غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) عند الإمام الصادق (عليه السلام)
تأليف: السيد ثامر هاشم العميدي
تقديم وتحقيق: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
الطبعة الأولى: 1444هـ
رقم الإصدار: 273
الفهرس
مقدَّمة المركز..................3
المُقَدَّمةُ..................7
الباب الأوَّل: في معرفة الإمام الغائب (عجَّل الله فرجه) قبل ولادته..................17
الفصل الأوَّل: دعم الإمام الصادق (عليه السلام) للعقيدة المهدويَّة وبيان حكم من أنكرها..................19
الأمر الأوَّل: ثبوت أصل العقيدة المهدويَّة، ودعمها..................19
الأمر الثاني: بيان حكم من أنكر أصل العقيدة المهدويَّة..................25
الفصل الثاني: ترسيخ الإمام الصادق (عليه السلام) للقواعد الكاشفة عن هويَّة الإمام الغائب..................35
القاعدة الأُولى: قاعدة العصمة والمرجعيَّة العلميَّة والسياسيَّة لأهل البيت (عليهم السلام)..................36
حديث الثقلين وأثره في بلورة القاعدة..................37
أوَّلاً: صحَّة الحديث وبيان تواتره..................37
ثانياً: مَنْ صحَّح الحديث من العلماء..................42
ثالثاً: علم الصحابة بالمعنيِّين بحديث الثقلين..................47
رابعاً: تأكيد الإمام الصادق (عليه السلام) على حديث الثقلين..................54
خامساً: دلالة حديث الثقلين..................56
القاعدة الثانية: قاعدة حصر الأئمَّة باثني عشر أوصياءً كلِّهم من عترة النبيِّ أهل بيته (صلّى الله عليه وآله وسلّم)..................59
القاعدة الثالثة: قاعدة التسلسل العمودي للإمامة بعد الإمام الحسين (عليه السلام)..................65
القاعدة الرابعة: عدم خلوِّ الأرض من إمام من الأئمّة الاثني عشر مطلقاً..................67
القاعدة الخامسة: قاعدة وجوب معرفة إمام الزمان من أهل البيت (عليهم السلام)..................74
الفصل الثالث: تشخيص الإمام الصادق (عليه السلام) لهويَّة الغائب، وكيفيَّة الانتفاع به في غيبته..................81
أوَّلاً: منهج الإمام الصادق (عليه السلام) في تشخيص هويَّة الإمام الغائب (عجَّل الله فرجه)..................81
الأُسلوب الأوَّل: أُسلوب التمثيل والتشبيه لتقريب الهويَّة: ..................83
المستوى الأوَّل: مستوى من لم يعاصر الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)..................83
المستوى الثاني: [مستوى من عاش حدث الولادة للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)]..................86
الأُسلوب الثاني: أُسلوب التصريح في بيان الهويَّة..................90
ثانياً: بيان الإمام الصادق (عليه السلام) لكيفيَّة الانتفاع بالحجَّة الغائب (عجَّل الله فرجه)..................99
الباب الثاني: غيبة الإمام الثاني عشر (عجَّل الله فرجه) قبل حدوثها..................105
الفصل الأوَّل: في العناية بالغيبة وبيان معطياتها..................107
أوَّلاً: أسرار العناية بالغيبة في الحديث الشريف..................107
ثانياً: الغيبة في مؤلَّفات الشيعة..................108
ثالثاً: علم الشيعة بالغيبة قبل حدوثها..................112
رابعاً: إخبار الإمام الصادق (عليه السلام) بالشيء قبل وقوعه، وعلم الغيب..................114
خامساً: مكوِّنات الوحدة الموضوعيَّة للغيبة عند الإمام الصادق (عليه السلام)..................116
الفصل الثاني: تأكيد الإمام الصادق (عليه السلام) على غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وطولها..................119
أوَّلاً: تأكيد الإمام الصادق (عليه السلام) على غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)..................119
ثانياً: تصريح الإمام الصادق (عليه السلام) بطول غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)..................124
ثالثاً: تصريح الإمام الصادق (عليه السلام) بأنَّ للمهدي (عجَّل الله فرجه) غيبتين (صغرى وكبرى)..................125
الفصل الثالث: في بيان ما مطلوب في زمان الغيبة..................133
أوَّلاً: الوصيَّة بعدم إنكار الغيبة، والنهي عن الانحراف، ولزوم التصديق..................133
ثانياً: وجوب الثبات على الولاية في زمن الغيبة..................135
ثالثاً: التأكيد على انتظار الإمام الغائب (عجَّل الله فرجه) في غيبته..................138
1 - توقُّف قبول العمل على الانتظار..................139
2 - وصف المنتظِرين بأنَّهم من الأولياء..................139
3 - منزلة المنتظِر لإمام الزمان (عجَّل الله فرجه)..................140
4 - ما يجب أنْ يتحلَّى به المنتظِر، وبيان أجر انتظاره..................140
5 - توجُّع المنتظِر وحزنه وبكاؤه على المهدي (عجَّل الله فرجه) في غيبته..................141
6 - النهي عن قسوة القلوب في فترة الانتظار..................141
7 - تهيئة وسائل القوَّة في فترة الانتظار..................142
8 - ضرورة إعطاء العهد والبيعة للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في غيبته..................142
9 - طلب الرجعة في الدعاء في حال الموت قبل ظهوره (عجَّل الله فرجه)..................143
10 - الإكثار من الدعاء في فترة الانتظار..................143
أ - الدعاء بالثبات على الدِّين في زمان الغيبة..................143
ب - الدعاء بطلب المعرفة المنجية من الضلال..................144
ج - الدعاء المعبِّر عن الشوق والمحبَّة للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)..................144
د - الدعاء للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بتعجيل الفرج..................145
هـ - الدعاء للمهدي بكلِّ خير، وتمنِّي رؤيته (عجَّل الله فرجه)..................145
و - الدعاء لنيل شرف خدمة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ونصرته..................146
رابعاً: الكشف عن حال الناس في زمان الغيبة لأخذ العِظة والعبرة..................146
الفصل الرابع: في بيان الإمام الصادق (عليه السلام) عِلَل الغيبة وما يرافقها من تمحيص واختبار..................149
أوَّلاً: عِلَل الغيبة..................149
العلَّة الأُولى: الخوف من القتل..................149
العلَّة الثانية: لكي لا تكون في عنق المهدي (عجَّل الله فرجه) بيعة لأحد..................151
العلَّة الثالثة: السُّنَن التاريخيَّة..................152
العلَّة الرابعة: وهي علَّة خافية لم يُؤذَن بكشفها..................152
ثانياً: أحاديث التمحيص والاختبار، وبيان فلسفتها..................153
أحاديث التمحيص والاختبار..................153
فلسفة التمحيص والاختبار..................155
الباب الثالث: دور الإمام الصادق (عليه السلام) في ردِّ الشُّبُهات المثارة حول الغيبة والغائب..................159
تمهيد..................161
الفصل الأوَّل: شبهة الكيسانيَّة بمهدويَّة محمّد بن الحنفيَّة (رضي الله عنه)..................165
أوَّلاً: أسباب ظاهرة ادِّعاء المهدويَّة في التاريخ..................165
ثانياً: براءة ابن الحنفيَّة (رضي الله عنه) من القول بمهدويَّته..................167
ثالثاً: اعتراف ابن الحنفيَّة بإمامة السجَّاد (عليه السلام)، ونفي الإمامة عن نفسه..................168
رابعاً: من روَّج له المهدويَّة والإمامة بعد وفاته..................169
لقاء السيِّد الحميري الكيساني بالإمام الصادق (عليه السلام)..................170
السيِّد الحميري يُودِّع كيسانيَّته ويتعرَّف على هويَّة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)..................171
مع قصيدة السيِّد الحميري التي سجَّل فيها اعترافه بالحقِّ..................172
الكشف عمَّا في قصيدة السيِّد الحميري من دلالات..................174
خامساً: ملاحقة الإمام الصادق (عليه السلام) لحُجَج الكيسانيَّة ونسفها..................176
الفصل الثاني: شبهة مهدويَّة عمر بن عبد العزيز الأُموي المرواني..................179
أوَّلاً: الآثار الموضوعة في مهدويَّته..................179
ثانياً: كذبهم على الإمام الباقر (عليه السلام) في دعم تلك المهدويَّة..................181
ثالثاً: ردُّ أُكذوبتهم على الإمام الباقر (عليه السلام)..................182
رابعاً: الأقوال الواردة في مهدويَّة عمر بن عبد العزيز..................201
خامساً: من ردَّ هذه الأقوال ورفضها من العامَّة..................202
سادساً: المهدويَّة الأمويَّة المروانيَّة في الميزان..................203
سابعاً: موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من تلك المهدويَّة..................211
الفصل الثالث: شبهة مهدويَّة محمّد بن عبد الله الحسني..................215
أوَّلاً: منشأ هذه الشبهة وتداعياتها..................215
ثانياً: موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من مهدويَّة الحسني..................224
إخباره (عليه السلام) القيادة الحسنيَّة بنتائج تلك الدعوى وقتل صاحبها..................227
تفهيم الناس بمصير المهدي الحسني ومهدويَّته..................230
تأكيده (عليه السلام) على سبق دعوى المهدويَّة لزمان المهدي (عجَّل الله فرجه)..................233
بيان الاختلاف بين هويَّة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وهويَّة المهدي الحسني..................234
1 - الاختلاف في اسم الأب، والكنية..................235
2 - الاختلاف في النسب من جهة الأب..................237
لماذا حصر الإمامة والمهدي في ذرّيَّة الحسين دون الحسن (عليهما السلام)؟..................239
3 - الاختلاف من جهة الأُمِّ اسماً ونسباً..................240
ثالثاً: من نتائج توعية الإمام الصادق (عليه السلام)..................241
الفصل الرابع: دعوى مهدويَّة المهدي العبَّاسي محمّد بن عبد الله المنصور..................245
أوَّلاً: من كان وراء القول بمهدويَّته..................245
1 - أبو جعفر المنصور..................245
2 - الوضَّاعون..................250
الأحاديث الموضوعة في ترويج مهدويَّة المهدي العبَّاسي..................251
3 - الشعراء: ..................258
ثانياً: شخصيَّة المهدي العبَّاسي في الميزان..................260
ثالثاً: موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من المهدويَّة العبَّاسيَّة..................262
1 - الأمر بالتقيَّة من بني العبَّاس..................263
2 - الأمر بكتمان أمر أهل البيت (عليهم السلام) عن العبَّاسيِّين..................264
3 - الأمر بالابتعاد عن العبَّاسيِّين وقضاتهم في المرافعات ووصفهم بالطاغوت..................264
4 - أحاديثه (عليه السلام) الواردة في ذمِّ بني العبَّاس صراحةً..................265
5 - تذكير الإمام الصادق (عليه السلام) الأُمَّة بهويَّة المهدي (عجَّل الله فرجه)..................267
الفصل الخامس: موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من المهدويَّات الأُخرى..................269
أوَّلاً: موقفه (عليه السلام) من قول الناووسيَّة بمهدويَّته..................269
ثانياً: موقفه (عليه السلام) من قول الواقفيَّة بمهدويَّة الإمام الكاظم (عليه السلام)..................271
ثالثاً: دوره (عليه السلام) في تشخيص المهدويَّات الباطلة كلِّها..................275
بيان علامات ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)..................277
المراد بقتل النفس الزكيَّة كعلامة من علامات الظهور..................280
بيان التطوُّر العلمي في زمان الظهور..................282
بيان سيادة الإسلام في زمان الظهور على كلِّ الأديان..................283
الفصل السادس: دور الإمام الصادق (عليه السلام) في ردِّ الشُّبُهات الأُخرى..................287
أوَّلاً: شبهة طول العمر وجوابها في قول الإمام الصادق (عليه السلام)..................288
ثانياً: شبهة القول بعدم الولادة، أو الوفاة بعد حصولها..................291
ثالثاً: شبهة حول استمرار وجوده الشريف..................292
رابعاً: شبهة حول هويَّة الإمام الغائب (عجَّل الله فرجه)..................293
خامساً: شبهة جواز تأخير الاعتقاد بالمهدي (عجَّل الله فرجه) إلى زمان ظهوره..................294
سادساً: شبهة جعفر الكذَّاب عمِّ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)..................296
سابعاً: شُبهتهم حول لفظ (القائم) ولفظ (المهدي)..................298
ثامناً: الشُّبهة الواردة حول سيرته (عجَّل الله فرجه)..................299
تاسعاً: شُبُهات حول الغيبة..................300
الخلاصة..................307
المصادر والمراجع..................311
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدَّمة المركز:
لا يخفى ما تملكه العقيدة المهدويَّة من حضور كبير ومن مكانة بارزة في الرؤية الاستشرافيَّة للدِّين الإسلامي والديانات الأُخرى، ولأجل ذلك تناولتها أقلام الباحثين والمختصِّين بالبحث والتحليل، وأبرزت الكثير من جوانبها وتفاصيلها التي ترتبط بها، ولم يكن الأمر في ذلك مقتصراً على طائفة معيَّنة أو فئة خاصَّة، ففكرة انتظار المصلح العظيم الذي سينشر القسط والعدل والإحسان بظهوره في آخر الزمان، ويقضي على الجور والظلم والعدوان في أرجاء العالم، ويُحقِّق الرخاء والسعادة والمساواة في دولته الكريمة، ليست مقصورةً على الإسلام، ولا مختصَّة بالشيعة، بل هي فكرة آمن بها أهل الأديان السماويَّة، واعتنقتها الكثير من الشعوب، فهي نقطة اشتراك وعنوان طموح اتَّجهت إليه البشريَّة بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهام فطري أدرك أصحابه على تنوُّع عقائدهم أنَّ للإنسانيَّة يوماً موعوداً تتحقَّق فيه عدالة السماء والمغزى الكبير من بعثة رسالاتها ومقاصد أهدافها، بل كان لحضوره الفطري أثره الذي امتدَّ عند غير أهل الأديان حتَّى توفَّر عند أشدّ الأفكار تنافراً مع الغيب والغيبيَّات.
ومع ذلك اختصَّ أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) دون غيرهم بوعي خاصٍّ تجاه هذه الفكرة حيث تجاوزوا في فهمها مجرَّد الأمل المبهم الذي يُبشِّر بالقائد المجهول الذي يأتي في آخر الزمان، بل حملوها ديناً وعقيدةً ذات معالم
واضحة التصوُّر، وميزاناً يفصل الإقرار بها من عدمه بين الهدى والضلال والإيمان والجحود، وبطبيعة الحال كان فهمهم هذا يستقي روافده ومنابعه من الأئمَّة الأطهار من أهل بيت العصمة (عليهم السلام) الذين أوصى النبيُّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في المتواتر من حديثه بالأخذ عنهم والركون إليهم، فهم معدن العلم ومهبط الوحي.
ولأجل ذلك كان قول الشيعة الإماميَّة قولاً واحداً بأنَّ الإمام المهدي المنتظَر (عجَّل الله فرجه) ابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) المولود سنة (255 هجريَّة) في سامرَّاء، وقد غيَّبه الله تعالى لحكمة يعرفها، وهو المدَّخر لنجاة البشريَّة، والمعنيُّ ببشارة الأنبياء (عليهم السلام) والكُتُب السماويَّة.
ومع ذلك كان لهذا التصوُّر الخاصِّ والفريد الذي تميَّز به الشيعة خصومه ومناوئوه الذين لم يرق لهم كثيراً فكرة أنَّ المهدي الموعود الذي بشَّر به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الإمام الثاني عشر من أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام)، والأسباب في ذلك كثيرة لسنا في وارد التعرُّض إليها والبحث عنها، مع الإيمان التامِّ أنَّ الأغراض السياسيَّة والاختلالات العقائديَّة لم تكن بعيدة عن تلك الأسباب التي تولَّد عنها هذا التقاطع والاختلاف، فمزعمة - على سبيل المثال لا الحصر - كتلك التي تقول: (إنَّ الله تعالى أبى، أو أنَّ قريشاً كرهت أنْ تجتمع النبوَّة والخلافة في بيت واحد)، لابدَّ أنْ تلقي بظلالها على الكثير من القضايا التي أضحت فيما بعد محلًّا للتنازع والافتراق، حتَّى ولو كانت الأدلَّة الحاضرة قاطعة لمادَّة الاختلاف والاشتباك، ونافية لهذه المقولة أو غيرها.
ومن هنا دأب علماء الشيعة ومفكِّروهم على محاججة الآخرين بحديث النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والعترة الطاهرة (عليهم السلام) على صحَّة ما ذهبوا إليه من تصوُّرٍ خاصٍّ في رؤيتهم للعقيدة المهدويَّة، وسلكوا في ذلك كلَّ سبيل وطريق، لإيمانهم أنَّ
الاعتقاد الصحيح والسليم بهذه العقيدة له كامل الأثر ليس في تحقُّق أركان الإيمان وحسب، وإنَّما له دخالة في التمهيد لتلك الدولة، بل والتعجيل بقيام مشروعها، ضرورة أنَّ النصرة والتمهيد بمعناه العامِّ هو مقتضى منطق السُّنَن الحاكمة في كلِّ أحداث الكون الذي نعيش فيه، وبدون ذلك تدخل البشريَّة في مسارات أقلّ ما يقال عنها: إنَّها قاسية ومفجعة، لتبلغ بعد ذلك القناعة الناشئة عن المحنة والألم، وكان بإمكانها أنْ تنال حظَّها وقدرها في غير ذلك، وهذا هو واقع ما اسشترفته أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) عن أحداث آخر الزمان، في نفس الوقت الذي أكَّدت على فاعليَّة البداء وإمكانيَّة التغيير فيما لو أصابت البشريَّة طريق رشدها وهدايتها، والذي لن يتحقَّق حتماً مع الغفلة لما تنتظر ومن تنتظر، أو ما يُراد منها ويجب عليها.
وهذا الكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ للأُستاذ الباحث السيِّد ثامر العميدي، والذي ينتهج أقوال صادق العترة الطاهرة في غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) والذي طُبِعَ لأوَّل مرَّة عام (1424هـ) من قِبَل مركز الرسالة في قم المقدَّسة هو أحد الشواهد الحيَّة والقيِّمة الصادرة عن تلك الأُصول الثابتة التي رسمت الصورة النهائيَّة لهذه العقيدة وعلاماتها وشروطها، وهو بعد هذا وذاك مصداق أيضاً لذلك الجهد الحثيث والصادق الذي بذله أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في إقامة الحجَّة وإعلاء كلمة الحقِّ، ولأهمّيَّته وقيمته ارتأى مركز الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) القيام - بعد أنْ أضاف إليه الكثير من النصوص في الهامش والتي أشار إليها المؤلِّف الكريم في كتابه، مع تحريك لجميع النصوص الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام) - بتجديد طباعته وتقديمه للقُرَّاء الكرام. كما سبق لمركزنا طباعة كتاب قيِّم آخر للمؤلِّف تحت عنوان (المهدي المنتظَر (عجَّل الله فرجه) في الفكر الإسلامي).
علماً أنَّ في الكتاب آراءً جديدة اجتهد فيها المؤلِّف، وقد أبقيناها - بناءً على رغبته - كما هي وإنْ كان في بعضها مجال للتأمُّل.
راجين من المولى تعالى أنْ يقع عنده موقع القبول والتسديد، وعند صاحب العصر والزمان موقع السرور والرضا، إنَّه وليُّ التوفيق.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أنْ يُعجِّل في فرج سيِّدنا ومولانا صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه)، ويجعلنا من أنصاره وأعوانه، وأنْ يتقَّبله منَّا بقبولٍ حسنٍ.
مركز الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
بسم الله الرحمن الرحيم
المُقَدَّمةُ:
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمّد وآله الطيِّبين الطاهرين، صلاة زاكية نامية متَّصلة متواترة لا غاية لأمدها ولا نهاية لآخرها، وسلَّم تسليماً كثيراً.
وبعد..
فإنَّ الحديث عن الإمام المهدي الحجَّة بن الحسن (عليهما السلام) خصب الميادين، متعدِّد الجوانب، واسع الأطراف، ولا حصر للمؤلَّفات التي كُتِبَت - شرقاً وغرباً - حوله، حتَّى يُخال للباحث وهو يرى كثرة المؤلَّفات والبحوث المعدَّة حول هذا الموضوع منه قد أُغلِقَ تماماً، ومن طَرَقه من جديد لن يأتي بشيءٍ جديد.
ومع كلِّ هذا قد نبغ في الآونة الأخيرة من يتَّهم متكلِّمي الإماميَّة في أواخر القرن الثالث وبداية الرابع الهجريَّين، بأنَّهم - ولأجل أنْ يستمرَّ المذهب الاثني عشري بعد وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) بلا عقب - حاولوا ببراعتهم الكلاميَّة إقناع عامَّة المذهب بولادة الحجَّة بن الحسن الغائب الذي لم يُولَد بعد!
وقد كنت آمل في كتاب (المهدي المنتظَر (عجَّل الله فرجه) في الفكر الإسلامي) - الذي صدر سنة (1417هـ)، وطُبِعَ ثلاث مرَّات، وتُرجِم إلى خمس لغات - أنْ يُنبِّه على مدارك ذلك الاتِّهام، ويُخفِّف من غلواء مروِّجيه عبر الأقمار الصناعيَّة كلَّما أُتيحت لهم الفرصة، ولكنَّهم بقوا كما بدأوا! ومن هنا وجدت نفسي أمام اختيار صعب، فعدت إليهم مرَّةً أُخرى لأرسم الصورة الواضحة لعمق العقيدة
المهدويَّة في الفكر الشيعي قبل ولادة متكلِّمي الشيعة - الذين اتُّهِمُوا باختلاق مفهوم الغيبة والغائب - بأكثر من مائة عام؛ ولهذا جاء البحث محصوراً بالغيبة والغائب عند الإمام الصادق (عليه السلام) وحده، فنقول:
عاش الإمام الصادق (عليه السلام) في عصرين مختلفين: عصر ضعف الدولة الأُمويَّة حتَّى آلت إلى السقوط سنة (132هـ) على أيدي العبَّاسيِّين، وعصر انشغال بني العبَّاس في تثبيت أقدامهم بالسلطة. ومعنى هذا أنَّ الدولة الأُمويَّة في عهد الإمام الصادق (عليه السلام) - الذي تولَّى الإمامة بعد وفاة أبيه الإمام الباقر (عليهما السلام) سنة (114هـ) - لم تكن قادرة على ممارسة نفس دورها الإرهابي في الحدِّ من نشاط أهل البيت (عليهم السلام) كما كانت تمارسه في عهود آبائه.
كما أنَّ الدولة العبَّاسيَّة لم تُعلِن إرهابها على الإمام (عليه السلام) في بداية حكمها كما أعلنته عليه بعد حين وعلى الأئمَّة المعصومين من أولاده فيما بعد، وصولاً إلى دورهم البغيض في غيبة آخر الأئمَّة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
ومن هنا وجد الإمام (عليه السلام) الفرصة النسبيَّة سانحة للانطلاق في أرحب الميادين، ولهذا نجد اسمه الشريف يتردَّد على ألسنة المؤرِّخين والمحدِّثين والمفسِّرين والفلاسفة والمتكلِّمين أكثر من سائر الأئمَّة الآخرين، ولعلَّ خير ما يُعبِّر لنا عن هذه الحقيقة هو الإمام الصادق (عليه السلام) نفسه فيما رواه عنه أوثق تلامذته.
فَعَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «كَانَ أَبِي (عليه السلام) يُفْتِي فِي زَمَنِ بَنِي أُمَيَّةَ أَنَّ مَا قَتَلَ البَازِي وَاَلصَّقْرُ فَهُوَ حَلَالٌ، وَكَانَ يَتَّقِيهِمْ، وَأَنَا لَا أَتَّقِيهِمْ، وَهُوَ حَرَامٌ مَا قَتَلَ»(1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي (ج 6/ ص 208/ باب صيد البزاة والصقور وغير ذلك/ ح 8)، من لا يحضره الفقيه (ج 3/ ص 320/ ح 4142)، تهذيب الأحكام (ج 9/ ص 32/ ح 129129)، الاستبصار (ج 4/ ص 72/ ح 265/9).
ونحو هذا ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أيضاً(2).
ونظيره ما رواه زرارة وأبو عمر الأعجمي عن الإمام الصادق (عليه السلام) من المنع عن مسح الخفَّين في الوضوء تقيَّةً، وكذلك في النبيذ، ومتعة الحجِّ(3).
فهذه النصوص وأمثالها تُصوِّر لنا بوضوح حالة الانفراج السياسي النسبي الذي عاشه الإمام الصادق (عليه السلام) في ظلِّ الدولتين.
وقد كانت وظيفة الإمام الصادق (عليه السلام) صعبة للغاية، إذ شاهد خطورة الموقف الإسلامي، وعاصر تلوُّث المجتمع المسلم بالمفاهيم الدخيلة الوافدة إليه عن طريق الفلسفات الأجنبيَّة التي تسلَّلت رويداً إلى ساحته عبر القنوات الكثيرة التي شقَّتها حروب العصر الأُموي (40 - 132هـ)، وبدايات العصر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 6/ ص 207/ باب صيد البزاة والصقور وغير ذلك/ ح 1) بسنده عَنِ الْحَلَبِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «كَانَ أَبِي (عليه السلام) يُفْتِي، وَكَانَ يَتَّقِي، وَنَحْنُ نَخَافُ فِي صَيْدِ الْبُزَاةِ وَالصُّقُورِ، وَأَمَّا الآنَ فَإِنَّا لَا نَخَافُ وَلَا نُحِلُّ صَيْدَهَا إِلَّا أَنْ تُدْرَكَ ذَكَاتُه، فَإِنَّه فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (عليه السلام) أَنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) يَقُولُ: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ﴾ [المائدة: 4] فِي الْكِلَابِ».
ورواه الطوسي (رحمه الله) في تهذيب الأحكام (ج 9/ ص 32 و33/ ح 130/130)، وفي الاستبصار (ج 4/ ص 72 و73/ ح 266/10).
(3) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 3/ ص 32/ باب مسح الخفِّ/ ح 2) بسنده عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ قُلْتُ لَه: فِي مَسْحِ الْخُفَّيْنِ تَقِيَّةٌ؟ فَقَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا أَتَّقِي فِيهِنَّ أَحَداً: شُرْبُ المُسْكِرِ، وَمَسْحُ الْخُفَّيْنِ، وَمُتْعَةُ الْحَجِّ»، قَالَ زُرَارَةُ: وَلَمْ يَقُلْ: الْوَاجِبُ عَلَيْكُمْ أَلَّا تَتَّقُوا فِيهِنَّ أَحَداً.
ورواه الصدوق (رحمه الله) في من لا يحضره الفقيه (ج 1/ ص 48/ ح 95)، والطوسي (رحمه الله) في تهذيب الأحكام (ج 1/ ص 362/ ح 1093/23)، وفي الاستبصار (ج 1/ ص 76/ ح 237/2).
وروى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 2/ ص 217/ باب التقيَّة/ ح 2) بسنده عَنْ أَبِي عُمَرَ الأَعْجَمِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «يَا أَبَا عُمَرَ، إِنَّ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الدِّينِ فِي التَّقِيَّةِ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا تَقِيَّةَ لَه، وَالتَّقِيَّةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا فِي النَّبِيذِ، وَالمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ».
ورواه البرقي (رحمه الله) في المحاسن (ص 259/ ح 309)، والصدوق (رحمه الله) في الخصال (ص 22 و23/ ح 79).
العبَّاسي الأوَّل (132 - 234هـ)، وما نتج عن هذا وذاك من نشوء التيَّارات الفكريَّة الخطيرة، وانقسام المسلمين إلى مذاهب وفِرَق عديدة، مع بروز حركة الزندقة والإلحاد بفعل تلك الرواسب الثقافيَّة المسمومة، فضلاً عن استشراء حالة الفساد الإداري والخُلقي في عاصمة الخلافة - دمشق أوَّلاً، وبغداد ثانياً - ومن ثَمَّ تصدير الانحراف إلى شرائح المجتمع من قصور الخلفاء أنفسهم.
ويشهد على كلِّ هذا ما وصل إلينا من أدب البلاطين في ذينك العصرين، وفي كتاب (الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني أمثلة لا حصر لها تُصوِّر لنا حالة البذخ الاقتصادي، والترف الفكري، والتحلُّل الخُلقي الذي أصاب الأُمَّة على أيدي حُكَّامهم وأُمرائهم في الدولتين الأُمويَّة والعبَّاسيَّة.
فليس أمام الإمام الصادق (عليه السلام) إذن إلَّا إعادة تشكيل وعي الأُمَّة من جديد، وتعبئة أكبر ما يمكن من طاقات أفرادها للنهوض بمهمَّة التغيير الكبرى، وهو ما استطاع (عليه السلام) أنْ يُحقِّقه في تلك الفترة القصيرة؛ إذ استطاع وبكلِّ جدارة أنْ يعيد للإسلام قوَّته ونظارته، بعد أنْ أرسى قواعد الفكر الصحيح على أُسُسه. فوقف كالطود الأشمّ بوجه تلك العواصف الكثيرة التي أوشكت أنْ تعصف بكلِّ شيء من بقايا الحقِّ وأهله، وجاهد جهاداً علميًّا عظيماً، حتَّى تمكَّن بحكمته وعطائه وعلمه وإخلاصه لله (عزَّ شأنه) وتفانيه في دين جدِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنْ يصبغ الساحة الفكريَّة والثقافية في عصره - بعد أنْ تدنَّت بها القِيَم والأخلاق - بمعارف الإسلام العظيم، ومفاهيمه الراقية، واستطاع تحويل تلك المفاهيم إلى غذاء روحي يومي، فنقلها من الواقع النظري إلى حيِّز التطبيق الفعلي، مبتدأً ذلك برُوَّاد مدرسته العظيمة التي كانت تضمُّ ما يزيد على أربعة آلاف رجل، وكلُّهم من تلامذته، حتَّى صاروا مشاعل نور أضاءت لكلِّ ذي عينين من أفراد الأُمَّة ما أظلمَّ عليه.
وهكذا استمرَّت مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) في أداء رسالتها يُغذِّيها - من بعده - الأئمَّة من وُلده بفيض من علم النبوَّة ونور الولاية، ولم يخبُ ضوؤها بتعاقب الزمان وتجدُّد الملوان، ويشهد لخلودها واتِّساعها أنَّك واجد في كلِّ عصر قطباً من أقطابها يُشار له بالبنان، وتُشَدُّ إليه الرحال من كلِّ فجٍّ عميق.
وما كان هذا ليتمَّ بسهولة لولا الجهاد العلمي الحثيث المتواصل الذي بذله الإمام الصادق (عليه السلام) حتَّى اكتسب الواقع الثقافي الإسلامي بفضل مدرسته المباركة مناعة قويَّة ضدَّ وباء الانحراف، ذلك الوباء الذي كان ضارباً أطنابه على مرافق عديدة من الفكر الإسلامي، فضلاً عمَّا تركه من تشويش وتضادٍّ في جزئيَّات العقيدة، ناهيك عمَّا أصاب (الإمامة) من تداعيات خطيرة في المجتمع المسلم، حتَّى أُبيحت وضح النهار لكلِّ جبَّار عنيد، وصار كلُّ من غلب بحدِّ السيف أوصياءً مفروض الطاعة! هذا في الوقت الذي صحَّ فيه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) برواية الفريقين منه، قال: «اَلخُلَفَاءُ اثْنَا عَشَرَ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»(4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) راجع: الغيبة للنعماني (ص 104 - 110/ باب 4/ فصل فيما روي أنَّ الأئمَّة انثا عشر من طريق العامَّة...)، وكمال الدِّين (ص 68، وص 272 - 274/ باب 24/ ح 19 و20 و21 و23 و24)، والخصال (ص 469 - 473/ ح 12 - 30، وص 475/ ح 36 و37)، ومسند أحمد (ج 34/ ص 409 و410/ ح 20814، وص 413/ ح 20817، وص 421/ ح 20830، وص 426/ ح 20836، وص 427 و428/ ح 20838، وص 429/ ح 20841، وص 439 و440/ ح 20860، وص 440 و441/ ح 20862، وص 445/ ح 20872، وص 449/ ح 20879 و20880، وص 454/ ح 20889، وص 456 و457/ ح 20896، وص 461/ ح 20905 و20906، وص 468 - 470 / ح 20922 - 20924، وص 471/ ح 20926، وص 472/ ح 20927، وص 476/ ح 20937، وص 477 و478/ ح 20941، وص 482 و483/ ح 20951، وص 487/ ح 20962، وص 490/ ح 20966، وص 517 و518/ ح 21020، وص 523/ ح 21033، وص 525/ ح 21039، وص 529/ ح 21050)، وصحيح البخاري (ج 11/ ص 70/ ح 6457)، وصحيح مسلم (ج 6/ ص 3 و4) أخرجه من تسعة طُرُق.
وصحَّ أيضاً قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْ إِمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»(5).
كما تواتر عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حديث الثقلين الذي جعل الكتاب وعترته أهل بيته صنوين متلازمين ما بقيت الدنيا، وعاصمين من الضلالة لكلِّ من تمسَّك بهما، إنَّهما لن يفترقا حتَّى يردا على النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الحوض(6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) الكافي (ج 1/ ص 371/ باب أنَّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر/ ح 5، وص376 و377/ باب من مات وليس له إمام من أئمَّة الهدى/ ح 1 - 3، وص 378/ باب ما يجب على الناس عند مضيِّ الإمام/ ح 2، وص 397/ باب في الأئمَّة (عليهم السلام) أنَّهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود.../ ح 1، وج 2/ ص 19 و20 و21/ باب دعائم الإسلام/ ح 6 و9، وج 8/ ص 146/ ح 123)، كمال الدِّين (ص 336 و337/ باب 33/ ح 9، وص 409/ باب 38/ ح 9، وص 412 - 414/ باب 39/ ح 10 - 12 و15، وص 668/ باب 58/ ح 11)، الإمامة والتبصرة (ص 63/ ح 50، وص 82 و83/ ح 69 - 71)، قرب الإسناد (ص 351/ ح 1260)، بصائر الدرجات (279/ ج 5/ باب 16/ ح 5، وص 529 و530/ ج 10/ باب 18/ ح 11 و15).
ونحوه في: صحيح البخاري (ج 11/ص 8 و9/ح 6305 و6306)، صحيح مسلم (ج 6/ص 21 و22)، مسند أحمد (ج 28/ ص 88 و89/ ح 16879)، مسند أبي داود الطيالسي (ص 259)، المعجم الكبير للطبراني (ج 12/ ص 337، وج 19/ ص 388، وج 20/ ص 86)، مستدرك الحاكم (ج 1/ ص 77)، حلية الأولياء (ج 3/ ص 224)، الكنى والأسماء للدولابي (ج 2/ ص 635/ ح 1134)، سُنَن البيهقي (ج 8/ ص 156و157)، جامع الأُصول (ج 4/ ص 69 و70/ ح 2052 و2053)، شرح صحيح مسلم للنووي (ج 12/ ص 238)، تلخيص المستدرك للذهبي (ج 1/ ص 77 و117)، مجمع الزوائد (ج 5/ ص 218 و219 و223 و224 و225)، تفسير ابن كثير (ج 1/ ص 530). كما أخرجه الكشِّي في رجاله (ج 2/ ص 235/ ح 428، وص 723 و724/ ح 799، وص 771 و772/ ح 899).
(6) سيأتي تخريج حديث الثقلين الشريف في الفصل الثاني من الباب الأوَّل، فانتظر.
وهكذا تعيَّن المقصود بالاثني عشر، واتَّضح المعنى بإمام زمان كلِّ جيل من أجيال الأُمَّة بما لا يحتاج معه إلى مزيد تأمُّل أو تفكير.
وفي الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «سُئِلَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ) عَنِ مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ اَلثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اَلله، وَعِتْرَتِي، مَنِ العِتْرَةُ؟ فَقَالَ: أَنَا، وَالحَسَنُ، وَالحُسَيْنُ، وَالأَئِمَّةُ اَلتِّسْعَةُ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ، تَاسِعُهُمْ مَهْدِيُّهُمْ وَقَائِمُهُمْ، لَا يُفَارِقُونَ كِتَابَ اَلله وَلَا يُفَارِقُهُمْ حَتَّى يَرِدُوا عَلَى رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حَوْضَهُ»(7).
ولو لم يكن الأمر كما قلناه لجعل (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مناط الاعتصام من الضلالة بطاعة من وصل إلى السلطة وقاد المسلمين طوعاً أو كرهاً. وأمَّا من تكون النجاة بالتمسُّك بالثقلين دون غيرهما بمنطوق الحديث ومفهومه، فالعقل يأبى أنْ يكون الإمام القدوة غير المنجي من الضلالة.
وفي هذا البحث مقطع قصير من مقاطع الإمامة، بل مفصل خطير من مفاصلها، وهو (غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) عند الإمام الصادق (عليه السلام))، ونظراً لاتِّصال هذا الموضوع الحسَّاس اتِّصالاً وثيقاً بحياتنا المعاصرة فكراً وسلوكاً وعقيدةً، ارتأيت أنْ أبحث هذا الموضوع عند الإمام الصادق (عليه السلام)، لنرى كيف طرح الإمام الصادق (عليه السلام) موضوع غيبة الإمام (عجَّل الله فرجه). وإذا كان هناك ما يُوضِّح لنا هويَّة الإمام الغائب المنتظَر بلا لبس أو إبهام، فهل وُجِدَ مثله في فكر الإمام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) رواه الفضل بن شاذان في إثبات الرجعة كما في مختصره (ص 55/ ح 6)، عن ابن أبي عمير، عن غياث بن إبراهيم، عن الإمام الصادق (عليه السلام). وأخرجه الصدوق (رحمه الله) بسند صحيح، عن ابن أبي عمير، عن غياث، عنه (عليه السلام) في كمال الدِّين (ص 240 و241/ باب 22/ ح 64)، وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 60/ ح 25)، وفي معاني الأخبار (ص 90 و91/ باب معنى الثقلين والعترة/ ح 4).
الصادق (عليه السلام)؟ أو إنَّه طرح موضوع الغيبة مجرَّداً عن هويَّة الغائب وترك علامات استفهام حول اسمه ونسبه الشريف؟
لقد حرص الإمام الصادق (عليه السلام) على إشاعة مفهوم غيبة الإمام المهدي المنتظَر (عجَّل الله فرجه)، وبثِّ الفكر المهدوي الأصيل في وجدان الأُمَّة التي اختلط عليها الحابل بالنابل، وامتزج عندها الحقُّ بأضغاث الباطل نتيجةً لما لحق هذا الفكر من تضادٍّ وتشويش أدَّيا إلى ظهور دعاوى المهدويَّة الباطلة التي حاولت الالتفاف على الحقيقة المهدويَّة الناصعة.
ومن هنا قام الإمام الصادق (عليه السلام) بتهيئة الأجواء العلميَّة لفهم الغيبة ومعرفة من هو المهدي الذي سيغيب، وذلك من خلال اتِّخاذ الخطوات الآتية:
1 - تتمثَّل الخطوة الأُولى بدعم العقيدة المهدويَّة، وإرجاعها إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي أكَّدها بأقوى ما يمكن حتَّى تواترت عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ بيان الإمام (عليه السلام) حكم من أنكرها.
2 - وتتمثَّل الخطوة الثانية بترسيخ القواعد الكاشفة عن هويَّة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) من دون الخوض في تفاصيل الهويَّة الشريفة.
3 - وانحصرت الخطوة الثالثة في مجال تشخيص هويَّة الإمام الغائب (عجَّل الله فرجه)، وكيفيَّة الانتفاع به في غيبته.
وهكذا يسَّر الإمام الصادق (عليه السلام) السُّبُل الكفيلة لمعرفة الإمام الغائب (عجَّل الله فرجه) قبل ولادته بعشرات السنين، وهو ما تكفَّل به الباب الأوَّل من البحث، وذلك في ثلاثة فصول عالجت الخطوات الثلاث المذكورة على الترتيب.
وأمَّا عن مفهوم الغيبة، فقد احتضنه الإمام الصادق (عليه السلام) وأولاه أهمّيَّة خاصَّة، وهو ما تكفَّل به الباب الثاني في فصول أربعة تناولت: العناية بالغيبة
وبيان معطياتها، وتأكيد الإمام الصادق (عليه السلام) على وقوعها وطولها، وبيان ما مطلوب في زمانها، وأخيراً الكشف عن عِلَلها.
وعقدنا الباب الثالث لنرى من خلاله موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من دعاوى المهدويَّة التي أدركها، وعاصر بعضها، أو التي نشأت باطلاً بعده، وذلك في خمسة فصول ردَّ فيها الإمام الصادق (عليه السلام) على دعاوى الكيسانيَّة والأُمويَّة والحسنيَّة والعبَّاسيَّة والناووسيَّة والواقفيَّة، مع إعطاء القواعد اللَّازمة والضوابط العامَّة المتقنة لمعرفة قيمة أيَّة دعوى من هذا القبيل.
ثمّ جاء الفصل السادس والأخير ليكشف عن أجوبة الإمام الصادق (عليه السلام) على الشُّبهات المثارة حول الموضوع، الأمر الذي أدَّى إلى تعرية جميع المزاعم التاريخيَّة التي حاولت الالتفاف على مفهوم الغيبة، أو هويَّة الإمام الغائب (عجَّل الله فرجه)، سواءً تلك التي ظهرت في زمان الإمام الصادق (عليه السلام)، أو قبله، أو التي نشأت بعد حين وتلاشت فجأةً حيث اتَّضح الصبح لذي عينين.
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا وسيِّدنا محمّد، وآله الهداة الأطهار الميامين.
السيِّد ثامر هاشم العميدي
الباب الأوَّل: في معرفة الإمام الغائب (عجَّل الله فرجه) قبل ولادته
الفصل الأوَّل: دعم الإمام الصادق (عليه السلام) للعقيدة المهدويَّة وبيان حكم من أنكرها
الفصل الثاني: ترسيخ الإمام الصادق (عليه السلام) للقواعد الكاشفة عن هويَّة الإمام الغائب
الفصل الثالث: تشخيص الإمام الصادق (عليه السلام) لهويَّة الغائب، وكيفيَّة الانتفاع به في غيبته
الفصل الأوَّل: دعم الإمام الصادق (عليه السلام) للعقيدة المهدويَّة وبيان حكم من أنكرها
اتَّخذ الإمام الصادق (عليه السلام) جملة من الأُمور اللَّازمة في مجال التثقيف العقائدي والفكري الموصل تلقائيًّا إلى معرفة مفهوم الغيبة وصاحبها، وإدراك هويَّته من قبل أنْ يُولَد بعشرات السنين، وذلك من خلال تأكيده المباشر على أمرين، وهما:
الأمر الأوَّل: ثبوت أصل العقيدة المهدويَّة، ودعمها:
من الواضح أنَّ الحديث عن الغيبة والغائب ابتداءً، وبيان ما يجب فعله أو تركه في زمان الغيبة، ونحو هذا من الأُمور ذات الصلة المباشرة بهذا المفهوم، لا يجدي نفعاً ما لم يُعْلَم بأصل العقيدة المهدويَّة، ولهذا أراد الإمام الصادق (عليه السلام) تنبيه الأُمَّة على أصل هذه العقيدة، وذلك من خلال دعمها بما تواتر عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بشأنها، حتَّى لا يكون هنالك شكٌّ في الأصل الثابت عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهو ما اتَّفقت الأُمَّة على نقله.
فَعَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، عَنْ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قَالَ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدَّهْرِ إِلَّا يَوْمٌ لَبَعَثَ اللهُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلَؤهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً»(8).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) سُنَن أبي داود (ج 2/ ص 310/ ح 4283)، الملاحم لابن المنادي (ص 178/ ح 119/6)، مطالب السؤول (ص 482)، البيان في أخبار صاحب الزمان (ص 482)، عقد الدُّرَر (ص 18)، تاريخ ابن خلدون (ج 1/ ص 313)، الفصول المهمَّة لابن الصبَّاغ (ج 2/ ص 1107 و1108)، العرف الوردي (ص 87/ ح 13)، القول المختصر (ص 118)، كنز العُمَّال (ج 14/ ص 267/ ح 38675).
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ عَلَى المِنْبَرِ: «إِنَّ اَلمَهْدِيَّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يَخْرُجُ فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ، يُنَزِّلُ اَللهُ لَهُ مِنَ اَلسَّمَاءِ قَطْرَهَا، وَيُخْرِجُ لَهُ الأَرْضَ بَذْرَهَا، فَيَمْلَأُ الأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مَلَأَهَا القَوْمُ ظُلْماً وَجَوْراً»(9).
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَيْضاً، عَنِ اَلنَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «اَلمَهْدِيُّ مِنِّي، أَجْلَى الجَبْهَةِ، أَقْنَى الأَنْفِ، يَمْلَأُ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً»(10).
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «اَلمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ»(11).
وَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَذَكَّرَنَا رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بِمَا هُوَ كَائِنٌ، ثُمَّ قَالَ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ اَلدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ، لَطَوَّلَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) الغيبة للطوسي (ص 180/ ح 138) بتفاوت يسير.
(10) سُنَن أبي داود (ج 2/ ص 310/ ح 4285)، مطالب السؤول (ص 482)، البيان في أخبار صاحب الزمان (ص 500 و501)، التذكرة في أحوال الموتى وأُمور الآخرة (ج 2/ ص 329)، عقد الدُّرَر (ص 33)، تاريخ ابن خلدون (ج 1/ ص 314 و315)، الفصول المهمَّة لابن الصبَّاغ (ج 2/ ص 1108)، العرف الوردي (ص 79/ ح 3)، القول المختصر (ص 116).
(11) الغيبة للطوسي (ص 185 و186/ ح 145، وص 187 و188/ ح 148)، عمدة عيون صحاح الأخبار (ص 433/ ح 909، وص 436/ ح 920)، سُنَن أبي داود (ج 2/ ص 310/ ح 4284)، مطالب السؤول (ص 482)، البيان في أخبار صاحب الزمان (ص 486)، عقد الدُّرَر (ص 15)، ميزان الاعتدال (ج 2/ ص 87)، الفصول المهمَّة لابن الصبَّاغ (ج 2/ ص 1109)، العرف الوردي (ص 81/ ح 6)، القول المختصر (ص 116)، كنز العُمَّال (ج 14/ ص 264/ ح 38662).
ذَلِكَ اليَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ رَجُلاً مِنْ وُلْدِي اِسْمُهُ اِسْمِي»، فَقَامَ سَلْمَانُ الفَارسيُّ (رضي الله عنه)، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اَلله، مِنْ أَيِّ وُلْدِكَ؟ قَالَ: «مِنْ وَلَدِي هَذَا» وَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الحُسَيْنِ(12).
وغيرها من الأحاديث الكثيرة الأُخرى.
وممّا يُؤيِّد عمق الاعتقاد بالمهدي (عجَّل الله فرجه) في الوجود الإسلامي، هو أنَّه لا يكاد يخلو كتاب حديثي من كُتُب المسلمين إلَّا وقد صرَّح بهذه الحقيقة الثابتة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثبوتاً قطعيًّا، ويكفي في ذلك أنَّ من أخرج أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) من محدِّثي العامَّة فقط بلغوا زهاء تسعين محدِّثاً، وقد أسندوها إلى أكثر من خمسين صحابيًّا(13)، وأمَّا من قال بصحَّتها أو تواترها فقد بلغوا ثمانية وخمسين عالماً من علمائهم فيما تتبَّعناه(14)، وإذا ما علمنا موقف أهل البيت (عليهم السلام) وعرفنا عقيدة شيعتهم بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، تيقَّنَّا من حصول إجماع الأُمَّة بكلِّ مذاهبها على ضرورة الاعتقاد بالمهدي (عجَّل الله فرجه).
وفي هذا الصدد توجد أحاديث كثيرة عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تثبيت أصل القضيَّة المهدويَّة، وهو ما اتَّفقت عليه كلمة المسلمين من ظهور رجل في آخر الزمان من ذرّيَّة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يُلقَّب بالمهدي، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً، وأنَّه يقتل الدجَّال، وينزل عيسى بن مريم (عليه السلام) لنصرته، ومأتمٌّ بصلاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12) عقد الدُّرَر (ص 24)؛ وبتفاوت يسير في: ذخائر العقبى (ص 136 و137)، فضائل الثقلين (ص 477/ ح 1313)، كشف الغمَّة (ج 3/ ص 268 و269).
(13) راجع کتابنا: المهدي المنتظَر (عجَّل الله فرجه) في الفكر الإسلامي (ص 28 - 33).
(14) راجع كتابنا: دفاع عن الكافي (ج 1/ ص 405 - 434) تحت عنوان: (من قال بصحَّة أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) أو تواترها من أهل السُّنَّة).
ويدلُّ عليه:
1 - عن معمر بن راشد، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جاء فيه: «وَمِنْ ذُرِّيَّتِيَ اَلمَهْدِيُّ، إِذَا خَرَجَ نَزَلَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ لِنُصْرَتِهِ، فَقَدَّمَهُ وَصَلَّى خَلْفَهُ»(15).
وفي هذا الحديث تثبيت واضح لأصل القضيَّة المهدويَّة، وإشارة مجملة إلى هويَّة الإمام المهدي بأنَّه من ذرّيَّة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، مع التنبيه على مقامه بأنَّ عيسى (عليه السلام) سيكون - بأمر الله - وزيراً للمهدي وناصراً له فيه آخر الزمان، وأنَّه يأتمُّ بصلاته.
وحديث نزول عيسى لنصرة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) أخرجه البخاري في (صحيحه) عن أبي هريرة(16).
وأخرجه مسلم في (صحيحه) من طُرُق شتَّى عن أبي هريرة أيضاً(17)، وجابر الأنصاري(18).
والترمذي عن أنس(19).
وأبو نعيم عن عبد الله بن عمرو(20) وحذيفة(21).
وابن المنذر عن شهر ابن حوشب، عن أُمِّ سَلَمة(22).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15) أمالي الصدوق (ص 287 و288/ ح 320/4).
(16) صحيح البخاري (ج 5/ ص 400 و401/ ح 3086 و3087).
(17) صحيح مسلم (ج 1/ ص 93 - 95).
(18) صحيح مسلم (ج 1/ 95).
(19) سُنَن الترمذي (ج 3/ ص 344/ ح 2334) عن أبي هريرة.
(20) حلية الأولياء (ج 6/ ص 108) عن أبي أُمامة.
(21) معرفة الصحابة (ج 2/ ص 30/ ح 1876).
(22) تفسير القمِّي (ج 1/ ص 158)، وانظر: الدُّرّ المنثور (ج 2/ ص 241).
وابن أبي شيبة عن ابن سيرين مرسَلاً(23).
ولا يقال هنا: إنَّ تحديد هويَّة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) من بين الذرّيَّة الطاهرة غير معلوم في حديث الإمام الصادق (عليه السلام)، لأنَّا لا زلنا في صدد تثبيت أصل القضيَّة المهدويَّة على لسان الإمام الصادق (عليه السلام)، وإثبات هذا الأصل لا يمكن إغفاله، خصوصاً وأنَّ في المسلمين من شكَّك فيه وأنكره جملةً وتفصيلاً، ومع هذا فإنَّ في مثبتات الأصل المذكور تشخيصاً أعلى لموضوع الهويَّة كما سيأتي.
جدير ذكره أنَّ كون المهدي من ذرّيَّة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يعني كونه من ذرّيَّة أمير المؤمنين (عليه السلام) من فاطمة (عليها السلام)، بمعنى أنَّه لابدَّ وأنْ يكون إمَّا من ذرّيَّة الإمام الحسن السبط، أو من ذرّيَّة الإمام الحسين السبط (عليهما السلام)، لانحصار ذرّيَّة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بهما وبأولادهما. ومن هنا جاءت الأحاديث الأُخرى المثبتة لأصل القضيَّة مصرِّحة بهذا المعنى.
2 - عن أبان بن عثمان، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث قاله لعليٍّ (عليه السلام): «... كَانَ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) عِنْدِي آنِفاً، وَأَخْبَرَنِي أَنَّ القَائِمَ اَلَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ فَيَمْلَأُ الأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً مِنْ ذُرِّيَّتِكَ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ»(24).
3 - وعن معاوية بن عمَّار، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث آخر: «... إِنَّ جَبْرَئِيلَ أَتَانِي فَأَقْرَأَنِي مِنْ رَبِّيَ السَّلَامَ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(23) المصنَّف لابن أبي شيبة (ج 8/ ص 679/ ح 195)؛ ورواه نعيم بن حمَّاد في الفتن (ص 230)، والمقدسي الشافعي في عقد الدُّرَر (ص 231)، والسيوطي في العرف الوردي (ص 113/ ح 71)، وابن حجر الهيتثمي في القول المختصر (ص 129).
(24) الغيبة للنعماني (ص 255 و256/ باب 14/ ح 1).
ومِنْكُمُ القَائِمُ يُصَلِّي عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ خَلْفَه إِذَا أَهْبَطَه اللهُ إِلَى الأَرْضِ، مِنْ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ، مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ (عليه السلام)»(25).
هذا، وأمَّا ما قد يقال: إنَّ في بعض الأحاديث ما يُثبِت كون المهدي (عجَّل الله فرجه) حسنيًّا لا حسينيًّا، فالجواب باختصار أنَّه لا يوجد حديث صحيح البتَّة يُثبِت هذا المعنى من طُرُق العامَّة، وإنَّما وُجِدَ ذلك في حديثين فقط، أرسل الطبري أحدهما(26) ولا حجَّة في المرسَل، والآخر رواه أبو داود في سُنَنه، قال: حُدِّثْتُ عَنْ هَارُونَ بْنِ المُغِيرَةِ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ (رضي الله عنه) - وَنَظَرَ إِلَى ابْنِهِ الحَسَنِ -، فَقَالَ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ كَمَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَسَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ رَجُلٌ يُسَمَّى بِاسْمِ نَبِيِّكُمْ، يُشْبِهُهُ فِي الخُلُقِ، وَلَا يُشْبِهُهُ فِي الخَلْقِ - ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةً -: يَمْلَأُ الأَرْضَ عَدْلاً»(27)، انتهى.
وسند الحديث مجهول ومنقطع؛ لأنَّه قال: (حُدِّثْتُ) ولم يذكر اسم مَنْ حدَّثه، فهو مجهول إذن.
وهو منقطع أيضاً؛ لأنَّ أبا إسحاق - والمراد به: السبيعي - لم تثبت له رواية واحدة سماعاً عن أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام) كما صرَّح بهذا المنذري في شرح حديث أبي داود(28)، وقد كان عمره يوم شهادة أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام) نحو سبع سنين؛ لأنَّه وُلِدَ لسنتين بقيتا من زمان عثمان(29).
هذا فضلاً عن اختلاف النقل عن أبي داود، فمنهم من نقله من كتاب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(25) الكافي (ج 8/ ص 49 و50/ ح 10).
(26) عنه الحاوي للفتاوي (ج 2/ ص 66).
(27) سُنَن أبي داود (ج 2/ ص 311/ ح 4290).
(28) مختصر سُنَن أبي داود (ج 3/ ص 118).
(29) تهذيب التهذيب (ج 8/ ص 56/ الرقم 100).
(السُّنَن)، وفيه لفظ (الحسين) بدلاً من لفظ (الحسن). وكذلك وجود أحاديث كثيرة أُخرى من طُرُق العامَّة تُثبِت أنَّه من ولد الحسين (عليه السلام)(30).
وأمَّا الشيعة الإماميَّة فليس في تراثها المهدوي الزاخر بهويَّة المهدي (عجَّل الله فرجه) ما يشير - بأدنى عبارة من حديث أو أثر - إلى كون المهدي (عجَّل الله فرجه) من ولد الإمام الحسن السبط (عليه السلام).
الأمر الثاني: بيان حكم من أنكر أصل العقيدة المهدويَّة:
من خلال ما تبيَّن في الأمر الأوَّل يتَّضح جدًّا أنَّ إنكار أصل العقيدة المهدويَّة جملةً وتفصيلاً هو من قبيل الردِّ على الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومن قبيل الازدراء بإجماع هذه الأُمَّة بكلِّ فصائلها وتيَّاراتها على قبول أصل العقيدة المهدويَّة وإنِ اختلفوا في تفاصيلها.
وقد ورد في الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما يُبيِّن حكم من أنكر الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
فعن جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَنْ كَذَّبَ بِالدَّجَّالِ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ كَذَّبَ بِالمَهْدِيِّ فَقَدْ كَفَرَ»(31).
وهذا ما أكَّده علماء المذاهب الأربعة فيما حكاه لنا علاء الدِّين عليٌّ المتَّقي بن حسام الدِّين الشهير بالمتَّقي الهندي الحنفي (ت 975هـ)، إذ قال تحت عنوان: (فتاوى علماء العرب من أهل مكَّة المشرَّفة في شأن المهدي الموعود في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(30) اُنظر كتابنا: المهدي المنتظَر (عجَّل الله فرجه) في الفكر الإسلامي (ص 71 - 73)، ففيه بطلان حديث أبي داود من سبعة وجوه.
(31) الروض الأُنُف (ج 2/ ص 431)، عقد الدُّرَر (ص 157)، قال: (أخرجه أبوبكر الإسكاف في فوائد الأخبار)، تاريخ ابن خلدون (ج 1/ ص 312)، العرف الوردي (ص 165/ ح 229)، القول المختصر (ص 31 و156).
آخر الزمان)، إذ ورد عليهم سؤال بهذا الموضوع، قال المتَّقي: (وهذه صورة السؤال: اللَّهُمَّ أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتِّباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. ما يقول السادة العلماء أئمَّة الدِّين وهداة المسلمين - أيَّدهم الله بروح القُدُس - في طائفة اعتقدوا شخصاً من بلاد الهند مات سنة عشر وتسعمائة(32) ببلد من بلاد العجم، يُسمَّى: (فره) أنَّه المهدي الموعود به في آخر الزمان، وأنَّ من أنكر هذا المهدي فقد كفر؟ ثمّ حكم من أنكر المهدي الموعود؟ أفتونا رضي الله تعالى عنكم)، قال: (وكان هذا الاستفتاء في سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة)(33).
وقد نقل المتَّقي الهندي ما أفتى به فقهاء مكَّة بشأن السؤال المذكور، مبيِّناً اسم كلِّ فقيه منهم، واسم مذهبه، كالآتي:
1 - فتوى ابن حجر الهيتمي الشافعي.
2 - فتوى الشيخ أحمد أبي السرور بن الصبا الحنفي.
3 - فتوى الشيخ محمّد بن محمّد الخطَّابي المالكي.
4 - فتوى الشيخ يحيى بن محمّد الحنبلي.
وسنذكر خلاصة ما ذكر كلُّ واحدٍ منهم:
أمَّا الفقيه الشافعي، فقد نصَّ على تواتر أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه)، ذاكراً علامات خروجه المتواترة، ومحيلاً في ذلك إلى كتابه (القول المختصر في علامات المهدي المنتظَر).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(32) ذكره في أوَّل كتاب البرهان، فقال في (ص 67) منه: (ولقد كثرت طائفة في بلاد الهند يعتقدون شخصاً شريفاً وُلِدَ في الهند اسمه: السيِّد محمّد بن سيِّد خان الجونفوري، مات (رحمه الله) وله نحو أربعين سنة، أنَّه هو المهدي الموعود به في آخر الزمان)، وكتاب البرهان ألَّفه كردٍّ على ضلالة هذه الطائفة.
(33) البرهان في علامات مهدي آخر الزمان (ص 177 و178).
وقد وضَّح أنَّ إنكار هذه الطائفة ظهور المهدي (عجَّل الله فرجه) إنْ كان إنكاراً للسُّنَّة رأسا فهم كُفَّار، ويجب قتلهم، وإنْ كان محضَ عنادٍ لأئمَّة الإسلام لا للسُّنَّة، قال: (فهو يقتضي تعزيرهم البليغ، وإهانتهم بما يراه الحاكم لائقاً بعظيم جريمتهم، وقبح طريقتهم، وفساد عقيدتهم من حبسٍ، وضرب، وصفع وغيرها ممَّا يزجرهم عن هذه القبائح، ويكفُّهم عن تلك الفضايح، ويُرجِعهم إلى الحقِّ رغماً على أُنوفهم، ويردُّهم إلى اعتقاد ما ورد به الشرع ردعاً عن كفرهم وإكفارهم...)(34).
وأمَّا الفقيه الحنفي، فقد أفتى ببطلان هذه الدعوى، وقال بحقِّ أصحابها: (ويجب قمعهم أشدَّ القمع، وردعهم أشدَّ الردع؛ لمخالفة اعتقادهم ما وردت به النصوص الصحيحة والسُّنَن الصريحة التي تواترت الأخبار بها، واستفاضت بكثرة رواتها من أنَّ المهدي (رضي الله تعالى عنه) الموعود بظهوره في آخر الزمان يخرج مع سيِّدنا عيسى (على نبيِّنا وعليه السلام))(35)، ثمّ حكم عليهم بالكفر أيضاً.
وأمَّا الفقيه المالكي، فقد أفتى ببطلان دعوى هذه الطائفة أيضاً، فقال: (اعتقاد هؤلاء الطائفة في الرجل الميِّت أنَّه المهدي الموعود بظهوره في آخر الزمان باطل، للأحاديث الصحيحة الدالَّة على صحَّة صفة المهدي، وصفة خروجه، وما يتقدَّم بين يدي ذلك من الفتن...)(36)، ثمّ بيَّن أنَّ اعتقادهم بهذا الرجل بأنَّه هو المهدي وتكفير من خالفهم، هو الكفر بعينه، وأفتى بوجوب استتابتهم ورجوعهم إلى الاعتقاد الحقِّ، وإلَّا قُتِلُوا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(34) البرهان في علامات مهدي آخر الزمان (ص 179).
(35) البرهان في علامات مهدي آخر الزمان (ص 180).
(36) البرهان في علامات مهدي آخر الزمان (ص 181).
وأمَّا الفقيه الحنبلي، فقد قال: (لا ريبة في فساد هذا الاعتقاد، لما اشتمل عليه من مخالفة الأحاديث الصحيحة بالعناد، فقد صحَّ عنه (عليه الصلاة والسلام) كما رواه الثقات، عن الرواة الأثبات، أنَّه أخبر بخروج المهدي في آخر الزمان، وذكر مقدَّمات لظهوره، وصفات في ذاته، وأُمور تقع في زمانه...)(37).
وأخيراً طالب حاكم المسلمين (أنْ يخرج عليهم أحكام المرتدِّين باستتابتهم ثلاثاً، فإنْ تابوا وإلَّا يضرِبُ أعناقهم بالسيف كي يرتدع أمثالهم من المبتدعين، [و]يريح الله المسلمين منهم أجمعين)(38).
وممَّا يُؤيِّد صحة تلك الفتاوى على لسان إمامنا الصادق (عليه السلام) الأحاديث الآتية:
1 - عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مِهْرَانَ الجَمَّالِ، عَنِ الإِمَامِ اَلصَّادِقِ (عليه السلام)، قَالَ: «مَنْ أَقَرَّ بِجَمِيعِ الأَئِمَّةِ وَجَحَدَ اَلمَهْدِيَّ كَانَ كَمَنْ أَقَرَّ بِجَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ وَجَحَدَ مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نُبُوَّتَهُ...»(39).
وقد مرَّ عن الإمام الصادق (عليه السلام) في الإشارة إلى حديث الثقلين ما يُوضِّح المراد بالأئمَّة (عليهم السلام)، وسيأتي ذلك أيضاً.
2 - وَعَنْ غِيَاثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الإِمَامِ اَلصَّادِقِ (عليه السلام)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، عَنْ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَنْ أَنْكَرَ القَائِمَ مِنْ وُلْدِي فَقَدْ أَنْكَرَنِي»(40).
جدير بالذكر من لفظ (القائم) وإنْ كان وصفاً لجميع الأئمَّة (عليهم السلام)، إلَّا أنَّه ينصرف عند الإطلاق إلى الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، كما هو صريح جميع الروايات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(37) البرهان في علامات مهدي آخر الزمان (ص 182).
(38) البرهان في علامات مهدي آخر الزمان (ص 183).
(39) كمال الدِّين (ص 333/ باب 33/ ح 1).
(40) كمال الدِّين (ص 412/ باب 39/ ح 8).
وممَّا يُؤيِّد ذلك وعلى لسان الإمام الصادق (عليه السلام):
حديث عَبْدِ الله بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ [الإسراء: 71]، قَالَ: «إِمَامِهِمُ الَّذِي بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وهُوَ قَائِمُ أَهْلِ زَمَانِه»(41).
وحديث أَبِي خَدِيجَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّه سُئِلَ عَنِ القَائِمِ، فَقَالَ: «كُلُّنَا قَائِمٌ بِأَمْرِ الله وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى يَجِيءَ صَاحِبُ السَّيْفِ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُ السَّيْفِ جَاءَ بِأَمْرٍ غَيْرِ الَّذِي كَانَ»(42).
وحديث مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَان، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «إِذَا قَامَ القَائِمُ (عليه السلام) دَعَا النَّاسَ إِلَى الإِسْلَامِ جَدِيداً، وَهَدَاهُمْ إِلَى أَمْرٍ قَدْ دُثِرَ فَضَلَّ عَنْهُ الجُمْهُورُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ القَائِمُ مَهْدِيًّا لِأَنَّهُ يَهْدِي إِلَى أَمْرٍ قَدْ ضَلُّوا عَنْهُ، وَسُمِّيَ بِالقَائِمِ لِقِيَامِهِ بِالحَقِّ»(43).
هذا، وفي حديث الحَكَم بن أبي نُعَيم، عن الإمام الباقر (عليه السلام) ما يشير بكلِّ وضوح إلى اشتهار وصف الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بالقائم بين صفوف أصحاب الأئمَّة (عليهم السلام)(44).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(41) الكافي (ج 1/ ص 536 و537/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) كلَّهم قائمون بأمر الله تعالى.../ ح 3).
(42) الكافي (ج 1/ ص 536/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) كلَّهم قائمون بأمر الله تعالى.../ ح 2).
(43) الإرشاد (ج 2/ ص 383)، روضة الواعظين (ص 264 و265)، إعلام الورى (ج 2/ ص 288)، كشف الغمَّة (ج 3/ ص 263).
(44) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 536/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) كلَّهم قائمون بأمر الله تعالى.../ ح 1) بسنده عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) وَهُوَ بِالمَدِينَةِ، فَقُلْتُ لَه: عَلَيَّ نَذْرٌ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ إِنْ أَنَا لَقِيتُكَ أَنْ لَا أَخْرُجَ مِنَ المَدِينَةِ حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّكَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ أَمْ لَا، فَلَمْ يُجِبْنِي بِشَيْءٍ، فَأَقَمْتُ ثَلَاثِينَ يَوْماً، ثُمَّ اسْتَقْبَلَنِي فِي طَرِيقٍ، فَقَالَ: «يَا حَكَمُ، وَإِنَّكَ لَهَاهُنَا بَعْدُ؟»، فَقُلْتُ: نَعَمْ، إِنِّي أَخْبَرْتُكَ بِمَا جَعَلْتُ لِله عَلَيَّ، فَلَمْ تَأْمُرْنِي، وَلَمْ تَنْهَنِي عَنْ شَيْءٍ، وَلَمْ تُجِبْنِي بِشَيْءٍ، فَقَالَ: «بَكِّرْ عَلَيَّ غُدْوَةً المَنْزِلَ»، فَغَدَوْتُ عَلَيْه، فَقَالَ (عليه السلام): «سَلْ عَنْ حَاجَتِكَ»، فَقُلْتُ: إِنِّي جَعَلْتُ لِله عَلَيَّ نَذْراً وَصِيَاماً وَصَدَقَةً بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ إِنْ أَنَا لَقِيتُكَ أَنْ لَا أَخْرُجَ مِنَ المَدِينَةِ حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّكَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ أَمْ لَا، فَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ رَابَطْتُكَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَنْتَ سِرْتُ فِي الأَرْضِ فَطَلَبْتُ المَعَاشَ، فَقَالَ: «يَا حَكَمُ، كُلُّنَا قَائِمٌ بِأَمْرِ الله»، قُلْتُ: فَأَنْتَ المَهْدِيُّ؟ قَالَ: «كُلُّنَا نَهْدِي إِلَى الله»، قُلْتُ: فَأَنْتَ صَاحِبُ السَّيْفِ؟ قَالَ: «كُلُّنَا صَاحِبُ السَّيْفِ، وَوَارِثُ السَّيْفِ»، قُلْتُ: فَأَنْتَ الَّذِي تَقْتُلُ أَعْدَاءَ الله، وَيَعِزُّ بِكَ أَوْلِيَاءُ الله، وَيَظْهَرُ بِكَ دِينُ الله؟ فَقَالَ: «يَا حَكَمُ، كَيْفَ أَكُونُ أَنَا وَقَدْ بَلَغْتُ خَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ وَإِنَّ صَاحِبَ هَذَا الأَمْرِ أَقْرَبُ عَهْداً بِاللَّبَنِ مِنِّي، وَأَخَفُّ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ».
3 - وفي الصحيح عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اَلله (عزَّ وجلَّ): ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ﴾ [الأنعام: 158]، فَقَالَ (عليه السلام): «الآيَاتُ هُمُ الأَئِمَّةُ، وَالآيَةُ اَلمُنْتَظَرَةُ القَائِمُ (عليه السلام)، فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلِ قِيَامِهِ بِالسَّيْفِ، وَإِنْ آمَنَتْ بِمَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)»(45).
وهذا الحديث الصحيح صريح بهلاك منكري الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في غيبته، ما لم يتداركوا أنفسهم ويتوبوا إلى الله (عزَّ وجلَّ) قبل انسداد باب التوبة بظهور الإمام المنتظَر (عجَّل الله فرجه). ومنه يُعلَم وهن اعتذار بعض مَنِ اتَّبعوا أهواءهم بأنَّهم لو أدركوا ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لآمنوا به وأسرعوا إلى مبايعته وتصديقه. الأمر الذي يشير إلى ضرورة التصدِّي إلى تلك الأعذار الواهية والذرائع الخاوية، واجتثاث جذورها من الأعماق، ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة: 145).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(45) كمال الدِّين (ص 336/ باب 33/ ح 8)، وأخرجه (رحمه الله) في (ص 18) من المقدَّمة، ومن طريق صحيح آخر عن عليِّ بن رئاب، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في (ص 30)، من المقدَّمة أيضاً.
ورواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 101 و102/ ح 91، وص 128/ ح 130).
4 - وعن غياث أيضاً، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: «مَنْ أَنْكَرَ القَائِمَ مِنْ وُلْدِي فِي زَمَانِ غَيْبَتِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»(46).
ويلحظ هنا ذكر الغيبة في تثبيت أصل القضيَّة وفي حكم من أنكرها معاً، ومنه يُكتشَف عمق مفهوم الغيبة المواكب لأصل القضيَّة.
ومن هنا كان الخطر الذي يكمن وراء إنكار الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) عظيماً، والنتيجة التي تضمَّنتها الأحاديث الثلاثة تتماشى مع روح القرآن الكريم تماماً، قال تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ (البقرة: 85)، فما دام الكلُّ من الله (عزَّ وجلَّ) فلا معنى للتبعيض فيه أصلاً، ولهذا فمن آمن بالقرآن الكريم وأنكر سورة واحدة من سوره القصار فقد كفر وخرج عن ملَّة الإسلام، فكذلك الحال هنا.
وقد يقال بأنَّ هذا قياس مع الفارق؛ إذ ليس في القرآن الكريم صحيح وضعيف، بل هو كلُّه من كلام الله (عزَّ وجلَّ) المنقول إلينا بالتواتر، والحديث ليس كذلك؛ إذ فيه الصحيح والضعيف والموضوع الذي لا أصل له، ومن ثَمَّ فإنَّ الوعيد الشديد المذكور واقع على من أنكر أصل القضيَّة المهدويَّة، كمن يقول مثلاً: (لا مهدي في آخر الزمان)! وحينئذٍ لا يضرُّ الوعيد المذكور بمن آمن بمهدي مجهول يخلقه الله في آخر الزمان؛ لأنَّه إيمان بالأصل المتَّفق عليه بين جميع فئات المسلمين وطوائفهم ومذاهبهم.
والجواب: أنَّ معرفة مقام أهل البيت (عليهم السلام) بأنَّهم الامتداد الطبيعي لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنَّهم خلفاؤه، وأوصياؤه، وطاعتهم طاعته، ومعصيتهم معصيته، وحديثهم حديثه، وقول أيٍّ منهم حجَّة، وأنَّ من مات ولم يعرف إمام زمانه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(46) كمال الدِّين (ص 412 و413/ باب 39/ ح 12).
منهم مات ميتةً جاهليَّة، كميتة أبي سفيان على الكفر والنفاق، كلُّ ذلك يدلُّ على أنَّهم (عليهم السلام) كالقرآن الكريم لا يجوز تبعيض الإيمان بهم مطلقاً.
ويُؤيِّد هذا من نجاة المسلمين من الضلالة مرهونة باتِّباع القرآن والعترة معاً؛ لأنَّهما صنوان لا يفترقان عمر الدنيا كما في حديث الثقلين الشريف، وهو حديث متواتر بلا أدنى شبهة، هذا فضلاً عن الأحاديث الكثيرة المتواترة في وجوب التمسُّك بهم، والردِّ إليهم، والكون معهم، فإنَّ ظاهرها أنَّ من لم يأخذ منهم أو عمَّن أخذ منهم لا يُعَدُّ في العرف طائعاً لهم، ولا رادًّا إليهم، ولا متمسِّكاً بهم، ولا كائناً معهم، وإذا لم يصدق عليه ذلك لم تصدق عليه صفة الإيمان وإنْ نطق بالشهادتين وصام وصلَّى وأدَّى فرائض الله كلَّها، بل في إسلامه خدش عظيم.
وأمَّا عن دعوى التحقيق في تلك الأحاديث لاحتمال أنْ تكون موضوعة أو ضعيفة، وبالتالي فلا يلزم منها الوعيد المذكور، فهي دعوى غير صحيحة أصلاً؛ إذ لا تحتاج المسألة إلى تحقيق ما ورد فيها من أحاديث، بل لو لم يوجد أيُّ حديث عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام) في مثل هذا الموضوع أصلاً، لكان الاعتقاد بهلاك منكر الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) هو المتعيَّن، لثبوت كونه خاتم الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) ثبوتاً متواتراً.
علماً أنَّ في هذا الكتاب وحده من الأحاديث المرويَّة عن الإمام الصادق (عليه السلام) وحده ما يكفي لإثبات هذه الحقيقة، فكيف الحال إذن لو أُضيف لها ما روي عن أهل البيت (عليهم السلام) كافَّة؟ لا شكَّ أنَّها ستفوق الحدَّ المطلوب في تحقُّق التواتر بدرجات.
ومن شاء فليرجع إلى أُمَّهات الكُتُب المعتمدة المعدَّة في هذا الغرض كـ(إكمال الدِّين) للشيخ الصدوق (رحمه الله)، وكتاب (الغيبة) للشيخ النعماني (رحمه الله)،
وكتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي (رحمه الله)، وغيرها من الكُتُب المعتبرة الأُخرى، التي اشتملت على مئات الأحاديث الواردة في هذا الموضوع.
* * *
الفصل الثاني: ترسيخ الإمام الصادق (عليه السلام) للقواعد الكاشفة عن هويَّة الإمام الغائب
هناك جملة وافرة من الأحاديث النبويَّة الشريفة التي يمكن عدُّها - وبكلِّ اطمئنان - من القواعد الأساسيَّة التي أصَّلتها الشريعة الإسلاميَّة في مقام بيان منزلة ومعرفة الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام)، ابتداءً من أمير المؤمنين الإمام عليِّ بن أبي طالب، وانتهاءً بالإمام الحجَّة بن الحسن العسكري (عليهم السلام)، بحيث لو ضُمَّ بعضها إلى بعض لتكشَّفت من خلالها هويَّة الإمام الغائب (عجَّل الله فرجه)، وبصورة لا تحتاج معها إلى أيِّ دليل آخر في مسألة ولادته، وإمامته، وغيبته، وطول عمره، وظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما مُلِئَت ظلماً وجوراً، وهو ما اتَّضح لطلائع التشيُّع، وآمنوا به قبل ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بعشرات السنين، نتيجةً لتلك الأخبار التي أفصحت عن كلِّ هذا قبل زمان تحقُّقه.
ومن الطبيعي أنْ لا يتَّفق هذا المنهج القائم على الإيمان بالغيب مع معطيات الفلسفة المادّيَّة التي لا تؤمن بالغيب أصلاً، ومن هنا أصبح الدليل المادِّي في تلك الفلسفة هو الحاكم في مجال العقيدة عند من تأثَّر بتلك الفلسفة وروَّج لها من المستشرفين وغيرهم.
وأمَّا في المنظور الإسلامي فيكفي الاعتقاد بالغيب ثبوت الإخبار عنه بالطريق الشرعي، كوجوده في القرآن الكريم، أو في الصحيح من الحديث
النبوي الشريف، أو من حديث أهل البيت (عليهم السلام) الذين زكَّاهم الله تعالى، وأذهب عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً.
والحديث عن دور الإمام الصادق (عليه السلام) في موضوع الثقافة المهدويَّة بوجهٍ عامٍّ، والغيبة والغائب بوجهٍ خاصٍّ، ينبغي أنْ لا تغيب عنه المقدّمات التي اعتمدها الإمام الصادق (عليه السلام) في بناء تلك الثقافة بناءً محكماً، وذلك من خلال القيام بترسيخ القواعد اللَّازمة في ذهنيَّة الأُمَّة، والعمل الدؤوب على نشرها، حتَّى استطاع (عليه السلام) من خلال التأكيد عليها، وبيان مصداقها الخارجي أنْ يجعل العقيدة بالإمام المهدي وغيبته (عجَّل الله فرجه) - قبل أنْ يُولَد بأكثر من مائة عام - من القلاع الشامخة الحصينة التي لا يمكن لأحد تسلُّق أسوارها، فضلاً عن السطو عليها بهدف النيل منها أو تشويهها، ومن تلك القواعد:
القاعدة الأولى: قاعدة العصمة والمرجعيَّة العلميَّة والسياسيَّة لأهل البيت (عليهم السلام):
وهذه القاعدة كغيرها من القواعد الأُخرى الآتية كانت معروفة من قبل، بفضل ما ورد بشأنها في القرآن الكريم وأحاديث الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل البيت من آباء الإمام الصادق (عليهم السلام)، ولكنَّها لم تصل مداها الأرحب كما ينبغي، بسبب الظرف السياسي الخانق الذي حال دون وصول أهل البيت (عليهم السلام) إلى الخلافة بعد وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مباشرةً، وبالتالي حال دون أنْ تأخذ مفعولها في الوسط الإسلامي.
ومن هنا يبرز دور الإمام الصادق (عليه السلام) في ترسيخ تلك القواعد بناءً على ما ذكرناه سلفاً من توفُّر الانفراج السياسي النسبي الذي حصل له (عليه السلام) بعد انهيار دولة البغاة ونشأة إمبراطوريَّة الطغاة.
ولسعة ما اعتمده الإمام (عليه السلام) في التأكيد على هذه القاعدة، فسوف نكتفي بحدود اهتمامه (عليه السلام) بحديث الثقلين الشريف، الذي اعتنى به الإمام (عليه السلام) للغرض المذكور، بعد أنْ رأى محاولات الالتفاف على هذا الحديث الشريف من قِبَل السلطات الحاكمة حيث سخَّرت له من يصرفه عن مؤدَّاه من فقهاء ورواة السلطة وقضاتهم وولاتهم. الأمر الذي يكشف عن إدراكهم خطورة هذا الحديث على المستويين الثقافي والسياسي معاً. وسوف نتحدَّث عنه تحت عنوان:
حديث الثقلين وأثره في بلورة القاعدة:
أوَّلاً: صحَّة الحديث وبيان تواتره:
جرى الاستدلال على صحَّة هذه القاعدة ببيان أُصولها من القرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة الثابتة والسيرة الذاتيَّة لأهل البيت (عليهم السلام) مع الدليل العقلي، وسنقتصر - كما ذكرنا - على دليل واحد من السُّنَّة النبويَّة وهو حديث الثقلين الشريف، فنقول:
إنَّ النيل من صحَّة حديث الثقلين الشريف لا يجدي نفعاً بعد وروده عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من طُرُق كثيرة جدًّا وبألفاظ واحدة ومتقاربة، توجب تواتره بأبهى صورة.
فقد أخرج الترمذي، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قوله الشريف: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي: كِتَابَ اَلله حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ، فَانْظُروا كَيْفَ تُخَلِّفُونِي فِيهِمَا»(47).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(47) سُنَن الترمذي (ج 5/ ص 328 و329/ ح 3876)، وفيه: (حدَّثنا عليُّ بن المنذر الكوفي، أخبرنا محمّد بن فضيل، أخبرنا الأعمش، عن عطيَّة، عن أبي سعيد. والأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)...).
وأخرجه عن أبي سعيد - من العامَّة -: أحمد بن حنبل، وابن أبي عاصم، وأبو يعلى الموصلي، وابن الجعد، وابن سعد، وابن أبي شيبة، والطبراني في معاجمه الثلاثة، والحمويني(48).
كما أخرجه عن أبي سعيد - من الإماميَّة -: محمّد بن العبَّاس المفسِّر، والشيخ الصدوق، والشيخ المفيد، والشيخ الطوسي (رحمهم الله)(49).
ولم تقتصر رواية حديث الثقلين على أبي سعيد الخدري فحسب، بل رواه آباء الإمام الصادق (عليهم السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهم:
- أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام)(50).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(48) مسند أحمد (ج 17/ ص 169 و170/ ح 11104، وص 308 و309/ ح 11211، وج 18/ ص 114/ ح 11561)، فضائل الصحابة له أيضاً (ج 1/ ص 171/ ح 170، وج 2/ ص 585/ ح 990، وص 603/ ح 1032، وص 779 ح 1382 و1383)، السُّنَّة لابن أبي عاصم (ص 629 و630/ ح 1553 و1554)، مسند أبي يعلى الموصلي (ج 2/ ص 297 و298/ ح 48/1021، وص 303/ ح 54/1027، وص 376/ ح 166/1140)، مسند ابن الجعد (ص 397)، والطبقات الكبرى لابن سعد (ج 2/ ص 194)، المصنَّف لابن أبي شيبة (ج 7/ ص 176/ ح 5)، ومعاجم الطبراني الثلاثة: الكبير (ج 3/ ص 65 و66/ ح 2678 و2679)، والأوسط (ج 3/ ص 374، وج 4/ ص 33)، والصغير (ج 1/ ص 131 و135)، فرائد السمطين (ج 2/ ص 144 - 146/ ح 438 و439).
(49) تأويل الآيات الظاهرة للأسترآبادي (ج 2/ ص 638/ ح 19)، وكمال الدِّين (ص 235 و236/ باب 22/ ح 46 و48 و50، وص 237/ ذيل الحديث 54، وص 240/ ح 61)، معاني الأخبار (ص 90/ باب معنى الثقلين/ ح 1 و2)، والخصال (ص 65/ ح 97)، أمالي المفيد (ص 134 - 136/ ح 3)، وأمالي الطوسي (ص 255/ ح 460/52).
(50) أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السُّنَّة (ص 630 و631/ ح 1558)، والبزَّار في مسنده (ج 3/ ص 89/ ح 864)، والحمويني الشافعي في فرائد السمطين (ج 2/ ص 147/ ح 441)، والهيثمي في مجمع الزوائد (ج 9/ ص 163)، والسمهودي في جواهر العقدين (ج 2/ ص 86).
ورواه من الإماميَّة: الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 2/ ص 414 و415/ باب أدنى ما يكون به العبد مؤمناً.../ ح 1)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 235 و236/ باب 22/ ح 49، وص 237/ ذيل الحديث 54، وص 239/ ح 58)، وكذلك في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 60/ ح 25، وج 2/ ص 34/ ح 40، وص 68/ ح 259)، وفي معاني الأخبار (ص 90 و91/ باب معنى الثقلين والعترة/ ح 4 و5)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 50/ باب 2/ ح 2).
- والإمام الحسن السبط (عليه السلام)(51).
- والإمام الباقر (عليه السلام)(52).
كما ورد - فيما بعد - عن الإمامين: الكاظم(53)، والرضا (عليهما السلام)(54).
وأمَّا حديث الإمام الصادق (عليه السلام)، فسيأتي في ترسيخ هذه القاعدة.
كما روى حديث الثقلين الشريف عدد من الصحابة، وهم:
1 - جابر بن عبد الله الأنصاري(55).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(51) أخرجه المفيد (رحمه الله) في أماليه (ص 348 - 350/ مجلس 41/ ح 4)، والطوسي (رحمه الله) في أماليه (ص 121/ ح 188/1، وص 691 و692/ ح 1469/12)، والخزَّاز القمِّي (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 162 - 165)، وعماد الدِّين الطبري (رحمه الله) في بشارة المصطفى (ص 170 و171/ ح 139، وص 398/ ح 13).
(52) أخرجه الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 433 و434/ ج 8/ باب 17/ ح 3 و6)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 3/ ص 422 - 424/ باب تهيئة الإمام للجمعة.../ ح 6)، والكشَّي (رحمه الله) في رجاله (ج 2/ ص 483 - 485/ ح 394) في ترجمة ثوير بن أبي فاختة.
(53) أخرجه الشريف الرضي (رحمه الله) في خصائص الأئمَّة (عليهم السلام) (ص 72 - 75).
(54) أخرجه الشيخ الصدوق (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 207 و208/ باب 23/ ح 1)، وفي الأمالي (ص 615 و616/ مجلس 79/ ح 1).
(55) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج 3/ ص 66/ ح 2680)، وابن أبي شيبة في المصنَّف (ج 7/ ص 175/ باب 27/ ح 1)، واللالكائي في شرح أُصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة (ج 1/ ص 90/ ح 95).
وأخرجه من الإماميَّة: الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 434/ ج 8/ باب 17/ ح 5)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 236 و237/ باب 22/ ح 53)، والطوسي (رحمه الله) في أماليه (ص 516 و517/ ح 1131/38).
2 - حذيفة بن أسيد(56).
3 - زيد بن أرقم(57).
4 - زيد بن ثابت الأنصاري(58).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(56) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج 3/ ص 180 و181/ ح 3052)، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (ج 8/ ص 443/ الرقم 4551) في ترجمة زيد بن الحسن الأنماطي، وأبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء (ج 1/ ص 355/ الرقم 57) في ترجمة حذيفة بن أسيد.
وأخرجه من الإماميَّة: الخزَّاز القمِّي (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 127 - 129)، والصدوق (رحمه الله) في الخصال (ص 65 - 67/ ح 98) من أربعة طُرُق.
(57) أخرجه مسلم في صحيحة (ج 7/ ص 122 و123)، وابن خزيمة في صحيحة (ج 4/ ص 62 و63)، والنسائي في خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام) (ص 93)، وأحمد بن حنبل في مسنده (ج 32/ ص 64/ ح 19313)، وفي فضائل الصحابة أيضاً (ج 2/ ص 572/ ح 968)، والدارمي في سُنَنه (ج 2/ ص431 و432)، وابن أبي عاصم في السُّنَّة (ص 629 و630/ ح 1552 و1555)، وابن أبي شيبة في المصنَّف (ج 7/ ص 176/ باب 27/ ح 2)، والطبراني في المعجم الكبير (ج 3/ ص 66/ ح 2681، وج 5/ 165 - 167/ ح 4969 و4971، وص 169 و170/ ح 4980 و4981، وص 182 - 184/ 5025 و5027 و5028، وص 186/ ح 5040)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (ج 3/ ص 109 و148)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (ج 5/ ص ١٨/ ح 1765، ج 9/ ص 88 و89/ ح 3463 و3464)، والبيهقي في كتاب الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد (ص 451 و452)، وفي سُنَنه أيضاً (ج 7/ ص 30 و31، وج 10/ ص 113 و114)، والخوارزمي الحنفي في المناقب (ص 154 و155/ ح 182)، والرافعي في التدوين في أخبار قزوين (ج 3/ ص 465).
وأخرجه من الإماميَّة: الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 234 و235/ باب 22/ ح 44 و45، وص 237 - 240/ ح 54 - 56 و62) من ستَّة طُرُق.
(58) أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده (ج 35/ ص 456/ ح 21578، وص 512/ ح 21654)، وفي فضائل الصحابة له أيضاً (ج 2/ ص 603/ ح 1032، وص 786/ ح 1403)، وابن أبي عاصم في السُّنَّة (ص 336 و337/ ح 754، وص 628 و629/ ح 1548 و1549)، وابن أبي شيبة في المصنَّف (ج 7/ ص 418/ ح 41)، والطبراني في المعجم الكبير (ج 5/ ص 153 و154/ ح 4921 - 4923)، والحمويني في فرائد السمطين (ج 2/ ص 144/ ح 437).
وأخرجه من الإماميَّة: ابن شاذان (رحمه الله) في مائة منقبة (ص 161/ المنقبة 86)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 236/ باب 22/ ح 52، وص 239 و240/ ح 60)، وفي أماليه (ص 500/ ح 686/15).
5 - جندب بن جنادة أبو ذرٍّ الغفاري(59).
6 - أبو هريرة(60).
7 - أُمُّ سَلَمة(61).
8 - البراء بن عازب(62).
9 - حذيفة بن اليمان(63).
11 - عبد الله بن عبَّاس(64).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(59) أخرجه عليُّ بن إبراهيم القمِّي (رحمه الله) في تفسيره (ج 1/ ص 109) في تفسير سورة آل عمران، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 239/ باب 22/ ح 59)، وفي الخصال (ص 457 - 460/ ح 2).
(60) أخرجه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 235/ باب 22/ ح 47)، والخزَّاز القمِّي (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 87).
(61) أخرجه الطوسي (رحمه الله) في أماليه (ص 478 و479/ ح 1045/14).
(62) أخرجه عماد الدِّين الطبري (رحمه الله) في بشارة المصطفى (ص 216 و217/ ح 43).
(63) أخرجه الخزَّاز القمِّي (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 136 - 138)، وابن طاووس (رحمه الله) في إقبال الأعمال (ج 2/ ص 240 - 243).
(64) أخرجه الخوارزمي الحنفي في المناقب (ص 329 و330/ ح 349).
وأخرجه من الإماميَّة: الصدوق (رحمه الله) في أماليه (ص 121 و122/ ح 112/11)، والمفيد (رحمه الله) في أماليه (ص 45 - 47/ المجلس 6/ ح 6)، وابن شاذان القمِّي (رحمه الله) في مائة منقبة (ص 143 و144/ المنقبة 75).
12 - عمر بن الخطَّاب(65).
ثانياً: مَنْ صحَّح الحديث من العلماء:
من الواضح أنَّ اتِّفاق الصحابة - الذين سبق ذكرهم - على رواية حديث الثقلين الشريف بلفظ: «كِتَابَ الله وَعِتْرَتِي...»، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوجب تواتره، وإذا ما أُضيف إلى ذلك موقف أهل البيت (عليهم السلام) من هذا الحديث عُلِمَ تواتره بأبهى صورة. على أنَّهم صرَّحوا بحسن الكثير من طُرُقه تارةً، وصحَّتها أُخرى. ولو جُمِعَت طُرُق الحديث تلك لكانت وحدها دليلاً كافياً على تواتر الحديث. وإليك جملة يسيرة بأسماء من قال بحسن الحديث أو صحَّته، وهم:
1 - محمّد بن إسحاق (ت 150هـ)(66).
2 - محمّد بن عيسى الترمذي (ت 297هـ)(67).
3 - يحيى بن زكريَّا الحافظ النيسابوري (ت 307هـ)(68).
4 - محمّد بن جرير بن رستم الطبري المفسِّر العامِّي (ت 310هـ)(69).
5 - أبو بكر محمّد بن إسحاق السلمي المعروف بابن خزيمة (ت 311هـ)(70).
6 - أحمد بن محمّد بن عقدة الزيدي الجارودي الحافظ (ت 333هـ)، وهو من المعتقدين بتواتر الحديث؛ إذ أخرجه عن أكثر من مائة من الصحابة وبطُرُق شتَّى في كتاب (الولاية) كما صرَّح بهذا السيِّد ابن طاووس(71).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(65) أخرجه الخزَّاز القمِّي (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 91 و92).
(66) لسان العرب (ج 4/ ص 538/ مادَّة عتر).
(67) سُنَن الترمذي (ج 5/ ص 328 و329/ ح 3876).
(68) الفوائد المنتقاة والغرائب الحسان عن الشيوخ الكوفيِّين (73 و74).
(69) كنز العُمَّال (ج 1/ ص 379 و380/ ح 1650).
(70) راجع: صحيح ابن خزيمة (ج 1/ ص 3) من المقدَّمة.
(71) اُنظر: إقبال الأعمال (ج 2/ ص 239 و240).
7 - الأزهري اللغوي المشهور (ت 370هـ)(72).
8 - الحاكم النيسابوري (ت 405 هـ)(73).
9 - أبو سعيد السجزِّي (ت 477هـ)، وهو من المعتقدين بتواتر الحديث؛ إذ أخرجه من طُرُق شتَّى(74).
10 - البغوي (ت 510هـ)(75).
11 - سبط ابن الجوزي (ت 694هـ)(76).
12 - ابن منظور (ت 711هـ)(77).
13 - المزِّي (ت 742هـ)(78).
14 - الذهبي (ت 748هـ)(79).
15 - ابن كثير الدمشقي (ت 774هـ)(80).
16 - المحاملي في (أماليه)، على ما سيأتي عن السيوطي.
17 - نور الدِّين الهيثمي (ت 807 هـ)(81).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(72) تهذيب اللغة (ج 2/ ص 157/ مادَّة عتر).
(73) مستدرك الحاكم (ج 3/ ص 109 و148).
(74) إقبال الأعمال (ج 2/ ص 239/ فصل 2).
(75) مصابيح السُّنَّة (ج 4/ ص 185/ ح 4800، وص 189 و190/ ح 4815 و4816)، وشرح السُّنَّة (ج 14/ ص 117 - 119/ ح 3913 و3914).
(76) تذكرة الخواصِّ (ص 290).
(77) لسان العرب (ج 4/ ص 538/ مادَّة عتر).
(78) تحفة الأشراف (ج 3/ ص 192/ ح 3659).
(79) تلخيص المستدرك (مطبوع بهامش مستدرك الحاكم) (ج 3/ ص 533).
(80) السيرة النبويَّة لابن كثير (ج 4/ ص 416)، وتفسير ابن كثير (ج 7/ ص 185) في تفسير الآية (23) من سورة الشورى، والبداية والنهاية (ج 5/ ص 228 و229 و231).
(81) مجمع الزوائد (ج 1/ ص 170، وج 9/ ص 162 و163).
18 - البوصيري (ت 840 هـ)(82).
19 - ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ)(83).
20 - السخاوي (ت 902هـ)، وهو من المعتقدين بتواتر الحديث؛ إذ أخرجه من طُرُق كثيرة صحَّح الكثير منها(84).
21 - السيوطي (ت 911هـ)، وهو من المعتقدين بتواتره أيضاً، كما يظهر من كثرة طُرُقه، وقد صحَّح بعضها، وأشار إلى تصحيح من سبقه لها كالمحاملي وغيره(85).
22 - السمهودي (ت 911هـ)، وهو من المعتقدين بتواتره أيضاً، كما يظهر بوضوح من طُرُقه لديه، مع تصحيحه لكثير من تلك الطُّرُق(86).
23 - محمّد بن يوسف الشامي (ت 942هـ)(87).
24 - ابن حجر الهيتمي (ت 974هـ)، وهو من المعتقدين بتواتر الحديث، وله كلام طويل في تصحيح جملة وافرة من طُرُقه(88).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(82) مختصر إتحاف السادة المهرة (ج 8/ ص 461/ ح 6673، وج 9/ ص 194/ ح 7483).
(83) المطالب العالية (ج 16/ ص 142/ ح 3943).
(84) استجلاب ارتقاء الغرف (ص 336 - 364).
(85) مسند عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) (ص 192/ ح 605)، وجامع الأحاديث (ج 3/ ص 231 و232 و234 و236 و241 و242 و255/ ح 8341 و8345 و8346 و8354 و8365 و8396 و8473)، والخصائص الكبرى (ج 2/ ص 39)، والدُّرُّ المنثور (ج 6/ ص 7) في تفسير الآية (23) من سورة الشورى.
(86) جواهر العقدين (ج 2/ ص 72 - 89 و98)، وقال في هذا المورد الأخير: (وهو كثير الطُّرُق جدًّا، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان).
(87) سُبُل الهدى والرشاد (ج 11/ ص 6).
(88) الصواعق المحرقة (ص 42 - 44 و126 و145 و149 و150 و228).
25 - عبد الرؤوف محمّد بن عليٍّ المناوي (ت 1031هـ)(89).
26 - عليُّ بن برهان الدِّين الحلبي (ت 1044هـ)(90).
27 - محمّد بن معتمد خان الحارثي المعروف بالبدخشاني (ت 1126هـ)(91).
28 - محمّد بن محمّد بن معين المعروف بالسندي (ت 1161هـ)(92).
29 - الزبيدي الحنفي (ت 1205هـ)(93).
30 - الحسين بن أحمد الصنعاني (ت 1221هـ)(94).
31 - القندوزي الحنفي (ت 1270هـ)، وهو من المعتقدين بتواتر الحديث؛ إذ أخرجه من طُرُق كثيرة جدًّا صحَّح معظمها(95).
32 - الآلوسي المفسِّر الوهَّابي (ت 1270هـ)، فقد صحَّح الحديث، وقال معقِّباً بعد التصحيح: إنَّه (يقتضي أنَّ النساء المطهَّرات غير داخلات في أهل البيت الذين هم أحد الثقلين)(96).
33 - وصحَّحه جمال الدِّين القاسمي (ت 1332هـ)(97).
34 - وصحَّحه محمود شكري الآلوسي (ت 1342هـ)، مصرِّحاً بأنَّ من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(89) فيض القدير (ج 2/ ص 220/ ح 1608).
(90) السيرة الحلبيَّة (ج 3/ ص 336).
(91) نُزُل الأبرار بما صحَّ من مناقب أهل البيت الأطهار (ص 33).
(92) دراسات اللبيب في الأُسوة الحسنة بالحبيب (202).
(93) إتحاف السادة المتَّقين (ج 14/ ص 534).
(94) الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير (ج 1/ ص 39).
(95) ينابيع المودَّة (ج 1/ ص 95/ فصل حديث الثقلين وحديث الغدير).
(96) تفسير الآلوسي الوهَّابي (ج 11/ ص 197) في تفسير الآية (33) من سورة الأحزاب.
(97) تفسير القاسمي (ج 8/ ص 364).
خالف الثقلين فهو ضالٌّ، ومذهبه باطل وفاسد، لا يُعبَأ به، ومن جحد بهما فقد غوى، ووقع في مهاوي الردى(98).
ولله دَرُّ القائل: والحقُّ ينطق منصفاً وعنيداً.
35 - وصحَّحه - كذلك - المولوي حسن زمان (من أعلام القرن الرابع عشر الهجري)(99).
36 - والألباني الوهَّابي (ت 1413هـ)(100).
وإذا ما لوحظ بأنَّ مسلم بن الحجَّاج النيسابوري (ت 261هـ) قد أخرج الحديث في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري كما تقدَّم، وأنَّ علماء العامَّة مطبقون على صحَّة هذا الكتاب، فلا معنى إذن للإكثار من أسماء علمائهم الذين صحَّحوا الحديث.
ويدلُّ على ذلك أقوالهم الآتية:
1 - قال العيني في (عمدة القاري): (اتَّفق علماء الشرق والغرب على أنَّه ليس بعد كتاب الله تعالى أصحّ من صحيحي البخاري ومسلم)(101).
2 - وقال الكشميري الديوبندي في (فيض الباري): (واعلم أنَّه انعقد الإجماع على صحَّة البخاري ومسلم)(102).
3 - وقال حاجُّ خليفة في (كشف الظنون): (إنَّ السلف والخلف قد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(98) مختصر التحفة الاثني عشريَّة (ص 52).
(99) القول المستحسن في فخر الحسن (ص 594).
(100) صحيح الجامع الصغير (ج 1/ ص 286 و287/ ح 1351، وص 482/ ح 2457 و2458)، سلسلة الأحاديث الصحيحة (ج 4/ ص ٣٥٥/ ح 1761).
(101) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (ج 1/ ص 5).
(102) فيض الباري على صحيح البخاري (ج 1/ ص 52).
أطبقوا على أنَّ أصحّ الكُتُب بعد كتاب الله سبحانه وتعالى، صحيح البخاري ثمّ صحيح مسلم)(103).
4 - وكان أبو عليٍّ النيسابوري يرى (أنَّه ما من شيء تحت أديم السماء إلَّا وصحيح مسلم أصحّ منه)(104).
