الإمام المهدي (عليه السلام) في مصادر علماء الشيعة (الجزء الثاني)
من القرن الثاني إلى القرن الحادي عشر
إعداد وتحقيق: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عليه السلام)
الطبعة الأولى 1430هـ
رقم الإصدار: 113
فهرست الموضوعات
25 - دلائل الإمامة..................3
أبو محمّد الحسن بن علي السراج (عليه السلام)..................5
ذكر ولده (عليه السلام)..................5
معرفة أنَّ الله لا يخلي الأرض من حجّة..................6
معرفة وجوب القائم (عليه السلام) وأنَّه لا بدَّ أن يكون..................13
خبر أُمّ القائم (عليه السلام) وسيرتها إلى أن اشتريت..................63
في معرفة الولادة، وفي أيّ ليلة وأيّ شهر ولد، وأين ولد (عليه السلام)..................71
نسبه (عليه السلام)..................76
معرفة من شاهده في حياة أبيه (عليهما السلام)..................78
معرفة شيوخ الطائفة الذين عرفوا صاحب الزمان (عليه السلام) في مدّة مقامه بسُرَّ من رأى بالدلائل والبراهين والحجج الواضحة..................93
معرفة ما ورد من الأخبار في وجوب الغيبة..................104
معرفة من شاهد صاحب الزمان (عليه السلام) في حال الغيبة وعرفه من أصحابنا..................112
معرفة رجال مولانا صاحب الزمان (عليه السلام)..................131
26 - تقريب المعارف..................159
فصل في إثبات إمامة الحجّة ابن الحسن ووجه الحكمة في غيبته..................161
برهان العقل على إمامته..................162
برهان السمع على إمامته..................162
نصّ رسول الله على عدد الأئمّة من بعده من طريق العامّة..................163
النصّ على عدد الأئمّة من طريق الخاصّة..................166
نصّ أبيه عليه بالإمامة وشهادة المقطوع بصدقهم بإمامته..................175
نصّ آبائه عليه بغيبته وصفتها..................178
ظهور معجزاته على أيدي سفرائه..................184
إثبات تواتر هذه الأخبار..................191
الحكمة في غيبته..................192
من أسباب الغيبة الخوف وعدم الناصر..................193
كيفية الجمع بين فقد اللطف بعدم ظهوره وثبوت التكليف..................196
العلّة في عدم منع الله من يريد الحجّة بسوء..................196
إمكان ظهوره لأوليائه في زمن الغيبة..................197
حفظ الشريعة في حال الغيبة..................198
حكم تنفيذ الأحكام وإرشاد الضالّ وحقوق الأموال في حال الغيبة..................199
ردّ من قال: لا حاجة إلى الحجّة..................201
ردّ من قال: لا حاجة إلى ظهور الحجّة..................202
مسألة طول الغيبة وطول عمر الحجّة..................203
كيف يمكن معرفة الحجّة عند ظهوره..................212
27 - كنز الفوائد..................213
فصل: الكلام في الغيبة وسببها..................215
خبر آخر..................223
[الفقهاء من شيعة الأئمّة (عليهم السلام) هم الوسائط بين الرعيّة وصاحب الزمان (عليه السلام)]..................227
28 - الاقتصاد الهادي إلى سبيل الرشاد..................233
[الكلام في الغيبة وسببها]..................235
29 - شرح جمل العلم والعمل لشريف المرتضى علم الهدى..................241
[بيان علّة غيبة الإمام الثاني عشر]..................243
[عدم ضياع الشرع مع الغيبة]..................245
[طول الغيبة وزيادة عمر الغائب]..................246
30 - أمالي الطوسي..................249
31 - تلخيص الشافي..................261
فصل في إمامة صاحب الزمان صلوات الله عليه وعلى آبائه..................263
[علّة الغيبة وسببها]..................264
32 - مؤتمر علماء بغداد..................283
الإمام المهدي وظهوره (عليه السلام)..................285
33 - روضة الواعظين..................287
مجلس في ذكر ما روى في نرجس أُمّ القائم (عليه السلام)..................289
المجلد الثاني: مجلس في ذكر ولادة القائم صاحب الزمان (عليه السلام)..................295
مجلس في ذكر إمامة صاحب الزمان ومناقبه (عليه السلام)..................303
[علامات الظهور]..................307
34 - إعلام الورى بأعلام الهدى..................317
ذكر القسم الثاني من الركن الرابع: الباب الأوّل منه في ذكر اسمه وكنيته ولقبه، ومولده ووقت ولادته، واسم أُمّه، ومن شاهده أو رآه..................319
الفصل الأوّل: في ذكر اسمه، وكنيته، ولقبه (عليه السلام)..................319
الفصل الثاني: في ذكر مولده (عليه السلام) واسم أُمّه..................320
الفصل الثالث: في ذكر من رآه (عليه السلام)..................324
الباب الثاني: في ذكر النصوص الدالّة على إمامته (عليه السلام) من آبائه (عليهم السلام) سوى ما تقدَّم من ذكره في جملة الاثني عشر..................327
الفصل الأوّل: في ذكر إثبات النصّ على إمامته (عليه السلام) من طريق الاعتبار..................327
الفصل الثاني: في ذكر الأخبار الواردة عن آبائه (عليهم السلام) في ذلك..................328
الفصل الثالث: في ذكر النصوص عليه (عليه السلام) من جهة أبيه الحسن بن علي (عليه السلام) خاصّة..................351
الباب الثالث: في بيان وجه الاستدلال بهذه الأخبار الواردة في النصوص على إمامته، وذكر أحوال غيبته، وما شوهد من دلالالته وبيّناته..................357
الفصل الأوّل: في ذكر الدلالة على إثبات غيبته (عليه السلام) وصحَّة إمامته من جهة الأخبار التي تقدَّم ذكرها، وذكر أحوال غيبته..................357
الفصل الثاني: في ذكر بعض ما روي من دلالاته وبيّناته (عليه السلام)..................361
الفصل الثالث: في ذكر بعض التوقيعات الواردة منه (عليه السلام)..................370
الفصل الرابع: في ذكر أسماء الذين شاهدوه أو رأوا دلائله وخرج إليهم توقيعاته وبعضهم وكلاءه..................373
الباب الرابع: في ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام)، ومدّة أيام ظهوره وطريقة أحكامه، وسيرته عند قيامه، وصفته، وحليته..................375
الفصل الأوّل: في ذكر علامات خروجه (عليه السلام)..................375
الفصل الثاني: في ذكر السنة التي يقوم فيها القائم (عليه السلام)..................382
الفصل الثالث: في ذكر نبذ من سيرته عند قيامه، وطريقة أحكامه، ووصف زمانه، ومدّة أيّامه..................383
الفصل الرابع: في ذكر صفة القائم وحليته..................390
الباب الخامس: في ذكر مسائل يسأل عنها أهل الخلاف في غيبة صاحب الزمان (عليه السلام) وحلّ الشبهات فيها بواضح الدليل ولائح البرهان..................392
مسألة: [الوجه في غيبته (عليه السلام) على الاستمرار والدوام]..................392
مسألة ثانية: [الفرق بين وجود الإمام وعدمه]..................395
مسألة ثالثة: [حكم الحدود في زمن الغيبة]..................396
مسألة رابعة: [معرفة الحقّ مع الغيبة]..................397
مسألة خامسة: [انتفاء علّة الغيبة عند البعض]..................398
مسألة سادسة: [طول العمر وكمال العقل]..................401
مسألة سابعة: [هل الإمام المهدي ناسخ لشريعة الإسلام؟]..................406
35 - تاج المواليد في مواليد الأئمّة ووفياتهم..................409
في ذكر الإمام القائم المهدى (عجَّل الله فرجه)..................411
الباب الثالث عشر: في ذكر الإمام الحادي عشر وهو الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام)..................411
الفصل الخامس: في ذكر ولده (عليه السلام)..................411
الباب الرابع عشر: في ذكر الإمام الثاني عشر وهو القائم المهدي عليه وعلى آبائه الصلاة والسلام..................411
الفصل الأوّل: في اسمه وكنيته ولقبه (عليه السلام)..................412
الفصل الثاني: في وقت ولادته (عليه السلام)..................412
الفصل الثالث: في تفصيل ما مضى من عمره (عليه السلام) وذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه والإشارة إلى شيء من سيره بعد قيامه..................413
[غيبته (عليه السلام) وسفراءه الأربعة]..................414
[في علائم ظهور الإمام القائم المهدي (عليه السلام)]..................416
[ما بعد الظهور]..................418
الفصل الرابع: في الإشارة إلى وقت وفاته (عليه السلام)..................420
الفصل الخامس: في ذكر ولده (عليه السلام)..................420
36 - الخرائج والجرائح..................421
الجزء الأوّل: الباب الثالث عشر: في معجزات الإمام صاحب الزمان (عليه السلام)..................423
الجزء الثاني: فصل: في أعلام الإمام وارث الأنبياء والأوصياء، حجّة الله على خلقه، صاحب المرأى والمسمع (م ح م د) بن الحسن المهدي عليه من الصلوات أفضلها ومن التحيّات أكملها صاحب الزمان (عليه السلام)..................452
37 - قصص الأنبياء..................469
فصل (17)..................471
فصل (18)..................472
38 - الثاقب في المناقب..................479
الباب الخامس عشر: في ذكر آيات صاحب الزمان الخلف الصالح المنتظر المهدي (عليه السلام)..................481
1 - فصل: في بيان ظهور آياته (عليه السلام) في حال ولادته وبعدها..................481
2 - فصل: في بيان ظهور آياته (عليه السلام) في حال طفولته..................482
3 - فصل: في بيان ظهور آياته (عليه السلام) من الإخبار بآجال الناس..................486
4 - فصل: في بيان ظهور آياته (عليه السلام) من الإخبار بالغائبات..................490
5 - فصل: في بيان ظهور آياته (عليه السلام) في معان شتّى..................500
دلائل الإمامة
لأبي جعفر محمد بن جرير بن رُسَّم الطبري من أعلام القرن الخامس
تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية/ مؤسسة البعثة
أبو محمّد الحسن بن علي السراج (عليه السلام): (1)
... وتوفي بسُرَّ من رأى، ولمَّا اتَّصل الخبر بأُمّه وهي في المدينة، خرجت حتَّى قدمت سُرَّ من رأى، وجرى بينها وبين أخيه جعفر أقاصيص في مطالبته(2) إيّاها بميراثه، وسعى بها إلى السلطان، وكشف ما ستر الله، وادَّعت صقيل(3) عند ذلك أنَّها حامل، وحملت إلى دار المعتمد، فجعل نساءه وخدمه، ونساء الواثق، ونساء القاضي ابن أبي الشوارب، يتعاهدون أمرها إلى أن دهمهم أمر الصفّار، وموت عبد الله بن يحيى بن خاقان، وأمر صاحب الزنج، وخروجهم عن سُرَّ من رأى ما شغلهم عنها(4) وعن ذكر من أعقب من أجل ما يشاء(5) الله ستره وحسن رعايته بمنّه وطوله...
