلَى يَدِهِ بَعْدَ ظُهُورهِ.
قَالَ: فَقَالَ الْحَسَنُ: لَـمَّا وَافَيْتُ بَغْدَادَ اكْتَرَيْتُ دَاراً فَنَزَلْتُهَا، فَجَاءَنِي بَعْضُ الْوُكَلَاءِ بِثِيَابٍ وَدَنَانِيرَ وَخَلَّفَهَا عِنْدِي، فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: هُوَ مَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1590) هكذا في نسخة الكافي (ج 1/ ص 522)، وفي الإرشاد: (وكتبت أستأذن في الخروج، فورد...) إلخ.
(1591) الإرشاد للمفيد (ج 2/ ص 363).
(1592) الغيبة للطوسي (ص 416/ ح 393)، باختلاف في المتن والسند.

(٤٨٤)

تَرَى، ثُمَّ جَاءَنِي آخَرُ بِمِثْلِهَا، وَآخَرُ حَتَّى كَبَسُوا الدَّارَ، ثُمَّ جَاءَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بِجَمِيع مَا كَانَ مَعَهُ، فَتَعَجَّبْتُ وَبَقِيتُ مُتَفَكِّراً، فَوَرَدَتْ عَلَيَّ رُقْعَةُ الرَّجُل: «إِذَا مَضَى مِنَ النَّهَار كَذَا وَكَذَا فَاحْمِلْ مَا مَعَكَ»، فَرَحَلْتُ وَحَمَلْتُ مَا مَعِي وَفِي الطَّريقِ صُعْلُوكٌ وَيَقْطَعُ الطَّريقَ فِي سِتِّينَ رَجُلاً، فَاجْتَزْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَنِي اللهُ مِنْهُ، فَوَافَيْتُ الْعَسْكَرَ وَنَزَلْتُ، فَوَرَدَتْ عَلَيَّ رُقْعَةٌ أَنِ: «احْمِلْ مَا مَعَكَ»، فَصَبَبْتُهُ فِي صِنَان الْحَمَّالِينَ.
فَلَمَّا بَلَغْتُ الدِّهْلِيزَ فَإذَا فِيهِ أَسْوَدٌ قَائِمٌ، فَقَالَ: أَنْتَ الْحَسَنُ بْنُ النَّضْر؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: ادْخُلْ، فَدَخَلْتُ الدَّارَ وَدَخَلْتُ بَيْتاً وَفَرَّغْتُ صِنَانَ الْحَمَّالِينَ وَإِذَا فِي زَاويَةِ الْبَيْتِ خُبْزٌ كَثِيرٌ، فَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَمَّالِينَ رَغِيفَيْن وَأُخْرجُوا، وَإِذَا بَيْتٌ عَلَيْهِ سِتْرٌ، فَنُودِيتُ مِنْهُ: «يَا حَسَنَ بْنَ النَّضْر، احْمَدِ اللهَ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْكَ، وَلَا تَشُكَّنَّ، فَوَدَّ الشَّيْطَانُ أَنَّكَ شَكَكْتَ»، وَأَخْرَجَ إِلَيَّ ثَوْبَيْن وَقِيلَ لِي: «خُذْهُمَا فَتَحْتَاجُ إِلَيْهِمَا»، فَأخَذْتُهُمَا وَخَرَجْتُ.
قَالَ سَعْدٌ: فَانْصَرَفَ الْحَسَنُ بْنُ النَّضْر وَمَاتَ فِي شَهْر رَمَضَانَ وَكُفِّنَ فِي الثَّوْبَيْن(1593).
بيان: كبس داره: هجم عليه وأحاطه، وكبست النهر والبئر: طممتها بالتراب. والصنان: شبه سلَّة يُجعَل فيها الخبز.
[355/26] الكافي: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَن الْفَضْل الْخَزَّازِ المَدَائِنيِّ مَوْلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ [مُحَمَّدٍ](1594) أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: إِنَّ قَوْماً مِنْ أَهْل المَدِينَةِ مِنَ الطَّالِبيِّينَ كَانُوا يَقُولُونَ بِالْحَقِّ، فَكَانَتِ الْوَظَائِفُ تَردُ عَلَيْهِمْ فِي وَقْتٍ مَعْلُوم، فَلَمَّا مَضَى أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام) رَجَعَ قَوْمٌ مِنْهُمْ عَن الْقَوْلِ بِالْوَلَدِ، فَوَرَدَتِ الْوَظَائِفُ عَلَى مَنْ ثَبَتَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1593) أُصول الكافي (ج 1/ ص 517/ باب مولد الصاحب (علیه السلام)/ ح 4).
(1594) من المصدر.

(٤٨٥)

مِنْهُمْ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوَلَدِ وَقُطِعَ عَن الْبَاقِينَ، فَلاَ يُذْكَرُونَ فِي الذَّاكِرينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(1595).
[356/27] الكافي: الْقَاسِمُ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ: وُلِدَ لِي عِدَّةُ بَنينَ، فَكُنْتُ أَكْتُبُ وَأَسْأَلُ الدُّعَاءَ، فَلَا يُكْتَبُ إِلَيَّ لَهُمْ بِشَيْءٍ، فَلَمَّا وُلِدَ لِيَ الْحَسَنُ ابْنِي كَتَبْتُ أَسْأَلُ الدُّعَاءَ، فَأُجِبْتُ: «يَبْقَى وَالْحَمْدُ للهِ»(1596).
[357/28] الكافي: الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْل بْن زَيْدٍ الْيَمَانِيُّ، قَالَ: كَتَبَ أَبِي بِخَطِّهِ كِتَاباً فَوَرَدَ جَوَابُهُ، ثُمَّ كَتَبَ بِخَطِّي فَوَرَدَ جَوَابُهُ، ثُمَّ كَتَبَ بِخَطِّ رَجُلٍ مِنْ فُقَهَاءِ أَصْحَابِنَا فَلَمْ يَردْ جَوَابُهُ، فَنَظَرْنَا فَكَانَتِ الْعِلَّةُ أَنَّ الرَّجُلَ تَحَوَّلَ قَرْمَطِيًّا(1597).
[358/29] الكافي: الْحَسَنُ بْنُ خَفِيفٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَ بِخَدَم إِلَى مَدِينَةِ الرَّسُولِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَمَعَهُمْ خَادِمَان، وَكَتَبَ إِلَى خَفِيفٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمْ، فَخَرَجَ مَعَهُمْ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى الْكُوفَةِ شَربَ أَحَدُ الْخَادِمَيْن مُسْكِراً، فَمَا خَرَجُوا مِنَ الْكُوفَةِ حَتَّى وَرَدَ كِتَابٌ مِنَ الْعَسْكَر بِرَدِّ الْخَادِم الَّذِي شَربَ المُسْكِرَ وَعُزلَ عَن الْخِدْمَةِ(1598).
[359/30] الكافي: الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَن الْعَلَويُّ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ نُدَمَاءِ رُوزْحَسَنِيَّ وَآخَرُ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ: هُوَ ذَا يَجْبِي الْأَمْوَالَ وَلَهُ وُكَلَاءُ، وَسَمَّوْا جَمِيعَ الْوُكَلَاءِ فِي النَّوَاحِي، وَأَنْهَى ذَلِكَ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بْن سُلَيْمَانَ الْوَزِير، فَهَمَّ الْوَزِيرُ بِالْقَبْض عَلَيْهِمْ، فَقَالَ السُّلْطَانُ: اطْلُبُوا أَيْنَ هَذَا الرَّجُلُ، فَإنَّ هَذَا أَمْرٌ غَلِيظٌ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سُلَيْمَانَ: نَقْبِضُ عَلَى الْوُكَلَاءِ، فَقَالَ السُّلْطَانُ: لَا، وَلَكِنْ دَسُّوا لَهُمْ قَوْماً لَا يُعْرَفُونَ بِالْأَمْوَالِ، فَمَنْ قَبَضَ مِنْهُمْ شَيْئاً قُبِضَ عَلَيْهِ.
قَالَ: فَخَرَجَ بِأَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَى جَمِيع الْوُكَلَاءِ أنْ لَا يَأخُذُوا مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً، وَأَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1595) أُصول الكافي (ج 1/ ص 518/ باب مولد الصاحب (علیه السلام)/ ح 7).
(1596) أُصول الكافي (ج 1/ ص 519/ باب مولد الصاحب (علیه السلام)/ ح 9).
(1597) أُصول الكافي (ج 1/ ص 520/ باب مولد الصاحب (علیه السلام)/ ح 13).
(1598) أُصول الكافي (ج 1/ ص 523/ باب مولد الصاحب (علیه السلام)/ ح 21).

(٤٨٦)

يَمْتَنِعُوا مِنْ ذَلِكَ وَيَتَجَاهَلُوا الْأَمْرَ، فَانْدَسَّ بِمُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ رَجُلٌ لَا يَعْرفُهُ وَخَلَا بِهِ، فَقَالَ: مَعِي مَالٌ أُريدُ أَنْ أُوصِلَهُ، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ: غَلِطْتَ أَنَا لَا أَعْرفُ مِنْ هَذَا شَيْئاً، فَلَمْ يَزَلْ يَتَلَطَّفُهُ وَمُحَمَّدٌ يَتَجَاهَلُ عَلَيْهِ، وَبَثُّوا الْجَوَاسِيسَ وَامْتَنَعَ الْوُكَلَاءُ كُلُّهُمْ لِمَا كَانَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ(1599).
[360/31] الغيبة للطوسي: مُعْجِزَاتُهُ (علیه السلام) أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى غَيْرَ أَنَّا نَذْكُرُ طَرَفاً مِنْهَا:
مَا أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي الْقَاسِم جَعْفَر بْن مُحَمَّدِ بْن قُولَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن يَعْقُوبَ رَفَعَهُ إِلَى مُحَمَّدِ بْن إِبْرَاهِيمَ بْن مَهْزيَارَ، قَالَ: شَكَكْتُ عِنْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، وَكَانَ اجْتَمَعَ عِنْدَ أَبِي مَالٌ جَلِيلٌ، فَحَمَلَهُ وَرَكِبَ فِي السَّفِينَةِ، وَخَرَجْتُ مَعَهُ مُشَيِّعاً لَهُ، فَوُعِكَ وَعْكاً شَدِيداً، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، رُدَّنِي رُدَّنِي فَهُوَ المَوْتُ، وَاتَّقِ اللهَ فِي هَذَا المَالِ، وَأَوْصَى إِلَيَّ وَمَاتَ.
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَمْ يَكُنْ أَبِي يُوصِي بِشَيْءٍ غَيْر صَحِيح، أَحْمِلُ هَذَا المَالَ إِلَى الْعِرَاقِ وَأَكْتَري دَاراً عَلَى الشَّطِّ وَلَا أُخْبِرُ أَحَداً فَإنْ وَضَحَ لِي شَيْءٌ كَوُضُوحِهِ أَيَّامَ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) أَنْفَذْتُهُ وَإِلَّا تَصَدَّقْتُ بِهِ.
فَقَدِمْتُ الْعِرَاقَ وَاكْتَرَيْتُ دَاراً عَلَى الشَّطِّ وَبَقِيتُ أَيَّاماً، فَإذَا أَنَا بِرَسُولٍ مَعَهُ رُقْعَةٌ فِيهَا: «يَا مُحَمَّدُ، مَعَكَ كَذَا وَكَذَا فِي جَوْفِ كَذَا وَكَذَا» حَتَّى قَصَّ عَلَيَّ جَمِيعَ مَا مَعِي مِمَّا لَمْ أُحِطْ بِهِ عِلْماً، فَسَلَّمْتُ المَالَ إِلَى الرَّسُولِ، وَبَقِيتُ أَيَّاماً لَا يُرْفَعُ لِي رَأسٌ، فَاغْتَمَمْتُ، فَخَرَجَ إِلَيَّ: «قَدْ أَقَمْنَاكَ مَقَامَ أَبِيكَ فَاحْمَدِ اللهَ»(1600).
الإرشاد: ابْنُ قُولَوَيْهِ، عَن الْكُلَيْنيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن حَمَّوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ(1601).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1599) أُصول الكافي (ج 1/ ص 525/ باب مولد الصاحب (علیه السلام)/ ح 30).
(1600) الغيبة للطوسي (ص 281/ ح 239).
(1601) الإرشاد للمفيد (ج 2/ ص 355).

(٤٨٧)

بيان: في الكافي مكان قوله: (وإلَّا تصدَّقت به): وإلَّا قصفت به، والقصف اللهو واللعب، وفي الإرشاد: وإلَّا أنفقته في ملاذي وشهواتي، وكأنَّه نقل بالمعنى. وقوله: (لا يرفع لي رأس) كناية عن عدم التوجُّه والاستخبار فإنَّ من يتوجَّه إلى أحد يرفع إليه رأسه.
[361/32] الغيبة للطوسي: بِهَذَا الْإسْنَادِ، عَن الْحَسَن بْن الْفَضْل بْن زَيْدٍ(1602) الْيَمَانِيِّ، قَالَ: كَتَبْتُ فِي مَعْنَيَيْن وَأَرَدْتُ أَنْ أَكْتُبَ فِي الثَّالِثِ وَامْتَنَعْتُ مِنْهُ مَخَافَةَ أَنْ يُكْرَهَ ذَلِكَ، فَوَرَدَ جَوَابُ المَعْنَيَيْن وَالثَّالِثِ الَّذِي طَوَيْتُهُ مُفَسَّراً(1603).
[362/33] الغيبة للطوسي: بِهَذَا الْإسْنَادِ عَنْ بَدْرٍ غُلَام أَحْمَدَ بْن الْحَسَن [عَنْهُ](1604)، قَالَ: وَرَدْتُ الْجَبَلَ وَأَنَا لَا أَقُولُ بِالْإمَامَةِ أُحِبُّهُمْ جُمْلَةً إِلَى أَنْ مَاتَ يَزيدُ ابْنُ عَبْدِ المَلِكِ(1605)، فَأَوْصَى إِلَيَّ فِي عِلَّتِهِ أَنْ يُدْفَعَ الشِّهْريُّ السَّمَنْدُ وَسَيْفُهُ وَمِنْطَقَتُهُ إِلَى مَوْلَاهُ، فَخِفْتُ إِنْ لَمْ أَدْفَع الشِّهْريَّ إِلَى إِذْكُوتَكِينَ نَالَنِي مِنْهُ اسْتِخْفَافٌ، فَقَوَّمْتُ الدَّابَّةَ وَالسَّيْفَ وَالْمِنْطَقَةَ بِسَبْعِمِائَةِ دِينَارٍ فِي نَفْسِي وَلَمْ أُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَداً، فَإذَا الْكِتَابُ قَدْ وَرَدَ عَلَيَّ مِنَ الْعِرَاقِ أَنْ: «وَجِّهِ السَّبْعَمِائَةِ دِينَارٍ الَّتِي لَنَا قِبَلَكَ مِنْ ثَمَن الشِّهْريِّ السَّمَنْدِ وَالسَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ»(1606).
الإرشاد: ابن قولويه، عن الكليني، عن عليِّ بن محمّد، عن عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن الحسن، والعلاء بن رزق الله، عن بدر، مثله(1607).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1602) في المصدر: (يزيد) بدل (زيد).
(1603) الغيبة للطوسي (ص 282/ ح 240).
(1604) كلمة: (عنه) ليست في المصدر.
(1605) في نسخة الكافي (ج 1/ ص 522)، والإرشاد (ج 2/ ص 363)/ كما مرَّ عن كتاب النجوم نقلاً عن دلائل الطبري: (يزيد بن عبد الله).
(1606) الغيبة للطوسي (ص 382/ ح 241).
(1607) الإرشاد للمفيد (ج 2/ ص 363).

(٤٨٨)

بيان: قال الفيروزآبادي: الشِّهريَّة بالكسر: ضرب من البراذين(1608).
[وأقول: يظهر من الخبر الطويل الذي أخرجناه من كتاب النجوم ودلائل الطبري أنَّ صاحب القضيَّة هو أحمد لا بدر غلامه، والبدر روى عن مولاه، والعلاء عطف على العدَّة، وهذا سند آخر إلى أحمد، ولم يُذكَر أحمد في الثاني لظهوره، أو كان (عنه) بعد قوله: (غلام أحمد بن الحسن)، فسقط من النُّسَّاخ، فتدبَّر](1609).
[363/34] الغيبة للطوسي: بِهَذَا الْإسْنَادِ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عَقِيلٍ عِيسَى بْن نَصْرٍ، قَالَ: كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ الصَّيْمَريُّ يَلْتَمِسُ كَفَناً، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: «أَنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ»، فَمَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِالْكَفَن قَبْلَ مَوْتِهِ(1610).
[بيان: (في سنة ثمانين): أي من عمره، أو المراد سنة ثمانين بعد المائتين. وفي الكافي: قبل موته بأيَّام].
[364/35] الغيبة للطوسي: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ، قَالَ: خَرَجَ نَهْيٌ عَنْ زِيَارَةِ مَقَابِر قُرَيْشٍ وَالْحَائِر، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَشْهُرٍ دَعَا الْوَزِيرُ الْبَاقَطَانِيَّ، فَقَالَ لَهُ: الْقَ بَنِي الْفُرَاتِ وَالْبُرْسِيِّينَ وَقُلْ لَهُمْ: لَا تَزُورُوا مَقَابِرَ قُرَيْشٍ، فَقَدْ أَمَرَ الْخَلِيفَةُ أَنْ يُتَفَقَّدَ كُلُّ مَنْ زَارَ فَيُقْبَضَ عَلَيْهِ(1611).
بيان: بنو الفرات رهط الوزير أبي الفتح الفضل بن جعفر بن فرات، كان من وزراء بني العبَّاس، وهو الذي صحَّح طريق الخطبة الشقشقيَّة، ويحتمل أنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1608) القاموس المحيط (ج 2/ ص 68).
(1609) هو موجود في نسخة الإرشاد المطبوعة سنة (1372هـ)، ولذا أضفناه في المتن وجعلناه بين المعقوفتين.
(1610) الغيبة للطوسي (ص 283/ ح 243).
(1611) الغيبة للطوسي (ص 284/ ح 244).

(٤٨٩)

يكون المراد النازلين بشطِّ الفرات. وبرس: قرية بين الحلَّة والكوفة. والمراد بزيارة مقابر قريش زيارة الكاظمين (علیهما السلام).
[365/36] كمال الدِّين: المُظَفَّرُ الْعَلَويُّ، عَن ابْن الْعَيَّاشِيِّ، عَنْ أَبِيهِ(1612)، عَنْ عَلِيِّ بْن أَحْمَدَ الرَّازِيِّ، قَالَ: خَرَجَ بَعْضُ إِخْوَانِي مِنْ أَهْل الرَّأي مُرْتَاداً بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَبَيْنَا هُوَ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ(1613) مُتَفَكِّراً فِيمَا خَرَجَ لَهُ يَبْحَثُ حَصَى المَسْجِدِ بِيَدِهِ إِذَا ظَهَرَتْ لَهُ حَصَاةٌ فِيهَا مَكْتُوبٌ: مُحَمَّدٌ، فَنَظَرَ فَإذَا هِيَ كِتَابَةٌ نَاتِئَةٌ(1614) مَخْلُوقَةٌ غَيْرُ مَنْقُوشَةٍ(1615).
[366/37] الغيبة للطوسي: المُفِيدُ وَالْغَضَائِريُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ الصَّفْوَانِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ الْقَاسِمَ بْنَ الْعَلَاءِ وَقَدْ عُمِّرَ مِائَةَ سَنَةٍ وَسَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، مِنْهَا ثَمَانِينَ سَنَةً صَحِيحُ الْعَيْنَيْن، لَقِيَ مَوْلَانَا أَبَا الْحَسَن وَأَبَا مُحَمَّدٍ الْعَسْكَريَّيْنِ (علیهما السلام)، وَحُجِبَ بَعْدَ الثَّمَانِينَ، وَرُدَّتْ عَلَيْهِ عَيْنَاهُ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّام، وَذَلِكَ أَنِّي كُنْتُ مُقِيماً عِنْدَهُ بِمَدِينَةِ الرَّان مِنْ أَرْض آذَرْبيجَانَ، وَكَانَ لَا يَنْقَطِعُ تَوْقِيعَاتُ مَوْلَانَا صَاحِبِ الزَّمَان (علیه السلام) عَلَى يَدِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْن عُثْمَانَ الْعَمْريِّ وَبَعْدَهُ عَلَى يَدِ أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رَوْح (قَدَّسَ اللهُ أَرْوَاحَهُمَا)، فَانْقَطَعَتْ عَنْهُ المُكَاتَبَةُ نَحْواً مِنْ شَهْرَيْن، فَغُلِقَ(1616) (رحمه الله) لِذَلِكَ.
فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ نَأكُلُ إِذْ دَخَلَ الْبَوَّابُ مُسْتَبْشِراً، فَقَالَ لَهُ: فَيْجُ الْعِرَاقِ لَا يُسَمَّى بِغَيْرهِ، فَاسْتَبْشَرَ الْقَاسِمَ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ فَسَجَدَ، وَدَخَلَ كَهْلٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1612) في المصدر إضافة: (عن أحمد بن عليِّ بن كلثوم).
(1613) في المصدر إضافة: (مغموماً).
(1614) في المصدر: (ثابتة) بدل (ناتئة).
(1615) كمال الدِّين (ج 2/ ص 408/ باب ما أخبر به العسكري (علیه السلام)/ ح 5).
(1616) في المصدر: (فقلق) بدل (فغُلِقَ).

(٤٩٠)

قَصِيرٌ يُرَى أَثَرُ الْفُيُوج عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مُضَرَّبَةٌ(1617) وَفِي رجْلِهِ نَعْلٌ مَحَامِلِيٌّ وَعَلَى كَتِفِهِ مِخْلَاةٌ.
فَقَامَ الْقَاسِمُ فَعَانَقَهُ وَوَضَعَ الْمِخْلَاةَ عَنْ عُنُقِهِ، وَدَعَا بِطَسْتٍ وَمَاءٍ فَغَسَلَ يَدَهُ وَأَجْلَسَهُ إِلَى جَانِبِهِ، فَأَكَلْنَا وَغَسَلْنَا أَيْدِيَنَا، فَقَامَ الرَّجُلُ فَأَخْرَجَ كِتَاباً أَفْضَلَ مِنَ النِّصْفِ المُدَرَّج فَنَاوَلَهُ الْقَاسِمَ، فَأَخَذَهُ وَقَبَّلَهُ وَدَفَعَهُ إِلَى كَاتِبٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ، فَأَخَذَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ فَفَضَّهُ وَقَرَأَهُ حَتَّى أَحَسَّ الْقَاسِمُ بِنِكَايَةٍ، فَقَالَ: يَا أبَا عَبْدِ اللهِ، خَيْرٌ؟ فَقَالَ: خَيْرٌ، فَقَالَ: وَيْحَكَ خَرَجَ فِيَّ شَيْءٌ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: مَا تَكْرَهُ فَلَا، قَالَ الْقَاسِمُ: فَمَا هُوَ؟ قَالَ: نَعْيُ الشَّيْخ إِلَى نَفْسِهِ بَعْدَ وُرُودِ هَذَا الْكِتَابِ بِأَرْبَعِينَ يَوْماً، وَقَدْ حُمِلَ إِلَيْهِ سَبْعَةُ أَثْوَابٍ، فَقَالَ الْقَاسِمُ: فِي سَلَامَةٍ مِنْ دِيني؟ فَقَالَ: فِي سَلَامَةٍ مِنْ دِينكَ، فَضَحِكَ (رحمه الله)، فَقَالَ: مَا أُؤَمِّلُ بَعْدَ هَذَا الْعُمُر؟
فَقَالَ الرَّجُلُ الْوَاردُ(1618) فَأَخْرَجَ مِنْ مِخْلَاتِهِ ثَلَاثَةَ أُزُرٍ وَحِبَرَةً يَمَانِيَّةً حَمْرَاءَ وَعِمَامَةً وَثَوْبَيْن وَمِنْدِيلاً، فَأَخَذَهُ الْقَاسِمُ، وَكَانَ عِنْدَهُ قَمِيصٌ خَلَعَهُ عَلَيْهِ مَوْلَانَا الرِّضَا أَبُو الْحَسَن (علیه السلام).
وَكَانَ لَهُ صَدِيقٌ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ مُحَمَّدٍ السَّنِيزيُّ(1619)، وَكَانَ شَدِيدَ النَّصْبِ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَاسِم نَضَّرَ اللهُ وَجْهَهُ مَوَدَّةٌ فِي أُمُور الدُّنْيَا شَدِيدَةٌ، وَكَانَ الْقَاسِمُ يَوَدُّهُ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَن وَافَى إِلَى الدَّار لِإصْلَاح بَيْنَ أَبِي جَعْفَر ابْن حُمْدُونٍ الْهَمَدَانِيِّ وَبَيْنَ خَتَنِهِ ابْن الْقَاسِم.
فَقَالَ الْقَاسِمُ لِشَيْخَيْن مِنْ مَشَايِخِنَا المُقِيمَيْن مَعَهُ أَحَدُهُمَا يُقَالُ لَهُ: أَبُو حَامِدٍ عِمْرَانُ بْنُ المُفَلَّس، وَالْآخَرُ [أَبُو](1620) عَلِيٍّ بْنُ جَحْدَرٍ، أَنْ اقْرئَا هَذَا الْكِتَابَ عَبْدَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1617) في المصدر: (مصريَّة) بدل (مضرَّبة).
(1618) أي بيده، يقال: قال بيده، أي أهوى بهما وأخذ ما يريد.
(1619) في المصدر: (البدري) بدل (السنيزي).
(1620) من المصدر.

(٤٩١)

الرَّحْمَن بْنَ مُحَمَّدٍ فَإنِّي أُحِبُّ هِدَايَتَهُ وَأَرْجُو أَنْ يَهْدِيَهُ اللهُ بِقِرَاءَةِ هَذَا الْكِتَابِ، فَقَالَا لَهُ: اللهَ اللهَ اللهَ فَإنَّ هَذَا الْكِتَابَ لَا يَحْتَمِلُ مَا فِيهِ خَلْقٌ مِنَ الشِّيعَةِ فَكَيْفَ عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ مُحَمَّدٍ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ أَنِّي مُفْشٍ لِسِرٍّ لَا يَجُوزُ لِي إِعْلَانُهُ، لَكِنْ مِنْ مَحَبَّتِي لِعَبْدِ الرَّحْمَن بْن مُحَمَّدٍ وَشَهْوَتِي أَنْ يَهْدِيَهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) لِهَذَا الْأَمْر، هُوَ ذَا أُقْرئُهُ الْكِتَابَ.
فَلَمَّا مَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمُ وَكَانَ يَوْمُ الْخَمِيس لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَجَبٍ دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَأَخْرَجَ الْقَاسِمُ الْكِتَابَ، فَقَالَ لَهُ: اقْرَأ هَذَا الْكِتَابَ وَانْظُرْ لِنَفْسِكَ، فَقَرَأَ عَبْدُ الرَّحْمَن الْكِتَابَ، فَلَمَّا بَلَغَ إِلَى مَوْضِع النَّعْي رَمَى الْكِتَابَ عَنْ يَدِهِ، وَقَالَ لِلْقَاسِم: يَا أبَا مُحَمَّدٍ، اتَّقِ اللهَ فَإنَّكَ رَجُلٌ فَاضِلٌ فِي دِينكَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ عَقْلِكَ، وَاللهُ (عزَّ وجلَّ) يَقُولُ: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَا ذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ [لقمان: 34]، وَقَالَ: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً﴾ [الجنّ: 26]، فَضَحِكَ الْقَاسِمُ وَقَالَ لَهُ: أَتِمَّ الآيَةَ: ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجنّ: 27]، وَمَوْلَايَ هُوَ المُرْتَضَى(1621) مِنَ الرَّسُولِ، وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا، وَلَكِنْ أَرِّخ الْيَوْمَ فَإنْ أَنَا عِشْتُ بَعْدَ هَذَا الْيَوْم المُوَرَّخ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَاعْلَمْ أَنِّي لَسْتُ عَلَى شَيْءٍ، وَإِنْ أَنَا مِتُّ فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ، فَوَرَّخَ عَبْدُ الرَّحْمَن الْيَوْمَ وَافْتَرَقُوا.
وَحُمَّ الْقَاسِمُ يَوْمَ السَّابِع مِنْ وُرُودِ الْكِتَابِ وَاشْتَدَّتْ بِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْعِلَّةُ وَاسْتَنَدَ فِي فِرَاشِهِ إِلَى الْحَائِطِ، وَكَانَ ابْنُهُ الْحَسَنُ بْنُ الْقَاسِم مُدْمِناً عَلَى شُرْبِ الْخَمْر، وَكَانَ مُتَزَوِّجاً إِلَى أَبِي جَعْفَر(1622) بْن حُمْدُونٍ الْهَمَدَانِيِّ، وَكَانَ جَالِساً وَردَاؤُهُ مَسْتُورٌ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الدَّار، وَأَبُو حَامِدٍ فِي نَاحِيَتِهِ، وَأَبُو عَلِيٍّ بْنُ جَحْدَرٍ وَأَنَا وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْل الْبَلَدِ نَبْكِي إِذَا اتَّكَأ الْقَاسِمُ عَلَى يَدَيْهِ إِلَى خَلْفٍ وَجَعَلَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1621) في المصدر: (الرضا) بدل (المرتضى).
(1622) في المصدر: (عبد الله) بدل (جعفر).

(٤٩٢)

يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ، يَا حَسَنُ يَا حُسَيْنُ، يَا مَوَالِيَّ كُونُوا شُفَعَائِي إِلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ)، وَقَالَهَا الثَّانِيَةَ، وَقَالَهَا الثَّالِثَةَ. فَلَمَّا بَلَغَ فِي الثَّالِثَةِ: يَا مُوسَى يَا عَلِيُّ، تَفَرْقَعَتْ أَجْفَانُ عَيْنَيْهِ كَمَا يُفَرْقِعُ الصِّبْيَانُ شَقَائِقَ النُّعْمَان، وَانْتَفَخَتْ حَدَقَتُهُ وَجَعَلَ يَمْسَحُ بِكُمِّهِ عَيْنَيْهِ، وَخَرَجَ مِنْ عَيْنَيْهِ شَبِيهٌ بِمَاءِ اللَّحْم، ثُمَّ مَدَّ طَرْفَهُ إِلَى ابْنهِ فَقَالَ: يَا حَسَنُ، إِلَيَّ يَا أبَا حَامِدٍ، إِلَيَّ يَا أبَا عَلِيٍّ، فَاجْتَمَعْنَا حَوْلَهُ، وَنَظَرْنَا إِلَى الْحَدَقَتَيْن صَحِيحَتَيْن، فَقَالَ لَهُ أَبُو حَامِدٍ: تَرَانِي. وَجَعَلَ يَدَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا، وَشَاعَ الْخَبَرُ فِي النَّاس وَالْعَامَّةِ، وَأَتَاهُ النَّاسُ مِنَ الْعَوَامِّ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ.
وَرَكِبَ الْقَاضِي إِلَيْهِ وَهُوَ أَبُو السَّائِبِ عُتْبَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ المَسْعُودِيُّ، وَهُوَ قَاضِي الْقُضَاةِ بِبَغْدَادَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أبَا مُحَمَّدٍ، مَا هَذَا الَّذِي بِيَدِي؟ وَأَرَاهُ خَاتَماً فَصُّهُ فَيْرُوزَجٌ، فَقَرَّبَهُ مِنْهُ، فَقَالَ: عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَسْطُرٍ، فَتَنَاوَلَهُ الْقَاسِمُ (رحمه الله) فَلَمْ يُمْكِنْهُ قِرَاءَتُهُ، وَخَرَجَ النَّاسُ مُتَعَجِّبِينَ يَتَحَدَّثُونَ بِخَبَرهِ، وَالْتَفَتَ الْقَاسِمُ إِلَى ابْنهِ الْحَسَن، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ اللهَ مُنَزِّلُكَ مَنْزلَةً وَمُرَتِّبُكَ مَرْتَبَةً فَاقْبَلْهَا بِشُكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: يَا أَبَهْ، قَدْ قَبِلْتُهَا، قَالَ الْقَاسِمُ: عَلَى مَاذَا؟ قَالَ: عَلَى مَا تَأمُرُني بِهِ يَا أَبَهْ، قَالَ: عَلَى أَنْ تَرْجِعَ عَمَّا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ شُرْبِ الْخَمْر، قَالَ الْحَسَنُ: يَا أَبَهْ، وَحَقِّ مَنْ أَنْتَ فِي ذِكْرهِ لَأَرْجِعَنَّ عَنْ شُرْبِ الْخَمْر وَمَعَ الْخَمْر أَشْيَاءَ لَا تَعْرفُهَا، فَرَفَعَ الْقَاسِمُ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَلْهِم الْحَسَنَ طَاعَتَكَ وَجَنِّبْهِ مَعْصِيَتَكَ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ -، ثُمَّ دَعَا بِدَرْج، فَكَتَبَ وَصِيَّتَهُ بِيَدِهِ (رحمه الله)، وَكَانَتِ الضِّيَاعُ الَّتِي فِي يَدِهِ لِمَوْلَانَا وَقْفٌ وَقَفَهُ.
وَكَانَ فِيمَا أَوْصَى الْحَسَنَ أَنْ قَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنْ أُهِّلْتَ لِهَذَا الْأَمْر - يَعْنِي الْوَكَالَةَ لِمَوْلَانَا - فَيَكُونُ قُوتُكَ مِنْ نِصْفِ ضَيْعَتِي المَعْرُوفَةِ بِفرجيدة(1623) وَسَائِرُهَا مِلْكٌ لِمَوْلَايَ، وَإِنْ لَمْ تُؤَهَّلْ لَهُ فَاطْلُبْ خَيْرَكَ مِنْ حَيْثُ يَتَقَبَّلُ اللهُ، وَقَبِلَ الْحَسَنُ وَصِيَّتَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1623) في المصدر: (بفرجيذة).

(٤٩٣)

عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ فِي يَوْم الْأَرْبَعِينَ وَقَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ مَاتَ الْقَاسِمُ (رحمه الله)، فَوَافَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَن يَعْدُو فِي الْأَسْوَاقِ حَافِياً حَاسِراً وَهُوَ يَصِيحُ: وَا سَيِّدَاهْ، فَاسْتَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: مَا الَّذِي تَفْعَلُ بِذَلِكَ(1624)؟ فَقَالَ: اسْكُتُوا فَقَدْ رَأَيْتُ مَا لَمْ تَرَوْهُ، وَتَشَيَّعَ وَرَجَعَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، وَوَقَفَ الْكَثِيرَ مِنْ ضِيَاعِهِ.
وَتَوَلَّى أَبُو عَلِيٍّ بْنُ جَحْدَرٍ غُسْلَ الْقَاسِم، وَأَبُو حَامِدٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ المَاءَ، وَكُفِّنَ فِي ثَمَانِيَةِ أَثْوَابٍ، عَلَى بَدَنِهِ قَمِيصُ مَوْلَاهُ أَبِي الْحَسَن، وَمَا يَلِيهِ السَّبْعَةُ الْأَثْوَابِ الَّتِي جَاءَتْهُ مِنَ الْعِرَاقِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ وَرَدَ كِتَابُ تَعْزيَةٍ عَلَى الْحَسَن مِنْ مَوْلَانَا (علیه السلام) فِي آخِرهِ دُعَاءٌ: «أَلْهَمَكَ اللهُ طَاعَتَهُ وَجَنَّبَ مَعْصِيَتَهُ»، وَهُوَ الدُّعَاءُ الَّذِي كَانَ دَعَا بِهِ أَبُوهُ، وَكَانَ آخِرُهُ: «قَدْ جَعَلْنَا أَبَاكَ إِمَاماً لَكَ، وَفَعَالَهُ لَكَ مِثَالاً»(1625).
كتاب النجوم: نَقَلْنَاهُ مِنْ نُسْخَةٍ عَتِيقَةٍ جِدًّا مِنْ أُصُولِ أَصْحَابِنَا لَعَلَّهَا(1626) قَدْ كُتِبَ فِي زَمَن الْوُكَلَاءِ، فَقَالَ فِيهَا مَا هَذَا لَفْظُهُ: قَالَ الصَّفْوَانِيُّ...، وَذَكَرَ نَحْوَهُ(1627).
إيضاح: قوله: (وحُجِبَ): أي عن الرؤية. والفيج بالفتح: معرَّف(1628) پيك. قوله: (لا يُسمَّى بغيره): أي كان هذا الرسول لا يُسمَّى إلَّا بفيج العراق، أو أنَّه لم يسمعه المبشَّر بل هكذا عبَّر عنه. قوله: (أفضل من النصف) يصف كبره، أي كان أكبر من نصف ورق مدرج أي مطوي. وقال الجزري: يقال: نكيت في العدوِّ أنكى نكاية، إذا أكثرت فيهم الجراح والقتل فوهنوا لذلك، ويقال: نكأت القرحة أنكؤها، إذا قشَّرتها(1629). وفي النجم: ببكائه، وهو أظهر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1624) في المصدر: (بنفسك) بدل (بذلك).
(1625) الغيبة للطوسي: 310 - 315/ رقم 263.
(1626) كلمة: (لعلَّها) ليست في المصدر.
(1627) فرج المهموم: 248 - 252.
(1628) كذا في النسخة المطبوعة، والصحيح: (معرَّب).
(1629) النهاية (ج 5/ ص 117).

(٤٩٤)

[367/38] الغيبة للطوسي: الْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَحْمَدَ بْن عَلِيِّ بْن نُوح، عَنْ أَبِي نَصْرٍ هِبَةِ اللهِ بْن مُحَمَّدِ ابْن بِنْتِ أُمِّ كُلْثُوم بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْريِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ بَنِي نَوْبَخْتَ مِنْهُمْ أَبُو الْحَسَن بْنُ كَثِيرٍ النَّوْبَخْتِيُّ، وَحَدَّثَتْنِي بِهِ أُمُّ كُلْثُوم بِنْتُ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْن عُثْمَانَ (رضي الله عنهم) أَنَّهُ حَمَلَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ (رضي الله عنه) فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ مَا يُنْفِذُهُ إِلَى صَاحِبِ الْأَمْر (علیه السلام) مِنْ قُمَّ وَنَوَاحِيهَا، فَلَمَّا وَصَلَ الرَّسُولُ إِلَى بَغْدَادَ وَدَخَلَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَأَوْصَلَ إِلَيْهِ مَا دَفَعَ إِلَيْهِ وَوَدَّعَهُ وَجَاءَ لِيَنْصَرفَ، قَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: قَدْ بَقِيَ شَيْءٌ مِمَّا اسْتَوْدَعْتُهُ، فَأَيْنَ هُوَ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ يَا سَيِّدِي فِي يَدِي إِلَّا وَقَدْ سَلَّمْتُهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: بَلَى قَدْ بَقِيَ شَيْءٌ، فَارْجِعْ إِلَى مَا مَعَكَ وَفَتِّشْهُ وَتَذَكَّرْ مَا دُفِعَ إِلَيْكَ.
فَمَضَى الرَّجُلُ فَبَقِيَ أَيَّاماً يَتَذَكَّرُ وَيَبْحَثُ وَيُفَكِّرُ فَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئاً وَلَا أَخْبَرَهُ مَنْ كَانَ فِي جُمْلَتِهِ، وَرَجَعَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَقَالَ لَهُ: لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ فِي يَدِي مِمَّا سُلِّمَ إِلَيَّ إِلَّا وَقَدْ حَمَلْتُ(1630) إِلَى حَضْرَتِكَ، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَإنَّهُ يُقَالُ لَكَ: «الثَّوْبَان السَّرْدَانِيَّان اللَّذَان دَفَعَهُمَا إِلَيْكَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مَا فَعَلَا؟»، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إِي وَاللهِ يَا سَيِّدِي لَقَدْ نَسِيتُهُمَا حَتَّى ذَهَبَا عَنْ قَلْبِي، وَلَسْتُ أَدْري الْآنَ أَيْنَ وَضَعْتُهُمَا، فَمَضَى الرَّجُلُ فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ كَانَ مَعَهُ إِلَّا فَتَّشَهُ وَحَلَّهُ، وَسَأَلَ مَنْ حَمَلَ إِلَيْهِ شَيْئاً مِنَ المَتَاع أَنْ يُفَتِّشَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَقِفْ لَهُمَا عَلَى خَبَرٍ.
فَرَجَعَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ (رحمه الله) فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: يُقَالُ لَكَ: «امْض إِلَى فُلَان بْن فُلَانٍ الْقَطَّان الَّذِي حَمَلْتَ إِلَيْهِ الْعِدْلَيْن الْقُطْنَ فِي دَار الْقُطْن فَافْتُقْ أَحَدَهُمَا وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ كَذَا وَكَذَا، فَإنَّهُمَا فِي جَانِبِهِ»، فَتَحَيَّرَ الرَّجُلُ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَمَضَى لِوَجْهِهِ إِلَى المَوْضِع، فَفَتَقَ الْعِدْلَ الَّذِي قَالَ لَهُ: افْتُقْهُ، فَإذَا الثَّوْبَان فِي جَانِبِهِ قَدِ انْدَسَّا مَعَ الْقُطْن، فَأَخَذَهُمَا وَجَاءَ بِهِمَا إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1630) في المصدر: (حملته).

(٤٩٥)

فَسَلَّمَهُمَا إِلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: لَقَدْ أَنْسَيْتُهُمَا لِأَنِّي لَـمَّا شَدَدْتُ المَتَاعَ بَقِيَا فَجَعَلْتُهُمَا فِي جَانِبِ الْعِدْلِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ أَحْفَظُ لَهُمَا.
وَتَحَدَّثَ الرَّجُلُ بِمَا رَآهُ وَأَخْبَرَهُ بِهِ أَبُو جَعْفَرٍ مِنْ عَجِيبِ الْأَمْر الَّذِي لَا يَقِفُ عَلَيْهِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ إِمَامٌ مِنْ قِبَل اللهِ الَّذِي يَعْلَمُ السَّرَائِرَ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الرَّجُلُ يَعْرفُ أَبَا جَعْفَرٍ وَإِنَّمَا أُنْفِذَ عَلَى يَدِهِ كَمَا يُنْفَذُ التُّجَّارُ إِلَى أَصْحَابِهِمْ عَلَى يَدِ مَنْ يَثِقُونَ بِهِ، وَلَا كَانَ مَعَهُ تَذْكِرَةٌ سَلَّمَهَا إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَلَا كِتَابٌ، لِأَنَّ الْأَمْرَ كَانَ حَادًّا(1631) فِي زَمَان المُعْتَضِدِ وَالسَّيْفُ يَقْطُرُ دَماً كَمَا يُقَالُ، وَلكَانَ سِرًّا بَيْنَ الْخَاصِّ مِنْ أَهْل هَذَا الشَّأن، وَكَانَ مَا يُحْمَلُ بِهِ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ لَا يَقِفُ مَنْ يَحْمِلُهُ عَلَى خَبَرهِ وَلَا حَالِهِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: امْض إِلَى مَوْضِع كَذَا وَكَذَا فَسَلِّمْ مَا مَعَكَ مِنْ غَيْر أَنْ يُشْعِرَ بِشَيْءٍ، وَلَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ كِتَابٌ، لِئَلَّا يُوقَفَ عَلَى مَا يَحْمِلُهُ مِنْهُ(1632).
[368/39] الغيبة للطوسي: جَمَاعَةٌ، عَن الْحَسَن بْن حَمْزَةَ الْعَلَويِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ الْكُلَيْنيِّ، قَالَ: كَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ المَصِيريُّ يَسْأَلُ صَاحِبَ الزَّمَان كَفَناً يَتَيَمَّنُ بِمَا يَكُونُ مِنْ عِنْدِهِ، فَوَرَدَ: «أَنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ سَنَةً إِحْدَى وَثَمَانِينَ»، فَمَاتَ (رحمه الله) فِي الْوَقْتِ الَّذِي حَدَّهُ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِالْكَفَن قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهَر(1633).
كتاب النجوم: بإسنادنا إلى أبي جعفر الطبري، قال: كتب عليُّ بن محمّد السمري...، وذكر نحوه(1634).
دلائل الإمامة للطبري: عن أبي المفضَّل الشيباني، عن الكليني، عن السيمري، مثله(1635).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1631) في المصدر إضافة: (جدًّا).
(1632) الغيبة للطوسي (ص 294/ ح 249).
(1633) الغيبة للطوسي (ص 297/ ح 253).
(1634) فرج المهموم (ص 244).
(1635) دلائل الإمامة (ص 524/ ح 494)، وفيه: (السمري) بدل (السيمري).
(1636) في المصدر: (ولا في).

(٤٩٦)

[369/40] الغيبة للطوسي: جَمَاعَةٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْن مُحَمَّدِ بْن عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ مَرْوَانَ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سُورَةَ، قَالَ: كُنْتُ بِالْحَائِر زَائِراً عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَخَرَجْتُ مُتَوَجِّهاً عَلَى طَريقِ الْبَرِّ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى المُسَنَّاةِ جَلَسْتُ إِلَيْهَا مُسْتَريحاً، ثُمَّ قُمْتُ أَمْشِي وَإِذَا رَجُلٌ عَلَى ظَهْر الطَّريقِ، فَقَالَ لِي: «هَلْ لَكَ فِي الرِّفْقَةِ؟»، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَمَشَيْنَا مَعاً يُحَدِّثُنِي وَأُحَدِّثُهُ، وَسَألَنِي عَنْ حَالِي، فَأَعْلَمْتُهُ أَنِّي مُضَيَّقٌ لَا شَيْءَ مَعِي وَفِي(1636) يَدِي، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ لِي: «إِذَا دَخَلْتَ الْكُوفَةَ فَأتِ أَبَا طَاهِرٍ الزُّرَاريَّ، فَاقْرَعْ عَلَيْهِ بَابَهُ، فَإنَّهُ سَيَخْرُجُ إِلَيْكَ وَفِي يَدِهِ دَمُ الْأُضْحِيَّةِ، فَقُلْ لَهُ: يُقَالُ لَكَ: أَعْطِ هَذَا الرَّجُلَ الصُّرَّةَ الدَّنَانِيرَ الَّتِي عِنْدَ رجْل السَّرير»، فَتَعَجَّبْتُ مِنْ هَذَا، ثُمَّ فَارَقَنِي وَمَضَى لِوَجْهِهِ لَا أَدْري أَيْنَ سَلَكَ.
وَدَخَلْتُ الْكُوفَةَ وَقَصَدْتُ أَبَا طَاهِرٍ مُحَمَّدَ بْنَ سُلَيْمَانَ الزُّرَاريَّ، فَقَرَعْتُ عَلَيْهِ بَابَهُ كَمَا قَالَ لِي، وَخَرَجَ إِلَيَّ وَفِي يَدِهِ دَمُ الْأُضْحِيَّةِ، فَقُلْتُ لَهَا: يُقَالُ لَكَ: أَعْطِ هَذَا الرَّجُلَ الصُّرَّةَ الدَّنَانِيرَ الَّتِي عِنْدَ رجْل السَّرير، فَقَالَ: سَمْعاً وَطَاعَةً، وَدَخَلَ فَأَخْرَجَ إِلَيَّ الصُّرَّةَ فَسَلَّمَهَا إِلَيَّ، فَأَخَذْتُهَا وَانْصَرَفْتُ(1637).
[370/41] الغيبة للطوسي: جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ أَحْمَدَ بْن مُحَمَّدٍ الزُّرَاريِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْن مَرْوَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَعْفَريُّ وَأَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْن الرَّقَّام، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو سُورَةَ، قَالَ أَبُو غَالِبٍ: وَقَدْ رَأَيْتُ ابْناً لِأَبِي سُورَةَ، وَكَانَ أَبُو سُورَةَ أَحَدَ مَشَايِخ الزَّيْدِيَّةِ المَذْكُورينَ، قَالَ أَبُو سُورَةَ: خَرَجْتُ إِلَى قَبْر أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) أُريدُ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَعَرَّفْتُ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ عِشَاءِ الْآخِرَةِ صَلَّيْتُ وَقُمْتُ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1637) الغيبة للطوسي (ص 298/ ح 254).

(٤٩٧)

فَابْتَدَأتُ أَقْرَأُ مِنَ الْحَمْدِ وَإِذَا شَابٌّ حَسَنُ الْوَجْهِ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مُسَيَّفِيٌّ(1638)، فَابْتَدَأَ أَيْضاً مِنَ الْحَمْدِ وَخَتَمَ قَبْلي أَوْ خَتَمْتُ قَبْلَهُ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدَاةُ خَرَجْنَا جَمِيعاً مِنْ بَابِ الْحَائِر، فَلَمَّا صِرْنَا عَلَى شَاطِئ الْفُرَاتِ قَالَ لِيَ الشَّابُّ: «أَنْتَ تُريدُ الْكُوفَةَ فَامْض»، فَمَضَيْتُ طَريقَ الْفُرَاتِ وَأَخَذَ الشَّابُّ طَريقَ الْبَرِّ.
قَالَ أَبُو سُورَةَ: ثُمَّ أَسَفْتُ عَلَى فِرَاقِهِ فَاتَّبَعْتُهُ، فَقَالَ لِي: «تَعَالَ»، فَجِئْنَا جَمِيعاً إِلَى أَصْل حِصْن المُسَنَّاةِ، فَنِمْنَا جَمِيعاً وَانْتَبَهْنَا فَإذَا نَحْنُ عَلَى الْعَوْفَى عَلَى جَبَلِ الْخَنْدَقِ، فَقَالَ لِي: «أَنْتَ مُضَيَّقٌ وَعَلَيْكَ عِيَالٌ، فَامْض إِلَى أَبِي طَاهِرٍ الزُّرَاريِّ فَسَيَخْرُجُ إِلَيْكَ مِنْ مَنْزلِهِ وَفِي يَدِهِ الدَّمُ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ، فَقُلْ لَهُ: شَابٌّ مِنْ صِفَتِهِ كَذَا يَقُولُ لَكَ: صُرَّةٌ فِيهَا عِشْرُونَ دِينَاراً جَاءَكَ بِهَا بَعْضُ إِخْوَانِكَ فَخُذْهَا مِنْهُ»، قَالَ أَبُو سُورَةَ: فَصِرْتُ إِلَى أَبِي طَاهِر بْن الزُّرَاريِّ كَمَا قَالَ الشَّابُّ وَوَصَفْتُهُ لَهُ، فَقَالَ: الْحَمْدُ للهِ وَرَأَيْتُهُ، فَدَخَلَ وَأَخْرَجَ إِلَيَّ الصُّرَّةَ الدَّنَانِيرَ فَدَفَعَهَا إِلَيَّ وَانْصَرَفْتُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْن مَرْوَانَ - وَهُوَ أَيْضاً مِنْ أَحَدِ مَشَايِخِ الزَّيْدِيَّةِ -: حَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا الْحُسَيْن مُحَمَّدَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ الْعَلَويَّ وَنَحْنُ نُزُولٌ بِأَرْض الْهُرِّ، فَقَالَ: هَذَا حَقٌّ، جَاءَنِي رَجُلٌ شَابٌّ، فَتَوَسَّمْتُ فِي وَجْهِهِ سِمَةً، فَصَرَفْتُ(1639) النَّاسَ كُلَّهُمْ، وَقُلْتُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ الْخَلَفِ (علیه السلام) إِلَى بَعْض إِخْوَانِهِ بِبَغْدَادَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَعَكَ رَاحِلَةٌ، فَقَالَ: نَعَمْ فِي دَار الطَّلْحِيِّينَ، فَقُلْتُ لَهُ: قُمْ فَجِئْ بِهَا، وَوَجَّهْتُ مَعَهُ غُلَاماً، فَأَحْضَرَ رَاحِلَتَهُ، وَأَقَامَ عِنْدِي يَوْمَ(1640) ذَلِكَ، وَأَكَلَ مِنْ طَعَامِي وَحَدَّثَنِي بِكَثِيرٍ مِنْ سِرِّي وَضَمِيري، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: عَلَى أَيِّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1638) في المصدر: (سيفيّ).
(1639) في المصدر: (فانصرف).
(1640) في المصدر: (يومه).

(٤٩٨)

طَريقٍ تَأخُذُ؟ قَالَ: أُنْزلُ إِلَى هَذِهِ النَّجَفَةِ، ثُمَّ آتِي وَادِيَ الرَّمْلَةِ، ثُمَّ آتِي الْفُسْطَاطَ وَأَبْتَعُ الرَّاحِلَةَ فَأَرْكَبُ إِلَى الْخَلَفِ (علیه السلام) إِلَى المَغْربِ.
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن(1641) مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ: فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَرَكِبْتُ مَعَهُ حَتَّى صِرْنَا إِلَى قَنْطَرَةِ دَار صَالِح، فَعَبَرَ الْخَنْدَقَ وَحْدَهُ وَأَنَا أَرَاهُ حَتَّى نَزَلَ النَّجَفَ وَغَابَ عَنْ عَيْني.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ: فَحَدَّثْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي دَارم الْيَمَامِيَّ -وَهُوَ مِنْ أَحَدِ مَشَايِخ الْحَشْويَّةِ - بِهَذَيْن الْحَدِيثَيْن، فَقَالَ: هَذَا حَقٌّ، جَاءَنِي مُنْذُ سُنَيَّاتٍ ابْنُ أُخْتِ أَبِي بَكْر بْن النُّخَالِيِّ الْعَطَّارُ، وَهُوَ صُوفِيٌّ يَصْحَبُ الصُّوفِيَّةَ، فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ(1642)؟ وَأَيْنَ كُنْتَ؟ فَقَالَ لِي: أَنَا مُسَافِرٌ مُنْذُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَقُلْتُ لَهُ: فَأَيْشٍ(1643) أَعْجَبُ مَا رَأَيْتَ؟
فَقَالَ: نَزَلْتُ بِالْإسْكَنْدَريَّةِ فِي خَانٍ يَنْزلُهُ الْغُرَبَاءُ، وَكَانَ فِي وَسَطِ الْخَانِ مَسْجِدٌ يُصَلِّي فِيهِ أَهْلُ الْخَانِ، وَلَهُ إِمَامٌ، وَكَانَ شَابٌّ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتٍ لَهُ(1644) غُرْفَةٌ فَيُصَلِّي خَلْفَ الإمَام وَيَرْجِعُ مِنْ وَقْتِهِ إِلَى بَيْتِهِ وَلَا يَلْبَثُ مَعَ الْجَمَاعَةِ.
قَالَ: فَقُلْتُ لَـمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيَّ وَرَأَيْتُ مَنْظَرَهُ شَابٌّ نَظِيفٌ عَلَيْهِ عَبَاءٌ: أَنَا وَاللهِ أُحِبُّ خِدْمَتَكَ وَالتَّشَرُّفَ بَيْنَ يَدَيْكَ، فَقَالَ: «شَأنَكَ»، فَلَمْ أَزَلْ أَخْدُمُهُ حَتَّى أَنِسَ بِيَ الْأُنْسَ التَّامَّ، فَقُلْتُ لَهُ ذَاتَ يَوْم: مَنْ أَنْتَ أَعَزَّكَ اللهُ؟ قَالَ: «أَنَا صَاحِبُ الْحَقِّ»، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، مَتَى تَظْهَرُ؟ فَقَالَ: «لَيْسَ هَذَا أَوَانُ ظُهُوري، وَقَدْ بَقِيَ مُدَّةً مِنَ الزَّمَان»، فَلَمْ أَزَلْ عَلَى خِدْمَتِهِ تِلْكَ وَهُوَ عَلَى حَالَتِهِ مِنْ صَلَاةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1641) في المصدر: (الحسن) بدل (الحسين).
(1642) في المصدر: (أنت) بدل (أين).
(1643) لغة عامّيَّة بمعنى (أيّ شيء)، وكأنَّها مخفَّفة من ذلك.
(1644) في المصدر إضافة: (أو).

(٤٩٩)

الْجَمَاعَةِ وَتَرْكِ الْخَوْض فِيمَا لَا يَعْنِيهِ...، إِلَى أَنْ قَالَ: «أَحْتَاجُ إِلَى السَّفَر»، فَقُلْتُ لَهُ: أَنَا مَعَكَ.
ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، مَتَى يَظْهَرُ أَمْرُكَ؟ قَالَ: «عَلَامَةُ ظُهُور أَمْري كَثْرَةُ الْهَرْج وَالمَرْج وَالْفِتَن، وَآتِي مَكَّةَ فَأَكُونُ فِي المَسْجِدِ الْحَرَام، فَيُقَالُ: انْصِبُوا لَنَا إِمَاماً، وَيَكْثُرُ الْكَلَامُ حَتَّى يَقُومَ رَجُلٌ مِنَ النَّاس فَيَنْظُرَ فِي وَجْهِي ثُمَّ يَقُولَ: يَا مَعْشَرَ النَّاس، هَذَا المَهْدِيُّ انْظُرُوا إِلَيْهِ، فَيَأخُذُونَ بِيَدِي وَيَنْصِبُونِّي بَيْنَ الرُّكْن وَالمَقَام، فَيُبَايِعُ النَّاسُ عِنْدَ إِيَاسِهِمْ عَنِّي»، قَالَ: وَسِرْنَا إِلَى سَاحِل الْبَحْر، فَعَزَمَ عَلَى رُكُوبِ الْبَحْر، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، أَنَا وَاللهِ أَفْرَقُ مِنَ(1645) الْبَحْر، قَالَ: «وَيْحَكَ تَخَافُ وَأَنَا مَعَكَ؟»، فَقُلْتُ: لَا وَلَكِنْ أَجْبُنُ، قَالَ: فَرَكِبَ الْبَحْرَ وَانْصَرَفْتُ عَنْهُ(1646).
توضيح: قال: توسَّمت في وجهه الخير، أي تفرَّست.
[371/42] الغيبة للطوسي: أَخْبَرَني جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ أَحْمَدَ بْن مُحَمَّدِ بْن عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ الزُّرَاريِّ، قَالَ: قَدِمْتُ مِنَ الْكُوفَةِ وَأَنَا شَابٌّ إِحْدَى قَدَمَاتِي وَمَعِي رَجُلٌ مِنْ إِخْوَانِنَا - قَدْ ذَهَبَ(1647) عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ اسْمُهُ -، وَذَلِكَ فِي أيَّام الشَّيْخ أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رَوْحٍ (رحمه الله) وَاسْتِتَارهِ وَنَصْبِهِ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ المَعْرُوفَ بِالشَّلْمَغَانِيِّ، وَكَانَ مُسْتَقِيماً لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا ظَهَرَ مِنْهُ مِنَ الْكُفْر وَالْإلْحَادِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقْصِدُونَهُ وَيَلْقَوْنَهُ لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ الشَّيْخ أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رَوْحٍ سَفِيراً بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فِي حَوَائِجِهِمْ وَمُهِمَّاتِهِمْ.
فَقَالَ لِي صَاحِبي: هَلْ لَكَ أَنْ تَلْقَى أَبَا جَعْفَرٍ وَتُحْدِثَ بِهِ عَهْداً فَإنَّهُ المَنْصُوبُ الْيَوْمَ لِهَذِهِ الطَّائِفَةِ، فَإنِّي أُريدُ أَنْ أَسْأَلَهُ شَيْئاً مِنَ الدُّعَاءِ يَكْتُبُ بِهِ إِلَى النَّاحِيَةِ؟ قَالَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1645) في المصدر إضافة: (ركوب).
(1646) الغيبة للطوسي (ص 299/ ح 255).
(1647) يقال: ذهب عليه كذا، أي نسيه، فالذهاب إذا عُدِّي بـ (على) يفيد معنى النسيان.

(٥٠٠)

فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَدَخَلْنَا إِلَيْهِ، فَرَأَيْنَا عِنْدَهُ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ وَجَلَسْنَا، فَأقْبَلَ عَلَى صَاحِبي، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الْفَتَى مَعَكَ؟ فَقَالَ لَهُ: رَجُلٌ مِنْ آلِ زُرَارَةَ بْن أَعْيَنَ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: مِنْ أَيِّ زُرَارَةٍ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، أنَا مِنْ وُلْدِ بُكَيْر بْن أَعْيَنَ أَخِي زُرَارَةَ، فَقَالَ: أَهْلُ بَيْتٍ جَلِيلٍ عَظِيم الْقَدْر فِي هَذَا الْأَمْر، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ صَاحِبي، فَقَالَ لَهُ: يَا سَيِّدَنَا، أُريدُ المُكَاتَبَةَ فِي شَيْءٍ مِنَ الدُّعَاءِ، فَقَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُ هَذَا اعْتَقَدْتُ أَنْ أَسْأَلَ أَنَا أَيْضاً مِثْلَ ذَلِكَ، وَكُنْتُ اعْتَقَدْتُ فِي نَفْسِي مَا لَمْ أُبْدِهِ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللهِ حَالَ وَالِدَةِ أَبِي الْعَبَّاس ابْنِي، وَكَانَتْ كَثِيرَةَ الْخِلَافِ وَالْغَضَبِ عَلَيَّ، وَكَانَتْ مِنِّي بِمَنْزلَةٍ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَسْأَلُ الدُّعَاءَ لِي مِنْ أَمْرٍ قَدْ أَهَمَّنِي وَلَا أُسَمِّيهِ، فَقُلْتُ: أَطَالَ اللهُ بَقَاءَ سَيِّدِنَا، وَأَنَا أَسْأَلُ حَاجَةً؟ قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قُلْتُ: الدُّعَاءَ لِي بِالْفَرَج مِنْ أَمْرٍ قَدْ أَهَمَّنِي، قَالَ: فَأَخَذَ دَرْجاً بَيْنَ يَدَيْهِ كَانَ أَثْبَتَ فِيهِ حَاجَةَ الرَّجُل، فَكَتَبَ: وَالزُّرَاريُّ يَسْأَلُ الدُّعَاءَ(1648) فِي أَمْرٍ قَدْ أَهَمَّهُ، قَالَ: ثُمَّ طَوَاهُ، فَقُمْنَا وَانْصَرَفْنَا.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّام قَالَ لِي صَاحِبي: أَلَا نَعُودُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ فَنَسْأَلَهُ عَنْ حَوَائِجِنَا الَّتِي كُنَّا سَأَلْنَاهُ؟ فَمَضَيْتُ مَعَهُ وَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَحِينَ جَلَسْنَا عِنْدَهُ أَخْرَجَ الدَّرْجَ وَفِيهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ قَدْ أُجِيبَتْ فِي تَضَاعِيفِهَا، فَأَقْبَلَ عَلَى صَاحِبي، فَقَرَأَ عَلَيْهِ جَوَابَ مَا سَأَلَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ وَهُوَ يَقْرَأُ، فَقَالَ: «وَأَمَّا الزُّرَاريُّ وَحَالُ الزَّوْج وَالزَّوْجَةِ فَأَصْلَحَ اللهُ ذَاتَ بَيْنهُمَا»، قَالَ: فَوَرَدَ عَلَيَّ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَقُمْنَا فَانْصَرَفْنَا(1649)، فَقَالَ لِي: قَدْ وَرَدَ عَلَيْكَ هَذَا الْأَمْرُ، فَقُلْتُ: أَعْجَبُ مِنْهُ، قَالَ: مِثْلَ أَيِّ شَيْءٍ؟ فَقُلْتُ: لِأَنَّهُ سِرٌّ لَمْ يَعْلَمْهُ إِلَّا اللهُ تَعَالَى وَغَيْري فَقَدْ أَخْبَرَني بِهِ، فَقَالَ: أَتَشُكُّ فِي أَمْر النَّاحِيَةِ؟ أَخْبِرْني الْآنَ مَا هُوَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَعَجِبَ مِنْهُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1648) في المصدر إضافة: (له).
(1649) في المصدر: (فانصرفت).

(٥٠١)

ثُمَّ قَضَى أَنْ عُدْنَا إِلَى الْكُوفَةِ، فَدَخَلْتُ دَاري، وَكَانَتْ أُمُّ أَبِي الْعَبَّاس مُغَاضِبَةً لِي فِي مَنْزلِ أَهْلِهَا، فَجَاءَتْ إِلَيَّ فَاسْتَرْضَتْنِي وَاعْتَذَرَتْ وَوَافَقَتْنِي وَلَمْ تُخَالِفْنِي حَتَّى فَرَّقَ المَوْتُ بَيْنَنَا(1650).
وَأَخْبَرَني بِهَذِهِ الْحِكَايَةِ جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ أَحْمَدَ بْن مُحَمَّدِ بْن سُلَيْمَانَ الزُّرَاريِّ إِجَازَةً، وَكَتَبَ عَنْهُ بِبَغْدَادَ أَبُو الْفَرَج مُحَمَّدُ بْنُ المُظَفَّر فِي مَنْزلِهِ بِسُوَيْقَةِ غَالِبٍ فِي يَوْم الْأَحَدِ لِخَمْسٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، قَالَ: كُنْتُ تَزَوَّجْتُ بِأُمِّ وَلَدِي وَهِيَ أَوَّلُ امْرَأةٍ تَزَوَّجْتُهَا، وَأَنَا حِينَئِذٍ حَدَثُ السِّنِّ وَسِنِّي إِذْ ذَاكَ دُونَ الْعِشْرينَ سَنَةً، فَدَخَلْتُ بِهَا فِي مَنْزلِ أَبِيهَا، فَأَقَامَتْ فِي مَنْزلِ أَبِيهَا سِنِينَ وَأَنَا أَجْتَهِدُ بِهِمْ فِي أَنْ يُحَوِّلُوهَا إِلَى مَنْزلِي وَهُمْ لَا يُجِيبُوني إِلَى ذَلِكَ، فَحَمَلَتْ مِنِّي فِي هَذِهِ المُدَّةِ وَوَلَدَتْ بِنْتاً فَعَاشَتْ مُدَّةً ثُمَّ مَاتَتْ وَلَمْ أَحْضُرْ فِي ولَادَتِهَا وَلَا فِي مَوْتِهَا وَلَمْ أَرَهَا مُنْذُ وَلَدَتْ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَتْ لِلشُّرُور الَّتِي كَانَتْ بَيْني وَبَيْنَهُمْ.
ثُمَّ اصْطَلَحْنَا عَلَى أَنَّهُمْ يَحْمِلُونَهَا إِلَى مَنْزلِي، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ فِي مَنْزلِهِمْ، وَدَافَعُوني فِي نَقْل المَرْأَةِ إِلَيَّ، وَقُدِّرَ أَنْ حَمَلَتِ المَرْأةُ مَعَ هَذِهِ الْحَالِ، ثُمَّ طَالَبْتُهُمْ بِنَقْلِهَا إِلَى مَنْزلِي عَلَى مَا اتَّفَقْنَا عَلَيْهِ، فَامْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ، فَعَادَ الشَّرُّ بَيْنَنَا، وَانْتَقَلَتْ مِنْهُمْ(1651) وَوَلَدَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا بِنْتاً، وَبَقِينَا عَلَى حَالِ الشَّرِّ وَالمُضَارَمَةِ سِنِينَ لَا آخُذُهَا.
ثُمَّ دَخَلْتُ بَغْدَادَ وَكَانَ الصَّاحِبَ بِالْكُوفَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ ابْنُ أَحْمَدَ الزجوزجيُّ، وَكَانَ لِي كَالْعَمِّ أَو الْوَالِدِ، فَنَزَلْتُ عِنْدَهُ بِبَغْدَادَ وَشَكَوْتُ إِلَيْهِ مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الشُّرُور الْوَاقِعَةِ بَيْني وَبَيْنَ الزَّوْجَةِ وَبَيْنَ الْأَحْمَاءِ، فَقَالَ لِي: تَكْتُبُ رُقْعَةً وَتَسْأَلُ الدُّعَاءَ فِيهَا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1650) الغيبة للطوسي (ص 302/ ح 256).
(1651) في المصدر: (عنهم) بدل (منهم).

(٥٠٢)

فَكَتَبْتُ رُقْعَةً ذَكَرْتُ فِيهَا حَالِي وَمَا أَنَا فِيهِ مِنْ خُصُومَةِ الْقَوْم لِي وَامْتِنَاعِهِمْ مِنْ حَمْل المَرْأةِ إِلَى مَنْزلِي، وَمَضَيْتُ بِهَا أَنَا وَأَبُو جَعْفَرٍ إِلَى مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْوَاسِطَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحُسَيْن بْن رَوْح (رضي الله عنه) وَهُوَ إِذْ ذَاكَ الْوَكِيلُ، فَدَفَعْنَاهَا إِلَيْهِ وَسَأَلْنَاهُ إِنْفَاذَهَا، فَأَخَذَهَا مِنِّي، وَتَأَخَّرَ الْجَوَابُ عَنّي أَيَّاماً، فَلَقِيتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ سَاءَنِي تَأَخُّرُ الْجَوَابِ عَنِّي، فَقَالَ: لَا يَسُوؤُكَ فَإنَّهُ أَحَبُّ إِلَيَّ [وَ](1652) لَكَ، وَأَوْمَى إِلَيَّ أَنَّ الْجَوَابَ إِنْ قَرُبَ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْحُسَيْن بْن رَوْح (رضي الله عنه) وَإِنْ تَأَخَّرَ كَانَ مِنْ جِهَةِ الصَّاحِبِ (علیه السلام).
فَانْصَرَفْتُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا أَحْفَظُ المُدَّةَ إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ قَريبَةً، فَوَجَّهَ إِلَيَّ أَبُو جَعْفَرٍ الزجوزجيُّ يَوْماً مِنَ الْأَيَّام، فَصِرْتُ إِلَيْهِ، فَأَخْرَجَ لِي فَصْلاً مِنْ رُقْعَةٍ، وَقَالَ لِي: هَذَا جَوَابُ رُقْعَتِكَ فَإنْ شِئْتَ أَنْ تَنْسَخَهُ فَانْسَخْهُ وَرُدَّهُ، فَقَرَأَتُهُ فَإذَا فِيهِ: «وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ فَأَصْلَحَ اللهُ ذَاتَ بَيْنهِمَا»، وَنَسَخْتُ اللَّفْظَ وَرَدَدْتُ عَلَيْهِ الْفَصْلَ، وَدَخَلْنَا الْكُوفَةَ، فَسَهَّلَ اللهُ لِي نَفْسَ المَرْأةِ بِأَيْسَر كُلْفَةٍ، وَأَقَامَتْ مَعِي سِنِينَ كَثِيرَةً، وَرُزِقَتْ مِنِّي أَوْلَاداً، وَأَسَأتُ إِلَيْهَا إِسَاءَاتٍ وَاسْتَعْمَلْتُ مَعَهَا كُلَّ مَا لَا تَصْبِرُ النِّسَاءُ عَلَيْهِ، فَمَا وَقَعَتْ بَيْني وَبَيْنَهَا لَفْظَةُ شَرٍّ وَلَا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا إِلَى أَنْ فَرَّقَ الزَّمَانُ بَيْنَنَا.
قَالُوا: قَالَ أَبُو غَالِبٍ: وَكُنْتُ قَدِيماً قَبْلَ هَذِهِ الْحَالِ قَدْ كَتَبْتُ رُقْعَةً أَسْأَلُ فِيهَا أَنْ تَقْبَلَ(1653) ضَيْعَتِي، وَلَمْ يَكُنْ اعْتِقَادِي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ التَّقَرُّبَ إِلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ) بِهَذِهِ الْحَالِ، وَإِنَّمَا كَانَ شَهْوَةً مِنِّي لِلْاِخْتِلَاطِ بِالنَّوْبَخْتِيِّينَ وَالدُّخُولِ مَعَهُمْ فِيمَا كَانُوا(1654) مِنَ الدُّنْيَا، فَلَمْ أُجَبْ إِلَى ذَلِكَ، وَأَلْحَحْتُ فِي ذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيَّ: أَن اخْتَرْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1652) من المصدر.
(1653) في المصدر: (يقبل).
(1654) في المصدر إضافة: (فيه).

(٥٠٣)

مَنْ تَثِقُ بِهِ فَاكْتُبِ الضَّيْعَةَ بِاسْمِهِ فَإنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَيْهَا، فَكَتَبْتُهَا بِاسْم أَبِي الْقَاسِمِ مُوسَى بْن الْحَسَن الزجوزجيِّ ابْن أَخِي أَبِي جَعْفَرٍ لِثِقَتِي بِهِ وَمَوْضِعِهِ مِنَ الدِّيَانَةِ وَالنِّعْمَةِ.
فَلَمْ يَمْضِ(1655) الْأَيَّامُ حَتَّى أَسَرُونِي الْأَعْرَابُ وَنَهَبُوا الضَّيْعَةَ الَّتِي كُنْتُ أَمْلِكُهَا وَذَهَبَ فِيهَا مِنْ غَلَّاتِي وَدَوَابِّي وَآلَتِي نَحْوٌ مِنْ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَقَمْتُ فِي أَسْرهِمْ مُدَّةً إِلَى أَنْ اشْتَرَيْتُ نَفْسِي بِمِائَةِ دِينَارٍ وَأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ دِرْهَم، وَلَزمَنِي فِي أُجْرَةِ الرَّسْل نَحْوٌ مِنْ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَم، فَخَرَجْتُ وَاحْتَجْتُ إِلَى الضَّيْعَةِ، فَبِعْتُهَا(1656).
إيضاح: المضارمة: المغاضبة، من قولهم: تضرَّم عليَّ، أي تغضَّب. قوله: (وكان الصاحب): أي صاحبي، أو ملجأ الشيعة وكبيرهم، أو صاحب الحكم من قِبَل السلطان، والأوسط أظهر.
[372/43] الغيبة للطوسي: أَخْبَرَني الْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي الْحَسَن مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ بْن دَاوُدَ الْقُمِّيِّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ بْن هَمَّام، قَالَ: أَنْفَذَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّلْمَغَانِيُّ الْعَزَاقِريُّ إِلَى الشَّيْخ الْحُسَيْن بْن رَوْح يَسْأَلُهُ أَنْ يُبَاهِلَهُ، وَقَالَ: أَنَا صَاحِبُ الرَّجُل، وَقَدْ أُمِرْتُ بِإظْهَار الْعِلْم، وَقَدْ أَظْهَرْتُهُ بَاطِناً وَظَاهِراً، فَبَاهِلْنِي، فَأَنْفَذَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ فِي جَوَابِ ذَلِكَ: أَيُّنَا تَقَدَّمَ صَاحِبَهُ فَهُوَ المَخْصُومُ، فَتَقَدَّمَ الْعَزَاقِريُّ فَقُتِلَ وَصُلِبَ وَأُخِذَ مَعَهُ ابْنُ أَبِي عَوْنٍ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ(1657).
قَالَ ابْنُ نُوح: وَأَخْبَرَني جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْن الْعَبَّاس بْن نُوح (رضي الله عنه)، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ جَعْفَر بْن إِسْمَاعِيلَ بْن صَالِح الصَّيْمَريُّ، قَالَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1655) في المصدر: (تمض).
(1656) الغيبة للطوسي (ص 304/ ح 257).
(1657) الغيبة للطوسي (ص 307/ ح 258).

(٥٠٤)

لَـمَّا أَنْفَذَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِم الْحُسَيْنُ بْنُ رَوْح (رضي الله عنه) التَّوْقِيعَ فِي لَعْن ابْن أَبِي الْعَزَاقِر أَنْفَذَهُ مِنْ مَجْلِسِهِ(1658) فِي دَار المُقْتَدِر إِلَى شَيْخِنَا أَبِي عَلِيٍّ بْن هَمَّام فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَأَمْلَى أَبُو عَلِيٍّ عَلَيَّ وَعَرَّفَنِي أَنَّ أَبَا الْقَاسِم (رضي الله عنه) رَاجَعَ فِي تَرْكِ إِظْهَارهِ فَإنَّهُ فِي يَدِ الْقَوْم وَفِي حَبْسِهِمْ، فَأَمَرَ بِإظْهَارهِ وَأَنْ لَا يَخْشَى وَيَأمَنَ، فَتَخَلَّصَ وَخَرَجَ مِنَ الْحَبْس بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ، وَالْحَمْدُ للهِ(1659).
قَالَ: وَوَجَدْتُ فِي أَصْلٍ عَتِيقٍ كُتِبَ بِالْأَهْوَازِ فِي المُحَرَّم سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ: أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْن إِسْمَاعِيلَ بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ اللهِ بْن مُحَمَّدِ(1660) بْن عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ الْجُرْجَانِيُّ، قَالَ: كُنْتُ بِمَدِينَةِ قُمَّ، فَجَرَى بَيْنَ إِخْوَانِنَا كَلَامٌ فِي أَمْر رَجُلٍ أَنْكَرَ وَلَدَهُ، فَأَنْفَذُوا رَجُلاً إِلَى الشَّيْخ صِيَانَةِ(1661) اللهِ، وَكُنْتُ حَاضِراً عِنْدَهُ أَيَّدَهُ اللهُ، فَدُفِعَ إِلَيْهِ الْكِتَابُ، فَلَمْ يَقْرَأهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ الْبَزَوْفَريِّ أَعَزَّهُ اللهُ لِيُجِيبَ عَن الْكِتَابِ، فَصَارَ إِلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: الْوَلَدُ وَلَدُهُ وَوَاقَعَهَا فِي يَوْم كَذَا وَكَذَا فِي مَوْضِع كَذَا وَكَذَا، فَقُلْ لَهُ: فَيَجْعَلُ اسْمَهُ مُحَمَّداً، فَرَجَعَ الرَّسُولُ إِلَى الْبَلَدِ وَعَرَّفَهُمْ وَوَضَحَ عِنْدَهُمُ الْقَوْلَ، وَوُلِدَ الْوَلَدُ وَسُمِّيَ مُحَمَّداً(1662).
قَالَ ابْنُ نُوح: وَحَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن سَوْرَةَ الْقُمِّيُّ حِينَ قَدِمَ عَلَيْنَا حَاجًّا، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَن بْن يُوسُفَ الصَّائِغُ الْقُمِّيُّ وَمُحَمَّدُ ابْنُ أَحْمَدَ بْن مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيُّ المَعْرُوفُ بِابْن الدَّلَّالِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ مَشَايِخ أَهْل قُمَّ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْن بْن مُوسَى بْن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1658) في المصدر: (محبسه).
(1659) الغيبة للطوسي (ص 307/ ح 259).
(1660) في المصدر إضافة: (بن عمر).
(1661) في المصدر: (صانه) بدل (صيانة).
(1662) الغيبة للطوسي (ص 308/ ح 260).

(٥٠٥)

بَابَوَيْهِ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بْن مُوسَى بْن بَابَوَيْهِ، فَلَمْ يُرْزَقْ مِنْهَا وَلَداً، فَكَتَبَ إِلَى الشَّيْخ أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رَوْح (رضي الله عنه) أَنْ يَسْأَلَ الْحَضْرَةَ أَنْ يَدْعُوَ اللهَ أَنْ يَرْزُقَهُ أَوْلَاداً فُقَهَاءَ، فَجَاءَ الْجَوَابُ: «إِنَّكَ لَا تُرْزَقُ مِنْ هَذِهِ، وَسَتَمْلِكُ جَاريَةً دَيْلَمِيَّةً، وَتُرْزَقُ مِنْهَا وَلَدَيْن فَقِيهَيْن».
قَالَ: وَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ سَوْرَةَ حَفِظَهُ اللهُ: وَلِأَبِي الْحَسَن بْن بَابَوَيْهِ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ، مُحَمَّدٌ وَالْحُسَيْنُ فَقِيهَان مَاهِرَان فِي الْحِفْظِ يَحْفَظَان مَا لَا يَحْفَظُ غَيْرُهُمَا مِنْ أَهْل قُمَّ، وَلَهُمَا أَخٌ اسْمُهُ الْحَسَنُ وَهُوَ الْأَوْسَطُ مُشْتَغِلٌ بِالْعِبَادَةِ وَالزُّهْدِ لَا يَخْتَلِطُ بِالنَّاس وَلَا فِقْهَ لَهُ.
قَالَ ابْنُ سَوْرَةَ: كُلَّمَا رَوَى أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ ابْنَا عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن شَيْئاً يَتَعَجَّبُ النَّاسُ مِنْ حِفْظِهِمَا، وَيَقُولُونَ لَهُمَا: هَذَا الشَّأنُ خُصُوصِيَةٌ لَكُمَا بِدَعْوَةِ الْإمَام (علیه السلام) لَكُمَا، وَهَذَا أَمْرٌ مُسْتَفِيضٌ فِي أَهْل قُمَّ(1663).
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ بْنَ سَوْرَةَ الْقُمِّيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَرْوَراً - وَكَانَ رَجُلاً عَابِداً مُجْتَهِداً لَقِيتُهُ بِالْأَهْوَازِ غَيْرَ أَنِّي نَسِيتُ نَسَبَهُ - يَقُولُ: كُنْتُ أَخْرَسَ لَا أتَكَلَّمُ، فَحَمَلَنِي أَبِي وَعَمِّي فِي صِبَائِي(1664) وَسِنِّي إِذْ ذَاكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ أَوْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ إِلَى الشَّيْخ أَبِي الْقَاسِم بْن رَوْح (رضي الله عنه)، فَسَأَلَاهُ أَنْ يَسْأَلَ الْحَضْرَةَ أَنْ يَفْتَحَ اللهُ لِسَانِي، فَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِم الْحُسَيْنُ بْنُ رَوْح: أَنَّكُمْ أُمِرْتُمْ بِالْخُرُوج إِلَى الْحَائِر، قَالَ سَرْوَرٌ: فَخَرَجْنَا أَنَا وَأَبِي وَعَمِّي إِلَى الْحَيْر، فَاغْتَسَلْنَا وَزُرْنَا، قَالَ: فَصَاحَ بِي أَبِي وَعَمِّي: يَا سَرْوَرُ، فَقُلْتُ بِلِسَانٍ فَصِيح: لَبَّيْكَ، فَقَالَا لِي: وَيْحَكَ تَكَلَّمْتَ، فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ سَوْرَةَ: وَكَانَ سَرْوَرٌ هَذَا رَجُلاً لَيْسَ بِجَهْوَريِّ الصَّوْتِ(1665).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1663) الغيبة للطوسي (ص 308/ ح 261).
(1664) في المصدر: (صباي).
(1665) الغيبة للطوسي (ص 309/ ح 362).

(٥٠٦)

بيان: يظهر منه أنَّ البزوفري (رحمه الله) كان من السفراء ولم يُنقَل، ويمكن أنْ يكون وصل ذلك إليه بتوسُّط أو بدون توسُّطهم في خصوص الواقعة.
[373/44] كمال الدِّين: ابْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عَلَّانٍ الْكُلَيْنيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن شَاذَانَ بْن نُعَيْم، قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدِي مَالٌ لِلْغَريم (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ) خَمْسُمِائَةِ دِرْهَم تَنْقُصُ عِشْرينَ دِرْهَماً، فَأَبَيْتُ أَنْ أَبْعَثَهَا نَاقِصَةً(1666) هَذَا الْمِقْدَارَ، فَأَتْمَمْتُهَا مِنْ عِنْدِي وَبَعَثْتُ بِهَا إِلَى مُحَمَّدِ بْن جَعْفَرٍ وَلَمْ أَكْتُبْ مَا لِي فِيهَا، فَأَنْفَذَ إِلَى مُحَمَّدِ بْن جَعْفَرٍ الْقَبْضَ، وَفِيهِ: «وَصَلَتْ خَمْسُ مِائَةِ دِرْهَم لَكَ فِيهَا عِشْرُونَ دِرْهَماً»(1667).
الإرشاد: ابن قولويه، عن الكليني، عن عليِّ بن محمّد، عن محمّد بن شاذان، مثله(1668).
الخرائج والجرائح: عن محمّد بن شاذان، مثله(1669).
[374/45] كمال الدِّين: أَبِي، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْن يَعْقُوبَ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّيْخَ الْعَمْريَّ يَقُولُ: صَحِبْتُ رَجُلاً مِنْ أَهْل السَّوَادِ وَمَعَهُ مَالٌ لِلْغَريم (علیه السلام)، فَأَنْفَذَهُ، فَرُدَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَهُ: «أَخْرجْ حَقَّ ابْن(1670) عَمِّكَ مِنْهُ، وَهُوَ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَم»، فَبَقِيَ الرَّجُلُ(1671) بَاهِتاً مُتَعَجِّباً، وَنَظَرَ فِي حِسَابِ المَالِ، وَكَانَتْ فِي يَدِهِ ضَيْعَةٌ لِوُلْدِ عَمِّهِ قَدْ كَانَ رَدَّ عَلَيْهِمْ بَعْضَهَا وَزَوَى عَنْهُمْ بَعْضَهَا، فَإذَا الَّذِي نَضَّ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ المَالِ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَم كَمَا قَالَ (علیه السلام)، فَأَخْرَجَهُ وَأَنْفَذَ الْبَاقِيَ، فَقُبِلَ(1672).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1666) في المصدر: (فأنفت أنْ أبعث بها ناقصة).
(1667) كمال الدِّين (ج 2/ ص 485/ باب ذكر التوقيعات/ ح 5)، وفيه: (منها) بدل (فيها).
(1668) الإرشاد للمفيد (ج 2/ ص 365).
(1669) الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 697/ فصل في أعلام الإمام/ ح 14).
(1670) في المصدر: (ولد) بدل (ابن).
(1671) في المصدر إضافة: (متحيِّراً).
(1672) كمال الدِّين (ج 2/ ص 486/ باب ذكر التوقيعات/ ح 6).

(٥٠٧)

الإرشاد: ابن قولويه، عن الكليني، عن عليِّ بن محمّد، مثله(1673).
[375/46] كمال الدِّين: أَبِي، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ الرَّازِيِّ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ (علیه السلام) بَعَثَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ بْن الْجُنَيْدِ وَهُوَ بِوَاسِطٍ غُلَاماً وَأَمَرَهُ بِبَيْعِهِ، فَبَاعَهُ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ، فَلَمَّا عَيَّرَ الدَّنَانِيرَ نَقَصَتْ فِي التَّعْيِير ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قِيرَاطاً وَحَبَّةٌ، فَوَزَنَ مِنْ عِنْدِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قِيرَاطاً وَحَبَّةً وَأَنْفَذَهَا، فَرُدَّ عَلَيْهِ دِينَارٌ وَزْنُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قِيرَاطاً وَحَبَّةٌ(1674).
الخرائج والجرائح: قال الكليني: أخبرنا جماعة من أصحابنا أنَّه بعث...، إلى آخر الخبر(1675).
بيان: الضمير في قوله: (أنَّه) راجع إلى القائم (علیه السلام).
[376/47] كمال الدِّين: ابْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عَلَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن جَبْرَئِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ ابْنَي الْفَرَج، عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِبْرَاهِيمَ بْن مَهْزيَارَ، قَالَ: وَفَدْتُ(1676) الْعَسْكَرَ زَائِراً، فَقَصَدْتُ النَّاحِيَةَ، فَلَقِيَتْنِي امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَتْ: انْصَرفْ فَإنَّكَ لَا تَصِلُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَارْجِع اللَّيْلَةَ فَإنَّ الْبَابَ مَفْتُوحٌ لَكَ، فَادْخُل الدَّارَ وَاقْصِدِ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ السِّرَاجُ، فَفَعَلْتُ وَقَصَدْتُ الْبَابَ فَإذَا هُوَ مَفْتُوحٌ، وَدَخَلْتُ الدَّارَ وَقَصَدْتُ الْبَيْتَ الَّذِي وَصَفَتْهُ.
فَبَيْنَا أَنَا بَيْنَ الْقَبْرَيْن أَنْتَحِبُ وَأَبْكِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتاً وَهُوَ يَقُولُ: «يَا مُحَمَّدُ، اتَّقِ اللهَ وَتُبْ مِنْ كُلِّ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ، فَقَدْ قَلَّدْتَ أَمْراً عَظِيماً»(1677).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1673) الإرشاد للمفيد (ج 2/ ص 356).
(1674) كمال الدِّين (ج 2/ ص 486/ باب ذكر التوقيعات/ ح 7).
(1675) الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 704/ فصل في أعلام الإمام/ ح 20).
(1676) في المصدر: (وقَدِمت).
(1677) كمال الدِّين (ج 2/ ص 486/ باب ذكر التوقيعات/ ح 8).