5 - وذهب الذهبي، والسرخسي، وابن تيميَّة، وعمر بن الصلاح الشهرزوري، والحميدي، وابن طاهر، وأبو إسحاق الشيرازي، والقاضي عبد الوهَّاب المالكي، إلى القول بأنَّ ما وُجِدَ في الصحيحين يفيد القطع! واحتجُّوا بالإجماع على قبوله، وجزم السيوطي بأنَّ القطع هو الصواب(105)!
هذه هي رتبة حديث الثقلين الشريف بلفظ: «كَتِابَ الله وَعِتْرَتِي...» عند علماء العامَّة، وبهذا تعلم قيمة إعراض البخاري في (صحيحه) عن رواية هذا الحديث، وقيمة الشُّبُهات التي أثارها ويثيرها بعض الجهلة من هنا وهناك بشأن صحَّة هذا الحديث تارةً أو دلالته تارةً أُخرى(106).
ثالثاً: علم الصحابة بالمعنيِّين بحديث الثقلين:
إنَّ العودة السريعة إلى أزمان صدور الحديث(107) تُؤكِّد لنا أهمّيَّة حديث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(103) كشف الظنون (ج 1/ ص 641).
(104) راجع: وفيات الأعيان (ج 5/ ص 194).
(105) شرح الزرقاني على المنظومة البيقونيَّة (ص 57 - 59/ القسم الأوَّل: الحديث الصحيح)، وفيض الباري (ج 1/ ص 41).
(106) راجع: حديث الثقلين (تواتره، فقهه) للسيِّد عليٍّ الحسيني الميلاني، كتبه ردًّا على بعض من تخرَّص باطلاً بشأن حديث الثقلين الشريف.
(107) الثابت هو أنَّ حديث الثقلين الشريف قد أكَّده رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على أُمَّته في أكثر من مكان وزمان؛ فمرَّةً في حجَّة الوداع كما في حديث جابر، وأُخرى عند منصرفه من الطائف كما في حديث عبد الرحمن بن عوف، وثالثة في الجحفة قرب غدير خمٍّ كما في حديث زيد بن أرقم وغيره، ورابعة في مرض موته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما في حديث أُمِّ سَلَمة وقد امتلأت الحجرة من أصحابه، وخامسة في المسجد النبوي الشريف قبل وفاته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بيومين أو ثلاثة، وغيرها كما يتَّضح من مراجعة مصادر الحديث السابقة.
الثقلين (القرآن والعترة)، وقيمة إرجاع الأُمَّة فيه إلى العترة لأخذ الدِّين الحقِّ عنهم، وتزداد أهمّيَّته كثيراً بالوقوف على أسباب التأكيد عليه في مناسبات مختلفة ونُوَب متفرِّقة؛ منها في يوم الغدير، وآخرها في مرضه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الأخير.
هذا فضلاً عن تأكيده (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المستمرِّ على الاقتداء بعترته أهل بيته، والاهتداء بهديهم، والتحذير من مخالفتهم، وذلك بجعلهم تارةً كسُفُن للنجاة، وأُخرى أماناً للأُمَّة، وثالثة كباب حطَّة.
وفي الواقع لم يكن الصحابة بحاجة إلى سؤال واستفسار من النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لتشخيص المراد بأهل البيت (عليهم السلام)، وهم يرونه وقد خرج للمباهلة وليس معه غير أصحاب الكساء وهو يقول: «اللَّهُمَّ هَؤلَاءِ أَهْلِي»، وهم من أكبر الناس معرفةً بخصائص هذا الكلام، وإدراكاً لما ينطوي عليه من قصر واختصاص.
خصوصاً وقد علموا كيف جذب (صلّى الله عليه وآله وسلّم) طرف الكساء من يد أُمِّ سَلَمة ومنعها من الدخول مع أهل بيته قائلاً لها: «إِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ»(108).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(108) تفسير الطبري (ج 22/ ص 10 - 13/ ح 21732 و21734 و21736 و21739)، تفسير ابن أبي حاتم (ج 9/ ص 3132 و3133/ ح 17679)، معاني القرآن للنحَّاس (ج 5/ ص 348)، تفسير الثعلبي (ج 8/ ص 42 و43)، أسباب نزول الآيات للواحدي (ص 239)، تفسير السمعاني (ج 4/ ص 280)، تفسير القرطبي (ج 14/ ص 183)، تفسير ابن كثير (ج 3/ ص 492 و493)، الدُّرُّ المنثور (ج 5/ ص 198)، وفتح القدير (ج 4/ ص 279)، كلُّهم في تفسير آية التطهير.
واُنظر: مسند أحمد (ج 44/ ص 118 و119/ ح 26508، وص 217/ ح 26597)، وسُنَن الترمذي (ج 5/ ص 30 و31/ ح 3258، وص 328/ ح 3875)، ومسند أبي يعلى (ج 12/ ص 451/ ح 7021)، وفضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص 210)، والمعجم الكبير للطبراني (ج 3/ ص 52 - 54/ ح 2662 و2666، وج 23/ ص 249 و333)، ومستدرك الحاكم (ج 2/ ص 416)، ومناقب عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) لابن مردويه (ص 301 - 303/ ح 478 - 483)، وتيسير المطالب (ص 192 و193/ ح 134)، ومعرفة الصحابة (ج 5/ ص 159 و160/ ح 7461)، والنور المشتعل (ص 175 و176/ ح 46)، وتاريخ بغداد (ج 9/ ص 128، وج 10/ ص 277)، ومناقب أهل البيت (عليهم السلام) لابن المغازلي (ص 363 و364/ ح 354)، والأمالي الخميسيَّة (ج 1/ ص 198/ ح 734)، وشواهد التنزيل للحسكاني (ج 2/ ص 38 و39/ ح 658 و659، وص 52 - 54/ ح 672 - 674، وص 61 - 63/ ح 682 - 685، وص 85 - 88/ ح 706 - 713، وص 95 و97 و98/ ح 720 و722 - 724، وص 100 - 102/ ح 726 - 731، وص 106 و107/ ح 737 و738، وص 108 - 110/ ح 740، وص 115 و116/ ح 747 - 749، وص 117 - 130/ ح 752 - 761، وص 133 و134/ ح 765، وص 135/ ح 768)، إلى غير ذلك.
وشاهدوه أيضاً وهو يقف (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على باب فاطمة (عليها السلام) صباح كلِّ يوم ولمدَّة تسعة أشهر، وهو يقرأ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ (الأحزاب: 33)(109).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(109) راجع الأحاديث الواردة في وقوف النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على باب فاطمة (عليها السلام) وهو يقرأ آية التطهير في: مسند أبي داود (ص 274)، ومسند أحمد (ج 21/ ص 273 و274/ ح 13728، وص 434/ ح 14040)، وأنساب الأشراف (ج 2/ ص 104/ ح 38)، وسُنَن الترمذي (ج 5/ ص 31/ ح 3259)، والآحاد والمثاني (ج 5/ ص 360/ ح 2953)، وتفسير الأوراسي (ج 3/ ص 323)، وتفسير الطبري (ج 22/ ص 9 و10/ ح 21729 و21731)، وضعفاء العقيلي (ج 3/ ص 131)، وفضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص 197 ,212 و213)، والمعجم الكبير للطبراني (ج 3/ ص 56/ ح 2671 و2672، وج 9/ ص 26، وج 22/ ص 200 و402)، والمعجم الأوسط له أيضاً (ج 8/ ص 112)، والكامل لابن عدي (ج 7/ ص 61 و174)، وطبقات المحدِّثين بأصبهان (ج 4/ ص 149)، وفضائل فاطمة الزهراء (عليها السلام) (ص 68 و69/ ح 14)، والمؤتلف والمختلف (ج 4/ ص 2121)، وتفسير ابن زمنين (ج 3/ ص 398 و399)، ومستدرك الحاكم (ج 3/ ص 158)، ومناحل الشفا (ج 2/ ص 445/ ح 643، وج 5/ ص 365/ ح 2325)، ومناقب عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) لابن مردويه (ص 278/ ح 434، وص 303 - 305/ ح 486 - 492)، وتفسير الثعلبي (ج 8/ ص 44)، ومعرفة الصحابة (ج 4/ ص 458/ ح 6793)، والاستيعاب (ج 4/ ص 1542 و1633)، وشواهد التنزيل للحسكاني (ج 1/ ص 497/ ح 526، وج 2/ ص 18 - 25/ ح 637 - 644، وص 44 - 47/ ح 665 - 668، وص 74 - 83/ ح 694 - 703، وص 134/ ح 766، وص 138/ ح 771 - 773)، إلى غير ذلك.
وکلُّ هذا يکفي لمن شاهد ذلك أو سمع به من الصحابة لأنْ يعرف مَنْ هم أهل البيت (عليهم السلام).
وأمَّا ما يقال بأنَّ معرفة الصحابة بأهل البيت (عليهم السلام) كانت مقتصرة على أصحاب الكساء (عليهم السلام)، في حين أشار الحديث إلى استمرار وجودهم مع القرآن ليكونا لمن تمسَّك بهما عاصمين من الضلالة إلى يوم القيامة، وهذا يُبرِّر لهم السؤال عمَّن سيأتي بعد أصحاب الكساء (عليهم السلام) من أهل البيت، لكي تعرف الأُمَّة أسماءهم ولا يشتبه أحد بهم.
والجواب: أنَّ حاجة الصحابة والأجيال اللَّاحقة فيما بعد ليس أكثر من تشخيص أوَّلهم ليكون المرجع للقيام بمهمَّته بعد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتَّى يأخذ دوره في عصمة الأُمَّة من الضلالة، وهو بدوره مسؤول عن تعيين من يليه في هذه المهمَّة، وهكذا حتَّى يرد آخر عاصم من الضلالة مع القرآن على النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الحوضَ.
وإذا علمت أنَّ عليًّا (عليه السلام) قد تعيَّن بنصوص لا تُحصى، ومنها في حديث الثقلين نفسه، فليس من الضروري إذن أنْ يتولَّى النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بنفسه تعيين من يلي أمر الأُمَّة باسمه في كلِّ عصر وجيل، إنْ لم نقل: إنَّه غير طبيعي لولا أنْ تقتضيه بعض الاعتبارات(110).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(110) راجع: الأُصول العامَّة للفقه المقارن (ص 175).
فالمقياس إذن في معرفة إمام كلِّ عصر وجيل إمَّا أنْ يكون بتعيينهم دفعة واحدة، أو بنصِّ السابق على إمامة اللَّاحق، وهو المقياس الطبيعي المألوف الذي دأبت عليه الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، وعرفته البشريَّة في سياساتها منذ أقدم العصور وإلى يوم الناس هذا.
ومع هذا فإنَّ الصحابة لم يكونوا على جهلٍ تامٍّ بهويَّة من سيأتي بعد أصحاب الكساء (عليهم السلام)؛ إذ علموا مسبقاً بعدد الأئمَّة بعد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهم اثنا عشر على لسان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما سيأتي في القاعدة الرابعة، وفيهم من علم أسماءهم (عليهم السلام) من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مباشرةً كجابر بن عبد الله الأنصاري(111)، وابن عبَّاس(112)، وسلمان الفارسي (رضي الله عنه)(113).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(111) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 532/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 9) بسنده عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ (عليها السلام) وَبَيْنَ يَدَيْهَا لَوْحٌ فِيه أَسْمَاءُ الأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِهَا، فَعَدَدْتُ اثْنَيْ عَشَرَ، آخِرُهُمُ الْقَائِمُ (عليه السلام)، ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ مُحَمَّدٌ، وَثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ عَلِيٌّ».
ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 313/ باب 28/ ح 4).
(112) روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 280/ باب 24/ ح 28) بسنده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «أَنَا وَعَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَتِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ مُطَهَّرُونَ مَعْصُومُونَ»، وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 65 و66/ ح 30).
ورواه الخزَّاز القمِّي (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 19)، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 181)، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 1/ ص 253 و254)، والإربلي (رحمه الله) في كشف الغمَّة (ج 3/ ص 314)، والجويني في فرائد السمطين (ج 2/ ص 132 و133/ ح 430، وص 313/ ح 563)، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودَّة (ج 2/ ص 316/ ح 910، وج 3/ ص 384/ ح 4).
(113) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 525 و526/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 1) بسنده عَنْ أَبِي هَاشِمٍ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي (عليه السلام)، قَالَ: «أَقْبَلَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وَمَعَه الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام) وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى يَدِ سَلْمَانَ، فَدَخَلَ المَسْجِدَ الْحَرَامَ فَجَلَسَ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْأَةِ وَاللِّبَاسِ، فَسَلَّمَ عَلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ، فَرَدَّ عَلَيْه السَّلَامَ، فَجَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ إِنْ أَخْبَرْتَنِي بِهِنَّ عَلِمْتُ أَنَّ الْقَوْمَ رَكِبُوا مِنْ أَمْرِكَ مَا قُضِيَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ لَيْسُوا بِمَأْمُونِينَ فِي دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ، وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى عَلِمْتُ أَنَّكَ وَهُمْ شَرَعٌ سَوَاءٌ، فَقَالَ لَه أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ، قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الرَّجُلِ إِذَا نَامَ أَيْنَ تَذْهَبُ رُوحُه؟ وَعَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يَذْكُرُ وَيَنْسَى، وَعَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يُشْبِه وَلَدُه الأَعْمَامَ وَالأَخْوَالَ؟ فَالْتَفَتَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) إِلَى الْحَسَنِ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَجِبْه»، قَالَ: «فَأَجَابَه الْحَسَنُ (عليه السلام)، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله، وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله، وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِذَلِكَ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَالْقَائِمُ بِحُجَّتِه - وَأَشَارَ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ -، وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّه وَالْقَائِمُ بِحُجَّتِه - وَأَشَارَ إِلَى الْحَسَنِ (عليه السلام) -، وَأَشْهَدُ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ وَصِيُّ أَخِيه وَالْقَائِمُ بِحُجَّتِه بَعْدَه، وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّه الْقَائِمُ بِأَمْرِ الْحُسَيْنِ بَعْدَه، وَأَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ ابْنِ عَلِيٍّ أَنَّه الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَأَشْهَدُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّه الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدٍ، وَأَشْهَدُ عَلَى مُوسَى أَنَّه الْقَائِمُ بِأَمْرِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى أَنَّه الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، وَأَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّه الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى، وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّه الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَأَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بِأَنَّه الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ الْحَسَنِ لَا يُكَنَّى وَلَا يُسَمَّى حَتَّى يَظْهَرَ أَمْرُه، فَيَمْلأَهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُه، ثُمَّ قَامَ فَمَضَى، فَقَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، اتْبَعْه فَانْظُرْ أَيْنَ يَقْصِدُ، فَخَرَجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام)، فَقَالَ: مَا كَانَ إِلَّا أَنْ وَضَعَ رِجْلَه خَارِجاً مِنَ المَسْجِدِ فَمَا دَرَيْتُ أَيْنَ أَخَذَ مِنْ أَرْضِ الله، فَرَجَعْتُ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَأَعْلَمْتُه، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أتَعْرِفُه؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُه وَأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ، قَالَ: هُوَ الْخَضِرُ (عليه السلام)».
ورواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 106 - 108/ ح 93)، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 160 - 162)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 66 - 68/ باب 4/ ح 2)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 313 - 315/ باب 29/ ح 1)، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 174 - 176/ ح 95/26)، والكراجكي (رحمه الله) في الاستنصار (ص 32 و33)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 154 و155/ ح 114).
هذا فضلاً عمَّن عَلِمَ منهم بانحدار بقيَّة أهل البيت (عليهم السلام) من صلب الإمام الحسين (عليه السلام)، وأنَّ عددهم لا يزيد ولا ينقص عن تسعة، وأنَّ تاسعهم
هو المهدي الموعود، ومن جملة مَنْ علم ذلك: أبو سعيد الخدري، وأبو أيُّوب الأنصاري، وعليٌّ الهلالي، وغيرهم كثير(114).
وإذا ما عدنا إلى واقع أهل البيت (عليهم السلام) نجد النصَّ قد توفَّر على إمامتهم بكلا طريقيه: النصُّ المستطيل الشامل، وتعيين السابق للَّاحق، ومن سَبَر الواقع التاريخي لسلوكهم علم يقيناً بأنَّهم ادَّعوا لأنفسهم الإمامة في عرض السلطة الزمنيَّة، واتَّخذوا من أنفسهم كما اتَّخذهم الملايين من أتباعهم أئمَّةً وقادةً للمعارضة السلميَّة للحكم القائم في زمانهم، مع إرشاد كلِِّ إمام أتباعه على مَنْ يقوم بأمر الإمامة من بعده، وعلى هذا جرت سيرتهم، فكانوا عرضة للمراقبة والسجون والاستشهاد بالسمِّ تارةً، وفي سوح الجهاد تارةً أُخرى، وعلى أيدي القائمين بالحكم أنفسهم(115).
ثمّ لو فُرِضَ أنَّ أحدهم لم يُعيِّن لأتباعه مَنْ يقوم بأمر الإمامة من بعده، مع فرض توقُّف النصِّ عليه، فإنَّ معنى ذلك بقاء ذلك الإمام خالداً مع القرآن في كلِّ عصر وجيل؛ لأنَّ دلالة «لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ» على استمرار وجود إمام من العترة في كلِّ عصر كاستمرار وجود القرآن الكريم ظاهرة واضحة، ولهذا ذهب ابن حجر إلى القول: (وفي أحاديث الحثِّ على التمسُّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهِّل منهم للتمسُّك به إلى يوم القيامة، كما أنَّ الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض، ويشهد لذلك الخبر: «فِي كُلِّ خَلَفٍ مِنْ أُمَّتِي عُدُولٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي»)(116).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(114) اُنظر: البيان في أخبار صاحب الزمان (ص 501 - 503)، والفصول المهمَّة لابن الصبَّاغ (ج 2/ ص 1113 و1114)، وينابيع المودَّة (ج 3/ ص 394/ ح 43)؛ وفي كفاية الأثر للخزَّاز القمِّي (رحمه الله) جمع غفير من الصحابة الذين وَعوا هذه الحقيقة ورووها لمن بعدهم.
(115) راجع: الأُصول العامَّة للفقه المقارن (ص 181).
(116) الصواعق المحرقة (ص 151).
رابعاً: تأكيد الإمام الصادق (عليه السلام) على حديث الثقلين:
لم يتولَّ الإمام الصادق (عليه السلام) مهمَّة الدفاع عن حديث الثقلين بنسبته إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فحسب، بل أكَّد على صلته المباشرة بالحديث باعتباره واحداً من أهل البيت (عليهم السلام)، واعتبره نصًّا في خلافتهم (عليهم السلام)، كما بيَّن صلة هذا الحديث بمعرفة المؤمنين وتمييزهم عن غيرهم، وأنَّه أمر صريح بوجوب اقتداء الأُمَّة بالمعنيِّين به، وبيان مَنْ هم المعنيُّون بالحديث الشريف، كما سيأتي.
1 - عن عبد الحميد بن أبي الديلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل، ذكر فيه الإمام الصادق (عليه السلام) ما يدلُّ على خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مباشرةً، من القرآن والسُّنَّة، وكان من جملة الأحاديث التي بيَّنها (عليه السلام) في مقام بيان النصِّ هو حديث الثقلين الشريف(117).
2 - وَعَنْ اَلمُحَارِبِي، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمُ اَلثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اَلله وَأَهْلَ بَيْتِي، فَنَحْنُ أَهْلُ بَيْتِهِ»(118).
3 - وسأل أبو بصير الإمام الصادق عن أهل البيت (عليهم السلام)، قائلاً: وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ؟ قَالَ (عليه السلام): «الأَئِمَّةُ الأَوْصِيَاءُ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(117) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 293 - / باب الإشارة والنصِّ على أمير المؤمنين (عليه السلام)/ ح 3) بسنده عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي الدَّيْلَمِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «... ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ (جَلَّ ذِكْرُه) عَلَيْه أَنْ أَعْلِنْ فَضْلَ وَصِيِّكَ، فَقَالَ: رَبِّ إِنَّ الْعَرَبَ قَوْمٌ جُفَاةٌ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ كِتَابٌ، وَلَمْ يُبْعَثْ إِلَيْهِمْ نَبِيٌّ، وَلَا يَعْرِفُونَ فَضْلَ نُبُوَّاتِ الأَنْبِيَاءِ (عليهم السلام)، وَلَا شَرَفَهُمْ، ولَا يُؤْمِنُونَ بِي إِنْ أَنَا أَخْبَرْتُهُمْ بِفَضْلِ أَهْلِ بَيْتِي...» إلى أنْ قال: «وَقَالَ: إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ الله (عزَّ وجلَّ) وَأَهْلَ بَيْتِي عِتْرَتِي، أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا وَقَدْ بَلَّغْتُ، إِنَّكُمْ سَتَرِدُونَ عَلَيَّ الْحَوْضَ فَأَسْأَلُكُمْ عَمَّا فَعَلْتُمْ فِي الثَّقَلَيْنِ، وَالثَّقَلَانِ كِتَابُ الله (جَلَّ ذِكْرُه) وَأَهْلُ بَيْتِي، فَلَا تَسْبِقُوهُمْ فَتَهْلِكُوا، وَلَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ...» الحديث.
(118) بصائر الدرجات (ص 434/ ج 8/ باب 17/ ح 4).
ثمّ سأله قائلاً: مَنْ أُمَّتُهُ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ قَالَ: «اَلمُؤْمِنُونَ اَلَّذِينَ صَدَّقُوا بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اَلله (عزَّ وجلَّ)، اَلمُتَمَسِّكُونَ بِالثَّقَلَيْنِ اَلَّذِينَ أُمِرُوا بِالتَّمَسُّكِ بِهِمَا: كِتَابِ اَلله وَعِتْرَتِهِ أَهْلِ بَيْتِهِ، اَلَّذِينَ أَذْهَبَ اَللهُ عَنْهُمُ اَلرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً، وَهُمَا الخَلِيفَتَانِ عَلَى الأُمَّةِ بَعْدَ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(119).
4 - وعَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «إِنَّ اَللهَ جَعَلَ وَلَايَتِنَا أَهْلَ البَيْتِ قُطْبَ القُرْآنِ، وَقُطْبَ جَمِيعِ الكُتُبِ، عَلَيْهَا يَسْتَدِيرُ مُحْكَمُ القُرْآنِ، وَبِهَا نَوَّهَتِ الكُتُبُ، وَيَسْتَبِينُ الإِيمَانُ، وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنْ يُقْتَدَى بِالقُرْآنِ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا: إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ اَلثَّقَلَيْنِ: اَلثَّقَلَ الأَكْبَرَ، وَاَلثَّقَلَ الأَصْغَرَ، فَأَمَّا الأَكْبَرُ فَكِتَابُ رَبِّي، وَأَمَّا الأَصْغَرُ فَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، فَاحْفَظُونِي فِيهِمَا، فَلَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا»(120).
5 - وعَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بِنْ أَبِي نَجْرَان، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «... وَمَنْ أَرَادَ اَللهُ تَعَالَى بِهِ الخَيْرَ جَعَلَهُ مِنَ اَلمُصَدِّقِينَ اَلمُسَلِّمِينَ لِلْأَئِمَّةِ الهَادِينَ بِمَا مَنَحَهُمُ اَللهُ مِنْ كَرَامَتِهِ، وَخَصَّهُمْ بِهِ مِنْ خِيَرَتِهِ، وَحَبَاهُمْ بِهِ مِنْ خِلَافَتِهِ عَلَى جَمِيعِ بَرِيَّتِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ خَلْقِهِ، إِذْ جَعَلَ طَاعَتَهُمْ طَاعَتَهُ بِقَوْلِهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، وَقَوْلِهِ: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾ [النساء: 80]، فَنَدَبَ اَلرَّسُولُ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الخَلْقَ إِلَى الأَئِمَّةِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ اَلَّذِينَ أَمَرَهُمُ اَللهُ تَعَالَى بِطَاعَتِهِمْ، وَدَلَّهُمْ عَلَيْهِمْ، وَأَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ اَلثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اَلله وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ اَلله، مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا...»(121).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(119) أمالي الصدوق (ص 312/ ح 362/10)؛ ورواه (رحمه الله) بتفاوت يسير في معاني الأخبار (ص 94/ باب معنى الآل والأهل والعترة والأُمَّة/ ح 3).
(120) تفسير العيَّاشي (ج 1/ ص 5/ ح 9) في فضل القرآن الكريم.
(121) الغيبة للنعماني (ص 62 و63/ باب 3/ ح 7).
ومن الواضح من عناية إمامنا الصادق (عليه السلام) بحديث الثقلين، وبيان أغراضه، وتحديد المعنيِّين به، وهم الأئمَّة الاثنا عشر (عليهم السلام)، وأنَّهم أوصياء الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وخلفاؤه، وأوَّلهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وآخرهم المهدي (عجَّل الله فرجه)، وأنَّهم مطهَّرون، وطاعتهم مفروضة، ومرجعيَّتهم ثابتة، كلُّ ذلك لم ينطلق من فراغ، وإنَّما جاء كردِّ فعل معاكس للتيَّارات الفكريَّة والمذهبيَّة المختلفة التي أوجدها النظام السياسي المضادُّ، بغية تمكُّنها من جرف الحقيقة وتعميتها، ويكفي أنَّها - على صعيد حديث الثقلين - قد وسَّعت دائرة (أهل البيت) لتشمل بني العبَّاس وغيرهم ممَّن ليس لهم في هذا الأمر نصيب.
ولهذا اضطرَّ الإمام الصادق (عليه السلام) إلى تأكيد اختصاصهم بهذا الحديث الدالِّ على عصمتهم ومرجعيَّتهم (عليهم السلام) بكلِّ قوَّة.
خامساً: دلالة حديث الثقلين:
دلَّ حديث الثقلين الشريف على أُمور كثيرة، سنشير إلى أهمّها بالنقاط الآتية:
1 - أنَّه دلَّ على أنَّ أهل البيت (عليهم السلام) أفضل الأُمَّة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قاطبةً؛ لأنَّهم قُرِنُوا بالكتاب العزيز، فكان فضلهم على سائر الناس بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كفضل القرآن الكريم على سائر الكُتُب.
2 – أنَّهم (عليهم السلام) أنفس شيء تركه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع القرآن، كما يُفهَم من وصفهما بالثقلين، والثقل في اللغة هو الشيء النفيس الخطير.
3 - دلَّ الحديث على إمامتهم وخلافتهم ووجوب تسليم الحكم وإدارة شؤون الدولة إليهم بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مباشرةً؛ لأنَّ وظيفة الحاكم الأعلى في الدولة الإسلاميَّة في المنظور القرآني والنبوي من يقود الرعيَّة إلى شاطئ الأمان لا أنْ يضلَّها ويحرفها عن دين الله وشرعه القويم إمَّا بتقصير أو قصور. ويكاد لفظ
الحديث أنْ يكون صريحاً بهذا؛ لأنَّ معنى نجاة الرعيَّة في الدولة الإسلاميَّة أنْ لا تضلَّ عن الطريق المستقيم، وقد حصر الحديث النجاة من الضلالة بالتمسُّك بالثقلين: كتاب الله، وعترته أهل بيته (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
4 - دلَّ أيضاً على أنَّ مقولة: (حسبنا كتاب الله)(122) مقولة شيطانيَّة، لا يُراد بها إلَّا إضلال الأُمَّة وهلاكها؛ لأنَّ الحديث حصر النجاة بالتمسُّك بالثقلين (كتاب الله والعترة)، وأين هذا من تلك المقولة؟!
5 - دلَّ على أنَّ من تمسَّك بغيرهما يكون من الهالكين، ولابدَّ ومن باب أولى أنْ يكون ذلك الغير (المتمسَّك به) من الهالكين، لأنَّه سيكون من أئمَّة الضلال، ولا فرق في ذلك بين أنْ يكون خليفةً أو حاكماً أو قاضياً أو رئيساً أو أميراً أو سلطاناً؛ إذ خدع الناس بأخذ معالم دينهم منه فتمسَّكوا به لا بالثقلين.
وقد صرَّح محمود شكري الآلوسي بهذا، فقال عمَّن خالفهما وتمسَّك بغيرهما: (فهو ضالٌّ، ومذهبه باطل، وفاسد لا يُعبَأ به، ومن جحد بهما فقد غوى، ووقع في مهاوي الردى)(123).
6 - دلَّ على مرجعيَّة أهل البيت (عليهم السلام) العلميَّة، وأنَّهم أعلم الناس بعد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(122) روى البخاري في صحيحه (ج 9/ ص 115/ ح 4994) بسنده عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَـمَّا حُضِرَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)، وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم): «هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ»، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ، وَعِنْدَكُمْ الْقُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ الله، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ، فَاخْتَصَمُوا، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) كِتَاباً لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالِاخْتِلَافَ عِنْدَ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)، قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم): «قُومُوا»، قَالَ عُبَيْدُ الله: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ، مِنْ اخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ».
ورواه مسلم في صحيحه (ج 5/ ص 76).
(123) مختصر التحفة الاثني عشريَّة (ص 52).
رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بما في الكتاب والسُّنَّة المطهَّرة؛ إذ لا يُعقَل مطلقاً أنْ يكونوا أماناً للأُمَّة من الضلالة في حال تمسُّكها بهم وهناك من هو أعلم منهم بالكتاب والسُّنَّة، ولو وُجِدَ فرضا لعدَّه الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمكان أهل البيت (عليهم السلام) أو لجعله ثقلاً ثالثاً مع الكتاب العزيز والعترة الطاهرة، وأمَّا أنْ يتركه - على تقدير وجوده - فهو محال، الأمر الذي يدلُّ على عدمه. ويُؤيِّده أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) لم يُذْهِب الرجس عن أحدٍ من الصحابة ويُطهِّره تطهيراً، وإنَّما انحصر ذلك بأهل البيت (عليهم السلام) دون غيرهم.
7 - دلَّ الحديث على وجوب الأخذ منهم مباشرةً أو بالواسطة، وعلى محبَّتهم، وتوقيرهم، وطاعتهم المطلقة، وعدم الردِّ عليهم في شيءٍ البتَّة؛ لأنَّهم (عليهم السلام) مع القرآن صنوان لا يفترقان، كلٌّ منهما يشهد للآخر، فيكون الرادُّ عليهم كالجاحد بكتاب الله، وكالرادِّ على الله تعالى ورسوله.
8 - دلَّ الحديث على حجّيَّة سُنَّتهم (عليهم السلام)، وأنَّ سُنَّة كلِّ واحدٍ منهم (عليهم السلام) هي سُنَّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنَّ حديثهم حديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، سواء رُفِعَ منهم إلى النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو لم يُرفَع، وأنَّ الحكم على حديثهم (عليهم السلام) بالإرسال لا يكون إلَّا من جاهل بحديث الثقلين، أو من معاند متعصِّب أو ناصب.
9 - دلَّ الحديث الشريف على عصمة أهل البيت (عليهم السلام) من جهتين:
الأُولى: أنَّهم (عليهم السلام) مع القرآن والقرآن معهم لا يفترقان عمر الدنيا، فعصمتهم كعصمة الكتاب من هذه الجهة.
الثانية: أنَّ من لا يدلُّ على ضلالة أبداً ولو مرَّة واحدة في حياته عن سهو أو اشتباه لا يكون إلَّا معصوماً، وقد صرَّح الحديث بأنَّ من يتمسَّك بهما لا يضلُّ أبداً إلى يوم القيامة.
جدير بالذكر أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) قد صرَّح بعصمة الأنبياء
والأوصياء (عليهم السلام) جميعاً، فقال: «الأَنْبِيَاءُ وَالأَوْصِيَاءُ لَا ذُنُوبَ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مُطَهَّرُونَ»(124).
وقال (عليه السلام): «عَشْرُ خِصَالٍ مِنْ صِفَاتِ الإِمَامِ»، ثمّ عدَّ (عليه السلام) العصمة في أوَّل تلك الخصال(125).
وقد مرَّ عنه (عليه السلام) ما يشير إلى عصمتهم ومرجعيَّتهم (عليهم السلام) بأُسلوب المزاوجة بين الآيات الدالَّة على العصمة كآية التطهير، والطاعة كآية أُولي الأمر من جهة، وبين حديث الثقلين من جهة أُخرى، ليلتفت السامع والمتلقِّي إلى وحدة الموضوع والهدف والنتيجة.
القاعدة الثانية: قاعدة حصر الأئمَّة باثني عشر أوصياءً كلِّهم من عترة النبيِّ أهل بيته (صلّى الله عليه وآله وسلّم):
وهذه القاعدة تكشف للعيان بأنَّ الثقل الذي أوصى به الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع القرآن ليكونا للمتمسِّك بهما عاصماً من الضلالة، إنَّما هو الثقل المتمثِّل بهذا العدد من الأئمَّة لا غير، وأنَّه ليس للأُمَّة أنْ تزيد عليهم أوصياءً، ولا تُنقِص منهم واحداً. وهذه القاعدة مستفادة من الحديث الصحيح الثابت عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقد أخرج البخاري بسنده عن جَابِرِ بْنِ سَمُرَة، قَالَ: سَمِعْتُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(124) رواه الصدوق (رحمه الله) في الخصال (ص 608/ ح 9) عن أحمد بن محمّد بن الهيثم العجلي وأحمد بن الحسن القطَّان ومحمّد بن أحمد السناني والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتّب وعبد الله بن محمّد الصائغ وعليِّ بن عبد الله الورَّاق، عن أبي العباس أحمد بن يحيى بن زكريَّا القطَّان، عن بكر بن عبد الله بن حبيب، عن تميم بن بهلول، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي عبد الله (عليه السلام).
(125) رواه الصدوق (رحمه الله) في الخصال (ص 428/ ح 5) عن أحمد بن محمّد بن الهيثم العجلي، عن أحمد ابن يحيى بن زكريَّا القطَّان، عن بكر بن عبد الله بن حبيب، عن تميم بن بهلول، عن أبي معاوية، عن سليمان بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام).
النَّبِيَّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يَقُولُ: «يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيراً»، فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا، فَقَالَ أَبِي: إِنَّهُ قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»(126).
وفي (صحيح مسلم): «لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِماً حَتَّى يَكُونَ عَلَيْكُمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً، كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»(127).
وفي (مسند أحمد) بسنده عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ يُقْرِئُنَا القُرْآنَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، هَلْ سَالتُمْ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)، كَمْ تَمْلِكُ هَذِهِ الأُمَّةُ مِنْ خَلِيفَةٍ؟ فَقَالَ عَبْدُ الله: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ قَدِمْتُ العِرَاقَ قَبْلَكَ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ، وَلَقَدْ سَالنَا رَسُولَ الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)، فَقَالَ: «اثْنَا عَشَرَ، كَعِدَّةِ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ»(128).
وقد جاء في الصحيح عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنه)، قَالَ: سَالتُ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حِينَ حَضَرَتْهُ وَفَاتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اَلله، إِذَا كَانَ مَا نَعُوذُ بِالله مِنْهُ فَإِلَى مَنْ؟ فَأَشَارَ إِلَى عَلِيٍّ (عليه السلام)، فَقَالَ: «إِلَى هَذَا، فَإِنَّهُ مَعَ الحَقِّ وَالحَقُّ مَعَهُ، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ أَحَدَ عَشَرَ إِمَاماً مُفْتَرَضَةً طَاعَتُهُمْ كِطَاعَتِهِ»(129).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(126) صحيح البخاري (ج 11/ ص 70/ ح 6457)؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) عن جابر بن سمرة أيضاً في كمال الدِّين (ص 272/ باب 24/ ح 19)، والخزَّاز القمِّي (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 49)، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 158 و159)، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 1/ ص 248).
(127) صحيح مسلم (ج 6/ ص 4/ كتاب الإمارة/ باب الناس تبع لقريش، والخلافة في قريش)، أخرجه من تسعة طُرُق.
(128) مسند أحمد (ج 6/ ص 321/ ح 3781)؛ ورواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 118/ باب 6/ ح 4)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 271 و272/ باب 24/ ح 18)، والخزَّاز القمِّي (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 23 - 27).
(129) إعلام الورى (ج 2/ ص 163 و164)، أخرجه عن الدوريستي، عن أبيه، عن الصدوق، عن ماجيلويه، عن عمِّه، عن البرقي، عن أبيه، عن خلف بن حمَّاد، عن الأعمش، عن عباية بن ربعي، عن ابن عبَّاس. وهؤلاء كلُّهم من مشاهير الرواة، ولم يُتَّهم أحدهم بكذب، وكلُّهم ما بين ثقة مشهور، أو حسن معتمد.
وَعَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «... مَعَاشِرَ اَلنَّاسِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَوَلَّى اَللهَ وَرَسُولَهُ فَلْيَقْتَدِ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بَعْدِي، وَالأَئِمَّةِ مِنْ ذُرِّيَّتِي، فَإِنَّهُمْ خُزَّانُ عِلْمِي»، فَقَامَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اَلله الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اَلله، وَمَا عِدَّةُ الأَئِمَّةِ؟ فَقَالَ: «يَا جَابِرُ، سَألتَنِي رَحِمَكَ اَللهُ عَنِ الإِسْلَامِ بِأَجْمَعِهِ، عِدَّتُهُمْ عِدَّةُ اَلشُّهُورِ، وَهِيَ ﴿عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ [التوبة: 36]، وَعِدَّتُهُمْ عِدَّةُ العُيُونِ اَلَّتِي اِنْفَجَرَتْ لِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ (عليه السلام) حِينَ ضَرَبَ بِعَصَاهُ الحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اِثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً، وَعِدَّتُهُمْ عِدَّةُ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ اَللهُ تَعَالَى: ﴿وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً﴾ [المائدة: 12]، فَالأَئِمَّةُ يَا جَابِرُ اِثْنَا عَشَرَ إِمَاماً، أَوَّلُهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، وَآخِرُهُمُ القَائِمُ اَلمَهْدِيُّ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِمْ)»(130).
وقد جاء إمامنا الإمام الصادق (عليه السلام) ليُؤكِّد هذه القاعدة بكلِّ قوَّة:
1 - فَعَنْ عَبْدِ العَزِيزِ القَرَاطِيسِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «الأَئِمَّةُ بَعْدَ نَبِيِّنَا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اِثْنَا عَشَرَ نُجَبَاءُ مُفَهَّمُونَ، مَنْ نَقَصَ مِنْهُمْ وَاحِداً أَوْ زَادَ فِيهِمْ وَاحِداً خَرَجَ مِنْ دِينِ اَلله، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَايَتِنَا عَلَى شَيْءٍ»(131).
2 - وفي الصحيح عَنْ الحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله، عَنْ آبَائِهِ، عَنِ الحَسَنِ اَلسِّبْطِ (عليه السلام)، قَالَ: «سَألتُ جَدِّي رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عَنِ الأَئِمَّةِ بَعْدَهُ، فَقَالَ: الأَئِمَّةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(130) مائة منقبة لابن شاذان (ص 71 و72/ المنقبة 41).
(131) الاختصاص (ص 233).
بَعْدِي بِعَدَدِ نُقْبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ اِثْنَا عَشَرَ، أَعْطَاهُمْ اَللهُ عِلْمِي وَفَهْمِي، وَأَنْتَ مِنْهُمْ يَا حَسَنُ»(132).
3 - وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِهْزَمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «الأَئِمَّةُ اِثْنَا عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، أَعْطَاهُمُ اَللهُ تَعَالَى فَهْمِي وَعِلْمِي وَحُكْمِي، وَخَلَقَهُمْ مِنْ طِينَتِي، فَوَيْلٌ لِلْمُتَكَبِّرِينَ عَلَيْهِم بَعْدِي، القَاطِعِينَ فِيهِمْ صِلَتِي...» الحديث(133).
4 - وَعَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأَبُو بَصِيرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ مَوْلَى أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي مَنْزِلٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «نَحْنُ اِثْنَا عَشَرَ مَهْدِيًّا»، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَصِيرٍ: تَالله لَقَدْ سَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)؟ فَحَلَفَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: لَكِنِّي سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)(134).
ويُستفاد من مجمل هذه الأحاديث أُمور، وهي:
الأوَّل: أنَّ عدد الخلفاء أو الأُمراء أو الأئمَّة لا يتجاوز الاثني عشر، وكلُّهم من قريش بلا خلاف بين الفريقين. وهذا العدد منطبق مع ما تعتقده الشيعة الإماميَّة بعدد الأئمَّة، وهم كلُّهم من قريش.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(132) إثبات الهداة (ج 2/ ص 233 و234/ باب 9/ فصل 60/ ح 810)، عن إثبات الرجعة للفضل بن شاذان.
(133) كمال الدِّين (ص 281/ باب 24/ ح 33)؛ ورواه (رحمه الله) بتفاوت يسير في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 66/ باب النصوص على الرضا (عليه السلام) بالإمامة في جملة الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام)/ ح 32).
(134) كمال الدِّين (ص 335/ باب 33/ ح 6)؛ ورواه الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 339/ ج 7/ باب 5/ ح 2)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 534 و535/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 20)، وفيهما: (نحن اثنا عشر محدَّثاً).
وأمَّا التعبير بـ(الأُمراء) أو (الخلفاء) فهو وإنْ لم ينطبق في الظاهر على مقولة الإماميَّة إلَّا أنَّ المقصود بذلك ليس الإمرة القسريَّة أو الاستخلاف بالقوَّة، وإنَّما المراد بذلك هو من يستمدُّ سلطته من الشارع المقدَّس، ولا ينافي ذهاب السلطة عن أهل البيت (عليهم السلام) في واقعها الخارجي؛ لتسلُّط الآخرين عليهم. وفي كلام التوربشتي ما يشير إلى هذه الحقيقة، قال: (السبيل في هذا الحديث وما يتعقَّبه في هذا المعنى أنَّه يُحمَل على المقسطين منهم، فإنَّهم هم المستحقُّون لاسم الخليفة على الحقيقة...)(135).
الثاني: أنَّ هؤلاء الاثني عشر معنيُّون بالنصِّ كما هو مقتضى تشبيههم بنقباء بني إسرائيل، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً﴾ (المائدة: 12).
الثالث: أنَّ هذه الأحاديث تفترض عدم خلوِّ الزمان من الاثني عشر جميعاً، وأنَّه لابدَّ من وجود أحدهم ما بقي الدِّين إلى أنْ تقوم الساعة.
ويُؤيِّده ما أخرجه البخاري بسنده، عن عبد الله بن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم): «لَا يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ اثْنَانِ»(136).
وأخرجه مسلم في (صحيحه) أيضاً وبلفظ: «لَا يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ اثْنَانِ»(137).
وهو كما ترى ينطبق تمام الانطباق على ما تقوله الشيعة الإماميَّة بأنَّ الإمام الثاني عشر (المهدي (عجَّل الله فرجه)) حيٌّ كسائر الأحياء، وأنَّه لابدَّ من ظهوره في آخر الزمان، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً، على وفق ما بشَّر به جدُّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وآباؤه الأطهار (عليهم السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(135) عون المعبود (ج 11/ ص 245).
(136) صحيح البخاري (ج 6/ ص 7/ ح 3131، وج 11/ ص 35/ ح 6382).
(137) صحيح مسلم (ج 6/ ص 3).
ومن الواضح أنَّ جميع علماء العامَّة لم يتَّفقوا على تسمية الاثني عشر خليفة كما نطقت بذلك أحاديثهم! حتَّى إنَّ بعضهم اضطرَّ إلى إدخال يزيد بن معاوية (لعنه الله) وأمثاله من حثالات التاريخ كمروان وعبد المَلِك ونظرائهم من العتاة المردة وصولاً إلى عمر بن عبد العزيز! كلُّ ذلك لأجل اكتمال نصاب الاثني عشر!
وهذا تفسير خاطئ سقيم لا يسمن ولا يغني من جوع، وغير منسجم مع نصِّ الحديث من كلِّ وجه؛ إذ يلزم منه خلوّ جميع عصور الإسلام بعد عصر عمر ابن عبد العزيز الأُموي من الخليفة، بينما المفروض أنَّ الدِّين لا يزال قائماً بوجودهم إلى قيام الساعة.
إنَّ أحاديث الخلفاء اثنا عشر تبقى بلا تفسير لو تخلَّينا عن حملها على هذا المعنى، لبداهة أنَّ السلطة الظاهريَّة قد تولَّاها من قريش أضعاف العدد المنصوص عليه في هذه الأحاديث، فضلاً عن انقراضهم أجمع، وعدم النصِّ على أحد منهم - أُمويِّين أو عبَّاسيِّين - باتِّفاق جميع المسلمين.
وبهذا الصدد يقول القندوزي الحنفي: (قال بعض المحقِّقين: إنَّ الأحاديث الدالَّة على كون الخلفاء بعده (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اثنا عشر قد اشتهرت من طُرُق كثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان عُلِمَ أنَّ مراد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من حديثه هذا الأئمَّة اثنا عشر من أهل بيته وعترته، إذ لايمكن أنْ يُحْمَل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلَّتهم عن اثني عشر، ولا يمكن أنْ نحمله على الملوك الأُمويَّة لزيادتهم على اثني عشر، ولظلمهم الفاحش إلَّا عمر ابن عبد العزيز، ولكونهم غير بني هاشم؛ لأنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «كُلُّهُمْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» في رواية عبد المَلِك، عن جابر، وإخفاء صوته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في هذا القول يُرجِّح هذه الرواية؛ لأنَّهم لا يُحسنون خلافة بني هاشم. ولا يمكن أنْ يُحمَل على الملوك العبَّاسية؛ لزيادتهم على العدد المذكور، ولقلَّة رعايتهم...، ويُؤيِّد
هذا المعنى - أي: أنَّ مراد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الأئمَّة الاثنا عشر من أهل بيته - ويشهده ويُرجِّحه حديث الثقلين)(138).
ولا يخفى أنَّ حديث (الخلفاء اثنا عشر) قد سبق التسلسل التاريخي للأئمَّة الاثني عشر، وضُبِطَ في كُتُب الصحاح وغيرها قبل تكامل الواقع الإمامي، فهو ليس انعكاساً لواقع، وإنَّما هو تعبير عن حقيقة ربَّانيَّة نطق بها من لا ينطق عن الهوى، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «الخُلَفَاءُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ» ليكون ذلك شاهداً ومصدقاً لهذا الواقع المبتدئ بأمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام)، والمنتهي بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وهو التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث(139).
فالصحيح إذن أنْ يُعتبَر الحديث من دلائل النبوَّة في صدقها عن الإخبار بالمغيَّبات، أمَّا محاولات تطبيقه على من عُرِفُوا بنفاقهم وجرائمهم وسفكهم للدماء من الأُمويِّين والعبَّاسيِّين وغيرهم، فهو يخالف الحديث مفهوماً ومنطوقاً، على الرغم ممَّا في ذلك من إساءة بالغة إلى مقام النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ إذ يعني ذلك أنَّه أخبر ببقاء الدِّين إلى زمان عمر بن عبد العزيز مثلاً، لا إلى أنْ تقوم الساعة!
وقد علمتَ أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) قد قطع الطريق أمام كلِّ التفسيرات المنحرفة لحديث (الخلفاء اثني عشر...)، مبيِّناً المراد بمصاديق هذا الحديث واقعاً كما تقدَّم.
القاعدة الثالثة: قاعدة التسلسل العمودي للإمامة بعد الإمام الحسين (عليه السلام):
تهدف هذه القاعدة إلى الإطاحة بجميع الدعاوى الباطلة التي زعمتها بعض الفِرَق المندرسة التي أتت عليها حملة التثقيف الواسعة التي قادها الإمام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(138) ينابيع المودَّة (ج 3/ص 292 و293/باب 77) في تحقيق حديث «بعدي اثنا عشر خليفة».
(139) بحث حول المهدي (عجَّل الله فرجه) (ص 107).
الصادق (عليه السلام)، وجعلتها هشيماً تذروه الرياح؛ إذ نسفت تلك القاعدة ما زعمه الكيسانيَّة من إمامة محمّد بن الحنفيَّة (رضي الله عنه)، كما نسفت مزاعم الفطحيَّة بإمامة عبد الله الأفطح، وبدَّدت طموح من قال بإمامة السيِّد محمّد بن الإمام الهادي (عليه السلام)، وكذلك من قال بإمامة جعفر الكذَّاب، وزيادةً على ذلك فإنَّها حصرت الإمامة بذرّيَّة الحسين (عليه السلام) كما سنرى.
وعليه، لابدَّ وأنْ يكتمل عدد الأئمَّة الاثني عشر، خصوصاً وإنَّ هذه القاعدة الشريفة قد عُرِفَت قبل اكتمال التسلسل التاريخي للأئمَّة (عليهم السلام)، كما عُرِفَ حديث الخلفاء أو الأئمَّة اثنا عشر كلُّهم من قريش قبل اكتمال التسلسل التاريخي للأئمَّة (عليهم السلام) أيضاً.
ومن هنا ركَّز الإمام الصادق (عليه السلام) على هذه القاعدة، وممَّا يُؤيِّد ذلك على لسانه الشريف أحاديث شتَّى نكتفي ببعضها، وهي:
1 - في الصحيح عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «لَا تَعُودُ الإِمَامَةُ فِي أَخَوَيْنِ بَعْدَ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ أَبَداً، إِنَّمَا جَرَتْ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَأُولُوا الأَرحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ﴾ [الأنفال: 75]، فَلَا تَكُونُ بَعْدَ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ (عليه السلام) إِلَّا فِي الأَعْقَابِ وَأَعْقَابِ الأَعْقَابِ»(140).
2 - وفي الصحيح عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّه قَالَ: «لَا تَجْتَمِعُ الإِمَامَةُ فِي أَخَوَيْنِ بَعْدَ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، إِنَّمَا هِيَ فِي الأَعْقَابِ وَأَعْقَابِ الأَعْقَابِ»(141).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(140) الكافي (ج 1/ ص 285 و286/ باب ثبات الإمامة في الأعقاب.../ ح 1)؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 414/ باب 40/ ح 1)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 226/ ح 192).
(141) الكافي (ج 1/ ص 286/ باب ثبات الإمامة في الأعقاب.../ ح 4)؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 414/ باب 40/ ح 2)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 226/ ح 191).
3 - وفي الصحيح عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَه: إِنْ كَانَ كَوْنٌ - وَلَا أَرَانِي اللهُ - فَبِمَنْ أَئْتَمُّ؟ فَأَوْمَأَ إِلَى ابْنِه مُوسَى، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ حَدَثَ بِمُوسَى حَدَثٌ فَبِمَنْ أَئْتَمُّ؟ قَالَ: «بِوَلَدِه»، قُلْتُ: فَإِنْ حَدَثَ بِوَلَدِه حَدَثٌ وَتَرَكَ أَخاً كَبِيراً وَابْناً صَغِيراً فَبِمَنْ أَئْتَمُّ؟ قَالَ: «بِوَلَدِه، ثُمَّ وَاحِداً فَوَاحِداً»(142).
ومن روائع ترسيخ هذه القاعدة في نفوس الشيعة ما ورد في الصحيح عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ أَبِي الحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام) أَنَّه سُئِلَ: أتَكُونُ الإِمَامَةُ فِي عَمٍّ أَوْ خَالٍ؟ فَقَالَ: «لَا»، فَقُلْتُ: فَفِي أَخٍ؟ قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: فَفِي مَنْ؟ قَالَ: «فِي وَلَدِي»، وَهُوَ - يَوْمَئِذٍ - لَا وَلَدَ لَه(143).
القاعدة الرابعة: عدم خلوِّ الأرض من إمام من الأئمّة الاثني عشر مطلقاً:
وهذه القاعدة الشريفة تُعَدُّ في طليعة القواعد التي أرستها الشريعة الإسلاميَّة، وقد جاء تأكيد الإمام الصادق (عليه السلام) على هذه القاعدة باعتبار أنَّ فهم الأُمَّة لحديث الثقلين ودلالاته، ومعرفتها بالاثني عشر أوصياءً من أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم خلفاء النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، مع التسلسل العمودي للأئمَّة بعد الحسين (عليه السلام) بموجب القاعدة الثالثة، يعني - مع هذه القاعدة - بأنَّ زماننا هذا إلى ما شاء الله تعالى لابدَّ وأنْ يكون فيه إمام من الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) حيًّا كسائر الأحياء، والثابت لدى جميع الأُمَّة هو مضيُّ أحد عشر أوصياءً من الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام)، وهم:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(142) الكافي (ج 1/ ص 286/ باب ثبات الإمامة في الأعقاب.../ ح 5)؛ ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 218).
(143) الكافي (ج 1/ ص 286/ باب ثبات الإمامة في الأعقاب.../ ح 3).
1 - أمير المؤمنين الإمام عليٌّ (عليه السلام)، استُشهِدَ بالكوفة سنة (40هـ)، عن (63) سنة.
2 - الإمام الحسن السبط (عليه السلام)، استُشهِدَ مسموماً في المدينة سنة (50هـ)، عن (48) سنة.
3 - الإمام الحسين السبط (عليه السلام)، استُشهِدَ في كربلاء سنة (60هـ)، عن (57) سنة وخمسة أشهر.
4 - الإمام عليُّ بن الحسين السجَّاد (عليه السلام)، استُشهِدَ مسموماً في المدينة سنة (95هـ)، عن (57) سنة، سمَّه الوليد بن عبد المَلِك.
5 - الإمام محمّد بن عليٍّ الباقر (عليه السلام)، استُشهِدَ مسموماً في المدينة سنة (114هـ)، عن (57) سنة، سمَّه إبراهيم بن الوليد.
6 - الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام)، استُشهِدَ مسموماً بالمدينة سنة (148هـ)، عن (65) سنة، سمَّه المنصور العبَّاسي بالعنب.
7 - الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)، استُشهِدَ مسموماً ببغداد سنة (183هـ) في حبس هارون، عن (55) سنة، سمَّه هارون.
8 - الإمام عليُّ بن موسى الرضا (عليه السلام)، استُشهِدَ مسموماً بخراسان سنة (203هـ)، عن (55) سنة، سمَّه المأمون بالعنب.
9 - الإمام محمّد بن عليٍّ الجواد (عليه السلام)، استُشهِدَ مسموماً ببغداد سنة (220هـ)، عن (25) سنة، سمَّه المعتصم.
10 - الإمام عليُّ بن محمّد الهادي (عليه السلام)، استُشهِدَ مسموماً بسامرَّاء سنة (254هـ)، عن (41) سنة، سمَّه المعتزُّ.
11 - الإمام الحسن بن عليٍّ العسكري (عليه السلام)، استُشهِدَ مسموماً بسامرَّاء سنة (260هـ)، عن (28) سنة، سمَّه المعتمد.
وقاعدة عدم خلوِّ الأرض من إمام حجَّة إمَّا ظاهراً مشهوراً أو غائباً مستوراً قد عرفتها الشيعة منذ عهد أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولعلَّه (عليه السلام) هو أوَّل من أشاعها في حديثه (عليه السلام) لكميل بن زياد النخعي الثقة، ذلك الحديث الذي وصفه ابن قيِّم بقوله: (وهو حديث مشهور عند أهل العلم، يستغني عن الإسناد لشهرته عندهم)(144).
وهذا الحديث رواه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) كميل بن زياد النخعي الثقة كما في (نهج البلاغة)(145)، وقد رواه عنه الجمُّ الغفير من المحدِّثين(146).
وفي (الكافي) وحده ثلاثة عشر حديثاً في خصوص هذه القاعدة(147).
وفي (إكمال الدِّين) للشيخ الصدوق (رحمه الله) خمسة وستِّين حديثاً في خصوص هذه القاعدة أيضاً(148).
فأصالة هذه القاعدة وعمقها التاريخي في الفكر الدِّيني ممَّا لا نقاش فيه أصلاً.
واللسان العربي الأصيل ذو ذائقة خاصَّة في تذوُّق معنى هذه القواعد الشريفة وفهم دلالتها، ولهذا فهو لا يُعذَر على سوء فهمه لدلالتها، بخلاف من لم يتأدَّب بآدابها ويتمرَّس على فنونها ولم يعمِ الله بصيرته، ولم يطبع على قلبه.
ويبقى السؤال هنا بعد أنْ عرفت مضيَّ أحد عشر أوصياءً، هو: أين الإمام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(144) أعلام الموقِّعين (ج 3/ ص 26) تحت عنوان: (مضارّ زلَّة العلم).
(145) نهج البلاغة (ص 495 - 497/ ح 147).
(146) راجع تخريجه في كتابنا: دفاع عن الكافي (ج 1/ ص 479 و480)، وفي كتابنا: المهدي المنتظَر (عجَّل الله فرجه) في الفكر الإسلامي (ص 87 و88).
(147) الكافي (ج 1/ ص 178 و179/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة).
(148) كمال الدِّين (ص 211 - 241/ باب اتِّصال الوصيَّة من لدن آدم (عليه السلام)، وأنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة لله (عزَّ وجلَّ) على خلقه إلى يوم القيامة).
الثاني عشر (عجَّل الله فرجه)؟ ومن عساه سيكون غير ابن الإمام الحادي عشر الحسن العسكري (عليه السلام) الذي راح شهيداً على يد عُتاة بني العبَّاس؟
إنَّ القواعد التي عرفتها طلائع التشيُّع قبل ولادة الإمام العسكري (عليه السلام) بعشرات السنين تأبى من قبول أيِّ تسويف أو تأويل متعسِّف حيال هويَّة ابنه الإمام الثاني عشر (عجَّل الله فرجه).
نعم، قد يقال بأنَّ هذا من الناحية النظريَّة مقبول إلى حدٍّ ما، ولكن يجب تحقُّقه في مساحة الواقع التاريخي بولادة الحجَّة بن العسكري (عجَّل الله فرجه)، حتَّى تكون النظريَّة قابلة للتطبيق!
وللإجابة على هذا التساؤل نحتاج إلى بسط عريض يبعدنا عن أصل الموضوع، ومع هذا فلن نهمله دون الإشارة السريعة إلى ما يُثبِت ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، فنقول باختصار شديد:
بلغ مجموع من اعترف بولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) من علماء العامَّة فقط، وبحسب ما قمنا به من إحصاء سابق مائة وثمانية وعشرين عالماً(149)، وقد ذكرنا في ذيل كلِّ اسم ما يدلُّ على اعترافه بكلِّ دقَّة وتفصيل. وهم لم يعترفوا بولادة ابن الحسن العسكري (عجَّل الله فرجه) بناءً على تلك القواعد، وإنَّما اعترفوا بذلك على أساس متين من الواقع التاريخي لحدث الولادة المباركة.
وأمَّا مجموع من رأى الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في حياة أبيه الإمام العسكري (عليه السلام)، فقد بلغ بإحصائنا تسعة وسبعين نفراً(150)، وذكرنا من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(149) راجع كتابنا: دفاع عن الكافي (ج 1/ ص 568 - 592) تحت عنوان: (الدليل السادس: اعترافات أهل السُّنَّة)، وراجع كتابنا: المهدي المنتظَر (عجَّل الله فرجه) في الفكر الإسلامي (ص 146 - 151).
(150) راجع كتابنا: دفاع عن الكافي (ج 1/ ص 548 - 562) تحت عنوان: (الدليل الثالث: من شهد برؤية الإمام المهدي (عليه السلام))، وراجع كتابنا: المهدي المنتظَر (عجَّل الله فرجه) في الفكر الإسلامي (ص 118 - 132).
وكلائه (عجَّل الله فرجه) من أهل آذربيجان، والأهواز، وبغداد، والكوفة، وقم، ونيسابور، وهمدان زهاء ثلاثة عشر شخصاً(151).
هذا فضلاً عمَّا خرج من توقيعات عن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في زمان السفراء الأربعة، مجموع الصحيح الثابت منها على نحو القطع يوجب تواتر ولادته وحياته الشريفة.
وأمَّا الأحاديث الصحيحة المثبتة لإقرار الإمام العسكري (عليه السلام) بولادة ابنه الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وشهادة الأصحاب بذلك، فضلاً عن الخدم والجواري فتحتاج إلى كتابٍ مستقلٍّ، كما أثبتنا في بحث آخر اتِّفاق ثمانية من علماء الأنساب على ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وتثبيت نسبه الشريف، وفيهم المعاصر للغيبة الصغرى(152).
الأمر الذي يشير إلى انطباق تلك القواعد الشريفة على الواقع التاريخي بأبهى صورة، وأقوى دليل، وأمتن برهان.
ثمّ كيف لا تجد تلك القواعد مصداقها الخارجي وهي صادرة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومؤكَّدة على لسان العروة الوثقى في الدِّين الهداة الميامين من آل طه وياسين؟
إنَّ الذين أطاعوا الله ورسوله في آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما كان التصديق بأنباء الغيب عندهم موقوفاً على تحقُّقها، ولهذا فهم آمنوا بها ورووها وكانوا على ثقة من تحقُّقها ولو بعد حين، ﴿الم * ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ (البقرة: 1 - 3)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(151) راجع كتابنا: دفاع عن الكافي (ج 1/ ص 562 و563)، وراجع كتابنا: المهدي المنتظَر (عجَّل الله فرجه) في الفكر الإسلامي (ص 133).
(152) راجع كتابنا: المهدي المنتظَر (عجَّل الله فرجه) في الفكر الإسلامي (ص 138 - 141).
ولهذا لم يناقشوا في تلك الأخبار، ولا وقفوا حيالها موقف الرافض المشكِّك، بل كانوا يعدُّون العدَّة لانتظار ذلك اليوم الموعود، ويتحرَّقون شوقاً إلى ساعة الخلاص على يد المنتظَر (أرواحنا فداه)، وبقيت أجيالهم هكذا إلى حين ولادته (عجَّل الله فرجه) وغيبته، ولا زال خلفهم الصالح على ذات الطريق، وقد كان من ثواب انتظارهم ما أخرجوه عن الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: «مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ وَهُوَ مُنْتَظِرٌ لِهَذَا الأَمْرِ كَمَنْ هُوَ مَعَ القَائِمِ فِي فُسْطَاطِهِ...، لَا بَلْ كَمَنْ قَارَعَ مَعَهُ بِسَيْفِهِ...، لَا وَاَلله إِلَّا كَمَنِ اُسْتُشْهِدَ مَعَ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(153).
هذا، وأمَّا عن دور الإمام الصادق (عليه السلام) في ترسيخ هذه القاعدة، فيمكن الإشارة إليه بالأحاديث الآتية:
1 - عن الوشَّاء، عن الإمام الرضا (عليه السلام)، قال: «إِنَّ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) قَالَ: إِنَّ الحُجَّةَ لَا تَقُومُ لِله (عزَّ وجلَّ) عَلَى خَلْقِه إِلَّا بِإِمَامٍ حَتَّى يُعْرَفَ»(154).
وقد عرفت أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة، وفي هذا الحديث حصر للحجَّة بالإمام، لئلَّا يتوهَّم أحد فيزعم أنَّه فلان أو فلان أو فلان أو معاوية بن أبي سفيان!
2 - وَعَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: إِنَّ الله (جَلَّ وَعَزَّ) أَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَ الأَرْضَ بِغَيْرِ إِمَامٍ»(155).
3 - وَعَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ خِدَاشٍ البَصْرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: سَأَلَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(153) المحاسن (ج 1/ ص 174/ باب من مات على هذا الأمر كان كمن استُشهد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)/ ح 151)، وفي الباب أحاديث كثيرة بهذا اللفظ تارةً، وبمعناه أُخرى.
(154) الكافي (ج 1/ ص 177/ باب أنَّ الحجَّة لا تقوم لله على خلقه إلَّا بإمام/ ح 2).
(155) بصائر الدرجات (ص 505/ ج 10/ باب 10/ ح 3)، الكافي (ج 1/ ص 178/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح 6)، كمال الِّدين (ص 234/ باب 22/ ح 43).
رَجُلٌ فَقَالَ: تَخْلُو الأَرْضُ سَاعَةً لَا يَكُونُ فِيهَا إِمَامٌ؟ قَالَ: «لَا تَخْلُو الأَرْضُ مِنَ الحَقِّ»(156).
4 - وَعَنْ أَبِي حَمْزَةَ اَلثُّمَالِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام): تَبْقَى الأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟ قَالَ: «لَوْ بَقِيَتِ الأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ لَسَاخَتْ»(157).
5 - وَعَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «لَوْ لَمْ تَكُنْ فِي اَلدُّنْيَا إِلَّا اِثْنَانِ لَكَانَ الإِمَامُ أَحَدَهُمَا»(158).
وروى حمزة بن الطيَّار، عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، نحوه(159).
6 - وَعَنْ ذَرِيحٍ اَلمُحَارِبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «مِنَّا الإِمَامُ اَلمَفْرُوضُ طَاعَتُهُ، مَنْ جَحَدَهُ مَاتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَاَلله مَا تَرَكَ اَللهُ الأَرْضَ مُنْذُ قَبَضَ اَللهُ آدَمَ إِلَّا وَفِيهَا إِمَامٌ يُهْتَدَى بِهِ إِلَى اَلله، حُجَّةً عَلَى العِبَادِ، مَنْ تَرَكَهُ هَلَكَ، وَمَنْ لَزِمَهُ نَجَا، حَقًّا عَلَى اَلله»(160).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(156) كمال الدِّين (ص 233/ باب 22/ ح 40).
(157) بصائر الدرجات (ص 508/ ج 10/ باب 12/ ح 2)، الكافي (ج 1/ ص 179/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح 10)، الإمامة والتبصرة (ص 30/ ح 12)، الغيبة للنعماني (ص 139/ باب 8/ ح 8)، كمال الدِّين (ص 201/ باب 21/ ح 1)، علل الشرائع (ج 1/ ص 196/ باب 153/ ح 5، وص 198/ باب 153/ ح 16 و18)، الغيبة للطوسي (ص 220/ ح 182).
(158) بصائر الدرجات (ص 507/ ج 10/ باب 11/ ح 2)، الكافي (ج 1/ ص 180/ باب أنَّه لو لم يبقَ في الأرض إلَّا رجلان لكان أحدهما الحجَّة/ ح 5).
(159) بصائر الدرجات (ص 507 و508/ ج 10/ باب 11/ ح 3)، الكافي (ج 1/ ص 180/ باب أنَّه لو لم يبقَ في الأرض إلَّا رجلان لكان أحدهما الحجَّة/ ح 4)، والإمامة والتبصرة (ص 28/ ح 9)، الغيبة للنعماني (ص 141/ باب 9/ ح 1)، كمال الدِّين (ص 203/ باب 21/ ح 10)، علل الشرائع (ج 1/ ص 197/ باب 153/ ح 10).
(160) المحاسن (ج 1/ ص 92/ ح 45) عن ذريح المحاربي عن أبي حمزة، الإمامة والتبصرة (ص 31/ ح 15)، كمال الدِّين (ص 230/ باب 22/ ح 28)، علل الشرائع (ج 1/ ص 197/ باب 153/ ح 13)، اختيار معرفة الرجال (ج 2/ ص 670 و671/ ح 698) في ترجمة ذريح المحاربي.
وإلى هنا قد تبيَّن لنا أنَّ قاعدة العصمة والمرجعيَّة السياسية العلميَّة قد حصرها حديث الثقلين الشريف بعد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالقرآن الكريم وأهل البيت (عليهم السلام)، وأنَّ أهل البيت (عليهم السلام) قد حصرتهم القاعدة الثانية باثني عشر أوصياءً: أمير المؤمنين والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين (عليهم السلام)، وأنَّ الإمامة لا تكون إلَّا في عقب الإمام الحسين (عليه السلام) كما وضَّحته القاعدة الثالثة.
ثمّ جاءت القاعدة الرابعة لتُبيِّن لنا أنَّ أُولئك الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) لا تخلو الأرض من واحد منهم على الإطلاق؛ لأنَّهم حُجَج الله في بلاده على عباده منذ وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإلى قيام الساعة، وقد ثبت مضيُّ أحد عشر إماماً منهم (عليهم السلام)، وبقي الموعود المنتظَر الثاني عشر ابن الإمام العسكري (عجَّل الله فرجه).
وأنَّ الأُمَّة ملزمة بمعرفته باسمه ونسبه كما هو صريح القاعدة الخامسة التي اشتهرت عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) برواية الفريقين، كما صحَّت روايتها عن أهل البيت (عليهم السلام)، لاسيّما الإمام الصادق (عليه السلام) ومن طُرُق شتَّى، وهي:
القاعدة الخامسة: قاعدة وجوب معرفة إمام الزمان من أهل البيت (عليهم السلام):
ويدلُّ على ترسيخ الإمام الصادق (عليه السلام) لهذه القاعدة والتثقيف الواسع عليها أحاديثه الشريفة الكثيرة في خصوص وجوب معرفة إمام الزمان، وسنكتفي في حدود تأكيده على حديث: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْ إِمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، كالآتي:
1 - عَنْ بَشِيرٍ اَلدَّهَّانِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): مَنْ مَاتَ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ إِمَامَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، فَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ، قَدْ رَأَيْتُمْ أَصْحَابَ عَلِيٍّ، وَأَنْتُمْ تَأْتَمُّونَ بِمَنْ لَا يُعْذَرُ اَلنَّاسُ بِجَهَالَتِهِ، لَنَا كَرَائِمُ القُرْآنِ، وَنَحْنُ أَقْوَامٌ اِفْتَرَضَ اَللهُ طَاعَتَنَا، وَلَنَا الأَنْفَالُ، وَلَنَا صَفْوُ اَلمَالِ»(161).
2 - وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): مَنْ مَاتَ لَا يَعْرِفُ إِمَامَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»(162).
وبهذا اللفظ وما قاربه ما رواه عيسى بن السَّرِي(163)، والحسين بن أبي العلاء(164)، وعبد الأعلى(165)، وأيُّوب بن الحرِّ(166)، وأبو بكر الحضرمي(167)، وعبد الله ابن أبي يعفور(168)، كلُّهم عن الإمام الصادق (عليه السلام).
3 - وَعَنِ الفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: ابْتَدَأَنَا أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) يَوْماً وَقَالَ: «قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْه إِمَامٌ فَمِيتَتُه مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ»، فَقُلْتُ: قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ فَقَالَ: «إِي وَالله قَدْ قَالَ»، قُلْتُ: فَكُلُّ مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَه إِمَامٌ فَمِيتَتُه مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ»(169).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(161) المحاسن (ج 1/ ص 251 و252/ ح 78)؛ وبتفاوت في: تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 48 و49/ ح 19)، والكافي (ج 8/ ص 146 و147/ ح 123).
(162) الغيبة للنعماني (ص 128 و129/ باب 7/ ح 6).
(163) المحاسن (ج 1/ ص 154/ ح 79)، الكافي (ج 2/ ص 19 - 21/ باب دعائم الإسلام/ ح 6 و9)، تفسير العيَّاشي (ج 1/ ص 252 و253/ ح 175) في تفسير سورة النساء، اختيار معرفة الرجال (ج 2/ ص 723 و724/ ح 799).
(164) المحاسن (ج 1/ ص 154/ ح 80).
(165) الكافي (ج 1/ ص 378 و379/ باب ما يجب على الناس عند مضيِّ الإمام (عليه السلام)/ ح 2).
(166) المحاسن (ج 1/ ص 155/ ح 81).
(167) الإمامة والتبصرة (ص 82 و83/ ح 70).
(168) الكافي (ج 1/ ص 376/ باب من مات وليس له إمام من أئمَّة الهدى/ ح 2).
(169) الكافي (ج 1/ ص 376/ باب من مات وليس له إمام من أئمَّة الهدى/ ح 1).
4 - وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مَاتَ مِيتَة جَاهِلِيَّةِ كُفْرٍ وَشِرْكٍ وَضَلَالٍ»(170).
وفي رواية أُخرى عنه (عليه السلام): «مِيِتَة كُفْرٍ وَنِفَاقٍ وَضَلَالٍ»(171).
وللشيخ المفيد (رضي الله عنه) كلام مهمٌّ حول هذا الحديث، قال: (عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ إِمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»)، ثمّ قال: (وهذا صريح بأنَّ الجهل بالإمام يُخرج صاحبه عن الإسلام)(172).
وقال (رحمه الله) في الرسالة الأُولى في الغيبة: (سأل سائل فقال: أخبروني عمَّا روي عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ إِمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، هل هو ثابت صحيح؟ أم هو معتلٌّ سقيم؟).
فأجاب الشيخ المفيد (رحمه الله) قائلاً: (بل هو خبر صحيح يشهد له إجماع أهل الآثار، ويُقوِّي معناه صريح القرآن، حيث يقول (جلَّ اسمه): ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ [الإسراء: 71]، وقوله تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هؤُلَاءِ شَهِيداً﴾ [النساء: 41]، وأي كثيرة من القرآن)(173).
وفي الصحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام) ما يُوضِّح أهمّيَّة هذه القاعدة، وصلتها بمقام أهل البيت (عليهم السلام).
فقد روى ثقة الإسلام الكليني (رضي الله عنه)، عن عليِّ بن إبراهيم الفقيه المفسِّر الثبت الثقة، عن محمّد بن عيسى الفقيه الجليل الثبت الثقة، عن يونس بن عبد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(170) الإمامة والتبصرة (ص 83/ ح 71)، ومثله في: كمال الدِّين (ص 412/ باب 39/ ح 11).
(171) الكافي (ج 1/ ص 376/ باب من مات وليس له إمام من أئمَّة الهدى/ ح 3).
(172) الإفصاح في الإمامة (ص 28 و29).
(173) رسائل في الغيبة (ج 1/ ص 11 و12).
الرحمن الفقيه العظيم الجليل الثبت الثقة، عن حمَّاد بن عثمان الثبت الثقة، عن عيسى بن السَّرِي الثبت الثقة، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): حَدِّثْنِي عَمَّا بُنِيَتْ عَلَيْه دَعَائِمُ الإِسْلَامِ إِذَا أَنَا أَخَذْتُ بِهَا زَكَى عَمَلِي وَلَمْ يَضُرَّنِي جَهْلُ مَا جَهِلْتُ بَعْدَه، فَقَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَالإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ بِه مِنْ عِنْدِ الله، وَحَقٌّ فِي الأَمْوَالِ مِنَ الزَّكَاةِ، وَالوَلَايَةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) بِهَا، وَلَايَةُ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَإِنَّ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: مَنْ مَاتَ وَلَا يَعْرِفُ إِمَامَه مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، قَالَ اللهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، فَكَانَ عَلِيٌّ (عليه السلام)، ثُمَّ صَارَ مِنْ بَعْدِه الحَسَنُ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِه الحُسَيْنُ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِه عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِه مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثُمَّ هَكَذَا يَكُونُ الأَمْرُ، إِنَّ الأَرْضَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِإِمَامٍ، وَمَنْ مَاتَ لَا يَعْرِفُ إِمَامَه مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَأَحْوَجُ مَا يَكُونُ أَحَدُكُمْ إِلَى مَعْرِفَتِه إِذَا بَلَغَتْ نَفْسُه هَاهُنَا - قَالَ: وَأَهْوَى بِيَدِه إِلَى صَدْرِه -، يَقُولُ - حِينَئِذٍ -: لَقَدْ كُنْتُ عَلَى أَمْرٍ حَسَنٍ»(174).
وقد روى هذه الرواية صفوان بن يحيى الثقة، عن عيسى بن السَّرِي أيضاً(175)، الأمر الذي يُعزِّز من صدقها، ويُؤكِّد سماعها من الإمام الصادق (عليه السلام) حقًّا.
ونظير الرواية المذكورة في الصحَّة ما أخرجه ثقة الإسلام الكليني (رحمه الله) بسند صحيح عَنْ بَشِيرٍ الكُنَاسِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «وَصَلْتُمْ وَقَطَعَ النَّاسُ، وأَحْبَبْتُمْ وَأَبْغَضَ النَّاسُ، وَعَرَفْتُمْ وَأَنْكَرَ النَّاسُ، وَهُوَ الحَقُّ، إِنَّ اللهَ اتَّخَذَ مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عَبْداً قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَه نَبِيًّا، وَإِنَّ عَلِيًّا (عليه السلام) كَانَ عَبْداً نَاصِحاً لِله (عزَّ وجلَّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(174) الكافي (ج 2/ ص 21/ باب دعائم الإسلام/ ح 9).
(175) اختيار معرفة الرجال (ج 2/ ص 723 و724/ ح 799) في ترجمة أبي اليسع عيسى بن السَّرِي.
فَنَصَحَه، وَأَحَبَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) فَأَحَبَّه، إِنَّ حَقَّنَا فِي كِتَابِ الله بَيِّنٌ، لَنَا صَفْوُ الأَمْوَالِ، وَلَنَا الأَنْفَالُ، وَإِنَّا قَوْمٌ فَرَضَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) طَاعَتَنَا، وَإِنَّكُمْ تَأْتَمُّونَ بِمَنْ لَا يُعْذَرُ النَّاسُ بِجَهَالَتِه، وَقَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَه إِمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، عَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ...»(176).
هذا، وأمَّا من ادَّعى أنَّ المراد بالإمام الذي من لا يعرفه سيموت ميتةً جاهليَّة هو السلطان أو الحاكم أو المَلِك ونحو ذلك وإنْ كان فاسقاً ظالماً كما هو حال سلاطين بني أُميَّة وبني العبَّاس، أو طاغية مستبدًّا كما هو عليه واقعنا المعاصر، فعليه أنْ يُثبِت بالدليل أنَّ معرفة هذه النماذج القذرة من الدِّين أوَّلاً، ثمّ يُبيِّن للعقلاء الثمرة المترتِّبة على وجوب معرفة الظالم الفاسق الطاغية المستبدِّ بحيث يكون من مات ولم يعرفه مات ميتةً جاهليَّة.
ومن عظيم ما يُروى فيمن ادَّعى ذلك الصحيح الوارد عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُه يَقُولُ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: مَنِ ادَّعَى إِمَامَةً مِنَ الله لَيْسَتْ لَه، وَمَنْ جَحَدَ إِمَاماً مِنَ الله، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُمَا فِي الإِسْلَامِ نَصِيباً»(177).
إنَّ دلالة ما مرَّ على ضرورة معرفة الإمام الحقِّ الذي أمر الله تعالى بطاعته، لا تتمُّ في زماننا هذا إلَّا مع القول بولادة الإمام المهدي الحجَّة ابن الحسن العسكري (عجَّل الله فرجه)، وغيبته، واعتقاد ظهوره في آخر الزمان ليملأ الدنيا قسطاً وعدلاً بعدما مُلِئَت ظلماً وجوراً.
ولا يخفى أنَّ المراد من هذه القاعدة ليس مجرَّد معرفة الإمام باسمه ونسبه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(176) الكافي (ج 8/ ص 146 و147/ ح 123).
(177) الكافي (ج 1/ ص 373/ باب من ادَّعى الإمامة وليس لها بأهل.../ ح 4)؛ ورواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 112/ باب 5/ ح 3).
مثلاً، وإنَّما المطلوب إلى جانب المعرفة تلك: طاعة الإمام، وعدم مخالفته بشيء، والردُّ إليه، والتسليم له.
وفي الصحيح الثابت ما قاله إمامنا الصادق (عليه السلام) لزيد الشحَّام: «تَدْرِي بِمَا أُمِرُوا؟ أُمِرُوا بِمَعْرِفَتِنَا، وَاَلرَّدِّ إِلَيْنَا، وَاَلتَّسْلِيمِ لَنَا»(178).
وفي الصحيح عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام): أَرَأَيْتَ اَلرَّادَّ عَلَيَّ هَذَا الأَمْرَ كَالرَّادِّ عَلَيْكُمْ؟ فَقَالَ: «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ هَذَا الأَمْرَ فَهُوَ كَالرَّادِّ عَلَى رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(179).
وكلُّ هذا يُعزِّز ما ذكرناه سابقاً في حكم مَنْ أنكر الإمام المهدي ابن الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(178) بصائر الدرجات (ص546 و546/ ج 10/ باب 20/ ح 32).
(179) المحاسن (ج 1/ ص 185/ ح 194)، الكافي (ج 8/ ص 146/ ح 120).
الفصل الثالث: تشخيص الإمام الصادق (عليه السلام) لهويَّة الغائب، وكيفيَّة الانتفاع به في غيبته
أوَّلاً: منهج الإمام الصادق (عليه السلام) في تشخيص هويَّة الإمام الغائب (عجَّل الله فرجه):
يرجع الفضل في معرفتنا بذلك المنهج المحكم إلى محدِّثي الإماميَّة الذين عاشوا في الغيبة الصغرى (260 - 329هـ) أو بعدها، كالبرقي (ت 274هـ، وقيل: سنة 280هـ)، والصفَّار (ت 290هـ)، وثقة الإسلام الكليني (ت 329هـ)، والصدوق الأوَّل (ت 329هـ)، والنعماني (ت بعد سنة 342هـ)، والشيخ الصدوق (ت 381هـ)، والشيخ المفيد (ت 413هـ)، والشيخ الطوسي (ت 460هـ)، وغيرهم من أعلام الإماميَّة المتقدِّمين الذين استفرغوا الوسع في جمع الحديث الشريف وتحقيقه وتدوينه، باعتمادهم على مصنَّفات الشيعة في القرون الثلاثة الأُولى، لاسيّما الكُتُب المعروفة بـ(الأُصول الأربعمائة)، وغيرها من المصنَّفات المعتمدة المؤلَّفة في عصور الأئمَّة التي شاع اعتمادها، حتَّى صار مرجعهم إليها ومعوَّلهم عليها، وأودعوا ما جمعوا منها في مؤلَّفاتهم المعروفة، مع حسن تبويبها وتصنيفها، الأمر الذي ساعد على استخراج المادَّة المطلوبة منها بيسر وسهولة، هذا فضلاً عن الكُتُب الأُخرى المصنَّفة في خصوص الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وغيبته.
ولا شكَّ بأنَّ الرجوع إلى تلك الكُتُب - بصنفيها - سوف يكشف بالتأكيد عن غيبة الإمام المهدي عند جدِّه الإمام الصادق (عليهما السلام) بكلِّ وضوح،
ولا يضرُّ وجود الإجمال في بعضها مع وجود التفصيل، كما لا يقدح الإبهام في دلالاتها مع توفُّر البسط والتوضيح؛ إذ لم يقتصر إمامنا الصادق (عليه السلام) على إخبار شيعته بمجرَّد غيبة إمام من أهل البيت (عليهم السلام) حتَّى يمكن القول بعدم دلالة ما أخبر به على غياب شخص معيَّن، وإنَّما أخبرهم كذلك بشخص من سيغيب، وحدَّد رقمه من بين الأئمَّة الاثني عشر، وذكر اسمه وكنيته، وسلَّط الضوء على كامل هويَّته، وما يقوله المبطلون في ولادته، وطول أمد غيبته، وما يجب على المؤمنين من انتظار فرجه، مع تبيين واسع لعلامات ظهوره، ومكان الظهور، وعدد أنصاره، ومدَّة حكمه بعد ظهوره، وقوَّة دولته، وسعة العدل فيها، والرخاء العميم في جنباتها، وسيطرة دين الإسلام في ظلالها على سائر الأديان كلِّها في مشارق الأرض ومغاربها، بما لا يبقى مع تلك الأخبار أدنى مجال للقول بمهدي مجهول يخلقه الله تعالى في آخر الزمان.
وهكذا حكم الإمام الصادق (عليه السلام) من خلال ما وصلنا من أحاديثه الشريفة بزيف دعاوى المهدويَّة السابقة على عصره، والمعاصرة له، واللَّاحقة به، وبيَّن كذبها جميعاً، كمهدويَّة محمّد بن الحنفيَّة (ت 73هـ، وقيل غيرها)، ومهدويَّة عمر بن عبد العزيز الأُموي (ت 101هـ)، ومهدويَّة محمّد بن عبد الله ابن الحسن الذي قتله المنصور الدوانيقي سنة (145هـ)، ومهدويَّة الملقَّب زوراً بالمهدي العبَّاسي (ت 169هـ).
ولم يكتفِ الإمام الصادق (عليه السلام) بهذا كلِّه، وإنَّما حاول تنبيه الشيعة إلى ما سيحصل بعده من قول الناووسيَّة بمهدويَّته (عليه السلام)، وقول الواقفيَّة بمهدويَّة ابنه الإمام الكاظم بعد وفاته (عليه السلام).
ومن هنا نفى الإمام الصادق (عليه السلام) المهدويَّة عن نفسه، وعن ولده الإمام الكاظم (عليه السلام) بوضوح وصراحة تامَّين؛ لكي لا يغترّ أحد بمقولة الناووسيَّة،
ولا يعبأ بمقولة الواقفيَّة، ولا يصغي لغيرهما كالفطحيَّة وأمثالها، ممَّا نتج عن ذلك التنبيه الواعي المدروس أنْ تبخَّرت تلك المزاعم الباطلة وذهبت أدراج الرياح، واضمحلَّت فِرَقها الفاسدة بعد ظهورها على مسرح الأحداث، وزالت بأسرها عن صفحة الوجود كلمح في البصر، وعاد مثلها كمثل الفقاعات التي تظهر على سطح الماء الساخن فجأةً، ثمّ سرعان ما تنفجر وتتلاشى، بحيث لا ترى لها رسماً ولا طللاً، وهكذا كانت تلك الفِرَق! محا الله تعالى آثارها ودثر أخبارها، حتَّى صارت أثراً بعد عين، وذهبت جفاءً كالزبد الذي لا يمكث في الأرض إلَّا قليلاً.
وفي مقام بيان منهج الإمام الصادق (عليه السلام) في تشخيص هويَّة المهدي الموعود بظهوره في آخر الزمان (عجَّل الله فرجه)، نقف على أُسلوبين في هذا المهنج الشريف، وهما:
الأُسلوب الأوَّل: أُسلوب التمثيل والتشبيه لتقريب الهويَّة:
وخير ما يدلُّ على هذا الأُسلوب أحاديث الإمام الصادق (عليه السلام) التي بيَّنت أوجه الشبه بين الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وبين بعض الأنبياء (عليهم السلام)، ومن مراجعة ما حكاه القرآن الكريم في قَصصهم (عليهم السلام)، وما بيَّنته الأحاديث النبويَّة الشريفة في هذا المجال، يُعلَم بأنَّ هدف الإمام الصادق (عليه السلام) في تبيان أوجه الشَّبَه تلك إنَّما هو بهدف التوعية المطلوبة، وذلك على مستويين:
المستوى الأوَّل: مستوى من لم يعاصر الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
ويضمُّ هذا المستوى جميع من ماتوا قبل ولادته (عجَّل الله فرجه) من أصحاب الإمام الصادق وأصحاب ولده (عليهم السلام) وصولاً إلى الإمام العسكري (عليه السلام)؛ إذ بإمكان هذه الطبقة أنْ تستحضر هذا الأُسلوب لكي تعرف قيمة ما يظهر بزمانها من دعاوى المهدويَّة، ويتأكَّد لها - حينئذٍ - بطلان تلك الدعاوى؛ لعدم انطباق التشبيه والتمثيل الواردين في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) عليها.
وما قد يقال بأنَّ هذه الطبقة من الأصحاب لا تحتاج في الواقع إلى كلِّ ذلك؛
إذ يكفيها معرفة إمام زمانها فحسب، وعلى أبعد تقدير معرفة من سيليه على أمر الإمامة، وأمَّا معرفة هويَّة من سيأتي بعد ذلك من الأئمَّة (عليهم السلام) فهي غير مسؤولة عنها ولا ملزمة بها. وأمَّا عن دعاوى المهدويَّة التي عاصرتها، فبإمكانها السؤال من إمام زمانها نفسه عن مدى مصداقيَّتها، وحينئذٍ ستنتفي حاجتها إلى هذا الأُسلوب، خصوصاً وأنَّ في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) ما يدلُّ على ذلك. ويكفي في هذا ما ذكره ثقة الإسلام الكليني (رحمه الله) في (باب أنَّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر)، حيث ضمَّ سبعة أحاديث بهذا المعنى، وهذا نموذج منها:
1 - عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «اعْرِفْ إِمَامَكَ، فَإِنَّكَ إِذَا عَرَفْتَ لَمْ يَضُرَّكَ تَقَدَّمَ هَذَا الأَمْرُ أَوْ تَأَخَّرَ»(180).
2 - وَعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الخُزَاعِيِّ، قَالَ: سَأَلَ أَبُو بَصِيرٍ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) وَأَنَا أَسْمَعُ، فَقَالَ: تَرَانِي أُدْرِكُ القَائِمَ (عليه السلام)؟ فَقَالَ: «يَا أَبَا بَصِيرٍ، أَلَسْتَ تَعْرِفُ إِمَامَكَ؟»، فَقَالَ: إِي وَالله، وَأَنْتَ هُوَ، وَتَنَاوَلَ يَدَه، فَقَالَ: «وَالله مَا تُبَالِي يَا أَبَا بَصِيرٍ أَلَّا تَكُونَ مُحْتَبِياً بِسَيْفِكَ فِي ظِلِّ رِوَاقِ القَائِمِ (صَلَوَاتُ الله عَلَيْه)»(181).
3 - وَعَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَه إِمَامٌ فَمِيتَتُه مِيتَةُ جَاهِلِيَّةٍ، وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ عَارِفٌ لإِمَامِه لَمْ يَضُرَّه تَقَدَّمَ هَذَا الأَمْرُ أَوْ تَأَخَّرَ، وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ عَارِفٌ لإِمَامِه كَانَ كَمَنْ هُوَ مَعَ القَائِمِ فِي فُسْطَاطِه»(182).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(180) الكافي (ج 1/ ص 371/ باب أنَّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر/ ح 1)؛ ورواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 350/ باب 25/ ح 1).
(181) الكافي (ج 1/ ص 371/ باب أنَّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر/ ح 4)؛ ورواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 351/ باب 25/ ح 4).
(182) الكافي (ج 1/ ص 371 و372/ باب أنَّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر/ ح 5)؛ ورواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 351 و352/ باب 25/ ح 5).
وكلُّ هذا يدلُّ على انتفاء حاجة الأصحاب إلى التوعية المطلوبة على المستوى الأوَّل في تبيان أوجه الشَّبَه بين المهدي الموعود (عليه السلام) وبين الأنبياء السابقين (عليهم السلام).
فكيف تكون تلك التوعية إذن هدفاً من أهداف الإمام الصادق (عليه السلام) مع انتفاء حاجة الأصحاب إليها؟
والجواب باختصار هو: أنَّ أحاديث الاكتفاء بمعرفة إمام الزمان (عجَّل الله فرجه) إنَّما جاء التأكيد عليها في مقابل استعجال بعض أصحاب الأئمَّة (عليهم السلام) في مسألة ظهور الفرج على يد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)؛ إذ سبق إلى أذهانهم دوره الشريف في إنشاء دولة آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، دولة الحقِّ الشامل، وذلك من خلال ما بشَّر به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وآله الأطهار (عليهم السلام)، والمعروف من انتظار الفرج في ظلِّ الاستبداد والعنف السياسي المقيت المتواصل، عادةً ما يكون مدعاة للسأم والضجر، وقد ينتج عنه اليأس من الظهور، والشكُّ في أصل القضيَّة، ولهذا حاول الإمام الصادق (عليه السلام) تنبيه هذه الشريحة على القاعدة القرآنية القائلة: ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ (الإسراء: 71)، وذلك من خلال أحاديثه الشريفة المصرِّحة بوجوب معرفة إمام الزمان الحقِّ.
وإذا ما أُضيف هذا إلى تنبيهه (عليه السلام) على مسألة عدم التوقيت، مع ضرورة البقاء في حالة تأهُّب وانتظار، مع بيان فضل الانتظار بأنَّه من أنواع العبادة، عُلِمَ أنَّ الهدف من وراء ذلك إنَّما هو لأجل تثبيت القلوب، والقضاء على عوامل اليأس التي قد تنشأ نتيجة الانتظار الطويل، وهذا لا يعارض أيَّة خطوة من خطوات كشف الطريق، كبيان مستقبل الأُمَّة على يد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وتشخيص هويَّته (عليه السلام) بالتلميح تارةً، وبالتصريح تارةً أُخرى.
وأمَّا عن حاجتهم إلى هذا على الرغم من معرفتهم إمام زمانهم، فهي
حاجة كلِّ إنسان إلى معرفة ما في المستقبل؛ إذ المطلوب أنْ لا يعيش الإنسان يومه فحسب، بل لابدَّ وأنْ تكون عنده نبوءات عن مستقبله، وإلَّا كان فاشلاً، ولهذا نجد في عالمنا المعاصر مؤسَّسات علميَّة وثقافيَّة كثيرة تُعنى بشؤون المستقبل، فضلاً عن وجود مجلَّات علميَّة متخصِّصة بالدراسات المستقبليَّة.
ومن هنا صار التنبُّؤ بالشيء قبل وقوعه من الأُمور الاحترازيَّة المهمَّة لكلِّ مجتمع، وعلى هذا جرى أُسلوب الإمام الصادق (عليه السلام) في خصوص مسألة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، فأخبر عنه وفصَّل هويَّته الشريفة قبل ولادته بعشرات السنين.
كما لا يمكن إغفال دور هذا المستوى من التوعية في حمل الأمانة ونقلها إلى الأجيال اللَّاحقة، خصوصاً أجيال الغيبة الكبرى لإمام العصر والزمان (عجَّل الله فرجه) التي لم تشاهد الإمام ولم ترَه، ولكنَّها آمنت به واستيقنت أنفسهم وجوده، ولولا تلك الأخبار وغيرها لشكَّت حتَّى في أخبار ولادته (عجَّل الله فرجه)، نظراً لما أحاطها من سرّيَّة وتكتُّم كانا مقصودين من أبيه الإمام العسكري (عليه السلام) مباشرةً إلَّا للخاصَّة فالخاصَّة كوكلاء الإمام، وأعمدة التشيُّع يوم ذاك من الثقات الأجلَّاء المعروفين، ومَنْ لابدَّ من اطِّلاعه كالخدم والجواري ونحوهم.
المستوى الثاني: [مستوى من عاش حدث الولادة للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)]:
مستوى من عاش حدث الولادة المباركة للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، ورآه في زمان أبيه، أو في زمان غيبته الصغرى، أو سمع بذلك ممَّن علم بالحدث، أو شاهد الإمام مباشرةً، وهم جلُّ الشيعة في ذلك الوقت.
وبإمكان هذه الطبقة أنْ تلاحظ قوَّة انطباق تلك الأخبار على الواقع التاريخي بعد وفاة الإمام العسكري (عليه السلام)، وحينئذٍ تزداد يقيناً على يقين، ولن تُضعِف من بصيرتها كثرة المهرِّجين والمشعوذين.
ويدلُّ على هذا الأُسلوب الشريف:
1 - عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «إِنَّ فِي صَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ سُنَنٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ (عليهم السلام)، سُنَّةً مِنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَسُنَّةً مِنْ عِيسَى، وَسُنَّةً مِنْ يُوسُفَ، وَسُنَّةً مِنْ مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِمْ)، فَأَمَّا سُنَّتُهُ مِنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ فَخَائِفٌ يَتَرَقَّبُ، وَأَمَّا سُنَّتُهُ مِنْ عِيسَى فَيُقَالُ فِيهِ مَا قِيلَ فِي عِيسَى، وَأَمَّا سُنَّتُهُ مِنْ يُوسُفَ فَالسِّتْرُ، يَجْعَلُ اَللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الخَلْقِ حِجَاباً يَرَوْنَهُ وَلَا يَعْرِفُونَهُ، وَأَمَّا سُنَّتُهُ مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَيَهْتَدِي بِهُدَاهُ، وَيَسِيرُ بِسِيرَتِهِ»(183).
2 - وَعَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «فِي القَائِمِ (عليه السلام) سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ (عليه السلام)»، فَقُلْتُ: وَمَا سُنَّتُهُ مِنْ مُوسَى اِبْنِ عِمْرَانَ؟ فَقَالَ: «خَفَاءُ مَوْلِدِهِ، وَغَيْبَتُهُ عَنْ قَوْمِهِ...»(184).
3 - وفي حديث آخر عنه (عليه السلام) أنَّ في المهدي الغائب (عليه السلام) «سُنَّةٌ مِنْ أَرْبَعَةِ أَنْبِيَاءَ: سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى (عليه السلام)، خَائِفٌ يَتَرَقَّبُ؛ وَسُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ (عليه السلام)، يَعْرِفْهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ؛ وَسُنَّةٌ مِنْ عِيسَى (عليه السلام)، وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ؛ وَسُنَّةٌ مِنْ مُحَمَّدِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يَقُومُ بِالسَّيْفِ»(185).
4 - وفي حديث آخر عنه (عليه السلام) أنَّ فيه «سُنَّةً مِنْ نُوحٍ، وَهُوَ طُولُ عُمُرِهِ، وَظُهُورُ دَوْلَتِهِ، وَبَسْطُ يَدِهِ فِي هَلَاكِ أَعْدَائِهِ...، يَخْرُجُ بِالسَّيْفِ كَمَا خَرَجَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَسُنَّةً مِنْ دَاوُدَ، وَهُوَ حُكْمُهُ بِالإلهَامِ»(186).
5 - وعن زيد الشحَّام، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث طويل جاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(183) كمال الدِّين (ص 350 و351/ باب 33/ ح 46).
(184) الإمامة والتبصرة (ص 109/ ح 95)، كمال الدِّين (ص 152/ باب 6/ ح 14).
(185) دلائل الإمامة (ص 470/ ح 460/64).
(186) الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 936 و937).
فيه: «إِنَّ صَالِحاً (عليه السلام) غَابَ عَنْ قَوْمِهِ زَمَاناً...»، إلى أنْ قال (عليه السلام): «وَإِنَّمَا مَثَلُ القَائِمِ (عليه السلام) مَثَلُ صَالِحٍ»(187).
6 - وفي الصحيح عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ فِي صَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ شَبَهاً مِنْ يُوسُفَ (عليه السلام)»، قَالَ: قُلْتُ لَه: كَأَنَّكَ تَذْكُرُه حَيَاتَه أَوْ غَيْبَتَه، قَالَ: فَقَالَ لِي: «وَمَا يُنْكَرُ مِنْ ذَلِكَ هَذِه الأُمَّةُ أَشْبَاه الخَنَازِيرِ؟ إِنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ (عليه السلام) كَانُوا أَسْبَاطاً أَوْلَادَ الأَنْبِيَاءِ، تَاجَرُوا يُوسُفَ وَبَايَعُوه، وَخَاطَبُوه وَهُمْ إِخْوَتُه وَهُوَ أَخُوهُمْ فَلَمْ يَعْرِفُوه حَتَّى قَالَ: ﴿أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي﴾، فَمَا تُنْكِرُ هَذِه الأُمَّةُ المَلْعُونَةُ أَنْ يَفْعَلَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) بِحُجَّتِه فِي وَقْتٍ مِنَ الأَوْقَاتِ كَمَا فَعَلَ بِيُوسُفَ؟ إِنَّ يُوسُفَ (عليه السلام) كَانَ إِلَيْه مُلْكُ مِصْرَ، وَكَانَ بَيْنَه وَبَيْنَ وَالِدِه مَسِيرَةُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً، فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُعْلِمَه لَقَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، لَقَدْ سَارَ يَعْقُوبُ (عليه السلام) وَوُلْدُه عِنْدَ البِشَارَةِ تِسْعَةَ أَيَّامٍ مِنْ بَدْوِهِمْ إِلَى مِصْرَ، فَمَا تُنْكِرُ هَذِه الأُمَّةُ أَنْ يَفْعَلَ اللهُ (جَلَّ وَعَزَّ) بِحُجَّتِه كَمَا فَعَلَ بِيُوسُفَ أَنْ يَمْشِيَ فِي أَسْوَاقِهِمْ، وَيَطَأَ بُسُطَهُمْ حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ فِي ذَلِكَ لَه كَمَا أَذِنَ لِيُوسُفَ، ﴿قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ﴾ [يوسف: 90]»(188).
وفيه إشارة واضحة إلى غيبة الإمام (عجَّل الله فرجه)، وما فعله جعفر الكذَّاب - وهو عمُّ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) - شبيه بما فعله أولاد يعقوب (عليه السلام) بأخيهم يوسف!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(187) كمال الدِّين (ص 136 و137/ باب 3/ ح 6)؛ ورواه بتفاوت يسير الراوندي (رحمه الله) في قَصص الأنبياء (ص 103 و104/ ح 91).
(188) الكافي (ج 1/ ص 336 و337/ باب في الغيبة/ ح 4)؛ ورواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 121 و122/ ح 117)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 166 و167/ باب 10/ فصل 3/ ح 4)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 341/ باب 33/ ح 21)، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 531 و532/ ح 510/114).
وفي حديث سدير هذا ما يدلُّ على شيوع مفهوم غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بين أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) بفضل ما وصل إليهم من أحاديث آبائه الأطهار (عليهم السلام)، فضلاً عمَّا قام به الإمام الصادق (عليه السلام) من إيضاح كلِّ ما يحيط بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) تفصيلاً.