ذكر ولده (عليه السلام):
الخلف الصالح القائم صاحب الزمان الإمام المنتظر لأمر الله (صلوات الله عليه وعلى آبائه وسلَّم)(6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) دلائل الإمامة: 423 - 575/ ح (384/1) - (529/133).
(2) في (ع)، (م): (ومطالبته).
(3) قيل: هي أُمّ القائم (عليه السلام) على ما في كمال الدين: 432/ ح 12.
(4) في (ع)، (م): (عن ذلك).
(5) في (ع)، (م): (أجله ويشاء).
(6) تاريخ الأئمّة: 21؛ مناقب ابن شهرآشوب 4: 421؛ كفاية الطالب: 458؛ نور الأبصار: 341.
معرفة أنَّ الله لا يخلي الأرض من حجّة:
* حدَّثنا أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله الشيباني، قال: حدَّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني، قال: حدَّثنا يحيى بن زكريا، عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب السراج، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): (تبقى الأرض يوماً بلا عالم منكم حيّ ظاهر، يفزع إليه الناس في حلالهم وحرامهم؟).
قال: (إذن لا يعبد الله، يا أبا يوسف)(7).
* وعنه، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر، عن محمّد بن أحمد، عن يحيى، عن محمّد بن إبراهيم، عن زيد الشحام، عن عمّه داود بن العلاء، عن أبي حمزة، عن بعضهم(8) أنَّه قال: ما خلت الدنيا منذ خلق الله السماوات والأرض من(9) إمام عدل(10)، إلى أن تقوم الساعة، حجّة لله فيها على خلقه(11).
* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همام، عن عبد الله بن جعفر، عن أيّوب بن نوح، عن الربيع بن المسلي(12)، عن عبد الله بن سليمان العامري، عن أبي عبد الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) الإمامة والتبصرة: 27/ ح 5؛ علل الشرائع: 195/ ح 3؛ نوادر المعجزات: 194/ ح 1.
(8) في (ط) زيادة: (عليهم السلام).
(9) في (م)، (ط): (عن).
(10) في (ط): (عادل).
(11) الإمامة والتبصرة: 25/ ح 2؛ علل الشرائع: 197/ ح 14؛ ونحوه في بصائر الدرجات: 505/ ح 4؛ والكافي 1: 137/ ح 8 .
(12) في (ع)، (م): (المسكن)؛ وفي (ط): (السكن)، وما في المتن هو الصواب، كما في المصادر، وهو الربيع بن محمّد بن عمر بن حسان الأصم المسلي، ومسلية قبيلة من مذحج؛ رجال النجاشي: 164.
عليه السلام، قال: (ما تزال الأرض ولله فيها حجّة، يعرف الحلال والحرام، ويدعو الناس إلى سبيل الله (عزَّ وجلَّ)، ولا ينقطع من الأرض إلَّا أربعين يوماً قبل يوم القيامة، فإذا رفع الحجّة أغلق باب التوبة، ولم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن يرفع الحجّة، فأولئك(13) شرار خلق الله، وهم الذين تقوم عليهم فيها القيامة)(14).
* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام بن سهيل الكاتب، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدَّثنا محمّد بن عيسى، عن الحسن بن علي الخزاز(15)، عن عمر بن أبان، عن الحسين بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قال: (يا أبا حمزة، إنَّ الأرض لم تخل إلَّا وفيها منّا عالم، فإذا زاد الناس، قال: زادوا. وإن نقصوا قال: نقصوا. ولن يخرج الله ذلك العالم حتَّى يرى في ولده من يعلم مثل علمه، أو ما شاء الله)(16).
* وعنه، قال: حدَّثنا أبي، عن أبي علي محمّد بن همام، عن عبد الله بن جعفر، عن يعقوب بن يزيد ومحمّد بن عيسى جميعاً، عن عبد الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) في (م): (وأولئك من).
(14) المحاسن: 236/ ح 202؛ بصائر الدرجات: 504/ ح 1؛ الكافي 1: 136/ ح 3؛ كمال الدين: 229/ ح 24؛ الغيبة للنعماني: 138/ ح 4.
(15) في النسخ: (عن الحسن بن علي عن الحارث)، وفي كمال الدين: (الحسن بن علي الخزّاز، عن عمر بن أبان) بلا واسطة.
(16) المحاسن: 235/ ح 201 نحوه؛ كمال الدين: 222/ ح 12، و228/ ح 21؛ نوادر المعجزات: 195/ ح 2؛ إثبات الهداة 1: 238/ ح 195؛ بحار الأنوار 25: 250/ ح 4.
الغفاري(17)، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا يزال في ولدي مأمون مأمول)(18).
* وأخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين، قال: حدَّثنا أحمد بن زياد الهمداني، قال: حدَّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن زرارة، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يمضي الإمام وليس له عقب؟
قال: (لا يكون ذلك).
قلت: فيكون؟
قال: (لا يكون، إلَّا أن يغضب الله على خلقه فيعاجلهم)(19).
* وعنه، عن أبي جعفر، قال: حدَّثنا(20) أبي، عن سعد بن عبد الله، عن أبي عبد الله محمّد بن خالد البرقي، عن الحسن بن علي بن فضال، عن أبي هراسة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قال: (لو أنَّ الإمام رفع لماجت الأرض بأهلها، كما يموج البحر بأهله)(21).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(17) زاد في كمال الدين: (عن جعفر بن إبراهيم)، والظاهر صوابه، وهو ابن محمّد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الجعفري الهاشمي، روى عنه الغفاري في موارد أخرى كثيرة، ولم تذكر رواية للغفاري عن الإمام الصادق (عليه السلام) مباشرة؛ راجع: معجم رجال الحديث 4: 47، و10: 80 و84 .
(18) كمال الدين: 228/ ح 22.
(19) كمال الدين: 204/ ح 13.
(20) في (م)، (ط): (حدَّثني).
(21) بصائر الدرجات: 508/ ح 3؛ الكافي 1: 137/ ح 12؛ كمال الدين: 202/ ح 3، و203/ ح 9؛ الغيبة للنعماني: 139/ ح 10.
* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همام، عن عبد الله بن جعفر، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد ابن أبي نصر، عن عقبة بن جعفر، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): قد بلغت ما بلغت وليس لك ولد.
فقال: (يا عقبة، إنَّ صاحب هذا الأمر لا يموت حتَّى يرى خلفه من ولده)(22).
* وعنه، عن عبد الله بن جعفر، عن علي بن سليمان بن رشيد، عن الحسن بن علي الخزّاز، قال: دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فقال له: أنت إمام؟
فقال: (نعم).
فقال له: إنّي سمعت جدّك جعفر بن محمّد (عليهما السلام) يقول: (لا يكون الإمام إلَّا وله عقب).
فقال له: (نسيت - يا شيخ - أم تناسيت؟ ليس هكذا قال جعفر، إنَّما قال جعفر (عليه السلام): لا يكون الإمام إلَّا وله ولد، إلَّا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي (عليهما السلام)، فإنَّه لا عقب له).
فقال: صدقت، جعلني الله فداك، هكذا سمعت جدّك يقول(23).
* وروى محمّد بن الحسين، عن عبد الله(24) بن محمّد الحجال، عن حماد بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنَّه قال: (أوصى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(22) كمال الدين: 229/ ح 25؛ كفاية الأثر: 274؛ نوادر المعجزات: 195/ ح 3؛ الغيبة للطوسي: 222/ ح 184.
(23) الغيبة للطوسي: 224/ ح 188؛ إثبات الهداة 1: 238/ ح 196.
(24) في النسخ: (محمّد عن الحسين بن عبد الله)، وما أثبتناه من المصدر.
رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى علي والحسن والحسين وهما صبيّان)، ثمّ قال: ([وذلك](25) قول الله (تعالى): (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)(26) وأراد الأئمّة(27) من ولد علي وفاطمة (عليهما السلام) إلى أن تقوم الساعة)(28).
* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى، عن أبيه، عن محمّد بن همام، عن عبد الله بن أحمد(29)، عن عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: (لو بقيت الأرض يوماً واحداً بلا إمام منّا لساخت الأرض بأهلها، ولعذَّبهم الله(30) بأشدّ عذابه، وذلك أنَّ الله جعلنا حجّة في أرضه وأماناً في الأرض لأهل الأرض، لن يزالوا بأمان من أن تسيخ بهم الأرض ما دمنا بين أظهرهم، فإذا أراد الله أن يهلكهم، ثمّ لا يمهلهم، ولا ينظرهم، ذهب بنا من بينهم، ثمّ يفعل الله (تعالى) بهم ما يشاء)(31).
* وأخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدَّثنا أبو جعفر، قال: حدَّثنا أبي، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن الحسين بن أبي العلاء، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): تكون الأرض بغير إمام؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(25) ما بين المعقوفتين أثبتناه لاقتضاء السياق.
(26) النساء: 59.
(27) في (ع)، (م): (منكم، قال: الأئمّة).
(28) كمال الدين: 222/ ح 8 .
(29) كذا في النسخ، ولعلَّ الصواب: (عن عبد الله بن جعفر الحميري - شيخ ابن همام -، عن محمّد بن أحمد، عن أبي سعيد العصفري، عن عمرو...)، كما في كمال الدين.
(30) في (ع)، (م): (ويعذّبهم).
(31) كمال الدين: 204/ ح 14؛ نوادر المعجزات: 196/ ح 4.
قال: (لا).
قلت: فيكون إمامان؟
قال: (لا، إلَّا وأحدهما مصمت).
قلت: فالقائم؟
قال: (نعم، إمام ابن إمام، قد اؤتمَّ(32) به قبل ذلك)(33).
* حدَّثنا أبو الحسن أحمد بن الفرج بن منصور بن محمّد بن الحجّاج ابن هارون بن حماد بن سعيد بن أبان بن الصلت بن جرجشان(34) الفارسي، قال: حدَّثنا أبو الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (رضي الله عنه)، قال حرحشادان: حدَّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن نعمان الرازي، قال: كنت وبشير الدهّان عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال: (لمَّا انقضت نبوّة آدم وانقطع أجله، أوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليه أن: يا آدم قد انقضت نبوّتك، وقد انقطع أجلك، فانظر إلى ما عندك من العلم، والإيمان، وميراث النبوّة، وأثرة العلم، والاسم الأعظم، فاجعله في العقب من ذريتك، عند هبة الله، فإنّي لم أدع الأرض بغير عالم تعرف به طاعتي وديني، ويكون نجاة لمن أطاعني)(35).
* وعنه، عن أبي الحسن علي بن الحسين، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي إسحاق الهمداني، قال: حدَّثني الثقة من أصحابنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(32) في (ط): (قد أوعدتم).
(33) كمال الدين: 223/ ح 17.
(34) في (ع): (حوحشاران).
(35) المحاسن: 235/ ح 197؛ الإمامة والتبصرة: 25/ ح 3؛ علل الشرائع: 195/ ح 1.
أنَّه سمع أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: (اللهم إنَّك لا تخل الأرض من حجّة لك على خلقك، ظاهراً أو خافياً مغموراً، لئلاَّ تبطل حجَّتك وبيناتك)(36).
* وعنه، عن أبي الحسن علي بن الحسين بن موسى القمي، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، عن محمّد بن عيسى، عن عبد الله بن محمّد بن سنان وصفوان بن يحيى وعبد الله بن المغيرة وعلي بن النعمان كلّهم، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) لا يدع الأرض إلَّا وفيها عالم، يعلم الزيادة والنقصان، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردَّهم، وإذا نقصوا أكمله لهم، وقال(37): خذوه كاملاً.
ولولا ذلك لالتبس على المؤمنين أمرهم، ولم يفرق بين الحقّ والباطل)(38).
* وعنه، قال: حدَّثنا أبو الحسن علي بن الحسين بن موسى القمي، عن سعد بن عبد الله، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد الكريم وغيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (إنَّ جبرئيل (عليه السلام) نزل على النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) بخبر عن ربّه، فقال له: إنَّ الله يقول(39): يا محمّد، إنّي لم أترك الأرض إلَّا وفيها عالم، تعرف به طاعتي وهدايتي، ويكون نجاة فيما بين قبض النبيّ إلى خروج النبيّ الآخر، ولم أكن أترك إبليس يضلّ الناس وليس في الأرض حجّة لي، وداع إليَّ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(36) الإمامة والتبصرة: 26/ ح 4؛ كمال الدين: 292 - 294/ ح 2 بعدّة طرق؛ علل الشرائع: 195/ ح 2؛ ونحوه في الغيبة للنعماني: 136/ ح 1؛ وإثبات الهداة 7: 141/ ح 689.
(37) في (ع)، (م): (أكمله بهم فقال).
(38) الإمامة والتبصرة: 30/ ح 11؛ علل الشرائع: 195/ ح 4؛ كمال الدين: 203/ ح 11.
(39) (إنَّ الله يقول): من (ط).
وهادٍ إلى سبيلي وعارف بأمري، وإنّي قد قيضت(40) لكلّ قوم هادياً أهدي به السعداء، ويكون حجّة على الأشقياء)(41).
والحمد لله وحده وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
معرفة وجوب القائم (عليه السلام) وأنَّه لا بدَّ أن يكون:
* حدَّثني أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمّد بن أحمد الطبري، قال: حدَّثنا أبو الحسن محمّد بن المظفر الحافظ، قال: حدَّثنا عبد الرحمن بن إسماعيل، قال: حدَّثنا محمّد بن إبراهيم الصوري، قال: حدَّثنا رواد(42)، قال: حدَّثنا سفيان، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (المهدي من ولدي، وجهه كالكوكب الدرّي، اللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، يرضى بخلافته أهل السماء والطير في الجوّ، ويملك عشرين سنة)(43).
* وحدَّثني أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري، قال: حدَّثنا أبو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(40) في (ع)، (م): (قضيت).
(41) الإمامة والتبصرة: 31/ ح 16؛ علل الشرائع: 196/ ح 7.
(42) في النسخ: (داود)، وهو تحريف، وما في المتن هو الصحيح، وهو: رواد بن الجراح الشامي، الراوي عن سفيان الثوري، روى عنه محمّد بن إبراهيم الصوري هذا الحديث بهذا السند في لسان الميزان 5: 23 و24، وانظر: تهذيب الكمال 9: 227.
(43) نوادر المعجزات: 196/ ح 5؛ الفردوس 4: 221/ ح 6667؛ العمدة: 439/ ح 922؛ البيان في أخبار صاحب الزمان: 501 و513؛ كشف الغمّة 2: 481؛ ذخائر العقبى: 136؛ الفصول المهمّة: 294؛ الحاوي للفتاوي 2: 66؛ الصواعق المحرقة: 164؛ حلية الأبرار 2: 583؛ نور الأبصار: 346.
عبد الله محمّد بن زيد بن علي الحفري(44) بالكوفة، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسين بن حفص، قال: حدَّثنا إسماعيل بن إسحاق بن راشد، قال: حدَّثنا يحيى بن سالم، عن فطر عن خليفة وصباح بن يحيى المزني ومندل بن علي، كلّهم ذكره عن يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنّا جلوساً عند النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم، إذ أقبل(45) فتية من بني عبد المطَّلب، فلمَّا نظر إليهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) اغرورقت عيناه(46)، فقلنا: يا رسول الله، لا نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه(47)؟
قال: (إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنَّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتطريداً وتشريداً، حتَّى يجيء قوم من هاهنا - وأشار بيده إلى المشرق - أصحاب رايات سود، يسألون الحقّ فلا يعطونه - حتَّى أعادها ثلاثاً - فيقاتلون فيُنصرون، ولا يزالون كذلك حتَّى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي، فيملأها قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، فمن أدركه منكم فليأته ولو حبواً على الثلج)(48).
* وحدَّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري، قال: حدَّثنا أبو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(44) في (ط): (الخفري).
(45) في (ط): (فأقبل).
(46) في (ط) زيادة: (بالدموع).
(47) في (ط): (رسول الله أرأيت شيئاً تكرهه؟).
(48) سنن ابن ماجة 2: 1366/ ح 4082؛ مستدرك الحاكم 4: 464؛ البيان في أخبار صاحب الزمان: 491؛ كشف الغمّة 2: 472 و478؛ الحاوي للفتاوي 2: 60؛ حلية الأبرار 2: 704؛ غاية المرام: 700/ ح 98.
عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقيقي(49)، قال: حدَّثنا أبو الطيب أحمد بن عبيد الله الأنطاكي، قال: حدَّثني اليمان بن سعيد المحتسبي(50)، قال: حدَّثنا خالد بن يزيد القسري(51)، قال: حدَّثنا محمّد بن إبراهيم الهاشمي، عن أبي جعفر أمير المؤمنين عبد الله بن محمّد، عن أبيه، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (كيف تهلك أمّة أنا أوّلها، وعيسى بن مريم في آخرها، والمهدي من أهل بيتي في وسطها؟!)(52).