(٥٠٨)

[377/48] كمال الدِّين: ابْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ الرَّازِيِّ، عَنْ نَصْر بْن الصَّبَّاح الْبَلْخِيِّ، قَالَ: كَانَ بِمَرْوَ كَاتِبٌ كَانَ الْخُوزِسْتَانِيَّ(1678) سَمَّاهُ لِي نَصْرٌ، فَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ أَلْفُ دِينَارٍ لِلنَّاحِيَةِ، فَاسْتَشَارَني، فَقُلْتُ: ابْعَثْ بِهَا إِلَى الْحَاجِز، فَقَالَ: هُوَ فِي عُنُقِكَ إِنْ سَأَلَنِي اللهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ نَصْرٌ: فَفَارَقْتُهُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ إِلَيْهِ بَعْدَ سَنَتَيْن، فَلَقِيتُهُ، فَسَأَلْتُهُ عَن المَالِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ بَعَثَ مِنَ المَالِ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ إِلَى الْحِجَازِ(1679)، فَوَرَدَ عَلَيْهِ وُصُولُهَا وَالدُّعَاءُ لَهُ وَكَتَبَ إِلَيْهِ: «كَانَ المَالُ ألْفَ دِينَارٍ، فَبَعَثْتَ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ، فَإنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تُعَامِلَ أَحَداً فَعَامِل الْأَسَدِيَّ بِالرَّيِّ».
قَالَ نَصْرٌ: وَوَرَدَ عَلَيَّ نَعْيُ حَاجِزٍ، فَجَزعْتُ مِنْ ذَلِكَ جَزَعاً شَدِيداً وَاغْتَمَمْتُ لَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: وَلِـمَ تَغْتَمُّ وَتَجْزَعُ وَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْكَ بِدَلَالَتَيْن؟ قَدْ أَخْبَرَكَ بِمَبْلَغ المَالِ، وَقَدْ نَعَى إِلَيْكَ حَاجِزاً مُبْتَدِئاً(1680).
[378/49] كمال الدِّين: أَبِي، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عَلَّانٍ، عَنْ نَصْر بْن الصَّبَّاح، قَالَ: أَنْفَذَ رَجُلٌ مِنْ أَهْل بَلْخ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ إِلَى حَاجِزٍ، وَكَتَبَ رُقْعَةً غَيَّرَ فِيهَا اسْمَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ بِالْوُصُولِ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَالدُّعَاءِ(1681).
[379/50] كمال الدِّين: أَبِي، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي حَامِدٍ المَرَاغِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْن شَاذَانَ بْن نُعَيْم، قَالَ: بَعَثَ رَجُلٌ مِنْ أَهْل بَلْخ بِمَالٍ وَرُقْعَةٍ لَيْسَ فِيهَا كِتَابَةٌ، وَقَدْ خَطَّ فِيهَا بِإصْبَعِهِ كَمَا تَدُورُ مِنْ غَيْر كِتَابَةٍ، وَقَالَ لِلرَّسُولِ: احْمِلْ هَذَا المَالَ، فَمَنْ أَخْبَرَكَ بِقِصَّتِهِ وَأَجَابَ عَن الرُّقْعَةِ فَأَوْصِلْ إِلَيْهِ المَالَ، فَصَارَ الرَّجُلُ إِلَى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1678) في المصدر: (للخوزستاني).
(1679) في المصدر: (الحاجزي)، وكذا في ما بعد.
(1680) كمال الدِّين (ج 2/ ص 488/ باب ذكر التوقيعات/ ح 9).
(1681) كمال الدِّين (ج 2/ ص 488/ باب ذكر التوقيعات/ ح 10)، وفيه: (والدعاء له).

(٥٠٩)

الْعَسْكَر وَقَصَدَ جَعْفَراً وَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: تُقِرُّ بِالْبَدَاءِ؟ قَالَ الرَّجُلُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإنَّ صَاحِبَكَ قَدْ بَدَا لَهُ وَقَدْ أَمَرَكَ أَنْ تُعْطِيَني هَذَا المَالَ، فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ: لَا يُقْنِعُنِي هَذَا الْجَوَابُ.
فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَجَعَلَ يَدُورُ [على](1682) أَصْحَابَنَا، فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ رُقْعَةٌ: «هَذَا مَالٌ كَانَ قَدْ غُدِرَ بِهِ»، كَانَ فَوْقَ صُنْدُوقٍ فَدَخَلَ اللُّصُوصُ الْبَيْتَ فَأَخَذُوا مَا كَانَ فِي الصُّنْدُوقِ وَسَلِمَ المَالُ، وَرُدَّتْ عَلَيْهِ الرُّقْعَةُ وَقَدْ كُتِبَ فِيهَا كَمَا تَدُورُ: «وَسَأَلْتَ الدُّعَاءَ، فَعَلَ اللهُ بِكَ وَفَعَلَ»(1683).
بيان: قوله: (وقد كُتِبَ فيها) أي الرقعة التي كانت قد كتب السؤال فيها بالإصبع كما تدور.
[380/51] كمال الدِّين: أَبِي، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن صَالِح، قَالَ: كَتَبْتُ أَسْأَلُ(1684) الدُّعَاءَ لباداشاكه(1685) وَقَدْ حَبَسَهُ ابْنُ عَبْدِ الْعَزيز، وَأَسْتَأذِنُ فِي جَاريَةٍ لِي أَسْتَوْلِدُهَا، فَخَرَجَ: «اسْتَوْلِدْهَا، وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ، وَالمَحْبُوسُ يُخَلِّصْهُ [اللهُ](1686)»، فَاسْتُولِدَتِ الْجَاريَةُ فَوَلَدَتْ فَمَاتَتْ، وَخُلِّيَ عَن المَحْبُوس يَوْمَ خَرَجَ إِلَيَّ التَّوْقِيعُ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ: وُلِدَ لِي مَوْلُودٌ، فَكَتَبْتُ أَسْتَأذِنُ فِي تَطْهِيرهِ يَوْمَ السَّابِع أَوْ الثَّامِن فَلَمْ يَكْتُبْ شَيْئاً فَمَاتَ المَوْلُودُ يَوْمَ الثَّامِن، ثُمَّ كَتَبْتُ أُخْبِرُ بِمَوْتِهِ، فَوَرَدَ: «سَيَخْلُفُ عَلَيْكَ غَيْرُهُ وَغَيْرُهُ، فَسَمِّهِ أَحْمَدَ وَبَعْدَ أَحْمَدَ جَعْفَراً»، فَجَاءَ مَا(1687) قَالَ (علیه السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1682) كلمة: (على) من المصدر.
(1683) كمال الدِّين (ج 2/ ص 488/ باب ذكر التوقيعات/ ح 11).
(1684) في المصدر: (أسأله).
(1685) في المصدر: (لبادا شاله).
(1686) من المصدر.
(1687) في المصدر: (كما) بدل (ما).

(٥١٠)

قَالَ: وَتَزَوَّجْتُ بِامْرَأَةٍ سِرًّا، فَلَمَّا وَطِئْتُهَا عَلِقَتْ وَجَاءَتْ بِابْنَةٍ، فَاغْتَمَمْتُ وَضَاقَ صَدْري، فَكَتَبْتُ أَشْكُو ذَلِكَ، فَوَرَدَ: «سَتُكْفَاهَا»، فَعَاشَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَتْ، فَوَرَدَ: «اللهُ ذُو أَنَاةٍ وَأَنْتُمْ تَسْتَعْجِلُونَ».
قَالَ: وَلَـمَّا وَرَدَ نَعْيُ ابْن هِلَالٍ (لَعَنَهُ اللهُ) جَاءَنِي الشَّيْخُ فَقَالَ لِي: أَخْرج الْكِيسَ الَّذِي عِنْدَكَ، فَأَخْرَجْتُهُ، فَأَخْرَجَ إِلَيَّ رُقْعَةً فِيهَا: «وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَمْر الصُّوفِيِّ المُتَصَنِّع - يَعْنِي الْهِلَالِيَّ - بَتَرَ اللهُ عُمُرَهُ»، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ: «قَدْ قَصَدْنَا فَصَبَرْنَا عَلَيْهِ فَبَتَرَ اللهُ عُمُرَهُ بِدَعْوَتِنَا»(1688).
نجم [كتاب النجوم]: بِإسْنَادِنَا إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الطَّبَريِّ وَعَبْدِ اللهِ بْن جَعْفَرٍ الْحِمْيَريِّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ...، إِلَى قَوْلِهِ: «وَأَنْتُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»(1689).
دَلَائِلُ الْإمَامَةِ لِلطَّبَريِّ: عَنْ أَبِي المُفَضَّل الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: وُلِدَ لِي مَوْلُودٌ...، إِلَى آخِر الْخَبَر(1690).
وَعَنْهُ: عَنْ أَبِي المُفَضَّل، عَن الْكُلَيْنيِّ، عَنْ أَبِي حَامِدٍ المَرَاغِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن شَاذَانَ بْن نُعَيْم، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْل بَلْخَ، قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً سِرًّا...، إِلَى آخِر الْخَبَر(1691).
[381/52] كمال الدِّين: أَبِي، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عَلَّانٍ، عَن الْحَسَن بْن الْفَضْل الْيَمَانِيِّ، قَالَ: قَصَدْتُ سُرَّ مَنْ رَأى، فَخَرَجَ إِلَيَّ صُرَّةٌ فِيهَا دَنَانِيرُ وَثَوْبَان، فَرَدَدْتُهَا وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَنَا عِنْدَهُمْ بِهَذِهِ المَنْزلَةِ، فَأَخَذَتْنِي الْعِزَّةُ، ثُمَّ نَدِمْتُ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَتَبْتُ رُقْعَةً أَعْتَذِرُ وَأَسْتَغْفِرُ، وَدَخَلْتُ الْخَلَاءَ وَأَنَا أُحَدِّثُ نَفْسِي وَأَقُولُ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1688) كمال الدِّين (ج 2/ ص 489/ باب ذكر التوقيعات/ ح 12).
(1689) فرج المهموم (ص 244).
(1690) دلائل الإمامة (ص 527 و528/ ح 503).
(1691) دلائل الإمامة (ص 527/ ح 502).

(٥١١)

وَاللهِ لَئِنْ رُدَّتِ الصُّرَّةُ لَمْ أَحُلَّهَا وَلَمْ أُنْفِقْهَا حَتَّى أَحْمِلَهَا إِلَى وَالِدِي فَهُوَ أَعْلَمُ مِنِّي(1692).
فَخَرَجَ إِلَى الرَّسُولِ: «أَخْطَأتَ إِذْ لَمْ تُعْلِمْهُ أَنَّا رُبَّمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ بِمَوَالِينَا وَرُبَّمَا سَأَلُونَا ذَلِكَ يَتَبَرَّكُونَ بِهِ»، وَخَرَجَ إِلَيَّ: «أَخْطَأَتَ بِرَدِّكَ بِرَّنَا، وَإِذَا اسْتَغْفَرْتَ اللهَ فَاللهُ يَغْفِرُ لَكَ، وَإِذَا كَانَ عَزِيمَتُكَ وَعَقْدُ نِيَّتِكَ أَنْ لَا تُحْدِثَ فِيهَا حَدَثاً وَلَا تُنْفِقَهَا فِي طَريقِكَ فَقَدْ صَرَفْنَاهَا عَنْكَ، وَأَمَّا الثَّوْبَان فَلَا بُدَّ مِنْهُمَا لِتُحْرمَ فِيهِمَا».
قَالَ: وَكَتَبْتُ فِي مَعْنَيَيْن وَأَرَدْتُ أَنْ أَكْتُبَ فِي مَعْنًى ثَالِثٍ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَعَلَّهُ يَكْرَهُ ذَلِكَ، فَخَرَجَ إِلَيَّ الْجَوَابُ فِي المَعْنَيَيْن وَالمَعْنَى الثَّالِثِ الَّذِي طَوَيْتُهُ وَلَمْ أَكْتُبْهُ.
قَالَ: وَسَأَلْتُ طِيباً، فَبَعَثَ إِلَيَّ بِطِيبٍ فِي خِرْقَةٍ بَيْضَاءَ، فَكَانَتْ مَعِي فِي المَحْمِل، فَنَفَرَتْ نَاقَتِي بِعَسْفَانَ وَسَقَطَ مَحْمِلِي وَتَبَدَّدَ مَا كَانَ مَعِي، فَجَمَعْتُ المَتَاعَ وَافْتَقَدْتُ الصُّرَّةَ، وَاجْتَهَدْتُ فِي طَلَبِهَا حَتَّى قَالَ بَعْضُ مَنْ مَعَنَا: مَا تَطْلُبُ؟ فَقُلْتُ: صُرَّةً كَانَتْ مَعِي، قَالَ: وَمَا كَانَ فِيهَا؟ فَقُلْتُ: نَفَقَتِي، قَالَ: قَدْ رَأَيْتُ مَنْ حَمَلَهَا، فَلَمْ أَزَلْ أَسْأَلُ عَنْهَا حَتَّى آيَسْتُ مِنْهَا، فَلَمَّا وَافَيْتُ مَكَّةَ حَلَلْتُ عَيْبَتِي وَفَتَحْتُهَا فَإذَا أَوَّلُ مَا بَدَا(1693) عَلَيَّ مِنْهَا الصُّرَّةُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ خَارجاً فِي المَحْمِل فَسَقَطَتْ حِينَ تَبَدَّدَ المَتَاعُ.
قَالَ: وَضَاقَ صَدْري بِبَغْدَادَ فِي مَقَامِي، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَخَافُ أَنْ لَا أَحُجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلَا أَنْصَرفَ إِلَى مَنْزلِي، وَقَصَدْتُ أَبَا جَعْفَرٍ أَقْتَضِيهِ جَوَابَ رُقْعَةٍ كُنْتُ كَتَبْتُهَا، فَقَالَ: صِرْ إِلَى المَسْجِدِ الَّذِي فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا، فَإنَّهُ يَجِيئُكَ رَجُلٌ يُخْبِرُكَ بِمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَقَصَدْتُ المَسْجِدَ وَ[بَيْنَا] أَنَا فِيهِ إِذْ دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ، فَلَمَّا نَظَرَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1692) في المصدر: (فهو أعلم بها منِّي، قال: ولم يشر عليَّ من قبضها منِّي بشيء ولم ينهني عن ذلك).
(1693) في المصدر: (ما بدر).

(٥١٢)

إِلَيَّ سَلَّمَ وَضَحِكَ وَقَالَ لِي: «أَبْشِرْ فَإنَّكَ سَتَحُجُّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَتَنْصَرفُ إِلَى أَهْلِكَ سَالِماً إِنْ شَاءَ اللهُ».
قَالَ: وَقَصَدْتُ ابْنَ وَجْنَاءَ أَسْأَلُهُ أَنْ يَكْتَريَ لِي وَيَرْتَادَ لِي عَدِيلاً، فَرَأَيْتُهُ كَارهاً، ثُمَّ لَقِيتُهُ بَعْدَ أَيَّام، فَقَالَ لِي: أَنَا فِي طَلَبِكَ مُنْذُ أَيَّام، قَدْ كُتِبَ إِلَيَّ(1694) أَنْ أَكْتَريَ لَكَ وَأَرْتَادَ لَكَ عَدِيلاً ابْتِدَاءً.
فَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ أَنَّهُ وَقَفَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى عَشَرَةِ دَلَالَاتٍ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(1695).
[382/53] كمال الدِّين: أَبِي، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ الشِّمْشَاطِيِّ رَسُولِ جَعْفَر بْن إِبْرَاهِيمَ الْيَمَانِيِّ، قَالَ: كُنْتُ مُقِيماً بِبَغْدَادَ، وَتَهَيَّأَتْ قَافِلَةُ الْيَمَانِيِّينَ لِلْخُرُوج، فَكَتَبْتُ أَسْتَأذِنُ فِي الْخُرُوج مَعَهَا، فَخَرَجَ: «لَا تَخْرُجْ مَعَهَا فَمَا لَكَ فِي الْخُرُوج خِيَرَةٌ وَأَقِمْ بِالْكُوفَةِ»، وَخَرَجَتِ الْقَافِلَةُ فَخَرَجَ عَلَيْهَا بَنُو حَنْظَلَةَ وَاجْتَاحُوهَا.
قَالَ: وَكَتَبْتُ أَسْتَأذِنُ فِي رُكُوبِ المَاءِ، فَخَرَجَ: «لَا تَفْعَلْ»، فَمَا خَرَجَتْ سَفِينَةٌ فِي تِلْكَ السَّنَةِ إِلَّا خَرَجَ(1696) عَلَيْهَا الْبَوَارجُ(1697) فَقَطَعُوا عَلَيْهَا.
قَالَ: وَخَرَجْتُ زَائِراً إِلَى الْعَسْكَر، فَأَنَا فِي المَسْجِدِ(1698) مَعَ المَغْربِ إِذْ دَخَلَ عَلَيَّ غُلَامٌ، فَقَالَ لِي: قُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ أَنَا؟ وَإِلَى أَيْنَ أَقُومُ؟ قَالَ لِي: أَنْتَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ رَسُولُ جَعْفَر بْن إِبْرَاهِيمَ الْيَمَانِيِّ، قُمْ إِلَى المَنْزلِ، قَالَ: وَمَا كَانَ عَلِمَ أَحَدٌ مِنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1694) في المصدر إضافة: (وأمرني).
(1695) كمال الدِّين (ج 2/ ص 490/ باب ذكر التوقيعات/ ح 13).
(1696) في المصدر: (خرجت).
(1697) البوارج جمع بارجة وهو الشرِّير، يقال: ما فلان إلَّا بارجة قد تجمَّع فيه الشرُّ، جاء هذا في هامش المطبوعة.
(1698) في المصدر إضافة: (الجامع).

(٥١٣)

أَصْحَابِنَا بِمُوَافَاتِي، قَالَ: فَقُمْتُ إِلَى مَنْزلِهِ، وَاسْتَأذَنْتُ فِي أَنْ أَزُورَ مِنْ دَاخِلٍ فَأَذِنَ لِي(1699).
الإرشاد: ابن قولويه، عن الكليني، عن عليِّ بن محمّد، عن عليِّ بن الحسين اليماني، قال: كنت ببغداد...، وذكر مثله(1700).
[383/54] كمال الدِّين: أَبِي، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عَلَّانٍ، عَن الْأَعْلَم الْبَصْريِّ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْبَصْريِّ(1701)، قَالَ: خَرَجْتُ فِي الطَّلَبِ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) بِسَنَتَيْن لَمْ أَقِفْ فِيهِمَا عَلَى شَيْءٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ كُنْتُ بِالمَدِينَةِ فِي طَلَبِ وَلَدِ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) بِصُرْيَاءَ، وَقَدْ سَأَلَنِي أَبُو غَانِم أَنْ أَتَعَشَّى عِنْدَهُ، فَأَنَا قَاعِدٌ مُفَكِّرٌ فِي نَفْسِي وَأَقُولُ: لَوْ كَانَ شَيْءٌ لَظَهَرَ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَإِذْ هَاتِفٌ أَسْمَعُ صَوْتَهُ وَلَا أرَى شَخْصَهُ وَهُوَ يَقُولُ: «يَا نَصْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ(1702)، قُلْ لِأَهْل مِصْرَ: آمَنْتُمْ بِرَسُولِ اللهِ حَيْثُ رَأَيْتُمُوهُ؟»، قَالَ نَصْرٌ: وَلَمْ أَكُنْ عَرَفْتُ اسْمَ أَبِي، وَذَلِكَ أَنِّي وُلِدْتُ بِالمَدَائِن فَحَمَلَنِي النَّوْفَلِيُّ إِلَى مِصْرَ وَقَدْ مَاتَ أَبِي فَنَشَأتُ بِهَا، فَلَمَّا سَمِعْتُ الصَّوْتَ قُمْتُ مُبَادِراً وَلَمْ أَنْصَرفْ إِلَى أَبِي غَانِم وَأَخَذْتُ طَريقَ مِصْرَ.
قَالَ: وَكَتَبَ رَجُلَان مِنْ أَهْل مِصْرَ فِي وَلَدَيْن لَهُمَا، فَوَرَدَ: «أَمَّا أَنْتَ يَا فُلَانُ فَآجَرَكَ اللهُ» وَدَعَا لِلْآخَر، فَمَاتَ ابْنُ المُعَزَّى(1703).
قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْوَجْنَائِيُّ، قَالَ: اضْطَرَبَ أَمْرُ الْبَلَدِ وَثَارَتْ فِتْنَةٌ، فَعَزَمْتُ عَلَى المُقَام بِبَغْدَادَ(1704) ثَمَانِينَ يَوْماً، فَجَاءَنِي شَيْخٌ وَقَالَ: انْصَرفْ إِلَى بَلَدِكَ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1699) كمال الدِّين (ج 2/ ص 491/ باب ذكر التوقيعات/ ح 14).
(1700) الإرشاد للمفيد (ج 2/ ص 358).
(1701) في المصدر: (المصري) بدل (البصري).
(1702) في المصدر: (عبد ربِّه).
(1703) كمال الدِّين (ج 2/ ص 491/ باب ذكر التوقيعات/ ح 15).
(1704) في المصدر إضافة: (فأقمت).

(٥١٤)

فَخَرَجْتُ مِنْ بَغْدَادَ وَأَنَا كَارهٌ، فَلَمَّا وَافَيْتُ سُرَّ مَنْ رَأى أَرَدْتُ المُقَامَ بِهَا لِمَا وَرَدَ عَلَيَّ مِن اضْطِرَابِ الْبَلَدِ، فَخَرَجْتُ، فَمَا وَافَيْتُ المَنْزلَ حَتَّى تَلَقَّانِي الشَّيْخُ وَمَعَهُ كِتَابٌ مِنْ أَهْلِي يُخْبِرُوني بِسُكُون الْبَلَدِ وَيَسْأَلُونِّي الْقُدُومَ(1705).
[384/55] كمال الدِّين: أَبِي، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن هَارُونَ، قَالَ: كَانَ لِلْغَريم عَلَيَّ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ، فَأَنَا لَيْلَةً بِبَغْدَادَ وَقَدْ كَانَ لَهَا(1706) ريحٌ وَظُلْمَةٌ وَقَدْ فَزعْتُ فَزَعاً شَدِيداً وَفَكَّرْتُ فِيمَا عَلَيَّ وَلِي، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لِي حَوَانِيتُ اشْتَرَيْتُهَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ دِينَاراً، وَقَدْ جَعَلْتُهَا لِلْغَريم (علیه السلام) بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ، فَجَاءَنِي مَنْ تَسَلَّمَ [يَتَسَلَّمُ] مِنِّي الْحَوَانِيتَ، وَمَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ قَبْل أَنْ أَنْطِقَ بِلِسَانِي وَلَا أَخْبَرْتُ بِهِ أَحَداً(1707).
[385/56] كمال الدِّين: أَبِي، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الْقَاسِم بْن أَبِي حَابِسٍ(1708)، قَالَ: كُنْتُ أَزُورُ الْحُسَيْنَ (علیه السلام) فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَلَمَّا كَانَ سَنَةً مِنَ السِّنِينَ وَرَدْتُ الْعَسْكَرَ قَبْلَ شَعْبَانَ وَهَمَمْتُ أَنْ لَا أَزُورَ فِي شَعْبَانَ، فَلَمَّا دَخَلَ شَعْبَانُ قُلْتُ: لَا أَدَعُ زِيَارَةً كُنْتُ أَزُورُهَا، فَخَرَجْتُ زَائِراً، وَكُنْتُ إِذَا وَرَدْتُ الْعَسْكَرَ أَعْلَمْتُهُمْ بِرُقْعَةٍ أَوْ رسَالَةٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي هَذِهِ الدَّفْعَةِ قُلْتُ لِأَبِي الْقَاسِم الْحَسَن بْن أَبِي(1709) أَحْمَدَ الْوَكِيل: لَا تُعْلِمْهُمْ بِقُدُومِي، فَإنِّي أُريدُ أَنْ أَجْعَلَهَا زَوْرَةً خَالِصَةً، فَجَاءَنِي أَبُو الْقَاسِم وَهُوَ يَتَبَسَّمُ وَقَالَ: بُعِثَ إِلَيَّ بِهَذَيْن الدِّينَارَيْن وَقِيلَ لِي: «ادْفَعْهُمَا إِلَى الْحَابِسِيِّ(1710)، وَقُلْ لَهُ: مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ اللهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1705) كمال الدِّين (ج 2/ ص 492/ باب ذكر التوقيعات/ ح 16).
(1706) في المصدر: (بها) بدل (وقد كان لها).
(1707) كمال الدِّين (ج 2/ ص 492/ باب ذكر التوقيعات/ ح 17).
(1708) في المصدر: (أبي حليس).
(1709) كلمة: (أبي) ليست في المصدر.
(1710) في المصدر: (الحليسي) بدل (الحابسي).

(٥١٥)

قَالَ: وَاعْتَلَلْتُ بِسُرَّ مَنْ رَأى عِلَّةً شَدِيدَةً أَشْفَقْتُ فِيهَا وَظَلِلْتُ(1711) مُسْتَعِدًّا لِلْمَوْتِ، فَبَعَثَ إِلَيَّ بُسْتُوقَةً فِيهَا بَنَفْسَجِينٌ وَأُمِرْتُ بِأَخْذِهِ، فَمَا فَرَغْتُ حَتَّى أَفَقْتُ(1712)، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قَالَ: وَمَاتَ لِي غَريمٌ، فَكَتَبْتُ أَسْتَأذِنُ فِي الْخُرُوج إِلَى وَرَثَتِهِ بِوَاسِطٍ، وَقُلْتُ: أَصِيِرُ إِلَيْهِمْ حِدْثَانَ مَوْتِهِ لَعَلِّي أَصِلُ إِلَى حَقِّي، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، ثُمَّ كَتَبْتُ أَسْتَأذِنُ ثَانِياً فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سَنَتَيْن كَتَبَ إِلَيَّ ابْتِدَاءً: «صِرْ إِلَيْهِمْ»، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ، فَوَصَلْتُ إِلَى حَقِّي.
قَالَ أَبُو الْقَاسِم: وَأَوْصَلَ ابْنُ رَئِيسٍ(1713) عَشَرَةَ دَنَانِيرَ إِلَى حَاجِزٍ، فَنَسِيَهَا حَاجِزٌ أَنْ يُوصِلَهَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: «تَبْعَثُ بِدَنَانِير ابْن رَئِيسٍ»(1714).
قَالَ: وَكَتَبَ هَارُونُ بْنُ مُوسَى بْن الْفُرَاتِ فِي أَشْيَاءَ، وَخَطَّ بِالْقَلَم بِغَيْر مِدَادٍ يَسْأَلُ الدُّعَاءَ لِابْنَيْ أَخِيهِ وَكَانَا مَحْبُوسَيْن، فَوَرَدَ عَلَيْهِ جَوَابُ كِتَابِهِ وَفِيهِ دُعَاءُ المَحْبُوسَيْن(1715) بِاسْمِهِمَا.
قَالَ: وَكَتَبَ رَجُلٌ مِنْ رَبَض حُمَيْدٍ يَسْأَلُ الدُّعَاءَ فِي حَمْلٍ لَهُ، فَوَرَدَ الدُّعَاءُ فِي الْحَمْل قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ: «وَسَتَلِدُ أُنْثَى»، فَجَاءَ كَمَا قَالَ.
قَالَ: وَكَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَصْريُّ(1716) يَسْأَلُ الدُّعَاءَ أَنْ يُكْفَى أَمْرَ بَنَاتِهِ وَأَنْ يُرْزَقَ الْحَجَّ وَيُرَدَّ عَلَيْهِ مَالُهُ، فَوَرَدَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ بِمَا سَأَلَ، فَحَجَّ سَنَتَهُ، وَمَاتَ مِنْ بَنَاتِهِ أَرْبَعٌ وَكَانَ لَهُ سِتَّةٌ(1717)، وَرُدَّ عَلَيْهِ مَالُهُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1711) في المصدر: (أشفقت منها فأطلبت).
(1712) في المصدر إضافة: (من علَّتي).
(1713) في المصدر: (رميس) بدل (رئيس).
(1714) في المصدر: (ابن رميس ابتداء).
(1715) في المصدر: (للمحبوسين).
(1716) في المصدر: (البصري) بدل (القصري).
(1717) في المسدر: (ستّ).

(٥١٦)

قَالَ: وَكَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزْدَادَ(1718) يَسْأَلُ الدُّعَاءَ لِوَالِدَيْهِ، فَوَرَدَ: «غَفَرَ اللهُ لَكَ وَلِوَالِدَيْكَ وَلِأُخْتِكَ المُتَوَفَّاةِ المُسَمَّاةِ(1719): كلكى»، وَكَانَتْ هَذِهِ امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ مُتَزَوِّجَةٌ بِجَوَارٍ.
وَكَتَبْتُ فِي إِنْفَاذِ خَمْسِينَ دِينَاراً لِقَوْم مُؤْمِنينَ مِنْهَا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ لابْن(1720) عَمٍّ لِي لَمْ يَكُنْ(1721) مِنَ الْإيمَان عَلَى شَيْءٍ، فَجَعَلْتُ اسْمَهُ(1722) آخِرَ الرُّقْعَةِ وَالْفُصُولِ أَلْتَمِسُ [بِذَلِكَ](1723) الدَّلَالَةَ فِي تَرْكِ الدُّعَاءِ لَهُ، فَخَرَجَ فِي فُصُولِ المُؤْمِنينَ: «تَقَبَّلَ اللهُ مِنْهُمْ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ وَأَثَابَكَ»، وَلَمْ يَدْعُ لِابْن(1724) عَمِّي بِشَيْءٍ.
قَالَ: وَأَنْفَذْتُ أَيْضاً دَنَانِيرَ لِقَوْم مُؤْمِنينَ، وَأَعْطَانِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ دَنَانِيرَ، فَأَنْفَذْتُهَا بِاسْم أَبِيهِ مُتَعَمِّداً، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ دِين اللهِ عَلَى شَيْءٍ، فَخَرَجَ الْوُصُولُ بِاسْم مَنْ غَيَّرْتَ اسْمَهُ مُحَمَّدٍ.
قَالَ: وَحَمَلْتُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ لِي فِيهَا هَذِهِ الدَّلَالَةُ أَلْفَ دِينَارٍ بَعَثَ بِهَا أَبُو جَعْفَرٍ وَمَعِي أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن خَلَفٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ الْجُنَيْدِ، فَحَمَلَ أَبُو الْحُسَيْن الْخُرْجَ إِلَى الدُّور وَاكْتَرَيْنَا ثَلَاثَةَ أَحْمِرَةٍ، فَلَمَّا بَلَغْنَا الْقَاطُولَ لَمْ نَجِدْ حَمِيراً، فَقُلْتُ لِأَبِي الْحُسَيْن: احْمِل الْخُرْجَ الَّذِي فِيهِ المَالُ وَاخْرُجْ مَعَ الْقَافِلَةِ حَتَّى أَتَخَلَّفَ فِي طَلَبِ حِمَارٍ لِإسْحَاقَ بْن الْجُنَيْدِ يَرْكَبُهُ فَإنَّهُ شَيْخٌ، فَاكْتَرَيْتُ لَهُ حِمَاراً وَلَحِقْتُ بِأَبِي الْحُسَيْن فِي الْحَيْر - حَيْر سُرَّ مَنْ رَأى - فَأَنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1718) في المصدر: (يزداذ).
(1719) في المصدر: (الملقَّبة) بدل (المسمَّاة).
(1720) في المصدر: (لابنة).
(1721) في المصدر: (تكن).
(1722) في المصدر: (اسمها).
(1723) من المصدر.
(1724) في المصدر: (لابنة).

(٥١٧)

أُسَامِرُهُ(1725) وَأَقُولُ لَهُ: احْمَدِ اللهَ عَلَى مَا أَنْت عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَدِدْتُ أنَّ هَذَا الْعَمَلَ دَامَ لِي.
فَوَافَيْتُ سُرَّ مَنْ رَأى وَأَوْصَلْتُ مَا مَعَنَا، فَأَخَذَهُ الْوَكِيلُ بِحَضْرَتِي وَوَضَعَهُ فِي مِنْدِيلٍ وَبَعَثَ بِهِ مَعَ غُلَام أَسْوَدَ، فَلَمَّا كَانَ الْعَصْرُ جَاءَنِي بِرُزَيْمَةٍ خَفِيفَةٍ، وَلَـمَّا أَصْبَحْنَا خَلَا بِي أَبُو الْقَاسِم وَتَقَدَّمَ أَبُو الْحُسَيْن وَإِسْحَاقٌ، فَقَالَ أَبُو الْقَاسِم: الْغُلَامُ الَّذِي حَمَلَ الرُّزَيْمَةَ جَاءَنِي بِهَذِهِ الدَّرَاهِم وَقَالَ لِي: ادْفَعْهَا إِلَى الرَّسُولِ الَّذِي حَمَلَ الرُّزَيْمَةَ، فَأَخَذْتُهَا مِنْهُ، فَلَمَّا خَرَجْتُ مِنْ بَابِ الدَّار قَالَ لِي أَبُو الْحُسَيْن مِنْ قَبْل أَنْ أَنْطِقَ أَوْ يَعْلَمَ أَنَّ مَعِي شَيْئاً: لَـمَّا كُنْتُ مَعَكَ فِي الْحَيْر تَمَنَّيْتُ أَنْ يَجِيئَنِي مِنْهُ دَرَاهِمُ أَتَبَرَّكُ بِهَا، وَكَذَلِكَ عَامُ أَوَّلَ حَيْثُ كُنْتُ مَعَكَ بِالْعَسْكَر، فَقُلْتُ لَهُ: خُذْهَا فَقَدْ أَتَاكَ اللهُ بِهَا، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قَالَ: وَكَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ كِشْمَرْدٍ يَسْأَلُ الدُّعَاءَ أَنْ يَجْعَلَ ابْنَهُ أَحْمَدَ مِنْ أُمِّ وَلَدِهِ فِي حِلٍّ، فَخَرَجَ: «وَالصَّقْريُّ أَحَلَّ اللهُ لَهُ ذَلِكَ»، فَأَعْلَمَ (علیه السلام) أَنَّ كُنْيَتَهُ أَبُو الصَّقْر(1726).
الخرائج والجرائح: عَنْ أَبِي الْقَاسِم بْن أَبِي حُبَيْشٍ، قَالَ: كَتَبْتُ فِي إِنْفَادِ [إِنْفَاذِ] خَمْسِينَ دِينَاراً...، إِلَى قَوْلِهِ: فَقَدْ أَتَاكَ اللهُ بِهَا(1727).
بيان: الرزمة بالكسر: ما شُدَّ في ثوب واحد. قوله: (جاءني): أي أبو الحسين.
[386/57] كمال الدِّين: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْن إِسْحَاقَ الْأَشْعَريُّ(1728)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1725) في المصدر: (في الحير حين وصل سُرَّ من رأى فأنا أُسايره).
(1726) كمال الدِّين (ج 2/ ص 493/ باب ذكر التوقيعات/ ح 18).
(1727) الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 691/ فصل في أعلام الإمام/ ح 3 - 5).
(1728) في المصدر: (حدَّثني أبي، قال: حدَّثني سعد بن عبد الله، قال: حدَّثني عليُّ بن محمّد بن إسحاق الأشعري).

(٥١٨)

قَالَ: كَانَتْ لِي زَوْجَةٌ مِنَ المَوَالِي قَدْ كُنْتُ هَجَرْتُهَا دَهْراً، فَجَاءَتْنِي، فَقَالَتْ: إِنْ كُنْتَ قَدْ طَلَّقْتَنِي فَأَعْلِمْنِي، فَقُلْتُ لَهَا: لَمْ أُطَلِّقْكِ، وَنِلْتُ مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْم، فَكَتَبَتْ إِلَيَّ بَعْدَ شَهْرٍ(1729) تَدَّعِي أَنَّهَا حَمَلَتْ، [فَكَتَبْتُ](1730) فِي أَمْرهَا وَفِي دَارٍ كَانَ صِهْري أَوْصَى بِهَا لِلْغَريم (علیه السلام) أَسْأَلُ أَنْ تُبَاعَ مِنِّي وَيُنَجَّمَ عَلَيَّ ثَمَنُهَا، فَوَرَدَ الْجَوَابُ فِي الدَّار: «قَدْ أُعْطِيتَ مَا سَأَلْتَ»، وَكَفَّ عَنْ ذِكْر المَرْأةِ وَالْحَمْل، فَكَتَبَتْ إِلَيَّ المَرْأةُ بَعْدَ ذَلِكَ تُعْلِمُنِي أَنَّهَا كَتَبَتْ بَاطِلاً، وَأَنَّ الْحَمْلَ لَا أَصْلَ لَهُ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(1731).
[387/58] كمال الدِّين: أَبِي، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ النّيلِيِّ(1732)، قَالَ: جَاءَنِي أَبُو جَعْفَرٍ فَمَضَى بِي إِلَى الْعَبَّاسِيَّةِ وَأَدْخَلَنِي إِلَى خَربَةٍ وَأَخْرَجَ كِتَاباً فَقَرَأَهُ عَلَيَّ فَإذَا فِيهِ شَرْحُ جَمِيع مَا حَدَثَ عَلَى الدَّار، وَفِيهِ: «أَنَّ فُلَانَةَ - يَعْنِي أُمَّ عَبْدِ اللهِ - يُؤْخَذُ بِشَعْرهَا وَتُخْرَجُ مِنَ الدَّار وَيُحْدَرُ بِهَا إِلَى بَغْدَادَ وَتَقْعُدُ بَيْنَ يَدَي السُّلْطَان»، وَأَشْيَاءَ مِمَّا يَحْدُثُ، ثُمَّ قَالَ لِي: احْفَظْ، ثُمَّ مَزَّقَ الْكِتَابَ، وَذَلِكَ مِنْ قَبْل أَنْ يَحْدُثَ مَا حَدَثَ بِمُدَّةٍ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ المَرْوَزِيُّ، عَنْ جَعْفَر بْن عَمْرٍو، قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى الْعَسْكَر وَأُمُّ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْحَيَاةِ وَمَعِي جَمَاعَةٌ، فَوَافَيْنَا الْعَسْكَرَ، فَكَتَبَ أَصْحَابِي يَسْتَأذِنُونَ فِي الزِّيَارَةِ مِنْ دَاخِلٍ بِاسْم رَجُلٍ رَجُلٍ، فَقُلْتُ لَهُمْ: لَا تُثْبِتُوا اسْمِي وَنَسَبِي(1733) فَإنِّي لَا أَسْتَأذِنُ، فَتَرَكُوا اسْمِي، فَخَرَجَ الْإذْنُ: «ادْخُلُوا وَمَنْ أَبَى أَنْ يَسْتَأذِنَ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1729) في المصدر: (بعد أشهر).
(1730) من المصدر.
(1731) كمال الدِّين (ج 2/ ص 497/ باب ذكر التوقيعات/ ح 19).
(1732) في المصدر: (المتيلي) بدل (النيلي).
(1733) عبارة: (ونسبي) ليست في المصدر.

(٥١٩)

قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَن جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: كَتَبَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن الْفَرَج الرُّخَّجِيُّ فِي أَشْيَاءَ، وَكَتَبَ فِي مَوْلُودٍ وُلِدَ لَهُ يَسْأَلُ أَنْ يُسَمَّى، فَخَرَجَ إِلَيْهِ الْجَوَابُ فِيمَا سَأَلَ وَلَمْ يُكْتَبْ إِلَيْهِ فِي المَوْلُودِ شَيْءٌ، فَمَاتَ الْوَلَدُ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قَالَ: وَجَرَى بَيْنَ قَوْم مِنْ أَصْحَابِنَا مُجْتَمِعِينَ كَلَامٌ فِي مَجْلِسٍ، فَكَتَبَ إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ شَرْحَ مَا جَرَى فِي المَجْلِس.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْعَاصِمِيُّ أَنَّ رَجُلاً تَفَكَّرَ فِي رَجُلٍ يُوصِلُ لَهُ مَا وَجَبَ لِلْغَريم (علیه السلام) وَضَاقَ بِهِ صَدْرُهُ، فَسَمِعَ هَاتِفاً يَهْتِفُ بِهِ: «أَوْصِلْ مَا مَعَكَ إِلَى حَاجِزٍ».
قَالَ: وَخَرَجَ أَبُو مُحَمَّدٍ السَّرْويُّ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأى وَمَعَهُ مَالٌ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ ابْتِدَاءً: «لَيْسَ فِينَا شَكٌّ وَلَا فِيمَنْ يَقُومُ مَقَامَنَا، وَرُدَّ مَا مَعَكَ إِلَى حَاجِزٍ».
قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ: بَعَثْنَا مَعَ ثِقَةٍ مِنْ ثِقَاتِ إِخْوَانِنَا إِلَى الْعَسْكَر شَيْئاً، فَعَمَدَ الرَّجُلُ فَدَسَّ فِيمَا مَعَهُ رُقْعَةً مِنْ غَيْر عِلْمِنَا، فَرُدَّتْ عَلَيْهِ الرُّقْعَةُ بِغَيْر جَوَابٍ.
وَقَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْكِنْدِيُّ: قَالَ لِي أَبُو طَاهِرٍ الْبِلَالِيُّ: التَّوْقِيعُ الَّذِي خَرَجَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) فَعَلَّقُوهُ فِي الْخَلَفِ بَعْدَهُ وَدِيعَةٌ فِي بَيْتِكَ، فَقُلْتُ لَهُ: أُحِبُّ أَنْ تَكْتُبَ(1734) لِي مِنْ لَفْظِ التَّوْقِيع مَا فِيهِ، فَأَخْبَرَ أَبَا طَاهِرٍ بِمَقَالَتِي، فَقَالَ لَهُ: جِئْنِي بِهِ حَتَّى يَسْقُطَ الْإسْنَادُ بَيْني وَبَيْنَهُ، خَرَجَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) قَبْلَ مُضِيِّهِ بِسَنَتَيْن يُخْبِرُني بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ قَبْلَ(1735) مُضِيِّهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّام يُخْبِرُني بِذَلِكَ، فَلَعَنَ اللهُ مَنْ جَحَدَ أَوْلِيَاءَ اللهِ حُقُوقَهُمْ وَحَمَلَ النَّاسَ عَلَى أَكْتَافِهِمْ، وَالْحَمْدُ للهِ كَثِيراً(1736).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1734) في المصدر: (تنسخ) بدل (تكتب).
(1735) في المصدر: (بعد) بدل (قبل).
(1736) كمال الدِّين (ج 2/ ص 498/ باب ذكر التوقيعات/ ح 20 - 24).

(٥٢٠)

بيان: قوله: (قال أبو عبد الله) كلام سعد بن عبد الله، وكذا قوله: (فقلت له)، وضمير (له) راجع إلى الحسين، وكذا المستتر في قوله: (فأخبر). والحاصل أنَّ الحسين سمع من البلالي أنَّه قال: التوقيع الذي خرج إليَّ من أبي محمّد (علیه السلام) في أمر الخلف القائم هو في جملة ما أودعتك في بيتك، وكان قد أودعه أشياء كان في بيته، فأخبر الحسين سعداً بما سمع منه، فقال سعد للحسين: أُحِبُّ أنْ ترى التوقيع الذي عنده وتكتب لي من لفظه، فأخبر الحسين أبا طاهر بمقالة سعد، فقال أبو طاهر: جئني بسعد حتَّى يسمع منِّي بلا واسطة، فلمَّا حضر أخبره بالتوقيع. ويُؤيِّد ما وجَّهنا به هذا الكلام أنَّ الكليني روى هذا التوقيع عن البلالي(1737).
[388/59] كمال الدِّين: كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْمَريُّ يَسْأَلُ كَفَناً، فَوَرَدَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ سَنَةَ ثَمَانِينَ أَوْ إِحْدَى وَثَمَانِينَ، فَمَاتَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي حَدَّهُ وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِالْكَفَن قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ(1738).
[389/60] كمال الدِّين: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَسْوَدُ (رحمه الله)، قَالَ: دَفَعَتْ إِلَيَّ امْرَأَةٌ سَنَةً مِنَ السِّنِينَ ثَوْباً، وَقَالَتِ: احْمِلْهُ إِلَى الْعَمْريِّ (رحمه الله)، فَحَمَلْتُهُ مَعَ ثِيَابٍ كَثِيرَةٍ، فَلَمَّا وَافَيْتُ بَغْدَادَ أَمَرَني بِتَسْلِيم ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَى مُحَمَّدِ بْن الْعَبَّاس الْقُمِّيِّ، فَسَلَّمْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ مَا خَلَا ثَوْبَ المَرْأةِ، فَوَجَّهَ إِلَيَّ الْعَمْريُّ (رضي الله عنه) [وَ](1739) قَالَ: ثَوْبُ المَرْأةِ سَلِّمْهُ إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ امْرَأَةً سَلَّمَتْ إِلَيَّ ثَوْباً، فَطَلَبْتُهُ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَقَالَ لِي: لَا تَغْتَمَّ فَإنَّكَ سَتَجِدُهُ، فَوَجَدْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَ الْعَمْريِّ نُسْخَةُ مَا كَانَ مَعِي(1740).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1737) الكافي (ج 1/ ص 328)، وفيه: (محمّد بن عليِّ بن بلال) بدل (البلالي).
(1738) كمال الدِّين (ج 2/ ص 501/ باب ذكر التوقيعات/ ح 26).
(1739) من المصدر.
(1740) كمال الدِّين (ج 2/ ص 502/ باب ذكر التوقيعات/ ح 30).

(٥٢١)

[390/61] كمال الدِّين: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَسْوَدُ (رحمه الله)، قَالَ: سَأَلَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْن بْن مُوسَى بْن بَابَوَيْهِ (رحمه الله) بَعْدَ مَوْتِ مُحَمَّدِ بْن عُثْمَانَ الْعَمْريِّ أَنْ أَسْأَلَ أَبَا الْقَاسِم الرَّوْحِيَّ (رحمه الله) أَنْ يَسْأَلَ مَوْلَانَا صَاحِبَ الزَّمَان (علیه السلام) أَنْ يَدْعُوَ اللهَ أَنْ يَرْزُقَهُ وَلَداً ذَكَراً، قَالَ: فَسَأَلْتُهُ، فَأَنْهَى ذَلِكَ، ثُمَّ أَخْبَرَني بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَيَّام أَنَّهُ قَدْ دَعَا لِعَلِيِّ بْن الْحُسَيْن، وَأَنَّهُ سَيُولَدُ لَهُ وَلَدٌ مُبَارَكٌ يَنْفَعُ اللهُ بِهِ، وَبَعْدَهُ أَوْلَادٌ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَسْوَدُ: وَسَأَلْتُهُ فِي أَمْر نَفْسِي أَنْ يَدْعُوَ اللهُ لِي أَنْ أُرْزَقَ وَلَداً ذَكَراً، فَلَمْ يُجِبْني إِلَيْهِ، وَقَالَ: لَيْسَ إِلَى هَذَا سَبِيلٌ، قَالَ: فَوُلِدَ لِعَلِيِّ ابْن الْحُسَيْن (رحمه الله) تِلْكَ السَّنَةَ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ، وَبَعْدَهُ أَوْلَادٌ، وَلَمْ يُولَدْ لِي.
قال الصدوق (رحمه الله): كان أبو جعفر محمّد بن عليٍّ الأسود (رضي الله عنه) كثيراً ما يقول لي إذا رآني أختلف إلى مجلس شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه) وأرغب في كُتُب العلم وحفظه: ليس بعجب أنْ تكون لك هذه الرغبة في العلم وأنت وُلِدْتَ بدعاء الإمام (علیه السلام)(1741).
الغيبة للطوسي: جماعة، عن الصدوق، مثله(1742).
وَقَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ بَابَوَيْهِ: عَقَدْتُ المَجْلِسَ وَلِي دُونَ الْعِشْرينَ سَنَةً، فَرُبَّمَا كَانَ يَحْضُرُ مَجْلِسِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَسْوَدُ، فَإذَا نَظَرَ إِلَى إِسْرَاعِي فِي الْأَجْوبَةِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَام يُكْثِرُ التَّعَجُّبَ لِصِغَر سِنِّي، ثُمَّ يَقُولُ: لَا عَجَبَ لِأَنَّكَ وُلِدْتَ بِدُعَاءِ الْإمَام (علیه السلام)(1743).
[391/62] كمال الدِّين: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْن مَتِّيلٍ، قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا: زَيْنَبُ مِنْ أَهْل آبَهْ - وَكَانَتِ امْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْن عِبْدِيلٍ الْآبِيِّ - مَعَهَا ثَلَاثُ مِائَةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1741) كمال الدِّين (ج 2/ ص 502/ باب ذكر التوقيعات/ ح 31).
(1742) الغيبة للطوسي (ص 320/ ح 266).
(1743) الغيبة للطوسي (ص 321/ ح 267).

(٥٢٢)

دِينَارٍ، فَصَارَتْ إِلَى عَمِّي جَعْفَر بْن مُحَمَّدِ بْن مَتِّيلٍ وَقَالَتْ: أُحِبُّ أَنْ أُسَلِّمَ هَذَا المَالَ مِنْ يَدِي إِلَى يَدِ أَبِي الْقَاسِم بْن رَوْح، قَالَ: فَأَنْفَذَنِي مَعَهَا أُتَرْجِمُ عَنْهَا، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْقَاسِم (رحمه الله) أَقْبَلَ عَلَيْهَا بِلِسَانٍ(1744) فَصِيح، فَقَالَ لَهَا: زينب چونا چويدا كوايد چون ايقنه(1745)، وَمَعْنَاهُ: كَيْفَ أَنْتِ؟ وَكَيْفَ مَكَثْتِ(1746)؟ وَمَا خَبَرُ صِبْيَانِكِ؟ قَالَ: فَامْتَنَعَتْ مِنَ(1747) التَّرْجُمَةِ وَسَلَّمَتِ المَالَ وَرَجَعَتْ(1748).
الغيبة للطوسي: جماعة، عن الصدوق، مثله(1749).
[392/63] كمال الدِّين: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْن مَتِّيلٍ، قَالَ: قَالَ عَمِّي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن مَتِّيلٍ(1750): دَعَانِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ السَّمَّانُ المَعْرُوفُ بِالْعَمْريِّ وَأَخْرَجَ إِلَيَّ ثُوَيْبَاتٍ مُعْلَمَةً وَصُرَّةً فِيهَا دَرَاهِمُ، فَقَالَ لِي: تَحْتَاجُ أَنْ تَصِيرَ بِنَفْسِكَ إِلَى وَاسِطٍ فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَتَدْفَعَ مَا دَفَعْتُ إِلَيْكَ إِلَى أَوَّلِ رَجُلٍ يَلْقَاكَ عِنْدَ صُعُودِكَ مِنَ المَرْكَبِ إِلَى الشَّطِّ بِوَاسِطٍ.
قَالَ: فَتَدَاخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ غَمٌّ شَدِيدٌ، وَقُلْتُ: مِثْلِي يُرْسَلُ فِي هَذَا الْأَمْر وَيَحْمِلُ هَذَا الشَّيْءَ الْوَتِحَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ إِلَى وَاسِطٍ وَصَعِدْتُ مِنَ المَرْكَبِ، فَأوَّلُ رَجُلٍ تَلَقَّانِي سَأَلْتُهُ عَن الْحَسَن بْن مُحَمَّدِ بْن قَطَاةٍ الصَّيْدَلَانِيِّ وَكِيل الْوَقْفِ بِوَاسِطٍ، فَقَالَ: أَنَا هُوَ، مَنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن مَتِّيلٍ، قَالَ: فَعَرَفَنِي بِاسْمِي وَسَلَّمَ عَلَيَّ وَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَتَعَانَقْنَا، فَقُلْتُ لَهُ: أَبُو جَعْفَرٍ الْعَمْريُّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1744) في المصدر: (أقبل يُكلِّمها بلسانٍ آبيٍّ فصيح).
(1745) في المصدر: (زينب جونا خويدا كوبذا جون استه).
(1746) في المصدر: (كنت) بدل (مكثت).
(1747) في المصدر: (فاستغنت عن) بد (فامتنعت من).
(1748) كمال الدِّين (ج 2/ ص 503/ باب ذكر التوقيعات/ ح 34).
(1749) الغيبة للطوسي (ص 321/ ح 268).
(1750) الصحيح: (جعفر بن أحمد بن متيل).

(٥٢٣)

يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَدَفَعَ إِلَيَّ هَذِهِ الثُوَيْبَاتِ وَهَذِهِ الصُّرَّةَ لِأُسَلِّمَهَا إِلَيْكَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ للهِ، فَإنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْعَامِريَّ(1751) قَدْ مَاتَ وَخَرَجْتُ لِأُصْلِحَ كَفَنَهُ، فَحَلَّ الثِّيَابَ، فَإذَا بِهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ حِبَرَةٍ وَثِيَابٍ وَكَافُورٍ، وَفِي الصُّرَّةِ كَرَى الْحَمَّالِينَ وَالْحَفَّار، قَالَ: فَشَيَّعْنَا جَنَازَتَهُ وَانْصَرَفْتُ(1752).
بيان: قال الجوهري: شيء وَتْح ووَتِح أي قليل تافه، وشيء وتح وعر أتباع له، أي نزر(1753).
[393/64] كمال الدِّين: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن يَحْيَى الْعَلَويُّ ابْنُ أَخِي طَاهِرٍ بِبَغْدَادَ طَرَفِ سُوقِ الْقُطْن فِي دَارهِ، قَالَ: قَدِمَ أَبُو الْحَسَن عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْن عَلِيٍّ الْعَقِيقِيُّ بِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْن إِلَى عَلِيِّ بْن عِيسَى بْن الْجَرَّاح - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ وَزِيرٌ - فِي أَمْر ضَيْعَةٍ لَهُ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أَهْلَ بَيْتِكَ فِي هَذَا الْبَلَدِ كَثِيرٌ، فَإنْ ذَهَبْنَا نُعْطِي كُلَّمَا سَأَلُونَا طَالَ ذَلِكَ - أَوْ كَمَا قَالَ -.
فَقَالَ لَهُ الْعَقِيقِيُّ: فَإنِّي أَسْأَلُ مَنْ فِي يَدِهِ قَضَاءُ حَاجَتِي، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى: مَنْ هُوَ هَذَا؟ فَقَالَ: اللهُ (عزَّ وجلَّ)، وَخَرَجَ مُغْضَباً، قَالَ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا أَقُولُ: فِي اللهِ عَزَاءٌ مِنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَدَرَكٌ مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، قَالَ: فَانْصَرَفْتُ، فَجَاءَنِي الرَّسُولُ مِنْ عِنْدِ الْحُسَيْن بْن رَوْح (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ)، فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ، فَذَهَبَ مَنْ عِنْدِي فَأَبْلَغَهُ.
فَجَاءَنِي الرَّسُولُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَدَداً وَوَزْناً وَمِنْدِيلٍ وَشَيْءٍ مِنْ حَنُوطٍ وَأَكْفَانٍ، وَقَالَ لِي: مَوْلَاكَ يُقْرئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكَ: «إِذَا أَهَمَّكَ أَمْرٌ أَوْ غَمٌّ فَامْسَحْ بِهَذَا الْمِنْدِيل وَجْهَكَ فَإنَّهُ مِنْدِيلُ مَوْلَاكَ، وَخُذْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ وَهَذَا الْحَنُوطَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1751) في المصدر: (الحائري) بدل (العامري).
(1752) كمال الدِّين (ج 2/ ص 504/ باب ذكر التوقيعات/ ح 35).
(1753) الصحاح (ج 1/ ص 414).

(٥٢٤)

وَهَذِهِ الْأَكْفَانَ، وَسَتُقْضَى حَاجَتُكَ فِي لَيْلَتِكَ هَذِهِ، وَإِذَا قَدِمْتَ إِلَى مِصْرَ مَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ مِنْ قَبْلِكَ بِعَشَرَةِ أَيَّام، ثُمَّ مِتَّ(1754) بَعْدَهُ، فَيَكُونُ هَذَا كَفَنَكَ وَهَذَا حَنُوطَكَ وَهَذَا جَهَازَكَ».
قَالَ: فَأَخَذْتُ ذَلِكَ وَحَفِظْتُهُ وَانْصَرَفَ الرَّسُولُ فَإذَا أَنَا بِالمَشَاعِل عَلَى بَابِي وَالْبَابُ يُدَقُّ، فَقُلْتُ لِغُلَامِي خَيْرٍ: يَا خَيْرُ، انْظُرْ أَيُّ شَيْءٍ هُوَ ذَا؟ فَقَالَ خَيْرٌ: هَذَا غُلَامُ حُمَيْدِ بْن مُحَمَّدٍ الْكَاتِبِ ابْن عَمِّ الْوَزِير، فَأَدْخَلَهُ إِلَيَّ، فَقَالَ: قَدْ طَلَبَكَ الْوَزِيرُ يَقُولُ لَكَ مَوْلَايَ حُمَيْدٌ: ارْكَبْ إِلَيَّ.
قَالَ: فَرَكِبْتُ وَفُتِحَتِ(1755) الشَّوَارعُ وَالدُّرُوبُ وَجِئْتُ إِلَى شَارع الْوَزَّانِينَ(1756) فَإذَا بِحُمَيْدٍ قَاعِدٌ يَنْتَظِرُني، فَلَمَّا رَآنِي أَخَذَ بِيَدِي وَرَكِبْنَا فَدَخَلْنَا عَلَى الْوَزِير، فَقَالَ لِيَ الْوَزِيرُ: يَا شَيْخُ، قَدْ قَضَى اللهُ حَاجَتَكَ، وَاعْتَذَرَ إِلَيَّ وَدَفَعَ إِلَيَّ الْكُتُبَ مَخْتُومَةً مَكْتُوبَةً قَدْ فَرَغَ مِنْهَا، قَالَ: فَأَخَذْتُ ذَلِكَ وَخَرَجْتُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ: فَحَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْعَقِيقِيُّ بِنَصِيبينَ بِهَذَا وَقَالَ لِي: مَا خَرَجَ هَذَا الْحَنُوطُ إِلَّا لِعَمَّتِي فُلَانَةَ وَلَمْ يُسَمِّهَا وَقَدْ بَغَيْتُهُ لِنَفْسِي(1757)، وَقَدْ قَالَ لِيَ الْحُسَيْنُ بْنُ رَوْح (رضي الله عنه): إِنِّي أَمْلِكُ الضَّيْعَةَ وَقَدْ كَتَبَ لِي بِالَّذِي أَرَدْتُ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ وَقَبَّلْتُ رَأسَهُ وَعَيْنَيْهِ وَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، أَرِني الْأَكْفَانَ وَالْحَنُوطَ وَالدَّرَاهِمَ، فَأَخْرَجَ إِلَيَّ الْأَكْفَانَ، فَإذَا فِيهَا بُرْدٌ حِبَرَةٌ مُسَهَّمٌ مِنْ نَسْج الْيَمَن وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ مَرْويٌّ وَعِمَامَةٌ، وَإِذَا الْحَنُوطُ فِي خَريطَةٍ، وَأَخْرَجَ الدَّرَاهِمَ، فَعَدَدْتُهَا مِائَةَ دِرْهَم(1758)، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، هَبْ لِي مِنْهُمَا دِرْهَماً أَصُوغُهُ خَاتَماً، قَالَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1754) في المصدر: (تموت).
(1755) في المصدر: (وخبت) بدل (وفتحت).
(1756) في المصدر: (الرزَّازين) بدل (الوزَّانين).
(1757) في المصدر: (وقد نعيت إليَّ نفسي).
(1758) في المصدر إضافة: ([و]وزنها مائة درهم).

(٥٢٥)

وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟ خُذْ مِنْ عِنْدِي مَا شِئْتَ، فَقُلْتُ: أُريدُ مِنْ هَذِهِ، وَأَلْحَحْتُ عَلَيْهِ وَقَبَّلْتُ رَأسَهُ وَعَيْنَيْهِ، فَأَعْطَانِي دِرْهَماً، فَشَدَدْتُهُ فِي مِنْدِيلِي وَجَعَلْتُهُ فِي كُمِّي، فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى الْخَانِ فَتَحْتُ زِنْفِيلَجَةً(1759) مَعِي وَجَعَلْتُ الْمِنْدِيلَ فِي الزِّنْفِيلَجَةِ وَفِيهِ الدِّرْهَمُ مَشْدُودٌ وَجَعَلْتُ كُتُبِي وَدَفَاتِري فَوْقَهُ، وَأَقَمْتُ أَيَّاماً، ثُمَّ جِئْتُ أَطْلُبُ الدِّرْهَمَ فَإذَا الصُّرَّةُ مَصْرُورَةٌ بِحَالِهَا وَلَا شَيْءَ فِيهَا، فَأَخَذَنِي شِبْهُ الْوَسْوَاس، فَصِرْتُ إِلَى بَابِ الْعَقِيقِيِّ، فَقُلْتُ لِغُلَامِهِ خَيْرٍ: أُريدُ الدُّخُولَ إِلَى الشَّيْخ، فَأَدْخَلَنِي إِلَيْهِ، فَقَالَ لِي: مَا لَكَ؟ فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، الدِّرْهَمُ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي مَا أَصَبْتُهُ فِي الصُّرَّةِ، فَدَعَا بِالزِّنْفِيلَجَةِ وَأَخْرَجَ الدَّرَاهِمَ فَإذَا هِيَ مِائَةُ دِرْهَم عَدَداً وَوَزْناً، وَلَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ أَتَّهِمُهُ، فَسَأَلْتُهُ فِي رَدِّهِ إِلَيَّ فَأَبَى، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مِصْرَ وَأَخَذَ الضَّيْعَةَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بِعَشَرَةِ أَيَّام(1760)، ثُمَّ تُوُفِّيَ (رحمه الله) وَكُفِّنَ فِي الْأَكْفَان الَّتِي دُفِعَتْ إِلَيْهِ(1761).
الغيبة للطوسي: جماعة، عن الصدوق، مثله(1762).
بيان: قوله: (إلَّا لعمَّتي): أي ما خرج هذا الحنوط أوَّلاً إلَّا لعمَّتي ثُمَّ طلبت حنوطاً لنفسي فخرج مع الكفن والدراهم، واحتمال كون الحنوط لم يخرج له أصلاً وإنَّما أخذ حنوط عمَّته لنفسه فيكون رجوعاً عن الكلام الأوَّل بعيد.
وفي غيبة الشيخ: (إلاَّ إلى عمَّتي فلانة ولم يسمِّها وقد نعيت إليَّ نفسي)، فيحتمل أنْ تكون عمَّته في بيت الحسين بن روح فخرج إليها.
قوله: (وقد كُتِبَ) على بناء المجهول ليكون حالاً عن ضمير أملك أو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1759) زنفيلجة: معرَّب زنبيلچه، وهي الصغار من الزنابيل.
(1760) في المصدر إضافة: (كما قيل).
(1761) كمال الدِّين (ج 2/ ص 505/ باب ذكر التوقيعات/ ح 36).
(1762) الغيبة للطوسي (ص 317/ ح 265).

(٥٢٦)

تصديقاً لما أُخبِرَ به، أو على بناء المعلوم فالضمير المرفوع راجع إلى الحسين، أي وقد كان كتب مطلبي إلى القائم (علیه السلام) فلمَّا خرج أخبرني به قبل ردِّ الضيعة.
والمسهَّم: البرد المخطَّط.
[394/65] كمال الدِّين: الْعَطَّارُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن شَاذَانَ بْن نُعَيْم الشَّاذَانِيِّ، قَالَ: اجْتَمَعَتْ عِنْدِي خَمْسُمِائَةِ دِرْهَم تَنْقُصُ عِشْرينَ دِرْهَماً، فَوَزَنْتُ مِنْ عِنْدِي عِشْرينَ دِرْهَماً وَدَفَعْتُهَا إِلَى أَبِي الْحُسَيْن الْأَسَدِيِّ (رضي الله عنه) وَلَمْ أُعَرِّفْهُ أَمْرَ الْعِشْرينَ، فَوَرَدَ الْجَوَابُ: «قَدْ وَصَلَتِ الْخَمْسُ مِائَةِ دِرْهَم الَّتِي لَكَ فِيهَا عِشْرُونَ دِرْهَماً».
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ: وَأَنْفَذْتُ بَعْدَ ذَلِكَ مَالاً وَلَمْ أُفَسِّرْ لِمَنْ هُوَ، فَوَرَدَ الْجَوَابُ: «وَصَلَ كَذَا وَكَذَا، مِنْهُ لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا».
قَالَ: وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْكُوفِيُّ: حَمَلَ رَجُلٌ مَالاً لِيُوصِلَهُ، وَأَحَبَّ أَنْ يَقِفَ عَلَى الدَّلَالَةِ، فَوَقَّعَ (علیه السلام): «إِنِ اسْتَرْشَدْتَ أُرْشِدْتَ، وَإِنْ طَلَبْتَ وَجَدْتَ، يَقُولُ لَكَ مَوْلَاكَ: احْمِلْ مَا مَعَكَ»، قَالَ الرَّجُلُ: فَأَخْرَجْتُ مِمَّا مَعِي سِتَّةَ دَنَانِيرَ بِلَا وَزْنٍ وَحَمَلْتُ الْبَاقِيَ، فَخَرَجَ فِي التَّوْقِيع: «يَا فُلَانُ، رُدَّ السِّتَّةَ الَّتِي أَخْرَجْتَهَا بِلَا وَزْنٍ، وَزْنُهَا سِتَّةُ دَنَانِيرَ وَخَمْسَةُ دَوَانِيقَ وَحَبَّةٌ وَنصْفٌ»، قَالَ الرَّجُلُ: فَوَزَنْتُ الدَّنَانِيرَ، فَإذَا بِهَا كَمَا قَالَ (علیه السلام)(1763).
[395/66] كمال الدِّين: أَحْمَدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدٍ الْحِمْيَريِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْن حَامِدٍ الْكَاتِبِ، قَالَ: كَانَ بِقُمَّ رَجُلٌ بَزَّازٌ مُؤْمِنٌ وَلَهُ شَريكٌ مُرْجِئٌ، فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا ثَوْبٌ نَفِيسٌ، فَقَالَ المُؤْمِنُ: يَصْلُحُ هَذَا الثَّوْبُ لِمَوْلَايَ، فَقَالَ شَريكُهُ: لَسْتُ أَعْرفُ مَوْلَاكَ وَلَكِنْ افْعَلْ بِالثَّوْبِ مَا تُحِبُّ، فَلَمَّا وَصَلَ الثَّوْبُ شَقَّهُ (علیه السلام) بِنصْفَيْن طُولاً، فَأَخَذَ نِصْفَهُ وَرَدَّ النِّصْفَ وَقَالَ: «لَا حَاجَةَ لِي فِي مَالِ المُرْجِئ»(1764).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1763) كمال الدِّين (ج 2/ ص 509/ باب ذكر التوقيعات/ ح 38)، وفيه: (فإذا هي كما قال).
(1764) كمال الدِّين (ج 2/ ص 510/ باب ذكر التوقيعات/ ح 40).

(٥٢٧)

[396/67] كمال الدِّين: عَمَّارُ بْنُ الْحُسَيْن بْن إِسْحَاقَ الْأُشْرُوسِيُّ(1765) (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَدُ بْنُ الْخَضِر بْن أَبِي صَالِح الْجَحْدَريُّ(1766) أَنَّهُ خَرَجَ إِلَيْهِ مِنْ صَاحِبِ الزَّمَان (علیه السلام)(1767) بَعْدَ أَنْ كَانَ أُغْريَ بِالْفَحْص وَالطَّلَبِ وَسَارَ عَنْ وَطَنِهِ لِيَتَبَيَّنَ لَهُ مَا يَعْمَلُ عَلَيْهِ، فَكَانَ نُسْخَةُ التَّوْقِيع: «مَنْ بَحَثَ فَقَدْ طَلَبَ، وَمَنْ طَلَبَ فَقَدْ دَلَّ، وَمَنْ دَلَّ فَقَدْ أَشَاطَ(1768)، وَمَنْ أَشَاطَ فَقَدْ أَشْرَكَ»، قَالَ: فَكَفَّ عَن الطَّلَبِ وَرَجَعَ(1769).
الغيبة للطوسي: جماعة، عن الصدوق، مثله(1770).
[397/68] كمال الدِّين: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْن أَحْمَدَ بْن رَوْح بْن عَبْدِ اللهِ بْن مَنْصُور بْن يُونُسَ بْن رَوْح صَاحِبُ مَوْلَانَا صَاحِبِ الزَّمَان (علیه السلام)(1771)، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَن الصَّيْرَفِيَّ(1772) المُقِيمَ بِأَرْض بَلْخ يَقُولُ: أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى الْحَجِّ، وَكَانَ مَعِي مَالٌ بَعْضُهُ ذَهَبٌ وَبَعْضُهُ فِضَّةٌ، فَجَعَلْتُ مَا كَانَ مَعِي مِنْ ذَهَبٍ سَبَائِكَ وَمَا كَانَ مِنْ فِضَّةٍ نُقَراً، وَقَدْ كَانَ قَدْ دُفِعَ ذَلِكَ المَالُ إِلَيَّ لِأُسَلِّمَهُ إِلَى الشَّيْخ أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رَوْح (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ)، قَالَ: فَلَمَّا نَزَلْتُ سَرَخْسَ ضَرَبْتُ خَيْمَتِي عَلَى مَوْضِع فِيهِ رَمْلٌ، وَجَعَلْتُ أُمَيّزُ تِلْكَ السَّبَائِكَ وَالنُّقَرَ، فَسَقَطَتْ سَبِيكَةٌ مِنْ تِلْكَ السَّبَائِكِ مِنِّي وَغَاضَتْ فِي الرَّمْل وَأَنَا لَا أَعْلَمُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1765) في المصدر: (الأسروشني).
(1766) في المصدر: (الخجندي).
(1767) في المصدر إضافة: (توقيع).
(1768) يقال: أشاط دمه وبدمه: أذهبه، أو عمل في هلاكه، أو عرَّضه للقتل.
(1769) كمال الدِّين (ج 2/ ص 509/ باب ذكر التوقيعات/ ح 39).
(1770) الغيبة للطوسي (ص 323/ ح 271).
(1771) في المصدر: (محمّد بن عليِّ بن أحمد بن برزج بن عبد الله بن منصور بن يونس بن برزج صاحب الصادق (علیه السلام)).
(1772) في المصدر إضافة: (الدورقي).

(٥٢٨)

قَالَ: فَلَمَّا دَخَلْتُ هَمَذَانَ مَيَّزْتُ تِلْكَ السَّبَائِكِ وَالنُّقَرَ مَرَّةً أُخْرَى اهْتِمَاماً مِنِّي بِحِفْظِهَا، فَفَقَدْتُ مِنْهَا سَبِيكَةً وَزْنُهَا مِائَةُ مِثْقَالٍ وَثَلَاثَةُ مَثَاقِيلَ - أَوْ قَالَ: ثَلَاثَةٌ وَتِسْعُونَ مِثْقَالاً -، قَالَ: فَسَبَكْتُ مَكَانَهَا مِنْ مَالِي بِوَزْنِهَا سَبِيكَةً وَجَعَلْتُهَا بَيْنَ السَّبَائِكِ.
فَلَمَّا وَرَدْتُ مَدِينَةَ السَّلَام قَصَدْتُ الشَّيْخَ أَبَا الْقَاسِم الْحُسَيْنَ بْنَ رَوْح (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ) وَسَلَّمْتُ إِلَيْهِ مَا كَانَ مَعِي مِنَ السَّبَائِكِ وَالنُّقَر، فَمَدَّ يَدَهُ مِنْ بَيْن(1773) السَّبَائِكِ إِلَى السَّبِيكَةِ الَّتِي كُنْتُ سَبَكْتُهَا مِنْ مَالِي بَدَلاً مِمَّا ضَاعَ مِنِّي فَرَمَى بِهَا إِلَيَّ، وَقَالَ لِي: لَيْسَتْ هَذِهِ السَّبِيكَةُ لَنَا، سَبِيكَتُنَا ضَيَّعْتَهَا بِسَرَخْسَ حَيْثُ ضَرَبْتَ خَيْمَتَكَ فِي الرَّمْل، فَارْجِعْ إِلَى مَكَانِكَ وَانْزلْ حَيْثُ نَزَلْتَ وَاطْلُبِ السَّبِيكَةَ هُنَاكَ تَحْتَ الرَّمْل فَإنَّكَ سَتَجِدُهَا، وَتَعُودُ إِلَى هَاهُنَا فَلَا تَرَانِي.
قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى سَرَخْسَ وَنَزَلْتُ حَيْثُ كُنْتُ نَزَلْتُ، وَوَجَدْتُ السَّبِيكَةَ [تَحْتَ اَلرَّمْلِ وَقَدْ نَبَتَ عَلَيْهَا اَلْحَشِيشُ، فَأَخَذْتُ اَلسَّبِيكَةَ](1774) وَانْصَرَفْتُ إِلَى بَلَدِي، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ حَجَجْتُ وَمَعِيَ السَّبِيكَةُ، فَدَخَلْتُ مَدِينَةَ السَّلَام وَقَدْ كَانَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِم بْنُ رَوْح (رضي الله عنه) مَضَى، وَلَقِيتُ أَبَا الْحَسَن السَّمُريَّ (رضي الله عنه)، فَسَلَّمْتُ إِلَيْهِ السَّبِيكَةَ(1775).
[398/69] كمال الدِّين: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ الْقُمِّيُّ المَعْرُوفُ بِأَبِي عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيِّ، قَالَ: كُنْتُ بِبُخَارَا، فَدَفَعَ إِلَيَّ المَعْرُوفُ بِابْن جَاوَشِيرَ عَشَرَةَ سَبَائِكَ ذَهَباً وَأَمَرَني أَنْ أُسَلِّمَهَا بِمَدِينَةِ السَّلَام إِلَى الشَّيْخ أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رَوْح (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ)، فَحَمَلْتُهَا مَعِي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1773) في المصدر إضافة: (تلك).
(1774) من المصدر.
(1775) كمال الدِّين (ج 2/ ص 516/ باب ذكر التوقيعات/ ح 45).

(٥٢٩)

فَلَمَّا بَلَغْتُ آمُويَهْ(1776) ضَاعَتْ مِنِّي سَبِيكَةٌ مِنْ تِلْكَ السَّبَائِكِ، وَلَمْ أَعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى دَخَلْتُ مَدِينَةَ السَّلَام، فَأَخْرَجْتُ السَّبَائِكَ لِأُسَلِّمَهَا، فَوَجَدْتُهَا نَاقِصَةً وَاحِدَةٌ مِنْهَا، فَاشْتَرَيْتُ سَبِيكَةً مَكَانَهَا بِوَزْنهَا وَأَضَفْتُهَا إِلَى التِّسْع سَبَائِكَ، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى الشَّيْخ أَبِي الْقَاسِم الرَّوْحِيِّ(1777) (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ) وَوَضَعْتُ السَّبَائِكَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لِي: خُذْ لَكَ تِلْك السَّبِيكَةَ الَّتِي اشْتَرَيْتَهَا - وَأَشَارَ إِلَيْهَا بِيَدِهِ -، فَإنَّ السَّبِيكَةَ الَّتِي ضَيَّعْتَهَا قَدْ وَصَلَتْ إِلَيْنَا، وَهُوَ ذَا هِيَ، ثُمَّ أَخْرَجَ إِلَيَّ تِلْكَ السَّبِيكَةَ الَّتِي كَانَتْ ضَاعَتْ مِنِّي بِآمُويَهْ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا وَعَرَفْتُهَا.
وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ المَعْرُوفُ بِأَبِي عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيِّ: وَرَأَيْتُ تِلْكَ السَّنَةَ بِمَدِينَةِ السَّلَام امْرَأَةً تَسْأَلُنِي عَنْ وَكِيل مَوْلَانَا (علیه السلام) مَنْ هُوَ؟ فَأَخْبَرَهَا بَعْضُ الْقُمِّيِّينَ أَنَّهُ أَبُو الْقَاسِم الْحُسَيْنُ بْنُ رَوْح، وَأَشَارَ لَهَا إِلَيَّ(1778).
فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ وَأَنَا عِنْدَهُ، فَقَالَتْ لَهُ: أَيُّهَا الشَّيْخُ أَيُّ شَيْءٍ مَعِي؟ فَقَالَ: مَا مَعَكِ فَأَلْقِيهِ فِي دِجْلَةَ ثُمَّ ائْتِيني حَتَّى أُخْبِرَكِ، قَالَ: فَذَهَبَتِ المَرْأَةُ وَحَمَلَتْ مَا كَانَ مَعَهَا فَأَلْقَتْهُ فِي دِجْلَةَ ثُمَّ رَجَعَتْ وَدَخَلَتْ إِلَى أَبِي الْقَاسِم الرَّوْحِيِّ (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ)، فَقَالَ أَبُو الْقَاسِم (رضي الله عنه) لِمَمْلُوكَةٍ لَهُ: أَخْرجِي إِلَيَّ الْحُقَّةَ، فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ(1779): هَذِهِ الْحُقَّةُ الَّتِي كَانَتْ مَعَكِ وَرَمَيْتِ بِهَا فِي دِجْلَةَ، أُخْبِرُكِ بِمَا فِيهَا أَوْ تُخْبِريني؟ فَقَالَتْ لَهُ: بَلْ أَخْبِرْني.
فَقَالَ: فِي هَذِهِ الْحُقَّةِ زَوْجُ سِوَار ذَهَبٍ، وَحَلْقَةٌ كَبِيرَةٌ فِيهَا جَوْهَرٌ، وَحَلْقَتَان صَغِيرَتَان فِيهِمَا جَوْهَرٌ، وَخَاتَمَان أَحَدُهُمَا فَيْرُوزَجٌ وَالْآخَرُ عَقِيقٌ، وَكَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرَ لَمْ يُغَادِرْ مِنْهُ شَيْئاً، ثُمَّ فَتَحَ الْحُقَّةَ فَعَرَضَ عَلَيَّ مَا فِيهَا وَنَظَرَتِ المَرْأَةُ إِلَيْهِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1776) نهر يجري بين خراسان وتركستان قريباً من خوارزم، ويُسمَّى آمون أيضاً.
(1777) في المصدر: (أبي القاسم الحسين بن روح).
(1778) في المصدر: (إليها) بدل (لها إليَّ).
(1779) في المصدر: (إليَّ الحُقَّ، فأخرجت إليها حُقَّة، فقال للمرأة).

(٥٣٠)

فَقَالَتْ: هَذَا الَّذِي حَمَلْتُهُ بِعَيْنهِ وَرَمَيْتُ بِهِ فِي دِجْلَةَ، فَغُشِيَ عَلَيَّ وَعَلَى المَرْأَةِ فَرَحاً بِمَا شَاهَدْنَا مِنْ صِدْقِ الدَّلَالَةِ.
[ثُمَّ](1780) قَالَ الْحُسَيْنُ لِي مِنْ بَعْدِ مَا حَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ: أَشْهَدُ بِاللهِ تَعَالَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَمَا ذَكَرْتُهُ لَمْ أَزِدْ فِيهِ وَلَمْ أَنْقُصْ مِنْهُ، وَحَلَفَ بِالْأَئِمَّةِ الْاِثْنَيْ عَشَرَ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ) لَقَدْ صَدَقَ فِيمَا حَدَّثَ بِهِ مَا زَادَ فِيهِ وَلَا نَقَصَ مِنْهُ(1781).
[399/70] كمال الدِّين: مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْن أَحْمَدَ الزَّرْجِيُّ، قَالَ: رَأَيْتُ بِسُرَّ مَنْ رَأى رَجُلاً شَابًّا فِي المَسْجِدِ المَعْرُوفِ بِمَسْجِدِ زُبَيْدَةَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ هَاشِمِيٌّ مِنْ وُلْدِ مُوسَى بْن عِيسَى، فَلَمَّا كَلَّمَنِي صَاحَ بِجَاريَةٍ(1782) وَقَالَ: يَا غَزَالُ - أَوْ: يَا زُلَالُ -، فَإذَا أَنَا بِجَاريَةٍ مُسِنَّةٍ، فَقَالَ لَهَا: يَا جَاريَةُ، حَدِّثْي مَوْلَاكِ بِحَدِيثِ الْمِيل وَالمَوْلُودِ، فَقَالَتْ: كَانَ لَنَا طِفْلٌ وَجِعٌ، فَقَالَتْ لِي مَوْلَاتِي: ادْخُلِي إِلَى دَار الْحَسَن بْن عَلِيٍّ (علیه السلام)، فَقُولِي لِحَكِيمَةَ تُعْطِينَا شَيْئاً نَسْتَشْفِي بِهِ مَوْلُودَنَا.
فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا وَسَأَلْتُهَا ذَلِكَ، فَقَالَتْ حَكِيمَةُ: ائْتُوني بِالْمِيل الَّذِي كُحِلَ بِهِ المَوْلُودُ الَّذِي وُلِدَ الْبَارحَةَ - يَعْنِي ابْنَ الْحَسَن بْن عَلِيٍّ (علیه السلام) -، فَأُتِيَتْ بِالْمِيل، فَدَفَعَتْهُ إِلَيَّ، وَحَمَلْتُهُ إِلَى مَوْلَاتِي، فَكَحَلَتِ(1783) المَوْلُودَ، فَعُوفِيَ، وَبَقِيَ عِنْدَنَا وَكُنَّا نَسْتَشْفِي بِهِ ثُمَّ فَقَدْنَاهُ(1784).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1780) من المصدر.
(1781) كمال الدِّين (ج 2/ ص 518/ باب ذكر التوقيعات/ ح 47).
(1782) في المصدر: (فلمَّا كان من الغد حملني الهاشمي إلى منزله وأضافني ثُمَّ صاح بجارية...) إلخ، والحديث مختصر.
(1783) في المصدر إضافة: (به).
(1784) كمال الدِّين (ج 2/ ص 518/ باب ذكر التوقيعات/ آخر الحديث 46).

(٥٣١)

[400/1] الغيبة للطوسي: قَدْ رُويَ [فِي] بَعْض الْأَخْبَار أَنَّهُمْ قَالُوا: «خُدَّامُنَا وَقُوَّامُنَا شِرَارُ خَلْقِ اللهِ»، وَهَذَا لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، وَإِنَّمَا قَالُوا لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ غَيَّرَ وَبَدَلَ وَخَانَ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ(1785).
وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن جَعْفَرٍ الْحِمْيَريُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن صَالِح الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى صَاحِبِ الزَّمَان (علیه السلام) أَنَّ أَهْلَ بَيْتِي يُؤْذُوني وَيُقَرِّعُوني بِالْحَدِيثِ الَّذِي رُويَ عَنْ آبَائِكَ (عليهم السلام) أَنَّهُمْ قَالُوا: «خُدَّامُنَا وَقُوَّامُنَا شِرَارُ خَلْقِ اللهِ»، فَكَتَبَ (علیه السلام): «وَيْحَكُمْ مَا تَقْرَءُونَ مَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً﴾ [سبأ: 18]، فَنَحْنُ وَاللهِ الْقُرَى الَّتِي بَارَكَ اللهُ فِيهَا، وَأَنْتُمُ الْقُرَى الظَّاهِرَةُ»(1786).
كمال الدِّين: أبي وابن الوليد معاً، عن الحميري، عن محمّد بن صالح الهمداني، مثله.
ثُمَّ قال: قال عبد الله بن جعفر: وحدَّثني بهذا الحديث عليُّ بن محمّد الكليني، عن محمّد بن صالح، عن صاحب الزمان (علیه السلام)(1787).
أقول: ثُمَّ ذكر الشيخ(1788) بعض أصحاب الأئمَّة (صلوات الله عليهم) الممدوحين، ثُمَّ قال:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1785) الغيبة للطوسي (ص 345/ ح 294).
(1786) الغيبة للطوسي (ص 345/ ح 295).
(1787) كمال الدِّين (ج 2/ ص 483/ باب ذكر التوقيعات/ ح 2).
(1788) ذكر هذا في كتاب الغيبة.

(٥٣٥)

[ذكر أبي عمرو عثمان بن سعيد العمري والقول فيه] (1789):
فأمَّا السفراء الممدوحون في زمان الغيبة، فأوَّلهم من نصبه أبو الحسن عليِّ ابن محمّد العسكري وأبو محمّد الحسن بن عليِّ بن محمّد ابنه (عليهم السلام)، وهو الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري، وكان أسديًّا، وإنَّما سُمِّي العمري لِمَا رَوَاهُ أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ اَلْكَاتِبُ ابْنُ بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْرِيِّ (رحمه الله)، قال أبا محمّد الحسن بن عليٍّ، قال(1790): «لَا يُجْمَعُ عَلَى امْرِئٍ ابْن عُثْمَانَ وَأَبُو عَمْرٍو»، وَأَمَرَ بِكَسْرِ كُنْيَتِهِ، فَقِيلَ: اَلْعَمْرِيُّ، وَيُقَالُ لَهُ: الْعَسْكَرِيُّ أَيْضَاً، لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ عَسْكَرِ سُرِّ مَنْ رَأَى، وَيُقَالُ لَهُ: السَّمَّانُ، لِأَنَّهُ كَانَ يَتَّجِرُ فِي السَّمْنِ تَغْطِيَةً عَلَى الْأَمْرِ.
وَكَانَ الشِّيعَةُ إِذَا حَمَلُوا إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ حَمْلُهُ مِنَ الْأَمْوَالِ أَنْفَذُوا إِلَى أَبِي عَمْرٍو فَيَجْعَلُهُ فِي جِرَابِ السَّمْنِ وَزِقَاقِهِ وَيَحْمِلُهُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) تَقِيَّةً وَخَوْفاً(1791).
فَأَخْبَرَني جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ بْن مُوسَى، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بْن هَمَّام الْإسْكَافِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَريُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْن سَعْدٍ الْقُمِّيُّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَن عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) فِي يَوْم مِنَ الْأَيَّام، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، أَنَا أَغِيبُ وَأَشْهَدُ، وَلَا يَتَهَيَّأُ لِيَ الْوُصُولُ إِلَيْكَ إِذَا شَهِدْتُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَقَوْلَ مَنْ نَقْبَلُ؟ وَأَمْرَ مَنْ نَمْتَثِلُ؟ فَقَالَ لِي (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ): «هَذَا أَبُو عَمْرٍو الثِّقَةُ الْأَمِينُ، مَا قَالَهُ لَكُمْ فَعَنِّي يَقُولُهُ، وَمَا أَدَّاهُ إِلَيْكُمْ فَعَنِّي يُؤَدِّيهِ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1789) إضافة منَّا.
(1790) كذا في النسخة المطبوعة، والصحيح: (عن أبي محمّد الحسن بن عليٍّ، قال).
(1791) الغيبة للطوسي (ص 353 و354/ ح 314).