وخير ما يدلُّ على سبق مفهوم الغيبة إلى علم الأصحاب، هو استفسار سدير الصيرفي - في هذا الحديث - من الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: (كَأَنَّكَ تَذْكُرُ حَيَاتَهُ أَوْ غَيْبَتَهُ)!
ويدلُّ عليه أيضاً ما رواه مُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) وَعِنْدَه فِي البَيْتِ أُنَاسٌ، فَظَنَنْتُ أَنَّه إِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ غَيْرِي، فَقَالَ: «أَمَا وَالله لَيَغِيبَنَّ عَنْكُمْ صَاحِبُ هَذَا الأَمْرِ...» الحديث(189).
فقول المفضَّل: (فَظَنَنْتُ أَنَّه إِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ غَيْرِي) يدلُّ بوضوح على علم المفضَّل بالغيبة، لسماعه أخبارها قبل زمان صدور هذا الحديث.
7 - وعن عبد الرحمن بن الحجَّاج، عن الإمام الصادق، عن آبائه، عن الإمام الحسين (عليهم السلام)، قال: «فِي اَلتَّاسِعِ مِنْ وُلْدِي سُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ، وَسُنَّةٌ مِنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ (عليهما السلام)، وَهُوَ قَائِمُنَا أَهْلَ البَيْتِ، يُصْلِحُ اَللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمْرَهُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ»(190).
8 - وَعَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ سُنَنَ الأَنْبِيَاءِ (عليهم السلام) بِمَا وَقَعَ بِهِمْ مِنَ الغَيْبَاتِ حَادِثَةٌ فِي القَائِمِ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ حَذْوَ اَلنَّعْلِ بِالنَّعْلِ وَالقُذَّةِ بِالقُذَّةِ»، قَالَ أَبُو بَصِيرٍ: فَقُلْتُ: يَا بْنَ رَسُولِ اَلله، وَمَنِ القَائِمُ مِنْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ؟ فَقَالَ: «يَا أَبَا بَصِيرٍ، هُوَ الخَامِسُ مِنْ وُلْدِ اِبْنِي مُوسَى، ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(189) الكافي (ج 1/ ص 338 و339/ باب في الغيبة/ ح 11).
(190) كمال الدِّين (ص 316 و317 / باب 30/ ح 1).
اِبْنُ سَيِّدَةِ الإِمَاءِ، يَغِيبُ غَيْبَةً يَرْتَابُ فِيهَا اَلمُبْطِلُونَ، ثُمَّ يُظْهِرُهُ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) فَيَفْتَحُ اَللهُ عَلَى يَدِهِ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَيَنْزِلُ رُوحُ اَلله عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (عليه السلام) فَيُصَلِّي خَلْفَهُ، وَتُشْرِقُ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا، وَلَا تَبْقَى فِي الأَرْضِ بُقْعَةٌ عُبِدَ فِيهَا غَيْرُ اَلله (عزَّ وجلَّ) إِلَّا عُبِدَ اَللهُ فِيهَا، وَيَكُونُ اَلدِّينُ كُلُّهُ لله وَلَوْ كَرِهَ اَلمُشْرِكُونَ»(191).
الأُسلوب الثاني: أُسلوب التصريح في بيان الهويَّة:
لقد مرَّت شذرات متفرِّقة تشير إلى هذا الأُسلوب أيضاً، والمراد به: التصريح بالهويَّة بحسب ما يقتضيه مقام السائل وعقليَّة المستمع يومذاك، وما يحيط بالإمام من ظروف يُترَك تقديرها للإمام نفسه (عليه السلام)، فضلاً عمَّا تقتضيه المصلحة التي ينظرها الإمام، أو يتوخَّاها من خلال هذا الأُسلوب.
ولهذه الاعتبارات المتعدِّدة لم يجرِ التصريح بهويَّة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) على نسق واحد، إذ تارةً يكون بتحديد الهويَّة من طرفها البعيد، وتارةً أُخرى يُقرِّب التحديد، وثالثة يشتدُّ قرباً والتصاقاً بالهويَّة الشخصيَّة للإمام الموعود (عجَّل الله فرجه).
وبعبارة أُخرى: إنَّ هناك جملة وافرة من أحاديث الإمام الصادق (عليه السلام) الواردة في مقام التصريح بالهويَّة، ومع هذا فلم ينفكّ عن بعضها الإجمال، بل انحصرت في دائرته؛ إذ لم تُشخِّص غائباً بالتحديد وإنْ صرَّحت بشيء من هويَّته. ومع هذا فإنَّ الإجمال المذكور لا يضرُّ حتَّى مع فرض عدم وجود التفصيل، لأنَّه إجمال منحصر بعصور الأئمَّة قبل اكتمال تسلسلهم التاريخي.
أو بعبارة أُخرى: إنَّ الإجمال المذكور قد اختزن في داخله نوعاً من التفصيل، ولكنَّه لم يتَّضح إلَّا بعد حين، حتَّى عاد الإجمال نفسه في غنى عمَّا يُوضِّحه من خارجه، خصوصاً إذا ما لوحظ الأُسلوب الأوَّل من التشخيص، وضُمَّ إلى هذا الإجمال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(191) كمال الدِّين (ص 345 و346/ باب 33/ ح 31).
فتشبيه ظرف الغائب بظرف يوسف (عليه السلام) كما مرَّ في الأُسلوب الأوَّل وإنْ لم يُشخِّص لنا من هو الغائب بالتحديد، إلَّا أنَّه بيَّن لنا بعد حين مراد الإمام بهذا لتشبيه؛ إذ كما فعل إخوة يوسف بأخيهم، فعل جعفر الكذَّاب بابن أخيه العسكري (عليه السلام)، خصوصاً مع تأكيد الإمام الصادق (عليه السلام) على أنَّ سُنَن الأنبياء حاصلة في الغائب المنتظَر (عجَّل الله فرجه) حذو القذَّة، وفيها الكثير ممَّا يُعيِّن لنا الغائب بدقَّة.
وهكذا الحال في المكوِّنات الأُخرى للوحدة الموضوعيَّة للغيبة، كذكر الغيبتين ونحو ذلك ممَّا سيأتي في الباب الثاني، وإذا ما حصل الربط بين أجزاء تلك المكوِّنات، من قبيل كون الغائب هو الثاني عشر، وأنَّه التاسع من ولد الحسين (عليه السلام)، تبدَّد الإجمال المذكور كلّيًّا؛ لوجود المصداق الواقعي الذي انطبقت عليه جميع تلك الأخبار، ولم يتخلَّف عنها خبر واحد.
ومع هذا، فلم يكتفِ إمامنا الصادق (عليه السلام) بحدود هذه الأُمور، وإنَّما ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير في تشخيص هويَّة الإمام المهدي الغائب (عجَّل الله فرجه)، متدرِّجاً في بيانه انطلاقاً من كون الغائب المنتظَر هو من ولد الحسين (عليه السلام)، مع نفي المهدويَّة عن نفسه الشريفة، وعن ولده الكاظم (عليهما السلام)؛ لئلَّا يدَّعي مدَّعٍ بانطباقها على غير المراد، مروراً بكون من سيغيب هو الثاني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) وآخرهم، وأنَّه السادس من ولده، ومن ذرّيَّة الإمام الكاظم (عليه السلام)، وتحديداً: أنَّه الخامس من ولد السابع، وأنَّه خفي الولادة، مع تسمية أُمِّه (عجَّل الله فرجه)، وهكذا إلى أنْ يصل إلى القمَّة في البيان بذكر اسمه، واسم أبيه، وكامل نسبه الشريف كما سنرى، وعلى النحو الآتي:
1 - عن معاوية بن عمَّار، عن أبي عبد الله، عن آبائه (عليهم السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث قدسي شريف جاء فيه: «... وَمِنْكُمُ القَائِمُ، يُصَلِّي عِيسَى بْنُ
مَرْيَمَ خَلْفَه إِذَا أَهْبَطَه اللهُ إِلَى الأَرْضِ، مِنْ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ، مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ (عليهم السلام)»(192).
2 - عن عبيد الله بن العلاء، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث طويل عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، جاء فيه قوله للإمام الحسين (عليه السلام): «ثُمَّ يَقُومُ القَائِمُ اَلمَأْمُولُ، وَالإِمَامُ اَلمَجْهُولُ، لَهُ اَلشَّرَفُ وَالفَضْلُ، وَهُوَ مِنْ وُلْدِكَ يَا حُسَيْنُ...، طُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَ زَمَانَهُ، وَلَحِقَ أَوَانَهُ، وَشَهِدَ أَيَّامَهُ»(193).
3 - وقال أبو بصير للإمام الصادق (عليه السلام) وقد دخل عليه: ... إِنِّي أُرِيدُ أَنْ المِسَ صَدْرَكَ، فَقَالَ: «اِفْعَلْ»، فَمَسِسْتُ صَدْرَهُ وَمَنَاكِبَهُ، فَقَالَ: «وَلِمَ، يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟»، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنِّي سَمِعْتُ أَبَاكَ وَهُوَ يَقُولُ: «إِنَّ القَائِمَ وَاسِعُ اَلصَّدْرِ، مُسْتَرْسِلُ اَلمَنْكِبَيْنِ، عَرِيضٌ مَا بَيْنَهُمَا»، فَقَالَ: «يَا [أَبَا] مُحَمَّدُ، إِنَّ أَبِي لَبِسَ دِرْعَ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَكَانَتْ تَسْتَخِبُ عَلَى الأَرْضِ، وَأَنَا لَبِسْتُهَا فَكَانَتْ وَكَانَتْ، وَإِنَّهَا تَكُونُ مِنَ القَائِمِ كَمَا كَانَتْ مِنْ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مُشَمَّرَةً كَأَنَّهُ تَرْفَعُ نِطَاقهَا بِحَلَقَتْيِن، وَلَيْسَ صَاحِبُ هَذَا الأَمْرِ مَنْ جَازَ أَرْبَعِينَ»(194)، يعني نفسه الشريفة.
وفي هذا الحديث نفي صريح للمهدويَّة عن نفسه الشريفة، حيث توهَّمت شرذمة قليلة بأنَّه (عليه السلام) هو المهدي، وهو قول يُنسَب إلى الناووسيَّة.
ويُؤيِّده أيضاً ما أورده المتَّقي الهندي في (البرهان)، قائلاً: (وأخرج المحاملي في أمالية، عن جعفر بن محمّد بن عليِّ بن حسين، قال: «يَزْعَمُونَ أَنِّي أَنَا اَلمَهْدِيُّ! وَإنِّي إِلَى أَجَلِي أَدْنَى مِنِّي إِلَى مَا يَدَّعُونَ»)(195).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(192) الكافي (ج 8/ ص 49 و50/ ح 10).
(193) الغيبة للنعماني (ص 283 و284/ باب 14/ ح 55).
(194) بصائر الدرجات (ص 208 و209/ ج 4/ باب 4/ ح 56)، الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 691/ ح 2) مختصراً.
(195) البرهان في علامات مهدي آخر الزمان (ص 174/ باب 12/ ح 12).
ورواه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (ج 54/ ص 291)، والذهبي في سِيَر أعلام النبلاء (ج 4/ ص 407)، والسيوطي في العرف الوردي (ص 160/ ح 217)، وابن حجر الهيتمي في القول المختصر (ص 153)، كلُّهم عن أبي جعفر محمّد بن عليٍّ الباقر (عليه السلام).
وما رواه خَلَّادُ بْنُ اَلصَّفَّارِ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): هَلْ وُلِدَ القَائِمُ، فَقَالَ: «لَا، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَخَدَمْتُهُ أَيَّامَ حَيَاتِي»(196).
وفي هذا الحديث نفي صريح لمهدويَّة محمّد بن الحنفيَّة (رضي الله عنه)، ومهدويَّة عمر بن عبد العزيز الأُموي، ومهدويَّة محمّد بن عبد الله بن الحسن الحسني، ومهدويَّة محمّد بن عبد الله العبَّاسي الملقَّب كذباً على الله ورسوله بالمهدي!
وفيه أيضاً ما يكشف عن عظمة ومقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، بحيث تمنَّى إمام الخلق في زمانه، وحجَّة الله البالغة على عباده أنْ يقوم بخدمته لو أدركه (عليهما السلام).
4 - وَعَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، فَقُلْتُ لَه: أَنْتَ صَاحِبُ هَذَا الأَمْرِ؟ فَقَالَ: «لَا»، فَقُلْتُ: فَوَلَدُكَ؟ فَقَالَ: «لَا»، فَقُلْتُ: فَوَلَدُ وَلَدِكَ هُوَ؟ قَالَ: «لَا»، فَقُلْتُ: فَوَلَدُ وَلَدِ وَلَدِكَ؟ فَقَالَ: «لَا»، قُلْتُ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: «الَّذِي يَمْلَأُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الأَئِمَّةِ، كَمَا أَنَّ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بُعِثَ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ»(197).
ولو استرسل أبو حمزة (رضي الله عنه) في سؤاله لحدَّد الإمام الصادق (عليه السلام) من هو المهدي بالضبط؛ نظراً لما سيأتي في تشخيص الإمام الصادق (عليه السلام) لاسم المهدي وحسبه بدقَّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(196) الغيبة للنعماني (ص 252/ باب 13/ ح 46).
(197) الكافي (ج 1/ ص 341/ باب في الغيبة/ ح 21)، الغيبة للنعماني (ص 192 و193/ باب 10/ فصل 4/ ح 38)، عقد الدُّرَر (ص 158 و159/ باب 7).
5 - وَعَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مِنَّا اِثْنَا عَشَرَ مَهْدِيًّا، مَضَى سِتَّةٌ وَبَقِيَ سِتَّةٌ، يَصْنَعُ اَللهُ بِالسَّادِسِ مَا أَحَبَّ»(198).
6 - وقال السيِّد الحميري بعد توبته ورجوعه إلى الحقِّ إلى الإمام الصادق (عليه السلام): يَا بْنَ رَسُولِ اَلله، قَدْ رُوِيَ لَنَا أَخْبَارٌ عَنْ آبَائِكَ (عليهم السلام) فِي الغَيْبَةِ وَصِحَّةِ كَوْنِهَا، فَأَخْبِرْنِي بِمَنْ تَقَعُ؟ فَقَالَ (عليه السلام): «إِنَّ الغَيْبَةَ سَتَقَعُ بِالسَّادِسِ مِنْ وُلْدِي، وَهُوَ اَلثَّانِي عَشَرَ مِنَ الأَئِمَّةِ الهُدَاةِ بَعْدَ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أَوَّلُهُمْ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَآخِرُهُمُ القَائِمُ بِالحَقِّ، بَقِيَّةُ اَلله فِي الأَرْضِ، وَصَاحِبُ اَلزَّمَانِ، وَاَلله لَوْ بَقِيَ فِي غَيْبَتِهِ مَا بَقِيَ نُوحٌ فِي قَوْمِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ اَلدُّنْيَا حَتَّى يَظْهَرَ، فَيَمْلَأَ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً»(199).
وهذا الخبر يُؤكِّد إسهام جميع أهل البيت (عليهم السلام) في تنبيه الشيعة إلى غيبة قائمهم المنتظَر (عجَّل الله فرجه)، وفيه تفسير للعدد المذكور في الحديث الخامس المتقدِّم، زيادةً على ما فيه من تأكيد بقاء الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) حيًّا في غيبته.
ويُؤيِّده قول الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث آخر: «مَا تُنْكِرُونَ أَنْ يَمُدَّ اَللهُ لِصَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ فِي العُمُرِ كَمَا مُدَّ لِنُوحٍ (عليه السلام) فِي العُمُرِ؟»(200).
7 - وفي حديث طويل عن الصادق (عليه السلام) جاء فيه: «يَظْهَرُ صَاحِبُنَا، وَهُوَ مِنْ صُلْبِ هَذَا - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام) -، فَيَمْلَأُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، وَتَصْفُو لَهُ اَلدُّنْيَا»(201).
8 - وَعَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «صَاحِبُ هَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(198) كمال الدِّين (ص 338/ باب 33/ ح 13).
(199) كمال الدِّين (ص 342/ باب 33/ ح 23).
(200) الغيبة للطوسي (ص 421/ ح 400).
(201) الغيبة للطوسي (ص 42/ ح 23).
الأَمْرِ تَعْمَى وِلَادَتُهُ عَلَى هَذَا الخَلْقِ، لِئَلَّا يَكُونَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ إِذَا خَرَجَ»(202).
ولا يعرف التاريخ أحداً من أهل البيت (عليهم السلام) قد خفيت ولادته على الخلق سوى إمامنا ابن العسكري (عليهما السلام).
هذا، وفي الصحيح عَنْ اِبْنِ فَضَّالٍ، عَنْ الإِمَامِ اَلرِّضَا (عليه السلام)، قَالَ: «كَأَنِّي بِالشِّيعَةِ عِنْدَ فَقْدِهِمُ اَلثَّالِثَ مِنْ وُلْدِي - أي: الإمام العسكري (عليه السلام) - كَالنَّعَمِ يَطْلُبُونَ اَلمَرْعَى فَلَا يَجِدُونَهُ»، قُلْتُ لَهُ: وَلِمَ ذَاكَ، يَا بْنَ رَسُولِ اَلله؟ قَالَ: «لِأَنَّ إِمَامَهُمْ يَغِيبُ عَنْهُمْ»، فَقُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: «لِئَلَّا يَكُونَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ إِذَا قَامَ بِالسَّيْفِ»(203).
9 - وعن أبي بصير، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث جاء فيه: ... فَقُلْتُ: يَا بْنَ رَسُولِ اَلله، وَمَنِ القَائِمُ مِنْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ؟ فَقَالَ: «يَا أَبَا بَصِيرٍ، هُوَ الخَامِسُ مِنْ وُلْدِ اِبْنِي مُوسَى، ذَلِكَ اِبْنُ سَيِّدَةِ الإِمَاءِ، يَغِيبُ غَيْبَةً يَرْتَابُ فِيهَا اَلمُبْطِلُونَ، ثُمَّ يُظْهِرُهُ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) فَيَفْتَحُ اَللهُ عَلَى يَدِهِ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَيَنْزِلُ رُوحُ اَلله عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (عليه السلام) فَيُصَلِّي خَلْفَهُ، وَتُشْرِقُ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا، وَلَا تَبْقَى فِي الأَرْضِ بُقْعَةٌ عُبِدَ فِيهَا غَيْرُ اَلله (عزَّ وجلَّ) إِلَّا عُبِدَ اَللهُ فِيهَا، وَيَكُونُ اَلدِّينُ كُلُّهُ لله وَلَوْ كَرِهَ اَلمُشْرِكُونَ»(204).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(202) كمال الدِّين (ص 479/ باب 44/ ح 1)، وأخرجه الصدوق (رحمه الله) من طريق آخر عن أبي بصير، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في: كمال الدِّين (ص 480/ باب 44/ ح 5)؛ وقد ورد نحوه من طُرُق أُخرى عن الإمام الصادق (عليه السلام)، كرواية هشام بن سالم في: الكافي (ج 1/ ص 342/ باب في الغيبة/ ح 27)، ورواية إبراهيم بن عمر اليماني في: الغيبة للنعماني (ص 196/ باب 10/ فصل 4/ح 45)، ورواية جميل بن صالح في: كمال الدِّين (ص 479 و480/ باب 44/ح 2).
(203) كمال الدِّين (ص 480/ باب 44/ ح 4).
(204) كمال الدِّين (ص 345 و346/ باب 33/ ح 31).
10 - وعن المفضَّل بن عمر، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث جاء فيه: «... وَالأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ، آخِرُهُمُ القَائِمُ اَلَّذِي يَقُومُ بَعْدَ غَيْبَتِهِ، فَيَقْتُلُ اَلدَّجَّالَ، وَيُطَهِّرُ الأَرْضَ مِنْ كُلِّ جَوْرٍ وَظُلْمٍ»(205).
11 - وَعَنْ هَارُونَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «قَالَ سَيِّدِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: الخَلَفُ اَلصَّالِحُ مِنْ وُلْدِي، وَهُوَ اَلمَهْدِيُّ، اِسْمُهُ مُحَمَّدٌ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو القَاسِمِ، يَخْرُجُ فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ، يُقَالُ لِأُمِّهِ: صَقِيلٌ»(206).
أقول: صقيل، ونرجس، وسوسن، كلُّها أسماء لمسمَّى واحد، وهو أُمُّ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وقد ورد الأثر الصحيح في ذلك، وهذا الحديث نقله الإربلي (رحمه الله) من كتاب ابن الخشَّاب المسمَّى (تاريخ مواليد ووفيَّات أهل البيت (عليهم السلام))، وابن الخشَّاب من معاصري الإمام العسكري (عليه السلام)، ويروي الكليني (رحمه الله) عنه بالواسطة، وهو من مشايخ عليِّ بن إبراهيم بن هاشم القمِّي المتوفَّى في الغيبة الصغرى.
12 - عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ اَلصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَقَرَّ بِجَمِيعِ الأَئِمَّةِ وَجَحَدَ اَلمَهْدِيَّ كَانَ كَمَنْ أَقَرَّ بِجَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ وَجَحَدَ مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نُبُوَّتَهُ»، فَقِيلَ لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اَلله، فَمَنِ اَلمَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِكَ؟ قَالَ: الخَامِسُ مِنْ وُلْدِ اَلسَّابِعِ، يَغِيبُ عَنْكُمْ شَخْصُهُ، وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ تَسْمِيَتُهُ»(207).
والنهي عن التسمية معلَّل بالخوف من الطلب، فيكون مقيَّداً بزمان مخصوص، كما يُعلَم من أخبار أُخَر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(205) كمال الدِّين (ص 335 و336/ باب 33/ ح 7).
(206) كشف الغمَّة (ج 3/ ص 275).
(207) كمال الدِّين (ص 333/ باب 33/ ح 1)، وأخرجه (رحمه الله) في (ص 338/ باب 33/ ح 12) من طريق آخر عن عبد الله بن أبي يعفور.
وفي هذا الحديث وغيره ممَّا مرَّ ويأتي إبطال لقول الواقفيَّة بمهدويَّة الإمام الكاظم (عليه السلام)، وقوله (عليه السلام): «الخَامِسُ مِنْ وُلْدِ اَلسَّابِعِ، يَغِيبُ عَنْكُمْ شَخْصُهُ...» تعريض بقول الواقفيَّة بأنَّ المهدي صاحب الغيبة هو الإمام السابع، أي: الكاظم (عليه السلام)! في حين أنَّه الخامس من ولد السابع (عليهم السلام).
13 - وسمع الحسين بن علوان الكلبي - وهو من رواة العامَّة - حديثاً من طُرُقهم في خصوص علم النبيِّ موسى (عليه السلام) بأوصياء النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الاثني عشر من بعده، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فقال: «حَقٌّ ذَلِكَ، هُمُ اِثْنَا عَشَرَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، عَلِيٌّ وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ (عليهم السلام)، وَعَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ، وَمُحَمَّدُ اِبْنُ عَلِيٍّ، وَمَنْ شَاءَ اَللهُ»، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّمَا أَسْأَلُكَ لِتُفْتِيَنِي بِالحَقِّ، قَالَ: «أَنَا، وَاِبْنِي هَذَا - وَأَوْمَأَ إِلَى اِبْنِهِ مُوسَى (عليه السلام) -، وَالخَامِسُ مِنْ وُلْدِهِ يَغِيبُ شَخْصُهُ، وَلَا يَحِلُّ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ»(208).
14 - وَعَنِ اَلمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام)، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، لَوْ عَهِدْتَ إِلَيْنَا فِي الخَلَفِ مِنْ بَعْدِكَ، فَقَالَ لِي: «يَا مُفَضَّلُ، الإِمَامُ مِنْ بَعْدِي اِبْنِي مُوسَى، وَالخَلَفُ اَلمَأْمُولُ اَلمُنْتَظَرُ (م ح م د) بْنُ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى»(209).
15 - وفي الصحيح عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَة، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ اَلصَّادِقِ (عليه السلام) إِذْ أَتَاهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدِ اِنْحَنَا مُتَّكِئاً عَلَى عَصَاهُ، فَسَلَّمَ، فَرَدَّ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام) الجَوَابَ، ثُمَّ قَالَ: يَا بْنَ رَسُولِ اَلله، نَاوِلْنِي يَدَكَ أُقَبِّلْهَا، فَأَعْطَاهُ يَدَهُ، فَقَبَّلَهَا، ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «مَا يُبْكِيكَ، يَا شَيْخُ؟»، قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَقَمْتُ عَلَى قَائِمِكُمْ مُنْذُ مِائَةِ سَنَةٍ، أَقُولُ: هَذَا اَلشَّهْرَ، وَهَذِهِ اَلسَّنَةَ، وَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(208) مقتضب الأثر (ص 41).
(209) كمال الدِّين (ص 334/ باب 33/ ح 4).
وَدَقَّ عَظْمِي، وَاِقْتَرَبَ أَجَلِي، وَلَا أَرَى مَا أُحِبُّ، أَرَاكُمْ مُعْتَلِّيِنَ مُشَرَدِّينَ، وَأَرَى عَدُوَّكُمْ يَطِيرُونَ بِالأَجْنِحَةِ، فَكَيْفَ لَا أَبْكِي؟ فَدَمَعَتْ عَيْنَا أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، ثُمَّ قَالَ: «يَا شَيْخُ، إِنْ أَبْقَاكَ اَللهُ حَتَّى تَرَى قَائِمَنَا كُنْتَ مَعَنَا فِي اَلسَّنَامِ الأَعْلَى، وَإِنْ حَلَّتْ بِكَ اَلمَنِيَّةُ جِئْتَ يَوْمَ القِيَامَةِ مَعَ ثَقَلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَنَحْنُ ثَقَلُهُ، فَقَالَ (عليه السلام): إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ اَلثَّقَلَيْنِ، فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا، كِتَابَ اَلله وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي»، فَقَالَ اَلشَّيْخُ: لَا أُبَالِي بَعْدَ مَا سَمِعْتُ هَذَا الخَبَرَ، قَالَ: «يَا شَيْخُ، إِنَّ قَائِمَنَا يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ الحَسَنِ، وَالحَسَنُ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ عَلِيٍّ، وَعَلِيٌّ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدٌ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ عَلِيٍّ، وَعَلِيٌّ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ اِبْنِي هَذَا - وَأَشَارَ إِلَى مُوسَى (عليه السلام) -، وَهَذَا خَرَجَ مِنْ صُلْبِي، نَحْنُ اِثْنَا عَشَرَ كُلُّنَا مَعْصُومُونَ مُطَهَّرُونَ...، يَا شَيْخٌ، وَاَلله لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ اَلدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اَللهُ ذَلِكَ اليَوْمَ حَتَّى يَخْرُجَ قَائِمُنَا أَهْلَ البَيْتِ، أَلَا وَإِنَّ شِيعَتَنَا يَقَعُونَ فِي فِتْنَةٍ وَحَيْرَةٍ فِي غَيْبَتِهِ، هُنَاكَ يُثْبِّتُ اَللهُ عَلَى هُدَاهُ اَلمُخْلَصِينَ، اَللَّهُمَّ أَعِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ»(210).
16 - وَعَنْ أَبِي الهَيْثَمِ بْنِ أَبِي حَيَّةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «إِذَا اِجْتَمَعَتْ ثَلَاثَةُ أَسْمَاءَ مُتَوَالِيَةً: مُحَمَّدٌ، وَعَلِيٌّ، وَالحَسَنُ، فَالرَّابِعُ القَائِمُ»(211).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(210) كفاية الأثر (ص 264 - 266)؛ وأخرجه عماد الدِّين الطبري في بشارة المصطفى (ص 425 و426/ ح 2)، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) إِذْ جَاءَ شَيْخٌ قَدِ اِنْحَنَى مِنَ اَلْكِبَرِ، فَقَالَ: اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اَلله وَبَرَكَاتُهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اَلله: «وَعَلَيْكَ اَلسَّلَامُ وَرَحْمَةُ اَلله، يَا شَيْخُ اُدْنُ مِنِّي»، فَدَنَا مِنْهُ وَقَبَّلَ يَدَهُ وَبَكَى... الحديث.
ورواه الطوسي (رحمه الله) في أماليه (ص 161 و162/ ح 268/20).
(211) الإمامة والتبصرة (ص 113 و114/ ح 101)، كمال الدِّين (ص 333 و334/ باب 33/ ح 2)؛ وبتفاوت يسير في: الغيبة للنعماني (ص 185/ باب 10/ فصل 4/ ح 26)، إثبات الوصيَّة (ص 268)، كفاية الأثر (ص 284 و285)، الغيبة للطوسي (ص 233/ح 201).
وقوله (عليه السلام): «إِذَا اِجْتَمَعَتْ ثَلَاثَةُ أَسْمَاءَ...»، أي: من الأئمَّة بعده، الذين هم من وُلْدِه (عليهم السلام).
ومن الواضح أنَّ هذه الأسماء الثلاثة الشريفة قد اجتمعت متوالية حقًّا، وشكَّلت الحلقة الأخيرة من أسماء الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) قبل القائم المهدي (عجَّل الله فرجه) كالآتي:
1 - (محمّد): وهو اسم الإمام التاسع، المعروف بالجواد (عليه السلام).
2 - (عليٌّ): وهو اسم الإمام العاشر، المعروف بالهادي (عليه السلام).
3 - (الحسن): وهو اسم الإمام الحادي عشر، المعروف بالعسكري (عليه السلام) ابن الإمام عليٍّ الهادي ابن الإمام محمّد الجواد، وهو والد الإمام القائم (عليهم السلام).
ثانياً: بيان الإمام الصادق (عليه السلام) لكيفيَّة الانتفاع بالحجَّة الغائب (عجَّل الله فرجه):
نطقت أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) وبصورة متواترة بأنَّ الله تعالى لا يُخلي أرضه من حجَّة على عباده منذ أنْ خلق الله آدم وإلى قيام الساعة، ولا فرق في ذلك بين أنْ يكون الحجَّة ظاهراً مشهوراً، أو خائفاً مستوراً كما مرَّ في القاعدة الرابعة من قواعد الفصل السابق.
والتسليم بهذه القاعدة يعني الاعتقاد بوجود الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في أرض الله (عزَّ وجلَّ) وإنْ لم يرَه أحد، وهو بحدِّ ذاته كافٍ لنموِّ الفضيلة، وخلق جوٍّ من التآلف والمودَّة بين المؤمنين الذين يعيشون في حالة انتظار دائم وترقُّب شديد لظهوره (عجَّل الله فرجه)، الأمر الذي يُؤدِّي إلى حفظ المجتمع المسلم من التشتُّت والضياع، ومنعه من الانحدار وراء الشهوات، وصونه من كلِّ انحراف.
كما أنَّ نفس وجود الإمام (عليه السلام) فيه منافع كثيرة ترتبط بحياة الناس جميعاً، من نزول بركات السماء، وعدم المؤاخذة بالعقاب العاجل ونحوها، وقد أشار
القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة مبيِّناً أهمّيَّة الحجَّة، وهي في زمن نزوله منحصرة برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ (الأنفال: 33)، وأمَّا بعده (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلا شكَّ في أنَّها بآله الكرام (عليهم السلام).
لقد حاول الإمام الصادق (عليه السلام) تقريب صورة الانتفاع بالإمام الحجَّة الغائب (عجَّل الله فرجه) بمثال مادِّي محسوس، ليكون ذلك أدعى إلى الإذعان والتصديق.
فعن سليمان بن مهران الأعمش، عن الإمام الصادق، عن أبيه الإمام الباقر، عن أبيه الإمام عليِّ بن الحسين (عليهم السلام)، قَالَ: «نَحْنُ أَئِمَّةُ اَلمُسْلِمِينَ، وَحُجَجُ اَلله عَلَى العَالَمِينَ...، وَلَمْ تَخْلُ الأَرْضُ مُنْذُ خَلَقَ اَللهُ آدَمَ مِنْ حُجَّةٍ لِله فِيهَا، ظَاهِرٍ مَشْهُورٍ أَوْ غَائِبٍ مَسْتُورٍ، وَلَا تَخْلُو إِلَى أَنْ تَقُومَ اَلسَّاعَةُ مِنْ حُجَّةٍ لِله فِيهَا، وَلَوْ لَا ذَلِكَ لَمْ يُعْبَدِ اَللهُ»، قَالَ سُلَيْمَانُ: فَقُلْتُ لِلصَّادِقِ (عليه السلام): فَكَيْفَ يَنْتَفِعُ اَلنَّاسُ بِالحُجَّةِ الغَائِبِ اَلمَسْتُورِ؟ قَالَ: «كَمَا يَنْتَفِعُونَ بِالشَّمْسِ إِذَا سَتَرَهَا اَلسَّحَابُ»(212).
وكما أنَّ السحاب لا يمنع من فوائد الشمس الكثيرة، ولولاها لانعدمت الحياة، فكذلك لا تمنع الغيبة من الفوائد العظيمة المترتِّبة على وجود الإمام (عجَّل الله فرجه)، وهذا ما يُفسِّر لنا معنى قول الإمام الصادق (عليه السلام): «لَوْ بَقِيَتِ الأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ لَسَاخَتْ»(213).
جدير بالذكر أنَّ حديث الإمام الصادق (عليه السلام) المتقدِّم برواية الأعمش هو جزء من حديث عظيم لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) برواية جابر بن عبد الله الأنصاري،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(212) كمال الدِّين (ص 207/ باب 21/ ح 22)، أمالي الصدوق (ص 252 و253/ ح 277/15)، روضة الواعظين (ص 199)، الاحتجاج (ج 2/ ص 48)، فرائد السمطين (ج 1/ ص 45 و46/ ح 11).
(213) قد تقدَّم في (ص 73)، فراجع.
قال (رضي الله عنه): لَـمَّا أَنْزَلَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اَلله، عَرَفْنَا اَللهَ وَرَسُولَهُ، فَمَنْ أُولُو الأَمْرِ اَلَّذِينَ قَرَنَ اَللهُ طَاعَتَهُمْ بِطَاعَتِكَ؟ فَقَالَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «هُمْ خُلَفَائِي يَا جَابِرُ، وَأَئِمَّةُ اَلمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدِي، أَوَّلُهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، ثُمَّ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ، ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ، ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلمَعْرُوفُ فِي اَلتَّوْرَاةِ بِالبَاقِرِ، وَسَتُدْرِكُهُ يَا جَابِرُ، فَإِذَا لَقِيتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي اَلسَّلَامَ، ثُمَّ اَلصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ، ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى، ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ الحَسَنُ اِبْنُ عَلِيٍّ، ثُمَّ سَمِيِّي وَكَنِيِّي، حُجَّةُ اَلله فِي أَرْضِهِ، وَبَقِيَّتُهُ فِي عِبَادِهِ، اِبْنُ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، ذَاكَ اَلَّذِي يَفْتَحُ اَللهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَى يَدَيْهِ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، ذَاكَ اَلَّذِي يَغِيبُ عَنْ شِيعَتِهِ وَأَوْلِيَائِهِ غَيْبَةً لَا يَثْبُتُ فِيهَا عَلَى القَوْلِ بِإِمَامَتِهِ إِلَّا مَنِ اِمْتَحَنَ اَللهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ»، قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اَلله، فَهَلْ يَقَعُ لِشِيعَتِهِ اَلاِنْتِفَاعُ بِهِ فِي غَيْبَتِهِ؟ فَقَالَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِي وَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالنُّبُوَّةِ، إِنَّهُمْ يَسْتَضِيئُونَ بِنُورِهِ، وَيَنْتَفِعُونَ بِوَلَايَتِهِ فِي غَيْبَتِهِ كَانْتِفَاعِ اَلنَّاسِ بِالشَّمْسِ وَإِنْ تَجَلَّلَهَا سَحَابٌ. يَا جَابِرُ، هَذَا مِنْ مَكْنُونِ سِرِّ اَلله، وَمَخْزُونِ عِلْمِهِ، فَاكْتُمْهُ إِلَّا عَنْ أَهْلِهِ»(214).
وتشبيه فائدة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في غيبته بفوائد الشمس المجلَّلة بالسحاب يُوحي إلى أُمور، قد تعرَّض لها العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في ذيل هذا الخبر، ولا بأس بنقلها كما هي لفائدتها.
قال (رحمه الله): (بيان: التشبيه بالشمس المجلَّلة بالسحاب يومي إلى أُمور:
الأوَّل: أنَّ نور الوجود والعلم والهداية يصل إلى الخلق بتوسُّطه (عليه السلام)؛ إذ ثبت بالأخبار المستفيضة أنَّهم العلل الغائيَّة لإيجاد الخلق، فلولاهم لم يصل نور الوجود إلى غيرهم، وببركتهم والاستشفاع بهم والتوسُّل إليهم يظهر العلوم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(214) كمال الدِّين (ص 253 و254/ باب 23/ ح 3)، كفاية الأثر (ص 53 - 56).
والمعارف على الخلق، ويكشف البلايا عنهم، فلولاهم لاستحقَّ الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال: 33]، ولقد جرَّبنا مراراً لا نُحصيها أنَّ عند انغلاق الأُمور، وإعضال المسائل، والبُعد عن جناب الحقِّ تعالى، وانسداد أبواب الفيض، لـمَّا استشفعنا بهم، وتوسَّلنا بأنوارهم، فبقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم في ذلك الوقت، تنكشف تلك الأُمور الصعبة، وهذا معاين لمن أكحل الله عين قلبه بنور الإيمان، وقد مضى توضيح ذلك في كتاب الإمامة.
الثاني: كما أنَّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ينتظرون في كلِّ آنٍ انكشاف السحاب عنها وظهورها ليكون انتفاعهم بها أكثر، فكذلك في أيَّام غيبته (عليه السلام) ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كلِّ وقتٍ وزمانٍ، ولا ييأسون منه.
الثالث: أنَّ منكر وجوده (عليه السلام) مع وفور ظهور آثاره كمنكر وجود الشمس إذا غيَّبها السحاب عن الأبصار.
الرابع: أنَّ الشمس قد تكون غيبتها في السحاب أصلح للعباد من ظهورها لهم بغير حجاب، فكذلك غيبته (عليه السلام) أصلح لهم في تلك الأزمان، فلذا غاب عنهم.
الخامس: أنَّ الناظر إلى الشمس لا يمكنه النظر إليها بارزة عن السحاب، وربَّما عمي بالنظر إليها لضعف الباصرة عن الإحاطة بها، فكذلك شمس ذاته المقدَّسة وبما يكون ظهوره أضرُّ لبصائرهم، ويكون سبباً لعماهم عن الحقِّ، وتحتمل بصائرهم الإيمان به في غيبته، كما ينظر الإنسان إلى الشمس من تحت السحاب ولا يتضرَّر بذلك.
السادس: أنَّ الشمس قد يخرج من السحاب وينظر إليه واحد دون واحد، فكذلك يمكن أنْ يظهر (عليه السلام) في أيَّام غيبته لبعض الخلق دون بعض.
السابع: أنَّهم (عليهم السلام) كالشمس في عموم النفع، وإنَّما لا ينتفع بهم من كان أعمى كما فُسِّر به في الأخبار قوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾ [الإسراء: 72].
الثامن: أنَّ الشمس كما أنَّ شعاعها تدخل البيوت بقدر ما فيها من الروازن والشبابيك وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع، فكذلك إنَّما ينتفعون بأنوار هدايتهم بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسِّهم ومشاعرهم التي هي روازن قلوبهم من الشهوات النفسانيَّة والعلائق الجسمانيَّة، وبقدر ما يدفعون عن قلوبهم من الغواشي الكثيفة الهيولانيَّة إلى أنْ ينتهي الأمر إلى حيث يكون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوابنه بغير حجاب)(215).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(215) بحار الأنوار (ج 52/ ص 93 و94/ باب علَّة الغيبة وكيفيَّة انتفاع الناس به في غيبته (عليه السلام)/ ذيل الحديث 8).
الباب الثاني: غيبة الإمام الثاني عشر (عجَّل الله فرجه) قبل حدوثها
الفصل الأوَّل: عناية الإمام الصادق (عليه السلام) بالغيبة، وبيان معطياتها.
الفصل الثاني: تأكيد الإمام الصادق (عليه السلام) على غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وطولها.
الفصل الثالث: في بيان الإمام الصادق (عليه السلام) ما مطلوب في زمان الغيبة.
الفصل الرابع: في بيان الإمام الصادق (عليه السلام) عِلَل الغيبة
الفصل الأوَّل: في العناية بالغيبة وبيان معطياتها
أوَّلاً: أسرار العناية بالغيبة في الحديث الشريف:
شغلت غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) قبل وبعد حلولها سنة (260هـ) مكاناً واسعاً في الفكر الشيعي، وأخذت حيِّزاً كبيراً في تراثهم الروائي والكلامي، وامتدَّت آثارها بعد وفاة آخر السفراء الأربعة عليِّ بن محمّد السمري (رضي الله عنه) (ت 329هـ)، لتشمل الفقه السياسي الروائي والمستنبط معاً، ولعلَّ في ما صنَّفه محدِّثوهم وأعلامهم قبل عصر الغيبة الصغرى وفي أثنائها أو بعدها، خير دليل على مدى العناية الفائقة التي أولاها سائر أهل البيت (عليهم السلام) بهذا الموضوع الخطير؛ لأنَّهم (عليهم السلام) أدركوا أنَّ معنى غياب القائد هو تشتُّت القاعدة ما لم يتمّ التمهيد لغيبته (عجَّل الله فرجه) بشكل مكثَّف حتَّى يتمَّ استقبالها من قِبَل القاعدة وهضمهم لها بشكل تدريجي وكأنَّها حدث طبيعي، بحيث لا ينتج عنها شرخ في المذهب قد يُؤدِّي إلى اهتزاز عقيدة أتباعه في ما لو سُكِتَ عن هذا الأمر وواجهه الشيعة فجأةً، ومن هنا تمَّ ترويض الشيعة على قبول غيبة القائد كحقيقة آتية ولابدَّ منها، وكان لكلِّ إمام دوره الخاصُّ في التمهيد لتلك الحقيقة الكبرى في تاريخ التشيُّع لاسيمّا الإمام الصادق (عليه السلام) الذي كان دوره مميَّزاً في ذلك، تبعاً لما ذكرناه في ديباجة البحث من الفرصة التي سنحت له أكثر من غيره للتحليق عالياً في سماء الفكر والعقيدة حتَّى اصطبغ مذهب الإماميَّة الواسع باسمه الشريف.
وقد انعكست أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) في غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) على الفكر الشيعي بصورة واضحة جليَّة، وذلك من جهة عناية هذا الفكر بتلك الأحاديث عناية فائقة، فأفردوا لها مؤلَّفات عديدة ورسائل كثيرة كوَّنت بمجموعها رؤية واضحة لطلائع التشيُّع حول غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) قبل ولادته بعشرات السنين.
وما مزاعم الفِرَق الشيعيَّة - التي نشأت في إطار التشيُّع فجأةً واندرست بعيد نشأتها بسرعة - بغيبة من ادَّعيت له الإمامة زوراً، كقول الكيسانيَّة بغيبة محمّد بن الحنفيَّة في جبل رضوى، وقول الواقفيَّة بغيبة الإمام الكاظم (عليه السلام)، إلَّا صورة معبِّرة عن انتشار مفهوم الغيبة في الوسط الشيعي انتشاراً واسعاً، لدرجة توفَّرت معها للوجود الشيعي الإمامي الاثني عشري حصانة رائعة ضدَّ كلِّ الدعاوى المنحرفة التي برزت في إطاره، حتَّى استطاع بفضل فلسفة الإخبار بالغيبة وتشخيص صاحبها قبل ولادته بعشرات السنين، أنْ يشقَّ طريقه بأمان رغم كلِّ العواصف التي اعترضت سبيله.
ثانياً: الغيبة في مؤلَّفات الشيعة:
إنَّ كُتُب الغيبة شاهدة على عناية الفكر الشيعي بها منذ أقدم العصور وإلى يومنا هذا، من أمثال:
1 - كتاب (الغيبة) لإبراهيم بن صالح الأنماطي الكوفي(216).
2 - كتاب (ترتيب الأدلَّة فيما يلزم خصوم الإماميَّة دفعه عن الغيبة والغائب) لأحمد بن الحسين الآبي(217).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(216) رجال النجاشي (ص 15/ الرقم 13)، الفهرست (ص 34 و35/ الرقم 2/2)، معالم العلماء (ص 41/ الرقم 5).
(217) معالم العلماء (ص 60/ الرقم 113).
3 - كتاب (الشفاء والجلاء في الغيبة) لأحمد بن عليٍّ الرازي(218).
4 - كتاب (الغيبة) لأحمد بن محمّد بن عمران المعروف بابن الجندي أحد مشايخ النجاشي (رحمه الله)(219).
5 - كتاب (الغيبة) للسيِّد الحسن بن حمزة المعروف بالطبري المرعش (ت 358هـ)(220).
6 - كتاب (الغيبة وذكر القائم (عليه السلام)) للحسن بن محمّد بن يحيى العلوي (ت 358هـ)(221).
7 - كتاب (الغيبة والحيرة) لعبد الله بن جعفر الحميري من أصحاب الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام)(222).
8 - كتاب (الغيبة وكشف الحيرة) لأبي الحسن سلامة بن محمّد بن إسماعيل (ت 339هـ)(223).
9 - كتاب (الغيبة) لأبي الفضل العبَّاس بن هشام الناشري الأسدي أحد أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، ومات في إمامة الإمام الجواد (عليه السلام) سنة (220هـ) أو قبلها بسنة واحدة(224).
10 - كتاب (الإمامة والتبصرة من الحيرة) للصدوق الأوَّل أحد معاصري الغيبة الصغرى كلِّها (ت 329هـ)، وهو (مطبوع).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(218) رجال النجاشي (ص 97/ الرقم 240)، الفهرست (ص 76/ الرقم 91/29)، معالم العلماء (ص 54/ الرقم 82).
(219) رجال النجاشي (ص 85/ الرقم 206).
(220) رجال النجاشي (ص 64/ الرقم 150).
(221) رجال النجاشي (ص 64/ الرقم 149).
(222) رجال النجاشي (ص 219/ الرقم 573)، الفهرست (ص 167 و168/ الرقم 439/7).
(223) رجال النجاشي (ص 192/ الرقم 514).
(224) رجال النجاشي (ص 280/ الرقم 741).
11 - كتاب (الغيبة) لأبي محمّد عبد الوهَّاب المادرائي(225).
12 - كتاب (أخبار القائم (عليه السلام)) للشيخ عليِّ بن محمّد بن إبراهيم المعروف بعلَّان الكليني الرازي(226)، من معاصري الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وهو خال ثقة الإسلام الكليني (رحمه الله) الذي روى عن كتابه هذا معظم أحاديث باب مولد الحجَّة (عليه السلام) في (أُصول الكافي).
13 - كتاب (الغيبة) للشيخ النعماني تلميذ الكليني (رحمهما الله)، وهو (مطبوع).
14 - كتاب (الغيبة) لعليِّ بن محمّد بن عليٍّ أبي الحسن القلَّاء(227).
15 - كتاب (إزالة الران عن قلوب الإخوان في الغيبة) للفقيه أبي عليٍّ محمّد بن أحمد المشهور بابن الجنيد(228).
16 - كتاب (الغيبة وكشف الحيرة) لمحمّد بن أحمد الصفواني البغدادي من مشاهير تلامذة الكليني (رحمه الله)(229).
17 - كتاب (الغيبة) لأبي النظر محمّد بن مسعود العيَّاشي المفسِّر المشهور (ت 320هـ)(230).
18 - كتاب (الغيبة) لإبراهيم بن إسحاق النهاوندي(231).
19 - كتاب (أخبار المهدي (عليه السلام)) لعبَّاد بن يعقوب الرواجني(232)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(225) رجال النجاشي (ص 247/ الرقم 652).
(226) رجال النجاشي (ص 260 و261/ الرقم 682).
(227) رجال النجاشي (ص 259 و260/ الرقم 679).
(228) رجال النجاشي (ص 393/ الرقم 1050)، معالم العلماء (ص 132 و133/ الرقم 665).
(229) معالم العلماء (ص 131 و132/ الرقم 663).
(230) رجال النجاشي (ص 350 - 353/الرقم 944)، الفهرست (ص 212 - 215/ الرقم 604)، معالم العلماء (ص 134 و135/ الرقم 668).
(231) رجال النجاشي (ص 19/ الرقم 21)، الفهرست (ص 39 و40/ الرقم 9/9).
(232) معالم العلماء (ص 123/ الرقم 612).
مات (رحمه الله) سنة (250هـ)(233)، أي: قبل حلول ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بخمس سنين.
20 - مصنَّفات الشيخ المفيد (رحمه الله) في الغيبة كـ: كتاب (الغيبة)، وكتاب (جوابات الفارقيِّين في الغيبة)، و(الرسائل العشر في الغيبة)، وهو (مطبوع)، و(النقض على الطلحي في الغيبة)، و(مختصر في الغيبة) كما صرَّح بذلك النجاشي (رحمه الله)(234).
21 - كتاب (إكمال الدِّين وإتمام النعمة) للشيخ الصدوق (ت 381هـ)، وهو (مطبوع)، وفيه من أحاديث الغيبة الكثير جدًّا. وله ثلاث رسائل في الغيبة(235).
22 - كتاب (المقنع في الغيبة) للسيِّد المرتضى علم الهدى (ت 436هـ)، وهو (مطبوع).
23 - كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي (ت 460هـ)، وهو (مطبوع).
24 - كتاب (البرهان على طول عمر صاحب الزمان (عليه السلام)) للكراجكي (ت 449هـ)(236).
25 - كتاب (الغيبة) لأبي الفرج المظفَّر بن عليِّ بن الحسين الحمداني(237).
26 - كتاب (الغيبة) لمحمّد بن زيد بن عليٍّ الفارسي(238).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(233) وصفه أهل السُّنَّة بالرفض، وادَّعى بعض الشيعة عامّيَّته! وهو ثقة إمامي كما حقَّقنا ذلك في محلِّه.
(234) رجال النجاشي (ص 399 - 403/ الرقم 1067).
(235) رجال النجاشي (ص 389 - 392/ الرقم 1049).
(236) الذريعة إلى تصانيف الشيعة (ج 3/ ص 92/ الرقم 292).
(237) الذريعة إلى تصانيف الشيعة (ج 16/ ص 82/ الرقم 406).
(238) الذريعة إلى تصانيف الشيعة (ج 16/ ص 79 و80/ الرقم 400).
27 - كتاب (الغيبة وما جاء فيها عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمَّة (عليهم السلام)) لتاج العلى العلوي (ت 610هـ)(239).
28 - كتاب (الغيبة) لأبي بكر محمّد بن القاسم البغدادي(240).
وغيرها ممَّا لا وسع في تتبُّعها.
وهذه الكُتُب وإنْ ضاع أكثرها - لاسيّما المُؤَلَّف منها قبل ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) - إلَّا أنَّ فيما وصل منها كفاية في الكشف عن الحقيقة التامَّة لمن أرادها.
ثالثاً: علم الشيعة بالغيبة قبل حدوثها:
اتَّضح ممَّا تقدَّم أنَّ غيبة الإمام المهدي بن الإمام العسكري (عليهما السلام) كانت معلومة في الوسط الشيعي قبل حدوثها بعشرات السنين، وذلك من خلال ما سمعوه من أهل البيت (عليهم السلام) مباشرةً، ولهذا ألَّفوا فيما سمعوه بهذا الخصوص كُتُباً عديدة، وقد شهد غير واحد من أعلام الإماميَّة وأجلَّائهم المشهورين على هذه الحقيقة.
قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): (إنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) قد أخبروا بغيبته (عليه السلام)، ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نُقِلَ عنهم، واستُحفِظَ في الصُّحُف، ودُوِّن في الكُتُب المؤلَّفة من قبل أنْ تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقلّ أو أكثر، فليس أحد من أتباع الأئمَّة (عليهم السلام) إلَّا وقد ذكر ذلك في كثير من كُتُبه ورواياته، ودوَّنه في مصنَّفاته، وهي الكُتُب التي تُعرَف بالأُصول، مدوَّنة مستحفظة عند شيعة آل محمّد (عليهم السلام) من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين...)(241).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(239) الذريعة إلى تصانيف الشيعة (ج 16/ ص 75/ الرقم 375).
(240) الذريعة إلى تصانيف الشيعة (ج 16/ ص 80/ الرقم 403).
(241) كمال الدِّين (ص 19) من المقدَّمة.
وإلى هذا أشار الشيخ الطوسي (رحمه الله) في كتابه (الغيبة)، فقال بعد استدلاله بجملة من الأخبار الموجودة في الكُتُب المؤلَّفة قبل زمان الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ما هذا لفظه: (موضع الاستدلال من هذه الأخبار ما تضمَّن الخبر بالشيء قبل كونه فكان كما تضمَّنه)(242).
كما شهد بهذا أيضاً ابن قبة الرازي (رحمه الله)، وهو من فحول متكلِّمي الإماميَّة في عصره، فقد نقل الشيخ الصدوق (رحمه الله) عنه قوله في هذا الخصوص: (وهذه كُتُبهم فمن شاء أنْ ينظر فيها فلينظر)(243).
كما شهد الإربلي (رحمه الله) في (كشف الغمَّة)، والطبري الإمامي (رحمه الله) في (دلائل الإمامة) بعد نقل حديث عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) صريح بغيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، بأنَّهما نقلاه من كتاب (المشيخة) للحسن بن محبوب الزرَّاد(244). والحسن بن محبوب مات (رحمه الله) سنة (224هـ)، أي قبل زمان ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بإحدى وثلاثين سنة.
وغير ذلك من الأحاديث الأُخرى التي صرَّحت بغيبة الإمام الثاني عشر (عجَّل الله فرجه) قبل حدوثها على أرض الواقع بعشرات السنين، وستأتي الإشارة إلى بعضها في مكان آخر.
على أنَّ الاتِّساع الأُفُقي الحاصل في كلِّ طبقة من طبقات الرواة في بعض أحاديث الغيبة حتَّى ينتهي الأمر هكذا إلى أحد المتقدِّمين من أصحاب الأئمَّة (عليهم السلام) أو إلى من مات قبل زمان الغيبة بآماد كثيرة، قرينة شاهدة على سماع أحاديث غيبة الإمام الثاني عشر من رواة ماتوا قبل حلولها بأزمان كثيرة، وإلَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(242) الغيبة للطوسي (ص 173).
(243) كمال الدِّين (ص 107) من المقدَّمة.
(244) كشف الغمَّة (ج 3/ ص 337)، ودلائل الإمامة (ص 535/ ح 520/124).
فماذا يُفهَم من هذا الاتِّساع الأُفُقي في كلِّ طبقة غير صحَّة ما شهد به الصدوق (رحمه الله) وغيره من وجود تلك الأخبار في الكُتُب المؤلَّفة قبل زمان الغيبة بكثير؟
وسوف يأتي ما يدلُّ على وجود مثل هذه القرينة في أحاديث الغيبتين وغيرهما، ومن ثَمَّ فإنَّ ما في موضوع كتابنا هذا أقوى من كلِّ شهادة على علم الشيعة بالغيبة قبل حدوثها.
رابعاً: إخبار الإمام الصادق (عليه السلام) بالشيء قبل وقوعه، وعلم الغيب:
إنَّ ظاهرة الإخبار بالشيء قبل وقوعه كانت ظاهرة معروفة في حياة الأئمَّة (عليهم السلام)، وقد أذعن لها الشيعة برمَّتهم، واعترف بهذا غيرهم أيضاً.
قال ابن خلدون (ت 808هـ) في تاريخه في الفصل الثالث والخمسين عن الإمام الصادق (عليه السلام) ما هذا لفظه: (وقد صحَّ عنه أنَّه كان يُحذِّر بعض قرابته بوقائع تكون لهم فتصحُّ كما يقول، وقد حذَّر يحيى ابن عمِّه زيد من مصرعه وعصاه، فخرج وقُتِلَ بالجوزجان كما هو معروف، وإذا كانت الكرامة تقع لغيرهم فما ظنُّك بهم علماً وديناً وآثاراً من النبوَّة، وعناية من الله بالأصل الكريم تشهد لفروعه الطيِّبة)(245).
وقال أيضاً: (ووقع لجعفر وأمثاله من أهل البيت كثير من ذلك، مستندهم فيه - والله أعلم - الكشف بما كانوا عليه من الولاية، وإذا كان مثله لا يُنكر من غيرهم من الأولياء في ذويهم وأعقابهم، وقد قال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم): «إِنَّ فِيكُمْ مُحَدَّثِينَ»، فهم أولى الناس بهذه الرُّتَب الشريفة، والكرامات الموهوبة)(246).
وقال عليُّ بن محمّد الجرجاني (ت 816هـ) في (شرح المواقف) لعضد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(245) تاريخ ابن خلدون (ج 1/ ص 334/ فصل 53).
(246) تاريخ ابن خلدون (ج 1/ ص 331/ فصل 53).
الدِّين الإيجي (ت 756هـ) في المقصد الثاني: مبحث العلم الواحد الحادث هل يجوز تعلُّقه بمعلومين؟ ما هذا نصُّه: (وفي كتاب قبول العهد الذي كتبه عليُّ بن موسى (رضي الله عنهما) إلى المأمون: «إنَّك قد عرفت من حقوقنا ما لم يعرفه آباؤك، فقبلت منك عهدك، إلَّا أنَّ الجَفْرَ والجامعة يدلَّان على أنَّه لا يتمُّ»)(247).
وقد نقل هذا الكلام بعينه الكاتب الحلبي المعروف بحاجي خليفه (ت 1067هـ)، وأضاف عليه قوله: (وكان كما قال؛ لأنَّ المأمون استشعر فتنة من بني هاشم فسمَّه، كذا في (مفتاح السعادة))(248).
وقد زعم بعض خصوم الشيعة بأنَّ أخبار أهل البيت (عليهم السلام) عن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) التي يدَّعي الشيعة وجودها في الكُتُب المؤلَّفة في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) أخبار مكذوبة، نظراً لما تضمَّنته من علم الغيب، وهو منفيٌّ عن غير الله (عزَّ وجلَّ)!
وهذا جهل فظيع، لأنَّ العلم المنفي عن غيره تعالى هو ما كان للشخص لذاته بلا واسطة في ثبوته له، لمكان الإمكان فيه ذاتاً وصفةً، وكلُّ ممكن لا يثبت له شيء من هذا العلم بلا واسطة، وما وقع لأهل البيت (عليهم السلام) فهو ليس من العلم المنفي في شيء؛ لأنَّه متلقَّى عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، عن الوحي، عن الله (عزَّ وجلَّ)، ولا مانع أيضاً من أنْ يفيضه الله تعالى عليهم؛ لأنَّهم (عليهم السلام) (محدَّثون) كما مرَّ في كلام ابن خلدون ما يشير إلى هذا، وفي الصحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «نَحْنُ اثْنَا عَشَرَ مُحَدَّثاً»(249).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(247) شرح المواقف (ج 6/ ص 22).
(248) كشف الظنون (ج 1/ 591) تحت عنوان: (علم الجفر والجامعة). ومفتاح السعادة كتاب ألَّفه طاش كبرى زاده (ت 968هـ).
(249) بصائر الدرجات (ص 339/ ج 7/ باب 5/ ح 2)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 534 و535/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 20)، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 2/ ص 59 و60/ باب 6/ ح 23).
ولا مانع أيضاً من القول بقول الآلوسي (ت 1270هـ) بشأن علم الخواصِّ، قال: (إنَّهم أُظْهِرُوا أو أُطلِعُوا - بالبناء للمفعول - على الغيب، أو نحو ذلك ممَّا يُفهَم الواسطة في ثبوت العلم لهم)(250).
ومن هنا يظهر بوضوح وجه المغالطة في نسبة إخبار أولياء الله بالشيء قبل حدوثه إلى علم الغيب المنفي عن غير الله (عزَّ وجلَّ)، هذا فضلاً عمَّا في تلك المغالطة من إنكار لشيء مادِّي ملموس! أعني المصنَّفات الكثيرة المؤلَّفة في غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) قبل ولادته، وفيها من الأخبار الكثيرة المتواترة ما يكشف عن غائب بالتحديد وشخص معيَّن لا مجال للاشتباه فيه أو الترديد، وهو ما شهد به غير واحدٍ ممَّن ذكرناه.
خامساً: مكوِّنات الوحدة الموضوعيَّة للغيبة عند الإمام الصادق (عليه السلام):
نعني بمكوِّنات الوحدة الموضوعيَّة للغيبة عند الإمام الصادق (عليه السلام): المفردات التي اشتملت عليها أحاديث الإمام الصادق (عليه السلام) في موضوع الغيبة في معزل عمَّا تقدَّم من أحاديثه في تشخيص هويَّة الإمام الغائب، لنرى هل كوَّنت فيما بينها نسيجاً موحَّداً، أو كانت مجرَّد أحاديث متفرِّقة لا يمكن صياغة عقد منها بعد ترتيبها في نظام واحد؟
ثمّ لو أمكن لها ذلك، فهل استطاعت تلك الأحاديث أنْ تتَّسم بالعمق والشمول والسعة، أم أنَّها انتظمت في سلكها لا غير؟
وبعبارة أُخرى: هل استطاعت أحاديث الإمام الصادق (عليه السلام) - كما ندَّعيه نحن في هذه الدراسة - من تكوين وحدة موضوعيَّة متجانسة كافية في مقام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(250) تفسير الآلوسي (ج 10/ ص 222) مبحث في: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ﴾ (النمل: 65).
معرفة مَنْ هو الإمام الغائب على وجه التحديد، وبلا أدنى حاجة إلى التماس أحاديث أُخرى عن أهل البيت (عليهم السلام) للكشف عن هويَّة الإمام الغائب، أو أنَّها وقفت في سياقها التاريخي ولم تستوعب الإجابة على ما يحيط بغيبة الإمام الغائب من تساؤلات؟
ونودُّ قبل بيان مكوِّنات تلك الوحدة التوقُّف على مسألة مهمَّة تتَّصل اتِّصالاً مباشراً بعلم الحديث الشريف، فنقول:
اتَّسم أكثر الحديث الصحيح الوارد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل البيت (عليهم السلام) بمعارف غنيَّة كثيرة، وذات دلالات متنوِّعة على الرغم من مركزيَّة الدلالة الأُمِّ في تلك الأحاديث وظهورها بشكل واضح.
ومن هنا نجد في أغلب كُتُب الحديث اضطرار المحدِّث إلى إعادة الحديث الواحد في أبواب متعدِّدة من كتابه، وما ذاك إلَّا علامة على ذلك الغنى المطَّرد في دلالة الحديث الواحد على أكثر من موضوع.
ولم تخرج أحاديث الإمام الصادق (عليه السلام) في موضوع الغيبة عن هذه القاعدة، إذ عادةً ما نجد فيها ما يشير إلى أُمور أُخرى مهمَّة ذات صلة وثيقة بالغيبة أو بالكشف عن صاحبها الموعود (عجَّل الله فرجه)، ومن هنا جرى تصنيفها على أساس مركزيَّة الدلالة لا على أساس ما تضمَّنته من عناوين أُخرى هي صالحة بالتأكيد للانطباق على عناوين أُخرى من هذا البحث.
وبهذا نعود إلى مكوِّنات الوحدة الموضوعيَّة للغيبة عند إمامنا الصادق (عليه السلام) لنبحثها في الفصول الثلاثة المتبقّية من هذا الباب، كالآتي.
* * *
الفصل الثاني: تأكيد الإمام الصادق (عليه السلام) على غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وطولها
كان الإمام الصادق (عليه السلام) مدركاً تماماً ما للغيبة من معنى، إنَّه اختفاء القائد فجأةً، الأمر الذي يحتاج معه إلى ترويض العقل الشيعي لقبول هذا الغياب المفاجئ الذي لم تشهد مثله الشيعة في تاريخها من قبل، إنَّها غيبة طويلة، لابدَّ من التركيز عليها وبيان إرهاصاتها التاريخيَّة، وما سيرافقها من أحداث، وما يتزامن معها من فتن، وهو ما وضَّحه الإمام الصادق (عليه السلام) بكلِّ دقَّة وتفصيل.
أوَّلاً: تأكيد الإمام الصادق (عليه السلام) على غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
ويدلُّ على ذلك أحاديث كثيرة، نذكر منها:
1 - عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِلْقَائِمِ (عليه السلام) غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ»، قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: «إِنَّه يَخَافُ»، وَأَوْمَأَ بِيَدِه إِلَى بَطْنِه، يَعْنِي القَتْلَ(251).
تضمَّن هذا الحديث الصحيح الإشارة إلى بعض عِلَل الغيبة، أعني: الخوف من القتل، وهي العلَّة الظاهرة على مسرح الأحداث التاريخيَّة التي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(251) الكافي (ج 1/ ص 338 و340/ باب في الغيبة/ ح 9 و18)، الغيبة للنعماني (ص 183/ باب 10/ فصل 4/ ح 21).
أعقبت وفاة الإمام الحسن العسكري والد الإمام المهدي (عليهما السلام)، وإلَّا فهناك عِلَل أُخرى وردت عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً، من قبيل أنْ لا يكون في عنق الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) نوع التزام للحاكم قبيل الظهور من عهد أو بيعة، وجريان السُّنَن السابقة في غيبات الأنبياء (عليهم السلام) في غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، ونحو ذلك من العِلَل غير المنظورة في ابتداء زمن الغيبة، كما سيأتي في بيان عِلَل الغيبة.
وفي الحديث أيضاً إخبار بشيئين قبل أوان حدوثهما:
أحدهما: غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وقد وردت في الحديث نصًّا، ولم تتحقَّق إلَّا في شخص الإمام الثاني عشر (عجَّل الله فرجه)، لثبوت بطلان من ادُّعيت غيبته بوفاته وتغسيله، وكفنه، والصلاة على جنازته، ودفنه كما هو حال دعوى الكيسانيَّة بغيبة محمّد بن الحنفيَّة (رضي الله عنه)، ودعوى الواقفيَّة بغيبة الإمام الكاظم (عليه السلام)، ونحو ذلك من الدعاوى الأُخرى الباطلة.
الآخر: وهو لا يقلُّ أهمّيَّةً عن الأخبار الأُوَل، وقد تحقَّق على طبق ما أخبر به (عليه السلام)، وهو الإشارة إلى أنَّ الأُمَّة سوف لن تنصف آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنَّها ستبقى على حالها ببخس حقِّهم من السلطة، وإبعادهم عمَّا جعله الله تعالى لهم من الخلافة، وأنَّ القائمين على السلطة سيتمادون بغيِّهم، ويضاعفون تعسُّفهم على أهل بيت نبيِّهم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لدرجة يضطرُّ معها الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) إلى الاختفاء عنهم.
وقد تحقَّق هذا في سنة (260هـ) بغيبة إمامنا الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
2 - وعن المفضَّل بن عمر، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «أَمَا وَاَلله لَيَغِيبَنَّ إِمَامُكُمْ سِنِيناً مِنْ دَهْرِكُمْ، وَلَتُمَحَّصُنَّ حَتَّى يُقَالَ: مَاتَ أَوْ هَلَكَ، بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟ وَلَتَدْمَعَنَّ عَلَيْهِ عُيُونُ اَلمُؤْمِنِينَ، وَلَتُكْفَؤُنَّ كَمَا تُكْفَأُ اَلسُّفُنُ فِي أَمْوَاجِ البَحْرِ، وَلَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَخَذَ اَللهُ مِيثَاقَهُ، وَكَتَبَ فِي قَلْبِهِ الإِيمَانَ، وَأَيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْهُ،
وَلَتُرْفَعَنَّ اِثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُدْرَى أَيٌّ مِنْ أَيٍّ»، قَالَ: فَبَكَيْتُ، فَقَالَ لِي: «مَا يُبْكِيكَ، يَا أَبَا عَبْدِ اَلله؟»، فَقُلْتُ: وَكَيْفَ لَا أَبْكِي وَأَنْتَ تَقُولُ: «اِثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُدْرَى أَيٌّ مِنْ أَيٍّ»؟ فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى شَمْسٍ دَاخِلَةٍ فِي اَلصُّفَّةِ، فَقَالَ: «يَا أَبَا عَبْدِ اَلله، تَرَى هَذِهِ اَلشَّمْسَ؟»، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «وَاَلله لَأَمْرُنَا أَبْيَنُ مِنْ هَذِهِ اَلشَّمْسِ»(252).
وفي حديث المفضَّل هذا تأكيد لما سيكون في زمان الغيبة من تمحيص واختبار، حتَّى يقال ما يقال حينئذٍ، ويُفهَم من الحديث أنَّ القائل بهذا هم من الشيعة أنفسهم، نتيجة الدعاية الواسعة التي يشنُّها الطرف الآخر المتمثِّل بالسلطة وأعوانها وبعض عملائها كجعفر الكذَّاب عمِّ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، زيادةً على شدَّة البليَّة، وطول المحنة، وكثرة الفتن، كلُّ ذلك عوامل مباشرة في حصول الاضطراب عند ذوي النفوس الضعيفة من الشيعة، وتزلزل عقيدتهم، كالذي حصل لدى شرذمة منهم في تأييد بعض المقولات الفاسدة التي ظهرت بعد وفاة الإمام العسكري (عليه السلام)، من قبيل مدَّعيات جعفر الكذَّاب ونظرائه. وفي مقابل هذا تجد في صفوفهم المصداق الواقعي لقوله تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ﴾ (المجادلة: 22).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(252) كمال الدِّين (ص 347/ باب 33/ ح 35)؛ وبتفاوت يسير في: الإمامة والتبصرة (ص 125 و126/ ح 125)، الكافي (ج 1/ ص 336 و338 و339/ باب في الغيبة/ ح 3 و11)، الغيبة للنعماني (ص 153 و154/ باب 10/ ح 9 و10)، دلائل الإمامة (ص 532 و533/ ح 512/116)، الغيبة للطوسي (ص 337 و338/ ح 285). والتنوين في (سنين) على لغة بني عامر، فلاحظ.
وقوله (عليه السلام): «وَلَتُرْفَعَنَّ اِثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً...» إشارة إلى تشتُّت الآراء، واختلاف النوازع، وتعدُّد الأهواء، وكثرة أتباع الدنيا، ودعواتهم الباطلة، وغير ذلك من صور الظلم ومستلزماته، وقد كان هذا وما زال موجوداً بين الناس على المستوى المذهبي الإسلامي، وعلى المستوى السياسي والاقتصادي، وغير ذلك من حقول الحياة المختلفة؛ لأنَّ الحقَّ والباطل في صراع دائم، وإذا ما غَلَبَ الباطلُ انحرف المجتمع وانقسم على ذاته، وتناحر في داخله على طول خطِّ انحرافه. وأمَّا عن دعاة السوء والأئمَّة المضلِّين، فما أكثرهم في التاريخ، فقد كانوا ولا زالوا يتمثَّلون بالعلماء المزيَّفين الضالعين مع الأجهزة الحاكمة المتعسِّفة الظالمة عبر التاريخ.
وهذا هو ما أشار إليه الإمام الصادق (عليه السلام) بعبارة: «وَلَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَخَذَ اَللهُ مِيثَاقَهُ، وَكَتَبَ فِي قَلْبِهِ الإِيمَانَ، وَأَيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْهُ».
ولـمَّا كانت علامات الحقِّ واضحة لائحة، وأنَّها أبين من ضوء الشمس الداخل من الكوَّة الصغيرة، فضلاً عمَّا يحيط بالمهدي (عجَّل الله فرجه) من التأييد الإلهي، وما يتلطَّف عليه الله (عزَّ وجلَّ) بالآيات الباهرة والمعجزات الظاهرة، مع علومه وأخلاقه وكمالاته (عجَّل الله فرجه)، فلا خوف إذن على المؤمنين من رايات الضلال التي ستُرفَع بوجوههم على أمل صرفهم عن المنقذ العظيم؛ لأنَّهم أبعد ما يكون عن الاشتباه بها، وإنَّما الذي سيقع في حضيضها هو ليس إلَّا من لا يطلب الحقَّ ويريد الشبهة في الدِّين ابتغاء الفتنة.
وهكذا حاول الإمام الصادق (عليه السلام) بهذا الحديث وأمثاله أنْ يكشف للأُمَّة المعالم الصحيحة لمعرفة الحقِّ والحقيقة.
وإذا كان المفضَّل قد أرسل دمعة حرَّى لسماعه نبأ الغيبة وحيرة الناس يومئذٍ، فقد كان الإمام الصادق (عليه السلام) غزير الدمعة على ولده المهدي (عجَّل الله فرجه)، بالغ
التوجُّع، شديد الحسرة، وكم رُؤي (عليه السلام) مهموماً مغموماً وهو يُخبِر الشيعة بغيبة المؤمَّل المنتظَر (عجَّل الله فرجه)، وكأنَّه (عليه السلام) كان يعيش حالة الأُمَّة، وهي واقفة مكتوفة الأيدي على ما يصنعه العبَّاسيُّون، وقضاتهم، وشَرَطَتهم ببيت النبوَّة ومهبط الوحي والتنزيل، بالبحث والتنقيب عن خاتم الأئمَّة (عليهم السلام)، ومصادرة ميراثه من أبيه (عليهما السلام)، وتمزُّق قلوب أتباعه، ولكنَّه التمحيص والبلاء الذي لابدَّ منه.
ويدلُّ على ذلك ما في الحديث المؤلم الآتي:
3 - عن سدير الصيرفي، والمفضَّل بن عمر، وأبي بصير, وأبان بن تغلب، كلّهم عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث طويل جاء فيه قوله (عليه السلام): «... سَيِّدِي غَيْبَتُكَ نَفَتْ رُقَادِي، وَضَيَّقَتْ عَلَيَّ مِهَادِي، وَاِبْتَزَّتْ مِنِّي رَاحَةَ فُؤَادِي، سَيِّدِي غَيْبَتُكَ أَوْصَلَتْ مُصَابِي بِفَجَائِعِ الأَبَدِ...»، وحين سألوه (عليه السلام) عن سرِّ توجُّعه، قال (عليه السلام): «نَظَرْتُ فِي كِتَابِ الجَفْرِ صَبِيحَةَ هَذَا اليَوْمِ...، وَتَأَمَّلْتُ مِنْهُ مَوْلِدَ غَائِبِنَا، وَغِيبَتَهُ، وَإِبْطَاءَهُ، وَطُولَ عُمُرِهِ، وَبَلْوَى اَلمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ اَلزَّمَانِ، وَتَوَلُّدَ اَلشُّكُوكِ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ طُولِ غَيْبَتِهِ...»(253).
هذا وقد مرَّ الكلام عن الجَفْر واعتراف ابن خلدون، والجرجاني، وصاحب (كشف الظنون) بصحَّة كتاب الجفر، وأكَّدوا صراحةً على إخبار الصادق والرضا (عليهما السلام) من هذا الكتاب بحوادث مستقبلة وقعت على طبق ما أخبرا به.
وهذا الحديث قد تضمَّن من الآيات الدالَّة على الإمام الثاني عشر (عجَّل الله فرجه) الكثير الذي لا ينطبق إلَّا عليه (عجَّل الله فرجه).
ومن خلال معرفتنا بوفيات رواة الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) مباشرةً يتَّضح لنا أنَّهم أدركوا الإمام الكاظم (عليه السلام) وبعضهم عاصره، وعليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(253) كمال الدِّين (ص 352 - 357/ باب 33/ ح 50)، الغيبة للطوسي (ص 167 - 173/ ح 129)، ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 310 - 312/ باب 80/ ح 2).
لابدَّ وأنْ يكون الحديث هذا بعد ولادة الإمام الكاظم (عليه السلام) بسنين كثيرة، الأمر الذي يدلُّ قوله (عليه السلام): «وَتَأَمَّلْتُ مِنْهُ مَوْلِدَ غَائِبِنَا» أنَّه لا مجال للتصديق بدعوى مهدويَّة الإمام الكاظم (عليه السلام) التي تزعَّمتها رؤوس الواقفيَّة طمعاً في أمواله (عليه السلام) بعد وفاته؛ لأنَّه كان (عليه السلام) مولوداً في ذلك الحين.
ويزيد هذا الأمر وضوحاً أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) لم يكتفِ بالتصريح بطول الغيبة وتولُّد الشكوك في القلوب من طولها، لئلَّا يكون هذا إغراءً بمقولة الواقفيَّة الذين قالوا بأنَّ الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليهما السلام) قد غاب في حبس هارون (لعنه الله)، وإنَّما صرَّح الإمام الصادق (عليه السلام) بطول العمر، الأمر الذي زيَّف قولهم وأبطله قبل انطلاقه. وممَّا زاده زيفاً ودحضته الأيَّام وكذَّبه التاريخ هو عُمْرُ الإمام الكاظم (عليه السلام) حيث استُشهِدَ وهو في سنِّ الخامسة والخمسين، فأين طول العمر إذن؟!
وقد جاءت هذه الفوائد في غمرة التأكيد على حصول الغيبة بالإمام الثاني عشر (عجَّل الله فرجه)، وإلَّا فسيأتي ما يدلُّ على طولها صراحةً في العنوان الآتي.
ثانياً: تصريح الإمام الصادق (عليه السلام) بطول غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
1 - عن محمّد بن حمران، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «إِنَّ القَائِمَ مِنَّا مَنْصُورٌ بِالرُّعْبِ، مُؤَيَّدٌ بِالنَّصْرِ، تُطْوَى لَهُ الأَرْضُ، وَتَظْهَرُ لَهُ الكُنُوزُ كُلُّهَا، وَيُظْهِرُ اَللهُ تَعَالَى بِهِ دِينَهُ عَلَى اَلدِّيِنِ كُلِّهِ وَلَوُ كَرِهَ اَلمُشْرِكُونَ، وَيَبْلُغُ سُلْطَانُهُ اَلمَشْرِقَ وَاَلمَغْرِبَ، وَلاَ يَبْقَى فِي الأَرْضِ خَرَابٌ إِلَّا عُمِرَ، وَيَنْزِلُ رُوحُ اَلله عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (عليه السلام) فَيُصَلِّي خَلْفَهُ»، قَالَ اِبْنُ حَمْرَان: قِيلَ لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اَلله، مَتَى يَخْرُجُ قَائِمُكُمْ؟ قَالَ: «إِذَا تَشَبَّهَ اَلرِّجَالُ بِالنِّسَاءِ، وَاَلنِّسَاءُ بِالرِّجَالِ...»، ثمّ ذكر (عليه السلام) جملة من علامات الظهور، إلى أنْ قال: «وَذَلِكَ بَعْدَ غَيْبَةٍ طَوِيِلَةٍ»(254).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(254) مختصر إثبات الرجعة (ص 65 و66/ ح 18)؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 330 و331/ باب 32/ ح 16) عن أبي جعفر محمّد بن عليٍّ الباقر (عليه السلام).
2 - وعن سدير الصيرفي، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «إِنَّ لِلْقَائِمِ مِنَّا غَيْبَةً يَطُولُ أَمَدُهَا»، فَقُلْتُ لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اَلله، وَلِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «لِأَنَّ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) أَبَى إِلَّا أَنْ تَجْرِيَ فِيهِ سُنَنُ الأَنْبِيَاءِ (عليهم السلام) فِي غَيْبَاتِهِمْ، وَإِنَّهُ لَابُدَّ لَهُ يَا سَدِيرُ مِنِ اِسْتِيفَاءِ مُدَدِ غَيْبَاتِهِمْ، قَالَ اَللهُ تَعَالَى: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ﴾ [الانشقاق: 19]، أَيْ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ»(255).
3 - وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ عَبْدِ الكَرِيمِ الجَلَّابِ، قَالَ: ذُكِرَ القَائِمُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُ لَوْ قَدْ قَامَ لَقَالَ اَلنَّاسُ: أَنَّى يَكُونُ هَذَا وَقَدْ بَلِيَتْ عِظَامُهُ مُذْ كَذَا وَكَذَا؟»(256).
4 - وعن سليمان بن خالد، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا اِسْتَيْأَسْتُمْ مِنَ اَلمَهْدِيِّ، فَيَطْلُعُ عَلَيْكُمْ صَاحِبُكُمْ مِثْلَ قَرْنِ اَلشَّمْسِ، يَفْرَحُ بِهِ أَهْلُ اَلسَّمَاءِ وَالأَرْضِ؟ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اَلله، وَأَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ؟ قَالَ: إِذَا غَابَ عَنْهُمْ اَلمَهْدِيُّ، وَأَيِسُوا مِنْهُ»(257)، كناية عن طول غيبته (عجَّل الله فرجه).
ثالثاً: تصريح الإمام الصادق (عليه السلام) بأنَّ للمهدي (عجَّل الله فرجه) غيبتين (صغرى وكبرى):
روى حديث الغيبتين عن الإمام الصادق (عليه السلام) كلٌّ من: أبو بصير، وزرارة، وإسحاق بن عمَّار، وحازم بن حبيب، وعبيد بن زرارة، والمفضَّل بن عمر. كما ورد حديث الغيبتين على لسان إمامنا الباقر (عليه السلام) في ما رواه عنه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(255) كمال الدِّين (ص 480 و481/باب 44/ح 6)، علل الشرائع (ج 1/ص 245/باب 179/ح 7).
(256) الغيبة للنعماني (ص 157/ باب 10/ فصل 1/ ح 14)، وأخرجه قبل هذا عن زائدة بن قدامة، عن بعض رجاله، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في الحديث رقم (13) من الباب المذكور.
ورواه بتفاوت يسير الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 423/ ح 406).
(257) دلائل الإمامة (ص 468/ ح 455/59).
إبراهيم بن عمر اليماني، ومحمّد بن مسلم الثقفي. وكذلك ورد حديث الغيبتين على لسان الإمام زين العابدين (عليه السلام)، كما سيأتي مفصَّلاً بعد قليل.
والمراد بالغيبتين: الغيبة الصغرى التي حصلت بعد وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) مباشرةً، وتمتدُّ هذه الغيبة من زمان وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) في الثاني والعشرين من شهر ربيع الأوَّل سنة (260هـ) إلى وقت وفاة رابع السفراء أبي الحسن عليِّ بن محمّد السمري (رضي الله عنه)، وذلك في النصف من شعبان سنة (329هـ)، فتكون مدَّة الغيبة الصغرى ثمان وستِّين سنة، وأربعة أشهر، وثلاثة وعشرين يوماً.
وقد كان للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في تلك الغيبة أكثر من عشرين وكيلاً موزَّعين على شتَّى المُدُن والأمصار الإسلاميَّة، لكنَّ الثقل الأعظم في إيصال تعاليم الإمام إلى قواعده الشعبيَّة كان على كاهل السفراء الأربعة (قدَّس الله أرواحهم الزكيَّة)، وهم:
1 - أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري الأسدي، وبقي في السفارة بحدود خمس سنين.
2 - ثمّ جاء من بعد وفاته (رضي الله عنه) سنة (265هـ تقريباً) ابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان، فقام مقام أبيه، وتُوفّي (رضي الله عنه) سنة (304هـ)، وقيل: سنة (305هـ)، وبقي في السفارة زهاء أربعين سنة.
3 - ثمّ جاء بعد وفاته السفير الثالث أبو القاسم الحسين بن روح (طاب ثراه)، وبقي في السفارة إلى حين وفاته (رضي الله عنه) في شهر شعبان سنة (326هـ).
4 - ثمّ تلاه على ذلك السفير الرابع أبو الحسن عليُّ بن محمّد السمري، وبموت السمري (رضي الله عنه) في النصف من شهر شعبان سنة (329هـ) انتهت مدَّة الغيبة الصغرى.
ثمّ حلَّت بعدها الغيبة الكبرى لإمام العصر والزمان (أرواحنا فداه)، ولا يعلم أحدٌ بأمدها ومدَّتها إلَّا الله (عزَّ وجلَّ)، وفيها انقطعت السفارة ليتولَّى مراجع الدِّين من الشيعة دور النيابة عن الإمام (عجَّل الله فرجه) وفقاً للقواعد الشرعيَّة التي وردت على لسان أهل البيت (عليهم السلام) بما في ذلك إمامنا المهدي (عجَّل الله فرجه).
وهكذا عرف الشيعة الإماميَّة دسائس الكذَّابين والمهرِّجين الذين حاولوا صرف أخبار الغيبتين إلى مدَّعيات الواقفيَّة وقولهم بغيبة الإمام الكاظم (عليه السلام)، متناسين التاريخ الذي نطق بشهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)، كما نطق بصاحب الغيبتين (عجَّل الله فرجه) إجمالاً وتفصيلاً.
1 - عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام): كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «لِلِقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) غَيْبَتَانِ، وَاحِدَةٌ طَوِيلَةٌ، وَالأُخْرَى قَصِيرَةٌ»، قَالَ: فَقَالَ لِي: نَعَمْ يَا أَبَا بَصِيرٍ، إِحْدَاهُمَا أَطْوَلُ مِنَ الأُخْرَى...»(258).
وهذا الحديث أخرجه النعماني (رحمه الله) عن الحسن بن محبوب، ونقله الطبري الإمامي (رحمه الله) في (دلائل الإمامة)، والإربلي (رحمه الله) في (كشف الغمَّة)، كلاهما من كتاب (المشيخة) للحسن بن محبوب مع التصريح بهذا. ورواه الفضل بن شاذان المتوفَّى في حياة الإمام العسكري (عليه السلام) ولم يشهد أيًّا من الغيبتين عن شيخه الحسن ابن محبوب مباشرةً، والحسن بن محبوب مات سنة (224هـ).
جدير بالذكر أنَّه قد ثبت عن الإمام الباقر (عليه السلام) ما قاله أبو بصير في هذا الحديث، ففي الصحيح عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ اليَمَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ غَيْبَتَيْنِ»(259).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(258) الغيبة للنعماني (ص 177/ باب 10/ فصل 4/ ح 7)، دلائل الإمامة (ص 535/ ح 520/124)، كشف الغمَّة (ج 3/ ص 337)، تقريب المعارف (ص 428 و429)، إعلام الورى (ج 2/ ص 259)، ولم نجده في مختصر إثبات الرجعة المطبوع.
(259) الغيبة للنعماني (ص 175 و176/ باب 10/ فصل 4/ ح 3).
كما سمعه محمّد بن مسلم الثقفي يقول (عليه السلام): «إِنَّ لِلْقَائِمِ غَيْبَتَيْنِ، يُقَالُ لَهُ فِي إِحْدَاهُمَا: هَلَكَ، وَلَا يُدْرَى فِي أَيِّ وَادٍ سَلَكَ»(260).
وفي حديث ثابت الثمالي، عن الإمام زين العابدين عليِّ بن الحسين (عليهما السلام)، قال: «... وَإِنَّ لِلْقَائِمِ مِنَّا غَيْبَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا أَطْوَلُ مِنَ الأُخْرَى»(261).
وقد صحَّ حديث الغيبتين عن الإمام الصادق (عليه السلام) من طُرُق شتَّى.
2 - ففي الصحيح عن زرارة، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «لِلْقَائِمِ غَيْبَتَانِ، إِحْدَاهُمَا أَطْوَلُ مِنَ الأُخْرَى»(262).
3 - وعنه أيضاً، قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِلْقَائِمِ غَيْبَتَيْنِ يَرْجِعُ فِي إِحْدَاهُمَا، وَفِي الأُخْرَى لَا يُدْرَى أَيْنَ هُوَ، يَشْهَدُ اَلمَوَاسِمَ، يَرَى اَلنَّاسَ وَلَا يَرَوْنَهُ»(263).
4 - وعن عبيد بن زرارة، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «لِلْقَائِمِ غَيْبَتَانِ، يَشْهَدُ فِي إِحْدَاهُمَا المَوَاسِمَ، يَرَى النَّاسَ وَلَا يَرَوْنَه»(264).
5 - وفي الصحيح عن إسحاق بن عمَّار، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «لِلْقَائِمِ غَيْبَتَانِ، إِحْدَاهُمَا قَصِيرَةٌ وَالأُخْرَى طَوِيلَةٌ، الغَيْبَةُ الأُولَى لَا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(260) الغيبة للنعماني (ص 178/ باب 10/ فصل 4/ ح 8).
(261) كمال الدِّين (ص 323/ باب 31/ ح 8).
(262) دلائل الإمامة (ص 530/ ح 506/110).
(263) الغيبة للنعماني (ص 181/ باب 10/ فصل 4/ ح 15).
(264) الكافي (ج 1/ ص 339/ باب في الغيبة/ ح 12)، الغيبة للنعماني (ص 181/ باب 10/ فصل 4/ ح 16)؛ ونحوه في الكافي (ج 1/ ص 337 و338/ باب في الغيبة/ ح 6)، الغيبة للنعماني (ص 179 و180/ باب 10/ فصل 4/ ح 13 و14)، كمال الدِّين (ص 346 و351/ باب 33/ ح 33 و49، وص 440/ باب 43/ ح 7)، دلائل الإمامة (ص 482 و531/ ح 477/81 و509/113)، الغيبة للطوسي (ص 161/ ح 119).
يَعْلَمُ بِمَكَانِه فِيهَا إِلَّا خَاصَّةُ شِيعَتِه، وَالأُخْرَى لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِه فِيهَا إِلَّا خَاصَّةُ مَوَالِيه»(265).
6 - وفي الصحيح عن حازم بن حبيب، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «يَا حَازِمُ، إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ غَيْبَتَيْنِ يَظْهَرُ فِي اَلثَّانِيَةِ، فَمَنْ جَاءَكَ يَقُولُ: إِنَّهُ نَفَضَ يَدَهُ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ فَلَا تُصَدِّقْهُ».
وهذا الحديث سمعه أبو محمّد عليُّ بن محمّد العلوي من عبد الله بن جبلَّة، وقد نقله الشيخ الطوسي (رحمه الله) من كتاب العلوي هذا مباشرةً(266)، كما نقله الفضل ابن شاذان (ت 260هـ) عن عبد الله بن جبلَّة أيضاً(267)، وسمعه عبيس بن هشام (ت 220هـ، أو قبلها بسنة) من عبد الله بن جبلَّة(268)، وعبد الله بن جبلَّة هذا مات سنة (219هـ) بلا خلاف.
ومع هذا، فلم ينحصر الطريق إلى حازم بن حبيب به؛ إذ أخرج النعماني (رحمه الله) حديث حازم بن حبيب بطريق ثانٍ ليس فيه ابن جبلَّة(269)، الأمر الذي يُؤكِّد صحَّة ما سبق ذكره من شهادات أعلام الطائفة بوجود هذه الأحاديث في الكُتُب المؤلَّفة قبل الغيبة بعشرات السنين.
وبنفس هذه الطريقة يمكن الاستدلال على إثبات وجود معظم الأحاديث السابقة كذلك بغضِّ النظر عن الشهادات المتقدِّمة، ولولا خشية الإطالة لبيَّنَّا ذلك مفصَّلاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(265) الكافي (ج 1/ ص 340/ باب في الغيبة/ ح 19)، الغيبة للنعماني (ص 175/ باب 10/ فصل 4/ ح 1 و2) من طريقين.
(266) الغيبة للطوسي (ص 54/ ح 46)، وفيه: (قال: وحدَّثني عبد الله بن جبلَّة...) إلخ، والقائل هو العلوي المذكور؛ إذ صرَّح الشيخ - قبل ذلك - بالنقل من كتابه، راجع كتاب الغيبة (ص 43).
(267) الغيبة للطوسي (ص 423 و424/ ح 407).
(268) الغيبة للنعماني (ص 176 و177/ باب 10/ فصل 4/ ح 6).
(269) الغيبة للنعماني (ص 177/ باب 10/ فصل 4/ ذيل الحديث 6).
7 - وعن المفضَّل بن عمر، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «لِصَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ غَيْبَتَانِ، إِحْدَاهُمَا يَرْجِعُ مِنْهَا إِلَى أَهْلِه، وَالأُخْرَى يُقَالُ: هَلَكَ، فِي أَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟...»(270).
8 - وعن المفضَّل بن عمر أيضاً، عن الصادق (عليه السلام)، قال: «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ غَيْبَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا تَطُولُ حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ: مَاتَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: قُتِلَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: ذَهَبَ...» الحديث(271).
والذي ينبغي التنبيه عليه في هذه الأحاديث الشريفة توضيح ما جاء فيها من أنَّ الإمام المهدي في غيبته (عجَّل الله فرجه) يرى الناس ولا يرونه، بمعنى أنَّه يختفي جسمه الشريف عن الأنظار في الوقت الذي يكون فيه موجوداً في مكانٍ ما مع الناس - في الموسم أو غيره - ولكن الناس لا ترى في ذلك المكان شيئاً.
وهناك أحاديث كثيرة عن أهل البيت (عليهم السلام) بهذا المعنى المعبِّر عن الأُسلوب الوقائي الذي يستخدمه الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في كيفيَّة احتجابه عن الناس، ونجاته من براثن الظلم؛ لأنَّه في اختفائه بهذا الأُسلوب يكون في مأمنٍ قطعيٍّ حقيقيٍّ من أيَّة مطاردة، أو تنكيل، أو خوف حيثما كان على وجه الأرض.
وربَّما قد يستكثر بعضهم تزويد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بمثل هذه القدرة على الاختفاء! وهو استكثار في غير محلِّه؛ لأنَّ توقُّف وجود وسلامة الأهداف الإلهيَّة الكبرى على المعجزة - وطول عمر الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) واختفاؤه منها - يعني حتميَّة التدخُّل الإلهي في إيجاد تلك المعجزة من أجل تحقيق الهدف المطلوب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(270) الكافي (ج 1/ ص 340 / باب في الغيبة/ ح 20).
(271) الغيبة للنعماني (ص 176/ باب 10/ فصل 4/ ح 5)، الغيبة للطوسي (ص 161 و162/ ح 120)، وقريباً منه في (ص 61/ ح 60)، عقد الدُّرَر (ص 134/ باب 5)، البرهان في علامات مهدي آخر الزمان (ص 171 و172/ ح 4).
فالقدرة على الاختفاء مع طول العمر أمران لابدَّ منهما في حفظ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وإلَّا كيف يتسنَّى له القيام بالمسؤوليَّة الإسلاميَّة الكبرى في آخر الزمان لو كان ظاهراً للعيان، غير مكترث بالمخاطر التي تحفُّه من كلِّ مكان؟
إنَّ أهمّيَّة ذلك اليوم الموعود الذي سيعمُّ فيه الإسلام أقطار الأرض، وينتشر العدل في ربوع المعمورة كلِّها، أهمّيَّة عظيمة عند الله تعالى، وعند رسوله الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ إذ ستتحقَّق من خلاله الأغراض الأساسيَّة من خلق البشريَّة، كما ستتحقَّق به آمال الأنبياء والمرسَلين (عليهم السلام)، وتتكلَّل جهودهم بوجود ذلك المجتمع العادل، وظهور دولة الحقِّ.
ومن ثَمَّ فإنَّ ولادة الإمام المهدي ابن الإمام العسكري (عليهما السلام) التي ثبتت ثبوتاً قطعيًّا لا ريب فيه، تُقرِّب من حقيقة تلك الأحاديث وتحكم على صحَّتها؛ لأنَّها عبَّرت وبكلِّ وضوح عن تعلُّق الغرض الإلهي بحفظ المهدي (عجَّل الله فرجه) وصيانته عن الأعداء بالاختفاء، وعن بقاء وجوده الشريف بطول العمر، وذلك عن طريق الإعجاز الإلهي وفاءً بالغرض الكبير.
هذا، ويُعلَم من أحاديث كثيرة أُخرى أنَّ أُسلوب الاختفاء المذكور ليس هو الأُسلوب الوحيد الذي يكتنف حياة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وإنَّما له (عجَّل الله فرجه) أنْ يخرج عن هذا النمط من الاختفاء إلى الظهور المؤقَّت في زمان الغيبة كلَّما اقتضت المصلحة ذلك، ولكن بصورة لا يستشعر من خلالها كلُّ من يراه بأنَّه المهدي الموعود (عجَّل الله فرجه).
* * *
الفصل الثالث: في بيان ما مطلوب في زمان الغيبة
بعد تأكيد الإمام الصادق (عليه السلام) على ثبوت أصل العقيدة المهدويَّة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وتنبيه الأُمَّة على حكم من أنكرها، وإخباره - كما مرَّ - (عليه السلام) بهويَّة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وغيبته وما سيجري عليه بعد ولادته، فلابدَّ من اتِّخاذ الاحتياطات اللَّازمة لإنقاذ الأُمَّة وإرشادها إلى ما يعصمها من الضلالة، وهو ما قام به (عليه السلام) خير قيام، حيث اضطلع (عليه السلام) بمهمَّة التوعية والتثقيف الإسلامي بما هو مطلوب في مرحلة غياب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، كما سيتَّضح من العناوين الآتية:
أوَّلاً: الوصيَّة بعدم إنكار الغيبة، والنهي عن الانحراف، ولزوم التصديق:
إنَّ معنى إنكار الغيبة هو إنكار وجود الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وبالتالي هو عين الانحراف وعدم التصديق، وقد مرَّ ما يغني عن إعادته في خصوص من أنكر وجود الإمام، ومن ردَّ على آل البيت (عليهم السلام) كمن ركب رأسه واتَّبع هواه.
ومن هنا حاول الإمام الصادق (عليه السلام) التركيز على هذه المفاصل الأساسيَّة، لتتَّخذ الأُمَّة حذرها، وتكون في يقظة دائمة ممَّا يحاول أعداء الحقِّ إثارته من خرافات وشُبُهات حول خاتم الأئمَّة الإمام المهدي (أرواحنا فداه).
ويدلُّ على ذلك أحاديث لا حصر لها، نذكر منها:
1 - عن هشام بن سالم، عن الإمام الصادق، عن آبائه (عليهم السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: «القَائِمُ مِنْ وُلْدِي، اِسْمُهُ اِسْمِي، وَكُنْيَتُهُ كُنْيَتِي، وَشَمَائِلُهُ شَمَائِلِي، وَسُنَّتُهُ سُنَّتِي، يُقِيمُ اَلنَّاسَ عَلَى مِلَّتِي وَشَرِيعَتِي، وَيَدْعُوهُمْ إِلَى كِتَابِ رَبِّي (عزَّ وجلَّ)، مَنْ أَطَاعَهُ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَاهُ فَقَدْ عَصَانِي، وَمَنْ أَنْكَرَهُ فِي غَيْبَتِهِ فَقَدْ أَنْكَرَنِي، وَمَنْ كَذَّبَهُ فَقَدْ كَذَّبَنِي، وَمَنْ صَدَّقَهُ فَقَدْ صَدَّقَنِي، إِلَى اَلله أَشْكُو اَلمُكَذِّبِينَ لِي فِي أَمْرِهِ، وَالجَاحِدِينَ لِقَوْلِي فِي شَأْنِهِ، وَاَلمُضِلِّينَ لِأُمَّتِي عَنْ طَرِيقَتِهِ، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ [الشعراء: 227]»(272).
2 - وعن محمّد بن مسلم، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «إِنْ بَلَغَكُمْ عَنْ صَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ غَيْبَةٌ فَلَا تُنْكِرُوهَا»(273).
ويُستفاد من هذين الحديثين لاسيّما الأوَّل جملة من الأُمور لا بأس بالإشارة السريعة إليها، وهي:
1 - وجوب معرفة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) باسمه وكنيته وأصله الشريف.
2 - أنَّه متَّبِع لسُنَّة جدِّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
3 - وجوب طاعته مطلقاً، كما وجبت طاعة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مطلقاً.
ومن جملة طاعة المهدي (عجَّل الله فرجه) ما أوصى به (عجَّل الله فرجه) - في تواقيع مشهورة عنه (عجَّل الله فرجه) - من الورع والتقوى، ووجوب الانتظار، والرجوع في أخذ معالم الدِّين الحنيف من الفقيه الصائن لنفسه، المتَّبع آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أخلاقهم وهديهم وحلالهم وحرامهم (عليهم السلام).
4 - أنَّ له (عجَّل الله فرجه) غيبةً لابدَّ منها، مع التحذير والوعيد الشديد لمن أنكرها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(272) كمال الدِّين (ص 411/ باب 39/ ح 6)، إعلام الورى (ج 2/ ص 227).
(273) الكافي (ج 1/ ص 338 و340/ باب في الغيبة/ ح 10 و15)، الغيبة للنعماني (ص 194/ باب 10/ فصل 4/ ح 42)، الغيبة للطوسي (ص 160 و161/ ح 118).
5 - ضرورة الابتعاد التامِّ عن المعاندين في أمر الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، لما ورد فيهم من أوصاف أقلّها إضلال الأُمَّة عن الحقِّ وأهله، والواجب بغضهم وعدم مجالستهم أو التقرُّب أو التودُّد إليهم، أو سماع كلامهم، اللَّهُمَّ إلَّا من قبيل العمل لهدايتهم، وإلَّا فلا؛ لأنَّهم اتَّبعوا شهواتهم فضلُّوا وأضلُّوا.