* حدَّثني أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري، قال: حدَّثنا عبد الجبّار بن شيران(53) بالبصرة، قال: حدَّثنا محمّد بن زكريا، قال: حدَّثنا الحكم بن أسلم وشعيب بن واقد، قالا: حدَّثنا جعفر بن سليمان، عن أبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(49) في ترجمته من تاريخ بغداد 11: 302؛ وسير أعلام النبلاء 15: 444 وغيرهما: الدقاق، وكلاهما نسبة إلى الدقيق وبيعه، أنظر أنساب السمعاني 2: 485؛ وصفه الذهبي بالشيخ الإمام المحدّث المكثر الصادق، مسند العراق... توفّي سنة (344 هـ).
(50) في (ع): (المحصبي).
(51) في النسخ والبيان: (القشيري)، وما في المتن هو الصواب، نسبة إلى قسر بطن من بجيلة، وهو الناصبي المعروف خالد بن عبد الله بن يزيد البجلي القسري: أمير العراقين البصرة والكوفة لهشام بن عبد الملك وكانت أُمّه نصرانية بنى لها كنيسة تتعبَّد فيها، قتل بالكوفة (126هـ) انظر: ترجمته في تهذيب الكمال 8 : 107؛ وفيات الأعيان 2: 226؛ سير أعلام النبلاء 5: 425.
(52) تفسير الطبري 3: 203 قطعة منه؛ نوادر المعجزات: 197/ ح 6؛ مناقب ابن المغازلي: 395/ ح 449؛ البيان في أخبار صاحب الزمان: 508؛ كشف الغمّة 2: 484؛ فرائد السمطين 2: 339/ ح 593؛ كنز العمّال 14: 269/ ح 38682.
(53) في (ع): (عبد الله بن الخيار بن سيراب)، وفي (م): (عبد الله [الجبّار نسخة بدل] بن سيراب)، وفي (ط): (عبد الجبّار بن سيراب)، وما في المتن من رجال النجاشي: 347، ذكره في الذين رووا عن محمّد بن زكريا ابن دينار الغلابي كتبه.
هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (والذي نفسي بيده، إنَّ مهدي هذه الأمّة الذي يصلّي خلفه عيسى منّا)، ثمّ ضرب(54) منكب الحسين (عليه السلام)، وقال: (من هذا، من هذا)(55).
* وحدَّثني محمّد بن عبد الله الشيباني، قال: حدَّثنا علي بن حفص ابن مسافر الهذلي بتنيسق(56)، قال: حدَّثني أبو صالح، قال: حدَّثنا موسى بن محمّد بن عطاء أبو طاهر البلقاوي ببيت المقدس، قال: حدَّثني الوليد بن محمّد الموقري(57)، قال: كنت واقفاً بالرصافة - يعني رصافة هشام - نصف النهار على باب الزهري، فمرَّ اللعّانون(58) يطوفون برأس زيد بن علي (عليه السلام)، فبكى، وقال: أهلك(59) أهل هذا البيت(60) العجلة.
قلت: يا أبا بكر، ويملكون؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(54) في (ط): (زيادة يده على).
(55) الغيبة للطوسي: 191/ ح 154؛ البيان في أخبار صاحب الزمان: 501؛ الفصول المهمّة: 296؛ إثبات الهداة 7: 135/ ح 672 عن كتاب عيون المعجزات للسيّد المرتضى، و7: 144/ ح 698 عن كتاب مناقب فاطمة (عليها السلام) وولدها.
(56) في (ع)، (م): (ببلنيس)، ولم نعثر على مدينة تسمّى بهذين الاسمين، ولعلَّ الصواب بتنيس، جزيرة في بحر مصر قريبة من البر ما بين الفرما ودمياط، (معجم البلدان 2: 51).
(57) في (ع)، (م): (المرقزي)؛ وفي (ط): (المروزي)، كلاهما تصحيف، والصواب ما في المتن، ذكره السمعاني في الأنساب 5: 409؛ وابن حجر في تهذيب التهذيب 11: 148؛ وعدَّ البلقاوي في الرواة عنه. والنسبة إلى الموقر موضع بنواحي البلقاء؛ (مراصد الاطلاع 3: 1335).
(58) في مقاتل الطالبيين: (فسمع - الزهري - أصوات لعابين)؛ وفي تهذيب تاريخ ابن عساكر: (فإذا رأس زيد يطاف به بيد لعابين).
(59) كذا في المقاتل وغيره، وصحّفت في النسخ: (يملك).
(60) في (ط) زيادة: (ولكن).
قال: نعم حدَّثني علي بن الحسين، عن أبيه (عليهما السلام) أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال لفاطمة (عليها السلام): (المهدي من ولدك)(61).
* وحدَّثني أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: حدَّثنا أحمد بن إسحاق بن البهلول القاضي، قال: حدَّثنا أبي(62)، قال: حدَّثنا سمرة بن حجر، عن حمزة بن النصيبي، عن زيد بن رفيع، عن أبي عبيدة(63)، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنت عند النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) إذ مرَّ فتية من بني هاشم، كأنَّ(64) وجوههم المصابيح، فبكى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقلت: ما يبكيك يا رسول الله؟
قال: (إنّا أهل بيت قد اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنَّه سيصيب أهل بيتي قتل وتطريد وتشريد في البلاد، حتَّى يتيح(65) الله لنا راية تجيء من المشرق، من نصرها نصر(66)، ومن يشاقها يشاق، ثمّ يخرج عليهم رجل من أهل بيتي اسمه كاسمي، وخلقه كخلقي(67)، تؤوب إليه أمّتي كما تؤوب الطير إلى أوكارها، فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(61) مقاتل الطالبيين: 97؛ كشف الغمّة 2: 468؛ الحاوي للفتاوي 2: 66؛ تهذيب تاريخ ابن عساكر 6: 26.
(62) (قال: حدَّثنا أبي): ليس في (ع)، والصواب إثباتها، وهو إسحاق بن البهلول بن حسان التنوخي أبو يعقوب، من كبار العلماء، له مسند كبير، وحدَّث عنه ولده أحمد، وروى هو عن سمرة بن حجر أبو حجر الخراساني؛ راجع: تاريخ بغداد 4: 30، و6: 366، و9: 26/ ح 328.
(63) هو ابن عبد الله بن مسعود، اسمه عامر، وقيل: اسمه كنيته، روى عن أبيه وقيل: لم يسمع منه، وروى عنه زيد بن رفيع الفزاري، راجع: تهذيب الكمال 14: 61؛ ميزان الاعتدال 2: 103.
(64) في (ع)، (م) زيادة: (في).
(65) في (ع)، (م): (يفتح).
(66) في (ط): (من يهزّها يهزّ).
(67) في (ع): (خلقته كخلقي)، وفي (م): (خلقته كخلقته).
* وحدَّثني أبو المفضَّل، قال: حدَّثنا إسحاق بن محمّد بن مروان الكوفي الغزال ببغداد، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا يحيى بن سالم الفراء، عن صباح بن يحيى وفطر بن خليفة، عن يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنّا حول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إذ أقبلت فتية من بني هاشم، فلمَّا نظر إليهم اغرورقت عيناه، فقلنا: يا رسول الله، لا نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه.
فقال: (إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وهؤلاء أهل بيتي(68) اختار الله لهم الآخرة، وسيلقون بعدي تطريداً وتشريداً وبلاءً شديداً، حتَّى يجيء قوم من هاهنا - وأشار بيده إلى المشرق - أصحاب رايات سود، يسألون الحقّ فلا يعطونه - حتَّى أعادها ثلاثاً - فيقاتلون حتَّى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملأها قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً، فمن أدرك ذلك منكم فليأته ولو حبواً).
قال أبو المفضَّل: ورواه عمرو بن قيس الملائي، عن الحكم بن عتيبة، عن إبراهيم، عن عبيدة السلماني، عن عبد الله، وكلاهما عندي صحيح.
* حدَّثنا محمّد بن الحسين بن حفص الخثعمي ومحمّد بن جعفر بن رباح(69) الأشجعي، قالا: حدَّثنا عباد بن يعقوب الأسدي، قالا: أخبرنا حنان بن سدير، قال: كنت أختلف إلى عمرو بن قيس الملائي أتعلَّم منه القرآن، وكان الناس يجيئونه ويسألونه عن هذا الحديث، حتَّى حفظته منه. فحدَّثني عمرو بن قيس الملائي، عن الحكم بن عتيبة، عن إبراهيم،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(68) في (ع): (الدنيا وأهل بيتي هؤلاء).
(69) في (ع): (رزباح)؛ وفي (م): (زرباح).
عن أبي(70) عبيدة، عن عبد الله، قال: أتينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فخرج إلينا مستبشراً يعرف السرور في وجهه، فما سألناه عن شيء إلَّا أخبرنا، ولا سكتنا إلَّا ابتدأنا، حتَّى مرَّت به فتية من بني هاشم، فيهم الحسن والحسين، فلمَّا أن رآهم خثر(71) لهم، وانهملت عيناه بالدموع.
فقالوا له: يا رسول الله، خرجت إلينا مستبشراً، نعرف السرور في وجهك، فما سألناك عن شيء إلَّا أخبرتنا ولا سكتنا إلَّا ابتدأتنا، حتَّى مرَّت بك الفتية، فخثرت لهم، وانهملت عيناك.
فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): (إنّا أهل بيت اختار الله (عزَّ وجلَّ) لنا الآخرة على الدنيا، وإنَّه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد، حتَّى ترتفع رايات سود من المشرق، فيسألون الحقّ فلا يعطون، ويقاتلون فينصرون، فيعطون الذي سألوا، فمن أدركهم منكم - أو من أبنائكم - فليأتهم ولو حبواً على الثلج، فإنَّها رايات هدى، يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً)(72).