(٥٣٦)

فَلَمَّا مَضَى أَبُو الْحَسَن (علیه السلام) وَصَلْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِهِ الْحَسَن صَاحِبِ الْعَسْكَر (علیه السلام) ذَاتَ يَوْم، فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ قَوْلِي لِأَبِيهِ، فَقَالَ لِي: «هَذَا أَبُو عَمْرٍو الثِّقَةُ الْأَمِينُ، ثِقَةُ المَاضِي وَثِقَتِي فِي الْحَيَاةِ(1792) وَالمَمَاتِ، فَمَا قَالَهُ لَكُمْ فَعَنِّي يَقُولُهُ، وَمَا أَدَّى إِلَيْكُمْ فَعَنِّي يُؤَدِّيهِ».
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ هَارُونُ: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْحِمْيَريُّ: فَكُنَّا كَثِيراً مَا نَتَذَاكَرُ هَذَا الْقَوْلَ وَنَتَوَاصَفُ جَلَالَةَ مَحَلِّ أَبِي عَمْرٍو(1793).
وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَمَّامٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَجَجْنَا فِي بَعْضِ السِّنِينَ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَدَخَلْتُ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ، فَرَأَيْتُ أَبَا عَمْرٍو عِنْدَهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا الشَّيْخَ - وَأَشَرْتُ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ - وَهُوَ عِنْدَنَا الثِّقَةُ المَرْضِيُّ حَدَّثَنَا فِيكَ بِكَيْتَ وَكَيْتَ، وَاقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ، يَعْنِي مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ مِنْ فَضْلِ أَبِي عَمْرٍو وَمَحَلِّهِ، وَقُلْتُ: أَنْتَ الْآنَ مَنْ لَا يُشَكُّ فِي قَوْلِهِ وَصِدْقِهِ، فَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ اللهِ وَبِحَقِّ الْإِمَامَيْنِ اللَّذَيْنِ وَثَّقَاكَ، هَلْ رَأَيْتَ ابْنَ أَبِي مُحَمَّدٍ الَّذِي هُوَ صَاحِبُ اَلزَّمَانِ؟ فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: عَلَى أَنْ لَا تُخْبِرَ بِذَلِكَ أَحَداً وَأَنَا حَيٌّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: قَدْ رَأَيْتُهُ (علیه السلام) وَعُنُقُهُ هَكَذَا، يُرِيدُ أَنَّهَا أَغْلَظُ الرِّقَابِ حُسْناً وَتَمَاماً، قُلْتُ فَالْاِسْمُ؟ قَالَ: قَدْ نُهِيتُمْ عَنْ هَذَا(1794).
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْن نُوح أَبُو الْعَبَّاس السِّيرَافِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ المَعْرُوفُ بِابْن برينة الْكَاتِبِ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَعْضُ الشِّرَافِ مِنَ الشِّيعَةِ الْإمَامِيَّةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْعَبَّاسُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1792) في المصدر: (المحيا) بدل (الحياة).
(1793) الغيبة للطوسي (ص 354 و355/ ح 315).
(1794) الغيبة للطوسي (ص 355/ ح 316).

(٥٣٧)

ابْنُ أَحْمَدَ الصَّائِغُ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ الْخَصِيبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحُسِيْنَانِ [الْحَسَنِيَّانِ]، قَالَا: دَخَلْنَا عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن (علیه السلام) بِسُرَّ مَنْ رَأى وَبَيْنَ يَدَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَوْلِيَائِهِ وَشِيعَتِهِ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ بَدْرٌ خَادِمُهُ، فَقَالَ: يَا مَوْلَايَ، بِالْبَابِ قَوْمٌ شُعْثٌ غُبْرٌ، فَقَالَ لَهُمْ: «هَؤُلَاءِ نَفَرٌ مِنْ شِيعَتِنَا بِالْيَمَن...» فِي حَدِيثٍ طَويلٍ يَسُوقَانِهِ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى أَنْ قَالَ الْحَسَنُ (علیه السلام) لِبَدْرٍ: «فَامْض فَأتِنَا بِعُثْمَانَ بْن سَعِيدٍ الْعَمْريِّ»، فَمَا لَبِثْنَا إِلَّا يَسِيراً حَتَّى دَخَلَ عُثْمَانُ، فَقَالَ لَهُ سَيِّدُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام): «امْض يَا عُثْمَانُ فَإنَّكَ الْوَكِيلُ وَالثِّقَةُ المَأمُونُ عَلَى مَالِ اللهِ وَاقْبِضْ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَر الْيَمَنِيِّينَ مَا حَمَلُوهُ مِنَ المَالِ»...، ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَا: ثُمَّ قُلْنَا بِأَجْمَعِنَا: يَا سَيِّدَنَا، وَاللهِ إِنَّ عُثْمَانَ لَمِنْ خِيَار شِيعَتِكَ وَلَقَدْ زِدْتَنَا عِلْماً بِمَوْضِعِهِ مِنْ خِدْمَتِكَ وَإِنَّهُ وَكِيلُكَ وَثِقَتُكَ عَلَى مَالِ اللهِ، قَالَ: «نَعَمْ، وَاشْهَدُوا عَلَيَّ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ سَعِيدٍ الْعَمْريَّ وَكِيلي، وَأَنَّ ابْنَهُ مُحَمَّداً وَكِيلُ ابْنِي مَهْدِيِّكُمْ»(1795).
عَنْهُ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ هِبَةِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْكَاتِبِ ابْنِ بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْرِيِّ (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ وَأَرْضَاهُ)، عَنْ شُيُوخِهِ: أَنَّهُ لَـمَّا مَاتَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (علیه السلام) حَضَرَ غُسْلَهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ)، وَتَوَلَّى جَمِيعَ أَمْرِهِ فِي تَكْفِينِهِ وَتَحْنِيطِهِ وَتَقْبِيرِهِ مَأْمُوراً بِذَلِكَ لِلظَّاهِرِ مِنَ اَلْحَالِ اَلَّتِي لَا يُمْكِنُ جَحْدُهَا وَلَا دَفْعُهَا إِلَّا بِدَفْعِ حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ فِي ظَوَاهِرِهَا.
وَكَانَتْ تَوْقِيعَاتُ صَاحِبِ الْأَمْرِ (علیه السلام) تَخْرُجُ عَلَى يَدَيْ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ وَابْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ إِلَى شِيعَتِهِ وَخَوَاصِّ أَبِيهِ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْأَجْوِبَةِ عَمَّا تَسْأَلُ الشِّيعَةُ عَنْهُ إِذَا احْتَاجَتْ إِلَى السُّؤَالِ فِيهِ بِالْخَطِّ اَلَّذِي كَانَ يَخْرُجُ فِي حَيَاةِ اَلْحَسَنِ (علیه السلام)، فَلَمْ تَزَلِ الشِّيعَةُ مُقِيمَةً عَلَى عَدَالَتِهِمَا إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1795) الغيبة للطوسي (ص 355 و356/ ح 317).

(٥٣٨)

عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ (رحمه الله) وَغَسَلَهُ ابْنُهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَتَوَلَّى الْقِيَامَ بِهِ وَحَصَلَ الْأَمْرُ كُلُّهُ مَرْدُوداً إِلَيْهِ، وَالشِّيعَةُ مُجْتَمِعَةٌ عَلَى عَدَالَتِهِ وَثِقَتِهِ وَأَمَانَتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنَ اَلنَّصِّ عَلَيْهِ بِالْأَمَانَةِ وَالْعَدَالَةِ وَالْأَمْرِ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ فِي حَيَاةِ اَلْحَسَنِ (علیه السلام)، وَبَعْدَ مَوْتِهِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ عُثْمَانَ (رحمه الله)(1796).
قَالَ: وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن مَالِكٍ الْفَزَاريُّ الْبَزَّازُ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الشِّيعَةِ مِنْهُمْ: عَلِيُّ بْنُ بِلَالٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُعَاويَةَ بْن حُكَيْم، وَالْحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ بْن نُوح فِي خَبَرٍ طَويلٍ مَشْهُورٍ، قَالُوا جَمِيعاً: اجْتَمَعْنَا إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن ابْن عَلِيٍّ (علیه السلام) نَسْأَلُهُ عَن الْحُجَّةِ مِنْ بَعْدِهِ، وَفِي مَجْلِسِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلاً، فَقَامَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْن عَمْرٍو الْعَمْريُّ، فَقَالَ لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، أُريدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ أَمْرٍ أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، فَقَالَ لَهُ: «اجْلِسْ يَا عُثْمَانُ»، فَقَامَ مُغْضَباً لِيَخْرُجَ، فَقَالَ: «لَا يَخْرُجَنَّ أَحَدٌ»، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنَّا أَحَدٌ إِلَى(1797) كَانَ بَعْدَ سَاعَةٍ، فَصَاحَ (علیه السلام) بِعُثْمَانَ، فَقَامَ عَلَى قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: «أُخْبِرُكُمْ بِمَا جِئْتُمْ؟»، قَالُوا: نَعَمْ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، قَالَ: «جِئْتُمْ تَسْأَلُونِّي عَن الْحُجَّةِ مِنْ بَعْدِي»، قَالُوا: نَعَمْ، فَإذَا غُلَامٌ كَأنَّهُ قِطَعُ قَمَرٍ أَشْبَهُ النَّاس بِأَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَقَالَ: «هَذَا إِمَامُكُمْ مِنْ بَعْدِي وَخَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ أَطِيعُوهُ وَلَا تَتَفَرَّقُوا مِنْ بَعْدِي فَتَهْلِكُوا فِي أَدْيَانِكُمْ، أَلَا وَإِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَهُ مِنْ بَعْدِ يَوْمِكُمْ هَذَا حَتَّى يَتِمَّ لَهُ عُمُرٌ، فَاقْبَلُوا مِنْ عُثْمَانَ مَا يَقُولُهُ وَانْتَهُوا إِلَى أَمْرهِ وَاقْبَلُوا قَوْلَهُ فَهُوَ خَلِيفَةُ إِمَامِكُمْ وَالْأَمْرُ إِلَيْهِ»(1798).
في حديث قال أبو نصر هبة الله بن محمّد: وقبر عثمان بن سعيد بالجانب الغربي من مدينة السلام في شارع الميدان في أوَّل الموضع المعروف، في الدرب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1796) الغيبة للطوسي (ص 356 و357/ ح 318).
(1797) في المصدر إضافة: (أنْ).
(1798) الغيبة للطوسي (ص 357/ ح 319).

(٥٣٩)

المعروف بدرب حبلة(1799) في مسجد الذرب يمنة الداخل إليه، والقبر في نفس قبلة المسجد(1800).
ثُمَّ قال الشيخ (رحمه الله): رأيت قبره في الموضع الذي ذكره، وكان بُنِيَ في وجهه حائط وبه محراب المسجد وإلى جنبه باب يدخل إلى موضع القبر في بيت ضيِّق مظلم، فكنَّا ندخل إليه ونزوره مشاهرةً، وكذلك من وقت دخولي إلى بغداد وهي سنة ثمان وأربعمائة إلى سنة نيِّف وثلاثين وأربعمائة، ثُمَّ نقض ذلك الحائط الرئيس أبو منصور محمّد بن الفرج وأبرز القبر إلى برٍّ وأعمل عليه صندوقاً، وهو تحت سقف يدخل إليه من أراده ويزوره، ويتبرَّك جيران المحلَّة بزيارته ويقولون: هو رجل صالح، وربَّما قالوا: هو ابن داية الحسين (علیه السلام)، ولا يعرفون حقيقة الحال فيه، وهو إلى يومنا هذا وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة على ما هو عليه(1801).
ذكر أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري والقول فيه:
فلمَّا مضى أبو عمرو عثمان بن سعيد قام ابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان مقامه بنصِّ أبي محمّد (علیه السلام) ونصِّ أبيه عثمان عليه بأمر القائم (علیه السلام).
فأخبرني جماعة، عن أبي الحسن محمّد بن أحمد بن داود القمِّي، وابن قولويه(1802)، عن سعد بن عبد الله، قال: حدَّثنا الشيخ الصدوق أحمد بن إسحاق ابن سعد الأشعري (رحمه الله)...، وذكر الحديث الذي قدَّمنا ذكره(1803).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1799) في المصدر: (جبلة).
(1800) الغيبة للطوسي (ص 358/ ح 320).
(1801) الغيبة للطوسي (ص 358).
(1802) في المصدر إضافة: (عن أبيه).
(1803) الغيبة للطوسي (ص 359/ ح 321).

(٥٤٠)

وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ وَأَبِي غَالِبٍ الزُّرَارِيِّ وَأَبِي مُحَمَّدٍ التَّلَّعُكْبَرِيِّ، كُلِّهِمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيِّ، قَالَ: اِجْتَمَعْتُ أَنَا وَاَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدٍ الْأَشْعَرِيِّ الْقُمِّيِّ، فَغَمَزَنِي أَحْمَدُ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنِ اَلْخَلَفِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أبَا عَمْرٍو، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ وَمَا أَنَا بِشَاكٍّ فِيمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ، فَإِنَّ اعْتِقَادِي وَدِينِي أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ إِلَّا إِذَا كَانَ قَبْلَ(1804) الْقِيَامَةِ بِأَرْبَعِينَ يَوْماً، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ رُفِعَتِ الْحُجَّةُ وَغُلِّقَ بَابُ التَّوْبَةِ، فَلَمْ يَكُنْ ﴿يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً﴾ [الأنعام: 158]، فَأُولَئِكَ أَشْرَارٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ (عزَّ وجلَّ)، وَهُمُ الَّذِينَ تَقُومُ عَلَيْهِمُ الْقِيَامَةُ، وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَزْدَادَ يَقِيناً، فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ (علیه السلام) سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ كَيْفَ يُحْيِي المَوْتَى، فَقَالَ: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: 260]، وَقَدْ أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَبُو عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ (علیه السلام)، قَالَ سَأَلْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: لِمَنْ أُعَامِلُ؟ وَعَمَّنْ آخُذُ؟ وَقَوْلَ مَنْ أَقْبَلُ؟ فَقَالَ لَهُ: «الْعَمْرِيُّ ثِقَتِي، فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ فَعَنِّي يُؤَدِّي، وَمَا قَالَ لَكَ فَعَنِّي يَقُولُ، فَاسْمَعْ لَهُ وَأَطِعْ فَإِنَّهُ الثِّقَةُ اَلمَأْمُونُ»، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: «الْعَمْرِيُّ وَاِبْنُهُ ثِقَتَانِ، فَمَا أَدَّيَا إِلَيْكَ فَعَنِّي يُؤَدِّيَانِ، وَمَا قَالَا لَكَ فَعَنِّي يَقُولَانِ، فَاسْمَعْ لَهُمَا وَأَطِعْهُمَا فَإِنَّهُمَا الثِّقَتَانِ المَأْمُونَانِ»، فَهَذَا قَوْلُ إِمَامَيْنِ قَدْ مَضَيَا فِيكَ، قَالَ: فَخَرَّ أَبُو عَمْرٍو سَاجِداً وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: سَلْ، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ رَأَيْتَ الْخَلَفَ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)؟ فَقَالَ: إِي وَاللهِ، وَرَقَبَتُهُ مِثْلُ ذَا - وَأَوْمَأَ بِيَدَيْهِ -، فَقُلْتُ لَهُ: فَبَقِيَتْ وَاحِدَةٌ، فَقَالَ لِي: هَاتِ، قُلْتُ: فَالْاِسْمُ؟ قَالَ: مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ أَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1804) في المصدر إضافة: (يوم).

(٥٤١)

تَسْأَلُوا عَنْ ذَلِكَ، وَلَا أَقُولُ هَذَا مِنْ عِنْدِي وَلَيْسَ لِي أَنْ أُحَلِّلَ وَأُحَرِّمَ وَلَكِنْ عَنْهُ (علیه السلام)، فَإِنَّ الْأَمْرَ عِنْدَ السُّلْطَانِ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ (علیه السلام) مَضَى وَلَمْ يُخَلِّفْ وَلَداً، وَقَسَّمَ مِيرَاثَهُ وَأَخَذَهُ مَنْ لَا حَقَّ لَهُ، وَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ ذَا عِيَالُهُ يَجُولُونَ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَجْسُرُ أَنْ يَتَعَرَّفَ إِلَيْهِمْ أَوْ يُنِيلَهُمْ(1805) شَيْئاً، وَ إِذَا وَقَعَ الْاِسْمُ وَقَعَ اَلطَّلَبُ، فَاتَّقُوا اَللهَ وَأَمْسِكُوا عَنْ ذَلِكَ .
قال الكليني: وحدَّثني شيخ من أصحابنا ذهب عنِّي اسمه أنَّ أبا عمرو سُئِلَ عند أحمد بن إسحاق عن مثل هذا، فأجاب بمثل هذا(1806).
وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن بْن مُوسَى بْن بَابَوَيْهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْن هَارُونَ الْفَامِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن جَعْفَرٍ الْحِمْيَريُّ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللهِ بْن جَعْفَرٍ، قَالَ: خَرَجَ التَّوْقِيعُ إِلَى الشَّيْخ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْن عُثْمَانَ بْن سَعِيدٍ الْعَمْريِّ (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ) فِي التَّعْزيَةِ بِأَبِيهِ (رضي الله عنه)، وَفِي فَصْلٍ مِنَ الْكِتَابِ: «إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، تَسْلِيماً لِأَمْرهِ وَرضًى بِقَضَائِهِ، عَاشَ أَبُوكَ سَعِيداً وَمَاتَ حَمِيداً، فَرَحِمَهُ اللهُ وَأَلْحَقَهُ بِأَوْلِيَائِهِ وَمَوَالِيهِ (عليهم السلام)، فَلَمْ يَزَلْ مُجْتَهِداً فِي أَمْرهِمْ سَاعِياً فِيمَا يُقَرِّبُهُ إِلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَإِلَيْهِمْ، نَضَّرَ اللهُ وَجْهَهُ وَأَقَالَهُ عَثْرَتَهُ».
وَفِي فَصْلٍ آخَرَ: «أَجْزَلَ اللهُ لَكَ الثَّوَابَ وَأَحْسَنَ لَكَ الْعَزَاءَ، رُزِئْتَ وَرُزِئْنَا وَأَوْحَشَكَ فِرَاقُهُ وَأَوْحَشَنَا، فَسَرَّهُ اللهُ فِي مُنْقَلَبِهِ، وَكَانَ مِنْ كَمَالِ سَعَادَتِهِ أَنْ رَزَقَهُ اللهُ وَلَداً مِثْلَكَ يَخْلُفُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَيَقُومُ مَقَامَهُ بِأَمْرهِ وَيَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ، وَأَقُولُ: الْحَمْدُ للهِ فَإنَّ الْأَنْفُسَ طَيِّبَةٌ بِمَكَانِكَ وَمَا جَعَلَهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) فِيكَ وَعِنْدَكَ، أَعَانَكَ اللهُ وَقَوَّاكَ وَعَضَدَكَ وَوَفَّقَكَ، وَكَانَ لَكَ وَلِيًّا وَحَافِظاً وَرَاعِياً»(1807).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1805) في ثلاث نُسَخ من المصدر: (ينسبهم) بدل (ينيلهم).
(1806) الغيبة للطوسي (ص 359 - 361/ ح 322).
(1807) الغيبة للطوسي (ص 361/ ح 323).

(٥٤٢)

الاحتجاج: الحميري، قال: خرج التوقيع...، إلى آخر الخبر(1808).
كمال الدِّين: أحمد بن هارون، مثله(1809).
[401/2] الغيبة للطوسي: وَأَخْبَرَني جَمَاعَةٌ، عَنْ هَارُونَ بْن مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْن هَمَّام، قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَريُّ: لَـمَّا مَضَى أَبُو عَمْرٍو (رضي الله عنه) أَتَتْنَا الْكُتُبُ بِالْخَطِّ الَّذِي كُنَّا نُكَاتِبُ بِهِ بِإقَامَةِ أَبِي جَعْفَرٍ (رضي الله عنه) مَقَامَهُ(1810).
وَبِهَذَا الْإسْنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْن هَمَّام، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّوَيْهِ بْن عَبْدِ الْعَزيزِ الرَّازِيُّ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْن، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْن مَهْزيَارَ الْأَهْوَازِيُّ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَيْهِ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي عَمْرٍو: «وَالْاِبْنُ وَقَاهُ اللهُ لَمْ يَزَلْ ثِقَتَنَا فِي حَيَاةِ الْأَبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَنَضَّرَ وَجْهَهُ، يَجْري عِنْدَنَا مَجْرَاهُ، وَيَسُدُّ مَسَدَّهُ وَعَنْ أَمْرنَا يَأمُرُ الْاِبْنُ وَبِهِ يَعْمَلُ تَوَلَّاهُ اللهُ، فَانْتَهِ إِلَى قَوْلِهِ، وَعَرِّفْ مُعَامَلَتَنَا ذَلِكَ»(1811).
وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي الْقَاسِم جَعْفَر بْن مُحَمَّدِ بْن قُولَوَيْهِ وَأَبِي غَالِبٍ الزُّرَاريِّ وَأَبِي مُحَمَّدٍ التَّلَّعُكْبَريِّ كُلِّهِمْ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن يَعْقُوبَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْن يَعْقُوبَ، قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ الْعَمْريَّ أَنْ يُوصِلَ لِي كِتَاباً قَدْ سَأَلْتُ فِيهِ عَنْ مَسَائِلَ أُشْكِلَتْ عَلَيَّ، فَوُقِّعَ التَّوْقِيعُ بِخَطِّ مَوْلَانَا صَاحِبِ الدَّار: «وَأَمَّا مُحَمَّدُ ابْنُ عُثْمَانَ الْعَمْريُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَنْ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ فَإنَّهُ ثِقَتِي وَكِتَابُهُ كِتَابِي»(1812).
الاحتجاج: الكليني، مثله(1813).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1808) الاحتجاج (ج 2/ ص 562/ ح 353).
(1809) كمال الدِّين (ج 2/ ص 510/ باب ذكر التوقيعات/ ح 41)، وفيه: (عبد الله بن جعفر الحميري) بدل (أحمد بن هارون).
(1810) الغيبة للطوسي (ص 362/ ح 324).
(1811) الغيبة للطوسي (ص 362/ ح 325).
(1812) الغيبة للطوسي (ص 362/ ح 326).
(1813) الاحتجاج (ج 2/ ص 542/ ح 344).

(٥٤٣)

[402/3] الغيبة للطوسي: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَأَخْبَرَني هِبَةُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ابْن بِنْتِ أُمِّ كُلْثُوم بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْريِّ (رضي الله عنه)، عَنْ شُيُوخِهِ، قَالُوا: لَمْ تَزَلِ الشِّيعَةُ مُقِيمَةً عَلَى عَدَالَةِ عُثْمَانَ بْن سَعِيدٍ [ومحمّد بن عثمان رحمهما الله تعالى إلى أنْ تُوفّي أبو عمرو عثمان بن سعيد](1814) (رحمه الله) وَغَسَّلَهُ ابْنُهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ وَتَوَلَّى الْقِيَامَ بِهِ وَجُعِلَ الْأَمْرُ كُلُّهُ مَرْدُوداً إِلَيْهِ، وَالشِّيعَةُ مُجْمِعَةٌ(1815) عَلَى عَدَالَتِهِ وَثِقَتِهِ وَأَمَانَتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنَ النَّصِّ عَلَيْهِ بِالْأَمَانَةِ وَالْعَدَالَةِ، وَالْأَمْر بِالرُّجُوع إِلَيْهِ فِي حَيَاةِ الْحَسَن (علیه السلام) وَبَعْدَ مَوْتِهِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ عُثْمَانَ بْن سَعِيدٍ لَا يَخْتَلِفُ فِي عَدَالَتِهِ وَلَا يَرْتَابُ بِأَمَانَتِهِ، وَالتَّوْقِيعَاتُ يَخْرُجُ(1816) عَلَى يَدِهِ إِلَى الشِّيعَةِ فِي المُهِمَّاتِ طُولَ حَيَاتِهِ بِالْخَطِّ الَّذِي كَانَتْ تَخْرُجُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ عُثْمَانَ، لَا يَعْرفُ الشِّيعَةُ فِي هَذَا الْأَمْر غَيْرَهُ، وَلَا يَرْجِعُ إِلَى أَحَدٍ سِوَاهُ، وَقَدْ نُقِلَتْ عَنْهُ دَلاَئِلُ كَثِيرَةٌ وَمُعْجِزَاتُ الْإمَام [الَّتِي](1817) ظَهَرَتْ عَلَى يَدِهِ، وَأُمُورٌ أَخْبَرَهُمْ بِهَا عَنْهُ زَادَتْهُمْ فِي هَذَا الْأَمْر بَصِيرَةً، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ عِنْدَ الشِّيعَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا طَرَفاً مِنْهَا فَلَا نَطُوِّلُ بِإعَادَتِهَا فَإنَّ ذَلِكَ كِفَايَةٌ لِلْمُنْصِفِ إِنْ شَاءَ اللهُ(1818).
قَالَ ابْنُ نُوح: أَخْبَرَني أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اللهِ ابْنُ بِنْتِ أُمِّ كُلْثُوم بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْريِّ، قَالَ: كَانَ لِأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْن عُثْمَانَ الْعَمْريِّ كُتُبٌ مُصَنَّفَةٌ فِي الْفِقْهِ مِمَّا سَمِعَهَا مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن (علیه السلام) وَمِنَ الصَّاحِبِ (علیه السلام) وَمِنْ أَبِيهِ عُثْمَانَ بْن سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ (علیهما السلام) فِيهَا كُتُبٌ تَرْجَمَتُهَا كُتُبُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1814) من المصدر.
(1815) في المصدر: (مجتمعة).
(1816) في المصدر: (تخرج).
(1817) كلمة: (التي) ليست في المصدر.
(1818) الغيبة للطوسي (ص 362/ ح 327).

(٥٤٤)

الْأَشْربَةِ. ذَكَرَتِ الْكَبِيرَةُ أُمُّ كُلْثُوم بِنْتُ أَبِي جَعْفَرٍ (رضي الله عنها) أَنَّهَا وَصَلَتْ إِلَى أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رَوْح (رضي الله عنه) عِنْدَ الْوَصِيَّةِ إِلَيْهِ وَكَانَتْ فِي يَدِهِ، قَالَ أَبُو نَصْرٍ: وَأَظُنُّهَا قَالَتْ: وَصَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَبِي الْحَسَن السَّمُريِّ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ)(1819).
قَالَ أَبُو جَعْفَر بْنُ بَابَوَيْهِ: رَوَى(1820) مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَمْريُّ (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ) أَنَّهُ قَالَ: وَاللهِ إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْر لَيَحْضُرُ المَوْسِمَ كُلَّ سَنَةٍ يَرَى النَّاسَ وَيَعْرفُهُمْ، وَيَرَوْنَهُ وَلَا يَعْرفُونَهُ(1821).
وَأَخْبَرَني جَمَاعَةٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَن وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْن المُتَوَكِّل، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن جَعْفَرٍ الْحِمْيَريِّ، أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ (رضي الله عنه)، فَقُلْتُ لَهُ: رَأَيْتَ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْر؟ قَالَ: نَعَمْ، وَآخِرُ عَهْدِي بِهِ عِنْدَ بَيْتِ اللهِ الْحَرَام وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي».
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ (رضي الله عنه): وَرَأَيْتُهُ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) مُتَعَلِّقاً بِأَسْتَار الْكَعْبَةِ فِي المُسْتَجَار وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ انْتَقِمْ بِي مِنْ أَعْدَائِكَ»(1822).
وَبِهَذَا الْإسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ الزُّرَاريُّ، عَنْ عَلِيِّ بْن صَدَقَةَ الْقُمِّيِّ، قَالَ: خَرَجَ إِلَى مُحَمَّدِ بْن عُثْمَانَ الْعَمْريِّ (رضي الله عنه) ابْتِدَاءً مِنْ غَيْر مَسْأَلَةٍ: «لِيُخْبِرَ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ عَن الْاِسْم: إِمَّا السُّكُوتَ وَالْجَنَّةَ وَإِمَّا الْكَلَامَ وَالنَّارَ، فَإنَّهُمْ إِنْ وَقَفُوا عَلَى الْاِسْم أَذَاعُوهُ، وَإِنْ وَقَفُوا عَلَى المَكَان دَلُّوا عَلَيْهِ»(1823).
قَالَ ابْنُ نُوح: أَخْبَرَني أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ بْنُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1819) الغيبة للطوسي (ص 363/ ح 328).
(1820) في المصدر إضافة: (عن).
(1821) الغيبة للطوسي (ص 363/ ح 329).
(1822) الغيبة للطوسي (ص 364/ ح 330)، وفيه: (لي) بدل (بي).
(1823) الغيبة للطوسي (ص 364/ ح 331).

(٥٤٥)

أَبِي جَيِّدٍ الْقُمِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَن عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الدَّلَّالُ الْقُمِّيُّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْن عُثْمَانَ (رضي الله عنه) يَوْماً لِأُسَلِّمَ عَلَيْهِ، فَوَجَدْتُهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ سَاجَةٌ وَنَقَّاشٌ يَنْقُشُ عَلَيْهَا وَيَكْتُبُ آياً مِنَ الْقُرْآن وَأَسْمَاءَ الْأَئِمَّةِ (عليهم السلام) عَلَى حَوَاشِيهَا، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، مَا هَذِهِ السَّاجَةُ؟ فَقَالَ لِي: هَذِهِ لِقَبْري تَكُونُ فِيهِ أُوضَعُ عَلَيْهَا - أَوْ قَالَ: أُسْنَدُ إِلَيْهَا -، وَقَدْ عَزَفْتُ مِنْهُ، وَأَنَا فِي كُلِّ يَوْم أَنْزلُ فِيهِ فَأَقْرَأُ جُزْءاً مِنَ الْقُرْآن فَأَصْعَدُ، وَأَظُنُّهُ قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَرَانِيهِ، فَإذَا كَانَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا مِنْ شَهْر كَذَا وَكَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا وَكَذَا صِرْتُ إِلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَدُفِنْتُ فِيهِ وَهَذِهِ السَّاجَةُ مَعِي، فَلَمَّا خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ أَثْبَتُّ مَا ذَكَرَهُ، وَلَمْ أَزَلْ مُتَرَقِّباً بِهِ ذَلِكَ، فَمَا تَأخَّرَ الْأَمْرُ حَتَّى اعْتَلَّ أَبُو جَعْفَرٍ فَمَاتَ فِي الْيَوْم الَّذِي ذَكَرَهُ مِنَ الشَّهْر الَّذِي قَالَهُ مِنَ السَّنَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَدُفِنَ فِيهِ.
قَالَ أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اللهِ: وَقَدْ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ غَيْر أَبِي عَلِيٍّ، وَحَدَّثَتْنِي بِهِ أَيْضاً أُمُّ كُلْثُوم بِنْتُ أَبِي جَعْفَرٍ (رضي الله عنها)(1824).
وَأَخْبَرَني جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْأَسْوَدِ(1825) الْقُمِّيُّ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الْعَمْريَّ (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ) حَفَرَ لِنَفْسِهِ قَبْراً وَسَوَّاهُ بِالسَّاج، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لِلنَّاس أَسْبَابٌ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَمْري، فَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَهْرَيْن (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ)(1826).
كمال الدِّين: محمّد بن عليٍّ، مثله(1827).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1824) الغيبة للطوسي (ص 364/ ح 332).
(1825) في المصدر: (محمّد بن عليِّ بن الأسود)، وفي كمال الدِّين: (محمّد بن عليٍّ الأسود).
(1826) الغيبة للطوسي (ص 365/ ح 333).
(1827) كمال الدِّين (ج 2/ ص 502/ باب ذكر التوقيعات/ ح 29).

(٥٤٦)

[403/4] الغيبة للطوسي: وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اللهِ: وَجَدْتُ بِخَطِّ أَبِي غَالِبٍ الزُّرَاريِّ (رَحِمَهُ اللهُ وَغَفَرَ لَهُ) أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ الْعَمْريَّ (رحمه الله) مَاتَ فِي آخِر جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ.
وَذَكَرَ أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الْعَمْريَّ (رحمه الله) مَاتَ فِي سَنَةِ أَرْبَع وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَأَنَّهُ كَانَ يَتَوَلَّى هَذَا الْأَمْرَ نَحْواً مِنْ خَمْسِينَ سَنَةً، فَيَحْمِلُ النَّاسُ إِلَيْهِ أَمْوَالَهُمْ، وَيُخْرجُ إِلَيْهِمُ التَّوْقِيعَاتِ بِالْخَطِّ الَّذِي كَانَ يَخْرُجُ فِي حَيَاةِ الْحَسَن (علیه السلام) إِلَيْهِمْ بِالمُهِمَّاتِ فِي أَمْر الدِّين وَالدُّنْيَا وَفِيمَا يَسْأَلُونَهُ مِنَ المَسَائِل بِالْأَجْوبَةِ الْعَجِيبَةِ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ).
قَالَ أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اللهِ: إِنَّ قَبْرَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْن عُثْمَانَ عِنْدَ وَالِدَتِهِ فِي شَارع بَابِ الْكُوفَةِ فِي المَوْضِع الَّذِي كَانَتْ دُورُهُ وَمَنَازِلُهُ، وَهُوَ الْآنَ فِي وَسَطِ الصَّحْرَاءِ (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ)(1828).
ذكر إقامة أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري أبا القاسم الحسين بن روح مقامه (رضي الله عنهما) بعده بأمر الإمام (صلوات الله عليه):
أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقُمِّيُّ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ ابْن نُوح، قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَر بْن سُفْيَانَ الْبَزَوْفَريُّ(1829)، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَدَائِنيُّ المَعْرُوفُ بِابْن قزدا فِي مَقَابِر قُرَيْشٍ، قَالَ: كَانَ مِنْ رَسْمِي إِذَا حَمَلْتُ المَالَ الَّذِي فِي يَدِي إِلَى الشَّيْخ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْن عُثْمَانَ الْعَمْريِّ (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ) أَنْ أَقُولَ لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَسْتَقْبِلُهُ بِمِثْلِهِ: هَذَا المَالُ وَمَبْلَغُهُ كَذَا وَكَذَا لِلْإمَام (علیه السلام)، فَيَقُولُ لِي: نَعَمْ دَعْهُ، فَأُرَاجِعُهُ فَأَقُولُ لَهُ تَقُولُ لِي: إِنَّهُ لِلْإمَام، فَيَقُولُ: نَعَمْ لِلْإمَام (علیه السلام)، فَيَقْبِضُهُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1828) الغيبة للطوسي (ص 366/ ح 334).
(1829) في المصدر إضافة: (رحمه الله).

(٥٤٧)

فَصِرْتُ إِلَيْهِ آخِرَ عَهْدِي بِهِ (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ) وَمَعِي أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ، فَقُلْتُ لَهُ عَلَى رَسْمِي، فَقَالَ لِي: امْض بِهَا إِلَى الْحُسَيْن بْن رَوْح، فَتَوَقَّفْتُ، فَقُلْتُ: تَقْبِضُهَا أَنْتَ مِنِّي عَلَى الرَّسْم، فَرَدَّ عَلَيَّ كَالمُنْكِر لِقَوْلِي، قَالَ: قُمْ عَافَاكَ اللهُ فَادْفَعْهَا إِلَى الْحُسَيْن بْن رَوْح.
فَلَمَّا رَأيْتُ فِي وَجْهِهِ غَضَباً خَرَجْتُ وَرَكِبْتُ دَابَّتِي، فَلَمَّا بَلَغْتُ بَعْضَ الطَّريقِ رَجَعْتُ كَالشَّاكِّ، فَدَقَقْتُ الْبَابَ، فَخَرَجَ إِلَيَّ الْخَادِمُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا فُلَانٌ، فَاسْتَأذِنْ لِي، فَرَاجَعَنِي وَهُوَ مُنْكِرٌ لِقَوْلِي وَرُجُوعِي، فَقُلْتُ لَهُ: ادْخُلْ فَاسْتَأذِنْ لِي فَإنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لِقَائِهِ، فَدَخَلَ فَعَرَّفَهُ خَبَرَ رُجُوعِي وَكَانَ قَدْ دَخَلَ إِلَى دَار النِّسَاءِ، فَخَرَجَ وَجَلَسَ عَلَى سَريرٍ وَرجْلَاهُ فِي الْأَرْض وَفِيهِمَا نَعْلَان نَصِفُ(1830) حُسْنَهُمَا وَحُسْنَ رجْلَيْهِ، فَقَالَ لِي: مَا الَّذِي جَرَّأَكَ عَلَى الرُّجُوع؟ وَلِـمَ لَمْ تَمْتَثِلْ مَا قُلْتُهُ لَكَ؟ فَقُلْتُ: لَمْ أَجْسُرْ عَلَى مَا رَسَمْتَهُ لِي، فَقَالَ لِي وَهُوَ مُغْضَبٌ: قُمْ عَافَاكَ اللهُ فَقَدْ أَقَمْتُ أَبَا الْقَاسِم الْحُسَيْنَ بْنَ رَوْح مَقَامِي وَنَصَبْتُهُ مَنْصَبِي، فَقُلْتُ: بِأَمْر الْإمَام؟ فَقَالَ: قُمْ عَافَاكَ اللهُ كَمَا أَقُولُ لَكَ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي غَيْرُ المُبَادَرَةِ.
فَصِرْتُ إِلَى أَبِي الْقَاسِم بْن رَوْح وَهُوَ فِي دَارٍ ضَيِّقَةٍ، فَعَرَّفْتُهُ مَا جَرَى، فَسَرَّ بِهِ وَشَكَرَ اللهَ (عزَّ وجلَّ)، وَدَفَعْتُ إِلَيْهِ الدَّنَانِيرَ، وَمَا زِلْتُ أَحْمِلُ إِلَيْهِ مَا يَحْصُلُ فِي يَدِي بَعْدَ ذَلِكَ(1831).
وَسَمِعْتُ أَبَا الْحَسَن عَلِيَّ بْنَ بِلَالِ بْن مُعَاويَةَ المُهَلَّبِيَّ يَقُولُ فِي حَيَاةِ جَعْفَر ابْن مُحَمَّدِ بْن قُولَوَيْهِ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِم جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْن قُولَوَيْهِ الْقُمِّيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ أَحْمَدَ بْن مَتِّيلٍ الْقُمِّيَّ يَقُولُ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الْعَمْريُّ (رضي الله عنه) لَهُ مَنْ يَتَصَرَّفُ لَهُ بِبَغْدَادَ نَحْوٌ مِنْ عَشَرَةِ أَنْفُسٍ، وَأَبُو الْقَاسِم بْنُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1830) في المصدر: (يصف).
(1831) الغيبة للطوسي (ص 367/ ح 336).

(٥٤٨)

رَوْح (رضي الله عنه) فِيهِمْ، وَكُلُّهُمْ كَانَ أَخَصَّ بِهِ مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ بْن رَوْح (رضي الله عنه) حَتَّى إِنَّهُ كَانَ إِذَا احْتَاجَ إِلَى حَاجَةٍ أَوْ إِلَى سَبَبٍ يُنَجِّزُهُ عَلَى يَدِ غَيْرهِ لَـمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ تِلْكَ الْخُصُوصِيَّةُ، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ مُضِيِّ أَبِي جَعْفَرٍ (رضي الله عنه) وَقَعَ الْاِخْتِيَارُ عَلَيْهِ وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ إِلَيْهِ(1832).
قَالَ: وَقَالَ مَشَايِخُنَا: كُنَّا لَا نَشُكُّ أَنَّهُ إِنْ كَانَتْ كَائِنَةٌ مِنْ(1833) أَبِي جَعْفَرٍ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ إِلَّا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْن مَتِّيلٍ أَوْ أَبُوهُ لِمَا رَأَيْنَا مِنَ الْخُصُوصِيَّةِ بِهِ وَكَثْرَةِ كَيْنُونَتِهِ فِي مَنْزلِهِ حَتَّى بَلَغَ أَنَّهُ كَانَ فِي آخِر عُمُرهِ لَا يَأكُلُ طَعَاماً إِلَّا مَا أُصْلِح فِي مَنْزلِ جَعْفَر بْن أَحْمَدَ بْن مَتِّيلٍ وَأَبِيهِ بِسَبَبٍ وَقَعَ لَهُ وَكَانَ طَعَامُهُ الَّذِي يَأكُلُهُ فِي مَنْزلِ جَعْفَرٍ وَأَبِيهِ.
وَكَانَ أَصْحَابُنَا لَا يَشُكُّونَ إِنْ كَانَتْ حَادِثَةٌ لَمْ تَكُن الْوَصِيَّةُ إِلَّا إِلَيْهِ مِنَ الْخُصُوصِيَّةِ(1834)، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ ذَلِكَ [وَ](1835) وَقَعَ الْاِخْتِيَارُ عَلَى أَبِي الْقَاسِم سَلَّمُوا وَلَمْ يُنْكِرُوا، وَكَانُوا مَعَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا كَانُوا مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ (رضي الله عنه)، وَلَمْ يَزَلْ جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْن مَتِّيلٍ فِي جُمْلَةِ أَبِي الْقَاسِم (رضي الله عنه) وَبَيْنَ يَدَيْهِ كَتَصَرُّفِهِ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْريِّ إِلَى أَنْ مَاتَ (رضي الله عنه)، فَكُلُّ مَنْ طَعَنَ عَلَى أَبِي الْقَاسِم فَقَدْ طَعَنَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَطَعَنَ عَلَى الْحُجَّةِ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ)(1836).
وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن بْن بَابَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَسْوَدِ (رحمه الله)، قَالَ: كُنْتُ أَحْمِلُ الْأَمْوَالَ الَّتِي تَحْصُلُ فِي بَابِ الْوَقْفِ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْن عُثْمَانَ الْعَمْريِّ (رحمه الله) فَيَقْبِضُهَا مِنِّي، فَحَمَلْتُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1832) الغيبة للطوسي (ص 368/ ح 336).
(1833) في المصدر إضافة: (أمر).
(1834) في المصدر إضافة: (به).
(1835) من المصدر.
(1836) الغيبة للطوسي (ص 369/ ح 337).

(٥٤٩)

إِلَيْهِ يَوْماً شَيْئاً مِنَ الْأَمْوَالِ فِي آخِر أيَّامِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَتَيْن أَوْ ثَلَاثِ سِنِينَ، فَأَمَرَني بِتَسْلِيمِهِ إِلَى أَبِي الْقَاسِم الرَّوْحِيِّ (رضي الله عنه)، فَكُنْتُ أُطَالِبُهُ بِالْقُبُوض، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ (رضي الله عنه)، فَأَمَرَني أَنْ لَا أُطَالِبَهُ بِالْقُبُوض، وَقَالَ: كُلُّ مَا وَصَلَ إِلَى أَبِي الْقَاسِم فَقَدْ وَصَلَ إِلَيَّ، فَكُنْتُ أَحْمِلُ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَمْوَالَ إِلَيْهِ وَلَا أُطَالِبُهُ بِالْقُبُوض(1837).
كمال الدِّين: أبو جعفر محمّد بن عليٍّ الأسود، مثله(1838).
[404/5] الغيبة للطوسي: وَبِهَذَا الْإسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْن مَتِّيلٍ، عَنْ عَمِّهِ جَعْفَر بْن أَحْمَدَ بْن مَتِّيلٍ، قَالَ: لَـمَّا حَضَرَتْ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ الْعَمْريَّ الْوَفَاةُ كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ رَأسِهِ أُسَائِلُهُ(1839) وَأُحَدِّثُهُ وَأَبُو الْقَاسِم بْنُ رْوح عِنْدَ رجْلَيْهِ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ ثُمَّ قَالَ: أُمِرْتُ أَنْ أُوصِيَ إِلَى أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رَوْح، قَالَ: فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِ رَأسِهِ وَأَخَذْتُ بِيَدِ أَبِي الْقَاسِم وَأَجْلَسْتُهُ فِي مَكَانِي وَتَحَوَّلْتُ إِلَى عِنْدِ رجْلَيْهِ(1840).
كمال الدِّين: محمّد بن عليِّ بن متِّيل، مثله(1841).

[405/6] الغيبة للطوسي: قَالَ ابْنُ نُوح: وَحَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْن بَابَوَيْهِ قَدِمَ عَلَيْنَا الْبَصْرَةَ فِي شَهْر رَبِيع الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلَويَّةَ الصَّفَّارَ وَالْحُسَيْنَ بْنَ أَحْمَدَ بْن إِدْريسَ (رضي الله عنهما) يَذْكُرَان هَذَا الْحَدِيثَ، وَذَكَرَا أَنَّهُمَا حَضَرَا بَغْدَادَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَشَاهَدَا ذَلِكَ(1842).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1837) الغيبة للطوسي (ص 370/ ح 338).
(1838) كمال الدِّين (ج 2/ ص 501/ باب ذكر التوقيعات/ ح 28).
(1839) في المصدر: (أسأله).
(1840) الغيبة للطوسي (ص 370/ ح 339).
(1841) كمال الدِّين (ج 2/ ص 503/ باب ذكر التوقيعات/ ح 33).
(1842) الغيبة للطوسي (ص 370/ ح 340).

(٥٥٠)

وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ بْن مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّام (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ) أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ الْعَمْريَّ (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ) جَمَعَنَا قَبْلَ مَوْتِهِ وَكُنَّا وُجُوهَ الشِّيعَةِ وَشُيُوخَهَا، فَقَالَ لَنَا: إِنْ حَدَثَ عَلَيَّ حَدَثُ المَوْتِ فَالْأَمْرُ إِلَى أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رَوْح النَّوْبَخْتِيِّ، فَقَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَجْعَلَهُ فِي مَوْضِعِي بَعْدِي، فَارْجِعُوا إِلَيْهِ وَعَوِّلُوا فِي أُمُوركُمْ عَلَيْهِ(1843).
وَأَخْبَرَني الْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَن ابْن نُوح، عَنْ أَبِي نَصْرٍ هِبَةِ اللهِ بْن مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِي أَبُو إِبْرَاهِيمَ جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ النَّوْبَخْتِيُّ، قَالَ: قَالَ لِي أَبِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَمِّي أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِنَا - يَعْنِي بَنِي نَوْبَخْتَ -: أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الْعَمْريَّ لَـمَّا اشْتَدَّتْ حَالُهُ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ وُجُوهِ الشِّيعَةِ مِنْهُمْ: أَبُو عَلِيٍّ بْنُ هَمَّام، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَاتِبُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الْبَاقَطَانِيُّ، وَأَبُو سَهْلٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ النَّوْبَخْتِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ الْوَجْنَاءِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْوُجُوهِ وَالْأَكَابِر، فَدَخَلُوا عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ (رضي الله عنه)، فَقَالُوا لَهُ: إِنْ حَدَثَ أَمْرٌ فَمَنْ يَكُونُ مَكَانَكَ؟ فَقَالَ لَهُمْ: هَذَا أَبُو الْقَاسِم الْحُسَيْنُ بْنُ رَوْح بْن أَبِي بَحْرٍ النَّوْبَخْتِيُّ الْقَائِمُ مَقَامِيُّ وَالسَّفِيرُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ صَاحِبِ الْأَمْر وَالْوَكِيلُ لَهُ وَالثِّقَةُ الْأَمِينُ، فَارْجِعُوا إِلَيْهِ فِي أُمُوركُمْ وَعَوِّلُوا عَلَيْهِ فِي مُهِمَّاتِكُمْ، فَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَقَدْ بَلَّغْتُ(1844).
وَبِهَذَا الْإسْنَادِ، عَنْ هِبَةِ اللهِ بْن مُحَمَّدِ ابْن بِنْتِ أُمِّ كُلْثُوم بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْريِّ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ أَبِي جَعْفَرٍ (رضي الله عنها)، قَالَتْ: كَانَ أَبُو الْقَاسِم الْحُسَيْنُ بْنُ رَوْح (قدّس سرّه) وَكِيلاً لِأَبِي جَعْفَرٍ (رحمه الله) سِنِينَ كَثِيرَةً يَنْظُرُ لَهُ فِي أَمْلَاكِهِ وَيُلْقِي بِأَسْرَارهِ الرُّؤَسَاءَ مِنَ الشِّيعَةِ، وَكَانَ خِصِّيصاً بِهِ حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُهُ بِمَا يَجْري بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَاريهِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ وَأُنْسِهِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1843) الغيبة للطوسي (ص 370/ ح 341).
(1844) الغيبة للطوسي (ص 371/ ح 342).

(٥٥١)

قَالَتْ: وَكَانَ يَدْفَعُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثِينَ دِينَاراً رزْقاً لَهُ غَيْرَ مَا يَصِلُ إِلَيْهِ مِنَ الْوُزَرَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ مِنَ الشِّيعَةِ مِثْل آلِ الْفُرَاتِ وَغَيْرهِمْ لِجَاهِهِ وَلِمَوْضِعِهِ وَجَلَالَةِ مَحَلِّهِ عِنْدَهُمْ، فَحَصَّلَ فِي أَنْفُس الشِّيعَةِ مُحَصَّلاً جَلِيلاً لِمَعْرفَتِهِمْ بِاخْتِصَاص أَبِي إِيَّاهُ وَتَوْثِيقِهِ عِنْدَهُمْ وَنَشْر فَضْلِهِ وَدِينهِ وَمَا كَانَ يَحْتَمِلُهُ مِنْ هَذَا الْأَمْر، فَتَمَهَّدَتْ(1845) لَهُ الْحَالُ فِي طُولِ حَيَاةِ أَبِي إِلَى أَنْ انْتَهَتِ الْوَصِيَّةُ إِلَيْهِ بِالنَّصِّ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي أَمْرهِ وَلَمْ يَشُكَّ فِيهِ أَحَدٌ إِلَّا جَاهِلٌ بِأَمْر أَبِي أَوَّلاً مَعَ مَا لَسْتُ أَعْلَمُ أَنَّ أحَداً مِنَ الشِّيعَةِ شَكَّ فِيهِ، وَقَدْ سَمِعْتُ بِهَذَا مِنْ غَيْر وَاحِدٍ مِنْ بَنِي نَوْبَخْتَ (رحمهم الله) مِثْل أَبِي الْحُسَيْن(1846) بْن كِبْريَاءَ وَغَيْرهِ(1847).
وَأَخْبَرَني جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاس بْن نُوح، قَالَ: وَجَدْتُ بِخَطِّ مُحَمَّدِ بْن نَفِيسٍ فِيمَا كَتَبَهُ بِالْأَهْوَازِ: أَوَّلَ كِتَابٍ وَرَدَ مِنْ أَبِي الْقَاسِم (رضي الله عنه): «نَعْرفُهُ عَرَّفَهُ اللهُ الْخَيْرَ كُلَّهُ وَرضْوَانَهُ وَأَسْعَدَهُ بِالتَّوْفِيقِ، وَقَفْنَا عَلَى كِتَابِهِ وَ[هُوَ](1848) ثِقَتُنَا بِمَا هُوَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ عِنْدَنَا بِالمَنْزلَةِ وَالمَحَلِّ اللَّذَيْن يَسُرَّانِهِ، زَادَ اللهُ فِي إِحْسَانِهِ إِلَيْهِ، إِنَّهُ وَلِيٌّ قَدِيرٌ، وَالْحَمْدُ للهِ لَا شَريكَ لَهُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً»، وَرَدَتْ هَذِهِ الرُّقْعَةُ يَوْمَ الْأَحَدِ لِسِتِّ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ(1849).
أَقُولُ: ذَكَرَ الشَّيْخُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّوْقِيعَاتِ الَّتِي خَرَجَتْ إِلَى الْحِمْيَريِّ عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ فِي بَابِ التَّوْقِيعَاتِ، ثُمَّ قَالَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1845) في المصدر: (فمهّدت).
(1846) في المصدر: (الحسن) بدل (الحسين).
(1847) الغيبة للطوسي (ص 372/ ح 343).
(1848) كلمة: (هو) ليست في المصدر.
(1849) الغيبة للطوسي (ص 372/ ح 344).

(٥٥٢)

وَكَانَ أَبُو الْقَاسِم (رحمه الله) مِنْ أَعْقَل النَّاس عِنْدَ المُخَالِفِ وَالمُوَافِقِ، وَيَسْتَعْمِلُ التَّقِيَّةَ، فَرَوَى أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ غَالِبٍ(1850) وَأَبُو الْحَسَن بْنُ أَبِي الطَّيِّبِ، قَالَا(1851): مَا رَأَيْتُ مَنْ هُوَ أَعْقَلُ مِنَ الشَّيْخ أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رَوْح، وَلَعَهْدِي بِهِ يَوْماً فِي دَار ابْن يَسَارٍ، وَكَانَ لَهُ مَحَلٌّ عِنْدَ السَّيِّدِ وَالمُقْتَدِر عَظِيمٌ، وَكَانَتِ الْعَامَّةُ أَيْضاً تُعَظِّمُهُ، وَكَانَ أَبُو الْقَاسِم يَحْضُرُ تَقِيَّةً وَخَوْفاً.
فَعَهْدِي بِهِ وَقَدْ تَنَاظَرَ اثْنَان، فَزَعَمَ وَاحِدٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَفْضَلُ النَّاس بَعْدَ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عَلِيٌّ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ عَلِيٌّ أَفْضَلُ مِنْ عُمَرَ، فَزَادَ الْكَلَامُ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ أَبُو الْقَاسِم (رضي الله عنه): الَّذِي اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ هُوَ تَقْدِيمُ الصِّدِّيقِ ثُمَّ بَعْدَهُ الْفَارُوقُ ثُمَّ بَعْدَهُ عُثْمَانُ ذُو النُّورَيْن ثُمَّ عَلِيٌّ الْوَصِيُّ، وَأَصْحَابُ الْحَدِيث عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا، فَبَقِيَ مَنْ حَضَرَ المَجْلِسَ مُتَعَجِّباً مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، وَكَانَتِ الْعَامَّةُ الْحُضُورُ يَرْفَعُونَهُ عَلَى رُءُوسِهِمْ، وَكَثُرَ الدُّعَاءُ لَهُ وَالطَّعْنُ عَلَى مَنْ يَرْمِيهِ بِالرَّفْض.
فَوَقَعَ عَلَيَّ الضَّحِكُ، فَلَمْ أَزَلْ أَتَصَبَّرُ وَأَمْنَعُ نَفْسِي وَأَدُسُّ كُمِّي فِي فَمِي، فَخَشِيتُ أَنْ أَفْتَضِحَ، فَوَثَبْتُ عَن المَجْلِس وَنَظَرَ إِلَيَّ فَتَفَطَّنَ لِي، فَلَمَّا حَصَلْتُ فِي مَنْزلِي فَإِذَا بِالْبَابِ يَطْرُقُ، فَخَرَجْتُ مُبَادِراً فَإذَا بِأَبِي الْقَاسِم بْن رَوْح رَاكِباً بَغْلَتَهُ قَدْ وَافَانِي مِنَ المَجْلِس قَبْلَ مُضِيِّهِ إِلَى دَارهِ، فَقَالَ لِي: يَا عَبْدَ اللهِ(1852)، أيَّدَكَ اللهُ لِـمَ ضَحِكْتَ وَأَرَدْتَ أَنْ تَهْتِفَ بِي كَأَنَّ الَّذِي قُلْتُهُ عِنْدَكَ لَيْسَ بِحَقٍّ؟ فَقُلْتُ لَهُ: كَذَلِكَ هُوَ عِنْدِي، فَقَالَ لِي: اتَّقِ اللهَ أَيُّهَا الشَّيْخُ فَإنِّي لَا أَجْعَلُكَ فِي حِلٍّ، تَسْتَعْظِمُ هَذَا الْقَوْلَ مِنِّي؟ فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، رَجُلٌ يَرَى بِأَنَّهُ صَاحِبُ الْإمَام وَوَكِيلُهُ يَقُولُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1850) في المصدر: (حمو) بدل (و).
(1851) في المصدر: (قال).
(1852) في المصدر: (يا أبا عبد الله).

(٥٥٣)

ذَلِكَ الْقَوْلَ لَا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ؟ وَ[لَا] يُضْحَكُ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا؟ فَقَالَ لِي: وَحَيَاتِكَ لَئِنْ عُدْتَ لَأَهْجُرَنَّكَ، وَوَدَّعَنِي وَانْصَرَفَ(1853).
قَالَ أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن بْنُ كِبْريَا النَّوْبَخْتِيُّ، قَالَ: بَلَغَ الشَّيْخَ أَبَا الْقَاسِم (رضي الله عنه) أَنَّ بَوَّاباً كَانَ لَهُ عَلَى الْبَابِ الْأَوَّلِ قَدْ لَعَنَ مُعَاويَةَ وَشَتَمَهُ، فَأَمَرَ بِطَرْدِهِ وَصَرَفَهُ عَنْ خِدْمَتِهِ، فَبَقِيَ مُدَّةً طَويلَةً يَسْأَلُ فِي أَمْرهِ فَلَا وَاللهِ مَا رَدَّهُ إِلَى خِدْمَتِهِ، وَأَخَذَهُ بَعْضُ الآهِلَةِ فَشَغَلَهُ مَعَهُ، كُلُّ ذَلِكَ لِلتَّقِيَّةِ(1854).
قَالَ أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اللهِ: وَحَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَدَ بْنُ درانويه الْأَبْرَصُ الَّذِي كَانَتْ دَارُهُ فِي دَرْبِ الْقَرَاطِيس، قَالَ: قَالَ لِي: إِنِّي كُنْتُ أَنَا وَإِخْوَتِي نَدْخُلُ إِلَى أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رَوْح (رضي الله عنه) نُعَامِلُهُ، قَالَ: وَكَانُوا بَاعَةً، وَنَحْنُ مَثَلاً عَشَرَةٌ تِسْعَةٌ نَلْعَنُهُ وَوَاحِدٌ يُشَكِّكُ، فَنَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ بَعْدَ مَا دَخَلْنَا إِلَيْهِ تِسْعَةٌ نَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ بِمَحَبَّتِهِ وَوَاحِدٌ وَاقِفٌ، لِأَنَّهُ كَانَ يُجَارينَا مِنْ فَضْل الصَّحَابَةِ مَا رَوَيْنَاهُ وَمَا لَمْ نَرْوهِ فَنَكْتُبُهُ عَنْهُ لِحُسِنه (رضي الله عنه)(1855).
وَأَخْبَرَني الْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاس أَحْمَدَ بْن عَلِيِّ بْن نُوح، عَنْ أَبِي نَصْرٍ هِبَةِ اللهِ بْن مُحَمَّدٍ الْكَاتِبِ ابْن بِنْتِ أُمِّ كُلْثُوم بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْريِّ (رضي الله عنه)، أَنَّ قَبْرَ أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رَوْح فِي النَّوْبَخْتِيَّةِ فِي الدَّرْبِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ دَارُ عَلِيِّ بْن أَحْمَدَ النَّوْبَخْتِيِّ النَّافِذِ إِلَى التَّلِّ وَإِلَى الدَّرْبِ الْآخَر وَإِلَى قَنْطَرَةِ الشَّوْكِ (رضي الله عنه)، قَالَ: وَقَالَ لِي أَبُو نَصْرٍ: مَاتَ أَبُو الْقَاسِم الْحُسَيْنُ بْنُ رَوْح فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَقَدْ رَوَيْتُ عَنْهُ أَخْبَاراً كَثِيرَةً(1856).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1853) الغيبة للطوسي (ص 384/ ح 347).
(1854) الغيبة للطوسي (ص 385/ ح 348)، وفيه: (الأهل) بدل (الآهلة).
(1855) الغيبة للطوسي (ص 386/ ح 349).
(1856) الغيبة للطوسي (ص 386/ ح 350).

(٥٥٤)

وَأَخْبَرَني أَبُو مُحَمَّدٍ المُحَمَّدِيُّ (رضي الله عنه)، عَنْ أَبِي الْحُسَيْن مُحَمَّدِ بْن الْفَضْل بْن تَمَام، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ الزَّكُوزَكِيَّ وَقَدْ ذَكَرْنَا كِتَابَ التَّكْلِيفِ وَكَانَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ غَالٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَا كَتَبْنَا الْحَدِيثَ، فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: وَأَيْشٍ كَانَ لِابْن أَبِي الْعَزَاقِر فِي كِتَابِ التَّكْلِيفِ؟ إِنَّمَا كَانَ يُصْلِحُ الْبَابَ وَيُدْخِلُهُ إِلَى الشَّيْخ أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رَوْح (رضي الله عنه) فَيَعْرضُهُ عَلَيْهِ وَيَحُكُّهُ(1857)، فَإذَا صَحَّ الْبَابُ خَرَجَ فَنَقَلَهُ وَأَمَرَنَا بِنُسْخَةٍ، يَعْنِي أَنَّ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ رَوْح (رضي الله عنه).
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَتَبْتُهُ فِي الْأَدْرَاج بِخَطِّي بِبَغْدَادَ، قَالَ ابْنُ تَمَام: فَقُلْتُ لَهُ: فَتَفَضَّلْ يَا سَيِّدِي فَادْفَعْهُ(1858) حَتَّى أَكْتُبَهُ مِنْ خَطِّكَ، فَقَالَ لِي: قَدْ خَرَجَ عَنْ يَدِي، قَالَ ابْنُ تَمَام: فَخَرَجْتُ وَأَخَذْتُ مِنْ غَيْرهِ وَكَتَبْتُ بَعْدَ مَا سَمِعْتُ هَذِهِ الْحِكَايَةَ(1859).
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْن بْنُ تَمَام: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ الْكُوفِيُّ خَادِمُ الشَّيْخ الْحُسَيْن بْن رَوْح (رضي الله عنه)، قَالَ: سُئِلَ الشَّيْخُ - يَعْنِي أَبَا الْقَاسِم (رضي الله عنه) - عَنْ كُتُبِ ابْن أَبِي الْعَزَاقِر بَعْدَ مَا ذُمَّ وَخَرَجَتْ فِيهِ اللَّعْنَةُ، فَقِيلَ لَهُ: فَكَيْفَ نَعْمَلُ بِكُتُبِهِ وَبُيُوتُنَا مِنْهَا مَلْأَى؟ فَقَالَ: أَقُولُ فِيهَا مَا قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا) وَقَدْ سُئِلَ عَنْ كُتُبِ بَنِي فَضَّالٍ، فَقَالُوا: كَيْفَ نَعْمَلُ بِكُتُبِهِمْ وَبُيُوتُنَا مِنْهَا مَلْأَى؟ فَقَالَ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ): «خُذُوا بِمَا رَوَوْا وَذَرُوا مَا رَأَوْا»(1860).
وَسَأَلَ أَبُو الْحَسَن الْأَيَادِي (رحمه الله) أَبَا الْقَاسِم الْحُسَيْنَ بْنَ رَوْح: لِـمَ كُرهَ المُتْعَةُ بِالْبِكْر؟ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «الْحَيَاءُ مِنَ الْإيمَان، وَالشُّرُوطُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا، فَإذَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1857) في المصدر: (ويحككه).
(1858) في المصدر إضافة: (إليَّ).
(1859) الغيبة للطوسي (ص 389/ ح 354).
(1860) الغيبة للطوسي (ص 389/ ح 355).

(٥٥٥)

حَمَلْتَهَا عَلَى أَنْ تُنْعِمَ(1861) فَقَدْ خَرَجَتْ عَن الْحَيَاءِ وَزَالَ الْإيمَانُ»، فَقَالَ لَهُ: فَإنْ فَعَلَ فَهُوَ زَانٍ؟ قَالَ: لَا(1862).
وَأَخْبَرَني الْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي الْحَسَن مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ بْن دَاوُدَ الْقُمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلَامَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَنْفَذَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ رَوْح (رضي الله عنه) كِتَابَ التَّأدِيبِ إِلَى قُمَّ، وَكَتَبَ إِلَى جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ بِهَا، وَقَالَ لَهُمُ: انْظُرُوا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَانْظُرُوا فِيهِ شَيْءٌ يُخَالِفُكُمْ، فَكَتَبُوا إِلَيْهِ أَنَّهُ كُلَّهُ صَحِيحٌ وَمَا فِيهِ شَيْءٌ يُخَالِفُ إِلَّا قَوْلُهُ فِي الصَّاع فِي الْفِطْرَةِ: نِصْفُ صَاعٍ مِنْ طَعَام، وَالطَّعَامُ عِنْدَنَا مِثْلُ الشَّعِير مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ صَاعٌ(1863).
قَالَ ابْنُ نُوح: وَسَمِعْتُ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا بِمِصْرَ يَذْكُرُونَ أَنَّ أَبَا سَهْلٍ النَّوْبَخْتِيَّ سُئِلَ فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ صَارَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَى الشَّيْخ أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رَوْح دُونَكَ؟ فَقَالَ: هُمْ أَعْلَمُ وَمَا اخْتَارُوهُ، وَلَكِنْ أَنَا رَجُلٌ أَلْقَى الْخُصُومَ وَأُنَاظِرُهُمْ، وَلَوْ عَلِمْتُ بِمَكَانِهِ كَمَا عَلِمَ أَبُو الْقَاسِم وَضَغَطَتْنِي الْحُجَّةُ(1864) لَعَلِّي كُنْتُ أَدُلُّ عَلَى مَكَانِهِ، وَأَبُو الْقَاسِم فَلَوْ كَانَتِ الْحُجَّةُ تَحْتَ ذَيْلِهِ وَقُرضَ بِالمَقَاريض مَا كَشَفَ الذَّيْلَ عَنْهُ - أَوْ كَمَا قَالَ -(1865).
وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْن أَبِي الْعَزَاقِر الشَّلْمَغَانِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْغَيْبَةِ الَّذِي صَنَّفَهُ: وَأَمَّا مَا بَيْني وَبَيْنَ الرَّجُل المَذْكُور زَادَ اللهُ فِي تَوْفِيقِهِ فَلَا مَدْخَلَ لِي فِي ذَلِكَ إِلَّا لِمَنْ أَدْخَلَهُ فِيهِ، لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَيَّ، فَإنِّي أَنَا وَلِيُّهَا(1866).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1861) أي تقول: نعم.
(1862) الغيبة للطوسي (ص 390/ ح 356).
(1863) الغيبة للطوسي (ص 390/ ح 357).
(1864) في المصدر إضافة: (على مكانه).
(1865) الغيبة للطوسي (ص 391/ ح 358).
(1866) الغيبة للطوسي (ص 391/ ح 359).

(٥٥٦)

وَقَالَ فِي فَصْلٍ آخَرَ: وَمَنْ عَظُمَتْ مِنَّةُ اللهِ عَلَيْهِ تَضَاعَفَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ وَلَزمَهُ الصِّدْقُ فِيمَا سَاءَهُ وَسَرَّهُ، وَلَيْسَ يَنْبَغِي فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللهِ إِلَّا الصِّدْقُ عَنْ أَمْرهِ مَعَ عِظَم جِنَايَتِهِ، وَهَذَا الرَّجُلُ مَنْصُوبٌ لِأَمْرٍ مِنَ الْأُمُور لَا يَسَعُ الْعِصَابَةَ الْعُدُولُ عَنْهُ فِيهِ، وَحُكْمُ الْإسْلاَم مَعَ ذَلِكَ جَارٍ عَلَيْهِ كَجَرْيِهِ عَلَى غَيْرهِ مِنَ المُؤْمِنينَ، وَذَكَرَهُ(1867).
وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ هَارُونُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَلِيٍّ بْنُ الْجُنَيْدِ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّلْمَغَانِيُّ: مَا دَخَلْنَا مَعَ أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رَوْح فِي هَذَا الْأَمْر إِلَّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ فِيمَا دَخَلْنَا فِيهِ، لَقَدْ كُنَّا نَتَهَارَشُ عَلَى هَذَا الْأَمْر كَمَا تَتَهَارَشُ الْكِلَابُ عَلَى الْجِيَفِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمْ يَلْتَفِتِ الشِّيعَةُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَأَقَامَتْ عَلَى لَعْنِهِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ(1868).
ذِكْرُ أَمْر أَبِي الْحَسَن عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ السَّمُريِّ بَعْدَ الشَّيْخ أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رَوْح وَانْقِطَاع الأعْلام بِهِ وَهُمُ الأبْوَابُ:
أَخْبَرَني جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن بْن مُوسَى بْن بَابَوَيْه، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْن إِسْحَاقَ، عَن الْحَسَن بْن عَلِيِّ بْن زَكَريَّا بِمَدِينَةِ السَّلَام، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ خَلِيلَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّهِ عَتَّابٍ - مِنْ وُلْدِ عَتَّابِ بْن أَسِيدٍ -، قَالَ: وُلِدَ الْخَلَفُ المَهْدِيُّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأُمُّهُ رَيْحَانَةُ، وَيُقَالُ لَهَا: نَرْجِسُ، وَيُقَالُ لَهَا: صَقِيلُ، وَيُقَالُ لَهَا: سَوْسَنُ، إِلَّا أَنَّهُ قِيلَ بِسَبَبِ الْحَمْل: صَقِيلُ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1867) الغيبة للطوسي (ص 391/ ح 360).
(1868) الغيبة للطوسي (ص 391/ ح 361).

(٥٥٧)

سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن، وَوَكِيلُهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، فَلَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ أَوْصَى إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْن عُثْمَانَ، وَأَوْصَى أَبُو جَعْفَرٍ إِلَى أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رَوْحٍ، وَأَوْصَى أَبُو الْقَاسِم إِلَى أَبِي الْحَسَن عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ السَّمُريِّ (رضي الله عنه)، فَلَمَّا حَضَرَتِ السَّمُريَّ (رضي الله عنه) الْوَفَاةُ سُئِلَ أَنْ يُوصِيَ، فَقَالَ: للهِ أَمْرٌ هُوَ بَالِغُهُ، فَالْغَيْبَةُ التَّامَّةُ هِيَ الَّتِي وَقَعَتْ بَعْدَ مُضِيِّ السَّمُريِّ (قدّس سرّه)(1869).
وَأَخْبَرَني مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن النُّعْمَان وَالْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ أَحْمَدَ بْن مُحَمَّدٍ الصَّفْوَانِيِّ، قَالَ: أَوْصَى الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِم إِلَى أَبِي الْحَسَن عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ السَّمُريِّ، فَقَامَ بِمَا كَانَ إِلَى أَبِي الْقَاسِم، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ حَضَرَتِ الشِّيعَةُ عِنْدَهُ وَسَأَلَتْهُ عَن المُوَكَّل بَعْدَهُ وَلِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، فَلَمْ يُظْهِرْ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِأَنْ يُوصِيَ إِلَى أَحَدٍ بَعْدَهُ فِي هَذِهِ الشَّأن(1870).
وَأَخْبَرَني جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن بْن مُوسَى بْن بَابَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن صَالِحُ بْنُ شُعَيْبٍ الطَّالَقَانِيُّ (رحمه الله) فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ تِسْع وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْن مَخْلَدٍ، قَالَ: حَضَرْتُ بَغْدَادَ عِنْدَ المَشَايِخ (رحمهم الله)، فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمُريُّ (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ) ابْتِدَاءً مِنْهُ: رَحِمَ اللهُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْن بْن بَابَوَيْهِ الْقُمِّيَّ، قَالَ: فَكَتَبَ المَشَايِخُ تَاريخَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَوَرَدَ الْخَبَرُ أَنَّهُ تُوُفّيَ فِي ذَلِكَ الْيَوْم، وَمَضَى أَبُو الْحَسَن السَّمُريُّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْع وَعِشْرينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ(1871).
كمال الدِّين: صالح بن شعيب، مثله(1872).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1869) الغيبة للطوسي (ص 393/ ح 362).
(1870) الغيبة للطوسي (ص 394/ ح 363).
(1871) الغيبة للطوسي (ص 394/ ح 364).
(1872) كمال الدِّين (ج 2/ ص 503/ باب ذكر التوقيعات/ ح 32).

(٥٥٨)

[406/7] الغيبة للطوسي: وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ ابْن الْحُسَيْن بْن بَابَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ المُكَتِّبُ، قَالَ: كُنْتُ بِمَدِينَةِ السَّلَام فِي السَّنَةِ الَّتِي تُوُفّيَ فِيهَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمُريُّ (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ)، فَحَضَرْتُهُ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِأَيَّام، فَأَخْرَجَ إِلَى النَّاس تَوْقِيعاً نُسْخَتُهُ:
«بِسْم اللهِ الرَّحْمن الرَّحِيم، يَا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُريَّ أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَ إِخْوَانِكَ فِيكَ، فَإنَّكَ مَيِّتٌ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ سِتَّةِ أَيَّام، فَأَجْمِعْ أَمْرَكَ وَلَا تُوصِ إِلَى أَحَدٍ فَيَقُومَ مَقَامَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ، فَقَدْ وَقَعَتِ الْغَيْبَةُ التَّامَّةُ، فَلَا ظُهُورَ إِلَّا بَعْدَ إِذْن اللهِ (تَعَالَى ذِكْرُهُ)، وَذَلِكَ بَعْدَ طُولِ الْأَمَدِ وَقَسْوَةِ الْقُلُوبِ وَامْتِلَاءِ الْأَرْض جَوْراً، وَسَيَأتِي شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي المُشَاهَدَةَ، أَلَا فَمَن ادَّعَى المُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوج السُّفْيَانِيِّ وَالصَّيْحَةِ فَهُوَ كَذَّابٌ مُفْتَرٍ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيم».
قَالَ: فَنَسَخْنَا هَذَا التَّوْقِيعَ وَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ السَّادِسُ عُدْنَا إِلَيْهِ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَقِيلَ لَهُ: مَنْ وَصِيُّكَ مِنْ بَعْدِكَ؟ فَقَالَ: للهِ أَمْرٌ هُوَ بَالِغُهُ، وَقَضَى، فَهَذَا آخِرُ كَلَام سُمِعَ مِنْهُ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ)(1873).
كمال الدِّين: الحسن بن أحمد المكتِّب، مثله(1874).
[407/8] الغيبة للطوسي: وَأَخْبَرَني جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْن بْن عَلِيِّ بْن بَابَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْل قُمَّ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ بَابَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْل قُمَّ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْن عِمْرَانَ الصَّفَّارُ، وَقَريبُهُ عَلَويَّةُ الصَّفَّارُ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْن إِدْريسَ (رحمهم الله)، قَالُوا: حَضَرْنَا بَغْدَادَ فِي السَّنَةِ الَّتِي تُوُفّيَ فِيهَا أَبِي (رضي الله عنه) عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْن بْن مُوسَى بْن بَابَوَيْهِ، وَكَانَ أَبُو الْحَسَن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمُريُّ (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ) يَسْأَلُنَا كُلَّ قَريبٍ عَنْ خَبَر عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن (رحمه الله)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1873) الغيبة للطوسي (ص 395/ ح 365).
(1874) كمال الدِّين (ج 2/ ص 516/ باب ذكر التوقيعات/ ح 44).

(٥٥٩)

فَنَقُولُ: قَدْ وَرَدَ الْكِتَابُ بِاسْتِقْلَالِهِ حَتَّى كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، فَسَأَلَنَا عَنْهُ، فَذَكَرْنَا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَنَا: آجَرَكُمُ اللهُ فِي عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن، فَقَدْ قُبِضَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ، قَالُوا: فَأَثْبَتْنَا تَاريخَ السَّاعَةِ وَالْيَوْم وَالشَّهْر، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْماً أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً وَرَدَ الْخَبَرُ أَنَّهُ قُبِضَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَن (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ)(1875).
وَأَخْبَرَني الْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاس بْن نُوح، عَنْ أَبِي نَصْرٍ هِبَةِ اللهِ بْن مُحَمَّدٍ الْكَاتِبِ أَنَّ قَبْرَ أَبِي الْحَسَن السَّمُريِّ (رضي الله عنه) فِي الشَّارع المَعْرُوفِ بِشَارع الْخَلَنْجِيِّ مِنْ رُبُع بَابِ المُحَوَّلِ قَريبٍ مِنْ شَاطِئ نَهَر أَبِي عَتَّابٍ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مَاتَ فِي سَنَةِ تِسْع وَعِشْرينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ(1876).
[408/9] الاحتجاج: أَمَّا الأبْوَابُ المَرْضِيُّونَ وَالسُّفَرَاءُ المَمْدُوحُونَ فِي زَمَن الْغَيْبَةِ، فَأَوَّلُهُمُ: الشَّيْخُ المَوْثُوقُ بِهِ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الْعَمْريُّ، نَصَبَهُ أَوَّلاً أَبُو الْحَسَن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَسْكَريُّ، ثُمَّ ابْنُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليهم السلام)، فَتَوَلَّى الْقِيَامَ بِأُمُورهِمَا حَالَ حَيَاتِهِمَا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَامَ بِأَمْر صَاحِبِ الزَّمَان (علیه السلام)، وَكَانَتْ تَوْقِيعَاتٌ وَجَوَابَاتُ المَسَائِل تَخْرُجُ عَلَى يَدَيْهِ.
فَلَمَّا مَضَى لِسَبِيلِهِ قَامَ ابْنُهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ مَقَامَهُ وَنَابَ مَنَابَهُ فِي جَمِيع ذَلِكَ، فَلَمَّا مَضَى قَامَ بِذَلِكَ أَبُو الْقَاسِم الْحُسَيْنُ بْنُ رَوْح مِنْ بَنِي نَوْبَخْتَ، فَلَمَّا مَضَى قَامَ مَقَامَهُ أَبُو الْحَسَن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمُريُّ، وَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِذَلِكَ إِلَّا بِنَصٍّ عَلَيْهِ مِنْ قِبَل صَاحِبِ الزَّمَان (علیه السلام)(1877) وَنَصْبِ صَاحِبهِ الَّذِي تَقَدَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ تَقْبَل الشِّيعَةُ قَوْلَهُمْ إِلَّا بَعْدَ ظُهُور آيَةٍ مُعْجِزَةٍ تَظْهَرُ عَلَى يَدِ كُلِّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1875) الغيبة للطوسي (ص 395/ ح 366).
(1876) الغيبة للطوسي (ص 395/ ح 367).
(1877) في المصدر: (الأمر) بدل (الزمان).

(٥٦٠)

وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ قِبَل صَاحِبِ الْأَمْر (علیه السلام) تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِهِمْ وَصِحَّةِ نِيَابَتِهِمْ(1878).
فَلَمَّا حَانَ رَحِيلُ أَبِي الْحَسَن السَّمُريِّ عَن الدُّنْيَا وَقَرُبَ أَجَلُهُ قِيلَ لَهُ: إِلَى مَنْ تُوصِي؟ أَخْرَجَ(1879) تَوْقِيعاً إِلَيْهِمْ نُسْخَتُهُ: «بِسْم اللهِ الرَّحْمن الرَّحِيم، يَا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُريَّ...» إِلَى آخِر مَا نَقَلْنَا عَن الشَّيْخ (رحمه الله)(1880).
[409/10] الغيبة للطوسي: قَدْ كَانَ فِي زَمَان السُّفَرَاءِ المَحْمُودِينَ أَقْوَامٌ ثِقَاتٌ تَردُ عَلَيْهِمُ التَّوْقِيعَاتُ مِنْ قِبَل المَنْصُوبِينَ لِلسَّفَارَةِ، مِنْهُمْ: أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّدُ ابْنُ جَعْفَرٍ الْأَسَدِيُّ (رحمه الله):
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن بْنُ أَبِي جَيِّدٍ الْقُمِّيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن الْحَسَن بْن الْوَلِيدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن يَحْيَى الْعَطَّار، عَنْ مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ بْن يَحْيَى، عَنْ صَالِح بْن أَبِي صَالِح، قَالَ: سَأَلَنِي بَعْضُ النَّاس فِي سَنَةِ تِسْعِينَ وَمِائَتَيْن قَبْضَ شَيْءٍ، فَامْتَنَعْتُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَتَبْتُ أَسْتَطْلِعُ الرَّأيَ، فَأَتَانِي الْجَوَابَ: «بِالرَّيِّ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْعَرَبيُّ فَلْيُدْفَعْ إِلَيْهِ فَإنَّهُ مِنْ ثِقَاتِنَا»(1881).
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن يُوسُفَ الشَّاشِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَن الْكَاتِبُ المَرْوَزِيُّ: وَجَّهْتُ إِلَى حَاجِزٍ الْوَشَّاءِ مِائَتَيْ دِينَارٍ وَكَتَبْتُ إِلَى الْغَريم بِذَلِكَ، فَخَرَجَ الْوُصُولُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ(1882) قِبَلي أَلْفُ دِينَارٍ وَأَنِّي وَجَّهْتُ إِلَيْهِ مِائَتَيْ دِينَارٍ، وَقَالَ: «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تُعَامِلَ أَحَداً فَعَلَيْكَ بِأَبِي الْحُسَيْن الْأَسَدِيِّ بِالرَّيِّ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1878) في المصدر: (بابيَّتهم) بدل (نيابتهم).
(1879) في المصدر إضافة: (إليهم).
(1880) الاحتجاج (ج 2/ ص 553/ ح 348 و349).
(1881) الغيبة للطوسي (ص 415/ ح 391).
(1882) في المصدر إضافة: (له).

(٥٦١)

فَوَرَدَ الْخَبَرُ بِوَفَاةِ حَاجِزٍ (رضي الله عنه) بَعْدَ يَوْمَيْن أَوْ ثَلَاثَةٍ، فَأَعْلَمْتُهُ بِمَوْتِهِ، فَاغْتَمَّ، فَقُلْتُ لَهُ: لَا تَغْتَمَّ فَإنَّ لَكَ فِي التَّوْقِيع إِلَيْكَ دَلَالَتَيْن: إِحْدَاهُمَا إِعْلَامُهُ إِيَّاكَ أَنَّ المَالَ أَلْفُ دِينَارٍ، وَالثَّانِيَةُ أَمْرُهُ إِيَّاكَ بِمُعَامَلَةِ أَبِي الْحُسَيْن الْأَسَدِيِّ لِعِلْمِهِ بِمَوْتِ حَاجِزٍ(1883).
وَبِهَذَا الْإسْنَادِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن نَوْبَخْتَ، قَالَ: عَزَمْتُ عَلَى الْحَجِّ وَتَأَهَّبْتُ، فَوَرَدَ عَلَيَّ: «نَحْنُ لِذَلِكَ كَارهُونَ»، فَضَاقَ صَدْري وَاغْتَمَمْتُ، وَكَتَبْتُ: أَنَا مُقِيمٌ بِالسَّمْع وَالطَّاعَةِ غَيْرَ أَنِّي مُغْتَمٌّ بِتَخَلُّفِي عَن الْحَجِّ، فَوَقَّعَ: «لَا يَضِيقَنَّ صَدْرُكَ فَإنَّكَ تَحُجُّ مِنْ قَابِلٍ»، فَلَمَّا كَانَ مِنْ قَابِلٍ اسْتَأذَنْتُ، فَوَرَدَ الْجَوَابُ، فَكَتَبْتُ: أَنِّي عَادَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْعَبَّاس وَأَنَا وَاثِقٌ بِدِيَانَتِهِ وَصِيَانَتِهِ، فَوَرَدَ الْجَوَابُ: «الْأَسَدِيُّ نِعْمَ الْعَدِيلُ، فَإنْ قَدِمَ فَلَا تَخْتَرْهُ عَلَيْهِ»، قَالَ: فَقَدِمَ الْأَسَدِيُّ، فَعَادَلْتُهُ(1884).
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن شَاذَانَ النَّيْشَابُوريِّ، قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدِي خَمْسُمِائَةِ دِرْهَم يَنْقُصُ عِشْرُونَ دِرْهَماً، فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ تَنْقُصَ(1885) هَذَا الْمِقْدَارَ، فَوَزَنْتُ مِنْ عِنْدِي عِشْرينَ دِرْهَماً وَدَفَعْتُهَا إِلَى الْأَسَدِيِّ وَلَمْ أَكْتُبْ بِخَبَر نُقْصَانِهَا وَأَنِّي أَتْمَمْتُهَا مِنْ مَالِي، فَوَرَدَ الْجَوَابُ: «قَدْ وَصَلَتِ الْخَمْسُمِائَةِ الَّتِي لَكَ فِيهَا عِشْرُونَ».
وَمَاتَ الْأَسَدِيُّ عَلَى ظَاهِر الْعَدَالَةِ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَمْ يُطْعَنْ عَلَيْهِ فِي شَهْر رَبِيع الْآخَر سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ(1886).
وَمِنْهُمْ: أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَجَمَاعَةٌ خَرَجَ التَّوْقِيعُ فِي مَدْحِهِمْ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1883) الغيبة للطوسي (ص 415/ ح 392).
(1884) الغيبة للطوسي (ص 416/ ح 393).
(1885) في المصدر: (ينقص).
(1886) الغيبة للطوسي (ص 416/ ح 394).

(٥٦٢)

رَوَى أَحْمَدُ بْنُ إِدْريسَ، عَنْ أَحْمَدَ بْن مُحَمَّدِ بْن عِيسَى، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الرَّازِيِّ، قَالَ: كُنْتُ وَأَحْمَدَ بْنَ أَبِي عَبْدِ اللهِ بِالْعَسْكَر، فَوَرَدَ عَلَيْنَا رَسُولٌ مِنْ قِبَل الرَّجُل، فَقَالَ: أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَشْعَريُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَمْدَانِيُّ، وَأَحْمَدُ ابْنُ حَمْزَةَ بْن الْيَسَع، ثِقَاتٌ(1887).
[410/11] كمال الدِّين: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْن بْن شَاذَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ الْحِمْيَريِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن جَعْفَرٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْن إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى حَكِيمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ الرِّضَا أُخْتِ أَبِي الْحَسَن صَاحِبِ الْعَسْكَر (عليهم السلام) فِي سَنَةِ اثْنَتَيْن وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْن، فَكَلَّمْتُهَا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَسَأَلْتُهَا عَنْ دِينهَا، فَسَمَّتْ لِي مَنْ تَأتَمُّ بِهِمْ، ثُمَّ قَالَتْ: وَالْحُجَّةُ بْنُ الْحَسَن بْن عَلِيٍّ، فَسَمَّتْهُ، فَقُلْتُ لَهَا: جَعَلَنِيَ اللهُ فِدَاكِ مُعَايَنَةً أَوْ خَبَراً؟ فَقَالَتْ: خَبَراً عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ كَتَبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ، فَقُلْتُ لَهَا: فَأَيْنَ الْوَلَدُ؟ فَقَالَتْ: مَسْتُورَةٌ(1888)، فَقُلْتُ: إِلَى مَنْ تَفْزَعُ الشِّيعَةُ؟ فَقَالَتْ: إِلَى الْجَدَّةِ أُمِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَقُلْتُ لَهَا: أَقْتَدِي بِمَنْ [فِي](1889) وَصِيَّتِهِ إِلَى امْرَأَةٍ؟ فَقَالَتْ: اقْتِدَاءً بِالْحُسَيْن بْن عَلِيٍّ (علیه السلام)، وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ أَوْصَى إِلَى أُخْتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ عَلِيٍّ فِي الظَّاهِر، وَكَانَ مَا يَخْرُجُ عَنْ عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن (علیه السلام) مِنْ عِلْم يُنْسَبُ إِلَى زَيْنَبَ سَتْراً عَلَى عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن (علیه السلام)، ثُمَّ قَالَتْ: إِنَّكُمْ قَوْمٌ أَصْحَابُ أَخْبَارٍ، أَمَا رُوِّيتُمْ أَنَّ التَّاسِعَ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْن بْن عَلِيٍّ (علیه السلام) يُقْسَمُ مِيرَاثُهُ وَهُوَ فِي الْحَيَاةِ(1890)؟
كمال الدِّين: عليُّ بن أحمد بن مهزيار، عن محمّد بن جعفر الأسدي، مثله(1891).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1887) الغيبة للطوسي (ص 417/ ح 395).
(1888) في المصدر: (مستور).
(1889) كلمة: (في) ليست في المصدر.
(1890) كمال الدِّين (ج 2/ ص 507/ باب ذكر التوقيعات/ ذيل الحديث 36).
(1891) كمال الدِّين (ج 2/ ص 501/ باب ذكر التوقيعات/ ح 27).