ومن ضمِّ هذين الحديثين إلى ما تقدَّم، تتَّضح سخافة القول بنجاة من يعتقد بمهدي مجهول يخلقه الله تعالى من سلالة الإمام الحسن السبط (عليه السلام) في آخر الزمان! لما في تلك الأحاديث الشريفة من دلالة واضحة على ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وهويَّته، وإلَّا كيف يأتي الأمر بتصديقه، وطاعته، وهو لم يُعرَف بعد؟! بل كيف يتواتر النهي عن آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كلِّهم في عدم إنكار غيبته، وهو لم يُولَد بعد؟!
ثانياً: وجوب الثبات على الولاية في زمن الغيبة:
قام أهل البيت (عليهم السلام) بتأسيس القواعد المتينة في علاج ما يعترض الأُمَّة من عقبات تقف حيال المبادئ الإسلاميَّة التي آمنوا بها وضحُّوا من أجلها.
وقد كان إمامنا الصادق (عليه السلام) حريصاً على مستقبل التشيُّع بإزاء ما يراه من تلبُّد الأُفُق الإسلامي بالرياح الصفراء التي تحاول العبث بكلِّ شيء لتُغطِّيه بغبارها الكثيف، ذلك المستقبل الذي يُمثِّل إرادة السماء، وطموح الرسالة، في بقاء ثلَّة على الحقِّ لا يضرُّها من ناوأها حتَّى يأتي الله بأمره، ثلَّة خيِّرة تُكمِّل مسيرة طلائع التشيُّع الذين لم تثنهم عن الحقِّ أعتى العواصف وأقسى همجيَّة الجاهليَّة الأُولى، من أمثال: سلمان، وعمَّار، وأبي ذرٍّ، وأضرابهم (رضي الله عنهم).
مستقبل لا حياة فيه بغير التمسُّك بعرى آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والاستماتة من أجل بقاء نهجهم محفوراً في قلوب الأتباع، خالداً في ضمير الزمن.
وفي هذه الفقرة ما يشير إلى الخطوات التي أمر الإمام الصادق (عليه السلام)
باتِّخاذها كضمانات أكيدة في ديمومة مستقبل التشيُّع بعده، خصوصاً في صورة اختفاء الإمام (عليه السلام)، سواء كان ذلك بحبس من السلطات الغاشمة كما حصل مع ولده الإمام الكاظم (عليه السلام)، أو بغير ذلك من وسائل الضغط والتعسُّف كما حصل لبقية الأئمَّة (عليهم السلام)، أو بغيبة كما هو الحال مع الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
فالأحاديث الآتية إذن هي أعمّ من اختصاصها بإمام معيَّن، وإنَّما هي قاعدة عامَّة يمكن للقواعد الشيعيَّة تطبيقها على موردها كلَّما ضاق الخناق في زمانهم على واحد من الأئمَّة الستَّة من ولد الإمام الصادق (عليه السلام)، وإنْ كان بعضها صريحاً في خصوص الإمام السادس من ولد الإمام الصادق (عليه السلام) ثاني عشر الأئمَّة الهداة الميامين (عليهم السلام) المهدي (أرواحنا فداه).
ومن تلك الأحاديث الشريفة:
1 - عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، فَقَالَ: «فَكَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا صِرْتُمْ فِي حَالٍ لَا تَرَوْنَ فِيهَا إِمَامَ هُدًى، وَلَا عَلَماً يُرَى، وَلَا يَنْجُو مِنْهَا إِلَّا مَنْ دَعَا دُعَاءَ الغَرِيقِ؟»، فَقَالَ لَهُ أَبِي: إِذَا وَقَعَ هَذَا لَيْلاً فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟ فَقَالَ: «أَمَّا أَنْتَ فَلَا تُدْرِكُهُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ، فَتَمَسَّكُوا بِمَا فِي أَيْدِيكُمْ، حَتَّى يَتَّضِحَ لَكُمُ الأَمْرُ»(274).
2 - وَعَنْ مَنْصُورٍ اَلصَّيْقَلِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «إِذَا أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ يَوْماً لَا تَرَى فِيهِ إِمَاماً مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ فَأَحْبِبْ مَنْ كُنْتَ تُحِبُّ، وَأَبْغِضْ مَنْ كُنْتَ تُبْغِضُ، وَوَالِ مَنْ كُنْتَ تُوَالِي، وَاِنْتَظِرِ الفَرَجَ صَبَاحاً وَمَسَاءً»(275).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(274) الإمامة والتبصرة (ص 127/ ح 129)، كمال الدِّين (ص 348 و349/باب 33/ ح 40)؛ ورواه بتفاوت يسير النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 161 و162/باب 10/ فصل 2/ ح 4).
(275) الغيبة للنعماني (ص 161/ باب 10/ فصل 2/ ح 3)؛ ونحوه في: الإمامة والتبصرة (ص 127/ ح 128)، الكافي (ج 1/ ص 342/ باب في الغيبة/ ح 28)، كمال الدِّين (ص 348/ باب 33/ ح 37).
3 - وعَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «يَأْتِي عَلَى اَلنَّاسِ زَمَانٌ يُصِيبُهُمْ فِيهِ سَبْطَةٌ، يَأْرِزُ العِلْمُ فِيهَا بَيْنَ اَلمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا - يَعْنِي بَيْنَ مَكَّةَ وَاَلمَدِينَةِ -، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَطْلَعَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) لَهُمْ نَجْمَهُمْ»، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا اَلسَّبْطَةُ؟ قَالَ: «الفَتْرَةُ وَالغَيْبَةُ لِإِمَامِكُمْ»، قَالَ: قُلْتُ: فَكَيْفَ نَصْنَعُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «كُونُوا عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يُطْلِعَ اَللهُ لَكُمْ نَجْمَكُمْ»(276).
4 - وَعَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «يَأْتِي عَلَى اَلنَّاسِ زَمَانٌ يَغِيبُ عَنْهُمْ إِمَامُهُمْ»، فَقُلْتُ لَهُ: مَا يَصْنَعُ اَلنَّاسُ فِي ذَلِكَ اَلزَّمَانِ؟ قَالَ: «يَتَمَسَّكُونَ بِالأَمْرِ اَلَّذِي هُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ»(277).
5 - وعن أبي بصير، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «طُوبَى لِمَنْ تَمَسَّكَ بِأَمْرِنَا فِي غَيْبَةِ قَائِمِنَا فَلَمْ يَزِغْ قَلْبُهُ بَعْدَ الهِدَايَةِ»(278).
6 - وَعَنْ يَمَانٍ التَّمَّارِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) جُلُوساً، فَقَالَ لَنَا: «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ غَيْبَةً المُتَمَسِّكُ فِيهَا بِدِينِه كَالخَارِطِ لِلْقَتَادِ - ثُمَّ قَالَ هَكَذَا بِيَدِه -، فَأَيُّكُمْ يُمْسِكُ شَوْكَ القَتَادِ بِيَدِه»، ثُمَّ أَطْرَقَ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ: «لِصَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ غَيْبَةً، فَلْيَتَّقِ اللهَ عَبْدٌ وَلْيَتَمَسَّكْ بِدِينِه»(279).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(276) كمال الدِّين (ص 349/ باب 31/ ح 41)؛ وقريباً منه في: الغيبة للنعماني (ص 162 و163/ باب 10/ فصل 2/ ح 6 - 8).
(277) الإمامة والتبصرة (ص 125/ ح 123)، كمال الدِّين (ص 350/ باب 33/ ح 44).
(278) كمال الدِّين (ص 358/باب 33/ح 55)، معاني الأخبار (ص 112/باب معنى طوبى/ح 1).
(279) الكافي (ج 1/ ص 335 و336/ باب في الغيبة/ ح 1)، الإمامة والتبصرة (ص 126 و127/ ح 127)، إثبات الوصيَّة (ص 267)، الغيبة للنعماني (ص 173 و174/ باب 10/ فصل 3/ ح 11)، كمال الدِّين (ص 346 و347/ باب 33/ ح 34)، تقريب المعارف (ص 432)، الغيبة للطوسي (ص 455/ ح 465).
والقتاد: شجر صلب، شوكه كالإبر. وخرط القتاد: مثل يُضرَب عند ارتكاب صعائب الأُمور.
ثالثاً: التأكيد على انتظار الإمام الغائب (عجَّل الله فرجه) في غيبته:
يُعَدُّ الانتظار في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) من الوظائف الأساسيَّة في عصر الغيبة، وقد نبَّه الإمام الصادق (عليه السلام) على هذه الوظيفة الكفيلة ببناء الفرد بناءً إسلاميًّا صحيحاً، فضلاً عن كونها عبادة.
فقد أخرج الترمذي والطبراني عن عبد الله، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «سَلُوا اَللهَ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّ اَللهَ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَأَفْضَلُ العِبَادَةِ اِنْتِظَارُ الفَرَجِ»(280).
وهناك أحاديث كثيرة بهذا المعنى، عن أمير المؤمنين الإمام عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)(281)، وزين العابدين (عليه السلام)(282)، وكذلك عن ابن مسعود(283)، وأنس(284)، وابن عبَّاس(285)، وابن عمر(286).
ومن هنا قام الإمام الصادق (عليه السلام) ببيان صفات وواجبات المنتظِر للإمام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(280) سُنَن الترمذي (ج 5/ ص 225/ ح 3642)، المعجم الكبير للطبراني (ج 10/ ص 101/ ح 10088)، الكامل لابن عدي (ج 2/ ص 248)، شُعَب الإيمان (ج 2/ ص 43/ ح 1124، وج 7/ ص 205/ ح 10007)، تفسير الواحدي (ج 2/ ص 201)، إحياء علوم الدِّين (ج 3/ ص 551)، التدوين في أخبار قزوين (ج 2/ ص 117 و118)، الترغيب والترهيب (ج 2/ ص 482/ ح 2533)، تفسير القرطبي (ج 5/ ص 164)، الآداب الشرعيَّة (ج 1/ ص 121)، تهذيب الكمال (ج 7/ ص 291 و292)، تفسير القاشي (ص 202)، اللباب في علوم الكتاب (ج 6/ ص 353)، الجامع الصغير (ص 289/ ح 4701)، تفسير أبي السعود (ج 2/ ص 172)، مفتاح السعادة (ج 3/ ص 157)، كنز العُمَّال (ج 2/ ص 79/ ح 3225).
(281) كمال الدِّين (ص 287/ باب 25/ ح 6)، الجامع الصغير (ص 162/ ح 2719) عن ابن عساكر وابن أبي الدنيا.
(282) أمالي الطوسي (ص 405/ ح 907/55).
(283) مجمع البيان (ج 3/ ص 74).
(284) تاريخ بغداد (ج 2/ ص 152 و153).
(285) تلخيص المتشابه بالرسم (ج 1/ ص 228)، ومسند الشهاب (ج 1/ ص 63/ ح 47).
(286) الأمالي الخميسيَّة (ج 1/ ص 302/ ح 1053)، مسند الشهاب (ج 1/ ص 62/ ح 46.
المهدي (عجَّل الله فرجه)، مسلِّطاً الضوء على آثار الانتظار وفوائده، محثًّا عليه، مبشِّراً المنتظِرين لظهوره (عجَّل الله فرجه) بأنَّهم من الأولياء الصالحين، والقدوة الربَّانيِّين، ونحو هذا من الأُمور الأُخرى التي يمكن عرضها - من خلال أحاديثه (عليه السلام) - بالصورة الآتية:
1 - توقُّف قبول العمل على الانتظار:
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا لَا يَقْبَلُ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) مِنَ العِبَادِ عَمَلاً إِلَّا بِهِ؟»، فَقُلْتُ: بَلَى، فَقَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ [وَرَسُولُهُ]، وَالإِقْرَارُ بِمَا أَمَرَ اَللهُ، وَالوَلَايَةُ لَنَا، وَالبَرَاءَةُ مِنْ أَعْدَائِنَا - يَعْنِي الأَئِمَّةَ خَاصَّةً -، وَاَلتَّسْلِيمَ لَهُمْ، وَالوَرَعُ، وَاَلاِجْتِهَادُ، وَاَلطُّمَأْنِينَةُ، وَاَلاِنْتِظَارُ لِلْقَائِمِ (عليه السلام)...»(287).
ويمكن التماس الدليل على صحَّة توقُّف العمل على انتظار الفرج من القرآن الكريم في عَدِّهِ اليأس من رَوْح الله صفة للكافرين، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا القَوْمُ الكَافِرُونَ﴾ (يوسف: 87)، وقال بشأن الكافرين: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾ (الفرقان: 23).
2 - وصف المنتظِرين بأنَّهم من الأولياء:
عن أبي بصير، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً﴾ (الأنعام: 158)، قَالَ (عليه السلام): «يَعْنِي خُرُوجَ القَائِمِ اَلمُنْتَظَرِ مِنَّا»، ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): «يَا أَبَا بَصِيرٍ، طُوبَى لِشِيعَةِ قَائِمِنَا، اَلمُنْتَظِرِينَ لِظُهُورِهِ فِي غَيْبَتِهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(287) الغيبة للنعماني (ص 207/ باب 11/ ح 16).
وَاَلمُطِيعِينَ لَهُ فِي ظُهُورِهِ، أُولَئِكَ أَوْلِيَاءُ اَلله اَلَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»(288).
3 - منزلة المنتظِر لإمام الزمان (عجَّل الله فرجه):
عَنِ العَلَاءِ بْنِ سَيَابَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ عَلَى هَذَا الأَمْرِ مُنْتَظِراً كَانَ كَمَنْ هُوَ فِي الفُسْطَاطِ اَلَّذِي لِلْقَائِمِ (عليه السلام)»(289).
وَعَنِ الفَيْضِ بْنِ مُخْتَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ وَهُوَ مُنْتَظِرٌ لِهَذَا الأَمْرِ كَمَنْ هُوَ مَعَ القَائِمِ فِي فُسْطَاطِهِ»، قَالَ: ثُمَّ مَكَثَ هُنَيْئَةً، ثُمَّ قَالَ: «لَا بَلْ كَمَنْ قَارَعَ مَعَهُ بِسَيْفِهِ»، ثُمَّ قَالَ: «لَا وَاَلله إِلَّا كَمَنِ اُسْتُشْهِدَ مَعَ رَسُولِ اَلله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(290).
وعن إبراهيم الكوفي، عن الصادق (عليه السلام): «... اَلمُنْتَظِرُ لِلثَّانِي عَشَرَ كَالشَّاهِرِ سَيْفَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَذُبُّ عَنْهُ»(291).
4 - ما يجب أنْ يتحلَّى به المنتظِر، وبيان أجر انتظاره:
عن أبي بصير، عن الإمام الصادق، قال (عليه السلام): «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ القَائِمِ فَلْيَنْتَظِرْ، وَلْيَعْمَلْ بِالوَرَعِ وَمَحَاسِنِ الأَخْلَاقِ وَهُوَ مُنْتَظِرٌ، فَإِنْ مَاتَ وَقَامَ القَائِمُ بَعْدَهُ كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ أَدْرَكَهُ، فَجِدُّوا وَاِنْتَظِرُوا...»(292).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(288) كمال الدِّين (ص 357/باب 33/ح 54)، ينابيع المودَّة (ج 3/ص 238/باب 71/ح 10).
(289) الغيبة للنعماني (ص 206 و207/ باب 11/ ح 15)؛ وبتفاوت يسير في: المحاسن (ج 1/ ص 173/ ح 147)، كمال الدِّين (ص 644/ باب 55/ ح 1).
(290) المحاسن (ج 1/ ص 174/ ح 151).
(291) كمال الدِّين (ص 647/ باب 55/ ح 8).
(292) الغيبة للنعماني (ص 207/ باب 11/ ح 16).
ومن الصفات الأُخرى التي ينبغي على المنتظِر التحلِّي بها، صفة التديُّن، والابتعاد عن المعاصي والآثام بحيث يُراعي تقوى الله تعالى دائماً، ويرشدنا إلى هذا حديث الإمام الصادق (عليه السلام): «لِصَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ غَيْبَةً، فَلْيَتَّقِ اللهَ عَبْدٌ وَلْيَتَمَسَّكْ بِدِينِه»(293).
5 - توجُّع المنتظِر وحزنه وبكاؤه على المهدي (عجَّل الله فرجه) في غيبته:
عَنْ سَدِيرٍ اَلصَّيْرَفِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا، وَاَلمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ، وَأَبُو بَصِيرٍ، وَأَبَانُ اِبْنُ تَغْلِبَ عَلَى مَوْلَانَا أَبِي عَبْدِ اَلله اَلصَّادِقِ (عليه السلام)، فَرَأَيْنَاهُ جَالِساً عَلَى اَلتُّرَابِ، وَعَلَيْهِ مِسْحٌ خَيْبَرِيٌّ، مُطَوَّقٌ بِلَا جَيْبٍ، مُقَصَّرُ الكُمَّيْنِ، وَهُوَ يَبْكِي بُكَاءَ الوَالِهِ اَلثَّكْلَى، ذَاتِ الكَبِدِ الحَرَّى، قَدْ نَالَ الحُزْنُ مِنْ وَجْنَتَيْهِ، وَشَاعَ اَلتَّغْيِيرُ فِي عَارِضَيْهِ، وَأَبْلَى اَلدُّمُوعُ مَحْجِرَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: سَيِّدِي غَيْبَتُكَ نَفَتْ رُقَادِي، وَضَيَّقَتْ عَلَيَّ مِهَادِي، وَاِبْتَزَّتْ مِنِّي رَاحَةَ فُؤَادِي، سَيِّدِي غَيْبَتُكَ أَوْصَلَتْ مُصَابِي بِفَجَائِعِ الأَبَدِ...»(294).
6 - النهي عن قسوة القلوب في فترة الانتظار:
أخرج الصدوق (رحمه الله) عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي القَائِمِ (عليه السلام): ﴿وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: 16]»(295).
ويُوضِّح المعنى المذكور ما أخرجه النعماني (رحمه الله) في كتاب (الغيبة)، عَنْ أَحْمَدَ اِبْنِ الحَسَنِ المِيثَمِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي عَبْدِ اَلله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) أَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(293) قد تقدَّم في (ص 137)، فراجع.
(294) كمال الدِّين (ص 352 - 357/ باب 33/ ح 50)، الغيبة للطوسي (ص 167 - 173/ ح 129)، ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 310 - 312/ باب 80/ ح 2).
(295) كمال الدِّين (ص 668/ باب 58/ ح 12).
قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ اَلَّتِي فِي سُورَةِ الحَدِيدِ ﴿وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ فِي أَهْلِ زَمَانِ الغِيبَةِ، ثُمَّ قَالَ (عزَّ وجلَّ): ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الحديد: 17]»، وَقَالَ: «إِنَّمَا الأَمَدُ أَمَدُ الغِيبَةِ»(296).
ثمّ قال الشيخ النعماني (رحمه الله) معلِّقاً على هذا الحديث: (فإنَّه أراد (عزَّ وجلَّ): يا أُمَّة محمّد، أو يا معشر الشيعة، لا تكونوا كالذين أُوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد. فتأويل هذه الآية جاء في أهل زمان الغيبة وأيَّامها دون غيرهم من أهل الأزمنة)(297).
7 - تهيئة وسائل القوَّة في فترة الانتظار:
والمطلوب من المنتظِر أنْ يعيش حالة التأهُّب التامِّ والاستعداد الكامل لنصرة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وما يتطلَّب ذلك من الإعداد النفسي والمادِّي معاً بحيث يكون كالجندي الذي ينتظر قائده لخوض معركة حاسمة فاصلة. وإلى هذا المعنى يشير حديث الإمام الصادق (عليه السلام): «لَيُعِدَّنَّ أَحَدُكُمْ لِخُرُوجِ القَائِمِ وَلَوْ سَهْماً...»(298).
8 - ضرورة إعطاء العهد والبيعة للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في غيبته:
ويدلُّ عليه دعاء العهد المرويِّ عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وهو دعاء عظيم في بابه، وقد جاء فيه قوله (عليه السلام): «اللَّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِي هَذَا، وَمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(296) الغيبة للنعماني (ص 31) من مقدَّمة المؤلِّف، تأويل الآيات الظاهرة (ج 2/ ص 662/ ح 14) عن الشيخ المفيد (رحمه الله).
(297) الغيبة للنعماني (ص 31 و32) ذيل الحديث المذكور.
(298) الغيبة للنعماني (ص 335/ باب 21/ ح 10).
عِشْتُ مِنْ أَيَّامِي، عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ فِي عُنُقِي، لَا أَحُولُ عَنْهَا وَلَا أَزُولُ أَبَداً...»(299).
9 - طلب الرجعة في الدعاء في حال الموت قبل ظهوره (عجَّل الله فرجه):
كما في دعاء العهد أيضاً، من قوله (عليه السلام): «اللَّهُمَّ إِنْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ المَوْتُ الَّذِي جَعَلْتَهُ عَلَى عِبَادِكَ حَتْماً، فَأَخْرِجْنِي مِنْ قَبْرِي، مُؤْتَزِراً كَفَنِي، شَاهِراً سَيْفِي، مُجَرِّداً قَنَاتِي، مُلَبِّياً دَعْوَةَ الدَّاعِي فِي الحَاضِرِ وَالبَادِي...».
10 - الإكثار من الدعاء في فترة الانتظار:
والأدعية الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) في هذا كثيرة جدًّا، وفيها تنوُّع رائع من الدعاء يطلُّ الداعي من خلاله على عالم فسيح، وينفتح على حياة أُخرى ملؤها التوحيد، والعبوديَّة الخالصة لله، والذوبان في مناجاته سبحانه، والإخلاص لدينه، والمحبَّة والانقياد لرُسُله وأوليائه (عليهم السلام).
وفي أدعية الإمام الصادق (عليه السلام) تجسيد حيٌّ لهذه المعاني كلِّها، وفيما يأتي صورة مختصرة لما تضمَّنته بعض أدعيته الشريفة في هذا الخصوص:
أ - الدعاء بالثبات على الدِّين في زمان الغيبة:
عن عبد الله بن سنان، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «سَتُصِيبُكُمْ شُبْهَةٌ فَتَبْقَوْنَ بِلَا عَلَمٍ يُرَى، وَلَا إِمَامٍ هُدًى، وَلَا يَنْجُو مِنْهَا إِلَّا مَنْ دَعَا بِدُعَاءِ الغَرِيقِ»، قُلْتُ: كَيْفَ دُعَاءُ الغَرِيقِ؟ قَالَ: «يَقُولُ: يَا اَللهُ، يَا رَحْمَنُ، يَا رَحِيمُ، يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ...»(300).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(299) زاد المعاد (ص 302 و303)؛ وراجع: المزار لابن المشهدي (ص 663 - 666)، ومصباح الزائر (ص 455 و456)، والمصباح للكفعمي (ص 550 - 552)، والبلد الأمين (ص 82 و83).
(300) كمال الدِّين (ص 351 و352/ باب 33/ ح 49).
د - الدعاء للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بتعجيل الفرج:
ويدلُّ عليه ما رواه عبَّاد بن محمّد المدائني، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في دعاء جاء فيه: «... وَأَنْجِزْ لِوَلِيِّكَ، وَاِبْنِ نَبِيِّكَ اَلدَّاعِي إِلَيْكَ بِإِذْنِكَ، وَأَمِينِكَ فِي خَلْقِكَ، وَعَيْنِكَ فِي عِبَادِكَ، وَحُجَّتِكَ عَلَى خَلْقِكَ، عَلَيْهِ صَلَوَاتُكَ وَبَرَكَاتُكَ وَعْدَهُ، اَللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِنَصْرِكَ، وَاُنْصُرْ عَبْدَكَ، وَقَوِّ أَصْحَابَهُ، وَصَبِّرْهُمْ، وَاِفْتَحْ لَهُمْ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً، وَعَجِّلْ فَرَجَهُ، وَأَمْكِنْهُ مِنْ أَعْدَائِكَ وَأَعْدَاءِ رَسُولِكَ، يَا أَرْحَمَ اَلرَّاحِمِينَ»، قُلْتُ: أَلَيْسَ قَدْ دَعَوْتَ لِنَفْسِكَ، جُعِلْتُ فِدَاكَ؟ قَالَ: «دَعَوْتُ لِنُورِ آلِ مُحَمَّدٍ، وَسَائِقِهِمْ، وَاَلمُنْتَقِمِ بِأَمْرِ اَلله مِنْ أَعْدَائِهِمْ...»(304).
ومنه أيضاً ما رواه حمَّاد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وقد دخل عليه في الليلة الحادية والعشرون من شهر رمضان المبارك.
وقد روى لنا حمَّاد ما فعله الإمام الصادق (عليه السلام) من عبادات في تلك الليلة الشريفة، ومنها دعاء الإمام (عليه السلام) في سجوده: «لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ مُقَلِّبَ القُلُوبِ وَالأَبْصَارِ...»، إلى أنْ قال (عليه السلام): «وَأَسْأَلُكَ بِجَمِيعِ مَا سَألتُكَ وَمَا لَمْ أَسْألكَ مِنْ عَظِيمِ جَلَالِكَ مَا لَوْ عَلِمْتُهُ لَسَألتُكَ بِهِ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَأَنْ تَأْذَنَ لِفَرَجِ مَنْ بِفَرَجِهِ فَرَجُ أَوْلِيَائِكَ وَأَصْفِيَائِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَبِهِ تُبِيدُ الظَّالِمِينَ وَتُهْلِكُهُمْ، عَجِّلْ ذَلِكَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ...»، فَلَمَّا فَرَغَ رَفَعَ رَأْسَهُ، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، سَمِعْتُكَ وَأَنْتَ تَدْعُو بِفَرَجِ مَنْ بِفَرَجِهِ فَرَجُ أَصْفِيَاءِ الله وَأَوْلِيَائِهِ، أَوَلَسْتَ أَنْتَ هُوَ؟ قَالَ: «لَا، ذَاكَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)»(305).
هـ - الدعاء للمهدي بكلِّ خير، وتمنِّي رؤيته (عجَّل الله فرجه):
كما في دعاء العهد، من قول الإمام الصادق (عليه السلام): «اللَّهُمَّ أَرِنِي الطَّلْعَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(304) فلاح السائل (ص 171).
(305) إقبال الأعمال (ج 1/ص 366 - 368) في أدعية اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان.
الرَّشِيدَةَ، وَالغُرَّةَ الحَمِيدَةَ، وَاكْحُلْ نَاظِرِي بِنَظِرَةٍ مِنِّي إِلَيْهِ، وَعَجِّلْ فَرَجَهُ، وَسَهِّلْ مَخْرَجَهُ، وَأَوْسِعْ مَنْهَجَهُ، وَاسْلُكْ بِي مَحَجَّتَهُ، وَأَنْفِذْ أَمْرَهُ، وَاشْدُدْ أَزْرَهُ، وَاعْمُرِ اللَّهُمَّ بِهِ بِلَادَكَ، وَأَحْيِ بِهِ عِبَادَكَ، فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الحَقُّ: ﴿ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم: 41]، فَأَظْهِرِ اللَّهُمَّ لَنَا وَلِيَّكَ، وَابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكَ، المُسَمَّى بِاسْمِ رَسُولِكَ، حَتَّى لَا يَظْفَرَ بِشَيْءٍ مِنَ البَاطِلِ إِلَّا مَزَّقَهُ، وَيُحِقَّ الحَقَّ وَيُحَقِّقَهُ. وَاجْعَلْهُ اللَّهُمَّ مَفْزَعاً لِمَظْلُومِ عِبَادِكَ، وَنَاصِراً لِمَنْ لَا يَجِدُ لَهُ نَاصِراً غَيْرَكَ، وَمُجَدِّداً لِمَا عُطِّلَ مِنْ أَحْكَامِ كِتَابِكَ، وَمُشَيِّداً لِمَا وَرَدَ مِنْ أَعْلَامِ دِينِكَ، وَسُنَنِ نَبِيِّكَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَاجْعَلْهُ مِمَّنْ حَصَّنْتَهُ مِنْ بَأْسِ المُعْتَدِينَ. اللَّهُمَّ وَسُرَّ نَبِيَّكَ مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بِرُؤْيَتِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى دَعْوَتِهِ، وَارْحَمِ اسْتِكَانَتَنَا بَعْدَهُ. اللَّهُمَّ وَاكْشِفْ هَذِهِ الغُمَّةَ عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ بِحُضُورِهِ، وَعَجِّلْ لَنَا فَرَجَهُ وَظُهُورَهُ، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ»(306).
و - الدعاء لنيل شرف خدمة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ونصرته:
كما في دعاء العهد الشريف المرويِّ عن الصادق (عليه السلام): «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَالذَّابِّينَ عَنْهُ، وَالمُسَارِعِينَ إِلَيْهِ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ، وَالمُحَامِينَ عَنْهُ، وَالسَّابِقِينَ إِلَى إِرَادَتِهِ، وَالمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ...».
ومن الواضح أنَّ ما يعنيه التأكيد والحثُّ على انتظار الغائب، هو بقاء الإمام الغائب حيًّا في غيبته كسائر الأحياء، وفي هذا ما يتضمَّن الردُّ على من قال - كما مرَّ في فصول البحث -: مات، أو هلك، في أيِّ وادٍ سلك؟!
رابعاً: الكشف عن حال الناس في زمان الغيبة لأخذ العِظة والعبرة:
حاول الإمام الصادق (عليه السلام) إزاحة الستار عن الغيب؛ ليُنبئ عمَّا سيكون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(306) راجع ما مرَّ في (ص 142 و143).
بعد أكثر من مائة عام، وحينئذٍ لابدَّ وأنْ يذكر (عليه السلام) شيئاً يتَّصل بهويَّة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)؛ لارتباط الأحداث المقبلة بولادته وغيبته (عجَّل الله فرجه)، نظير ضلال أكثر الخلق بغيبته، وارتياب المبطلين فيها، وتمييز أهل الضلالة في ذلك الحين لتجنُّبهم، وما سيقوم الجهلاء حينئذٍ لكي لا يُصغى إليهم، وتأكيد شكِّ المغرضين وأمثالهم بولادته وغيبته؛ لئلَّا تتأثَّر الأُمَّة بمدَّعياتهم، مع بيان الوسيلة المثلى التي ينبغي مراعاتها بغية الخلاص ممَّا سيقع فيه الكثيرون، وهي الدعاء الذي ما عُبِدَ الله بمثله.
1 - عن أبي بصير، عن الإمام الصادق، عن آبائه (عليهم السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: «اَلمَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِي، اِسْمُهُ اِسْمِي، وَكُنْيَتُهُ كُنْيَتِي، أَشْبَهُ اَلنَّاسِ بِي خَلْقاً وَخُلْقاً، تَكُونُ لَهُ غَيْبَةٌ وَحَيْرَةٌ حَتَّى تَضِلَّ الخَلْقُ عَنْ أَدْيَانِهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُقْبِلُ كَالشِّهَابِ اَلثَّاقِبِ، فَيَمْلَؤُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»(307).
2 - وَعَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ الفَضْلِ الهَاشِمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ اَلصَّادِقَ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ غَيْبَةً لاَبُدَّ مِنْهَا، يَرْتَابُ فِيهَا كُلُّ مُبْطِلٍ...»(308).
3 - وعن فرات بن أحنف، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) جاء فيه: «... وَلَيَبْعَثَنَّ اَللهُ رَجُلاً مِنْ وُلْدِي فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ يُطَالِبُ بِدِمَائِنَا، وَلَيَغِيبَنَّ عَنْهُمْ تَمْيِيزاً لِأَهْلِ اَلضَّلَالَةِ حَتَّى يَقُولَ الجَاهِلُ: مَا لِله فِي آلِ مُحَمَّدٍ مِنْ حَاجَةٍ»(309).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(307) الإمامة والتبصرة (ص 119 و120/ ح 114)، كمال الدِّين (ص 287/ باب 25/ ح 4)، إعلام الورى (ج 2/ ص 226)، ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 396 و397/ باب 94/ ح 49).
(308) كمال الدِّين (ص 481 و482/ باب 44/ ح 11)، علل الشرائع (ج 1/ ص 245 و246/ باب 179/ ح 8)، الاحتجاج (ج 2/ ص 1440)، الصراط المستقيم (ج 2/ ص 237).
(309) الغيبة للنعماني (ص 143/ باب 10/ ح 1).
4 - وعن زرارة، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «لَابُدَّ لِلْغُلَامِ مِنْ غَيْبَةٍ»، قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: «يَخَافُ - وَأَوْمَأَ بِيَدِه إِلَى بَطْنِه -، وَهُوَ المُنْتَظَرُ، وَهُوَ الَّذِي يَشُكُّ النَّاسُ فِي وِلَادَتِه، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: حَمْلٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَاتَ أَبُوه وَلَمْ يُخَلِّفْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: وُلِدَ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيه بِسَنَتَيْنِ»، قَالَ زُرَارَةُ: فَقُلْتُ: وَمَا تَأْمُرُنِي لَوْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ الزَّمَانَ؟ قَالَ: ادْعُ اللهَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْكَ، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَبِيَّكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَبِيَّكَ لَمْ أَعْرِفْه قَطُّ، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي».
وقد سُمِعَ هذا الحديث قبل حلول الغيبة الصغرى بنحو خمسين عاماً، وقد جاء التصريح بهذا في ذيل الحديث من (الكافي)(310).
وقد تحقَّق هذا الحديث بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)؛ إذ جاء في الخبر الصحيح الثابت من طُرُق عديدة ما فعله الحاكم العبَّاسي، وما تنطَّع به جلاوزته وأعوانه.
وفي الحديث تكذيب صريح لجميع تلك الأقوال حيث لم يكن المهدي (عجَّل الله فرجه) في ذلك الوقت (حَمْلاً)، بل كان ابن خمس سنين، كما هو الثابت من تاريخ ولادته المشرَّفة.
وفي هذا الحديث أيضاً ردٌّ لمن قال بأنَّه وُلِدَ قبل موت أبيه بسنتين.
وجواب شافٍ على مزاعم المتخرِّصين الذين أنكروا ولادته وغيبته وإمامته (عجَّل الله فرجه).
وتعريف بالمبطلين الذين ارتابوا، فاتَّبعوا الشُّبُهات الواهية، ولم يتمسَّكوا بعرى الدِّين الوثيقة.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(310) الكافي (ج 1/ ص 342/ باب في الغيبة/ ح 29).
الفصل الرابع: في بيان الإمام الصادق (عليه السلام) عِلَل الغيبة وما يرافقها من تمحيص واختبار
أوَّلاً: عِلَل الغيبة:
تضمَّنت الأحاديث الواردة عن الإمام الصادق (عليه السلام) في ولده الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) سؤال بعض الأصحاب عن أسباب الغيبة وعِلَلها. ومن خلال الإجابة على أسئلتهم يتَّضح أنَّ للغيبة عِلَلاً ظاهرة وأُخرى لم ينكشف وجهها. وبالرجوع إلى ما وقفنا عليه من تلك الأحاديث سواء التي سُئِلَ فيها الإمام عن علَّة الغيبة، أو التي جاءت على لسانه الشريف من غير سؤال، وجدنا العِلَل الآتية:
العلَّة الأُولى: الخوف من القتل:
وهذه هي العلَّة الظاهرة التي أيَّدتها الأحاديث التاريخيَّة بكلِّ قوَّة؛ إذ تواترت الأخبار على معنى واحد، خلاصته معرفة السلطة العبَّاسيَّة بأنَّ الإمام الثاني عشر (عجَّل الله فرجه) يُمثِّل الخطر الأكيد على وجودهم، ومن هنا كانوا يترقَّبون انتظار ولادته على حذر شديد، الأمر الذي يُفسِّر لنا محاولة الإمام العسكري (عليه السلام) إخفاء ولادة ولده المهدي الموعود (عليه السلام) عن عامَّة الناس إلَّا الأقرب فالأقرب.
وقد صحَّ الخبر - ومن طُرُق شتَّى - بما فعله الحاكم العبَّاسي بعد وفاة الإمام العسكري (عليه السلام)، ورواه الشيعة كلُّهم، ويكفي أنَّه وكَّل القوابل على نساء الإمام العسكري (عليه السلام) وإمائه بعد وفاته ليُفتِّشهنَّ، كلُّ ذلك لأجل الفتك بالإمام الثاني عشر (عجَّل الله فرجه) وإنْ كان حملاً!
فالخوف من القتل كسبب من أسباب الغيبة لا نقاش فيه أصلاً من الناحية التاريخيَّة، ومع هذا فقد جاء الخبر عن إمامنا الصادق (عليه السلام) بذلك قبل حدوثه.
1 - عن أبان بن عثمان وغيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لَابُدَّ لِلْغُلَامِ مِنْ غَيْبَةٍ، فَقِيلَ لَهُ: وَلِمَ، يَا رَسُولَ اَلله؟ قَالَ: يَخَافُ القَتْلَ»(311).
2 - وَعَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِلْقَائِمِ (عليه السلام) غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ»، قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: «إِنَّه يَخَافُ»، وَأَوْمَأَ بِيَدِه إِلَى بَطْنِه، يَعْنِي القَتْلَ(312).
وسيأتي عن الإمام الصادق (عليه السلام) ما يُبيِّن هذه العلَّة في الغيبة، وذلك من خلال تأكيده على أنَّ في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) سُنَّة من الأنبياء السابقين، ومن جملتها: سُنَّة من موسى خائفاً يترقَّب، والذي حكاه القرآن الكريم على لسان موسى (عليه السلام) أنَّه حينما فرَّ من قومه وغاب عنهم زماناً، ثمّ عاد - بعد حين - إليهم، خاطبهم قائلاً: ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ المُرْسَلِينَ﴾ (الشعراء: 21).
فكذلك حال إمامنا المهدي (أرواحنا فداه) فيما سيخاطب به الناس بعد انتهاء أمد غيبته موضِّحاً لهم علَّتها، وقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) ما هو صريح بورود هذه العلَّة على لسان الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في ما سيتلوه من كتاب الله تعالى عند ظهوره الشريف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(311) علل الشرائع (ج 1/ ص 243/ باب 179/ ح 1).
(312) قد تقدَّم في (ص 119)، فراجع.
عَنِ اَلمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا قَامَ القَائِمُ تَلَا هَذِهِ الآيَةَ: ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ﴾»(313).
العلَّة الثانية: لكي لا تكون في عنق المهدي (عجَّل الله فرجه) بيعة لأحد:
وهي ما رواه أبو بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) وغيره، قال: «صَاحِبُ هَذَا الأَمْرِ تَعْمَى وِلَادَتُهُ عَلَى هَذَا الخَلْقِ، لِئَلَّا يَكُونَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ إِذَا خَرَجَ»(314).
ففي هذا الحديث الصريح بخفاء الولادة إشارة إلى أنَّ المهدي (عجَّل الله فرجه) سوف لن يكون متعبِّداً بالتقيَّة، وإنَّما الفرض عليه إقامة دولة الحقِّ بالسيف، في حين أنَّ فرض الجهاد ومنابذة الأعداء والخروج بالسيف على الظالم والقيام بالحرب لم يكن فرض أكثر الأئمَّة الأطهار من آباء المهدي (عليهم السلام)، ولهذا ورد بسندٍ صحيح عن الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) قوله - جواباً على ما سأله أحمد بن إسحاق -: «... وَأَمَّا عِلَّةُ مَا وَقَعَ مِنَ الغَيْبَةِ، فَإِنَّ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: 101]، إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ آبَائِي (عليهم السلام) إِلَّا وَقَدْ وَقَعَتْ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ لِطَاغِيَةِ زَمَانِهِ، وَإِنِّي أَخْرُجُ حِينَ أَخْرُجُ وَلَا بَيْعَةَ لِأَحَدٍ مِنَ اَلطَّوَاغِيتِ فِي عُنُقِي»(315).
وهذا يعني انتفاء أيِّ التزام بعهد أو ميثاق أو بيعة للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) مع الحاكم المستبدِّ، وإلَّا رجع الأمر إلى مواجهة الطغاة، والعودة إلى علَّة الخوف من القتل، حيث لم يكن فرض الإمام المنقذ هو التقيَّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(313) الغيبة للنعماني (ص 179 و180/ باب 10/ فصل4/ ح 11).
(314) قد تقدَّم في (ص 94 و95)، فراجع.
(315) كمال الدِّين (ص 485/ باب 45/ ح 4)، الغيبة للطوسي (ص 292/ ح 247)، إعلام الورى (ج 2/ ص 271 و272)، الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1115/ ح 30)، الاحتجاج (ج 2/ ص 284)، كلُّهم في ذكر التوقيعات الواردة من جهته (عجَّل الله فرجه).
ويُؤيِّده ما رواه سورة بن كليب، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث جاء فيه: «... فَإِذَا قَامَ قَائِمُنَا سَقَطَتْ اَلتَّقِيَّةُ، وَجَرَّدَ اَلسَّيْفَ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنَ اَلنَّاسِ، وَلَمْ يُعْطِهِمْ إِلَّا بِالسَّيْفِ»(316).
العلَّة الثالثة: السُّنَن التاريخيَّة:
ويُراد بتلك السُّنَن أنَّ ما جرى على الأُمَم السابقة لابدَّ وأنْ يجري على هذه الأُمَّة أيضاً، وقد حفلت كُتُب الصحاح الستَّة عند العامَّة وغيرها بأحاديث كثيرة في هذا المعنى لا حاجة لنا بها، وأمَّا في خصوص الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) فقد مرَّ أنَّ فيه سُنَناً من الأنبياء (عليهم السلام) في غيباتهم، وهي لابدَّ وأنْ تتحقَّق فيه (عجَّل الله فرجه).
ويدلُّ على ما قلناه ما رواه سدير الصيرفي عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «إِنَّ لِلْقَائِمِ مِنَّا غَيْبَةً يَطُولُ أَمَدُهَا»، فَقُلْتُ لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اَلله، وَلِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «لِأَنَّ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) أَبَى إِلَّا أَنْ تَجْرِيَ فِيهِ سُنَنُ الأَنْبِيَاءِ (عليهم السلام) فِي غَيْبَاتِهِمْ، وَإِنَّهُ لَابُدَّ لَهُ يَا سَدِيرُ مِنِ اِسْتِيفَاءِ مُدَدِ غَيْبَاتِهِمْ، قَالَ اَللهُ تَعَالَى: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ﴾ [الانشقاق: 19]، أَيْ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ»(317).
وأمَّا عن سبب جريان تلك السُّنَن في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، فعلمه عند الله (عزَّ وجلَّ).
العلَّة الرابعة: وهي علَّة خافية لم يُؤذَن بكشفها:
ويُؤيِّد ذلك ما رواه عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ غَيْبَةً لاَبُدَّ مِنْهَا، يَرْتَابُ فِيهَا كُلُّ مُبْطِلٍ»، فَقُلْتُ: وَلِمَ، جُعِلْتُ فِدَاكَ؟ قَالَ: «لِأَمْرٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَنَا فِي كَشْفِهِ لَكُمْ»، قُلْتُ:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(316) تأويل الآيات الظاهرة (ج 2/ ص 539 و540/ ح 13) في تأويل الآية (34) من سورة فُصِّلت الشريفة.
(317) قد تقدَّم في (ص 125)، فراجع.
فَمَا وَجْهُ الحِكْمَةِ فِي غَيْبَتِهِ؟ قَالَ: «وَجْهُ الحِكْمَةِ فِي غَيْبَتِهِ وَجْهُ الحِكْمَةِ فِي غَيْبَاتِ مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ حُجَجِ اَلله تَعَالَى ذِكْرُهُ، إِنَّ وَجْهَ الحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ لَا يَنْكَشِفُ إِلَّا بَعْدَ ظُهُورِهِ، كَمَا لَمْ يَنْكَشِفْ وَجْهُ الحِكْمَةِ فِيمَا أَتَاهُ الخَضِرُ (عليه السلام) مِنْ خَرْقِ اَلسَّفِينَةِ، وَقَتْلِ الغُلَامِ، وَإِقَامَةِ الجِدَارِ لِمُوسَى (عليه السلام) إِلَى وَقْتِ اِفْتِرَاقِهِمَا. يَا بْنَ الفَضْلِ، إِنَّ هَذَا الأَمْرَ أَمْرٌ مِنْ (أَمْرِ) اَلله تَعَالَى، وَسِرٌّ مِنْ سِرِّ اَلله، وَغَيْبٌ مِنْ غَيْبِ اَلله، وَمَتَى عَلِمْنَا أَنَّهُ (عزَّ وجلَّ) حَكِيمٌ صَدَّقْنَا بِأَنَّ أَفْعَالَهُ كُلَّهَا حِكْمَةٌ وَإِنْ كَانَ وَجْهُهَا غَيْرَ مُنْكَشِفٍ»(318).
لقد فرَّق هذا الحديث بين علَّة الغيبة، ووجه الحكمة في غيبة الإمام (عجَّل الله فرجه)، أمَّا العلَّة فقد علَّمها الله تعالى لأوليائه، غير أنَّه (عزَّ وجلَّ) لم يُؤذَن لهم في كشفها، وبهذا يتبيَّن اشتباه بعضهم في جعل تلك العلَّة الخافية علينا من أسرار الله (عزَّ وجلَّ) التي لم يُطلِع عليها أحداً من أوليائه (عليهم السلام)! والصحيح أنَّه سبحانه استأثر بوجه الحكمة في غيبة الإمام، ولم يستأثر بالعلَّة نفسها كما هو صريح هذا الحديث الشريف.
ثانياً: أحاديث التمحيص والاختبار، وبيان فلسفتها:
أحاديث التمحيص والاختبار:
تُعَدُّ مسألة تمحيص الناس واختبارهم في زمان الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) مسألة متواترة عن الإمام الصادق (عليه السلام) فحسب، فقد رواها عنه أبان بن تغلب، وأبو بصير، والربيع بن محمّد المسلِّي، وزرارة، وسدير الصيرفي، وعبد الله بن الفضل الهاشمي، وعبد الله بن يعفور، وعبد الرحمن بن سيابة، وفرات بن الأحنف، والمفضَّل بن عمر، ومهزم بن أبي بردة الأسدي. وأخرجها محدِّثو الشيعة، عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(318) كمال الدِّين (ص 481 و482/ باب 44/ ح 11)، علل الشرائع (ج 1/ ص 245 و246/ باب 179/ ح 8)، الاحتجاج (ج 2/ ص 1440)، الصراط المستقيم (ج 2/ ص 237).
هؤلاء، عن الإمام (عليه السلام) من طُرُق شتَّى فيما تتبَّعناه، وسنكتفي ببعض منها، كالآتي:
1 - عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «مَعَ القَائِمِ (عليه السلام) مِنَ العَرَبِ شَيْءٌ يَسِيرٌ»، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ مَنْ يَصِفُ هَذَا الأَمْرَ مِنْهُمْ لَكَثِيرٌ، قَالَ: «لَابُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَنْ يُمَحَّصُوا وَيُمَيَّزُوا وَيُغَرْبَلُوا، وَسَيَخْرُجُ مِنَ الغِرْبَالِ خَلْقٌ كَثِيرٌ»(319).
والذي قال للإمام (عليه السلام) ذلك هو عبد الله بن يعفور، كما هو صريح روايات أُخرى(320).
2 - وَعَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ سَيَابَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا بَقِيتُمْ بِلَا إِمَامٍ هُدًى، وَلَا عَلَمٍ [يُرَى]، يَتَبَرَّأُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ؟ فَعِنْدَ ذَلِكَ تُمَيَّزُونَ وَتُمَحَّصُونَ وَتُغَرْبَلُونَ...»(321).
3 - وَعَنْ مِهْزَمِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «وَاَلله لَتُكْسَرُنَّ تَكَسُّرَ اَلزُّجَاجِ، وَإِنَّ اَلزُّجَاجَ لَيُعَادُ فَيَعُودُ كَمَا كَانَ، وَاَلله لَتُكْسَرُنَّ تَكَسُّرَ الفَخَّارِ، فَإِنَّ الفَخَّارَ لَيَتَكَسَّرُ فَلَا يَعُودُ كَمَا كَانَ، وَوَاَلله لَتُغَرْبَلُنَّ، وَوَاَلله لَتُمَيَّزُنَّ، وَوَاَلله لَتُمَحَّصُنَّ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ إِلَّا الأَقَلُّ»، وَصَعَّرَ كَفَّهُ(322).
وأخرج الشيخ الطوسي (رحمه الله) عن الربيع بن محمّد المسلِّي، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، نحوه(323).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(319) الغيبة للنعماني (ص 212/ باب 12/ ح 6).
(320) الكافي (ج 1/ ص 370/ باب التمحيص والامتحان/ ح 2)، الغيبة للنعماني (ص 212 و213/ باب 12/ ح 7)، دلائل الإمامة (ص 456 و457/ ح 436/40).
(321) الإمامة والتبصرة (ص 130 و131/ ح 136)، كمال الدِّين (ص 347 و348 / باب 33/ ح 36).
(322) الغيبة للنعماني (ص 215/ باب 12/ ح 13).
(323) الغيبة للطوسي (ص 340/ ح 289).
4 - وعن المفضَّل بن عمر، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «أَمَا وَاَلله لَيَغِيبَنَّ إِمَامُكُمْ سِنِيناً مِنْ دَهْرِكُمْ، وَلَتُمَحَّصُنَّ حَتَّى يُقَالَ: مَاتَ أَوْ هَلَكَ، بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟...»(324).
فلسفة التمحيص والاختبار:
تكشف الأحاديث الأربعة المتقدِّمة وغيرها من الأحاديث الأُخرى الواردة في موضوعها عن التخطيط الإلهي المقتضي لامتحان المسلمين واختبارهم في غيبة إمام الزمان (عجَّل الله فرجه)؛ لأنَّ الغيبة لاسيّما إذا كانت طويلة وزائدة على عمر الإنسان الطبيعي بعشرات المرَّات، ستورث الشكَّ في النفوس الضعيفة في بقاء صاحب الغيبة حيًّا طوال تلك الفترة، وقد يؤول هذا الشكُّ إلى الطعن باستمرار وجوده الشريف!
والمراد بالتمحيص: التنقية بأخذ الشيء الجيِّد وإبعاد الشيء الردي.
وبالتمييز: التفرقة بين شيئين بموجب خصائص معيَّنة، والمراد هنا معرفة الناس على حقيقتها بالاختبار.
وبالغربلة: نخل الشيء بالغربال.
وفي حديث الإمام الباقر (عليه السلام): «وَاَلله لَتُمَيَّزُنَّ، وَاَلله لَتُمَحَّصُنَّ، وَاَلله لَتُغَرْبَلُنَّ كَمَا يُغَرْبَلُ اَلزُّؤَانُ مِنَ القَمْحِ»(325).
والزؤان: حبوب صغيرة تختلط بالحنطة وتكون على شكلها، ولكنَّها ليست منها، فانظر إلى دقَّة التمثيل وروعته، فكما تخرج الزؤان عن القمح بالغربال، فكذلك يخرج ضعفاء الإيمان بقانون التمحيص، وغربالهم ليس إلَّا الظروف الصعبة التي يمرُّ بها الإنسان في حياته، وما تحيط بتلك الحياة من مصالح ضيِّقة وشهوات ومغريات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(324) قد تقدَّم في (ص 120 و121)، فراجع.
(325) الغيبة للنعماني (ص 213/ باب 12/ ح 8).
وقول الإمام الصادق (عليه السلام): «وَسَيَخْرُجُ مِنَ الغِرْبَالِ خَلْقٌ كَثِيرٌ» ليس اعتباطاً إذن، وإنَّما هو يحكي عن حقيقة ثابتة نطق بها القرآن الكريم بذمِّ الكثرة ومدح القلَّة في كثير من الآيات البيِّنات: ﴿وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ (الحديد: 16)، ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ (هود: 40).
وكلُّ هذا يشير إلى أنَّ أكثر البشر يتَّبعون الباطل، وينحرفون مع الشهوات، ويندفعون تجاه مصالحهم، حتَّى ليكونوا عوناً للظالمين، ويداً لهم، وفي مقابل هذا تبقى في نتيجة الامتحان والتمييز والتمحيص الطويل ثلَّة لا يضرُّها من ناوأها حتَّى يقاتل آخرها الدجَّال؛ لأنَّهم يُمثِّلون الحقَّ صرفاً الذي لا باطل معه أصلاً.
ونظرة واحدة إلى القرآن الكريم تكشف أنَّ قانون التمحيص الإلهي لم يختصّ بفئة أو أُمَّة من الناس، بل هو قانون عامٌّ للبشريَّة في جميع مراحل تاريخها، ويدلُّنا على ذلك:
قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ (آل عمران: 179).
وقوله تعالى: ﴿لِيَمِيزَ اللهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ﴾ (الأنفال: 37).
وقوله تعالى: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ (آل عمران: 141 و142).
ومن غير شكٍّ أنَّ قانون التمحيص لابدَّ وأنْ يكون أشدّ وآكد إذا ما اقترن أمره بإعداد النخبة الصالحة التي ينبغي أنْ تعيش الاستعداد الكامل لنصرة الحقِّ وأهله من خلال انتظارها لدولة الحقِّ المرتقبة على يد المنقذ العظيم الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
لقد أراد الله (عزَّ وجلَّ) أنْ يكون التمحيص في الغيبة الكبرى لإمام العصر والزمان عظيماً؛ ليتَّضح من خلاله ما إذا كانت تصرُّفات الإنسان وأقواله منسجمة مع الدِّين أو لا. ولا شكَّ أنَّ من يعبر الاختبار الصعب سوف لن يهمل وظيفته الاجتماعيَّة الكبرى: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، باعتبارهما من أبرز وظائف عصر الانتظار المتقوِّم بالإيمان، والتضحية، والصمود.
ولا يخفى بأنَّ الغرض من أحاديث التمحيص والاختبار كلِّها إنَّما هو يصبُّ في خدمة أجيال الغيبة؛ لكي ينتبهوا من غفلتهم ويلحظوا ما ينبغي ملاحظته من أُمور:
كعدم الاغترار بلمع السراب من كلام المشعوذين الكاذبين.
ومعرفة مكائد السفهاء وأعداء الحقِّ، من الذين في قلوبهم مرض والمفتونين.
والتعوُّذ من زخارف إبليس وأشياعه في كلِّ زمانٍ ومكانٍ.
والتمسُّك بالثقلين: كتاب الله، والعترة الطاهرة (عليهم السلام).
وعدم استطالة المدى في غيبة المولى (عجَّل الله فرجه)؛ لأنَّ الظهور الشريف آتٍ لا محالة، ومثله مثل الساعة ﴿لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً﴾ (الأعراف: 187).
والتدرُّع بالصبر على انتظار الحبيب صاحب الطلعة الرشيدة والغرَّة الحميدة.
وارتقابه ببصيرة لا حيرة فيها، ويقيناً لا شكَّ معه.
والاعتقاد الحازم بأنَّ الله تعالى سيُصلِح له أمره في ليلة واحدة، وحينئذٍ سيقبل كالشهاب الثاقب.
* * *
الباب الثالث: دور الإمام الصادق (عليه السلام) في ردِّ الشُّبُهات المثارة حول الغيبة والغائب
الفصل الأوَّل: شبهة الكيسانيَّة بمهدويَّة محمّد بن الحنفيَّة (رضي الله عنه).
الفصل الثاني: شبهة مهدويَّة عمر بن عبد العزيز الأُموي المرواني.
الفصل الثالث: شبهة مهدويَّة محمّد بن عبد الله الحسني.
الفصل الرابع: دعوى مهدويَّة المهدي العبَّاسي.
الفصل الخامس: موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من المهدويَّات الأُخرى.
الفصل السادس: دور الإمام الصادق (عليه السلام) في ردِّ الشُّبُهات الأُخرى.
تمهيد:
على الرغم من كثرة الكُتُب المؤلَّفة في غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) قبل حصولها، وكثرة الأحاديث الواردة في بيان هويَّة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وغيبته، وطول عمره الشريف قبل ولادته بعشرات السنين، وانتشار العقيدة المهدويَّة في الوسط الإسلامي في القرون الثلاثة الأُولى انتشاراً واسعاً. على الرغم من كلِّ ذلك بقي علم الكلام الإسلامي في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) بكلِّ اتِّجاهاته خالياً تماماً من أيَّة إثارة بخصوص الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، هذا في الوقت الذي تناول فيه شتَّى المباحث الكلاميَّة في التوحيد، والعدل، والنبوَّة، والإمامة، والمعاد، وغيرها.
والسرُّ في ذلك أنَّه لم تكن هناك ثَمَّة شُبُهات كبيرة تُذكر في زمان الإمام الصادق (عليه السلام) بشأن الغيبة والغائب، خصوصاً وأنَّ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لم يكن مولوداً في ذلك الحين، ولم تبتلِ الأُمَّة بغيبته الطويلة التي صارت فيما بعد مثاراً للجدل. هذا إذا ما استثنينا بعض المحاولات المنحرفة التي كانت تستهدف استغلال عقيدة الأُمَّة بمهديِّها فادَّعت المهدويَّة زوراً وبطلاناً، وتصدَّى لها الإمام الصادق (عليه السلام) بكلِّ قوَّة حتَّى قبرت وهي في مهدها.
ويبدو أنَّ متكلِّمي المعتزلة والزيديَّة وغيرهم من خصوم الإماميَّة الذين ماتوا قبل ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) كانوا في حرج شديد إزاء أخبار الإمام الصادق (عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) كافَّة بخصوص ولدهم المهدي (عجَّل الله فرجه)؛ إذ شكَّلت بمجموعها تحدّياً صارخاً لهم، ولم يجدوا وسيلةً في ردِّ أخبار أهل البيت (عليهم السلام)
تلك حتَّى وإنْ لم يعتقدوا بإمامتهم؛ إذ تكفيهم بذلك سائر موجبات قبول الخبر من الوثاقة والضبط والصدق والحفظ والحريجة في الدِّين، سيّما وأنَّ تلك الأخبار أنبأت عن مستقبل قد يكون بعيداً على أُولئك المتكلِّمين، وبالتالي هم ليسوا من أهله(326)، ولهذا نراهم قد خفَّفوا من غلوائهم تجاه هذه المسألة، وأهملوها تماماً، ولم يتصدَّ أحد منهم قطُّ إلى تكذيب أخبارها على الرغم من كونها بين أيديهم، وكأنَّهم - بهذا - قد تحفَّظوا على أنفسهم فلم يرموا بها شططاً في كلِّ اتِّجاه.
وما أنِ انقضى عصر أُولئك المتكلِّمين إلَّا وقد اصطدم خَلَفَهُم بالواقع، خصوصاً وقد شاهدوا رجوع القواعد الشيعيَّة برمَّتها - في كلِّ صغيرة وكبيرة - إلى سفراء الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ووكلائه المنبثِّين في طول بلاد الإسلام وعرضها.
ومن هنا لم يشأ بعضهم ترك الحبل على غاربه، فحاول عبثاً إثارة بعض الشُّبُهات والإشكالات، حتَّى اضطرَّ أخيراً إلى تكذيب تلك الأخبار التي كانت مدوَّنة في عهد أسلافهم الذين عجزوا عن تكذيبها.
وما إنْ دخلت العقيدة المهدويَّة في علم الكلام وأخذت حيِّزها الواسع فيه، وذلك بعد تحقُّقها على أرض الواقع بولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وغيبته سنة (260هـ)، إلَّا وقد تصدَّى طلائع المتكلِّمين من الإماميَّة في عصر الغيبة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(326) بحث المتكلِّمون في مسائل كثيرة لم يكونوا من أهلها في ذلك الحين، وكانت تمسُّ مستقبل الإنسان ومصيره في الصميم، كما هو الحال في بحثهم مسألة البرزخ، والصراط، والميزان، ونحوها كثير.
والأمر هنا مختلف تماماً؛ إذ لا يقبل جدلاً ولا تأويلاً، فالإخبار عن شخص بذكر اسمه ونسبه وحسبه وكنيته ولقبه وسيرته وحليته وأخلاقه وأوصافه بأنَّه هو المهدي الموعود به في آخر الزمان، لا يدع مجالاً للمتكلِّمين في تأويل ذلك أو صرفه عن مدلوله، اللَّهُمَّ إلَّا أنْ يضطرَّهم اعتقادهم الفاسد إلى تكذيب مثل هذا الإخبار، وهو ما لم يحصل من المتكلِّمين في زمان الإمام الصادق (عليه السلام).
الصغرى كابن قبة الرازي والنوبختيِّين وغيرهم إلى بيان زيف تلك الشُّبُهات، وأذاقوها ألواناً من مرارة التفنيد، كما نجده في كثير من نقولات الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن أُولئك المتكلِّمين في ردِّ شُبُهات الزيديَّة والمعتزلة وغيرهم في هذا الخصوص(327).
والطريف في تلك الشُّبُهات أنَّها كانت تعتمد على أشياء قد سبق وأنْ تعرَّض لها الإمام الصادق (عليه السلام)، نظير تمسُّكهم بدعاوى المهدويَّة، وطول عمر الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، والفائدة من غيبته، ونحو هذا من الأُمور التي لم تزل تثار إلى وقتنا هذا. بما يمكن معه القول بأنَّ سائر الإشكالات التي يثيرها بعض الكُتَّاب لم تكن جديدة أصلاً؛ إذ مضى عليها أكثر من ألف عام، بل حتَّى أجوبتها ليست جديدة هي الأُخرى، وعمر معظمها أطول من عمر الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، كما سنرى بعد قليل.
ومن هنا يتبيَّن لنا وبكلِّ وضوح أنَّ دور الإمام الصادق (عليه السلام) في صيانة الفكر المهدوي الأصيل كان دوراً سابقاً لزمانه بقرون عديدة، إلَّا ما كان بصدد ردِّ بعض دعاوى المهدويَّة المعاصرة له (عليه السلام)؛ إذ كان (عليه السلام) يتعمَّد إلى إثارة ما يمكن أنْ يقال عاجلاً أو آجلاً، ثمّ يتعرَّض - بذات الوقت - إلى الإجابة الشافية المختصرة.
وكثيراً ما يكون في حديثه (عليه السلام) جواب لشبهة مقدَّرة من دون إثارة صريحة لها، وربَّما قد يكون الجواب - أحياناً - ردًّا على سؤال في هويَّة الإمام المنتظَر (عجَّل الله فرجه)، أو ولادته، أو غيبته، ونحو ذلك من أُمور أُخرى، صارت إجاباتها ردوداً لما أُثير بعد ذلك من شُبُهات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(327) راجع ما كتبه الشيخ الصدوق (رحمه الله) في مقدَّمة كتابه (كمال الدِّين وتمام النعمة)، ستجد فيها ردًّا واسعاً على شُبُهات الزيديَّة والمعتزلة وغيرهم في العقيدة المهدويَّة.
وفي ما يلي دراسة لأهمّ الشُّبُهات المثارة حول العقيدة المهدويَّة، وموقف الإمام الصادق (عليه السلام) منها، وذلك في فصول.
* * *
الفصل الأوَّل: شبهة الكيسانيَّة بمهدويَّة محمّد بن الحنفيَّة (رضي الله عنه)
أوَّلاً: أسباب ظاهرة ادِّعاء المهدويَّة في التاريخ:
تُمثِّل ظاهرة ادِّعاء المهدويَّة في التاريخ الإسلامي عنصر الفساد والانحراف الذي يقف دائماً - وباسم الدِّين - في الصفِّ المناوئ للأهداف الكبرى في الشريعة، وذلك باستغلال إيمان الأُمَّة بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) الذي بشَّر به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بشكل تخطَّى مضمونه سائر الحدود المطلوبة في تحقُّق التواتر وعلى جميع الأُصول المحرَّرة في معرفته.
وقد يسأل بعضهم فيقول: كيف استطاعت إذن أنْ تشقَّ تلك الظواهر طريقها في المجتمع الإسلامي وبهذا الوقت المبكّر من تاريخه؟
والجواب منوط بمعرفة الأسباب المؤدّية إلى استغلال الدِّين باسمه وعلى أكثر من صعيد، ويأتي في طليعتها:
1 - عدم تحصُّن الأُمَّة بالثقلين (كتاب الله، والعترة الطاهرة (عليهم السلام)) كما ينبغي.
2 - ضعف الوازع الدِّيني عند أدعياء المهدويَّة على مرِّ التاريخ، ممَّا هوَّن عليهم ذلك ارتكاب مثل هذا الأمر الخطير.
3 - تشرذم الأُمَّة إلى فئات متناحرة، ومحاولة كلٍّ منها كسب الأنصار والمؤيِّدين بشتَّى الطُّرُق الملتوية، من بذل المال، أو الالتفاف على الدِّين.
4 - قلَّة الثقافة المهدويَّة في نفوس بعض القواعد الشعبيَّة التي روَّجت لمهدويَّة هذا الشخص أو ذاك، كما نجده عند الكيسانيَّة في إشاعتهم مهدويَّة محمّد ابن الحنفيَّة (رضي الله عنه).
5 - الافتتان ببعض الشخصيَّات، ومحاولة رفعها فوق قدرها وإعطائها من الألقاب والصفات ما لا تستحقُّ، كما هو الحال في وصف عمر بن عبد العزيز الأُموي المرواني بـ(المهدي) مثلاً.
وممَّا زاد الطين بلَّة: ثقافة الاستبداد السياسي التي ورثتها الأُمَّة وتربَّت عليها بعد وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مباشرةً، فهي في الوقت الذي تجاهلت فيه مبدأ النصِّ والتعيين، لم تراعِ حرّيَّة الاختيار، واختفت الشورى تماماً بحيث لم تتحقَّق ولو مرَّة واحدة - سهواً أو اشتباهاً - في حياتها، ثمّ تطوَّر الأمر سوءاً حتَّى أُبيح للسلطان أنْ يتَّخذ الدِّين مطيَّة لتحقيق مآربه وأهدافه السياسيَّة، ولو بعبور الخطوط الحمراء في الشريعة واستغلالها لصالحه كما هو الحال في الدولتين الأُمويَّة والعبَّاسيَّة، وخير مثال على ما نحن فيه محاولة التفاف أبي جعفر الدوانيقي عبد الله المنصور الخليفة العبَّاسي (136 - 158هـ) على العقيدة المهدويَّة، وانتزاعها من محمّد بن عبد الله بن الحسن المثنَّى (المهدي الحسني) الذي ادَّعاها بدوره طمعاً بالسلطة، فأطاح المنصور العبَّاسي بثورته وقتله وأخاه إبراهيم سنة (145هـ)، ثمّ أقدم سنة (147هـ) على تعيين ابنه محمّد (159 - 169هـ) وليًّا للعهد ولقَّبه بالمهدي(328)!
وغيرها من الأسباب الأُخرى التي أفضت بطبيعتها إلى ولادة خطِّ الانحراف العقائدي، وتمكين ظواهره السلبيَّة في المجتمع، في حين صمد الخطُّ الملتزم بمبادئه الإسلاميَّة الثابتة، وتصدَّت قيادته الواعية إلى كلِّ انحراف؛
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(328) راجع: تاريخ الخلفاء (ص 285).
لتصون العقيدة المهدويَّة من العابثين والطامعين، كما نجد ذلك واضحاً في موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من أُولى تلك الدعاوى المزعومة والشُّبُهات الفاسدة التي ظهرت في مقولة الكيسانيَّة، فنقول:
ثانياً: براءة ابن الحنفيَّة (رضي الله عنه) من القول بمهدويَّته:
مات السيِّد محمّد بن أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) المعروف بمحمّد بن الحنفيَّة (رضي الله عنه) سنة (73هـ)، وقيل غيرها(329)، وهو لا يعرف عن دعوى الكيسانيَّة في إمامته ومهدويَّته وغيبته شيئاً يُذكر، حيث روَّجت الكيسانيَّة له ذلك جهلاً - بعد وفاته -؛ تأثُّراً بسموِّ أخلاقه ونبله وعلمه، زيادةً على كونه أخاً للسبطين وابناً لأمير المؤمنين (عليهم السلام)، مع عناد بعضهم على القول بإمامته ومهدويَّته وغيبته حتَّى بعد وفاته ودفنه!
وكان محمّد بن الحنفيَّة (رضي الله عنه) قد سمع بعضهم وهم يُسلِّمون عليه بالمهدويَّة، ولكنَّه لم يحمل تحيَّتهم على معنى مهدي آخر الزمان (عجَّل الله فرجه)، بل على كونه من جملة العباد الصالحين الذين يهدون إلى الحقِّ وبه يعملون، وقد نبَّههم على ذلك في وقته.
ويدلُّ عليه ما أخرجه ابن سعد في (طبقاته) بسنده عن أبي حمزة، قال: (كانوا يُسلِّمون على محمّد بن عليٍّ: سلام عليك يا مهدي، فقال: أجل، أنا مهدي أهدي إلى الرشد والخير، اسمي اسم نبيِّ الله، وكنيتي كنية نبيِّ الله، فإذا سلَّم أحدكم فليقل: سلام عليك يا محمّد، [أو] السلام عليك يا أبا القاسم)(330).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(329) اختلفت الروايات في وفاة السيِّد محمّد بن الحنفيَّة (رضي الله عنه) ما بين سنة (73 و80 و81 و82 و92 و93هـ)، راجع: تهذيب الكمال (ج 26/ ص 152/ الرقم 5484).
(330) طبقات ابن سعد (ج 5/ ص 94) في ترجمة محمّد بن الحنفيَّة، تاريخ مدينة دمشق (ج 54/ ص 347/ الرقم 6797)، تاريخ الإسلام (ج 6/ ص 188/ الرقم 138) في وفيات سنة (81 - 100هـ)، سِيَر أعلام النبلاء (ج 4/ ص 123/ الرقم 36) في ترجمة محمّد بن الحنفيَّة.
ولم أجد في جميع المصادر أكثر صراحةً من هذه الرواية في الدلالة على وصفه بالمهدويَّة في حياته. في حين أنَّها لا تدلُّ على إرادة المهدي الموعود به في آخر الزمان، كما لا تدلُّ على رضاه، ولا تبنِّيه ذلك كما يظهر من كلامه المتقدِّم.
ثالثاً: اعتراف ابن الحنفيَّة بإمامة السجَّاد (عليه السلام)، ونفي الإمامة عن نفسه:
كان السيِّد محمّد بن الحنفيَّة (رضي الله عنه) عالماً بإمام زمانه، ولم يدَّعِ الإمامة ولا المهدويَّة لنفسه، كما لم يقبل بمقولة من ادَّعاها له من أصحابه؛ ولهذا أمر بالسلام عليه - كما مرَّ - إمَّا باسمه، أو بكنيته.
ويدلُّ على ما ذكرناه ما جاء عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: كَانَ أَبُو خَالِدٍ الكَابُلِيُّ يَخْدُمُ مُحَمَّداً اِبْنَ الحَنَفِيَّةِ دَهْراً، وَمَا كَانَ يَشُكُّ فِي أَنَّهُ إِمَامٌ، حَتَّى أَتَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ لِي حُرْمَةً وَمَوَدَّةً وَاِنْقِطَاعاً، فَأَسْأَلُكَ بِحُرْمَةِ رَسُولِ اَلله وَأَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ إِلَّا أَخْبَرْتَنِي أَنْتَ الإِمَامُ اَلَّذِي فَرَضَ اَللهُ طَاعَتَهُ عَلَى خَلْقِهِ؟»، قَالَ: «فَقَالَ: يَا أَبَا خَالِدٍ، حَلَفْتَنِي بِالعَظِيمِ، الإِمَامُ عَلِيُّ اِبْنُ الحُسَيْنِ (عليه السلام) عَلَيَّ وَعَلَيْكَ وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. فَأَقْبَلَ أَبُو خَالِدٍ لَـمَّا أَنْ سَمِعَ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ بْنُ الحَنَفِيَّةِ جَاءَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ (عليه السلام)، فَلَمَّا اِسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأُخْبِرَ أَنَّ أَبَا خَالِدٍ بِالبَابِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ دَنَا مِنْهُ، قَالَ: مَرْحَباً بِكَ يَا كَنْكَرُ، مَا كُنْتَ لَنَا بِزَائِرٍ، مَا بَدَا لَكَ فِينَا؟ فَخَرَّ أَبُو خَالِدٍ سَاجِداً شَاكِراً لِله تَعَالَى مِمَّا سَمِعَ مِنْ عَلِيِّ اِبْنِ الحُسَيْنِ (عليه السلام)، فَقَالَ: الحَمْدُ لِله اَلَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتَّى عَرَفْتُ إِمَامِي، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: وَكَيْفَ عَرَفْتَ إِمَامَكَ، يَا أَبَا خَالِدٍ؟ قَالَ: إِنَّكَ دَعَوْتَنِي بِاسْمِيَ اَلَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي اَلَّتِي وَلَدَتْنِي، وَقَدْ كُنْتُ فِي عَمْيَاءَ مِنْ أَمْرِي، وَلَقَدْ خَدَمْتُ مُحَمَّداً اِبْنَ الحَنَفِيَّةِ عُمُراً مِنْ عُمُرِي وَلَا أَشُكُّ إِلَّا وَأَنَّهُ إِمَامٌ، حَتَّى إِذَا كَانَ قَرِيباً سَألتُهُ بِحُرْمَةِ
اَلله وَبِحُرْمَةِ رَسُولِهِ وَبِحُرْمَةِ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ، فَأَرْشَدَنِي إِلَيْكَ وَقَالَ: هُوَ الإِمَامُ عَلَيَّ وَعَلَيْكَ وَعَلَى خَلْقِ اَلله كُلِّهِمْ...»(331).
فكيف يدَّعي الكيسانيَّة إذن إمامته ومهدويَّته وغيبته، وهذه هي أقواله(رضي الله عنه)؟!
رابعاً: من روَّج له المهدويَّة والإمامة بعد وفاته:
ظهر القول بإمامة ومهدويَّة وغيبة ابن الحنفيَّة (رضي الله عنه) بعد وفاته على يد الكيسانيَّة التي زعمت باطلاً بكلِّ هذه الأقاويل التي ما أنزل الله بها من سلطان.
وكان من رؤوسهم الذين تعصَّبوا لمحمّد بن الحنفيَّة وقالوا بإمامته ومهدويَّته وغيبته وإنَّه حيٌّ لم يمت، حيَّان السرَّاج كما سيأتي في بيان موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من هذه الدعوى.
ومن مشاهيرهم الذين لعبوا دوراً إعلاميًّا كبيراً في إشاعة هذه الدعوة، كثير عزَّة الشاعر المعروف، وقد ضمَّ ديوانه جملة من القصائد الشعريَّة التي تعرب عن عقيدته تلك، يقول في بعضها:
ألَا إنَّ الأئمَّة من قريش * * * ولاة الحقِّ أربعة سواءُ
عليٌّ والثلاثة من بنيه * * * هم أسباطُهُ والأوصياءُ
فسبط سبط إيمانٍ وحلمٍ * * * وسبط غيَّبته كربلاءُ
وسبط لا يذوق الموت حتَّى * * * يقود الخيل يقدمها اللواءُ
تغيَّب لا يُرى عنهم زماناً * * * برضوى عنده عسل وماءُ(332)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(331) اختيار معرفة الرجال (ج 1/ ص 336 و337/ ح 192) في ترجمة أبي خالد الكابلي؛ ورواه بتفاوت الخصيبي (رحمه الله) في الهداية الكبرى (ص 221 و222)، والرواندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 261 و262/ ح 6).
(332) شرح ديوان كثير عزَّة (ج 2/ ص 186 - 188)، مروج الذهب (ج 3/ ص 78)، الأغاني (ج 9/ ص 12) في ذكر أخبار كثير ونسبه، عيون الأخبار (ج 2/ ص 160) من كتاب العلم والبيان.
ويقول في أُخرى:
هو المهدي خَبَّرناه كعب * * * أخو الأحبار في الحِقَب الخوالي(333)
ومن جميل ما يُروى هو ما قاله مصعب بن عبد الله، قال: (قيل لكثير: لقيت كعب الأحبار؟ فقال: لا، قيل: فلِمَ قلت: خَبَّرناه كعبُ؟ قال: بالوهم)(334)!
ومن جملتهم أيضاً السيِّد الحميري، وهو من مشاهير الكيسانيَّة قبل لقائه بالإمام الصادق (عليه السلام) ومعرفة الحقيقة منه، وقد كانت له قصائد كثيرة يذكر فيها مهدويَّة ابن الحنفيَّة، منها ما ذكره المسعودي:
يا شعب رضوى ما لمن بك لا يُرى * * * وبنا إليك من الصبابة أولقُ(335)
حتَّى متى؟ وإلى متى؟ وكم المدى؟ * * * يا بن الوصيِّ وأنت حيٌّ تُرزَقُ(336)
لقاء السيِّد الحميري الكيساني بالإمام الصادق (عليه السلام):
شاءت الأقدار أنْ يلتقي السيِّد الحميري بالإمام الصادق (عليه السلام)، ممَّا كان لهذا اللقاء أثره الفعَّال في تغيير السيِّد الحميري عقيدته الكيسانيَّة ورجوعه من القول بإمامة ومهدويَّة محمّد بن الحنفيَّة (رضي الله عنه) إلى الحقِّ، واعتقاده مذهب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(333) شرح ديوان كثير عزَّة (ج 1/ ص 275)، مروج الذهب (ج 3/ ص 78)، الأغاني (ج 9/ ص 13 و14).
(334) الحدُّ الفاصل (ص 521 و522/ ح 657)، تاريخ مدينة دمشق (ج 54/ ص 321 و322)، تهذيب الكمال (ج 26/ ص 149 و150/ الرقم 5484).
(335) في الصحاح للجوهري (ج 4/ ص 1447/ مادَّة ألق): (الأولق: الجنون).
(336) ديوان السيِّد الحميري (ص 144)، أنساب الأشراف (ج 2/ ص 203)، مروج الذهب (ج 3/ ص 79)، أخبار السيِّد الحميري (ص 164)، إعلام الورى (ج 1/ ص 541)، تاريخ مدينة دمشق (ج 54/ ص 322)، تذكرة الخواصِّ (ص 264).
الإماميَّة، وهو ما صرَّح به ابن المعتزِّ في (طبقات الشعراء)(337)، والمرزباني في (أخبار السيِّد)(338)، والشيخ الصدوق (رحمه الله)(339)، والشيخ المفيد (رحمه الله)(340)، والشيخ الطوسي (رحمه الله)(341)، وابن شهر آشوب (رحمه الله)(342)، والإربلي (رحمه الله)(343)، وغيرهم ممَّن ترجم للسيِّد الحميري (رضي الله عنه).
وهكذا أصبح السيِّد - بفضل هدايته على يد الإمام الصادق (عليه السلام) - من شعراء أهل البيت (عليهم السلام) المجاهرين بولايتهم من الطبقة الأُولى، حتَّى وصفه علماء الشيعة بالمعظَّم(344)، ولهذا قال ابن عبد ربِّه الأندلسي الأُموي: (ومن الروافض، السيِّد الحميري، وكان يُلقى له وسائد في مسجد الكوفة يجلس عليها، وكان يؤمن بالرجعة)(345).
السيِّد الحميري يُودِّع كيسانيَّته ويتعرَّف على هويَّة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
لقد اعترف السيِّد الحميري بدور الإمام الصادق (عليه السلام) وفضله في إزاحة شبهة الكيسانيَّة عنه، وهو ما حكاه لنا الشيخ الصدوق (رحمه الله) بقوله: (فلم يزل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(337) طبقات شعراء المحدِثين (ص 55/ الرقم 3).
(338) أخبار السيِّد الحميري (ص 165).
(339) كمال الدِّين (ص 33) من المقدَّمة.
(340) الفصول المختارة (ص 298)، الإرشاد (ج 2/ ص 206).
(341) أمالي الطوسي (ص 627 و628/ ح 1293/6).
(342) مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 22 و23).
(343) كشف الغمَّة (ج 2/ ص 40).
(344) وصفه بهذا الوصف ابن داود الحلِّي في رجاله (ص 51/ الرقم 196)؛ وقال العلَّامة في خلاصة الأقوال (ص 57 و58/ الرقم 22): (إسماعيل بن محمّد الحميري، ثقة، جليل القدر، عظيم الشأن والمنزلة، رحمه الله).
(345) العقد الفريد (ج 2/ ص 247).
السيِّد ضالًّا في أمر الغيبة يعتقدها في محمّد بن الحنفيَّة حتَّى لقى الصادق جعفر ابن محمّد (عليهما السلام)، ورأى منه علامات الإمامة، وشاهد فيه دلالات الوصيَّة، فسأله عن الغيبة، فذكر له أنَّها حقٌّ، ولكنَّها تقع في الثاني عشر من الأئمَّة (عليهم السلام)، وأخبره بموت محمّد بن الحنفيَّة، وأنَّ أباه - يعني: الإمام الباقر (عليه السلام) - شاهد دفنه، فرجع السيِّد عن مقالته واستغفر من اعتقاده، ورجع إلى الحقِّ عند اتِّضاحه له، ودان بالإمامة).
ثمّ أخرج الصدوق (رحمه الله) - بعد كلامه هذا - بسنده عن السيِّد الحميري قوله: كُنْتُ أَقُولُ بِالغُلُوِّ، وَأَعْتَقِدُ غَيْبَةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ - اِبْنِ الحَنَفِيَّةِ -، قَدْ ضَلَلْتُ فِي ذَلِكَ زَمَاناً، فَمَنَّ اَللهُ عَلَيَّ بِالصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام)، وَأَنْقَذَنِي بِهِ مِنَ اَلنَّارِ، وَهَدَانِي إِلى سَوَاءِ اَلصِّرَاطِ، فَسَالتُهُ بَعْدَ مَا صَحَّ عِنْدِي بِالدَّلَائِلِ اَلَّتِي شَاهَدْتُهَا مِنْهُ أَنَّهُ حُجَّةُ اَلله عَلَيَّ وَعَلَى جَمِيعِ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَأَنَّهُ الإِمَامُ اَلَّذِي فَرَضَ اَللهُ طَاعَتَهُ، وَأَوْجَبَ اَلاِقْتِدَاءَ بِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اَلله، قَدْ رُوِيَ لَنَا أَخْبَارٌ عَنْ آبَائِكَ (عليهم السلام) فِي الغَيْبَةِ وَصِحَّةِ كَوْنِهَا، فَأَخْبِرْنِي بِمَنْ تَقَعُ؟ فَقَالَ (عليه السلام): «إِنَّ الغَيْبَةَ سَتَقَعُ بِالسَّادِسِ مِنْ وُلْدِي، وَهُوَ اَلثَّانِي عَشَرَ مِنَ الأَئِمَّةِ الهُدَاةِ بَعْدَ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أَوَّلُهُمْ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَآخِرُهُمُ القَائِمُ بِالحَقِّ بَقِيَّةُ اَلله فِي الأَرْضِ وَصَاحِبُ اَلزَّمَانِ، وَاَلله لَوْ بَقِيَ فِي غَيْبَتِهِ مَا بَقِيَ نُوحٌ فِي قَوْمِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ اَلدُّنْيَا حَتَّى يَظْهَرَ فَيَمْلَأَ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً».
قَالَ اَلسَّيِّدُ: فَلَمَّا سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ مَوْلَايَ اَلصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) تُبْتُ إِلَى اَلله تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَى يَدَيْهِ.
مع قصيدة السيِّد الحميري التي سجَّل فيها اعترافه بالحقِّ:
قال السيِّد (رحمه الله) بعد كلامه السابق مباشرةً وبلا فصل - وهو من تتمَّة رواية الشيخ الصدوق (رحمه الله) - ما لفظه: وَقُلْتُ قَصِيدَتِيَ اَلَّتِي أَوَّلُهَا:
فَلَمَّا رَأَيْتُ اَلنَّاسَ فِي اَلدِّينِ قَدْ غَوَوْا * * * تَجَعْفَرْتُ بِاسْمِ اَلله فِيمَنْ تَجَعْفَرُوا
إلى أنْ قال: إِلَى آخِرِ القَصِيدَةِ، وَقُلْتُ بَعْدَ ذَلِكَ قَصِيدَةً أُخْرَى:
1 - أَيَا رَاكِباً نَحْوَ اَلمَدِينَةِ جَسْرَةً * * * عُذَافِرَةً يُطْوَى بِهَا كُلَّ سَبْسَبٍ
2 - إِذَا مَا هَدَاكَ اَللهُ عَايَنْتَ جَعْفَراً * * * فَقُلْ لِوَلِيِّ اَلله وَاِبْنِ اَلمُهَذَّبِ
3 - أَلاَ يَا أَمِينَ اَلله وَاِبْنَ أَمِينِهِ * * * أَتُوبُ إِلَى اَلرَّحْمَنِ ثُمَّ تَأَوُّبِي
4 - إِلَيْكَ مِنَ الأَمْرِ اَلَّذِي كُنْتُ مُطْنِباً * * * أُحَارِبُ فِيهِ جَاهِداً كُلَّ مُعْرِبٍ
5 - وَمَا كَانَ قَوْلِي فِي اِبْنِ خَوْلَةَ مُطْنَباً * * * مُعَانَدَةً مِنِّي لِنَسْلِ اَلمُطَيَّبِ
6 - وَلَكِنْ رُوِينَا عَنْ وَصِيِّ مُحَمَّدٍ * * * وَمَا كَانَ فِيمَا قَالَ بِالمُتَكَذِّبِ
7 - بِأَنَّ وَلِيَّ الأَمْرِ يُفْقَدُ لَا يُرَى * * * سَتِيراً كَفِعْلِ الخَائِفِ اَلمُتَرَقِّبِ
8 - فَتُقْسَمُ أَمْوَالُ الفَقِيدِ كَأَنَّمَا * * * تَغَيَّبَهُ بَيْنَ اَلصَّفِيحِ اَلمُنَصَّبِ
9 - فَيَمْكُثُ حِيناً ثُمَّ يَنْبَعُ نَبْعَةً * * * كَنَبْعَةِ جَدْيٍ مِنَ الأُفُقِ كَوْكَبٍ
10 - يَسِيرُ بِنَصْرِ اَلله مِنْ بَيْتِ رَبِّهِ * * * عَلَى سُؤْدَدٍ مِنْهُ وَأَمْرٍ مُسَبَّبٍ
11 - يَسِيرُ إِلَى أَعْدَائِهِ بِلِوَائِهِ * * * فَيَقْتُلُهُمْ قَتْلاً كَحَرَّانَ مُغْضَبٍ
12 - فَلَمَّا رَوَى أَنَّ اِبْنَ خَوْلَةَ غَائِبٌ * * * صَرَفْنَا إِلَيْهِ قَوْلَنَا لَمْ نُكَذَّبِ
13 - وَقُلْنَا هُوَ اَلمَهْدِيُّ وَالقَائِمُ اَلَّذِي * * * يَعِيشُ بِهِ مِنْ عَدْلِهِ كُلُّ مُجْدِبٍ
14 - فَإِنْ قُلْتَ لَا فَالحَقُّ قَوْلُكَ وَاَلَّذِي * * * أُمِرْتَ فَحَتْمٌ غَيْرَ مَا مُتَعَصِّبٍ
15 - وَأُشْهِدُ رَبِّي أَنَّ قَوْلَكَ حُجَّةٌ * * * عَلَى اَلنَّاسِ طُرًّا مِنْ مُطِيعٍ وَمُذْنِبٍ
16 - بِأَنَّ وَلِيَّ الأَمْرِ وَالقَائِمَ اَلَّذِي * * * تَطَلَّعُ نَفْسِي نَحْوَهُ بِتَطَرُّبٍ
17 - لَهُ غَيْبَةٌ لَابُدَّ مِنْ أَنْ يَغِيبَهَا * * * فَصَلَّى عَلَيْهِ اَللهُ مِنْ مُتَغَيَّبٍ
18 - فَيَمْكُثُ حِيناً ثُمَّ يَظْهَرُ حِينَهُ * * * فَيَمْلِكُ مَنْ فِي شَرْقِهَا وَاَلمُغَرَّب
19 - بِذَاكَ أَدِينُ اَللهَ سِرًّا وَجَهْرَةً * * * وَلَسْتُ وَإِنْ عُوتِبْتُ فِيهِ بِمُعْتِبٍ(346)
الكشف عمَّا في قصيدة السيِّد الحميري من دلالات:
لا بأس بمتابعة قصيدته والكشف - باختصار - عمَّا في أبياتها من دلالة، كالآتي:
البيت الثاني والثالث فيهما تصريح باعتقاد السيِّد الحميري بأنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) هو وليُّ الله في زمانه، وأمين الله على وحيه، وابن أمينه.
الرابع والخامس فيهما تصريح بالتوبة من الاعتقاد القديم بمهدويَّة ابن الحنفيَّة.
السادس في بيان سبب اعتقاده القديم الفاسد، وهو تطبيق الروايات الواردة في المهدي (عجَّل الله فرجه) وغيبته عن الوصيِّ - ويعني به أمير المؤمنين (عليه السلام) - على غير موردها الحقيقي ومصداقها الواقعي.
السابع يدلُّ على أنَّ المرويَّ عن الوصيِّ (عليه السلام) بشأن المهدي هو غيبته (يُفْقَدُ لَا يُرَى) وأنَّ سببها الخوف (سَتِيراً كَفِعْلِ الخَائِفِ اَلمُتَرَقِّبِ)، وهذا هو المؤيَّد بروايات كثيرة عن الإمام الصادق (عليه السلام)، كما مرَّ مفصَّلاً في هذا البحث.
الثامن يشير إلى أنَّ المرويَّ عن الوصيِّ (عليه السلام) صريح بتقسيم أموال الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وهو حيٌّ (فَتُقْسَمُ أَمْوَالُ الفَقِيدِ)، أي الغائب الحيُّ الموجود، وهو ما حصل فعلاً لإمامنا المهدي (عجَّل الله فرجه) من أزلام السلطة العبَّاسيَّة وأذنابها في حديث طويل رواه الشيعة برمَّتهم وصحَّ لديهم من عدَّة طُرُق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(346) كمال الدِّين (ص 33 - 35) من المقدَّمة.
التاسع والعاشر والحادي عشر في خصوص كون المرويِّ عن الوصيِّ في المهدي (عجَّل الله فرجه)، هو أنَّه لابدَّ وأنْ يغيب حيناً من الدهر، ثمّ يكون ظهوره في مكَّة المكرَّمة، وأنَّ الله تعالى سيُمكِّنه من أعدائه جميعاً، وهذا هو ما نقوله ونعتقده طبقاً للمتواتر من الأخبار.
الثاني عشر إلى الخامس عشر في الكشف عن عقيدته السابقة بمهدويَّة ابن الحنفيَّة (رضي الله عنه)، وإعلان رجوعه عنها، واعتقاده الحقَّ بفضل الإمام الصادق (عليه السلام). ويتضمَّن الأخير اعتقاده بأنَّ إمامة الإمام الصادق (عليه السلام) من الله تعالى ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنَّه معصوم من الخطأ والزلل، وإلَّا فما معنى أنْ يُشهِد الله تعالى على أنَّ الصادق (عليه السلام) حجَّة الله على سائر الخلق؟ وكيف يختار الله تعالى حجَّته على عباده ولا يكون معصوماً؟
وما يقال بأنَّ الشعر عامَّةً ليس حجَّة، فهو كذلك، ولكن الأمر مختلف هاهنا، فالأبيات تُتلى على مسامع الإمام (عليه السلام)، ولو كان فيها أدنى زلل لنبَّه عليه الإمام الصادق (عليه السلام).
السادس عشر إلى التاسع عشر صريحة بلابدّيَّة غيبة وليِّ الأمر الإمام القائم المهدي (عجَّل الله فرجه)، وأنَّه لابدَّ من ظهوره (عجَّل الله فرجه) بعد انتهاء أمد غيبته، وحينئذٍ سيتحقَّق حلم الأنبياء (عليهم السلام) جميعاً بإقامة دولة الحقِّ العظمى في جميع الأرض على يده الشريفة. وفي الأخير إعلان بتمسُّك السيِّد الحميري بهذا الدِّين الحقِّ، وأنَّه لا يخشى فيه لومة لائم.
كما أنَّ أجواء القصيدة وأبياتها تكشف عن أنَّ أحاديث غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) الواصلة إلينا لم تكن قطُّ من صنع أيَّة حركة أو طائفة، ولا هي من صنع متكلِّمي الشيعة في القرنين الثالث والرابع الهجريَّين كما يفتري بذلك بعض المهرِّجين، وإنَّما هي - في حدود أجواء القصيدة فقط - من أخبار أهل
البيت (عليهم السلام) منذ عهد أمير المؤمنين الإمام عليٍّ (عليه السلام) وصولاً إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، فضلاً عمَّا في غيرها، وهو كثير.
كما تكشف أجواء القصيدة أيضاً عن دور الإمام الصادق (عليه السلام) في التصدِّي الحازم لمزاعم المهدويَّة كالكيسانيَّة، وبثِّه الوعي اللَّازم تجاه العقيدة المهدويَّة الصحيحة، مع استغلال كلِّ فرصة سانحة لغرس مبادئ الدِّين النقيَّة التي تقوم عليها نظريَّة الحكم في الإسلام كما يُفهَم من تقرير الإمام (عليه السلام) لمفردات تلك القصيدة الرائعة التي جاءت زاخرة بفكر الإمامة ومفعمة بعقيدة النصِّ والتعيين.
وأمَّا عن خلوِّ الأبيات الشعريَّة من التصريح بهويَّة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، فلا يدلُّ على عدم تحديد الهويَّة للسيِّد الحميري من قِبَل الإمام الصادق (عليه السلام)، خصوصاً وقد مرَّ في كلامه المنثور ما هو صريح بهذا التحديد. وربَّما قد يكون التحديد مذكوراً في رائيَّته المتقدِّمة حيث اقتصر على بعض أبياتها، ولو وصلت إلينا كاملة فربَّما وجدنا بها أسماء أهل البيت (عليهم السلام) جميعاً.
والمهمُّ هو أنَّ رجوع مثل السيِّد الحميري عن عقيدة الكيسانيَّة واعتناق المذهب الإمامي الاثني عشري يُعبِّر عن دور الإمام الصادق (عليه السلام) في معالجة دعاوى المهدويَّة في زمانه، ممَّا كان له أكبر الأثر في هدم تلك الدعاوى الباطلة وتلاشيها واحدة بعد أُخرى.
خامساً: ملاحقة الإمام الصادق (عليه السلام) لحُجَج الكيسانيَّة ونسفها:
لم يتوقَّف الإمام الصادق (عليه السلام) في إبطال دعوى الكيسانيَّة على صعيد هذا اللقاء بالسيِّد الحميري، وإنَّما راح أبعد من ذلك بكثير يوم بيَّن لبعض رؤوس الكيسانيَّة زيف عقيدتهم، ولكنَّهم ركبوا رؤوسهم عناداً وصلفاً، ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً﴾ (النساء: 88).
ومن أُولئك: حيَّان السرَّاج.
عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ الحَجَّاجِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «أَتَانِي اِبْنُ عَمٍّ لِي يَسْأَلُنِي أَنْ آذَنَ لِحَيَّانَ اَلسَّرَّاجِ، فَأَذِنْتُ لَهُ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عَبْدِ اَلله، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ شَيْءٍ أَنَا بِهِ عَالِمٌ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ، أَخْبِرْنِي عَنْ عَمِّكَ مُحَمَّدِ ابْنِ عَلِيٍّ مَاتَ؟»، قَالَ: «قُلْتُ أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ فِي ضَيْعَةٍ لَهُ، فَأُتِي، فَقِيلَ لَهُ: أَدْرِكْ عَمَّكَ! قَالَ: فَأَتَيْتُهُ وَقَدْ كَانَتْ أَصَابَتْهُ غَشْيَةٌ، فَأَفَاقَ، فَقَالَ لِيَ: اِرْجِعْ إِلَى ضَيْعَتِكَ، قَالَ: فَأَبَيْتُ، فَقَالَ: لَتَرْجِعَنَّ، قَالَ: فَانْصَرَفْتُ، فَمَا بَلَغْتُ اَلضَّيْعَةَ حَتَّى أَتَوْنِي فَقَالُوا: أَدْرِكْهُ! فَأَتَيْتُهُ، فَوَجَدْتُهُ قَدِ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ، فَدَعَا بِطَسْتٍ، وَجَعَلَ يَكْتُبُ وَصِيَّتَهُ، فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى غَمَّضْتُهُ وَغَسَلْتُهُ وَكَفَّنْتُهُ وَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ وَدَفَنْتُهُ، فَإِنْ كَانَ هَذَا مَوْتاً فَقَدْ وَاَلله مَاتَ»، قَالَ: «فَقَالَ لِي: رَحِمَكَ اَللهُ، شُبِّهَ عَلَى أَبِيكَ»، قَالَ: «قُلْتُ: يَا سُبْحَانَ اَلله، أَنْتَ تَصْدِفُ عَلَى قَلْبِكَ!»، قَالَ: «فَقَالَ لِي: وَمَا اَلصَّدْفُ عَلَى القَلْبِ؟»، قَالَ: «قُلْتُ: الكَذِبُ»(347).
وَعَنْ بُرَيْدٍ العِجْلِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اَلله(عليه السلام)، فَقَالَ لِي: «لَوْ كُنْتَ سَبَقْتَ قَلِيلاً أَدْرَكْتَ حَيَّانَ اَلسَّرَّاجِ»، قَالَ: وَأَشَارَ إِلَى مَوْضِعٍ فِي البَيْتِ، فَقَالَ: «وَكَانَ هَاهُنَا جَالِساً، فَذَكَرَ مُحَمَّدَ بْنَ الحَنَفِيَّةَ، وَذَكَرَ حَيَاتَهُ، وَجَعَلَ يُطْرِيهِ وَيُقْرِظُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا حَيَّانُ، أَلَيْسَ تَزْعُمُ وَيَزْعُمُونَ وَتَرْوِي وَيَرْوُونَ لَمْ يَكُنْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ شَيْءٌ إِلَّا وَهُوَ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ مِثْلُهُ؟ قَالَ: بَلَى»، قَالَ: «فَقُلْتُ: فَهَلْ رَأَيْنَا وَرَأَيْتُمْ أَوْ سَمِعْنَا وَسَمِعْتُمْ بِعَالِمٍ مَاتَ عَلَى أَعْيُنِ اَلنَّاسِ فَنَكَحَ نِسَاؤُهُ وَقُسِمَتْ أَمْوَالُهُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ؟ فَقَامَ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئاً»(348).
وَعَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ مُسْكَانَ، قَالَ: دَخَلَ حَيَّانُ اَلسَّرَّاجُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(347) اختيار معرفة الرجال (ج 2/ ص 602/ ح 569).
(348) اختيار معرفة الرجال (ج 2/ ص 601 و602/ ح 568).
فَقَالَ لَهُ: «يَا حَيَّانُ، مَا يَقُولُ أَصْحَابُكَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الحَنَفِيَّةِ؟»، قَالَ: يَقُولُونَ: هُوَ حَيٌّ يُرْزَقُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ عَادَهُ فِي مَرَضِهِ، وَفِيمَنْ أَغْمَضَهُ، وَفِيمَنْ أَدْخَلَهُ حُفْرَتَهُ، وَزُوِّجَ نِسَاؤُهُ، وَقُسِمَ مِيرَاثُهُ»، قَالَ: فَقَالَ حَيَّانُ: إِنَّمَا مَثَلُ مُحَمَّدِ بْنِ الحَنَفِيَّةِ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ مَثَلُ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، فَقَالَ: «وَيْحَكَ يَا حَيَّانُ شُبِّهَ عَلَى أَعْدَائِهِ؟»، فَقَالَ: بَلَى شُبِّهَ عَلَى أَعْدَائِهِ، قَالَ: «فَتَزْعُمُ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ عَدُوُّ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ؟! لَا وَلَكِنَّكَ تَصْدِفُ يَا حَيَّانُ...»(349).
وبهذا ونظائره استطاع الإمام الصادق (عليه السلام) أنْ يُبيِّن للناس جميعاً تهافت مقولة الكيسانيَّة وكذبها، ممَّا أدَّى بالنتيجة إلى تبخُّر تلك المزاعم وإزالتها من صفحة الوجود بعد انقراض المتعصِّبين لها، وبصورة لم تترك معها أدنى تأثير - ولو طفيف - على خطِّ الإمامة العريض الواضح، كما لم تُؤثِّر شيئاً على علم القواعد الشيعيَّة بمن سيغيب من أئمَّة الهدى (عليهم السلام).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(349) اختيار معرفة الرجال (ج 2/ ص 603 و604/ ح 570).
الفصل الثاني: شبهة مهدويَّة عمر بن عبد العزيز الأموي المرواني
أوَّلاً: الآثار الموضوعة في مهدويَّته:
وضع المغرمون بعمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحَكَم بن أبي العاص الأُموي المرواني (ت 101هـ) ما شاء لهم أنْ يضعوا من الأقوال على لسان عمر وابنه عبد الله، وهي وإنْ كانت كلُّها آثاراً موقوفة لا حجَّة بها، ولكن لا بأس بذكرها لتستشعر من خلالها ذلك الكذب المفضوح.