* وحدَّثنا أبو المفضَّل، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسن الكوفي، عن محمّد بن عبد الله الفارسي، عن يحيى بن ميمون الخراساني، عن عبد الله بن سنان، عن أخيه محمّد بن سنان الزاهري، عن سيّدنا الصادق(73) جعفر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(70) في (ع)، (م): (عن إبراهيم بن)، وهو خطأ.
(71) في حديث: (أصبح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهو خاثر النفس)، قال الجرزي: أي ثقيل النفس غير طيّب ولا نشيط. (النهاية 2: 11).
(72) سنن ابن ماجة 2: 1366/ ح 4082؛ مستدرك الحاكم 4: 464؛ البيان في أخبار صاحب الزمان: 491؛ كشف الغمّة 2: 472.
(73) في (ط): (أبي عبد الله).
بن محمّد (عليه السلام)، عن أبيه، عن جدّه الحسين، وعن عمّه الحسن، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، قال: قال لي: (يا علي، إذا تمَّ من(74) ولدك أحد عشر إماماً، فالحادي عشر منهم المهدي من أهل بيتي)(75).
* وبهذا الإسناد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنَّه قال: (إذا توالت ثلاثة أسماء من الأئمّة من ولدي: محمّد وعلي والحسن، فرابعها هو القائم المأمول المنتظر)(76).
* وحدَّثني أبو المفضَّل، قال: حدَّثني أبو الطيب الصابوني، عن جعفر القصيري(77)، عن علي بن هارون، عن عبد الله بن خلف الحلبي، عن أبي حمزة الثمالي، عن محمّد الباقر، عن أبيه علي، عن الحسين بن علي (عليهم السلام)، قال: (دخلت أنا وأخي الحسن على جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فأجلسني على فخذه، وأجلس أخي على فخذه الآخر، ثمّ قبَّلنا وقال: يا ابني، أنعم بكما من إمامين زكيين صالحين! اختاركما الله (عزَّ وجلَّ) منّي ومن أبيكما وأُمّكما، واختار من صلبك يا حسين تسعة، تاسعهم قائمهم، وكلّهم في المنزلة والفضل عند الله واحد)(78).
* وعنه، قال: حدَّثني علي بن الحسن المنقري(79) الكوفي، قال: حدَّثني أحمد بن زيد الدهان، عن مكحول(80) بن إبراهيم، عن رستم بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(74) في (ع)، (م): (زيادة عدد).
(75) نحوه في كمال الدين: 139/ ح 7؛ والعدد القويّة: 70/ ح 107.
(76) كمال الدين: 333 و334/ ح 2 و3؛ الهداية الكبرى: 374.
(77) في (ع): (القصيري).
(78) الهداية الكبرى: 374؛ كمال الدين: 139/ ح 7؛ العدد القوية: 70/ ح 107.
(79) في (ع)، (م): (رشدم)، وفي الهداية: (رشده).
(80) في الهداية: (مخول)، راجع: الجرح والتعديل 8 : 399.
عبد الله بن خالد المخزومي، عن سليمان الأعمش، عن محمّد بن خلف الطاطري، عن زاذان، عن سلمان (رضي الله عنه)، قال: قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (إنَّ الله تبارك وتعالى لم يبعث نبيّاً ولا رسولاً إلَّا جعل له اثني عشر نقيباً).
فقلت: يا رسول الله، لقد عرفت هذا من أهل الكتابين(81).
فقال: (يا سلمان هل علمت من نقبائي ومن الاثني عشر الذين اختارهم الله للأمّة من بعدي؟).
فقلت: الله ورسوله أعلم.
فقال: (يا سلمان، خلقني الله من صفوة نوره، ودعاني فأطعته، وخلق من نوري علياً، ودعاه فأطاعه، وخلق من نور علي فاطمة، ودعاها فأطاعته، وخلق منّي ومن علي وفاطمة الحسن، ودعاه فأطاعه، وخلق منّي ومن علي وفاطمة الحسين، فدعاه فأطاعه. ثمّ سمّانا(82) بخمسة أسماء من أسمائه، فالله المحمود وأنا محمّد، والله العلي وهذا علي، والله الفاطر وهذه فاطمة، والله ذو(83) الإحسان وهذا الحسن، والله المحسن وهذا الحسين. ثمّ خلق منّا ومن نور الحسين، تسعة أئمّة، فدعاهم فأطاعوه، قبل أن يخلق(84) سماء مبنيّة، وأرضاً(85) مدحيّة، ولا ملكاً ولا بشراً، وكنّا نوراً نسبّح الله، ونسمع له ونطيع).
قال سلمان: فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأُمّي، فما لمن عرف هؤلاء؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(81) في (ع): (الكنايس).
(82) في (ع)، (م): (أسمانا).
(83) في (ع)، (م): (ولله).
(84) في (ع)، (م): (خلق الله).
(85) في (ع)، (م): (ولا أرض).
فقال: (يا سلمان، من عرفهم حقّ معرفتهم، واقتدى بهم، ووالى وليّهم، وتبرَّأ من(86) عدوّهم، فهو والله منّا، يرد حيث نرد، ويسكن حيث نسكن).
فقلت: يا رسول الله، وهل يكون إيمان بهم بغير معرفة بأسمائهم وأنسابهم؟
فقال: (لا يا سلمان).
فقلت: يا رسول الله، فأنّى لي بهم وقد عرفت إلى الحسين؟
قال: (ثمّ سيّد العابدين علي بن الحسين، ثمّ ابنه محمّد بن علي باقر علم الأوّلين والآخرين من النبيّين والمرسلين، ثمّ ابنه(87) جعفر بن محمّد لسان الله الصادق، ثمّ ابنه موسى بن جعفر الكاظم غيظه صبراً في الله (عزَّ وجلَّ)، ثمّ ابنه علي بن موسى الرضي لأمر الله، ثمّ ابنه محمّد بن علي المختار من خلق(88) الله، ثمّ ابنه علي بن محمّد الهادي إلى الله، ثمّ ابنه الحسن بن علي الصامت الأمين لسرّ الله، ثمّ ابنه محمّد بن الحسن الهادي المهدي الناطق القائم بحقّ(89) الله). ثمّ قال: (يا سلمان، إنَّك مدركه، ومن كان مثلك، ومن تولاّه بحقيقة المعرفة).
قال سلمان: فشكرت الله كثيراً، ثمّ قلت: يا رسول الله وإنّي مؤجّل إلى عهده؟
قال: (يا سلمان اقرأ: (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(86) في (ط): (وعادى).
(87) (ابنه) ليس في (ع)، (م) وكذا في الموارد الآتية.
(88) في (ط): (المختار لأمر).
(89) في (ط): (بأمر).
أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثمّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً)(90)).
قال سلمان: فاشتدَّ بكائي وشوقي، ثمّ قلت: يا رسول الله، أبعهد منك؟
فقال: (إي والله، الذي أرسل محمّداً(91) بالحقّ، منّي ومن علي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة، وكلّ من هو منّا ومعنا(92)، ومضام فينا، إي والله يا سلمان، وليحضرنَّ إبليس وجنوده، وكلّ من محض الإيمان محضاً ومحض الكفر محضاً، حتَّى يؤخذ بالقصاص والأوتار(93)، ولا يظلم ربّك أحداً، ويحقّق(94) تأويل هذه الآية: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)(95)).
قال سلمان: فقمت من بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وما يبالي سلمان متى لقي الموت، أو الموت لقيه(96).
وحدَّثني أبو الحسن محمّد بن أحمد بن علي بن خيران الأنباري، قال: حدَّثنا أبو الحسن علي بن أحمد العقيقي، عن أبيه، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: حدَّثني معتب مولى جعفر بن محمّد،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(90) الإسراء: 5 و6.
(91) في (ط): (أرسلني).
(92) (ومعنا) ليس في (ع)، (م).
(93) في (ع)، (م) زيادة: (والأثوار).
(94) في (ط): (وذلك).
(95) القصص: 5 و6.
(96) في (ط): (بين يديه وما أبالي لقيت الموت أو لقيني). الهداية الكبرى: 375؛ مقتضب الأثر: 6؛ المحتضر: 152؛ حلية الأبرار 2: 644.
قال: سمعت مولاي (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (إنَّ نبيّاً من أنبياء الله (عزَّ وجلَّ) طرده قومه، فأوى إلى الديلم، فآووه ونصروه، وسألوه أن يدعو الله لهم، فدعا لهم أن يكثر الله عددهم، ويعلي أيديهم على عدوّهم، ويمنع أرضهم وبلدهم، ويجعل فيهم ومنهم أنصاراً للقائم المهدي من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)...).
* أخبرني علي بن هبة الله، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى القمي، قال: حدَّثنا علي بن أحمد بن موسى بن محمّد الدقاق ومحمّد بن محمّد بن عصام، قالا: حدَّثنا محمّد بن يعقوب، قال: حدَّثنا القاسم بن العلاء، قال: حدَّثني إسماعيل الفزاري، قال: حدَّثني محمّد بن جمهور العمّي، عن ابن أبي نجران، عمَّن ذكره، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي، قال: سألت أبا جعفر محمّد بن علي الباقر (عليه السلام): يا ابن رسول الله، لِمَ سُمّي علي(97) أمير المؤمنين، وهو اسم ما تسمّى(98) به أحد قبله، ولا يحلّ لأحد بعده؟
فقال: (لأنَّه ميرة العلم، يمتار منه، ولا يمتار من أحد سواه).