(٥٦٣)

الغيبة للطوسي: الكليني، عن محمّد بن جعفر، مثله(1892).
[411/12] الخرائج والجرائح: رُويَ عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِبْرَاهِيمَ بْن مَهْزِيَارَ، قَالَ: شَكَكْتُ عِنْدَ وَفَاةِ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، وَكَانَ اجْتَمَعَ عِنْدَ أَبِي مَالٌ جَلِيلٌ، فَحَمَلَهُ فَرَكِبَ السَّفِينَةَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ مُشَيِّعاً لَهُ، فَوُعِكَ، فَقَالَ: رُدَّنِي فَهُوَ المَوْتُ، وَاتَّقِ اللهَ فِي هَذَا المَالِ، وَأَوْصَى إِلَيَّ وَمَاتَ، وَقُلْتُ: لَا يُوصِي أَبِي بِشَيْءٍ غَيْر صَحِيح، أَحْمِلُ هَذَا المَالَ إِلَى الْعِرَاقِ وَلَا أُخْبِرُ أَحَداً، فَإنْ وَضَحَ لِي شَيْءٌ أَنْفَذْتُهُ وَإِلَّا أَنْفَقْتُهُ، فَاكْتَرَيْتُ دَاراً عَلَى الشَّطِّ وَبَقِيتُ أَيَّاماً فَإذَا أَنَا بِرَسُولٍ مَعَهُ رُقْعَةٌ فِيهَا: «يَا مُحَمَّدُ، مَعَكَ كَذَا وَكَذَا» حَتَّى قَصَّ عَلَيَّ جَمِيعَ مَا مَعِي(1893)، فَسَلَّمْتُ المَالَ إِلَى الرَّسُولِ وَبَقِيتُ أَيَّاماً لَا يُرْفَعُ بِي(1894) رَأسٌ، فَاغْتَمَمْتُ، فَخَرَجَ إِلَيَّ: «[قَدْ] أَقَمْنَاكَ مَقَامَ أَبِيكَ، فَاحْمَدِ اللهَ»(1895).
[412/13] إعلام الورى: مِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ إِمَامَتِهِ (علیه السلام) النَّصُّ عَلَيْهِ بِذِكْر غَيْبَتِهِ وَصِفَتِهَا الَّتِي يَخْتَصُّهَا وَوُقُوعِهَا عَلَى الْحَدِّ المَذْكُور مِنْ غَيْر اخْتِلَافٍ حَتَّى لَمْ يَخْرمْ مِنْهُ شَيْئاً، وَلَيْسَ يَجُوزُ فِي الْعَادَاتِ أَنْ تُوَلِّدَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ كَذِباً يَكُونُ خَبَراً عَنْ كَائِنٍ فَيَتَّفِقُ(1896) ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا وَصَفُوهُ.
وَإِذَا كَانَتْ أَخْبَارُ الْغَيْبَةِ قَدْ سَبَقَتْ زَمَانَ الْحُجَّةِ (علیه السلام) بَلْ زَمَانَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ حَتَّى تَعَلَّقَتِ الْكِيسَانِيَّةُ وَالنَّاوُوسِيَّةُ وَالمَمْطُورَةُ بِهَا، وَأَثْبَتَهَا(1897) المُحَدِّثُونَ مِنَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1892) الغيبة للطوسي (ص 230/ ح 196).
(1893) في المصدر إضافة: (وما لم أُحط به علماً ممَّا كان معي).
(1894) في المصدر: (لي) بدل (بي).
(1895) الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 462/ فصل في معجزات الإمام صاحب الزمان (علیه السلام)/ ح 7).
(1896) في المصدر إضافة: (لهم).
(1897) في المصدر: (تعلَّقت الكيسانيَّة بها في إمامة ابن الحنفيَّة، والناووسيَّة والممطورة في أبي عبد الله وأبي الحسن موسى (عليهما السلام)، وخلَّدها المحدِّثون).

(٥٦٤)

الشِّيعَةِ فِي أُصُولِهِمُ المُؤَلَّفَةِ فِي أَيَّام السَّيِّدَيْن الْبَاقِر وَالصَّادِقِ (علیهما السلام) وَأَثَرُوهَا عَن النَّبِيِّ وَالْأَئِمَّةِ (عليهم السلام) وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، صَحَّ بِذَلِكَ الْقَوْلُ فِي إِمَامَةِ صَاحِبِ الزَّمَان بِوُجُودِ هَذِهِ الصِّفَةِ لَهُ وَالْغَيْبَةِ المَذْكُورَةِ فِي دَلَائِلِهِ وَأَعْلَام إِمَامَتِهِ، وَلَيْسَ يُمْكِنُ أَحَداً(1898) دَفْعُ ذَلِكَ.
وَمِنْ جُمْلَةِ ثِقَاتِ المُحَدِّثِينَ وَالمُصَنِّفِينَ مِنَ الشِّيعَةِ الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ الزَّرَّادُ، وَقَدْ صَنَّفَ كِتَابَ المَشِيخَةِ الَّذِي هُوَ فِي أُصُولِ الشِّيعَةِ أَشْهَرُ مِنْ كِتَابِ المُزَنيِّ وَأَمْثَالِهِ قَبْلَ زَمَان الْغَيْبَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ، فَذَكَرَ فِيهِ بَعْضَ مَا أَوْرَدْنَاهُ مِنْ أَخْبَار الْغَيْبَةِ، فَوَافَقَ المُخْبَرَ وَحَصَلَ كُلُّ مَا تَضَمَّنَهُ الْخَبَرُ بِلَا اخْتِلَافٍ.
وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الخارقي(1899)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (علیه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «لآلِ(1900) مُحَمَّدٍ غَيْبَتَان وَاحِدَةٌ طَويلَةٌ وَالْأُخْرَى قَصِيرَةٌ»، قَالَ: فَقَالَ لِي: «نَعَمْ، يَا أَبَا بَصِيرٍ إِحْدَاهُمَا أَطْوَلُ مِنَ الْأُخْرَى، ثُمَّ لَا يَكُونُ ذَلِكَ - يَعْنِي ظُهُورَهُ (علیه السلام) - حَتَّى يَخْتَلِفَ وُلْدُ فُلَانٍ، وَتَضِيقَ الْحَلْقَةُ، وَتَظْهَرَ السُّفْيَانِيُّ، وَيَشْتَدَّ الْبَلَاءُ، وَيَشْمَلَ النَّاسَ مَوْتٌ وَقَتْلٌ، وَيَلْجَئُونَ مِنْهُ إِلَى حَرَم اللهِ تَعَالَى وَحَرَم رَسُولِهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)».
فَانْظُرْ كَيْفَ قَدْ حَصَلَتِ الْغَيْبَتَان لِصَاحِبِ الْأَمْر (علیه السلام) عَلَى حَسَبِ مَا تَضَمَّنَهُ الْأَخْبَارُ السَّابِقَةُ لِوُجُودِهِ عَنْ آبَائِهِ وَجُدُودِهِ (عليهم السلام).
أَمَّا غَيْبَتُهُ الْقُصْرَى مِنْهُمَا فَهِيَ الَّتِي كَانَتْ سُفَرَاؤُهُ فِيهَا مَوْجُودِينَ وَأَبْوَابُهُ مَعْرُوفِينَ لَا تَخْتَلِفُ الْإمَامِيَّةُ الْقَائِلُونَ بِإِمَامَةِ الْحَسَن بْن عَلِيٍّ فِيهِمْ، فَمِنْهُمْ: أَبُو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1898) في المصدر: (لأحد) بدل (أحداً).
(1899) جاء في المطبوعة: (الحارثي)، وما أثبتناه من المصدر، والظاهر اتِّحاده مع (إبراهيم بن هارون الخارقي الكوفي) الذي عدَّه الطوسي في رجاله (ص 146) من أصحاب الصادق (علیه السلام).
(1900) في المصدر: (لقائم آل) بدل (لآل).

(٥٦٥)

هَاشِم دَاوُدُ بْنُ الْقَاسِم الْجَعْفَريُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْن بِلَالٍ، وَأَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ السَّمَّانُ، وَابْنُهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ (رضي الله عنهما)، وَعُمَرُ الْأَهْوَازِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْوَجْنَائِيُّ(1901)، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْزيَارَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، فِي جَمَاعَةٍ أُخَرَ رُبَّمَا يَأتِي ذِكْرُهُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ(1902).
وَكَانَتْ مُدَّةُ هَذِهِ الْغَيْبَةِ أَرْبَعاً وَسَبْعِينَ سَنَةً(1903).
أقول: ثُمَّ ذكر أحوال السفراء الأربعة نحواً ممَّا مرَّ.
بيان: الظاهر أنَّ مدَّة زمان الغيبة من ابتداء إمامته (علیه السلام) إلى وفاة السمري وهي أقلّ من سبعين سنة، لأنَّ ابتداء إمامته (علیه السلام) على المشهور لثمان خلون من ربيع الأوَّل سنة ستِّين ومائتين، ووفاة السمري في النصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وعلى ما ذكره في وفاة السمري تنقص سنة أيضاً حيث قال: تُوفّي في النصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، ولعلَّه جعل ابتداء الغيبة ولادته (علیه السلام) وذكر الولادة في سنة خمس وخمسين ومائتين فيستقيم على ما ذكره الشيخ من وفاة السمري، وعلى ما ذكره ينقص سنة أيضاً، ولعلَّ ما ذكره من تاريخ السمري سهو من قلمه.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1901) في المصدر: (الوجناني).
(1902) في المصدر إضافة: (إليهم في الرواية عنهم).
(1903) إعلام الورى (ج 2/ ص 257).

(٥٦٦)

[413/1] قال الشيخ (قدّس سرّه) في كتاب الغيبة:
أوَّلهم: المعروف بالشريعي:
أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ التَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بْنِ هَمَّامٍ، قَالَ: كَانَ الشَّرِيعِيُّ يُكَنَّى بِأَبِي مُحَمَّدٍ، قَالَ هَارُونُ: وَأَظُنُّ اسْمَهُ كَانَ الْحَسَنَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بَعْدَهُ (عليهم السلام)، وَهُوَ أَوَّلُ مَنِ ادَّعَى مَقَاماً لَمْ يَجْعَلْهُ اللهُ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَهْلاً لَهُ، وَكَذَبَ عَلَى اللهِ وَعَلَى حُجَجِهِ (عليهم السلام)، وَنَسَبَ إِلَيْهِمْ مَا لَا يَلِيقُ بِهِمْ، وَمَا هُمْ مِنْهُ بِرَاءٌ، فَلَعَنَتْهُ الشِّيعَةُ، وَتَبَرَّأَتْ مِنْهُ، وَخَرَجَ تَوْقِيعُ الْإِمَامِ بِلَعْنِهِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ.
قَالَ هَارُونُ: ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهُ الْقَوْلُ بِالْكُفْرِ وَالْإِلْحَادِ. قَالَ: وَكُلُّ هَؤُلَاءِ المُدَّعِينَ إِنَّمَا يَكُونُ كَذِبُهُمْ أَوَّلاً عَلَى الْإِمَامِ وَأَنَّهُمْ وُكَلَاؤُهُ، فَيَدْعُونَ الضَّعَفَةَ بِهَذَا الْقَوْلِ إِلَى مُوَالَاتِهِمْ، ثُمَّ يَتَرَقَّى الْأَمْرُ بِهِمْ إِلَى قَوْلِ الْحَلَّاجِيَّةِ كَمَا اشْتَهَرَ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ الشَّلْمَغَانِيِّ وَنُظَرَائِهِ عَلَيْهِمْ جَمِيعاً لَعَائِنُ اللهِ تَتْرَى(1904).
ومنهم: محمّد بن نصير النميري:
قَالَ ابْنُ نُوحٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ النُّمَيْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (علیهما السلام)، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو مُحَمَّدٍ ادَّعَى مَقَامَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّهُ صَاحِبُ إِمَامِ الزَّمَانِ، وَادَّعَى(1905) الْبَابِيَّةَ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1904) الغيبة للطوسي (ص 397/ ح 368).
(1905) في المصدر إضافة: (له).

(٥٦٩)

وَفَضَحَهُ اللهُ تَعَالَى بِمَا ظَهَرَ مِنْهُ مِنَ الْإِلْحَادِ وَالْجَهْلِ، وَلَعْنِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ لَهُ، وَتَبَرِّيهِ مِنْهُ، وَاحْتِجَابِهِ عَنْهُ، وَادَّعَى ذَلِكَ الْأَمْرَ بَعْدَ الشَّرِيعِيِّ(1906).
قَالَ أَبُو طَالِبٍ الْأَنْبَارِيُّ: لَـمَّا ظَهَرَ مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ بِمَا ظَهَرَ لَعَنَهُ أَبُو جَعْفَرٍ (رضي الله عنه) وَتَبَرَّأَ مِنْهُ، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ، فَقَصَدَ أَبَا جَعْفَرٍ لِيَعْطِفَ بِقَلْبِهِ عَلَيْهِ أَوْ يَعْتَذِرَ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَحَجَبَهُ وَرَدَّهُ خَائِباً(1907).
وَقَالَ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ النُّمَيْرِيُّ يَدَّعِي أَنَّهُ رَسُولُ نَبِيٍّ، وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ (علیه السلام) أَرْسَلَهُ، وَكَانَ يَقُولُ بِالتَّنَاسُخِ وَيَغْلُو فِي أَبِي اَلْحَسَنِ وَيَقُولُ فِيهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَيَقُولُ بِالْإِجَابَةِ(1908) لِلْمَحَارِمِ، وَتَحْلِيلِ نِكَاحِ الرِّجَالِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً فِي أَدْبَارِهِمْ، وَيَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ التَّوَاضُعِ وَالْإِخْبَاتِ وَاَلتَّذَلُّلِ فِي المَفْعُولِ بِهِ، وَأَنَّهُ مِنَ الْفَاعِلِ إِحْدَى الشَّهَوَاتِ وَالطَّيِّبَاتِ، وَأَنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) لَا يُحَرِّمُ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ(1909).
وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْفُرَاتِ يُقَوِّي أَسْبَابَهُ وَيَعْضُدُهُ، أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَاقَانَ أَنَّهُ رَآهُ عِيَاناً وَغُلَامٌ لَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، قَالَ: فَلَقِيتُهُ فَعَاتَبْتُهُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا مِنَ اللَّذَّاتِ، وَهُوَ مِنَ التَّوَاضُعِ لِلهِ وَتَرْكِ التَّجَبُّرِ(1910).
قَالَ سَعْدٌ: فَلَمَّا اعْتَلَّ مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ الْعِلَّةَ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا قِيلَ لَهُ وَهُوَ مُثْقَلُ اللِّسَانِ: لِمَنْ هَذَا الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِكَ؟ فَقَالَ بِلِسَانٍ ضَعِيفٍ مُلَجْلَجٍ: أَحْمَدَ، فَلَمْ يُدْرَ مَنْ هُوَ، فَافْتَرَقُوا بَعْدَهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ، قَالَتْ فِرْقَةٌ: إِنَّهُ أَحْمَدُ ابْنُهُ، وَفِرْقَةٌ قَالَتْ: هُوَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1906) الغيبة للطوسي (ص 398/ ح 369).
(1907) الغيبة للطوسي (ص 398/ ح 370).
(1908) في المصدر: (بالإباحة).
(1909) الغيبة للطوسي (ص 398/ ح 371).
(1910) الغيبة للطوسي (ص 398/ ح 372).

(٥٧٠)

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الْفُرَاتِ، وَفِرْقَةٌ قَالَتْ: إِنَّهُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي اَلْحُسَيْنِ بْنِ بِشْرِ بْنِ يَزِيدَ، فَتَفَرَّقُوا، فَلَا يَرْجِعُونَ إِلَى شَيْءٍ(1911).
ومنهم: أحمد بن هلال الكرخي:
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بْنُ هَمَّامٍ: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَاجْتَمَعَتِ الشِّيعَةُ عَلَى وَكَالَةِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ (رحمه الله) بِنَصِّ اَلْحَسَنِ (علیه السلام) فِي حَيَاتِهِ، وَلَـمَّا مَضَى اَلْحَسَنُ قَالَتِ الشِّيعَةُ الْجَمَاعَةُ لَهُ: أَلَا تَقْبَلُ أَمْرَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ ابْنِ عُثْمَانَ وَتَرْجِعُ إِلَيْهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ المُفْتَرَضُ الطَّاعَةُ؟ فَقَالَ لَهُمْ: لَمْ أَسْمَعْهُ يَنُصُّ عَلَيْهِ بِالْوَكَالَةِ، وَلَيْسَ أُنْكِرُ أَبَاهُ - يَعْنِي عُثْمَانَ بْنَ سَعِيدٍ -، فَأَمَّا أَنْ أَقْطَعَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ وَكِيلُ صَاحِبِ الزَّمَانِ فَلَا أَجْسُرُ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: قَدْ سَمِعَهُ غَيْرُكَ، فَقَالَ: أَنْتُمْ وَمَا سَمِعْتُمْ، وَوَقَفَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَلَعَنُوهُ وَتَبَرَّءُوا مِنْهُ.
ثُمَّ ظَهَرَ التَّوْقِيعُ عَلَى يَدِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ (رحمه الله) بِلَعْنِهِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ فِي جُمْلَةِ مَنْ لَعَنَ.
ومنهم: أبو طاهر محمّد بن عليِّ بن بلال:
وقصَّته معروفة فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري نضَّر الله وجهه وتمسُّكه بالأموال التي كانت عنده للإمام وامتناعه من تسليمها وادُّعاؤه أنَّه الوكيل حتَّى تبرَّأت الجماعة منه ولعنوه وخرج من صاحب الزمان (علیه السلام) ما هو معروف(1912).
وَحَكَى أَبُو غَالِبٍ الزُّرَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى المُعَاذِيُّ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَدِ انْضَوَى إِلَى أَبِي طَاهِرِ بْنِ بِلَالٍ بَعْدَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1911) الغيبة للطوسي (ص 399/ ح 373).

(1912) الغيبة للطوسي (ص 399/ ح 374).

(٥٧١)

مَا وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ، ثُمَّ إِنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَصَارَ فِي جُمْلَتِنَا، فَسَأَلْنَاهُ عَنِ السَّبَبِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي طَاهِرِ يَوْماً وَعِنْدَهُ أَخُوهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ حِرْزٍ(1913) وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ دَخَلَ الْغُلَامُ فَقَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ الْعَمْرِيُّ عَلَى الْبَابِ، فَفَزِعَتِ الْجَمَاعَةُ لِذَلِكَ وَأَنْكَرْتُهُ لِلْحَالِ الَّتِي كَانَتْ جَرَتْ، وَقَالَ: يَدْخُلُ، فَدَخَلَ أَبُو جَعْفَرٍ (رضي الله عنه)، فَقَامَ لَهُ أَبُو طَاهِرٍ وَالْجَمَاعَةُ وَجَلَسَ فِي صَدْرِ المَجْلِسِ، وَجَلَسَ أَبُو طَاهِرٍ كَالْجَالِسِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَمْهَلَهُمْ إِلَى أَنْ سَكَتُوا.
ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا طَاهِرٍ، نَشَدْتُكَ اللهَ - أَوْ نَشَدْتُكَ بِاللهِ - أَلَمْ يَأْمُرْكَ صَاحِبُ الزَّمَانِ (علیه السلام) بِحَمْلِ مَا عِنْدَكَ مِنَ المَالِ إِلَيَّ؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَنَهَضَ أَبُو جَعْفَرٍ (رضي الله عنه) مُنْصَرِفاً، وَوَقَعَتْ عَلَى الْقَوْمِ سَكْتَةٌ، فَلَمَّا تَجَلَّتْ عَنْهُمْ قَالَ لَهُ أَخُوهُ أَبُو الطَّيِّبِ: مِنْ أَيْنَ رَأَيْتَ صَاحِبَ الزَّمَانِ؟ فَقَالَ أَبُو طَاهِرٍ: أَدْخَلَنِي أَبُو جَعْفَرٍ (رضي الله عنه) إِلَى بَعْضِ دُورِهِ، فَأَشْرَفَ عَلَيَّ مِنْ عُلُوِّ دَارِهِ، فَأَمَرَنِي بِحَمْلِ مَا عِنْدِي مِنَ المَالِ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الطَّيِّبِ: وَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ أَنَّهُ صَاحِبُ الزَّمَانِ (علیه السلام)؟ قَالَ: وَقَعَ عَلَيَّ مِنَ الْهَيْبَةِ لَهُ، وَدَخَلَنِي مِنَ الرُّعْبِ مِنْهُ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ صَاحِبُ الزَّمَانِ (علیه السلام). فَكَانَ هَذَا سَبَبَ انْقِطَاعِي عَنْهُ(1914).
ومنهم: الحسين بن منصور الحلاج:
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ نُوحٍ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ هِبَةِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَاتِبِ ابْنِ بِنْتِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْرِيِّ، قَالَ: لَـمَّا أَرَادَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يَكْشِفَ أَمْرَ الْحَلَّاجِ وَيُظْهِرَ فَضِيحَتَهُ وَيُخْزِيَهُ، وَقَعَ لَهُ أَنَّ أَبَا سَهْلٍ بِنْ(1915) إِسْمَاعِيلَ بْنَ عَلِيٍّ النَّوْبَخْتِيَّ (رضي الله عنه) مِمَّنْ تُجَوَّزُ عَلَيْهِ مَخْرَقَتُهُ، وَتَتِمُّ عَلَيْهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1913) في المصدر: (حرز).
(1914) الغيبة للطوسي (ص 400/ ح 375).
(1915) كلمة: (بن) ليست في المصدر.

(٥٧٢)

حِيلَتُهُ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ يَسْتَدْعِيهِ، وَظَنَّ أَنَّ أَبَا سَهْلٍ كَغَيْرِهِ مِنَ الضُّعَفَاءِ فِي هَذَا الْأَمْرِ بِفَرْطِ جَهْلِهِ، وَقَدَرَ أَنْ يَسْتَجِرَّهُ إِلَيْهِ فَيَتَمَخْرَقَ وَيَتَصَوَّفَ بِانْقِيَادِهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَيَسْتَتِبَّ لَهُ مَا قَصَدَ إِلَيْهِ مِنَ الْحِيلَةِ وَالْبَهْرَجَةِ عَلَى الضَّعَفَةِ، لِقَدْرِ أَبِي سَهْلٍ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ وَمَحَلِّهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْأَدَبِ أَيْضاً عِنْدَهُمْ، وَيَقُولُ لَهُ فِي مُرَاسَلَتِهِ إِيَّاهُ: إِنِّي وَكِيلُ صَاحِبِ الزَّمَانِ (علیه السلام)، وَبِهَذَا أَوَّلًا كَانَ يَسْتَجِرُّ [الْجُهَّالَ](1916) ثُمَّ يَعْلُو مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ أُمِرْتُ بِمُرَاسَلَتِكَ وَإِظْهَارِ مَا تُرِيدُهُ مِنَ النُّصْرَةِ لَكَ، لِتُقَوِّيَ نَفْسَكَ، وَلَا تَرْتَابَ بِهَذَا الْأَمْرِ.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَبُو سَهْلٍ (رضي الله عنه) يَقُولُ لَهُ: إِنِّي أَسْأَلُكَ أَمْراً يَسِيراً يَخِفُ مِثْلُهُ عَلَيْكَ فِي جَنْبِ مَا ظَهَرَ عَلَى يَدَيْكَ مِنَ الدَّلَائِلِ وَالْبَرَاهِينِ، وَهُوَ أَنِّي رَجُلٌ أُحِبُّ الْجَوَارِيَ وَأَصْبُو إِلَيْهِنَّ، وَلِي مِنْهُنَّ عِدَّةٌ أَتَخَطَّاهُنَّ، وَالشَّيْبُ يُبْعِدُنِي عَنْهُنَّ(1917)، وَأَحْتَاجُ أَنْ أَخْضِبَهُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، وَأَتَحَمَّلُ مِنْهُ مَشَقَّةً شَدِيدَةً لِأَسْتُرَ عَنْهُنَّ ذَلِكَ وَإِلَّا انْكَشَفَ أَمْرِي عِنْدَهُنَّ، فَصَارَ الْقُرْبُ بُعْداً وَالْوِصَالُ هَجْراً، وَأُرِيدُ أَنْ تُغْنِيَنِي عَنِ الْخِضَابِ وَتَكْفِيَنِي مَؤُنَتَهُ، وَتَجْعَلَ لِحْيَتِي سَوْدَاءَ، فَإِنَّنِي طَوْعُ يَدَيْكَ وَصَائِرٌ إِلَيْكَ وَقَائِلٌ بِقَوْلِكَ وَدَاعٍ إِلَى مَذْهَبِكَ، مَعَ مَا لِي فِي ذَلِكَ مِنَ الْبَصِيرَةِ وَلَكَ مِنَ المَعُونَةِ.
فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْحَلَّاجُ مِنْ قَوْلِهِ وَجَوَابِهِ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ فِي مُرَاسَلَتِهِ وَجَهِلَ فِي الْخُرُوجِ إِلَيْهِ بِمَذْهَبِهِ، وَأَمْسَكَ عَنْهُ وَلَمْ يَرُدَّ إِلَيْهِ جَوَاباً وَلَمْ يُرْسِلْ إِلَيْهِ رَسُولاً، وَصَيَّرَهُ أَبُو سَهْلٍ (رضي الله عنه) أُحْدُوثَةً وَضُحْكَةً وَيَطْنِزُ بِهِ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ، وَشَهَّرَ أَمْرَهُ عِنْدَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَكَانَ هَذَا الْفِعْلُ سَبَباً لِكَشْفِ أَمْرِهِ وَتَنْفِيرِ الْجَمَاعَةِ عَنْهُ(1918).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1916) من المصدر.
(1917) في المصدر إضافة: (ويبغضني إليهنَّ).
(1918) الغيبة للطوسي (ص 401/ ح 376).

(٥٧٣)

وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ، أَنَّ ابْنَ الْحَلَّاجِ صَارَ إِلَى قُمَّ وَكَاتَبَ قَرَابَةَ أَبِي الْحَسَنِ [وَالِدِ الصَّدُوقِ](1919) يَسْتَدْعِيهِ وَيَسْتَدْعِي أَبَا الْحَسَنِ أَيْضاً، وَيَقُولُ: أَنَا رَسُولُ الْإِمَامِ وَوَكِيلُهُ، قَالَ: فَلَمَّا وَقَعَتِ المُكَاتَبَةُ فِي يَدِ أَبِي (رضي الله عنه) خَرَقَهَا وَقَالَ لِمُوصِلِهَا إِلَيْهِ: مَا أَفْرَغَكَ لِلْجَهَالَاتِ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ - وَأَظُنُّ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّهُ ابْنُ عَمَّتِهِ أَوِ ابْنُ عَمِّهِ -: فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدِ اسْتَدْعَانَا، فَلِمَ خَرَقْتَ مُكَاتَبَتَهُ؟ وَضَحِكُوا مِنْهُ وَهَزَءُوا بِهِ، ثُمَّ نَهَضَ إِلَى دُكَّانِهِ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَغِلْمَانِهِ.
قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَ إِلَى الدَّارِ الَّتِي كَانَ فِيهَا دُكَّانُهُ نَهَضَ لَهُ مَنْ كَانَ هُنَاكَ جَالِساً غَيْرَ رَجُلٍ رَآهُ جَالِساً فِي المَوْضِعِ فَلَمْ يَنْهَضْ لَهُ وَلَمْ يَعْرِفْهُ أَبِي، فَلَمَّا جَلَسَ وَأَخْرَجَ حِسَابَهُ وَدَوَاتَهُ كَمَا تَكُونُ التُّجَّارُ أَقْبَلَ عَلَى بَعْضِ مَنْ كَانَ حَاضِراً، فَسَأَلَهُ عَنْهُ، فَأَخْبَرَهُ، فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ عَنْهُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: تَسْأَلُ عَنِّي وَأَنَا حَاضِرٌ؟ فَقَالَ لَهُ أَبِي: أَكْبَرْتُكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ وَأَعْظَمْتُ قَدْرَكَ أَنْ أَسْأَلَكَ، فَقَالَ لَهُ: تَخْرِقُ رُقْعَتِي وَأَنَا أُشَاهِدُكَ تَخْرِقُهَا، فَقَالَ لَهُ أَبِي: فَأَنْتَ الرَّجُلُ إِذاً.
ثُمَّ قَالَ: يَا غُلَامُ، بِرِجْلِهِ وَبِقَفَاهُ، فَخَرَجَ مِنَ الدَّارِ الْعَدُوُّ لِلهِ وَلِرَسُولِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَتَدَّعِي المُعْجِزَاتِ؟ عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللهِ - أَوْ كَمَا قَالَ -، فَأُخْرِجَ بِقَفَاهُ، فَمَا رَأَيْنَاهُ بَعْدَهَا بِقُمَّ(1920).
ومنهم: ابن أبي العزاقر:
أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ نُوحٍ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ هِبَةِ اللهِ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْكَاتِبِ ابْنِ بِنْتِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْرِيِّ (رضي الله عنه)، قَالَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1919) عبارة: (والد الصدوق) ليست في المصدر.
(1920) الغيبة للطوسي (ص 402/ ح 377).

(٥٧٤)

حَدَّثَتْنِي الْكَبِيرَةُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْرِيِّ (رضي الله عنها)، قَالَتْ: كَانَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ أَبِي الْعَزَاقِرِ وَجِيهاً عِنْدَ بَنِي بِسْطَامَ، وَذَاكَ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْقَاسِمِ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ) كَانَ قَدْ جَعَلَ لَهُ عِنْدَ النَّاسِ مَنْزِلَةً وَجَاهاً، فَكَانَ عِنْدَ ارْتِدَادِهِ يَحْكِي كُلَّ كَذِبٍ وَبَلَاءٍ وَكُفْرٍ لِبَنِي بِسْطَامَ وَيُسْنِدُهُ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ، فَيَقْبَلُونَهُ مِنْهُ وَيَأْخُذُونَهُ عَنْهُ، حَتَّى انْكَشَفَ ذَلِكَ لِأَبِي الْقَاسِمِ، فَأَنْكَرَهُ وَأَعْظَمَهُ وَنَهَى بَنِي بِسْطَامَ عَنْ كَلَامِهِ وَأَمَرَهُمْ بِلَعْنِهِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ، فَلَمْ يَنْتَهُوا وَأَقَامُوا عَلَى تَوَلِّيهِ.
وَذَاكَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَهُمْ: إِنَّنِي أَذَعْتُ السِّرَّ وَقَدْ أُخِذَ عَلَيَّ الْكِتْمَانُ فَعُوقِبْتُ بِالْإِبْعَادِ بَعْدَ الْاِخْتِصَاصِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ عَظِيمٌ لَا يَحْتَمِلُهُ إِلَّا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ أَوْ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ أَوْ مُؤْمِنٌ مُمْتَحَنٌ، فَيُؤَكَّدُ فِي نُفُوسِهِمْ عِظَمُ الْأَمْرِ وَجَلَالَتُهُ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا الْقَاسِمِ (رضي الله عنه)، فَكَتَبَ إِلَى بَنِي بِسْطَامَ بِلَعْنِهِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ وَمِمَّنْ تَابَعَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَأَقَامَ عَلَى تَوَلِّيهِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِمْ أَظْهَرُوهُ عَلَيْهِ، فَبَكَى بُكَاءً عَظِيماً، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بَاطِناً عَظِيماً، وَهُوَ أَنَّ اللَّعْنَةَ الْإِبْعَادُ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: (لَعَنَهُ اللهُ)، أَيْ بَاعَدَهُ اللهُ عَنِ الْعَذَابِ وَالنَّارِ، وَالْآنَ قَدْ عَرَفْتُ مَنْزِلَتِي، وَمَرَّغَ خَدَّيْهِ عَلَى التُّرَابِ، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْكِتْمَانِ لِهَذَا الْأَمْرِ.
قَالَتِ الْكَبِيرَةُ (رضي الله عنها): وَقَدْ كُنْتُ أَخْبَرْتُ الشَّيْخَ أَبَا الْقَاسِمِ أَنَّ أُمَّ أَبِي جَعْفَرِ ابْنِ بِسْطَامَ قَالَتْ لِي يَوْماً وَقَدْ دَخَلْنَا إِلَيْهَا فَاسْتَقْبَلَتْنِي وَأَعْظَمَتْنِي وَزَادَتْ فِي إِعْظَامِي حَتَّى انْكَبَّتْ عَلَى رِجْلِي تُقَبِّلُهَا، فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ وَقُلْتُ لَهَا: مَهْلاً يَا سِتِّي(1921)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1921) قال الفيروزآبادي: (وستِّي) للمرأة، أي يا ستّ جهاتي، أو لحن والصواب: سيِّدتي. وقال الشارح: ويحتمل أنَّ الأصل سيِّدتي فحذف بعض حروف الكلمة، وله نظائر قاله الشهاب القاسمي، وأنشدنا غير واحد من مشايخنا للبهاء زهير:

بروحي من اسميها بستّي * * * فينظر لي النحاة بعين مقت
يرون بأنَّني قد قلت لحناً * * * وكيف وإنَّني لزهير وقتي
ولكن غادة ملكت جهاتي * * * فلا لحن إذا ما قلت ستّي

(٥٧٥)

فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَانْكَبَبْتُ عَلَى يَدِهَا، فَبَكَتْ، ثُمَّ قَالَتْ: كَيْفَ لَا أَفْعَلُ بِكِ هَذَا وَأَنْتِ مَوْلَاتِي فَاطِمَةُ؟ فَقُلْتُ لَهَا: وَكَيْفَ ذَاكِ يَا سِتِّي؟ فَقَالَتْ لِي: إِنَّ الشَّيْخَ - يَعْنِي أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ - خَرَجَ إِلَيْنَا بِالسِّتْرِ(1922)، قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهَا: وَمَا السِّتْرُ؟ قَالَتْ: قَدْ أَخَذَ عَلَيْنَا كِتْمَانَهُ، وَأَفْزَعُ إِنْ أَنَا أَذَعْتُهُ عُوقِبْتُ، قَالَتْ: وَأَعْطَيْتُهَا مَوْثِقاً أَنِّي لَا أَكْشِفُهُ لِأَحَدٍ، وَاعْتَقَدْتُ فِي نَفْسِي الْاِسْتِثْنَاءَ بِالشَّيْخِ (رضي الله عنه) - يَعْنِي أَبَا الْقَاسِمِ الْحُسَيْنَ بْنَ رَوْحٍ -.
قَالَتْ: إِنَّ الشَّيْخَ أَبَا جَعْفَرٍ قَالَ لَنَا: إِنَّ رُوحَ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) انْتَقَلَتْ إِلَى أَبِيكِ - يَعْنِي أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ (رضي الله عنه) -، وَرُوحَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيِّ (علیه السلام) انْتَقَلَتْ إِلَى بَدَنِ الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ، وَرُوحَ مَوْلَاتِنَا فَاطِمَةَ (عليها السلام) انْتَقَلَتْ إِلَيْكِ، فَكَيْفَ لَا أُعَظِّمُكِ يَا سِتَّنَا؟
فَقُلْتُ لَهَا: مَهْلاً لَا تَفْعَلِي، فَإِنَّ هَذَا كَذِبٌ يَا سِتَّنَا، فَقَالَتْ لِي: سِرٌّ عَظِيمٌ، وَقَدْ أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ لَا نَكْشِفُ هَذَا لِأَحَدٍ، فَاللهَ اللهَ فِيَّ لَا يَحِلُّ بِي الْعَذَابُ، وَيَا سِتِّي لَوْ[لَا] حَمَلْتِينِي عَلَى كَشْفِهِ مَا كَشَفْتُهُ لَكِ، وَلَا لِأَحَدٍ غَيْرِكِ.
قَالَتِ الْكَبِيرَةُ أُمُّ كُلْثُومٍ (رضي الله عنها): فَلَمَّا انْصَرَفْتُ مِنْ عِنْدِهَا دَخَلْتُ إِلَى الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه)، فَأَخْبَرْتُهُ بِالْقِصَّةِ - وَكَانَ يَثِقُ بِي وَيَرْكَنُ إِلَى قَوْلِي -، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّةُ، إِيَّاكِ أَنْ تَمْضِيَ إِلَى هَذِهِ المَرْأَةِ بَعْدَ مَا جَرَى مِنْهَا، وَلَا تَقْبَلِي لَهَا رُقْعَةً إِنْ كَاتَبَتْكِ، وَلَا رَسُولاً إِنْ أَنْفَذَتْهُ إِلَيْكِ، وَلَا تَلْقَيْهَا بَعْدَ قَوْلِهَا، فَهَذَا كُفْرٌ بِاللهِ تَعَالَى وَإِلْحَادٌ قَدْ أَحْكَمَهُ هَذَا الرَّجُلُ المَلْعُونُ فِي قُلُوبِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لِيَجْعَلَهُ طَرِيقاً إِلَى أَنْ يَقُولَ لَهُمْ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى اتَّحَدَ بِهِ وَحَلَّ فِيهِ، كَمَا تَقُولُ النَّصَارَى فِي المَسِيحِ (علیه السلام)، وَيَعْدُو إِلَى قَوْلِ الْحَلَّاجِ (لَعَنَهُ اللهُ).
قَالَتْ: فَهَجَرْتُ بَنِي بِسْطَامَ، وَتَرَكْتُ المُضِيَّ إِلَيْهِمْ، وَلَمْ أَقْبَلْ لَهُمْ عُذْراً، وَلَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1922) في المصدر: (السرّ)، وكذا في ما بعد.

(٥٧٦)

لَقِيتُ أُمَّهُمْ بَعْدَهَا، وَشَاعَ فِي بَنِي نَوْبَخْتَ الْحَدِيثُ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَكَاتَبَهُ بِلَعْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الشَّلْمَغَانِيِّ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ وَمَنْ يَتَوَلَّاهُ وَرَضِيَ بِقَوْلِهِ أَوْ كَلَّمَهُ فَضْلاً عَنْ مُوَالَاتِهِ.
ثُمَّ ظَهَرَ التَّوْقِيعُ مِنْ صَاحِبِ الزَّمَانِ (علیه السلام) بِلَعْنِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ وَمِمَّنْ تَابَعَهُ وَشَايَعَهُ وَرَضِيَ بِقَوْلِهِ وَأَقَامَ عَلَى تَوَلِّيهِ بَعْدَ المَعْرِفَةِ بِهَذَا التَّوْقِيعِ.
وله حكايات قبيحة وأُمور فظيعة نُنزِّه كتابنا عن ذكرها، ذكرها ابن نوح وغيره، وكان سبب قتله أنَّه لـمَّا أظهر لعنه أبو القاسم بن روح واشتهر أمره وتبرَّأ منه وأمر جميع الشيعة بذلك، لم يمكنه التلبيس، فقال في مجلس حافل فيه رؤساء الشيعة وكلٌّ يحكي عن الشيخ أبي القاسم لعنه والبراءة منه: أجمعوا بيني وبينه حتَّى آخذ يده ويأخذ بيدي فإنْ لم تنزل عليه نار من السماء تحرقه وإلَّا فجميع ما قاله فيَّ حقٌّ، ورقي ذلك إلى الراضي لأنَّه كان ذلك في دار ابن مقلة فأمر بالقبض عليه وقتله، فقُتِلَ واستراحت الشيعة منه(1923).
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَاوُدَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الشَّلْمَغَانِيُّ المَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي الْعَزَاقِرِ (لَعَنَهُ اللهُ) يَعْتَقِدُ الْقَوْلَ بِحَمْلِ الضِّدِّ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ إِظْهَارُ فَضِيلَةٍ لِلْوَلِيِّ إِلَّا بِطَعْنِ الضِّدِّ فِيهِ، لِأَنَّهُ يَحْمِلُ السَّامِعُ طَعْنَهِ عَلَى طَلَبِ فَضِيلَتِهِ، فَإِذَن هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْوَلِيِّ، إِذْ لَا يَتَهَيَّأُ إِظْهَارُ الْفَضْلِ إِلَّا بِهِ، وَسَاقُوا المَذْهَبَ مِنْ وَقْتِ آدَمَ الْأَوَّلِ إِلَى آدَمَ السَّابِعِ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا: سَبْعُ عَوَالِمَ وَسَبْعُ أَوَادِمَ، وَنَزَلُوا إِلَى مُوسَى وَفِرْعَوْنَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَمُعَاوِيَةَ.
وَأَمَّا فِي الضِّدِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْوَلِيُّ يَنْصِبُ الضِّدَّ وَيَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الظَّاهِرِ: إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ نَصَبَ أَبَا بَكْرٍ فِي ذَلِكَ المَقَامِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1923) الغيبة للطوسي (ص 403/ ح 378).

(٥٧٧)

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا، وَلَكِنْ هُوَ قَدِيمٌ مَعَهُ لَمْ يَزَلْ.
قَالُوا: وَالْقَائِمُ الَّذِي ذَكَرُوا أَصْحَابُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ مِنْ وُلْدِ الْحَادِي عَشَرَ فَإِنَّهُ يَقُومُ، مَعْنَاهُ إِبْلِيسُ، لِأَنَّهُ قَالَ: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ [الحجر: 30 و31]، وَلَمْ يَسْجُدْ، ثُمَّ قَالَ: ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الأعراف: 16]، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَائِماً فِي وَقْتِ مَا أُمِرَ بِالسُّجُودِ ثُمَّ قَعَدَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: يَقُومُ الْقَائِمُ، إِنَّمَا هُوَ ذَلِكَ الْقَائِمُ الَّذِي أُمِرَ بِالسُّجُودِ فَأَبَى، وَهُوَ إِبْلِيسُ (لَعَنَهُ اللهُ).
وَقَالَ شَاعِرُهُمْ (لَعَنَهُمُ اللهُ):

يَا لَاعِناً بِالضِّدِّ(1924) مِنْ عَدِيٍ * * * مَا الضِّدُّ إِلَّا ظَاهِرُ الْوَلِيِ
وَالْحَمْدُ لِلْمُهَيْمِنِ الْوَفِيِ * * * لَسْتَ عَلَى حَالٍ كَهَمَّامِيٍ(1925)
وَلَا حِجَامِيٍّ وَلَا جُغْدِيٍ * * * قَدْ فُقْتَ مِنْ قَوْلٍ عَلَى الْفَهْدِي
نَعَمْ وَجَاوَزْتَ مَدَى الْعَبْدِ(1926) * * * فَوْقَ عَظِيمٍ لَيْسَ بِالمَجُوسِي
لِأَنَّهُ الْفَرْدُ بِلَا كَيْفِ(1927) * * * مُتَّحِدٌ بِكُلِّ أَوْحَدِيٍ
مُخَالِطُ لِلنُّورِيِ وَالظُّلْمِيِ * * * يَا طَالِباً مِنْ بَيْتِ هَاشِمِيٍ
وَجَاحِداً مِنْ بَيْتِ كَسْرَوِيٍ * * * قَدْ غَابَ فِي نِسْبَةِ أَعْجَمِيٍ
فِي الْفَارِسِيِّ الْحَسَبِ الرِّضِيِ * * * كَمَا الْتَوَى فِي الْعُرْبِ مِنْ لَوِيٍ(1928)

وَقَالَ الصَّفْوَانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ بْنَ هَمَّامٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1924) في المصدر: (للضدِّ).
(1925) في المصدر: (كحمامي).
(1926) في المصدر: (العبدي).
(1927) في المصدر: (كيفي).
(1928) الغيبة للطوسي (ص 406/ ح 379).

(٥٧٨)

الْعَزَاقِرِيَّ الشَّلْمَغَانِيَّ يَقُولُ: الْحَقُّ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ قُمُصُهُ، فَيَوْمٌ يَكُونُ فِي أَبْيَضَ وَيَوْمٌ يَكُونُ فِي أَحْمَرَ وَيَوْمٌ يَكُونُ فِي أَزْرَقَ.
قَالَ ابْنُ هَمَّامٍ: فَهَذَا أَوَّلُ مَا أَنْكَرْتُهُ مِنْ قَوْلِهِ، لِأَنَّهُ قَوْلُ أَصْحَابِ الْحُلُولِ(1929).
وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بْنِ هَمَّامٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الشَّلْمَغَانِيَّ لَمْ يَكُنْ قَطُّ بَاباً إِلَى أَبِي الْقَاسِمِ، وَلَا طَرِيقاً لَهُ، وَلَا نَصَبَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ وَلَا سَبَبٍ، وَمَنْ قَالَ بِذَلِكَ فَقَدْ أَبْطَلَ، وَإِنَّمَا كَانَ فَقِيهاً مِنْ فُقَهَائِنَا فَخَلَّطَ وَظَهَرَ عَنْهُ مَا ظَهَرَ، وَانْتَشَرَ الْكُفْرُ وَالْإِلْحَادُ عَنْهُ، فَخَرَجَ فِيهِ التَّوْقِيعُ عَلَى يَدِ أَبِي الْقَاسِمِ بِلَعْنِهِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ وَمِمَّنْ تَابَعَهُ وَشَايَعَهُ وَقَالَ بِقَوْلِهِ(1930).
وَأَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ نُوحٍ، عَنْ أَبِي نصْرٍ هِبَةِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَامِدِيُّ الْبَزَّازُ المَعْرُوفُ بِغُلَامِ أَبِي عَلِيٍّ بْنِ جَعْفَرٍ المَعْرُوفُ بِابْنِ زُهُومَةَ(1931) النَّوْبَخْتِيِّ - وَكَانَ شَيْخاً مَسْتُوراً -، قَالَ: سَمِعْتُ رَوْحَ بْنَ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ يَقُولُ: لَـمَّا عَمِلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّلْمَغَانِيُّ كِتَابَ التَّكْلِيفِ قَالَ الشَّيْخُ - يَعْنِي أَبَا الْقَاسِمِ (رضي الله عنه) -: اطْلُبُوهُ إِلَيَّ لِأَنْظُرَهُ، فَجَاءُوا بِهِ، فَقَرَأَهُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، فَقَالَ: مَا فِيهِ شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ رَوَى عَنِ الْأَئِمَّةِ [فِي](1932) مَوْضِعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَإِنَّهُ كَذَبَ عَلَيْهِمْ فِي رِوَايَتِهَا (لَعَنَهُ اللهُ)(1933).
وَأَخْبَرَني جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي الْحَسَن مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ بْن دَاوُدَ وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْن بْن عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن بْن مُوسَى بْن بَابَوَيْهِ، أَنَّهُمَا قَالَا: مِمَّا أَخْطَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1929) الغيبة للطوسي (ص 408/ ح 380).
(1930) الغيبة للطوسي (ص 408/ ح 381).
(1931) في المصدر: (زهومة).
(1932) في المصدر: (إلَّا) بدل (في).
(1933) الغيبة للطوسي (ص 408/ ح 382).

(٥٧٩)

فِي المَذْهَبِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ أَنَّهُ رَوَى عَن الْعَالِم أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا كَانَ لِأَخِيكَ المُؤْمِن عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَدَفَعَهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ إِلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ، وَكَانَ الشَّاهِدُ ثِقَةً رَجَعْتَ إِلَى الشَّاهِدِ فَسَأَلْتَهُ عَنْ شَهَادَتِهِ، فَإذَا أَقَامَهَا عِنْدَكَ شَهِدْتَ مَعَهُ عِنْدَ الْحَاكِم عَلَى مِثْل مَا يَشْهَدُ(1934) عِنْدَهُ، لِئَلَّا يَتْوَى حَقُّ امْرئٍ مُسْلِم»(1935).
واللفظ لابن بابويه، وقال: هذا كذب منه، ولسنا نعرف ذلك، وقال في موضع آخر: كذب فيه(1936).
نسخة التوقيع الخارج في لعنه:
أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ بْن مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّام، قَالَ: خَرَجَ عَلَى يَدِ الشَّيْخ أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رَوْح فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ فِي ابْن أَبِي الْعَزَاقِر وَالْمِدَادُ رَطْبٌ لَمْ يَجُفَّ.
وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَن ابْن دَاوُدَ، قَالَ: خَرَجَ التَّوْقِيعُ مِنَ الْحُسَيْن بْن رَوْح فِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1934) في المصدر: (ما يشهده).
(1935) هذا الخبر بعينه يوجد في الكتاب المعروف بـ (فقه الرضا (علیه السلام)) في باب الشهادات، وهذا ممَّا يشهد على أنَّ الكتاب كتاب التكليف لابن أبي العزاقر الشلمغاني. ومن ذلك أنَّه يوجد في هذا الكتاب عند تحديد الكرِّ أنَّ العلامة في ذلك أنْ تأخذ الحجر فترمي به في وسطه فإنْ بلغت أمواجه من الحجر جنبي الغدير فهو دون الكرِّ وإنْ لم يبلغ فهو كرٌّ لا ينجسه شيء. وهذا التحديد لم يُنقَل إلَّا من الشلمغاني، وإنْ أخذه من قول أصحاب اللغة كما في فقه اللغة للثعالبي.
ومن ذلك ما نقله النوري في المستدرك (ج 3/ ص 210) عن غوالي اللئالي نقلاً عن كتاب التكليف لابن أبي العزاقر، عن العالم (علیه السلام) رواية، ثُمَّ ينقل عينها عن كتاب فقه الرضا. مذيَّلاً بكلام في معناه.
فترى أنَّ ابن أبي جمهور الأحسائي كان يعرف الكتاب أنَّه كتاب التكليف وينقل عنه ما يرويه ويترك فيه ما يراه في معنى الحديث، لأنَّه ليس من الحديث بشيء.
(1936) الغيبة للطوسي (ص 409/ ح 383).

(٥٨٠)

الشَّلْمَغَانِيِّ وَأَنْفَذَ نُسْخَتَهُ إِلَى أبِي عَلِيٍّ بْن هَمَّام فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ.
قَالَ ابْنُ نُوح: وَحَدَّثَنَا أَبُو الْفَتْح أَحْمَدُ بْنُ ذَكَا مَوْلَى عَلِيِّ بْن مُحَمَّدِ بْن الْفُرَاتِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بْن هَمَّام بْن سُهَيْلٍ بِتَوْقِيع خَرَجَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَن بْن جَعْفَر بْن إِسْمَاعِيلَ بْن صَالِح الصَّيْمَريُّ: أَنْفَذَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ رَوْح (رضي الله عنه) مِنْ مَجْلِسِهِ(1937) فِي دَار المُقْتَدِر إِلَى شَيْخِنَا أَبِي عَلِيٍّ بْن هَمَّام فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَأَمْلَاهُ أَبُو عَلِيٍّ عَلَيَّ وَعَرَّفَنِي أَنَّ أَبَا الْقَاسِم (رضي الله عنه) رَاجَعَ فِي تَرْكِ إِظْهَارهِ فَإنَّهُ فِي يَدِ الْقَوْم وَحَبْسِهِمْ فَأَمَرَ بِإظْهَارهِ وَأَنْ لَا يَخْشَى وَيَأمَنَ، فَتَخَلَّصَ وَخَرَجَ مِنَ الْحَبْس بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ، وَالْحَمْدُ للهِ.
التَّوْقِيعُ:
«عَرِّفْ»، قَالَ الصَّيْمَريُّ: «عَرَّفَكَ اللهُ الْخَيْرَ، أَطَالَ اللهُ بَقَاءَكَ وَعَرَّفَكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ وَخَتَمَ بِهِ عَمَلَكَ، مَنْ تَثِقُ بِدِينهِ وَتَسْكُنُ إِلَى نِيَّتِهِ مِنْ إِخْوَانِنَا أَسْعَدَكُمُ اللهُ»، وَقَالَ ابْنُ دَاوُدَ: «أَدَامَ اللهُ سَعَادَتَكُمْ مَنْ تَسْكُنُ إِلَى دِينهِ وَتَثِقُ بِنِيَّتهِ جَمِيعاً بِأَنَّ مُحَمَّدَ ابْنَ عَلِيٍّ المَعْرُوفَ الشَّلْمَغَانِيَّ»، زَادَ ابْنُ دَاوُدَ: «وَهُوَ مِمَّنْ عَجَّلَ اللهُ لَهُ النَّقِمَةَ وَلَا أَمْهَلَهُ قَدِ ارْتَدَّ عَن الْإسْلَام وَفَارَقَهُ»، اتَّفَقُوا(1938) «وَأَلْحَدَ فِي دِين اللهِ، وَادَّعَى مَا كَفَرَ مَعَهُ بِالْخَالِقِ»، قَالَ هَارُونُ: «فِيهِ بِالْخَالِقِ جَلَّ وَتَعَالَى، وَافْتَرَى كَذِباً وَزُوراً، وَقَالَ بُهْتَاناً وَإِثْماً عَظِيماً»، قَالَ هَارُونُ: «وَأَمْراً عَظِيماً، كَذَبَ الْعَادِلُونَ بِاللهِ وَضَلُّوا ضَلَالاً بَعِيداً وَخَسِرُوا خُسْراناً مُبِيناً، وَإِنَّنَا قَدْ بَرئْنَا إِلَى اللهِ تَعَالَى وَإِلَى رَسُولِهِ وَآلِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1937) في المصدر: (محبسه) بدل (مجلسه).
(1938) يعني الرواة.

(٥٨١)

صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْهِمْ مِنْهُ(1939) وَلَعَنَّاهُ عَلَيْهِ لَعَائِنُ اللهِ»، اتَّفَقُوا، زَادَ ابْنُ دَاوُدَ: «تَتْرَى، فِي الظَّاهِر مِنَّا وَالْبَاطِن فِي السِّرِّ وَالْجَهْر وَفِي كُلِّ وَقْتٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، وَعَلَى مَنْ شَايَعَهُ وَبَايَعَهُ(1940) أَوْ بَلَغَهُ هَذَا الْقَوْلُ مِنَّا وَأَقَامَ عَلَى تَوَلِّيهِ بَعْدَهُ، وَأَعْلِمْهُمْ»، قَالَ الصَّيْمَريُّ: «تَوَلَّاكُمُ اللهُ»، قَالَ ابْنُ ذَكَا: «أَعَزَّكُمُ اللهُ، أَنَّا مِنَ التَّوَقِّي»، وَقَالَ ابْنُ دَاوُدَ: «اعْلَمْ أَنَّنَا مِنَ التَّوَقِّي لَهُ»، قَالَ هَارُونُ: «وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّنَا فِي التَّوَقِّي وَالمُحَاذَرَةِ مِنْهُ»، قَالَ ابْنُ دَاوُدَ وَهَارُونُ: «عَلَى مِثْل مَا كَانَ مِمَّنْ تَقَدَّمَنَا لِنُظَرَائِهِ»، قَالَ الصَّيْمَريُّ: «عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ نُظَرَائِهِ»، وَقَالَ ابْنُ ذَكَا: «عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَنَا لِنُظَرَائِهِ»، اتَّفَقُوا «مِنَ الشَّريعِيِّ وَالنُّمَيْريِّ وَالْهِلَالِيِّ وَالْبِلَالِيِّ وَغَيْرهِمْ، وَعَادَةُ اللهِ»، قَالَ ابْنُ دَاوُدَ وَهَارُونُ: «جَلَّ ثَنَاؤُهُ» وَاتَّفَقُوا «مَعَ ذَلِكَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ عِنْدَنَا جَمِيلَةٌ، وَبهِ نَثِقُ وَإِيَّاهُ نَسْتَعِينُ، وَهُوَ حَسْبُنَا فِي كُلِّ أُمُورنَا وَنعْمَ الْوَكِيلُ».
قَالَ هَارُونُ: وَأَخَذَ أَبُو عَلِيٍّ هَذَا التَّوْقِيعَ، وَلَمْ يَدَعْ أَحَداً مِنَ الشُّيُوخ إِلَّا وَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ، وَكُوتِبَ مَنْ بَعُدَ مِنْهُمْ بِنُسْخَتِهِ فِي سَائِر الْأَمْصَار، فَاشْتَهَرَ ذَلِكَ فِي الطَّائِفَةِ، فَاجْتَمَعَتْ عَلَى لَعْنِهِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ.
وَقُتِلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّلْمَغَانِيُّ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ(1941).
ذكر أمر أبي بكر البغدادي ابن أخي الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) وأبي دلف المجنون:
أَخْبَرَنِي الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ ابْنِ بِلَالٍ المُهَلَّبِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ يَقُولُ: أَمَّا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1939) في المصدر: (بمنِّه).
(1940) في المصدر: (تابعه).
(1941) الغيبة للطوسي (ص 409/ ح 384).

(٥٨٢)

أَبُو دُلَفَ الْكَاتِبُ لَا حَاطَهُ اللهُ فَكُنَّا نَعْرِفُهُ مُلْحِداً، ثُمَّ أَظْهَرَ الْغُلُوَّ، ثُمَّ جُنَّ وَسُلْسِلَ، ثُمَّ صَارَ مُفَوِّضاً، وَمَا عَرَفْنَاهُ قَطُّ إِذَا حَضَرَ فِي مَشْهَدٍ إِلَّا اسْتُخِفَّ بِهِ، وَلَا عَرَفَتْهُ الشِّيعَةُ إِلَّا مُدَّةً يَسِيرَةً وَالْجَمَاعَةُ تَتَبَرَّأُ عَنْهُ(1942) وَمِمَّنْ يُومِئُ إِلَيْهِ وَيُنَمِّسُ بِهِ.
وَقَدْ كُنَّا وَجَّهْنَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ الْبَغْدَادِيِّ لَـمَّا ادَّعَى لَهُ هَذَا مَا ادَّعَاهُ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَحَلَفَ عَلَيْهِ، فَقَبِلْنَا ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا دَخَلَ بَغْدَادَ مَالَ إِلَيْهِ وَعَدَلَ مَنِ الطَّائِفَةِ وَأَوْصَى إِلَيْهِ لَمْ نَشُكَّ أَنَّهُ عَلَى مَذْهَبِهِ، فَلَعَنَّاهُ وَبَرِئْنَا مِنْهُ، لِأَنَّ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَنِ ادَّعَى الْأَمْرَ بَعْدَ السَّمُرِيِّ فَهُوَ كَافِرٌ مُنَمِّسٌ ضَالٌّ مُضِلٌّ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ(1943).
وَذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ السُّكَّرِيُّ، قَالَ: لَـمَّا قَدِمَ ابْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ الْقُمِّيُّ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَالْجَمَاعَةُ(1944) وَسَأَلُوهُ عَنِ الْأَمْرِ الَّذِي حُكِيَ فِيهِ مِنَ النِّيَابَةِ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَقَالَ: لَيْسَ إِلَيَّ مِنْ هَذَا شَيْءٌ [وَعُرِضَ عَلَيْهِ مَالٌ فَأَبَى، وَقَالَ: مُحَرَّمٌ عَلَيَّ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ إِلَيَّ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ شَيْءٌ](1945)، وَلَا ادَّعَيْتُ شَيْئاً مِنْ هَذَا، وَكُنْتُ حَاضِراً لِمُخَاطَبَتِهِ إِيَّاهُ بِالْبَصْرَةِ(1946).
وَذَكَرَ ابْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: اجْتَمَعْتُ يَوْماً مَعَ أَبِي دُلَفَ، فَأَخَذْنَا فِي ذِكْرِ أَبِي بَكْرٍ الْبَغْدَادِيِّ، فَقَالَ لِي: تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ كَانَ فَضْلُ سَيِّدِنَا الشَّيْخِ (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ وَقُدِّسَ بِهِ) عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ وَعَلَى غَيْرِهِ؟ فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَعْرِفُ، قَالَ: لِأَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ قَدَّمَ اسْمَهُ عَلَى اسْمِهِ فِي وَصِيَّتِهِ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَالمَنْصُورُ إِذًا أَفْضَلُ مِنْ مَوْلَانَا أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى (علیه السلام)، قَالَ: وَكَيْفَ؟ قُلْتُ: لِأَنَّ الصَّادِقَ قَدَّمَ اسْمَهُ عَلَى اسْمِهِ فِي الْوَصِيَّةِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1942) في المصدر: (منه) بدل (عنه).
(1943) الغيبة للطوسي (ص 412/ ح 385).
(1944) في المصدر إضافة: (على أبي بكر البغدادي).
(1945) من المصدر.
(1946) الغيبة للطوسي (ص 412/ ح 386).

(٥٨٣)

فَقَالَ لِي: أَنْتَ تَتَعَصَّبُ عَلَى سَيِّدِنَا وَتُعَادِيهِ، فَقُلْتُ: وَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ تعَادِي أَبَا بَكْرٍ الْبَغْدَادِيَّ وَتَتَعَصَّبُ عَلَيْهِ غَيْرُكَ وَحْدَكَ، وَكِدْنَا نَتَقَاتَلُ وَنَأْخُذُ بِالْأَزْيَاقِ(1947).
وأمر أبي بكر البغدادي في قلَّة العلم والمروءة أشهر، وجنون أبي دلف أكثر من أنْ يُحصى لا نشغل كتابنا بذلك ولا نُطوِّل بذكره، ذكر ابن نوح طرفاً من ذلك(1948).
وَرَوَى أَبُو مُحَمَّدٍ هَارُونُ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْأَبْرَاروريِّ، قَالَ: أَنْفَذَنِي أَبِي عَبْدُ الرَّحِيمِ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَمْرِيِّ (رضي الله عنه) فِي شَيْءٍ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَحَضَرْتُ مَجْلِسَهُ وَفِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُمْ يَتَذَاكَرُونَ شَيْئاً مِنَ الرِّوَايَاتِ وَمَا قَالَهُ الصَّادِقُونَ (عليهم السلام)، حَتَّى أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ المَعْرُوفُ بِالْبَغْدَادِيِّ ابْنُ أَخِي أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْرِيِّ، فَلَمَّا بَصُرَ بِهِ أَبُو جَعْفَرٍ (رضي الله عنه) قَالَ لِلْجَمَاعَةِ: أَمْسِكُوا فَإِنَّ هَذَا الْجَائِيَ لَيْسَ مِنْ أَصْحَابِكُمْ(1949).
وَحُكِيَ أَنَّهُ تَوَكَّلَ لِلْيَزِيدِيِّ بِالْبَصْرَةِ، فَبَقِيَ فِي خِدْمَتِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَجَمَعَ مَالاً عَظِيماً، فَسُعِيَ بِهِ إِلَى الْيَزِيدِيِّ فَقَبَضَ عَلَيْهِ وَصَادَرَهُ وَضَرَبَهُ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ حَتَّى نَزَلَ المَاءُ فِي عَيْنَيْهِ، فَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ ضَرِيراً(1950).
وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْكَاتِبُ ابْنُ بِنْتِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَمْرِيِّ (رضي الله عنه): أَنَّ أَبَا دُلَفَ مُحَمَّدَ بْنَ مُظَفَّرٍ الْكَاتِبَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ مُخَمِّساً(1951) مَشْهُوراً بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ كَانَ تَرْبِيَةَ الْكَرْخِيِّينَ وَتِلْمِيذَهُمْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1947) الأزياق: جمع زيق، وهو من القميص ما أحاط منه بالعنق، كما في (بيان) المؤلِّف بعد هذا.
(1948) الغيبة للطوسي (ص 413/ ح 387).
(1949) الغيبة للطوسي (ص 413/ ح 388).
(1950) الغيبة للطوسي (ص 414/ ح 389).
(1951) هم فرقة من الغلاة يقولون بأُلوهيَّة أصحاب الكساء الخمسة: محمّد وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام) بأنَّهم نور واحد والروح حالَّة فيهم بالسويَّة لا فضل لواحد على الآخر. راجع: الملل والنحل للشهرستاني (ج 1/ ص 175).

(٥٨٤)

وَصَنِيعَتَهُمْ، وَكَانَ الْكَرْخِيُّونَ مُخَمِّسَةً لَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الشِّيعَةِ، وَقَدْ كَانَ أَبُو دُلَفَ يَقُولُ ذَلِكَ وَيَعْتَرِفُ بِهِ، وَيَقُولُ: نَقَلَنِي سَيِّدُنَا الشَّيْخُ الصَّالِحُ (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ) عَنْ مَذْهَبِ أَبِي جَعْفَرٍ الْكَرْخِيِّ إِلَى المَذْهَبِ الصَّحِيحِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ الْبَغْدَادِيَ.
وجنون أبي دلف وحكايات فساد مذهبه أكثر من أنْ تُحصى، فلا نُطوِّل بذكره هاهنا.
قد ذكرنا جُمَلاً من أخبار السفراء والأبواب في زمان الغيبة، لأنَّ صحَّة ذلك مبنيٌّ على ثبوت إمامة صاحب الزمان، وفي ثبوت وكالتهم وظهور المعجزات على أيديهم دليل واضح على إمامة من ائتمُّوا(1952) إليه، فلذلك ذكرنا هذا، فليس لأحد أنْ يقول: ما الفائدة في ذكر أخبارهم فيما يتعلَّق بالكلام في الغيبة؟ لأنَّا قد بيَّنَّا فائدة ذلك، فسقط هذا الاعتراض(1953).
بيان: زيق القميص بالكسر: ما أحاط بالعنق منه.
[414/2] الاحتجاج(1954): رَوَى أَصْحَابُنَا أنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ الْحَسَنَ الشَّريعِيَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي الْحَسَن عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ ثُمَّ الْحَسَن بْن عَلِيٍّ (عليهم السلام)، وَهُوَ أَوَّلُ مَن ادَّعَى مَقَاماً لَمْ يَجْعَلْهُ اللهُ فِيهِ مِنْ قِبَل صَاحِبِ الزَّمَان (علیه السلام)، وَكَذَبَ عَلَى اللهِ وَعَلَى حُجَجِهِ (عليهم السلام) وَنَسَبَ إِلَيْهِمْ مَا لَا يَلِيقُ بِهِمْ وَمَا هُمْ مِنْهُ بَرَاءٌ، ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهُ الْقَوْلُ بِالْكُفْر وَالْإلْحَادِ.
وَكَذَلِكَ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ النُّمَيْريُّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن (علیه السلام) فَلَمَّا تُوُفّيَ ادَّعَى النِّيَابَةَ لِصَاحِبِ الزَّمَان (علیه السلام)، فَفَضَحَهُ اللهُ تَعَالَى بِمَا ظَهَرَ مِنْهُ مِنَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1952) في المصدر: (انتموا) بدل (ائتمُّوا).
(1953) الغيبة للطوسي (ص 414/ ح 390).
(1954) قد جاء في المطبوعة تحت (ح 2) بدون ذكر الحديث الرقم (1).

(٥٨٥)

الْإلْحَادِ وَالْغُلُوِّ وَالْقَوْلِ بِالتَّنَاسُخ، وَقَدْ كَانَ(1955) يَدَّعِي أَنَّهُ رَسُولُ نَبِيٍّ أَرْسَلَهُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، وَيَقُولُ فِيهِ بِالرُّبُوبيَّةِ، وَيَقُولُ بِالْإجَابَةِ(1956) لِلْمَحَارم.
وَكَانَ أَيْضاً مِنْ جُمْلَةِ الْغُلَاةِ أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ الْكَرْخِيُّ(1957)، وَقَدْ كَانَ مِنْ قَبْلُ فِي عِدَادِ أَصْحَابِ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) ثُمَّ تَغَيَّرَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ نِيَابَةَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ ابْن عُثْمَانَ، فَخَرَجَ التَّوْقِيعُ بِلَعْنِهِ مِنْ قِبَل صَاحِبِ الْأَمْر بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ فِي جُمْلَةِ مَنْ لَعَنَ وَتَبَرَّأَ مِنْهُ.
وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْن بِلَالٍ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورٍ الْحَلَّاجُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّلْمَغَانِيُّ المَعْرُوفُ بِابْن أَبِي الْعَزَاقِر لَعَنَهُمُ اللهُ، فَخَرَجَ التَّوْقِيعُ بِلَعْنِهِمْ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُمْ جَمِيعاً عَلَى يَدِ الشَّيْخ أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رَوْح نُسْخَتُهُ:
«اعْرفْ أَطَالَ اللهُ بَقَاءَكَ، وَعَرَّفَكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَخَتَمَ بِهِ عَمَلَكَ، مَنْ تَثِقُ بِدِينهِ وَتَسْكُنُ إِلَى نِيَّتِهِ مِنْ إِخْوَانِنَا أَدَامَ اللهُ سَعَادَتَهُمْ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ المَعْرُوفَ بِالشَّلْمَغَانِيِّ عَجَّلَ اللهُ لَهُ النَّقِمَةَ وَلَا أَمْهَلَهُ قَدِ ارْتَدَّ عَن الْإسْلَام وَفَارَقَهُ وَأَلْحَدَ فِي دِين اللهِ وَادَّعَى مَا كَفَرَ مَعَهُ بِالْخَالِقِ جَلَّ وَتَعَالَى وَافْتَرَى كَذِباً وَزُوراً وَقَالَ بُهْتَاناً وَإِثْماً عَظِيماً، كَذَبَ الْعَادِلُونَ بِاللهِ وَضَلُّوا ضَلَالاً بَعِيداً وَخَسِرُوا خُسْراناً مُبِيناً، وَإِنَّا بَرئْنَا إِلَى اللهِ تَعَالَى وَإِلَى رَسُولِهِ وَآلِهِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْهِمْ مِنْهُ وَلَعَنَّاهُ، عَلَيْهِ لَعَائِنُ اللهِ تَتْرَى، فِي الظَّاهِر مِنَّا وَالْبَاطِن، فِي السِّرِّ وَالْجَهْر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1955) في المصدر إضافة: (أيضاً).
(1956) في المصدر: (بالإباحة).
(1957) وهو أبو جعفر العبرتائي، قد روى أكثر أُصول أصحابنا كما عرفت روايته في شطر من الأخبار الماضية في هذا الكتاب، فحيث كان له حال استقامة وتخليط يُعمَل بما رواه في حال استقامته، قال الشيخ في العدَّة: ولذلك عملت الطائفة بما رواه أبو الخطاب في حال استقامته، وكذلك القول في أحمد بن هلال العبرتائي.

(٥٨٦)

وَفِي كُلِّ وَقْتٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، وَعَلَى مَنْ شَايَعَهُ وَتَابَعَهُ وَبَلَغَهُ هَذَا الْقَوْلُ مِنَّا فَأَقَامَ عَلَى تَوَلِّيهِ بَعْدَهُ.
وَأَعْلِمْهُمْ تَوَلَّاكُمُ اللهُ أَنَّنَا فِي التَّوَقِّي وَالمُحَاذَرَةِ مِنْهُ عَلَى مِثْل مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ نُظَرَائِهِ مِنَ الشَّريعِيِّ وَالنُّمَيْريِّ وَالْهِلَالِيِّ وَالْبِلَالِيِّ وَغَيْرهِمْ، وَعَادَةُ اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَعَ ذَلِكَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ عِنْدَنَا جَمِيلَةٌ، وَبِهِ نَثِقُ وَإِيَّاهُ نَسْتَعِينُ، وَهُوَ حَسْبُنَا فِي كُلِّ أُمُورنَا وَنعْمَ الْوَكِيلُ»(1958).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1958) الاحتجاج (ج 2/ ص 552/ ذكر المذمومين/ ح 348)؛ هذا آخر ما جاء في الجزء الحادي والخمسين من المطبوعة.

(٥٨٧)

باب (18): ذكر من رآه (صلوات الله عليه)

تتمَّة كتاب الغيبة، تتمَّة أبواب النصوص من الله تعالى ومن آبائه عليه (صلوات الله عليهم أجمعين).
سوى ما تقدَّم في كتاب أحوال أمير المؤمنين (علیه السلام) من النصوص على الاثني عشر (عليهم السلام).

(٥٨٩)

[415/1] الغيبة للطوسي: جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ بْن مُوسَى التَّلَّعُكْبَريِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن عَلِيٍّ الرَّازيِّ(1959)، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ وَرَدَ الرَّيَّ عَلَى أَبِي الْحُسَيْن مُحَمَّدِ بْن جَعْفَرٍ الْأَسَدِيِّ، فَرَوَى لَهُ حَدِيثَيْن فِي صَاحِبِ الزَّمَانِ وَسَمِعْتُهُمَا مِنْهُ كَمَا سَمِعَ، وَأَظُنُّ ذَلِكَ قَبْلَ سَنَةِ ثَلَاثِمِائَةٍ أَوْ قَريباً مِنْهَا، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَدَكِيُّ، قَالَ: قَالَ الْأَوْدِيُّ: بَيْنَا أَنَا فِي الطَّوَافِ قَدْ طُفْتُ سِتَّةً وَأُريدُ أَنْ أَطُوفَ السَّابِعَةَ فَإذَا أَنَا بِحَلْقَةٍ عَنْ يَمِين الْكَعْبَةِ وَشَابٌّ حَسَنُ الْوَجْهِ، طَيِّبُ الرَّائِحَةِ، هَيُوبٌ، وَمَعَ هَيْبَتِهِ مُتَقَرِّبٌ إِلَى النَّاس، فَتَكَلَّمَ فَلَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْ كَلَامِهِ، وَلَا أَعْذَبَ مِنْ مَنْطِقِهِ فِي حُسْن جُلُوسِهِ، فَذَهَبْتُ أُكَلِّمُهُ فَزَبَرَنيَ النَّاسُ، فَسَأَلْتُ بَعْضَهُمْ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: ابْنُ رَسُولِ اللهِ يَظْهَرُ لِلنَّاس فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْماً لِخَوَاصِّهِ فَيُحَدِّثُهُمْ [وَيُحَدِّثُونَهُ](1960)، فَقُلْتُ: [يَا سَيِّدِي](1961)، مُسْتَرْشِدٌ أَتَاكَ فَأَرْشِدْنِي هَدَاكَ اللهُ، قَالَ: فَنَاوَلَنِي حَصَاةً، فَحَوَّلْتُ وَجْهِي، فَقَالَ لِي بَعْضُ جُلَسَائِهِ: مَا الَّذِي دَفَعَ إِلَيْكَ ابْنُ رَسُولِ اللهِ؟ فَقُلْتُ: حَصَاةٌ، فَكَشَفْتُ عَنْ يَدِي فَإذَا أَنَا بِسَبِيكَةٍ مِنْ ذَهَبٍ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1959) أقول: هو أبو العبَّاس أحمد بن عليٍّ الرازي الخضيب الأيادي، عنونه النجاشي (ص 97) وقال: قال أصحابنا: لم يكن بذاك، وقيل: فيه غلوٌّ وترفُّع، وله كتاب الشفاء والجلاء في الغيبة. وعنونه الشيخ في الفهرست (ص 76) وقال: لم يكن بذاك الثقة في الحديث، ويُتَّهم بالغلوِّ، وله كتاب الشفاء والجلاء في الغيبة حسن. وعنونه ابن الغضائري (ص43) وقال: كان ضعيفاً، وحدَّثني أبي (رحمه الله) أنَّه كان في مذهبه ارتفاع، وحديثه يُعرَف تارةً ويُنكَر أُخرى. راجع: قاموس الرجال (ج 12/ ص 30)، ونقد الرجال (ج 1/ ص 136).
(1960) عبارة: (ويُحدِّثونه) ليست في المصدر.
(1961) عبارة: (يا سيِّدي) ليست في المصدر.

(٥٩١)

فَذَهَبْتُ فَإذَا أَنَا بِهِ قَدْ لَحِقَنِي، فَقَالَ: «ثَبَتَتْ عَلَيْكَ الْحُجَّةُ، وَظَهَرَ لَكَ الْحَقُّ، وَذَهَبَ عَنْكَ الْعَمَى، أَتَعْرفُنِي؟»، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لَا، قَالَ: «أَنَا المَهْدِيُّ، أَنَا قَائِمُ الزَّمَان، أَنَا الَّذِي أَمْلَؤُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ [ظُلْماً وَ](1962) جَوْراً، إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ، وَلَا يَبْقَى النَّاسُ فِي فَتْرَةٍ أَكْثَرَ مِنْ تِيهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَدْ ظَهَرَ أَيَّامُ خُرُوجِي، فَهَذِهِ أَمَانَةٌ فِي رَقَبَتِكَ، فَحَدِّثْ بِهَا إِخْوَانَكَ مِنْ أَهْل الْحَقِّ»(1963).
الخرائج والجرائح: عن الفدكي، مثله(1964).
كمال الدِّين: الطَّالَقَانِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْن أَحْمَدَ الْخَدِيجِيِّ الْكُوفِيِّ(1965)، عَن الْأَزْدِيِّ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا فِي الطَّوَافِ...، إِلَى قَوْلِهِ: «وَلَا يَبْقَى النَّاسُ فِي فَتْرَةٍ، وَهَذِهِ أَمَانَةٌ تُحَدِّثْ بِهَا إِخْوَانَكَ مِنْ أَهْل الْحَقِّ»(1966).
بيان: لعلَّ هذا ممَّا فيه البداء وأخبر (علیه السلام) بأمر حتمي معلَّق بشرط، أو المراد بالخروج ظهور أمره لأكثر الشيعة بالسفراء، والأظهر ما في رواية الصدوق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1962) عبارة: (ظلماً و) ليست في المصدر.
(1963) الغيبة للطوسي (ص 253/ ح 223).
(1964) الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 784/ باب 15/ ح 110).
(1965) أقول: عنونه النجاشي (ص 265) وقال: رجل من أهل كوفة كان يقول إنَّه من آل أبي طالب، وغلا في آخر أمره وفسد مذهبه، وصنَّف كُتُباً كثيرة أكثرها على الفساد، ثُمَّ قال: وهذا الرجل تدَّعي له الغلاة منازل عظيمة. وعنونه الشيخ في الفهرست وقال: كان مستقيم الطريقة وصنَّف كُتُباً كثيرة سديدة ثُمَّ خلط وأظهر مذهب المخمِّسة وصنَّف كُتُباً في الغلوِّ والتخليط وله مقالة تُنسَب إليه. وقال ابن الغضائري: المدَّعي العلويَّة كذَّاب غال صاحب بدعة ومقالة، رأيت له كُتُباً كثيرة لا يُلتَفت إليه.
وقال في نقد الرجال (ج 3/ ص 227): والمخمِّسة طائفة من الغلاة يقولون: إنَّ سلمان والمقداد وعمَّار وأبا ذرٍّ وعمرو بن أُميَّة الضمري، هم الموكَّلون بمصالح العالم، تعالى عن ذلك علوًّا كبيراً.
أقول: قد ذُكِرَ في هامش (ص 584) أنَّ المخمِّسة طائفة يقولون بربوبيَّة أصحاب الكساء الخمسة. راجع (ج 51/ ص 379) من المطبوعة.
(1966) كمال الدِّين (ج 2/ ص 444/ باب 43/ ح 18)، وفيه: (ولا تُحدِّث بها إلَّا إخوانك من أهل الحقِّ).

(٥٩٢)

[416/2] الغيبة للطوسي: بِهَذَا الْإسْنَادِ، عَنْ أَحْمَدَ بْن عَلِيٍّ الرَّازيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ بْن خَلَفٍ، قَالَ: نَزَلْنَا مَسْجِداً فِي المَنْزلِ المَعْرُوفِ بِالْعَبَّاسِيَّةِ عَلَى مَرْحَلَتَيْن مِنْ فُسْطَاطِ مِصْرَ، وَتَفَرَّقَ غِلْمَانِي فِي النُّزُولِ، وَبَقِيَ مَعِي فِي المَسْجِدِ غُلَامٌ أَعْجَمِيٌّ، فَرَأيْتُ فِي زَاويَتِهِ شَيْخاً كَثِيرَ التَّسْبِيح، فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ رَكَعْتُ(1967) وَصَلَّيْتُ الظُّهْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَدَعَوْتُ بِالطَّعَام وَسَأَلْتُ الشَّيْخَ أَنْ يَأكُلَ مَعِي فَأَجَابَنِي.
فَلَمَّا طَعِمْنَا سَأَلْتُهُ عَن اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَعَنْ بَلَدِهِ وَحِرْفَتِهِ(1968)، فَذَكَرَ أنَّ اسْمَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ(1969) اللهِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَهْل قُمَّ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَسِيحُ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً فِي طَلَبِ الْحَقِّ وَيَنْتَقِلُ(1970) فِي الْبُلْدَان وَالسَّوَاحِل، وَأَنَّهُ أَوْطَنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةَ نَحْوَ عِشْرينَ سَنَةً يَبْحَثُ عَن الْأَخْبَار وَيَتَتَبَّعُ(1971) الْآثَارَ.
فَلَمَّا كَانَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْن طَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ صَارَ إِلَى مَقَام إِبْرَاهِيمَ (علیه السلام) فَرَكَعَ فِيهِ، وَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ، فَأَنْبَهَهُ صَوْتُ دُعَاءٍ لَمْ يَجْر فِي سَمْعِهِ مِثْلُهُ، قَالَ: فَتَأَمَّلْتُ الدَّاعِيَ فَإذَا هُوَ شَابٌّ أَسْمَرُ لَمْ أَرَ قَطُّ فِي حُسْن صُورَتِهِ وَاعْتِدَالِ قَامَتِهِ، ثُمَّ صَلَّى فَخَرَجَ وَسَعَى، فَاتَّبَعْتُهُ، وَأَوْقَعَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) فِي نَفْسِي أَنَّهُ صَاحِبُ الزَّمَان (علیه السلام).
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ قَصَدَ بَعْضَ الشِّعَابِ، فَقَصَدْتُ أَثَرَهُ، فَلَمَّا قَرُبْتُ مِنْهُ إِذَا أَنَا بِأَسْوَدَ مِثْلَ الْفَنِيقِ قَدِ اعْتَرَضَنِي فَصَاحَ بِي بِصَوْتٍ لَمْ أَسْمَعْ أَهْوَلَ مِنْهُ: مَا تُريدُ عَافَاكَ اللهُ؟ فَأُرْعِدْتُ وَوَقَفْتُ وَزَالَ الشَّخْصُ عَنْ بَصَري وَبَقِيتُ مُتَحَيِّراً، فَلَمَّا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1967) في نسخة من المصدر إضافة: (وسجدت).
(1968) في المصدر إضافة: (ومقصده).
(1969) في المصدر: (عبد).
(1970) في المصدر: (ويتنقَّل).
(1971) في المصدر: (ويتَّبع).

(٥٩٣)

طَالَ بِيَ الْوُقُوفُ وَالْحَيْرَةُ انْصَرَفْتُ أَلُومُ نَفْسِي وَأَعْذِلُهَا بِانْصِرَافِي بِزَجْرَةِ الْأَسْوَدِ، فَخَلَوْتُ بِرَبِّي (عزَّ وجلَّ) أَدْعُوهُ وَأَسْأَلُهُ بِحَقِّ رَسُولِهِ وَآلِهِ (عليهم السلام) أَنْ لَا يُخَيِّبَ سَعْيِي، وَأَنْ يُظْهِرَ لِي مَا يَثْبُتُ بِهِ قَلْبِي وَيَزيدُ فِي بَصَري.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سِنِينَ زُرْتُ قَبْرَ المُصْطَفَى (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَبَيْنَا أَنَا(1972) فِي الرَّوْضَةِ الَّتِي بَيْنَ الْقَبْر وَالْمِنْبَر إِذْ غَلَبَتْنِي عَيْني، فَإذَا مُحَرِّكٌ يُحَرِّكُنِي، فَاسْتَيْقَظْتُ فَإذَا أَنَا بِالْأَسْوَدِ فَقَالَ: مَا خَبَرُكَ؟ وَكَيْفَ كُنْتَ؟ فَقُلْتُ: أَحْمَدُ اللهَ وَأَذُمُّكَ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ فَإنِّي أُمِرْتُ بِمَا خَاطَبْتُكَ بِهِ، وَقَدْ أَدْرَكْتَ خَيْراً كَثِيراً، فَطِبْ نَفْساً وَازْدَدْ مِنَ الشُّكْر للهِ (عزَّ وجلَّ) عَلَى مَا أَدْرَكْتَ وَعَايَنْتَ، مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ وَسَمَّى بَعْضَ إِخْوَانِيَ المُسْتَبْصِرينَ، فَقُلْتُ: بِبُرْقَةَ، فَقَالَ: صَدَقْتَ، فَفُلَانٌ؟ وَسَمَّى رَفِيقاً لِي مُجْتَهِداً فِي الْعِبَادَةِ مُسْتَبْصِراً فِي الدِّيَانَةِ، فَقُلْتُ: بِالْإسْكَنْدَريَّةِ، حَتَّى سَمَّى لِي عِدَّةً مِنْ إِخْوَانِي، ثُمَّ ذَكَرَ اسْماً غَريباً، فَقَالَ: مَا فَعَلَ نقفور؟ قُلْتُ: لَا أَعْرفُهُ، فَقَالَ: كَيْفَ تَعْرفُهُ وَهُوَ رُومِيٌّ فَيَهْدِيهِ اللهُ فَيَخْرُجُ نَاصِراً مِنْ قُسْطَنْطِينيَّةَ، ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ رَجُلٍ آخَرَ، فَقُلْتُ: لَا أَعْرفُهُ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْل هِيتَ مِنْ أَنْصَار مَوْلَايَ (علیه السلام)، امْض إِلَى أَصْحَابِكَ فَقُلْ لَهُمْ: نَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أَذِنَ اللهُ فِي الْاِنْتِصَار لِلْمُسْتَضْعَفِينَ، وَفِي الْاِنْتِقَام مِنَ الظَّالِمِينَ، وَقَدْ لَقِيتُ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِي وَأَدَّيْتُ إِلَيْهِمْ وَأَبْلَغْتُهُمْ مَا حُمِّلْتُ وَأَنَا مُنْصَرفٌ، وَأُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَتَلَبَّسَ بِمَا يَثْقُلُ بِهِ ظَهْرُكَ، وَتُتْعِبُ(1973) بِهِ جِسْمَكَ وَأَنْ تَحْبِسَ نَفْسَكَ عَلَى طَاعَةِ رَبِّكَ فَإنَّ الْأَمْرَ قَريبٌ إِنْ شَاءَ اللهُ.
فَأَمَرْتُ خَازني فَأَحْضَرَني(1974) خَمْسِينَ دِينَاراً وَسَأَلْتُهُ قَبُولَهَا، فَقَالَ: يَا أَخِي، قَدْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1972) في المصدر إضافة: (أُصلِّي).
(1973) في المصدر: (ويتعب).
(1974) في المصدر: (فأحضر لي).