1 - أخرج البيهقي عن عبد الله بن دينار، عن عمر، قال: (يا عجباً! يزعم الناس أنَّ الدنيا لن تنقضي حتَّى يلي رجل من آل عمر يعمل بمثل عمل عمر)، قال: فكانوا يرونه بلال بن عبد الله بن عمر، قال: وكان بوجهه أثر، قال: فلم يكن هو، وإذا هو عمر بن عبد العزيز، وأُمُّه ابنة عاصم بن عمر بن الخطَّاب(350).
وفي هذا الأثر اللَّاحجَّة، محمّد بن عليٍّ المقري الضعيف عندهم بلا خلاف، زيادةً على عدم دلالته على المهدويَّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(350) دلائل النبوَّة (ج 6/ ص 492/ باب ما جاء في إخباره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالشرِّ الذي يكون بعد الخير الذي جاء به)؛ ورواه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (ج 45/ ص 155/ الرقم 5242)، وابن كثير في البداية والنهاية (ج 9/ ص 221)، والمقريزي في إمتاع الأسماع (ج 12/ ص 283)، والسيوطي في الخصائص الكبرى (ج 2/ ص 117)، والصالحي الشامي في سُبُل الهدى والرشاد (ج 10/ ص 115 و116).
ولعلَّ أطرف ما في هذا الأثر وروده في (باب ما جاء في إخباره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالشرِّ الذي يكون بعد الخير الذي جاء به) من كتاب (دلائل النبوَّة) للبيهقي!
2 - وأخرج ابن حمَّاد بسنده عن نافع، عن عمر: (يكون رجل من ولدي بوجهه شين يلي، فيملأها عدلاً)، قال نافع: لا أحسبنَّه إلَّا عمر بن عبد العزيز(351).
وهذا الأثر كسابقه، وفيه عثمان بن عبد الحميد بن لاحق مجهول، ونافع مولى ابن عمر كذَّاب مشهور. وكان يقول له مولاه: (لا تكذب عليَّ كما كذب عكرمة على ابن عبَّاس)(352).
3 - وأخرج ابن سعد في (طبقاته) عن نافع أيضاً، عن ابن عمر، قال: كنت أسمع ابن عمر كثيراً يقول: (ليت شعري من هذا الذي من ولد عمر في وجهه علامة، يملأ الأرض عدلاً)(353).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(351) الفتن لنعيم بن حمَّاد (67)؛ ورواه البيهقي في دلائل النبوَّة (ج 6/ ص 492)، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (ج 45/ ص 155/ الرقم 5242)، والذهبي في سِيَر أعلام النبلاء (ج 5/ ص 122/ الرقم 48)، وفي تاريخ الإسلام (ج 7/ ص 191/ الرقم 196)، والصفدي في الوافي بالوفيات (ج 22/ ص 313)، وابن كثير في البداية والنهاية (ج 6/ ص 268)، والمقريزي في إمتاع الأسماع (ج 12/ ص 282)، وابن تغري في مورد اللطافة (ج 1/ ص 90)، والسيوطي في الخصائص الكبرى (ج 2/ ص 117)، والصالحي الشامي في سُبُل الهدى والرشاد (ج 10/ ص 115)، والرياربكري في تاريخ الخميس (ج 2/ ص 316).
(352) العلل لأحمد بن حنبل (ج 2/ ص 70 و71/ ح 1582)، تفسير الماتريدي (ج 1/ ص 246)، المؤتلف والمختلف (ج 1/ ص 186)، الاستذكار لابن عبد البرِّ (ج 3/ ص 276)، التعديل والتجريح للباجي (ج 3/ ص 1150)، تاريخ مدينة دمشق (ج 41/ ص 107 و108)، معجم الأُدباء (ج 12/ ص 189)، تهذيب الكمال (ج 20/ ص 279 و280)، سِيَر أعلام النبلاء (ج 5/ ص 22 و23)، الجوهر النقي (ج 8/ ص 234)، الوافي بالوفيات (ج 20/ ص 39 و40/ الرقم 49)، تهذيب التهذيب (ج 7/ ص 237/ الرقم 476).
(353) طبقات ابن سعد (ج 5/ ص 331)، الزهد لأحمد بن حنبل (ص 235/ ح 1677)، غريب الحديث للحربي (ج 1/ ص 31)، تاريخ الطبري (ج 5/ ص 319)، حلية الأولياء (ج 5/ ص 254/ الرقم 331)، ودلائل النبوَّة (ج 6/ ص 492)، تاريخ مدينة دمشق (ج 45/ ص 155)، الكامل في التاريخ (ج 5/ ص 59)، وفيات الأعيان (ج 6/ ص 302)، نهاية الأرب (ج 21/ ص 366)، تاريخ الإسلام (ج 7/ ص 191)، إلى غير ذلك.
وهذا الأثر كسابقه، وفيه نافع الكذَّاب أيضاً.
ثانياً: كذبهم على الإمام الباقر (عليه السلام) في دعم تلك المهدويَّة:
لأجل تمرير مهدويَّة عمر بن عبد العزيز وإضفاء طابع القداسة عليه حاول أنصاره تشويش هذه العقيدة في نفوس المسلمين وتقريبهم نحو الخطِّ الأُموي المقيت، ولو بالكذب الفاضح على أهل البيت (عليهم السلام) في نصرة الأُمويِّين ومهدويَّة عمرهم.
ومن هنا وضعوا على لسان الإمام الباقر (عليه السلام) ما أخرجه ابن سعد في (الطبقات الكبرى)، عن مسلمة أبي سعيد في حديث رواح، عن العرزمي، قال: سمعت محمّد بن عليٍّ يقول: «النبيُّ منَّا، والمهدي من بني عبد شمس، ولا نعلمه إلَّا عمر بن عبد العزيز»، قال: وهذا في خلافة عمر بن عبد العزيز(354)!
ومثله ما أخرجه ابن عساكر في (تاريخه)، وأبو عمرو الداني، عن مولى لهند بنت أسماء، قال لمحمّد بن عليٍّ: إنَّ الناس يزعمون أنَّ فيكم مهديًّا، فقال: «إنَّ ذاك كذاك، ولكنَّه من بني عبد شمس»، قال: كأنَّه عنى عمر بن عبد العزيز(355).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(354) طبقات ابن سعد (ج 5/ص 333)، تاريخ مدينة دمشق (ج 45/ص 187/الرقم 5242).
(355) تاريخ مدينة دمشق (ج 45/ ص 187 و188/ الرقم 5242)، والسُّنَن الواردة في الفتن (ج 5/ ص ١٠٧٣/ ح 587/ باب من قال: إنَّ المهدي عمر بن عبد العزيز)، وقد جعل هذا الحديث المكذوب في أوَّل الباب.
ورواه أيضاً ابن سعد في طبقاته (ج 5/ ص 333).
ثالثاً: ردُّ أُكذوبتهم على الإمام الباقر (عليه السلام):
إنَّ ما ذكره ابن سعد وابن عساكر من أوضح الكذب وأسخفه، وما أحاديث الإمام الصادق في كتابنا هذا إلَّا هي أحاديث أبيه الباقر (عليهما السلام)، نظراً لما قاله الإمام الصادق (عليه السلام) لابن درَّاج: «مَا سَمِعْتَ مِنِّي فَارْوِه عَنْ أَبِي».
وقوله لجملة من أصحابه: «حَدِيثِي حَدِيثُ أَبِي...».
وقوله لأبي بصير حين قال له: الحَدِيثُ أَسْمَعُه مِنْكَ أَرْوِيه عَنْ أَبِيكَ أَوْ أَسْمَعُه مِنْ أَبِيكَ أَرْوِيه عَنْكَ؟ قَالَ: «سَوَاءٌ إِلَّا أَنَّكَ تَرْوِيه عَنْ أَبِي أَحَبُّ إِلَيَّ»(356).
على أنَّ مذهب الإمام الباقر (عليه السلام) في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) كنار على علم، وإليك صورة واضحة عمَّا نطقت به أحاديثه الشريفة في المهدي (عجَّل الله فرجه)، من قبيل:
أنَّ الله تعالى أخذ الميثاق للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) من الأنبياء (عليهم السلام) كلِّهم(357).
وفيه (عجَّل الله فرجه) شَبَه من بعضهم كغيبة موسى عن قومه، وطول عمر نوح، ومحنة يوسف (عليهم السلام)(358).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(356) راجع هذه الأقوال في: الكافي (ج 1/ص 51 - 53/باب رواية الكُتُب والحديث.../ح 4 و14).
(357) روى الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 93/ ج 2/ باب 8/ ح 4) بسنده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ اَللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَخَذَ مِيثَاقَ اَلنَّبِيِّينَ عَلَى وَلَايَةِ عَلِيٍّ، وَأَخَذَ عَهْدَ اَلنَّبِيِّينَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ (عليه السلام)».
(358) روى ابن بابويه في الإمامة والتبصرة (ص 93 و94/ ح 84) بسنده عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «فِي صَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ أَرْبَعَةُ سُنَنٍ مِنْ أَرْبَعَةِ أَنْبِيَاءَ: سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ عِيسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ، وَسُنَّةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَأَمَّا مِنْ مُوسَى فَخَائِفٌ يَتَرَقَّبُ، وَأَمَّا مِنْ يُوسُفَ فَالسِّجْنُ، وَأَمَّا مِنْ عِيسَى فَقِيلَ: إِنَّهُ مَاتَ، وَلَمْ يَمُتْ، وَأَمَّا مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَالسَّيْفُ»؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 152 و153/ باب 6/ ح 16، وص 326 و327/ باب 32/ ح 6).
وراجع: الغيبة للنعماني (ص 166 - 168/ باب 10/ فصل 3/ ح 3 و5، وص 233/ باب 13/ ح 8)، وإثبات الوصيَّة (ص 267)، وكمال الدِّين (ص 329/ باب 32/ ح 12، وص 524/ باب 46/ ح 5)، والغيبة للطوسي (ص 60 و424/ ح 57 و408).
وقد أغبطه موسى (عليه السلام) لـمَّا رآه مكتوباً في أسفاره(359).
ليس من بني أُميَّة، ولا من آل مروان الملعونين قاطبةً(360)، وإنَّما من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(361).
اسمه اسم نبيٍّ(362).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(359) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 246 و247/ باب 13/ ح 34) بسنده عَنْ سَالِمٍ اَلْأَشَلِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ اَلْبَاقِرَ (عليه السلام) يَقُولُ: «نَظَرَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ فِي اَلسِّفْرِ اَلْأَوَّلِ إِلَى مَا يُعْطَى قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ مِنَ اَلتَّمْكِينِ وَاَلْفَضْلِ، فَقَالَ مُوسَى: رَبِّ اِجْعَلْنِي قَائِمَ آلِ مُحَمَّدٍ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ ذَاكَ مِنْ ذُرِّيَّةِ أَحْمَدَ، ثُمَّ نَظَرَ فِي اَلسِّفْرِ اَلثَّانِي فَوَجَدَ فِيهِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَقِيلَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ نَظَرَ فِي اَلسِّفْرِ اَلثَّالِثِ، فَرَأَى مِثْلَهُ، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَقِيلَ لَهُ مِثْلُهُ».
ورواه المقدسي الشافي في عقد الدُّرَر (ص 26 و160).
(360) روى ابن قولويه (رحمه الله) في كامل الزيارات (ص 325 - 333/ ح 556/9) بسنده عَنْ مَالِكٍ اَلْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْبَاقِرِ (عليه السلام)، قَالَ: «مَنْ زَارَ اَلْحُسَيْنَ (عليه السلام) يَوْمَ عَاشُورَاءَ...»، إلى أنْ قال: «اَللَّهُمَّ اِلْعَنْ يَزِيدَ وَأَبَاهُ، وَاِلْعَنْ عُبَيْدَ اَلله بْنَ زِيَادٍ، وَآلَ مَرْوَانَ، وَبَنِي أُمَيَّةَ قَاطِبَةً إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ...».
(361) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 239 و240/ باب 13/ ح 22) بسنده عَنْ أَبِي حَمْزَةَ اَلثُّمَالِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ (عليه السلام) يَقُولُ: «لَوْ قَدْ خَرَجَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لَنَصَرَهُ اَللهُ بِالمَلَائِكَةِ اَلمُسَوِّمِينَ وَاَلمُرْدِفِينَ وَاَلمُنْزَلِينَ وَاَلْكَرُوبِيِّينَ، يَكُونُ جَبْرَئِيلُ أَمَامَهُ، وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَمِينِهِ، وَإِسْرَافِيلُ عَنْ يَسَارِهِ، وَاَلرُّعْبُ يَسِيرُ مَسِيرَةَ شَهْرٍ أَمَامَهُ وَخَلْفَهُ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، وَاَلمَلَائِكَةُ اَلمُقَرَّبُونَ حِذَاهُ...».
وراجع: تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 56 - 61/ ح 49)، والكافي (ج 1/ ص 536/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) كلَّهم قائمون بأمر الله تعالى هادون إليه/ ح 1، وج 8/ ص 80 و81/ ح 37)، والهداية الكبرى (ص 242 و243)، وإثبات الوصيَّة (ص 178 و267)، والغيبة للنعماني (ص 246 و247/ باب 13/ ح 34)، وكمال الدِّين (ص 644/ باب 55/ ح 2)، والإرشاد (ج 2/ ص 386)، والغيبة للطوسي (ص 46/ ح 29).
(362) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 184/ باب 10/ فصل 4/ ح 24) بسنده عَنْ أَبِي اَلْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «صَاحِبُ هَذَا اَلْأَمْرِ هُوَ اَلطَّرِيدُ اَلشَّرِيدُ، اَلمَوْتُورُ بِأَبِيهِ، اَلمُكَنَّى بِعَمِّهِ، اَلمُفْرَدُ مِنْ أَهْلِهِ، اِسْمُهُ اِسْمُ نَبِيٍّ».
ورواه الطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 486/ ح 484/88).
بل سميِّي(363)، من أهل البيت (عليهم السلام)(364).
وإنَّه لمهديُّنا(365)، وقائمنا(366).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(363) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 236 و237/ باب 13/ ح 14) بسنده عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: صَالِحٌ مِنَ اَلصَّالِحِينَ سَمِّهِ لِي - أُرِيدُ اَلْقَائِمَ (عليه السلام) -، فَقَالَ: «اِسْمُهُ اِسْمِي...».
(364) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 8/ ص 396/ ح 597) بسنده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «... إِنَّ الدُّنْيَا لَا تَذْهَبُ حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) رَجُلاً مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ يَعْمَلُ بِكِتَابِ الله، لَا يَرَى فِيكُمْ مُنْكَراً إِلَّا أَنْكَرَه».
وراجع: الأُصول الستَّة عشر (ص 218/ ح 220/16)، وقرب الإسناد (ص 350/ ح 1260)، وتفسير القمِّي (ج 2/ ص 425)، والغيبة للنعماني (ص 206/ باب 11/ ح 14، وص 245/ باب 13/ ح 30).
(365) روى الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 44/ ج 1/ باب 11/ ح 17) بسنده عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «حَدِيثُنَا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ لَا يَحْتَمِلُهُ إِلَّا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، أَوْ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، أَوْ مُؤْمِنٌ مُمْتَحَنٌ، أَوْ مَدِينَةٌ حَصِينَةٌ، فَإِذَا وَقَعَ أَمْرُنَا وَجَاءَ مَهْدِيُّنَا كَانَ اَلرَّجُلُ مِنْ شِيعَتِنَا أَجْرَى مِنْ لَيْثٍ، وَأَمْضَى مِنْ سِنَانٍ، يَطَأُ عَدُوَّنَا بِرِجْلَيْهِ، وَيَضْرِبُهُ بِكَفَّيْهِ، وَذَلِكَ عِنْدَ نُزُولِ رَحْمَةِ اَلله وَفَرَجِهِ عَلَى اَلْعِبَادِ».
وراجع: كمال الدِّين (ص 653/ باب 57/ ح 18)، وسُنَن الدارقطني (ج 2/ ص 51/ ح 1777)، عنه التذكرة في أحوال الموتى وأُمور الآخرة (ج 2/ ص 333).
(366) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 25/ كتاب العقل والجهل/ ح 21) بسنده عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ مَوْلًى لِبَنِي شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «إِذَا قَامَ قَائِمُنَا وَضَعَ الله يَدَه عَلَى رُؤُوسِ الْعِبَادِ، فَجَمَعَ بِهَا عُقُولَهُمْ، وَكَمَلَتْ بِه أَحْلَامُهُمْ»؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 675/ باب 58/ ح 30).
وراجع: الكافي (ج 1/ ص 460/ باب مولد الزهراء (عليها السلام)/ ح 7)، والغيبة للنعماني (ص 88 و89/ باب 4/ ح 17، وص 293 و294/ باب 15/ ح 1، وص 336/ باب 22/ ح 1)، وكمال الدِّين (ص 330 و331/ باب 32/ ح 16)، وعلل الشرائع (ج 1/ ص 161/ باب 129/ ح 3)، ودلائل الإمامة (ص 466 و467/ ح 452/56)، والغيبة للطوسي (ص 471 و472/ ح 490).
ومعنى المهدي(367)، والقائم(368).
من ولد أُمِّي الزهراء البتول (عليها السلام)(369)، ومن صلب جدِّي الحسين (عليه السلام)(370).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(367) روى الطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 466/ ح 451/55) بسنده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلسُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ اَلمَهْدِيُّ مَهْدِيًّا لِأَنَّهُ يَهْدِي لِأَمْرٍ خَفِيٍّ...».
وراجع: الغيبة للنعماني (ص 242 و243/ باب 13/ ح 26).
(368) روى الصدوق (رحمه الله) في علل الشرائع (ج 1/ ص 160/ باب 129/ ح 1) بسنده عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ثَابِتِ بْنِ دِينَارٍ اَلثُّمَالِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ اَلْبَاقِرِ (عليه السلام): ... يَا بْنَ رَسُولِ اَلله، فَلَسْتُمْ كُلُّكُمْ قَائِمِينَ بِالْحَقِّ؟ قَالَ: «بَلَى»، قُلْتُ: فَلِمَ سُمِّيَ اَلْقَائِمُ قَائِماً؟ قَالَ: «لَـمَّا قُتِلَ جَدِّيَ اَلْحُسَيْنُ (عليه السلام) ضَجَّتْ عَلَيْهِ اَلمَلاَئِكَةُ إِلَى اَلله تَعَالَى بِالْبُكَاءِ وَاَلنَّحِيبِ، وَقَالُوا: إِلَهَنَا وَسَيِّدَنَا، أَتَغْفَلُ عَمَّنْ قَتَلَ صَفْوَتَكَ وَاِبْنَ صَفْوَتِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ؟ فَأَوْحَى اَللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَيْهِمْ: قَرُّوا مَلَائِكَتِي، فَوَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأَنْتَقِمَنَّ مِنْهُمْ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ، ثُمَّ كَشَفَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) عَنِ اَلْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام) لِلْمَلَائِكَةِ، فَسُرَّتِ اَلمَلَائِكَةُ بِذَلِكَ، فَإِذَا أَحَدُهُمْ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَقَالَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ): بِذَلِكَ اَلْقَائِمُ أَنْتَقِمُ مِنْهُمْ»؛ ورواه الطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 451 و452/ ح 427/31).
(369) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 8/ ص 209 و210/ ح 255) بسنده عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الدَّوَانِيقِ، فَسَمِعْتُه يَقُولُ ابْتِدَاءً مِنْ نَفْسِه: يَا سَيْفَ بْنَ عَمِيرَةَ، لَابُدَّ مِنْ مُنَادٍ يُنَادِي بِاسْمِ رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ أَبِي طَالِبٍ...، إلى أنْ قال: فَقَالَ لِي: يَا سَيْفُ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يُجِيبُه، أَمَا إِنَّه أَحَدُ بَنِي عَمِّنَا، قُلْتُ: أَيُّ بَنِي عَمِّكُمْ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ (عليها السلام)، ثُمَّ قَالَ: يَا سَيْفُ، لَوْ لَا أَنِّي سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُه ثُمَّ حَدَّثَنِي بِه أَهْلُ الأَرْضِ مَا قَبِلْتُه مِنْهُمْ، وَلَكِنَّه مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ (عليهما السلام).
ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 370 و371)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 433 و434/ ح 423)، والمقدسي الشافعي في عقد الدُّرَر (ص 110 و111/ باب 4/ فصل 3).
وراجع: الغيبة للطوسي (ص 187/ ح 147).
(370) جاء في الأُصول الستَّة عشر (ص 248/ ح 316/112) عَنْ جَابِرٍ اَلْجُعْفِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ اِبْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام): «يَا جَابِرُ، إِنَّ لِبَنِي اَلْعَبَّاسِ رَايَةً وَلِغَيْرِهِمْ رَايَاتٍ، فَإِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ - ثَلَاثاً - حَتَّى تَرَى رَجُلاً مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ يُبَايَعُ لَهُ بَيْنَ اَلرُّكْنِ وَاَلمَقَامِ...».
وراجع: تفسير العيَّاشي (ج 1/ ص 64 - 66/ ح 117)، والغيبة للنعماني (ص 288 - 291/ باب 14/ ح 67).
أصغرنا سنًّا، وأخملنا شخصاً(371).
وابن أَمَة(372)، تخفى على الناس ولادته(373)، وتُمتحَن بذلك شيعته(374).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(371) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 190/ باب 10/ فصل 4/ ح 35) بسنده عَنْ يَحْيَى بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْبَاقِرِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «صَاحِبُ هَذَا اَلْأَمْرِ أَصْغَرُنَا سِنًّا، وَأَخْمَلُنَا شَخْصاً...»؛ ورواه الطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 481/ ح 474/78).
وراجع: الغيبة للنعماني (ص 339/ باب 23/ ح 1).
(372) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 233 و234/ باب 13/ ح 9) بسنده عَنْ عَبْدِ اَلرَّحِيمِ اَلْقَصِيرِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): قَوْلُ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «بِأَبِي اِبْنُ خِيَرَةِ اَلْإِمَاءِ»، أَهِيَ فَاطِمَةُ (عليها السلام)؟ فَقَالَ: «إِنَّ فَاطِمَةَ (عليها السلام) خِيَرَةُ اَلْحَرَائِرِ، ذَاكَ اَلمُبْدَحُ بَطْنُهُ، اَلمُشْرَبُ حُمْرَةً، رَحِمَ اَللهُ فُلَاناً».
وراجع: الغيبة للنعماني (ص 166/ باب 10/ فصل 3/ ح 3، وص 233/ باب 13/ ح 8)، وكمال الدِّين (ص 329/ باب 32/ ح 12)، والإرشاد (ج 2/ ص 382)، والغيبة للطوسي (ص 470/ ح 487).
(373) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 342/ باب في الغيبة/ ح 26) بسنده عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَه: إِنَّ شِيعَتَكَ بِالْعِرَاقِ كَثِيرَةٌ، وَالله مَا فِي أَهْلِ بَيْتِكَ مِثْلُكَ، فَكَيْفَ لَا تَخْرُجُ؟ قَالَ: فَقَالَ: «يَا عَبْدَ الله بْنَ عَطَاءٍ، قَدْ أَخَذْتَ تَفْرُشُ أُذُنَيْكَ لِلنَّوْكَى، إِي وَالله مَا أَنَا بِصَاحِبِكُمْ»، قَالَ: قُلْتُ لَه: فَمَنْ صَاحِبُنَا؟ قَالَ: «اُنْظُرُوا مَنْ عَمِيَ عَلَى النَّاسِ وِلَادَتُه فَذَاكَ صَاحِبُكُمْ، إِنَّه لَيْسَ مِنَّا أَحَدٌ يُشَارُ إِلَيْه بِالإِصْبَعِ، وَيُمْضَغُ بِالأَلْسُنِ إِلَّا مَاتَ غَيْظاً أَوْ رَغِمَ أَنْفُه»؛ ورواه بتفاوت يسير النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 171 و172/ باب 10/ فصل 3/ ح 7)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 325/ باب 32/ ح 2).
وراجع: إثبات الوصيَّة (ص 262)، والغيبة للنعماني (ص 173/ باب 10/ فصل 3/ ح 10).
(374) روى الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 43/ ج 1/ باب 11/ ح 14) بسنده عَنْ سُلَيْمَانَ اِبْنِ صَالِحٍ رَفَعَه إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ حَدِيثَنَا هَذَا تَشْمَئِزُّ مِنْه قُلُوبُ الرِّجَالِ، فَمَنْ أَقَرَّ بِه فَزِيدُوه، وَمَنْ أَنْكَرَه فَذَرُوه، إِنَّه لَابُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِتْنَةٌ يَسْقُطُ فِيهَا كُلُّ بِطَانَةٍ وَوَلِيجَةٍ حَتَّى يَسْقُطَ فِيهَا مَنْ كَانَ يَشُقُّ الشَّعْرَ بِشَعْرَتَيْنِ حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا نَحْنُ وَشِيعَتُنَا»؛ ورواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 370/ باب التمحيص والامتحان/ ح 5).
وراجع: الغيبة للنعماني (ص 213 و214/ باب 12/ ح 8 و16)، والغيبة للطوسي (ص 339 و340/ ح 288).
ومن الناس مَنْ يُنكِر ولادته(375)، ومنهم من يقول: مات، أو هلك، في أيِّ وادٍ سلك(376)؟
وإنَّه لمن أهل بيتي(377)، وهو السابع من ولدي(378).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(375) روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 327 و328/ باب 32/ ح 7) بسنده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ اَلثَّقَفِيِّ اَلطَّحَّانِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْبَاقِرِ (عليه السلام) وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنِ اَلْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ لِي مُبْتَدِئاً: «يَا مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمٍ، إِنَّ فِي اَلْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شَبَهاً مِنْ خَمْسَةٍ مِنَ اَلرُّسُلِ: يُونُسَ بْنِ مَتَّى، وَيُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَأَمَّا شَبَهُهُ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَرُجُوعُهُ مِنْ غَيْبَتِهِ وَهُوَ شَابٌّ بَعْدَ كِبَرِ اَلسِّنِّ، وَأَمَّا شَبَهُهُ مِنْ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ (عليهما السلام) فَالْغَيْبَةُ مِنْ خَاصَّتِهِ وَعَامَّتِهِ، وَاِخْتِفَاؤُهُ مِنْ إِخْوَتِهِ، وَإِشْكَالُ أَمْرِهِ عَلَى أَبِيهِ يَعْقُوبَ (عليه السلام) مَعَ قُرْبِ اَلمَسَافَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ وَأَهْلِهِ وَشِيعَتِهِ، وَأَمَّا شَبَهُهُ مِنْ مُوسَى (عليه السلام) فَدَوَامُ خَوْفِهِ، وَطُولُ غَيْبَتِهِ، وَخَفَاءُ وِلَادَتِهِ، وَتَعَبُ شِيعَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِمَّا لَقُوا مِنَ اَلْأَذَى وَاَلْهَوَانِ إِلَى أَنْ أَذِنَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) فِي ظُهُورِهِ وَنَصَرَهُ وَأَيَّدَهُ عَلَى عَدُوِّهِ...».
(376) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 156/ باب 10/ فصل 1/ ح 12) بسنده عَنْ أَبِي اَلْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ لِي: «يَا أَبَا اَلْجَارُودِ، إِذَا دَارَ اَلْفَلَكُ، وَقَالُوا: مَاتَ أَوْ هَلَكَ، وَبِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟ وَقَالَ اَلطَّالِبُ لَهُ: أَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ وَقَدْ بَلِيَتْ عِظَامُهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ فَارْتَجُوهُ، وَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فَأْتُوهُ وَلَوْ حَبْواً عَلَى اَلثَّلْجِ»؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 326/ باب 32/ ح 5).
(377) روى العيَّاشي (رحمه الله) في تفسيره (ج 1/ ص 103/ ح 302) عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ: «يَا أَبَا حَمْزَةَ كَأَنِّي بِقَائِمِ أَهْلِ بَيْتِي قَدْ عَلَا نَجَفَكُمْ، فَإِذَا عَلَا فَوْقَ نَجَفِكُمْ نَشَرَ رَايَةَ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَإِذَا نَشَرَهَا اِنْحَطَّتْ عَلَيْهِ مَلَائِكَةُ بَدْرٍ»؛ ورواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 321/ باب 19/ ح 3).
(378) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 97/ باب 4/ ح 28) بسنده عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي بَصِيرٍ وَمَعَنَا مَوْلًى لِأَبِي جَعْفَرٍ اَلْبَاقِرِ (عليه السلام)، فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «مِنَّا اِثْنَا عَشَرَ مُحَدَّثاً، اَلسَّابِعُ مِنْ وَلَدِيَ اَلْقَائِمُ»، فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو بَصِيرٍ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُهُ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
وراجع: كفاية الأثر (ص 250 - 253).
نحن الأئمَّة الأوصياء(379)، كعدَّة نقباء بني إسرائيل، اثني عشر أوصياء، تسعة من ولد الحسين (عليه السلام)، تاسعهم قائمهم(380)، مع تفصيل أسمائهم (عليهم السلام)(381)، ولعن أوَّل من ظلم حقَّهم وآخر تابع له على ذلك(382).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(379) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 532/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 10) بسنده عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ اللهَ أَرْسَلَ مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِلَى الْجِنِّ وَالإِنْسِ، وَجَعَلَ مِنْ بَعْدِه اثْنَيْ عَشَرَ وَصِيًّا، مِنْهُمْ مَنْ سَبَقَ، وَمِنْهُمْ مَنْ بَقِيَ، وَكُلُّ وَصِيٍّ جَرَتْ بِه سُنَّةٌ، وَالأَوْصِيَاءُ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عَلَى سُنَّةِ أَوْصِيَاءِ عِيسَى، وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ، وَكَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) عَلَى سُنَّةِ المَسِيحِ»؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في الخصال (ص 478/ ح 43)، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 345).
وراجع: كمال الدِّين (ص 328/ باب 32/ ح 8).
(380) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 533/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 15) بسنده عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «يَكُونُ تِسْعَةُ أَئِمَّةٍ بَعْدَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ»؛ ورواه المسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 268)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 95/ باب 4/ ح 25)، والصدوق (رحمه الله) في الخصال (ص 480/ ح 50)، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 453/ ح 431/35)، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 347)، وأبو صلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 425)، والكراجكي (رحمه الله) في الاستنصار (ص 17)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 140/ ح 104).
(381) روى ابن طاووس (رحمه الله) في جمال الأُسبوع (ص 280 - 284) بسنده عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ عَطَا، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): «... وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالحَسَنَ وَالحُسَيْنَ وَعَلِيَّ بْنَ الحُسَيْنِ وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَجَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَمُوسى بْنَ جَعْفَرٍ وَعَلِيَّ بْنَ مُوسى وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَعَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ وَالحَسَنَ اِبْنَ عَلِيٍّ وَاَلْخَلَفَ اَلصَّالِحَ اَلحُجَّةَ اَلْقَائِمَ اَلمُنْتَظَرَ، صَلَواتُكَ يَا رَبِّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ اَلسَّلَامُ أَجْمَعِينَ هُمُ اَلْأَئِمَةُ اَلهُدَاةُ اَلمَهْدِيُّونَ...».
(382) روى ابن قولويه (رحمه الله) في كامل الزيارات (ص 325 - 333/ ح 556/9) بسنده عَنْ مَالِكٍ اَلْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْبَاقِرِ (عليه السلام)، قَالَ: «مَنْ زَارَ اَلْحُسَيْنَ (عليه السلام) يَوْمَ عَاشُورَاءَ...»، إلى أنْ قال: «ثُمَّ تَقُولُ مِائَةَ مَرَّةٍ: اَللَّهُمَّ اِلْعَنْ أَوَّلَ ظَالِمٍ ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَآخِرَ تَابِعٍ لَهُ عَلَى ذَلِكَ...».
وأنَّه لابدَّ من غيبته(383)، في سنة مائتين وستِّين(384)، استبقاءً على مهجته(385).
لهفي عليه من شريد طريد، وفريد وحيد، موتور بأبيه(386).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(383) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 178/ باب 10/ فصل 4/ ح 8) بسنده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ اَلثَّقَفِيِّ، عَنِ اَلْبَاقِرِ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: «إِنَّ لِلْقَائِمِ غَيْبَتَيْنِ، يُقَالُ لَهُ فِي إِحْدَاهُمَا: هَلَكَ، وَلَا يُدْرَى فِي أَيِّ وَادٍ سَلَكَ».
وراجع: الكافي (ج 1/ ص 338/ باب في الغيبة/ ح 8)، والغيبة للنعماني (ص 158/ باب 10/ فصل 1/ ح 17، وص 182 و183/ باب 10/ فصل 4/ ح 18 و20)، وكمال الدِّين (ص 330 / باب 32/ ح 15).
(384) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 341/ باب في الغيبة/ ح 22) بسنده عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، قَالَتْ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ الله تَعَالَى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ [التكوير: 15 و16]، قَالَتْ: فَقَالَ: «إِمَامٌ يَخْنِسُ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، ثُمَّ يَظْهَرُ كَالشِّهَابِ يَتَوَقَّدُ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، فَإِنْ أَدْرَكْتِ زَمَانَهُ قَرَّتْ عَيْنُكِ»، وبتفاوت يسير في (ج 1/ ص 341/ باب في الغيبة/ ح 23).
ورواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 119/ ح 113)، والخصيبي (رحمه الله) في الهداية الكبرى (ص 362)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 151 و152/ باب 10/ ح 6 و7)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 324 و325/باب 32/ح 1)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 159/ح 116).
(385) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 182/ باب 10/ فصل 4/ ح 18) بسنده عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِلْقَائِمِ (عليه السلام) غَيْبَةً، وَيَجْحَدُهُ أَهْلُهُ»، قُلْتُ: وَلِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «يَخَافُ» وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى بَطْنِهِ.
وروى (رحمه الله) قريباً منه في (ص 182 و183/ باب 10/ فصل 4/ ح 19 - 21).
ورواه بتفاوت يسير الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 481/ باب 44/ ح 7 و8).
(386) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 183 و184/ باب 10/ فصل 4/ ح 22) بسنده عَنْ عَبْدِ اَلْأَعْلَى بْنِ حُصَيْنٍ اَلثَّعْلَبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ (عليهما السلام) فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَقُلْتُ لَهُ: كَبِرَتْ سِنِّي، وَدَقَّ عَظْمِي، فَلَسْتُ أَدْرِي يَقْضِي لِي لِقَاؤُكَ أَمْ لَا، فَاعْهَدْ إِلَيَّ عَهْداً، وَأَخْبِرْنِي مَتَى اَلْفَرَجُ، فَقَالَ: «إِنَّ اَلشَّرِيدَ اَلطَّرِيدَ اَلْفَرِيدَ اَلْوَحِيدَ اَلمُفْرِدَ مِنْ أَهْلِهِ اَلمَوْتُورَ بِوَالِدِهِ اَلمُكَنَّى بِعَمِّهِ، هُوَ صَاحِبُ اَلرَّايَاتِ، وَاِسْمُهُ اِسْمُ نَبِيٍّ»، فَقُلْتُ: أَعِدْ عَلَيَّ، فَدَعَا بِكِتَابٍ أَدِيمٍ أَوْ صَحِيفَةٍ فَكَتَبَ لِي فِيهَا.
ومطلوب تراثه(387).
له غيبتان تطول الثانية منهما(388)، طوبى للمنتظِرين له في غيبته(389)، والمتأهِّبين لنصرته(390)، الذين وثقوا بأنَّه لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم واحد، لطوَّله الله تعالى، حتَّى ترى - في آخر الزمان - طلعته(391)، بعد فتن وعلامات كثيرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(387) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 182 و183/ باب 10/ فصل 4/ ح 20) بسنده عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ اَلْبَاقِرَ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِلْغُلَامِ غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ، وَهُوَ اَلمَطْلُوبُ تُرَاثُهُ»، قُلْتُ: وَلِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «يَخَافُ»، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى بَطْنِهِ، يَعْنِي اَلْقَتْلَ.
(388) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 177/ باب 10/ فصل 4/ ح 7) بسنده عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام): كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «لِقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) غَيْبَتَانِ، وَاحِدَةٌ طَوِيلَةٌ، وَاَلْأُخْرَى قَصِيرَةٌ»، قَالَ: فَقَالَ لِي: نَعَمْ يَا أَبَا بَصِيرٍ، إِحْدَاهُمَا أَطْوَلُ مِنَ اَلْأُخْرَى...»؛ ورواه الطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 535/ ح 520/124).
(389) روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 330/ باب 32/ ح 15) بسنده عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْبَاقِرِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «يَأْتِي عَلَى اَلنَّاسِ زَمَانٌ يَغِيبُ عَنْهُمْ إِمَامُهُمْ، فَيَا طُوبَى لِلثَّابِتِينَ عَلَى أَمْرِنَا فِي ذَلِكَ اَلزَّمَانِ...».
(390) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 8/ ص 80 و81/ ح 37) بسنده عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «... إِنَّ الْقَائِلَ مِنْكُمْ إِذَا قَالَ: إِنْ أَدْرَكْتُ قَائِمَ آلِ مُحَمَّدٍ نَصَرْتُه، كَالمُقَارِعِ مَعَه بِسَيْفِه...»؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 644/ باب 55/ ح 2).
(391) روى الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 46/ ح 30) بسنده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّهُمْ يَرْوُونَ أَنَّ أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَالَ بِالْكُوفَةِ عَلَى اَلْمِنْبَرِ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ اَلدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اَللهُ ذَلِكَ اَلْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ اَللهُ رَجُلاً مِنِّي يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «نَعَمْ...».
وراجع: السُّنَن الواردة في الفتن (ج 2/ ص ٣٦٩/ ح 122)، وعقد الدُّرَر (ص 61/ باب 4/ فصل 1)، والعرف الوردي (ص 161/ ح 221)، والقول المختصر (ص 154)، والبرهان في علامات مهدي آخر الزمان (ص 104/ باب 4/ فصل 1/ ح 7).
ككسوف الشمس، وخسوف القمر(392)، وخسف بالبيداء(393)، والصيحة في شهر رمضان(394)، وفتنة السفياني(395).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(392) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 8/ ص 212/ ح 257) بسنده عَنْ بَدْرِ بْنِ الْخَلِيلِ الأَزْدِيِّ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فَقَالَ: «آيَتَانِ تَكُونَانِ قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لَمْ تَكُونَا مُنْذُ هَبَطَ آدَمُ إِلَى الأَرْضِ، تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالْقَمَرُ فِي آخِرِه»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا بْنَ رَسُولِ الله، تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، وَالْقَمَرُ فِي النِّصْفِ، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «إِنِّي أَعْلَمُ مَا تَقُولُ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ لَمْ تَكُونَا مُنْذُ هَبَطَ آدَمُ (عليه السلام)»؛ ورواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 279 و280/ باب 14/ ح 45)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 655/ باب 57/ ح 25)، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 374)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 444 و445/ ح 439).
(393) روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 330 و331/ باب 32/ ح 16) بسنده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ اَلثَّقَفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ اَلْبَاقِرَ (عليهما السلام) يَقُولُ: «اَلْقَائِمُ مِنَّا مَنْصُورٌ بِالرُّعْبِ، مُؤَيَّدٌ بِالنَّصْرِ...» إلى أنْ قال: قُلْتُ: يَا بْنَ رَسُولِ اَلله، مَتَى يَخْرُجُ قَائِمُكُمْ؟ قَالَ: «... وَخُرُوجُ اَلسُّفْيَانِيِّ مِنَ اَلشَّامِ، وَاَلْيَمَانِيِّ مِنَ اَلْيَمَنِ، وَخَسْفٌ بِالْبَيْدَاءِ...».
وراجع: تفسير العيَّاشي (ج 1/ ص 64 - 66 و244 و245/ ح 117 و147، وج 2/ ص 261/ ح 34)، وتفسير القمِّي (ج 2/ ص 205 و206)، والغيبة للنعماني (ص 288 - 291/ باب 14/ ح 67)، والاختصاص (ص 255 - 257)، وسرور أهل الإيمان (ص 88 - 90).
(394) روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 327 و328/ باب 32/ ح 7) بسنده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ اَلثَّقَفِيِّ اَلطَّحَّانِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْبَاقِرِ (عليهما السلام) وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنِ اَلْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ لِي مُبْتَدِئاً: «... وَإِنَّ مِنْ عَلَامَاتِ خُرُوجِهِ: خُرُوجَ اَلسُّفْيَانِيِّ مِنَ اَلشَّامِ، وَخُرُوجَ اَلْيَمَانِيِّ مِنَ اَلْيَمَنِ، وَصَيْحَةً مِنَ اَلسَّمَاءِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَمُنَادٍ يُنَادِي مِنَ اَلسَّمَاءِ بِاسْمِهِ وَاِسْمِ أَبِيهِ».
وراجع: الغبية للنعماني (ص 262 - 265/ باب 14/ ح 13).
(395) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 313/ باب 18/ ح 6) بسنده عَنِ اَلْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ مِنَ اَلْأُمُورِ أُمُوراً مَوْقُوفَةً، وَأُمُوراً مَحْتُومَةً، وَإِنَّ اَلسُّفْيَانِيَّ مِنَ اَلمَحْتُومِ اَلَّذِي لَابُدَّ مِنْهُ».
وراجع: الغيبة للنعماني (ص 262 - 265 و275/ باب 14/ ح 13 و36، وص 313 و314/ باب 18/ ح 6 و8)، والإرشاد (ج 2/ ص 371 - 373)، والغيبة للطوسي (ص 462/ ح 477).
وقتل النفس الزكيَّة(396)، وخروج الدجَّال(397)، ومدد المشرق المُوَطِّئ لدولته(398)، وهتاف السماء: أنَّ الحقَّ مع آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(399)، وندائها باسم المهدي واسم أبيه(400)، وحتَّى يسمعه أهل المشرق والمغرب(401).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(396) روى المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 371 و372) بسنده عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): خُرُوجُ اَلسُّفْيَانِيِّ مِنَ اَلمَحْتُومِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَاَلنِّدَاءُ مِنَ اَلمَحْتُومِ، وَطُلُوعُ اَلشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا مَحْتُومٌ، وَاِخْتِلَافُ بَنِي اَلْعَبَّاسِ فِي اَلدَّوْلَةِ مَحْتُومٌ، وَقَتْلُ اَلنَّفْسِ اَلزَّكِيَّةِ مَحْتُومٌ...».
وراجع: كمال الدِّين (ص 330 و331/ باب 32/ ح 16)، والإرشاد (ج 2/ ص 374).
(397) بصائر الدرجات (ص 161/ ج 3/ باب 11/ ح 7) بسنده عَنْ شُعَيْبِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَلْخٍ، [فَقَالَ لَهُ]: «يَا خُرَاسَانِيُّ، تَعْرِفُ وَادِي كَذَا وَكَذَا؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ لَهُ: «تَعْرِفُ صَدْعاً فِي اَلْوَادِي مِنْ صِفَتِهِ كَذَا وَكَذَا»، قَالَ: نَعَمْ، [قَالَ]: «مِنْ ذَلِكَ يَخْرُجُ اَلدَّجَّالُ...».
وراجع: الكافي (ج 8/ ص 296 و297/ ح 456).
(398) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 262 - 265/ باب 14/ ح 13) بسنده عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «... لَابُدَّ مِنْ رَحًى تَطْحَنُ، فَإذَا قَامَتْ عَلَى قُطْبِهَا وَثَبَتَتْ عَلَى سَاقِهَا بَعَثَ اللهُ عَلَيْهَا عَبْداً عَنِيفاً خَامِلاً أَصْلُهُ، يَكُونُ النَّصْرُ مَعَهُ، أَصْحَابُهُ الطَّويلَةُ شُعُورُهُمْ، أَصْحَابُ السِّبَال، سُودٌ ثِيَابُهُمْ، أَصْحَابُ رَايَاتٍ سُودٍ، وَيْلٌ لِمَنْ نَاوَاهُمْ، يَقْتُلُونَهُمْ هَرْجاً...».
(399) روى نعيم بن حمَّاد في كتابه الفتن (ص 208) بسنده عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: «يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ اَلسَّمَاءِ: أَلَا إِنَّ الحقَّ فِي آلِ مُحَمَّدٍ...»، عنه الملاحم والفتن لابن طاووس (ص 130/ ح 140)، والعرف الوردي (ص 143/ ح 160)، والقول المختصر (ص 145).
(400) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 272/ باب 14/ ح 27) بسنده عَنْ نَاجِيَةَ اَلْقَطَّانِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ اَلمُنَادِيَ يُنَادِي: إِنَّ اَلمَهْدِيَّ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِاسْمِهِ وَاِسْمِ أَبِيهِ، فَيُنَادِي اَلشَّيْطَانُ: إِنَّ فُلَاناً وَشِيعَتَهُ عَلَى اَلْحَقِّ - يَعْنِي رَجُلاً مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ -».
وراجع: الغيبة للنعماني (ص 262 - 265، و288 - 291/ باب 14/ ح 13 و67)، وكمال الدِّين (ص 327 و328/ باب 32/ ح 7).
(401) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 265/ باب 14/ ح 14) بسنده عَنْ شُرَحْبِيلَ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) وَقَدْ سَأَلْتُهُ عَنِ اَلْقَائِمِ (عليه السلام)، فَقَالَ: «إِنَّهُ لَا يَكُونُ حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ اَلسَّمَاءِ يَسْمَعُ أَهْلُ اَلمَشْرِقِ وَاَلمَغْرِبِ، حَتَّى تَسْمَعَهُ اَلْفَتَاةُ فِي خِدْرِهَا».
وهكذا إلى أنْ يَمُنَّ الله تعالى بظهوره، وتكون في البيت العتيق - بين الركن والمقام - بيعته(402)، وسيخطب في كعبته(403)، معه عدَّة أهل بدر من أصحابه(404)، ما أجلّ صفاتهم(405)، وأعظم شجاعتهم(406).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(402) جاء في الأُصول الستَّة عشر (ص 248/ ح 316/112) عَنْ جَابِرٍ اَلْجُعْفِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ اِبْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام): «يَا جَابِرُ، إِنَّ لِبَنِي اَلْعَبَّاسِ رَايَةً وَلِغَيْرِهِمْ رَايَاتٍ، فَإِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ - ثَلَاثاً - حَتَّى تَرَى رَجُلاً مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ يُبَايَعُ لَهُ بَيْنَ اَلرُّكْنِ وَاَلمَقَامِ...». وراجع: تفسير العيَّاشي (ج 1/ ص 64 - 66/ ح 117)، والغيبة للنعماني (ص 270 و271 و288 - 291/ باب 14/ ح 22 و24 و67)، والاختصاص (ص 255 - 257)، والغيبة للطوسي (ص 476 و477/ ح 502).
(403) روى نعيم بن حمَّاد في كتابه الفتن (ص 213) بسنده عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: «ثُمَّ يَظْهَرُ اَلمَهْدِيُّ بِمَكَّةَ عِنْدَ اَلْعِشَاءِ، وَمَعَهُ رَايَةُ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)، وَقَمِيصُهُ وَسَيْفُهُ وَعَلَامَاتٌ وَنُورٌ وَبَيَانٌ، فَإِذَا صَلَّى اَلْعِشَاءَ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَقُولُ: أُذَكِّرُكُمُ اَللهَ أَيُّهَا اَلنَّاسُ وَمَقَامُكُمْ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّكُمْ...»، عنه الملاحم والفتن لابن طاووس (ص 137/ ح 157)، وعقد الدُّرَر (ص 145/ باب 7)، والعرف الوردي (ص 131/ ح 125)، والقول المختصر (ص 139).
(404) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 329/ باب 20/ ح 9) بسنده عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْبَاقِرِ (عليه السلام): «إِنَّ اَلْقَائِمَ يَهْبِطُ مِنْ ثَنِيَّةِ ذِي طُوًى فِي عِدَّةِ أَهْلِ بَدْرٍ ثَلَاثِمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً، حَتَّى يُسْنِدَ ظَهْرَهُ إِلَى اَلْحَجَرِ اَلْأَسْوَدِ، وَيَهُزَّ اَلرَّايَةَ اَلْغَالِبَةَ...».
وراجع: الغيبة للطوسي (ص 476 و477/ ح 502).
(405) روى ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 131/ ح 138) بسنده عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «كَأَنِّي بِأَصْحَابِ اَلْقَائِمِ (عليه السلام) وَقَدْ أَحَاطُوا بِمَا بَيْنَ اَلْخَافِقَيْنِ، فَلَيْسَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَهُوَ مُطِيعٌ لَهُمْ حَتَّى سِبَاعُ اَلْأَرْضِ وَسِبَاعُ اَلطَّيْرِ، يَطْلُبُ رِضَاهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى تَفْخَرَ اَلْأَرْضُ عَلَى اَلْأَرْضِ وَتَقُولَ: مَرَّ بِيَ اَلْيَوْمَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ اَلْقَائِمِ (عليه السلام)»؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 673/ باب 58/ ح 25).
(406) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 8/ ص 294/ ح 449) بسنده عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: قُمْتُ مِنْ عِنْدِ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فَاعْتَمَدْتُ عَلَى يَدِي، فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: «مَا لَكَ؟»، فَقُلْتُ: كُنْتُ أَرْجُو أَنْ أُدْرِكَ هَذَا الأَمْرَ وَبِيَ قُوَّةٌ، فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَوْنَ أَنَّ عَدُوَّكُمْ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَأَنْتُمْ آمِنُونَ فِي بُيُوتِكُمْ؟ إِنَّه لَوْ قَدْ كَانَ ذَلِكَ أُعْطِيَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ قُوَّةَ أَرْبَعِينَ رَجُلاً، وَجُعِلَتْ قُلُوبُكُمْ كَزُبَرِ الْحَدِيدِ لَوْ قُذِفَ بِهَا الْجِبَالَ لَقَلَعَتْهَا، وَكُنْتُمْ قِوَامَ الأَرْضِ وَخُزَّانَهَا». وراجع: الاختصاص (ص 26).
عنده عصا موسى لتلقف ما يأفكون(407)، وحجره المبارك الميمون(408)، وخاتم سليمان(409)، وسلاح النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(410).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(407) روى الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 203 و204/ ج 4/ باب 4/ ح 36) بسنده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَيْضِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام)، قَالَ: «كَانَ عَصَا مُوسَى لآِدَمَ فَصَارَتْ إِلَى شُعَيْبٍ، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَإِنَّهَا لَعِنْدَنَا، وَإِنَّ عَهْدِي بِهَا آنِفاً وَهِيَ خَضْرَاءُ كَهَيْأَتِهَا حِينَ اُنْتُزِعَتْ مِنْ شَجَرِهَا، وَإِنَّهَا لَتَنْطِقُ إِذَا اُسْتُنْطِقَتْ، أُعِدَّتْ لِقَائِمِنَا لِيَصْنَعَ كَمَا كَانَ مُوسَى يَصْنَعُ بِهَا، وَإِنَّهَا لَتَرُوعُ وَتَلْقَفُ...»؛ ورواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 116/ ح 108)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 231/ باب ما عند الأئمَّة من آيات الأنبياء (عليهم السلام)/ ح 1)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 673 و674/ باب 58/ ح 27)، والمفيد (رحمه الله) في الاختصاص (ص 269 و270).
(408) روى الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 208/ ج 4/ باب 4/ ح 54) بسنده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «إِذَا قَامَ اَلْقَائِمُ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى اَلْكُوفَةِ نَادَى مُنَادِيهِ: أَلَا لَا يَحْمِلُ أَحَدٌ مِنْكُمْ طَعَاماً وَلَا شَرَاباً، وَيَحْمِلُ حَجَرَ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَهُوَ وِقْرُ بَعِيرٍ، وَلَا يَنْزِلُ مَنْزِلاً إِلَّا اِنْبَعَثَ عَيْنٌ مِنْهُ، فَمَنْ كَانَ جَائِعاً شَبِعَ، وَمَنْ كَانَ ظَمْآناً رُوِيَ، فَهُوَ زَادُهُمْ حَتَّى نَزَلُوا اَلنَّجَفَ مِنْ ظَهْرِ اَلْكُوفَةِ»؛ ورواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 231/ باب ما عند الأئمَّة من آيات الأنبياء (عليهم السلام)/ ح 3)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 244/ باب 13/ ح 29)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 670 و671/ باب 58/ ح 17).
(409) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 244/ باب 13/ ح 28) بسنده عن أَبِي اَلْجَارُودِ زِيَادِ بْنِ اَلمُنْذِرِ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام): «إِذَا ظَهَرَ اَلْقَائِمُ (عليه السلام) ظَهَرَ بِرَايَةِ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَخَاتَمِ سُلَيْمَانَ، وَحَجَرِ مُوسَى وَعَصَاهُ...».
(410) جاء في الأُصول الستَّة عشر (ص 248/ ح 316/112) عَنْ جَابِرٍ اَلْجُعْفِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ اِبْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام): «يَا جَابِرُ، إِنَّ لِبَنِي اَلْعَبَّاسِ رَايَةً وَلِغَيْرِهِمْ رَايَاتٍ، فَإِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ - ثَلَاثاً - حَتَّى تَرَى رَجُلاً مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ يُبَايَعُ لَهُ بَيْنَ اَلرُّكْنِ وَاَلمَقَامِ، مَعَهُ سِلَاحُ رَسُولِ اَلله [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)]، وَمِغْفَرُ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَدِرْعُ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَسَيْفُ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)».
وراجع: تفسير العيَّاشي (ج 1/ ص 64 - 66/ ح 117).
ورايته(411)، وعهده(412)، ومواريثه(413)، وكُتُب سيِّد الأوصياء أمير المؤمنين(عليه السلام)(414).
تنصره ملائكة بدر الكبرى في حروبه(415).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(411) روى العيَّاشي (رحمه الله) في تفسيره (ج 1/ ص 103/ ح 302) عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ: «يَا أَبَا حَمْزَةَ، كَأَنِّي بِقَائِمِ أَهْلِ بَيْتِي قَدْ عَلَا نَجَفَكُمْ، فَإِذَا عَلاَ نَجَفِكُمْ نَشَرَ رَايَةَ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَإِذَا نَشَرَهَا اِنْحَطَّتْ عَلَيْهِ مَلَائِكَةُ بَدْرٍ»؛ ورواه بتفاوت النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 321/ باب 20/ ح 3)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 672/ باب 58/ ح 23).
وراجع: تفسير العيَّاشي (ج 1/ ص 64 - 66/ ح 117، وج 2/ ص 261/ ح 34).
(412) روى العيَّاشي (رحمه الله) في تفسيره (ج 1/ ص 64 - 66/ ح 117) عَنْ جَابِرٍ اَلْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «... ثُمَّ يَخْرُجُ - أي الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) - مِنْ مَكَّةَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ اَلثَّلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ يُبَايِعُونَهُ بَيْنَ اَلرُّكْنِ وَاَلمَقَامِ، وَمَعَهُ عَهْدُ نَبِيِّ اَلله وَرَايَتُهُ وَسِلَاحُهُ، وَوَزِيرُهُ مَعَهُ، فَيُنَادِي اَلمُنَادِي بِمَكَّةَ بِاسْمِهِ وَأَمْرِهِ مِنَ اَلسَّمَاءِ حَتَّى يُسْمِعَهُ أَهْلَ اَلْأَرْضِ كُلَّهُمْ، اِسْمُهُ اِسْمُ نَبِيٍّ، مَا أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ فَلَمْ يُشْكِلْ عَلَيْكُمْ عَهْدُ نَبِيِّ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَرَايَتُهُ وَسِلَاحُهُ، وَاَلنَّفْسُ اَلزَّكِيَّةُ مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ، فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ هَذَا فَلَا يُشْكِلُ عَلَيْكُمْ اَلصَّوْتُ مِنَ اَلسَّمَاءِ بِاسْمِهِ وَأَمْرِهِ، وَإِيَّاكَ وَشُذَّاذاً مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّ لِآلِ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ رَايَةً وَلِغَيْرِهِمْ رَايَاتٌ، فَالْزَمِ اَلْأَرْضَ وَلَا تَتْبَعْ مِنْهُمْ رَجُلاً أَبَداً حَتَّى تَرَى رَجُلاً مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ مَعَهُ عَهْدُ نَبِيِّ اَلله وَرَايَتُهُ وَسِلَاحُهُ، فَإِنَّ عَهْدَ نَبِيِّ اَلله صَارَ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، ثُمَّ صَارَ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَيَفْعَلُ اَللهُ مَا يَشَاءُ...».
(413) جاء في الأُصول الستَّة عشر (ص 248/ ح 316/112) عَنْ جَابِرٍ اَلْجُعْفِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ اِبْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام): «يَا جَابِرُ، إِنَّ لِبَنِي اَلْعَبَّاسِ رَايَةً وَلِغَيْرِهِمْ رَايَاتٍ، فَإِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ - ثَلَاثاً - حَتَّى تَرَى رَجُلاً مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ يُبَايَعُ لَهُ بَيْنَ اَلرُّكْنِ وَاَلمَقَامِ، مَعَهُ سِلَاحُ رَسُولِ اَلله [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)]، وَمِغْفَرُ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَدِرْعُ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَسَيْفُ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)».
(414) روى الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 182/ ج 4/ باب 1/ ح 2) بسنده عَنْ عَبْدِ اَلمَلِكِ اِبْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: أَرَانِي أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) بَعْضَ كُتُبِ عَلِيٍّ، ثُمَّ قَالَ لِي: «لِأَيِّ شَيْءٍ كُتِبَتْ هَذِهِ اَلْكُتُبُ؟»، قُلْتُ: مَا أَبْيَنَ اَلرَّأْيَ فِيهَا، قَالَ: هَاتِ، قُلْتُ: عَلِمَ أَنَّ قَائِمَكُمْ يَقُومُ يَوْماً، فَأَحَبَّ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا فِيهَا، قَالَ: «صَدَقْتَ».
(415) روى العيَّاشي (رحمه الله) في تفسيره (ج 1/ ص 197/ ح 138) عَنْ ضُرَيْسِ بْنِ عَبْدِ اَلمَلِكِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ اَلمَلَائِكَةَ اَلَّذِينَ نَصَرُوا مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَوْمَ بَدْرٍ فِي اَلْأَرْضِ، مَا صَعِدُوا بَعْدُ وَلَا يَصْعَدُونَ حَتَّى يَنْصُرُوا صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ، وَهُمْ خَمْسَةُ آلَافٍ».
وراجع: تفسير العيَّاشي (ج 1/ ص 103/ ح 302)، والغيبة للنعماني (ص 321/ باب 20/ ح 3).
وينزل عيسى بن مريم (عليه السلام) فيُصلِّي خلفه(416)، ويفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها، فيملأها عدلاً وقسطاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً(417).
لا يرحم في سيرته أعداءَه(418)، ولكن ما أجمل عدله(419)، وقضائه(420).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(416) روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 331 و332/ باب 32/ ح 17) بسنده عَنْ أَبِي أَيُّوبَ اَلمَخْزُومِيِّ، قَالَ: ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْبَاقِرُ (عليه السلام) سَيْرَ اَلْخُلَفَاءِ اَلاِثْنَيْ عَشَرَ اَلرَّاشِدِينَ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِم)، فَلَمَّا بَلَغَ آخِرَهُمْ قَالَ: «اَلثَّانِي عَشَرَ اَلَّذِي يُصَلِّي عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (عليه السلام) خَلْفَهُ، عَلَيْكَ بِسُنَّتِهِ وَاَلْقُرْآنِ اَلْكَرِيمِ».
(417) روى الطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 455 و456/ ح 435/39) بسنده عَنْ أَبِي اَلْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «... إِنَّ اَلْقَائِمَ (عليه السلام) لَيَمْلِكُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَتِسْعَ سِنِينَ، كَمَا لَبِثَ أَصْحَابُ اَلْكَهْفِ فِي كَهْفِهِمْ، يَمْلَأُ اَلْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، وَيَفْتَحُ اَللهُ عَلَيْهِ شَرْقَ اَلْأَرْضِ وَغَرْبَهَا...»؛ ورواه الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 474/ ح 496) مختصراً.
(418) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 236 و237/ باب 13/ ح 14) بسنده عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: صَالِحٌ مِنَ اَلصَّالِحِينَ سَمِّهِ لِي - أُرِيدُ اَلْقَائِمَ (عليه السلام) -، فَقَالَ: «اِسْمُهُ اِسْمِي»، قُلْتُ: أَيَسِيرُ بِسِيرَةِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ قَالَ: «هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ يَا زُرَارَةُ، مَا يَسِيرُ بِسِيرَتِهِ»، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، لِمَ؟ قَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سَارَ فِي أُمَّتِهِ بِالمَنِّ، كَانَ يَتَأَلَّفُ اَلنَّاسَ، وَاَلْقَائِمُ يَسِيرُ بِالْقَتْلِ، بِذَاكَ أُمِرَ فِي اَلْكِتَابِ اَلَّذِي مَعَهُ أَنْ يَسِيرَ بِالْقَتْلِ، وَلَا يَسْتَتِيبَ أَحَداً، وَيْلٌ لِمَنْ نَاوَاهُ».
وراجع: الغيبة للنعماني (ص 238/ باب 13/ ح 18).
(419) روى الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 472 و473/ ح 493) بسنده عَنْ أَبِي صَادِقٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «دَوْلَتُنَا آخِرُ اَلدُّوَلِ، وَلَنْ يَبْقَ أَهْلُ بَيْتٍ لَهُمْ دَوْلَةٌ إِلَّا مُلِّكُوا قَبْلَنَا، لِئَلَّا يَقُولُوا إِذَا رَأَوْا سِيرَتَنَا: إِذَا مُلِّكْنَا سِرْنَا مِثْلَ سِيرَةِ هَؤُلَاءِ...»؛ ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 384 و385).
(420) روى السيِّد عليِّ بن عبد الحميد النيلي في سرور أهل الإيمان (ص 107) بسنده عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «يَقْضِي اَلْقَائِمُ بِقَضِيَّةٍ يُنْكِرُهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ مِمَّنْ قَدْ ضَرَبَ قُدَّامَهُ بِالسَّيْفِ، وَهُوَ قَضَاءُ آدَمَ، فَيُقَدِّمُهُمْ فَيَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ، ثُمَّ يَقْضِي اَلثَّانِيَةَ بِقَضِيَّةٍ يُنْكِرُهَا قَوْمٌ آخَرُونَ مِمَّنْ قَدْ ضَرَبَ قُدَّامَهُ بِالسَّيْفِ، وَهُوَ قَضَاءُ إِبْرَاهِيمَ، فَيُقَدِّمُهُمْ فَيَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ، ثُمَّ يَقْضِي اَلثَّالِثَةَ بِقَضِيَّةٍ فَيُنْكِرُهَا عَلَيْهِ بَعْضٌ مِمَّنْ قَدْ ضَرَبَ قُدَّامَهُ بِالسَّيْفِ، وَهُوَ قَضَاءُ دَاوُدَ، فَيُقَدِّمُهُمْ فَيَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ، ثُمَّ يَقْضِي اَلرَّابِعَةَ بِقَضِيَّةٍ، وَهُوَ قَضَاءُ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَلاَ يُنْكِرُ ذَلِكَ أَحَدٌ عَلَيْهِ».
وما أكثر عطائه(421)، لا تخشى رعيَّته فقراً، والرخاء العميم في دولته(422)، ولا كفراً؛ إذ سيُجدِّد الإسلام بعد غربته(423)، وينشره حتَّى لا يُرى - على وجه الأرض - دين غيره(424).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(421) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 242 و243/ باب 13/ ح 16) بسنده عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ اَلْبَاقِرِ (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ: عَافَاكَ اَللهُ، اِقْبِضْ مِنِّي هَذِهِ اَلْخَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهَا زَكَاةُ مَالِي، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «خُذْهَا أَنْتَ فَضَعْهَا فِي جِيرَانِكَ مِنْ أَهْلِ اَلْإِسْلاَمِ، وَاَلمَسَاكِينِ مِنْ إِخْوَانِكَ اَلمُسْلِمِينَ»، ثُمَّ قَالَ: «إِذَا قَامَ قَائِمُ أَهْلِ اَلْبَيْتِ قَسَمَ بِالسَّوِيَّةِ، وَعَدَلَ فِي اَلرَّعِيَّةِ...»، إلى أنْ قال: «وَتُجْمَعُ إِلَيْهِ أَمْوَالُ اَلدُّنْيَا مِنْ بَطْنِ اَلْأَرْضِ وَظَهْرِهَا، فَيَقُولُ لِلنَّاسِ: تَعَالَوْا إِلَى مَا قَطَعْتُمْ فِيهِ اَلْأَرْحَامَ، وَسَفَكْتُمْ فِيهِ اَلدِّمَاءَ اَلْحَرَامَ، وَرَكِبْتُمْ فِيهِ مَا حَرَّمَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ)، فَيُعْطِي شَيْئاً لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ كَانَ قَبْلَهُ، وَيَمْلَأُ اَلْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً وَنُوراً، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً وَشَرًّا»؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في علل الشرائع (ج 1/ ص 161/ باب 129/ ح 3).
(422) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 245/ باب 13/ ح 30) بسنده عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «كَأَنَّنِي بِدِينِكُمْ هَذَا لَا يَزَالُ مُتَخَضْخِضاً يَفْحَصُ بِدَمِهِ، ثُمَّ لَا يَرُدُّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا رَجُلٌ مِنَّا أَهْلَ اَلْبَيْتِ، فَيُعْطِيكُمْ فِي اَلسَّنَةِ عَطَاءَيْنِ، وَيَرْزُقُكُمْ فِي اَلشَّهْرِ رِزْقَيْنِ...».
(423) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 237 و238/ باب 13/ ح 17) بسنده عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ اَلْبَاقِرَ (عليه السلام)، فَقُلْتُ: إِذَا قَامَ اَلْقَائِمُ (عليه السلام) بِأَيِّ سِيرَةٍ يَسِيرُ فِي اَلنَّاسِ؟ فَقَالَ: «يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَيَسْتَأْنِفُ اَلْإِسْلَامَ جَدِيداً».
(424) روى الطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 455 و456/ ح 435/39) بسنده عَنْ أَبِي اَلْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «... إِنَّ اَلْقَائِمَ (عليه السلام) لَيَمْلِكُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَتِسْعَ سِنِينَ، كَمَا لَبِثَ أَصْحَابُ اَلْكَهْفِ فِي كَهْفِهِمْ، يَمْلَأُ اَلْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، وَيَفْتَحُ اَللهُ عَلَيْهِ شَرْقَ اَلْأَرْضِ وَغَرْبَهَا، يَقْتُلُ اَلنَّاسَ حَتَّى لَا يُرَى إِلَّا دَيْنُ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)...»؛ ورواه الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 474/ ح 496) مختصراً.
وسيدعو الخلق إلى كتاب الله، وسُنَّة رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والولاية لأمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) والبراءة من أعدائه(425).
وأوَّل ما يزور من العراق النجف(426)، ثمّ يجعل الكوفة عاصمته، ويختار فيها منزله(427).
ومن أدركه فليُسلِّم عليه بقوله: «اَلسَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ بَيْتِ اَلنُّبُوَّةِ، وَمَعْدِنَ العِلْمِ، وَمَوْضِعَ اَلرِّسَالَةِ»(428).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(425) روى العيَّاشي (رحمه الله) في تفسيره (ج 2/ ص 56 - 61/ ح 49) عَنْ عَبْدِ اَلْأَعْلَى اَلْحَلَبِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): ««ثُمَّ يَنْطَلِقُ - أي الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) - فَيَدْعُو اَلنَّاسَ إِلَى كِتَابِ اَلله وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ (عَلَيْهِ وَآلِهِ اَلسَّلَامُ)، وَاَلْوَلَايَةِ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، وَاَلْبَرَاءَةِ مِنْ عَدُوِّهِ، وَلَا يُسَمِّي أَحَداً حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى اَلْبَيْدَاءِ...»، إلى أنْ قال: «ثُمَّ يَنْطَلِقُ يَدْعُو اَلنَّاسَ إِلَى كِتَابِ اَلله وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَاَلْوَلَايَةِ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) وَاَلْبَرَاءَةِ مِنْ عَدُوِّهِ...».
(426) بصائر الدرجات (ص 208/ ج 4/ باب 4/ ح 54) بسنده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «إِذَا قَامَ اَلْقَائِمُ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى اَلْكُوفَةِ نَادَى مُنَادِيهِ: أَلَا لَا يَحْمِلُ أَحَدٌ مِنْكُمْ طَعَاماً وَلَا شَرَاباً، وَيَحْمِلُ حَجَرَ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَهُوَ وِقْرُ بَعِيرٍ، وَلَا يَنْزِلُ مَنْزِلاً إِلَّا اِنْبَعَثَ عَيْنٌ مِنْهُ، فَمَنْ كَانَ جَائِعاً شَبِعَ، وَمَنْ كَانَ ظَمْآناً رُوِيَ، فَهُوَ زَادُهُمْ حَتَّى نَزَلُوا اَلنَّجَفَ مِنْ ظَهْرِ اَلْكُوفَةِ»؛ ورواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 231/ باب ما عند الأئمَّة من آيات الأنبياء (عليهم السلام)/ ح 3)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 244/ باب 13/ ح 28)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 670 و671/ باب 58/ ح 17). وراجع: تفسير العيَّاشي (ج 1/ ص 103/ ح 302)، والغيبة للنعماني (ص 321/ باب 19/ ح 3)، والإرشاد (ج 2/ ص 379 و380).
(427) روى الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 475/ ح 498) بسنده عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: «إِذَا قَامَ اَلْقَائِمُ (عليه السلام) دَخَلَ اَلْكُوفَةَ...»، إلى أنْ قال: «ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إِلَى اَلْكُوفَةِ فَيَنْزِلُهَا، وَتَكُونُ دَارُهُ...».
وراجع: كامل الزيارات (ص 76/ ح 69/12)، والإرشاد (ج 2/ ص 380)، وتهذيب الأحكام (ج 6/ ص 31/ ح 57/1).
(428) روى الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 471 و472/ ح 490) بسنده عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ قَائِمَنَا فَلْيَقُلْ حِينَ يَرَاهُ: اَلسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ بَيْتِ اَلنُّبُوَّةِ...»؛ وروى بتفاوت يسير الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 653/ باب 57/ ح 18).
وهذا غيض من فيض، اغترفتاه على عجل من بحر الإمام الباقر (عليه السلام) وحده، لخَّصنا فيه مضامين بعض أحاديثه الشريفة في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وما تركناه أكثر وأكثر.
وقد توزَّع ما ذكرناه على خمسين رجلاً من أصحابه (عليه السلام)، وهم:
1 - أبو أيُّوب المخزومي.
2 - أبو بصير.
3 - أبو بكر الحضرمي.
4 - أبو الجارود.
5 - أبو حمزة الثمالي.
6 - أبو خالد الكابلي.
7 - أبو عبيدة الحذَّاء.
8 - أبو مريم عبد الغفَّار بن القاسم.
9 - أحمد بن عمر.
10 - إسماعيل الجعفي.
11 - بدر بن الخليل الأزدي.
12 - بريد العجلي.
13 - بشير بن أبي أراكة النبَّال.
14 - بكير بن أعين.
15 - ثابت بن عمرو.
16 - جابر الجعفي.
17 - حصين الثعلبي.
18 - حمران بن أعين.
19 - زرارة بن أعين.
20 - زيد الكناسي.
21 - سالم الأشلّ.
22 - سلام ابن أبي عميرة.
23 - سلام بن المستنير.
24 - سليمان بن الحسن.
25 - سليمان بن خالد.
26 - سيف بن عميرة.
27 - شرحبيل.
28 - صالح بن ميثم.
29 - ضريس بن عبد المَلِك الكناسي.
30 - عبد الله بن أبي يعفور.
31 - عبد الله بن حمَّاد الأنصاري.
32 - عبد الله بن عطاء.
33 - عبد الحميد الواسطي.
34 - عبد الرحيم القصير.
35 - عبد المَلِك بن أعين.
36 - علقمة بن محمّد الحضرمي.
37 - عمَّار الدهني.
38 - عمرو بن عبد الله بن هند الجملي.
39 - مالك الجهني.
40 - محمّد بن عليٍّ السلمي.
41 - محمّد بن فضل.
42 - محمّد بن مسلم الثقفي.
43 - معروف بن خرَّبوذ.
44 - منصور الصيقل.
45 - ميمون البان.
46 - ناجية القطَّان.
47 - هارون بن هلال.
48 - يحيى بن أبي العلاء.
49 - يحيى بن سابق.
50 - يحيى بن سالم.
وبهذا يتبيَّن لك مذهب الإمام الباقر (عليه السلام) في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وبه تتَّضح قيمة ما رواه ابن سعد في (طبقاته) أوَّلاً، وما أخرجه ابن عساكر ثانياً، من أُكذوبتين ما أنزل الله بهما من سلطان.
على أنَّ مسلمة بن أبي سعيد الذي روى عنه ابن سعد، لا خير فيه عندهم، وأهمله أكثرهم.
ومولى هند بنت أسماء الذي أخرج له ابن عساكر، لا عين له ولا أثر في مصادرهم، فهو نكرة مهمل غارق في الإهمال.
ونكتفي بهذا القدر في إبطال ما نسبوه إلى الإمام الباقر (عليه السلام)، لنرى الأقوال الواردة في تعزيز القول بمهدويَّة عمر بن عبد العزيز، وقد نُسِبَت إلى بعض التابعين وغيرهم، ولم يثبت معظمها، لضعف رواتها:
رابعاً: الأقوال الواردة في مهدويَّة عمر بن عبد العزيز:
ومن الأقوال الواردة في مهدويَّة عمر بن العزيز الأُموي المرواني:
1 - قول الحسن البصري: (ما أرى مهديًّا، فهو عمر بن عبد العزيز)(429).
وقوله: (إنْ كان مهديٌّ فعمر بن عبد العزيز، وإلَّا فلا مهدي إلَّا عيسى ابن مريم (عليه السلام))(430).
2 - قول أبي قلابة: (عمر بن عبد العزيز هو المهديُّ حقًّا)(431).
3 - قول قتادة: (كان يُقال: المهديُّ ابن أربعين سنة، يعمل بأعمال بني إسرائيل، فإنْ لم يكن عمر فلا أدري من هو)(432).
4 - قول وهب بن منبِّه: (إنْ كان في هذه الأُمَّة مهديٌّ فهو عمر بن عبد العزيز)(433).
وقال ابن كثير في (البداية والنهاية) بعدما أورد قول وهب بن منبِّه: (ونحو هذا قال قتادة وسعيد بن المسيّب وغير واحد)(434).
5 - قول سعيد بن المسيّب لرجل سأله: من المهديُّ؟ فقال: (عمر بن عبد العزيز هو المهدي)(435).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(429) الفتن لنعيم بن حمَّاد (ص 230).
(430) حلية الأولياء (ج 5/ ص 257)، تاريخ مدينة دمشق (ج 45/ ص 186/ الرقم 5242)، تاريخ الخلفاء (ص 254).
(431) الفتن لنعيم بن حمَّاد (ص 230).
(432) السُّنَن الواردة في الفتن (ج 5/ ص ١٠٧٤/ ح 588)، تاريخ مدينة دمشق (ج 45/ ص 187/ الرقم 5242).
(433) حلية الأولياء (ج 5/ ص 254)، تاريخ مدينة دمشق (ج 45/ ص 187/ الرقم 5242)، تاريخ الخلفاء (ص 253).
(434) البداية والنهاية (ج 9/ ص 225)، في حوادث سنة (101هـ)، في ترجمة عمر بن عبد العزيز، فصل: (وقد كان منتظَراً فيما يُؤثَر من الأخبار)!
(435) طبقات ابن سعد (ج 5/ص 333)، تاريخ مدينة دمشق (ج 45/ص 188/الرقم 5242).
خامساً: من ردَّ هذه الأقوال ورفضها من العامَّة:
رفض طاووس كلَّ هذه الأقوال حين سأله إبراهيم بن ميسرة، قال: قلت لطاووس: عمر بن عبد العزيز المهدي؟ قال: (قد كان مهديًّا وليس به، إنَّ المهدي إذا كان زيد المحسن في إحسانه، وتيب عن المسيء من إساءته، وهو يبذل المال، ويشتدُّ على العُمَّال، ويرحم المساكين)(436).
ورواه ابن حمَّاد من طريق آخر بلفظ: قلت لطاووس: عمر بن عبد العزيز المهديُّ؟ قال: (لا إنَّه لم يستكمل العدل كلَّه)(437).
وعلَّق عليه السمهودي بقوله: (أي: بل هو مهديٌّ من جملة المهديِّين غير الموعود به في آخر الزمان...، قال أحمد - في إحدى الروايتين عنه - وغيره: عمر ابن عبد العزيز منهم)(438).
ومن الواضح إمكان إضافة العشرات من علماء العامَّة إلى قائمة تكذيب القول بمهدويَّة عمر بن عبد العزيز، وهم مَنْ رووا أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) في تلك الفترة، وما أكثرهم، بل لا يوجد من العامَّة ولا من غيرهم - اليوم - من يقول البتَّة بتلك المهدويَّة الزائفة التي انتهت بموته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(436) المصنَّف لابن أبي شيبة (ج 8/ ص 679/ ح 198)، عنه العرف الوردي (ص 159/ ح 215)، والقول المختصر (ص 153)؛ ورواه بتفاوت يسير نعيم بن حمَّاد في الفتن: (ص 230).
(437) الفتن لنعيم بن حمَّاد (ص 222)؛ ورواه بتفاوت يسير الأزرقي في أخبار مكَّة (ج 1/ ص 316)، والبلخي في البدء والتاريخ (ج 2/ ص 182)، والمقدسي الشافعي في عقد الدُّرَر (ص 34)، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (ج 45/ ص 189/ الرقم 5242)، والذهبي في تاريخ الإسلام (ج 7/ ص 197)، وفي سِيَر أعلام النبلاء (ج 5/ ص 130)، وابن كثير في البداية والنهاية (ج 9/ ص 225)، والسيوطي في تاريخ الخلفاء (ص 256)، وفي العرف الوردي (ص 159/ ح 216)، وابن حجر الهيتمي في القول المختصر (ص 153)، وفي الصواعق المحرقة (ص 165).
(438) جواهر العقدين (ج 2/ ص 200/ القسم الثاني من الفصل الثالث).
سادساً: المهدويَّة الأمويَّة المروانيَّة في الميزان:
إنَّا لا نحتاج - في الواقع - إلى ما قاله طاووس وغيره في الردِّ على مهدويَّة عمر بن عبد العزيز؛ إذ لم تكن الأُمَّة الإسلاميَّة - في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) (114 - 148هـ) - بحاجة إلى مَنْ يُبيِّن لها زيف تلك الأقوال ووهنها؛ لعلم الأُمَّة - حينئذٍ - بأنَّ عمر بن عبد العزيز الأُموي قد تولَّى السلطة سنة (99هـ)، ومات سنة (101هـ)، وأنَّه جاء إليها بعهد من سليمان بن عبد المَلِك الأُموي (96 - 99هـ)، وقد بايع الأُمويُّون لمن في كتاب العهد الذي كتبه سليمان بيده ثمّ ختمه، ولم يفضّه أحد إلى أنْ هلك هذا الطاغية سنة (99هـ) باتِّفاق المؤرِّخين.
ومع أنَّ الأُمويِّين ليسوا من أهل الحلِّ والعقد، فهم لم يعرفوا لمن بايعوا إلَّا بعد هلاك سليمان!
وقد كان (المهدي الأُموي) يعتقد بأنَّ سليمان بن عبد المَلِك إمام مفروض الطاعة(439)! في الوقت الذي وصفه الحديث بأنَّه ثاني الجبَّارين(440) الأربعة من ولد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(439) منع عمر بن عبد العزيز مروان بن عبد المَلِك من الردِّ على أخيه سليمان بن عبد المَلِك في كلام وقع بينهما، قائلاً له: (أنشدك الله، إمامك وأخوك، وله السنُّ)! راجع: تاريخ الإسلام (ج 6/ ص 474/ ح 404)، وتاريخ الخلفاء (ص 248).
(440) سليمان هذا أحد الجبابرة الأربعة من ولد عبد المَلِك بن مروان، وهم: (الوليد، وسليمان، ويزيد، وهشام)، وقد وصفهم الحديث بـ (الجبابرة الأربعة)، أخرجه نعيم بن حمَّاد في الفتن (ص 73)، والطبراني في المعجم الكبير (ج 12/ ص 182 و183، وج 19/ ص 382 و383)، والبيهقي في دلائل النبوَّة (ج 6/ ص 507 و508)، والخوارزمي في مقتل الحسين (عليه السلام) (ج 1/ ص 253 و254/ ح 3)، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (ج 37/ ص 126 و127، وج 57/ ص 252)، وابن كثير في البداية والنهاية (ج 6/ ص 272، وج 8/ ص 284، وج 10/ ص 52)، والهيثمي في مجمع الزوائد (ج 5/ ص 243)، والمقريزي في إمتاع الأسماع (ج 12/ ص 278 و279)، وفي النزاع والتخاصم (ص 84)، والسيوطي في الخصائص الكبرى (ج 2/ ص 117 و118)، والصالحي الشامي في سُبُل الهدى والرشاد (ج 10/ ص 90)، والمتَّقي الهندي في كنز العُمَّال (ج 11/ ص 361/ ح 31745)، فراجع.
عبد المَلِك بن مروان، وأنَّ معاوية الوغد كان كذلك في عقيدته، حتَّى إنَّه ما ضرب أحداً في سلطانه غير رجل واحد تناول من معاوية، فضربه هذا (المهديُّ) ثلاثة أسواط(441)!
ومن ثَمَّ سلَّمها (مهدي الأُمويِّين) - عند احتضاره - إلى الجبَّار الثالث يزيد بن عبد المَلِك (101 - 105هـ)، وعلى وفق ما رسم له من قِبَل الجبَّار الثاني سليمان، وهكذا أبقاها عمر بن عبد العزيز في الشجرة الملعونة كعلامة فارقة من علامات (عدله) الذي اغترَّ به الكثيرون.
نعم، لم تكن الأُمَّة بحاجة إلى مَنْ يدلُّها على زيف التاريخ الأُموي، وانحراف صانعيه وعتوِّهم وكفرهم ونفاقهم واستسلامهم لا إسلامهم منذ أنْ بزغ نجمهم على يد باغيتهم، وانتهاءً بقتل حمارهم وانقضاء دولتهم التي مزَّقت مُثُل الإسلام أيَّ ممزَّق، وعادت بالمجتمع الإسلامي إلى حضيض الجاهليَّة، ونقضت الإسلام عروة فعروة، حتَّى صارت كلمة (أُموي) وحدها كافية على انحراف من تُطلَق عليه واستهتاره بكلِّ القِيَم إلَّا من خرج بدليل منهم، وقليل ما هم. فلا غرو إذن في أنْ تشمئزَّ من ذكرها النفوس، وتقشعرَّ الأبدان.
والنبيُّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي بشَّر بمهدي أهل البيت (عليهم السلام) حذَّر أُمَّته من الأُمويِّين، بأنَّهم ليسوا من خلفاء هذه الأُمَّة، وإنَّما هم من الملوك، وأنَّ ملكهم عضوض كسروي(442).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(441) طبقات ابن سعد (ج 5/ ص 384)، تاريخ مدينة دمشق (ج 7/ ص 231)، إكمال تهذيب الكمال (ج 1/ ص 303)، تاريخ الخلفاء (ص 258).
(442) كما في حديث سفينة عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المرويِّ في: مسند أبي داود الطيالسي (ص 151)، والفتن لنعيم بن حمَّاد (ص 418 و419)، ومسند ابن الجعد (ص 479)، ومسند ابن راهويه (ج 4/ ص 163 و164/ ح 132/1944)، ومسند أحمد (ج 36/ ص 248 و252 و256/ ح 21919 و21923 و21928)، وسُنَن أبي داود (ج 2/ ص 401/ ح 4646 و4647)، وسُنَن الترمذي (ج 3/ ص 341/ ح 2326)، والسُّنة لابن أبي عاصم (ص 548 و549 و550/ ح 1181 و1185)، والآحاد والمثاني (ج 1/ ص 116 و129/ ح 113 و139 و140)، وسُنَن النسائي (ج 5/ ص 47/ ح 8155)، وصحيح ابن حبَّان (ج 15/ ص 35)، والمعجم الكبير للطبراني (ج 1/ ص 55)، ومستدرك الحاكم (ج 3/ ص 145).
وحديث أبي هريرة المرويِّ في: الفتن لنعيم بن حمَّاد (ص 57)، ومستدرك الحاكم (ج 3/ ص 72)، ودلائل النبوَّة (ج 6/ ص 447)، وجامع بيان العلم (ج 2/ ص 186)، وتاريخ مدينة دمشق (ج 1/ ص 183 و184)، والبداية والنهاية (ج 6/ ص 246 و247، وج 8/ ص 22)، وإمتاع الأسماع (ج 12/ ص 209)، والخصائص الكبرى (ج 2/ ص 116)، وكنز العُمَّال (ج 6/ ص 88/ ح 14966).
وقد رآهم النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في منامه، وهم ينزون على منبره الشريف نزو القردة، فساءه ذلك، فما استجمع ضاحكاً حتَّى فارق الحياة (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنزل الله تعالى في ذلك: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ﴾ (الإسراء: 60)، أي: بنو أُميَّة(443).
وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في بني أُميَّة: إنَّهم «يَرُدُّونَ النَّاسَ عَنِ الإِسْلَامِ القَهْقَرَى»(444)، أو: «يَرُدُّونَ النَّاسَ عَلَى أَعْقَابِهِم القَهْقَرَى»(445).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(443) راجع: تفسير الطبري (ج 15/ ص 141/ ح 16930)، وتفسير الثعلبي (ج 6/ ص 111)، والمحرَّر الوجيز (ج 3/ ص 468)، وتفسير الرازي (ج 20/ ص 236)، وتفسير القرطبي (ج 10/ ص 283)، وتفسير نظَّام الأعرج (ج 4/ ص 361)، وتفسير البحر المحيط (ج 6/ ص 53)، وتفسير ابن كثير (ج 3/ ص 52)، والدُّرّ المنثور (ج 4/ ص 191). وكذلك: تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 297 و298/ ح 93 - 101)، وتفسير القمِّي (ج 2/ ص 21)، وتفسير التبيان (ج 6/ ص 494)، ومجمع البيان (ج 6/ ص 266)؛ كلُّهم في تفسير الآية (60) من سورة الإسراء.
وقد روى ذلك الحاكم النيسابوري في مستدركه بسنده عن أبي هريرة مرفوعاً، وقال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يُخرِّجاه)، واعترف الذهبي في خلاصة المستدرك بأنَّه صحيح على شرط مسلم)، راجع: مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 480).
(444) الكافي (ج 8/ ص 345/ 543).
(445) تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 298).
وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِذَا بَلَغَتْ بَنُو أُمَيَّةَ أَرْبَعِينَ [رَجُلاً] اِتَّخَذُوا عِبَادَ اَلله خِوَلاً، وَمَالَ اَلله نَحْلاً، وَكِتَابَ اَلله دَغَلاً»(446).
وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «هَلَاكُ هَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى يَدَيْ أُغَيْلِمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ»(447)، أخرجه الحاكم ثمّ قال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرِّجاه.
ولهذا الحديث توابع وشواهد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وصحابته الطاهرين والأئمَّة من التابعين لم يسعني إلَّا ذكرها، فذكرت بعض ما حضرني منها)(448).
ثمّ ذكر جملة من تلك الأحاديث، ولا بأس بالإشارة السريعة إليها، وهي:
1 - حديث عبد الرحمن بن عوف، قال: كان لا يُولَد لأحد مولود إلَّا أتى به النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فدعا له، فأُدخل عليه مروان بن الحَكَم - جدُّ عمر بن عبد العزيز -، فقال [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)]: «هُوَ الوَزَغُ اِبْنُ الوَزَغِ، اَلمَلْعُونُ اِبْنُ اَلمَلْعُونِ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(446) مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 479)؛ ورواه نعيم بن حمَّاد في الفتن (ص 72)، والطبراني في مسند الشاميِّين (ج 2/ ص 338/ ح 1451)، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (ج 57/ ص 253)، والذهبي في تاريخ الإسلام (ج 5/ ص 233)، وابن كثير في البداية والنهاية (ج 6/ ص 271)، والمقريزي في إمتاع الأسماع (ج 12/ ص 275)، والسيوطي في الخصائص الكبرى (ج 2/ ص 118)، والصالحي الشامي في سُبُل الهدى والرشاد (ج 10/ ص 90)، والمتَّقي الهندي في كنز العُمَّال (ج 11/ ص 165/ ح 31058).
(447) مسند أبي داود الطيالسي (ص 327)، الفتن لنعيم بن حمَّاد (ص 73)، مسند ابن راهويه (ج 1/ ص 359/ ح 363)، مسند أحمد (ج 16/ ص 430 و431/ ح 10737)، صحيح البخاري (ج 6/ ص 52/ ح 3225)، التاريخ الكبير للبخاري (ج 3/ ص 499/ ح 1662، وج 7/ ص 309/ ح 1315)، صحيح ابن حبَّان (ج 15/ ص 107)، المعجم الكبير للطبراني (ج 1/ ص 200)، العسل المصفَّى (ج 1/ ص 120 و121/ ح 25)، مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 470 و479 و527)، دلائل النبوَّة (ج 6/ ص 464)، كشف المشكل (ج 3/ ص 471/ ح 1941/2392)، بألفاظ متقاربة.
(448) مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 479).
قال الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يُخرِّجاه)(449).
2 - وحديث أبي ذرٍّ، قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: «إِذَا بَلَغَ بَنُو أَبِي العَاصِ ثَلَاثِينَ رَجُلاً اِتَّخَذُوا مَالَ اَلله دُوَلاً، وعِبَادَ اَلله خِوَلاً، وَدِينَ اَلله دَغَلاً».
قال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يُخرِّجاه)(450).
وقد أخرج له الحاكم شاهداً من رواية أبي سعيد(451).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(449) مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 479)؛ ورواه نعيم بن حمَّاد في الفتن (ص 73)، والعاصمي في العسل المصفَّى (ج 2/ ص 158 - 164/ ح 401)، والدميري في حياة الحيوان (ج 1/ ص 95، وج 2/ ص 545)، والمقريزي في إمتاع الأسماع (ج 12/ ص 275)، والباعوني في جواهر المطالب (ج 2/ ص 191)، وابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة (ص 181)، والمناوي في فيض القدير (ج 2/ ص 76).
(450) مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 479 و480)، وقد اعترف الذهبي بصحَّته على شرط مسلم.
ورواه ابن أعثم في الفتوح (ج 2/ ص 374)، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (ج 3/ ص 56، وج 8/ ص 258)، والمحبُّ الطبري في الرياض النضرة (ج 3/ ص 83 و84)، والمقريزي في إمتاع الأسماع (ج 12/ ص 276)، والرياربكري في تاريخ الخميس (ج 2/ ص 269).
ورواه عن أبي هريرة: أبو يعلى في مسنده (ج 11/ ص 402/ ح 6523)، والزمخشري في الفائق (ج 1/ ص 364)، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (ج 57/ ص 254)، ومجد الدِّين ابن الأثير في النهاية (ج 2/ ص 88 و108، وج 5/ ص 29)، وابن منظور في لسان العرب (ج 11/ ص 225 و241 و650)، والذهبي في سِيَر أعلام النبلاء (ج 3/ ص 478)، وابن كثير في البداية والنهاية (ج 8/ ص 284)، والمتَّقي الهندي في كنز العُمَّال (ج 11/ ص 165/ ح 31055).
ورواه عن خبيب: ابن الجوزي في المنتظم في تاريخ الأُمَم والملوك (ج 6/ ص 309).
(451) مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 480)؛ ورواه الطبراني في المعجم الصغير (ج 2/ ص 135)، والبيهقي في دلائل النبوَّة (ج 6/ ص 507)، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (ج 57/ ص 252)، والذهبي في تاريخ الإسلام (ج 5/ ص 232)، وابن كثير في البداية والنهاية (ج 6/ ص 271، وج 8/ ص 284)، والمقريزي في إمتاع الأسماع (ج 12/ ص 276)، والسيوطي في الخصائص الكبرى (ج 2/ ص 117)، والمتَّقي الهندي في كنز العُمَّال (ج 11/ ص 117 و165/ ح 30846 و31057).
3 - وحديث أبي برزة، قال: (كان أبغض الأحياء إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): بنو أُميَّة، وبنو حنيفة، وثقيف).
قال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يُخرِّجاه)(452).
4 - وحديث محمّد بن زياد، قال: (لـمَّا بايع معاوية لابنه يزيد، قال مروان: سُنَّة أبي بكر وعمر، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: سُنَّة هرقل وقيصر، [فقال مروان]: أنزل ألله فيك: ﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا﴾ [الأحقاف: 17])، قال: (فبلغ عائشة، فقالت: كذب والله، ما هو به، ولكن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعن أبا مروان ومروان في صلبه، فمروان قصص من لعنة الله (عزَّ وجلَّ)).
قال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يُخرِّجاه)(453).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(452) مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 480 و481)، وقد اعترف الذهبي بصحَّته على شرط البخاري ومسلم معاً.
ورواه أبو يعلى في مسنده (ج 13/ ص 417/ ح 7421)، وابن قانع البغدادي في معجم الصحابة (ج 9/ ص 3340/ ح 1044)، والمقريزي في إمتاع الأسماع (ج 12/ ص 273).
هذا، وقد رواه أحمد بن حنبل في مسنده (ج 33/ ص 19/ ح 19775)، والهيثمي في مجمع الزوائد (ج 10/ ص 71)، بحذف لفظ: (بنو أُميَّة)، والبخاري في التاريخ الكبير (ج 5/ ص 317/ ح 1004) بحذف لفظ: (بنو أُميَّة وثقيف).
(453) مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 481)؛ ورواه النسائي في تفسيره (ج 2/ ص 290/ ح 511)، والزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار (ج 3/ ص 281 و282/ ح 1188)، وابن كثير في تفسيره (ج 4/ ص 171 و172)، والدميري في حياة الحيوان (ج 2/ ص 545)، والمقريزي في إمتاع الأسماع (ج 12/ ص 277)، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري (ج 8/ ص 443)، والعيني في عمدة القاري (ج 19/ ص 169)، والباعوني في جواهر المطالب (ج 2/ ص 191 و192)، والإيجي الشيرازي في تفسيره (ج 1/ ص 128)، والسيوطي في تاريخ الخلفاء (ص 221 و222)، وفي الدُّرِّ المنثور (ج 6/ ص 41)، وابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة (ص 181).
وقد أخرج الطبراني عن الإمام الحسن السبط (عليه السلام) قوله لمروان: «فَوَاَلله لَقَدْ لَعَنَكَ اَللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَأَنْتَ فِي صُلْبِ أَبِيكَ»(454).
5 - وحديث عمرو بن مرَّة الجهني، قال: إنَّ الحَكَم بن أبي العاص استأذن على النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فعرف النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) صوته وكلامه، فقال: «اِئْذَنُوا لَهُ، عَلَيْهِ لَعْنَةُ اَلله وَعَلَى مَنْ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ إِلَّا اَلمُؤْمِنَ مِنْهُمْ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ، يُشَرَّفُونَ فِي اَلدُّنْيَا وَيَضَعُونَ في الآخرة، ذَوو مَكْرٍ وَخَدِيِعَةٍ، يُعْطَوْنَ فِي اَلدُّنْيَا، وَمَا لَهُمْ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ».
قال الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يُخرِّجاه. وشاهده حديث عبد الله بن الزبير)، ثمّ أورد حديث ابن الزبير، وفيه: (إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعن الحَكَم وولده)، وقال: (هذا الحديث صحيح الإسناد، ولم يُخرِّجاه)(455).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(454) المعجم الكبير للطبراني (ج 3/ ص 85/ ح 2740)؛ ورواه أبو يعلى في مسنده (ج 12/ ص 135/ ح 6764)، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (ج 57/ ص 245)، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب (ص 375)، والهيثمي في مجمع الزوائد (ج 5/ ص 240، وج 10/ ص 72)، والمتَّقي الهندي في كنز العُمَّال (ج 11/ ص 357/ ح 31730).
(455) مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 481 و482)، وقال الحاكم في ذيل الحديث: (ليعلم طالب العلم أنَّ هذا باب لم أذكر فيه ثلث ما روي، وأنَّ أوَّل الفتن في هذه الأُمَّة فتنتهم، ولم يسعني فيما بيني وبين الله تعالى أنْ أُخلي الكتاب من ذكرهم).
وروى حديث عمرو بن مرَّة الجهني: البلاذري في أنساب الأشراف (ج 6/ ص 256)، والبيهقي في دلائل النبوَّة (ج 6/ ص 512)، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (ج 57/ ص 268)، وابن كثير في البداية والنهاية (ج 6/ ص 272)، والهيثمي في مجمع الزوائد (ج 5/ ص 242 و243)، والدميري في حياة الحيوان (ج 1/ ص 95، وج 2/ ص 546)، والمقريزي في إمتاع الأسماع (ج 12/ ص 277)، والباعوني في جواهر المطالب (ج 2/ ص 192)، والسيوطي في الخصائص الكبرى (ج 2/ ص 118)، وابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة (ص 181)، والمتَّقي الهندي في كنز العُمَّال (ج 11/ ص 357/ ح 31729).
وروى حديث عبد الله بن الزبير: المقريزي في إمتاع الأسماع (ج 12/ ص 278).
ومن مقارنة هذا الشاهد بحديث عمرو بن مرَّة الجهني، يتقوَّى احتمال زيادة عبارة: «إِلَّا اَلمُؤْمِنَ مِنْهُمْ، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ» على حديث الجهني، خصوصاً وأنَّ لعن بني أُميَّة قاطبةً قد صحَّ من طُرُقنا، فلاحظ.
هذا، وقد روى الحاكم - في مكان آخر - عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِنَّ أَهْلَ بَيْتِي سَيَلْقَوْنَ مِنْ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي قَتْلاً وَتَشْرِيداً، وَإِنَّ أَشَدَّ قَوْمِنَا لَنَا بُغْضاً: بَنُو أُمَيَّة، وَبَنُو اَلمُغَيْرَةِ، وَبَنُو مَخْزُومٍ».
قال الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يُخرِّجاه)(456).
وحين أُخِذَ مروان بن الحَكَم أسيراً يوم الجمل، وخلَّى سبيله أمير المؤمنين عليٌّ (عليه السلام)، فقيل له: يُبَايِعُكَ، يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ (عليه السلام): «أَوَلَمْ يُبَايِعْنِي بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ؟ لَا حَاجَةَ لِي فِي بَيْعَتِه، إِنَّهَا كَفٌّ يَهُودِيَّةٌ، لَوْ بَايَعَنِي بِكَفِّه لَغَدَرَ بِسَبَّتِه، أَمَا إِنَّ لَه إِمْرَةً كَلَعْقَةِ الكَلْبِ أَنْفَه، وَهُوَ أَبُو الأَكْبُشِ الأَرْبَعَةِ - يعني: الوليد، وسليمان، ويزيد، وهشام -، وَسَتَلْقَى الأُمَّةُ مِنْه وَمِنْ وَلَدِه يَوْماً أَحْمَرَ»(457).
وقد وصف أمير المؤمنين عليٌّ (عليه السلام) فتنتهم بقوله (عليه السلام): «... أَلَا وَإِنَّ أَخْوَفَ الفِتَنِ عِنْدِي عَلَيْكُمْ فِتْنَةُ بَنِي أُمَيَّةَ، فَإِنَّهَا فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ مُظْلِمَةٌ...، وَأَيْمُ الله لَتَجِدُنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَكُمْ أَرْبَابَ سُوءٍ بَعْدِي كَالنَّابِ الضَّرُوسِ...، لَا يَزَالُونَ بِكُمْ حَتَّى لَا يَتْرُكُوا مِنْكُمْ إِلَّا نَافِعاً لَهُمْ أَوْ غَيْرَ ضَائِرٍ بِهِمْ، وَلَا يَزَالُ بَلَاؤُهُمْ عَنْكُمْ حَتَّى لَا يَكُونَ انْتِصَارُ أَحَدِكُمْ مِنْهُمْ إِلَّا كَانْتِصَارِ العَبْدِ مِنْ رَبِّه، وَالصَّاحِبِ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(456) مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 487)؛ ورواه نعيم بن حمَّاد في الفتن (ص 73)، والمقريزي في إمتاع الأسماع (ج 12/ ص 301)، والصالحي الشامي في سُبُل الهدى والرشاد (ج 10/ ص 152)، وابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة (ص 181 و241)، والمتَّقي الهندي في كنز العُمَّال (ج 11/ ص 169/ ح 31074).
457) نهج البلاغة (ص 102/ ح 73) من كلام له (عليه السلام) قاله لمروان بن الحَكَم بالبصرة.
مُسْتَصْحِبِه، تَرِدُ عَلَيْكُمْ فِتْنَتُهُمْ شَوْهَاءَ مَخْشِيَّةً، وَقِطَعاً جَاهِلِيَّةً، لَيْسَ فِيهَا مَنَارُ هُدًى، وَلَا عَلَمٌ يُرَى»(458).