قال: فقلت: يا ابن رسول الله، فلِمَ سُمّي سيفه ذا الفقار؟
فقال (عليه السلام): (لأنَّه ما ضرب به أحداً من خلق الله (عزَّ وجلَّ) إلَّا أفقره في هذه الدنيا من أهله وولده، وأفقره في الآخرة من الجنّة).
قال: فقلت: يا ابن رسول الله، ألستم كلّكم قائمين بالحقّ؟
قال: (بلى).
قلت: فلِمَ سمّي القائم قائماً؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال: (لمَّا قتل جدّي الحسين (عليه السلام) ضجَّت الملائكة إلى الله (عزَّ وجلَّ) بالبكاء والنحيب، وقالوا: إلهنا، وسيّدنا، أتغفل(99) عمَّن قتل صفوتك وابن صفوتك وخيرتك من خلقك؟
فأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليهم: قروا ملائكتي، فوَعزَّتي وجلالي، لأنتقمنَّ منهم ولو بعد حين. ثمّ كشف الله (عزَّ وجلَّ)(100) عن الأئمّة من ولد الحسين (عليهم السلام) للملائكة، فسرَّت الملائكة بذلك، فإذا أحدهم قائم(101) يصلّي، فقال الله تعالى: بذلك القائم أنتقم منهم)(102).
* وأخبرني أبو طاهر عبد الله بن أحمد الخازن، قال: حدَّثنا أبو بكر محمّد بن عمر بن محمّد بن مسلم بن البراء الجعابي، قال: حدَّثنا أبو محمّد الحسن بن عبد الله بن محمّد بن العبّاس الرازي القمي، عن أبيه، قال: حدَّثني سيّدي علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، قال: حدَّثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدَّثني أبي جعفر بن محمّد، قال: حدَّثني أبي محمّد بن علي، قال: حدَّثني أبي علي بن الحسين، قال: حدَّثني أبي الحسين، قال: حدَّثني أخي الحسن، قال: حدَّثني أبي علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (لا تقوم الساعة حتَّى يقوم قائم الحقّ، وذلك حين يأذن الله (عزَّ وجلَّ) له، فمن تبعه نجا، ومن تخلَّف عنه هلك، الله، الله، عباد الله، فأتوه ولو حبواً على الثلج، فإنَّه خليفة الله (عزَّ وجلَّ) وخليفتي)(103).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(99) في (ط): (إلهنا اتصفح).
(100) في (ط): (كشف لهم).
(101) في (ط): (ورأوا أحدهم قائماً).
(102) علل الشرائع: 160/ ح 1؛ حلية الأبرار 2: 676.
(103) كفاية الأثر: 106؛ عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 59/ ح 230؛ إثبات الهداة 7: 144/ ح 701.
* وبإسناده، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (لا تذهب الدنيا حتَّى يقوم بأمر أمّتي رجل من ولد الحسين، يملأ الأرض(104) عدلاً كما ملئت ظلماً)(105).
* وأخبرني أبو الحسن علي، قال: حدَّثنا أبو جعفر، قال: حدَّثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه، عن علي بن الحسن بن فضال، قال: حدَّثني العبّاس بن عامر، عن وهب بن جميع مولى إسحاق بن عمّار، قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن إبليس، قوله: (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)(106) أيّ يوم هو؟
قال: (يا وهب، أتحسب أنَّه يوم يبعث الله تعالى الناس؟ لا، ولكن الله (عزَّ وجلَّ) أنظره إلى يوم يبعث الله (عزَّ وجلَّ) قائمنا، فإذا بعث الله (عزَّ وجلَّ) قائمنا، فيأخذ بناصيته، ويضرب عنقه، فذلك يوم الوقت المعلوم)(107).
* حدَّثنا أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر، عن أحمد بن هلال، عن محمّد بن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (يكون منّا تسعة بعد الحسين بن علي، تاسعهم قائمهم، وهو أفضلهم)(108).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(104) في (ط): (الدنيا).
(105) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 66/ ح 293؛ ينابيع المودّة: 445.
(106) الحجر: 36 - 38.
(107) تفسير العياشي 2: 242/ ح 14؛ حلية الأبرار 2: 681.
(108) إثبات الوصيّة: 227؛ ونحوه في الكافي 1: 448/ ح 15؛ وكمال الدين: 350/ ح 45؛ والخصال: 419/ ح 12؛ والغيبة للنعماني: 94؛ والإرشاد: 348؛ والغيبة للطوسي: 140/ ح 104.
* أخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى القمي، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) اختار من الأيّام يوم الجمعة، ومن الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، فجعلها خيراً من ألف شهر. واختار من الناس الأنبياء، واختار من الأنبياء الرسل، واختارني من الرسل، فاختار منّي علياً، واختار من علي الحسن والحسين، واختار من الحسين أئمّة(109) ينفون عن التنزيل تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، تاسعهم باطنهم، وهو ظاهرهم، وهو قائمهم)(110).
* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى، قال: حدَّثني أبي، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا أبو عبد الله جعفر بن محمّد الحميري، قال: حدَّثنا أحمد بن ميثم، قال: حدَّثنا سليمان بن صالح، قال: حدَّثنا أبو الهيثم القصّاب، عن المفضَّل بن عمر الجعفي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إنَّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها، واستغنى العباد عن ضوء الشمس، وصار الليل والنهار واحداً، وذهبت الظلمة، وعاش الرجل في زمانه ألف سنة، يولد له في كلّ سنة غلام، لا يولد له جارية، يكسوه الثوب فيطول عليه كلَّما طال، ويتلوَّن عليه أيّ لون شاء)(111).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(109) في (ع): (الأوصياء)؛ (أئمّة) ليس في (م).
(110) إثبات الوصيّة: 227؛ كمال الدين: 281/ ح 32؛ الغيبة للنعماني: 67/ ح 7؛ مقتضب الأثر: 9 بطريقين.
(111) الإرشاد: 363 نحوه؛ إثبات الهداة 7: 145/ ح 702؛ حلية الأبرار 2: 634.
* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همام، عن عبد الله بن جعفر بن محمّد الحميري، عن محمّد بن فضيل، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: (إذا قام القائم، يأمر الله الملائكة بالسلام على المؤمنين، والجلوس معهم في مجالسهم، فإذا أراد واحد حاجة أرسل القائم من بعض الملائكة أن يحمله، فيحمله الملك حتَّى يأتي القائم، فيقضي حاجته، ثمّ يردّه. ومن(112) المؤمنين من يسير في السحاب، ومنهم من يطير مع الملائكة، ومنهم من يمشي مع الملائكة مشياً، ومنهم من يسبق الملائكة، ومنهم من تتحاكم الملائكة إليه، والمؤمنون أكرم على الله من الملائكة، ومنهم من يصيره القائم قاضياً بين مائة ألف من الملائكة...)(113).
* وبهذا الإسناد عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الحميري، قال: حدَّثنا القاسم بن إسماعيل، عن الحسن بن علي، عن أبي المغرا، عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: (ويل لطغاة العرب من أمر قد اقترب).
قلت: جُعلت فداك، كم مع القائم (عليه السلام) من العرب؟
قال: (نفر يسير).
فقلت: والله، إن يصف هذا الأمر منهم لكثير!
قال: (لا بدَّ للناس من أن يمحصوا، ويميّزوا، ويغربلوا، ويستخرج الغربال خلقاً كثيراً)(114).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(112) في (ع)، (م): (وفي).
(113) إثبات الهداية 7: 145/ ح 703.
(114) في (ط): (من الغربال خلق كثير). الكافي 1: 302/ ح 2؛ الغيبة للنعماني: 204/ ح 6 نحوه، و204/ ح 7؛ العدد القوية: 74/ ح 123.
* وبهذا الإسناد عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الحميري، قال: حدَّثني أحمد بن محمّد بن عيسى، قال: حدَّثنا عبد الله بن القاسم، عن عمر بن أبان الكلبي، عن أبان بن تغلب(115)، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (كأنّي بالقائم (عليه السلام) على ظهر النجف، لبس درع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) تتقلَّص عليه، ثمّ ينتفض بها، فتستدير عليه، ثمّ يتغشّى بثوب استبرق، ثمّ يركب فرساً له أبلق، بين عينيه شمراخ(116)، ينتفض به حتَّى لا يبقى أهل له إلَّا أتاهم بين ذلك الشمراخ، حتَّى تكون آية له.
ثمّ ينشر راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وهي المغلبة، عودها من عهد غرس الله، وسيرها من نصر الله، لا يهوي بها إلى شيء إلَّا أهلكته).
قال: قلت: مخبئة هي أم يؤتى بها؟
قال: (بل يأتي بها جبرئيل (عليه السلام)، وإذا نشرها أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ووضع الله يده على رؤوس العباد، فلا يبقى مؤمن إلَّا صار قلبه أشدّ من زبر الحديد، وأُعطي قوّة أربعين رجلاً، فلا يبقى ميّت يومئذٍ إلَّا دخلت عليه تلك الفرحة في قبره، حيث(117) يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بخروج القائم، فيهبط مع الراية إليه ثلاثة عشر ألف ملك وثلاثمائة وثلاثة عشر ملكاً).