(٥٩٤)

حَرَّمَ اللهُ عَلَيَّ أَنَّ آخُذَ مِنْكَ مَا أَنَا مُسْتَغْنٍ عَنْهُ، كَمَا أَحَلَّ لِي أَنْ آخُذَ مِنْكَ الشَّيْءَ إِذَا احْتَجْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ سَمِعَ هَذَا الْكَلَامَ مِنْكَ أَحَدٌ غَيْري مِنْ أَصْحَابِ السُّلْطَان؟ فَقَالَ: نَعَمْ، أَخُوكَ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْن الْهَمَدَانِيُّ(1975) المَدْفُوعُ عَنْ نِعْمَتِهِ بِأَذْرَبِيجَانَ، وَقَدِ اسْتَأذَنَ لِلْحَجِّ تَأمِيلاً أَنْ يَلْقَى مَنْ لَقِيتَ، فَحَجَّ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْن الْهَمَدَانِيُّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَقَتَلَهُ ركزويه(1976) بْنُ مَهْرَوَيْهِ، وَافْتَرَقْنَا وَانْصَرَفْتُ إِلَى الثَّغْر.
ثُمَّ حَجَجْتُ فَلَقِيتُ بِالمَدِينَةِ رَجُلاً اسْمُهُ طَاهِرٌ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْن الْأَصْغَر يُقَالُ: إِنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ هَذَا الْأَمْر شَيْئاً، فَثَابَرْتُ عَلَيْهِ حَتَّى أَنِسَ بِي وَسَكَنَ إِلَيَّ وَوَقَفَ عَلَى صِحَّةِ عَقْدِي، فَقُلْتُ لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، بِحَقِّ آبَائِكَ الطَّاهِرينَ (عليهم السلام) لَـمَّا جَعَلْتَنِي مِثْلَكَ فِي الْعِلْم بِهَذَا الْأَمْر، فَقَدْ شَهِدَ عِنْدِي مَنْ تُوَثِّقُهُ بِقَصْدِ الْقَاسِم بْن عُبَيْدِ(1977) اللهِ بْن سُلَيْمَانَ بْن وَهْبٍ إِيَّايَ لِمَذْهَبِي وَاعْتِقَادِي، وَأَنَّهُ أَغْرَى بِدَمِي مِرَاراً فَسَلَّمَنِيَ اللهُ مِنْهُ، فَقَالَ: يَا أَخِي، اكْتُمْ مَا تَسْمَعُ مِنِّي، الْخَيْرُ(1978) فِي هَذِهِ الْجِبَال، وَإِنَّمَا يَرَى الْعَجَائِبَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الزَّادَ فِي اللَّيْل وَيَقْصِدُونَ بِهِ مَوَاضِعَ يَعْرفُونَهَا، وَقَدْ نُهِينَا عَن الْفَحْص وَالتَّفْتِيش، فَوَدَّعْتُهُ وَانْصَرَفْتُ عَنْهُ(1979).
بيان: (الفنيق) الفحل المكرم من الإبل لا يُؤذى لكرامته على أهله ولا يُركَب، والتشبيه في العظم والكبر. ويقال: ثابر: أي واظب. قوله: (فقد شهد عندي) غرضه بيان أنَّه مضطرٌّ في الخروج خوفاً من القاسم لئلَّا يبطأ عليه بالخبر، أو أنَّه من الشيعة قد عرفه بذلك المخالف والمؤالف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1975) في المصدر إضافة: (رحمه الله).
(1976) في المصدر: (ذكرويه).
(1977) في المصدر: (عبد).
(1978) في المصدر: (الخبر).
(1979) الغيبة للطوسي (ص 254 - 257/ ح 224).

(٥٩٥)

[417/3] الغيبة للطوسي: أَحْمَدُ بْنُ عُبْدُونٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَن مُحَمَّدِ بْن عليٍّ الشُّجَاعِيِّ الْكَاتِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْن إِبْرَاهِيمَ النُّعْمَانِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْن أَحْمَدَ الْجَعْفَريِّ، قَالَ: حَجَجْتُ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَجَاوَرْتُ بِمَكَّةَ تِلْكَ السَّنَةَ وَمَا بَعْدَهَا إِلَى سَنَةِ تِسْع وَثَلَاثِمِائَةٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ عَنْهَا مُنْصَرفاً إِلَى الشَّام، فَبَيْنَا أَنَا فِي بَعْض الطَّريقِ وَقَدْ فَاتَتْنِي صَلَاةُ الْفَجْر فَنَزَلْتُ مِنَ المَحْمِل وَتَهَيَّأَتُ لِلصَّلَاةِ، فَرَأَيْتُ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ فِي مَحْمِلٍ، فَوَقَفْتُ أَعْجَبُ مِنْهُمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: مِمَّ تَعْجَبُ؟ تَرَكْتَ صَلَاتَكَ، وَخَالَفْتَ مَذْهَبَكَ، فَقُلْتُ لِلَّذِي يُخَاطِبُني: وَمَا عِلْمُكَ بِمَذْهَبِي؟ فَقَالَ: تُحِبُّ أَنْ تَرَى صَاحِبَ زَمَانِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَوْمَأَ إِلَى أَحَدِ الْأَرْبَعَةِ، فَقُلْتُ: إِنَّ لَهُ دَلَائِلَ وَعَلَامَاتٍ؟ فَقَالَ: أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَرَى الْجَمَلَ وَمَا عَلَيْهِ صَاعِداً إِلَى السَّمَاءِ، أَوْ تَرَى المَحْمِلَ صَاعِداً إِلَى السَّمَاءِ؟ فَقُلْتُ: أَيُّهُمَا كَانَ فَهِيَ دَلَالَةٌ، فَرَأَيْتُ الْجَمَلَ وَمَا عَلَيْهِ يَرْتَفِعُ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَانَ الرَّجُلُ أَوْمَأَ إِلَى رَجُلٍ بِهِ سُمْرَةٌ، وَكَانَ لَوْنُهُ الذَّهَبَ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ سَجَّادَةٌ(1980)،(1981).
الخرائج والجرائح: عن يوسف بن أحمد، مثله(1982).
[418/4] الغيبة للطوسي: أَحْمَدُ بْنُ عليٍّ الرَّازيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عليٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْن عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَاريِّ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن عَبْدِ اللهِ الْهَاشِمِيِّ مِنْ وُلْدِ الْعَبَّاس، قَالَ: حَضَرْتُ دَارَ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن بْن عليٍّ (علیهما السلام) بِسُرَّ مَنْ رَأى يَوْمَ تُوُفّيَ وَأُخْرجَتْ جَنَازَتُهُ وَوُضِعَتْ وَنَحْنُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلاً قُعُودٌ نَنْتَظِرُ حَتَّى خَرَجَ عَلَيْنَا غُلَامٌ عُشَاريٌّ حَافٍ، عَلَيْهِ ردَاءٌ قَدْ تَقَنَّعَ بِهِ، فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ قُمْنَا هَيْبَةً لَهُ مِنْ غَيْر أَنْ نَعْرفَهُ، فَتَقَدَّمَ وَقَامَ النَّاسُ فَاصْطَفُّوا خَلْفَهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَمَشَى فَدَخَلَ بَيْتاً غَيْرَ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1980) يعني أثر السجود.
(1981) الغيبة للطوسي (ص 257 و258/ ح 225).
(1982) الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 466/ باب 13/ ح 13).

(٥٩٦)

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْهَمَدَانِيُّ: فَلَقِيتُ بِالمَرَاغَةِ رَجُلاً مِنْ أَهْل تِبْريزَ يُعْرَفُ بِإبْرَاهِيمَ بْن مُحَمَّدٍ التَّبْريزيِّ، فَحَدَّثَنِي بِمِثْل حَدِيثِ الْهَاشِمِيِّ لَمْ يُخْرَمْ مِنْهُ شَيْءٌ، قَالَ: فَسَأَلْتُ الْهَمَدَانِيَّ، فَقُلْتُ: غُلَامٌ عُشَاريُّ الْقَدِّ أَوْ عُشَاريُّ السِّنِّ؟ لِأَنَّهُ رُويَ أَنَّ الْولَادَةَ كَانَتْ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن، وَكَانَتْ غَيْبَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْن بَعْدَ الْولَادَةِ بِأَرْبَعَةِ(1983) سِنِينَ، فَقَالَ: لَا أَدْري هَكَذَا سَمِعْتُ، فَقَالَ لِي شَيْخٌ مَعَهُ حَسَنُ الْفَهْم مِنْ أَهْل بَلَدِهِ لَهُ روَايَةٌ وَعِلْمٌ: عُشَاريُّ الْقَدِّ(1984).
بيان: يقال: ما خرمت منه شيئاً، أي ما نقصت. و(عشاري القدِّ) هو أنْ يكون له عشرة أشبار(1985).
[419/5] الغيبة للطوسي: عَنْهُ، عَنْ عَلِيِّ بْن عَائِذٍ الرَّازيِّ، عَن الْحَسَن بْن وَجْنَاءَ النَّصِيبيِّ، عَنْ أَبِي نُعَيْم مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ الْأَنْصَاريِّ، قَالَ: كُنْتُ حَاضِراً عِنْدَ المُسْتَجَار بِمَكَّةَ، وَجَمَاعَةٌ زُهَاءُ ثَلَاثِينَ رَجُلاً لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مُخْلِصٌ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْن الْقَاسِم الْعَلَويِّ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ فِي الْيَوْم السَّادِس مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْن إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا شَابٌّ مِنَ الطَّوَافِ عَلَيْهِ إِزَارَان(1986) مُحْرمٌ بِهِمَا، وَفِي يَدِهِ نَعْلَان، فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ قُمْنَا جَمِيعاً هَيْبَةً لَهُ، وَلَمْ يَبْقَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا قَامَ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَجَلَسَ مُتَوَسِّطاً وَنَحْنُ حَوْلَهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ يَمِيناً وَشِمَالاً، ثُمَّ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) يَقُولُ فِي دُعَاءِ الْإلْحَاح؟»، قُلْنَا: وَمَا كَانَ يَقُولُ؟ قَالَ: «كَانَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1983) في المصدر: (بأربع).
(1984) الغيبة للطوسي (ص 258 و259/ ح 226).
(1985) بل الصحيح أنَّه (علیه السلام) كان عشاري السنِّ، أي كأنَّ له عشر سنين من حيث إنَّه (علیه السلام) كان جسيماً إسرائيلي القدِّ، وأمَّا أنَّه عشاري القدِّ: له عشرة أشبار، فغير صحيح، لأنَّ الغلام إذا بلغ ستَّة أشبار فهو رجل، فكيف بعشرة أشبار؟ قال الفيروزآبادي (ج 2/ ص 212): غلام خماسي: طوله خمسة أشبار، ولا يقال: سداسي ولا سباعي، لأنَّه إذا بلغ ستَّة أشبار فهو رجل.
(1986) في المصدر إضافة: (فأحتج).

(٥٩٧)

يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي بِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ، وَبهِ تَقُومُ الْأَرْضُ، وَبهِ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِل، وَبهِ تَجْمَعُ بَيْنَ المُتَفَرِّقِ، وَبهِ تُفَرِّقُ بَيْنَ المُجْتَمِع، وَبهِ أَحْصَيْتَ عَدَدَ الرِّمَال، وَزنَةَ الْجِبَال، وَكَيْلَ الْبِحَار، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ وَأَنْ تَجْعَلَ لِي مِنْ أَمْري فَرَجاً [وَمَخْرَجاً](1987)».
ثُمَّ نَهَضَ وَدَخَلَ الطَّوَافَ، فَقُمْنَا لِقِيَامِهِ حَتَّى انْصَرَفَ وَأُنْسِينَا أَنْ نَذْكُرَ أَمْرَهُ وَأَنْ نَقُولَ: مَنْ هُوَ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ هُوَ؟ إِلَى الْغَدِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا مِنَ الطَّوَافِ، فَقُمْنَا لَهُ كَقِيَامِنَا بِالْأَمْس، وَجَلَسَ فِي مَجْلِسِهِ مُتَوَسِّطاً، فَنَظَرَ يَمِيناً وَشِمَالاً، وَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا كَانَ يَقُولُ أَمِيرُ المُؤْمِنينَ (علیه السلام) بَعْدَ صَلَاةِ الْفَريضَةِ؟»، فَقُلْنَا: وَمَا كَانَ يَقُولُ؟ قَالَ: «كَانَ يَقُولُ: إِلَيْكَ رُفِعَتِ الْأَصْوَاتُ، وَدُعِيَتِ الدَّعَوَاتُ، وَلَكَ عَنَتِ الْوُجُوهُ، وَلَكَ خَضَعَتِ(1988) الرِّقَابُ، وَإِلَيْكَ التَّحَاكُمُ فِي الْأَعْمَال، يَا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ، وَيَا خَيْرَ مَنْ أَعْطَى، يَا صَادِقُ يَا بَارئُ، يَا مَنْ لَا يُخْلِفُ الْمِيعادَ، يَا مَنْ أَمَرَ بِالدُّعَاءِ وَوَعَدَ بِالْإجَابَةِ، يَا مَنْ قَالَ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]، يَا مَنْ قَالَ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]، وَيَا مَنْ قَالَ: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53]، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ هَا أَنَا ذَا بَيْنَ يَدَيْكَ المُسْرفُ وَأَنْتَ الْقَائِلُ: ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾».
ثُمَّ نَظَرَ يَمِيناً وَشِمَالاً بَعْدَ هَذَا الدُّعَاءِ، فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا كَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنينَ (علیه السلام) يَقُولُ فِي سَجْدَةِ الشُّكْر؟»، فَقُلْتُ(1989): وَمَا كَانَ يَقُولُ؟ قَالَ: «كَانَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1987) عبارة: (ومخرجاً) ليست في المصدر.
(1988) في المصدر: (وضعت).
(1989) في المصدر: (فقلنا).

(٥٩٨)

يَقُولُ: يَا مَنْ لَا يَزيدُهُ كَثْرَةُ الْعَطَاءِ إِلَّا سَعَةً وَعَطَاءً، يَا مَنْ لَا يَنْفَدُ خَزَائِنُهُ، يَا مَنْ لَهُ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض، يَا مَنْ لَهُ خَزَائِنُ مَا دَقَّ وَجَلَّ، لَا يَمْنَعْكَ إِسَاءَتِي مِنْ إِحْسَانِكَ، أَنْتَ تَفْعَلُ بِيَ الَّذِي أَنْتَ أَهْلُهُ، فَإنَّكَ أَهْلُ الْكَرَم(1990) وَالْجُودِ وَالْعَفْو وَالتَّجَاوُز، يَا رَبِّ يَا اللهُ لَا تَفْعَلْ بيَ الَّذِي أَنَا أَهْلُهُ فَإنِّي أَهْلُ الْعُقُوبَةِ وَقَدِ اسْتَحْقَقْتُهَا لَا حُجَّةَ لِي وَلَا عُذْرَ لِي عِنْدَكَ، أَبُوءُ لَكَ بِذُنُوبي كُلِّهَا، وَأَعْتَرفُ بِهَا كَيْ تَعْفُوَ عَنِّي وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهَا مِنِّي، أَبُوءُ لَكَ بِكُلِّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتُهُ وَكُلِّ خَطِيئَةٍ احْتَمَلْتُهَا وَكُلِّ سَيِّئَةٍ عَلِمْتَهَا، رَبِّ اغْفِرْ [لِي](1991) وَارْحَمْ، وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ».
وَقَامَ فَدَخَلَ الطَّوَافَ، فَقُمْنَا لِقِيَامِهِ، وَعَادَ مِنَ الْغَدِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَقُمْنَا لإقْبَالِهِ كَفِعْلِنَا فِيمَا مَضَى، فَجَلَسَ مُتَوَسِّطاً وَنَظَرَ يَمِيناً وَشِمَالاً، فَقَالَ: «كَانَ عَلِيُّ ابْنُ الْحُسَيْن سَيِّدُ الْعَابِدِينَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ فِي هَذَا المَوْضِع - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْحِجْر تَحْتَ الْمِيزَابِ -: عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ، مِسْكِينُكَ بِفِنَائِكَ، فَقِيرُكَ بِفِنَائِكَ، سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ، يَسْأَلُكَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُكَ».
ثُمَّ نَظَرَ يَمِيناً وَشِمَالاً، وَنَظَرَ إِلَى مُحَمَّدِ بْن الْقَاسِم مِنْ بَيْننَا فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدَ ابْنَ الْقَاسِم، أَنْتَ عَلَى خَيْرٍ إِنْ شَاءَ اللهُ»، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِم يَقُولُ بِهَذَا الْأَمْر، ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ الطَّوَافَ، فَمَا بَقِيَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا وَقَدْ أُلْهِمَ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الدُّعَاءِ، وَأُنْسِينَا أَنْ نَتَذَاكَرَ أَمْرَهُ إِلَّا فِي آخِر يَوْم.
فَقَالَ لَنَا أَبُو عليٍّ المَحْمُودِيُّ: يَا قَوْم، أَتَعْرفُونَ هَذَا؟ هَذَا وَاللهِ صَاحِبُ زَمَانِكُمْ، فَقُلْنَا: وَكَيْفَ عَلِمْتَ يَا أَبَا عليٍّ؟ فَذَكَرَ أَنَّهُ مَكَثَ سَبْعَ سِنِينَ يَدْعُو رَبَّهُ وَيَسْألُهُ مُعَايَنَةَ صَاحِبِ الزَّمَان، قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ يَوْماً عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَإِذَا بِالرَّجُل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1990) في المصدر: (فإنَّك أهل الكرم والجود).
(1991) كلمة: (لي) ليست في المصدر.

(٥٩٩)

بِعَيْنهِ يَدْعُو بِدُعَاءٍ وَعَيْتُهُ، فَسَأَلْتُهُ: مِمَّنْ هُوَ؟ فَقَالَ: «مِنَ النَّاس»، قُلْتُ: مِنْ أَيِّ النَّاس؟ قَالَ: «مِنْ عَرَبهَا»، قُلْتُ: مِنْ أَيِّ عَرَبهَا؟ قَالَ: «مِنْ أَشْرَفِهَا»، قُلْتُ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: «بَنُو هَاشِم»، قُلْتُ: مِنْ أَيِّ بَنِي هَاشِم؟ قَالَ: «مِنْ أَعْلاَهَا ذِرْوَةً وَأَسْنَاهَا»، قُلْتُ: مِمَّنْ؟ قَالَ: «مِمَّنْ فَلَقَ الْهَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَصَلَّى وَالنَّاسُ نِيَامٌ»، قَالَ: فَعَلِمْتُ أَنَّهُ عَلَويٌّ، فَأَحْبَبْتُهُ عَلَى الْعَلَويَّةِ، ثُمَّ افْتَقَدْتُهُ مِنْ بَيْن يَدَيَّ، فَلَمْ أَدْر كَيْفَ مَضَى، فَسَأَلْتُ الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا حَوْلَهُ: تَعْرفُونَ هَذَا الْعَلَويَّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، يَحُجُّ مَعَنَا فِي كُلِّ سَنَةٍ مَاشِياً، فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ، وَاللهِ مَا أَرَى بِهِ أَثَرَ مَشْيٍ، قَالَ: فَانْصَرَفْتُ إِلَى المُزْدَلِفَةِ كَئِيباً حَزيناً عَلَى فِرَاقِهِ، وَنمْتُ مِنْ لَيْلَتِي تِلْكَ، فَإذَا أَنَا بِرَسُول اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ: «يَا أَحْمَدُ، رَأَيْتَ طَلِبَتَكَ؟»، فَقُلْتُ: وَمَنْ ذَاكَ يَا سَيِّدِي؟ فَقَالَ: «الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي عَشِيَّتِكَ هُوَ صَاحِبُ زَمَانِكَ».
قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْهُ عَاتَبْنَاهُ [عَلَى](1992) أَنْ لَا يَكُونَ أَعْلَمَنَا ذَلِكَ، فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يَنْسَى أَمْرَهُ إِلَى وَقْتِ مَا حَدَّثَنَا بِهِ(1993).
الغيبة للطوسي: وأخبرنا جماعة، عن أبي محمّد هارون بن موسى، عن أبي عليٍّ محمّد بن همَّام، عن جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي، عن محمّد بن جعفر بن عبد الله، عن أبي نعيم محمّد بن أحمد الأنصاري...، وساق الحديث بطوله(1994).
كمال الدِّين: أَحْمَدُ بْنُ زيَادِ بْن جَعْفَرٍ الْهَمَدَانِيُّ، عَنْ جَعْفَر بْن أَحْمَدَ الْعَلَويِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن أَحْمَدَ الْعَقِيقِيِّ، عَنْ أَبِي نُعَيْم الْأَنْصَاريِّ الزَّيْدِيِّ، قَالَ: كُنْتُ بِمَكَّةَ عِنْدَ المُسْتَجَار، وَجَمَاعَةٌ مِنَ المُقَصِّرَةِ، فِيهِمُ المَحْمُودِيُّ، وَعَلَّانٌ الْكُلَيْنيُّ، وَأَبُو الْهَيْثَم الدِّينَاريُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الْأَحْوَلُ، وَكُنَّا زُهَاءَ ثَلَاثِينَ رَجُلاً، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُخْلِصٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1992) كلمة: (على) ليست في المصدر.
(1993) الغيبة للطوسي (ص 259 - 263/ ح 227).
(1994) الغيبة للطوسي (ص 262/ ح 227).

(٦٠٠)

عَلِمْتُهُ غَيْرَ مُحَمَّدِ بْن الْقَاسِم الْعَلَويِّ الْعَقِيقِيِّ...، وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى آخِر مَا رَوَاهُ الشَّيْخُ (رحمه الله)، ثُمَّ قال: وحدَّثنا بهذا الحديث عمَّار بن الحسين بن إسحاق، عن أحمد ابن الخضر، عن محمّد بن عبد الله الإسكافي، عن سُلَيم بن أبي نعيم الأنصاري، مثله.
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن حَاتِم، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن مُحَمَّدٍ الْقَصَبَانِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ بْن الْحُسَيْن، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْن عليٍّ المُنْقِذِيِّ الْحَسَنِيِّ بِمَكَّةَ، قَالَ: كُنْتُ بِالمُسْتَجَار وَجَمَاعَةٌ مِنَ المُقَصِّرَةِ، فِيهِمُ المَحْمُودِيُّ، وَأَبُو الْهَيْثَم الدِّينَاريُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الْأَحْوَلُ، وَعَلَّانٌ الْكُلَيْنيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ وَجْنَاءَ، وَكَانُوا زُهَاءَ ثَلَاثِينَ رَجُلاً...، وَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً(1995).
دلائل الإمامة للطبري: عن محمّد بن هارون التلعكبري، عن أبيه، مثله(1996).
[420/6] الغيبة للطوسي: جَمَاعَةٌ، عَن التَّلَّعُكْبَريِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن عليٍّ الرَّازيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن، عَنْ رَجُلٍ ذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ أَهْل قَزْوينَ لَمْ يَذْكُر اسْمَهُ، عَنْ حَبِيبِ بْن مُحَمَّدِ بْن يُونُسَ بْن شَاذَانَ الصَّنْعَانِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ إِلَى عَلِيِّ بْن إِبْرَاهِيمَ بْن مَهْزيَارَ الْأَهْوَازيِّ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آل أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، قَالَ: يَا أَخِي، لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ أَمْرٍ عَظِيم، حَجَجْتُ عِشْرينَ حَجَّةً كُلًّا أَطْلُبُ بِهِ عِيَانَ الْإمَام، فَلَمْ أَجِدْ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً، فَبَيْنَا أَنَا لَيْلَةً نَائِمٌ فِي مَرْقَدِي إِذْ رَأَيْتُ قَائِلاً يَقُولُ: يَا عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، قَدْ أَذِنَ اللهُ لِي فِي الْحَجِّ، فَلَمْ أَعْقَلْ لَيْلَتِي حَتَّى أَصْبَحْتُ فَأَنَا مُفَكِّرٌ فِي أَمْري أَرْقَبُ المَوْسِمَ لَيْلِي وَنَهَاري.
فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ المَوْسِم أَصْلَحْتُ أَمْري وَخَرَجْتُ مُتَوَجِّهاً نَحْوَ المَدِينَةِ، فَمَا زلْتُ كَذَلِكَ حَتَّى دَخَلْتُ يَثْربَ، فَسَأَلْتُ عَنْ آل أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَلَمْ أَجِدْ لَهُ أَثَراً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1995) كمال الدِّين (ج 2/ ص 470 - 473/ باب 43/ ح 24).
(1996) دلائل الإمامة (ص 542/ ح 523).

(٦٠١)

وَلَا سَمِعْتُ لَهُ خَبَراً، فَأَقَمْتُ مُفَكِّراً فِي أَمْري حَتَّى خَرَجْتُ مِنَ المَدِينَةِ أُريدُ مَكَّةَ، فَدَخَلْتُ الْجُحْفَةَ وَأَقَمْتُ بِهَا يَوْماً وَخَرَجْتُ مِنْهَا مُتَوَجِّهاً نَحْوَ الْغَدِير - وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْجُحْفَةِ -، فَلَمَّا أَنْ دَخَلْتُ المَسْجِدَ صَلَّيْتُ وَعَفَّرْتُ وَاجْتَهَدْتُ فِي الدُّعَاءِ وَابْتَهَلْتُ إِلَى اللهِ لَهُمْ، وَخَرَجْتُ أُريدُ عُسْفَانَ، فَمَا زلْتُ كَذَلِكَ حَتَّى دَخَلْتُ مَكَّةَ، فَأَقَمْتُ بِهَا أَيَّاماً أَطُوفُ الْبَيْتَ وَاعْتَكَفْتُ.
فَبَيْنَا أَنَا لَيْلَةً فِي الطَّوَافِ إِذَا أَنَا بِفَتًى حَسَن الْوَجْهِ، طَيِّبِ الرَّائِحَةِ، يَتَبَخْتَرُ فِي مِشْيَتِهِ، طَائِفٌ حَوْلَ الْبَيْتِ، فَحَسَّ قَلْبِي بِهِ، فَقُمْتُ نَحْوَهُ، فَحَكَكْتُهُ، فَقَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: مِنْ أَهْل الْعِرَاقِ، فَقَالَ لِي: مِنْ أَيِّ الْعِرَاقِ؟ قُلْتُ: مِنَ الْأَهْوَاز، فَقَالَ لِي: تَعْرفُ بِهَا [ابْنَ](1997) الْخَضِيبِ(1998)؟ فَقُلْتُ: رَحِمَهُ اللهُ دُعِيَ فَأَجَابَ، فَقَالَ: رَحِمَهُ اللهُ، فَمَا كَانَ أَطْوَلَ لَيْلَتَهُ، وَأَكْثَرَ تَبَتُّلَهُ، وَأَغْزَرَ دَمْعَتَهُ، أَفَتَعْرفُ عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ(1999) المَازيَارَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ(2000)، فَقَالَ: حَيَّاكَ اللهُ أَبَا الْحَسَن، مَا فَعَلْتَ بِالْعَلَامَةِ الَّتِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن بْن عليٍّ؟ فَقُلْتُ: مَعِي، قَالَ: أَخْرجْهَا، فَأَدْخَلْتُ يَدِي فِي جَيْبي فَاسْتَخْرَجْتُهَا، فَلَمَّا أَنْ رَآهَا لَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ تَغَرْغَرَتْ عَيْنَاهُ(2001) وَبَكَى مُنْتَحِباً حَتَّى بَلَّ أَطْمَارَهُ، ثُمَّ قَالَ: أُذِنَ لَكَ الْآنَ يَا بْنَ المَازيَار، صِرْ إِلَى رَحْلِكَ، وَكُنْ عَلَى أُهْبَةٍ مِنْ أَمْركَ، حَتَّى إِذَا لَبِسَ اللَّيْلُ جِلْبَابَهُ وَغَمَرَ النَّاسَ ظَلَامُهُ، صِرْ(2002) إِلَى شِعْبِ بَنِي عَامِرٍ، فَإنَّكَ سَتَلْقَانِي هُنَاكَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1997) كلمة: (ابن) ليست في المصدر.
(1998) في المصدر: (الخصيب) بدل (الخضيب).
(1999) في المصدر إضافة: (بن).
(2000) جاء في هامش المطبوعة: (ينبئ كلامه هذا أنَّ مهزيار أصله مازيار، فتحرَّر).
(2001) في المصدر إضافة: (بالدموع)، يقال: تغرغرت عينه بالدمع إذا تردَّد فيها الدمع.
(2002) في المصدر: (سر).

(٦٠٢)

فَصِرْتُ(2003) إِلَى مَنْزلِي، فَلَمَّا أَنْ حَسَسْتُ(2004) بِالْوَقْتِ أَصْلَحْتُ رَحْلِي وَقَدَّمْتُ رَاحِلَتِي وَعَكَمْتُهَا شَدِيداً وَحَمَلْتُ وَصِرْتُ فِي مَتْنِهِ وَأَقْبَلْتُ مُجِدًّا فِي السَّيْر حَتَّى وَرَدْتُ الشِّعْبَ فَإِذَا أَنَا بِالْفَتَى قَائِمٌ يُنَادِي: إِلَيَّ(2005) يَا أَبَا الْحَسَن إِلَيَّ، فَمَا زلْتُ نَحْوَهُ، فَلَمَّا قَرُبْتُ بَدَأنِي بِالسَّلَام وَقَالَ لِي: سِرْ بِنَا يَا أَخ [أَخِي]، فَمَا زَالَ يُحَدِّثُنِي وَأُحَدِّثُهُ حَتَّى تَخَرَّقْنَا جِبَالَ عَرَفَاتٍ وَسِرْنَا إِلَى جِبَال مِنًى، وَانْفَجَرَ الْفَجْرُ الْأَوَّلُ وَنَحْنُ قَدْ تَوَسَّطْنَا جِبَالَ الطَّائِفِ.
فَلَمَّا أَنْ كَانَ هُنَاكَ أَمَرَني بِالنُّزُول، وَقَالَ لِي: انْزلْ فَصَلِّ صَلَاةَ اللَّيْل، فَصَلَّيْتُ، وَأَمَرَني بِالْوَتْر فَأَوْتَرْتُ، وَكَانَتْ فَائِدَةً مِنْهُ، ثُمَّ أَمَرَنِي بِالسُّجُودِ وَالتَّعْقِيبِ، ثُمَّ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَرَكِبَ وَأَمَرَني بِالرُّكُوبِ، وَسَارَ وَسِرْتُ مَعَهُ حَتَّى عَلَا ذِرْوَةَ الطَّائِفِ، فَقَالَ: هَلْ تَرَى شَيْئاً؟ قُلْتُ: نَعَمْ، أَرَى كَثِيبَ رَمْلٍ، عَلَيْهِ بَيْتُ شَعْرٍ، يَتَوَقَّدُ الْبَيْتُ نُوراً، فَلَمَّا أَنْ رَأَيْتُهُ طَابَتْ نَفْسِي، فَقَالَ لِي: هَنَّأَكَ الْأَمَلُ وَالرَّجَاءُ، ثُمَّ قَالَ: سِرْ بِنَا يَا أَخ [أَخِي].
فَسَارَ وَسِرْتُ بِمَسِيرهِ إِلَى أَنْ انْحَدَرَ مِنَ الذِّرْوَةِ وَسَارَ فِي أَسْفَلِهِ، فَقَالَ: انْزلْ فَهَاهُنَا يَذِلُّ كُلُّ صَعْبٍ، وَيَخْضَعُ كُلُّ جَبَّارٍ، ثُمَّ قَالَ: خَلِّ عَنْ زمَام النَّاقَةِ، قُلْتُ: فَعَلَى مَنْ أُخَلِّفُهَا؟ فَقَالَ: حَرَمُ الْقَائِم (علیه السلام) لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، فَخَلَّيْتُ عَنْ زمَام رَاحِلَتِي، وَسَارَ وَسِرْتُ مَعَهُ إِلَى أَنْ دَنَا مِنْ بَابِ الْخِبَاءِ، فَسَبَقَنِي بِالدُّخُول وَأَمَرَني أَنْ أَقِفَ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَيَّ، ثُمَّ قَالَ لِي: ادْخُلْ هَنَّأَكَ السَّلَامَةُ.
فَدَخَلْتُ فَإذَا أَنَا بِهِ جَالِسٌ قَدِ اتَّشَحَ بِبُرْدَةٍ وَاتَّزَرَ بِأُخْرَى(2006)، وَقَدْ كَسَرَ بُرْدَتَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2003) في المصدر: (فسرت).
(2004) في المصدر: (أحسست).
(2005) كلمة: (إليَّ) ليست في المصدر.
(2006) قال الفيروزآبادي في (ج 1/ ص 363/ مادة أزر): وائتزر به وتأزَّر به، ولا تقل: اتَّزر، وقد جاء في بعض الأحاديث، ولعلَّه من تحريف الرواة.

(٦٠٣)

عَلَى عَاتِقِهِ، وَهُوَ كَأُقْحُوَانَةِ أُرْجُوَانٍ قَدْ تَكَاثَفَ عَلَيْهَا النَّدَى، وَأَصَابَهَا أَلَمُ الْهَوَى، وَإِذَا هُوَ كَغُصْن بَانٍ(2007)، أَوْ قَضِيبِ رَيْحَانٍ، سَمْحٌ سَخِيٌّ تَقِيٌّ نَقِيٌّ، لَيْسَ بِالطَّويل الشَّامِخ وَلَا بِالْقَصِير اللَّازقِ، بَلْ مَرْبُوعُ الْقَامَةِ، مُدَوَّرُ الْهَامَةِ، صَلْتُ الْجَبِين، أَزَجُّ الْحَاجِبَيْن، أَقْنَى الْأَنْفِ، سَهْلُ الْخَدَّيْن، عَلَى خَدِّهِ الْأَيْمَن خَالٌ كَأَنَّهُ فُتَاتُ مِسْكٍ عَلَى رَضْرَاضَةِ عَنْبَرٍ.
فَلَمَّا أَنْ رَأَيْتُهُ بَدَرْتُهُ بِالسَّلَام، فَرَدَّ عَلَيَّ أَحْسَنَ مَا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَشَافَهَني وَسَأَلَنِي عَنْ أَهْل الْعِرَاقِ، فَقُلْتُ: سَيِّدِي قَدْ أُلْبِسُوا جِلْبَابَ الذِّلَّةِ، وَهُمْ بَيْنَ الْقَوْم أَذِلَّاءُ، فَقَالَ لِي: «يَا بْنَ المَازيَار، لَتَمْلِكُونَهُمْ كَمَا مَلَكُوكُمْ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ أذِلَّاءُ»، فَقُلْتُ: سَيِّدِي لَقَدْ بَعُدَ الْوَطَنُ وَطَالَ المَطْلَبُ، فَقَالَ: «يَا بْنَ المَازيَار، أَبِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَهِدَ إِلَيَّ أَنْ لَا أُجَاورَ قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ(2008) وَلَهُمُ الْخِزْيُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَأَمَرَني أَنْ لَا أَسْكُنَ مِنَ الْجِبَال إِلَّا وَعْرَهَا، وَمِنَ الْبِلَادِ إِلَّا قَفْرَهَا(2009)، وَاللهِ مَوْلَاكُمْ أَظْهَرَ التَّقِيَّةَ فَوَكَلَهَا بِي، فَأَنَا فِي التَّقِيَّةِ إِلَى يَوْم يُؤْذَنُ لِي فَأَخْرُجُ».
فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، مَتَى يَكُونُ هَذَا الْأَمْرُ؟ فَقَالَ: «إِذَا حِيلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ سَبِيل الْكَعْبَةِ، وَاجْتَمَعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَاسْتَدَارَ بِهِمَا الْكَوَاكِبُ وَالنُّجُومُ»، فَقُلْتُ: مَتَى يَا بْنَ رَسُول اللهِ؟ [فَ]قَالَ لِي: «فِي سَنَةِ كَذَا وَكَذَا تَخْرُجُ دَابَّةُ الْأَرْض مِنْ بَيْن الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَمَعَهُ عَصَا مُوسَى، وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ، تَسُوقُ النَّاسَ إِلَى المَحْشَر».
قَالَ: فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ أَيَّاماً، وَأَذِنَ لِي بِالْخُرُوج بَعْدَ أَنْ اسْتَقْصَيْتُ لِنَفْسِي،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2007) البان: شجر سبط القوام ليِّن، ورقه كورق الصفصاف، ويُشبَّه به القدُّ لطوله.
(2008) في المصدر إضافة: (ولعنهم).
(2009) في المصدر: (عفرها).

(٦٠٤)

وَخَرَجْتُ نَحْوَ مَنْزلِي، وَاللهِ لَقَدْ سِرْتُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْكُوفَةِ وَمَعِي غُلَامٌ يَخْدُمُنِي، فَلَمْ أَرَ إِلَّا خَيْراً، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً(2010).
دلائل الإمامة للطبري: عن محمّد بن سهل الجلودي، عن أحمد بن محمّد ابن جعفر الطائي، عن محمّد بن الحسن يحيى الحارثي، عن عليِّ بن إبراهيم بن مهزيار مثله، على وجه أبسط ممَّا رواه الشيخ، والمضمون قريب(2011).
بيان: قال الفيروزآبادي: الأُقحوان بالضمِّ: البابونج(2012). والأُرجوان بالضمِّ: الأحمر(2013). ولعلَّ المعنى أنَّ في اللطافة كان مثل الأُقحوان وفي اللون كالأُرجوان، فإنَّ الأُقحوان أبيض. ولا يبعد أنْ يكون في الأصل: (كأُقحوانة وأُرجوان) و(عليهما) و(أصابهما)، أو يكون الأُرجوان بدل الأُقحوانة فجمعهما النُّسَّاخ.
وإصابة الندى: تشبيه لما أصابه (علیه السلام) من العرق. وإصابة ألم الهواء لانكسار لون الحمرة وعدم اشتدادها، أو لبيان كون البياض أو الحمرة مخلوطة بالسمرة، فراعى في بيان سمرته (علیه السلام) غاية الأدب.
وقال الجزري في صفة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): كان صلت الجبين، أي واسعه، وقيل: الصلت: الأملس، وقيل: البارز(2014).
وقال في صفته (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أزج الحواجب، الزجج: تقويس في الحاجب مع طول في طرفه وامتداده

(2015). وقال الفيروزآبادي: رجل سهل الوجه: قليل لحمه(2016).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2010) الغيبة للطوسي (ص 263 - 267/ ح 228).
(2011) دلائل الإمامة (ص 539/ ح 522).
(2012) القاموس المحيط (ج 4/ ص 378).
(2013) القاموس المحيط (ج 4/ ص 334).
(2014) النهاية (ج 3/ ص 45).
(2015) النهاية (ج 2/ ص 296).
(2016) القاموس المحيط (ج 3/ ص 409).

(٦٠٥)

أقول: ولا يبعد أنْ يكون الشمس والقمر والنجوم كنايات عن الرسول وأمير المؤمنين والأئمَّة (صلوات الله عليهم أجمعين)، ويحتمل أنْ يكون المراد قرب الأمر بقيام الساعة التي يكون فيها ذلك، ويمكن حمله على ظاهره.
[421/7] الغيبة للطوسي: جَمَاعَةٌ، عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّدِ بْن قُولَوَيْهِ وَغَيْرهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن يَعْقُوبَ الْكُلَيْنيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن قَيْسٍ، عَنْ بَعْض جَلَاوزَةِ(2017) السَّوَادِ، قَالَ: شَهِدْتُ نَسِيماً آنِفاً بِسُرَّ مَنْ رَأى وَقَدْ كَسَرَ بَابَ الدَّار فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَبِيَدِهِ طَبَرْزينٌ، فَقَالَ: «مَا تَصْنَعُ فِي دَاري؟»، قَالَ نَسِيمٌ: إِنَّ جَعْفَراً زَعَمَ أَنَّ أَبَاكَ مَضَى وَلَا وَلَدَ لَهُ، فَإنْ كَانَتْ دَارَكَ فَقَدِ انْصَرَفْتُ عَنْكَ، فَخَرَجَ عَن الدَّار.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ قَيْسٍ: فَقَدِمَ عَلَيْنَا غُلَامٌ مِنْ خُدَّام الدَّار، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا الْخَبَر، فَقَالَ: مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا؟ قُلْتُ: حَدَّثَنِي بَعْضُ جَلَاوزَةِ السَّوَادِ، فَقَالَ لِي: لَا يَكَادُ يَخْفَى عَلَى النَّاس شَيْءٌ(2018).
[422/8] الغيبة للطوسي: بِهَذَا الْإسْنَادِ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِسْمَاعِيلَ بْن مُوسَى بْن جَعْفَرٍ وَكَانَ أَسَنَّ شَيْخ مِنْ وُلْدِ رَسُول اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قَالَ: رَأَيْتُهُ بَيْنَ المَسْجِدَيْن وَهُوَ غُلَامٌ(2019).
الإرشاد: ابن قولويه، عن الكليني، عن عليِّ بن محمّد، مثله(2020).
بيان: لعلَّ المراد بالمسجدين مسجدي مكَّة والمدينة.
[423/9] الغيبة للطوسي: بِهَذَا الْإسْنَادِ، عَنْ خَادِم لِإبْرَاهِيمَ بْن عَبْدَةَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2017) الجلاوزة: جمع الجِلْواز: الشرطي. (الصحاح: ج 3/ ص 869).
(2018) الغيبة للطوسي (ص 267/ ح 229)؛ ورواه الكليني في الكافي (ج 1/ ص 331)، وفيه: (سيما) بدل (نسيم) في الموضعين، فقيل: إنَّ سيماء من عبيد جعفر الكذَّاب، وقيل: إنَّه واحد من معتمدي السلطان.
(2019) الغيبة للطوسي (ص 268/ ح 230).
(2020) الإرشاد للمفيد (ج 2/ ص 351).

(٦٠٦)

النَّيْشَابُوريِّ، قَالَ: كُنْتُ وَاقِفاً مَعَ إِبْرَاهِيمَ عَلَى الصَّفَا، فَجَاءَ غُلَامٌ(2021) حَتَّى وَقَفَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَقَبَضَ عَلَى كِتَابِ مَنَاسِكِهِ وَحَدَّثَهُ بِأَشْيَاءَ(2022).
الإرشاد: ابن قولويه، عن الكليني، عن عليِّ بن محمّد، عن محمّد بن شاذان ابن نعيم، عن خادم لإبراهيم، مثله، وفيه: فجاء صاحب الأمر(2023).
[424/10] الغيبة للطوسي: بِهَذَا الْإسْنَادِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن إِدْريسَ، قَالَ: رَأَيْتُهُ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) حِينَ أَيْفَعَ، وَقَبَّلْتُ يَدَيْهِ وَرَأَسَهُ(2024).
الإرشاد: ابن قولويه، عن الكليني، عن عليِّ بن محمّد، عن أحمد بن إبراهيم بن إدريس، عن أبيه، مثله(2025).
بيان: أيفع الغلام: أي ارتفع، راهق العشرين.
[425/11] الغيبة للطوسي: بِهَذَا الْإسْنَادِ، عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْن مُطَهَّرٍ، قَالَ: رَأَيْتُهُ، وَوَصَفَ قَدَّهُ(2026).
[426/12] الغيبة للطوسي: أَحْمَدُ بْنُ عليٍّ الرَّازيُّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَحْمَدَ بْن أَبِي سَوْرَةَ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَن بْن عَبْدِ اللهِ التَّمِيمِيُّ، وَكَانَ زَيْدِيًّا، قَالَ: سَمِعْتُ هَذِهِ الْحِكَايَةَ مِنْ جَمَاعَةٍ يَرْوُونَهَا عَنْ أَبِي (رحمه الله)، أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الْحَيْر، قَالَ: فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى الْحَيْر إِذَا شَابٌّ حَسَنُ الْوَجْهِ يُصَلِّي، ثُمَّ إِنَّهُ وَدَّعَ وَوَدَّعْتُ، وَخَرَجْنَا فَجِئْنَا إِلَى المَشْرَعَةِ، فَقَالَ لِي: «يَا أبَا سَوْرَةَ، أَيْنَ تُريدُ؟»، فَقُلْتُ: الْكُوفَةَ، فَقَالَ لِي: «مَعَ مَنْ؟»، قُلْتُ: مَعَ النَّاس، قَالَ لِي: «لَا تُريدُ نَحْنُ جَمِيعاً نَمْضِي؟»، قُلْتُ: وَمَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2021) تراه في الكافي (ج 1/ ص 331)، وفيه: (فجاء (علیه السلام))، وهو الأظهر.
(2022) الغيبة للطوسي (ص 268/ ح 230).
(2023) الإرشاد للمفيد (ج 2/ ص 352).
(2024) الغيبة للطوسي (ص 268/ ح 232).
(2025) الإرشاد للمفيد (ج 2/ ص 353).
(2026) الغيبة للطوسي (ص 269/ ح 233).

(٦٠٧)

مَعَنَا؟ فَقَالَ: «لَيْسَ نُريدُ مَعَنَا أحَداً»، قَالَ: فَمَشَيْنَا لَيْلَتَنَا، فَإِذَا نَحْنُ عَلَى مَقَابِر مَسْجِدِ السَّهْلَةِ، فَقَالَ لِي: «هُوَ ذَا مَنْزلُكَ، فَإنْ شِئْتَ فَامْض»، ثُمَّ قَالَ لِي: «تَمُرُّ إِلَى ابْن الزُّرَاريِّ عَلِيِّ بْن يَحْيَى فَتَقُولُ لَهُ يُعْطِيكَ المَالَ الَّذِي عِنْدَهُ»، فَقُلْتُ لَهُ: لَا يَدْفَعُهُ إِلَيَّ، فَقَالَ لِي: «قُلْ لَهُ: بِعَلَامَةِ أَنَّهُ كَذَا وَكَذَا دِينَاراً، وَكَذَا وَكَذَا دِرْهَماً، وَهُوَ فِي مَوْضِع كَذَا وَكَذَا، وَعَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا مُغَطًّى»، فَقُلْتُ لَهُ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَن»، قُلْتُ: فَإنْ لَمْ يَقْبَلْ مِنِّي وَطُولِبْتُ بِالدَّلَالَةِ؟ فَقَالَ: «أَنَا وَرَاكَ»، قَالَ: فَجِئْتُ إِلَى ابْن الزُّرَاريِّ فَقُلْتُ لَهُ فَدَفَعَنِي، فَقُلْتُ لَهُ الْعَلاَمَاتِ الَّتِي قَالَ لِي، وَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قَالَ لِي: «أَنَا وَرَاكَ»، فَقَالَ: لَيْسَ بَعْدَ هَذَا شَيْءٌ، وَقَالَ: لَمْ يَعْلَمْ بِهَذَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، وَدَفَعَ إِلَيَّ المَالَ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ [عَنْهُ](2027)، وَزَادَ فِيهِ: قَالَ أَبُو سَوْرَةَ: فَسَأَلَنِيَ الرَّجُلُ عَنْ حَالِي، فَأَخْبَرْتُهُ بِضَيْقَتِي(2028) وَبعَيْلَتِي، فَلَمْ يَزَلْ يُمَاشِيني حَتَّى انْتَهَيْتُ(2029) إِلَى النَّوَاويس فِي السَّحَر، فَجَلَسْنَا، ثُمَّ حَفَرَ بِيَدِهِ فَإذَا المَاءُ قَدْ خَرَجَ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ قَالَ لِي: «امْض إِلَى أَبِي الْحَسَن عَلِيِّ بْن يَحْيَى فَاقْرَأ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ الرَّجُلُ: ادْفَعْ إِلَى أَبِي سَوْرَةَ مِنَ السَّبْعِمِائَةِ دِينَارٍ الَّتِي مَدْفُونَةٌ فِي مَوْضِع كَذَا وَكَذَا مِائَةَ دِينَارٍ»، وَإِنِّي مَضَيْتُ مِنْ سَاعَتِي إِلَى مَنْزلِهِ، فَدَقَقْتُ الْبَابَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: قُولِي(2030) لِأَبِي الْحَسَن: هَذَا أَبُو سَوْرَةَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا لِي وَلِأَبِي سَوْرَةَ؟ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْخَبَرَ، فَدَخَلَ وَأَخْرَجَ إِلَيَّ مِائَةَ دِينَارٍ، فَقَبَضْتُهَا، فَقَالَ لِي: صَافَحْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأَخَذَ يَدِي فَوَضَعَهَا عَلَى عَيْنَيْهِ وَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2027) كلمة: (عنه) ليست في المصدر.
(2028) في المصدر: (بضيقي).
(2029) في المصدر: (انتهينا).
(2030) خطاب للجارية التي سألت من خلف الباب: من هذا؟

(٦٠٨)

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عليٍّ: وَقَدْ رُويَ هَذَا الْخَبَرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْن عليٍّ الْجَعْفَريِّ، وَعَبْدِ اللهِ بْن الْحَسَن بْن بِشْرٍ الْخَزَّاز وَغَيْرهِمَا، وَهُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَهُمْ(2031).
الخرائج والجرائح: عن ابن أبي سورة، مثله(2032).
[427/13] الاحتجاج، والغيبة للطوسي: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ رَفَعَهُ، عَن الزُّهْريِّ، قَالَ: طَلَبْتُ هَذَا الْأَمْرَ طَلَباً شَاقًّا(2033) حَتَّى ذَهَبَ لِي فِيهِ مَالٌ صَالِحٌ، فَوَقَعْتُ - أي ذهبت - إِلَى الْعَمْريِّ وَخَدَمْتُهُ وَلَزمْتُهُ، وَسَأَلْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ صَاحِبِ الزَّمَان، فَقَالَ لِي: لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ وُصُولٌ، فَخَضَعْتُ، فَقَالَ لِي: بَكِّرْ بِالْغَدَاةِ، فَوَافَيْتُ وَاسْتَقْبَلَنِي وَمَعَهُ شَابٌّ مِنْ أَحْسَن النَّاس وَجْهاً، وَأَطْيَبِهِمْ رَائِحَةً بِهَيْأَةِ التُّجَّار(2034)، وَفِي كُمِّهِ شَيْءٌ كَهَيْأَةِ التُّجَّار، فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ دَنَوْتُ مِنَ الْعَمْريِّ، فَأَوْمَأ إِلَيَّ فَعَدَلْتُ - أي رجعت - إِلَيْهِ، وَسَأَلْتُهُ فَأَجَابَني عَنْ كُلِّ مَا أَرَدْتُ، ثُمَّ مَرَّ لِيَدْخُلَ الدَّارَ وَكَانَتْ مِنَ الدُّور الَّتِي لَا نَكْتَرثُ(2035) لَهَا(2036)، فَقَالَ الْعَمْريُّ: إِذْ(2037) أَرَدْتَ أَنْ تَسْأَلَ سَلْ(2038) فَإنَّكَ لَا تَرَاهُ بَعْدَ ذَا(2039)، فَذَهَبْتُ لِأَسْأَلَ، فَلَمْ يَسْمَعْ(2040) وَدَخَلَ الدَّارَ، وَمَا كَلَّمَنِي بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالَ: «مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ أَخَّرَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2031) الغيبة للطوسي (ص 269 و270/ ح 234 و235).
(2032) الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 470/ باب 13/ ح 15).
(2033) في الاحتجاج: (شافياً).
(2034) عبارة: (بهيأة التُّجَّار) ليست في الاحتجاج.
(2035) في الاحتجاج والغيبة: (لا يكترث).
(2036) في الاحتجاج: (بها).
(2037) في الاحتجاج: (إنْ).
(2038) في الاحتجاج: (فاسأل).
(2039) في الاحتجاج: (بعد ذلك).
(2040) في الاحتجاج: (يستمع).

(٦٠٩)

الْعِشَاءَ(2041) إِلَى أَنْ تَشْتَبِكَ النُّجُومُ(2042)، مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ أَخَّرَ الْغَدَاةَ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ(2043) النُّجُومُ»، وَدَخَلَ الدَّارَ(2044).
[428/14] الغيبة للطوسي: أَحْمَدُ بْنُ عليٍّ الرَّازيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عليٍّ، عَنْ عُبَيْدِ(2045) اللهِ بْن مُحَمَّدِ بْن جَابَانَ(2046) الدِّهْقَان، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ دَاوُدَ(2047) بْن غَسَّانَ الْبَحْرَانِيِّ، قَالَ: قَرَأَتُ عَلَى أَبِي سَهْلٍ إِسْمَاعِيلَ بْن عليٍّ النَّوْبَخْتِيِّ، قَالَ: مَوْلِدُ (م ح م د)(2048) بْن الْحَسَن بْن عَلِيِّ بْن مُحَمَّدِ بْن عليٍّ الرِّضَا بْن مُوسَى بْن جَعْفَرٍ الصَّادِقِ بْن مُحَمَّدٍ الْبَاقِر بْن عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ)، وُلِدَ (علیه السلام) بِسَامَرَّاءَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن، وَأُمُّهُ صَقِيلُ، وَيُكَنَّى أَبَا الْقَاسِم بِهَذِهِ الْكُنْيَةِ أَوْصَى النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّهُ قَالَ: «اسْمُهُ كَاسْمِي [وَ](2049) كُنْيَتُهُ كُنْيَتِي»، لَقَبُهُ المَهْدِيُّ، وَهُوَ الْحُجَّةُ، وَهُوَ المُنْتَظَرُ، وَهُوَ صَاحِبُ الزَّمَان (علیه السلام).
قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عليٍّ(2050): دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن بْن عليٍّ (علیهما السلام) فِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2041) كذا في المصدرين.
(2042) لفظ (العشاء) مصحَّف، والصحيح: (المغرب)، وذلك لأنَّ وقته المسنون يبتدئ من سقوط الحمرة إلى سقوط الشفق المساوق لاشتباك النجوم، فمن أخَّر صلاة المغرب عن اشتباك النجوم خالف السُّنَّة. كما أنَّ وقت صلاة الصبح المسنون يبتدئ من الغلس إلى ظهور الشفق المساوق لانقضاء النجوم، فمن أخَّرها إلى انقضاء النجوم قد خالف السُّنَّة.
(2043) في الاحتجاج: (تنفض).
(2044) الغيبة للطوسي (ص 271/ ح 236)؛ الاحتجاج (ج 2/ ص 557/ ح 350).
(2045) في المصدر: (عبد).
(2046) في المصدر: (خاقان).
(2047) في المصدر: (داد).
(2048) في المصدر: (محمّد) بدل (م ح م د).
(2049) حرف: (و) ليس في المصدر.
(2050) قال النجاشي: إسماعيل بن عليِّ بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت، كان شيخ المتكلِّمين من أصحابنا وغيرهم، له جلالة في الدنيا يجري مجرى الوزراء. وعنونه الشيخ في الفهرست وكنَّاه بأبي سهل.

(٦١٠)

المَرْضَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا، وَأَنَا عِنْدَهُ إِذْ قَالَ لِخَادِمِهِ عَقِيدٍ - وَكَانَ الْخَادِمُ أَسْوَدَ نُوبيًّا(2051) قَدْ خَدَمَ مِنْ قَبْلِهِ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رَبَّى الْحَسَنَ (علیه السلام) -، فَقَالَ لَهُ: «يَا عَقِيدُ، أَغْل لِي مَاءً بِمُصْطُكِي»، فَأَغْلَى لَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ بِهِ صَقِيلُ الْجَاريَةُ أمُّ الْخَلَفِ (علیه السلام)، فَلَمَّا صَارَ الْقَدَحُ فِي يَدَيْهِ وَهَمَّ بِشُرْبهِ فَجَعَلَتْ يَدُهُ تَرْتَعِدُ حَتَّى ضَرَبَ الْقَدَحُ ثَنَايَا الْحَسَن فَتَرَكَهُ مِنْ يَدِهِ، وَقَالَ لِعَقِيدٍ: «ادْخُل الْبَيْتَ فَإنَّكَ تَرَى صَبِيًّا سَاجِداً فَائتني(2052) بِهِ»، قَالَ أَبُو سَهْلٍ: قَالَ عَقِيدٌ: فَدَخَلْتُ أَتَحَرَّى، فَإذَا أَنَا بِصَبِيٍّ سَاجِدٍ رَافِعٌ سَبَّابَتَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَأَوْجَزَ فِي صَلَاتِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّ سَيِّدِي يَأَمُرُكَ بِالْخُرُوج إِلَيْهِ، إِذْ جَاءَتْ أُمُّهُ صَقِيلُ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ وَأَخْرَجَتْهُ إِلَى أَبِيهِ الْحَسَن (علیه السلام).
قَالَ أبُو سَهْلٍ: فَلَمَّا مَثُلَ الصَّبِيُّ بَيْنَ يَدَيْهِ سَلَّمَ، وَإِذَا هُوَ دُرِّيُّ اللَّوْن، وَفِي شَعْر رَأسِهِ قَطَطٌ، مُفَلَّجُ الْأَسْنَان، فَلَمَّا رَآهُ الْحَسَنُ بَكَى وَقَالَ: «يَا سَيِّدَ أَهْل بَيْتِهِ، اسْقِني المَاءَ فَإنِّي ذَاهِبٌ إِلى رَبِّي»، وَأَخَذَ الصَّبِيُّ الْقَدَحَ المَغْلِيَّ بِالمُصْطُكِي بِيَدِهِ ثُمَّ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ ثُمَّ سَقَاهُ، فَلَمَّا شَربَهُ قَالَ: «هَيِّؤُوني(2053) لِلصَّلَاةِ»، فَطُرحَ فِي حَجْرهِ مِنْدِيلٌ، فَوَضَّأَهُ الصَّبِيُّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَمَسَحَ عَلَى رَأسِهِ وَقَدَمَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام): «أَبْشِرْ يَا بُنَيَّ، فَأَنْتَ صَاحِبُ الزَّمَان، وَأَنْتَ المَهْدِيُّ، وَأَنْتَ حُجَّةُ اللهِ عَلَى أَرْضِهِ، وَأَنْتُ وَلَدِي وَوَصِيِّي وَأَنَا وَلَدْتُكَ، وَأَنْتَ (م ح م د)(2054) بْنُ الْحَسَن بْن عَلِيِّ بْن مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن مُوسَى بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيِّ بْن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2051) النوب والنوبة: جيل من السودان، الواحد نوبي. (الصحاح).
(2052) في المصدر: (فأتني).
(2053) في المصدر: (هيِّئوني).
(2054) في المصدر: (محمّد) بدل (م ح م د).

(٦١١)

أَبِي طَالِبٍ، وَلَدَكَ رَسُولُ اللهِ، وَأَنْتَ خَاتِمُ(2055) الْأَئِمَّةِ الطَّاهِرينَ، وَبَشَّرَ بِكَ رَسُولُ اللهِ وَسَمَّاكَ وَكَنَّاكَ، بِذَلِكَ عَهِدَ إِلَيَّ أَبِي عَنْ آبَائِكَ الطَّاهِرينَ، صَلَّى اللهُ عَلَى أَهْل الْبَيْتِ رَبُّنَا إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»، وَمَاتَ الْحَسَنُ بْنُ عليٍّ مِنْ وَقْتِهِ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ)(2056).
[429/15] الغيبة للطوسي: عَنْهُ، عَنْ أَبِي الْحُسَيْن مُحَمَّدِ بْن جَعْفَرٍ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن عَامِرٍ الْأَشْعَريُّ الْقُمِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ يُوسُفَ الضَّرَّابُ الْغَسَّانِيُّ فِي مُنْصَرَفِهِ مِنْ أَصْفَهَانَ، قَالَ: حَجَجْتُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْن، وَكُنْتُ مَعَ قَوْم مُخَالِفِينَ مِنْ أَهْل بَلَدِنَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ تَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ فَاكْتَرَى لَنَا دَاراً فِي زُقَاقٍ بَيْنَ سُوقِ اللَّيْل وَهِيَ دَارُ خَدِيجَةَ (عليها السلام) تُسَمَّى دَارَ الرِّضَا (علیه السلام)، وَفِيهَا عَجُوزٌ سَمْرَاءُ، فَسَأَلْتُهَا لَـمَّا وَقَفْتُ عَلَى أَنَّهَا دَارُ الرِّضَا (علیه السلام): مَا تَكُونِينَ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ الدَّار؟ وَلِـمَ سُمِّيَتْ دَارَ الرِّضَا (علیه السلام)؟ فَقَالَتْ: أَنَا مِنْ مَوَالِيهِمْ، وَهَذِهِ دَارُ الرِّضَا عَلِيِّ بْن مُوسَى (علیهما السلام) أَسْكَنَنِيهَا(2057) الْحَسَنُ بْنُ عليٍّ (علیهما السلام)، فَإنِّي كُنْتُ مِنْ خَدَمِهِ.
فَلَمَّا سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْهَا آنَسْتُ بِهَا وَأَسْرَرْتُ الْأَمْرَ عَنْ رُفَقَائِيَ المُخَالِفِينَ، فَكُنْتُ إِذَا انْصَرَفْتُ مِنَ الطَّوَافِ بِاللَّيْل أَنَامُ مَعَهُمْ فِي روَاقٍ فِي الدَّار، وَنُغْلِقُ الْبَابَ وَنُلْقِي خَلْفَ الْبَابِ حَجَراً كَبِيراً كُنَّا نُدِيرُ خَلْفَ الْبَابِ، فَرَأَيْتُ غَيْرَ لَيْلَةٍ ضَوْءَ السِّرَاج فِي الرِّوَاقِ الَّذِي كُنَّا فِيهِ شَبِيهاً بِضَوْءِ المَشْعَل، وَرَأَيْتُ الْبَابَ قَدِ انْفَتَحَ وَلَا أَرَى أَحَداً فَتَحَهُ مِنْ أَهْل الدَّار، وَرَأَيْتُ رَجُلاً رَبْعَةً أَسْمَرَ إِلَى الصُّفْرَةِ مَا هُوَ قَلِيلَ اللَّحْم، فِي وَجْهِهِ سَجَّادَةٌ عَلَيْهِ قَمِيصَان وَإِزَارٌ رَقِيقٌ قَدْ تَقَنَّعَ بِهِ وَفِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2055) في نسخة من المصدر إضافة: (الأوصياء).
(2056) الغيبة للطوسي (ص 271 - 273/ ح 237).
(2057) في المصدر: (أسكنيها).

(٦١٢)

رجْلِهِ نَعْلٌ طَاقٌ، فَصَعِدَ إِلَى الْغُرْفَةِ فِي الدَّار حَيْثُ كَانَتِ الْعَجُوزُ تَسْكُنُ، وَكَانَتْ تَقُولُ لَنَا: إِنَّ فِي الْغُرْفَةِ ابْنَتَهُ(2058) لَا تَدَعُ أَحَداً يَصْعَدُ إِلَيْهَا، فَكُنْتُ أَرَى الضَّوْءَ الَّذِي رَأَيْتُهُ يُضِيءُ فِي الرِّوَاقِ عَلَى الدَّرَجَةِ عِنْدَ صُعُودِ الرَّجُل إِلَى الْغُرْفَةِ الَّتِي يَصْعَدُهَا ثُمَّ أَرَاهُ فِي الْغُرْفَةِ مِنْ غَيْر أَنْ أَرَى السِّرَاجَ بِعَيْنهِ.
وَكَانَ الَّذِي مَعِي يَرَوْنَ مِثْلَ مَا أَرَى، فَتَوَهَّمُوا أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَخْتَلِفُ إِلَى ابْنَةِ الْعَجُوز، وَأَنْ يَكُونَ قَدْ تَمَتَّعَ بِهَا، فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ الْعَلَويَّةُ يَرَوْنَ المُتْعَةَ، وَهَذَا حَرَامٌ لَا يَحِلُّ فِيمَا زَعَمُوا، وَكُنَّا نَرَاهُ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَنَجِيءُ إِلَى الْبَابِ وَإِذَا الْحَجَرُ عَلَى حَالِهِ الَّتِي تَرَكْنَاهُ، وَكُنَّا نُغْلِقُ هَذَا الْبَابَ خَوْفاً عَلَى مَتَاعِنَا، وَكُنَّا لَا نَرَى أَحَداً يَفْتَحُهُ وَلَا يُغْلِقُهُ، وَالرَّجُلُ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَالْحَجَرُ خَلْفَ الْبَابِ إِلَى وَقْتٍ نُنَحِّيهِ إِذَا خَرَجْنَا.
فَلَمَّا رَأَيْتُ هَذِهِ الْأَسْبَابَ ضُربَ عَلَى قَلْبِي وَوَقَعَتْ فِي قَلْبِي فِتْنَةٌ، فَتَلَطَّفْتُ الْعَجُوزَ وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَقِفَ عَلَى خَبَر الرَّجُل، فَقُلْتُ لَهَا: يَا فُلَانَةُ، إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْأَلَكِ وَأُفَاوضَكِ مِنْ غَيْر حُضُور مَنْ مَعِي فَلاَ أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَأَنَا أُحِبُّ إِذَا رَأَيْتِني فِي الدَّار وَحْدِي أَنْ تَنْزلِي إِلَيَّ لِأَسْألَكِ عَنْ أَمْرٍ، فَقَالَتْ لِي مُسْرعَةً: وَأَنَا أُريدُ أَنْ أُسِرَّ إِلَيْكَ شَيْئاً فَلَمْ يَتَهَيَّأ لِي ذَلِكَ مِنْ أَجْل مَنْ مَعَكَ، فَقُلْتُ: مَا أَرَدْتِ أَنْ تَقُولِي؟ فَقَالَتْ: يَقُولُ لَكَ - وَلَمْ تَذْكُرْ أَحَداً -: «لَا تُحَاشِنْ أَصْحَابَكَ وَشُرَكَاءَكَ وَلَا تُلَاحِهِمْ(2059)، فَإنَّهُمْ أَعْدَاؤُكَ، وَدَارهِمْ»، فَقُلْتُ لَهَا: مَنْ يَقُولُ؟ فَقَالَتْ: أَنَا أَقُولُ، فَلَمْ أَجْسُرْ لِمَا دَخَلَ قَلْبِي مِنَ الْهَيْبَةِ أَنْ أُرَاجِعَهَا، فَقُلْتُ: أَيَّ أَصْحَابِي تَعْنِينَ؟ وَظَنَنْتُ أَنَّهَا تَعْنِي رُفَقَائِيَ الَّذِينَ كَانُوا حُجَّاجاً مَعِي، قَالَتْ: شُرَكَاءَكَ الَّذِينَ فِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2058) في المصدر: (ابنة).
(2059) الحشنة - بالكسر -: الحقد. (الصحاح: ج 5/ ص 2100)، يقال: حاشنه: أي شاتمه وسابَّه. وفي المصدر المطبوع: (خاشنه)، وهو ضدُّ لاينه. والملاحاة: المنازعة والمعاداة.

(٦١٣)

بَلَدِكَ وَفِي الدَّار مَعَكَ، وَكَانَ جَرَى بَيْني وَبَيْنَ الَّذِينَ مَعِي فِي الدَّار عَنَتٌ فِي الدِّين، فَسَعَوْا بِي حَتَّى هَرَبْتُ وَاسْتَتَرْتُ بِذَلِكَ السَّبَبِ، فَوَقَفْتُ عَلَى أَنَّهَا عَنَتْ أُولَئِكَ.
فَقُلْتُ لَهَا: مَا تَكُونينَ أَنْتِ مِنَ الرِّضَا؟ فَقَالَتْ: كُنْتُ خَادِمَةً لِلْحَسَن بْن عليٍّ (علیهما السلام)، فَلَمَّا اسْتَيْقَنْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: لأَسْأَلُهَا عَن الْغَائِبِ، فَقُلْتُ: بِاللهِ عَلَيْكِ رَأَيْتِهِ بِعَيْنكِ؟ فَقَالَتْ: يَا أَخِي، لَمْ أَرَهُ بِعَيْني فَإنِّي خَرَجْتُ وَأُخْتِي حُبْلَى، وَبَشَّرَنيَ الْحَسَنُ بْنُ عليٍّ (علیهما السلام) بِأَنِّي سَوْفَ أَرَاهُ فِي آخِر عُمُري، وَقَالَ لِي: «تَكُونينَ لَهُ كَمَا كُنْتِ لِي»، وَأَنَا الْيَوْمَ مُنْذُ كَذَا بِمِصْرَ، وَإِنَّمَا قَدِمْتُ الْآنَ بِكِتَابَةٍ وَنَفَقَةٍ وَجَّهَ بِهَا إِلَيَّ عَلَى يَدِ رَجُلٍ مِنْ أَهْل خُرَاسَانَ لَا يُفْصِحُ بِالْعَرَبيَّةِ، وَهِيَ ثَلَاثُونَ دِينَاراً، وَأَمَرَنِي أَنْ أَحُجَّ سَنَتِي هَذِهِ، فَخَرَجْتُ رَغْبَةً مِنِّي فِي أَنْ أَرَاهُ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي كُنْتُ أرَاهُ(2060) هُوَ هُوَ.
فَأخَذْتُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ صِحَاحاً فِيهَا سِتَّةٌ رَضَويَّةٌ مِنْ ضَرْبِ الرِّضَا (علیه السلام) قَدْ كُنْتُ خَبَأَتُهَا لِأُلْقِيَهَا فِي مَقَام إِبْرَاهِيمَ (علیه السلام)، وَكُنْتُ نَذَرْتُ وَنَوَيْتُ ذَلِكَ، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهَا وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَدْفَعُهَا إِلَى قَوْم مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ (عليها السلام) أَفْضَلُ مِمَّا أُلْقِيهَا فِي المَقَام وَأَعْظَمُ ثَوَاباً، فَقُلْتُ لَهَا: ادْفَعِي هَذِهِ الدَّرَاهِمَ إِلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهَا مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ (عليها السلام)، وَكَانَ فِي نِيَّتِي أَنَّ الَّذِي رَأَيْتُهُ هُوَ الرَّجُلُ وَإِنَّمَا تَدْفَعُهَا إِلَيْهِ، فَأَخَذَتِ الدَّرَاهِمَ وَصَعِدَتْ وَبَقِيَتْ سَاعَةً، ثُمَّ نَزَلَتْ فَقَالَتْ: يَقُولُ لَكَ: «لَيْسَ لَنَا فِيهَا حَقٌّ اجْعَلْهَا فِي المَوْضِع الَّذِي نَوَيْتَ، وَلَكِنْ هَذِهِ الرَّضَويَّةُ خُذْ مِنَّا بَدَلَهَا وَأَلْقِهَا فِي المَوْضِع الَّذِي نَوَيْتَ»، فَفَعَلْتُ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: الَّذِي أُمِرْتُ بِهِ عَن الرَّجُل.
ثُمَّ كَانَ مَعِي نُسْخَةُ تَوْقِيع خَرَجَ إِلَى الْقَاسِم بْن الْعَلَاءِ بِأذْرَبيجَانَ، فَقُلْتُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2060) في المصدر إضافة: (يدخل ويخرج).

(٦١٤)

لَهَا: تَعْرضِينَ هَذِهِ النُّسْخَةَ عَلَى إِنْسَانٍ قَدْ رَأَى تَوْقِيعَاتِ الْغَائِبِ، فَقَالَتْ: نَاولْنِي فَإنِّي أَعْرفُهُ، فَأَرَيْتُهَا النُّسْخَةَ وَظَنَنْتُ أَنَّ المَرْأةَ تُحْسِنُ أَنْ تَقْرَأَ، فَقَالَ: لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَقْرَأَهُ(2061) فِي هَذَا المَكَان، فَصَعِدَتِ الْغُرْفَةَ ثُمَّ أَنْزَلَتْهُ، فَقَالَتْ: صَحِيحٌ، وَفِي التَّوْقِيع أُبَشِّرُكُمْ بِبُشْرَى مَا بَشَّرْتُهُ بِهِ [إِيَّاهُ](2062)، وَغَيْرَهُ.
ثُمَّ قَالَتْ: يَقُولُ لَكَ: «إِذَا صَلَّيْتَ عَلَى نَبِيِّكَ كَيْفَ تُصَلِّي(2063)؟»، فَقُلْتُ: أَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ، وَبَاركْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ كَأَفْضَل مَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآل إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
فَقَالَتْ: لَا، إِذَا صَلَّيْتَ عَلَيْهِمْ فَصَلِّ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ وَسَمِّهِمْ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَلَمَّا كَانَتْ مِنَ الْغَدِ نَزَلَتْ وَمَعَهَا دَفْتَرٌ صَغِيرٌ، فَقَالَتْ: يَقُولُ لَكَ: «إِذَا صَلَّيْتَ عَلَى النَّبِيِّ فَصَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْصِيَائِهِ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ»، فَأَخَذْتُهَا وَكُنْتُ أَعْمَلُ بِهَا، وَرَأَيْتُ عِدَّةَ لَيَالٍ قَدْ نَزَلَ مِنَ الْغُرْفَةِ وَضَوْءُ السِّرَاج قَائِمٌ، وَكُنْتُ أَفْتَحُ الْبَابَ وَأَخْرُجُ عَلَى أَثَر الضَّوْءِ وَأَنَا أَرَاهُ - أَعْنَى الضَّوْءَ - وَلَا أَرَى أَحَداً حَتَّى يَدْخُلُ المَسْجِدَ، وَأَرَى جَمَاعَةً مِنَ الرِّجَال مِنْ بُلْدَانٍ شَتَّى يَأتُونَ بَابَ هَذِهِ الدَّار، فَبَعْضُهُمْ يَدْفَعُونَ إِلَى الْعَجُوز رقَاعاً مَعَهُمْ، وَرَأَيْتُ الْعَجُوزَ قَدْ دَفَعَتْ إِلَيْهِمْ كَذَلِكَ الرِّقَاعَ، فَيُكَلِّمُونَهَا وَتُكَلِّمُهُمْ وَلَا أَفْهَمُ عَيْنَهُمْ، وَرَأَيْتُ مِنْهُمْ(2064) فِي مُنْصَرَفِنَا جَمَاعَةً فِي طَريقِي إِلَى أَنْ قَدِمْتُ بَغْدَادَ.
نُسْخَةُ الدَّفْتَر الَّذِي خَرَجَ:
«بِسْم اللهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ، وَخَاتَم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2061) في المصدر: (أقرأ) بدل (أقرأه).
(2062) من المصدر.
(2063) في المصدر إضافة: (عليه).
(2064) في المصدر: (عنهم).

(٦١٥)

النَّبِيِّينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، المُنْتَجَبِ فِي الْمِيثَاقِ، المُصْطَفَى فِي الظِّلَالِ، المُطَهَّر مِنْ كُلِّ آفَةٍ، الْبَرِيءِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، المُؤَمَّل لِلنَّجَاةِ، المُرْتَجَى لِلشَّفَاعَةِ، المُفَوَّض إِلَيْهِ دِينُ اللهِ. اللَّهُمَّ شَرِّفْ بُنْيَانَهُ، وَعَظِّمْ بُرْهَانَهُ، وَأَفْلِجْ حُجَّتَهُ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ، وَأَضِئْ نُورَهُ، وَبَيِّضْ وَجْهَهُ، وَأَعْطِهِ الْفَضْلَ وَالْفَضِيلَةَ وَالمَنْزلَةَ وَالْوَسِيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوداً يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ. وَصَلِّ عَلَى أَمِير المُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ المُحَجَّلِينَ، وَسَيِّدِ الْوَصِيِّينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى الْحَسَن بْن عَلِيِّ، إِمَام المُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ المُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى الْحُسَيْن بْن عَلِيِّ، إِمَام المُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ المُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن، إِمَام المُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ المُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ، إِمَام المُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ المُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ، إِمَام المُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ المُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى مُوسَى بْن جَعْفَرٍ، إِمَام المُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ المُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى عَلِيِّ بْن مُوسَى، إِمَام المُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ المُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ، إِمَام المُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ المُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ، إِمَام المُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ المُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى الْحَسَن بْن عَلِيِّ، إِمَام المُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ المُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى الْخَلَفِ الْهَادِي المَهْدِيِّ، إِمَامِ المُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ المُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَهْل بَيْتِهِ الْأَئِمَّةِ الْهَادِينَ، الْعُلَمَاءِ الصَّادِقِينَ، الْأَبْرَارِ المُتَّقِينَ، دَعَائِم دِينكَ، وَأَرْكَانِ تَوْحِيدِكَ، وَتَرَاجِمَةِ وَحْيِكَ، وَحُجَجِكَ عَلَى خَلْقِكَ، وَخُلَفَائِكَ فِي أَرْضِكَ، الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لِنَفْسِكَ، وَاصْطَفَيْتَهُمْ عَلَى عِبَادِكَ، وَارْتَضَيْتَهُمْ لِدِينكَ، وَخَصَصْتَهُمْ بِمَعْرِفَتِكَ، وَجَلَّلْتَهُمْ بِكَرَامَتِكَ، وَغَشَّيْتَهُمْ

(٦١٦)

بِرَحْمَتِكَ، وَرَبَّيْتَهُمْ بِنِعْمَتِكَ، وَغَذَّيْتَهُمْ بِحِكْمَتِكَ، وَأَلْبَسْتَهُمْ [مِنْ](2065) نُورَكَ، وَرَفَعْتَهُمْ فِي مَلَكُوتِكَ، وَحَفَفْتَهُمْ بِمَلَائِكَتِكَ، وَشَرَّفْتَهُمْ بِنَبِيِّكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِمْ صَلَاةً كَثِيرَةً دَائِمَةً طَيِّبَةً، لَا يُحِيطُ بِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَسَعُهَا إِلَّا عِلْمُكَ، وَلَا يُحْصِيهَا أَحَدٌ غَيْرُكَ.
اللهُمَّ وَصَلِّ عَلَى وَلِيِّكَ المُحْيِي سُنَّتَكَ، الْقَائِم بأَمْركَ، الدَّاعِي إِلَيْكَ، الدَّلِيل عَلَيْكَ، حُجَّتِكَ عَلَى خَلْقِكَ، وَخَلِيفَتِكَ فِي أَرْضِكَ، وَشَاهِدِكَ عَلَى عِبَادِكَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ نَصْرَهُ، وَمُدَّ فِي عُمْرهِ، وَزَيِّن الْأَرْضَ بِطُولِ بَقَائِهِ، اللَّهُمَّ اكْفِهِ بَغْيَ الْحَاسِدِينَ، وَأَعِذْهُ مِنْ شَرِّ الْكَائِدِينَ، وَازْجُرْ(2066) عَنْهُ إِرَادَةَ الظَّالِمِينَ، وَخَلِّصْهُ(2067) مِنْ أَيْدِي الْجَبَّارِينَ.
اللَّهُمَّ أَعْطِهِ فِي نَفْسِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَشِيعَتِهِ وَرَعِيَّتِهِ وَخَاصَّتِهِ وَعَامَّتِهِ وَعَدُوِّهِ وَجَمِيع أَهْل الدُّنْيَا مَا تُقِرُّ بِهِ عَيْنَهُ، وَتَسُرُّ بِهِ نَفْسَهُ، وَبَلِّغْهُ أَفْضَلَ مَا أَمَّلَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
اللَّهُمَّ جَدِّدْ بِهِ مَا مُحِيَ مِنْ دِينكَ، وَأَحْي بِهِ مَا بُدِّلَ مِنْ كِتَابِكَ، وَأَظْهِرْ بِهِ مَا غُيِّرَ مِنْ حُكْمِكَ، حَتَّى يَعُودَ دِينُكَ بِهِ وَعَلَى يَدَيْهِ غَضًّا جَدِيداً خَالِصاً مُخْلِصاً لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَا شُبْهَةَ مَعَهُ، وَلَا بَاطِلَ عِنْدَهُ، وَلَا بِدْعَةَ لَدَيْهِ.
اللَّهُمَّ نَوِّرْ بِنُورِهِ كُلَّ ظُلْمَةٍ، وَهُدَّ بِرُكْنِهِ كُلَّ بِدْعَةٍ، وَاهْدِمْ بِعِزَّتِهِ كُلَّ ضَلَالَةٍ، وَاقْصِمْ بِهِ كُلَّ جَبَّارٍ، وَأَخْمِدْ بِسَيْفِهِ(2068) كُلَّ نَارٍ، وَأَهْلِكْ بِعَدْلِهِ كُلِّ جَائِرٍ وَأَجْر حُكْمَهُ عَلَى كُلِّ حُكْم، وَأَذِلَّ بِسُلْطَانِهِ كُلَّ سُلْطَانٍ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2065) من المصدر.
(2066) في المصدر: (وادحر)، وكلاهما بمعنى الطرد والإبعاد.
(2067) في المصدر: (وتُخلِّصه).
(2068) بنوره (خ ل).

(٦١٧)

اللَّهُمَّ أَذِلَّ كُلَّ مَنْ نَاوَاهُ، وَأَهْلِكْ كُلَّ مَنْ عَادَاهُ، وَامْكُرْ بِمَنْ كَادَهُ، وَاسْتَأصِلْ(2069) مَنْ جَحَدَهُ حَقَّهُ وَاسْتَهَانَ بِأَمْرهِ، وَسَعَى فِي إِطْفَاءِ نُورِهِ، وَأَرَادَ إِخْمَادَ ذِكْرهِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ المُصْطَفَى، وَعَلِيٍّ المُرْتَضَى، وَفَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ، وَالْحَسَن الرِّضَا، وَالْحُسَيْن المُصْطَفَى، وَجَمِيع الْأَوْصِيَاءِ، مَصَابِيح الدُّجَى، وَأَعْلَام الْهُدَى، وَمَنَارِ التُّقَى، وَالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَالْحَبْل المَتِين، وَالصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ، وَصَلِّ عَلَى وَلِيِّكَ وَوُلَاةِ عَهْدِهِ، وَالْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ، وَمُدَّ فِي أَعْمَارِهِمْ، وَزِدْ(2070) فِي آجَالِهِمْ، وَبَلِّغْهُمْ أَقْصَى آمَالِهِمْ دِيناً وَدُنْيَاً وَآخِرَةً، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»(2071).
دلائل الإمامة للطبري: قال: نقلت هذا الخبر من أصل بخطِّ شيخنا أبي عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري، قال: حدَّثني أبو الحسن عليُّ بن عبد الله القاساني، عن الحسين بن محمّد، عن يعقوب بن يوسف، مثله(2072).
بيان: رجل ربعة: أي لا طويل ولا قصير. قوله: (إلى الصفرة ما هو): أي مائل إلى الصفرة وما هو بأصفر. قوله: (في نعل طاق): أي من غير أنْ يلبس تحته شيئاً من جورب ونحوه. قوله: (ضرب على قلبي): أي أُغمي عليَّ وأغفلت أنْ أعرف أنَّ هذه الأُمور ينبغي أنْ يكون من إعجازه، من قوله تعالى: ﴿فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ﴾ [الكهف: 11]، أي حجاباً. ويحتمل أنْ يكون كناية عن تزلزل القلب واضطرابه. والفتنة هنا الشكُّ(2073).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2069) في المصدر: (من) بدل (بمن).

(2070) في المصدر: (وأزد) بدل (وزد).
(2071) الغيبة للطوسي (ص 273 - 280/ ح 238).
(2072) دلائل الإمامة (ص 545/ ح 524).
(2073) بل هو بمعنى الامتحان، ولذلك كان يتلطَّف العجوز ليقف على خبر الرجل.

(٦١٨)

[430/16] أمالي الطوسي: أَبُو مُحَمَّدٍ الْفَهَّامُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الطَّيِّبِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن بُطَّةَ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ المَشْهَدَ وَيَزُورُ مِنْ وَرَاءِ الشُّبَّاكِ، فَقَالَ لِي: جِئْتُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ نِصْفَ نَهَار ظُهْرٍ(2074)، وَالشَّمْسُ تَغْلِي، وَالطَّريقُ خَالٍ مِنْ أَحَدٍ، وَأَنَا فَزعٌ مِنَ الدُّعَّار(2075) وَمِنْ أَهْل الْبَلَدِ الْجُفَاةِ(2076)، إِلَى أَنْ بَلَغْتُ الْحَائِطَ الَّذِي أَمْضِي مِنْهُ إِلَى الْبُسْتَان(2077)، فَمَدَدْتُ عَيْني وَإِذَا بِرَجُلٍ جَالِسٌ عَلَى الْبَابِ ظَهْرُهُ إِلَيَّ كَأنَّهُ يَنْظُرُ فِي دَفْتَرٍ، فَقَالَ لِي: «إِلَى أَيْنَ يَا أبَا الطَّيِّبِ؟»، بِصَوْتٍ يُشْبِهُ صَوْتَ حُسَيْن بْن عَلِيِّ بْن أَبِي(2078) جَعْفَرٍ ابْن الرِّضَا، فَقُلْتُ: هَذَا حُسَيْنٌ قَدْ جَاءَ يَزُورُ أَخَاهُ، قُلْتُ: يَا سَيِّدِي، أَمْضِي أَزُورُ مِنَ الشُّبَّاكِ وَأَجِيئُكَ فَأَقْضِي حَقَّكَ، قَالَ: «وَلِـمَ لَا تَدْخُلُ يَا أبَا الطَّيِّبِ؟»، فَقُلْتُ لَهُ: الدَّارُ لَهَا مَالِكٌ لَا أَدْخُلُهَا مِنْ غَيْر إِذْنِهِ، فَقَالَ: «يَا أبَا الطَّيِّبِ، تَكُونُ مَوْلَانَا رقًّا وَتُوَالِينَا حَقًّا وَنَمْنَعُكَ تَدْخُلُ الدَّارَ؟ ادْخُلْ يَا أبَا الطَّيِّبِ»، فَقُلْتُ: أَمْضِي أُسَلِّمُ إِلَيْهِ(2079) وَلَا أَقْبَلُ مِنْهُ، فَجِئْتُ إِلَى الْبَابِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَتَعَسَّرَ بِي(2080)، فَبَادَرْتُ إِلَى عِنْدِ الْبَصْريِّ خَادِم المَوْضِع، فَفَتَحَ لِيَ الْبَابَ، فَدَخَلْتُ. فَكُنَّا نَقُولُ: أَلَيْسَ كُنْتَ لَا تَدْخُلُ الدَّارَ؟ فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَقَدْ أَذِنُوا لِي وَبَقِيتُمْ أَنْتُمْ(2081).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2074) في المصدر: (ظهير).
(2075) في المصدر: (الزعار)، قال الجوهري: الدَعَر - بالتحريك -: الفساد. (الصحاح: ج 2/ ص 658). وقال: الزعارة - بتشديد الراء -: شراسة الخلق. (الصحاح: ج 2/ ص 670).
(2076) في المصدر: (أتخفى).
(2077) في المصدر: (الشبَّاك).
(2078) كلمة: (أبي) ليست في المصدر.
(2079) في المصدر: (عليه).
(2080) في المصدر: (فيُشعِرني).
(2081) أمالي الطوسي (ص 288/ مجلس 11/ ح 559).

(٦١٩)

[431/17] كمال الدِّين: عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْوَرَّاقُ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْن إِسْحَاقَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن بْن عليٍّ (علیهما السلام) وَأَنَا أُريدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَن الْخَلَفِ(2082) بَعْدَهُ، فَقَالَ لِي مُبْتَدِئاً: «يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يُخْل الْأَرْضَ مُنْذُ خَلَقَ آدَمَ، وَلَا تَخْلُو إِلَى يَوْم الْقِيَامَةِ(2083) مِنْ حُجَّةِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ، [بِهِ](2084) يَدْفَعُ الْبَلَاءَ عَنْ أَهْل الْأَرْض، وَبِهِ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَبِهِ يُخْرجُ بَرَكَاتِ الْأَرْض».
قَالَ: فَقُلْتُ: يَا بْنَ رَسُول اللهِ، فَمَن الْإمَامُ وَالْخَلِيفَةُ بَعْدَكَ؟ فَنَهَضَ (علیه السلام) فَدَخَلَ الْبَيْتَ، ثُمَّ خَرَجَ وَعَلَى عَاتِقِهِ غُلَامٌ كَأنَّ وَجْهَهُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْر، مِنْ أَبْنَاءِ ثَلَاثِ سِنينَ، فَقَالَ: «يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ، لَوْ لَا كَرَامَتُكَ عَلَى اللهِ وَعَلَى حُجَجِهِ مَا عَرَضْتُ عَلَيْكَ ابْني هَذَا، إِنَّهُ سَمِيُّ رَسُول اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَكَنِيُّهُ، الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً. يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ، مَثَلُهُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مَثَلُ الْخَضِر (علیه السلام)، وَمَثَلُهُ كَمَثَل(2085) ذِي الْقَرْنَيْن، وَاللهِ لَيَغِيبَنَّ غَيْبَةً لَا يَنْجُو فِيهَا مِنَ التَّهْلُكَةِ(2086) إِلَّا مَنْ يُثْبِتُهُ اللهُ عَلَى الْقَوْل بِإمَامَتِهِ، وَوَفَّقَهُ(2087) لِلدُّعَاءِ بِتَعْجِيل فَرَجِهِ».
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا مَوْلَايَ، هَلْ مِنْ عَلَامَةٍ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا قَلْبِي؟ فَنَطَقَ الْغُلَامُ (علیه السلام) بِلِسَانٍ عَرَبيٍّ فَصِيح، فَقَالَ: «أَنَا بَقِيَّةُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، وَالمُنْتَقِمُ مِنْ أَعْدَائِهِ، فَلَا تَطْلُبْ أَثَراً بَعْدَ عَيْنٍ يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ».
فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَخَرَجْتُ مَسْرُوراً فَرحاً، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ عُدْتُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2082) في نسخة من المصدر إضافة: (من).
(2083) في المصدر: (لا يخليها إلى أنْ تقوم الساعة) بدل (ولا تخلو إلى يوم القيامة).
(2084) كلمة: (به) ليست في المصدر.
(2085) في المصدر: (مثل) بدل (كمثل).
(2086) في المصدر: (الهلكة).
(2087) في نسخة من المصدر إضافة: (فيها).