ونتيجةً لهذه الأحاديث وغيرها ممَّا لم نذكره - وهو كثير جدًّا في مثالب بني أُميَّة جميعاً -، صار العالمون بها، والمطَّلعون على سيرة بني أُميَّة أوَّل كافر بمهدويَّة عمر بن العزيز عند لحظة انطلاقتها من على أفواه الكذَّابين والمجرمين.
جدير بالذكر أنَّ ابن المبارك (ت 181هـ) - وهو كما يقول المزِّي: (أحد الأئمَّة الأعلام، وحُفَّاظ الإسلام)(459) - يرى أنَّ معاوية - على جرائمه الكبرى، وموبقاته التي لا أوَّل لها ولا آخر - أفضل من عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحَكَم بن أبي العاص الأُموي المرواني(460).
وكان هناك مَنْ (يُفسِّق عمر بن عبد العزيز، ويستهزئ به، ويُكفِّره)(461).
فيكون عمر مع هذا هو المهديُّ؟!
سابعاً: موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من تلك المهدويَّة:
بعد اتِّضاح موقف القرآن الكريم، والسُّنَّة النبويَّة المطهَّرة من الأُمويِّين والمروانيِّين، ودولتهم (الشجرة الملعونة)، وما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام) في فتنتهم وانحرافهم، فماذا يتوقَّع بعد هذا إذن أنْ يقوله الإمام الصادق (عليه السلام) في تلك الدولة الخبيثة المنحرفة من رأسها إلى أساسها؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(458) نهج البلاغة (ص 137 و138/ الخطبة 93) في التنبيه على فضله وعلمه (عليه السلام)، مع بيان فتنة بني أُميَّة وانحراف دولتهم.
(459) تهذيب الكمال (ج 16/ ص 6/ الرقم 3520).
(460) راجع: الصواعق المحرقة (ص 213)، والدُّرَر المكنونات (ج 1/ ص 101 و112).
(461) راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج 20/ ص 32).
روى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عن الإمام الصادق (عليه السلام) بأَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَمْ يُطْلِقُوا تَعْلِيمَ الشِّرْكِ لِلنَّاسِ؛ لِكَيْ إِذَا حَمَلُوهُمْ عَلَيْه لَمْ يَعْرِفُوه(462).
وروى الحَكَمُ بْنُ سَالِمٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّا وَآلُ أَبِي سُفْيَانَ أَهْلُ بَيْتَيْنِ تَعَادَيْنَا فِي اَلل، قُلْنَا: صَدَقَ اَللهُ، وَقَالُوا: كَذَبَ اَللهُ، قَاتَلَ أَبُو سُفْيَانَ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَقَاتَلَ مُعَاوِيَةُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، وَقَاتَلَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ (عليهما السلام)، وَاَلسُّفْيَانِيُّ يُقَاتِلُ القَائِمَ (عليه السلام)»(463).
وأمَّا من اغترَّ بما ورد في سيرة عمر بن عبد العزيز من ردِّ المظالم وأشباهها كإرجاع فدك إلى بني فاطمة (عليها السلام) ووصفهم له بالعدالة!
فجوابه ما ذكرناه في أوَّل ردِّ هذه المقولة، بأنَّه استلم السلطة من الشجرة الملعونة، ومقتضى العدل أنْ يتنحَّى عنها ولا يتقدَّم - بنصِّ الحديث الصحيح - على قوم نُهِيَ من التقدُّم عليهم، أو على الأقلّ أنْ يُرجعها إليهم بعد وفاته، لا أنْ يُرجِعها إلى تلك الشجرة الخبيثة التي اجتُثَّت فما لها من قرار.
وما قيمة ردِّ المظالم في قبال اغتصاب الحقِّ الأكبر؟!
سأل عبد الأعلى مولى آل سام أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) بقوله: قُلْتُ لَه: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ﴾ [آل عمران: 26]، ألَيْسَ قَدْ آتَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) بَنِي أُمَيَّةَ المُلْكَ؟ قَالَ: «لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ إِلَيْه، إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) آتَانَا المُلْكَ وَأَخَذَتْه بَنُو أُمَيَّةَ، بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَكُونُ لَه الثَّوْبُ فَيَأْخُذُه الآخَرُ، فَلَيْسَ هُوَ لِلَّذِي أَخَذَه»(464).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(462) الكافي (ج 2/ ص 415 و416 / كتاب الإيمان والكفر/ باب نادر/ ح 1).
(463) معاني الأخبار (ص 346/ باب معنى قول الصادق (عليه السلام): «إنَّا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله (عزَّ وجلَّ)/ ح 1).
(464) الكافي (ج 8/ ص 266/ ح 389).
ومن هنا لم يتعرَّض إمامنا الصادق (عليه السلام) إلى إبطال مهدويَّة عمر بن عبد العزيز بصورة مباشرة، لعلم الأُمَّة كلِّها بذلك، وإنَّما نبَّه الأُمَّة على جرائم بني أُميَّة، ولم يستثنِ أحداً منهم قطُّ، كما هو شأن الأحاديث السابقة في مثالبهم، مبيِّناً (عليه السلام) ما يكفي لدحض كلِّ دعوى زائفة بهذا الشأن، سواء التي عاصرها أو التي جاءت بعد حين، وذلك عن طريق تصريحه تارةً بأنَّ المهدي (عجَّل الله فرجه) لم يُولَد بعد، وأُخرى بأنَّه من ذرّيَّة الحسين (عليه السلام)، وثالثة ببيان هويَّته الكاملة كما لاحظنا ذلك في الفصول السابقة، ممَّا لم يبقِ - بهذا - مجالاً لاستمرار أيَّة حجَّة للتمسُّك بأمثال تلك الدعاوى الباطلة، وغيرها من دعاوى المهدويَّة الزائفة، كما سنرى.
* * *
الفصل الثالث: شبهة مهدويَّة محمّد بن عبد الله الحسني
أوَّلاً: منشأ هذه الشبهة وتداعياتها:
اختلطت الأهداف الجهاديَّة بالسياسة المحضة وراء انطلاق إشاعة مهدويَّة محمّد بن عبد الله بن الحسن المحض بن الحسن السبط (عليه السلام)، وذلك في اجتماع الأبواء في أواخر العصر الأُموي، والذي ضمَّ وجوه بني هاشم من الحسنيِّين والزيديِّين وبني العبَّاس، بهدف تنظيم صفوفهم، والبيعة إلى واحد منهم، ودعوة الناس إلى نصرته؛ للإطاحة بالحكم الأُموي الذي أهلك الحرث والنسل، وعاث في الأرض فساداً.
وقد شجَّعهم على ذلك الثورات العلويَّة السابقة المتلاحقة التي أنهكت حكم الطاغوت، ولاح لهم في الأُفُق أنَّه بات يعدُّ أيَّامه الأخيرة؛ ليذهب وشيكاً في مزابل التاريخ بلا رجعة.
وقد تمخَّض اجتماع الهاشميِّين عن بيعتهم لمحمّد بن عبد الله بن الحسن المحض، ولُقِّب بالمهدي؛ ليقوم بدور القائد الملبِّي لطموح الأُمَّة في القضاء على البغي والعدوان، وإشاعة العدل والمساواة بين الناس. وقد اختاروا شعار: (الرضا من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)) لانطلاق دعوتهم؛ لأنَّه الشعار الذي يضمن عدم استبداد أيٍّ من الهاشميِّين على حساب بني عمومتهم، ويُمثِّل المساواة بين الأطراف المتنازعة على السلطة المرتقبة ممَّن حضر اجتماع الأبواء.
ولكن سرعان ما التفَّ العبَّاسيُّون بدهاء على ثمار تلك الدعوة التي أتت أُكُلها بقتل مروان الحمار آخر طغاة الأُمويِّين سنة (132هـ)، فاستفردوا بالسلطة، وصاروا حرباً شعواء على العلويِّين بأشدّ ممَّا كان عليه حالهم أيَّام دولة الطلقاء.
وهكذا تحقَّقت نبوءة الإمام الصادق (عليه السلام) بشأن بني الحسن في ذلك الاجتماع كما سنرى، إلَّا أنَّ القائد المنكوب محمّد بن عبد الله لم يقدر على تحمُّل الصدمة، فأخذ يعدُّ العدَّة في الخفاء للثأر من العبَّاسيِّين الذين استحوذوا على السلطة ونكثوا بيعته، وبقي هكذا إلى أنِ استخلف المنصور الدوانيقي بعد هلاك أخيه السفَّاح (132 - 136هـ)، فكان همُّه معرفة أمر محمّد وأخيه إبراهيم ابني عبد الله بن الحسن اللذين اختفيا عنه، ولم يقف أحد من عيونه على أثر لهما في أيِّ مكانٍ، وزاد من تخوُّفه أنَّ ابن عمِّهما الحسن بن زيد بن الحسن قد حرَّضه على محمّد قائلاً: (والله ما آمن وثوبه عليك، فإنَّه لا ينام عنك)، ولهذا كان موسى بن عبد الله بن الحسن يقول بعد ذلك: (اللَّهُمَّ اُطلب الحسن بن زيد بدمائنا)(465)، الأمر الذي حمل المنصور على سجن أبيه عبد الله بن الحسن وإخوته وأعمامه وبني عمومته في المدينة المنوَّرة عند مروره بها حاجًّا سنة (144هـ)، ثمّ ساقهم عند عودته من المدينة إلى الربذة مصفَّدين بالأغلال، ومنها إلى طوامير العراق في الهاشميَّة عاصمة أخيه السفَّاح. وهنا اضطرَّ القائد المنكوب إلى إرسال أخيه إبراهيم إلى البصرة، وعجَّل هو بظهوره في المدينة ليختار الموت على الحياة، ويلحق بموكب الشهداء من بني الحسن السبط (عليه السلام)(466).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(465) تاريخ الطبري (ج 6/ ص 156)، الكامل في التاريخ (ج 5/ ص 514)، تاريخ ابن خلدون (ج 3/ ص 187).
(466) لنا أنْ نتحفَّظ على ما تفضَّل به الدكتور المؤلِّف (حفظه الله) على وصف محمّد بن عبد الله بالشهادة، فإنَّ الرجل وأباه ادَّعيا منصباً إلهيًّا بغير حقِّ، فغاية ما يُقال عنه: إنَّه قُتِلاً ظلماً. (المركز).
وبهذا كانت نهايته صريعاً على أحجار الزيت، كما كانت نهاية أخيه إبراهيم بباخمرا، وحينما أدركت فلول أنصارهما المنهزمة زيف تلك المهدويَّة، وعلمت البقيَّة الباقية من بني الحسن وغيرهم صدق ما قاله الإمام (عليه السلام) من قبل في اجتماع الأبواء وغيره.
ترى، فمن كان وراء إشاعة مهدويَّة محمّد بن عبد الله الحسني التي جرَّت الويلات على الحسنيِّين؟ حتَّى حمَّ لنكبتهم الإمام الصادق (عليه السلام) زهاء عشرين يوماً، وخيف عليه(467).
لا شكَّ أنَّ وراءها أصناف من الناس اشتركت كلُّها في تلك الإشاعة، ويأتي في طليعتهم عبد الله بن الحسن؛ إذ كان يشيع بين آونة وأُخرى أنَّ ابنه محمّد هو المهدي المبشَّر بظهوره في آخر الزمان، وهو الرجل الوحيد الذي جاءت به الرواية، وكان يحلف بالله تعالى على ذلك!
قال ابن أخي الزهري: (تجالسنا بالمدينة أنا وعبد الله بن حسن، فتذاكرنا المهدي، فقال عبد الله بن حسن: المهدي من ولد الحسن بن عليٍّ [(عليهما السلام)]، فقلت: يأبى ذلك علماء أهل بيتك، فقال عبد الله: المهدي والله من ولد الحسن بن عليٍّ [(عليهما السلام)]، ثمّ من ولدي خاصَّة)(468).
هذا فضلاً عن أقواله الكثيرة الأُخرى في مهدويَّة ابنه محمّد(469).
وهكذا اغترَّت العامَّة بكلامه، وخُدِعَ حتَّى الفقهاء بها لمنزلة قائلها، وفضله، وشرفه، ونسبه الكريم، من أمثال الفقيه عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسوَّر بن مخرمة الزهري، الذي ندم على اعتقاده بمهدويَّة محمّد هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(467) الكافي (ج 1/ ص 358 - 366/ باب ما يُفصَل به بين دعوى المُحِقِّ والمُبطل.../ ح 17).
(468) تهذيب الكمال (ج 25/ص 467 و468/الرقم 5338) في ترجمة محمّد بن عبد الله بن الحسن المثنَّى.
(469) سنشير لها لاحقاً في بيان دور الإمام الصادق (عليه السلام) في إبطال تلك المهدويَّة، فلاحظ.
بعد مقتله، حيث استدعاه جعفر بن سليمان العبَّاسي والي المدينة وقال له: (ما حملك على الخروج مع محمّد على ما أنت عليه من العلم والفقه؟ قال: ما خرجت معه وأنا أشكُّ في أنَّه المهدي؛ لما روي لنا في أمره، فما زلت أرى أنَّه هو حتَّى رأيته مقتولاً، ولا اغتررت بأحد بعده)(470).
ولهذا قال الذهبي في ترجمة هذا الرجل: (له فضل، وشرف، ومروءة، وله هفوة. نهض مع محمّد بن عبد الله بن حسن، وظنَّه المهدي، ثمّ إنَّه ندم فيما بعد، وقال: لا غرَّني أحد بعده)(471).
وكذلك الحال مع الفقيه المدني محمّد بن عجلان الذي (شُبِّه عليه، وظنَّ أنَّه المهدي الذي جاءت به الرواية)(472).
كما خرج مع محمّد: عبد الله بن يزيد بن هرمز الفقيه المدني المشهور(473).
وعبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحَكَم الأنصاري، قال الذهبي: (وكان سفيان الثوري ينقم عليه خروجه مع محمّد بن عبد الله بن الحسن. وكان من فقهاء المدينة)(474).
كما أنَّ مالك بن أنس حين استُفتي في الخروج مع محمّد بن عبد الله، وقيل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(470) مقاتل الطالبيِّين (ص 195).
(471) سِيَر أعلام النبلاء (ج 7/ ص 329/ الرقم 114).
(472) مقاتل الطالبيِّين (ص 193)، المنتظم في تاريخ الأُمَم والملوك (ج 8/ ص 115)، تاريخ الإسلام (ج 9/ ص 22)، العرف الوردي (ص 169/ ح 242)، القول المختصر (ص 158)؛ وانظر: تاريخ الطبري (ج 6/ ص 221) في حوادث سنة (145هـ)، وتهذيب الكمال (ج 25/ ص 469/ الرقم 5338).
(473) تاريخ الطبري (ج 6/ ص 221)، تهذيب الكمال (ج 25/ ص 469/ الرقم 5338).
(474) سِيَر أعلام النبلاء (ج 7/ ص 21/ الرقم 4)، تاريخ الإسلام (ج 9/ ص 476) في ترجمة عبد الحميد بن جعفر.
له: إنَّ في أعناقنا بيعة لأبي جعفر؟ فقال: (إنَّما بايعتم مكرَهين، وليس على كلِّ مكرَه يمين، فأسرع الناس إلى محمّد ولزم مالك بيته)(475).
كما كان أبو حنيفة يجاهر في أمر إبراهيم، ويأمر بالخروج معه(476).
وكان شعبة بن الحجَّاج كذلك(477).
وهؤلاء الثلاثة: مالك، وأبو حنيفة، وشعبة لم يعتقدوا بمهدويَّة محمّد، وإلَّا لما اكتفوا بحدود الإفتاء كما هو ظاهر.
ومهما يكن، فإنَّ اعتقاد بعض الفقهاء بمهدويَّته، وخروج بعضهم معه، وإفتاء آخرين لصالح دعوته، كلُّ ذلك أدَّى إلى شيوع القول بمهدويَّته بين عامَّة الناس من أهل المدينة، ويكفي أنِ انخدع أهل بيته الحسنيُّون، قال أبو الفرج: (وكان أهل بيته يُسَمُّونه المهدي، ويُقدِّرون أنَّه الذي جاءت فيه الرواية)(478).
وأمَّا عن أنصاره ومؤيِّديه الذين لا حريجة لهم في الدِّين، فقد ارتكبوا جريمة وضع الحديث في مهدويَّته!
ولـمَّا كان محمّد بن عبد الله الحسني تمتاماً(479)، فقد وضعوا الحديث في اسمه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(475) تاريخ الطبري (ج 6/ ص 190)، المنتظم في تاريخ الأُمَم والملوك (ج 8/ ص 64)، الكامل في التاريخ (ج 5/ ص 532)، تاريخ الإسلام (ج 9/ ص 23)، البداية والنهاية (ج 10/ ص 90) كلُّهم في حوادث سنة (145هـ)؛ تذكرة الخواصِّ (ص 200)، نهاية الأرب (ج 25/ ص 27)، تاريخ ابن خلدون (ج 3/ ص 190)، عمدة الطالب (ص 105)، كلُّهم في أخبار محمّد ذي النفس الزكيَّة.
(476) تاريخ الموصل (ج 1/ ص 394)، العِبَر في أخبار من غبر (ج 1/ ص 203)، تاريخ الإسلام (ج 9/ ص 43)، مرآة الجنان (ج 1/ ص 235)، كلُّهم في حوادث سنة (145هـ).
(477) راجع: المصابيح لأبي العبَّاس الحسني (ص 453/ ح 24)، عنه تيسير المطالب (ص 182 و183)، والحدائق الورديَّة (ج 1/ ص 304)، وشذرات الذهب (ج 1/ ص 214).
(478) مقاتل الطالبيِّين (ص 157)؛ وراجع: المصابيح لأبي العبَّاس الحسني (ص 427/ ح 9).
(479) تاريخ الطبري (ج 6/ ص 192)، مقاتل الطالبيِّين (ص 164)، المجدي في أنساب الطالبيِّين للعمري (ص 38)، عمدة الطالب (ص 103).
واسم أبيه وصفته، ورفعوه إلى أبي هريرة بأنَّه قال: (إنَّ المهديَّ اسمه محمّد بن عبد الله، في لسانه رتَّةٌ)(480).
كما كان للشعراء الدور البارز في إشاعة مهدويَّة محمّد بن عبد الله الحسني، نظراً لدور الشعر الإعلامي البارز في ذلك الحين، حيث اغتنموا الفرصة، وأدلوا دلوهم، وأشادوا بمهدويَّته، وفي هذا الصدد قال مسلمة بن عليٍّ:
إنَّ الذي يروي الرواةُ لبيِّنٌ * * * إذا ما ابن عبد الله فيهم تجرَّدا
له خاتم لم يُعطِه اللهُ غيرَه * * * وفيه علامات من البِرِّ والهُدى(481)
يشير بهذا البيت إلى أنَّ في كتف محمّد بن عبد الله خالاً، وقد جاءت الرواية في صفة المهدي بأنَّ له خالاً، فوافقت الصفة الموصوف!
وقال شاعر آخر:
إنْ كان في الناس لنا مهديٌّ * * * يقيم فينا سيرة النبيِّ
فإنَّه محمّد التقيِّ(482)
والعجيب من أمر أُولئك الشعراء المضلِّين أنَّهم حتَّى بعد مصرع محمّد بن عبد الله بن الحسن، وفصل رأسه عن جسده، وحمله إلى العراق، لم يتركوا القول بمهدويَّته، كما نجده في قصيدة لعبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير يرثي فيها محمّداً، يقول فيها:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(480) مقاتل الطالبيِّين (ص 164).
(481) المصابيح لأبي العبَّاس الحسني (ص 437/ ح 13) بتفاوت يسير؛ وقد نسب أبو الفرج في مقاتل الطالبيِّين (ص 164) هذين البيتين إلى سَلَمة بن أسلم الجهني. وذكرهما حميد بن أحمد المحلي في الحدائق الورديَّة (ج 1/ ص 274)، وابن الطقطقي في الأصيلي في أنساب الطالبيِّين (ص 72)، من دون نسبة.
(482) مقاتل الطالبيِّين (ص 164).
هلَّا على المهديِّ وابني مصعب * * * أذريت دمعك ساكباً تهتانا(483)
ونتيجةً لهذه الدعاية الواسعة في شخص محمّد بن عبد الله بن الحسن، مع قربه القريب من أهل البيت (عليهم السلام)، وتأكيد هذه الدعاية من قِبَل أبيه الذي كان - كما يقول ابن الأثير -: (لا يُحدِّث أحداً قطُّ إلَّا قلبه عن رأيه)(484)، نتيجةً لهذا وغيره كما مرَّ فقد (لهجت العوام بمحمّد بن عبد الله تُسمِّيه المهدي، حتَّى كان يقال: محمّد بن عبد الله المهدي عليه ثياب يمنيَّة وقبطيَّة)(485)، وكان الناس إذا رأوه في أزقَّة المدينة صاحوا: (يا أهل المدينة، المهدي، المهدي)(486).
ولم يقف الأمر عند هذا الحدِّ؛ إذ كان محمّد بن عبد الله نفسه يدَّعي بأنَّه المهدي (طمعاً أنْ يكون هو المذكور في الأحاديث)(487)، ويغري الناس بالدعوة إلى نفسه على أنَّه المهدي الموعود، قال ابن دأب: (لم يزل محمّد بن عبد الله بن الحسن منذ كان صبيًّا يتوارى ويراسل الناس بالدعوة إلى نفسه، ويُسمَّى بالمهدي)(488).
وكان يخاطب الناس وهو على المنبر بقوله: (إنَّكم لا تشكُّون أنِّي أنا المهدي، وأنا هو)(489).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(483) تاريخ الطبري (ج 6/ ص 223)، مقاتل الطابيِّين (ص 204)، الحدائق الورديَّة (ج 1/ ص 298)، المجدي في أنساب الطالبيِّين للعمري (ص 348).
(484) الكامل في التاريخ (ج 5/ ص 524) في حوادث سنة (144هـ)؛ وراجع: نهاية الأرب (ج 25/ ص 19).
(485) مقاتل الطالبيِّين (ص 140 و165).
(486) الكامل في التاريخ (ج 5/ ص 518 و519) في حوادث سنة (144هـ)، نهاية الأرب (ج 25/ ص 14)؛ وقريباً منه في تاريخ الطبري (ج 6/ ص 165).
(487) البداية والنهاية (ج 10/ ص 90) في حوادث سنة (145هـ).
(488) مقاتل الطالبيِّين (ص 162).
(489) المصدر السابق.
وأمَّا مكاتباته التي جرت بينه وبين عبد الله بن محمّد المنصور العبَّاسي، فقد كان يبدؤها بالبسملة، ويكتب بعدها: (من عبد الله المهدي محمّد بن عبد الله، إلى عبد الله بن محمّد...)(490).
وفي هذا إشارة ذكيَّة إلى غدر المنصور بمحمّد وتذكيره بما كان يقوله له في أواخر العصر الأُموي، حيث كان يقول أبو الدوانيق في محمّد هذا: (هذا محمّد ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن مهديُّنا أهل البيت)(491).
وقال عبد الله في سعد الجهني: (بايع أبو جعفر - يعني المنصور - محمّداً مرَّتين، أنا حاضر إحداهما بمكَّة في المسجد الحرام، فلمَّا خرج أمسك له بالركاب، ثمّ قال: أمَا إنَّه إنْ أفضى إليكما الأمر نسيت لي هذا الموقف)(492).
ويدلُّ على ذلك، أنَّ عثمان بن محمّد بن خالد الذي خرج مع محمّد قد أُتِيَ به إلى المنصور، فقال له: (هيه يا عثمان، أنت الخارج عليَّ مع محمّد؟ قال: بايعته أنا وأنت بمكَّة، فوفيت ببيعتي، وغَدَرْتَ بيعتك...، فأمر به فَقُتِلَ)(493).
وكلُّ هذا يشير إلى أنَّ للعبَّاسيِّين سهماً في إشاعة مهدويَّة الحسني التي وصلت إلى أسماع الأُمويِّين أنفسهم قبل سقوط دولتهم، فقد روى أبو الفرج أنَّ مروان الحمار آخر طغاة الأُمويِّين قال لعبد الله - وقد دخل عليه ذات يوم -: (ما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(490) تاريخ الطبري (ج 6/ ص 195)، تاريخ الموصل (ج 1/ ص 385)، تجارب الأُمَم (ج 3/ ص 395)، المنتظم في تاريخ الأُمَم والملوك (ج 8/ ص 65).
(491) مقاتل الطالبيِّين (ص 162)، تيسير المطالب (ص 197)، الحدائق الورديَّة (ج 1/ ص 277 و278).
(492) مقاتل الطالبيِّين (ص 142 و143).
(493) الكامل في التاريخ (ج 5/ ص 553)، نهاية الأرب (ج 25/ ص 51)، كلاهما في ذكر بعض المشهورين ممَّن كان مع محمّد بن عبد الله الحسني؛ وقريباً منه في: التاريخ الطبري (ج 6/ ص 229).
فعل مهديُّكم؟ قال: لا تقل ذلك...، فليس كما يبلغك، فقال: بلى، ولكن يصلحه الله ويرشده)(494).
هذا، وأمَّا ما ذكره النوبختي (رحمه الله) بشأن محمّد هذا بقوله: (فلمَّا تُوفّي أبو جعفر - يعني الإمام الباقر - (عليه السلام) افترقت أصحابه فرقتين، فرقة منها قالت بإمامة محمّد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالب الخارج بالمدينة المقتول بها، وزعموا أنَّه القائم، وأنَّه الإمام المهدي، وأنَّه لم يُقتَل، وقالوا: إنَّه حيٌّ لم يمت، مقيم بجبل يقال له: العلميَّة، وهو الجبل الذي في طريق مكَّة ونجد...، وهو عنده مقيم فيه حتَّى يخرج؛ لأنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال - بزعمهم -: «القَائِمُ اَلمَهْدِيُّ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي»...، وكان المغيرة بن سعيد قال بهذا القول لـمَّا تُوفّي أبو جعفر محمّد بن عليٍّ [(عليه السلام)]، وأظهر المقالة بذلك، فبرئت منه الشيعة أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليهما السلام)، ورفضوه)(495).
فهو غريب جدًّا، فضلاً عمَّا فيه من خلط وتهافت؛ لأنَّ القول بمهدويَّة محمّد ابن عبد الله بن الحسن لم يُعْرَف إلَّا في زمان مروان الحمار آخر ملوك الأُمويِّين (ت 132هـ)، ولم يشتهر إلَّا في أواخر إمامة الإمام الصادق (عليه السلام)، أي قبل خروج محمّد وقتله سنة (145هـ) بمدَّة قصيرة، نتيجةً لما قدَّمناه من موقف الفقهاء والشعراء ودور الإعلام الحسني في إشاعة مهدويَّته بين الناس، في حين يدلُّ كلام النوبختي (رحمه الله) على حصول هذه المقالة بعد وفاة الإمام الباقر (عليه السلام) سنة (114هـ) مباشرةً، ومحمّد بن عبد الله لم يُعْرَف بما ذُكِرَ في ذلك الوقت. ثمّ لا معنى لأنْ ينفي المغيرة قتله وادِّعاء غيبته وإمامته في حياته؛ إذ لم يدَّعِ أحد اغتياله مثلاً في فترة اختفائه عن المنصور حتَّى ينفي المغيرة ذلك، فكيف بإظهارها بعد وفاة الإمام الباقر (عليه السلام) إذن؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(494) مقاتل الطالبيِّين (ص 175).
(495) فِرَق الشيعة (ص 62 و63).
ولأجل تصحيح تلك المقالة وقبولها، لابدَّ من افتراض صدورها بعد قتل محمّد بن عبد الله الحسني، أو على الأقلّ في زمان اختفائه وخوفه من المنصور.
ولكن إذا ما علمنا أنَّ صاحبها - وهو المغيرة - قد قُتِلَ بسبب شعوذته وسحره وكفره سنة (119هـ)، في زمان هشام بن عبد المَلِك(496)، ومحمّد بن عبد الله في ريعان شبابه! اتَّضح ما في الكلام المذكور من خلط وتهافت.
والصحيح هو براءة سائر القواعد الشعبيَّة الشيعيَّة القائلة بإمامة الصادق (عليه السلام) من القول بمهدويَّة محمّد بن عبد الله بن الحسن المثنَّى، أيًّا كان مروِّجها وقائلها، أخذاً بما لديهم من أحاديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)، وتمسُّكاً بما كان يقوله الإمام الصادق (عليه السلام) للحسنيِّين وأنصارهم، وما كان يُحذِّرهم به، وينهاهم لا عن دعوى المهدويَّة فحسب، بل عن الخروج على المنصور وهو في أوج قوَّة دولته، استبقاءً على مُهَجهم؛ لأنَّهم عضده وبنو عمومته.
ومن هنا كان (عليه السلام) غزير الدمعة عليهم في حياتهم وبعد نكبتهم؛ إذ كان يعلم بما لم يُحيطوا به خبراً. وهو ما اعترف به سائر المؤرِّخين، وصرَّح به ابن خلدون وغيره فيما تقدَّم، من أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) كان يُحذِّر بني عمومته بأشياء تقع لهم في المستقبل، وكانت تقع على طبق ما أخبر.
ثانياً: موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من مهدويَّة الحسني:
إنَّ ما يعنينا هنا هو موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من تلقيب محمّد بن عبد الله بن الحسن بالمهدي، وإشاعة ذلك بنحو أدَّى إلى الالتفاف على إيمان الأُمَّة بما بشَّر به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالمهدي الموعود المنتظَر (عجَّل الله فرجه)، وأمَّا عن ثورتهم فلا يعنينا أمرها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(496) تاريخ الطبري (ج 5/ ص 456) في حوادث سنة (119هـ).
في بحثنا هذا بقدر ما يعنينا التركيز على موقف الإمام الصادق (عليه السلام) المؤيِّد والمساند لكلِّ الانتفاضات العلويَّة ضدَّ الحكم الجائر المتمثِّل بالسلطتين الأُمويَّة والعبَّاسيَّة، ولكنَّه في ذا الوقت كان (عليه السلام) حريصاً على أنْ تتهيَّأ الأجواء المناسبة لنجاح هذه الانتفاضة أو تلك؛ لكي تؤتي ثمارها في القضاء على الظلم والفساد وإفشاء العدل والمساواة بين الناس.
وهذا القدر لابدَّ منه لكي لا يُفهَم بأنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) كان يقف - وحاشاه من ذلك - أمام الرغبة الصادقة في نيل شرف الشهادة بكلِّ غالٍ ونفيس من أجل إعلاء كلمة الله في أرضه، ومقارعة الباطل بكلِّ قوَّة وصلابة.
وقد كان أبو جعفر المنصور يعلم هذا جيِّداً، ولهذا كان يصف الإمام الصادق (عليه السلام) بأنَّه الشجا المعترض في حلقه(497).
نعم، كان يعلم بأنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) سوف ينهى محمّد النفس الزكيَّة من ادِّعاء المهدويَّة، ولكنَّه لا يمنعه من إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا ما استطاع إليه سبيلاً.
ولا شكَّ أنَّه يتذكَّر كلام الإمام الصادق (عليه السلام) يوم كتب المنصور نفسه إليه (عليه السلام) قائلاً: لِمَ لَا تَغْشَانَا كَمَا يَغْشَانَا سَائِرُ اَلنَّاسِ؟ فَأَجَابَهُ [(عليه السلام)]: «لَيْسَ لَنَا مَا نَخَافُكَ مِنْ أَجْلِهِ، وَلَا عِنْدَكَ مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ مَا نَرْجُوكَ لَهُ، وَلَا أَنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَنُهَنِّئَكَ، وَلَا تَرَاهَا نَقِمَةً فَنُعَزِّيَكَ بِهَا، فَمَا نَصْنَعُ عِنْدَكَ؟»، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ: تَصْحَبُنَا لِتَنْصَحَنَا، فَأَجَابَهُ [(عليه السلام)]: «مَنْ أَرَادَ اَلدُّنْيَا لَا يَنْصَحُكَ، وَمَنْ أَرَادَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(497) إثبات الوصيَّة (ص 188)، دلائل الإمامة (ص 297 و298/ ح 253/89)، عيون المعجزات (ص 79)، الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 640 و641/ ح 47)، الدُّرُّ النظيم (ص 627)، كشف الغمَّة (ج 2/ ص 413).
الآخِرَةَ لَا يَصْحَبُكَ»، فَقَالَ اَلمَنْصُورُ: وَاَلله لَقَدْ مَيَّزَ عِنْدِي مَنَازِلَ اَلنَّاسِ، مَنْ يُرِيدُ اَلدُّنْيَا مِمَّنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ، وَإِنَّهُ مِمَّنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ لَا اَلدُّنْيَا(498).
ولهذا نجد أوَّل عمل قام به المنصور بعد قتله محمّد بن عبد الله أنَّه استدعى الإمام الصادق (عليه السلام)، وغلَّظ عليه الكلام، ثمّ قال: (يا جعفر، قد علمت بفعل محمّد بن عبد الله الذي يُسَمُّونه النفس الزكيَّة، وما نزل به، وإنَّما أنتظر الآن أنْ يتحرَّك منكم أحد فأُلحق الصغير بالكبير)(499).
إنَّ علم الإمام الصادق (عليه السلام) بعد تحقُّق الحدِّ الأدنى المطلوب من ثورة محمّد النفس الزكيَّة قبل إعلانها، وفشل حركته المحتَّم، وما سيلحق ذلك من نتائج سياسيَّة خطيرة على البيت العلوي عموماً، وعلى الإمام الصادق (عليه السلام) خاصَّة، كان محفِّزاً للإمام (عليه السلام) أنْ يُبيِّن ما بيَّنه لقادة الثورة وللمجتمع المدني يومذاك، لعلَّهم يتريَّثوا إلى حين تهيئة المستلزمات المطلوبة لنجاح الثورة.
ونكتفي بهذا القدر لنعود إلى معالجة القضيَّة الأكبر التي لا زالت عند بعض المتخرِّصين مادَّة للهجوم على الحقيقة المهدويَّة بحجَّة وجود أدعيائها الكثيرين في التاريخ الشيعي كما هو الحال في مهدويَّة محمّد بن عبد الله بن الحسن، لنرى كيف عالج إمامنا الصادق (عليه السلام) تلك الدعوى وبيَّن زيفها، فنقول:
عبَّر موقف الإمام الصادق (عليه السلام) في ردوده على دعوى مهدويَّة محمّد بن عبد الله بن الحسن تعبيراً رائعاً عن إمامته هو (عليه السلام) أوَّلاً، وعن زيف تلك الدعوى ثانياً، وعلى أكثر من صعيد، كالآتي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(498) التذكرة الحمدونيَّة (ج 1/ ص 113 و114/ ح 230)، عنه كشف الغمَّة (ج 2/ ص 427) في مواعظ الإمام الصادق (عليه السلام).
(499) الفصول المهمَّة لابن الصبَّاغ (ج 2/ ص 921).
إخباره (عليه السلام) القيادة الحسنيَّة بنتائج تلك الدعوى وقتل صاحبها:
1 - فقد روى أبو الفرج الأصبهاني، والشيخ المفيد، وابن شهرآشوب (رحمهما الله)، أنَّه اجتمع العبَّاسيُّون والحسنيُّون بالأبواء، وذلك في أواخر زمان الحكم الأُموي، فقام صالح بن عليٍّ يحضُّهم على أنْ يعقدوا البيعة لرجل منهم، فعندها حمد الله عبد الله بن الحسن، وأثنى عليه، ثمّ قال: قد علمتم من ابني هذا هو المهدي، فهلمُّوا فلنبايعه، فبايعوه جميعاً، وفيهم أبو جعفر المنصور.
ولـمَّا علم الإمام الصادق (عليه السلام) باجتماعهم هذا أرسل محمّد بن عبد الله الأرقط بن عليِّ بن الحسين (عليه السلام)، فسألهم: لأيِّ شيء اجتمعتم؟
فقال عبد الله: اجتمعنا لنبايع المهدي محمّد بن عبد الله.
ثمّ جاء الإمام الصادق (عليه السلام)، فأوسع له عبد الله بن الحسن إلى جنبه، فتكلَّم بمثل كلامه، فقال الإمام: «لَا تَفْعَلُوا، فَإِنَّ هَذَا الأَمْرَ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ إِنْ كُنْتَ تَرَى أَنَّ اِبْنَكَ هَذَا هُوَ اَلمَهْدِيُّ! فَلَيْسَ بِهِ، وَلَا هَذَا أَوَانُهُ».
فغضب عبد الله وقال: لقد علمت خلاف ما تقول، والله ما أطلعك الله على غيبه، ولكن يحملك على هذا الحسد لابني.
فقال (عليه السلام): «وَاَلله مَا ذَاكَ يَحْمِلُنِي، وَلَكِنَّ هَذَا وَإِخْوَتِهِ وَأَبْنَاؤُهُمْ دُونَكُمْ»، وضرب بيده على ظهر أبي العبَّاس، ثمّ ضرب بيده على كتف عبد الله بن الحسن، وقال: «إِنَّهَا وَاَلله مَا هِي إِلَيْكَ وَلَا إِلَى اِبْنَيْكَ، وَلَكِنَّهَا لَهُمْ، وَإِنَّ اِبْنَيْكَ لَمقْتُولَانِ»، ثمّ نهض وتوكَّأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهري، فقال: «أَرَأَيْتَ صَاحِبَ اَلرِّدَاءِ الأَصْفَرِ - يعني أبا جعفر المنصور -؟».
قال: نعم.
قال: «فِإِنَّا وَاَلله نَجِدُهُ يَقْتُلُهُ».
قال له عبد العزيز: أيَقْتُلُ محمّداً؟
قال: «نَعَمْ».
قال: فقلت في نفسي: حسده، وربِّ الكعبة.
قال: ثمّ والله ما خرجت من الدنيا حتَّى رأيته قتلهما.
قال: لـمَّا قال جعفر ذلك، انفضَّ القوم، فافترقوا ولم يجتمعوا بعدها، وتبعه عبد الصمد وأبو جعفر المنصور، فقالا: يا أبا عبد الله، أتقول هذا؟
قال: «نَعَمْ، أَقُولُهُ وَاَلله، وَأَعْلَمُهُ»(500).
2 - وفي (المناقب) لابن شهرآشوب أَنَّهُ لَـمَّا بُويِعَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ الحَسَنِ عَلَى أَنَّهُ مَهْدِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ جَاءَ أَبُوهُ عَبْدُ الله إِلَى الصَّادِقِ (عليه السلام) وَقَدْ كَانَ يَنْهَاهُ، وَزَعَمَ أَنَّهُ يَحْسُدُهُ، فَضَرَبَ الصَّادِقُ يَدَهُ عَلَى كَتِفِ عَبْدِ الله، وَقَالَ: «إِيهاً، وَالله مَا هِيَ إِلَيْكَ وَلَا إِلَى ابْنِكَ، وَإِنَّمَا هِيَ لِهَذَا - يَعْنِي السِّفَاحَ -، ثُمَّ لِهَذَا - يَعْنِي المَنْصُورَ -، يَقْتُلُهُ عَلَى أَحْجَارٍ الزَّيْتِ، ثُمَّ يَقْتُلُ أَخَاهُ بِالطُّفُوفِ، وَقَوَائِمُ فَرَسِهِ فِي المَاءِ»، فَتَبِعَهُ المَنْصُورُ، فَقَالَ: مَا قُلْتَ، يَا أَبَا عَبْدِ الله؟ فَقَالَ: «مَا سَمِعْتَهُ، وَإِنَّهُ لَكَائِنٌ»، قَالَ: فَحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ المَنْصُورَ أَنَّهُ قَالَ: انْصَرَفْتُ مِنْ وَقْتِي، فَهَيَّأْتُ أَمْرِي، فَكَانَ كَمَا قَالَ(501).
3 - وفي رواية المسعودي، قال: ... فجمع عبد الله - أي ابن الحسن - أهل بيته، وهمَّ بالأمر، ودعا أبا عبد الله (عليه السلام) للمشاورة، فحضر، فجلس بين المنصور وبين السفَّاح [و]عبد الله ابني محمّد بن عليِّ بن عبد الله بن العبَّاس،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(500) مقاتل الطالبيِّين (ص 141 و142، و171 و172)، الإرشاد (ج 2/ ص 190 - 193)، ومناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 355 و356)، في معرفته (عليه السلام) باللغات وإخباراته بالغيب. ورواه الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 1/ ص 526 - 528)، والإربلي (رحمه الله) في كشف الغمَّة (ج 2/ ص 385 - 387).
(501) مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 355).
ووقعت المشاورة، فضرب أبو عبد الله (عليه السلام) يده على منكب أبي العبَّاس عبد الله السفَّاح، فقال: «لَا وَاَلله، إِمَّا أَنْ يَمْلِكَهَا هَذَا أَوَّلاً»، ثمّ ضرب بيده الأُخرى على منكب أبي جعفر عبد الله المنصور، وقال: «وَتَتَلَاعَبُ بِهَا اَلصِّبْيَانُ مِنْ وُلْدِ هَذَا»...(502).
4 - وأخرج ثقة الإسلام الكليني (رحمه الله) عن موسى بن عبد الله بن الحسن، عن أبيه في حديث طويل جاء فيه قوله (عليه السلام) لعبد الله: «يَا بْنَ عَمِّ، إِنِّي أُعِيذُكَ بِالله مِنَ التَّعَرُّضِ لِهَذَا الأَمْرِ الَّذِي أَمْسَيْتَ فِيه، وَإِنِّي لَخَائِفٌ عَلَيْكَ أَنْ يَكْسِبَكَ شَرًّا».
وقوله (عليه السلام) في ابنه أنَّه «المَقْتُولُ بِسُدَّةِ أَشْجَعَ عِنْدَ بَطْنِ مَسِيلِهَا...، لَا وَالله لَا يَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ...، فَاتَّقِ اللهَ وَارْحَمْ نَفْسَكَ وَبَنِي أَبِيكَ...، وَالله لَكَأَنِّي بِه صَرِيعاً مَسْلُوباً بِزَّتُه، بَيْنَ رِجْلَيْه لَبِنَةٌ».
وخرج عبد الله مغضباً، فلحقة أبو عبد الله (عليه السلام)، وأخبره بأنَّه وبني أبيه سيُقتَلون، ثمّ قال: «فَإِنْ أَطَعْتَنِي وَرَأَيْتَ أَنْ تَدْفَعَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَافْعَلْ، فَوَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الكَبِيرُ المُتَعَالِ عَلَى خَلْقِه لَوَدِدْتُ أَنِّي فَدَيْتُكَ بِوُلْدِي وَبِأَحَبِّهِمْ إِلَيَّ وَبِأَحَبِّ أَهْلِ بَيْتِي إِلَيَّ وَمَا يَعْدِلُكَ عِنْدِي شَيْءٌ، فَلَا تَرَى أَنِّي غَشَشْتُكَ».
قال موسى بن عبد الله بن الحسن: (فَمَا أَقَمْنَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا قَلِيلاً عِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ نَحْوَهَا حَتَّى قَدِمَتْ رُسُلُ أَبِي جَعْفَرٍ فَأَخَذُوا أَبِي وَعُمُومَتِي سُلَيْمَانَ بْنَ حَسَنٍ وَحَسَنَ بْنَ حَسَنٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنَ حَسَنٍ وَدَاوُدَ بْنَ حَسَنٍ وَعَلِيَّ بْنَ حَسَنٍ وَسُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ بْنِ حَسَنٍ وَعَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَسَنٍ وَحَسَنَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ حَسَنٍ وَطَبَاطَبَا إِبْرَاهِيمَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَسَنٍ وَعَبْدَ الله بْنَ دَاوُدَ...، فَصُفِّدُوا فِي الحَدِيدِ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(502) إثبات الوصيَّة (ص 186 و187).
وأطلع عليهم أبو عبد الله (عليه السلام) وهم في تلك الحال، وكان عامَّة ردائه مطروح بالأرض، وحمَّ عشرين ليلة لم يزل باكياً فيها الليل والنهار حتَّى خيف عليه.
ثمّ ظهر بعد هذا محمّد بن عبد الله ودعا الناس لبيعته، وأحضروا الإمام الصادق (عليه السلام) لمبايعتهم بالقوَّة، وامتنع قائلاً لمحمّد: «وَالله لَكَأَنِّي بِكَ خَارِجاً مِنْ سُدَّةِ أَشْجَعَ إِلَى بَطْنِ الوَادِي وَقَدْ حَمَلَ عَلَيْكَ فَارِسٌ مُعْلَمٌ فِي يَدِه طِرَادَةٌ نِصْفُهَا أَبْيَضُ وَنِصْفُهَا أَسْوَدُ عَلَى فَرَسٍ كُمَيْتٍ أَقْرَحَ فَطَعَنَكَ، فَلَمْ يَصْنَعْ فِيكَ شَيْئاً، وَضَرَبْتَ خَيْشُومَ فَرَسِه فَطَرَحْتَه، وَحَمَلَ عَلَيْكَ آخَرُ خَارِجٌ مِنْ زُقَاقِ آلِ أَبِي عَمَّارٍ الدُّئلِيِّينَ، عَلَيْه غَدِيرَتَانِ مَضْفُورَتَانِ، وَقَدْ خَرَجَتَا مِنْ تَحْتِ بَيْضَةٍ، كَثِيرُ شَعْرِ الشَّارِبَيْنِ، فَهُوَ وَالله صَاحِبُكَ، فَلَا رَحِمَ الله رِمَّتَه(503)».
ثمّ شهد بعد ذلك موسى بن عبد الله بن الحسن - راوي الخبر - على حصول كلِّ ما أخبر به الإمام الصادق (عليه السلام)، حتَّى لكأنَّه (عليه السلام) كان يُخبِر عن معاينة(504).
تفهيم الناس بمصير المهدي الحسني ومهدويَّته:
بعد فراغ الإمام الصادق (عليه السلام) من مواجهة بني الحسن، وبالحقيقة المرَّة، والمصير المحتوم الذي ينتظرهم على يد الجلَّاد العبَّاسي أبي الدوانيق، اتَّجه كلامه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(503) واسم هذا الرجل (لعنه الله) حميد بن قحطبة، فهو الذي احتزَّ رأس محمّد عند أحجار الزيت المكان الذي ذكره الإمام الصادق (عليه السلام)، وذلك بعد عصر يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة (145هـ)، كما في: تاريخ الطبري (ج 6/ ص 218)، والكامل في التاريخ (ج 5/ ص 549)، والبداية والنهاية (ج 10/ ص 96)، كلُّهم في حوادث سنة (145هـ).
(504) الكافي (ج 1/ ص 358 - 366/ باب ما يُفصَل به بين دعوى المحقِّ والمبطل في أمر الإمامة/ ح 17)، وبعضه في الكامل في التاريخ (ج 5/ ص 521) في حوادث سنة (144هـ).
- هذه المرَّة - إلى الناس، لاسيّما أصحابه، ليكونوا دعاة خير لمن لهج بمهدويَّة ابن عبد الله ولم يصله موقف الإمام المعلن أمام القيادة الحسنيَّة وجهاً لوجه، وفي أكثر من مكان.
1 - عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ بِجَادٍ العَابِدِ، قَالَ: كَانَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) إِذَا رَأَى مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اَلله بْنِ حَسَنٍ تَغَرْغَرَتْ عَيْنَاهُ، ثُمَّ يَقُولُ: «بِنَفْسِي هُوَ، إِنَّ اَلنَّاسَ لَيَقُولُونَ فِيهِ، وَإِنَّهُ لَمَقْتُولٌ، لَيْسَ هُوَ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ مِنْ خُلَفَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ»(505).
2 - وَعَنْ مُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، إِذْ أَقْبَلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله، فَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَهَبَ، فَرَقَّ لَه أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام)، وَدَمَعَتْ عَيْنَاه، فَقُلْتُ لَه: لَقَدْ رَأَيْتُكَ صَنَعْتَ بِه مَا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُ، فَقَالَ [(عليه السلام)]: «رَقَقْتُ لَه؛ لأَنَّه يُنْسَبُ إِلَى أَمْرٍ لَيْسَ لَه، لَمْ أَجِدْه فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (عليه السلام) مِنْ خُلَفَاءِ هَذِه الأُمَّةِ، وَلَا مِنْ مُلُوكِهَا»(506).
3 - وعن عيسى بن عبد الله، قال: حدَّثتني أُمِّي أُمُّ حسين بنت عبد الله بن محمّد بن عليِّ بن الحسين، قالت: قلت لعمِّي جعفر بن محمّد [(عليهما السلام)]: إنِّي فديتك، ما أمر محمّد بن عبد الله؟ قال: «فِتْنَةٌ، يُقْتَلُ فِيهَا مُحَمَّدٌ عِنْدَ بَيْتٍ رُومَيٍّ، وَيُقْتَلُ أَخُوهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ بِالعِرَاقِ وَحَوَافِرُ فَرَسِهِ فِي مَاءٍ»(507).
4 - وفي الصحيح عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): إِنَّ الزَّيْدِيَّةَ وَالمُعْتَزِلَةَ قَدْ أَطَافُوا بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله، فَهَلْ لَه سُلْطَانٌ؟ فَقَالَ (عليه السلام):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(505) الإرشاد (ج 2/ ص 193)، عن مقاتل الطالبيِّين (ص 142)، وفيه: (إنَّ الناس ليقولون فيه: إنَّه المهدي).
(506) الكافي (ج 8/ ص 395/ ح 594).
(507) تاريخ الطبري (ج 6/ ص 223)، مقاتل الطالبيِّين (ص 168)، تجارب الأُمَم (ج 3/ ص 408)، الكامل في التاريخ (ج 5/ ص 553)، نهاية الأرب (ج 25/ ص 49)، في حوادث سنة (145هـ).
«وَالله إِنَّ عِنْدِي لَكِتَابَيْنِ فِيهِمَا تَسْمِيَةُ كُلِّ نَبِيٍّ، وَكُلِّ مَلِكٍ يَمْلِكُ الأَرْضَ، لَا وَالله مَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا»(508).
5 - وفي رواية للطبري، قال: خرج مع محمّد، حمزة بن عبد الله بن محمّد ابن عليٍّ، وكان - أي حمزة - من أشدّ الناس مع محمّد، قال: فكان جعفر [(عليه السلام)] يقول له: «هُوَ وَاَلله مَقْتُولٌ»(509).
6 - وفي الصحيح عَنْ فُضَيْلِ بْنِ سُكَّرَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، فَقَالَ: «يَا فُضَيْلُ، أتَدْرِي فِي أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُ أَنْظُرُ قُبَيْلُ؟»، قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: «كُنْتُ أَنْظُرُ فِي كِتَابِ فَاطِمَةَ (عليها السلام)، لَيْسَ مِنْ مَلِكٍ يَمْلِكُ الأَرْضَ إِلَّا وَهُوَ مَكْتُوبٌ فِيه بِاسْمِه وَاسْمِ أَبِيه، وَمَا وَجَدْتُ لِوُلْدِ الحَسَنِ فِيه شَيْئاً»(510).
جدير بالذكر أنَّ آباء الإمام الصادق (عليه السلام) قد أخبروا بهذا أيضاً، ففي الصحيح عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ رَوْحٍ القَصِيرِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُوا الأَرحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ﴾ [الأحزاب: 6]، فِيمَنْ نَزَلَتْ؟ فَقَالَ: «نَزَلَتْ فِي الإِمْرَةِ، إِنَّ هَذِه الآيَةَ جَرَتْ فِي وُلْدِ الحُسَيْنِ (عليه السلام) مِنْ بَعْدِه، فَنَحْنُ أَوْلَى بِالأَمْرِ وَبِرَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ»، قُلْتُ فَوُلْدُ جَعْفَرٍ - ابن أبي طالب - لَهُمْ فِيهَا نَصِيبٌ؟ قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: فَلِوُلْدِ العَبَّاسِ فِيهَا نَصِيبٌ؟ فَقَالَ: «لَا»، فَعَدَدْتُ عَلَيْه بُطُونَ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: «لَا»، قَالَ: وَنَسِيتُ وُلْدَ الحَسَنِ (عليه السلام)، فَدَخَلْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْه، فَقُلْتُ لَه: هَلْ لِوُلْدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(508) الكافي (ج 1/ ص 242/ باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة.../ ح 7).
(509) تاريخ الطبري (ج 6/ ص 223) في حوادث سنة (145هـ).
(510) الكافي (ج 1/ ص 242/ باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة.../ ح 8).
الحَسَنِ (عليه السلام) فِيهَا نَصِيبٌ؟ فَقَالَ: «لَا وَالله يَا عَبْدَ الرَّحِيمِ، مَا لِمُحَمَّدِيٍّ فِيهَا نَصِيبٌ غَيْرَنَا»(511).
كما أخبر أمير المؤمنين عليٌّ (عليه السلام) بمصير محمّد بن عبد الله الحسني، فقد أورد الثقفي، وابن أبي الحديد المعتزلي، جملة من إخباراته (عليه السلام) الغيبيَّة، ومنها قوله في محمّد هذا: «إِنَّهُ يُقْتَلُ عِنْدَ أَحْجَارِ اَلزَّيْتِ»(512)، وكقوله (عليه السلام) فيه أيضاً: «يَأْتِيهِ سَهْمٌ غَرْبٌ يَكُونُ فِيهِ مَنِيَّتُهُ، فَيَا بُؤْساً لِلرَّامِي، شُلَّتْ يَدُهُ، وَوَهُنَ عَضُدُهُ»(513).
تأكيده (عليه السلام) على سبق دعوى المهدويَّة لزمان المهدي (عجَّل الله فرجه):
أراد الإمام الصادق (عليه السلام) - بعد أنْ أخذ دوره المطلوب في نصح وتحذير القيادة الحسنيَّة وقاعدتها بوجوب الكفِّ عن إشاعة مهدويَّة ابن عبد الله - أنْ يكون تطلُّع الأُمَّة إلى الله تعالى من خلال عقيدتها بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) المبشَّر بظهوره في آخر الزمان، تطلُّعاً صحيحاً وموجَّهاً، الأمر الذي يقتضي تزويدها بما يمكن معه أنْ تُقيِّم كلَّ دعوى من هذا القبيل؛ ولهذا جاء التأكيد على سبق دعوى المهدويَّة لزمان ظهور المهدي (عجَّل الله فرجه).
ويدلُّ عليه ما مرَّ بنا من قوله - في اجتماع الأبواء - لعبد الله بن الحسن: «... إِنْ كُنْتَ تَرَى أَنَّ اِبْنَكَ هَذَا هُوَ اَلمَهْدِيُّ! فَلَيْسَ بِهِ، وَلَا هَذَا أَوَانُهُ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(511) الكافي (ج 1/ ص 288/ باب ما نصَّ الله (عزَّ وجلَّ) ورسوله على الأئمَّة (عليهم السلام) واحداً فواحداً/ ح 2)؛ ورواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 48/ ح 30)، والصدوق (رحمه الله) في علل الشرائع (ج 1/ ص 206 و207/ باب 156/ ح 4).
(512) الغارات (ج 2/ ص 680)، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج 7/ ص 48) في شرح الخطبة (92).
(513) المصدر السابق.
فقوله (عليه السلام): «فَلَيْسَ بِهِ» صريح بأنَّ المهدي الموعود (عجَّل الله فرجه) ليس هو محمّد ابن عبد الله الحسني؛ إذ لم يُولَد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بعد، ولا أقلّ من حديث كون الأئمَّة اثنا عشر آخرهم المهدي، وهو الحديث الذي عرفته الأُمَّة كلُّها، فأين الأحد عشر الذين سبقوا ابن عبد الله حتَّى يكون هو خاتمتهم؟!
وقوله (عليه السلام): «وَلَا هَذَا أَوَانُهُ» ناظر إلى الأُمور التي تسبق الظهور، وجاء بها الحديث الشريف على لسان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)، وهو ما سنُوضِّحه في ردِّ مهدويَّة (المهدي العبَّاسي).
بيان الاختلاف بين هويَّة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وهويَّة المهدي الحسني:
بيَّن الإمام الصادق (عليه السلام) الاختلاف الحاصل بين هويَّة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وهويَّة (المهدي الحسني)، في اسم الأب، والكنية، والنسب، مع الاختلاف في اسم الأُمِّ، وأصلها.
والمعروف في اسم الحسني مدَّعي المهدويَّة، أنَّه محمّد بن عبد الله بن الحسن المثنَّى، ابن الإمام الحسن السبط، ابن أمير المؤمنين الإمام عليِّ بن أبي طالب (عليهما السلام).
ويُكنَّى: أبا عبد الله.
وأُمُّه: هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن ربيعة بن الأسود بن المطَّلب بن أسد بن عبد العزَّى بن قصي بن كلاب(514).
وبناءً على ذلك:
فإنَّ اسم أبيه: (عبد الله).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(514) عمدة الطالب (ص 103)؛ كتاب نسب قريش (ص 53)، طبقات خليفة (ص 469)، أنساب الأشراف (ج 3/ ص 75/ الرقم 87)، فِرَق الشيعة (ص 59)، سرُّ السلسلة العلويَّة (ص 7)، مقاتل الطالبيِّين (ص 157)، وذكروا جميعاً في نسب الأُمِّ مكان (ربيعة): (زمعة)، وكذلك في طبعة ثانية من عمدة الطالب أيضاً (زمعة) بدل (ربيعة).
وكنيته: (أبو عبد الله).
وأصله: (حسني).
واسم أُمِّه: (هند)، وهي امرأة عربيَّة، قرشيَّة، حرَّة.
وقد بيَّن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّ هذه الأُمور الأربعة في هويَّة (المهدي الحسني)، تخالف تماماً هويَّة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، كالآتي:
1 - الاختلاف في اسم الأب، والكنية:
وقد كانت حجَّة الحسنيِّين في مهدويَّة محمّد النفس الزكيَّة حديث «اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي»، وقد وافق اسمه اسم النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واسم أبيه لاسم أبي النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وهذا الحديث على فرض صحَّته ليس بدليل، وإلَّا لاقتضى أنْ يكون في الأُمَّة آلاف المهديِّين - بقطع النظر عن غيره من أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) -؛ إذ ما أكثر من تسمَّى بـ(محمّد بن عبد الله) في هذه الأُمَّة، فكيف الحال لو كان الحديث موضوعاً لا أصل له؟!
وقد مرَّ عليك دور أنصار المهدي الحسني في وضع هذا الحديث نصرةً لمهديِّهم، وأمَّا وروده بعد قتل الحسني على ألسنة الرواة وكبار المحدِّثين من العامَّة، فمآله السلطة العبَّاسيَّة التي سخَّرت من يضع لها في مهدويَّة محمّد بن عبد الله المنصور العبَّاسي، كما سنُبيِّنه في محلِّه.
وقد ردَّ الإمام الصادق (عليه السلام) على هذا الحديث المزعوم، بقوله الشريف في المهدي: «اِسْمُهُ اِسْمُ نَبِيٍّ، وَاِسْمُ أَبِيهِ اِسْمُ وَصِيٍّ»(515).
ولم يعترف الإمام الصادق (عليه السلام) ولا أحد من أهل البيت (عليهم السلام) قطُّ بهذه العبارة: (اسم أبيه اسم أبي)، ولم تُروَ عنهم، ولا من طُرُقهم البتَّة. الأمر الذي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(515) الغيبة للنعماني (ص 186 و187/ باب 10/ فصل 4/ ح 29).
يكشف عن كونها مزيدة - فيما بعد - على أصل الحديث، وقد اعترف أحد كبار علماء الحديث من العامَّة وهو أبو الحسن الآبري (ت 363هـ) في كتابه (مناقب الشافعي) بأنَّ الأصل في هذه الزيادة هو أبو الصلت زائدة بن قدامة(516)، وزائدة هذا ضعيف في الحديث، وكان مولعاً بزيادة ما يراه مناسباً على أصل الحديث، الأمر الذي يكشف عن خبثه وتلاعبه في السُّنَّة المطهَّرة.
كما اعترف الكنجي الشافعي (ت 658هـ) بسقوط ما زاده زائدة بن قدامة عن الاعتبار، حتَّى قال في زيادته تلك: (إنَّ هذه الزيادة لا اعتبار بها)(517).
كما أكَّد الإمام الصادق (عليه السلام) - مرَّةً أُخرى - زيف الحديث الذي احتجَّ به الحسنيُّون، نافياً نسبته إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومصحِّحاً لما ورد في اسم المهدي وكنيته عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ففي الصحيح عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنِ اَلصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «اَلمَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِي، اِسْمُهُ اِسْمِي، وَكُنْيَتُهُ كُنْيَتِي، أَشْبَهُ اَلنَّاسِ بِي خَلْقاً وَخُلْقاً، تَكُونُ لَهُ غَيْبَةٌ وَحَيْرَةٌ حَتَّى تَضِلَّ الخَلْقُ عَنْ أَدْيَانِهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُقْبِلُ كَالشِّهَابِ اَلثَّاقِبِ، فَيَمْلَؤُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»(518).
وهذا الحديث نفسه رواه جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(519).
وفيه ما يُوضِّح الاختلاف الحاصل في الكنية أيضاً، فمحمّد بن عبد الله قد تكنَّى - كما مرَّ - بـ(أبي عبد الله)، في حين أنَّ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) يُكنَّى بـ(أبي القاسم).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(516) مناقب الشافعي (ج 1/ ص 96/ ح 66).
(517) البيان في أخبار صاحب الزمان (ص 485).
(518) الإمامة والتبصرة (ص 119 و120/ ح 114)، كمال الدِّين (ص 287/ باب 25/ ح 4).
(519) كمال الدِّين (ص 286/ باب 25/ ح 1).
جدير بالذكر أنَّ محمّد بن الحنفيَّة (رضي الله عنه) قد ادُّعيت له المهدويَّة - كما مرَّ - قبل محمّد بن عبد الله بن الحسن بأكثر من خمسين عاماً، وقد تكنَّى محمّد بن الحنفية بـ(أبي القاسم)، ولكن لم يعترض أحد من الأُمَّة قطُّ على الكيسانيَّة ويقول لهم مثلاً: إنَّ مهديَّهم (محمّد بن الحنفيَّة) اسم أبيه (عليٌّ)، والمفروض أنْ يكون اسمه بحسب الحديث المزعوم: (عبد الله)، الأمر الذي يدلُّ على كون (الزيادة المذكور فيه) قد وُضِعَت بعد حين.
2 - الاختلاف في النسب من جهة الأب:
كذلك بيَّن الإمام الصادق (عليه السلام) الاختلاف الحاصل بين نسب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ونسب محمّد (النفس الزكيَّة) - الذي تقمَّص المهدويَّة - من جهة الآباء؛ إذ لا خلاف بين أحد أنَّ محمّد بن عبد الله (النفس الزكيَّة) حَسَني؛ لأنَّه من سلالة أبي محمّد الحسن بن عليِّ بن أبي طالب (عليهما السلام)، بينما نسب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ليس كذلك؛ إذ هو حُسَيني، بل هو التاسع من ولد الإمام الحسين (عليه السلام) كما مرَّ عن الإمام الصادق (عليه السلام) في أحاديث شتَّى، فضلاً عمَّا أثبته الواقع التاريخي في تشخيص هويَّة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
جدير بالذكر أنَّه لا يوجد في عالم الرواية سوى حديثين فقد في خصوص كون نسب المهدي الموعود به في آخر الزمان حسنيًّا.
أحدهما: حديث أبي داود في (سُنَنه)، وقد سبق أنْ ناقشنا هذا الحديث وبيَّنَّا ضعفه وزيفه من عدَّة جهات.
والآخر: أرسله الطبري المفسِّر العامِّي في (تهذيب الآثار)(520)، ولا عبرة به؛ لإرساله، ولأنَّه ليس من طُرُقنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(520) نقله عنه السيوطي في العرف الوردي (ص 117/ ح 82).
في حين وردت عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) وخصوصاً الإمام الصادق (عليه السلام) روايات كثيرة تزيد على مائة رواية، وكلُّها صريحة بما ذكرناه.
نكتفي بواحدة منها، وهي ما رواه أبان بن عثمان، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «بَيْنَا رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذَاتَ يَوْمٍ فِي البَقِيعِ حَتَّى أَقْبَلَ عَلِيٌّ (عليه السلام)، فَسَأَلَ عَنْ رَسُولِ اَلله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقِيلَ: إِنَّهُ بِالبَقِيعِ، فَأَتَاهُ عَلِيٌّ (عليه السلام)، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): اِجْلِسْ، فَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ...»، إلى أنْ قال: «ثُمَّ التَفَتَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِلَى عَلِيٍّ (عليه السلام)، فَقَالَ: أَلَا أُبَشِّرُكَ؟ أَلَا أُخْبِرُكَ، يَا عَلِيُّ؟ فَقَالَ: بَلَى، يَا رَسُولَ اَلله، فَقَالَ: كَانَ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) عِنْدِي آنِفاً، وَأَخْبَرَنِي أَنَّ القَائِمَ اَلَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ فَيَمْلَأُ الأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً مِنْ ذُرِّيَّتِكَ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ...»(521).
ومثله حديث معاوية بن عمَّار، عن الإمام الصادق (عليه السلام)(522).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(521) الغيبة للنعماني (ص 255 و256/ باب 14/ ح 1).
(522) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 8/ ص 49 و50/ ح 10) بسنده عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ مُسْتَبْشِرٌ يَضْحَكُ سُرُوراً، فَقَالَ لَه النَّاسُ: أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ، يَا رَسُولَ الله، وَزَادَكَ سُرُوراً، فَقَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إِنَّه لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ وَلَا لَيْلَةٍ إِلَّا وَلِيَ فِيهِمَا تُحْفَةٌ مِنَ الله، أَلَا وَإِنَّ رَبِّي أَتْحَفَنِي فِي يَوْمِي هَذَا بِتُحْفَةٍ لَمْ يُتْحِفْنِي بِمِثْلِهَا فِيمَا مَضَى، إِنَّ جَبْرَئِيلَ أَتَانِي فَأَقْرَأَنِي مِنْ رَبِّيَ السَّلَامَ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) اخْتَارَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ سَبْعَةً لَمْ يَخْلُقْ مِثْلَهُمْ فِيمَنْ مَضَى، وَلَا يَخْلُقُ مِثْلَهُمْ فِيمَنْ بَقِيَ، أَنْتَ يَا رَسُولَ الله سَيِّدُ النَّبِيِّينَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَصِيُّكَ سَيِّدُ الْوَصِيِّينَ، وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سِبْطَاكَ سَيِّدَا الأَسْبَاطِ، وَحَمْزَةُ عَمُّكَ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ، وَجَعْفَرٌ ابْنُ عَمِّكَ الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ يَطِيرُ مَعَ المَلَائِكَةِ حَيْثُ يَشَاءُ، وَمِنْكُمُ الْقَائِمُ، يُصَلِّي عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ خَلْفَه إِذَا أَهْبَطَه اللهُ إِلَى الأَرْضِ، مِنْ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ، مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)».
لماذا حصر الإمامة والمهدي في ذرّيَّة الحسين دون الحسن (عليهما السلام)؟
إذا ما تجاوزنا هذا، وعدنا إلى مسألة الإمامة بلحاظ كون المهدي الموعود هو قائم الأئمَّة ومن ذرّيَّتهم، نجد أنَّها قد انحصرت بذرّيَّة الإمام الحسين السبط (عليه السلام) لا في الروايات الصحيحة الكثيرة التي تفوق حدَّ الحصر فحسب، بل في واقعها الخارجي أيضاً، حيث عرفت الأُمَّة بكلِّ أجيالها من تصدَّى من آل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لمسألة الإمامة، متحدّياً بذلك السلطات الحاكمة في زمانه، ويكفي فيما نحن فيه استماتة الحسنيِّين في كسب تأييد الإمام الصادق (عليه السلام) لدعوتهم، حتَّى كان عبد الله ابن الحسن يقول لـمَّا أخذ في أمر ابنه محمّد وأجمع على لقاء أصحابه: (لا أجد هذا الأمر يستقيم إلَّا أنْ ألقى أبا عبد الله جعفر بن محمّد)(523)، وأنَّه حين صارحهم في اجتماعهم بحقيقة الأمر ونهض (عليه السلام) تفرَّقوا ولم يجتمعوا بعدها كما مرَّ.
وأمَّا السؤال عن سبب حصر الإمامة بذرّيَّة الإمام الحسين (عليه السلام) دون ذرّيَّة الحسن (عليه السلام)؟ فجوابه المحكم عند الإمام الصادق (عليه السلام) نفسه؛ إذ قال (عليه السلام): «إِنَّ مُوسَى وَهَارُونَ كَانَا نَبِيَّيْنِ مُرْسَلَيْنِ وَأَخَوَيْنِ، فَجَعَلَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) اَلنُّبُوَّةَ فِي صُلْبِ هَارُونَ دُونَ صُلْبِ مُوسَى (عليه السلام)، وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ وَإِنَّ الإِمَامَةَ خِلَافَةُ اَلله (عزَّ وجلَّ) فِي أَرْضِهِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: لِمَ جَعَلَهُ اَللهُ فِي صُلْبِ الحُسَيْنِ دُونَ صُلْبِ الحَسَنِ (عليهما السلام)؟ لِأَنَّ اَللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هُوَ الحَكِيمُ فِي أَفْعَالِهِ، ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: 23]»(524).
ومن هنا نُدرك أنَّ السرَّ في مسألة حصر الإمامة بذرّيَّة الإمام الحسين (عليه السلام) أعمق بكثير ممَّا قد نتصوَّره سبباً لاختيار الله (عزَّ وجلَّ) لتلك الصفوة الطاهرة من عباده، كسموِّ أرواحهم، وعظمة أخلاقهم، وانقطاعهم لله (عزَّ وجلَّ)، ونحو ذلك من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(523) الكافي (ج 1/ ص 358 - 366/ باب ما يُفصَل به بين دعوى المُحِقِّ والمُبطل.../ ح 17).
(524) كمال الدِّين (ص 358 و359/ باب 33/ ح 57).
الأسباب الظاهرة التي تندرج في قائمة المُثُل العليا في الإسلام، وإلَّا لتساووا مع المتَّقين الأبرار الذين سلكوا طريقتهم المثلى، ومضوا على محجَّتهم الواضحة.
3 - الاختلاف من جهة الأُمِّ اسماً ونسباً:
أمَّا عن الاختلاف في اسم الأُمِّ، فهو أوضح من نار على علم، وأين اسم (هند) من اسم (نرجس)؟ ويقال لها (عليها السلام): (صقيل)، كما مرَّ عن الإمام الصادق في بيان هويَّة الإمام المهدي (عليهما السلام)، من باب تسمية الشيء ببعض صفاته، ولهذا تعدَّدت أسماؤها لجمال خَلْقها وخُلقها (سلام الله عليها).
وأمَّا الاختلاف في نسب الأُمِّ، فإنَّ أُمَّ محمّد بن عبد الله بن الحسن، هي: هند بنت أبي عبيدة.
وأُمُّها: قريبة بنت يزيد بن عبد الله بن وهب.
وأُمُّها: خديجة بنت محمّد بن طليب بن أزهر بن عبد عوف.
وأُمُّها: أُمُّ مسلم بنت عبد الرحمن بن أزهر بن عبد عوف.
وأُمُّها: قدة بنت عرفجة بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.
وأُمُّها: الدنيبة بنت عبد عوف بن عبد الحرث بن زهرة.
وأُمُّها: بنت العداء بن هرم بن رواحة.
وأُمُّها: رزا بنت وهب بن ثعلبة بن وائلة من بني فهر.
وأُمُّها: من بني الأحمر بن الحرث بن عبد مناف بن كنانة(525).
فهو إذن من جهة الأُمَّهات لم تلده إلَّا عربيَّة قرشيَّة في جميع أُمَّهاته وجدَّاته، ولهذا يقال له: (صريح قريش)(526).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(525) مقاتل الطالبيِّين (ص 157).
(526) مقاتل الطالبيِّين (ص 157)، منتقلة الطالبيَّة (ص 6)، الحدائق الورديَّة (ج 1/ ص 273)، الأصيلي في أنساب الطالبيِّين (ص 72).
بينما يُعَدُّ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) من جهة الأُمِّ ابن خيرة الإماء كما مرَّ في أحاديث الهويَّة عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وفي روايات أُخرى عنه (عليه السلام) أنَّه ابن سيِّدة الإماء.
ومن طريف ما يُروى في الردِّ على مهدويَّة الحسني من هذه الجهة، ما عن ابن أبي حازم في قصَّة من احتجَّ عليه من أنصار محمّد بن عبد الله بن الحسن المثنَّى - وكانوا من المغيريَّة أصحاب المغيرة بن سعيد الكذَّاب - بأنَّ محمّداً هذا ابن مُهَيْرَة، أي: عربيَّة حرَّة محضة، فجاء إلى الإمام الصادق (عليه السلام) وأخبره باحتجاجهم، فأجابه (عليه السلام) بقوله: «أَوَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهُ - يعني الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) - اِبْنُ سَبِيَّةٍ؟»(527).
ثالثاً: من نتائج توعية الإمام الصادق (عليه السلام):
لعلَّ من أبرز نتائج الثقافة المهدويَّة التي بثَّها الإمام الصادق (عليه السلام) في ذلك الحين، تنصُّل قادة المعارضة الحسنيَّة للسلطة العبَّاسيَّة من دعوى المهدويَّة جملةً وتفصيلاً، بما في ذلك عبد الله بن الحسن الذي رجاها في ابنه محمّد، وكذلك محمّد نفسه الذي ادَّعاها كما مرَّ.
فقد روى يحيى بن مساور، عن يحيى بن عبد الله بن الحسن، قال: (لـمَّا حُبِسَ أبي - عبد الله بن الحسن - وأهل بيته، جاء محمّد بن عبد الله إلى أُمِّي، فقال: يا أُمِّ يحيى، اُدخلي على أبي السجن، وقولي له: يقول لك محمّد بأنَّه يُقْتَل رجل من آل محمّد - يعني بذلك نفسه - خير من أنْ يُقْتَل بضعة عشر رجلاً. قالت: فأتيته، فدخلت عليه السجن، فإذا هو متَّكئ على برذعة، في رجله سلسلة، قالت: فجزعت من ذلك، فقال: مهلاً يا أُمَّ يحيى، فلا تجزعي، فما بتُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(527) الغيبة للنعماني (ص 235/ باب 13/ ح 12).
ليلة مثلها، قالت: فأبلغته قول محمّد، قالت: فاستوى جالساً، ثمّ قال: حفظ الله محمّداً، لا ولكن قولي له فليأخذ في الأرض مذهباً، فوَالله ما يحتجُّ عند الله غداً إلَّا أنَّا خُلقنا وفينا من يطلب هذا الأمر)(528).
وروى ابن الأثير ما خلاصته: أنَّ المنصور العبَّاسي لـمَّا حبس بني الحسن في المدينة وصيَّرهم بعد رجوعه من الحجِّ إلى الربذة كان محمّد وإبراهيم يأتيانه كهيأة الأعراب فيتشاوران مع أبيهما، وأنَّه قال لهما: (إنْ منعكما أبو جعفر - يعني المنصور - أنْ تعيشا كريمين، فلا يمنعكما أنْ تموتا كريمين)(529).
وهذه الكلمات تكاد تنطق بتحوُّل عقيدة الأب في ابنه، وتنازل الابن نفسه عن دعوى المهدويَّة وتنصُّله منها.
أمَّا قول محمّد لأبيه في رواية أخيه يحيى، فيكشف دوران أمره بين تسليم نفسه للقتل مقابل الإفراج عن أبيه وباقي الحسنيِّين، أو التضحية بها وبأهل بيته المسجونين، وكلاها يُعبِّر عن تبخُّر ذلك الوهم الكبير في مَنْ يملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما مُلِئَت ظلماً وجوراً.
وأمَّا أبوه عبد الله فقد آثر لهما - برواية ابن الأثير - مصارع الكرام على العيش بذلِّ الاستسلام، ولو كان يعتقد مهدويَّة ابنه محمّد كما كان قبل دخوله السجن لأخذ بروع محمّد ابنه وطمأنه على حياته ومستقبل مهدويَّته بأنَّها أعظم من أنْ تزول على يد الدوانيقي المخذول، ولقال له: يا بُنَيَّ، عجِّل بالظهور، فإنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(528) مقاتل الطالبيِّين (ص 146 و147).
(529) الكامل في التاريخ (ج 5/ ص 524) في حوادث سنة (144هـ)؛ ورواه الطبري في تاريخه (ج 6/ ص 175)، وأبو الفرج في مقاتل الطالبيِّين (ص 151)، وابن مسكويه في تجارب الأُمَم (ج 3/ ص 387)، والخوارزمي في مقتل الحسين (عليه السلام) (ج 2/ ص 135 - 137/ ح 83)، وابن الجوزي في المنتظم في تاريخ الأُمَم والملوك (ج 8/ ص 47 و48)، والنويري في نهاية الأرب (ج 25/ ص 20)، وابن عِنَبَه في عمدة الطالب (ص 104).
روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) سينزل لنصرتك، وسيُصلِّي خلفك، حتَّى تكون مشارق الأرض ومغاربها من ملكك.
بفضل هذه التوعية أيضاً أنكر آخرون أنْ يكون محمّد بن عبد الله هو المهدي.
منهم: جدُّ محمّد بن عبد الله لأُمِّه مروان بن محمّد، الذي أثَّر فيه حديث الإمام الصادق (عليه السلام) في بيان هويَّة الإمام (عجَّل الله فرجه)، والذي لابدَّ وأنْ يكون قد وصل إلى أسماعه.
ويدلُّ عليه ما قاله أبو العبَّاس الفلسطي، قال: (قلت لمروان بن محمّد: جدّ محمّد بن عبد الله؛ فإنَّه - يعني ابن عبد الله - يدَّعي هذا الأمر ويتسمَّى بالمهدي! فقال: ما لي وله؟ ما هو به، ولا من أبيه، وإنَّه لابن أُمِّ ولد)(530)، يعني ابن سبيَّة.
ومنهم: خديجة بنت عمر بن عليِّ بن الحسين (عليهما السلام)، حيث كانت تسخر من القول بمهدويَّة محمّد بن عبد الله بن الحسن(531).
ومنهم: الكلبي النسَّابة، حيث أخذ معرفة هذا الأمر وحقيقته من الإمام الصادق (عليه السلام) مباشرةً، ولم يطع عبد الله بن الحسن في شيءٍ ممَّا قاله(532).
ومنهم: موسى بن عبد الله بن الحسن أخي محمّد بن عبد الله بن الحسن، الذي اعترف بصحَّة وقوع كلِّ ما أخبر به الإمام الصادق (عليه السلام)، وقد مرَّ حديثه.
ومنهم: إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وهو شيخ كبير، قتله الحسنيُّون بعدما أبى عن بيعة محمّد هذا، لحديث رواه عن الإمام الباقر (عليه السلام) في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(530) مقاتل الطالبيِّين (ص 167 و174).
(531) الكافي (ج 1/ ص 358 - 366/ باب ما يُفصَل به بين دعوى المُحِقِّ والمُبطل.../ ح 17).
(532) الكافي (ج 1/ ص 348 - 351/ باب ما يُفصَل به بين دعوى المُحِقِّ والمُبطل.../ ح 6).
مصرعه، وقد أيَّده الإمام الصادق (عليه السلام)، وقد قتله أنصار محمّد في مساء ذلك اليوم الذي امتنع فيه عن البيعة لهم(533).
ومنهم: علماء آل أبي طالب كما مرَّ في كلام أبي الفرج، ويأتي الإمام الصادق (عليه السلام) في طليعتهم، وقد يكون (عليه السلام) هو المعنيُّ أوَّلاً وآخراً بكلامه.
ومنهم: بعض الحسنيِّين كما مرَّ في قول ابن أخي الزهري لعبد الله بن الحسن لـمَّا أصرَّ على أنَّ المهدي هو ابنه محمّد، فقال له: (يَأْتِي ذَلِكَ أَهْلَ بَيْتِكَ)، وفيه إشارة إلى وجود جملة من بني الحسن لا يرون صحَّة القول بمهدويَّته، نظراً لما وصل إليهم من أخبار المهدي الموعود (عجَّل الله فرجه)، فضلاً عمَّا كان يقوله إمامنا الصادق (عليه السلام) للحسنيِّين، ويخلص لهم النصيحة في ذلك.
ومنهم: عمرو بن عبيد، الذي (كان يُنكِر أنْ يكون محمّد بن عبد الله هو المهدي، ويقول: كيف وهو يُقتَل؟)(534).
ومنهم: أبو جعفر المنصور العبَّاسي، كما سيأتي في دعوى مهدويَّة ابنه محمّد الملقَّب زوراً بـ(المهدي العبَّاسي).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(533) الكافي (ج 1/ ص 358 - 366/ باب ما يُفصَل به بين دعوى المُحِقِّ والمُبطل.../ ح 17).
(534) مقاتل الطالبيِّين (ص 166).
الفصل الرابع: دعوى مهدويَّة المهدي العبَّاسي محمّد بن عبد الله المنصور
أوَّلاً: من كان وراء القول بمهدويَّته:
1 - أبو جعفر المنصور:
يُعَدُّ المنصور الدوانيقي الخليفة العبَّاسي (136 - 158هـ) الرجل الأوَّل وراء القول بمهدويَّة ابنه (محمّد)، بعدما كان في طليعة من أشاع القول بمهدويَّة محمّد النفس الزكيَّة، مع أنَّه لم يكن معتقداً بها ولا بمهدويَّة ابنه قطُّ، وإنَّما رامها لأسباب سياسيَّة بحتة كما سيوافيك.
وقد كان المنصور - قبل وصول أخيه السفَّاح إلى السلطة سنة (132هـ) - متملِّقاً للحسنيِّين، مداهناً معهم، يحسب لمستقبله السياسي ألف حساب؛ إذ سبق له وأنْ أمسك بركاب محمّد النفس الزكيَّة، طالباً منه أنْ يذكر له هذا الموقف فيما لو أثمرت مهدويَّته، وصار خليفة للمسلمين! ولكنَّه سرعان ما نكث بيعته، وغدر به بعد تولِّي السلطة بموت السفَّاح سنة (136هـ)، فكفر بمهدويَّته، وأطاح بحركته، وأقدم على قتله وأخيه إبراهيم سنة (145هـ). وبعد مرور سنتين - أي في سنة (147هـ) - احتال على عمِّه عيسى بن موسى الذي كان السفَّاح قد عهد إليه بالخلافة بعد المنصور، فخلعه منها، وعهد بها إلى ولده (محمّد)، ولقَّبه المهدي(535)!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(535) راجع: تاريخ الخلفاء (ص 285).
وترجع محاولات المنصور في استغلال العقيدة المهدويَّة لصالحه إلى أواخر السلطة الأُمويَّة، يوم كان ابنه (محمّد) طفلاً صغيراً لا يتجاوز الخامسة من عمره؛ إذ وُلِدَ سنة (127، وقيل: 126هـ)، أي قبل تسلُّم العبَّاسيِّين السلطة بخمس أو ستّ سنين. ومنذ ذلك التاريخ ظلَّ حلم المهدويَّة يراود مخيلة المنصور إلى أنْ تمكَّن من إعلانه رسميًّا على الملأ سنة (147هـ)، قبل شهادة الإمام الصادق (عليه السلام) سنة (148هـ) بسنة واحدة.
ويدلُّ على ما ذكرناه ما قاله أبو سَلَمة المصبحي، قال: حدَّثني مولى لأبي جعفر، قال: أرسلني أبو جعفر - يعني المنصور - فقال: اجلس عند المنبر فاسمع ما يقول محمّد [بن عبد الله، قال: فذهبت وجلست عند المنبر، فسمعت محمّد بن عبد الله بن الحسن يخاطب الناس ويقول](536): (إنَّكم لا تشكُّون أنِّي أنا المهدي، وأنا هو، [قال]: فأخبرت بذلك أبا جعفر، فقال: كذب عدوُّ الله، بل هو ابني)(537).
أقول: ليت أحداً قال له في ذلك الحين: وأنت يا عدوَّ الله ألم تكذب وتقول في محمّد بن عبد الله بن الحسن نفسه: (هذا مهديُّنا أهل البيت)؟
ومن الواضح أنَّ هذا التراجع من المنصور لم يكن في زمان سلطته ولا في زمان أخيه السفَّاح؛ إذ كان المهدي الحسني في تلك الفترة متوارياً عن أنظار ولاة المدينة لبني العبَّاس، وبقي هكذا إلى أنْ فاجأ المنصور بالثورة عليه سنة (145هـ)، وعليه فلابدَّ وأنْ يكون هذا التحوُّل بُعيد مبايعته لمحمّد بن عبد الله الحسني ووصفه بالمهدي؛ إذ علم من الإمام الصادق (عليه السلام) مصير تلك المهدويَّة والسلطة معاً، فما يمنعه إذن من استخدام سلاح الحسنيِّين أنفسهم في الدعوة إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(536) في المصدر: (فسمعته يقول).
(537) مقاتل الطالبيِّين (ص 162).
ابنه، لاسيّما وأنَّ اسمه (محمّد)، واسم أبيه المنصور (عبد الله)، والحديث الموضوع: «وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي» لم يزل ساري المفعول في زمانه.
وقد مرَّ عنه قوله - بعدما سمع من الإمام الصادق (عليه السلام) ما سمع - بأنَّه ما خرج من المجلس إلَّا ودبَّر أمره! فانظر كيف نظر وفكَّر فدبَّر؟!
وروى أبو الحجَّاج الجمَّال ما هو صريح بتراجع المنصور عن القول بمهدويَّة محمّد النفس الزكيَّة قبل قتله، قال أبو الحجَّاج: (إنِّي لقائم على رأس أبي جعفر المنصور، وهو يسألني عن مخرج محمّد بن عبد الله بن الحسن، إذ بلغه أنَّ عيسى بن موسى هُزِم - وكان أرسله إلى قتال محمّد -، قال: وكان المنصور متَّكئاً، فجلس، فضرب بقضيب معه مصلَّاه، وقال: كلَّا، فأين لعب صبياننا بها على المنابر، ومشاورة النساء؟)(538).
والسؤال هنا: أنَّه لو كان معتقداً بمهدويَّة الحسني، فلماذا هذا التحوُّل السريع؟ ثمّ من أين لأبي جعفر الدوانيقي أنْ يعلم بكلِّ هذا لو لم يأخذه من عين صافية؟
نعم، أخذه من الإمام الباقر (عليه السلام) في زمان الدولة الأُمويَّة(539)، كما أخذه من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(538) تاريخ الطبري (ج 6/ ص 220)، مقاتل الطالبيِّين (ص 184 و185)، تجارب الأُمَم (ج 3/ ص 407)، نهاية الأرب (ج 25/ ص 48)، البداية والنهاية (ج 10/ ص 90) في حوادث سنة (145هـ).
(539) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 8/ ص 210 - 212/ ح 256) بسنده عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) جَالِساً فِي المَسْجِدِ إِذْ أَقْبَلَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ خَالِدٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو الدَّوَانِيقِ، فَقَعَدُوا نَاحِيَةً مِنَ المَسْجِدِ، فَقِيلَ لَهُمْ: هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ جَالِسٌ، فَقَامَ إِلَيْه دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ خَالِدٍ، وَقَعَدَ أَبُو الدَّوَانِيقِ مَكَانَه، حَتَّى سَلَّمُوا عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «مَا مَنَعَ جَبَّارَكُمْ مِنْ أَنْ يَأْتِيَنِي؟»، فَعَذَّرُوه عِنْدَه، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام): «أَمَا وَالله لَا تَذْهَبُ اللَّيَالِي وَالأَيَّامُ حَتَّى يَمْلِكَ مَا بَيْنَ قُطْرَيْهَا، ثُمَّ لَيَطَأَنَّ الرِّجَالُ عَقِبَه، ثُمَّ لَتَذِلَّنَّ لَه رِقَابُ الرِّجَالِ، ثُمَّ لَيَمْلِكَنَّ مُلْكاً شَدِيداً»، فَقَالَ لَه دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ: وَإِنَّ مُلْكَنَا قَبْلَ مُلْكِكُمْ؟ قَالَ: «نَعَمْ يَا دَاوُدُ، إِنَّ مُلْكَكُمْ قَبْلَ مُلْكِنَا، وَسُلْطَانَكُمْ قَبْلَ سُلْطَانِنَا»، فَقَالَ لَه دَاوُدُ: أَصْلَحَكَ اللهُ، فَهَلْ لَه مِنْ مُدَّةٍ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ يَا دَاوُدُ، وَالله لَا يَمْلِكُ بَنُو أُمَيَّةَ يَوْماً إِلَّا مَلَكْتُمْ مِثْلَيْه، وَلَا سَنَةً إِلَّا مَلَكْتُمْ مِثْلَيْهَا، وَلَيَتَلَقَّفُهَا الصِّبْيَانُ مِنْكُمْ كَمَا تَلَقَّفُ الصِّبْيَانُ الْكُرَةَ»، فَقَامَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ عِنْدِ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فَرِحاً يُرِيدُ أَنْ يُخْبِرَ أَبَا الدَّوَانِيقِ بِذَلِكَ، فَلَمَّا نَهَضَا جَمِيعاً هُوَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ خَالِدٍ نَادَاه أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) مِنْ خَلْفِه: «يَا سُلَيْمَانَ بْنَ خَالِدٍ، لَا يَزَالُ الْقَوْمُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ مُلْكِهِمْ مَا لَمْ يُصِيبُوا مِنَّا دَماً حَرَاماً - وأَوْمَأَ بِيَدِه إِلَى صَدْرِه -، فَإِذَا أَصَابُوا ذَلِكَ الدَّمَ فَبَطْنُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْ ظَهْرِهَا، فَيَوْمَئِذٍ لَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الأَرْضِ نَاصِرٌ، وَلَا فِي السَّمَاءِ عَاذِرٌ»، ثُمَّ انْطَلَقَ سُلَيْمَانُ بْنُ خَالِدٍ، فَأَخْبَرَ أَبَا الدَّوَانِيقِ، فَجَاءَ أَبُو الدَّوَانِيقِ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فَسَلَّمَ عَلَيْه، ثُمَّ أَخْبَرَه بِمَا قَالَ لَه دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ خَالِدٍ، فَقَالَ لَه: «نَعَمْ يَا أَبَا جَعْفَرٍ، دَوْلَتُكُمْ قَبْلَ دَوْلَتِنَا، وَسُلْطَانُكُمْ قَبْلَ سُلْطَانِنَا، سُلْطَانُكُمْ شَدِيدٌ عَسِرٌ لَا يُسْرَ فِيه، وَلَه مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ، وَالله لَا يَمْلِكُ بَنُو أُمَيَّةَ يَوْماً إِلَّا مَلَكْتُمْ مِثْلَيْه، وَلَا سَنَةً إِلَّا مَلَكْتُمْ مِثْلَيْهَا، ولَيَتَلَقَّفُهَا صِبْيَانٌ مِنْكُمْ فَضْلاً عَنْ رِجَالِكُمْ كَمَا يَتَلَقَّفُ الصِّبْيَانُ الْكُرَةَ، أفَهِمْتَ؟»، ثُمَّ قَالَ: «لَا تَزَالُونَ فِي عُنْفُوَانِ المُلْكِ تَرْغُدُونَ فِيه مَا لَمْ تُصِيبُوا مِنَّا دَماً حَرَاماً، فَإِذَا أَصَبْتُمْ ذَلِكَ الدَّمَ غَضِبَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) عَلَيْكُمْ، فَذَهَبَ بِمُلْكِكُمْ وَسُلْطَانِكُمْ، وَذَهَبَ بِرِيحِكُمْ، وَسَلَّطَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) عَلَيْكُمْ عَبْداً مِنْ عَبِيدِه أَعْوَرَ وَلَيْسَ بِأَعْوَرَ مِنْ آلِ أَبِي سُفْيَانَ، يَكُونُ اسْتِيصَالُكُمْ عَلَى يَدَيْه وَأَيْدِي أَصْحَابِه»، ثُمَّ قَطَعَ الْكَلَامَ.
الإمام الصادق (عليه السلام) يوم خاطب عبد الله بن الحسن بمحضر منه ومن أخيه السفَّاح قائلاً: «إِنَّ هَذَا الأَمْرَ وَاَلله لَيْسَ إِلَيْكَ وَلَا إِلَى اِبْنَيْكَ، وَإِنَّمَا هُوَ لِهَذَا - يعني السفَّاح - ثُمَّ لِهَذَا - يعني المنصور - ثُمَّ لِوُلْدِهِ مِنْ بَعْدِهِ، لَا يَزَالُ فِيهِمْ حَتَّى يُؤَمَّرَ اَلصِّبْيَانُ، وُيُشَاوِرُوا اَلنِّسَاءَ»(540).
وهكذا كان للمنصور العبَّاسي الدور الأوَّل في خداع الأُمَّة والتحايل على عقيدتها في الإمام المهدي الموعود (عجَّل الله فرجه) تارةً بادِّعائها للحسني، وأُخرى لولده، هذا في الوقت الذي كان يعتقد فيه اعتقاداً راسخاً بأنَّ المهدي الموعود غيرهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(540) مقاتل الطالبيِّين (ص 172).
والدليل عليه ما قاله يوسف بن قتيبة بن مسلم، قال: (أخبرني أخي مسلم بن قتيبة، قال: أرسل إليَّ أبو جعفر - المنصور -، فدخلت عليه، فقال: قد خرج محمّد بن عبد الله وتسمَّى بالمهدي، والله ما هو به. وأُخرى أقولها لك لم أقلها لأحد قبلك، ولا أقولها لأحد بعدك: وابني هذا والله ما هو بالمهدي الذي جاءت به الرواية، ولكنَّني تيمَّنت به، وتفاءلت به)(541).
ويدلُّ عليه أيضاً ما أخرجه الشيخ المفيد (رحمه الله) عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ اَلمَنْصُورِ، فَقَالَ لِيَ اِبْتِدَاءً: يَا سَيْفَ بْنَ عَمِيرَةَ، لَابُدَّ مِنْ مُنَادٍ يُنَادِي مِنَ اَلسَّمَاءِ بِاسْمِ رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ أَبِي طَالِبٍ.
فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ، تَرْوِي هَذَا؟
قَالَ: إِي وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لِسَمَاعِ أُذُنِي لَهُ.
فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ، إِنَّ هَذَا الحَدِيثَ مَا سَمِعْتُهُ قَبْلَ وَقْتِي هَذَا!
فَقَالَ: يَا سَيْفُ، إِنَّهُ لَحَقٌّ، وَإِذَا كَانَ فَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يُجِيبُهُ، أَمَا إِنَّ اَلنِّدَاءَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَمِّنَا.
فَقُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ؟
فَقَالَ: نَعَمْ يَا سَيْفُ، لَوْ لَا أَنَّنِي سَمِعْتُ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ يُحَدِّثُنِي بِهِ، وَحَدَّثَنِي بِهِ أَهْلُ الأَرْضِ كُلُّهُمْ مَا قَبِلْتُهُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ(542).
أقول: ومع كلِّ هذا فلم يرتدع حتَّى أعلن مهدويَّة ابنه رسميًّا على الملأ، ولم يفصح لأحد بما أفصح به من قبل لمسلم بن قتيبة كما مرَّ، وبقي معانداً للحقِّ، فأشاع تلك البدعة الشنعاء، وقد وقف إلى جانبه الوضَّاعون والشعراء المتملِّقون كما سنرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(541) مقاتل الطالبيِّين (ص 167).
(542) الإرشاد (ج 2/ ص 370 و371).
2 - الوضَّاعون:
كان للوضَّاعين الكذَّابين دور كبير في إشاعة مهدويَّة المهدي العبَّاسي على الناس، أمثال: مقاتل بن سليمان المشهور بالكذب ووضع الحديث. ولـمَّا كان هذا الرجل الكذوب على علم بأنَّ خروج الدجَّال من علامات ظهور المهدي الموعود من عقيدة الأُمَّة بلا خلاف، ومن هنا أراد إقناع الناس بأنَّ ظهور الدجَّال سيكون في زمان محمّد بن عبد الله المنصور الملقَّب كذباً على الله ورسوله بالمهدي، ولهذا كان يقول: (إنْ لم يخرج الدجَّال الأكبر سنة خمسين ومائة فاعلموا أنِّي كذَّاب)!
وكان يُحدِّث بهذا الحديث عن الكلبي، ويقول: (حدَّثنا أبو النظر)، فلقيه الكلبي، وقال له: أنا أبو النظر، وما حدَّثتك بهذا قطُّ! فقال مقاتل: (اُسكت يا أبا النظر، فإنَّ تزيين الحديث لنا إنَّما يكون بالرجال)!
ومن جرأته في الكذب على الله ورسوله، أنَّه قال للمهدي العبَّاسي ذات يوم: (إن ْشئتَ وضعتُ لك أحاديث في العبَّاس)! فقال: لا حاجة لي فيها.
ويظهر ممَّا سيأتي أنَّ كثرة تلك الأحاديث الموضوعة في العبَّاس وولده جعلت ابن المنصور في غنى عن أحاديث مقاتل، في حين كان المفروض عليه أنْ يُلَقِّن هذا الدجَّال درساً بليغاً ليكون عبرةً لمن اعتبر، ولكن (الخليفة) و(أمير المؤمنين) و(المهدي) لم يفعل!
وقد سبق لمقاتل هذا وأنْ قال للمنصور: (اُنظر ما تُحِبُّ أنْ أُحَدِّث فيك)!
وكلُّ هذا وغيره ممَّا نقله مترجموه، واتَّفقوا على كذبه ودجله(543).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(543) تجد هذه الأقوال وغيرها في: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (ج 8/ ص 354 و355/ الرقم 1630)، والمجروحين من المحدِّثين والضعفاء والمتروكين لابن حبَّان (ج 3/ ص 14 - 16)، الكامل لابن عدي (ج 6/ ص 435 - 438/ الرقم 293/1914)، والضعفاء والمتروكين للدارقطني (ص 371/ الرقم 527)، والضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (ج 3/ ص 136 و137/ الرقم 3402)، وميزان الاعتدال (ج 4/ ص 173 - 175/ الرقم 8741).
إلى غير ذلك من أصناف الوضَّاعين والكذَّابين، والمجاهيل والمهملين، والضعفاء والمتروكين الذين أسهموا في إشاعة وترويج مهدويَّة المهدي العبَّاسي، من أمثال: إبراهيم بن المهاجر، وأحمد بن راشد الهلالي، وإسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر، والحسن بن أحمد العطاردي، وزيد بن عوف أبي ربيعة القطعي، وسالم الأعشى، ومحمّد بن جابر بن سيَّار الحنفي، ومحمّد بن زياد أبي بكر، ومحمّد بن مخلد، ومحمّد بن الوليد المقرئ مولى بني العبَّاس.
وإليك جملة من رواياتهم:
الأحاديث الموضوعة في ترويج مهدويَّة المهدي العبَّاسي:
لا بأس هنا بالإشارة السريعة إلى تلك الأحاديث الموضوعة والملفَّقة المقلوبة في مهدويَّة محمّد بن المنصور الذي عُرِفَ بشرب الخمور:
منها: حديث رجل مجهول رفعه إلى كعب الأحبار، وفيه: «اَلمَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِ العَبَّاسِ»، رواه ابن حمَّاد، عن الوليد، عن شيخ، عن يزيد بن الوليد الخزاعي، عن كعب(544).
ولم يعرف أحد اسم هذا الشيخ، والإسناد منقطع؛ لاشتماله على أحد الرواة بلفظ مبهم، ويُسمَّى مجهولاً أيضاً. زيادةً على إرساله؛ إذ لم يرفعه كعب، هذا فضلاً عمَّا في كعب الأحبار من كلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(544) الفتن لنعيم بن حمَّاد (ص 230)، عنه تاريخ بغداد (ج 1/ ص 85) باب من أخبار أبي جعفر المنصور؛ ورواه السيوطي في العرف الوردي (ص 151 و152/ ح 187)، وابن حجر الهيتمي في القول المختصر (ص 149).
ومنها: ما أسنده بعضهم إلى ابن عبَّاس مرفوعاً: «هَذَا عَمِّي أَبُو الخُلَفَاءِ الأَرْبَعِينَ، أَجْوَدُ قُرَيْشٍ كَفًّا وَأَحْمَاهَا، مِن وُلْدِهِ: اَلسَّفَّاحُ، وَاَلمَنْصُورُ، وَاَلمَهْدِيُّ، يَا عَمّ، بِي فَتَحَ اَللهُ هَذَا الأَمْرَ، وَيَخْتِمُهُ بِرَجُلٍ مِنْ وِلْدِكَ».
أورده ابن الجوزي في (الموضوعات)(545)، وابن عراق في (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة)(546)، والسيوطي في (اللئالئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة)، وقال: (موضوع، المتَّهم به الغلابي)(547).