قال: قلت: كلّ هؤلاء ملائكة؟
قال: (نعم، كلّهم ينتظرون قيام القائم، الذين كانوا مع نوح في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(115) كذا في كامل الزيارات والغيبة للنعماني، وهو الصواب، وفي النسخ: (عبد الله بن عمرو [عمر ظ] بن أبان ابن تغلب الكلبي)، راجع: معجم رجال الحديث 1: 151، و10: 281، و13: 10.
(116) الشمراخ: غرّة الفرس إذا دقَّت وسالت وجللت الخيشوم.
(117) في (ط): (حتَّى).
السفينة، والذين كانوا مع إبراهيم حين ألقي في النار، والذين كانوا مع موسى حين فلق البحر، والذين كانوا مع عيسى حيث رفعه الله إليه، وألف مع النبيّ مسوّمين، وألف مردفين، وثلاثمائة وثلاثة عشر كانوا مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر، وأربعة آلاف هبطوا إلى الأرض ليقاتلوا مع الحسين (عليه السلام) فلم يؤذن لهم، فرجعوا في الاستيمار، فهبطوا وقد قتل الحسين (عليه السلام)، فهم شعث غبر عند قبره، يبكونه إلى يوم القيامة، وما بين قبر الحسين (عليه السلام) إلى السماء مختلف الملائكة)(118).
* وبهذا الإسناد عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الحميري، قال: حدَّثني أحمد بن جعفر، قال: حدَّثني علي بن محمّد، يرفعه إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه في صفة القائم (عليه السلام): (كأنَّني به قد عبر من وادي السلام إلى مسجد السهلة(119)، على فرس محجَّل، له شمراخ، يزهو، ويدعو، ويقول في دعائه: لا إله إلَّا الله حقّاً حقّاً، لا إله إلَّا الله إيماناً وصدقاً، لا إله إلَّا الله تعبّداً ورقّاً.
اللهم يا معين كلّ مؤمن وحيد، ومذلّ كلّ جبّار عنيد، أنت كهفي حين تعييني المذاهب، وتضيق عليَّ الأرض بما رحبت.
اللهم خلقتني وكنت عن خلقي غنيّاً، ولولا نصرك إيّاي لكنت من المغلوبين.
يا منشر الرحمة من مواضعها، ومخرج البركات من معادنها، ويا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(118) نحوه في كامل الزيارات: 119/ ح 5، و192/ ح 9؛ وكمال الدين: 671/ ح 22؛ والغيبة للنعماني: 309/ ح 4، و310/ ح 5؛ وقطعة منه في العدد القويّة: 74/ ح 124.
(119) من مساجد الكوفة.
من خصَّ نفسه بشموخ الرفعة، فأولياؤه بعزّه يتعزَّزون، يا من وضعت له الملوك نير المذلّة على أعناقها، فهم من سطوته خائفون.
أسألك باسمك الذي قصر عنه خلقك، فكلّ لك مذعنون، أسألك أن تصلّي على محمّد وعلى آل محمّد، وأن تنجز لي أمري، وتعجّل لي الفرج، وتكفيني، وتعافيني، وتقضي حوائجي، الساعة الساعة، الليلة الليلة، إنَّك على كلّ شيء قدير)(120).
* وحدَّثني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الحرمي، قال: حدَّثنا أبو محمّد هارون بن موسى التلعكبري، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا حبيب بن الحسين، قال: حدَّثنا أبو هاشم عبيد بن خارجة، عن علي بن عثمان، عن فرات بن الأحنف، قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) ونحن نريد زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلمَّا صرنا إلى الثوية نزل فصلّى ركعتين، فقلت: يا سيّدي، ما هذه الصلاة؟
قال: (هذا موضع منبر القائم، أحببت أن أشكر الله في هذا الموضع).
ثمّ مضى ومضيت معه حتَّى انتهى إلى القائم الذي على الطريق، فنزل فصلّى ركعتين، فقلت: ما هذه الصلاة؟
قال: (هاهنا نزل القوم الذين كان معهم رأس الحسين (عليه السلام) في صندوق، فبعث الله (عزَّ وجلَّ) طيراً فاحتمل الصندوق بما فيه، فمرَّ بهم جمال، فأخذوا رأسه، وجعلوه في الصندوق وحملوه، فنزلت وصلّيت هاهنا شكراً لله).
ثمّ مضى ومضيت معه حتَّى انتهى إلى موضع، فنزل وصلّى ركعتين، وقال: (هاهنا قبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه، أمَا إنَّه لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(120) العدد القويّة: 75/ ح 125.
تذهب الأيّام حتَّى يبعث الله رجلاً ممتحناً في نفسه بالقتل، يبني عليه حصناً فيه سبعون طاقاً).
قال حبيب بن الحسين: سمعت هذا الحديث قبل أن يبنى على الموضع شيء، ثمّ إنَّ محمّد بن زيد وجَّه فبنى(121) عليه، فلم تمض الأيّام حتَّى امتحن محمّد في نفسه بالقتل(122).
* وبإسناده عن محمّد بن همام، قال: حدَّثنا أبو عبد الله جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدَّثنا أحمد بن زيد(123)، عن محمّد بن عمّار، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده رجل من أهل خراسان، وهو يكلّمه بلسان لم أفهمه، ثمّ رجعا إلى شيء فهمته، فسمعت أبا عبد الله يقول: (أركض برجلك الأرض)، فإذا بحر تحت الأرض، على حافَّته فارسان(124)، قد وضعا أذقانهما على قرابيس(125) سروجهما، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): (هؤلاء من أنصار القائم (عليه السلام))(126).
* وحدَّثنا أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: حدَّثنا محمّد بن همام، قال: حدَّثنا أحمد بن مابنداز والحميري، قالا: حدَّثنا أحمد بن هلال، قال: حدَّثني الحسن بن محبوب، قال: قال لي الرضا (عليه السلام): (يا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(121) في (م): (يبني).
(122) حلية الأبرار 2: 638.
(123) كذا في النسخ، وفي الاختصاص: (أحمد بن المؤدّب من ولد الأشتر).
(124) في النسخ: (فرسان).
(125) القرابيس: جمع قربوس، حنو السرج.
(126) الاختصاص: 325/ ح 2؛ مدينة المعاجز: 401/ ح 159.
حسن، إنَّه ستكون فتنة صمّاء صيلم(127)، تسقط فيها كلّ وليجة وبطانة(128)، وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي، يحزن لفقده أهل الأرض والسماء، كم من حرّة مؤمنة ومؤمن يتأسَّف ويتلهَّف، وحيران لفقده).
ثمّ أطرق ورفع رأسه، فقال: (بأبي وأُمّي سمّي جدّي، وشبيهي، وشبيه موسى بن عمران، [عليه] جيوب النور(129) تتوقَّد من ضياء الشمس، كأنّي بهم آيس(130) ما كانوا، قد نودوا نداء تسمعه من البعد، كما تسمعه من القرب، يكون رحمة(131) على المؤمنين، وعذاباً على الكافرين).
قلت: بأبي وأُمّي، ما ذلك النداء؟
قال: (ثلاثة أصوات في رجب.
أوّلها: ألا لعنة الله على الظالمين.
والثاني: أزفَّت الآزفة يا معشر المؤمنين.
والثالث: يرون بدناً(132) بارزاً مع قرن الشمس، ينادي: ألا إنَّ الله قد بعث(133) فلان بن فلان على هلاك الظالمين. فعند ذلك يأتي المؤمنين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(127) قال في النهاية 3: 54: الفتنة الصمّاء: هي التي لا سبيل إلى تسكينها لتناهيها في دهائها، لأنَّ الأصمّ لا يسمع الاستغاثة، فلا يقلع عمَّا يفعله، وقيل: هي كالحيّة الصمّاء التي لا تقبل الرقى. والصيلم: الداهية. (النهاية 3: 49).
(128) الوليجة: الدخيلة، وخاصَّتك من الناس، والبطانة: السريرة والصاحب. (مجمع البحرين 2: 335/ مادة ولج، 6: 412/ مادة بطن).
(129) في (ط): (حبور وأنوار)، وفي (ع): (حبور والنور).
(130) في (ع)، (م): (أيسوا).
(131) في (ط): زيادة (الله).
(132) في (ع)، (م): (بدراً).
(133) في (ع)، (م): (قد بعث الله).
الفرج، وتشفى صدورهم، ويذهب غيظ قلوبهم)، وزاد الحميري: (ويتمنّى الأموات أنَّهم أحياء)(134).
* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا أبو علي الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدَّثنا أبو عبد الله محمّد بن علي بن عبد الكريم الزعفراني، قال: حدَّثنا أبو طالب عبد الله بن الصلت، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن سنان، عن داود الرقي، قال: جاء رجل إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال له: ما بلغ من علمكم؟
قال: (ما بلغ من سؤالكم).
فقال الرجل: بحر ماء هذا، هل تحته شيء؟
قال أبو عبد الله: (نعم، رأي العين أحبُّ إليك، أو سمع الأذن؟).
قال الرجل: بل رأي العين، لأنَّ الأذن قد تسمع ما لا تدري ولا تعرف، وما يرى بالعين يشهد به القلب.
فأخذ بيد الرجل ثمّ انطلق حتَّى أتى شاطئ البحر، فقال: (أيّها العبد المطيع لربّه، أظهر ما فيك).
فانفلق البحر عن آخر ماء فيه، وظهر ماء أشدُّ بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب رائحة من المسك، وألذّ من الزنجبيل، فقال له: يا أبا عبد الله، جُعلت فداك، لمن هذا؟
قال: (للقائم (عليه السلام) وأصحابه).