(٦٢٠)

إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا بْنَ رَسُول اللهِ، لَقَدْ عَظُمَ سُرُوري بِمَا أَنْعَمْتَ(2088) عَلَيَّ، فَمَا السُّنَّةُ الْجَاريَةُ فِيهِ مِنَ الْخَضِر وَذِي الْقَرْنَيْن؟ فَقَالَ: «طُولُ الْغَيْبَةِ يَا أَحْمَدُ»، فَقُلْتُ لَهُ: يَا بْنَ رَسُول اللهِ، وَإِنَّ غَيْبَتَهُ لَتَطُولُ؟ قَالَ: «إِي وَرَبِّي حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ هَذَا الْأَمْر أَكْثَرُ الْقَائِلِينَ بِهِ، فَلَا يَبْقَى إِلَّا مَنْ أَخَذَ اللهُ عَهْدَهُ بِوَلَايَتِنَا وَكَتَبَ فِي قَلْبِهِ الْإيمَانَ وَأيَّدَهُ بِرُوح مِنْهُ. يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ، هَذَا أَمْرٌ مِنْ أَمْر اللهِ، وَسِرٌّ مِنْ سِرِّ اللهِ، وَغَيْبٌ مِنْ غَيْبِ اللهِ، فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَاكْتُمْهُ، وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرينَ، تَكُنْ(2089) غَداً فِي عِلِّيِّينَ».
قَالَ الصَّدُوقُ (رحمه الله): لَمْ أَسْمَعُ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا مِنْ عَلِيِّ بْن عَبْدِ اللهِ الْوَرَّاقِ، وَوَجَدْتُهُ مُثْبَتاً بِخَطِّهِ، فَسَألْتُهُ عَنْهُ، فَرَوَاهُ لِي [قِرَاءَةً](2090) عَنْ سَعْدِ بْن عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْن إِسْحَاقَ (رضي الله عنه) كَمَا ذَكَرْتُهُ(2091).
[432/18] كمال الدِّين: المُظَفَّرُ الْعَلَويُّ، عَن ابْن الْعَيَّاشِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آدَمَ بْن مُحَمَّدٍ الْبَلْخِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن بْن هَارُونَ، عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ اللهِ بْن الْقَاسِم، عَنْ يَعْقُوبَ بْن منفوس(2092)، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن بْن عليٍّ (علیهما السلام) وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى دُكَّانٍ فِي الدَّار وَعَنْ يَمِينهِ بَيْتٌ عَلَيْهِ سِتْرٌ مُسْبَلٌ، فَقُلْتُ لَهُ: سَيِّدِي مَنْ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْر؟ فَقَالَ: «ارْفَع السِّتْرَ»، فَرَفَعْتُهُ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا غُلَامٌ خُمَاسِيٌّ لَهُ عَشْرٌ أَوْ ثَمَانٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَاضِحُ الْجَبِين، أَبْيَضُ الْوَجْهِ، دُرِّيُّ المُقْلَتَيْن، شَثْنُ الْكَفَّيْن، مَعْطُوفُ الرُّكْبَتَيْن، فِي خَدِّهِ الْأَيْمَن خَالٌ، وَفِي رَأسِهِ ذُؤَابَةٌ، فَجَلَسَ عَلَى فَخِذِ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَقَالَ: «هَذَا صَاحِبُكُمْ»، ثُمَّ وَثَبَ فَقَالَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2088) في المصدر: (بما مننت) بدل (بما أنعمت)، وفي نسخة منه: (بما مننت به).
(2089) في المصدر إضافة: (معنا).
(2090) كلمة: (قراءة) ليست في المصدر.
(2091) كمال الدِّين (ج 2/ ص 384/ باب 38/ ح 1).
(2092) في المصدر: (منقوش).

(٦٢١)

لَهُ: «يَا بُنَيَّ، ادْخُلْ إِلَى الْوَقْتِ المَعْلُوم»، فَدَخَلَ الْبَيْتَ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا يَعْقُوبُ، انْظُرْ مَنْ فِي الْبَيْتِ؟»، فَدَخَلْتُ فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً(2093).
إيضاح: قوله: (دُرِّي المقلتين) المراد به شدَّة بياض العين، أو تلألؤ جميع الحدقة، من قولهم: كوكب دُرِّئ بالهمز ودونها. قوله: (معطوف الركبتين): أي كانتا مائلتين إلى القدَّام لعظمهما وغلظهما، كما أنَّ شثن الكفَّين غلظهما.
[433/19] كمال الدِّين: عَلِيُّ بْنُ الْحَسَن بْن الْفَرَج(2094)، عَنْ مُحَمَّدِ بْن الْحَسَن الْكَرْخِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هَارُونَ - رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِنَا - يَقُولُ: رَأَيْتُ صَاحِبَ الزَّمَان (علیه السلام) وَوَجْهُهُ يُضِيءُ كَأَنَّهُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْر، وَرَأَيْتُ عَلَى سُرَّتِهِ شَعْراً يَجْري كَالْخَطِّ، وَكَشَفْتُ الثَّوْبَ عَنْهُ، فَوَجَدْتُهُ مَخْتُوناً، فَسَأَلْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ (علیه السلام) عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «هَكَذَا وُلِدَ، وَهَكَذَا وُلِدْنَا، وَلَكِنَّا سَنُمِرُّ المُوسَى لِإصَابَةِ السُّنَّةِ»(2095).
الغيبة للطوسي: جماعة، عن الصدوق، مثله(2096).
[434/20] كمال الدِّين: مَاجِيلَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّار، عَنْ جَعْفَرٍ الْفَزَاريِّ، عَنْ مُعَاويَةَ بْن حُكَيْم(2097) وَمُحَمَّدِ بْن أَيُّوبَ بْن نُوح وَمُحَمَّدِ بْن عُثْمَانَ الْعَمْريِّ، قَالُوا: عَرَضَ عَلَيْنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عليٍّ (علیهما السلام) ابْنَهُ وَنَحْنُ فِي مَنْزلِهِ وَكُنَّا أَرْبَعِينَ رَجُلاً، فَقَالَ: «هَذَا إِمَامُكُمْ مِنْ بَعْدِي وَخَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ، أَطِيعُوا(2098)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2093) كمال الدِّين (ج 2/ ص 407/ باب 38/ ح 2).
(2094) في النسخة المطبوعة: (عليُّ بن الحسين بن الفرج)، وهو سهو.
(2095) كمال الدِّين (ج 2/ ص 434/ باب 43/ ح 1).
(2096) الغيبة للطوسي (ص 250/ ح 219).
(2097) في النسخة المطبوعة: (عن محمّد بن معاوية بن حكيم)، وهو سهو وتخليط، ففي المصدر: (عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري، عن معاوية بن حكيم).
(2098) في المصدر: (أطيعوه).

(٦٢٢)

وَلَا تَتَفَرَّقُوا مِنْ بَعْدِي فَتَهْلِكُوا فِي أَدْيَانِكُمْ، أَمَا إِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَهُ بَعْدَ يَوْمِكُمْ هَذَا».
قَالُوا: فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ، فَمَا مَضَتْ إِلَّا أَيَّامٌ قَلَائِلُ حَتَّى مَضَى أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام)(2099).
بيان: قوله (علیه السلام): (أمَا إنَّكم لا ترونه): أي أكثركم، أو عن قريب فإنَّ الظاهر أنَّ محمّد بن عثمان كان يراه في أيَّام سفارته، وهو الظاهر من الخبر الآتي، مع أنَّه يحتمل أنْ يكون في أيَّام سفارته تصل إليه الكُتُب من وراء حجاب أو بوسائط، وما أخبر به في الخبر الآتي يكون إخباراً عن هذه المرَّة، لكنَّهما بعيدان.
[435/21] كمال الدِّين: ابْنُ الْوَلِيدِ، عَن الْحِمْيَريِّ، قَالَ: قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْن عُثْمَانَ الْعَمْريِّ (رضي الله عنه): إِنِّي أَسْأَلُكَ سُؤَالَ إِبْرَاهِيمَ رَبَّهُ (عزَّ وجلَّ) حِينَ قَالَ: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: 260]، أَخْبِرْني عَنْ صَاحِبِ هَذَا الْأَمْر هَلْ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَهُ رَقَبَةٌ مِثْلُ ذِي - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عُنُقِهِ -(2100).
[436/22] كمال الدِّين: الدَّقَّاقُ وَابْنُ عِصَام وَالْوَرَّاقُ جَمِيعاً، عَن الْكُلَيْنيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَالْحُسَيْن ابْنَيْ عَلِيِّ بْن إِبْرَاهِيمَ(2101) فِي سَنَةِ تِسْع وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْن، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْن عَبْدِ الرَّحْمَن الْعَبْدِيُّ - مِنْ عَبْدِ قَيْسٍ -، عَنْ ضَوْءِ بْن عليٍّ الْعِجْلِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْل فَارسَ سَمَّاهُ، قَالَ: أَتَيْتُ سُرَّ مَنْ رَأى، فَلَزمْتُ بَابَ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَدَعَانِي مِنْ غَيْر أَنْ أَسْتَأذِنَ، فَلَمَّا دَخَلْتُ وَسَلَّمْتُ قَالَ لِي: «يَا أَبَا فُلَانٍ، كَيْفَ حَالُكَ؟»، ثُمَّ قَالَ لِي: «اقْعُدْ يَا فُلَانُ»، ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ رجَالٍ وَنسَاءٍ مِنْ أَهْلِي، ثُمَّ قَالَ لِي: «مَا الَّذِي أَقْدَمَكَ(2102)؟»،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2099) كمال الدِّين (ج 2/ ص 435/ باب 43/ ح 2).
(2100) كمال الدِّين (ج 2/ ص 435/ باب 43/ ح 3).
(2101) يعني عليّ بن إبراهيم بن موسى بن جعفر (علیه السلام).
(2102) في المصدر إضافة: (عليَّ).

(٦٢٣)

قُلْتُ: رَغْبَةٌ فِي خِدْمَتِكَ، قَالَ: فَقَالَ لِي: «الْزَم الدَّارَ»، قَالَ: فَكُنْتُ فِي الدَّار مَعَ الْخَدَم، ثُمَّ صِرْتُ أَشْتَري لَهُمُ الْحَوَائِجَ مِنَ السُّوقِ، وَكُنْتُ أَدْخُلُ مِنْ غَيْر إِذْنٍ إِذَا كَانَ فِي دَار الرِّجَال.
فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ يَوْماً فِي دَار الرِّجَال، فَسَمِعْتُ حَرَكَةً فِي الْبَيْتِ، فَنَادَانِي: «مَكَانَكَ لَا تَبْرَحْ»، فَلَمْ أَجْسُرْ أَدْخُلُ وَلَا أَخْرُجُ، فَخَرَجَتْ عَلَيَّ جَاريَةٌ وَمَعَهَا شَيْءٌ مُغَطًّى، ثُمَّ نَادَانِي: «ادْخُلْ»، فَدَخَلْتُ، وَنَادَى الْجَاريَةَ فَرَجَعَتْ، فَقَالَ لَهَا: «اكْشِفِي عَمَّا مَعَكِ»، فَكَشَفَتْ عَنْ غُلَام أَبْيَضَ حَسَن الْوَجْهِ، وَكَشَفَ(2103) عَنْ بَطْنِهِ فَإذَا شَعَرَاتٌ(2104) مِنْ لَبَّتِهِ إِلَى سُرَّتِهِ أَخْضَرُ لَيْسَ بِأَسْوَدَ، فَقَالَ: «هَذَا صَاحِبُكُمْ»، ثُمَّ أَمَرَهَا فَحَمَلَتْهُ، فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى مَضَى أَبُو مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ).
قَالَ ضَوْءُ بْنُ عليٍّ: فَقُلْتُ لِلْفَارسِيِّ: كَمْ كُنْتَ تُقَدِّرُ لَهُ مِنَ الْعُمُر(2105)؟ قَالَ: سَنَتَيْن.
قَالَ الْعَبْدِيُّ: قُلْتُ لِضَوْءٍ: كَمْ تُقَدِّرُ لَهُ فِي وَقْتِنَا الْآنَ؟ قَالَ: أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
قَالَ أَبُو عليٍّ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ: وَنَحْنُ نُقَدِّرُ لَهُ الْآنَ إِحْدَى وَعِشْرينَ سَنَةً(2106).
الغيبة للطوسي: الكليني، مثله(2107).
[437/23] كمال الدِّين: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدِ بْن حَاتِم، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مُحَمَّدِ بْن جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن جَعْفَرٍ الْفَارسِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِسْمَاعِيلَ بْن بِلَالٍ، عَن الْأَزْهَريِّ مَسْرُور بْن الْعَاص، عَنْ مُسْلِم بْن الْفَضْل، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2103) في المصدر: (وكسفت) بدل (وكشف).
(2104) في المصدر: (شعر نابت) بدل (شعرات).
(2105) في المصدر: (السنين).
(2106) كمال الدِّين (ج 2/ ص 435 و436/ باب 43/ ح 4).
(2107) الغيبة للطوسي (ص 233/ ح 202)؛ الكافي (ج 1/ ص 514).

(٦٢٤)

غَانِمَ بْنَ سَعِيدٍ الْهِنْدِيَّ بِالْكُوفَةِ، فَجَلَسْتُ، فَلَمَّا طَالَتْ مُجَالَسَتِي إِيَّاهُ سَأَلْتُهُ عَنْ حَالِهِ وَقَدْ كَانَ وَقَعَ إِلَيَّ شَيْءٌ مِنْ خَبَرهِ، فَقَالَ: كُنْتُ مِنْ بَلَدِ(2108) الْهِنْدِ بِمَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا: قِشْمِيرُ الدَّاخِلَةُ وَنَحْنُ أَرْبَعُونَ رَجُلاً(2109).
وَحَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عَلَّانٍ الْكُلَيْنيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن قَيْسٍ، عَنْ غَانِم ابْن(2110) سَعِيدٍ الْهِنْدِيِّ(2111).
قَالَ عَلَّانٌ: وَحَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن مُحَمَّدٍ الْأَشْعَريِّ، عَنْ غَانِم، قَالَ: كُنْتُ أَكُونُ(2112) مَعَ مَلِكِ الْهِنْدِ فِي قِشْمِيرَ الدَّاخِلَةِ، وَنَحْنُ أَرْبَعُونَ رَجُلاً نَقْعُدُ حَوْلَ كُرْسِيِّ المَلِكِ، قَدْ قَرَأنَا التَّوْرَاةَ وَالْإنْجِيلَ وَالزَّبُورَ، وَيَفْزَعُ إِلَيْنَا فِي الْعِلْم، فَتَذَاكَرْنَا يَوْماً مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَقُلْنَا: نَجِدُهُ فِي كُتُبِنَا، فَاتَّفَقْنَا عَلَى أَنْ أَخْرُجَ فِي طَلَبِهِ وَأَبْحَثَ عَنْهُ، فَخَرَجْتُ وَمَعِي مَالٌ، فَقَطَعَ عَلَيَّ التُّرْكُ وَشَلَّحُوني، فَوَقَعْتُ إِلَى كَابُلَ، وَخَرَجْتُ مِنْ كَابُلَ إِلَى بَلْخ، وَالْأَمِيرُ بِهَا ابْنُ أَبِي شور(2113)، فَأَتَيْتُهُ وَعَرَّفْتُهُ مَا خَرَجْتُ لَهُ، فَجَمَعَ الْفُقَهَاءَ وَالْعُلَمَاءَ لِمُنَاظَرَتِي، فَسَأَلْتُهُمْ عَنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالُوا: هُوَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَقَدْ مَاتَ، فَقُلْتُ: وَمَنْ كَانَ خَلِيفَتَهُ؟ قَالُوا: أَبُو بَكْرٍ، فَقُلْتُ: انْسُبُوهُ لِي، فَنَسَبُوهُ إِلَى قُرَيْشٍ، فَقُلْتُ: لَيْسَ هَذَا بنبيٍّ(2114)، إِنَّ الَّذِي(2115) نَجِدُهُ فِي كُتُبِنَا خَلِيفَتُهُ ابْنُ عَمِّهِ وَزَوْجُ ابْنَتِهِ وَأَبُو وُلْدِهِ، فَقَالُوا لِلْأَمِير: إِنَّ هَذَا قَدْ خَرَجَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2108) في المصدر: (ببلد) بدل (من بلد).
(2109) كمال الدِّين (ج 2/ ص 437/ باب 43/ ح 6).
(2110) في المصدر: (أبي) بدل (بن).
(2111) ورواه الكليني في الكافي (ج 1/ ص 515)، بغير هذا اللفظ والمعنى يشبهه، فراجع.
(2112) في المصدر: (عند) بدل (أكون).
(2113) في الكافي: (داود بن العبَّاس بن أبي أسود).
(2114) جاءت العبارة في المطبوعة بتقديم وتأخير.
(2115) في المصدر: (النبيَّ) بدل (الذي).

(٦٢٥)

مِنَ الشِّرْكِ إِلَى الْكُفْر، فَمُرْ بِضَرْبِ عُنُقِهِ، فَقُلْتُ لَهُمْ: أَنَا مُتَمَسِّكٌ بِدِينٍ لَا أَدَعُهُ إِلَّا بِبَيَانٍ، فَدَعَا الْأَمِيرُ الْحُسَيْنَ بْنَ إِشْكِيبَ(2116)، وَقَالَ لَهُ: يَا حُسَيْنُ، نَاظِر الرَّجُلَ، فَقَالَ: الْعُلَمَاءُ وَالْفُقَهَاءُ حَوْلَكَ فَمُرْهُمْ بِمُنَاظَرَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: نَاظِرْهُ كَمَا أَقُولُ لَكَ وَاخْلُ بِهِ وَالْطُفْ لَهُ، فَقَالَ: فَخَلَا بِيَ الْحُسَيْنُ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ: هُوَ كَمَا قَالُوهُ لَكَ غَيْرَ أَنَّ خَلِيفَتَهُ ابْنُ عَمِّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام)، وَهُوَ زَوْجُ ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ، وَأَبُو وُلْدِهِ الْحَسَن وَالْحُسَيْن، فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَصِرْتُ إِلَى الْأَمِير فَأَسْلَمْتُ، فَمَضَى بِي إِلَى الْحُسَيْن فَفَقَّهَني، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي كُتُبِنَا أَنَّهُ لَا يَمْضِي خَلِيفَةٌ إِلَّا عَنْ خَلِيفَةٍ، فَمَنْ كَانَ خَلِيفَةَ عليٍّ؟ قَالَ: الْحَسَنُ، ثُمَّ الْحُسَيْنُ، ثُمَّ سَمَّى الْأَئِمَّةَ(2117) حَتَّى بَلَغَ إِلَى الْحَسَن، ثُمَّ قَالَ لِي: تَحْتَاجُ أَنْ تَطْلُبَ خَلِيفَةَ الْحَسَن وَتَسْأَلَ عَنْهُ، فَخَرَجْتُ فِي الطَّلَبِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ: وَوَافَى مَعَنَا بَغْدَادَ، فَذَكَرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ رَفِيقٌ قَدْ صَحِبَهُ عَلَى هَذَا الْأَمْر، فَكَرهَ بَعْضَ أَخْلَاقِهِ فَفَارَقَهُ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا يَوْماً وَقَدْ مَشَيْتُ(2118) فِي الصَّرَاةِ(2119) وَأَنَا مُفَكِّرٌ فِيمَا خَرَجْتُ لَهُ إِذْ أَتَانِي آتٍ، فَقَالَ لِي: أَجِبْ مَوْلَاكَ، فَلَمْ يَزَلْ يَخْتَرقُ بِيَ المُحَالَ حَتَّى أَدْخَلَنِي دَاراً وَبُسْتَاناً، وَإِذَا بِمَوْلَايَ (علیه السلام) جَالِسٌ(2120)، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ كَلَّمَنِي بِالْهِنْدِيَّةِ، وَسَلَّمَ عَلَيَّ، وَأَخْبَرَني بِاسْمِي، وَسَأَلَنِي عَن الْأَرْبَعِينَ رَجُلاً بِأَسْمَائِهِمْ عَن اسْم رَجُلٍ رَجُلٍ، ثُمَّ قَالَ لِي: «تُريدُ الْحَجَّ مَعَ أَهْل قُمَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فَلَا تَحُجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَانْصَرفْ إِلَى خُرَاسَانَ وَحُجَّ مِنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2116) في المصدر: (اسكيب) بدل (اشكيب).
(2117) في المصدر إضافة: (واحداً واحداً).
(2118) في المصدر: (تمسَّحت) بدل (مشيت).
(2119) الصراة، نهر بالعراق، وهي العظمى والصغرى. (الصحاح: ج 6/ ص 2400). وفي الكافي: (العبَّاسيَّة) بدل (الصراة).
(2120) في المصدر: (قاعد).

(٦٢٦)

قَابِلٍ»، قَالَ: وَرَمَى إِلَيَّ بِصُرَّةٍ وَقَالَ: «اجْعَلْ هَذِهِ فِي نَفَقَتِكَ، وَلَا تَدْخُلْ فِي بَغْدَادَ دَارَ أَحَدٍ، وَلَا تُخْبِرْ بِشَيْءٍ مِمَّا رَأَيْتَ».
قَالَ مُحَمَّدٌ: فَانْصَرَفْتُ(2121) مِنَ الْعَقَبَةِ وَلَمْ يُقْضَ لَنَا الْحَجُّ، وَخَرَجَ غَانِمٌ إِلَى خُرَاسَانَ وَانْصَرَفَ مِنْ قَابِلٍ حَاجًّا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ(2122) بِأَلْطَافٍ وَلَمْ يَدْخُلْ قُمَّ وَحَجَّ وَانْصَرَفَ إِلَى خُرَاسَانَ، فَمَاتَ (رحمه الله)(2123).
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ، عَن الْكَابُلِيِّ: وَقَدْ كُنْتُ رَأَيْتُهُ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ، فَذَكَرَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ كَابُلَ مُرْتَاداً وَطَالِباً(2124)، وَأَنَّهُ وَجَدَ صِحَّةَ هَذَا الدِّين فِي الْإنْجِيل وَبهِ اهْتَدَى.
فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ بِنَيْسَابُورَ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ، فَتَرَصَّدْتُ لَهُ حَتَّى لَقِيتُهُ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ خَبَرهِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ فِي الطَّلَبِ وَأَنَّهُ أَقَامَ بِالمَدِينَةِ، فَكَانَ لَا يَذْكُرُهُ لِأَحَدٍ إِلَّا زَجَرَهُ، فَلَقِيَ شَيْخاً مِنْ بَنِي هَاشِم وَهُوَ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُرَيْضِيُّ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُهُ بِصِرْيَاءَ، قَالَ: فَقَصَدْتُ صِرْيَاءَ وَجِئْتُ إِلَى دِهْلِيزٍ مَرْشُوشٍ وَطَرَحْتُ نَفْسِي عَلَى الدُّكَّان، فَخَرَجَ إِلَيَّ غُلَامٌ أَسْوَدُ فَزَجَرَني وَانْتَهَرَني وَقَالَ: قُمْ مِنْ هَذَا المَكَان وَانْصَرفْ، فَقُلْتُ: لَا أَفْعَلُ، فَدَخَلَ الدَّارَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ وَقَالَ: ادْخُلْ، فَدَخَلْتُ فَإذَا مَوْلَايَ (علیه السلام) قَاعِدٌ وَسَطَ الدَّارَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ سَمَّانِي بِاسْم(2125) لَمْ يَعْرفْهُ أَحَدٌ إِلَّا أَهْلِي بِكَابُلَ وَأَخْبَرَني بِأشْيَاءَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ نَفَقَتِي ذَهَبَتْ فَمُرْ لِي بِنَفَقَةٍ، فَقَالَ لِي: «أَمَا إِنَّهَا سَتَذْهَبُ بِكَذِبكَ»، وَأَعْطَانِي نَفَقَةً، فَضَاعَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2121) في المصدر: (فانصرفنا).
(2122) في المصدر: (إلينا).
(2123) في المصدر إضافة: (بها). إلى هنا انتهى الخبر في الكافي.
(2124) في المصدر: (أو طالباً).
(2125) في المصدر إضافة: (لي).

(٦٢٧)

مِنّي مَا كَانَ مَعِي وَسَلِمَ مَا أَعْطَانِي، ثُمَّ انْصَرَفْتُ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ، فَلَمْ أَجِدْ فِي الدَّار أحَداً(2126).
بيان: التشليح: التعرية. و(الصراة) بالفتح: نهر بالعراق، أي كنت أمشي في شاطئها، وفي بعض النُّسَخ: تمسَّحت، أي توضَّأت(2127)، وفي بعضها: تمسَّيت، أي وصلت إليها مساءً. قوله: (فذكر): أي محمّد بن شاذان، ويحتمل أبا سعيد، وهو بعيد. قوله: (إنَّه قد وصل) يعني أبا سعيد.
[438/24] كمال الدِّين: ابْنُ المُتَوَكِّل، عَن الْحِمْيَريِّ، قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ ابْنَ عُثْمَانَ الْعَمْريَّ، فَقُلْتُ لَهُ: رَأَيْتَ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْر؟ قَالَ: نَعَمْ، وَآخِرُ عَهْدِي بِهِ عِنْدَ بَيْتِ اللهِ الْحَرَام وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي»(2128).
وَبِهَذَا الْإسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عُثْمَانَ الْعَمْريِّ (رضي الله عنه)، قَالَ: رَأَيْتُهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ) مُتَعَلِّقاً بِأَسْتَار الْكَعْبَةِ فِي المُسْتَجَار وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ انْتَقِمْ مِنْ أَعْدَائِي».
الغيبة للطوسي: جماعة، عن الصدوق، عن أبيه وابن المتوكِّل وابن الوليد جميعاً، عن الحميري، مثل الخبرين(2129).
[439/25] كمال الدِّين: المُظَفَّرُ الْعَلَويُّ، عَن ابْن الْعَيَّاشِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آدَمَ بْن مُحَمَّدٍ الْبَلْخِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن الْحَسَن الدَّقَّاقِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن مُحَمَّدٍ الْعَلَويِّ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي نَسِيمُ خَادِمُ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن بْن عليٍّ (علیهما السلام)، [قَالَتْ](2130):دَخَلْتُ عَلَى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2126) كمال الدِّين (ج 2/ ص 437 - 440/ باب 43/ ح 6).
(2127) وهو الموافق لما نقله الكليني، قال: (حتَّى سرت إلى العبَّاسيَّة أتهيَّأ للصلاة).
(2128) كمال الدِّين (ج 2/ ص 440/ باب 43/ ح 9).
(2129) الغيبة للطوسي (ص 251/ ح 222).
(2130) كلمة: (قالت) ليست في المصدر.

(٦٢٨)

صَاحِبِ الْأَمْر (علیه السلام) بَعْدَ مَوْلِدِهِ بِلَيْلَةٍ، فَعَطَسْتُ عِنْدَهُ، فَقَالَ لِي: «يَرْحَمُكِ اللهُ»، قَالَتْ نَسِيمُ: فَفَرحْتُ(2131)، فَقَالَ لِي (علیه السلام): «أَلَا أُبَشِّرُكِ فِي الْعُطَاس؟»، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «هُوَ أَمَانٌ مِنَ المَوْتِ ثَلَاثَةَ أَيَّام»(2132).
[440/26] كمال الدِّين: بِهَذَا الْإسْنَادِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن مُحَمَّدٍ الْعَلَويِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي طَريفٌ أَبُو نَصْرٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى صَاحِبِ الزَّمَان، فَقَالَ: «عَلَيَّ بِالصَّنْدَل الْأَحْمَر»، فَأَتَيْتُهُ(2133)، ثُمَّ قَالَ: «أَتَعْرفُنِي؟»، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «مَنْ أَنَا؟»، فَقُلْتُ: أَنْتَ سَيِّدِي وَابْنُ سَيِّدِي، فَقَالَ: «لَيْسَ عَنْ هَذَا سَأَلْتُكَ»، قَالَ طَريفٌ: فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ فَسِّرْ(2134) لِي، قَالَ: «أَنَا خَاتِمُ الْأَوْصِيَاءِ، وَبي يَدْفَعُ اللهُ الْبَلَاءَ عَنْ أَهْلِي وَشِيعَتِي»(2135).
الغيبة للطوسي: علَّان، عن طريف أبي نصر الخادم، مثله(2136).
دعوات الراوندي: عن طريف، مثله(2137).
[441/27] كمال الدِّين: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ، عَنْ أَبِي عليٍّ الْأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن أَبِي عَبْدِ اللهِ الْكُوفِيِّ، أَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَ مَن انْتَهَى إِلَيْهِ مِمَّنْ وَقَفَ عَلَى مُعْجِزَاتِ صَاحِبِ الزَّمَان (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) وَرَآهُ: مِنَ الْوُكَلاءِ بِبَغْدَادَ: الْعَمْريُّ، وَابْنُهُ، وَحَاجِزٌ، وَالْبِلَالِيُّ، وَالْعَطَّارُ، وَمِنَ الْكُوفَةِ: الْعَاصِمِيُّ، وَمِنَ الْأَهْوَاز: مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْن مَهْزيَارَ، وَمِنْ أَهْل قُمَّ: أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَمِنْ أَهْل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2131) في نسخة من المصدر: (بذلك).
(2132) كمال الدِّين (ج 2/ ص 441/ باب 43/ ح 11).
(2133) في المصدر إضافة: (به).
(2134) في المصدر: (فبيِّن).
(2135) كمال الدِّين (ج 2/ ص 441/ باب 43/ ح 12).
(2136) الغيبة للطوسي (ص 246/ ح 215).
(2137) دعوات الراوندي (ص 207/ ح 563).

(٦٢٩)

هَمَذَانَ(2138): مُحَمَّدُ بْنُ صَالِح، وَمِنْ أَهْل الرَّيِّ: الْبَسَّامِيُّ(2139)، وَالْأَسَدِيُّ - يَعْنِي نَفْسَهُ -، وَمِنْ أَهْل آذَرْبيجَانَ: الْقَاسِمُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَمِنْ نَيْسَابُورَ: مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ.
وَمِنْ غَيْر الْوُكَلَاءِ: مِنْ أَهْل بَغْدَادَ: أَبُو الْقَاسِم بْنُ أَبِي حَابِسٍ(2140)، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الْكِنْدِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الْجُنَيْدِيُّ، وَهَارُونُ الْقَزَّازُ، وَالنِّيلِيُّ، وَأَبُو الْقَاسِم بْنُ دُبَيْسٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ فَرُّوخ، وَمَسْرُورٌ الطَّبَّاخُ مَوْلَى أَبِي الْحَسَن (علیه السلام)، وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ ابْنَا الْحَسَن، وَإِسْحَاقُ الْكَاتِبُ مِنْ بَنِي نِيبَخْتَ(2141)، وَصَاحِبُ الْفِرَاءِ(2142)، وَصَاحِبُ الصُّرَّةِ المَخْتُومَةِ. وَمِنْ هَمَذَانَ: مُحَمَّدُ بْنُ كِشْمَرْدَ، وَجَعْفَرُ بْنُ حَمْدَانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ بْن عِمْرَانَ، وَمِنَ الدِّينَوَر: حَسَنُ بْنُ هَارُونَ، وَأَحْمَدُ ابْنُ أَخِيهِ، وَأَبُو الْحَسَن، وَمِنْ أَصْفَهَانَ: ابْنُ بَادَاشَاكَةَ(2143)، وَمِنَ الصَّيْمَرَةِ: زَيْدَانُ، وَمِنْ قُمَّ: الْحَسَنُ بْنُ نَضْرٍ(2144)، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْن إِسْحَاقَ، وَأَبُوهُ، وَالْحَسَنُ ابْنُ يَعْقُوبَ، وَمِنْ أَهْل الرَّيِّ: الْقَاسِمُ بْنُ مُوسَى، وَابْنُهُ، وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ هَارُونَ، وَصَاحِبُ الْحَصَاةِ، وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُلَيْنيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الرفا(2145)، وَمِنْ قَزْوينَ: مِرْدَاسٌ، وَعَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، وَمِنْ قَابِسٍ(2146): رَجُلَان، وَمِنْ شَهْرَزُورَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2138) في المصدر: (همدان).
(2139) في المصدر: (الشامي).
(2140) في المصدر: (حليس).
(2141) نيبخت كنوبخت، ونيروز كنوروز، كلمات فارسيَّة دخلت في المحاورة العربيَّة، فإذا كسرت أوَّل الكلمة بالإمالة، قلت: نيبخت ونيروز، وإذا فتحتها على المعروف قلت: نوبخت ونوروز.
(2142) في المصدر: (النواء).
(2143) في المصدر: (باذشالة).
(2144) في المصدر: (النضر).
(2145) في المصدر: (الرفَّاء).
(2146) في المصدر: (فاقتر).

(٦٣٠)

ابْنُ الْخَال، وَمِنْ فَارسَ: المَجْرُوحُ(2147)، وَمِنْ مَرْوَ: صَاحِبُ الْأَلْفِ دِينَارٍ، وَصَاحِبُ المَال وَالرُّقْعَةِ الْبَيْضَاءِ، وَأَبُو ثَابِتٍ، وَمِنْ نَيْسَابُورَ: مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبِ بْن صَالِح، وَمِنَ الْيَمَن: الْفَضْلُ بْنُ يَزيدَ، وَالْحَسَنُ ابْنُهُ، وَالْجَعْفَريُّ، وَابْنُ الْأَعْجَمِيِّ، وَالشِّمْشَاطِيِّ، وَمِنْ مِصْرَ: صَاحِبُ المَوْلُودَيْن، وَصَاحِبُ المَال بِمَكَّةَ، وَأَبُو رَجَاءٍ، وَمِنْ نَصِيبينَ: أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْوَجْنَاءِ، وَمِنَ الْأَهْوَاز: الْحُصَيْنيُّ(2148).
[442/28] كمال الدِّين: الطَّالَقَانِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْن أَحْمَدَ الْكُوفِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ ابْن إِبْرَاهِيمَ الرَّقّيِّ، عَن الْحَسَن بْن وَجْنَاءَ النَّصِيبيِّ، قَالَ: كُنْتُ سَاجِداً تَحْتَ الْمِيزَابِ فِي رَابِع أَرْبَع وَخَمْسِينَ حَجَّةً بَعْدَ الْعَتَمَةِ وَأَنَا أَتَضَرَّعُ فِي الدُّعَاءِ إِذْ حَرَّكَنِي مُحَرِّكٌ، فَقَالَ: قُمْ يَا حَسَنَ بْنَ وَجْنَاءَ، قَالَ: فَقُمْتُ، فَإذَا جَاريَةٌ صَفْرَاءُ نَحِيفَةُ الْبَدَن، أَقُولُ: إِنَّهَا مِنْ أَبْنَاءِ أرْبَعِينَ فَمَا فَوْقَهَا، فَمَشَتْ بَيْنَ يَدَيَّ وَأَنَا لَا أَسْأَلُهَا عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أَتَتْ بِي دَارَ خَدِيجَةَ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهَا)، وَفِيهَا بَيْتٌ بَابُهُ فِي وَسَطِ الْحَائِطِ، وَلَهُ دَرَجَةُ سَاج يُرْتَقَى إِلَيْهِ(2149)، فَصَعِدَتِ الْجَاريَةُ وَجَاءَنِي النِّدَاءُ: «اصْعَدْ يَا حَسَنُ»، فَصَعِدْتُ، فَوَقَفْتُ بِالْبَابِ، وَقَالَ لِي صَاحِبُ الزَّمَان (علیه السلام): «يَا حَسَنُ، أَتَرَاكَ خَفِيتَ عَلَيَّ؟ وَاللهِ مَا مِنْ وَقْتٍ فِي حَجِّكَ إِلَّا وَأَنَا مَعَكَ فِيهِ»، ثُمَّ جَعَلَ يَعُدُّ عَلَيَّ أَوْقَاتِي، فَوَقَعْتُ [مَغْشِيًّا](2150) عَلَى وَجْهِي، فَحَسَسْتُ بِيَدِهِ قَدْ وَقَعَتْ عَلَيَّ، فَقُمْتُ، فَقَالَ لِي: «يَا حَسَنُ، الْزَمْ بِالمَدِينَةِ(2151) دَارَ جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ، وَلَا يُهِمَّنَّكَ طَعَامُكَ وَشَرَابُكَ(2152)، وَلَا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَكَ»، ثُمَّ دَفَعَ إِلَيَّ دَفْتَراً فِيهِ دُعَاءُ الْفَرَج

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2147) في المصدر: (المحروج).
(2148) كمال الدِّين (ج 2/ ص 442 و443/ باب 43/ ح 16).
(2149) كلمة: (إليه) ليست في المصدر.
(2150) من المصدر.
(2151) عبارة: (بالمدينة) ليست في المصدر.
(2152) في المصدر: (ولا شرابك).

(٦٣١)

وَصَلَاةٌ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «فَبِهَذَا فَادْعُ، وَهَكَذَا صَلِّ عَلَيَّ، وَلَا تُعْطِهِ إِلَّا مُحِقِّي أَوْلِيَائِي، فَإنَّ اللهَ (جلَّ جلاله) مُوَفِّقُكَ»، فَقُلْتُ: مَوْلَايَ لَا أَرَاكَ بَعْدَهَا؟ فَقَالَ: «يَا حَسَنُ، إِذَا شَاءَ اللهُ».
قَالَ: فَانْصَرَفْتُ مِنْ حَجَّتِي وَلَزمْتُ دَارَ جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ (علیهما السلام)، فَأَنَا أَخْرُجُ مِنْهَا فَلَا أَعُودُ إِلَيْهَا إِلَّا لِثَلَاثِ خِصَالٍ: لِتَجْدِيدِ وُضُوءٍ، أَوْ لِنَوْم، أَوْ لِوَقْتِ الْإفْطَار، فَأَدْخُلُ بَيْتِي وَقْتَ الْإفْطَار، فَأُصِيبُ رُبَاعِيًّا مَمْلُوءاً مَاءً وَرَغِيفاً عَلَى رَأسِهِ عَلَيْهِ مَا تَشْتَهِي نَفْسِي بِالنَّهَار، فَآكُلُ ذَلِكَ، فَهُوَ كِفَايَةٌ لِي، وَكِسْوَةُ الشِّتَاءِ فِي وَقْتِ الشِّتَاءِ وَكِسْوَةُ الصَّيْفِ فِي وَقْتِ الصَّيْفِ، وَإِنِّي لَأَدْخُلُ المَاءَ بِالنَّهَار فَأَرُشُّ الْبَيْتَ وَأَدَعُ الْكُوزَ فَارغاً، وَأُوتَى(2153) بِالطَّعَام وَلَا حَاجَةَ لِي إِلَيْهِ فَأَصَّدَّقُ بِهِ لَيْلاً لِئَلاَّ يَعْلَمَ بِي مَنْ مَعِي(2154).
[443/29] كمال الدِّين: ابْنُ المُتَوَكِّل، عَن الْحِمْيَريِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن مَهْزيَارَ، قَالَ: قَدِمْتُ مَدِينَةَ الرَّسُول وَآلِهِ(2155)، فَبَحَثْتُ عَنْ أَخْبَار آل أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن بْن عليٍّ الْأَخِير (علیه السلام)، فَلَمْ أَقَعْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، فَرَحَلْتُ مِنْهَا إِلَى مَكَّةَ مُسْتَبْحِثاً عَنْ ذَلِكَ، فَبَيْنَا أَنَا فِي الطَّوَافِ إِذْ تَرَاءَى لِي فَتًى أَسْمَرُ اللَّوْن، رَائِعُ الْحُسْن، جَمِيلُ المَخِيلَةِ، يُطِيلُ التَّوَسُّمَ فِيَّ، فَعَدَلْتُ(2156) إِلَيْهِ مُؤَمِّلاً مِنْهُ عِرْفَانَ مَا قَصَدْتُ لَهُ، فَلَمَّا قَرُبْتُ مِنْهُ سَلَّمْتُ، فَأَحْسَنَ الْإجَابَةَ، ثُمَّ قَالَ: مِنْ أَيِّ الْبِلَادِ أَنْتَ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ أَهْل الْعِرَاقِ، قَالَ: مِنْ أَيِّ الْعِرَاقِ؟ قُلْتُ: مِنَ الْأَهْوَاز، قَالَ: مَرْحَباً بِلِقَائِكَ، هَلْ تَعْرفُ بِهَا جَعْفَرَ بْنَ حَمْدَانَ الْخَصِيبيَّ(2157)؟ قُلْتُ: دُعِيَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2153) في المصدر: (وأواني الطعام)، وهو تصحيف ظاهر.
(2154) كمال الدِّين (ج 2/ ص 443 و444/ باب 43/ ح 17).
(2155) في المصدر: (صلَّى الله عليه وآله) بدل (وآله).
(2156) في المصدر: (فعدت).
(2157) في المصدر: (الحصيني).

(٦٣٢)

فَأَجَابَ، قَالَ: رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ، مَا كَانَ أَطْوَلَ لَيْلِهِ وَأَجْزَلَ نَيْلِهِ، فَهَلْ تَعْرفُ إِبْرَاهِيمَ ابْنَ مَهْزيَارَ؟ قُلْتُ: أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْزيَارَ، فَعَانَقَنِي مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَباً بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ، مَا فَعَلْتَ الْعَلَامَةَ(2158) الَّتِي وَشَجَتْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَبِي مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ)؟ فَقُلْتُ: لَعَلَّكَ تُريدُ الْخَاتَمَ الَّذِي آثَرَنيَ اللهُ بِهِ مِنَ الطَّيِّبِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن ابْن عليٍّ (علیهما السلام)؟ قَالَ: مَا أَرَدْتُ سِوَاهُ، فَأَخْرَجْتُهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ اسْتَعْبَرَ وَقَبَّلَهُ، ثُمَّ قَرَأَ كِتَابَتَهُ [وَكَانَتْ](2159): يَا اللهُ، يَا مُحَمَّدُ، يَا عَلِيُّ، ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي يَداً طَالَ مَا جُلْتُ فِيهَا(2160).
وَتَرَاخَى(2161) بِنَا فُنُونُ الْأَحَادِيثِ إِلَى أَنْ قَالَ لِي: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، أَخْبِرْني عَنْ عَظِيم مَا تَوَخَّيْتَ بَعْدَ الْحَجِّ، قُلْتُ: وَأَبِيكَ مَا تَوَخَّيْتُ إِلَّا مَا سَأَسْتَعْلِمُكَ مَكْنُونَهُ، قَالَ: سَلْ عَمَّا شِئْتَ فَإنِّي شَارحٌ لَكَ إِنْ شَاءَ اللهُ، قُلْتُ: هَلْ تَعْرفُ مِنْ أَخْبَار آل أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن بْن عليٍّ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ شَيْئاً؟ قَالَ: وَايْمُ اللهُ وَإِنِّي لَأَعْرفُ الضَّوْءَ فِي جَبِين مُحَمَّدٍ وَمُوسَى ابْنَيِ الْحَسَن بْن عليٍّ (صَلَوَاتُ اللهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2158) في المصدر: (بالعلامة).
(2159) في المصدر: (فكانت) بدون معقوفتين. وقد عرضنا الحديث على المصدر وبينهما اختلافات يسيرة نشأت من تصحيف القراءة وإعجام الحروف وإهمالها، فتحرَّر. ولا يخفى أنَّ الحديث شاذٌّ جدًّا تشبه ألفاظه مخائل المصنِّفين القصَّاصين ومقامات الحريري وأضرابه.
(2160) أي بأبي فديت يد أبي محمّد (علیه السلام)، طالما جُلت أيُّها الخاتم فيها.
وقد أشكلت الحروف بالإعراب والبناء في النسخة المشهورة بكمباني طبق ما قرأه المصنِّف هذه الجملة، فسطره الكاتب هكذا: (ثُمَّ قال: بأبي يداً طال ما جُلت (أجبت خ ل) فيها وتراً خابناً فنون الأحاديث...) إلخ، وسيجيء بيانه من المصنِّف (قدّس سرّه)، لكنَّه تصحيف غريب.
وأمَّا في نسخة المصدر المطبوعة (ط/ إسلاميَّة): (طال ما جليت فيها وتراخا...) إلخ، فهو من الجلاء لا من الجولان، فراجع.
(2161) يقال: في الأمر تراخٍ، أي فسحة وامتداد، (التاج). فقوله: (تراخى بنا) أي امتدَّ بنا وتمادينا في فنون الأحاديث...، إلى أنْ قال لي.

(٦٣٣)

عَلَيْهِمَا)، وَإِنِّي لَرَسُولُهُمَا إِلَيْكَ قَاصِداً لِإنْبَائِكَ أَمْرَهُمَا فَإنْ أَحْبَبْتَ لِقَاءَهُمَا وَالْاِكْتِحَالَ بِالتَّبَرُّكِ بِهِمَا فَارْحَلْ(2162) مَعِي إِلَى الطَّائِفِ وَلْيَكُنْ ذَلِكَ فِي خُفْيَةٍ مِنْ رجَالِكَ وَاكْتِتَام(2163).
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: فَشَخَصْتُ مَعَهُ إِلَى الطَّائِفِ أَتَخَلَّلُ رَمْلَةً فَرَمْلَةً حَتَّى أَخَذَ فِي بَعْض مَخَارج الْفَلَاةِ، فَبَدَتْ لَنَا خَيْمَةُ شَعْرٍ قَدْ أَشْرَفَتْ عَلَى أَكَمَةِ رَمْلٍ يَتَلَألَأُ(2164) تِلْكَ الْبِقَاعُ مِنْهَا تَلَألُؤاً، فَبَدَرَني إِلَى الإذْن، وَدَخَلَ مُسَلِّماً عَلَيْهِمَا وَأَعْلَمَهُمَا بِمَكَانِي، فَخَرَجَ عَلَيَّ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَكْبَرُ سِنًّا (م ح م د) بْنُ الْحَسَن (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ)، وَهُوَ غُلَامٌ أَمْرَدُ، نَاصِعُ اللَّوْن، وَاضِحُ الْجَبِين، أَبْلَجُ الْحَاجِبِ، مَسْنُونُ الْخَدَّ[يْن](2165)، أَقْنَى الْأَنْفِ، أَشَمُّ أَرْوَعُ كَأَنَّهُ غُصْنُ بَانٍ، وَكَأَنَّ صَفْحَةَ غُرَّتِهِ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، بِخَدِّهِ الْأَيْمَن خَالٌ كَأَنَّهُ فُتَاتَةُ(2166) مِسْكٍ عَلَى بَيَاض الْفِضَّةِ، فَإِذَا بِرَأسِهِ وَفْرَةٌ سَحْمَاءُ سَبِطَةٌ تُطَالِعُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ، لَهُ سَمْتٌ مَا رَأَتِ الْعُيُونُ أَقْصَدَ مِنْهُ، وَلَا أَعْرَفَ حُسْناً وَسَكِينَةً وَحَيَاءً.
فَلَمَّا مُثِّلَ لِي أَسْرَعْتُ إِلَى تَلَقِّيهِ، فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ أَلْثِمُ كُلَّ جَارحَةٍ مِنْهُ، فَقَالَ لِي: «مَرْحَباً بِكَ يَا أبَا إِسْحَاقَ، لَقَدْ كَانَتِ الْأَيَّامُ تَعِدُنِي وُشْكَ لِقَائِكَ، وَالمُعَاتِبُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ عَلَى تَشَاحُطِ الدَّار وَتَرَاخِي المَزَار، تَتَخَيَّلُ لِي صُورَتَكَ، حَتَّى كَأَنْ(2167) لَمْ نَخْلُ طَرْفَةَ عَيْنٍ مِنْ طِيبِ المُحَادَثَةِ، وَخَيَال المُشَاهَدَةِ، وَأَنَا أَحْمَدُ اللهَ رَبِّي وَلِيَّ الْحَمْدِ عَلَى مَا قَيَّضَ مِنَ التَّلَاقِي وَرَفَّهَ مِنْ كُرْبَةِ التَّنَازُع وَالْاِسْتِشْرَافِ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2162) في المصدر: (فارتحل).
(2163) في المصدر: (واكنتام).
(2164) في المصدر: (تتلألؤ).
(2165) في المصدر: (مسنون الخدِّ).
(2166) في المصدر: (فتاة).
(2167) في المصدر: (كأنَّا).

(٦٣٤)

ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ إِخْوَانِي مُتَقَدِّمِهَا وَمُتَأَخِّرهَا، فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا زلْتُ أُفَحِّصُ عَنْ أَمْركَ بَلَداً فَبَلَداً مُنْذُ اسْتَأَثَرَ اللهُ بِسَيِّدِي أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَاسْتَغْلَقَ عَلَيَّ ذَلِكَ حَتَّى مَنَّ اللهُ عَلَيَّ بِمَنْ أَرْشَدَنِي إِلَيْكَ، وَدَلَّنِي عَلَيْكَ، وَالشُّكْرُ للهِ عَلَى مَا أَوْزَعَنِي فِيكَ مِنْ كَريم الْيَدِ وَالطَّوْل. ثُمَّ نَسَبَ نَفْسَهُ وَأَخَاهُ مُوسَى وَاعْتَزَلَ(2168) فِي نَاحِيَةٍ.
ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ أَبِي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ) عَهِدَ إِلَيَّ أَنْ لَا أُوَطِّنَ مِنَ الْأَرْض إِلَّا أَخْفَاهَا وَأَقْصَاهَا إِسْرَاراً لِأَمْري وَتَحْصِيناً لِمَحَلِّي مِنْ مَكَائِدِ(2169) أَهْل الضَّلَال، وَالمَرَدَةِ مِنْ أَحْدَاثِ الْأُمَم الضَّوَالِّ، فَنَبَذَنِي إِلَى عَالِيَةِ الرِّمَال، وَجُبْتُ صَرَائِمَ الْأَرْض تُنْظِرُنِي الْغَايَةَ الَّتِي عِنْدَهَا يَحِلُّ الْأَمْرُ، وَيَنْجَلِي الْهَلَعُ، وَكَانَ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) أَنْبَطَ لِي مِنْ خَزَائِن الْحِكَم، وَكَوَامِن الْعُلُوم، مَا إِنْ أَشَعْتُ إِلَيْكَ مِنْهُ جُزْءاً أَغْنَاكَ عَن الْجُمْلَةِ.
اعْلَمْ يَا أبَا إِسْحَاقَ أَنَّهُ قَالَ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ): يَا بُنَيَّ، إِنَّ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْلِيَ أَطْبَاقَ أَرْضِهِ، وَأَهْلَ الْجِدِّ فِي طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ، بِلَا حُجَّةٍ يُسْتَعْلَى بِهَا وَإِمَام يُؤْتَمُّ بِهِ، وَيُقْتَدَى بِسُبُل(2170) سُنَّتِهِ، وَمِنْهَاج قَصْدِهِ، وَأَرْجُو يَا بُنَيَّ أَنْ تَكُونَ أَحَدَ مَنْ أَعَدَّهُ اللهُ لِنَشْر الْحَقِّ، وَطَيِّ الْبَاطِل، وَإِعْلَاءِ الدِّين، وَإِطْفَاءِ الضَّلَال، فَعَلَيْكَ يَا بُنَيَّ بِلُزُوم خَوَافِي الْأَرْض، وَتَتَبُّع أَقَاصِيهَا فَإنَّ لِكُلِّ وَلِيٍّ مِنْ أَوْلِيَاءِ(2171) اللهِ (عزَّ وجلَّ) عُدُّواً مُقَارعاً، وَضِدًّا مُنَازعاً، افْتِرَاضاً لِمُجَاهَدَةِ أَهْل نِفَاقِهِ(2172) وَخِلَافِهِ(2173) أُولِي الْإلْحَادِ وَالْعِنَادِ، فَلَا يُوحِشَنَّكَ ذَلِكَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2168) في المصدر: (بي) بدل (في).
(2169) في المصدر: (لمكائد) بدل (من مكائد).
(2170) في المصدر: (بسبيل).
(2171) في المصدر: (لأولياء) بدل (من أولياء).
(2172) في المصدر: (النفاق).
(2173) في المصدر: (وخلاعة).

(٦٣٥)

وَاعْلَمْ أَنَّ قُلُوبَ أَهْل الطَّاعَةِ وَالْإخْلَاص نُزَّعٌ إِلَيْكَ مِثْلَ الطَّيْر إِذَا أَمَّتْ(2174) أَوْكَارَهَا، وَهُمْ مَعْشَرٌ يَطْلُعُونَ بِمَخَائِل الذِّلَّةِ وَالْاِسْتِكَانَةِ، وَهُمْ عِنْدَ اللهِ بَرَرَةٌ أَعِزَّاءُ يَبْرُزُونَ بِأَنْفُسٍ مُخْتَلَّةٍ مُحْتَاجَةٍ، وَهُمْ أَهْلُ الْقَنَاعَةِ وَالْاِعْتِصَام، اسْتَنْبَطُوا الدِّينَ فَوَازَرُوهُ عَلَى مُجَاهَدَةِ الْأَضْدَادِ، خَصَّهُمُ اللهُ بِاحْتِمَال الضَّيْم(2175)، لِيَشْمُلَهُمْ بِاتِّسَاع الْعِزِّ فِي دَار الْقَرَار، وَجَبَلَهُمْ عَلَى خَلَائِقِ الصَّبْر، لِتَكُونَ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ الْحُسْنَى، وَكَرَامَةُ حُسْن الْعُقْبَى.
فَاقْتَبِسْ يَا بُنَيَّ نُورَ الصَّبْر عَلَى مَوَاردِ أُمُوركَ تَفُزْ بِدَرْكِ الصُّنْع فِي مَصَادِرهَا، وَاسْتَشْعِر الْعِزَّ فِيمَا يَنُوبُكَ تُحْظَ بِمَا تُحْمَدُ عَلَيْهِ(2176) إِنْ شَاءَ اللهُ.
فَكَأنَّكَ يَا بُنَيَّ بِتَأيِيدِ نَصْر اللهِ قَدْ آنَ وَتَيْسِير الْفَلَح وَعُلُوِّ الْكَعْبِ قَدْ حَانَ، وَكَأنَّكَ بِالرَّايَاتِ الصُّفْر وَالْأَعْلَام الْبِيض تَخْفِقُ عَلَى أَثْنَاءِ أَعْطَافِكَ مَا بَيْنَ الْحَطِيم وَزَمْزَمَ، وَكَأنَّكَ بِتَرَادُفِ الْبَيْعَةِ وَتَصَافِي الْوَلَاءِ يَتَنَاظَمُ عَلَيْكَ تَنَاظُمَ الدُّرِّ فِي مَثَانِي الْعُقُودِ، وَتَصَافُقِ الْأَكُفِّ عَلَى جَنَبَاتِ الْحَجَر الْأَسْوَدِ، تَلُوذُ بِفِنَائِكَ مِنْ مَلَإ بَرَأَهُمُ اللهُ مِنْ طَهَارَةِ الْوَلَاءِ، وَنَفَاسَةِ التُّرْبَةِ، مُقَدَّسَةٌ قُلُوبُهُمْ مِنْ دَنَس النِّفَاقِ، مُهَذَّبَةٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ رجْس الشِّقَاقِ، لَيِّنَةٌ عَرَائِكُهُمْ لِلدِّين، خَشِنَةٌ ضَرَائِبُهُمْ عَن الْعُدْوَان، وَاضِحَةٌ بِالْقَبُول أَوْجُهُهُمْ، نَضْرَةٌ بِالْفَضْل عِيدَانُهُمْ، يَدِينُونَ بِدِين الْحَقِّ وَأَهْلِهِ.
فَإذَا اشْتَدَّتْ أَرْكَانُهُمْ، وَتَقَوَّمَتْ أَعْمَادُهُمْ(2177)، قُدَّتْ بِمُكَاثَفَتِهِمْ(2178) طَبَقَاتُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2174) في المصدر: (إلى) بدل (إذا أمَّت).
(2175) في المصدر إضافة: (في الدنيا).
(2176) في المصدر: (غبَّة).
(2177) أعماد: جمع عمود من غير قياس.
(2178) في المصدر: (فدَّت بمكانفتهم).

(٦٣٦)

الْأُمَم(2179) إِذْ تَبِعَتْكَ فِي ظِلَال شَجَرَةٍ دَوْحَةٍ بَسَقَتْ(2180) أَفْنَانُ غُصُونهَا عَلَى حَافَاتِ بُحَيْرَةِ الطَّبَريَّةِ، فَعِنْدَهَا يَتَلَألَأُ صُبْحُ الْحَقِّ، وَيَنْجَلِي ظَلَامُ الْبَاطِل، وَيَقْصِمُ اللهُ بِكَ الطُّغْيَانَ، وَيُعِيدُ مَعَالِمَ الْإيمَان، وَيُظْهِرُ بِكَ أَسْقَامَ(2181) الآفَاقِ، وَسَلَامَ الرِّفَاقِ، يَوَدُّ الطِّفْلُ فِي المَهْدِ لَو اسْتَطَاعَ إِلَيْكَ نُهُوضاً، وَنواسط(2182) الْوَحْش لَوْ تَجِدُ نَحْوَكَ مَجَازاً.
تَهْتَزُّ بِكَ أَطْرَافُ الدُّنْيَا بَهْجَةً، وَتُهَزُّ بِكَ(2183) أَغْصَانُ الْعِزِّ نَضْرَةً، وَتَسْتَقِرُّ بَوَانِي الْعِزِّ(2184) فِي قَرَارهَا، وَتَئُوبُ شَوَاردُ الدِّين إِلَى أَوْكَارهَا، يَتَهَاطَلُ عَلَيْكَ سَحَائِبُ الظَّفَر فَتَخْنُقُ كُلَّ عَدُوٍّ وَتَنْصُرُ كُلَّ وَلِيٍّ، فَلاَ يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْض جَبَّارٌ قَاسِطٌ، وَلَا جَاحِدٌ غَامِطٌ، وَلَا شَانِئٌ مُبْغِضٌ، وَلَا مُعَانِدٌ كَاشِحٌ، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرهِ، [قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً](2185)».
ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا إِسْحَاقَ، لِيَكُنْ مَجْلِسِي هَذَا عِنْدَكَ مَكْتُوماً إِلَّا عَنْ أَهْل الصِّدْقِ(2186) وَالْأُخُوَّةِ الصَّادِقَةِ فِي الدِّين، إِذَا بَدَتْ لَكَ أَمَارَاتُ الظُّهُور وَالتَّمْكِين(2187)، فَلَا تُبْطِئُ بِإخْوَانِكَ عَنَّا، وَبأَهْل(2188) المُسَارَعَةِ إِلَى مَنَار الْيَقِين، وَضِيَاءِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2179) في المصدر إضافة: (إلى إمام).
(2180) في المصدر: (تشعَّبت).
(2181) في المصدر: (استقامة).
(2182) في المصدر: (ونواشط).
(2183) في المصدر: (وتنشر عليك).
(2184) في المصدر: (الحقّ).
(2185) من المصدر.
(2186) في المصدر: (التصديق).
(2187) في المصدر: (والتمكُّن).
(2188) في المصدر: (وباهر).

(٦٣٧)

مَصَابِيح الدِّين، تَلْقَ رُشْداً إِنْ شَاءَ اللهُ».
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْزيَارَ: فَمَكَثْتُ عِنْدَهُ حِيناً أَقْتَبِسُ مَا أَوْرى(2189) مِنْ مُوضِحَاتِ الْأَعْلَام وَنَيِّرَاتِ الْأَحْكَام، وَأُرْوي بَنَاتِ [نَبَاتَ] الصُّدُور مِنْ نَضَارَةِ مَا ذَخَرَهُ اللهُ فِي طَبَائِعِهِ مِنْ لَطَائِفِ الْحِكْمَةِ، وَطَرَائِفِ فَوَاضِل الْقِسَم حَتَّى خِفْتُ إِضَاعَةَ مُخَلَّفِي بِالْأَهْوَاز لِتَرَاخِي اللِّقَاءِ عَنْهُمْ، فَاسْتَأذَنْتُهُ فِي الْقُفُول، وَأَعْلَمْتُهُ عَظِيمَ مَا أَصْدُرُ بِهِ عَنْهُ، مِنَ التَّوَحُّش لِفُرْقَتِهِ وَالتَّجَزُّع لِلظَّعْن عَنْ مَحَالِّهِ، فَأَذِنَ وَأَرْدَفَنِي مِنْ صَالِح دُعَائِهِ مَا يَكُونُ ذُخْراً عِنْدَ اللهِ لِي وَلِعَقِبي وَقَرَابَتِي إِنْ شَاءَ اللهُ.
فَلَمَّا أَزفَ ارْتِحَالِي وَتَهَيَّأَ اعْتِزَامُ نَفْسِي، غَدَوْتُ عَلَيْهِ مُوَدِّعاً وَمُجَدِّداً لِلْعَهْدِ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِ مَالاً كَانَ مَعِي يَزيدُ عَلَى خَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَم، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يَتَفَضَّلَ بِالْأَمْر بِقَبُولِهِ مِنِّي، فَابْتَسَمَ وَقَالَ: «يَا أَبَا إِسْحَاقَ، اسْتَعِنْ بِهِ عَلَى مُنْصَرَفِكَ، فَإنَّ الشُّقَّةَ قُذْفَةٌ وَفَلَوَاتِ الْأَرْض أَمَامَكَ جُمَّةٌ، وَلَا تَحْزَنْ لِإعْرَاضِنَا عَنْهُ، فَإنَّا قَدْ أَحْدَثْنَا لَكَ شُكْرَهُ وَنَشْرَهُ، وَأَرْبَضْنَاهُ(2190) عِنْدَنَا بِالتَّذْكِرَةِ وَقَبُول الْمِنَّةِ، فَتَبَارَكَ اللهُ لَكَ فِيمَا خَوَّلَكَ، وَأَدَامَ لَكَ مَا نَوَّلَكَ، وَكَتَبَ لَكَ أَحْسَنَ ثَوَابِ المُحْسِنِينَ، وَأَكْرَمَ آثَار الطَّائِعِينَ، فَإنَّ الْفَضْلَ لَهُ وَمِنْهُ.
وَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرُدَّكَ إِلَى أَصْحَابِكَ بِأَوْفَر الْحَظِّ مِنْ سَلَامَةِ الْأَوْبَةِ، وَأَكْنَافِ الْغِبْطَةِ، بِلِين المُنْصَرَفِ، وَلَا أَوْعَثَ اللهُ لَكَ سَبِيلاً وَلَا حَيَّرَ لَكَ دَلِيلاً، وَاسْتَوْدِعْهُ نَفْسَكَ وَدِيعَةً لَا تَضِيعُ وَلَا تَزُولُ بِمَنِّهِ وَلُطْفِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ.
يَا أَبَا إِسْحَاقَ، إِنَّ اللهَ قَنَّعَنَا بِعَوَائِدِ إِحْسَانِهِ، وَفَوَائِدِ امْتِنَانِهِ، وَصَانَ أَنْفُسَنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2189) في المصدر: (ما أُؤدِّي إليهم) بدل (ما أورى).
(2190) في المصدر: (وربضناه).

(٦٣٨)

عَنْ مُعَاوَنَةِ الْأَوْلِيَاءِ، إِلَّا(2191) عَن الْإخْلَاص فِي النّيَّةِ، وَإِمْحَاض النَّصِيحَةِ، وَالمُحَافَظَةِ عَلَى مَا هُوَ أَتْقَى وَأَبْقَى(2192) وَأَرْفَعُ ذِكْراً».
قَالَ: فَأَقْفَلْتُ عَنْهُ، حَامِداً للهِ (عزَّ وجلَّ) عَلَى مَا هَدَانِي وَأَرْشَدَنِي، عَالِماً بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ لِيُعَطِّلَ أرْضَهُ، وَلَا يُخَلِّيَهَا مِنْ حُجَّةٍ وَاضِحَةٍ وَإِمَام قَائِم، وَأَلْقَيْتُ هَذَا الْخَبَرَ المَأثُورَ، وَالنَّسَبَ المَشْهُورَ، تَوَخِّياً لِلزِّيَادَةِ فِي بَصَائِر أَهْل الْيَقِين، وَتَعْريفاً لَهُمْ مَا مَنَّ اللهُ (عزَّ وجلَّ) بِهِ مِنْ إِنْشَاءِ الذُّرِّيَّةِ الطَّيِّبَةِ، وَالتُّرْبَةِ الزَّكِيَّةِ، وَقَصَدْتُ أَدَاءَ الْأَمَانَةِ وَالتَّسْلِيمَ لِمَا اسْتَبَانَ، لِيُضَاعِفَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) الْمِلَّةَ الْهَادِيَةَ، وَالطَّريقَةَ(2193) المَرْضِيَّةَ قُوَّةَ عَزْم، وَتَأيِيدَ نِيَّةٍ، وَشَدَّ(2194) أُزُرٍ، وَاعْتِقَادَ عِصْمَةٍ، وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم(2195).
إيضاح: الرائع(2196): من يُعجبك بحسنه وجهارة منظره كالأروع(2197)، قاله الفيروزآبادي(2198). وقال: الرجل الحسن المخيَّلة بما يُتخيَّل فيه(2199). وقوله: (وشجت) من باب التفعيل على بناء المعلوم، أو المجهول، أو المعلوم من المجرَّد، أي صارت وسيلة للارتباط بينك وبينه (علیه السلام)، قال الفيروزآبادي: الوشيج: اشتباك القرابة، والواشجه: الرحم المشتبكة، وقد وشجت بك قرابته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2191) في المصدر: (لنا).
(2192) في المصدر: (أنقى وأتقى).
(2193) في المصدر إضافة: (المستقيمة).
(2194) في المصدر: (وشدَّة).
(2195) كمال الدِّين (ج 2/ ص 445 - 453/ باب 43/ ح 19).
(2196) في المصدر: (الأروع).
(2197) في المصدر: (كالرائع).
(2198) القاموس المحيط (ج 3/ ص 33).
(2199) القاموس المحيط (ج 3/ ص 383)، قاله الفيروزآبادي في معاني (الخال). نعم يُعرَف من قوله: (الحسن المخيَّلة) معنى جميل المخيَّلة، فتدبَّر.

(٦٣٩)

تشج، ووشجها الله توشيجاً، ووشج محمله: شبكه بقد ونحوه لئلَّا يسقط منه شيء(2200).
قوله: (طال ما جُلت فيها) هو من الجولان. ويقال: خبن الطعام(2201)، أي غيَّبه وخبَّأه للشدَّة، أي أُفدي بنفسي يداً طال ما كنت أجول فيما يصدر عنها من أجوبه مسائلي، كناية عن كثرتها. (وتراً): أي كنت متفرِّداً بذلك لاختصاصي به (علیه السلام)، فكنت أخزن منها فنون العلوم ليوم أحتاج إليها، وفي بعض النُّسَخ: (أجبت) مكان (جلت)، فلفظة (في) تعليليَّة.
والناصع: الخالص. والبلجة: نقاوة ما بين الحاجبين، يقال: رجل أبلج بيِّن البلج إذا لم يكن مقروناً. وقال الجوهري: المسنون: المملس، ورجل مسنون الوجه إذا كان في وجهه وأنفه طول(2202). وقال: الشمم: ارتفاع في قصبة الأنف مع استواء أعلاه، فإنْ كان فيها احديداب فهو القنا(2203). وقال: الوفرة: الشعرة إلى شحمة الأُذن(2204). والسحماء: السوداء وشعر. سبط: بكسر الباء وفتحها، أي مترسِّل غير جعد. والسمت: هيأة أهل الخير. والوشك بالفتح والضمِّ: السرعة. و(المعاتب): المراضي، من قولهم: استعتبته فأعتبني، أي استرضيته فأرضاني. و(تشاحط الدار) تباعدها.
قوله (علیه السلام): (قيَّض): أي يسَّر. و(التنازع) التشاوق، من قولهم: نازعت النفس إلى كذا اشتاقت. وقال الجوهري: العالية ما فوق نجد إلى أرض تهامة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2200) القاموس المحيط (ج 1/ ص 219).
(2201) لـمَّا قرأ قوله: (وتراخى بنا): (وترا خابنا) احتاج إلى أنْ يشرح معنى (خبن)، فتأمَّل.
(2202) الصحاح (ج 4/ ص 2139 و2140).
(2203) الصحاح (ج 4/ ص 1962).
(2204) الصحاح (ج 2/ ص 847).

(٦٤٠)

وإلى ما وراء مكَّة، وهي الحجاز(2205). قوله: (وجبت صرائم الأرض) يقال: جبت البلاد، أي قطعتها ودرت فيها، والصريمة: ما انصرم من معظم الرمل والأرض المحصود زرعها، وفي بعض النُّسَخ: خبت بالخاء المعجمة، وهو المطمئنُّ من الأرض فيه رمل. و(الهلع) الجزع، ونبط الماء: نبع، وأنبط الحفَّار بلغ الماء.
قوله (علیه السلام): (نُزَّع) كرُكَّع، أي مشتاقون. قوله (علیه السلام): (يطلعون بمخائل الذلَّة): أي يدخلون في أُمور هي مظانُّ المذلَّة، أو يطلعون ويخرجون بين الناس مع أحوال هي مظانُّها. قوله (علیه السلام): (بدرك): أي اصبر فيما يرد عليك من المكاره والبلايا حتَّى تفوز بالوصول إلى صنع الله إليك ومعروفه لديك في إرجاعها وصرفها عنك.
قوله (علیه السلام): (واستشعر العزَّ) يقال: استشعر خوفاً أي أضمره، أي اعلم في نفسك أنَّ ما ينوبك من البلايا سبب لعزِّك. قوله (علیه السلام): (تحظ) من الحظوة، المنزلة والقرب والسعادة، وفي بعض النُّسَخ: تحط من الإحاطة. و(علوُّ الكعب) كناية عن العزِّ والغلبة، وقال الفيروزآبادي: الكعب: الشرف والمجد(2206).
قوله (علیه السلام): (على أثناء أعطافك) قال الفيروزآبادي: ثنى الشيء ردَّ بعضه على بعض، وأثناء الشيء قوَّاه وطاقاته، واحدها ثني بالكسر(2207). والعطاف بالكسر: الرداء، والمراد بالأعطاف جوانبها.
قوله (علیه السلام): (في مثاني العقود): أي العقود المثنيَّة المعقودة التي لا يتطرَّق إليها التبدُّد، أو في موضع ثنيها فإنَّها في تلك المواضع أجمع وأكثف. والقدّ: القطع، وتقدَّد القوم تفرَّقوا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2205) الصحاح (ج 4/ ص 2436).
(2206) القاموس المحيط (ج 1/ ص 129).
(2207) القاموس المحيط (ج 4/ ص 310).

(٦٤١)

قوله (علیه السلام): (بمكاثفتهم): أي اجتماعهم، وفي بعض النُّسَخ: بمكاشفتهم، أي محاربتهم. قوله (علیه السلام): (إذ تبعتك): أي بايعك وتابعك هؤلاء المؤمنون(2208). والدوحة: الشجرة العظيمة. وبسق النخل بسوقاً: أي طال. قوله (علیه السلام): (أسقام الآفاق): أي يظهر بك أنَّ أهل الآفاق كانوا أسقام روحانيَّة، وأنَّ رفقاءك كانوا سالمين منها، فلذا آمنوا بك(2209).
قوله (علیه السلام): (بواني العزِّ): أي أساسها مجازاً، فإنَّ البواني قوائم الناقة، أو الخصال التي تبني العزَّ وتُؤسِّسها. وشرد البعير: نفر فهو شارد. قوله: (غامط): أي حاقر للحقِّ وأهله بطر بالنعمة. و(أورى) استخرج النار بالزند. و(بنات الصدور) الأفكار والمسائل والمعارف التي تنشأ فيها. و(القفول) الرجوع من السفر. و(التجزع) بالزاء المعجمة: إظهار الجزع أو شدَّته، أو بالمهملة من قولهم: جرعة غصص الغيظ فتجرَّعه أي كظمه. والظعن: السير. والاعتزام: العزم أو لزوم القصد في المشي، وفي بعض النُّسَخ: الاغترام بالغين المجمعة والراء المهملة من الغرامة، كأنَّه يغرم نفسه بسوء صنيعه في مفارقة مولاه. و(الشقَّة) بالضمِّ: السفر البعيد(2210). وفلاة قذف بفتحتين وضمَّتين: أي بعيدة، ذكره الجوهري(2211). وربضت الشاة: أقامت في مربضها فأربضها غيرها. والأكناف: إمَّا مصدر أكنفه أي صانه وحفظه وأعانه وأحاطه، أو جمع الكنف محرَّكة وهو الحرز والستر والجانب والظلُّ والناحية. ووعث الطريق: تعسُّر سلوكه، والوعثاء: المشقَّة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2208) في المصدر: (يبعثك).
(2209) في المصدر: (واستقامة أهل الآفاق).
(2210) الصحاح (ج 3/ ص 1502).
(2211) الصحاح (ج 3/ ص 1414).

(٦٤٢)

[444/30] كمال الدِّين: المُظَفَّرُ الْعَلَويُّ، عَن ابْن الْعَيَّاشِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَعْفَر بْن مَعْرُوفٍ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْبَلْخِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ السُّوريُّ، قَالَ: صِرْتُ إِلَى بُسْتَان بَنِي عَامِرٍ، فَرَأَيْتُ غِلْمَاناً يَلْعَبُونَ فِي غَدِير مَاءٍ وَفَتًى جَالِساً عَلَى مُصَلًّى وَاضِعاً كُمَّهُ عَلَى فِيهِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: (م ح م د) بْنُ الْحَسَن، وَكَانَ فِي صُورَةِ أَبِيهِ (علیه السلام)(2212).
[445/31] كمال الدِّين: سَمِعْنَا شَيْخاً مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يُقَالُ لَهُ: أَحْمَدُ بْنُ فَارسٍ الْأَدِيبُ(2213) يَقُولُ: سَمِعْتُ بِهَمَذَانَ حِكَايَةً حَكَيْتُهَا كَمَا سَمِعْتُهَا لِبَعْض إِخْوَانِي، فَسَأَلَنِي أَنْ أُثْبِتَهَا لَهُ بِخَطِّي وَلَمْ أَجِدْ إِلَى مُخَالَفَتِهِ سَبِيلاً، وَقَدْ كَتَبْتُهَا وَعَهِدْتُهَا إِلَى مَنْ حَكَاهَا، وَذَلِكَ أَنَّ بِهَمَذَانَ نَاساً يُعْرَفُونَ بِبَنِي رَاشِدٍ، وَهُمْ كُلُّهُمْ يَتَشَيَّعُونَ، وَمَذْهَبُهُمْ مَذْهَبُ أَهْل الْإمَامَةِ.
فَسَأَلْتُ عَنْ سَبَبِ تَشَيُّعِهِمْ مِنْ بَيْن أَهْل هَمَذَانَ، فَقَالَ لِي شَيْخٌ مِنْهُمْ رَأَيْتُ فِيهِ صَلاَحاً وَسَمْتاً: إِنَّ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ جَدَّنَا الَّذِي نُنْسَبُ إِلَيْهِ خَرَجَ حَاجًّا، فَقَالَ: إِنَّهُ لَـمَّا صَدَرَ مِنَ الْحَجِّ وَسَارُوا مَنَازلَ فِي الْبَادِيَةِ، قَالَ: فَنَشِطْتُ فِي النُّزُول وَالمَشْي، فَمَشَيْتُ طَويلاً حَتَّى أَعْيَيْتُ وَتَعِبْتُ(2214)، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَنَامُ نَوْمَةً تُريحُنِي فَإذَا جَاءَ أَوَاخِرُ الْقَافِلَةِ قُمْتُ، قَالَ: فَمَا انْتَبَهْتُ إِلَّا بِحَرِّ الشَّمْس وَلَمْ أَرَ أَحَداً، فَتَوَحَّشْتُ وَلَمْ أَرَ طَريقاً وَلَا أَثَراً، فَتَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَقُلْتُ: أَسِيرُ حَيْثُ وَجَّهَني.
وَمَشَيْتُ غَيْرَ طَويلٍ، فَوَقَعْتُ فِي أَرْضٍ خَضْرَاءَ نَضْرَةٍ كَأَنَّهَا قَريبَةُ عَهْدٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2212) كمال الدِّين (ج 2/ ص 441/ باب 43/ ح 13).
(2213) أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي، أبو الحسين، من أئمَّة اللغة والأدب، أصله من قزوين، وأقام مدَّة في همذان، ثُمَّ انتقل إلى الريِّ فتُوفِّي فيها سنة (390هـ)، وقيل: (370هـ)، وله تصانيف كثيرة في فنون شتَّى.
(2214) في المصدر: (ونعست).

(٦٤٣)

بِغَيْثٍ وَإِذَا تُرْبَتُهَا أَطْيَبُ تُرْبَةٍ، وَنَظَرْتُ فِي سَوَاءِ تِلْكَ الْأَرْض إِلَى قَصْرٍ يَلُوحُ كَأَنَّهُ سَيْفٌ، فَقُلْتُ: يَا لَيْتَ(2215) شِعْري مَا هَذَا الْقَصْرُ الَّذِي لَمْ أَعْهَدْهُ وَلَمْ أسْمَعْ بِهِ؟ فَقَصَدْتُهُ.
فَلَمَّا بَلَغْتُ الْبَابَ رَأَيْتُ خَادِمَيْن أَبْيَضَيْن، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمَا، فَرَدَّا عَلَيَّ رَدًّا جَمِيلاً، وَقَالَا: اجْلِسْ فَقَدْ أَرَادَ اللهُ بِكَ خَيْراً، وَقَامَ أَحَدُهُمَا فَدَخَلَ وَاحْتَبَسَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: قُمْ فَادْخُلْ، فَدَخَلْتُ قَصْراً لَمْ أَرَ بِنَاءً أَحْسَنَ مِنْ بِنَائِهِ وَلَا أَضْوَأ مِنْهُ، وَتَقَدَّمَ الْخَادِمُ إِلَى سِتْرٍ عَلَى بَيْتٍ فَرَفَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لِيَ: ادْخُلْ، فَدَخَلْتُ الْبَيْتَ فَإذَا فَتًى جَالِسٌ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ، وَقَدْ عُلِّقَ عَلَى رَأسِهِ مِنَ السَّقْفِ سَيْفٌ طَويلٌ تَكَادُ ظُبَتُهُ تَمَسُّ رَأسَهُ، وَالْفَتَى(2216) بَدْرٌ يَلُوحُ فِي ظَلَام، فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّ السَّلَامَ بِأَلْطَفِ الْكَلَام وَأَحْسَنِهِ.
ثُمَّ قَالَ لِي: «أَتَدْري مَنْ أَنَا؟»، فَقُلْتُ: لَا وَاللهِ، فَقَالَ: «أَنَا الْقَائِمُ مِنْ آل مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أَنَا الَّذِي أَخْرُجُ فِي آخِر الزَّمَان بِهَذَا السَّيْفِ - وَأَشَارَ إِلَيْهِ - فَأَمْلَأ الْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً»، فَسَقَطْتُ عَلَى وَجْهِي وَتَعَفَّرْتُ، فَقَالَ: «لَا تَفْعَلْ ارْفَعْ رَأسَكَ، أَنْتَ فُلَانٌ مِنْ مَدِينَةٍ بِالْجَبَل يُقَالُ لَهَا: هَمَذَانُ»، قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا سَيِّدِي وَمَوْلَايَ، قَالَ: «فَتُحِبُّ أَنْ تَئُوبَ إِلَى أَهْلِكَ؟»، قُلْتُ: نَعَمْ يَا سَيِّدِي وَأُبَشِّرُهُمْ بِمَا أَتَاحَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) لِي، فَأَوْمَأَ إِلَى الْخَادِم، فَأَخَذَ بِيَدِي وَنَاوَلَنِي صُرَّةً، وَخَرَجَ وَمَشَى مَعِي خُطُوَاتٍ، فَنَظَرْتُ إِلَى ظِلَالٍ وَأَشْجَارٍ وَمَنَارَةِ مَسْجِدٍ، فَقَالَ: أَتَعْرفُ هَذَا الْبَلَدَ؟ قُلْتُ: إِنَّ بِقُرْبِ بَلَدِنَا بَلْدَةً تُعْرَفُ بِأَسْتَابَادَ(2217) وَهِيَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2215) في المصدر: (ليت) بدل (يا ليت).
(2216) في المصدر إضافة: (كأنَّه).
(2217) في المصدر: (بأسدآباد) وكذا في ما بعد، علماً بأنَّ المؤلِّف قد احتمل اتِّحاد (أستاباد) مع ما يُعرَف اليوم بـ (أسدآباد)، راجع (بيان) المؤلِّف بعد هذا.

(٦٤٤)

تُشْبِهُهَا، قَالَ: فَقَالَ: هَذِهِ أَسْتَابَادُ امْض رَاشِداً، فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَهُ، وَدَخَلْتُ أَسْتَابَادَ وَإِذَا فِي الصُّرَّةِ أَرْبَعُونَ أَوْ خَمْسُونَ دِينَاراً، فَوَرَدْتُ هَمَذَانَ وَجَمَعْتُ أَهْلِي وَبَشَّرْتُهُمْ بِمَا أَتَاحَ اللهُ لِي وَيَسَّرَهُ (عزَّ وجلَّ)، وَلَمْ نَزَلْ بِخَيْرٍ مَا بَقِيَ مَعَنَا مِنْ تِلْكَ الدَّنَانِير(2218).
بيان: قوله: (في سواء تلك الأرض): أي وسطها. وظُبَة السيف بالضمِّ مخفَّفاً طرفه. ولعلَّ أستاباد هي التي تُعرَف اليوم بـ(أسدآباد)(2219).
أقول: روى الراوندي مثل تلك القصَّة عن جماعة سمعوها منهم(2220).
[446/32] كمال الدِّين: المُظَفَّرُ الْعَلَويُّ، عَن ابْن الْعَيَّاشِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَعْفَر بْن مَعْرُوفٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْبَلْخِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن صَالِح، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدِ بْن قَنْبَرٍ الْكَبِير مَوْلَى الرِّضَا (علیه السلام)، قَالَ: خَرَجَ صَاحِبُ الزَّمَان (علیه السلام) عَلَى جَعْفَرٍ الْكَذَّابِ مِنْ مَوْضِع لَمْ يَعْلَمْ بِهِ عِنْدَ مَا نَازَعَ فِي الْمِيرَاثِ عِنْدَ(2221) مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَقَالَ لَهُ: «يَا جَعْفَرُ، مَا لَكَ تَعْرضُ فِي حُقُوقِي؟»، فَتَحَيَّرَ جَعْفَرٌ وَبَهَتَ، ثُمَّ غَابَ عَنْهُ، فَطَلَبَ(2222) جَعْفَرٌ بَعْدَ ذَلِكَ فِي النَّاس فَلَمْ يَرَهُ، فَلَمَّا مَاتَتِ الْجَدَّةُ أُمُّ الْحَسَن أَمَرَتْ أَنْ تُدْفَنَ فِي الدَّار فَنَازَعَهُمْ وَقَالَ: هِيَ دَاري لَا تُدْفَنُ فِيهَا، فَخَرَجَ (علیه السلام) فَقَالَ لَهُ: «يَا جَعْفَرُ، دَارُكَ هِيَ؟»، ثُمَّ غَابَ فَلَمْ يَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ(2223).
[447/33] كمال الدِّين: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن عَلِيُّ بْنُ مُوسَى بْن أَحْمَدَ بْن إِبْرَاهِيمَ بْن مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ اللهِ بْن مُوسَى بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام)، قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي (رضي الله عنه): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2218) كمال الدِّين (ج 2/ ص 453 و454/ باب 43/ ح 20).
(2219) كما في المصدر المطبوع.
(2220) الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 938/ فصل في معجزات الأنبياء والأئمَّة (علیهم السلام)).
(2221) في المصدر: (بعد).
(2222) في المصدر: (فطلبه).
(2223) كمال الدِّين (ج 2/ ص 442/ باب 43/ ح 15).

(٦٤٥)

الطُّوَالُ، عَنْ أَبِيهِ، عَن الْحَسَن بْن عليٍّ الطَّبَريِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن مَهْزيَارَ(2224)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ جَدِّي عَلِيَّ بْنَ مَهْزيَارَ(2225) يَقُولُ: كُنْتُ نَائِماً فِي مَرْقَدِي إِذْ رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ قَائِلاً يَقُولُ لِي: حُجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَإنَّكَ تَلْقَى صَاحِبَ زَمَانِكَ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ مَهْزيَارَ(2226): فَانْتَبَهْتُ فَرحاً مَسْرُوراً، فَمَا زلْتُ فِي صَلَاتِي حَتَّى انْفَجَرَ عَمُودُ الصُّبْح وَفَرَغْتُ مِنْ صَلَاتِي وَخَرَجْتُ أَسْأَلُ عَن الْحَاجِّ، فَوَجَدْتُ رفْقَةً(2227) تُريدُ الْخُرُوجَ، فَبَادَرْتُ مَعَ أَوَّل مَنْ خَرَجَ، فَمَا زلْتُ كَذَلِكَ حَتَّى خَرَجُوا وَخَرَجْتُ بِخُرُوجِهِمْ أُريدُ الْكُوفَةَ، فَلَمَّا وَافَيْتُهَا نَزَلْتُ عَنْ رَاحِلَتِي وَسَلَّمْتُ مَتَاعِي إِلَى ثِقَاتِ إِخْوَانِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2224) في المصدر: (عن أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليِّ بن إبراهيم بن مهزيار).
(2225) في المصدر المطبوع (ج 2/ ص 140/ ط إسلاميَّة) سند الحديث هكذا: (عن أبي جعفر محمّد بن عليِّ بن إبراهيم بن مهزيار، قال: سمعت أبي يقول: سمعت جدِّي إبراهيم بن مهزيار يقول: كنت نائماً...) إلخ.
وهكذا فيما يأتي في كلِّ المواضع بدل (عليِّ بن مهزيار) إبراهيم بن مهزيار، وهذا مع أنَّه يطابق ما مرَّ عن كمال الدِّين بعينه تحت الرقم (443/29) يناسب لفظ السند بقوله: (سمعت أبي... يقول: سمعت جدِّي...، يقول)، فيرتفع الخدشة والإشكال الذي ذكره المصنِّف (رحمه الله) في بيان الخبر. لكن يبقى إشكال آخر، وهو أنَّ النسختين متَّفقتان في تكنية الرجل بأبي الحسن في كلِّ المواضع، وهو كنية عليِّ بن مهزيار، وأمَّا كنية إبراهيم بن مهزيار فهو أبو إسحاق كما يُذكَر في الحديث السابق المذكور تحت الرقم (443/29). فقد يختلج بالبال أنَّ نُسَّاخ كتاب كمال الدِّين فيما بعد المجلسي (رحمه الله) صحَّحوا ألفاظ الحديث سنداً ومتناً بحيث يطابق الاعتبار، ولكن غفلوا عن تصحيح الكنى وتبديل أبي الحسن بأبي إسحاق.
(2226) في المصدر: (إبراهيم).
(2227) في المصدر: (فرقة).