وهذا خطأ فظيع؛ لأنَّ الغلابي ثقة جليل مشهور، وهو محمّد بن زكريَّا البصري (ت 298هـ)(548)، والمتَّهم به غيره، ويُؤيِّده أنَّ الإسناد المذكور لهذا الحديث ضعيف ومنقطع(549).
ولله دَرُّ من قال في السيوطي بأنَّه كحاطب ليل.
ومن أمارات وضعه، أنَّه مخالف لعدد سلاطين بني العبَّاس، لأنَّك لو أعددتهم ابتداءً من السفَّاح وانتهاءً بالمستعصم قتيل التتار لوجدتهم في العراق سبعة وثلاثين رجلاً، وفي مصر ابتداءً من المستنصر بالله وإلى نشوء الدولة الفاطميَّة ستَّة عشر رجلاً(550)، وبهذا يكون مجموع خلفاء بني العبَّاس ثلاثة وستِّين، وبه يستبين كذب واضعه ودجله. هذا فضلاً عن وضوح كذبه بمعارضة حديثه للصحيح من كون الخلفاء اثني عشر لا غير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(545) الموضوعات لابن الجوزي (ج 2/ ص 37)، وقال: (المتَّهم به الغلابي فإنَّه كذَّاب).
(546) تنزيه الشريعة (ج 2/ ص 11/ ح 22).
(547) اللئالئ المصنوعة (ج 1/ ص ٣٩٧).
(548) رجال النجاشي (ص 346 و347 / الرقم 936).
(549) راجع: البداية والنهاية (ج 6/ ص 275).
(550) راجع: تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص 279 و509).
هذا، وقد أخرج الحاكم نحوه من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، عن أبيه(551).
وحديث إسماعيل هذا واهٍ جدًّا، قال الذهبي: (وإسماعيل مجمع على ضعفه، وأبوه ليس بذاك)(552).
وأخرج الحديث المذكور الخطيب البغدادي في (تاريخه) من رواية محمّد بن مخلد بن حفص(553).
وحديثه ليس بشيء، فقد ذكره الذهبي في ترجمة أحمد بن الحجَّاج بن الصلت، قائلاً: (رواه عنه محمّد بن مخلد العطَّار، فهو آفته، والعجب أنَّ الخطيب ذكره في تاريخه، ولم يُضعِّفه، وكأنَّه سكت عنه لانتهاك حاله)(554).
ومنها: حديث محمّد بن الوليد المقرئ مولى العبَّاسيِّين، رفعه إلى عثمان بن عفَّان، قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: «اَلمَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِ العَبَّاسِ عَمِّي».
وهذا الحديث أورده ابن الجوزي في (العِلَل المتناهية)(555)، والألباني الوهَّابي في (سلسلة الأحاديث الضعيفة)(556)، والسيوطي في (الجامع الصغير)، وقال: (حديث ضعيف)(557)، وهذا اشتباه منه؛ إذ الصحيح أنَّه مكذوب لا أصل له، كما صرَّح بهذا غير واحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(551) مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 514)؛ ورواه المقدسي الشافعي في عقد الدُّرَر (ص 150)، وابن خلدون في تاريخه (ج 1/ ص 320)، وابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة (ص 237)، والسمهودي في جواهر العقدين (ج 2/ ص 196 و197).
(552) تلخيص المستدرك (ج 4/ ص 514).
(553) تاريخ بغداد (ج 4/ ص 93/ الرقم 1742) في ترجمة محمّد بن نوح بن سعيد المؤذِّن.
(554) ميزان الاعتدال (ج 1/ ص 89/ الرقم 328).
(555) العلل المتناهية (ج 2/ ص ٣٧٣/ ح 1431).
(556) سلسلة الأحاديث الضعيفة (ج 1/ ص 180 و181/ح 80).
(557) الجامع الصغير (ص 552/ ح 9242).
قال المناوي في (شرح الجامع الصغير) بخصوص هذا الحديث: (قال ابن الجوزي: فيه محمّد بن الوليد المقرئ، قال ابن عدي: يضع الحديث، ويصله، ويسرق، ويقلب الأسانيد والمتون. وقال ابن أبي معشر: هو كذَّاب)(558).
وأورده صاحب (الصواعق)، ثمّ نقل عن الذهبي قوله: (تفرَّد به محمّد ابن الوليد مولى بني هاشم - يعني العبَّاسيِّين -، وكان يضع الحديث)(559).
وقد ترجم الذهبي لهذا الكذَّاب قائلاً: (قال ابن عدي: كان يضع الحديث، وقال أبو عروبة: كذَّاب، فمن أباطيله...)، ثمّ ساق له ثلاثة أخبار كلُّها كذب على الله تعالى ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأشدّها خرافةً ثالثها، ثمّ قال: (قال أبو حاتم: ليس بصدوق، وقال الدارقطني: ضعيف)(560).
ومنها: حديث أحمد بن راشد الهلالي، عن سعيد بن خثيم، رفعه إلى أُمِّ الفضل، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَا عَبَّاسُ، إِذَا كَانَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمَائَةٍ، فَهِيَ لَكَ وَلِوُلْدِكَ، مِنْهُمْ: اَلسَّفَّاحُ، وَمِنْهُمْ اَلمَنْصُورُ، وَمِنْهُمْ اَلمَهْدِيُّ»(561).
ويبدو أنَّ هذا الهلالي كان غبيًّا جاهلاً بالتاريخ، ولهذا فقد خالف بخبره هذا واضحات التاريخ، حيث لم يبدأ حكم بني العبَّاس بما قاله هذا الكذَّاب، وإنَّما ابتدأ حكمهم في سنة (132هـ) بلا خلاف، ولهذا قال الذهبي في ترجمته: ([وفي السند] أحمد بن راشد الهلالي، عن سعيد بن خثيم، بخبر باطل في ذكر بني العبَّاس...)، ثمّ أورد خبره وقال: (فهو الذي اختلقه بجهل)(562).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(558) فيض القدير شرح الجامع الصغير (ج 6/ ص 361/ ح 9242).
(559) الصواعق المحرقة (ص 166).
(560) ميزان الاعتدال (ج 4/ ص 59 و60/الرقم 8293).
(561) تاريخ بغداد (ج 1/ ص 84 و85/ باب من أخبار أبي جعفر المنصور).
(562) ميزان الاعتدال (ج 1/ ص 97/ الرقم 375).
ونكتفي بهذا القدر من التوضيح مع الإشارة السريعة إلى بقيَّة ما وقفنا عليه من أحاديث المهملين والكذَّابين الذين وضعوا الأحاديث في مهدويَّة المهدي العبَّاسي، كمحمّد بن زياد أبو بكر، وسالم الأعشى، وهما مهملان، وحديثهما عن ابن عبَّاس موضوع(563).
ومحمّد بن جابر بن سيَّار الحنفي (ضعيف)، والحسن بن أحمد العطاردي (مجهول)، وقد وقعا في سند حديث واحد مكذوب على أبي سعيد الخدري(564).
وأبي ربيعة زيد بن عوف القطعي، وحديثه موضوع(565).
والضحَّاك، عن ابن عبَّاس، وحديثه موضوع؛ لأنَّه لم يسمع من ابن عبَّاس شيئاً، ولعلَّ الآفة من المجهول الذي سمعه الضحَّاك منه، كما في قول ابن حبَّان(566).
جدير بالذكر، أنَّه وردت عن أهل البيت (عليهم السلام) جملة من الأخبار الصريحة بأنَّ المراد بالمنصور في الروايات هو الإمام الحسين (عليه السلام)، وبالسفَّاح هو أمير المؤمنين عليٌّ (عليه السلام)، وذلك بعد الرجعة(567).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(563) تاريخ بغداد (ج 4/ ص 258)، الموضوعات لابن الجوزي (ج 3/ ص 280)، ترتيب الموضوعات للذهبي (ص 322/ ح 1172)، واللئالئ المصنوعة (ج 1/ ص 398).
(564) تاريخ بغداد (ج 9/ ص 407/ الرقم 5007)، تاريخ مدينة دمشق (ج 32/ ص 301 و302/ الرقم 3523)، ميزان الاعتدال (ج 3/ ص 498/ الرقم 7301)، وقال: (وهو خبر منكر جدًّا)، إمتاع الأسماع (ج 12/ ص 299)، تهذيب التهذيب (ج 9/ ص 78/ الرقم 116)، وقال: (وهو منكر جدًّا)، تاريخ الخلفاء (ص 283)، سُبُل الهدى والرشاد (ج 10/ ص 92)، كنز العُمَّال (ج 14/ ص 270/ ح 38688).
(565) العلل المتناهية (ج 1/ ص 289 و290/ ح 469).
(566) اُنظر: لسان الميزان (ج 6/ ص 340/ الرقم 1121) في ترجمة محمّد بن الفرج الأزرق.
(567) روى العيَّاشي (رحمه الله) في تفسيره (ج 2/ ص 326/ ح 24) عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «... ثُمَّ يَخْرُجُ اَلمَنْصُورُ إِلَى اَلدُّنْيَا، فَيَطْلُبُ دَمَهُ وَدَمَ أَصْحَابِهِ، فَيَقْتُلُ وَيَسْبِي حَتَّى يُقَالَ: لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ ذُرِّيَّةِ اَلْأَنْبِيَاءِ مَا قَتَلَ اَلنَّاسَ كُلَّ هَذَا اَلْقَتْلِ، فَيَجْتَمِعُ اَلنَّاسُ عَلَيْهِ أَبْيَضُهُمْ وَأَسْوَدُهُمْ، فَيَكْثُرُونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُلْجِئُونَهُ إِلَى حَرَمِ اَلله، فَإِذَا اِشْتَدَّ اَلْبَلَاءُ عَلَيْهِ مَاتَ اَلمُنْتَصِرُ، وَخَرَجَ اَلسَّفَّاحُ إِلَى اَلدُّنْيَا غَضَباً لِلْمُنْتَصِرِ، فَيَقْتُلُ كُلَّ عَدُوٍّ لَنَا جَائِراً، وَيَمْلِكُ اَلْأَرْضَ كُلَّهَا، وَيُصْلِحُ اَللهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَيَعِيشُ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ وَيَزْدَادُ تِسْعاً»، ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: «يَا جَابِرُ، وَهَلْ تَدْرِي مَنِ اَلمُنْتَصِرُ وَاَلسِّفَاحُ؟ يَا جَابِرُ، اَلمُنْتَصِرُ اَلْحُسَيْنُ، وَاَلسَّفَّاحُ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ)»؛ ورواه المفيد (رحمه الله) في الاختصاص (ص 257 و258).
وروى الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 478 و479/ ح 505) بسنده عَنْ جَابِرٍ اَلْجُعْفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «وَاَلله لَيَمْلِكَنَّ مِنَّا أَهْلَ اَلْبَيْتِ رَجُلٌ بَعْدَ مَوْتِهِ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ يَزْدَادُ تِسْعاً»، قُلْتُ: مَتَى يَكُونُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «بَعْدَ اَلْقَائِمِ (عليه السلام)»، قُلْتُ: وَكَمْ يَقُومُ اَلْقَائِمُ فِي عَالَمِهِ؟ قَالَ: «تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ اَلمُنْتَصِرُ فَيَطْلُبُ بِدَمِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام) وَدِمَاءِ أَصْحَابِهِ، فَيَقْتُلُ وَيَسْبِي حَتَّى يَخْرُجَ اَلسَّفَّاحُ».
قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 53/ ص 100/ ذيل الحديث 121): (الظاهر أنَّ المراد بالمنتصر الحسين، وبالسفَّاح أمير المؤمنين (صلوات الله عليهما)).
ومهما يكن، فإنَّ بني العبَّاس حاولوا خداع الأُمَّة على أكثر من صعيد من أجل تمرير أهدافهم السياسيَّة في القضاء على خصومهم من العلويِّين وغيرهم، ومن ثَمَّ تحسين صورتهم في أعين الناس الذين كانوا يرونهم عصابة اغتصبت ثمار جهود متواصلة من النضال العلوي ضدَّ الحكم الأُموي الجائر، ومن هنا كانوا بحاجة إلى تحسين تلك الصورة التي أرادوا جلي سحنتها بكلِّ ثمن، وأخيراً وجدوا بغيتهم عند حفنة من الوضَّاعين والمتروكين، فوضعوا لهم: «أُرِيتُ بَنِي مَرْوَان يَتَعَاوَرُونَ مِنْبَرِي فَسَاءَنِي ذَلِكَ، وَرَأَيْتُ بَنِي العَبَّاسِ يَتَعَاوَرُونَ مِنْبَرِي فَسَرَّنِي ذَلِكَ»(568).
والمقطع الأوَّل من الحديث المذكور صحيح بلا إشكال، وقد تقدَّم في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(568) المعجم الكبير للطبراني (ج 2/ ص 96)، سُبُل الهدى والرشاد (ج 10/ ص 90)، وقال: (وفي لفظ: (بني هاشم) بدل (بني العبَّاس)).
أُكذوبة مهدويَّة عمر بن عبد العزيز الأُموي المرواني. ولكن المقطع الثاني منه: «وَرَأَيْتُ بَنِي العَبَّاسِ...» موضوع بلا شبهة، والذي وضعه زيد بن معاوية المتروك(569).
هذا، وقد رأينا كيف سخَّر العبَّاسيُّون جملة من الرعاع لنصرتهم بالالتفاف على أحاديث الرايات السود التي صحَّ الحديث بخروجها من المشرق في آخر الزمان لنصرة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وتوطيد سلطانه الشريف، وهي أحاديث صحيحة رواها الفريقان، وصحَّح الحاكم بعض طُرُقها على شرط البخاري ومسلم معاً(570)، ولهذا حاولوا صرف الأنظار إلى ما يُوحي للأُمَّة بأنَّ تلك الرايات السود هي الرايات السود التي أقبل بها داعيتهم أبو مسلم الخراساني من خراسان لإنشاء دولتهم، ولم يصعب عليهم إيجاد من يضع لهم الحديث في ذلك. الأمر الذي يكشف لنا عن أنَّ اختيار العبَّاسيِّين لبس السواد - كشعار لهم - لم يكن جزافاً وبلا هدف، وإنَّما جاء منسجماً مع وسائلهم في الوصول إلى السلطة وسُبُل تثبيتها، بالغدر والقتل تارةً، وبالكذب على الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تارةً أُخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(569) مجمع الزوائد (ج 5/ ص 244)، قال: (وفيه زيد بن معاوية، وهو متروك).
(570) روى الحاكم في المستدرك (ج 4/ ص 502) بسنده عَنْ ثَوْبَانِ، قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ الرَّايَاتِ السُّودَ قَدْ أَقْبَلَتْ مِنْ خُرَاسَانَ، فَأْتُوهَا وَلَوْ حَبْواً عَلَى الثَّلْجِ، فَإِنَّ فِيهَا خَلِيفَةَ الله المَهْدِيَّ»، وقال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يُخرِّجاه)؛ ورواه أحمد في مسنده (ج 37/ ص 70/ ح 22387)، وابن المنادي في الملاحم (ص 194/ ح 138/3)، والبيهقي في دلائل النبوَّة (ج 6/ ص 516)، والذهبي في ميزان الاعتدال (ج 3/ ص 128)، وابن كثير في البداية والنهاية (ج 6/ ص 276)، والمقريزي في إمتاع الأسماع (ج 12/ ص 296 و297)، والسيوطي في العرف الوردي (ص 106/ ح 56)، وابن حجر الهيتمي في القول المختصر (ص 126)، والمتَّقي الهندي في كنز العُمَّال (ج 14/ ص 261/ ح 38651).
وقد تنبَّه ابن كثير إلى كذبهم هذا، فقال معقِّباً حديث الرايات في (سُنَن الترمذي)(571): (وهذه الرايات السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني...، بل رايات سود أُخَر تأتي بصحبة المهدي)(572).
3 - الشعراء:
كما كان للشعراء دور كبير أيضاً في إفشاء مهدويَّة (المهدي) العبَّاسي، وقد كان نصيبهم في هذا كبيراً، حيث تقرَّبوا إلى العبَّاسيِّين بمدائح مكذوبة، ونعتوهم بصفات لا توجد فيهم، طمعاً في ما حازوه من أموال الأُمَّة، من أمثال: مروان ابن أبي حفصة، وسِلْم الخاسر، وغيرهما من الشعراء.
فمن قول مروان بن أبي حفصة:
مهديٌّ أُمَّته الذي أمست به * * * للذلِّ آمنةً وللإعدام(573)
وقال سِلْم الخاسر:
له شيمةٌ عند بذل العطا * * * ء لا يعرف الناس مقدارها
ومهديُّ أُمَّتنا والذي * * * حماها وأدرك أوتارها
فأمر له (المهدي) بخمسمائة ألف درهم(574)!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(571) روى الترمذي في سُنَنه (ج 3/ ص 362/ ح 2371) بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّهُ قَالَ: «تَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ رَايَاتٌ سُودٌ، فَلَا يَرُدُّهَا شَيْءٌ حَتَّى تُنْصَبَ بِإِيلِيَاءَ»؛ ورواه أحمد بن حنبل في مسنده (ج 14/ ص 383/ ح 8775)، والطبراني في المعجم الأوسط (ج 4/ ص 31)، وابن كثير في البداية والنهاية (ج 6/ ص 276، وج 10/ ص 55)، وابن حجر العسقلاني في القول المسدَّد (ص 69)، والسيوطي في العرف الوردي (ص 95/ ح 24)، وابن حجر الهيتمي في القول المختصر (ص 120)، والمتَّقي الهندي في كنز العُمَّال (ج 14/ ص 261/ ح 38652).
(572) النهاية في الفتن والملاحم (ج 1/ ص 55 و56).
(573) تاريخ الخلفاء (ص 299).
(574) الأغاني (ج 19/ ص 185) في ترجمة سِلْم الخاسر.
ومدح سِلْم - ذات يوم - بعض العلويِّين، فبلغ ذلك المهدي العبَّاسي فتوعَّده وهمَّ به، فاعتذر له بقصيدة يقول فيها:
إنِّي أتتني على المهديِّ معتبةٌ * * * تكاد من خوفها الأحشاء تضطرب(575)
ومن سخافة شعر سِلْم الخاسر أنَّه وصف محمّد بن عبد الله المنصور العبَّاسي بالمهدويَّة، وهو يراه جثَّةً هامدة! فقال يرثيه:
وباكية على المهديِّ عبرى * * * كأنَّ بها - وما جُنَّتْ - جنونا(576)
وقال أبو العتاهية في جارية المهدي العبَّاسي (عتبة) وكان يُحِبُّها:
نفسـي بشـيءٍ من الدنيا معلَّقةٌ * * * الله والقائم المهديُّ يكفيها
إنِّي لآيس منها ثمّ يُطْمِعني * * * فيها احتقارك للدنيا وما فيها(577)
وسيأتي في شخصيَّة المهدي العبَّاسي ما يدلُّ على انغماسه في ملذَّات الدنيا وزخارفها بلا زهدٍ في شيءٍ منها.
وقال أحد شعراء البلاط مهنِّئاً المهدي العبَّاسي بولاية العهد:
يا بن الخليفة إنَّ أُمَّة أحمد * * * تاقت إليك بطاعة أهواؤها
ولتملأنَّ الأرض عدلاً كالذي * * * كانت تُحدِّث أُمَّة علماؤها
حتَّى تمنَّى لو ترى أمواتها * * * من عدل حكمك ما ترى أحياؤها
فعلى أبيك اليوم بهجة ملكها * * * وغداً عليك إزارها ورداؤها(578)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(575) الأغاني (ج 19/ ص 182).
(576) تاريخ الخلفاء (ص 298).
(577) مروج الذهب (ج 3/ ص 317)، عن الكامل في اللغة والأدب (ج 2/ ص 17 و18).
(578) تاريخ الخلفاء (ص 299) في حديثه عن المهدي العبَّاسي؛ وذكرها الزمخشري في ربيع الأبرار (ج 4/ ص 249/ الرقم 37)، وابن حمدون في تذكرته (ج 4/ ص 164 و165/ الرقم 420).
وهذه الأبيات تكشف بكلِّ وضوح عن دور المنصور في إشاعة تلك المهدويَّة الباطلة على الناس كذباً ودجلاً وجرأةً على الله تعالى ورسوله الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ثانياً: شخصيَّة المهدي العبَّاسي في الميزان:
كان (المهدي العبَّاسي) يُحِبُّ الغناء ويستخفُّه الطرب! ولا غرو في ذلك بعد نشأته في بيت الغناء والطرب، فأخوه إبراهيم كان من أشهر المغنِّين في زمانه، وأُخته عُلَيَّة - وما أدراك ما عُلَيَّة؟ - مطربة مغنّية، شغفت بخادمها - رشأ - حبًّا(579)!
وفي هذا يقول أبو الفراس الحمداني:
منكم (عُلَيّةُ) أم منهم؟ وكان لكم * * * شيخ المغنِّين (إبراهيمُ) أم لهم(580)؟
ومن أطرف ما يُصوِّر لنا قيمة شخصيَّة المهدي العبَّاسي، ما ذكره السيوطي في ترجمته، قال - بعدما أورد له حديثاً في البسملة -: (قال الذهبي: هذا إسناد متَّصل، لكن ما علمت أحداً احتجَّ بالمهدي ولا بأبيه - المنصور - في الأحكام)(581). وليت شعري ما تلك الازدواجيَّة، وذلك النفاق في تسميته بعد كلِّ هذا إذن بخليفة المسلمين، وأمير المؤمنين، والمهدي؟!
﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ (يونس: 35).
ولإهمال هذا المهدي المزيَّف شؤون الرعيَّة، وانغماسه في لهوه وملذَّاته،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(579) راجع: أشعار أولاد الخلفاء وأخبارهم من كتاب الأوراق للصولي (ص 61).
(580) ديوان أبي فراس الحمداني (ج 2/ ص 355/ القصيدة 283/ البيت 54).
(581) تاريخ الخلفاء (ص 207)، عن تاريخ الإسلام (ج 10/ ص 436).
تدخَّلت النساء في شؤون دولته، لاسيّما زوجته الخيزران الذي استفحل أمرها في عهده، وبقيت هكذا حتَّى استولت على زمام الأُمور في عهد ابنه الهادي العبَّاسي (169 - 170هـ)(582)، وإذا ما أُضيف إلى هذا مجونه وفسقه كما مرَّ في شخصيَّته، فكيف يُسمَّى بخليفة الله في أرضه؟!
والعجيب من (المهدي العبَّاسي) أنَّه لم تمنعه (مهدويَّته) ولا (خلافته) من الفسق والفجور وشرب الخمور علناً بلا حجاب عن ندمائه(583).
وهو القائل في نديمه عمر بن بزيع:
ربِّ تمِّم لي نعيمي * * * بأبي حفصٍ نديمي
إنَّما لذَّة عيشـي * * * في غِنَاءٍ وكُرُومِ
وجِوارٍ عطراتٍ * * * وسَمَاعٍ ونَعِيمِ(584)
هذا فضلاً عن تقريبه لأمثال مولى آل مروان اليهودي مروان بن أبي حفصة الشاعر، وغيره من شعراء البلاط الماجنين. وما كان يطربه من شعرهم الماجن إلَّا ما ينشده مولى آل مروان، لاسيّما قصيدته الهائيَّة في النيل من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولد الزهراء البتول (عليها السلام)، ليهبه (المهدي) بعد ذلك ثمن كفره، فيُعطيه على كلِّ بيت منها ألف درهم، وكانت مائة بيت(585)!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(582) تاريخ الطبري (ج 6/ ص 421).
(583) ذكر السيوطي من مجون هذا الرجل وفسقه أنَّه كان لا يحتجب عن ندمائه (في الشراب) خلافاً لأبيه المنصور الذي كان يحتجب عنهم، فأُشير عليه أنْ يحتجب، فقال: (إنَّما اللذَّة مع مشاهدتهم)! راجع: تاريخ الخلفاء (ص 293) في ترجمة المنصور العبَّاسي، و(ص 302) في ترجمة المهدي العبَّاسي.
(584) تاريخ الخلفاء (ص 301).
(585) تاريخ بغداد (ج 13/ ص 146/ الرقم 7127) في ترجمة مروان بن أبي حفصة الشاعر.
ومروان هذا هو الذي أنشد هارون بعد هلاك (المهدي العبَّاسي) قصيدته التي يقول فيها:
أنَّى يكون وليس ذاك بكائنٍ * * * لبني البنات وراثة الأعمامِ
ليقبض - بعد هذا - ثمن جرأته على الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من (الخليفة) مائة ألف درهم، ثمّ لم يلبث أنْ زاده اللَّارشيد - بغضاً للحقِّ وأهله - عشرة آلاف أُخرى(586)!
أليس هذا من جملة البلاء المقصود في الصحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) أَعْفَى نَبِيَّكُمْ أَنْ يَلْقَى مِنْ أُمَّتِه مَا لَقِيَتِ الأَنْبِيَاءُ مِنْ أُمَمِهَا، وَجَعَلَ ذَلِكَ عَلَيْنَا»(587)؟
بلى والله إنَّه لمن البلاء الذي صُبَّ على أهل البيت (عليهم السلام) صبًّا، وأعظم منه ادِّعاء الخلافة نهباً وغصباً، والمهدويَّة كذباً ونصباً.
ترى! فكيف واجه الإمام الصادق (عليه السلام) هذا الادِّعاء الكاذب والإفك المبين؟
ثالثاً: موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من المهدويَّة العبَّاسيَّة:
إنَّ أغلب الخطوط العامَّة في منهج الإمام الصادق (عليه السلام) في ردِّ دعاوى المهدويَّة السابقة على ظهور أُكذوبة مهدويَّة بني العبَّاس، صالحة للردِّ على تلك الأُكذوبة. كما أنَّ توضيحه (عليه السلام) لمعالم المهدويَّة الحقَّة، ابتداءً أو جواباً على سؤال، يُعتبَر ردًّا محكماً على سائر الدعاوى المهدويَّة الباطلة في التاريخ، لاسيّما تلك التي عاصرها الإمام الصادق (عليه السلام)، ومنها مهدويَّة المهدي العبَّاسي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(586) تاريخ بغداد (ج 13/ ص 145/ الرقم 7127).
(587) الكافي (ج 8/ ص 252/ ح 352)؛ رواه عن يحيى الحلبي، عن هارون بن الخارجة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ورجاله ثقات كلُّهم.
ممَّا يعني هذا أنَّ معرفة موقفه (عليه السلام) من هذه المسألة يتطلَّب معرفة موقفه من سابقاتها، والوقوف على منهجه في توضيح هويَّة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وهو ما سبق تفصيله.
على أنَّ محمّد بن عبد الله المنصور يُكنَّى: أبا عبد الله. وعلى هذا، فهويَّته الشخصيَّة مطابقة لهويَّة (المهدي الحسني) من جهة الاسم، والكنية، واسم الأب، واللقب (المهدي). وتختلف معها في النَّسَب، واسم الأُمِّ؛ إذ ذاك (حسني)، وهذا (عبَّاسي). وأُمُّ ذاك (هند)، وأُمُّ هذا (أُمُّ موسى بنت منصور الحميريَّة)(588).
وقد مرَّ عن الإمام الصادق (عليه السلام) ما يُبيِّن الفرق الكبير بين هويَّة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وبين تلك الهويَّات الزائفة.
ولعلَّ الشيء الذي لابدَّ من ذكره هنا ليُعبِّر لنا عن موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من مهدويَّة العبَّاسي بصورة مباشرة هو رأيه في بني العبَّاس وسلطتهم، وخير ما يُوضِّح لنا ذلك أحاديثه الشريفة، وهي على أصنافٍ كثيرة، نشير إلى بعضها اختصاراً، وهي:
1 - الأمر بالتقيَّة من بني العبَّاس:
ويدلُّ عليه أحاديث التقيَّة الواردة عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وهي كثيرة، وتظهر صلتها المباشرة بما نحن فيه إذا علمنا بتصريح الإمام الصادق (عليه السلام) - كما تقدَّم في فصول البحث - بارتفاع التقيَّة في زمان ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، ومعنى هذا: أنَّ الأمر بالتقيَّة في زمانه دليل على إشعار الناس بزيف مهدويَّة المهدي العبَّاسي، وكذب مروِّجيها له.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(588) مروج الذهب (ج 3/ ص 308)، تاريخ الخلفاء (ص 296).
2 - الأمر بكتمان أمر أهل البيت (عليهم السلام) عن العبَّاسيِّين:
ويدلُّ عليه أحاديث الإمام الصادق (عليه السلام) في الكتمان، وهي كثيرة أيضاً، وصلتها بموضوعنا أوضح من أنْ تحتاج إلى بيان؛ لأنَّ معنى تلك الأحاديث هو: أنْ تُصان أسرار آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا تُذاع على مسامع السلطة العبَّاسيَّة وجواسيسها وأتباعها وأنصارها، خشيةً على الآل (عليهم السلام) من القتل أو السجن أو النفي وغير ذلك من وسائل الإرهاب والبطش والتنكيل؛ ولهذا كان إمامنا الصادق (عليه السلام) يُحذِّر أصحابه من خطر إذاعة أسرارهم، ويقول لهم: «مَنْ أَذَاعَ عَلَيْنَا شَيْئاً مِنْ أَمْرِنَا فَهُوَ كَمَنْ قَتَلَنَا عَمْداً وَلَمْ يَقْتُلْنَا خَطَأً»(589).
وكان (عليه السلام) يأمرهم بمواساة أهل البيت (عليهم السلام) في ظلِّ تلك السياسة الظالمة الرعناء، ويحثُّهم على كتم الأسرار بقوله (عليه السلام): «نَفَسُ اَلمَهْمُومِ لِظُلْمِنَا تَسْبِيحٌ، وَهَمُّهُ لَنَا عِبَادَةٌ، وَكِتْمَانُ سِرِّنَا جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اَلله»(590).
3 - الأمر بالابتعاد عن العبَّاسيِّين وقضاتهم في المرافعات ووصفهم بالطاغوت:
ويدلُّ عليه الأحاديث الصريحة الآمرة بعدم الرجوع إلى العبَّاسيِّين، ولا إلى أحد من ولاتهم أو قضاتهم بشيءٍ من المرافعات القضائيَّة.
فقد جاء في مقبولة عمر بن حنظلة، قال: سَالتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي دَيْنٍ أَوْ مِيرَاثٍ، فَتَحَاكَمَا إِلَى السُّلْطَانِ وَإِلَى القُضَاةِ، أيَحِلُّ ذَلِكَ؟ قَالَ: «مَنْ تَحَاكَمَ إِلَيْهِمْ فِي حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ فَإِنَّمَا تَحَاكَمَ إِلَى الطَّاغُوتِ، وَمَا يَحْكُمُ لَه فَإِنَّمَا يَأْخُذُ سُحْتاً وَإِنْ كَانَ حَقًّا ثَابِتاً؛ لأَنَّه أَخَذَه بِحُكْمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(589) المحاسن (ج 1/ ص 256/ ح 289)، الكافي (ج 2/ ص 371 / باب الإذاعة/ ح 9).
(590) أمالي المفيد (ص 338/ المجلس 40/ ح 3)، أمالي الطوسي (ص 115/ ح 178/32)، بشارة المصطفى (ص 168/ ح 135، وص 394/ ح 6)، الدُّرُّ النظيم (ص 642).
الطَّاغُوتِ، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ أَنْ يُكْفَرَ بِه، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ [النساء: 60]»، قُلْتُ: فَكَيْفَ يَصْنَعَانِ؟ قَالَ: «يَنْظُرَانِ إِلَى مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مِمَّنْ قَدْ رَوَى حَدِيثَنَا وَنَظَرَ فِي حَلَالِنَا وَحَرَامِنَا وَعَرَفَ أَحْكَامَنَا فَلْيَرْضَوْا بِه حَكَماً، فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُه عَلَيْكُمْ حَاكِماً...» الحديث(591).
أوَليس في سلب الشرعيَّة عن أيَّة مرافعة إلى العبَّاسيِّين أو إلى قضاتهم؛ لأنَّها مرافعة بين يدي الطاغوت، ما يدلُّ على فساد تلك الدولة، ووضوح موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من مهدويَّة أخي مطربها إبراهيم ومغنِّيتها عُلَيَّة؟
4 - أحاديثه (عليه السلام) الواردة في ذمِّ بني العبَّاس صراحةً:
كحديثه (عليه السلام) في وصفهم بأنَّهم أولاد نُثَيْلَة لا يستحقُّون من الملك فتيلاً(592).
وحديث أبي بصير، قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «اِتَّقُوا اَللهَ، وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ لِأَئِمَّتِكُمْ، قُولُوا مَا يَقُولُونَ، وَاُصْمُتُوا عَمَّا صَمَتُوا، فَإِنَّكُمْ فِي سُلْطَانِ مَنْ قَالَ اَللهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبَالُ﴾ [إبراهيم: 46]»، يَعْنِي بِذَلِكَ وُلْدَ العَبَّاسِ(593).
وحديث جميل بن درَّاج، قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبَالُ﴾، وَإِنْ كَانَ مَكَرُ بَنِي العَبَّاسِ بِالقَائِمِ لِتَزُولَ مِنْهُ قُلُوبُ اَلرِّجَالِ»(594).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(591) الكافي (ج 1/ ص 67 و68/ باب اختلاف الحديث/ ح 10)، تهذيب الأحكام (ج 6/ ص 301 - 303/ ح 845/52).
(592) الكافي (ج 8/ ص 258 - 260/ ح 372)؛ ونُثَيْلَة: أَمَةٌ لأُمِّ الزبير، وأبي طالب، وعبد الله بن المطَّلب، وهي أُمُّ العبَّاسيِّين، ولم يعتقها أحد من هؤلاء الثلاثة، ممَّا يعني هذا: أنَّ العبَّاسيِّين عبيد لأولاد الثلاثة، فكيف يكون المهدي منهم؟! بل كيف تصحُّ خلافة العبيد؟!
(593) أمالي الطوسي (ص 667 و668/ ح 1398/5).
(594) تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 235/ ح 50).
وسُئِلَ (عليه السلام) عن قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ (الأنعام: 44)، فقال (عليه السلام): »أَخَذَ بَنِي أُمَيَّةَ بَغْتَةً، وَيُؤْخَذُ بَنِي العَبَّاسِ جَهْرَةً»(595).
وجرى - ذات يوم - في مجلس الإمام الصادق (عليه السلام) ذِكْرُ دور بني العبَّاس، كدار صالح، ودار عيسى بن عليٍّ، فقال رجل ممَّن حضر: (أَرَانَاهَا اَللهُ خَرَاباً - أَوْ خَرَّبَهَا بِأَيْدِينَا -)، فنهاه الإمام الصادق (عليه السلام)؛ لإمكان أنْ تكون منازل للمؤمنين، قائلاً: «أَمَا سَمِعْتَ اَللهَ يَقُولُ: ﴿وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ [إبراهيم: 45]؟»(596).
وحديثه (عليه السلام) في تشبيه المهدي بنبيِّ الله موسى (عليهما السلام)، قال: «أَمَّا مَوْلِدُ مُوسَى (عليه السلام)، فَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَـمَّا وَقَفَ عَلَى أَنَّ زَوَالَ مُلْكِهِ عَلَى يَدِهِ أَمَرَ بِإِحْضَارِ الكَهَنَةِ، فَدَلُّوهُ عَلَى نَسَبِهِ، وَأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَمْ يَزَلْ يَأْمُرُ أَصْحَابَهُ بِشَقِّ بُطُونِ الحَوَامِلِ مِنْ نِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى قَتَلَ فِي طَلَبِهِ نَيِّفاً وَعِشْرِينَ ألفَ مَوْلُودٍ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الوُصُولُ إِلَى قَتْلِ مُوسَى (عليه السلام) بِحِفْظِ اَلله تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِيَّاهُ.
وَكَذَلِكَ بَنُو أُمَيَّةَ وَبَنُو العَبَّاسِ لَـمَّا وَقَفُوا عَلَى أَنَّ زَوَالَ مُلْكِهِمْ وَمُلْكِ الأُمَرَاءِ وَالجَبَابِرَةِ مِنْهُمْ عَلَى يَدِ القَائِمِ مِنَّا نَاصَبُونَا العَدَاوَةَ، وَوَضَعُوا سُيُوفَهُمْ فِي قَتْلِ آلِ اَلرَّسُولِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَإِبَادَةِ نَسْلِهِ، طَمَعاً مِنْهُمْ فِي الوُصُولِ إِلَى قَتْلِ القَائِمِ، وَيَأْبَى اَلله (عزَّ وجلَّ) أَنْ يَكْشِفَ أَمْرَهُ لِوَاحِدٍ مِنَ اَلظَّلَمَةِ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ اَلمُشْرِكُونَ»(597).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(595) تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 360/ ح 24).
(596) تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 235/ ح 49).
(597) كمال الدِّين (ص 352 - 357/باب 33/ح 50)، الغيبة الطوسي (ص 167 - 173/ح 129).
كما أنَّ الإمام الباقر (عليه السلام) قد أنبأ عن دولة العبَّاسيِّين قبل نشأتها، ووصف سيرة ملوكها بقوله (عليه السلام): «خَبِيثَةٌ سِيرَتُهُمْ»(598).
ووصفهم الإمام الكاظم (عليه السلام) بالطواغيت وأولياء الظلمة؛ إذ قال لعليِّ ابن يقطين - الذي كان وزيراً للمهدي العبَّاسي، وبعده للهادي، وأخيراً لهارون(599) -: «إِنَّ لله مَعَ كُلِّ طَاغِيَةٍ وَزِيراً مِنْ أَوْلِيَائِهِ يَدْفَعُ بِهِ عَنْهُمْ»(600).
وقال عليُّ بن يقطين للإمام الكاظم (عليه السلام) لـمَّا قَدِمَ إلى العراق: أَمَا تَرَى حَالِي، وَمَا أَنَا فِيهِ؟ فَقَالَ: «يَا عَلِيُّ، إِنَّ لِله تَعَالَى أَوْلِيَاءَ مَعَ أَوْلِيَاءِ اَلظَّلَمَةِ لِيَدْفَعَ بِهِمْ عَنْ أَوْلِيَائِهِ، وَأَنْتَ مِنْهُمْ يَا عَلِيُّ»(601).
5 - تذكير الإمام الصادق (عليه السلام) الأُمَّة بهويَّة المهدي (عجَّل الله فرجه):
نعم، رفض الإمام الصادق (عليه السلام) القول بمهدويَّة العبَّاسي، كما رفض بشدَّة سائر المهدويَّات الزائفة، مصرِّحاً بأنَّ القائم المهدي (عجَّل الله فرجه) الموعود بظهوره في آخر الزمان لا يكون إلَّا من أهل البيت (عليهم السلام)؛ ولهذا تكررت عبارة: «قَائِمُنَا أَهْلَ البَيْتِ» في كثير من أحاديثه الشريفة التي رواها عنه (عليه السلام):
أبان بن تغلب(602)، وإبراهيم الكرخي(603)، وأبو شعبة الحلبي(604)، وحمَّاد بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(598) تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 3/ ح 3).
(599) راجع: ذيل تاريخ بغداد (ج 4/ ص 202/ الرقم 1054) في ترجمة عليِّ بن يقطين.
(600) اختيار معرفة الرجال (ج 2/ ص 733 و734/ ح 820).
(601) اختيار معرفة الرجال (ج 2/ ص 731/ ح 817).
(602) الكافي (ج 3/ ص 503/ باب منع الزكاة/ ح 5)، من لا يحضره الفقيه (ج 2/ ص 11/ ح 1589).
(603) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 316 و317) في تفسير الآية (25) من سورة الفتح، علل الشرائع (ج 1/ ص 147/ باب 122/ ح 3).
(604) مختصر إثبات الرجعة للفضل بن شاذان (ص 51/ ح 2).
عثمان(605)، وداود بن كثير الرقِّي(606)، والمعلَّى بن خُنَيس(607)، وغيرهم(608).
ومنها: أحاديثه في هويَّة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وقد مضى أكثرها، ونشير هنا إلى واحد منها:
عن المفضَّل بن عمر، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «إِنَّ اَللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نُوراً قَبْلَ خَلْقِ الخَلْقِ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ ألفَ عَامٍ، فَهِيَ أَرْوَاحُنَا»، فَقِيلَ لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اَلله، وَمَنِ الأَرْبَعَةَ عَشَرَ؟ فَقَالَ: «مُحَمَّدٌ، وَعَلِيٌّ، وَفَاطِمَةُ، وَالحَسَنُ، وَالحُسَيْنُ، وَالأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ، آخِرُهُمُ القَائِمُ اَلَّذِي يَقُومُ بَعْدَ غَيْبَتِهِ، فَيَقْتُلُ اَلدَّجَّالَ، وَيُطَهِّرُ الأَرْضَ مِنْ كُلِّ جَوْرٍ وَظُلْمٍ»(609).
ونكتفي بهذا القدر، لنرى موقف الإمام الصادق (عليه السلام) - وهو يُخبِر عن المهدي (عجَّل الله فرجه) قبل ولادته - من الدعاوى المهدويَّة التي ظهرت بعد انتقاله (عليه السلام) إلى الرفيق الأعلى سنة (148هـ).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(605) الكافي (ج 1/ ص 411/ باب سيرة الإمام في نفسه وفي المطعم والملبس.../ ح 4).
(606) عيون المعجزات (ص 82 - 84).
(607) المهذَّب البارع (ج 1/ ص 194 و195).
(608) راجع: الكافي (ج 3/ ص 131 و132/ باب ما يعاين المؤمن والكافر/ ح 4، وج 5/ ص 132 و133/ باب أداء الأمانة/ ح 2)، ومن لا يحضره الفقيه (ج 3/ ص 313/ ح 4119، وج 4/ ص 352/ ح 5761)، والخصال (ص 394/ ح 101)، والاعتقادات (ص 48/ باب الاعتقاد في النفوس والأرواح)، والهداية (ص 343/ ح 179)، ودعائم الإسلام (ج 1/ ص 284/ كتاب الصوم والاعتكاف)، وكفاية الأثر (ص 264 - 266)، والإرشاد (ج 2/ ص 186)، وتهذيب الأحكام (ج 7/ ص 178/ ح 785/42)، والاستبصار (ج 3/ ص 70/ ح 233/2)، وروضة الواعظين (ص 211 و392)، والخرائج والجرائح (ج 2/ ص 894)، ومختصر بصائر الدرجات (ص 183).
(609) كمال الدِّين (ص 335 و336/ باب 33/ ح 7).
الفصل الخامس: موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من المهدويَّات الأخرى
أوَّلاً: موقفه (عليه السلام) من قول الناووسيَّة بمهدويَّته:
ادَّعت الناووسيَّة بعد وفاة الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه (حيٌّ لم يمت ولا يموت حتَّى يظهر ويلي أمر الناس، وأنَّه هو المهدي...، وسُمّيت بذلك - يعني الناووسيَّة - لرئيس لهم من أهل البصرة يقال له: فلان بن فلان الناووس)(610)، وقيل: إنَّ اسمه عجلان بن ناووس.
ولا داعي للإطالة في ردِّ هذه المقولة الفاسدة التي أباد الله أهلها كلمح في البصر، فاندثرت فجأةً ولم يبقَ لها أثر، وعادت مقولتهم مجرَّد حكاية في كُتُب التراث لا يحفل بها أحد من البشر سوى المهرِّجين والمشعوذين من هنا وهناك الذين فضحوا أنفسهم بالتمسُّك بأمثال دعوى الناووسيَّة وغيرها من دعاوى المهدويَّة الأُخرى؛ لأنَّها كالقشَّة في مهبِّ الريح، بحيث لو أعرضنا عن ذكرها في هذا البحث لما ضرَّه شيئاً؛ إذ لو قيل: من أعلم الناس بحياة أبي حنيفة، ونشأته، وتربيته، وفقهه، وعقائده، وسيرته، وعطائه، وأصحابه، ووفاته، وكيفيَّة تشييعه، ودفنه، ومكان قبره، وتجديده، وزيارته، ومَنْ هو خليفته من بعده؟
لما اختلف العقلاء في الإجابة على أنَّ الأحناف لاسيّما كبراؤهم ووجوههم وعلماؤهم هم أولى الناس بمعرفة مثل هذه الأُمور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(610) فِرَق الشيعة (ص 67).
وإذا كان الأمر كذلك - وهو كذلك -، فَلِمَ لا يكون الشيعة الإماميَّة الاثني عشريَّة من أعرف الناس بأئمَّتهم الاثني عشر (عليهم السلام)؟ بل لِمَ لا يكونون من أعرف الخلق بإمامهم الصادق (عليه السلام) الذي اقترن مذهبهم باسمه الشريف؟ إذ عُرِفَ مذهب الإماميَّة الاثني عشريَّة باسم المذهب الجعفري.
أليس من المضحك حقًّا أنْ نردَّ على إجماع الشافعيَّة على قول للشافعي، لإنكاره من قِبَل أحد مغموري المعتزلة مثلاً؟ فكذلك الحال هنا فيما لو تمسَّك بعضهم بقول الناووسيَّة وغيرهم وترك إجماع الإماميَّة! وهو ما حصل فعلاً من لدن بعض المشعوذين أخيراً!
وإذا اتَّضح هذا، نقول: كان إمامنا الصادق (عليه السلام) حريصاً على رسم معالم الطريق المهدوي الحقِّ لا للجيل الذي عاصره فحسب، بل لأجيال الأُمَّة كلِّها حتَّى يرث الله الأرض ومن عليها.
ومن هنا نجد موقفه الصريح من القول بمهدويَّته، ينطلق أوَّلاً من النصِّ الصريح الواضح على إمامة ولده موسى بن جعفر الكاظم (عليهما السلام) من بعده، مع نفي المهدويَّة عن نفسه الشريفة بكلِّ قوَّة وصراحة.
فقد سأله بعضهم: هل أنت الإمام المهدي؟ وكان الإمام الصادق (عليه السلام) قد تجاوز الأربعين، فأقرع سمع السائل بالجواب قائلاً: «وَلَيْسَ صَاحِبُ هَذَا الأَمْرِ مَنْ جَازَ أَرْبَعِينَ»(611).
وأصرح منه قوله (عليه السلام): «يَزْعَمُونَ أَنِّي أَنَا اَلمَهْدِيُّ! وَإنِّي إِلَى أَجَلِي أَدْنَى مِنِّي إِلَى مَا يَدَّعُونَ»(612)، وهذا الحديث يعرب عن علمه (عليه السلام) بما سيقوله سفهاء الناووسيَّة بعد وفاته؛ إذ لم نجد من زعم له ذلك في حياته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(611) بصائر الدرجات (ص 208 و209/ ج 4/ باب 4/ ح 56).
(612) قد تقدَّم في (ص 92)، فراجع.
وسأله آخر - كما في رواية خلَّاد الصفَّار - قائلاً: هل وُلِدَ الإمام المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً؟ فأجابه (عليه السلام) بقوله: «لَا، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَخَدَمْتُهُ أَيَّامَ حَيَاتِي»(613).
وأمَّا عن النصِّ الوارد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في إمامة ابنه الكاظم (عليه السلام) من بعده فهو كثير؛ إذ طالما أعلم الشيعة بذلك مخاطباً لهم بقوله (عليه السلام): «الإِمَامُ مِنْ بَعْدِي اِبْنِي مُوسَى»(614).
هذا فضلاً عن العلم اليقيني بوفاة الإمام الصادق (عليه السلام) في المدينة المنوَّرة سنة (148هـ)، وهو الأمر الذي أجمعت عليه الأُمَّة بأسرها، فكيف يكون بعد كلِّ هذا هو المهدي الموعود به في آخر الزمان؟!
وإذا ما أُضيف إلى هذا دوره (عليه السلام) في تشخيص من هو الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) كما مرَّ مفصَّلاً، اتَّضح فساد مقولة الناووسيَّة وغيرها من المقولات الزائفة على أحسن الوجوه وأتمّها.
ثانياً: موقفه (عليه السلام) من قول الواقفيَّة بمهدويَّة الإمام الكاظم (عليه السلام):
زعمت الواقفيَّة بعد شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام) سنة (183هـ) في حبس السندي بن شاهك ببغداد، وبأمر هارون الرشيد العبَّاسي (لعنه الله)، أنَّه حيٌّ لم يمت ولا يموت حتَّى يملك شرق الأرض وغربها، ويملأها كلَّها عدلاً كما مُلِئَت جوراً، وأنَّه القائم المهدي!
وزعموا أنَّه خرج من الحبس - ولم يرَه أحد - نهاراً، ولم يعلموا به، وأنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(613) قد تقدَّم في (ص 93)، فراجع.
(614) كمال الدِّين (ص 334/ باب 33/ ح 4)؛ وانظر: الكافي (ج 1/ ص 307 - 311/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن موسى (عليه السلام)/ ح 1 - 16).
السلطان وأصحابه ادَّعوا موته، وموَّهوا على الناس وكذبوا، وأنَّه غاب عن الناس واختفى!
وقال بعضهم: إنَّه القائم، وقد مات، ولا تكون الإمامة لغيره حتَّى يرجع فيقوم ويظهر، وزعموا أنَّه رجع بعد موته إلَّا أنَّه مختفٍ في موضع من المواضع، حيٌّ، يأمر وينهى، وأنَّ أصحابه يلقونه ويرونه!
وقال بعضهم: إنَّه مات، ولكن هو القائم، وسيرجع في وقت قيامه؛ ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً!
وأنكر بعضهم قتله، وقالوا: مات، ورفعه الله إليه، وإنَّه يردُّه عند قيامه.
وهذه الأقوال كلُّها تُنسَب إلى الواقفيَّة المعروفة باسم (الكلاب الممطورة)(615).
والسبب الذي دعاهم إلى إنكار وفاة الإمام الكاظم (عليه السلام) والقول بمهدويَّته، هو الطمع فيما بأيديهم من أمواله (عليه السلام)، قال الشيخ الطوسي (رحمه الله): (فروى الثقات أنَّ أوَّل من أظهر هذا الاعتقاد: عليُّ بن أبي حمزة البطائني، وزياد ابن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي؛ طمعوا في الدنيا، ومالوا إلى حطامها، واستمالوا قوماً، فبذلوا لهم شيئاً ممَّا اختانوه من الأموال، نحو حمزة بن بزيع، وابن المكاري، وكرَّام الخثعمي، وأمثالهم)(616).
وقد شهد على ذلك يونس بن عبد الرحمن الفقيه الثقة المشهور، فقال: (مَاتَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ - يعني الإمام الكاظم - (عليه السلام) وَلَيْسَ مِنْ قُوَّامِهِ أَحَدٌ إِلَّا وَعِنْدَهُ اَلمَالُ الكَثِيرُ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ وَقْفِهِمْ وَجَحْدِهِمْ مَوْتَهُ، طَمَعاً فِي الأَمْوَالِ، كَانَ عِنْدَ زِيَادِ بْنِ مَرْوَانَ القَنْدِيِّ سَبْعُونَ ألفَ دِينَارٍ، وَعِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(615) راجع: فِرَق الشيعة (ص 81 و82).
(616) الغيبة الطوسي (ص 63 و64/ ح 65).
ثَلَاثُونَ ألفَ دِينَارٍ. فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ وَتَبَيَّنْتُ الحَقَّ وَعَرَفْتُ مِنْ أَمْرِ أَبِي الحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) مَا عَلِمْتُ تَكَلَّمْتُ، وَدَعَوْتُ اَلنَّاسَ إِلَيْهِ، فَبَعَثَا إِلَيَّ وَقَالَا: مَا يَدْعُوكَ إِلَى هَذَا؟ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ اَلمَالَ فَنَحْنُ نُغْنِيكَ، وَضَمِنَا لي عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ، وَقَالَا لِي: كُفَّ. فَأَبَيْتُ وَقُلْتُ لَهُمَا: إِنَّا رَوَيْنَا عَنِ اَلصَّادِقِينَ (عليهم السلام) أَنَّهُمْ قَالُوا: «إِذَا ظَهَرَتِ البِدَعُ فَعَلَى العَالِمِ أَنْ يُظْهِرَ عِلْمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ سُلِبَ نُورَ الإِيمَانِ»، وَمَا كُنْتُ لِأَدَعَ الجِهَادَ وَأَمْرَ اَلله عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَنَاصَبَانِي وَأَضْمَرَا لِيَ العَدَاوَةَ)(617).
ولـمَّا لم نكن بصدد دراسة هذه الفرقة، لذا سنهمل سائر الأدلَّة القاطعة في بطلان مدَّعياتهم، ونكتفي بموقف الإمام الصادق (عليه السلام)، مراعاةً منَّا لمنهج البحث العلمي مع فسح المجال أمام صفحات مقبلة لحديث أهمّ، فنقول:
إنَّ ممَّا يُوضِّح ذلك الموقف منهجه (عليه السلام) تجاه العقيدة المهدويَّة من جهة، والإمامة من جهة أُخرى؛ إذ بيَّن - كما مرَّ - مَنْ هو المهدي الحقُّ الذي تنتظره الأُمَّة بياناً شافياً كافياً، كمَّا بيَّن في أحاديث الإمامة مَنْ هم أئمَّة المسلمين على الحقيقة، مع بيان عددهم، وأسمائهم، وأنَّ آخرهم المهدي (عجَّل الله فرجه)، وله في هذا أحاديث كثيرة، وفيما يأتي نموذج منها:
1 - ما رواه ثقة الإسلام الكليني (رحمه الله) بسند صحيح عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الله ابْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَه: إِنْ كَانَ كَوْنٌ - وَلَا أَرَانِي اللهُ - فَبِمَنْ أَئْتَمُّ؟ فَأَوْمَأَ إِلَى ابْنِه مُوسَى، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ حَدَثَ بِمُوسَى حَدَثٌ فَبِمَنْ أَئْتَمُّ؟ قَالَ: «بِوَلَدِه...» الحديث(618).
ولو كان الإمام الكاظم (عليه السلام) كما تزعم الواقفيَّة هو المهدي، لنبَّه الإمام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(617) الغيبة للطوسي (ص 64/ ح 66)؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في علل الشرائع (ص 235 و236/ باب 171/ ح 1)، وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 103/ باب 10/ ح 2).
(618) قد تقدَّم في (ص 67)، فراجع.
الصادق (عليه السلام) السائل على ذلك، لا أنْ يأمره بالائتمام بعد موسى بولده الإمام الرضا (عليهما السلام).
2 - وأخرج الصدوق (رحمه الله) عَنْ إِبْرَاهِيمَ الكَرْخِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اَلله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلصَّادِقِ (عليهما السلام)، وَإِنِّي لَجَالِسٌ عِنْدَهُ إِذْ دَخَلَ أَبُو الحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عليهما السلام)، وَهُوَ غُلَامٌ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقَبَّلْتُهُ وَجَلَسْتُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «يَا إِبْرَاهِيمُ، أَمَا إِنَّهُ لَصَاحِبُكَ مِنْ بَعْدِي، أَمَا لَيَهْلِكَنَّ فِيهِ أَقْوَامٌ وَيَسْعَدُ فِيهِ آخَرُونَ، فَلَعَنَ اَللهُ قَاتِلَهُ وَضَاعَفَ عَلَى رُوحِهِ العَذَابَ، أَمَا لَيُخْرِجَنَّ اَللهُ مِنْ صُلْبِهِ خَيْرَ أَهْلِ الأَرْضِ فِي زَمَانِهِ، سَمِيَّ جَدِّهِ، وَوَارِثَ عِلْمِهِ وَأَحْكَامِهِ وَفَضَائِلِهِ، وَمَعْدِنَ الإِمَامَةِ، وَرَأْسَ الحِكْمَةِ...»(619).
وهذا الحديث صريح بهلاك الواقفيَّة، وفساد مقولتهم؛ إذ تضمَّن الإخبار عن ثلاثة أشياء كلِّها في الردِّ على مقولتهم:
الأوَّل: الإشارة إلى الواقفيَّة أنفسهم بقوله: «لَيَهْلِكَنَّ فِيهِ أَقْوَامٌ»؛ إذ ادَّعوا حياته بعد وفاته، وأنكروا إمامة الرضا (عليه السلام).
الثاني: الإخبار بشهادته قتلاً في سبيل الله، مع لعن قاتله، وهو هارون الرشيد (لعنه الله تعالى).
الثالث: أنَّ المهدي الموعود ليس هو الإمام الكاظم (عليه السلام)، وإنَّما هو من صلبه.
3 - وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «يَظْهَرُ صَاحِبُنَا، وَهُوَ مِنْ صُلْبِ هَذَا - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام) -، فَيَمْلَأُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، وَتَصْفُو لَهُ اَلدُّنْيَا»(620).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(619) كمال الدِّين (ج 1/ ص 334/ باب 33/ ح 5).
(620) قد تقدَّم في (ص 94)، فراجع.
وهذا صريح بعدم مهدويَّة الإمام الكاظم (عليه السلام)، وأنَّ المهدي الموعود من ولده (عليهم السلام).
4 - وسُئِلَ الإمام الصادق (عليه السلام) كما في حديث عبد الله بن أبي يعفور: يَا بْنَ رَسُولِ اَلله، فَمَنِ اَلمَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِكَ؟ قَالَ (عليه السلام): «الخَامِسُ مِنْ وُلْدِ اَلسَّابِعِ، يَغِيبُ عَنْكُمْ شَخْصُهُ...» الحديث(621).
وفي هذا الحديث تعريض بالواقفيَّة التي ادَّعت مهدويَّة الإمام السابع من أئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام)، وهو الإمام الكاظم (عليه السلام)، في حين أنَّه الخامس من ولد السابع، أي الإمام الحجَّة بن الحسن العسكري (عليهما السلام).
ثالثاً: دوره (عليه السلام) في تشخيص المهدويَّات الباطلة كلِّها:
ليس من العسير على الأُمَّة أنْ تُدرك زيف دعاوى المهدويَّة الباطلة، لاسيّما إذا كان الموصوف بها من غير ولد الزهراء البتول (عليها السلام)، لعلم الأُمَّة بأنَّ المهدي الموعود بظهوره في آخر الزمان لابدَّ وأنْ يكون - على طبق ما أخبر به الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - من ولد فاطمة (عليها السلام).
وأمَّا لو ادُّعيت المهدويَّة لواحد منهم كالإمام الصادق (عليه السلام)، كما في قول الناووسيَّة، والكاظم (عليه السلام) في قول الواقفيَّة، فالأمر مختلف هنا؛ لأنَّ مَنْ لا يؤمن بالنصِّ قد ينخدع بتلك الدعاوى، كما رأينا انخداع فقهاء العامَّة بدعوى مهدويَّة (النفس الزكيَّة)؛ لأنَّه من ولد فاطمة (عليها السلام)؛ إذ جدُّه لأبيه الإمام الحسن السبط (عليه السلام)، هذا من جهة.
ومن جهة أُخرى فإنَّ القواعد الشيعيَّة لم تكن كلُّها عالمة بالمنصوص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(621) كمال الدِّين (ص 338/ باب 33/ ح 12)، وأخرجه (رحمه الله) في (ص 333/ باب 33/ ح 1) من طريق آخر عن صفوان بن مهران.
عليهم وإنْ كانت متيقِّنة من وجود النصِّ، إذ ليس بمقدور الإمام (عليه السلام) إيصال صوته إلى تلك القواعد العريضة في ظلِّ التطوُّرات السياسيَّة السريعة التي كانت تجري في الخطِّ المعاكس لتيَّار أهل البيت (عليهم السلام)، ومن هنا جاء التمسُّك بمبدأ التقيَّة والكتمان كما رأينا في الردِّ على مهدويَّة المهدي العبَّاسي.
وإنَّما كان النصُّ معروفاً عند ثقات أصحاب الأئمَّة (عليهم السلام)، وعند من أُخْبِرُوا بواسطتهم، كما يظهر ذلك بوضوح من خلال متابعة النصوص الكثيرة الواصلة إلينا.
وأمَّا من لم يصله من ذلك شيئاً فلا شكَّ أنَّه عُرضَةً للتصديق بمثل هذه الأقوال، ولهذا نرى جملة من الشيعة قد صادقت على القول بمهدويَّة هذا الإمام أو ذاك، حتَّى إذا ما تبيَّن لها الصواب تراجعت بسرعة والتحقت بالحقِّ وأهله، الأمر الذي يُفسِّر لنا تلاشي تلك الفِرَق واندثارها بسرعة بعد نشأتها. في حين نرى الكثرة الكاثرة تقف - وبكلِّ صلابة - موقف الرافض العنيد حيال تلك المهدويَّات، مصرِّحة بوجود النصِّ بالإمامة والمهدويَّة على شخص مسمَّى بعينه.
ولا شكَّ أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) كان يُدرك هذا كلَّه، ومن هنا أراد (عليه السلام) تنبيه الأُمَّة كلِّها على معرفة صدق دعوى هذه المهدويَّة أو تلك من كذبها، وذلك من خلال تأكيد بعض الحقائق الإسلاميَّة التي لا صلة لها بالنصِّ، ولكنَّها بذات الوقت ضوابط شرعيَّة دقيقة لمعرفة الحقيقة المهدويَّة، وهذا الأُسلوب كفيل بأنْ يجعله في مأمن من مراقبة السلطة وملاحقتها مع تحقيق الغرض المطلوب، بخلاف ما لو نادى بالنصِّ على كلِّ من هبَّ ودبَّ.
ومن تلك الحقائق الإسلاميَّة: علائم ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وأوصاف دولته الكريمة، وحال الإسلام في زمان ظهوره.
وإذا كانت قيادة تلك الدعاوى وقواعدها قد نسيت أو تناست تلك
الحقائق بإشاعة دعاوى المهدويَّة الباطلة، فما على الإمام (عليه السلام) إلَّا أنْ يُنبِّه على مثل ذلك الغلط الفاحش؛ لأنَّ تصدِّي الشريعة إلى بيان تلك الأُمور ليس اعتباطاً، وإنَّما عن حكمة بالغة، وإذا ما عرفها المسلمون فلا شكَّ أنَّهم سيكونون في مأمن من الانزلاق وراء كلِّ مهدويَّة باطلة في التاريخ.
ومن هنا رأى الإمام الصادق (عليه السلام) - وهو يعيش في خضمِّ هذه المسألة - من يعيد للذاكرة الإسلاميَّة ما أغفلته من علائم ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، مضيفاً إليها شيئاً من صفات دولته الكريمة وحال الإسلام يومئذٍ، بحيث لا يمكن لأحد رؤية شيءٍ منها في زمان أيَّة مهدويَّة باطلة لا أصل لها ولا رصيد.
ولـمَّا كانت علائم ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وصفات دولته الشريفة كثيرة جدًّا في أحاديث الإمام الصادق (عليه السلام)، لذا سنكتفي منها بالإشارة إلى المحتَّم من تلك العلامات، مع الاقتصار على أهمّ تلك الصفات، وذلك في ثلاثة عناوين، كالآتي:
بيان علامات ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
تقع علامات الظهور في قسمين: محتوم لابدَّ من وقوعه، وغير محتوم. وسنكتفي بالأوَّل كدليل صحيح على سبق دعوى المهدويَّة لكلِّ تلك العلامات التي لم تقع إلى الآن، ولابدَّ من وقوعها في المستقبل إنْ عاجلاً أو آجلاً، وفيما يأتي جملة من أحاديث الإمام الصادق (عليه السلام) الناطقة بتلك العلامات:
1 - عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «مِنَ اَلمَحْتُومِ اَلَّذِي لَابُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبْلِ قِيَامِ القَائِمِ: خُرُوجُ اَلسُّفْيَانِيِّ، وَخَسْفٌ بِالبَيْدَاءِ، وَقَتْلُ اَلنَّفْسِ اَلزَّكِيَّةِ، وَاَلمُنَادِي مِنَ اَلسَّمَاءِ»(622).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(622) الغيبة للنعماني (ص 272/ باب 14/ ح 26).
ونحوه ما رواه: أبو حمزة الثمالي(623)، ومحمّد بن عليٍّ الحلبي(624)، ومحمّد بن الصامت(625)، كلُّهم عن الإمام الصادق (عليه السلام).
2 - وَعَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «اَلنِّدَاءُ مِنَ اَلمَحْتُومِ، وَاَلسُّفْيَانِيُّ مِنَ اَلمَحْتُومِ، وَاليَمَانِيُّ مِنَ اَلمَحْتُومِ، وَقَتْلُ اَلنَّفْسِ اَلزَّكِيَّةِ مِنَ اَلمَحْتُومِ، وَكَفٌّ يَطْلُعُ مِنَ اَلسَّمَاءِ مِنَ اَلمَحْتُومِ»، قَالَ: «وَفَزْعَةٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، تُوقِظُ اَلنَّائِمَ، وَتُفْزِعُ اليَقْظَانَ، وَتُخْرِجُ الفَتَاةَ مِنْ خِدْرِهَا»(626).
ومثله ما رواه ابن أبي يعفور، عن الإمام الصادق (عليه السلام)(627).
3 - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «خَمْسُ عَلَامَاتٍ قَبْلَ قِيَامِ القَائِمِ: الصَّيْحَةُ، وَالسُّفْيَانِيُّ، وَالخَسْفُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ، وَاليَمَانِيُّ»(628).
ورواه ميمون البان، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً(629).
وقد روى آخرون بعض هذه العلامات وغيرها، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، كما في رواية الحسن بن زياد الصيقل(630)، ورواية فضيل بن محمّد مولى محمّد بن راشد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(623) كمال الدِّين (ص 652/ باب 57/ ح 14).
(624) الكافي (ج 8/ ص 310/ ح 484).
(625) الغيبة للنعماني (ص 269 و270/ باب 14/ ح 21).
(626) الغيبة للنعماني (ص 261 و262/ باب 14/ ح 11).
(627) الغيبة للنعماني (ص 266/ باب 14/ ح 16).
(628) الكافي (ج 8/ ص 310/ ح 483)، الغيبة للنعماني (ص 261/ باب 14/ ح 9)، ودلائل الإمامة (ص 487/ ح 486/90)، الغيبة للطوسي (ص 436 و437/ ح 427).
(629) كمال الدِّين (ص 649/ باب 57/ ح 1)، الخصال (ص 303/ ح 82).
(630) روى الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 177/ ح 134) بسنده عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ اَلصَّيْقَلِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ اَلْقَائِمَ لَا يَقُومُ حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ اَلسَّمَاءِ تَسْمَعُ اَلْفَتَاةُ فِي خِدْرِهَا، وَيَسْمَعُ أَهْلُ اَلمَشْرِقِ وَاَلمَغْرِبِ، وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ اَلْآيَةُ: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ [الشعراء: 4]».
البجلي(631)، وإبراهيم(632)، والطيَّار(633)، وأبي بصير(634)، ومحمّد بن مسلم(635)، وأبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(631) روى النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 270 و271/ باب 14/ ح 23) بسنده عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ اَلْبَجَلِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «أَمَا إِنَّ اَلنِّدَاءَ مِنَ اَلسَّمَاءِ بِاسْمِ اَلْقَائِمِ فِي كِتَابِ اَلله لَبَيِّنٌ»، فَقُلْتُ: فَأَيْنَ هُوَ، أَصْلَحَكَ اَللهُ؟ فَقَالَ: «فِي ﴿طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ قَوْلِهِ: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ [الشعراء: 4]»، قَالَ: «إِذَا سَمِعُوا اَلصَّوْتَ أَصْبَحُوا وَكَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ اَلطَّيْرُ».
(632) روى الأسترآبادي (رحمه الله) في تأويل الآيات الظاهرة (ج 2/ ص 541/ ح 17) بسنده عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) فِي قَوْلِهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْأَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فُصِّلت: 53]، قَالَ: «﴿فِي الآفَاقِ﴾ اِنْتِقَاصُ اَلْأَطْرَافِ عَلَيْهِمْ، ﴿وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾ بِالمَسْخِ، ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ أَي أَنَّهُ اَلْقَائِمُ (عليه السلام)».
(633) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 8/ ص 166/ ح 181) بسنده عَنِ الطَّيَّارِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فِي قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فُصِّلت: 53]، قَالَ: «خَسْفٌ، وَمَسْخٌ، وَقَذْفٌ»، قَالَ: قُلْتُ: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ﴾؟ قَالَ: «دَعْ ذَا، ذَاكَ قِيَامُ الْقَائِمِ».
(634) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 8/ ص 381/ ح 575) بسنده عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: سَأَلْتُه عَنْ قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فُصِّلت: 53]، قَالَ: «يُرِيهِمْ فِي أَنْفُسِهِمُ المَسْخَ، وَيُرِيهِمْ فِي الآفَاقِ انْتِقَاضَ الآفَاقِ عَلَيْهِمْ، فَيَرَوْنَ قُدْرَةَ الله (عزَّ وجلَّ) فِي أَنْفُسِهِمْ وفِي الآفَاقِ»، قُلْتُ لَه: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾، قَالَ: «خُرُوجُ الْقَائِمِ هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ الله (عزَّ وجلَّ)، يَرَاه الْخَلْقُ، لَابُدَّ مِنْه».
وراجع: الغيبة للطوسي (ص 452/ ح 458).
(635) روى الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 449 و450/ ح 452) بسنده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ اَلسُّفْيَانِيَّ يَمْلِكُ بَعْدَ ظُهُورِهِ عَلَى اَلْكُوَرِ اَلْخَمْسِ حَمْلَ اِمْرَأَةٍ»، ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): «أَسْتَغْفِرُ اَللهَ، حَمْلَ جَمَلٍ، وَهُوَ مِنَ اَلْأَمْرِ اَلمَحْتُومِ اَلَّذِي لَابُدَّ مِنْهُ».
حمزة الثمالي(636)، وبكر بن محمّد الأزدي(637)، وصالح بن ميثم التمَّار(638)، وغيرهم(639).
المراد بقتل النفس الزكيَّة كعلامة من علامات الظهور:
إنَّ قتل النفس الزكيَّة - كعلامة من علامات ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) - لا إشكال في صحَّته أصلاً؛ إذ ورد في روايات كثيرة على لسان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)، لاسيّما الإمام الصادق (عليه السلام)، بحيث يُستغنى بكثرتها عن فحص أسانيدها، فضلاً عمَّا فيها من الصحيح، وهو كثير. ولكنَّ المهمَّ هنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(636) روى الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 435/ ح 425) بسنده عَنْ أَبِي حَمْزَةَ اَلثُّمَالِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام): إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) كَانَ يَقُولُ: «خُرُوجُ اَلسُّفْيَانِيِّ مِنَ اَلمَحْتُومِ، وَاَلنِّدَاءُ مِنَ اَلمَحْتُومِ، وَطُلُوعُ اَلشَّمْسِ مِنَ اَلمَغْرِبِ مِنَ اَلمَحْتُومِ»، وَأَشْيَاءُ كَانَ يَقُولُهَا مِنَ اَلمَحْتُومِ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «وَاِخْتِلَافُ بَنِي فُلَانٍ مِنَ اَلمَحْتُومِ، وَقَتْلُ اَلنَّفْسِ اَلزَّكِيَّةِ مِنَ اَلمَحْتُومِ، وَخُرُوجُ اَلْقَائِمِ مِنَ اَلمَحْتُومِ»، قُلْتُ: وَكَيْفَ يَكُونُ اَلنِّدَاءُ؟ قَالَ: «يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ اَلسَّمَاءِ أَوَّلَ اَلنَّهَارِ يَسْمَعُهُ كُلُّ قَوْمٍ بِأَلْسِنَتِهِمْ: أَلَا إِنَّ اَلْحَقَّ فِي عَلِيٍّ وَشِيعَتِهِ، ثُمَّ يُنَادِي إِبْلِيسُ فِي آخِرِ اَلنَّهَارِ مِنَ اَلْأَرْضِ: أَلَا إِنَّ اَلْحَقَّ فِي عُثْمَانَ وَشِيعَتِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَرْتَابُ اَلمُبْطِلُونَ».
(637) روى المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 375) بسنده عَنْ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «خُرُوجُ اَلثَّلَاثَةِ: اَلسُّفْيَانِيِّ وَاَلْخُرَاسَانِيِّ وَاَلْيَمَانِيِّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ، فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ فِيهَا رَايَةٌ أَهْدَى مِنْ رَايَةِ اَلْيَمَانِيِّ، لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى اَلْحَقِّ»؛ ورواه الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 446 و447/ ح 443).
(638) روى الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 445/ ح 440) بسنده عَنْ صَالِحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «لَيْسَ بَيْنَ قِيَامِ اَلْقَائِمِ وَبَيْنَ قَتْلِ اَلنَّفْسِ اَلزَّكِيَّةِ إِلَّا خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً»؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 649/ باب 57/ ح 2).
(639) راجع: الإمامة والتبصرة (ص 129/ ح 132)، والغيبة للنعماني (ص 259 و274 و275/ باب 14/ ح 6 و33)، وكمال الدِّين (ص 649 و650 و655/ باب 57/ ح 3 و27)، والإرشاد (ج 2/ ص 377 و378)، والغيبة للطوسي (ص 449 و450 و454/ ح 450 و453 و461).
هو أنَّ المراد بالنفس الزكيَّة في هذه الرواية وغيرها ليس محمّد بن عبد الله بن الحسن، وإنْ تلقَّب بهذا واشتهر به.
ولو قيل لمحمّد نفسه: هل أنت النفس الزكيَّة المشار له في الروايات؟ لما أجاب بغير (لا) قطعاً، وإلَّا لتنازل عن دعوى المهدويَّة لنفسه وحكم ببطلانها؛ لوضوح أنَّ النفس الزكيَّة غير الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
ومن ثَمَّ فإنَّ النفس الزكيَّة في لسان جميع الروايات يُقتَل في المسجد الحرام بين الركن والمقام، وفي بعضها تحديد لزمان استشهاده في الخامس والعشرين من ذي الحجَّة الحرام، قبل ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بخمس عشرة ليلة(640)، وفي بعض الروايات أنَّ اسمه محمّد بن الحسن(641). وأين هذا من محمّد بن عبد الله الحسني المقتول في المدينة المنوَّرة في الرابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة (145هـ) بلا خلاف؟ فكيف يُشتبَه به أنَّه النفس الزكيَّة واقعاً إذن؟! على أنَّه لا مانع من توصيفه بهذا مع الالتفات إلى ما قدَّمناه.
وبهذا يتبيَّن اشتباه أبي الفرج الأصبهاني بقوله في محمّد بن عبد الله الحسني: (وكان أهل بيته يُسَمُّونه المهدي، ويُقدِّرون أنَّه الذي جاءت فيه الرواية، وكان علماء آل أبي طالب يرون فيه أنَّه النفس الزكيَّة، وأنَّه المقتول بأحجار الزيت)(642).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(640) راجع ما مرَّ في هامش الصفحة السابقة.
(641) روى الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 464 و465/ ح 480) بسنده عَنْ سُفْيَانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ اَلْجَرِيرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ: (اَلنَّفْسُ اَلزَّكِيَّةُ غُلَامٌ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ اِسْمُهُ: مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ، يُقْتَلُ بِلَا جُرْمٍ وَلَا ذَنْبٍ، فَإِذَا قَتَلُوهُ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ فِي اَلسَّمَاءِ عَاذِرٌ، وَلَا فِي اَلْأَرْضِ نَاصِرٌ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَبْعَثُ اَللهُ قَائِمَ آلِ مُحَمَّدٍ فِي عَصَبَةٍ لَهُمْ أَدَقَّ فِي أَعْيُنِ اَلنَّاسِ مِنَ اَلْكُحْلِ، إِذَا خَرَجُوا بَكَى لَهُمُ اَلنَّاسُ، لَا يَرَوْنَ إِلَّا أَنَّهُمْ يَخْتَطِفُونَ، يَفْتَحُ اَللهُ لَهُمْ مَشَارِقَ اَلْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، أَلَا وَهُمُ اَلمُؤْمِنُونَ حَقًّا، أَلَا إِنَّ خَيْرَ اَلْجِهَادِ فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ).
(642) مقاتل الطالبيِّين (ص 157).
ومورد اشتباهه في قوله: (وكان علماء آل أبي طالب يرون فيه أنَّه النفس الزكيَّة)! يشير بهذا إلى الإمام الصادق (عليه السلام) الذي لم يرَ فيه ما قال، وإنَّما ورد توصيفه بذلك في روايات الشيعة جرياً على المتعارف المشهور، كما هو الحال في وصفه بالمهدي الحسني الذي لا يُعبِّر عن اعتقاد بمهدويَّته.
بيان التطوُّر العلمي في زمان الظهور:
ولعلَّ أروع الأدلَّة التي ساقها الإمام الصادق (عليه السلام) في باب تأكيده على كذب جميع دعاوى المهدويَّة السابقة، إشاراته (عليه السلام) إلى التطوُّر العلمي الهائل، والتقنيَّات العلميَّة التي ستكون في زمان ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، والتي كانت مفقودة في عصره وجلِّ العصور اللَّاحقة تماماً، لدرجة كانت الإشارة لها في ذلك الحين مدعاة للتعجُّب، ولولا الاعتقاد الراسخ بصدق قائلها، لأعرض عنها المحدِّثون ولم يذكروا شيئاً منها؛ لعدم استيعاب عقليَّة ذلك العصر لها وتصوُّرها، ومن هذه الإشارات:
1 - عن عبد الله بن مسكان، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «إِنَّ اَلمُؤْمِنَ فِي زَمَانِ القَائِمِ وَهُوَ بِالمَشْرِقِ لَيَرَى أَخَاهُ وَهُوَ بِاَلمَغْرِبِ، وَكَذَا اَلَّذِي بِاَلمَغْرِبِ يَرَى أَخَاهُ اَلَّذِي بِاَلمَشْرِقِ»(643).
2 - وعن أبي بصير، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «إِنَّهُ إِذَا تَنَاهَتِ الأُمُورُ إِلَى صَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ رَفَعَ اَللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ مُنْخَفِضٍ مِنَ الأَرْضِ، وَخَفَّضَ لَهُ كُلَّ مُرْتَفِعٍ مِنْهَا، حَتَّى تَكُونَ اَلدُّنْيَا عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ رَاحَتِهِ، فَأَيُّكُمْ لَوْ كَانَتْ فِي رَاحَتِهِ شَعْرَةٌ لَمْ يُبْصِرْهَا؟»(644).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(643) سرور أهل الإيمان (ص 115).
(644) كمال الدِّين (ص 674/ باب 58/ ح 29).
3 - وعن أبي الربيع الشامي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إِنَّ قَائِمَنَا إِذَا قَامَ مَدَّ اللهُ (عزَّ وجلَّ) لِشِيعَتِنَا فِي أَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القَائِمِ بَرِيدٌ، يُكَلِّمُهُمُ فَيَسْمَعُونَ، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْه وَهُوَ فِي مَكَانِه»(645).
بيان سيادة الإسلام في زمان الظهور على كلِّ الأديان:
وهذا الدليل الذي أشار له القرآن الكريم - كما سيأتي -، وصرَّح به الإمام الصادق (عليه السلام)، هو الآخر من الأدلَّة العظيمة على زيف دعاوى المهدويَّة الباطلة في التاريخ كادِّعاء المنصور مهدويَّة ابنه (المهدي العبَّاسي)، وغيره ممَّن ادَّعوا لأنفسهم، أو ادُّعِيَ لهم ذلك زوراً وبطلاناً.
وعدم تحقُّق هذا الدليل في سائر العصور الإسلاميَّة أوضح من أنْ يحتاج إلى إثبات، في حين وَعَدَ الله تبارك وتعالى بتحقُّقه، وجاءت الروايات على أنَّه لا يكون ذلك إلَّا عند ظهور مهدي آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
1 - عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام) فِي قَوْلِ اَلله (عزَّ وجلَّ): ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 33]، فَقَالَ: «وَاَلله مَا نَزَلَ تَأْوِيلُهَا بَعْدُ، وَلَا يَنْزِلُ تَأْوِيلُهَا حَتَّى يَخْرُجَ القَائِمُ (عليه السلام)، فَإِذَا خَرَجَ القَائِمُ (عليه السلام) لَمْ يَبْقَ كَافِرٌ بِالله العَظِيمِ، وَلَا مُشْرِكٌ بِالإِمَامِ إِلَّا كَرِهَ خُرُوجَهُ، حَتَّى أَنْ لَوْ كَانَ كَافِراً أَوْ مُشْرِكاً فِي بَطْنِ صَخْرَةٍ لَقَالَتْ: يَا مُؤْمِنُ، فِي بَطْنِي كَافِرٌ، فَاكْسِرْنِي وَاُقْتُلْهُ»(646).
وروى محمّد بن الفضيل، عن الإمام الكاظم (عليه السلام)، نحوه(647).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(645) الكافي (ج 8/ ص 240 و241/ ح 329).
(646) كمال الدِّين (ص 670/ باب 58/ ح 16)؛ وأخرجه الأسترآبادي (رحمه الله) في تأويل الآيات الظاهرة (ج 2/ص 688) بطريق آخر عن أبي بصير، عنه (عليه السلام).
(647) الكافي (ج 1/ ص 432 - 435/ باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية/ ح 91).
2 - عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ مُوسَى، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ طَوْعاً وَكَرْهاً﴾ [آل عمران: 83]، قَالَ: «إِذَا قَامَ القَائِمُ (عليه السلام) لَا يَبْقَى أَرْضٌ إِلَّا نُودِيَ فِيهَا بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اَلله»(648).
وروى ابن بكير، عن الإمام الكاظم (عليه السلام)، نحوه(649).
3 - وعن عليِّ بن عقبة، عن أبيه، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «إِذَا قَامَ القَائِمُ (عليه السلام) حَكَمَ بِالعَدْلِ، وَاِرْتَفَعَ فِي أَيَّامِهِ الجَوْرُ، وَآمَنَتْ بِهِ اَلسُّبُلُ، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ بَرَكَاتِهَا، وَرُدَّ كُلُّ حَقٍّ إِلَى أَهْلِهِ، وَلَمْ يَبْقَ أَهْلُ دِينٍ حَتَّى يُظْهِرُوا الإِسْلَامَ، وَيَعْتَرِفُوا بِالإِيمَانِ...»(650).
4 - وَعَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «سُئِلَ أَبِي عَنْ قَوْلِ اَلله: ﴿وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً﴾ [التوبة: 36]، ﴿حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلهِ﴾ [الأنفال: 39]، فَقَالَ: «إِنَّهُ [تَأْوِيلٌ]، لَمْ يَجِئْ تَأْوِيلُ هَذِهِ الآيَةِ، وَلَوْ قَدْ قَامَ قَائِمُنَا بَعْدَهُ سَيَرَى مَنْ يُدْرِكُهُ مَا يَكُونُ مِنْ تَأْوِيلِ هَذِهِ الآيَةِ، وَلَيَبْلُغَنَّ دِينُ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مَا بَلَغَ اَللَّيْلُ، حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ [مُشْرِكٌ] عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ كَمَا قَالَ اَللهُ»(651).
5 - وعن محمّد بن حمران، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وكذلك محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قالا: «إِنَّ القَائِمَ مِنَّا مَنْصُورٌ بِالرُّعْبِ، مُؤَيَّدٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(648) تفسير العيَّاشي (ج 1/ ص 183/ ح 81).
(649) تفسير العيَّاشي (ج 1/ ص 183 و184/ ح 82).
(650) الإرشاد (ج 2/ ص 384 و385)، روضة الواعظين (ص 265)، إعلام الورى (ج 2/ ص 290)، كشف الغمَّة (ج 3/ ص 264 و265).
(651) تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 56/ ح 48).
بِالنَّصْرِ، تُطْوَى لَهُ الأَرْضُ، وَتَظْهَرُ لَهُ الكُنُوزُ كُلُّهَا، وَيُظْهِرُ اَللهُ بِهِ دِينَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ اَلمُشْرِكُونَ»، ثُمَّ ذَكَرَ جُمْلَةً مِنْ عَلَامَاتِهِ، ثُمَّ قَالَ: «فَعِنْدَ ذَلِكَ خُرُوجُ قَائِمِنَا»(652).
6 - وسأل المفضَّل بن عمر الإمام الصادق (عليه السلام) عن قول الله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾، قائلاً: مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)] يَظْهَرُ عَلَى الدِّين كُلِّهِ؟ قَالَ: «يَا مُفَضَّلُ، ظَهَرَ عَلَيْهِ عِلْماً وَلَمْ يَظْهَرْ عَلْمُهُ عَلَيْهِ، لَوْ كَانَ ظَهَرَ عَلَيْهِ مَا كَانَتْ مَجُوسِيَّةٌ وَلَا يَهُودِيَّةٌ وَلَا جَاهِلِيَّةٌ، وَلَا عُبِدَتِ الأَصْنَامُ وَالأَوْثَانُ، وَلَا صَابِئِةٌ، وَلَا نَصْرَانِيَّةٌ، وَلَا فُرْقَةٌ وَلَا خِلَافٌ، وَلَا شَكٌّ وَلَا شرْكٌ، وَلَا أُولُو العِزَّةِ، وَلَا عَبَدَةُ الشَّمْس وَالقَمَر وَالنُّجُوم، وَلَا النَّار، وَلَا الحِجَارَةِ، وَإِنَّمَا قَوْلُهُ: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ فِي هَذَا اليَوْم، وَهَذَا المَهْدِيُّ، وَهَذِهِ الرَّجْعَةُ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ﴾ [الأنفال: 39]»(653).
ومن الواضح أنَّ الدِّين الإسلامي في زمان تلك الدعاوى العريضة في التاريخ لم يتمكَّن من الظهور على عاصمة الدولة الإسلاميَّة؛ لفساد (الخلفاء) أنفسهم، وفسقهم، وشربهم الخمور علناً.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(652) إثبات الهداة (ج 5/ص 197/ح 685)، كمال الدِّين (ص 330 و331/باب 32/ح 16).
(653) الهداية الكبرى (ص 429)؛ وراجع: مختصر بصائر الدرجات (ص 180).
الفصل السادس: دور الإمام الصادق (عليه السلام) في ردِّ الشُّبُهات الأخرى
ذكرنا في بداية دور الإمام الصادق (عليه السلام) في ردِّ الشُّبُهات، أنَّه كان يتعمَّد أحياناً إلى إثارة ما سيقوله الناس بعد ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وغيبته من شُبُهات، ثمّ يتعرَّض بذات الوقت إلى إجابتها، وغالباً ما تكون إجابته (عليه السلام) ببيان نظير الحالة المشتبه بها من القرآن الكريم.
صحيح أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) لم يكن بحاجة إلى إثارة مثل هذه الأُمور، خصوصاً وأنَّها لم تحصل في زمانه، والذي دفعه إلى ذلك حرصه على مستقبل هذه العقيدة، وعلى خطِّ الإيمان الثابت بها، وزرع الثقة العالية في النفوس من خلال الوقوف على إجابة تلك الأقوال قبل نشأتها.
ومن هنا كان دوره (عليه السلام) في ردِّ تلك الشُّبُهات سابقاً لزمانه بعشرات السنين، وفي هذا السياق سنقتبس عنوان الشبهة وجوابها معاً من كلام الإمام الصادق (عليه السلام)، سواء كان في حديث أو مقطع من حديث، مع التذكير بثلاثة أُمور:
أحدها: أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) لم يكن بصدد مناقشة تلك الشُّبُهات؛ إذ لا يُعرَف لها قائل بزمانه، وإنَّما كان (عليه السلام) بصدد ما سيقال مستقبلاً، وتزييفه قبل حصوله على أرض الواقع؛ لكي تعي الأُمَّة - من جهة - صدق كلِّ ما أخبر به أهل البيت (عليهم السلام) بشأن ولدهم المهدي (عجَّل الله فرجه)، مع تنبيه القواعد الشيعيَّة اللَّاحقة على سخافة تلك الشُّبُهات تجاه عقيدتهم في المهدي (عجَّل الله فرجه) من جهة أُخرى.
والآخر: اشتراك أهل البيت (عليهم السلام) جميعاً في التنبيه على ما سيكون بعد ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) من أحداث وأقوال وشُبُهات، ومن هنا لا تكاد تجد - في الوقت الراهن - مناقشة أيَّة شبهة بهذا الخصوص لم تعتمد على ما ورد في ردِّها من قِبَل أهل البيت (عليهم السلام)، إلَّا نادراً.
والثالث: أنَّ قوَّة ما وصل إلينا من أدلَّة وبراهين على صدق عقيدتنا بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، أضحت كقوَّة مشاهدته (عجَّل الله فرجه) عياناً، وعاد إنكارها كإنكار الواقع المادِّي المحسوس!
ولا يخفى بأنَّ من جملة الواصل إلينا في ذلك هو أحاديث الإمام الصادق (عليه السلام) التي أخبرت عمَّا سيقوله السفهاء في المهدي (عجَّل الله فرجه) مستقبلاً، وقد تحقَّق إخباره على طبق ما أخبر به (عليه السلام)، ترى فكيف يُصدِّق العاقل بقول السفيه، ويعرض عن قول الصادق المؤتمن؟! الأمر الذي يُبرِّر لنا اختصار الكلام في تلك الشُّبُهات ما أمكن، كالآتي:
أوَّلاً: شبهة طول العمر وجوابها في قول الإمام الصادق (عليه السلام):
1 - أنَّ في الإمام المهدي (عليه السلام) «سُنَّةً مِنْ نُوحٍ، وَهُوَ طُولُ عُمُرِهِ»(654).
2 - وقوله (عليه السلام): «وَاَلله لَوْ بَقِيَ فِي غَيْبَتِهِ مَا بَقِيَ نُوحٌ فِي قَوْمِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ اَلدُّنْيَا حَتَّى يَظْهَرَ، فَيَمْلَأَ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً»(655).
3 - وقوله (عليه السلام): «... يَمُدَّ اَللهُ لِصَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ فِي العُمُرِ كَمَا مُدَّ لِنُوحٍ (عليه السلام) فِي العُمُرِ؟»(656).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(654) الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 936 و937).
(655) كمال الدِّين (ص 342/ باب 33/ ح 23).
(656) الغيبة للطوسي (ص 421/ ح 400).
4 - وقوله (عليه السلام): «نَظَرْتُ فِي كِتَابِ الجَفْرِ صَبِيحَةَ هَذَا اليَوْمِ...، وَتَأَمَّلْتُ مِنْهُ مَوْلِدَ غَائِبِنَا، وَغِيبَتَهُ، وَإِبْطَاءَهُ، وَطُولَ عُمُرِهِ، وَبَلْوَى اَلمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ اَلزَّمَانِ، وَتَوَلُّدَ اَلشُّكُوكِ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ طُولِ غَيْبَتِهِ...»(657).
5 - وقوله (عليه السلام): «مَا يُنْكِرُونَ أَنْ يَمُدَّ اَللهُ لِصَاحِبِ الأَمْرِ فِي العُمُرِ كَمَا مَدَّ لِنُوحٍ (عليه السلام)، وَإِنَّ لِصَاحِبِ اَلزَّمَانِ شَبَهاً مِنْ مُوسَى وَرُجُوعُهُ مِنْ غَيْبَتِهِ بِشَرْخِ(658) اَلشَّبَابِ»(659).
6 - وقوله (عليه السلام): «لَوْ قَدْ قَامَ القَائِمُ لَأَنْكَرَهُ اَلنَّاسُ - يعني معظمهم -؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَابًّا مُوفِقاً لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ إِلَّا مَنْ قَدْ أَخَذَ اَللهُ مِيثَاقَهُ فِي اَلذَّرِّ الأَوَّلِ»(660)؛ لأنَّهم يحسبون أنَّه (عليه السلام) لو بقي حيًّا في تلك الفترة الطويلة لكان شيخاً هرماً كبيراً.
ويُؤيِّد هذا...
7 - قوله (عليه السلام): «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ البَلِيَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْهِمْ صَاحِبُهُمْ شَابّاً وَهُمْ يَحْسَبُونَهُ شَيْخاً كَبِيراً»(661)، أي: من طول العمر.
8 - وقوله (عليه السلام) في بيان وجه الشَّبَه بين الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ونبيِّ الله نوح والخضر (عليهما السلام): «وَأَمَّا إِبْطَاءُ نُوحٍ (عليه السلام)، فَإِنَّهُ لَـمَّا اِسْتُنْزِلَتِ العُقُوبَةُ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(657) كمال الدِّين (ص 352 - 357/ باب 33/ ح 50)، الغيبة للطوسي (ص 167 - 173/ ح 129)، ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 310 - 312/ باب 80/ ح 2).
(658) في الصحاح للجوهري (ج 1/ ص 424/ مادَّة شرخ): (شرخ الأمر والشباب: أوَّلُه).
(659) منتخب الأنوار المضيئة (ص 330/ فصل 12) وصحَّحه؛ ورواه الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 421/ ح 399)، وفيه: (إنَّ في صاحب الزمان (عليه السلام) شبهاً من يونس...).
(660) الغيبة للنعماني (ص 194/ باب 10/ فصل 4/ ح 43، وص 219/ باب 12/ ح 20)، الغيبة للطوسي (ص 420/ ح 398) بتفاوت يسير.
(661) الغيبة للنعماني (ص 194 و195/ باب 10/ فصل 4/ ذيل الحديث 43).
اَلسَّمَاءِ بَعَثَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) اَلرُّوحَ الأَمِينَ (عليه السلام) بِسَبْعِ نَوَيَاتٍ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اَلله، إِنَّ اَللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ لَكَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ خَلَائِقِي وَعِبَادِي، وَلَسْتُ أُبِيدُهُمْ بِصَاعِقَةٍ مِنْ صَوَاعِقِي إِلَّا بَعْدَ تَأْكِيدِ اَلدَّعْوَةِ وَالزَامِ الحُجَّةِ، فَعَاوِدِ اِجْتِهَادَكَ فِي اَلدَّعْوَةِ لِقَوْمِكَ، فَإِنِّي مُثِيبُكَ عَلَيْهِ، وَاِغْرِسْ هَذِهِ اَلنَّوَى فَإِنَّ لَكَ فِي نَبَاتِهَا وَبُلُوغِهَا وَإِدْرَاكِهَا إِذَا أَثْمَرَتِ الفَرَجَ وَالخَلَاصَ، فَبَشِّرْ بِذَلِكَ مَنْ تَبِعَكَ مِنَ اَلمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا نَبَتَتِ الأَشْجَارُ وَتَأَزَّرَتْ وَتَسَوَّقَتْ وَتَغَصَّنَتْ وَأَثْمَرَتْ وَزَهَا اَلتَّمْرُ عَلَيْهَا بَعْدَ زَمَانٍ طَوِيلٍ اِسْتَنْجَزَ مِنَ اَلله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى العِدَةَ، فَأَمَرَهُ اَللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَغْرِسَ مِنْ نَوَى تِلْكَ الأَشْجَارِ، وَيُعَاوِدَ اَلصَّبْرَ وَاَلاِجْتِهَادَ، وَيُؤَكِّدَ الحُجَّةَ عَلَى قَوْمِهِ، فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ اَلطَّوَائِفَ اَلَّتِي آمَنَتْ بِهِ، فَارْتَدَّ مِنْهُمْ ثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ، وَقَالُوا: لَوْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ نُوحٌ حَقًّا لَـمَا وَقَعَ فِي وَعْدِ رَبِّهِ خُلْفٌ.
ثُمَّ إِنَّ اَللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَزَلْ يَأْمُرُهُ عِنْدَ كُلِّ مَرَّةٍ بِأَنْ يَغْرِسَهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إِلَى أَنْ غَرَسَهَا سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ اَلطَّوَائِفُ مِنَ اَلمُؤْمِنِينَ تَرْتَدُّ مِنْهُ طَائِفَةٌ بَعْدَ طَائِفَةٍ إِلَى أَنْ عَادَ إِلَى نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ رَجُلاً، فَأَوْحَى اَللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِنْدَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَقَالَ: يَا نُوحُ، الآنَ أَسْفَرَ اَلصُّبْحُ عَنِ اَللَّيْلِ لِعَيْنِكَ حِينَ صَرَّحَ الحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ، وَصَفِيَ الأَمْرُ وَالإِيمَانُ مِنَ الكَدَرِ بِارْتِدَادِ كُلِّ مَنْ كَانَتْ طِينَتُهُ خَبِيثَةً...
وَكَذَلِكَ القَائِمُ فَإِنَّهُ تَمْتَدُّ أَيَّامُ غَيْبَتِهِ لِيُصَرِّحَ الحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ، وَيَصْفُوَ الإِيمَانُ مِنَ الكَدَرِ بِارْتِدَادِ كُلِّ مَنْ كَانَتْ طِينَتُهُ خَبِيثَةً مِنَ اَلشِّيعَةِ اَلَّذِينَ يُخْشَى عَلَيْهِمُ اَلنِّفَاقُ إِذَا أَحَسُّوا بِالاِسْتِخْلَافِ وَاَلتَّمْكِينِ وَالأَمْنِ اَلمُنْتَشِرِ فِي عَهْدِ القَائِمِ (عليه السلام)...
وَأَمَّا العَبْدُ اَلصَّالِحُ - أَعْنِي الخَضِرَ (عليه السلام) -، فَإِنَّ اَللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا طَوَّلَ عُمُرَهُ لِنُبُوَّةٍ قَدَّرَهَا لَهُ، وَلَا لِكِتَابٍ يُنَزِّلُهُ عَلَيْهِ، وَلَا لِشَرِيعَةٍ يَنْسَخُ بِهَا شَرِيعَةَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، وَلَا لِإِمَامَةٍ يُلْزِمُ عِبَادَهُ اَلاِقْتِدَاءَ بِهَا، وَلَا لِطَاعَةٍ يَفْرِضُهَا لَهُ،
بَلَى إِنَّ اَللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَـمَّا كَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنْ يُقَدِّرَ مِنْ عُمُرِ القَائِمِ (عليه السلام) فِي أَيَّامِ غَيْبَتِهِ مَا يُقَدِّرُ، وَعَلِمَ مَا يَكُونُ مِنْ إِنْكَارِ عِبَادِهِ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ العُمُرِ فِي اَلطُّولِ، طَوَّلَ عُمُرَ العَبْدِ اَلصَّالِحِ فِي غَيْرِ سَبَبٍ يُوجِبُ ذَلِكَ إِلَّا لِعِلَّةِ اَلاِسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى عُمُرِ القَائِمِ (عليه السلام)، وَلِيَقْطَعَ بِذَلِكَ حُجَّةَ اَلمُعَانِدِينَ، لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اَلله حُجَّةٌ»(662).
ثانياً: شبهة القول بعدم الولادة، أو الوفاة بعد حصولها:
وأساس هذه الشُّبهة ما ذكره النوبختي والأشعري والشيخ المفيد (رحمهم الله) وغيرهم من وجود بعض الاختلاف بين الناس بعد وفاة الإمام العسكري(عليه السلام)، فمنهم من قال: إنَّ الإمام العسكري (عليه السلام) مات بلا عقب، ومنهم من قال: مات بعد ولادته، ومنهم من قال: وُلِدَ قبل وفاة أبيه بسنتين، والجواب:
1 - قال الإمام الصادق (عليه السلام): «أَمَا وَاَلله لَيَغِيبَنَّ إِمَامُكُمْ سِنِيناً مِنْ دَهْرِكُمْ، وَلَتُمَحَّصُنَّ حَتَّى يُقَالَ: مَاتَ أَوْ هَلَكَ، بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟»(663).
2 - وفي الصحيح عنه (عليه السلام) قوله لزرارة في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه): «يَا زُرَارَةُ، وَهُوَ اَلمُنْتَظَرُ، وَهُوَ اَلَّذِي يُشَكُّ فِي وِلَادَتِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَاتَ أَبُوهُ بِلَا خَلَفٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: حَمْلٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: غَائِبٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: وُلِدَ قَبْلَ وَفَاةِ أَبِيهِ بِسِنِينَ، وَهُوَ اَلمُنْتَظَرُ، غَيْرَ أَنَّ اَللهَ يُحِبُّ أَنْ يَمْتَحِنَ قُلُوبَ اَلشِّيعَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَرْتَابُ اَلمُبْطِلُونَ يَا زُرَارَةُ»(664).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(662) كمال الدِّين (ص 352 - 357/ باب 33/ ح 50)، الغيبة للطوسي (ص 167 - 173/ ح 129).
(663) قد تقدَّم في (ص 120 و121)، فراجع.
(664) الغيبة للنعماني (ص 170 و171/ باب 10/ فصل 3/ ح 6)، أخرجه من ثلاث طُرُق عن زرارة.
3 - وقال (عليه السلام): «أَمَا إِنَّهُ لَوْ قَدْ قَامَ لَقَالَ اَلنَّاسُ: أَنَّى يَكُونُ هَذَا وَقَدْ بَلِيَتْ عِظَامُهُ مُذْ كَذَا وَكَذَا؟»(665).
ويصبُّ في الجواب أيضاً أحاديث شكِّ الناس بسبب خفاء الولادة، وأحاديث التمحيص والاختبار، وكثير غيرها ممَّا ذكرناه في محلِّه من هذا البحث.
4 - وقوله (عليه السلام) في تشبيه غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بغيبة النبيِّ عيسى (عليه السلام)، قال: «وَأَمَّا غَيْبَةُ عِيسَى (عليه السلام)، فَإِنَّ اليَهُودَ وَاَلنَّصَارَى اِتَّفَقَتْ عَلَى أَنَّهُ قُتِلَ، فَكَذَّبَهُمُ اَللهُ (جَلَّ ذِكْرُهُ) بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ [النساء: 157]، كَذَلِكَ غَيْبَةُ القَائِمِ، فَإِنَّ الأُمَّةَ سَتُنْكِرُهَا لِطُولِهَا، فَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ: إِنَّهُ لَمْ يُولَدْ، وَقَائِلٍ يَفْتَرِي بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ وُلِدَ وَمَاتَ، وَقَائِلٍ يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ حَادِيَ عَشَرَنَا كَانَ عَقِيماً، وَقَائِلٍ يَمْرُقُ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ يَتَعَدَّى إِلَى ثَالِثَ عَشَرَ فَصَاعِداً، وَقَائِلٍ يَعْصِي اَللهَ بِدَعْوَاهُ أَنَّ رُوحَ القَائِمِ (عليه السلام) يَنْطِقُ فِي هَيْكَلِ غَيْرِهِ»(666).
ثالثاً: شبهة حول استمرار وجوده الشريف:
وقد نبَّه الإمام الصادق (عليه السلام) على هذه الشُّبهة، وأكَّد حياة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) واستمرار وجوده الشريف بقوله: «وَيَنْزِلُ رُوحُ اَلله عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (عليه السلام) فَيُصَلِّي خَلْفَهُ... وَذَلِكَ بَعْدَ غَيْبَةٍ طَوِيلَةٍ»(667).
وهذا يتضمَّن استمرار وجوده الشريف في غيبته، وإلَّا كيف يُصلِّي عيسى (عليه السلام) خلفه؟
وقوله (عليه السلام) في الصحيح لحازم بن حبيب: «يَا حَازِمُ، إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(665) قد تقدَّم في (ص 125)، فراجع.
(666) الغيبة للطوسي (ص 167 - 173/ ح 129)؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 352 - 357/ باب 33/ ح 50) بتفاوت يسير.
(667) مختصر إثبات الرجعة (ص 65 و66/ ح 18).
الأَمْرِ غَيْبَتَيْنِ يَظْهَرُ فِي اَلثَّانِيَةِ، فَمَنْ جَاءَكَ يَقُولُ: إِنَّهُ نَفَضَ يَدَهُ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ فَلَا تُصَدِّقْهُ»(668)، وفي هذا تأكيد على استمرار وجوده الشريف في غيبته مهما طال بها الزمان.
وهناك أحاديث أُخرى صرَّحت بطول الغيبة الثانية كقوله (عليه السلام): «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ غَيْبَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا تَطُولُ حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ: مَاتَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: قُتِلَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: ذَهَبَ...»(669).
وغيرها من الأحاديث التي سبقت في تأكيده (عليه السلام) على أنَّ للمهدي (عجَّل الله فرجه) غيبتين.
كما أنَّ الأحاديث المتقدِّمة في طول العمر كلَّها تصبُّ في الجواب على هذه الشُّبهة أيضاً.
رابعاً: شبهة حول هويَّة الإمام الغائب (عجَّل الله فرجه):
ومفاد هذه الشُّبهة - كما عند بعضهم - أنَّه ادُّعِيَتْ الغيبة عند أكثر فِرَق الشيعة التي زعمت إمامة أئمَّتهم والقول بمهدويَّتهم وغيبتهم، كالكيسانيَّة والناووسيَّة والواقفيَّة وغيرها.
الأمر الذي أدَّى - بزعمهم - إلى عدم معرفة الحقيقة في خضمِّ هذه المدَّعيات!
وقد مرَّ الجواب مفصَّلاً في هذا الباب على سائر تلك الفِرَق.
ويزيد الأمر وضوحاً ما قاله الإمام الصادق (عليه السلام) في تحديد هويَّة الإمام الغائب (عجَّل الله فرجه) في أحاديث شتَّى، نكتفي بالتذكير بواحد منها، وهو ما قاله (عليه السلام)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(668) قد تقدَّم في (ص 129)، فراجع.
(669) قد تقدَّم في (ص 130)، فراجع.
للسيِّد الحميري: «إِنَّ الغَيْبَةَ سَتَقَعُ بِالسَّادِسِ مِنْ وُلْدِي، وَهُوَ اَلثَّانِي عَشَرَ مِنَ الأَئِمَّةِ الهُدَاةِ بَعْدَ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)...» الحديث(670)، وقد بيَّن (عليه السلام) فيه وفي غيره من هم الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام)، فراجع.
خامساً: شبهة جواز تأخير الاعتقاد بالمهدي (عجَّل الله فرجه) إلى زمان ظهوره:
وتهدف هذه الشُّبهة إلى عذر العامَّة في البقاء على الاعتقاد بمهدي مجهول يخلقه الله في آخر الزمان، وأنَّهم لا مانع لديهم - فيما يدَّعون - من ترك هذا الاعتقاد، والالتحاق بصفوف الشيعة فيما لو ظهر الإمام الحجَّة بن الحسن (عجَّل الله فرجه) في المستقبل(671)!
وقبل بيان موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من هذه الشُّبهة أودُّ التنبيه على خمس ملاحظات، وهي:
1 - أنَّ معنى الاعتقاد بمهدي مجهول في آخر الزمان، مع احتمال رفضه في المستقبل، يعني فساد الدليل المثبت لهذا الاعتقاد، وعدم صحَّته.
2 - أنَّ شرط الاعتقاد بضروري من الضروريَّات في المنظور الإسلامي، أنْ يكون متواتراً، والمتواتر لا ينقلب إلى غير متواتر، وقد سبق وأنْ بيَّنَّا دليل القول بمهدي مجهول يخلقه الله في آخر الزمان، وأنَّه - بزعمهم - حسني، واسمه محمّد بن عبد الله، وهو روايتان فقط، إحداهما مجهولة، والأُخرى مرسَلة. وأمَّا الحديث الذي أشار لهذا بلفظ: «اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي»، فهو حديث موضوع كما بيَّنَّاه، فأين هذا التواتر إذن؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(670) قد تقدَّم في (ص 94)، فراجع.
(671) لم أجد هذه الشُّبهة في كتاب، ولكن قالها أحد رجال العامَّة في كلمة له ألقاها في مهرجان الغدير المنعقد في مؤسَّسة السيِّد الخوئي (رحمه الله) في لندن، أخبرني بهذا سماحة العلَّامة المحقِّق آية الله السيِّد عليٌّ الحسيني الميلاني (حفظه الله) الذي حضر المهرجان وغادره بعد تسويف طلبه في التعقيب على هذه الكلمة!
3 - أنَّ الاعتقاد بمهديٍّ لم يُخْلَق بعد! إمَّا أنْ يكون هو امام الزمان، أو لا يكون. والأوَّل لا يُعقَل؛ لخلو زماننا منه؛ إذ لم يُخْلَق. والثاني لا يفيد طاعته، ولا نصرته، ولا انتظاره.
4 - أنَّ قاعدة عدم خلوِّ الزمان من إمام، تعني خرافة الاعتقاد بمهدي معدوم لم يُخلَق؛ إذ اللَّازم وجوده.
5 - أنَّ شرط الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه) أنْ يكون في حياته لا بعد ظهوره، كما سيأتي.
ومع فرض كون المهدي هو المجهول جدلاً، فسيكون الإيمان به فاقداً للشرط المذكور، وهو الحياة؛ لأنَّه معدوم لم يُخلَق بعد.
ومع القول بأنَّه الحجَّة بن الحسن العسكري (عجَّل الله فرجه)، وهو الحقُّ، فسوف لن يُقبَل من جاحديه اعتقادهم بخرافة لا أصل لها ولا واقع، كما لن يُقبَل منهم توبتهم عند ظهوره لو أدركوه (عجَّل الله فرجه).
وبهذا يتبيَّن أنَّ القول المذكور في مهرجان الغدير المنعقد في لندن لقلقة لسان ليس له معنى.
ويدلُّ على ما ذكرناه:
1 - قول الصادق (عليه السلام): «قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): طُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَ قَائِمَ أَهْلِ بَيْتِي وَهُوَ مُقْتَدٍ بِهِ قَبْلَ قِيَامِهِ، يَأْتَمُّ بِهِ وَبِأَئِمَّةِ الهُدَى مِنْ قَبْلِهِ، وَيَبْرَأُ إِلَى اَلله (عزَّ وجلَّ) مِنْ عَدُوِّهِمْ، أُولَئِكَ رُفَقَائِي، وَأَكْرَمُ أُمَّتِي عَلَيَّ»، وفي رواية أُخرى: «وَأَكْرَمُ خَلْقِ اَلله عَلَيَّ»(672).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(672) كمال الدِّين (ص 286 و287/ باب 25/ ح 3)، الغيبة للطوسي (ص 456/ ح 466).
2 - وفي حديث آخر عنه (عليه السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَنْ أَنْكَرَ القَائِمَ مِنْ وُلْدِي فِي زَمَانِ غَيْبَتِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»(673).
3 - وعن هشام بن سالم، عن الإمام الصادق، عن آبائه (عليهم السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث في شمائل وأوصاف وسيرة المهدي (عجَّل الله فرجه) جاء فيه: «وَمَنْ أَنْكَرَهُ فِي غَيْبَتِهِ فَقَدْ أَنْكَرَنِي»(674).
4 - وفي الصحيح عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اَلله (عزَّ وجلَّ): ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ﴾ [الأنعام: 158]، فَقَالَ (عليه السلام): «الآيَاتُ هُمُ الأَئِمَّةُ، وَالآيَةُ اَلمُنْتَظَرَةُ القَائِمُ (عليه السلام)، فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلِ قِيَامِهِ بِالسَّيْفِ، وَإِنْ آمَنَتْ بِمَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)»(675).
وإذا ما أُضيف إلى هذا أحاديث الانتظار الواردة عن الإمام الصادق (عليه السلام) من قبيل قوله: «... اَلمُنْتَظِرِينَ لِظُهُورِهِ فِي غَيْبَتِهِ، وَاَلمُطِيعِينَ لَهُ فِي ظُهُورِهِ، أُولَئِكَ أَوْلِيَاءُ اَلله اَلَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»(676)، وغيره من الأحاديث المتقدِّمة، علمنا أنَّ أصحاب هذه المقولة - وهم لم يضمنوا بقاءهم على قيد الحياة إلى زمان الظهور - لم يحصدوا سوى الخسران المبين.
سادساً: شبهة جعفر الكذَّاب عمِّ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
وخلاصتها ما ذكره علماء الشيعة الإماميَّة من أنَّ أقرب الناس إلى الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وهو جعفر ابن الإمام الهادي (عليه السلام) المعروف بجعفر الكذَّاب، قد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(673) قد تقدَّم في (ص 31)، فراجع.
(674) قد تقدَّم في (ص 134)، فراجع.
(675) قد تقدَّم في (ص 30)، فراجع.
(676) قد تقدَّم في (ص 139 و140)، فراجع.
شهد أمام القضاء العبَّاسي بأنَّ أخاه العسكري (عليه السلام) مات بلا عقب، طمعاً في أمواله.
جدير بالذكر أنَّه لم يروِ أحد من أهل الإسلام ما قاله جعفر، إلَّا الإماميَّة وحدهم فقط، وجميع من تمسَّك بهذه الشُّبهة قاطبةً كان مصدرهم الوحيد إليها كُتُب الشيعة فقط؛ لأنَّ مَنْ ذكرها من العامَّة كافَّة إنَّما نقلها بالاعتماد على مثل النوبختي، أو سعد بن عبد الله القمِّي، أو الشيخ المفيد، أو الشيخ الطوسي (رحمهم الله)، وغيرهم من متقدِّمي علماء الإماميَّة الذين لولاهم لما عرف أحد ما فعله جعفر.
وفي هذا وحده ما يكفي لدحض مقولته، والازدراء بمن تمسَّك بها؛ لأنَّها حجَّة داحضة سخيفة.
وقد أشارت أحاديث الإمام الصادق (عليه السلام) المساقة في شبهة إنكار ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) آنفاً إلى قول جعفر الكذَّاب هذا، كما في جملة: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَاتَ أَبُوهُ بِلَا خَلَفٍ».
وهناك أحاديث أُخَر أكثر صراحةً من هذا، وهي المتقدِّمة في بيان ما في المهدي من شَبَه بالأنبياء (عليهم السلام)؛ إذ مرَّ فيها حديثه (عليه السلام) بأنَّ فيه شَبَهاً من يوسف (عليهما السلام)(677).
ومن مقارنة ما حصل في حياتي المُشَبَّه (المهدي (عجَّل الله فرجه)) والمشبَّه به (يوسف (عليه السلام)) يُعلَم وجه الشَّبَه بين ما فعله أولاد النبيِّ يعقوب (عليه السلام) - وهم أسباط النبيِّين وأقرب الخلق نسباً بنبيِّ الله وخليله إبراهيم - بأخيهم يوسف الصدِّيق، حين كذبوا على أبيهم في أمره ﴿وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ (يوسف: 16 - 18)!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(677) قد تقدَّم في (ص 87 و88)، فراجع.
وبين ما فعله جعفر الكذَّاب، وهو أقلّ شأناً وديناً من أولاد يعقوب (عليه السلام)، لتقرُّبه لطواغيت بني العبَّاس، مع فسقه، ولعبه بالطنبور، وجشعه، وحبِّه للجاه والمال، وشربه الخمور بشهادة ابن وزير الدولة أحمد بن عبيد الله بن خاقان(678)، كلُّ هذا دفعه إلى ذلك الموقف الخسيس الذي هو أشبه ما يكون بموقف أولاد يعقوب (عليه السلام).
وفيه شَبَه عظيم أيضاً بموقف أبي لهب عمِّ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، حيث جحد نبوَّة ابن أخيه نبيِّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكذب رسالته، وألَّب عليه، وكان (لعنه الله) أولى من غيره بالإيمان بنبيِّ الرحمة (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والتصديق برسالته، وبذل الغالي والرخيص لأجل نصرته.
سابعاً: شُبهتهم حول لفظ (القائم) ولفظ (المهدي):
ومفاد هذه الشُّبهة أنَّ أكثر الأحاديث المستدلِّ بها في تشخيص هويَّة المهدي (عجَّل الله فرجه) عند الشيعة ورد ذكره فيها بلفظ (القائم)، ولا اختصاص للإمام الثاني عشر عند الشيعة بهذا اللفظ. كما أنَّ لفظ (المهدي) لا يدلُّ على كون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(678) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 503 - 506/ باب مولد أبي محمّد الحسن بن عليٍّ العسكري (عليه السلام)/ ح 1) بسنده عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَشْعَرِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى وغَيْرِهِمَا، قَالُوا: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ الله بْنِ خَاقَانَ عَلَى الضِّيَاعَ وَالْخَرَاجِ بِقُمَّ، فَجَرَى فِي مَجْلِسِه يَوْماً ذِكْرُ الْعَلَوِيَّةِ وَمَذَاهِبِهِمْ، وَكَانَ شَدِيدَ النَّصْبِ، فَقَالَ: ... فَقَالَ لَه بَعْضُ مَنْ حَضَرَ مَجْلِسَه مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، فَمَا خَبَرُ أَخِيه جَعْفَرٍ؟ فَقَالَ: (وَمَنْ جَعْفَرٌ فَتَسْأَلَ عَنْ خَبَرِه أَوْ يُقْرَنَ بِالْحَسَنِ؟ جَعْفَرٌ مُعْلِنُ الْفِسْقِ، فَاجِرٌ، مَاجِنٌ، شِرِّيبٌ لِلْخُمُورِ، أَقَلُّ مَنْ رَأَيْتُه مِنَ الرِّجَالِ، وَأَهْتَكُهُمْ لِنَفْسِه، خَفِيفٌ قَلِيلٌ فِي نَفْسِه...)؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 40 - 44)، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 321 - 325)، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 147 - 150).
وراجع: كمال الدِّين (ص 473 - 476/ باب 43/ ح 25)، والفصول العشرة للمفيد (ص 63 - 67/ الفصل الثاني).
المقصود به هو الإمام الثاني عشر؛ لوجود روايات تشير إلى وصف أئمَّة الشيعة بأنَّهم مهديُّون كلُّهم. وإذا كان كلا اللفظين أعمّ من اختصاصهما به، فلا مجال للاستدلال بتلك الأحاديث على مهدويَّته وغيبته!
والجواب: أنَّه حتَّى لو كان لفظ (القائم) و(المهدي) لا ينصرفان عند الإطلاق إلى الإمام الثاني عشر الحجَّة بن الحسن العسكري (عليهما السلام)، فهناك الكثير من القرائن التي دلَّت على هذا المعنى واقترن بها اللفظان، كذكر الغيبتين مثلاً. هذا فضلاً عن الأحاديث التي لا تحتاج إلى قرينة، وهي التي شخَّصت مَنْ هو القائم باسمه ونسبه الشريف، كما مرَّ مفصَّلاً في بيان الإمام الصادق (عليه السلام) لهويَّة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، ولا حاجة إلى إعادتها.
والصحيح في المقام هو أنَّ لفظ (القائم) قد وُصِفَ به الأئمَّة (عليهم السلام) جميعاً، ولكنَّه لا ينصرف إلى أحد من أهل البيت (عليهم السلام) إلَّا بقرينة حاليَّة أو مقاليَّة، وأمَّا عند الإطلاق فينصرف إلى الإمام الحجَّة بن الحسن العسكري (عليهما السلام). وكذلك الحال مع لفظ (المهدي).
وبعبارة أُخرى: عندما نستقصي الأخبار نرى أنَّ سائر الأئمَّة (عليهم السلام) قد وُصِفُوا بهذا الوصف مع إضافة مثل: (القائم بدين الله) ونحوه، وأمَّا (القائم) على الإطلاق فلم يُطلَق إلَّا على الإمام الثاني عشر منهم (عليهم السلام).
ثامناً: الشُّبهة الواردة حول سيرته (عجَّل الله فرجه):
وردت في أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) عند الإماميَّة ما هو صريح بسيرته (عجَّل الله فرجه) عند ظهوره، وأنَّه يأتي بعمل جديد. وقد زعم بعضهم أنَّ معنى هذا أنَّ مهدي الشيعة سينسخ بسيرته الدِّين المحمّدي!
وهذه ليست شبهة في الواقع، وإنَّما كلام فارغ هدفه التشنيع لا أكثر، ولم
يتخرَّصه سوى الوهَّابيَّة فيما أعلم، ومهما يكن الهدف فقد أجاب الإمام الصادق (عليه السلام) على هذا الافتراء قبل ولادة مؤسِّس الفرقة الوهَّابيَّة بعدَّة قرون.
1 - فعن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله، عن آبائه (عليهم السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: «القَائِمُ مِنْ وُلْدِي، اِسْمُهُ اِسْمِي، وَكُنْيَتُهُ كُنْيَتِي، وَشَمَائِلُهُ شَمَائِلِي، وَسُنَّتُهُ سُنَّتِي، يُقِيمُ اَلنَّاسَ عَلَى مِلَّتِي وَشَرِيعَتِي، وَيَدْعُوهُمْ إِلَى كِتَابِ رَبِّي (عزَّ وجلَّ)...»(679).
2 - وَعَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ فِي صَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ سُنَنٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ (عليهم السلام)، سُنَّةً مِنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَسُنَّةً مِنْ عِيسَى، وَسُنَّةً مِنْ يُوسُفَ، وَسُنَّةً مِنْ مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِمْ)...» إلى أنْ قال: «وَأَمَّا سُنَّتُهُ مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَيَهْتَدِي بِهُدَاهُ، وَيَسِيرُ بِسِيرَتِهِ»(680).
والإطالة في هذا إطالة في الواضحات، ويكفي ما ذكرناه في بيان الإمام الصادق (عليه السلام) لسيادة الإسلام على كلِّ الأديان في زمان ظهور المهدي (عجَّل الله فرجه) وعلى يده.
تاسعاً: شُبُهات حول الغيبة:
وخلاصة هذه الشُّبُهات تدور حول ثلاثة أسئلة، وهي:
1 - لماذا الغيبة؟
2 - وما هو وجه الحكمة فيها؟
3 - وكيف يتحقَّق انتفاع الأُمَّة من الإمام المهدي الغائب (عجَّل الله فرجه) وهي لا يمكنها أنْ تصل إليه؟
وتدور هذه الأسئلة الثلاثة على محور واحد، وهو منافاة الغيبة - كما يُزعَم - للغاية من نصب الإمام، وعلى هذا يكون وجود الإمام وعدمه سواء!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(679) قد تقدَّم في (ص 134)، فراجع.
(680) قد تقدَّم في (ص 87)، فراجع.
وأصل كلِّ هذا مبنيٌّ على أنَّ الغاية من نصب الإمام لا تتحقَّق إلَّا بمشاهدته لأخذ معالم الدِّين عنه!
وقد خفي على هؤلاء بأنَّ الثمرة من وجود الإمام لا حصر لها بأخذ المسائل عنه، وإنَّما هناك ثمرات أُخَر تترتَّب على وجوده الشريف.
ويمكن إدراكها من خلال علمنا بأنَّ هناك جملة من الأُمور المطلوبة منَّا شرعاً لذاتها إزاء الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، بغضِّ النظر عن إمكانيَّة الوصول إليه أو عدمه، ومنها على سبيل المثال: السعي الدؤوب وراء معرفة هويَّته الشخصيَّة، وإلَّا فلن يتحقَّق ركن الإيمان بالاعتقاد بأنَّه إمام الزمان الذي مَنْ لا يعرفه سوف لن يغادر الدنيا إلَّا بميتة جاهليَّة، كما نطقت بذلك أحاديث الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند الفريقين، وأكَّدها الإمام الصادق (عليه السلام) بأحاديث شتَّى كما مرَّ.
وعلى هذا يكون نفس التصديق بوجود الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) أمراً مطلوباً لذاته بغضِّ النظر عن مشاهدته أو لا. لا فرق بين هذا وبين وجوب التصديق بوجود النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالنسبة للمسلمين الذين عاشوا في عصره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولم يلتقوا به ولم يشاهدوه.
ونحن ملزمون بالتعبُّد بما جاء عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل البيت (عليهم السلام). والأحاديث السابقة وكثير مثلها، كلُّها صريحة بوجوب هذا الاعتقاد.
ومن ثَمَّ ورد عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل البيت (عليهم السلام) ما يشير إلى عدم انحصار الفائدة من وجود الإمام بالتصرُّف في الأُمور، وفيما يأتي جملة من الأحاديث الشريفة الدالَّة على ذلك:
1 - عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ (رضي الله عنه)، قَالَ: سَمِعْتُ اَلنَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «إِنَّمَا مَثَلُ
أَهْلِ بَيْتِي فِيكُمْ كَمَثَلِ سَفِينَةِ نُوحٍ، مَنْ رَكِبَهَا نَجَا، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ، وَمَثَلُ بَابِ حِطَّةٍ، يَحُطُّ اَللهُ بِهِ الخَطَايَا»(681).
وهذا صريح بأنَّ الدخول بولاية أهل البيت (عليهم السلام)، والتمسُّك بحبلهم قد جعله الله طريقاً لرضوانه ومغفرته، وهذا أمر عظيم أعمّ من نفع مشاهدتهم والسؤال مباشرةً منهم (عليهم السلام).
2 - وعن جابر بن عبد الله، وأبي موسى الأشعري، وابن عبَّاس، قالوا: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «اَلنُّجُومُ أَمَانٌ لِأَهْلِ اَلسَّمَاءِ، وَأَهْلُ بَيْتِي أَمَانٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَتِ اَلنُّجُومُ ذَهَبَ أَهْلُ اَلسَّمَاءِ، وَإِذَا ذَهَبَ أَهْلُ بَيْتِي ذَهَبَ أَهْلُ الأَرْضِ»(682).
3 - وعن أياس بن سَلَمة، عن أبيه، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «اَلنُّجُومُ أَمَانٌ لِأَهْلِ اَلسَّمَاءِ، وَأَهْلُ بَيْتِي أَمَانٌ لِأُمَّتِي»(683).
(681) أمالي الطوسي (ص 733/ ح 1532/2)؛ ورواه بتفاوت يسير سُلَيم بن قيس في كتابه (ص 457/ ح 75)، والطبرسي في الاحتجاج (ج 1/ ص 228 و229)، والطبراني في المعجم الصغير (ج 1/ ص 139 و140)، وفي المعجم الكبير (ج 3/ ص 45 و46/ ح 2637)، وفي المعجم الأوسط (ج 4/ ص 9 و10)، والجرجاني في الأمالي الخميسيَّة (ج 1/ ص 205/ ح 761)، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب (ص 378)، والمتَّقي الهندي في كنز العُمَّال (ج 12/ ص 98 و99/ ح 34170).
(682) أمالي الطوسي (ص 379/ ح 812/63)؛ وروى الصدوق (رحمه الله) قريباً منه في كمال الدِّين (ص 205/ باب 21/ ح 19) بسنده عن عبد المَلِك بن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن جدِّه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ورواه الخوارزمي في مقتل الحسين (عليه السلام) (ج 1/ ص 162/ ح 65)، وابن الجوزي في تذكرة الخواصِّ (ص 291)، والموصلي في مناقب آل محمّد (ص 230/ ح 148)، والمحبُّ الطبري في ذخائر العقبى (ص 17)، والجويني في فرائد السمطين (ج 2/ ص 252 و253/ ح 522)، والصالحي الشامي في سُبُل الهدى والرشاد (ج 11/ ص 7)، وابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة (ص 235 و236).
(683) كمال الدِّين (ص 205/ باب 21/ ح 18)، أمالي الطوسي (ص 259/ ح 470/8)؛ ورواه ابن حبَّان في المجروحين (ج 2/ ص 236)، والجرجاني في الأمالي الخميسيَّة (ج 1/ ص 203/ ح 756)، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (ج 40/ ص 20)، والجويني في فرائد السمطين (ج 2/ ص 241 و252/ ح 515 و521)، والسيوطي في الجامع الصغير (ص 557/ ح 9313)، والصالحي الشامي في سُبُل الهدى والرشاد (ج 11/ ص 6)، وابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة (ص 187)، والمتَّقي الهندي في كنز العُمَّال (ج 12/ ص 96/ ح 34155).
4 - وعن سليمان بن مهران الأعمش، عن الإمام الصادق، عن أبيه محمّد ابن عليٍّ، عن أبيه عليِّ بن الحسين (عليهم السلام)، قال: «نَحْنُ أَئِمَّةُ اَلمُسْلِمِينَ، وَحُجَجُ اَلله عَلَى العَالَمِينَ، وَسَادَةُ اَلمُؤْمِنِينَ، وَقَادَةُ الغُرِّ اَلمُحَجَّلِينَ، وَمَوَالِي اَلمُؤْمِنِينَ، وَنَحْنُ أَمَانٌ لِأَهْلِ الأَرْضِ كَمَا أَنَّ اَلنُّجُومَ أَمَانٌ لِأَهْلِ اَلسَّمَاءِ، وَنَحْنُ اَلَّذِينَ بِنَا يُمْسِكُ اَللهُ اَلسَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَبِنَا يُمْسِكُ الأَرْضَ أَنْ تَمِيدَ بِأَهْلِهَا، وَبِنَا يُنَزِّلُ الغَيْثَ، وَتُنْشَرُ اَلرَّحْمَةُ، وَتَخْرُجُ بَرَكَاتُ الأَرْضِ، وَلَوْلَا مَا فِي الأَرْضِ مِنَّا لَسَاخَتْ بِأَهْلِهَا»، ثمّ قال: «وَلَمْ تَخْلُ الأَرْضُ مُنْذُ خَلَقَ اَللهُ آدَمَ مِنْ حُجَّةٍ لِله فِيهَا، ظَاهِرٍ مَشْهُورٍ أَوْ غَائِبٍ مَسْتُورٍ، وَلَا تَخْلُو إِلَى أَنْ تَقُومَ اَلسَّاعَةُ مِنْ حُجَّةٍ لِله فِيهَا، وَلَوْ لَا ذَلِكَ لَمْ يُعْبَدِ اَللهُ»، قَالَ سُلَيْمَانُ: فَقُلْتُ لِلصَّادِقِ (عليه السلام): فَكَيْفَ يَنْتَفِعُ اَلنَّاسُ بِالحُجَّةِ الغَائِبِ اَلمَسْتُورِ؟ قَالَ: «كَمَا يَنْتَفِعُونَ بِالشَّمْسِ إِذَا سَتَرَهَا اَلسَّحَابُ»(684).
5 - وعن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال: «... وَنَحْنُ اَلَّذِينَ بِنَا نَزَلَ اَلرَّحْمَةُ، وَبِنَا تُسْقَوْنَ الغَيْثَ، وَنَحْنُ اَلَّذِينَ بِنَا يُصْرَفُ عَنْكُمُ العَذَابُ، فَمَنْ عَرَفَنَا وَنَصَرَنَا وَعَرَفَ حَقَّنَا وَأَخَذَ بِأَمْرِنَا فَهُوَ مِنَّا وَإِلَيْنَا»(685).
6 - وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «... كَانَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ بَابَ اَلله اَلَّذِي لَا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(684) قد تقدَّم في (ص 100) في بيان الإمام الصادق (عليه السلام) لكيفيَّة الانتفاع بالحجَّة الغائب، فراجع.
(685) بصائر الدرجات (ص 82 و83/ ج 2/ باب 3/ ح 10)، كمال الدِّين (ص 205 و206/ باب 21/ ح 20)، أمالي الطوسي (ص 654/ ح 1354/4)، فرائد السمطين (ص 253 و254/ ح 523).
يُؤْتَى إِلَّا مِنْهُ، وَسَبِيلَهُ اَلَّذِي مَنْ سَلَكَ بِغَيْرِهِ هَلَكَ، وَكَذَلِكَ جَرَى عَلَى الأَئِمَّةِ الهُدَى وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ، جَعَلَهُمُ اَللهُ أَرْكَانَ الأَرْضِ أَنْ تَمِيدَ بِأَهْلِهَا، وَالحُجَّةَ البَالِغَةَ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ وَمِنْ تَحْتِ اَلثَّرَى»(686).
وكلُّ هذا يدلُّ بما لا يقبل الشكَّ على أنَّ نفس وجودهم (عليهم السلام) تترتَّب عليه فوائد أعظم من فائدة مشاهدتهم والوصول إليهم؛ لأنَّ في هذا الوجود ضمان لبقاء العالم (فإذا ذهب أهل بيتي، ذهب أهل الأرض).
ويُؤكِّد هذا المعنى قول الإمام الصادق (عليه السلام): «لَوْ بَقِيَتِ الأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ لَسَاخَتْ»(687)، وغيره من الأحاديث الأُخرى التي تقدَّمت في القاعدة الرابعة من قواعد الفصل الأوَّل من الباب الأوَّل.
ولهذا قرَّب الإمام الصادق (عليه السلام) صورة الانتفاع بالإمام الغائب (عجَّل الله فرجه) بمثال الشمس، وهو مثال محسوس لا يُنكِر صحَّته أحد، وقد مرَّ في حديث الأعمش، عنه (عليه السلام).
هذا زيادةً على وجود منافع أُخَر مترتِّبة على وجود الإمام (عجَّل الله فرجه) لها ارتباط مباشر بحياة الناس جميعاً، كعدم المؤاخذة بالعقاب العاجل، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة مبيِّناً أهمّيَّة الحجَّة، وهي في زمان نزول القرآن منحصرة برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وبعده بأهل بيته (عليهم السلام)، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ (الأنفال: 33)، فجعل سبحانه وجود النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سبباً في تأجيل عقاب المستحقِّين للعقوبة، فكذلك الحال في وجود الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(686) بصائر الدرجات (ص 220 و221/ ج 4/ باب 9/ ح 3)، الكافي (ج 1/ ص 196 و197/ باب أنَّ الأئمَّة هم أركان الأرض/ ح 1 و2)، الاختصاص (ص 21)، أمالي الطوسي (ص 205 و206/ ح 352/2).
(687) قد تقدَّم في (ص 73)، فراجع.
وثَمَّة شيء آخر وهو ما يُثار بين فترة وأُخرى وخلاصته: أنَّ الإماميَّة تقول بعدم الفرق بين الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمَّة (عليهم السلام) إلَّا من جهة الوحي؛ لأنَّ الغرض من وجود النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو نفسه في وجود الإمام (عليه السلام)، وأنَّ النبيَّ قد تعرَّض لأجل تبليغ الأحكام إلى ما تعرَّض بخلاف الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) عند الشيعة الذي لم يتصدَّ لكلِّ ذلك، وإنَّما غاب منذ نعومة أظفاره ولم يزل!
والجواب نقضاً وحلًّا:
أمَّا النقض، فإنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد أخفى دعوته عن عامَّة الناس إلَّا الأقرب فالأقرب، ولم يجاهر بها لمدَّة ثلاث سنين(688)، وهذا لا يُنكِره إلَّا مكابر، وهو في كلتا الحالتين نبيٌّ مرسَل.
وأمَّا الحلُّ، فإنَّ هذا قياس مع الفارق؛ لأنَّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مؤسِّس للدِّين، فيجب عليه التبليغ والدعوة إلى نفسه ابتداءً بخلاف الإمام؛ إذ لا يجب عليه تبليغ الأحكام ولا الدعوة لنفسه؛ لأنَّ الحجَّة تمَّت على الناس بدعوة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إليه، فالواجب على الناس إذن أنْ يذهبوا إلى الإمام ويتفحَّصوا عن معرفته وأخذ الأحكام منه.
ففي الصحيح عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، قَالَ: سَالتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(688) راجع: السيرة النبويَّة لابن هشام (ج 1/ ص 169)، وتاريخ الطبري (ج 2/ ص 64)، والكامل في التاريخ (ج 2/ ص 63)، والسيرة النبويَّة لابن كثير (ج 1/ ص 454)، والبداية والنهاية (ج 3/ ص 50)، وتاريخ الخميس (ج 1/ ص 287) تحت عنوان: (ذكر ما وقع في السنة الثانية والثالثة من إخفاء الدعوة)، والسيرة الحلبيَّة (ج 2/ ص 153)، والسيرة النبويَّة لأحمد بن زيني دحلان (ج 1/ ص 282).
وراجع أيضاً سائر كُتُب التفسير في تفسيرها لسورة الحِجْر الآية (94) من قوله تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾، وكذلك الآية (214) من سورة الشعراء، من قوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾.
اَلله تَعَالَى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «نَحْنُ»، قَالَ: قُلْتُ: عَلَيْنَا أَنْ نَسْأَلَكُمْ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: عَلَيْكُمْ أَنْ تُجِيبُونَا؟ قَالَ: «ذَلِكَ إِلَيْنَا»(689).
وفي الصحيح، عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، مثله(690).
وأمَّا لو تخلَّت الناس عن هذا الواجب، وبقي الإمام وحده، يخاف عدوَّه، ويخشى فتكه، فما المانع من تدخُّل الله (عزَّ وجلَّ) في غيبته، باعتبارها السبب الأصلح الذي يحفظ الهدف الأسمى من وجوده؟
وبهذا نكون قد فرغنا من الإجابة على آخر الشُّبُهات المثارة حول العقيدة المهدويَّة الحقَّة، وبها تمَّ البحث، وقد وافق الفراغ منه يوم السبت الخامس والعشرين من شهر شوَّال (1424هـ)، ذكرى شهادة الإمام الصادق (عليه السلام).
والحمد لله أوَّلاً وآخراً، وصلَّى الله على نبيِّنا محمّد أشرف الأنبياء والمرسَلين، وعلى آله الغرِّ الهداة الأطهار الميامين.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(689) بصائر الدرجات (ص 59/ ج 1/ باب 19/ ح 4).
(690) بصائر الدرجات (ص 59/ ج 1/ باب 19/ ح 6).
اكتسبت غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) أهمّيَّة خاصَّة باعتبارها واحدة من أُمَّهات المسائل الكبرى في تاريخ الفكر الشيعي؛ لارتباطها العضوي بعقيدة النصِّ والتعيين من جهة، واتِّصالها الوثيق بحياتنا المعاصرة من جهة أُخرى، فضلاً عمَّا تركته من مسائل تعبُّدية محضة تقوم على أساس فكرة الانتظار، ممَّا انعكس هذا بطبيعته على سلوك المنتظِر وتصرُّفه، واطِّراد هذا على مجمل علاقاته بالفرد والمجتمع والدولة.
ولثراء مفهوم الغيبة بحيث طفح على لسان الشريعة بشكل واضح، حتَّى كُتِبَت مصنَّفات كثيرة في الغيبة قبل أوانها، صار استجلاء عمقها، وبيان أصالتها مفروضاً في بحث كهذا، الأمر الذي أدَّى إلى رصد المنهج الذي استخدمه الإمام الصادق (عليه السلام) في موضوع الغيبة قبل حدوثها على أرض الواقع، وما سبق ذلك من محاولة إعادة تشكيل وعي الأُمَّة من جديد، وتعبئة أكبر ما يمكن من طاقات أفرادها للنهوض بمهمَّة التغيير الكبرى، على أثر ما حصل في ظلِّ الدولتين (الأُمويَّة، والعبَّاسيَّة) من انحراف خطير، كان من جملته بروز دعاوى المهدويَّة الباطلة التي أدركها الإمام الصادق (عليه السلام) وعاصر بعضها.
ومن هنا قام الإمام الصادق (عليه السلام) بمسؤوليَّته - كإمام مفترض الطاعة - خير قيام، فبيَّن أوَّلاً زيف تلك الدعاوى، وقام بتمهيد المفهوم الصحيح للغيبة والغائب؛ إذ وجد (عليه السلام) أنَّ معنى غياب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) عن الساحة فجأةً - ما لم يتم التمهيد له وبشكل مكثَّف - يعني تشتُّت القاعدة أو تشرذمها، فكان
لابدَّ من ترويض القاعدة على قبول الغيبة عند حدوثها. وهو ما قام به الإمام الصادق (عليه السلام) وأوضحه بجلاء. وقد تبيَّن هذا في البحث بنوع من التفصيل.
ومن ثَمَّ، فإنَّ الإخبار عن الشيء قبل حدوثه كان ظاهرةً معروفة في عهود أهل البيت (عليهم السلام) كافَّة، ولم تكن ظاهرة جديدة في إخبارات الإمام الصادق (عليه السلام)، الأمر الذي تطلَّب منَّا التعرُّض على إبطال ما قد يُدَّعى من أنَّ نسبة إخبار أولياء الله (عزَّ وجلَّ) بالشيء قبل حدوثه إلى علم الغيب المنفيِّ عن غير الله تعالى، بمخالفة تلك النسبة لما هو عند جميع المسلمين. زيادةً على ما فيها من إنكار لشيء مادِّي ملموس، وهو الكُتُب المؤلَّفة في الغيبة قبل حصولها بزمان كثير. فضلاً عن كثرة شهادات المتقدِّمين من أعلام الإماميَّة - في الغيبة الصغرى أو بعدها - على وجود تلك الأخبار في الكُتُب المؤلَّفة قبل زمان الغيبة بعشرات السنين. زيادةً على نقل بعضهم من هذه الكُتُب، وتسميتها، وتسمية مؤلِّفيها صراحةً، وهو ما سجَّله البحث موثَّقاً.
كما برهن البحث على أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) لم يقتصر في التمهيد لمفهوم الغيبة بما لا يمكن معه معرفة من هو الغائب بالتحديد، كما قد يُدَّعى أنَّ أحاديث الغيبة عند الإمام الصادق (عليه السلام) قد اتَّصفت بالإجمال ولم تُشخِّص غائباً معيَّناً! وإنَّما تناول (عليه السلام) في عرض مكوِّنات الوحدة الموضوعيَّة للغيبة مسائل شتَّى، حتَّى صار معها الإجمال الوارد في بعض أحاديثه (عليه السلام) مختزناً للتفصيل، وعاد في غنى عمَّا يُوضِّحه من الخارج؛ لوضوح عدم انطباق أيٍّ من تلك المكوِّنات التي وُصِفَت بالإجمال - كحديث الغيبتين وغيره - على شخص آخر غير الإمام الثاني عشر (عجَّل الله فرجه).
هذا فضلاً عمَّا قام به الإمام الصادق (عليه السلام) من دفع مظنَّة الاختلاف في الإجمال في دلالته على شخص معيَّن، فثبَّت أوَّلاً أصل القضيَّة المهدويَّة، ثمّ بيَّن حكم من أنكر هذا الأصل، وأكَّد وقوع الغيبة بالإمام الثاني عشر من أهل
البيت (عليهم السلام)، وأمر بعدم إنكارها، ونهى عن الانحراف في زمانها، ولزوم التصديق بها، ووجوب الثبات على الولاية في زمن الغيبة، مع التصريح بوجود غيبتين للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه): قصيرة وطويلة، والكشف عن حال الناس فيهما، ووجوب الانتظار، وتبيين من هو الغائب جملةً وتفصيلاً، بالانطلاق من كونه من ذرّيَّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، من ولد عليٍّ وفاطمة (عليهما السلام)، وأنَّه التاسع من ولد الإمام الحسين (عليه السلام)، وهو ثاني عشر الأئمَّة (عليهم السلام)، ومن وُلْدِه، من ذرّيَّة ابنه موسى بن جعفر (عليهما السلام)، مع تأكيد كونه الخامس من ولد السابع، والتصريح بخفاء ولادته، وشكِّ الناس فيها، والإشارة إلى ما سيجري عليه من أقرب المقرَّبين إليه، وتشبيه ذلك بما جرى ليوسف الصدِّيق (عليه السلام) على يد إخوته. ثمّ بيان هويَّته الكاملة بكلِّ دقَّة وتفصيل بذِكر اسمه الصريح، وكنيته، واسم أبيه، وبين حسبه الزكي، ونسبه الشريف.
ولم تَفت الإمام الصادق (عليه السلام) الإجابة المحكمة على ما سيُثار - في مستقبل الأيَّام - حول العقيدة المهدويَّة من شُبُهات وأوهام؛ ليُعبِّر (عليه السلام) بهذا عن حرصه البالغ على وصول هذه الحقيقة المهدويَّة إلى أجيال الأُمَّة صافية ناصعة، لتطلَّ عليهم كالشمس في إشراقتها، منذ أنْ وقف التاريخ على أعتاب قدسها ليشهد سنا نورها، وإلى أنْ يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
وهكذا استوعبت غيبة الإمام المهدي عند جَدِّه الإمام الصادق (عليهما السلام) الإجابة الشافية على جميع ما يحيط بها من تساؤلات؛ إذ لم يدع (عليه السلام) ملحظاً كلّيًّا أو جزئيًّا في قضيَّة الغيبة والغائب إلَّا وقد تعرَّض لبيانه بكلِّ دقَّة وتفصيل، ولم يذر (عليه السلام) نقطة استفهام واحدة حول هذا الموضوع بلا جواب محكم. الأمر الذي قام عليه البحث وبرهن عليه في فصوله السابقة.
* * *
1 - القرآن الكريم.
2 - إتحاف السادة المتَّقين بشرح إحياء علوم الدِّين: مرتضى الزبيدي/ ط 3/ 1426هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
3 - إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: الحرُّ العاملي/ ط 1/ 1425هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
4 - إثبات الوصيَّة للإمام عليِّ بن أبي طالب: عليُّ بن الحسين بن عليٍّ الهذلي المسعودي/ ط 3/ 1426هـ/ أنصاريان/ قم.
5 - الآحاد والمثاني: الضحَّاك/ تحقيق: باسم فيصل أحمد الجوابرة/ ط 1/ 1411هـ/ دار الدراية للطباعة والنشر والتوزيع.
6 - الاحتجاج: أحمد بن عليٍّ الطبرسي/ تعليق وملاحظات: السيِّد محمّد باقر الخرسان/ 1386هـ/ دار النعمان/ النجف الأشرف.
7 - إحياء علوم الدِّين: أبو حامد الغزالي/ دار الكتاب العربي/ بيروت.
8 - أخبار السيِّد الحميري: محمّد بن عمران المرزباني الخراساني/ تحقيق: الشيخ محمّد هادي الأميني/ ط 2/ 1413هـ/ شركة الكتبي/ بيروت.
9 - أخبار مكَّة في قديم الدهر وحديثه: محمّد بن إسحاق بن العبَّاس الفاكهي المكّي/ تحقيق وتصحيح: عبد الملك ابن دهيش/ ط 4/ 1424هـ/ مكتبة الأسدي/ مكَّة المكرَّمة.
10 - الاختصاص: الشيخ المفيد/ تحقيق: عليّ أكبر الغفاري والسيِّد محمود الزرندي/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد للطباعة والنشر/ بيروت.
11 - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشِّي): الشيخ الطوسي/ تحقيق: السيِّد مهدي الرجائي/ 1404هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.
12 - الآداب الشرعيَّة والمنح المرعيَّة: محمّد بن مفلح المقدسي الحنبلي/ خرَّج أحاديثه وعلَّق عليه: أيمن بن عارف الدمشقي/ ط 1/ 1424هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
13 - الإرشاد: الشيخ المفيد/ تحقيق: مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام)/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
14 - أسباب نزول الآيات: الواحدي النيسابوري/ ط 1388هـ/ مؤسَّسة الحلبي/ القاهرة.
15 - الاستبصار: الشيخ الطوسي/ تحقيق: حسن الخرسان/ ط 4/ 1363ش/ مطبعة خورشيد/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.
16 - استجلاب ارتقاء الغرف بحبِّ أقرباء الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وذوي الشرف: الحافظ شمس الدِّين محمّد بن عبد الرحمن السخاوي/ تحقيق ودراسة: خالد بن أحمد الصمي بابطين/ ط 1/ 1421هـ/ دار البشائر الإسلاميَّة/ بيروت.
17 - الاستذكار: ابن عبد البرِّ/ تحقيق: سالم محمّد عطا ومحمّد عليّ معوض/ ط 1/ 2000م/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
18 - الاستنصار في النصِّ على الأئمَّة الأطهار: أبوالفتح محمّد بن عليِّ بن عثمان الكراجكي/ ط 2/ 1405هـ/ دار الأضواء/ بيروت.
19 - الاستيعاب: ابن عبد البرِّ/ تحقيق: عليّ محمّد البجاوي/ ط 1/ 1412هـ/ دار الجيل/ بيروت.
20 - الأُصول الستَّة عشر: عدَّة محدِّثين/ تحقيق: ضياء الدِّين المحمودي/ ط 1/ 1423هـ/ دار الحديث.
21 - الأُصول العامَّة للفقه المقارن: السيِّد محمّد تقي الحكيم/ ط 2/ 1979م/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام)/ قم المقدَّسة.
22 - الأصيلي في أنساب الطالبيِّين: صفيُّ الدِّين محمّد بن تاج الدِّين عليّ المعروف بـ(ابن الطقطقي)/ جمعه ورتَّبه وحقَّقه: السيِّد مهدي الرجائي/ ط 1/ 1418هـ/ مكتبة المرعشي/ قم.
23 - الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي/ تحقيق وتعليق: أحمد بن إبراهيم أبو العينين/ ط 1/ 1420هـ/ دار الفضيلة/ الرياض.
24 - الاعتقادات في دين الإماميَّة: الشيخ الصدوق/ تحقيق: عصام عبد السيِّد/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
25 - أعلام الموقِّعين عن ربِّ العالمين: ابن قيِّم الجوزية/ تحقيق: محمّد عبد السلام إبراهيم/ ط 1/ 1411هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
26 - إعلام الورى بأعلام الهدى: الفضل بن الحسن الطبرسي/ ط 1/ 1417هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/ قم.
27 - الأغاني: أبو الفرج الأصفهاني/ دار إحياء التراث العربي.
28 - الإفصاح في إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام): الشيخ المفيد/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
29 - إقبال الأعمال: السيِّد عليُّ بن طاووس/ تحقيق: جواد القيُّومي الأصفهاني/ ط 1/ 1414هـ/ مكتب الإعلام الإسلامي.
30 - إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال: علاء الدِّين مغلطاي/
تحقيق: أبو عبد الرحمن أبو محمّد عادل بن محمّد أسام بن إبراهيم/ ط 1/ 1422هـ/ الفاروق الحديثة للطباعة والنشر.
31 - الأمالي الخميسيَّة: يحيى بن حسين الحسني الجرجاني/ تحقيق وتصحيح: محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل/ ط 1/ 1422هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
32 - الأمالي: الشيخ الصدوق/ ط 1/ 1417هـ/ مركز الطباعة والنشر في مؤسَّسة البعثة/ قم.
33 - الأمالي: الشيخ الطوسي/ تحقيق: مؤسَّسة البعثة/ ط 1/ 1414هـ/ دار الثقافة/ قم.
34 - الأمالي: الشيخ المفيد/ تحقيق: حسين الأُستادولي وعلي أكبر الغفاري/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
35 - الإمامة والتبصرة: ابن بابويه/ ط 1/ 1404هـ/ مدرسة الإمام الهادي (عليه السلام)/ قم.
36 - إمتاع الأسماع بما للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع: تقيُّ الدِّين أحمد بن عليّ بن عبد القادر بن محمّد المقريزي/ تحقيق وتعليق: محمّد عبد الحميد النميسي/ ط 1/ 1420هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
37 - أنساب الأشراف: أحمد بن يحيى بن جابر (البلاذري)/ تحقيق: الدكتور محمّد حميد الله/ 1959م/ معهد المخطوطات بجامعة الدول العربيَّة بالاشتراك مع دار المعارف بمصر.
38 - بحار الأنوار الجامعة لدُرَر أخبار الأئمَّة الأطهار: العلَّامة المجلسي/ تحقيق: يحيى العابدي الزنجاني وعبد الرحيم الربَّاني الشيرازي/ ط 2/ 1403هـ/ مؤسَّسة الوفاء/ بيروت.
39 - بحث حول المهدي (عجَّل الله فرجه): السيِّد محمّد باقر الصدر/ تحقيق: عبد الجبَّار شرارة/ ط 1/ 1417هـ/ مركز الغدير للدراسات الإسلاميَّة.
40 - البدء والتاريخ: أحمد بن سهل البلخي/ 1899م/ مطبعة برطرند.
41 - البداية والنهاية: ابن كثير/ تحقيق وتدقيق وتعليق: عليّ شيري/ ط 1/ 1408هـ/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
42 - البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: المتَّقي الهندي/ تحقيق وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ 1399هـ/ مطبعة الخيَّام/ قم.
43 - بشارة المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لشيعة المرتضى (عليه السلام): محمّد بن أبي القاسم الطبري/ تحقيق: جواد القيُّومي الأصفهاني/ ط 1/ 1420هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
44 - بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمّد (عليهم السلام): محمّد بن الحسن ابن فرُّوخ (الصفَّار)/ تصحيح وتعليق وتقديم: الحاج ميرزا حسن كوجه باغي/ 1404هـ/ منشورات الأعلمي/ طهران.
45 - البلد الأمين: الكفعمي/ 1383هـ/ مكتبة الصدوق/ طهران.
46 - تاريخ ابن خلدون: ابن خلدون/ ط 4/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
47 - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: الذهبي/ تحقيق: عمر عبد السلام تدمري/ ط 1/ 1407هـ/ دار الكتاب العربي.
48 - تاريخ الخلفاء: جلال الدِّين السيوطي/ تحقيق: لجنة من الأُدباء/ دار التعاون/ مكَّة المكرَّمة، وطبعة مكتبة نزار مصطفى الباز/ تحقيق: حمدي الدمرداش/ ط 1/ 1425هـ.
49 - تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس: الشيخ حسين بن الحسن الرياربكري/ دار الصادر/ بيروت.
50 - تاريخ الطبري (تاريخ الأُمَم والملوك): محمّد بن جرير الطبري/ ط 4/ 1403هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
51 - التاريخ الكبير: البخاري/ المكتبة الإسلاميَّة/ دياربكر/ تركيا.
52 - تاريخ الموصل: يزيد بن محمّد الأزدي/ تحقيق وتصحيح: أحمد عبد الله محمود/ ط 1/ 1427هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
53 - تاريخ بغداد أو مدينة السلام: الخطيب البغدادي/ دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا/ ط 1/ 1417هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
54 - تاريخ مدينة دمشق: ابن عساكر/ تحقيق: عليّ شيري/ 1415هـ/ دار الفكر/ بيروت.
55 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: السيِّد شرف الدِّين عليّ الحسيني الأسترآبادي/ ط 1/ 1407هـ/ مدرسة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)/ قم.
56 - التبيان في تفسير القرآن: الشيخ الطوسي/ تحقيق: أحمد حبيب قصير العاملي/ ط 1/ 1409هـ/ مكتب الإعلام الإسلامي.
57 - تجارب الأُمَم: أحمد بن محمد مسكويه الرازي/ تحقيق: أبو القاسم إمامي/ ط 2/ 1422هـ/ دار سروش.
58 - تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف: يوسف بن عبد الرحمن المزِّي/ تحقيق: عبد الصمد شرف الدِّين/ ط 2/ 1403هـ/ المكتب الإسلامي والدار القيِّمة.
59 - تخريج الأحاديث والآثار: الزيلعي/ تحقيق: عبد الله بن عبد الرحمن السعد/ ط 1/ 1414هـ/ دار ابن خزيمة.
60 - التدوين في أخبار قزوين: عبد الكريم الرافعي/ تحقيق: عزيز الله عطاردي قوچاني/ ط 1/ 1408هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
61 - التذكرة الحمدونيَّة: ابن حمدون/ تحقيق: إحسان عبَّاس وبكر عبَّاس/ ط 1/ 1996م/ دار صادر للطباعة والنشر/ بيروت.
62 - تذكرة الخواصِّ: سبط ابن الجوزي/ ط 1/ 1418هـ/ منشورات الشريف الرضي/ قم.
63 - التذكرة في أحوال الموتى وأُمور الآخرة: محمّد بن أحمد القرطبي/ خرَّج أحاديثه وعلَّق عليه: الداني بن منير آل زهوي/ 1423هـ/ المكتبة العصريَّة/ بيروت.
64 - ترتيب الموضوعات: الذهبي/ اعتنى به وعلَّق عليه: كمال بن بسيوني زغلول/ ط 1/ 1415هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
65 - الترغيب والترهيب من الحديث الشريف: عبد العظيم المنذري/ ضبط أحاديثه وعلَّق عليه: مصطفى محمّد عمارة/ 1408هـ/ دار الفكر/ بيروت.
66 - التعديل والتجريح: سليمان بن خلف بن سعد (ابن أيُّوب الباجي المالكي)/ تحقيق: أحمد البزَّار/ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميَّة/ مراكش.
67 - تفسير ابن أبي حاتم: ابن أبي حاتم الرازي/ تحقيق: أسعد محمّد الطبيب/ دار الفكر/ بيروت.
68 - تفسير ابن زمنين: ابن أبي الزمنين/ تحقيق: أبو عبد الله حسين بن عكاشة ومحمّد بن مصطفى الكنز/ ط 1/ 1423هـ.
69 - تفسير ابن كثير: ابن كثير/ تقديم: يوسف المرعشلي/ 1412هـ/ دار المعرفة/ بيروت.
70 - تفسير أبي السعود (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم): أبو السعود محمّد بن محمّد العلوي/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
71 - تفسير الآلوسي (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم): شهاب الدِّين محمود بن عبد الله الحسيني الآلوسي/ تحقيق: عليّ عبد الباري عطيَّة/ ط 1/ 1415هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
72 - تفسير الأوراسي: الشيخ هود بن محكم الهواري الأوراسي/ ط 1/ 1426هـ/ دار البصائر.
73 - تفسير الإيجي الشيرازي (جامع البيان في تفسير القرآن): محمّد بن عبد الرحمن الإيجي الشيرازي الشافعي/ تحقيق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي/ ط 1/ 1424هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
74 - تفسير البحر المحيط: أبو حيَّان الأندلسي/ تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ عليّ محمّد معوض/ ط 1/ 1422هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
75 - تفسير الثعلبي (الكشف والبيان عن تفسير القرآن): الثعلبي/ تحقيق: أبو محمّد بن عاشور/ مراجعة وتدقيق: نظير الساعدي/ ط 1/ 1422هـ/ دار إحياء التراث العربي.
76 - تفسير الرازي (مفاتيح الغيب): فخر الدِّين محمّد بن عمر التميمي البكري الرازي الشافعي/ ط 3.
77 - تفسير السمعاني: السمعاني/ تحقيق: ياسر بن إبراهيم وغنيم بن إبراهيم بن غنيم/ ط 1/ 1418هـ/ دار الوطن/ الرياض.
78 - تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن): محمّد بن جرير الطبري/ تقديم: الشيخ خليل الميس/ ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطَّار/ 1415هـ/ دار الفكر/ بيروت.
79 - تفسير العيَّاشي: محمّد بن مسعود العيَّاشي/ تحقيق: السيِّد هاشم الرسولي المحلَّاتي/ المكتبة العلميَّة الإسلاميَّة/ طهران.
80 - تفسير القاسمي (محاسن التأويل): محمّد جمال الدِّين القاسمي/ ضبطه وصحَّحه وخرَّج آياته وأحاديثه: محمّد باسل عيون السود/ ط 1/ 1418هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
81 - تفسير القاشي (المعتمد من المنقول فيما أُوحي إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)): بهاء الدِّين حيدر بن عليٍّ القاشي/ تحقيق: أحمد فريد مزيدي/ ط 1/ 1428هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
82 - تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن): أبو عبد الله محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي/ تصحيح: أحمد عبد العليم البردوني/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
83 - تفسير القمِّي: عليُّ بن إبراهيم القمِّي/ تصحيح وتعليق وتقديم: السيِّد طيِّب الموسوي الجزائري/ ط 3/ 1404هـ/ مؤسَّسة دار الكتاب/ قم.
84 - تفسير الماتريدي (تأويلات أهل السُّنَّة): أبو منصور محمّد بن محمّد ابن محمود الماتريدي/ تحقيق: مجدي باسلوم/ ط 1/ 1426هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
85 - تفسير النسائي: أحمد بن شعيب بن عليّ النسائي/ ط 1/ 1410هـ/ مؤسَّسة الكُتُب الثقافيَّة/ بيروت.
86 - تفسير الواحدي (الوجيز في تفسير الكتاب العزيز): أبو الحسن الواحدي النيسابوري/ تحقيق: صفوان عدنان داوودي/ ط 1/ 1415هـ/ دار القلم، الدار الشاميَّة.
87 - تفسير نظَّام الأعرج (غرائب القرآن ورغائب الفرقان): حسن بن محمّد القمّي النيسابوري (نظَّام الأعرج)/ تحقيق: زكريَّا عميرات/ ط 1/ 1416هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
88 - تقريب المعارف: أبو الصلاح الحلبي/ تحقيق: فارس الحسُّون/ ط 1417هـ.
89 - تلخيص المتشابه بالرسم: الخطيب البغدادي/ تحقيق: سكينة الشهابي/ ط 1/ 1985م/ طلاس للدراسات والترجمة والنشر/ دمشق.
90 - تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة: عليُّ بن محمّد الكناني/ تحقيق: عليّ يوسف سليمان والسيِّد عبد الله بن الصدِّيق الغماري وعبد الوهَّاب عبد اللطيف/ ط 1/ مكتبة القاهرة.
91 - تهذيب الأحكام: الشيخ الطوسي/ تحقيق وتعليق: السيِّد حسن الموسوي الخرسان/ ط 3/ 1364هـ/ دار الكتب الإسلاميَّة/ طهران.
92 - تهذيب التهذيب: ابن حجر العسقلاني/ ط 1/ 1404هـ/ دار الفكر/ بيروت.
93 - تهذيب الكمال في أسماء الرجال: جمال الدِّين أبو الحجَّاج يوسف المزِّي/ تحقيق وضبط وتعليق: بشار عواد معروف/ ط 4/ 1406هـ/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت.
94 - تهذيب اللغة: أبو منصور محمّد بن أحمد الأزهري/ تعليق: عمر سلامي وعبد الكريم حامد/ ط 1/ 1421هـ/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
95 - تيسير المطالب في أمالي أبي طالب: أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني/ ط 1/ مؤسَّسة زيد بن عليٍّ الثقافيَّة/ صنعاء.
96 - جامع الأحاديث: جلال الدِّين السيوطي/ جمع وترتيب: عبَّاس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد/ 1414هـ/ دار الفكر/ بيروت.
97 - جامع الأُصول في أحاديث الرسول: ابن الأثير الجزري/ تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط/ ط 1/ 1389هـ/ مكتبة الحلواني ومكتبة دار البيان.
98 - الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير: جلال الدِّين السيوطي/ ط 2/ 1425هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
99 - جامع بيان العلم وفضله: ابن عبد البرِّ/ 1398هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
100 - الجرح والتعديل: عبد الرحمن بن أبي حاتم التميمي الحنظلي الرازي/ ط 1/ 1371هـ/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
101 - جمال الأُسبوع: ابن طاووس/ تحقيق: جواد القيُّومي/ ط 1/ 1371ش/ مطبعة أختر شمال/ مؤسَّسة الآفاق.
102 - جواهر العقدين في فضل الشرفين: عليُّ بن عبد الله السمهودي/ ط 1/ 1405هـ/ مطبعة العاني/ بغداد.
103 - جواهر المطالب في مناقب الإمام عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام): محمّد بن أحمد الدمشقي الباعوني الشافعي/ تحقيق: الشيخ محمّد باقر المحمودي/ ط 1/ 1415هـ/ مجمع إحياء الثقافة الإسلاميَّة/ قم.
104 - الجوهر النقي على سُنَن البيهقي: علاء الدِّين بن عليِّ بن عثمان المارديني الشهير بـ(ابن التركماني)/ دار الفكر.
105 - الحاوي للفتاوي: جلال الدِّين السيوطي/ 1424هـ/ دار الفكر/ بيروت.
106 - الحدُّ الفاصل بين الراوي والواعي: القاضي الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي/ تحقيق: الدكتور محمّد عجاج الخطيب/ ط 3/ 1404هـ/ دار الفكر/ بيروت.
107 - الحدائق الورديَّة في مناقب الأئمَّة الزيديَّة: حميد بن أحمد المحلِّي/ ط 1/ 1423هـ/ مكتبة بدر/ صنعا.
108 - حديث الثقلين (تواتره، فقهه): السيِّد عليٍّ الحسيني الميلاني/ ط 4/ 1430هـ/ مركز الحقائق الإسلاميَّة.
109 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: أبو نعيم الأصفهاني/ ط 1/ دار أُمّ القرى/ القاهرة.
110 - حياة الحيوان الكبرى: كمال الدِّين الدميري/ ط 2/ 1424هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
111 - الخرائج والجرائح: قطب الدِّين الراوندي/ بإشراف: السيِّد محمّد باقر الموحِّد الأبطحي/ ط 1/ 1409هـ/ مؤسَّسة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)/ قم.
112 - الخصال: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ 1362ش/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
113 - خصائص الأئمَّة (عليهم السلام): الشريف الرضي/ تحقيق: محمّد هادي الأميني/ 1406هـ/ مجمع البحوث الإسلاميَّة/ الآستانة الرضويَّة المقدَّسة/ مشهد.
114 - الخصائص الكبرى (كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحبيب): جلال الدِّين السيوطي/ 1320هـ/ دار الكتاب العربي.
115 - خصائص أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام): أحمد بن شعيب النسائي الشافعي/ تحقيق وتصحيح: محمّد هادي الأميني/ مكتبة نينوى الحديثة/ طهران.
116 - خلاصة الأقوال: العلاَّمة الحلِّي/ ط 1/ 1417هـ/ مؤسَّسة نشر الفقاهة.
117 - الدُّرُّ المنثور في التفسير بالمأثور: جلال الدِّين السيوطي/ دار المعرفة/ بيروت.
118 - الدُّرُّ النظيم: يوسف بن حاتم الشامي المشغري العاملي/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
119 - دراسات اللبيب في الأُسوة الحسنة بالحبيب: محمّد بن محمّد الأمين السندي/ طبعة حجريَّة.
120 - الدُّرَر المكنونات النفيسة (المكتوبات): أحمد الفاروقي السرهندي/ تحقيق وتصحيح: عبد الله أحمد الحنفي المصري/ ط 1/ مكتبة النيل/ القاهرة.
121 - دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام: القاضي النعمان المغربي/ تحقيق: آصف بن عليّ أصغر فيضي/ 1383هـ/ دار المعارف/ القاهرة.
122 - دفاع عن الكافي: السيِّد ثامر هاشم حبيب العميدي/ ط 1/ 1415هـ/ مركز الغدير للدراسات الإسلاميَّة.
123 - دلائل الإمامة: محمّد بن جرير الطبري الشيعي/ ط 1/ 1413هـ/ مؤسَّسة البعثة/ قم.
124 - دلائل النبوَّة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة: أحمد بن الحسين البيهقي/ وثَّق أُصوله وخرَّج حديثه وعلَّق عليه: عبد المعطي قلعجي/ ط 1/ 1405هـ/ دار الكتب العلميَّة/ بيروت.
125 - ديوان أبي فراس: أبو فراس الحمداني/ عني بجمعه ونشره وتعليق حواشيه ووضع فهارسه: سامي الدهَّان/ 1363هـ/ بيروت.
126 - ديوان السيِّد الحميري: السيِّد الحميري/ تحقيق وتصحيح: ضياء حسين الأعلمي/ ط 1/ 1420هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
127 - ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: أحمد بن عبد الله الطبري (المحبُّ الطبري)/ 1356هـ/ مكتبة القدسي لصاحبها حسام الدِّين القدسي/ القاهرة.
128 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة: آغا بزرك الطهراني/ ط 3/ 1403هـ/ دار الأضواء/ بيروت.
129 - ذيل تاريخ بغداد: محمّد بن محمود المعروف بابن النجَّار البغدادي/ دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر يحيى/ ط 1/ 1417هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
130 - ربيع الأبرار ونصوص الأخبار: محمود بن عمر الزمخشري/ تحقيق: عبد الأمير مهنا/ ط 1/ 1412هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
131 - رجال ابن داود: ابن داود الحلِّي/ تحقيق: محمّد صادق بحر العلوم/ 1392هـ/ منشورات المطبعة الحيدريَّة/ النجف الأشرف.
132 - رجال النجاشي (فهرست أسماء مصنِّفي الشيعة): أبو العبَّاس أحمد ابن عليّ بن أحمد بن العبَّاس النجاشي الأسدي الكوفي/ ط 5/ 1416هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
133 - رسائل في الغيبة: الشيخ المفيد/ تحقيق: علاء آل جعفر/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
134 - الروض الأُنُف في شرح السيرة النبويَّة لابن هشام: عبد الرحمن السهيلي/ تحقيق وتعليق وشرح: عبد الرحمن الوكيل/ ط 1/ 1412هـ/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
135 - الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير: الحسين بن أحمد السياغي الحيمي الصنعاني/ دار الجيل/ بيروت.
136 - روضة الواعظين: محمّد بن الفتَّال النيسابوري/ تقديم: السيِّد محمّد مهدي السيِّد حسن الخرسان/ منشورات الشريف الرضي/ قم.
137 - الرياض النضرة في مناقب العشرة: أحمد بن عبد الله الطبري (المحبُّ الطبري)/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
138 - زاد المعاد: العلَّامة محمّد باقر المجلسي/ تعريب وتعليق: علاء الدِّين الأعلمي/ ط 1/ 1423هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
139 - الزهد: أحمد بن حنبل/ ط 1/ 1420هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
140 - سُبُل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد: محمّد بن يوسف الصالحي الشامي/ تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ عليّ محمّد معوض/ ط 1/ 1414هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
141 - سرُّ السلسلة العلويَّة: أبو نصر البخاري/ ط 1/ 1413هـ/ انتشارات شريف الرضي.
142 - سرور أهل الإيمان في علامات صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه): السيِّد بهاء الدِّين عليّ النيلي النجفي/ ط 1/ 1426هـ/ دليل ما/ قم.
143 - سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها: محمّد ناصر الدِّين الأشقودري الألباني/ ط 1/ 1415هـ/ مكتبة المعارف/ الرياض.
144 - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيِّئ في الأُمَّة: محمّد ناصر الدِّين الأشقودري الألباني/ ط 1/ 1412هـ/ دار المعارف/ الرياض.
145 - السُّنَّة: أبو بكر عمرو بن أبي عاصم الضحَّاك بن مخلد الشيباني/ بقلم: محمّد ناصر الدِّين الألباني/ ط 3/ 1413هـ/ المكتب الإسلامي/ بيروت.
146 - سُنَن أبي داود: أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني/ تحقيق وتعليق: سعيد محمّد اللحَّام/ ط 1/ 1410هـ/ دار الفكر/ بيروت.
147 - سُنَن البيهقي: البيهقي/ دار الفكر/ بيروت.
148 - سُنَن الترمذي: أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي/ تحقيق وتصحيح: عبد الوَّهاب عبد اللطيف/ ط 2/ 1403هـ/ دار الفكر/ بيروت.
149 - سُنَن الدارقطني: عليُّ بن عمر الدارقطني/ تعليق وتخريج: مجدي بن منصور سيِّد الشوري/ ط 1/ 1417هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
150 - سُنَن الدارمي: عبد الله بن بهرام الدارمي/ 1349هـ/ مطبعة الاعتدال/ دمشق.
151 - سُنَن النسائي: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن عليّ بن بحر النسائي/ تحقيق: عبد الغفَّار سليمان البنداري وسيِّد كسروي حسن/ ط 1/ 1411هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
152 - السُّنَن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها: عثمان بن سعيد أبو عمرو الداني/ تحقيق: رضا الله بن محمّد إدريس المباركفوري/ ط 1/ 1416هـ/ دار العاصمة/ الرياض.
153 - سِيَر أعلام النبلاء: شمس الدِّين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي/ إشراف وتخريج: شعيب الأرنؤوط/ تحقيق: حسين الأسد/ ط 9/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت.
154 - السيرة الحلبيَّة في سيرة الأمين المأمون: أبو الفرج نور الدِّين عليُّ ابن إبراهيم بن أحمد الحلبي الشافعي/ 1400هـ/ دار المعرفة.
155 - السيرة النبويَّة: ابن هشام الحميري/ تحقيق وضبط وتعليق: محمّد محيي الدِّين عبد الحميد/ 1383هـ/ مكتبة محمّد عليّ صبيح وأولاده/ مصر.
156 - السيرة النبويَّة: أبو الفداء إسماعيل بن كثير/ تحقيق: مصطفى عبد الواحد/ 1396هـ/ دار المعرفة/ بيروت.
157 - السيرة النبويَّة: أحمد بن زيني دحلان/ ط 1/ 1417هـ/ دار القلم العربي/ حلب.
158 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب: عبد الحيِّ العكري الدمشقي (ابن العماد الحنبلي)/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
159 - شرح أُصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة: هبة الله بن الحسن بن المنصور الطبري الرازي اللالكائي/ تحقيق: أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي/ ط 8/ 1423هـ/ دار طيبة/ السعوديَّة.
160 - شرح السُّنَّة: الحسين بن مسعود البغوي الشافعي/ تحقيق: شعيب الأرنؤوط ومحمّد زهير الشاويش/ ط 2/ 1403هـ/ المكتب الإسلامي/ دمشق.
161 - شرح المنظومة البيقونيَّة: الشيخ محمّد عبد الباقي الزرقاني/ تعليق وتخريج الأحاديث: صلاح محمّد عويضة/ ط 2/ 1425هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
162 - شرح المواقف: عليُّ بن محمّد الجرجاني/ ط 1/ 1325هـ.
163 - شرح ديوان كثير عزَّة: كثير عزَّة/ جمعه ونشره: هنري بيرس.
164 - شرح صحيح مسلم: النووي/ 1407هـ/ دار الكتاب العربي/ بيروت.
165 - شرح مشكل الآثار: أبو جعفر أحمد بن محمّد الأزدي الحجري المصري المعروف بـ(الطحاوي)/ تحقيق: شعيب الأرنؤوط/ ط 1/ 1415هـ/ مؤسَّسة الرسالة.
166 - شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد المعتزلي/ تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم/ ط 1/ 1378هـ/ دار إحياء الكُتُب العربيَّة/ بيروت.
167 - شُعَب الإيمان: أحمد بن الحسين البيهقي/ تحقيق: أبو هاجر محمّد سعيد زغلول/ ط 1/ 1421هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
168 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل: عبيد الله بن أحمد المعروف بالحاكم الحَسَكاني/ تحقيق: الشيخ محمّد باقر المحمودي/ ط 1/ 1411هـ/ مؤسَّسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي.
169 - الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربيَّة): إسماعيل بن حمَّاد الجوهري/ تحقيق: أحمد عبد الغفور العطَّار/ ط 4/ 1407هـ/ دار العلم للملايين/ بيروت.
170 - صحيح ابن حبَّان بترتيب ابن بلبان: ابن حبَّان/ تحقيق: شعيب الأرنؤوط/ ط 2/ 1414هـ/ مؤسَّسة الرسالة.
171 - صحيح ابن خزيمة: محمّد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري/ تحقيق وتعليق وتخريج وتقديم: محمّد مصطفى الأعظمي/ ط 2/ 1412هـ/ المكتب الإسلامي.
172 - صحيح البخاري: محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي/ ط 2/ 1410هـ/ أوقاف مصر.
173 - صحيح الجامع الصغير وزياداته: محمّد ناصر الدِّين الأشقودري الألباني/ المكتب الإسلامي.
174 - صحيح مسلم: مسلم بن الحجَّاج بن مسلم القشيري النيسابوري/ دار الفكر/ بيروت.
175 - الصراط المستقيم إلى مستحقِّي التقديم: عليُّ بن يونس العاملي النباطي البياضي/ تصحيح وتعليق: محمّد باقر البهبودي/ ط 1/ 1384هـ/ المكتبة المرتضويَّة لإحياء الآثار الجعفريَّة.
176 - الصواعق المحرقة في الردِّ على أهل البدع والزندقة: أحمد بن حجر الهيتمي المكّي/ خرَّج أحاديثه وعلَّق حواشيه وقدَّم له: عبد الوهَّاب عبد اللطيف/ ط 2/ 1385هـ/ مكتبة القاهرة لصاحبها عليّ يوسف سليمان/ القاهرة.
177 - الضعفاء والمتروكين: أبو الفرج ابن الجوزي/ تحقيق: أبو الفداء عبد الله القاضي/ ط 1/ 1406هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
178 - الضعفاء والمتروكين: عليُّ بن عمر الدارقطني/ دراسة وتحقيق: موفَّق بن عبد الله بن عبد القادر/ ط 1/ 1404هـ/ مكتبة المعارف/ الرياض.
179 - الضعفاء: العقيلي/ تحقيق: عبد المعطي أمين/ ط 2/ 1418هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
180 - الطبقات الكبرى: محمّد بن سعد/ دار صادر/ بيروت.
181 - طبقات المحدِّثين بأصبهان والواردين عليها: أبو الشيخ الأصفهاني/ تحقيق: عبد الغفور عبد الحقِّ حسين البلوشي/ ط 2/ 1412هـ/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت.
182 - طبقات خليفة: خليفة بن خيَّاط العصفري (شباب)/ تحقيق: سهيل زكار/ 1414هـ/ دار الفكر/ بيروت.
183 - طبقات شعراء المحدِثين: عبد الله بن المعتزّ/ تحقيق وتصحيح: عمر فاروق طباع/ ط 1/ 1419هـ/ دار الأرقم/ بيروت.
184 - العِبَر في خبر من غبر: الذهبي/ تحقيق: فؤاد سيِّد/ 1961م/ الكويت.
185 - العرف الوردي في أخبار المهدي: جلال الدِّين السيوطي/ ط 1/ 1427هـ/ المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميَّة/ طهران.
186 - العسل المصفَّى من تهذيب زين الفتى: أحمد بن محمّد بن عليٍّ العاصمي/ هذَّبه وعلَّق عليه: الشيخ محمّد باقر المحمودي/ ط 1/ 1418هـ/ مجمع إحياء الثقافة الإسلاميَّة/ قم.
187 - عقد الدُّرَر: يوسف بن يحيى المقدسي/ انتشارات نصائح.
188 - العقد الفريد: أحمد بن محمّد بن عبد ربِّه الأندلسي/ تحقيق وتصحيح: مفيد محمّد قميحة/ ط 1/ 1404هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
189 - علل الشرائع: الشيخ الصدوق/ تقديم: السيِّد محمّد صادق بحر العلوم/ 1385هـ/ منشورات المكتبة الحيدريَّة ومطبعتها/ النجف الأشرف.
190 - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية: أبو الفرج عبد الرحمن بن عليِّ بن محمّد ابن الجوزي/ تحقيق: إرشاد الحقِّ الأثري/ ط 2/ 1401هـ/ إدارة العلوم الأثريَّة/ باكستان.
191 - العلل: أحمد بن حنبل/ تحقيق: وصيُّ الله بن محمود عبَّاس/ ط 1/ 1408هـ/ دار الخاني/ الرياض.
192 - عمدة الطالب في أنساب أبي طالب: أحمد بن عليٍّ الحسيني (ابن عِنَبَه)/ تصحيح: محمّد حسن آل الطالقاني/ ط 2/ 1380هـ/ منشورات المطبعة الحيدريَّة/ النجف الأشرف، وطبعة مكتبة المرعشي/ تحقيق: مهدي الرجائي/ ط 1/ 1387هـ/ قم.
193 - عمدة القاري شرح صحيح البخاري: بدر الدِّين أبو محمّد محمود ابن أحمد العيني/ دار إحياء التراث العربي.
194 - عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار: يحيى بن الحسن الأسدي الحلِّي المعروف بـ(ابن البطريق)/ 1407هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
195 - عون المعبود شرح سُنَن أبي داود: محمّد شمس الحقِّ العظيم آبادي/ ط 2/ 1415هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
196 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام): الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي/ 1404هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
197 - عيون الأخبار: أبو محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري/ ط 3/ 1424هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
198 - عيون المعجزات: حسين بن عبد الوهَّاب/ 1369هـ/ مطبعة الحيدريَّة/ النجف الأشرف.
199 - الغارات: إبراهيم بن محمّد الثقفي الكوفي/ تحقيق: السيِّد جلال الدِّين الحسيني الأرموي المحدِّث.
200 - غريب الحديث: إبراهيم بن إسحاق الحربي/ تحقيق ودراسة: الدكتور سليمان بن إبراهيم بن محمّد العاير/ ط 1/ 1405هـ/ دار المدينة/ جدَّة.
201 - الغيبة: ابن أبي زينب النعماني/ تحقيق: فارس حسُّون كريم/ ط 1/ 1422هـ/ أنوار الهدى.
202 - الغيبة: الشيخ الطوسي/ تحقيق: عبد الله الطهراني وعليّ أحمد ناصح/ ط 1/ 1411هـ/ مطبعة بهمن/ مؤسَّسة المعارف الإسلاميَّة/ قم.
203 - الفائق في غريب الحديث: جار الله محمود بن عمر الزمخشري/ ط 1/ 1417هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
204 - فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني/ ط 2/ دار المعرفة/ بيروت.
205 - فتح القدير الجامع بين الرواية والدراية من علم التفسير: محمّد بن عليِّ بن محمّد الشوكاني/ عالم الكُتُب.
206 - الفتن: أبو عبد الله نعيم بن حمَّاد المروزي/ تحقيق وتقديم: سهيل زكار/ 1414هـ/ دار الفكر/ بيروت.
207 - الفتوح: أبو محمّد أحمد بن أعثم الكوفي/ تحقيق: عليّ شيري/ ط 1/ 1411هـ/ دار الأضواء.
208 - فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين: إبراهيم بن محمّد الجويني الخراساني/ ط 1/ 1400هـ/ مؤسَّسة المحمودي/ بيروت.
209 - فِرَق الشيعة: الحسن بن موسى النوبختي/ 1404هـ/ دار الأضواء/ بيروت.
210 - الفصول العشرة: الشيخ المفيد/ تحقيق: الشيخ فارس الحسُّون/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
211 - الفصول المختارة: الشيخ المفيد/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
212 - الفصول المهمَّة في معرفة الأئمَّة: عليُّ بن محمّد أحمد المالكي المكّي (ابن الصبَّاغ)/ تحقيق: سامي الغريري/ ط 1/ 1422هـ/ دار الحديث/ قم.
213 - فضائل الثقلين من كتاب توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل: شهاب الدِّين أحمد بن جلال الدِّين الحسيني الشافعي الإيجي/ ط 1/ 1428هـ/ المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميَّة/ المعاونيَّة الثقافيَّة/ طهران.
214 - فضائل الصحابة: أحمد بن حنبل/ تحقيق: وصيُّ الله محمّد عبَّاس/ ط 1/ 1403هـ/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت.
215 - فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): ابن عقدة الكوفي/ تحقيق وتصحيح: عبد الرزَّاق محمّد حسين حرز الدِّين/ ط 1/ 1424هـ/ دليل ما/ قم.
216 - فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): ابن عقدة الكوفي/ تحقيق وتصحيح: عبد الرزَّاق محمّد حسين حرز الدِّين/ ط 1/ 1424هـ/ دليل ما/ قم.
217 - فضائل فاطمة الزهراء (عليها السلام): عمر بن شاهين/ تقديم وتحقيق: محمّد هادي الأميني/ 1412هـ/ مؤسَّسة الغدير للمطبوعات/ دار الكتاب الإسلامي/ بيروت.
218 - فلاح السائل: رضيُّ الدِّين عليُّ بن طاووس.
219 - الفهرست: الشيخ الطوسي/ تحقيق: جواد القيُّومي/ ط 1/ 1417هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي.
220 - الفوائد المنتقاة والغرائب الحسان عن الشيوخ الكوفيِّين: محمّد بن عليٍّ الصوري/ تحقيق: عمر عبد السلام تدمري/ ط 1/ 1407هـ/ دار الكتاب العربي/ بيروت.
221 - فيض الباري على صحيح البخاري: محمّد أنور شاه الكشميري الهندي الديوبندي/ تحقيق: محمّد بدر عالم الميرتهي/ ط 1/ 1426هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
222 - فيض القدير شرح الجامع الصغير: محمّد عبد الرؤوف المناوي/ تصحيح: أحمد عبد السلام/ ط 1/ 1415هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
223 - قرب الإسناد: أبو العبَّاس عبد الله بن جعفر الحميري القمِّي/ ط 1/ 1413هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/ قم.
224 - قسم أشعار أولاد الشعراء من كتاب الأوراق: أبو بكر محمّد بن يحيى الصولي/ عنى بنشره: ج. هيورث. دن/ط 1/ 1936م/مطبعة الصاوي/مصر.
225 - قَصص الأنبياء: قطب الدِّين الراوندي/ تحقيق: الميرزا غلام رضا عرفانيان اليزدي الخراساني/ ط 1/ 1418هـ/ انتشارات الهادي.
226 - القول المختصر في علامات المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه): أحمد بن حجر الهيتمي المكّي/ ط 1/ 1428هـ/ دار التقوى/ دمشق.
227 - القول المستحسن في فخر الحسن: حسن زمان الحيدرآبادي المولوي.
228 - القول المسدَّد في مسند أحمد: ابن حجر العسقلاني/ ط 1/ 1404هـ/ عالم الكُتُب.
229 - الكافي: الشيخ الكليني/ تحقيق: عليّ أكبر الغفاري/ ط 5/ 1363ش/ مطبعة حيدري/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.
230 - كامل الزيارات: جعفر بن محمّد بن قولويه/ تحقيق: الشيخ جواد القيُّومي/ ط 1/ 1417هـ/ مؤسَّسة نشر الفقاهة.
231 - الكامل في التاريخ: عزُّ الدِّين أبو الحسن عليُّ بن أبي الكرم محمّد ابن محمّد الشيباني (ابن الأثير)/ 1385هـ/ دار الصادر/ بيروت.
232 - الكامل في اللغة والأدب: أبو عبَّاس محمّد بن يزيد المبرَّد/ تحقيق وتصحيح: تغاريد بيضون ونعيم زرزور/ ط 2/ 1987م/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
233 - الكامل في ضعفاء الرجال: عبد الله بن عدي/ تحقيق: يحيى مختار غزاوي/ ط 3/ 1409هـ/ دار الفكر/ بيروت.
234 - كتاب سُلَيم: سُلَيم بن قيس الهلالي الكوفي/ تحقيق: محمّد باقر الأنصاري الزنجاني/ ط 1/ 1422هـ/ دليل ما.
235 - كتاب نسب قريش: مصعب بن عبد الله/ ط 4/ 1999م/ دار المعارف/ القاهرة.
236 - كشف الظنون: حاجي خليفة/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
237 - كشف الغمَّة في معرفة الأئمَّة: عليُّ بن أبي الفتح الإربلي/ ط 2/ 1405هـ/ دار الأضواء/ بيروت.
238 - كشف المشكل من حديث الصحيحين: أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي/ تحقيق: عليّ حسين البوَّاب/ ط 1/ 1418هـ/ دار الوطن/ الرياض.
239 - كفاية الأثر في النصِّ على الأئمَّة الاثني عشر: أبو القاسم عليُّ بن محمّد الخزَّاز القمِّي الرازي/ تحقيق: السيِّد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي/ 1401هـ/ انتشارات بيدار.
240 - كفاية الطالب (ومعه البيان في أخبار صاحب الزمان): محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي/ ط 2/ 1404هـ/ دار إحياء تراث أهل البيت (عليهم السلام)/ طهران.
241 - كمال الدِّين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ 1405هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
242 - كنز العُمَّال في سُنَن الأقوال والأفعال: علاء الدِّين عليّ المتَّقي بن حسام الدِّين الهندي البرهان فوري (المتَّقي الهندي)/ ضبط وتفسير: الشيخ بكري حيَّاني/ تصحيح وفهرسة: الشيخ صفوة السقَّا/ 1409هـ/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت.
243 - الكنى والأسماء: محمّد بن أحمد الدولابي/ تحقيق: نظر محمّد الفاريابي/ ط 1/ 1421هـ/ دار ابن حزم/ بيروت.
244 - اللباب في علوم الكتاب: أبو حفص عمر بن عليِّ بن عادل الدمشقي الحنبلي/ تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعليّ محمّد معوض/ ط 1/ 1419هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
245 - لسان العرب: أبو الفضل جمال الدِّين محمّد بن مكرم الإفريقي المصري (ابن منظور)/ 1405هـ/ نشر أدب الحوزة/ قم.
246 - لسان الميزان: ابن حجر العسقلاني/ ط 2/ 1390هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
247 - اللئالئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: جلال الدِّين السيوطي/ تحقيق: صلاح بن محمّد ابن عويضة/ ط 1/ 1417هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
248 - مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب والأئمَّة من ولده (عليهم السلام): محمّد بن أحمد القمِّي (ابن شاذان)/ إشراف: السيِّد محمّد باقر بن المرتضى الموحِّد الأبطحي/ ط 1/ 1407هـ/ مدرسة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)/ قم.
249 - المجدي في أنساب الطالبيِّين: عليُّ بن محمّد العلوي العمري/ تحقيق: أحمد المهدوي الدامغاني/ ط 1/ 1409هـ/ مكتبة المرعشي/ قم المقدَّسة.
250 - المجروحين من المحدِّثين والضعفاء والمتروكين: محمّد بن حبَّان ابن أحمد أبي حاتم التميمي البستي/ تحقيق: محمود إبراهيم زايد.
251 - مجمع البيان في تفسير القرآن: أمين الإسلام أبو عليٍّ الفضل بن الحسن الطبرسي/ قدَّم له: السيِّد محسن الأمين العاملي/ ط 1/ 1415هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
252 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: عليُّ بن أبي بكر الهيثمي/ 1408هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
253 - المحاسن: أحمد بن محمّد بن خالد البرقي/ تصحيح وتعليق: السيِّد جلال الدِّين الحسيني المحدِّث/ 1370هـ/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.
254 - المحرَّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: ابن عطيَّة الأندلسي/ تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمّد/ ط 1/ 1413هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
255 - مختصر إتحاف السادة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل الكناني الشافعي الشهير بـ(البويصري)/ تحقيق: سيِّد كسروي حسن/ ط 1/ 1417هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
256 - مختصر إثبات الرجعة: الفضل بن شاذان النيسابوري/ ط 1/ 1437هـ/ العتبة الحسينيَّة المقدَّسة/ كربلاء.
257 - مختصر التحفة الاثني عشريَّة: محمود شكري الآلوسي/ تحقيق وتعليق: محبُّ الدِّين الخطيب/ 1373هـ/ المطبعة السلفيَّة/ القاهرة.
258 - مختصر بصائر الدرجات: الحسن بن سليمان الحلِّي/ ط 1/ 1370هـ/ منشورات المطبعة الحيدريَّة/ النجف الأشرف.
259 - مختصر سُنَن أبي داود: عبد العظيم بن عبد القويِّ المنذري/ تحقيق: محمّد صبحي بن حسن حلَّاق/ ط 1/ 1431هـ/ مكتبة المعارف/ الرياض.
260 - مرآة الجنان وعبرة اليقظان: عبد الله بن أسعد اليافعي اليمني المكّي/ وضع حواشيه: خليل المنصور/ ط 1/ 1417هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
261 - مروج الذهب ومعادن الجوهر: عليُّ بن الحسين بن عليٍّ المسعودي/ ط 2/ 1404هـ/ منشورات دار الهجرة/ قم.
262 - المزار الكبير: محمّد بن جعفر المشهدي/ تحقيق: جواد القيُّومي الأصفهاني/ ط 1/ 1919هـ/ نشر القيُّوم/ قم.
263 - المستدرك على الصحيحين (وبذيله التلخيص للذهبي): أبو عبد الله الحاكم النيسابوري/ إشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي/ دار المعرفة/ بيروت.
264 - مسند ابن الجعد: عليُّ بن الجعد بن عبيد الجوهري/ رواية وجمع: أبو القاسم عبد الله بن محمّد البغوي/ مراجعة وتعليق وفهرسة: الشيخ عامر أحمد حيدر/ ط 2/ 1417هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
265 - مسند ابن راهويه: إسحاق بن راهويه/ تحقيق: عبد الغفور عبد الحقِّ حسين برد البلوسي/ ط 1/ 1412هـ/ مكتبة الإيمان/ المدينة المنوَّرة.
266 - مسند أبي داود الطيالسي: سليمان بن داود بن الجارود الفارسي البصري الشهير بأبي داود الطيالسي/ دار المعرفة/ بيروت.
267 - مسند أبي يعلى: إسماعيل بن محمّد بن الفضل التميمي (أبو يعلى الموصلي)/ تحقيق: حسين سليم أسد/ دار المأمون للتراث.
268 - مسند أحمد: أحمد بن حنبل/ تحقيق عدَّة محقِّقين/ ط 1/ 1416هـ/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت.
269 - مسند البزَّار (البحر الزخَّار): أبو بكر أحمد بن عمرو العتكي المعروف بالبزَّار/ تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله وآخرون/ ط 1/ 1988م - 2009م/ مكتبة العلوم والحِكَم/ المدينة المنوَّرة.
270 - مسند الشاميِّين: سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني/ تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي/ ط 2/ 1417هـ/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت.
271 - مسند الشهاب: محمّد بن سلامة القضاعي/ تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي/ ط 1/ 1405هـ/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت.
272 - مسند عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام): جلال الدِّين السيوطي.
273 - مصابيح السُّنَّة: الحسين بن مسعود البغوي/ تحقيق: يوسف عبد الرحمن المرعشلي وآخرون/ ط 1/ 1407هـ/ دار المعرفة/ بيروت.
274 - المصابيح: أبو العبَّاس الحسني/ ط 2/ 1423هـ/ مؤسَّسة الإمام زيد بن عليٍّ/ صنعاء.
275 - المصباح (جنَّة الأمان الواقية وجنَّة الإيمان الباقية): تقيُّ الدِّين إبراهيم بن عليّ العاملي الكفعمي/ ط 3/ 1403هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
276 - مصباح الزائر: السيِّد عليُّ بن موسى بن طاووس/ ط 1/ 1417هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/ قم.
277 - المصنَّف: ابن أبي شيبة/ تحقيق وتعليق: سعيد اللحَّام/ ط 1/ 1409هـ/ دار الفكر/ بيروت.
278 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (عليهم السلام): كمال الدِّين محمّد بن طلحة الشافعي/ تحقيق: ماجد بن أحمد العطيَّة.
279 - المطالب العالية من العلم الإلهي: فخر الدِّين الرازي/ ط 1/ 1407هـ/ دار الكتاب العربي/ بيروت.
280 - معالم العلماء: محمّد بن عليِّ بن شهرآشوب المازندراني/ قم.
281 - معاني الأخبار: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ 1379هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
282 - معاني القرآن: أبو جعفر النحَّاس/ تحقيق: الشيخ محمّد عليّ الصابوني/ ط 1/ 1409هـ/ جامعة أُمّ القرى/ المملكة العربيَّة السعوديَّة.
283 - معجم الأُدباء: ياقوت الحموي/ ط 3/ 1400هـ/ دار الفكر/ بيروت.
284 - المعجم الأوسط: سليمان بن أحمد الطبراني/ 1415هـ/ دار الحرمين.
285 - معجم الصحابة: ابن قانع البغدادي/ تحقيق: خليل إبراهيم قوتلاي/ ط 1/ 1424هـ/ دار الفكر/ بيروت.
286 - المعجم الصغير: الطبراني/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
287 - المعجم الكبير: سليمان بن أحمد الطبراني/ تحقيق وتخريج: حمدي عبد المجيد السلفي/ ط 2/ دار إحياء التراث العربي.
288 - معرفة الصحابة: أبو نعيم الأصفهاني/ تحقيق: مسعد عبد الحميد سعدني/ ط 1/ 1422هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
289 - مفتاح السعادة: محمّد تقي النقوي القايني/ مكتبة المصطفوي/ طهران.
290 - مقاتل الطالبيِّين: أبو الفرج الأصفهاني/ تقديم وإشراف: كاظم المظفَّر/ ط 2/ 1385هـ/ منشورات المكتبة الحيدريَّة ومطبعتها/ النجف الأشرف.
291 - مقتضب الأثر: ابن عيَّاش الجوهري/ مطبعة العلميَّة/ مكتبة الطباطبائي/ قم.
292 - مقتل الحسين (عليه السلام): الموفَّق بن أحمد الخوارزمي/ تحقيق: الشيخ محمّد السماوي/ ط 2/ 1423هـ/ أنوار الهدى/ قم.
293 - الملاحم والفتن: ابن طاووس/ ط 1/ 1416هـ/ مؤسَّسة صاحب الأمر/ أصفهان.
294 - الملاحم: أحمد بن جعفر بن محمّد المعروف بـ(ابن المنادي)/ تحقيق: عبد الكريم العقيلي/ ط 1/ 1418هـ/ مطبعة أمير/ دار السيرة/ قم.
295 - من لا يحضره الفقيه: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ ط 2/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
296 - مناحل الشفا ومناهل الصفا بتحقيق كتاب شرف المصطفى(صلّى الله عليه وآله وسلّم): أبو سعيد عبد المَلِك بن أبي عثمان محمّد بن إبراهيم الخركوشي النيسابوري/ ط 1/ 1424هـ/ دار البشائر الإسلاميَّة/ مكَّة المكرَّمة.
297 - مناقب آل أبي طالب: محمّد بن عليِّ بن شهرآشوب المازندراني/ 1376هـ/ المكتبة الحيدريَّة/ النجف الأشرف.
298 - مناقب آل محمّد (النعيم المقيم لعترة النبأ العظيم): عمر بن شجاع الموصلي/ ط 1/ 1424هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
299 - مناقب الإمام الشافعي: محمّد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم أبو الحسن الآبري السجستاني/ تحقيق: جمال عزون/ ط 1/ 1430هـ/ الدار الأثريَّة.
300 - مناقب أهل البيت (عليهم السلام): عليُّ بن محمّد بن محمّد الواسطي الجُلَّابي الشافعي الشهير بـ(ابن المغازلي)/ تحقيق: محمّد كاظم المحمودي/ ط 1/ 1427هـ/ المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميَّة/ طهران.
301 - مناقب عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) وما نزل من القرآن في عليٍّ (عليه السلام): أحمد بن موسى بن مردويه الأصفهاني/ جمعه ورتَّبه وقدَّم له: عبد الرزَّاق محمّد حسين حرز الدِّين/ ط 2/ 1424هـ/ دار الحديث/ قم.
302 - المناقب: الموفَّق بن أحمد بن محمّد المكّي الخوارزمي/ تحقيق: الشيخ مالك المحمودي/ ط 2/ 1414هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
303 - منتخب الأنوار المضيئة: السيِّد بهاء الدِّين عليُّ بن عبد الكريم النيلي النجفي/ ط 1/ 1420هـ/ مؤسَّسة الإمام الهادي (عليه السلام)/ قم.
304 - المنتظم في تاريخ الأُمَم والملوك: عبد الرحمن بن عليِّ بن محمّد ابن الجوزي/ دراسة وتحقيق: محمّد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا/ راجعه وصحَّحه: نعيم زرزور/ ط 1/ 1412هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
305 - المهدي المنتظَر (عجَّل الله فرجه) في الفكر الإسلامي: السيِّد ثامر هاشم العميدي/ مركز الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)/ ط1/ 1443/ النجف الأشرف.
306 - المهذَّب البارع: ابن فهد الحلِّي/ تحقيق: مجتبى العراقي/ 1407هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي/ قم.
307 - المواقف: عضد الدِّين الإيجي/ شرح: عليُّ بن محمّد الجرجاني/ ط 1/ 1325هـ/ الشريف الرضي/ قم.
308 - المؤتلف والمختلف: الدارقطني/ ط 1/ 1406هـ/ دار المغرب الإسلامي/ بيروت.
309 - مورد اللطافة من وليِّ السلطنة والخلافة: يوسف بن تغري بردي الأتابكي/ ط 1/ 1977م/ دار الكُتُب المصريَّة/ القاهرة.
310 - الموضوعات: أبو الفرج عبد الرحمن بن عليّ بن الجوزي القرشي/ ضبط وتقديم وتحقيق: عبد الرحمن محمّد عثمان/ ط 1/ 1386هـ/ المكتبة السلفيَّة/ المدينة المنوَّرة.
311 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال: أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي/ تحقيق: عليّ محمّد البجاوي/ ط 1/ 1382هـ/ دار المعرفة/ بيروت.
312 - النزاع والتخاصم بين بني أُميَّة وبني هاشم: تقي الدِّين أحمد بن عليٍّ المقريزي/ تحقيق: السيِّد عليّ عاشور.
313 - نُزُل الأبرار بما صحَّ من مناقب أهل البيت الأطهار: محمّد بن معتمد خان البدخشاني/ تقديم وتحقيق وتعليق: محمّد هادي النجفي/ 1403هـ/ مكتبة أمير المؤمنين (عليه السلام)/ أصفهان.
314 - نهاية الأرب في فنون الأدب: شهاب الدِّين أحمد بن عبد الوهَّاب النويري/ وزارة الثقافة والإرشاد القومي/ المؤسَّسة المصريَّة العامَّة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر.
315 - النهاية في الفتن والملاحم: ابن كثير/ تحقيق: محمّد عبد العزيز/ 1408هـ/ دار الجيل/ بيروت.
316 - النهاية في غريب الحديث والأثر: مجد الدِّين ابن الأثير/ تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمّد الطناحي/ ط 4/ 1364ش/ مؤسَّسة إسماعيليان/ قم.
317 - نهج البلاغة: خُطَب أمير المؤمنين (عليه السلام)/ ما اختاره وجمعه: الشريف الرضي/ تحقيق: الدكتور صبحي صالح/ ط 1/ 1387هـ، وبشرح محمّد عبدة/ ط 1/ 1412هـ/ دار الذخائر/ قم.
318 - النور المشتعل من كتاب ما نزل من القرآن في عليٍّ (عليه السلام): أبو نعيم الأصفهاني/ إخراج وتصحيح: الشيخ محمّد باقر المحمودي/ ط 1/ 1406هـ/ وزارة الإرشاد الإسلامي/ طهران.
319 - الهداية الكبرى: الحسين بن حمدان الخصيبي/ ط 4/ 1411هـ/ مؤسَّسة البلاغ/ بيروت.
320 - الهداية في الأُصول والفروع: الشيخ الصدوق/ ط 1/ 1418هـ/ مطبعة اعتماد/ مؤسَّسة الإمام الهادي (عليه السلام).
321 - الوافي بالوفيات: الصفدي/ تحقيق: أحمد الأرنؤوط وتركي مصطفى/ 1420هـ/ دار إحياء التراث.
322 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: ابن خلِّكان/ تحقيق: إحسان عبَّاس/ دار الثقافة.
323 - ينابيع المودَّة لذوي القربى: سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي/ تحقيق: السيِّد عليّ جمال أشرف الحسيني/ ط 1/ 1416هـ/ دار الأُسوة.
* * *