(٦٤٦)

وَخَرَجْتُ أَسْأَلُ عَنْ آل أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَمَا زلْتُ كَذَلِكَ فَلَمْ أَجِدْ أَثَراً وَلَا سَمِعْتُ خَبَراً، وَخَرَجْتُ فِي أَوَّل مَنْ خَرَجَ أُريدُ المَدِينَةَ، فَلَمَّا دَخَلْتُهَا لَمْ أَتَمَالَكْ أَنْ نَزَلْتُ عَنْ رَاحِلَتِي وَسَلَّمْتُ رَحْلِي إِلَى ثِقَاتِ إِخْوَانِي وَخَرَجْتُ أَسْأَلُ عَن الْخَبَر وَأَقْفُو الْأَثَرَ، فَلاَ خَبَراً سَمِعْتُ وَلَا أَثَراً وَجَدْتُ، فَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ نَفَرَ النَّاسُ إِلَى مَكَّةَ، وَخَرَجْتُ مَعَ مَنْ خَرَجَ حَتَّى وَافَيْتُ مَكَّةَ، وَنَزَلْتُ وَاسْتَوْثَقْتُ مِنْ رَحْلِي، وَخَرَجْتُ أَسْأَلُ عَنْ آل أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، فَلَمْ أَسْمَعْ خَبَراً وَلَا وَجَدْتُ أَثَراً.
فَمَا زلْتُ بَيْنَ الْإيَاس وَالرَّجَاءِ مُتَفَكِّراً فِي أَمْري وَعَاتِباً(2228) عَلَى نَفْسِي وَقَدْ جَنَّ اللَّيْلُ وَأَرَدْتُ(2229) أَنْ يَخْلُوَ لِي وَجْهُ الْكَعْبَةِ لِأَطُوفَ بِهَا وَأَسْأَلَ اللهَ يُعَرِّفُنِي أَمَلِي فِيهَا، فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ وَقَدْ خَلَا لِي وَجْهُ الْكَعْبَةِ إِذْ قُمْتُ إِلَى الطَّوَافِ، فَإذَا أَنَا بِفَتًى مَلِيح الْوَجْهِ، طَيِّبِ الرَّوْح، مُتَرَدٍّ(2230) بِبُرْدَةٍ مُتَّشَح بِأُخْرَى، وَقَدْ عَطَفَ بِردَائِهِ عَلَى عَاتِقِهِ، فَحَرَّكْتُهُ(2231)، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: مِمَّن الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: مِنَ الْأَهْوَاز.
فَقَالَ: أَتَعْرفُ بِهَا ابْنَ الْخَضِيبِ؟ فَقُلْتُ: رَحِمَهُ اللهُ دُعِيَ فَأَجَابَ، فَقَالَ: رَحِمَهُ اللهُ، فَلَقَدْ كَانَ بِالنَّهَار صَائِماً، وَباللَّيْل قَائِماً، وَلِلْقُرْآن تَالِياً، وَلَنَا مُوَالِياً. أَتَعْرفُ بِهَا عَلِيَّ بْنَ مَهْزيَارَ(2232)؟ فَقُلْتُ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ مَهْزيَارَ(2233)، فَقَالَ: أَهْلاً وَسَهْلاً بِكَ يَا أَبَا الْحَسَن، أَتَعْرفُ الضَّريحَيْن(2234)؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: وَمَنْ هُمَا؟ قُلْتُ: مُحَمَّدٌ وَمُوسَى، قَالَ: وَمَا فَعَلْتَ الْعَلَامَةَ الَّتِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)؟ فَقُلْتُ: مَعِي.
قَالَ: أَخْرجْهَا إِلَيَّ، فَأَخْرَجْتُ(2235) إِلَيْهِ خَاتَماً حَسَناً عَلَى فَصِّهِ: مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2228) في المصدر: (وعائباً).
(2229) في المصدر: (أرقب إلى) بدل (وأردت).
(2230) في المصدر: (متَّزر)، وهو الأظهر.
(2231) في المصدر: (فرعته).
(2232) في المصدر: (عليُّ بن إبراهيم بن مهزيار).
(2233) عبارة: (بن مهزيار) ليست في المصدر.
(2234) في المصدر: (الصريحين)، أي الخالصين في النسب.
(2235) في المصدر: (فأخرجتها).

(٦٤٧)

فَلَمَّا رَآهُ بَكَى(2236) بُكَاءً طَويلاً وَهُوَ يَقُولُ: رَحِمَكَ اللهُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، فَلَقَدْ كُنْتَ إِمَاماً عَادِلاً ابْنَ أَئِمَّةٍ أَبَا(2237) إِمَام، أَسْكَنَكَ اللهُ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى مَعَ آبَائِكَ.
ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا الْحَسَن، صِرْ إِلَى رَحْلِكَ، وَكُنْ عَلَى أُهْبَةِ السَّفَر(2238)، حَتَّى إِذَا ذَهَبَ الثُّلُثُ مِنَ اللَّيْل وَبَقِيَ الثُّلُثَان فَالْحَقْ بِنَا فَإِنَّكَ تَرَى مُنَاكَ(2239).
قَالَ ابْنُ مَهْزيَارَ: فَانْصَرَفْتُ إِلَى رَحْلِي أُطِيلُ الْفِكْرَ حَتَّى إِذَا هَجَمَ الْوَقْتُ فَقُمْتُ إِلَى رَحْلِي فَأَصْلَحْتُهُ، وَقَدَّمْتُ رَاحِلَتِي فَحَمَلْتُهَا، وَصِرْتُ فِي مَتْنِهَا حَتَّى لَحِقْتُ الشِّعْبَ، فَإذَا أَنَا بِالْفَتَى هُنَاكَ يَقُولُ: أَهْلاً وَسَهْلاً يَا أَبَا الْحَسَن، طُوبَى لَكَ فَقَدْ أُذِنَ لَكَ، فَسَارَ وَسِرْتُ بِسَيْرهِ حَتَّى جَازَ بِي عَرَفَاتٍ وَمِنًى، وَصِرْتُ فِي أَسْفَل ذِرْوَةِ(2240) الطَّائِفِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا الْحَسَن، انْزلْ وَخُذْ فِي أُهْبَةِ الصَّلَاةِ، فَنَزَلَ وَنَزَلْتُ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَفَرَغْتُ، ثُمَّ قَالَ لِي: خُذْ فِي صَلَاةِ الْفَجْر وَأَوْجِزْ، فَأَوْجَزْتُ فِيهَا وَسَلَّمَ وَعَفَّرَ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ، ثُمَّ رَكِبَ وَأَمَرَني بِالرُّكُوبِ(2241)، ثُمَّ سَارَ وَسِرْتُ بِسَيْرهِ حَتَّى عَلَا الذِّرْوَةَ، فَقَالَ: المَحْ هَلْ تَرَى شَيْئاً؟ فَلَمَحْتُ فَرَأَيْتُ بُقْعَةً نَزهَةً كَثِيرَةَ الْعُشْبِ وَالْكَلَإ، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، أَرَى بُقْعَةً(2242) كَثِيرَةَ الْعُشْبِ وَالْكَلَإ، فَقَالَ لِي: هَلْ(2243) فِي أَعْلاَهَا شَيْءٌ(2244)؟ فَلَمَحْتُ فَإذَا أَنَا بِكَثِيبِ رَمْلٍ فَوْقَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2236) في المصدر إضافة: (مليًّا ورنَّ شجيًّا فأقبل يبكي) بين معقوفتين.
(2237) في المصدر: (وأبا).
(2238) في المصدر: (كفايتك) بدل (السفر).
(2239) في المصدر إضافة: (إنْ شاء الله).
(2240) في المصدر إضافة: (جبل).
(2241) في المصدر إضافة: (فركبت).
(2242) في المصدر إضافة: (نزهة).
(2243) في المصدر إضافة: (ترى).
(2244) في المصدر: (شيئاً) بدل (شيء).

(٦٤٨)

بَيْتٌ مِنْ شَعْرٍ يَتَوَقَّدُ نُوراً، فَقَالَ لِي: هَلْ رَأَيْتَ شَيْئاً؟ فَقُلْتُ: أَرَى كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ لِي: يَا بْنَ مَهْزيَارَ، طِبْ نَفْساً وَقَرَّ عَيْناً فَإنَّ هُنَاكَ أَمَلَ كُلِّ مُؤَمِّلٍ، ثُمَّ قَالَ لِيَ: انْطَلِقْ بِنَا، فَسَارَ وَسِرْتُ حَتَّى صَارَ فِي أَسْفَل الذِّرْوَةِ، ثُمَّ قَالَ لِي: انْزلْ فَهَاهُنَا يَذِلُّ(2245) كُلُّ صَعْبٍ، فَنَزَلَ وَنَزَلْتُ حَتَّى قَالَ لِي: يَا بْنَ مَهْزيَارَ، خَلِّ عَنْ زمَام الرَّاحِلَةِ، فَقُلْتُ: عَلَى مَنْ أُخَلِّفُهَا وَلَيْسَ هَاهُنَا أَحَدٌ؟ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا حَرَمٌ لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا وَلِيٌّ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا وَلِيٌّ، فَخَلَّيْتُ عَن الرَّاحِلَةِ، وَسَارَ وَسِرْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الخبإ [الْخِبَاءِ] سَبَقَنِي وَقَالَ لِي: هُنَاكَ، إِلَى أَنْ يُؤْذَنَ لَكَ، فَمَا كَانَ إِلَّا هُنَيْئَةً فَخَرَجَ إِلَيَّ وَهُوَ يَقُولُ: طُوبَى لَكَ فَقَدْ أُعْطِيتَ سُؤْلَكَ.
قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى نَمَطٍ عَلَيْهِ نَطْعُ أَدَم أَحْمَرُ، مُتَّكِئٌ عَلَى مِسْوَرَةِ أَدَم، فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، وَلَمَحْتُهُ فَرَأَيْتُ وَجْهاً(2246) مِثْلَ فِلْقَةِ قَمَرٍ، لَا بِالْخَرقِ وَلَا بِالنَّزقِ(2247)، وَلَا بِالطَّويل الشَّامِخ وَلَا بِالْقَصِير اللَّاصِقِ، مَمْدُودَ الْقَامَةِ، صَلْتَ الْجَبِين، أَزَجَّ الْحَاجِبَيْن، أَدْعَجَ الْعَيْنَيْن، أَقْنَى الْأَنْفِ، سَهْلَ الْخَدَّيْن، عَلَى خَدِّهِ الْأَيْمَن خَالٌ، فَلَمَّا أَنَا(2248) بَصُرْتُ بِهِ حَارَ عَقْلِي فِي نَعْتِهِ وَصِفَتِهِ.
فَقَالَ لِي: «يَا بْنَ مَهْزيَارَ، كَيْفَ خَلَّفْتَ إِخْوَانَكَ بِالْعِرَاقِ؟»، قُلْتُ: فِي ضَنْكِ عَيْشٍ وَهَنَاةٍ، قَدْ تَوَاتَرَتْ عَلَيْهِمْ سُيُوفُ بَنِي الشَّيْصَبَان، فَقَالَ: «قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ، كَأَنِّي بِالْقَوْم وَقَدْ قُتِلُوا فِي دِيَارهِمْ وَأَخَذَهُمْ أَمْرُ رَبِّهِمْ لَيْلاً أَوْ نَهَاراً»، فَقُلْتُ: مَتَى يَكُونُ ذَلِكَ يَا بْنَ رَسُول اللهِ؟ فَقَالَ: «إِذَا حِيلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ سَبِيل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2245) في المصدر إضافة: (لك).
(2246) في المصدر: (وجهه).
(2247) في المصدر: (بالبزق).
(2248) في المصدر: (أنْ) بدل (أنا).

(٦٤٩)

الْكَعْبَةِ بِأَقْوَام لَا خَلَاقَ لَهُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ مِنْهُمْ بَرَاءٌ، وَظَهَرَتِ الْحُمْرَةُ فِي السَّمَاءِ ثَلَاثاً فِيهَا أَعْمِدَةٌ كَأَعْمِدَةِ اللُّجَيْن تَتَلَألَأُ نُوراً، وَيَخْرُجُ الشروسي(2249) مِنْ أَرْمِنْيَةَ [إِرْمِينِيَّةَ] وَآذَرْبيجَانَ يُريدُ وَرَاءَ الرَّيِّ الْجَبَلَ الْأَسْوَدَ المُتَلَاحِمَ بِالْجَبَل الْأَحْمَر لَزيقُ جِبَال طَالَقَانَ، فَتَكُونُ(2250) بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَرْوَزيِّ وَقْعَةٌ صَيْلَمَانِيَّةٌ، يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ وَيَهْرَمُ مِنْهَا الْكَبِيرُ وَيَظْهَرُ الْقَتْلُ بَيْنَهُمَا، فَعِنْدَهَا تَوَقَّعُوا خُرُوجَهُ إِلَى الزَّوْرَاءِ، فَلَا يَلْبَثُ بِهَا حَتَّى يُوَافِيَ مَاهَانَ(2251)، ثُمَّ يُوَافِي وَاسِطَ الْعِرَاقِ فَيُقِيمُ بِهَا سَنَةً أَوْ دُونَهَا، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى كُوفَانَ، فَتَكُونُ بَيْنَهُمْ وَقْعَةٌ مِنَ النَّجَفِ إِلَى الْحِيرَةِ إِلَى الْغَريِّ وَقْعَةٌ شَدِيدَةٌ تَذْهَلُ مِنْهَا الْعُقُولُ، فَعِنْدَهَا يَكُونُ بَوَارُ الْفِئَتَيْن وَعَلَى اللهِ حَصَادُ الْبَاقِينَ»، ثُمَّ تَلَا: «﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾ [يونس: 24]»، فَقُلْتُ: سَيِّدِي يَا بْنَ رَسُول اللهِ، مَا الْأَمْرُ؟ قَالَ: «نَحْنُ أَمْرُ اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَجُنُودُهُ»، قُلْتُ: سَيِّدِي يَا بْنَ رَسُول اللهُ، حَانَ الْوَقْتُ؟ قَالَ: «﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر: 1]»(2252).
بيان: قوله: (أتعرف الضريحين): أي البعيدين عن الناس، قال الجوهري: (الضريح) البعيد(2253)، ولا يبعد أنْ يكون بالصاد المهملة فإنَّ الصريح: الرجل الخالص النسب(2254).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2249) في المصدر: (السروسي)، نسبة إلى سروس - بالمهملتين أوَّله وآخره، وربَّما قيل بالمعجمة في آخره -: مدينة نفيسة في جبل بإفريقية وأهلها خوارج أباضيَّة، ليس بها جامع ولا منبر ولا في قرية من قراها، وهي نحو من ثلاثمائة قرية لم يتَّفقوا على رجل يُقدِّمونه للصلاة.
(2250) في المصدر: (فيكون).
(2251) في المصدر: (باهات).
(2252) كمال الدِّين (ج 2/ ص 465 - 470/ باب 43/ ح 23).
(2253) الصحاح (ج 1/ ص 386).
(2254) الصحاح (ج 1/ ص 382).

(٦٥٠)

والنمط: ضرب من البُسُط، ولا يبعد أنْ يكون معرَّب نمد. والمسورة: متَّكاء من أدم. والدعج: سواد العين، وقيل: شدَّة سواد العين في شدَّة بياضها. والهناة: الشرور والفساد والشدائد العظام. والشيصبان: اسم الشيطان، أي بني العبَّاس الذين هم شرك شيطان.
والصيلم: الأمر الشديد، ووقعة صيلمة: مستأصلة. و(ماهان): الدينور ونهاوند. وقوله: (متى يكون ذلك) يحتمل أنْ يكون سؤالاً عن قيامه (علیه السلام) وخروجه، ولو كان سؤالاً عن انقراض بني العبَّاس فجوابه (علیه السلام) محمول على ما هو غرضه الأصلي من ظهور دولتهم (عليهم السلام).
ثُمَّ اعلم أنَّ اختلاف أسماء رواة هذه القصَّة(2255) يحتمل أنْ يكون اشتباهاً من الرواة، أو يكون وقع لهم جميعاً هذه الوقائع المتشابهة، والأظهر أنَّ عليَّ بن مهزيار هو عليُّ بن إبراهيم بن مهزيار نُسِبَ إلى جدِّه، وهو ابن أخي عليِّ بن مهزيار المشهور، إذ يبعد إدراكه لهذا الزمان، ويُؤيِّده ما في سند هذا الخبر من نسبة محمّد إلى جدِّه إنْ لم يسقط الابن بين الكنية والاسم.
وأمَّا خبر إبراهيم فيحتمل الاتِّحاد والتعدُّد وإنْ كان الاتِّحاد أظهر باشتباه النُّسَّاخ والرواة، والعجب أنَّ محمّد بن أبي عبد الله عدَّ فيما مضى محمّد بن إبراهيم ابن مهزيار ممَّن رآه (علیه السلام) ولم يعدّ أحداً من هؤلاء(2256).
ثُمَّ اعلم أنَّ اشتمال هذه الأخبار على أنَّ له (علیه السلام) أخاً مسمَّى بموسى غريب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2255) يعني القصَّة المذكورة في هذا الحديث والذي مرَّ تحت الرقم (443/29) و(447/33)، حيث إنَّ الذي تشرَّف بخدمة الإمام في هذا الحديث هو عليُّ بن مهزيار، وفيما سبق إبراهيم بن مهزيار.
(2256) أقول: ولعلَّه لم يعتمد على تلك الرواية حيث إنَّ ألفاظها مصنوعة، ومعانيها غريبة شاذَّة، وإسنادها منكر، ورجالها مجاهيل.

(٦٥١)

[448/34] كمال الدِّين: عَلِيُّ بْنُ الْحَسَن بْن عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ الْعَلَويُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَن ابِن وَجْنَا(2257) يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ كَانَ فِي دَار الْحَسَن ابْن عليٍّ (علیهما السلام)، قَالَ: فَكَبَسَتْنَا الْخَيْلُ وَفِيهِمْ جَعْفَرُ بْنُ عَلِيِّ [بْن مُحَمَّدٍ](2258) الْكَذَّابُ، وَاشْتَغَلُوا بِالنَّهْبِ وَالْغَارَةِ، وَكَانَتْ هِمَّتِي فِي مَوْلَايَ الْقَائِم (علیه السلام)، قَالَ: فَإذَا بِهِ قَدْ أَقْبَلَ وَخَرَجَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَهُوَ (علیه السلام) ابْنُ سِتِّ سِنينَ، فَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ حَتَّى غَابَ(2259).
[449/35] كمال الدِّين: أَحْمَدُ بْنُ [الْحُسَيْن بْن](2260) عَبْدِ اللهِ، عَن الْحُسَيْن بْن زَيْدِ بْن عَبْدِ اللهِ الْبَغْدَادِيِّ(2261)، عَنْ عَلِيِّ بْن سِنَانٍ المَوْصِلِيِّ(2262)، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَـمَّا قُبِضَ سَيِّدُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عليٍّ الْعَسْكَريُّ (علیه السلام) وَفَدَ مِنْ قُمَّ وَالْجِبَال وُفُودٌ بِالْأَمْوَال الَّتِي كَانَتْ تُحْمَلُ عَلَى الرَّسْم(2263)، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ خَبَرُ وَفَاتِهِ (علیه السلام)، فَلَمَّا أَنْ وَصَلُوا إِلَى سُرَّ مَنْ رَأى سَأَلُوا عَنْ سَيِّدِنَا الْحَسَن بْن عليٍّ (علیهما السلام)، فَقِيلَ لَهُمْ: إِنَّهُ قَدْ فُقِدَ، قَالُوا: فَمَنْ وَارثُهُ؟ قَالُوا: أَخُوهُ جَعْفَرُ بْنُ عليٍّ، فَسَألُوا عَنْهُ، فَقِيلَ لَهُمْ: قَدْ خَرَجَ مُتَنَزِّهاً وَرَكِبَ زَوْرَقاً فِي الدِّجْلَةِ يَشْرَبُ وَمَعَهُ المُغَنُّونَ.
قَالَ: فَتَشَاوَرَ الْقَوْمُ وَقَالُوا: لَيْسَتْ هَذِهِ صِفَاتِ الْإمَام، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: امْضُوا بِنَا لِنَرُدَّ هَذِهِ الْأَمْوَالَ عَلَى أَصْحَابِهَا، فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَريُّ الْقُمِّيُّ: قِفُوا بِنَا حَتَّى يَنْصَرفَ هَذَا الرَّجُلُ وَنَخْتَبِرَ أَمْرَهُ عَلَى الصِّحَّةِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2257) في المصدر: (سمعت أبا الحسين الحسن بن وجناء).
(2258) عبارة: (بن محمّد) ليست في المصدر.
(2259) كمال الدِّين (ج 2/ ص 473/ باب 43/ ح 25).
(2260) من المصدر.
(2261) في المصدر: (حدَّثنا [أبو] الحسين [بن] زيد بن عبد الله البغدادي).
(2262) وصف الشيخ الطوسي (رحمه الله) في الغيبة في (ح 109) الموصلي بالعدل.
(2263) في المصدر إضافة: (والعادة).

(٦٥٢)

قَالَ: فَلَمَّا انْصَرَفَ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: يَا سَيِّدَنَا، نَحْنُ قَوْمٌ(2264) مِنْ أَهْل قُمَّ، وَمَعَنَا جَمَاعَةٌ مِنَ الشِّيعَةِ وَغَيْرهَا، وَكُنَّا نَحْمِلُ إِلَى سَيِّدِنَا أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن بْن عليٍّ (علیهما السلام) الْأَمْوَالَ، فَقَالَ: وَأَيْنَ هِيَ؟ قَالُوا: مَعَنَا، قَالَ: احْمَلُوهَا إِلَيَّ، قَالُوا(2265): إِنَّ لِهَذِهِ الْأَمْوَال خَبَراً طَريفاً، فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالُوا: إِنَّ هَذِهِ الْأَمْوَالَ تُجْمَعُ وَيَكُونُ فِيهَا مِنْ عَامَّةِ الشِّيعَةِ الدِّينَارُ وَالدِّينَارَان، ثُمَّ يَجْعَلُونَهَا فِي كِيسٍ وَيَخْتِمُونَ عَلَيْهَا، وَكُنَّا إِذَا وَرَدْنَا بِالمَال قَالَ سَيِّدُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام): «جُمْلَةُ المَال كَذَا وَكَذَا دِينَاراً، مِنْ فُلَانٍ كَذَا، وَمِنْ فُلَانٍ كَذَا»، حَتَّى يَأتِي عَلَى أَسْمَاءِ النَّاس كُلِّهِمْ وَيَقُولُ مَا عَلَى الْخَوَاتِيم مِنْ نَقْشٍ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: كَذَبْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى أَخِي مَا لَمْ يَفْعَلْهُ، هَذَا عِلْمُ الْغَيْبِ(2266).
قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ الْقَوْمُ كَلَامَ جَعْفَرٍ جَعَلَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَقَالَ لَهُمُ: احْمِلُوا هَذَا المَالَ إِلَيَّ، فَقَالُوا: إِنَّا قَوْمٌ مُسْتَأجَرُونَ، وُكَلَاءُ لِأَرْبَابِ المَال، وَلَا نُسَلِّمُ المَالَ إِلَّا بِالْعَلاَمَاتِ الَّتِي كُنَّا نَعْرفُهَا مِنْ سَيِّدِنَا أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن بْن عليٍّ (علیهما السلام)، فَإنْ كُنْتَ الْإمَامَ فَبَرْهِنْ لَنَا وَإِلَّا رَدَدْنَاهَا إِلَى أَصْحَابِهَا يَرَوْنَ فِيهَا رَأيَهُمْ.
قَالَ: فَدَخَلَ جَعْفَرٌ عَلَى الْخَلِيفَةِ وَكَانَ بِسُرَّ مَنْ رَأى فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا حَضَرُوا قَالَ الْخَلِيفَةُ: احْمِلُوا هَذَا المَالَ إِلَى جَعْفَرٍ، قَالُوا: أَصْلَحَ اللهُ أَمِيرَ المُؤْمِنينَ إِنَّا قَوْمٌ مُسْتَأجَرُونَ، وُكَلَاءُ لِأَرْبَابِ هَذِهِ الْأَمْوَال، وَهِيَ وَدَاعَةٌ الجَمَاعَةٍ(2267) أَمَرُونَا أَنْ لَا نُسَلِّمَهَا إِلَّا بِعَلَامَةٍ وَدَلَالَةٍ، وَقَدْ جَرَتْ بِهَذَا(2268) الْعَادَةُ مَعَ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن بْن عليٍّ (علیهما السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2264) كلمة: (قوم) ليست في المصدر.
(2265) في المصدر إضافة: (لا).
(2266) في المصدر إضافة: (ولا يعلمه).
(2267) في المصدر: (وداعة لجماعة) بدل (وداعة الجماعة).
(2268) في المصدر: (بهذه).

(٦٥٣)

فَقَالَ الْخَلِيفَةُ: وَمَا الدَّلَالَةُ الَّتِي كَانَتْ لِأَبِي مُحَمَّدٍ(2269)؟ قَالَ الْقَوْمُ: كَانَ يَصِفُ الدَّنَانِيرَ وَأَصْحَابَهَا وَالْأَمْوَالَ وَكَمْ هِيَ، فَإذَا فَعَلَ ذَلِكَ سَلَّمْنَاهَا إِلَيْهِ، وَقَدْ وَفَدْنَا عَلَيْهِ(2270) مِرَاراً، فَكَانَتْ هَذِهِ عَلَامَتَنَا مِنْهُ وَدَلَالَتَنَا، وَقَدْ مَاتَ، فَإنْ يَكُنْ هَذَا الرَّجُلُ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْر فَلْيُقِمْ لَنَا مَا كَانَ يُقِيمُ(2271) لَنَا أَخُوهُ وَإِلَّا رَدَدْنَاهَا إِلَى أَصْحَابِهَا.
فَقَالَ جَعْفَرٌ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ، إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَذَّابُونَ يَكْذِبُونَ عَلَى أَخِي، وَهَذَا عِلْمُ الْغَيْبِ، فَقَالَ الْخَلِيفَةُ: الْقَوْمُ رُسُلٌ، ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [النور: 54].
قَالَ: فَبُهِتَ جَعْفَرٌ وَلَمْ يُحِرْ(2272) جَوَاباً، فَقَالَ الْقَوْمُ: يَتَطَوَّلُ أَمِيرُ المُؤْمِنينَ بِإخْرَاج أَمْرهِ إِلَى مَنْ يُبَدْرقُنَا(2273) حَتَّى نَخْرُجَ مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ، قَالَ: فَأَمَرَ لَهُمْ بِنَقِيبٍ فَأَخْرَجَهُمْ مِنْهَا.
فَلَمَّا أَنْ خَرَجُوا مِنَ الْبَلَدِ، خَرَجَ عَلَيْهِمْ غُلَامٌ أَحْسَنُ النَّاس وَجْهاً كَأَنَّهُ خَادِمٌ، فَنَادَى: يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، وَيَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، أَجِيبُوا مَوْلَاكُمْ، قَالَ: فَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ مَوْلَانَا؟ قَالَ: مَعَاذَ اللهِ، أَنَا عَبْدُ مَوْلَاكُمْ، فَسِيرُوا إِلَيْهِ.
قَالُوا: فَسِرْنَا مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا دَارَ مَوْلَانَا الْحَسَن بْن عليٍّ (علیهما السلام)، فَإذَا وَلَدُهُ الْقَائِمُ (علیه السلام) قَاعِدٌ عَلَى سَريرٍ كَأَنَّهُ فِلْقَةُ الْقَمَر، عَلَيْهِ ثِيَابٌ خُضْرٌ، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْنَا السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: «جُمْلَةُ المَال كَذَا وَكَذَا دِينَاراً، حَمَلَ فُلَانٌ كَذَا، وَفُلَانٌ كَذَا»، وَلَمْ يَزَلْ يَصِفُ حَتَّى وَصَفَ الْجَمِيعَ، ثُمَّ وَصَفَ ثِيَابَنَا وَرحَالَنَا وَمَا كَانَ مَعَنَا مِنَ الدَّوَابِّ، فَخَرَرْنَا سُجَّداً للهِ (عزَّ وجلَّ) شُكْراً لِمَا عَرَفْنَا، وَقَبَّلْنَا الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْهِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2269) في المصدر: (مع أبي محمّد).
(2270) في المصدر: (إليه).
(2271) في المصدر: (يقيمه).
(2272) في المصدر: (يردّ).
(2273) من البدرقة، والبدرقة: الخفير والمجير من العدوِّ، أي يحرسهم حتَّى يوصلهم خارج البلدة.

(٦٥٤)

ثُمَّ سَأَلْنَاهُ عَمَّا أَرَدْنَا فَأَجَابَ، فَحَمَلْنَا إِلَيْهِ الْأَمْوَالَ، وَأَمَرَنَا الْقَائِمُ أَنْ لَا نَحْمِلَ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأى بَعْدَهَا شَيْئاً فَإنَّهُ يَنْصِبُ لَنَا بِبَغْدَادَ رَجُلاً نَحْمِلُ(2274) إِلَيْهِ الْأَمْوَالَ وَيَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ التَّوْقِيعَاتُ.
قَالَ: فَانْصَرَفْنَا مِنْ عِنْدِهِ، وَدَفَعَ إِلَى أَبِي الْعَبَّاس مُحَمَّدِ بْن جَعْفَرٍ الْقُمِّيِّ الْحِمْيَريِّ شَيْئاً مِنَ الْحَنُوطِ وَالْكَفَن وَقَالَ لَهُ: «أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَكَ فِي نَفْسِكَ»، قَالَ: فَمَا بَلَغَ أَبُو الْعَبَّاس عَقَبَةَ هَمَذَانَ حَتَّى تُوُفِّيَ (رحمه الله)، وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ تُحْمَلُ(2275) الْأَمْوَالُ إِلَى بَغْدَادَ إِلَى النُّوَّابِ المَنْصُوبينَ وَيَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِمُ التَّوْقِيعَاتُ.
قال الصدوق (رحمه الله): هذا الخبر يدلُّ على أنَّ الخليفة كان يعرف هذا الأمر كيف(2276) هو وأين موضعه، فلهذا كفَّ عن القوم وعمَّا معهم من الأموال ودفع جعفر الكذَّاب عنهم(2277) ولم يأمرهم بتسليمها إليه، إلَّا أنَّه كان يُحِبُّ أنْ يخفى هذا الأمر ولا يظهر(2278)، لئلَّا يهتدي إليه الناس فيعرفونه.
وَقَدْ كَانَ جَعْفَرٌ حَمَلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ(2279) عِشْرينَ أَلْفَ دِينَارٍ لَـمَّا تُوُفِّيَ الْحَسَنُ بْنُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2274) في المصدر: (يحمل).
(2275) في المصدر: (نحمل).
(2276) في المصدر إضافة: (وأين هو) بين معقوفتين.
(2277) في المصدر: (عن مطالبتهم) بدل (عنهم).
(2278) في المصدر: (ولا ينشر).
(2279) روى الكليني في الكافي (ج 1/ ص 505) حديث أحمد بن عبيد الله بن خاقان يصف فيه أبا محمّد الحسن العسكري أنَّه قال - في حديث -: فجاء جعفر بعد ذلك إلى أبي - وهو وزير المعتمد على الله أحمد بن المتوكِّل -، فقال: اجعل لي مرتبة أخي، وأُوصل إليك في كلِّ سنة عشرين ألف دينار، فزبره أبي وأسمعه، وقال له: يا أحمق، السلطان جرَّد سيفه في الذين زعموا أنَّ أباك وأخاك أئمَّة ليردَّهم عن ذلك، فلم يتهيَّأ له ذلك، فإنْ كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة بك إلى السلطان أنْ يُرتِّبك مراتبهما ولا غير السلطان، وإنْ لم تكن عندهم بهذه المنزلة، لم تنلها بنا. واستقلَّه أبي عند ذلك واستضعفه وأمر أنْ يُحجَب عنه، فلم يأذن له في الدخول عليه حتَّى مات أبي، وخرجنا وهو على تلك الحال، والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن عليٍّ.

(٦٥٥)

عليٍّ (علیهما السلام)، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ تَجْعَلُ لِي مَرْتَبَةَ أَخِي(2280) وَمَنْزلَتَهُ؟ فَقَالَ الْخَلِيفَةُ: اعْلَمْ أنَّ مَنْزلَةَ أَخِيكَ لَمْ تَكُنْ بِنَا إِنَّمَا كَانَتْ بِاللهِ (عزَّ وجلَّ)، نَحْنُ كُنَّا نَجْتَهِدُ فِي حَطِّ مَنْزلَتِهِ، وَالْوَضْع مِنْهُ، وَكَانَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) يَأَبَى إِلَّا أَنْ يَزيدَهُ كُلَّ يَوْم رفْعَةً بِمَا كَانَ فِيهِ مِنَ الصِّيَانَةِ، وَحُسْن السَّمْتِ، وَالْعِلْم وَالْعِبَادَةِ، فَإنْ كُنْتَ عِنْدَ شِيعَةِ أَخِيكَ بِمَنْزلَتِهِ فَلَا حَاجَةَ بِكَ إِلَيْنَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُمْ بِمَنْزلَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيكَ مَا فِي أَخِيكَ(2281) لَمْ نُغْن عَنْكَ فِي ذَلِكَ شَيْئاً(2282).
[450/36] الغيبة للطوسي: جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ اللهِ بْن جَعْفَرٍ(2283)، عَنْ مُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ الْأَنْصَاريِّ، قَالَ: وَجَّهَ قَوْمٌ مِنَ المُفَوِّضَةِ وَالمُقَصّرَةِ كَامِلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ المَدَنِيَّ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام)، قَالَ كَامِلٌ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَسْأَلُهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَ مَعْرفَتِي وَقَالَ بِمَقَالَتِي، قَالَ: فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) نَظَرْتُ إِلَى ثِيَابٍ بَيَاضٍ نَاعِمَةٍ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَلِيُّ اللهِ وَحُجَّتُهُ يَلْبَسُ النَّاعِمَ مِنَ الثِّيَابِ، وَيَأَمُرُنَا نَحْنُ بِمُوَاسَاةِ الْإخْوَان، وَيَنْهَانَا عَنْ لُبْس مِثْلِهِ، فَقَالَ مُتَبَسِّماً: «يَا كَامِلُ» وَحَسَرَ [عَنْ](2284) ذِرَاعَيْهِ، فَإذَا مِسْحٌ أَسْوَدُ خَشِنٌ عَلَى جِلْدِهِ، فَقَالَ: «هَذَا للهِ وَهَذَا لَكُمْ»، فَسَلَّمْتُ وَجَلَسْتُ إِلَى بَابٍ عَلَيْهِ سِتْرٌ مُرْخًى، فَجَاءَتِ الرِّيحُ فَكَشَفَتْ طَرَفَهُ، فَإذَا أَنَا بِفَتًى كَأَنَّهُ فِلْقَةُ قَمَرٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَرْبَع سِنِينَ أَوْ مِثْلِهَا، فَقَالَ لِي: «يَا كَامِلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ»، فَاقْشَعْرَرْتُ مِنْ ذَلِكَ وَأُلْهِمْتُ أَنْ قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا سَيِّدِي، فَقَالَ: «جِئْتَ إِلَى وَلِيِّ اللهِ وَحُجَّتِهِ وَبَابِهِ تَسْأَلُهُ هَلْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَ مَعْرفَتَكَ وَقَالَ بِمَقَالَتِكَ؟»، فَقُلْتُ: إِي وَاللهِ، قَالَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2280) في المصدر إضافة: (الحسن).
(2281) في المصدر: (ما كان في أخيك) بدل (ما في أخيك).
(2282) كمال الدِّين (ج 2/ ص 476 - 479/ باب 43/ ح 26).
(2283) في المصدر: (عن محمّد بن جعفر بن عبد الله) بدل (عن محمّد بن عبد الله بن جعفر).
(2284) من المصدر.

(٦٥٦)

«إِذَنْ وَاللهِ يَقِلَّ دَاخِلُهَا، وَاللهِ إِنَّهُ لَيَدْخُلُهَا قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمُ: الْحَقِّيَّةُ»، قُلْتُ: يَا سَيِّدِي، وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: «قَوْمٌ مِنْ حُبِّهِمْ لِعليٍّ يَحْلِفُونَ بِحَقِّهِ وَلَا يَدْرُونَ مَا حَقُّهُ وَفَضْلُهُ»، ثُمَّ سَكَتَ (علیه السلام) عَنِّي سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «وَجِئْتَ تَسْأَلُهُ عَنْ مَقَالَةِ المُفَوِّضَةِ، كَذَبُوا بَلْ قُلُوبُنَا أَوْعِيَةٌ لِمَشِيَّةِ اللهِ، فَإذَا شَاءَ شِئْنَا، وَاللهُ يَقُولُ: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ﴾ [الإنسان: 30]»، ثُمَّ رَجَعَ السِّتْرُ إِلَى حَالَتِهِ، فَلَمْ أَسْتَطِعْ كَشْفَهُ، فَنَظَرَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام) مُتَبَسِّماً، فَقَالَ: «يَا كَامِلُ، مَا جُلُوسُكَ وَقَدْ أَنْبَأَكَ بِحَاجَتِكَ الْحُجَّةُ مِنْ بَعْدِي؟»، فَقُمْتُ وَخَرَجْتُ وَلَمْ أُعَايِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو نُعَيْم: فَلَقِيتُ كَامِلاً فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِي بِهِ(2285).
الغيبة للطوسي: أحمد بن عليٍّ الرازي، عن محمّد بن عليٍّ، عن عليِّ بن عبد الله بن عائذ، عن الحسن بن وجنا، قال: سمعت أبا نعيم محمّد بن أحمد الأنصاري...، وذكر مثله(2286).
دلائل الإمامة للطبري: عن محمّد بن هارون التلعكبري، عن أبيه، عن محمّد بن همَّام، عن جعفر بن محمّد، مثله(2287).
بيان: يحتمل أنْ يكون المراد بالحقِّيَّة المستضعفين من المخالفين أو من الشيعة أو الأعمّ، وسيأتي تحقيق القول في ذلك في (كتاب الإيمان والكفر)(2288).
[451/37] الغيبة للطوسي: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ أَحْمَدَ بْن النَّضْر، عَن الْقَنْبَريِّ مِنْ وُلْدِ قَنْبَرٍ الْكَبِير مَوْلَى أَبِي الْحَسَن الرِّضَا (علیه السلام)، قَالَ: جَرَى حَدِيثُ جَعْفَرٍ، فَشَتَمَهُ، فَقُلْتُ: فَلَيْسَ غَيْرُهُ فَهَلْ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: لَمْ أَرَهُ وَلَكِنْ رَآهُ غَيْري، قُلْتُ: وَمَنْ رَآهُ؟ قَالَ: رَآهُ جَعْفَرٌ مَرَّتَيْن، وَلَهُ حَدِيثٌ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2285) الغيبة للطوسي (ص 246 و247/ ح 216).
(2286) الغيبة للطوسي (ص 248/ ح 216).
(2287) دلائل الإمامة (ص 505/ ح 491).
(2288) راجع: (ج 69/ ص 157 فصاعداً) من المطبوعة.

(٦٥٧)

وَحَدَّثَ عَنْ رَشِيقٍ صَاحِبِ المادراي [المادراني]، قَالَ: بَعَثَ إِلَيْنَا المُعْتَضِدُ(2289) وَنَحْنُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، فَأَمَرَنَا أَنْ يَرْكَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا فَرَساً وَيَجْنُبَ(2290) آخَرَ وَنَخْرُجَ مُخَفِّفِينَ(2291) لَا يَكُونُ مَعَنَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إِلَّا عَلَى السَّرْج مُصَلًّى(2292)، وَقَالَ لَنَا: الْحَقُوا بِسَامَرَّةَ [بِسَامَرَّاءَ]، وَوَصَفَ لَنَا مَحَلَّةً وَدَاراً، وَقَالَ: إِذَا أَتَيْتُمُوهَا تَجِدُوا عَلَى الْبَابِ خَادِماً أَسْوَدَ، فَاكْبِسُوا الدَّارَ(2293)، وَمَنْ رَأَيْتُمْ فِيهَا فَأتُوني بِرَأسِهِ.
فَوَافَيْنَا سَامَرَّةَ، فَوَجَدْنَا الْأَمْرَ كَمَا وَصَفَهُ، وَفِي الدِّهْلِيز خَادِمٌ أَسْوَدُ وَفِي يَدِهِ تِكَّةٌ يَنْسِجُهَا، فَسَأَلْنَاهُ عَن الدَّار وَمَنْ فِيهَا، فَقَالَ: صَاحِبُهَا، فَوَ اللهِ مَا الْتَفَتَ إِلَيْنَا وَقَلَّ اكْتِرَاثُهُ بِنَا، فَكَبَسْنَا الدَّارَ كَمَا أَمَرَنَا، فَوَجَدْنَا دَاراً سَريَّةً(2294)، وَمُقَابِلُ الدَّار سِتْرٌ مَا نَظَرْتُ قَطُّ إِلَى أَنْبَلَ مِنْهُ، كَأَنَّ الْأَيْدِيَ رُفِعَتْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الدَّار أَحَدٌ.
فَرَفَعْنَا السِّتْرَ فَإذَا بَيْتٌ كَبِيرٌ كَأَنَّ بَحْراً فِيهِ [مَاءٌ](2295) وَفِي أَقْصَى الْبَيْتِ حَصِيرٌ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ عَلَى المَاءِ، وَفَوْقَهُ رَجُلٌ مِنْ أَحْسَن النَّاس هَيْأَةً قَائِمٌ يُصَلِّي، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْنَا وَلَا إِلَى شَيْءٍ مِنْ أَسْبَابِنَا، فَسَبَقَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ لِيَتَخَطَّى الْبَيْتَ فَغَرقَ فِي المَاءِ، وَمَا زَالَ يَضْطَربُ حَتَّى مَدَدْتُ يَدِي إِلَيْهِ فَخَلَّصْتُهُ وَأَخْرَجْتُهُ وَغُشِيَ عَلَيْهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2289) هكذا في النُّسَخ والمصادر، والظاهر أنَّه تصحيف المعتمد، حيث بويع المعتضد بالله في اليوم الذي مات فيه المعتمد على الله وهو يوم الثلاثاء المصادف (12) شهر رجب سنة (279هـ) بينما قُبِضَ الإمام الحسن العسكري (علیه السلام) في سنة (260هـ).
(2290) في المصدر: (ونجنب)، قال الجوهري: جنَّبت الدابَّة: إذا قدتها إلى جنبك. (الصحاح: ج 1/ ص 102).
(2291) أي جاعلين ما معهم شيئاً خفيفاً.
(2292) مصلَّى: أي فرشاً خفيفاً يُصلَّى عليه ويكون حمله على السرج.
(2293) أي أدخلوها باقتحام.
(2294) وسريَّة: أي نفيسة.
(2295) كلمة: (ماء) من المصدر.

(٦٥٨)

وَبَقِيَ سَاعَةً، وَعَادَ صَاحِبيَ الثَّانِي إِلَى فِعْل ذَلِكَ الْفِعْل فَنَالَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَبَقِيتُ مَبْهُوتاً.
فَقُلْتُ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ: المَعْذِرَةُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكَ، فَوَ اللهِ مَا عَلِمْتُ كَيْفَ الْخَبَرُ وَلَا إِلَى مَنْ أَجِيءُ وَأَنَا تَائِبٌ إِلَى اللهِ، فَمَا الْتَفَتَ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا قُلْنَا، وَمَا انْفَتَلَ عَمَّا كَانَ فِيهِ، فَهَالَنَا ذَلِكَ وَانْصَرَفْنَا عَنْهُ، وَقَدْ كَانَ المُعْتَضِدُ يَنْتَظِرُنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ إِلَى الْحُجَّابِ إِذَا وَافَيْنَاهُ أَنْ نَدْخُلَ عَلَيْهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ.
فَوَافَيْنَاهُ فِي بَعْض اللَّيْل، فَأُدْخِلْنَا عَلَيْهِ، فَسَأَلَنَا عَن الْخَبَر، فَحَكَيْنَا لَهُ مَا رَأَيْنَا، فَقَالَ: وَيْحَكُمْ لَقِيَكُمْ أَحَدٌ قَبْلِي وَجَرَى مِنْكُمْ إِلَى أَحَدٍ سَبَبٌ أَوْ قَوْلٌ؟ قُلْنَا: لاَ، فَقَالَ: أَنَا نَفِيٌّ(2296) مِنْ جَدِّي، وَحَلَفَ بِأشَدِّ أَيْمَانٍ لَهُ أَنَّهُ رَجُلٌ إِنْ بَلَغَهُ هَذَا الْخَبَرُ لَيَضْربَنَّ أَعْنَاقَنَا، فَمَا جَسَرْنَا أَنْ نُحَدِّثَ بِهِ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ(2297).
[452/38] الخرائج والجرائح: عَنْ رَشِيقٍ صَاحِبِ المادراي(2298) مِثْلَهُ(2299)، وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَرَ: ثُمَّ بَعَثُوا عَسْكَراً أَكْثَرَ، فَلَمَّا دَخَلُوا الدَّارَ سَمِعُوا مِنَ السِّرْدَابِ قِرَاءَةَ الْقُرْآن، فَاجْتَمَعُوا عَلَى بَابِهِ، وَحَفِظُوهُ حَتَّى لَا يَصْعَدَ وَلَا يَخْرُجَ وَأَمِيرُهُمْ قَائِمٌ حَتَّى يُصَلِّيَ(2300) الْعَسْكَرُ كُلُّهُمْ، فَخَرَجَ [مِنَ](2301) السِّكَّةِ الَّتِي عَلَى بَابِ السِّرْدَابِ وَمَرَّ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا غَابَ قَالَ الْأَمِيرُ: انْزلُوا عَلَيْهِ، فَقَالُوا: أَلَيْسَ هُوَ مَرَّ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ، قَالَ: وَلِـمَ تَرَكْتُمُوهُ؟ قَالُوا: إِنَّا حَسِبْنَا أَنَّكَ تَرَاهُ(2302).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2296) كذا في المصدر، ومعنى: (نفي من جدِّي) أي منفيٌّ من جدِّي العبَّاس، وفي الأصل المطبوع: (لغي) يقال: فلان لغية، وهو نقيض قولك: لرشدة، قاله الجوهري.
(2297) الغيبة للطوسي (ص 248 - 250/ ح 217 و218).
(2298) في المصدر: (المادراني).
(2299) الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 460/ باب 13/ ح 5).
(2300) كذا في النسخة المطبوعة، والصحيح: (يصل).
(2301) من المصدر.
(2302) الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 942/ باب في معجزات الأنبياء والأئمَّة (علیهم السلام)).

(٦٥٩)

[453/39] كتاب النجوم: قَدْ أَدْرَكْتُ فِي وَقْتِي جَمَاعَةً يَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ شَاهَدُوا المَهْدِيَّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ)، وَفِيهِمْ مَنْ حَمَلُوا عَنْهُ رقَاعاً وَرَسَائِلَ عُرضَتْ عَلَيْهِ.
فَمِنْ ذَلِكَ مَا عَرَفْتُ صِدْقَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ وَلَمْ يَأذَنْ فِي تَسْمِيَتِهِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ سَأَلَ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِمُشَاهَدَةِ المَهْدِيِّ (سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ)، فَرَأى فِي مَنَامِهِ أَنَّهُ شَاهِدُهُ فِي وَقْتٍ أَشَارَ إِلَيْهِ.
قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ الْوَقْتُ كَانَ بِمَشْهَدِ مَوْلَانَا مُوسَى بْن جَعْفَرٍ (علیهما السلام)، فَسَمِعَ صَوْتاً قَدْ عَرَفَهُ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ يَزُورُ مَوْلَانَا الْجَوَادَ (علیه السلام)، فَامْتَنَعَ هَذَا السَّائِلُ مِنَ التَّهَجُّم عَلَيْهِ، وَدَخَلَ فَوَقَفَ عِنْدَ رجْلَيْ ضَريح مَوْلَانَا الْكَاظِم (علیه السلام)، فَخَرَجَ مَنْ أَعْتَقِدُ أَنَّهُ هُوَ المَهْدِيُّ (علیه السلام) وَمَعَهُ رَفِيقٌ لَهُ، وَشَاهَدَهُ وَلَمْ يُخَاطِبْهُ فِي شَيْءٍ لِوُجُوبِ التَّأدُّبِ بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ الرَّشِيدُ أَبُو الْعَبَّاس بْنُ مَيْمُونٍ الْوَاسِطِيُّ وَنَحْنُ مُصْعِدُونَ إِلَى سَامَرَّاءَ(2303)، قَالَ: لَـمَّا تَوَجَّهَ الشَّيْخُ - يَعْنِي جَدِّي وَرَّامَ بْنَ أَبِي فِرَاسٍ (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ) - مِنَ الْحِلَّةِ مُتَأَلِّماً مِنَ المَغَازي وَأَقَامَ بالمَشْهَدِ المُقَدَّس بِمَقَابِر قُرَيْشٍ شَهْرَيْن إِلَّا سَبْعَةَ أَيَّام، قَالَ: فَتَوَجَّهْتُ مِنْ وَاسِطَ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأى، وَكَانَ الْبَرْدُ شَدِيداً، فَاجْتَمَعْتُ مَعَ الشَّيْخ بِالمَشْهَدِ الْكَاظِمِيِّ وَعَرَّفْتُهُ عَزْمِي عَلَى الزِّيَارَةِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2303) (سامرَّا): بلدة شرقي دجلة من ساحلها، وقد يقال: (سامرَّة)، وأصلها لغة أعجميَّة، ونظيرها (تامرَّا) اسم طسوج من سواد بغداد، واسم لأعالي نهر ديالي نهر واسع كان يحمل السُّفُن في أيَّام المدود. وهذا وزن ليس في أوزان العرب له مثال، وقد لعبت بها أُدباء العرب وصرَّفوها فقالوا: (سُرَّ من رأى) أي سرور لمن رأى، و(سَرَّ من رأى) على أنَّه فعل ماضٍ، و(سَرْ من رأى) على أنَّه مصدر مجرَّد. وقال الشرتوني في أقرب الموارد: وأصله (ساء من رأى) والنسبة إليها سُرَّمَرِّيٌّ، وسُرِّيٌّ، وسَامَرِّيٌّ، فتحرَّر.

(٦٦٠)

فَقَالَ لِي: أُريدُ أُنْفِذُ(2304) إِلَيْكَ رُقْعَةً تَشُدُّهَا فِي تِكَّةِ لِبَاسِكَ - فَشَدَدْتُهَا أَنَا فِي لِبَاسِي - فَإذَا وَصَلْتَ إِلَى الْقُبَّةِ الشَّريفَةِ، وَيَكُونُ دُخُولُكَ فِي أَوَّل اللَّيْل وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَكَ أَحَدٌ، وَكُنْتَ آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ فَاجْعَل الرُّقْعَةَ عِنْدَ الْقُبَّةِ، فَإذَا جِئْتَ بُكْرَةً وَلَمْ تَجِدِ الرُّقْعَةَ فَلَا تَقُلْ لِأَحَدٍ شَيْئاً.
قَالَ: فَفَعَلْتُ مَا أَمَرَنِي وَجِئْتُ بُكْرَةً فَلَمْ أَجِدِ الرُّقْعَةَ وَانْحَدَرْتُ إِلَى أَهْلِي وَكَانَ الشَّيْخُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَى أَهْلِهِ عَلَى اخْتِيَارهِ، فَلَمَّا جِئْتُ فِي أَوَان الزِّيَارَةِ وَلَقِيتُهُ فِي مَنْزلِهِ بِالْحِلَّةِ قَالَ لِي: تِلْكَ الْحَاجَةُ انْقَضَتْ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَلَمْ أُحَدِّثْ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَبْلَكَ أَحَداً مُنْذُ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ إِلَى الْآنَ كَانَ لَهُ مُنْذُ مَاتَ ثَلَاثُونَ سَنَةً تَقْريباً.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا عَرَفْتُهُ مِمَّنْ تَحَقَّقْتُ صِدْقَهُ فِيمَا ذَكَرُهُ، قَالَ: كُنْتُ قَدْ سَأَلْتُ مَوْلَانَا المَهْدِيَّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) أَنْ يَأذَنَ لِي فِي أَنْ أَكُونَ مِمَّنْ يُشَرَّفُ بِصُحْبَتِهِ وَخِدْمَتِهِ، فِي وَقْتِ غَيْبَتِهِ، أُسْوَةً بِمَنْ يَخْدُمُهُ مِنْ عَبِيدِهِ وَخَاصَّتِهِ، وَلَمْ أَطَّلِعْ عَلَى هَذَا المُرَادِ أَحَداً مِنَ الْعِبَادِ، فَحَضَرَ عِنْدِي هَذَا الرَّشِيدُ أَبُو الْعَبَّاس الْوَاسِطِيُّ المُقَدَّمُ ذِكْرُهُ يَوْمَ الْخَمِيس تَاسِعَ عشرين [عَشَرَ مِنْ] رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَسِتَّمِائَةٍ، وَقَالَ لِيَ ابْتِدَاءً مِنْ نَفْسِهِ: قَدْ قَالُوا لَكَ مَا قَصْدُنَا إِلَّا الشَّفَقَةُ عَلَيْكَ، فَإنْ كُنْتَ تُوَطِّنُ نَفْسَكَ عَلَى الصَّبْر حَصَلَ المُرَادُ، فَقُلْتُ لَهُ: عَمَّنْ تَقُولُ هَذَا؟ فَقَالَ: عَنْ مَوْلَانَا المَهْدِيِّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ).
وَمِنْ ذَلِكَ مَا عَرَفْتُهُ مِمَّنْ حَقَّقْتُ حَدِيثَهُ وَصَدَّقْتُهُ أَنَّهُ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى مَوْلَانَا المَهْدِيِّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آبَائِهِ الطَّاهِرينَ) كِتَاباً يَتَضَمَّنُ عِدَّةَ مُهِمَّاتٍ، وَسَأَلْتُ جَوَابَهُ بِقَلَمِهِ الشَّريفِ عَنْهَا، وَحَمَلْتُهُ مَعِي إِلَى السِّرْدَابِ الشَّريفِ بِسُرَّ مَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2304) في الأصل المطبوع: (أتقن).

(٦٦١)

رَأى، فَجَعَلْتُ الْكِتَابَ فِي السِّرْدَابِ ثُمَّ خِفْتُ عَلَيْهِ فَأَخَذْتُهُ مَعِي وَكَانَتْ لَيْلَةُ جُمُعَةٍ، وَانْفَرَدْتُ فِي بَعْض حُجَر مَشْهَدِ المُقَدَّس.
قَالَ: فَلَمَّا قَارَبَ نِصْفُ اللَّيْل دَخَلَ خَادِمٌ مُسْرعاً، فَقَالَ: أَعْطِني الْكِتَابَ، اللهُمَّ قَالَ - وَيُقَالُ: الشَّكُّ مِنَ الرَّاوي -: فَجَلَسْتُ لِأَتَطَهَّرَ لِلصَّلَاةِ وَأَبْطَأَتُ لِذَلِكَ، فَخَرَجْتُ فَلَمْ أَجِدِ الْخَادِمَ وَلَا المَخْدُومَ.
وَكَانَ المُرَادَ مِنْ إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ (علیه السلام) اطَّلَعَ عَلَى كِتَابٍ مَا أَطْلَعْتُ عَلَيْهِ أَحَداً مِنَ الْبَشَر وَأَنَّهُ نَفَّذَ خَادِمَهُ مُلْتَمَسَهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آيَةً للهِ تَعَالَى وَمُعْجِزَةً لَهُ (علیه السلام) يَعْرفُ ذَلِكَ مَنْ نَظَرَ(2305).
[454/40] تنبيه الخواطر: حَدَّثَنِي السَّيِّدُ الْأَجَلُّ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعُرَيْضِيُّ الْعَلَويُّ الْحُسَيْنيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْن عَلِيِّ بْن نَمَا(2306)، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ ابْن حَمْزَةَ الْأَقْسَاسِيُّ فِي دَار الشَّريفِ عَلِيِّ بْن جَعْفَر بْن عليٍّ المَدَائِنيِّ الْعَلَويِّ، قَالَ: كَانَ بِالْكُوفَةِ شَيْخٌ قَصَّارٌ، وَكَانَ مَوْسُوماً بِالزُّهْدِ مُنْخَرطاً فِي سِلْكِ السِّيَاحَةِ مُتَبَتِّلاً لِلْعِبَادَةِ مُقْتَضِياً لِلْآثَار الصَّالِحَةِ، فَاتَّفَقَ يَوْماً أَنَّنِي كُنْتُ بِمَجْلِس وَالِدِي، وَكَانَ هَذَا الشَّيْخُ يُحَدِّثُهُ وَهُوَ مُقْبِلٌ عَلَيْهِ.
قَالَ: كُنْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ بِمَسْجِدِ جُعْفِيٍّ وَهُوَ مَسْجِدٌ قَدِيمٌ فِي ظَاهِر الْكُوفَةِ(2307)، وَقَدِ انْتَصَفَ اللَّيْلُ وَأَنَا بِمُفْرَدِي فِيهِ لِلْخَلْوَةِ وَالْعِبَادَةِ إِذَا أَقْبَلَ عَلَيَّ ثَلَاثَةُ أَشْخَاصٍ، فَدَخَلُوا المَسْجِدَ، فَلَمَّا تَوَسَّطُوا صَرْحَتَهُ جَلَسَ أَحَدُهُمْ، ثُمَّ مَسَحَ الْأَرْضَ بِيَدِهِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً وَخُضْخِضَ(2308) المَاءُ وَنَبَعَ، فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ مِنْهُ، ثُمَّ أَشَارَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2305) لم نعثر عليه في كتاب فرج المهموم.
(2306) في المصدر: (عن عليِّ بن نما).
(2307) عبارة: (في ظاهر الكوفة) ليست في المصدر.
(2308) في المصدر: (فحصص) بدل (وخضخض).

(٦٦٢)

إِلَى الشَّخْصَيْن الْآخَرَيْن بِإسْبَاغ الْوُضُوءِ فَتَوَضَّئَا، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَلَّى بِهِمَا إِمَاماً، فَصَلَّيْتُ مَعَهُمْ مُؤْتَمًّا بِهِ.
فَلَمَّا سَلَّمَ وَقَضَى صَلَاتَهُ بَهَرَني حَالُهُ، وَاسْتَعْظَمْتُ فِعْلَهُ مِنْ إِنْبَاع المَاءِ، فَسَأَلْتُ الشَّخْصَ الَّذِي كَانَ مِنْهُمَا عَلَى يَمِينِي عَن الرَّجُل، فَقُلْتُ لَهُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ لِي: هَذَا صَاحِبُ الْأَمْر وَلَدُ الْحَسَن، فَدَنَوْتُ مِنْهُ وَقَبَّلْتُ يَدَيْهِ، وَقُلْتُ لَهُ: يَا بْنَ رَسُول اللهِ، مَا تَقُولُ فِي الشَّريفِ عُمَرَ بْن حَمْزَةَ هَلْ هُوَ عَلَى الْحَقِّ؟ فَقَالَ: «لَا، وَرُبَّمَا اهْتَدَى إِلَّا أنَّهُ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَرَانِي»، فَاسْتَطْرَفْنَا هَذَا الْحَدِيثَ.
فَمَضَتْ بُرْهَةٌ طَويلَةٌ فَتُوُفِّيَ الشَّريفُ عُمَرُ وَلَمْ يُسْمَعْ(2309) أَنَّهُ لَقِيَهُ، فَلَمَّا اجْتَمَعْتُ بِالشَّيْخ الزَّاهِدِ ابْن بَادِيَةَ(2310) أَذْكَرْتُهُ بِالْحِكَايَةِ الَّتِي كَانَ ذَكَرَهَا، وَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ الرَّادِّ عَلَيْهِ: أَلَيْسَ كُنْتَ ذَكَرْتَ أَنَّ هَذَا الشَّريفَ(2311) لَا يَمُوتُ حَتَّى يَرَى صَاحِبَ الْأَمْر الَّذِي أَشَرْتَ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ لِي: وَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ(2312) أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ؟
ثُمَّ إِنَّنِي اجْتَمَعْتُ فِيمَا بَعْدُ بِالشَّريفِ أَبِي المَنَاقِبِ وَلَدِ الشَّريفِ عُمَرَ بْن حَمْزَةَ، وَتَفَاوَضْنَا أَحَادِيثَ وَالِدِهِ، فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي آخِر اللَّيْل عِنْدَ وَالِدِي وَهُوَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَقَدْ سَقَطَتْ قُوَّتُهُ(2313) وَخَفَّتْ صَوْتُهُ(2314) وَالْأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ عَلَيْنَا إِذْ دَخَلَ عَلَيْنَا شَخْصٌ هِبْنَاهُ، وَاسْتَطْرَفْنَا دُخُولَهُ، وَذَهَلْنَا عَنْ سُؤَالِهِ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ وَالِدِي وَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ مَلِيًّا وَوَالِدِي يَبْكِي، ثُمَّ نَهَضَ.
فَلَمَّا غَابَ عَنْ أَعْيُننَا تَحَامَلَ وَالِدِي وَقَالَ: أَجْلِسُوني، فَأَجْلَسْنَاهُ وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2309) في المصدر: (يشع).
(2310) في المصدر: (ابن نادية).
(2311) في المصدر إضافة: (عمر).
(2312) في المصدر: (لك).
(2313) في المصدر إضافة: (بواحدة).
(2314) في المصدر: (موته).

(٦٦٣)

وَقَالَ: أَيْنَ الشَّخْصُ الَّذِي كَانَ عِنْدِي؟ فَقُلْنَا: خَرَجَ مِنْ حَيْثُ أَتَى، فَقَالَ: اطْلُبُوهُ، فَذَهَبْنَا فِي أَثَرهِ فَوَجَدْنَا الْأَبْوَابَ مُغَلَّقَةً وَلَمْ نَجِدْ لَهُ أَثَراً فَعُدْنَا إِلَيْهِ فَأَخْبَرْنَاهُ بِحَالِهِ وَأَنَّا لَمْ نَجِدْهُ، وَسَأَلْنَاهُ عَنْهُ، فَقَالَ: هَذَا صَاحِبُ الْأَمْر، ثُمَّ عَادَ إِلَى ثِقَلِهِ فِي المَرَض وَأُغْمِيَ عَلَيْهِ(2315).
[455/41] الخرائج والجرائح: رُويَ عَنْ أَبِي الْحَسَن المُسْتَرقِّ الضَّرير، قَالَ: كُنْتُ يَوْماً فِي مَجْلِس الْحَسَن بْن عَبْدِ اللهِ بْن حَمْدَانَ نَاصِر الدَّوْلَةِ، فَتَذَاكَرْنَا أَمْرَ النَّاحِيَةِ(2316)، قَالَ: كُنْتُ أُزْري عَلَيْهَا إِلَى أَنْ حَضَرَ المَجْلِسَ(2317) عَمِّيَ الْحُسَيْنُ يَوْماً فَأَخَذْتُ أَتَكَلَّمُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، قَدْ كُنْتُ أَقُولُ بِمَقَالَتِكَ هَذِهِ إِلَى أَنْ نُدِبْتُ لِولَايَةِ قُمَّ، حِينَ اسْتَصْعَبَتْ عَلَى السُّلْطَان، وَكَانَ كُلُّ مَنْ وَرَدَ إِلَيْهَا مِنْ جِهَةِ السُّلْطَان يُحَاربُهُ أَهْلُهَا، فَسُلِّمَ إِلَيَّ جَيْشٌ وَخَرَجْتُ نَحْوَهَا.
فَلَمَّا بَلَغْتُ إِلَى نَاحِيَةِ طِرَازٍ(2318) خَرَجْتُ إِلَى الصَّيْدِ، فَفَاتَتْنِي طَريدَةٌ، فَاتَّبَعْتُهَا وَأَوْغَلْتُ فِي أَثَرهَا حَتَّى بَلَغْتُ إِلَى نَهَرٍ فَسِرْتُ فِيهِ، وَكُلَّمَا أَسِيرُ يَتَّسِعُ النَّهَرُ، فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ عَلَيَّ فَارسٌ تَحْتَهُ شَهْبَاءُ وَهُوَ مُتَعَمِّمٌ بِعِمَامَةِ خَزٍّ خَضْرَاءَ، لَا يُرَى(2319) مِنْهُ سِوَى عَيْنَيْهِ، وَفِي رجْلِهِ(2320) خُفَّان حَمْرَاوَان(2321)، فَقَالَ لِي: «يَا حُسَيْنُ»، وَلَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2315) تنبيه الخواطر (ج 2/ ص 303 - 305).
(2316) في الأصل المطبوع: (أمر الجماعة)، وهو سهو ظاهر، والظاهر الصحيح: (أمر الناحية) كما سيجيء في الحديث بعد أسطر، وأخرجه كذلك في كشف الغمَّة (ج 3/ ص 304)، فراجع.
(2317) في المصدر: (حضر مجلس).
(2318) في المصدر: (طرز)، قال الفيروزآبادي (ج 2/ ص 180): الطرز الموضع الذي تُنسَج فيه الثياب الجيِّدة ومحلَّة بمرو وبأصفهان وبلد قرب اسبيجاب، وتُفتَح.
(2319) في المصدر: (لا أرى).
(2320) في المصدر: (رجليه).
(2321) في المصدر: (أحمران).

(٦٦٤)

هُوَ أَمَّرَني وَلَا كَنَّانِي(2322)، فَقُلْتُ: مَا ذَا تُريدُ؟ قَالَ: «لِـمَ تُزْري عَلَى النَّاحِيَةِ؟ وَلِـمَ تَمْنَعُ أَصْحَابِي خُمُسَ مَالِكَ؟»، وَكُنْتُ الرَّجُلَ الْوَقُورَ الَّذِي لَا يَخَافُ شَيْئاً، فَأُرْعِدْتُ(2323) وَتَهَيَّبْتُهُ، وَقُلْتُ لَهُ: أَفْعَلُ يَا سَيِّدِي مَا تَأَمُرُ بِهِ.
فَقَالَ: «إِذَا مَضَيْتَ إِلَى المَوْضِع الَّذِي أَنْتَ مُتَوَجِّهٌ إِلَيْهِ فَدَخَلْتَهُ عَفْواً وَكَسَبْتَ مَا كَسَبْتَ فِيهِ(2324)، تَحْمِلُ خُمُسَهُ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ»، فَقُلْتُ: السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ، فَقَالَ: «امْض رَاشِداً»، وَلَوَى عِنَانَ دَابَّتِهِ وَانْصَرَفَ فَلَمْ أَدْر أَيَّ طَريقٍ سَلَكَ وَطَلَبْتُهُ يَمِيناً وَشِمَالاً، فَخَفِيَ عَلَيَّ أَمْرُهُ وَازْدَدْتُ رُعْباً، وَانْكَفَفْتُ(2325) رَاجِعاً إِلَى عَسْكَري وَتَنَاسَيْتُ الْحَدِيثَ.
فَلَمَّا بَلَغْتُ قُمَّ وَعِنْدِي أَنِّي أُريدُ مُحَارَبَةَ الْقَوْم خَرَجَ إِلَيَّ أَهْلُهَا وَقَالُوا: كُنَّا نُحَاربُ مَنْ يَجِيئُنَا بِخِلَافِهِمْ لَنَا، فَأَمَّا إِذَا وَافَيْتَ أَنْتَ فَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، ادْخُل الْبَلَدَ فَدَبِّرْهَا كَمَا تَرَى، فَأَقَمْتُ فِيهَا زَمَاناً وَكَسَبْتُ أَمْوَالاً زَائِدَةً عَلَى مَا كُنْتُ أَتَوَقَّعُ(2326)، ثُمَّ وَشَى الْقُوَّادُ بِي إِلَى السُّلْطَان، وَحُسِدْتُ عَلَى طُول مُقَامِي وَكَثْرَةِ مَا اكْتَسَبْتُ، فَعُزلْتُ وَرَجَعْتُ إِلَى بَغْدَادَ، فَابْتَدَأتُ بِدَار السُّلْطَان وَسَلَّمْتُ(2327) وَأَقْبَلْتُ إِلَى مَنْزلِي، وَجَاءَنِي فِيمَنْ جَاءَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَمْريُّ فَتَخَطَّى النَّاسَ حَتَّى اتَّكَأَ عَلَى تُكَاتِي فَاغْتَظْتُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَزَلْ قَاعِداً مَا يَبْرَحُ، وَالنَّاسُ دَاخِلُونَ وَخَارجُونَ وَأَنَا أَزْدَادُ غَيْظاً، فَلَمَّا تَصَرَّمَ(2328) المَجْلِسُ دَنَا إِلَيَّ وَقَالَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2322) أي لم يقل لي: أيُّها الأمير، ولا يا أبا عبد الله، تعظيماً لي وتوقيراً، بل سمَّاني باسمي وقال: يا حسين، تحقيراً.
(2323) في المصدر إضافة: (منه).
(2324) في المصدر: (كسبته) بدل (كسبت فيه).
(2325) في المصدر: (وانكفأت).
(2326) في المصدر: (أُقدِّر).
(2327) في المصدر: (عليه).
(2328) في المصدر إضافة: (الناس وخلا) بين معقوفتين.

(٦٦٥)

بَيْني وَبَيْنَكَ سِرٌّ فَاسْمَعْهُ، فَقُلْتُ: قُلْ، فَقَالَ: صَاحِبُ الشَّهْبَاءِ وَالنَّهَر يَقُولُ: «قَدْ وَفَيْنَا بِمَا وَعَدْنَا»، فَذَكَرْتُ الْحَدِيثَ وَارْتَعْتُ مِنْ ذَلِكَ وَقُلْتُ: السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ، فَقُمْتُ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَفَتَحْتُ الْخَزَائِنَ، فَلَمْ يَزَلْ يَخْمُسُهَا إِلَى أَنْ خَمَسَ شَيْئاً كُنْتُ قَدْ أُنْسِيتُهُ مِمَّا كُنْتُ قَدْ جَمَعْتُهُ وَانْصَرَفَ، وَلَمْ أَشُكَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَحَقَّقْتُ الْأَمْرَ، فَأَنَا مُنْذُ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ عَمِّي أَبِي عَبْدِ اللهِ زَالَ مَا كَانَ اعْتَرَضَنِي مِنْ شَكٍّ(2329).
بيان: الطرد بالتحريك: مزاولة الصيد. والطريدة: ما طردت من صيد وغيره. والإيغال: السير السريع، والإمعان فيه. قوله: (فدخلته عفواً): أي [من] غير محاربة ومشقَّة، قال الجزري: فيه أمر الله نبيَّه أنْ يأخذ العفو من أخلاق الناس، أي السهل المتيسِّر(2330)، وقال الفيروزآبادي: أعطيته عفواً، أي بغير مسألة(2331).
[456/42] الخرائج والجرائح: رُويَ عَنْ أَبِي الْقَاسِم جَعْفَر بْن مُحَمَّدِ بْن قُولَوَيْهِ، قَالَ: لَـمَّا وَصَلْتُ بَغْدَادَ فِي سَنَةِ سَبْع(2332) وَثَلَاثِينَ(2333) لِلْحَجِّ وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي رَدَّ الْقَرَامِطَةُ فِيهَا الْحَجَرَ إِلَى مَكَانِهِ مِنَ الْبَيْتِ، كَانَ أَكْبَرُ هَمِّي مَنْ يَنْصِبُ الْحَجَرَ؟ لِأَنَّهُ مَضَى فِي أَثْنَاءِ الْكُتُبِ قِصَّةُ أَخْذِهِ، وَ[أَنَّهُ](2334) إِنَّمَا يَنْصِبُهُ فِي مَكَانِهِ الْحُجَّةُ فِي الزَّمَان كَمَا فِي زَمَان الْحَجَّاج وَضَعَهُ زَيْنُ الْعَابِدِينَ فِي مَكَانِهِ وَاسْتَقَرَّ، فَاعْتَلَلْتُ عِلَّةً صَعْبَةً خِفْتُ مِنْهَا عَلَى نَفْسِي وَلَمْ يَتَهَيَّأ لِي مَا قَصَدْتُهُ، فَاسْتَنَبْتُ المَعْرُوفَ بِابْن هِشَام وَأَعْطَيْتُهُ رُقْعَةً مَخْتُومَةً أَسْأَلُ فِيهَا عَنْ مُدَّةِ عُمُري، وَهَلْ يَكُونُ المَوْتَةُ(2335) فِي هَذِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2329) الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 472 - 475/ باب 13/ ح 17).
(2330) النهاية (ج 3/ ص 265).
(2331) القاموس المحيط (ج 4/ ص 366).
(2332) في المصدر: (تسع).
(2333) في المصدر: (سنة تسع وثلاثين [وثلاثمائة])، علماً بأنَّه في بيان المؤلِّف بعد هذا مثل ما في المتن.
(2334) من المصدر.
(2335) في المصدر: (تكون المنيَّة).

(٦٦٦)

الْعِلَّةِ أَمْ لَا؟ وَقُلْتُ: هَمِّي إِيصَالُ هَذِهِ الرُّقْعَةِ إِلَى وَاضِع الْحَجَر فِي مَكَانِهِ وَأَخْذُ جَوَابِهِ وَإِنَّمَا أَنْدُبُكَ لِهَذَا.
قَالَ: فَقَالَ المَعْرُوفُ بِابْن هِشَام: لَـمَّا حَصَلْتُ بِمَكَّةَ وَعُزمَ عَلَى إِعَادَةِ الْحَجَر بَذَلْتُ لِسَدَنَةِ الْبَيْتِ جُمْلَةً تَمَكَّنْتُ مَعَهَا مِنَ الْكَوْن بِحَيْثُ أَرَى وَاضِعَ الْحَجَر فِي مَكَانِهِ، فَأَقَمْتُ مَعِي مِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُ عَنِّي ازْدِحَامَ النَّاس، فَكُلَّمَا عَمَدَ إِنْسَانٌ لِوَضْعِهِ اضْطَرَبَ وَلَمْ يَسْتَقِمْ، فَأَقْبَلَ غُلَامٌ أَسْمَرُ اللَّوْن حَسَنُ الْوَجْهِ فَتَنَاوَلَهُ وَوَضَعَهُ فِي مَكَانِهِ فَاسْتَقَامَ كَأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ، وَعَلَتْ لِذَلِكَ الْأَصْوَاتُ، فَانْصَرَفَ خَارجاً مِنَ الْبَابِ، فَنَهَضْتُ مِنْ مَكَانِي أَتْبَعُهُ وَأَدْفَعُ النَّاسَ عَنِّي يَمِيناً وَشِمَالاً حَتَّى ظُنَّ بِيَ الْاِخْتِلَاطُ فِي الْعَقْل، وَالنَّاسُ يَفْرجُونَ لِي وَعَيْني لَا تُفَارقُهُ حَتَّى انْقَطَعَ عَن النَّاس، فَكُنْتُ أُسْرعُ الشَّدَّ(2336) خَلْفَهُ وَهُوَ يَمْشِي عَلَى تُؤَدَةِ السَّيْر(2337) وَلَا أُدْركُهُ، فَلَمَّا حَصَلَ بِحَيْثُ لَا أَحَدٌ يَرَاهُ غَيْري وَقَفَ وَالْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: «هَاتِ مَا مَعَكَ»، فَنَاوَلْتُهُ الرُّقْعَةَ، فَقَالَ مِنْ غَيْر أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا: «قُلْ لَهُ: لَا خَوْفَ عَلَيْكَ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ، وَيَكُونُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ بَعْدَ ثَلَاثِينَ سَنَةً»، قَالَ: فَوَقَعَ عَلَيَّ الدَّمْعُ(2338) حَتَّى لَمْ أُطِقْ حَرَاكاً، وَتَرَكَنِي وَانْصَرَفَ.
قَالَ أَبُو الْقَاسِم: فَأَعْلَمَنِي بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ، فَلَمَّا كَانَ سَنَةُ سَبْع(2339) وَسِتِّينَ اعْتَلَّ أَبُو الْقَاسِم، وَأَخَذَ يَنْظُرُ فِي أَمْرهِ وَتَحْصِيل جَهَازهِ إِلَى قَبْرهِ، فَكَتَبَ وَصِيَّتَهُ وَاسْتَعْمَلَ الْجِدَّ فِي ذَلِكَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا هَذَا الْخَوْفُ؟ وَنَرْجُو أَنْ يَتَفَضَّلَ اللهُ بِالسَّلَامَةِ فَمَا عَلَيْكَ بِمَخُوفَةٍ، فَقَالَ: هَذِهِ السَّنَةُ الَّتِي خُوِّفْتُ فِيهَا، فَمَاتَ فِي عِلَّتِهِ(2340).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2336) في المصدر: (السير).
(2337) كلمة: (السير) ليست في المصدر.
(2338) في المصدر: (الزمع).
(2339) في المصدر: (تسع).
(2340) الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 475 - 478/ باب 13/ ح 18).

(٦٦٧)

بيان: في سنة سبع وثلاثين، أي بعد ثلاثمائة، ترك المئات لوضوحها اختصاراً، وابن قولويه أُستاذ المفيد، وقال الشيخ في الرجال: مات سنة ثمان وستِّين وثلاثمائة(2341)، وكان وفاته في أوائل الثمان، فلم يعتبر في هذا الخبر الكسر لقلَّته، مع أنَّ إسقاط ما هو أقلّ من النصف شائع في الحساب(2342).
[457/43] الخرائج والجرائح: رُويَ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ الدَّعْلَجِيَّ كَانَ لَهُ وَلَدَان، وَكَانَ مِنْ أَخْيَار(2343) أَصْحَابِنَا، وَكَانَ قَدْ سَمِعَ الْأَحَادِيثَ، وَكَانَ أَحَدُ وَلَدَيْهِ عَلَى الطَّريقَةِ المُسْتَقِيمَةِ، وَهُوَ أَبُو الْحَسَن كَانَ يُغَسِّلُ الْأَمْوَاتَ، وَوَلَدٌ آخَرُ يَسْلُكُ مَسَالِكَ الْأَحْدَاثِ فِي الْأَجْرَام(2344)، وَدُفِعَ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ حَجَّةٌ يَحُجُّ بِهَا عَنْ صَاحِبِ الزَّمَان (علیه السلام)، وَكَانَ ذَلِكَ عَادَةَ الشِّيعَةِ وَقْتَئِذٍ، فَدَفَعَ شَيْئاً مِنْهَا إِلَى ابْنِهِ المَذْكُور بِالْفَسَادِ، وَخَرَجَ إِلَى الْحَجِّ، فَلَمَّا عَادَ حَكَى أَنَّهُ كَانَ وَاقِفاً بِالمَوْقِفِ، فَرَأى إِلَى جَانِبِهِ شَابًّا حَسَنَ الْوَجْهِ أَسْمَرَ اللَّوْن، بِذُؤَابَتَيْن مُقْبِلاً عَلَى شَأنِهِ فِي الْاِبْتِهَال وَالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّع وَحُسْن الْعَمَل، فَلَمَّا قَرُبَ نَفْرُ النَّاس الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: «يَا شَيْخُ، أَمَا تَسْتَحْيِي؟»، فَقُلْتُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَا سَيِّدِي؟ قَالَ: «يُدْفَعُ إِلَيْكَ حَجَّةٌ عَمَّنْ تَعْلَمُ فَتَدْفَعُ مِنْهَا إِلَى فَاسِقٍ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، يُوشِكُ أَنْ تَذْهَبَ عَيْنُكَ هَذِهِ - وَأَوْمَأَ إِلَى عَيْني -»، وَأَمَّا [أَنَا] مِنْ ذَلِكَ إِلَى الْآنَ عَلَى وَجَلٍ وَمَخَافَةٍ.
وَسَمِعَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَان ذَلِكَ، قَالَ: فَمَا مَضَى عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ يَوْماً بَعْدَ مَوْردِهِ حَتَّى خَرَجَ فِي عَيْنهِ الَّتِي أَوْمَأَ إِلَيْهَا قَرْحَةٌ فَذَهَبَتْ(2345).
[458/44] الخرائج والجرائح: رُويَ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ بْن رَاشِدٍ، عَنْ بَعْض

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2341) رجال الطوسي (ص 458).
(2342) كشف الغمَّة (ج 2/ ص 502/ في معجزات صاحب الزمان (علیه السلام)).
(2343) في المصدر: (خيار).
(2344) في المصدر: (فعل الحرام) بدل (الأجرام).
(2345) الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 480).

(٦٦٨)

إِخْوَانِهِ مِنْ أَهْل المَدَائِن، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَفِيقٍ لِي حَاجًّا، فَإذَا شَابٌّ قَاعِدٌ، عَلَيْهِ إِزَارٌ وَردَاءٌ، فَقَوَّمْنَاهُمَا مِائَةً وَخَمْسِينَ دِينَاراً، وَفِي رجْلِهِ نَعْلٌ صَفْرَاءُ مَا عَلَيْهَا غُبَارٌ وَلَا أَثَرُ السَّفَر، فَدَنَا مِنْهُ سَائِلٌ، فَتَنَاوَلَ مِنَ الْأَرْض شَيْئاً فَأَعْطَاهُ، فَأَكْثَرَ السَّائِلُ الدُّعَاءَ، وَقَامَ الشَّابُّ وَذَهَبَ وَغَابَ.
فَدَنَوْنَا مِنَ السَّائِل فَقُلْنَا: مَا أَعْطَاكَ؟ قَالَ: آتَانِي حَصَاةً مِنْ ذَهَبٍ قَدَّرْنَاهَا عِشْرينَ مِثْقَالاً(2346)، فَقُلْتُ لِصَاحِبي: مَوْلَانَا مَعَنَا وَلَا نَعْرفُهُ، اذْهَبْ بِنَا فِي طَلَبِهِ، فَطَلَبْنَا المَوْقِفَ كُلَّهُ فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهِ، فَرَجَعْنَا وَسَأَلْنَا عَنْهُ مَنْ كَانَ حَوْلَهُ، فَقَالُوا: شَابٌّ عَلَويٌّ مِنَ المَدِينَةِ يَحُجُّ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَاشِياً(2347).
[459/45] الخرائج والجرائح: رُويَ عَنْ جَعْفَر بْن حَمْدَانَ، عَنْ حَسَن بْن حُسَيْنٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي الطَّوَافِ، فَشَكَكْتُ فِيمَا بَيْني وَبَيْنَ نَفْسِي فِي الطَّوَافِ، فَإذَا شَابٌّ قَدِ اسْتَقْبَلَنِي حَسَنُ الْوَجْهِ فَقَالَ: «طُفْ أُسْبُوعاً آخَرَ»(2348).
[460/46] الإرشاد: ابْنُ قُولَوَيْهِ، عَن الْكُلَيْنيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمْدَانَ الْقَلَانِسِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَمْرٍو الْعَمْريِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ(2349): قَدْ مَضَى أَبُو مُحَمَّدٍ؟ فَقَالَ لِي: قَدْ مَضَى وَلَكِنْ قَدْ خَلَّفَ فِيكُمْ مَنْ رَقَبَتُهُ مِثْلُ هَذِهِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ -.
وَعَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ فَتْح مَوْلَى الزُّرَاريِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ بْنَ مُطَهَّرٍ يَذْكُرُ أَنَّهُ رَآهُ، وَوَصَفَ لِي(2350) قَدَّهُ(2351).
[461/47] الإرشاد: بِالْإسْنَادِ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ، [عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2346) في المصدر: (ديناراً).
(2347) الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 694 و695/ باب 14/ ح 8).
(2348) الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 697/ باب 14/ ح 13).
(2349) عبارة: (رحمة الله عليه) ليست في المصدر.
(2350) في المصدر: (له).
(2351) الإرشاد للمفيد (ج 2/ ص 351 و352).

(٦٦٩)

إِبْرَاهِيمَ](2352)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بْن صَالِح أَنَّهُ رَآهُ بِحِذَاءِ الْحَجَر وَالنَّاسُ يَتَجَاذَبُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: «مَا بِهَذَا أُمِرُوا»(2353).
[462/48] الإرشاد: بِالْإسْنَادِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بْن صَالِح وَأَحْمَدَ بْن النَّضْر، عَن الْقَنْبَريِّ، قَالَ: جَرَى حَدِيثُ جَعْفَر بْن عليٍّ، فَذَمَّهُ، فَقُلْتُ: لَيْسَ غَيْرُهُ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَهَلْ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: لَمْ أَرَهُ وَلَكِنْ غَيْري رَآهُ، قُلْتُ: مَنْ غَيْرُكَ؟ قَالَ: قَدْ رَآهُ جَعْفَرٌ مَرَّتَيْن، [وَلَهُ حَدِيثٌ](2354).
[463/49] الإرشاد: بِالْإسْنَادِ، عَنْ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ الْكُوفِيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ المَكْفُوفِ، عَنْ عَمْرٍو الْأَهْوَازيِّ، قَالَ: أَرَانِيهِ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقَالَ: «هَذَا صَاحِبُكُمْ»(2355).
[464/50] الإرشاد: ابْنُ قُولَوَيْهِ، عَن الْكُلَيْنيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن يَحْيَى، عَن الْحَسَن بْن عليٍّ النَّيْسَابُوريِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ طَريفٍ الْخَادِم أَنَّهُ رَآهُ(2356).
[465/51] مهج الدعوات: كُنْتُ أَنَا بِسُرَّ مَنْ رَأى، فَسَمِعْتُ سَحَراً دُعَاءَ الْقَائِم (علیه السلام)، فَحَفِظْتُ مِنْهُ مِنَ الدُّعَاءِ: «لِمَنْ ذَكَرَهُ الْأَحْيَاءَ وَالْأَمْوَاتَ وَأَبْقِهِمْ»، أوْ قَالَ: «وَأَحْيِهِمْ فِي عِزِّنَا وَمُلْكِنَا»، أَوْ: «سُلْطَانِنَا وَدَوْلَتِنَا»، وَكَانَ ذَلِكَ فِي لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ ثَالِثَ عَشَرَ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَسِتّمِائَةٍ(2357).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2352) ما بين المعقوفتين من الكافي.
(2353) الإرشاد للمفيد (ج 2/ ص 352).
(2354) الإرشاد للمفيد (ج 2/ ص 353)، وليس فيه عبارة: (وله حديث).
(2355) الإرشاد للمفيد (ج 2/ ص 353).
(2356) الإرشاد للمفيد (ج 2/ ص 354).
(2357) مهج الدعوات (ص 296).

(٦٧٠)

[466/52] كشف الغمَّة: وَأَنَا أَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ قِصَّتَيْن قَرُبَ عَهْدُهُمَا مِنْ زَمَانِي وَحَدَّثَنِي بِهِمَا جَمَاعَةٌ مِنْ ثِقَاتِ إِخْوَانِي:
كَانَ فِي الْبِلَادِ الْحِلِّيَّةِ شَخْصٌ يُقَالُ لَهُ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَسَن الْهِرَقْلِيُّ(2358) مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: هِرَقْلُ(2359) مَاتَ فِي زَمَانِي وَمَا رَأَيْتُهُ، حَكَى لِي وَلَدُهُ شَمْسُ الدِّين، قَالَ: حَكَى لِي وَالِدِي أَنَّهُ خَرَجَ فِيهِ وَهُوَ شَابٌّ عَلَى فَخِذِهِ الْأَيْسَر تُوثَةٌ(2360) مِقْدَارَ قَبْضَةِ الْإنْسَان، وَكَانَتْ فِي كُلِّ رَبيع تَتَشَقَّقُ وَيَخْرُجُ مِنْهَا دَمٌ وَقَيْحٌ وَيَقْطَعُهُ أَلَمُهَا عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَشْغَالِهِ، وَكَانَ مُقِيماً بِهِرَقْلَ، فَحَضَرَ إِلَى الْحِلَّةِ يَوْماً وَدَخَلَ إِلَى مَجْلِس السَّعِيدِ رَضِيِّ الدِّين عَلِيِّ بْن طَاوُسٍ (رحمه الله)(2361) وَشَكَا إِلَيْهِ مَا يَجِدُهُ(2362)، وَقَالَ: أُريدُ أَنْ أُدَاويَهَا، فَأَحْضَرَ لَهُ أَطِبَّاءَ الْحِلَّةِ وَأَرَاهُمُ المَوْضِعَ، فَقَالُوا: هَذِهِ التُّوثَةُ فَوْقَ الْعِرْقِ الْأَكْحَل، وَعِلَاجُهَا خَطَرٌ، وَمَتَى قُطِعَتْ خِيفَ أَنْ يَنْقَطِعَ الْعِرْقُ فَيَمُوتَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2358) إسماعيل بن الحسن الهرقلي: هو والد محمّد الهرقلي الذي كان عالماً فاضلاً من تلامذة العلَّامة الحلِّي، وهو الذي كتب كتاب المختلف بخطِّه زمان مؤلِّفه وقرأ عليه، وتوجد عدَّة كُتُب خطّيَّة بخطِّ يده، فمنها: (المختلف) رآه الحرُّ العاملي، ومنها: (الشرائع) والنسخة عند السيِّد محمّد آل حيدر في بلدة الكاظمين، ومنها: (المواهب الإلهيَّة) عند العلَّامة النوري (رحمه الله). وأمَّا نسبه فهو إسماعيل بن الحسين بن الحسن بن عليٍّ الهرقلي.
(2359) هرقلة: قرية مشهورة من بلد الحلَّة من عمل الصدرين.
(2360) (التوثة) وهكذا (التوتة) لحمة متدلّية كالتوت أعني الفرصاد، قد تكون حمراء وقد تصير سوداء، وأغلب ما تخرج في الخدِّ والوجنة، صعب العلاج حتَّى الآن، ويظهر من الجوهري أنَّ الصحيح (التوتة) لا التوثة.
(2361) ابن طاوس الحسني: السيِّد الأجلّ الأورع الأزهد، قدوة العارفين الذي ما اتَّفقت كلمة الأصحاب على اختلاف مشاربهم وطريقتهم على صدور الكرامات عن أحد ممَّن تقدَّمه أو تأخَّر عنه غيره. ويظهر من مواضع كُتُبه خصوصاً (كشف المحجَّة) أنَّ باب لقائه إيَّاه (عليه السلام) كان مفتوحاً، وكان من عظماء المعظِّمين لشعائر الله تعالى. وقال العلَّامة: كان أعبد من رأيناه من أهل زمانه، وتُوفِّي (رحمه الله) سنة (664 هـ).
(2362) في المصدر إضافة: (منها).

(٦٧١)

فَقَالَ لَهُ السَّعِيدُ رَضِيُّ الدِّين (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ): أَنَا مُتَوَجِّهٌ إِلَى بَغْدَادَ، وَرُبَّمَا كَانَ أَطِبَّاؤُهَا أَعْرَفَ وَأَحْذَقَ مِنْ هَؤُلَاءِ فَأَصْحَبَني فَأَصْعَدُ مَعَهُ وَأَحْضُرُ الْأَطِبَّاءَ فَقَالُوا كَمَا قَالَ أُولَئِكَ، فَضَاقَ صَدْرُهُ فَقَالَ لَهُ السَّعِيدُ: إِنَّ الشَّرْعَ قَدْ فَسَحَ لَكَ فِي الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الثِّيَابِ، وَعَلَيْكَ الْاِجْتِهَادُ فِي الْاِحْتِرَاس، وَلَّا تُغَرِّرْ بِنَفْسِكَ فَاللهُ تَعَالَى قَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَرَسُولُهُ.
فَقَالَ لَهُ وَالِدِي: إِذَا كَانَ الْأَمْرُ هَكَذَا وَقَدْ حَصَلْتُ فِي بَغْدَادَ(2363) فَأَتَوَجَّهُ إِلَى زيَارَةِ المَشْهَدِ الشَّريفِ بِسُرَّ مَنْ رَأى عَلَى مُشَرِّفِهِ السَّلَامُ ثُمَّ أَنْحَدِرُ إِلَى أَهْلِي، فَحَسَّنَ لَهُ ذَلِكَ، فَتَرَكَ ثِيَابَهُ وَنَفَقَتَهُ عِنْدَ السَّعِيدِ رَضِيِّ الدِّين وَتَوَجَّهَ.
قَالَ: فَلَمَّا دَخَلْتُ المَشْهَدَ وَزُرْتُ الْأَئِمَّةَ (عليهم السلام) نَزَلْتُ السِّرْدَابَ وَاسْتَغَثْتُ بِاللهِ تَعَالَى وَبالإمَام (علیه السلام) وَقَضَيْتُ بَعْضَ اللَّيْل فِي السِّرْدَابِ وَبَقِيتُ فِي المَشْهَدِ إِلَى الْخَمِيس ثُمَّ مَضَيْتُ إِلَى دِجْلَةَ، وَاغْتَسَلْتُ وَلَبِسْتُ ثَوْباً نَظِيفاً وَمَلَأتُ إِبْريقاً كَانَ مَعِي وَصَعِدْتُ أُريدُ المَشْهَدَ، فَرَأَيْتُ أَرْبَعَةَ فُرْسَانٍ خَارجِينَ مِنْ بَابِ السُّور وَكَانَ حَوْلَ المَشْهَدِ قَوْمٌ مِنَ الشُّرَفَاءِ يَرْعَوْنَ أَغْنَامَهُمْ، فَحَسِبْتُهُمْ مِنْهُمْ، فَالْتَقَيْنَا فَرَأيْتُ شَابَّيْن أَحَدُهُمَا عَبْدٌ مَخْطُوطٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُتَقَلِّدٌ بِسَيْفٍ وَشَيْخاً مُنَقَّباً بِيَدِهِ رُمْحٌ وَالآخَرُ مُتَقَلِّدٌ بِسَيْفٍ وَعَلَيْهِ فرجية(2364) مُلَوَّنَةٌ فَوْقَ السَّيْفِ، وَهُوَ مُتَحَنِّكٌ بِعَذَبَتِهِ.
فَوَقَفَ الشَّيْخُ صَاحِبُ الرُّمْح يَمِينَ الطَّريقِ، وَوَضَعَ كَعْبَ رُمْحِهِ فِي الْأَرْض وَوَقَفَ الشَّابَّان عَنْ يَسَار الطَّريقِ وَبَقِيَ صَاحِبُ الفرجية عَلَى الطَّريقِ مُقَابِلَ وَالِدِي، ثُمَّ سَلَّمُوا عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْهِمُ السَّلَامَ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الفرجية: «أَنْتَ غَداً تَرُوحُ إِلَى أَهْلِكَ؟»، فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ: «تَقَدَّمْ حَتَّى أَبْصُرَ مَا يُوجِعُكَ»، قَالَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2363) في المصدر: (إذا كان الأمر على ذلك وقد وصلت إلى بغداد).
(2364) الفرجية: نوع من الثياب.

(٦٧٢)

فَكَرهْتُ مُلَامَسَتَهُمْ، وَقُلْتُ: أَهْلُ الْبَادِيَةِ مَا يَكَادُونَ يَحْتَرزُونَ مِنَ النَّجَاسَةِ وَأَنَا قَدْ خَرَجْتُ مِنَ المَاءِ وَقَمِيصِي مَبْلُولٌ.
ثُمَّ إِنِّي مَعَ ذَلِكَ تَقَدَّمْتُ إِلَيْهِ، فَلَزمَنِي بِيَدِي وَمَدَّنِي إِلَيْهِ وَجَعَلَ يَلْمِسُ جَانِبِي مِنْ كَتِفِي إِلَى أَنْ أَصَابَتْ يَدُهُ التُّوثَةَ فَعَصَرَهَا بِيَدِهِ فَأَوْجَعَنِي، ثُمَّ اسْتَوَى فِي سَرْج فَرَسِهِ كَمَا كَانَ، فَقَالَ لِيَ الشَّيْخُ: أَفْلَحْتَ يَا إِسْمَاعِيلُ، فَتَعَجَّبْتُ مِنْ مَعْرفَتِهِ بِاسْمِي فَقُلْتُ: أَفْلَحْنَا وَأَفْلَحْتُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ.
قَالَ: فَقَالَ: هَذَا هُوَ الْإمَامُ، قَالَ: فَتَقَدَّمْتُ إِلَيْهِ فَاحْتَضَنْتُهُ وَقَبَّلْتُ فَخِذَهُ، ثُمَّ إِنَّهُ سَاقَ وَأَنَا أَمْشِي مَعَهُ مُحْتَضِنَهُ، فَقَالَ: «ارْجِعْ»، فَقُلْتُ: لَا أُفَارقُكَ أَبَداً، فَقَالَ: «المَصْلَحَةُ رُجُوعُكَ»، فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ مِثْلَ الْقَوْل الْأَوَّل، فَقَالَ الشَّيْخُ: يَا إِسْمَاعِيلُ مَا تَسْتَحْيِي؟ يَقُولُ لَكَ الإمَامُ مَرَّتَيْن: «ارْجِعْ» وَتُخَالِفُهُ، فَجَهَّني(2365) بِهَذَا الْقَوْل فَوَقَفْتُ، فَتَقَدَّمَ خُطُوَاتٍ وَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَقَالَ: «إِذَا وَصَلْتَ بِبَغْدَادَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَطْلُبَكَ أَبُو جَعْفَرٍ - يَعْنِي الْخَلِيفَةَ المُسْتَنْصِرَ -(2366)، فَإذَا حَضَرْتَ عِنْدَهُ وَأَعْطَاكَ شَيْئاً فَلَا تَأخُذْهُ، وَقُلْ لِوَلَدِنَا الرَّضِيِّ لِيَكْتُبَ لَكَ إِلَى عَلِيِّ بْن عِوَضٍ فَإنَّنِي أُوصِيهِ يُعْطِيكَ الَّذِي تُريدُ».
ثُمَّ سَارَ وَأَصْحَابُهُ مَعَهُ، فَلَمْ أَزَلْ قَائِماً أَبْصُرُهُمْ حَتَّى بَعُدُوا(2367)، وَحَصَلَ عِنْدِي أَسَفٌ لِمُفَارَقَتِهِ، فَقَعَدْتُ إِلَى الْأَرْض سَاعَةً، ثُمَّ مَشَيْتُ إِلَى المَشْهَدِ، فَاجْتَمَعَ الْقُوَّامُ حَوْلِي وَقَالُوا: نَرَى وَجْهَكَ مُتَغَيِّراً أَوْجَعَكَ شَيْءٌ؟ قُلْتُ: لَا، قَالُوا:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2365) في المصدر: (فجبهني).
(2366) المستنصر بالله، أبو جعفر، منصور بن الظاهر: ولد في صفر سنة (585 هـ) وولي بغداد بعد وفاة أبيه سنة (623 هـ) وهو باني المدرسة المستنصرية ببغداد على شطّ دجلة من الجانب الشرقي، في عهده استولى المغول على كثير من البلاد حتَّى كادوا يدخلون بغداد إلى أن توفّي بها سنة (640هـ).
(2367) في المصدر: (إلى أنْ غابوا عنِّي) بدل (حتَّى بعدوا).

(٦٧٣)

خَاصَمَكَ أَحَدٌ؟ قُلْتُ: لَا، لَيْسَ عِنْدِي مِمَّا تَقُولُونَ خَبَرٌ، لَكِنْ أَسْأَلُكُمْ هَلْ عَرَفْتُمُ الْفُرْسَانَ الَّذِينَ كَانُوا عِنْدَكُمْ؟ فَقَالُوا: هُمْ مِنَ الشُّرَفَاءِ أَرْبَابِ الْغَنَم، فَقُلْتُ(2368): بَلْ هُوَ الْإمَامُ (علیه السلام)، فَقَالُوا: الْإمَامُ هُوَ الشَّيْخُ أَوْ صَاحِبُ الفرجية؟ فَقُلْتُ: هُوَ صَاحِبُ الفرجية، فَقَالُوا: أَرَيْتَهُ المَرَضَ الَّذِي فِيكَ؟ فَقُلْتُ: هُوَ قَبَضَهُ بِيَدِهِ وَأَوْجَعَنِي.
ثُمَّ كَشَفْتُ رجْلِي فَلَمْ أَرَ لِذَلِكَ المَرَض أَثَراً، فَتَدَاخَلَنِي الشَّكُّ مِنَ الدَّهَش فَأَخْرَجْتُ رجْلِيَ الْأُخْرَى فَلَمْ أَرَ شَيْئاً، فَانْطَبَقَ النَّاسُ عَلَيَّ وَمَزَّقُوا قَمِيصِي، فَأَدْخَلَنِي الْقُوَّامُ خِزَانَةً وَمَنَعُوا النَّاسَ عَنِّي، وَكَانَ نَاظِرُ(2369) بَيْن النَّهْرَيْن بِالمَشْهَدِ، فَسَمِعَ الضَّجَّةَ وَسَأَلَ عَن الْخَبَر فَعَرَّفُوهُ، فَجَاءَ إِلَى الْخِزَانَةِ وَسَأَلَنِي عَن اسْمِي وَسَأَلَنِي: مُنْذُ كَمْ خَرَجْتَ مِنْ بَغْدَادَ؟ فَعَرَّفْتُهُ أَنِّي خَرَجْتُ فِي أَوَّل الْأُسْبُوع، فَمَشَى عَنِّي، وَبتُّ فِي المَشْهَدِ وَصَلَّيْتُ الصُّبْحَ وَخَرَجْتُ وَخَرَجَ النَّاسُ مَعِي إِلَى أَنْ بَعُدْتُ عَن المَشْهَدِ وَرَجَعُوا عَنِّي.
وَوَصَلْتُ إِلَى أَوَانَى(2370) فَبِتُّ بِهَا وَبَكَّرْتُ مِنْهَا أُريدُ بَغْدَادَ، فَرَأَيْتُ النَّاسَ مُزْدَحِمِينَ عَلَى الْقَنْطَرَةِ الْعَتِيقَةِ يَسْأَلُونَ كُلَّ مَنْ وَرَدَ عَلَيْهِمْ عَن اسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَأَيْنَ كَانَ؟ فَسَأَلُوني عَن اسْمِي وَمِنْ أَيْنَ جِئْتُ، فَعَرَّفْتُهُمْ، فَاجْتَمَعُوا عَلَيَّ وَمَزَّقُوا ثِيَابِي وَلَمْ يَبْقَ لِي فِي رُوحِي حُكْمٌ.
وَكَانَ نَاظِرُ بَيْن النَّهْرَيْن كَتَبَ إِلَى بَغْدَادَ وَعَرَّفَهُمُ الْحَالَ، ثُمَّ حَمَلُوني إِلَى بَغْدَادَ، وَازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَيَّ وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي مِنْ كَثْرَةِ الزِّحَام، وَكَانَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2368) في المصدر إضافة: (لا).
(2369) في المصدر: (ناظراً).
(2370) في المصدر: (أوانا). وأوانى كسكارى بلدة كثيرة البساتين، نزهة من نواحي دجيل بغداد، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ.

(٦٧٤)

الْوَزيرُ الْقُمِّيُّ(2371) قَدْ طَلَبَ السَّعِيدَ رَضِيَّ الدِّين وَتَقَدَّمَ أَنْ يُعَرِّفَهُ صِحَّةَ هَذَا الْخَبَر.
قَالَ: فَخَرَجَ رَضِيُّ الدِّين وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ، فَوَافَيْنَا بَابَ النُّوبيِّ، فَرَدَّ أَصْحَابُهُ النَّاسَ عَنِّي، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: أَعَنْكَ يَقُولُونَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ وَكَشَفَ فَخِذِي فَلَمْ يَرَ شَيْئاً، فَغُشِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً، وَأَخَذَ بِيَدِي وَأَدْخَلَنِي عَلَى الْوَزير، وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ: يَا مَوْلَانَا، هَذَا أَخِي وَأَقْرَبُ النَّاس إِلَى قَلْبِي(2372).
فَسَأَلَنِي الْوَزيرُ عَن الْقِصَّةِ، فَحَكَيْتُ لَهُ، فَأَحْضَرَ الْأَطِبَّاءَ الَّذِين أَشْرَفُوا عَلَيْهَا وَأَمَرَهُمْ بِمُدَاوَاتِهَا، فَقَالُوا: مَا دَوَاؤُهَا إِلَّا الْقَطْعُ بِالْحَدِيدِ وَمَتَى قَطَعَهَا مَاتَ، فَقَالَ لَهُمُ الْوَزيرُ: فَبِتَقْدِير أَنْ يُقْطَعَ وَلَا يَمُوتَ فِي كَمْ تَبْرَأُ؟ فَقَالُوا: فِي شَهْرَيْن وَيَبْقَى فِي مَكَانِهَا حَفِيرَةٌ بَيْضَاءُ لَا يَنْبُتُ فِيهَا شَعْرٌ، فَسَأَلَهُمُ الْوَزيرُ: مَتَى رَأَيْتُمُوهُ؟ قَالُوا: مُنْذُ عَشَرَةِ أَيَّام، فَكَشَفَ الْوَزيرُ عَن الْفَخِذِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْأَلَمُ وَهِيَ مِثْلُ أُخْتِهَا لَيْسَ فِيهَا أَثَرٌ أَصْلاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2371) الوزير القمِّي: هو مؤيِّد الدِّين محمّد بن محمّد بن عبد الكريم بن برز القمِّي، هو قمِّي الأصل والمولد، بغدادي المنشأ والوفاة، ينتسب إلى المقداد بن الأسود الكندي، كان (رحمه الله) بصيراً بأُمور الملك، خبيراً بأدوات الرئاسة، عالماً بالقوانين، عارفاً باصطلاح الدواوين، خبيراً بالحساب، ريَّان من فنون الأدب، حافظاً محاسن الأشعار، راوياً لطرائف الأخبار، تولَّى الوزارة، وتمكَّن في الدولة تمكُّناً لم يتمكَّن مثله أحد من أمثاله، وكان أوحد زمانه في كلِّ شيء، حسناً كثير البرِّ والخير والصدقات، وما زال على سداد من أمره تولَّى الوزارة للناصر، ثُمَّ للظاهر، ثُمَّ للمستنصر العبَّاسيِّين، حتَّى قبض المستنصر وحبسه في باطن دار الخلافة مدَّة، فمرض وأُخرج مريضاً، فمات (رحمه الله) في سنة (629هـ).
أقول: ومن معرفة تولِّي المستنصر للخلافة وموت الوزير القمِّي يُعرَف تأريخ هذه الحكاية، فالحكاية إذن واقعة بين سنتي (623هـ) وهي سنة تولِّي الخليفة المستنصر و(629هـ) وهي سنة موت الوزير القمِّي (رحمه الله).
(2372) كلام السيِّد ابن طاوس هذا في حقِّ إسماعيل الهرقلي يدلُّ على عظيم منزلة الهرقلي.

(٦٧٥)

فَصَاحَ أَحَدُ الْحُكَمَاءِ: هَذَا عَمَلُ المَسِيح، فَقَالَ الْوَزيرُ: حَيْثُ لَمْ يَكُنْ عَمَلَكُمْ فَنَحْنُ نَعْرفُ مَنْ عَمِلَهَا.
ثُمَّ إِنَّهُ أُحْضِرَ عِنْدَ الْخَلِيفَةِ المُسْتَنْصِر، فَسَأَلَهُ عَن الْقِصَّةِ، فَعَرَّفَهُ بِهَا كَمَا جَرَى، فَتَقَدَّمَ لَهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَلَمَّا حَضَرْتُ قَالَ: خُذْ هَذِهِ فَأَنْفِقْهَا، فَقَالَ: مَا أَجْسُرُ آخُذُ مِنْهُ حَبَّةً وَاحِدَةً، فَقَالَ الْخَلِيفَةُ: مِمَّنْ تَخَافُ؟ فَقَالَ: مِنَ الَّذِي فَعَلَ مَعِي هَذَا، قَالَ: لَا تَأخُذْ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ شَيْئاً، فَبَكَى الْخَلِيفَةُ وَتَكَدَّرَ، وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَلَمْ يَأخُذْ شَيْئاً.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى عَفَا اللهُ عَنْهُ: كُنْتُ فِي بَعْض الْأَيَّام أَحْكِي هَذِهِ الْقِصَّةَ لِجَمَاعَةٍ عِنْدِي، وَكَانَ هَذَا شَمْسُ الدِّين مُحَمَّدٌ وَلَدُهُ عِنْدِي وَأَنَا لَا أَعْرفُهُ، فَلَمَّا انْقَضَتِ الْحِكَايَةُ قَالَ: أَنَا وَلَدُهُ لِصُلْبِهِ، فَعَجِبْتُ مِنْ هَذَا الْاِتِّفَاقِ وَقُلْتُ لَهُ: هَلْ رَأَيْتَ فَخِذَهُ وَهِيَ مَريضَةٌ؟ فَقَالَ: لَا لِأَنِّي أَصْبُو عَنْ ذَلِكَ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُهَا بَعْدَ مَا صَلَحَتْ وَلَا أثَرَ فِيهَا وَقَدْ نَبَتَ فِي مَوْضِعِهَا شَعْرٌ.
وَسَأَلْتُ السَّيِّدَ صَفِيَّ الدِّين مُحَمَّدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْن بَشِيرٍ الْعَلَويَّ المُوسَويَّ، وَنَجْمَ الدِّين حَيْدَرَ بْنَ الْأَيْسَر رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى، وَكَانَا مِنْ أعْيَان النَّاس وَسَرَاتِهِمْ وَذَوي الْهَيْئَاتِ مِنْهُمْ، وَكَانَا صَدِيقَيْن لِي وَعَزيزَيْن عِنْدِي، فَأَخْبَرَانِي بِصِحَّةِ الْقِصَّةِ وَأَنَّهُمَا رَأَيَاهَا فِي حَال مَرَضِهَا وَحَال صِحَّتِهَا.
وَحَكَى لِي وَلَدُهُ هَذَا أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ شَدِيدَ الْحُزْن لِفِرَاقِهِ (علیه السلام) حَتَّى إِنَّهُ جَاءَ إِلَى بَغْدَادَ وَأَقَامَ بِهَا فِي فَصْل الشِّتَاءِ، وَكَانَ كُلَّ أَيَّام يَزُورُ سَامَرَّاءَ وَيَعُودُ إِلَى بَغْدَادَ، فَزَارَهَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ أَرْبَعِينَ مَرَّةً طَمَعاً أَنْ يَعُودَ لَهُ الْوَقْتُ الَّذِي مَضَى، أَوْ يُقْضَى لَهُ الْحَظُّ بِمَا قَضَى، وَمَن الَّذِي أَعْطَاهُ دَهْرَهُ الرِّضَا، أَوْ سَاعَدَهُ بِمَطَالِبهِ صَرْفَ الْقَضَاءِ، فَمَاتَ (رحمه الله) بِحَسْرَتِهِ، وَانْتَقَلَ إِلَى الْآخِرَةِ بِغُصَّتِهِ، وَاللهُ يَتَوَلَّاهُ وَإِيَّانَا بِرَحْمَتِهِ بِمَنِّهِ وَكَرَامَتِهِ.

(٦٧٦)

وَحَكَى لِيَ السَّيِّدُ بَاقِي بْنُ عطوةَ الْحَسَنِيُّ(2373) أَنَّ أبَاهُ عطوةَ كَانَ آدَرَ(2374)، وَكَانَ زَيْدِيَّ المَذْهَبِ، وَكَانَ يُنْكِرُ عَلَى بَنِيهِ المَيْلَ إِلَى مَذْهَبِ الْإمَامِيَّةِ وَيَقُولُ: لَا أُصَدِّقُكُمْ وَلَا أَقُولُ بِمَذْهَبِكُمْ حَتَّى يَجِيءَ صَاحِبُكُمْ - يَعْنِي المَهْدِيَّ (علیه السلام) - فَيُبْرئَنِي مِنْ هَذَا المَرَض، وَتَكَرَّرَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ.
فَبَيْنَا نَحْنُ مُجْتَمِعُونَ عِنْدَ وَقْتِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ إِذَا أَبُونَا يَصِيحُ وَيَسْتَغِيثُ بِنَا، فَأَتَيْنَاهُ سِرَاعاً، فَقَالَ: الْحَقُوا صَاحِبَكُمْ فَالسَّاعَةَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِي، فَخَرَجْنَا فَلَمْ نَرَ أَحَداً، فَعُدْنَا إِلَيْهِ وَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ دَخَلَ إِلَيَّ شَخْصٌ وَقَالَ: «يَا عطوةُ»، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: «أَنَا صَاحِبُ بَنِيكَ، قَدْ جِئْتُ لِأُبْرئَكَ مِمَّا بِكَ»، ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ فَعَصَرَ قَرْوَتِي وَمَشَى وَمَدَدْتُ يَدِي فَلَمْ أَرَ لَهَا أَثَراً.
قَالَ لِي وَلَدُهُ: وَبَقِيَ مِثْلَ الْغَزَال لَيْسَ بِهِ قَلَبَةٌ، وَاشْتَهَرَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ، وَسَأَلْتُ عَنْهَا غَيْرَ ابْنِهِ، فَأَخْبَرَ عَنْهَا فَأَقَرَّ بِهَا.
والأخبار عنه (علیه السلام) في هذا الباب كثيرة، وأنَّه رآه جماعة قد انقطعوا في طريق الحجاز وغيرها فخلَّصهم وأوصلهم إلى حيث أرادوا، ولولا التطويل لذكرت منها جملة، ولكن هذا القدر الذي قرب عهده من زماني كافٍ(2375).
بيان: التوثة: لم أرَها في اللغة، ويحتمل أنْ يكون اللوثة بمعنى الجرح والاسترخاء. وعذبة كلِّ شيء بالتحريك: طرفه. ويقال: جهَّه أي ردَّه قبيحاً. قوله: (لأنِّي أصبو عن ذلك): أي كان يمنعني شرة الصبا عن التوجُّه إلى ذلك، أو كنت طفلاً لا أعقل ذلك، قال الجوهري: صبا يصبو صبوة أي مال إلى الجهل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2373) في المصدر: (العلوي الحسيني) بدل (الحسني).
(2374) في المصدر: (به أدرة) بدل (آدر). وآدر كآزر: من به الأدرة وهو انفتاق الصفاق بحيث يقع القصب في الصفن ويكون الخصية منتفخاً بذلك.
(2375) كشف الغمَّة (ج 2/ ص 493 - 497/ باب 25).

(٦٧٧)

والفتوة(2376). وقال: القروة أنْ يعظم جلد البيضتين لريح فيه أو ماء أو لنزول الأمعاء(2377). وقال: قولهم: ما به قلبة، أي ليست به علَّة.
أقول: روى المفيد(2378) والشهيد(2379) ومؤلِّف المزار الكبير(2380) (رحمهم الله) في مزاراتهم بأسانيدهم عن عليِّ بن محمّد بن عبد الرحمن التستري، قال: مررت ببني رؤاس فقال لي بعض إخواني: لو ملت بنا إلى مسجد صعصعة فصلَّينا فيه فإنَّ هذا رجب ويُستَحبُّ فيه زيارة هذه المواضع المشرَّفة التي وطئها الموالي بأقدامهم وصلّوا فيها، ومسجد صعصعة منها.
قال: فملت معه إلى المسجد، وإذا ناقة معقلة(2381) مرحلة قد أُنيخت بباب المسجد(2382)، فدخلنا وإذا برجل عليه ثياب الحجاز وعِمَّة كعِمَّتهم قاعد يدعو بهذا الدعاء، فحفظته أنا وصاحبي(2383)، ثُمَّ سجد طويلاً وقام فركب الراحلة وذهب، فقال لي صاحبي: تراه الخضر؟ فما بالنا لا نُكلِّمه كأنَّما أُمسك على ألسنتنا؟ فخرجنا فلقينا ابن أبي رواد الرواسي، فقال: من أين أقبلتما؟ قلنا: من مسجد صعصعة وأخبرناه بالخبر، فقال: هذا الراكب يأتي مسجد صعصعة في اليومين والثلاثة لا يتكلَّم، قلنا: من هو؟ قال: فمن تريانه أنتما؟ قلنا: نظنُّه الخضر (علیه السلام)، فقال: فأنا والله لا أراه إلَّا من الخضر محتاج إلى رؤيته، فانصرفا راشدين، فقال لي صاحبي: هو والله صاحب الزمان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2376) الصحاح (ج 4/ ص 2398).
(2377) الصحاح (ج 4/ ص 2460).
(2378) لم نعثر على هذه الرواية في مزاره المطبوع.
(2379) المزار للشهيد الأوَّل (ص 277 - 279).
(2380) المزار الكبير (ص 179 - 183).
(2381) في المزار: (معلَّقة).
(2382) عبارة: (فملت) حتَّى (بباب المسجد) ليست في المزار الكبير.
(2383) في المصدر إضافة: (اللَّهُمَّ يا ذا المنن السابقة) حتَّى (وملكاً كبيراً).

(٦٧٨)

[467/53] الكافي: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْوَجْنَائِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ(2384) عَمَّنْ رَآهُ (علیه السلام)(2385) خَرَجَ مِنَ الدَّار قَبْلَ الْحَادِثِ بِعَشَرَةِ أَيَّام وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهَا(2386) أَحَبُّ الْبِقَاع(2387) لَوْ لَا الطَّرْدُ»، أَوْ كَلَامٌ نَحْوُ هَذَا(2388).
بيان: لعلَّ المراد بالحادث وفاة أبي محمّد (علیه السلام)، والضمير في (أنَّها) راجع إلى سامرَّاء.
[468/54] كمال الدِّين: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَدْيَان(2389)، قَالَ: كُنْتُ أَخْدُمُ الْحَسَنَ ابْنَ عَلِيِّ بْن مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن مُوسَى بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيِّ ابْن أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام) وَأَحْمِلُ كُتُبَهُ إِلَى الْأَمْصَار، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ(2390) فِي عِلَّتِهِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ)، فَكَتَبَ مَعِي كُتُباً وَقَالَ: «تَمْضِي(2391) بِهَا إِلَى المَدَائِن، فَإنَّكَ سَتَغِيبُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً، فَتَدْخُلُ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأى يَوْمَ الْخَامِسَ عَشَرَ، وَتَسْمَعُ الْوَاعِيَةَ فِي دَاري وَتَجِدُنِي عَلَى المُغْتَسَل».
قَالَ أَبُو الْأَدْيَان: فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، فَإذَا كَانَ ذَلِكَ فَمَنْ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَبَكَ بِجَوَابَاتِ كُتُبِي فَهُوَ الْقَائِمُ بَعْدِي»، فَقُلْتُ: زدْنِي، فَقَالَ: «مَنْ يُصَلِّي عَلَيَّ فَهُوَ الْقَائِمُ بَعْدِي»، فَقُلْتُ: زدْنِي، فَقَالَ: «مَنْ أَخْبَرَ بِمَا فِي الْهِمْيَان فَهُوَ الْقَائِمُ بَعْدِي»،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2384) في المصدر: (أخبرني).
(2385) في المصدر إضافة: (أنَّه).
(2386) في المصدر إضافة: (من).
(2387) في المصدر: (من أحبِّ البقاع).
(2388) أُصول الكافي (ج 1/ ص 331/ باب في تسمية من رآه (علیه السلام)/ ح 10).
(2389) في المصدر: (وحدَّث أبو الأديان)، وقبل هذا الموضوع: (وقال أبو الحسن عليُّ بن محمّد بن حباب: حدَّثني أبو الأديان)، علماً بأنَّ الحديث هذا قد ذكره المصنِّف نقلاً عن كمال الدِّين في (ج 50/ ص 332) من المطبوعة.
(2390) في المصدر: (عليه).
(2391) في المصدر: (امض).

(٦٧٩)

ثُمَّ مَنَعَتْنِي هَيْبَتُهُ أَنْ أَسْأَلَهُ مَا فِي الْهِمْيَان، وَخَرَجْتُ بِالْكُتُبِ إِلَى المَدَائِن وَأَخَذْتُ جَوَابَاتِهَا وَدَخَلْتُ سُرَّ مَنْ رَأى يَوْمَ الْخَامِسَ عَشَرَ كَمَا قَالَ لِي (علیه السلام) فَإذَا أَنَا بِالْوَاعِيَةِ فِي دَارهِ(2392)، وَإِذَا أَنَا بِجَعْفَر بْن عليٍّ أَخِيهِ بِبَابِ الدَّار وَالشِّيعَةُ حَوْلَهُ يُعَزُّونَهُ، وَيُهَنِّئُونَهُ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: إِنْ يَكُنْ هَذَا الْإمَامَ فَقَدْ حَالَتِ(2393) الْإمَامَةُ، لِأَنِّي كُنْتُ أَعْرفُهُ بِشُرْبِ(2394) النَّبِيذِ، وَيُقَامِرُ فِي الْجَوْسَقِ(2395)، وَيَلْعَبُ بِالطُّنْبُور.
فَتَقَدَّمْتُ فَعَزَّيْتُ وَهَنَّيْتُ، فَلَمْ يَسْألْنِي عَنْ شَيْءٍ، ثُمَّ خَرَجَ عَقِيدٌ فَقَالَ: يَا سَيِّدِي، قَدْ كُفِّنَ أَخُوكَ فَقُمْ لِلصَّلاَةِ عَلَيْهِ، فَدَخَلَ جَعْفَرُ بْنُ عليٍّ وَالشِّيعَةُ مِنْ حَوْلِهِ يَقْدُمُهُمُ السَّمَّانُ وَالْحَسَنُ بْنُ عليٍّ قَتِيلُ المُعْتَصِم المَعْرُوفُ بِسَلَمَةَ.
فَلَمَّا صِرْنَا فِي الدَّار إِذَا نَحْنُ بِالْحَسَن بْن عليٍّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) عَلَى نَعْشِهِ مُكَفَّناً، فَتَقَدَّمَ جَعْفَرُ بْنُ عليٍّ لِيُصَلِّيَ عَلَى أَخِيهِ، فَلَمَّا هَمَّ بِالتَّكْبِير خَرَجَ صَبِيٌّ بِوَجْهِهِ سُمْرَةٌ، بِشَعْرهِ قَطَطٌ، بِأَسْنَانِهِ تَفْلِيجٌ(2396)، فَجَبَذَ ردَاءَ جَعْفَر بْن عليٍّ، وَقَالَ: «تَأخَّرْ يَا عَمِّ فَأَنَا أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَى أَبِي»، فَتَأَخَّرَ جَعْفَرٌ وَقَدِ ارْبَدَّ وَجْهُهُ(2397)، فَتَقَدَّمَ الصَّبِيُّ فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَدُفِنَ إِلَى جَانِبِ قَبْر أَبِيهِ (علیهما السلام).
ثُمَّ قَالَ: «يَا بَصْريُّ، هَاتِ جَوَابَاتِ الْكُتُبِ الَّتِي مَعَكَ»، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ اثْنَتَان(2398) بَقِيَ الْهِمْيَانُ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى جَعْفَر بْن عليٍّ وَهُوَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2392) في المصدر إضافة: (وإذا به على المغتسل).
(2393) في المصدر: (بطلت).
(2394) في المصدر: (يشرب).
(2395) الجوسق: اسم مكان في سامرَّا كانوا يتنادمون فيه، وورد ذكره في الشعر... في الجوسق المتهدِّم.
(2396) أي تباعد ما بين الثنايا والرباعيَّات في الأسنان.
(2397) في المصدر إضافة: (واصفرَّ).
(2398) في المصدر: (بيِّنتان).

(٦٨٠)

يَزْفِرُ، فَقَالَ لَهُ حَاجِزٌ الْوَشَّاءُ: يَا سَيِّدِي، مَن الصَّبِيُّ؟ - لِيُقِيمَ عَلَيْهِ الْحُجَّةَ(2399) -، فَقَالَ: وَاللهِ مَا رَأَيْتُهُ قَطُّ وَلَا عَرَفْتُهُ.
فَنَحْنُ جُلُوسٌ إِذْ قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ قُمَّ فَسَأَلُوا عَن الْحَسَن بْن عليٍّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ)، فَعَرَفُوا مَوْتَهُ، فَقَالُوا: فَمَنْ [نُعَزِّي](2400)؟ فَأَشَارَ النَّاسُ إِلَى جَعْفَر بْنَ عليٍّ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَعَزَّوْهُ وَهَنَّئُوهُ وَقَالُوا: مَعَنَا كُتُبٌ وَمَالٌ فَتَقُولُ مِمَّن الْكُتُبُ وَكَم المَالُ؟ فَقَامَ يَنْفُضُ أَثْوَابَهُ، وَيَقُولُ: يُريدُونَ(2401) مِنَّا أَنْ نَعْلَمَ الْغَيْبَ، قَالَ: فَخَرَجَ الْخَادِمُ فَقَالَ: مَعَكُمْ كُتُبُ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَهِمْيَانٌ فِيهِ أَلْفُ دِينَارٍ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مِنْهَا مُطَلَّسَةٌ(2402)، فَدَفَعُوا(2403) الْكُتُبَ وَالمَالَ وَقَالُوا: الَّذِي وَجَّهَ بِكَ لِأَجْل(2404) ذَلِكَ هُوَ الْإمَامُ.
فَدَخَلَ جَعْفَرُ بْنُ عليٍّ عَلَى المُعْتَمِدِ وَكَشَفَ لَهُ ذَلِكَ، فَوَجَّهَ المُعْتَمِدُ خَدَمَهُ فَقَبَضُوا عَلَى صَقِيلَ الْجَاريَةِ وَطَالَبُوهَا بِالصَّبِيِّ، فَأَنْكَرَتْهُ وَادَّعَتْ حَمْلاً(2405) بِهَا لِتُغَطِّيَ عَلَى حَال الصَّبِيِّ، فَسُلَّمَتْ إِلَى ابْن أَبِي الشَّوَاربِ الْقَاضِي، وَبَغَتَهُمْ مَوْتُ عُبَيْدِ اللهِ بْن يَحْيَى بْن خَاقَانَ فَجْأَةً، وَخُرُوجُ صَاحِبِ الزَّنْج بِالْبَصْرَةِ، فَشُغِلُوا بِذَلِكَ عَن الْجَاريَةِ، فَخَرَجَتْ عَنْ أَيْدِيهِمْ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَريكَ لَهُ(2406).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2399) في المصدر: (لنقيم الحجَّة عليه).
(2400) من المصدر.
(2401) في المصدر: (تريدون).
(2402) أي ممحوَّة نقشها، وفي المصدر: (مطليَّة).
(2403) في المصدر إضافة: (إليه).
(2404) في المصدر: (لأخذ).
(2405) في المصدر: (حيلاً).
(2406) كمال الدِّين (ج 2/ ص 475 و476/ باب 43/ ذيل الحديث 25).

(٦٨١)

بيان: (الجوسق): القصر. و(جبذ): أي جذب. وفي النهاية: أربد وجهه، أي تغيَّر إلى الغبرة، وقيل: الربدة لون بين السواد والغبرة(2407).
[469/55] أَقُولُ: وَرُويَ فِي بَعْض تَألِيفَاتِ أَصْحَابِنَا(2408) عَن الْحُسَيْن بْن حَمْدَانَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عِيسَى بْن مَهْدِيٍّ الْجَوْهَريِّ، قَالَ: خَرَجْتُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْن إِلَى الْحَجِّ، وَكَانَ قَصْدِي المَدِينَةَ حَيْثُ صَحَّ عِنْدَنَا أَنَّ صَاحِبَ الزَّمَان قَدْ ظَهَرَ، فَاعْتَلَلْتُ وَقَدْ خَرَجْنَا مِنْ فَيْدٍ(2409)، فَتَعَلَّقَتْ نَفْسِي بِشَهْوَةِ السَّمَكِ وَالتَّمْر، فَلَمَّا وَرَدْتُ المَدِينَةَ وَلَقِيتُ بِهَا إِخْوَانَنَا بَشَّرُوني بِظُهُورهِ (علیه السلام) بِصَابِرَ.
فَصِرْتُ إِلَى صَابِرَ، فَلَمَّا أَشْرَفْتُ عَلَى الْوَادِي رَأَيْتُ عُنَيْزَاتٍ عِجَافاً، فَدَخَلْتُ الْقَصْرَ، فَوَقَفْتُ أَرْقُبُ الْأَمْرَ إِلَى أَنْ صَلَّيْتُ الْعِشَاءَيْن وَأَنَا أَدْعُو وَأَتَضَرَّعُ وَأَسْأَلُ، فَإذَا أَنَا بِبَدْرٍ الْخَادِم يَصِيحُ بِي: يَا عِيسَى بْنَ مَهْدِيٍّ الْجَوْهَريُّ، ادْخُلْ، فَكَبَّرْتُ وَهَلَّلْتُ وَأَكْثَرْتُ مِنْ حَمْدِ اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ.
فَلَمَّا صِرْتُ فِي صَحْن الْقَصْر رَأَيْتُ مَائِدَةً مَنْصُوبَةً، فَمَرَّ بِيَ الْخَادِمُ إِلَيْهَا فَأَجْلَسَنِي عَلَيْهَا، وَقَالَ لِي: مَوْلَاكَ يَأمُرُكَ أَنْ تَأكُلَ مَا اشْتَهَيْتَ فِي عِلَّتِكَ وَأَنْتَ خَارجٌ مِنْ فَيْدٍ، فَقُلْتُ: حَسْبِي بِهَذَا بُرْهَاناً، فَكَيْفَ آكُلُ وَلَمْ أَرَ سَيِّدِي وَمَوْلَايَ؟ فَصَاحَ: «يَا عِيسَى، كُلْ مِنْ طَعَامِكَ فَإنَّكَ تَرَانِي».
فَجَلَسْتُ عَلَى المَائِدَةِ، فَنَظَرْتُ فَإذَا عَلَيْهَا سَمَكٌ حَارٌّ يَفُورُ وَتَمْرٌ إِلَى جَانِبِهِ أَشْبَهُ التُّمُور بِتُمُورنَا، وَبجَانِبِ التَّمْر لَبَنٌ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: عَلِيلٌ وَسَمَكٌ وَتَمْرٌ وَلَبَنٌ، فَصَاحَ بِي: «يَا عِيسَى، أَتَشُكُّ فِي أمْرنَا؟ أَفَأنْتَ أَعْلَمُ بِمَا يَنْفَعُكَ وَيَضُرُّكَ؟»، فَبَكَيْتُ وَاسْتَغْفَرْتُ اللهَ تَعَالَى وَأَكَلْتُ مِنَ الْجَمِيع، وَكُلَّمَا رَفَعْتُ يَدِي مِنْهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2407) النهاية (ج 2/ ص 183).
(2408) لم نعرف اسم هذا الكتاب.
(2409) فيد: قلعة قرب مكَّة.

(٦٨٢)

مَوْضِعُهَا فِيهِ، فَوَجَدْتُهُ أَطْيَبَ مَا ذُقْتُهُ فِي الدُّنْيَا، فَأَكَلْتُ مِنْهُ كَثِيراً حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، فَصَاحَ بِي: «لَا تَسْتَحْيِ يَا عِيسَى فَإنَّهُ مِنْ طَعَام الْجَنَّةِ لَمْ تَصْنَعْهُ يَدُ مَخْلُوقٍ»، فَأَكَلْتُ فَرَأَيْتُ نَفْسِي لَا يَنْتَهِي عَنْهُ مِنْ أَكْلِهِ.
فَقُلْتُ: يَا مَوْلَايَ حَسْبِي، فَصَاحَ بِي: «أَقْبِلْ إِلَيَّ»، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: آتِي مَوْلَايَ وَلَمْ أَغْسِلْ يَدِي، فَصَاحَ بِي: «يَا عِيسَى، وَهَلْ لِمَا أَكَلْتَ غَمَرٌ؟»، فَشَمِمْتُ يَدِي وَإِذَا هِيَ أَعْطَرُ مِنَ الْمِسْكِ وَالْكَافُور، فَدَنَوْتُ مِنْهُ (علیه السلام)، فَبَدَا لِي نُورٌ غَشِيَ بَصَري، وَرَهِبْتُ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ عَقْلِي قَدِ اخْتَلَطَ، فَقَالَ لِي: «يَا عِيسَى، مَا كَانَ لَكَ أَنْ تَرَانِي لَوْ لَا المُكَذِّبُونَ الْقَائِلُونَ بِأَيْنَ هُوَ؟ وَمَتَى كَانَ؟ وَأَيْنَ وُلِدَ؟ وَمَنْ رَآهُ؟ وَمَا الَّذِي خَرَجَ إِلَيْكُمْ مِنْهُ؟ وَبأَيِّ شَيْءٍ نَبَّأَكُمْ؟ وَأَيِّ مُعْجِزٍ أَتَاكُمْ؟ أَمَا وَاللهِ لَقَدْ دَفَعُوا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ مَعَ مَا رَوَوْهُ وَقَدَّمُوا عَلَيْهِ، وَكَادُوهُ وَقَتَلُوهُ، وَكَذَلِكَ آبَائِي (عليهم السلام) وَلَمْ يُصَدِّقُوهُمْ وَنَسَبُوهُمْ إِلَى السِّحْر وَخِدْمَةِ الْجِنِّ إِلَى مَا تَبَيَّنَ.
يَا عِيسَى، فَخَبِّرْ أَوْلِيَاءَنَا مَا رَأَيْتَ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُخْبِرَ عَدُوَّنَا فَتُسْلَبَهُ»، فَقُلْتُ: يَا مَوْلَايَ، ادْعُ لِي بِالثَّبَاتِ، فَقَالَ: «لَوْ لَمْ يُثَبِّتْكَ اللهُ مَا رَأَيْتَنِي، وَامْض بِنَجْحِكَ رَاشِداً»، فَخَرَجْتُ أُكْثِرُ حَمْدَ اللهِ وَشُكْراً.
[470/56] أَقُولُ: رَوَى السَّيِّدُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ فِي كِتَابِ السُّلْطَان المُفَرِّج عَنْ أَهْل الْإيمَان عِنْدَ ذِكْر مَنْ رَأى الْقَائِمَ (علیه السلام)، قَالَ:
فَمِنْ ذَلِكَ مَا اشْتَهَرَ وَذَاعَ، وَمَلَأَ الْبِقَاعَ، وَشَهِدَ بِالْعِيَان أَبْنَاءُ الزَّمَان، وَهُوَ قِصَّةُ أَبُو [أَبِي] رَاجِح الْحَمَّامِيِّ بِالْحِلَّةِ، وَقَدْ حَكَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَعْيَان الْأَمَاثِل وَأَهْل الصِّدْقِ الْأَفَاضِل، مِنْهُمُ الشَّيْخُ الزَّاهِدُ الْعَابِدُ المُحَقِّقُ شَمْسُ الدِّين مُحَمَّدُ ابْنُ قَارُونَ (سَلَّمَهُ اللهُ تَعَالَى)(2410)، قَالَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2410) قال السيِّد بهاء الدين: إنَّه من الأعيان ومن أهل الصدق الأفاضل، ووصفه بالشيخ الزاهد العابد المحقِّق شمس الدِّين، وفي موضع آخر بالمحترم العامل الفاضل، وبموضع آخر من كُتُبه بالعالم الكامل القدوة المقرئ الحافظ المحمود المعتمد شمس الدِّين محمّد بن قارون السيبي، نسبة إلى (السيب) بكسر أوَّله وسكون ثانيه، هو نهر في ذنابة الفرات بقرب الحلَّة، وعليه بلد يُسمَّى باسمه، وهو من مشايخ السيِّد عليِّ بن عبد الحميد بالرواية، كان حيًّا سنة (744هـ)، فهو يُعَدُّ من طبقة الشهيد الأوَّل (ت 786هـ)، وهو غير الشيخ الفقيه الصالح شمس الدِّين محمّد بن أحمد بن صالح السيبي القسيني، تلميذ السيِّد فخار بن معد الموسوي المجاز منه سنة (630هـ ) - وهي سنة وفاة السيِّد فخار -، فإنَّ هذا الشيخ متقدِّم على الشيخ شمس الدِّين محمّد بن قارون السيبي.

(٦٨٣)

كَانَ الْحَاكِمُ بِالْحِلَّةِ شَخْصاً يُدْعَى مَرْجَانَ الصَّغِيرَ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ أَنَّ أَبَا رَاجِح هَذَا يَسُبُّ الصَّحَابَةَ، فَأَحْضَرَهُ وَأَمَرَ بِضَرْبِهِ، فَضُربَ ضَرْباً شَدِيداً مُهْلِكاً عَلَى جَمِيع بَدَنِهِ، حَتَّى إِنَّهُ ضُربَ عَلَى وَجْهِهِ فَسَقَطَتْ ثَنَايَاهُ وَأَخْرَجَ لِسَانَهُ فَجَعَلَ فِيهِ مِسَلَّةً(2411) مِنَ الْحَدِيدِ، وَخَرَقَ أَنْفَهُ وَوَضَعَ فِيهِ شَرَكَةً مِنَ الشَّعْر وَشَدَّ فِيهَا حَبْلاً وَسَلَّمَهُ إِلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَدُورُوا بِهِ أَزقَّةَ الْحِلَّةِ، وَالضَّرْبُ يَأخُذُ مِنْ جَمِيع جَوَانِبِهِ، حَتَّى سَقَطَ إِلَى الْأَرْض وَعَايَنَ الْهَلَاكَ.
فَأُخْبِرَ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ الْحَاضِرُونَ: إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ مَا يَكْفِيهِ، وَهُوَ مَيِّتٌ لِمَا بِهِ، فَاتْرُكْهُ وَهُوَ يَمُوتُ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَلَا تَتَقَلَّدْ بِدَمِهِ، وَبَالَغُوا فِي ذَلِكَ حَتَّى أَمَرَ بِتَخْلِيَتِهِ، وَقَدِ انْتَفَخَ وَجْهُهُ وَلِسَانُهُ، فَنَقَلَهُ أَهْلُهُ فِي المَوْتِ وَلَمْ يَشُكَّ أَحَدٌ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْ لَيْلَتِهِ.
فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ غَدَا عَلَيْهِ النَّاسُ، فَإذَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي عَلَى أَتَمِّ حَالِهِ، وَقَدْ عَادَتْ ثَنَايَاهُ الَّتِي سَقَطَتْ كَمَا كَانَتْ، وَانْدَمَلَتْ جِرَاحَاتُهُ، وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ، وَالشَّجَّةُ قَدْ زَالَتْ مِنْ وَجْهِهِ.
فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ حَالِهِ وَسَاءَلُوهُ عَنْ أَمْرهِ، فَقَالَ: إِنِّي لَـمَّا عَايَنْتُ المَوْتَ وَلَمْ يَبْقَ لِي لِسَانٌ أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى بِهِ فَكُنْتُ أَسْأَلُهُ بِقَلْبِي، وَاسْتَغَثْتُ إِلَى سَيِّدِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2411) المسلَّة: الإبرة العظيمة التي تخاط بها العدول ونحوها، يقال لها بالفارسيَّة: (جوال دوز).

(٦٨٤)

وَمَوْلَايَ صَاحِبِ الزَّمَان (علیه السلام)، فَلَمَّا جَنَّ عَلَيَّ اللَّيْلُ فَإذَا بِالدَّار قَدِ امْتَلَأَتْ نُوراً، وَإِذَا بِمَوْلَايَ صَاحِبِ الزَّمَان قَدْ أَمَرَّ يَدَهُ الشَّريفَةَ عَلَى وَجْهِي وَقَالَ لِي: «اخْرُجْ وَكُدَّ عَلَى عِيَالِكَ، فَقَدْ عَافَاكَ اللهُ تَعَالَى»، فَأَصْبَحْتُ كَمَا تَرَوْنَ.
وَحَكَى الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّين مُحَمَّدُ بْنُ قَارُونَ المَذْكُورُ قَالَ: وَأُقْسِمُ بِاللهِ تَعَالَى أَنَّ هَذَا أَبُو رَاجِح كَانَ ضَعِيفاً جِدًّا، ضَعِيفَ التَّرْكِيبِ، أَصْفَرَ اللَّوْن، شَيْنَ الْوَجْهِ، مُقَرَّضَ اللِّحْيَةِ، وَكُنْتُ دَائِماً أَدْخُلُ الْحَمَّامَ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَكُنْتُ دَائِماً أَرَاهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَهَذَا الشَّكْل، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ كُنْتُ مِمَّنْ دَخَلَ عَلَيْهِ، فَرَأَيْتُهُ وَقَدِ اشْتَدَّتْ قُوَّتُهُ، وَانْتَصَبَتْ قَامَتُهُ، وَطَالَتْ لِحْيَتُهُ، وَاحْمَرَّ وَجْهُهُ، وَعَادَ كَأَنَّهُ ابْنُ عِشْرينَ سَنَةً، وَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَدْرَكَتْهُ الْوَفَاةُ.
وَلَـمَّا شَاعَ هَذَا الْخَبَرُ وَذَاعَ طَلَبَهُ الْحَاكِمُ وَأَحْضَرَهُ عِنْدَهُ وَقَدْ كَانَ رَآهُ بِالْأَمْس عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَهُوَ الْآنَ عَلَى ضِدِّهَا كَمَا وَصَفْنَاهُ، وَلَمْ يَرَ بِجِرَاحَاتِهِ أَثَراً وَثَنَايَاهُ قَدْ عَادَتْ، فَدَاخَلَ الْحَاكِمَ فِي ذَلِكَ رُعْبٌ عَظِيمٌ، وَكَانَ يَجْلِسُ فِي مَقَام الْإمَام (علیه السلام) فِي الْحِلَّةِ(2412)، وَيُعْطِي ظَهْرَهُ الْقِبْلَةَ الشَّريفَةَ، فَصَارَ بَعْدَ ذَلِكَ يَجْلِسُ وَيَسْتَقْبِلُهَا، وَعَادَ يَتَلَطَّفُ بِأَهْل الْحِلَّةِ، وَيَتَجَاوَزُ عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَيُحْسِنُ إِلَى مُحْسِنِهِمْ، وَلَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ، بَلْ لَمْ يَلْبَثْ فِي ذَلِكَ إِلَّا قَلِيلاً حَتَّى مَاتَ(2413).
وَمِنْ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي الشَّيْخُ المُحْتَرَمُ الْعَامِلُ الْفَاضِلُ شَمْسُ الدِّين مُحَمَّدُ ابْنُ قَارُونَ المَذْكُورُ قَالَ: كَانَ مِنْ أَصْحَابِ السَّلَاطِين المُعَمَّرُ بْنُ شَمْسٍ يُسَمَّى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2412) إنَّ هذا المقام موجود في الحلَّة إلى الآن، ويقع خلف جامع الحلَّة الكبير في سوق الحلَّة الكبير.
(2413) قال ابن بطوطة - المعاصر لراوي الحكاية والذي زار مقام صاحب الزمان (علیه السلام) في الحلَّة - في رحلته ما نصُّه: ثُمَّ إلى الحلَّة حيث مشهد صاحب الزمان واتَّفق في بعض الأيَّام أنَّ وليها بعض الأُمراء فمنع أهلها من التوجُّه على عادتهم إلى مسجد صاحب الزمان...، ويظهر من هذه العبارة أنَّ حقد الوالي المذكور على لسان ابن بطوطة على الشيعة في الحلَّة يشابه حقد الوالي مرجان الصغير المذكور في الحكاية ولعلَّه هو بعينه لتقاربه مع عصر الحكاية.

(٦٨٥)

مذور، يَضْمَنُ الْقَرْيَةَ المَعْرُوفَةَ بِبُرْسٍ(2414)، وَوَقْفَ الْعَلَويِّينَ، وَكَانَ لَهُ نَائِبٌ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الْخَطِيبِ، وَغُلَامٌ يَتَوَلَّى نَفَقَاتِهِ يُدْعَى: عُثْمَانَ، وَكَانَ ابْنُ الْخَطِيبِ مِنْ أَهْل الصَّلَاح وَالْإيمَان بِالضِّدِ مِنْ عُثْمَانَ، وَكَانَا دَائِماً يَتَجَادَلَان.
فَاتَّفَقَ أَنَّهُمَا حَضَرَا فِي مَقَام إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيل (علیه السلام)(2415) بِمَحْضَر جَمَاعَةٍ مِنَ الرَّعِيَّةِ وَالْعَوَامِّ، فَقَالَ ابْنُ الْخَطِيبِ لِعُثْمَانَ: يَا عُثْمَانُ، الْآنَ اتَّضَحَ الْحَقُّ وَاسْتَبَانَ، أَنَا أَكْتُبُ عَلَى يَدِي مَنْ أَتَوَلَّاهُ وَهُمْ عَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، وَاكْتُبْ أَنْتَ مَنْ تَتَوَلَّاهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، ثُمَّ تُشَدُّ يَدِي وَيَدُكَ، فَأَيُّهُمَا احْتَرَقَتْ يَدُهُ بِالنَّار كَانَ عَلَى الْبَاطِل، وَمَنْ سَلِمَتْ يَدُهُ كَانَ عَلَى الْحَقِّ.
فَنَكَلَ عُثْمَانُ، وَأَبَى أَنْ يَفْعَلَ، فَأَخَذَ الْحَاضِرُونَ مِنَ الرَّعِيَّةِ وَالْعَوَامِّ بِالعِيَاطِ عَلَيْهِ.
هَذَا وَكَانَتْ أُمُّ عُثْمَانَ مُشْرفَةً عَلَيْهِمْ تَسْمَعُ كَلَامَهُمْ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ لَعَنَتِ الْحُضُورَ الَّذِينَ كَانُوا يُعَيِّطُونَ عَلَى وَلَدِهَا عُثْمَانَ وَشَتَمَتْهُمْ وَتَهَدَّدَتْ وَبَالَغَتْ فِي ذَلِكَ، فَعَمِيَتْ فِي الْحَال، فَلَمَّا أَحَسَّتْ بِذَلِكَ نَادَتْ إِلَى رَفَائِقِهَا فَصَعِدْنَ إِلَيْهَا فَإذَا هِيَ صَحِيحَةُ الْعَيْنَيْن، لَكِنْ لَا تَرَى شَيْئاً، فَقَادُوهَا وَأَنْزَلُوهَا وَمَضَوْا بِهَا إِلَى الْحِلَّةِ، وَشَاعَ خَبَرُهَا بَيْنَ أَصْحَابِهَا وَقَرَائِبهَا وَتَرَائِبهَا(2416)، فَأَحْضَرُوا لَهَا الْأَطِبَّاءَ مِنْ بَغْدَادَ وَالْحِلَّةِ، فَلَمْ يَقْدِرُوا لَهَا عَلَى شَيْءٍ.
فَقَالَ لَهَا نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ كُنَّ أَخْدَانَهَا(2417): إِنَّ الَّذِي أَعْمَاكِ هُوَ الْقَائِمُ (علیه السلام)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2414) بُرس: بضمِّ الباء وسكون الراء والسين المهملة ناحية من أرض بابل وهي بحضرة الصرح (صرح نمرود بن كنعان)، وهي الآن معروفة بـ (قبل الكوفة)، ويُنسَب إليها الحافظ رجب البرسي (رحمه الله).
(2415) مقام إبراهيم الخليل (عليه السلام) المذكور في الحكاية موجود إلى زماننا هذا، ويقع بالحلَّة في قرية برس.
(2416) في المصدر: (أترابها). الأتراب: من وُلِدُوا في وقت واحد.
(2417) الأخدان: الصديقات.

(٦٨٦)

فَإنْ تَشَيَّعْتِي وَتَوَلَّيْتِي وَتَبَرَّأتِي(2418) ضَمِنَّا لَكِ الْعَافِيَةَ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَبدُون هَذَا لَا يُمْكِنُكِ الْخَلَاصَ، فَأذْعَنَتْ لِذَلِكَ وَرَضِيَتْ بِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ حَمَلْنَهَا حَتَّى أَدْخَلْنَهَا الْقُبَّةَ الشَّريفَةَ فِي مَقَام صَاحِبِ الزَّمَان (علیه السلام) وَبتْنَ بِأَجْمَعِهِنَّ فِي بَابِ الْقُبَّةِ.
فَلَمَّا كَانَ رُبُعُ اللَّيْل فَإذَا هِيَ قَدْ خَرَجَتْ عَلَيْهِنَّ وَقَدْ ذَهَبَ الْعَمَى عَنْهَا، وَهِيَ تُقْعِدُهُنَّ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ وَتَصِفُ ثِيَابَهُنَّ وَحُلِيَّهُنَّ، فَسُررْنَ بِذَلِكَ، وَحَمِدْنَ اللهَ تَعَالَى عَلَى حُسْن الْعَافِيَةِ، وَقُلْنَ لَهَا: كَيْفَ كَانَ ذَلِكِ؟
فَقَالَتْ: لَـمَّا جَعَلْتُنَّنِي فِي الْقُبَّةِ وَخَرَجْتُنَّ عَنِّي أَحْسَسْتُ بِيَدٍ قَدْ وُضِعَتْ عَلَى يَدِي وَقَائِلٌ يَقُولُ: «اخْرُجِي قَدْ عَافَاكِ اللهُ تَعَالَى»، فَانْكَشَفَ الْعَمَى عَنِّي، وَرَأَيْتُ الْقُبَّةَ قَدِ امْتَلَأتْ نُوراً، وَرَأَيْتُ الرَّجُلَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدِي؟ فَقَالَ: «مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَن» ثُمَّ غَابَ عَنِّي، فَقُمْنَ وَخَرَجْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ، وَتَشَيَّعَ وَلَدُهَا عُثْمَانُ وَحَسُنَ اعْتِقَادُهُ وَاعْتِقَادُ أُمِّهِ المَذْكُورَةِ، وَاشْتَهَرَتِ الْقِصَّةُ بَيْنَ أُولَئِكَ الْأَقْوَام، وَمَنْ سَمِعَ هَذَا الْكَلَامَ وَاعْتَقَدَ وُجُودَ الْإمَام (علیه السلام)، وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ أَرْبَع وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ بِتَاريخ صَفَرٍ لِسَنَةِ سَبْعِمِائَةٍ وَتِسْع وَخَمْسِينَ حَكَى لِيَ المَوْلَى الْأَجَلُّ الْأَمْجَدُ، الْعَالِمُ الْفَاضِلُ، الْقُدْوَةُ الْكَامِلُ، المُحَقّقُ المُدَقِّقُ، مَجْمَعُ الْفَضَائِل، وَمَرْجِعُ الْأَفَاضِل، افْتِخَارُ الْعُلَمَاءِ فِي الْعَالَمِينَ، كَمَالُ الْمِلَّةِ وَالدِّين، عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ الْعُمَّانِيِّ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ الْكَريم، عِنْدِي مَا صُورَتُهُ:
قَالَ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقَبَائِقِيُّ(2419): إِنِّي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2418) بإشباع الكسرة حتَّى يتولَّد الياء، وهي لغة عاميَّة، والأصل: (وإنْ تشيَّعتِ وتولَّيتِ وتبرَّأتِ).
(2419) في المصدر: (العتائقي)، هو الشيخ العالم الفاضل الفقيه كمال الدِّين عبد الرحمن بن محمّد بن إبراهيم المشهور بابن العتائقي، نسبة إلى العتائق وهي قرية بقرب الحلَّة المزيديَّة، الحلِّي الإمامي، كان معاصراً للشهيد الأوَّل (رحمه الله) وبعض تلامذة العلَّامة الحلِّي (رحمه الله)، وقال البعض: إنَّه أدرك العلَّامة الحلِّي (رحمه الله)، تتلمذ على يد نصير الدِّين عليِّ بن محمّد الكاشي (ت 755هـ)، ويروي عن جمال الدِّين الزهدري، وهو من مشايخ السيِّد عليِّ بن عبد الحميد النيلي، وهو صاحب التصانيف الكثيرة والموجود بعضها في الخزانة الغرويَّة، تُوفّي بعد سنة (788هـ)، ويبدو أنَّ انتقال كُتُبه إلى الغري كان بواسطة تلميذه السيِّد بهاء الدِّين عليٍّ، بحسب عبارة التلميذ التي نصَّها بالحكاية: (وكتبه وخطُّه الكريم عندي).

(٦٨٧)

كُنْتُ أَسْمَعُ فِي الْحِلَّةِ السَّيْفِيَّةِ حَمَاهَا اللهُ تَعَالَى أَنَّ المَوْلَى الْكَبِيرَ المُعَظَّمَ جَمَالَ الدِّين ابْنَ الشَّيْخ الْأَجَلِّ الْأَوْحَدِ الْفَقِيهِ الْقَارئِ نَجْم الدِّين جَعْفَر بْن الزهدري(2420) كَانَ بِهِ فَالِجٌ، فَعَالَجَتْهُ جَدَّتُهُ لِأَبِيهِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ بِكُلِّ عِلَاج لِلْفَالِج، فَلَمْ يَبْرَأ.
فَأَشَارَ عَلَيْهَا بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ بِبَغْدَادَ، فَأَحْضَرَتْهُمْ، فَعَالَجُوهُ زَمَاناً طَويلاً فَلَمْ يَبْرَأ، وَقِيلَ لَهَا: أَلَّا تُبِيتِينَهُ تَحْتَ الْقُبَّةِ الشَّريفَةِ بِالْحِلَّةِ المَعْرُوفَةِ بِمَقَام صَاحِبِ الزَّمَان (علیه السلام)؟ لَعَلَّ اللهَ تَعَالَى يُعَافِيهِ وَيُبْرئُهُ.
فَفَعَلَتْ وَبَيَّتَتْهُ [أَبَاتَتْهُ] تَحْتَهَا، وَإِنَّ صَاحِبَ الزَّمَان (علیه السلام) أَقَامَهُ وَأَزَالَ عَنْهُ الْفَالِجَ.
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ حَصَلَ بَيْني وَبَيْنَهُ صُحْبَةٌ حَتَّى كُنَّا لَمْ نَكَدْ نَفْتَرقُ، وَكَانَ لَهُ دَارُ المَعْشَرَةِ، يَجْتَمِعُ فِيهَا وُجُوهُ أَهْل الْحِلَّةِ وَشَبَابُهُمْ وَأَوْلاَدُ الْأَمَاثِل مِنْهُمْ، فَاسْتَحْكَيْتُهُ عَنْ هَذِهِ الْحِكَايَةِ، فَقَالَ لِي: إِنِّي كُنْتُ مَفْلُوجاً وَعَجَزَ الْأَطِبَّاءُ عَنِّي، وَحَكَى لِي مَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ مُسْتَفَاضاً فِي الْحِلَّةِ مِنْ قَضِيَّتِهِ، وَأَنَّ الْحُجَّةَ صَاحِبَ الزَّمَان (علیه السلام) قَالَ لِي وَقَدْ أَبَاتَتْنِي جَدَّتِي تَحْتَ الْقُبَّةِ: «قُمْ»، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، لَا أَقْدِرُ إِلَى الْقِيَام مُنْذُ سَنَتِي، فَقَالَ: «قُمْ بِإذْن اللهِ تَعَالَى»، وَأَعَانَنِي عَلَى الْقِيَام، فَقُمْتُ وَزَالَ عَنِّي الْفَالِجُ، وَانْطَبَقَ عَلَيَّ النَّاسُ حَتَّى كَادُوا يَقْتُلُونَنِي، وَأَخَذُوا مَا كَانَ عَلَيَّ مِنَ الثِّيَابِ تَقْطِيعاً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2420) والده الأجلّ الشيخ جعفر الزهدري صاحب كتاب (إيضاح تردُّدات الشرائع)، ويظهر من ثناء ابن العتائقي عليهما، عظيم منزلتهما وجلالتهما.

(٦٨٨)

وَتَنْتِيفاً يَتَبَرَّكُونَ فِيهَا، وَكَسَانِي النَّاسُ مِنْ ثِيَابِهِمْ، وَرُحْتُ إِلَى الْبَيْتِ وَلَيْسَ بِي أَثَرُ الْفَالِج، وَبَعَثْتُ إِلَى النَّاس ثِيَابَهُمْ، وَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يَحْكِي ذَلِكَ لِلنَّاس وَلِمَنْ يَسْتَحْكِيهِ مِرَاراً حَتَّى مَاتَ (رحمه الله).
وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْبَرَني مَنْ أَثِقُ بِهِ وَهُوَ خَبَرٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَكْثَر أَهْل المَشْهَدِ الشَّريفِ الْغَرَويِّ سَلَّمَ اللهُ تَعَالَى عَلَى مُشَرِّفِهِ، مَا صُورَتُهُ:
أنَّ الدَّارَ الَّذِي هِيَ الْآنَ سَنَةَ سَبْعِمِائَةٍ وَتِسْع وَثَمَانِينَ أَنَا سَاكِنُهَا كَانَتْ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْل الْخَيْر وَالصَّلَاح يُدْعَى حُسَيْنَ المُدَلَّل، وَبِهِ يُعْرَفُ سَابَاطُ(2421) المُدَلَّل مُلَاصِقَةَ جُدْرَان الْحَضْرَةِ الشَّريفَةِ، وَهُوَ مَشْهُورٌ بِالمَشْهَدِ الشَّريفِ الْغَرَويِّ (علیه السلام)، وَكَانَ الرَّجُلُ لَهُ عِيَالٌ وَأَطْفَالٌ.
فَأَصَابَهُ فَالِجٌ، فَمَكَثَ مُدَّةً لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَام وَإِنَّمَا يَرْفَعُهُ عِيَالُهُ عِنْدَ حَاجَتِهِ وَضَرُورَاتِهِ، وَمَكَثَ عَلَى ذَلِكَ مُدَّةً مَدِيدَةً، فَدَخَلَ عَلَى عِيَالِهِ وَأَهْلِهِ بِذَلِكَ شِدَّةٌ شَدِيدَةٌ، وَاحْتَاجُوا إِلَى النَّاس وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ النَّاسُ.
فَلَمَّا كَانَ سَنَةُ عِشْرينَ وَسَبْعِمِائَةٍ هِجْريَّةٌ فِي لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِيهَا بَعْدَ رُبُع اللَّيْل أَنْبَهَ عِيَالَهُ، فَانْتَبَهُوا فِي الدَّار فَإذَا الدَّارُ وَالسَّطْحُ قَدِ امْتَلَأَ نُوراً يَأخُذُ بِالْأَبْصَار، فَقَالُوا: مَا الْخَبَرُ؟ فَقَالَ: إِنَّ الْإمَامَ (علیه السلام) جَاءَنِي وَقَالَ لِي: «قُمْ يَا حُسَيْنُ»، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، أَتَرَانِي أَقْدِرُ عَلَى الْقِيَام؟ فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَقَامَنِي، فَذَهَبَ مَا بِي وَهَا أَنَا صَحِيحٌ عَلَى أَتَمِّ مَا يَنْبَغِي، وَقَالَ لِي: «هَذَا السَّابَاطُ دَرْبِي إِلَى زيَارَةِ جَدِّي (علیه السلام) فَأَغْلِقْهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ»، فَقُلْتُ: سَمْعاً وَطَاعَةً للهِ وَلَكَ يَا مَوْلَايَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2421) ساباط: أي سقيفة على حائطين والطريق بينهما، وساباط المدلَّل موضع مشهور في الحرم المرتضوي، وهو يربط جهة الشمال من الصحن بجهة الجنوب من جهة الغرب، وفيه قبور عدَّة من العلماء الأعلام وتكية البكتاشية، وفي سنتنا هذه وهي سنة (1426هـ) بدأوا بهدمه لغرض توسعة الروضة الحيدريَّة.

(٦٨٩)

فَقَامَ الرَّجُلُ وَخَرَجَ إِلَى الْحَضْرَةِ الشَّريفَةِ الْغَرَويَّةِ وَزَارَ الْإمَامَ (علیه السلام) وَحَمِدَ اللهَ تَعَالَى عَلَى مَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الْإنْعَام وَصَارَ هَذَا السَّابَاطُ المَذْكُورُ إِلَى الْآنَ يُنْذَرُ لَهُ عِنْدَ الضَّرُورَاتِ، فَلَا يَكَادُ يَخِيبُ نَاذِرُهُ مِنَ المُرَادِ بِبَرَكَاتِ الْإمَام الْقَائِم (علیه السلام).
وَمِنْ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي الشَّيْخُ الصَّالِحُ الْخَيِّرُ الْعَالِمُ الْفَاضِلُ شَمْسُ الدِّين مُحَمَّدُ بْنُ قَارُونَ المَذْكُورُ سَابِقاً أَنَّ رَجُلاً يُقَالُ لَهُ: النَّجْمُ وَيُلَقَّبُ الْأَسْوَدَ فِي الْقَرْيَةِ المَعْرُوفَةِ بِدقوسَا عَلَى الْفُرَاتِ الْعُظْمَى، وَكَانَ مِنْ أَهْل الْخَيْر وَالصَّلَاح، وَكَانَ لَهُ زَوْجَةٌ تُدْعَى بِفَاطِمَةَ، خَيِّرَةٌ صَالِحَةٌ، وَلَهَا وَلَدَان ابْنٌ يُدْعَى: عَلِيًّا، وَابْنَةٌ تُدْعَى: زَيْنَبَ، فَأَصَابَ الرَّجُلَ وَزَوْجَتَهُ الْعَمَى، وَبَقِيَا عَلَى حَالَةٍ ضَعِيفَةٍ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ اثْنَيْ عَشَرَ وَسَبْعِمِائَةٍ، وَبَقِيَا عَلَى ذَلِكَ مُدَّةً مَدِيدَةً.
فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْض اللَّيْل أَحَسَّتِ المَرْأةُ بِيَدٍ تَمُرُّ عَلَى وَجْهِهَا، وَقَائِلٍ يَقُولُ: «قَدْ أَذْهَبَ اللهُ عَنْكِ الْعَمَى، فَقُومِي إِلَى زَوْجِكِ أَبِي عليٍّ، فَلَا تُقَصِّرينَ فِي خِدْمَتِهِ»، فَفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا فَإذَا الدَّارُ قَدِ امْتَلَأَتْ نُوراً، وَعَلِمَتْ أَنَّهُ الْقَائِمُ (علیه السلام).
وَمِنْ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ(2422) عَنْ بَعْض أَصْحَابِنَا الصَّالِحِينَ مِنْ خَطِّهِ المُبَارَكِ مَا صُورَتُهُ:
عَنْ مُحْيِي الدِّين الإرْبِلِيِّ(2423) أَنَّهُ حَضَرَ عِنْدَ أَبِيهِ وَمَعَهُ رَجُلٌ، فَنَعَسَ فَوَقَعَتْ عِمَامَتُهُ عَنْ رَأسِهِ فَبَدَتْ فِي رَأسِهِ ضَرْبَةٌ هَائِلَةٌ، فَسَأَلَهُ عَنْهَا، فَقَالَ لَهُ: هِيَ مِنْ صِفِّينَ، فَقِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ وَوَقْعَةُ صِفِّينَ قَدِيمَةٌ؟ فَقَالَ: كُنْتُ مُسَافِراً إِلَى مِصْرَ، فَصَاحَبَني إِنْسَانٌ مِنْ غَزَّةَ(2424)، فَلَمَّا كُنَّا فِي بَعْض الطَّريقِ تَذَاكَرْنَا وَقْعَةَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2422) في المصدر: (نقلته).
(2423) ترجمه الأفندي في رياض العلماء (ج 7/ ص 252)، قائلاً عنه: قد يروي عنه السيِّد بهاء الدِّين عليُّ بن عبد الحميد النجفي في بعض كُتُبه بعض الحكايات... لكن بواسطة.
(2424) بلد بفلسطين بها مات هاشم بن عبد مناف، ورملة ببلاد بني سعد.

(٦٩٠)

صِفِّينَ، فَقَالَ لِيَ الرَّجُلُ: لَوْ كُنْتُ فِي أَيَّام صِفِّينَ لَرَوَّيْتُ سَيْفِي مِنْ عليٍّ وَأَصْحَابِهِ، فَقُلْتُ: لَوْ كُنْتُ فِي أَيَّام صِفِّينَ لَرَوَّيْتُ سَيْفِي مِنْ مُعَاويَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَهَا أَنَا وَأَنْتَ مِنْ أَصْحَابِ عليٍّ (علیه السلام) وَمُعَاويَةَ، فَاعْتَرَكْنَا عَرْكَةً عَظِيمَةً، وَاضْطَرَبْنَا، فَمَا أَحْسَسْتُ بِنَفْسِي إِلَّا مَرْمِيًّا لِمَا بِي.
فَبَيْنَمَا أَنَا [كَذَلِكَ](2425) وَإِذَا بِإنْسَانٍ يُوقِظُنِي بِطَرَفِ رُمْحِهِ، فَفَتَحْتُ عَيْني، فَنَزَلَ إِلَيَّ وَمَسَحَ الضَّرْبَةَ فَتَلَاءَمَتْ، فَقَالَ: «الْبَثْ هُنَا»، ثُمَّ غَابَ قَلِيلاً وَعَادَ وَمَعَهُ رَأسُ مُخَاصِمِي مَقْطُوعاً وَالدَّوَابُّ مَعَهُ، فَقَالَ لِي: «هَذَا رَأسُ عَدُوِّكَ، وَأَنْتَ نَصَرْتَنَا فَنَصَرْنَاكَ، وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ نَصَرَهُ»، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: «فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ» يَعْنِي صَاحِبَ الْأَمْر (علیه السلام)، ثُمَّ قَالَ لِي: «وَإِذَا سُئِلْتَ عَنْ هَذِهِ الضَّرْبَةِ فَقُلْ: ضُربْتُهَا فِي صِفِّينَ».
وَمِنْ ذَلِكَ مَا صَحَّتْ لِي روَايَتُهُ عَن السَّيِّدِ الزَّاهِدِ الْفَاضِل رَضِيِّ الْمِلَّةِ وَالْحَقِّ وَالدِّين عَلِيِّ بْن مُحَمَّدِ بْن جَعْفَر بْن طَاوُسٍ الْحَسَنِيِّ فِي كِتَابِهِ المُسَمَّى بِرَبيع الْأَلْبَابِ(2426)، قَالَ: رَوَى لَنَا حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن الْقَاسِم، قَالَ:
كُنْتُ أَنَا وَشَخْصٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ يُقَالُ لَهُ: عَمَّارٌ، مَرَّةً عَلَى الطَّريقِ الحماليةِ مِنْ سَوَادِ الْكُوفَةِ، فَتَذَاكَرْنَا أَمْرَ الْقَائِم مِنْ آل مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ لِي: يَا حَسَنُ، أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ عَجِيبٍ؟ فَقُلْتُ لَهُ: هَاتِ مَا عِنْدَكَ.
قَالَ: جَاءَتْ قَافِلَةٌ مِنْ طَيِّئ يَكْتَالُونَ مِنْ عِنْدِنَا مِنَ الْكُوفَةِ، وَكَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ وَسِيمٌ، وَهُوَ زَعِيمُ الْقَافِلَةِ، فَقُلْتُ لِمَنْ حَضَرَ: هَاتِ الْمِيزَانَ مِنْ دَار الْعَلَويِّ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2425) من المصدر.
(2426) تنبيه: وقع هنا اشتباه، والصحيح أنَّ كتاب (ربيع الألباب) هو من مؤلَّفات السيِّد رضي الدِّين عليِّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاوس الحسني، صاحب كتاب (الإقبال) و(الطرائف)، ولا يوجد عالم في بني طاوس بالاسم المذكور، وما تراه هنا من سهو الناسخ.

(٦٩١)

فَقَالَ الْبَدَويُّ: وَعِنْدَكُمْ هُنَا عَلَويٌّ؟ فَقُلْتُ: يَا سُبْحَانَ اللهِ مُعْظَمُ الْكُوفَةِ عَلَويُّونَ، فَقَالَ الْبَدَويُّ: الْعَلَويَّ وَاللهِ تَرَكْتُهُ وَرَائِي فِي الْبَرِّيَّةِ فِي بَعْض الْبُلْدَان، فَقُلْتُ: فَكَيْفَ خَبَرُهُ؟
قَالَ: فَرَرْنَا فِي نَحْو ثَلَاثِ مِائَةِ فَارسٍ أَوْ دُونَهَا، فَبَقِينَا ثَلَاثَةَ أَيَّام بِلَا زَادٍ، وَاشْتَدَّ بِنَا الْجُوعُ.
فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: دَعُونَا نَرْمِي السَّهْمَ عَلَى بَعْض الْخَيْل نَأكُلْهَا، فَاجْتَمَعَ رَأيُنَا عَلَى ذَلِكَ، وَرَمَيْنَا بِسَهْم فَوَقَعَ عَلَى فَرَسِي، فَغَلَّطْتُهُمْ، وَقُلْتُ: مَا أَقْنَعُ، فَعُدْنَا بِسَهْم آخَرَ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا أَيْضاً فَلَمْ أَقْبَلْ، وَقُلْتُ: نَرْمِي بِثَالِثٍ، فَرَمَيْنَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا أَيْضاً، وَكَانَتْ عِنْدِي تُسَاوي أَلْفَ دِينَارٍ، وَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ وَلَدِي.
فَقُلْتُ: دَعُونِي أَتَزَوَّدْ مِنْ فَرَسِي بِمِشْوَارٍ فَإلَى الْيَوْم مَا أَجِدُ لَهَا غَايَةً، فَرَكَضْتُهَا إِلَى رَابِيَةٍ بَعِيدَةٍ مِنَّا قَدْرَ فَرْسَخ، فَمَرَرْتُ بِجَاريَةٍ تَحْطِبُ تَحْتَ الرَّابِيَةِ، فَقُلْتُ: يَا جَاريَةُ، مَنْ أَنْتِ وَمَنْ أَهْلُكِ؟ قَالَتْ: أَنَا لِرَجُلٍ عَلَويٍّ فِي هَذَا الْوَادِي، وَمَضَتْ مِنْ عِنْدِي، فَرَفَعْتُ مِئْزَري عَلَى رُمْحِي وَأَقْبَلْتُ إِلَى أَصْحَابِي، فَقُلْتُ لَهُمْ: أَبْشِرُوا بِالْخَيْر، النَّاسُ مِنْكُمْ قَريبٌ فِي هَذَا الْوَادِي.
فَمَضَيْنَا فَإذَا بِخَيْمَةٍ فِي وَسَطِ الْوَادِي، فَطَلَعَ إِلَيْنَا مِنْهَا رَجُلٌ صَبِيحُ الْوَجْهِ أَحْسَنُ مَنْ يَكُونُ مِنَ الرِّجَال، ذُؤَابَتُهُ إِلَى سُرَّتِهِ، وَهُوَ يَضْحَكُ وَيَجِيئُنَا بِالتَّحِيَّةِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا وَجْهَ الْعَرَبِ الْعَطَشُ، فَنَادَى: «يَا جَاريَةُ، هَاتِي مِنْ عِنْدِكِ المَاءَ»، فَجَاءَتِ الْجَاريَةُ وَمَعَهَا قَدَحَان فِيهِمَا مَاءٌ، فَتَنَاوَلَ مِنْهُمَا قَدَحاً وَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ وَنَاوَلَنَا إِيَّاهُ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ بِالآخَر، فَشَربْنَا عَنْ أَقْصَانَا مِنَ الْقَدَحَيْن وَرَجَعَتَا عَلَيْنَا وَمَا نَقَصَتِ الْقَدَحَان.
فَلَمَّا رَوينَا قُلْنَا لَهُ: الْجُوعُ يَا وَجْهَ الْعَرَبِ، فَرَجَعَ بِنَفْسِهِ وَدَخَلَ الْخَيْمَةَ وَأَخْرَجَ بِيَدِهِ مِنْسَفَةً(2427) فِيهَا زَادٌ، وَوَضَعَهُ وَقَدْ وَضَعَ يَدَهُ فِيهِ، وَقَالَ: «يَجِيءُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2427) المنسفة كمكنسة: الغربال.

(٦٩٢)

مِنْكُمْ عَشَرَةً عَشَرَةً»، فَأَكَلْنَا جَمِيعاً مِنْ تِلْكَ الْمِنْسَفَةِ، وَاللهِ يَا فُلَانُ مَا تَغَيَّرَتْ وَلَا نَقَصَتْ، فَقُلْنَا: نُريدُ الطَّريقَ الْفُلَانِيَّ، فَقَالَ: «هَا ذَاكَ دَرْبُكُمْ» وَأَوْمَأَ لَنَا إِلَى مَعْلَم وَمَضَيْنَا.
فَلَمَّا بَعُدْنَا عَنْهُ قَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: أَنْتُمْ خَرَجْتُمْ عَنْ أَهْلِكُمْ لِكَسْبٍ، وَالمَكْسَبُ قَدْ حَصَلَ لَكُمْ، فَنَهَى بَعْضُنَا بَعْضاً وَأَمَرَ بَعْضُنَا بِهِ، ثُمَّ اجْتَمَعَ رَأيُنَا عَلَى أَخْذِهِمْ، فَرَجَعْنَا فَلَمَّا رَآنَا رَاجِعِينَ شَدَّ وَسَطَهُ بِمِنْطَقَةٍ وَأَخَذَ سَيْفاً فَتَقَلَّدَ بِهِ وَأَخَذَ رُمْحَهُ وَرَكِبَ فَرَساً أَشْهَبَ، وَالْتَقَانَا وَقَالَ: «لَا تَكُونُ أَنْفُسُكُمُ الْقَبِيحَةُ دَبَّرَتْ لَكُمُ الْقَبِيحَ؟!».
فَقُلْنَا: هُوَ كَمَا ظَنَنْتَ، وَرَدَدْنَا عَلَيْهِ رَدًّا قَبِيحاً، فَزَعَقَ بِزَعَقَاتٍ(2428)، فَمَا رَأَيْنَا إِلاَّ مَنْ دَخَلَ قَلْبَهُ الرُّعْبُ وَوَلَّيْنَا مِنْ بَيْن يَدَيْهِ مُنْهَزمِينَ، فَخَطَّ خَطَّةً بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ وَقَالَ: «وَحَقِّ جَدِّي رَسُول اللهِ لاَ يَعْبُرَنَّهَا أحَدٌ مِنْكُمْ إِلاَّ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ» فَرَجَعْنَا وَاللهِ عَنْهُ بِالرَّغْم مِنَّا، هَا ذَاكَ الْعَلَويُّ هُوَ حَقّاً هُوَ وَاللهِ لاَ مَا هُوَ مِثْلُ هَؤُلاَءِ.
هذا آخر ما أخرجناه من كتاب السلطان المفرِّج عن أهل الإيمان(2429).
بيان: (الشركة) حبالة الصيد والمراد بها هنا الحبل، و(التعيط) الجلبة والصياح، و(المشوار) المخبر والمنظر، وما أبقت الدابة من علفها والمكان تعرض فيه الدواب.
كتاب الفهرست للشيخ منتجب الدين: قال: الثائر بالله المهدي(2430) ابن الثائر بالله الحسيني(2431) الجيلي كان زيدياً وادّعى إمامة الزيدية وخرج بجيلان ثُمَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2428) زعق مثل صعق، أي صاح صيحة شديدة.
(2429) السلطان المفرِّج عن أهل الإيمان (ص 37 - 61).
(2430) في المصدر: (ابن المهدي) بدل (المهدي).
(2431) في المصدر: (الحسيني).

(٦٩٣)

استبصر وصار إماميًّا وله رواية الأحاديث، وادّعى أنَّه شاهد صاحب الأمر وكان يروي عنه أشياء(2432).
وقال: أبو الحسن علي بن محمّد بن علي ابن أبي(2433) القاسم العلوي الشعراني عالم صالح شاهد الإمام صاحب الأمر، ويروي عنه أحاديث، عليه وعلى آبائه السلام(2434).
وقال: أبو الفرج المظفر بن علي بن الحسين الحمداني ثقة عين وهو من سفراء الإمام صاحب الزمان (علیه السلام) أدرك الشيخ المفيد وجلس مجلس درس السيّد المرتضى والشيخ أبي جعفر الطوسي (قدَّس الله أرواحهم)(2435).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2432) الفهرست لمنتجب الدين: 34/ ح 64.
(2433) في المصدر: (بن) بدل (ابن أبي).
(2434) الفهرست لمنتجب الدين: 112/ ح 231.
(2435) الفهرست لمنتجب الدين: 156/ ح 359.

(٦٩٤)