قال: متى؟
قال: (إذا قام القائم وأصحابه فقد الماء الذي على وجه الأرض، حتَّى لا يوجد ماء، فيضجّ المؤمنون إلى الله بالدعاء، فيبعث الله لهم هذا الماء، فيشربونه وهو محرَّم على من خالفهم).
قال: ثمّ رفع رأسه، فرأى في الهواء خيلاً مسرجة ملجمة، ولها أجنحة، فقلت: يا أبا عبد الله، ما هذه الخيل؟
فقال: (هذا خيل القائم (عليه السلام) وأصحابه).
قال الرجل: أنا أركب شيئاً منها؟
قال: (إن كنت من أنصاره).
قال: فأشرب من هذا الماء؟
قال: (إن كنت من شيعته)(135).
* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى، قال: حدَّثني أبي، قال: حدَّثنا أبو علي الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدَّثنا محمّد بن علي بن عبد الكريم، قال: حدَّثنا أبو طالب عبد الله بن الصلت، قال: حدَّثنا محمّد بن علي بن عبد الله الخيّاط(136)، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (إذا قام القائم (عليه السلام) استنزل المؤمن الطير من الهواء، فيذبحه، فيشويه، ويأكل لحمه، ولا يكسر عظمه، ثمّ يقول له: احي بإذن الله. فيحيا ويطير، وكذلك الظباء من الصحارى. ويكون ضوء البلاد نوره(137)، ولا يحتاجون إلى شمس ولا قمر، ولا يكون على وجه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(134) إثبات الوصيّة: 227؛ عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 6/ ح 14؛ الغيبة للنعماني: 180/ ح 28؛ الغيبة للطوسي: 439/ ح 431؛ الخرائج والجرائح 3: 1168/ ح 65؛ مختصر بصائر الدرجات: 38 و214.
(135) مدينة المعاجز: 421/ ح 250.
(136) في (ع): (الحناط).
(137) في (ط): (ونورها).
الأرض مؤذ، ولا شرّ، ولا إثم(138)، ولا فساد أصلاً، لأنَّ الدعوة سماوية، ليست بأرضية، ولا يكون للشيطان فيها وسوسة، ولا عمل، ولا حسد، ولا شيء من الفساد، ولا تشوك الأرض والشجر، وتبقى زروع الأرض(139) قائمة، كلَّما أخذ منها شيء نبت من وقته، وعاد كحاله، وإنَّ الرجل ليكسو ابنه الثوب فيطول معه كلَّما طال ويتلوَّن عليه أيّ لون أحبَّ وشاء.
ولو أنَّ الرجل الكافر دخل جحر ضبّ، أو توارى خلف مدرة، أو حجر، أو شجر، لأنطق الله ذلك الستر(140) الذي يتوارى فيه، حتَّى يقول: يا مؤمن، خلفي كافر فخذه. فيأخذه ويقتله(141). ولا يكون لإبليس هيكل يسكن فيه - والهيكل: البدن - ويصافح المؤمنون الملائكة، ويوحى إليهم، ويحيون - ويجتمعون - الموتى بإذن الله).
قال: (يأتي على الناس زمان لا يكون المؤمن إلَّا بالكوفة، أو يحنُّ إليها)(142).
* وحدَّثني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الحرمي، قال: حدَّثنا أبو محمّد هارون بن موسى (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدَّثنا إسحاق بن محمّد الصيرفي، عن محمّد(143) بن إبراهيم الغزالي، قال: حدَّثني عمران
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(138) في (ط): (ولا شرّ ولا سمّ).
(139) في (ط): (وتبقى الأرض).
(140) في (ط)، (ع): (الشيء).
(141) في (ط): (فيؤخذ ويقتل).
(142) نوادر المعجزات: 198/ ح 8؛ حلية الأبرار 2: 635.
(143) في حلية الأبرار: (إسحاق).
الزعفراني، عن المفضَّل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إذا ظهر القائم (عليه السلام) من ظهر هذا البيت، بعث الله معه سبعة وعشرين(144) رجلاً، منهم أربعة عشر رجلاً من قوم موسى (عليه السلام)، وهم الذين قال الله تعالى: (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)(145)، وأصحاب الكهف ثمانية، والمقداد وجابر الأنصاري، ومؤمن آل فرعون، ويوشع بن نون وصيّ موسى (عليهما السلام))(146).
* وحدَّثني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا أبو علي الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدَّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن نصر، قال: حدَّثنا أبو نعيم(147)، قال: حدَّثنا ياسين العجلي، عن إبراهيم بن محمّد بن الحنفية، عن أبيه، عن علي (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (المهدي منّا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة)(148).
* وبإسناده عن أبي علي النهاوندي، قال: حدَّثنا محمّد بن بندار، قال: عن المفضَّل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إذا قام قائمنا ردَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(144) كذا في النسخ، والمعدود ستّة وعشرون، وفي تفسير العياشي وروضة الواعظين اتَّفق العدد مع المعدود (27) بتغيير في الأسماء، فراجع.
(145) الأعراف: 159.
(146) تفسير العياشي 2: 32/ ح 90؛ روضة الواعظين 2: 266؛ حلية الأبرار 2: 618.
(147) هو الفضل بن دكين التيمي، أبو نعيم الملائي، من كبار شيوخ البخاري، (تقريب التهذيب 2: 110).
(148) مسند أحمد 1: 84؛ تاريخ البخاري الكبير 1: 317/ ح 994؛ سنن ابن ماجة 2: 1367/ ح 4085؛ مسند أبي يعلى 1: 359/ ح 205؛ كمال الدين: 152/ ح 15؛ حلية الأولياء 3: 177؛ البيان في أخبار صاحب الزمان: 487؛ الملاحم والفتن: 163 عن كتاب الفتن لأبي يحيى زكريا ابن يحيى البزّاز، كشف الغمّة 2: 477؛ فرائد السمطين 2: 331/ ح 583؛ حلية الأبرار 2: 709.
الله كلّ مؤذ للمؤمنين في زمانه في الصور التي كانوا عليها وفيها، بين أظهرهم، لينتصف منهم المؤمنون)(149).
* وبإسناده عن أبي علي النهاوندي، عن محمّد بن بندار، عن محمّد بن سعيد، عن أبي عمران، عن محمّد بن سنان، عن المفضَّل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (يا مفضَّل، أنت وأربعة وأربعون رجلاً تحشرون مع القائم، أنت على يمين القائم تأمر وتنهى، والناس إذ ذاك أطوع لك منهم اليوم)(150).
* وحدَّثني أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: حدَّثنا محمّد بن همام، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدَّثنا إسحاق بن محمّد بن سميع، عن محمّد بن الوليد، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ)،(151) قال: (في قبورهم بقيام القائم (عليه السلام))(152).
* وأخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، قال: حدَّثنا أبي، عن سعد بن عبد الله، قال: حدَّثنا يعقوب بن يزيد، قال: حدَّثنا محمّد بن أبي عمير، عن عمر بن أُذنية، عن فضيل بن يسار، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن خرج السفياني ما تأمرني؟
قال: (إذا كان ذلك كتبت إليك).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(149) إثبات الهداة 7: 146/ ح 708؛ حلية الأبرار 2: 618.
(150) إثبات الهداة 7: 146/ ح 709.
(151) الروم: 4 و5.
(152) حلية الأبرار 2: 618؛ المحجّة للبحراني: 171.
قلت: فكيف أعلم أنَّه كتابك؟
قال: (أكتب إليك بعلامة كذا وكذا)، وقرأ آية من القرآن.
قال: فقلت لفضيل: ما تلك الآية؟
قال: ما حدَّثت بها أحداً غير بريد العجلي.
قال زرارة: أنا أُحدّثك بها، هي: (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا)(153).
قال: فسكت الفضيل، ولم يقل: لا، ولا نعم(154).
* وأخبرني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله، قال: حدَّثني أبو محمّد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري، قال: حدَّثني أبو علي الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدَّثنا علي بن محمّد بن نهيد الحصيني، قال: حدَّثنا أبو علي الشهرياري، قال: حدَّثنا إبراهيم بن عبد الرحمن، عن جعفر بن قرم، عن هارون بن حماد، عن مقاتل، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (يا علي، عشر خصال قبل يوم القيامة، ألا تسألني عنها؟).
قلت: بلى، يا رسول الله.
قال: (اختلاف وقتل أهل الحرمين، والرايات السود، وخروج السفياني، وافتتاح الكوفة، وخسف بالبيداء، ورجل منّا أهل البيت يبايع له بين زمزم والمقام، يركب إليه عصائب أهل العراق وأبدال الشام، ونجباء أهل مصر، وتصير أهل اليمن عدَّتهم عدّة أهل بدر، فيتبعه بنو كلب يوم الأعماق).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(153) النحل: 38.
(154) تفسير العياشي 2: 260/ ح 29؛ المحجّة للبحراني: 118.
قلت: يا رسول الله، ما بنو كلب؟
قال: (هم أنصار السفياني، يريد قتل الرجل الذي يبايع له بين زمزم والمقام، ويسير بهم فيقتلون وتباع ذراريهم على باب مسجد دمشق، والخائب(155) من غاب عن غنيمة كلب ولو بعقال)(156).
* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى، عن أبيه، قال: حدَّثنا أبو علي الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدَّثنا أبو محمّد عبد الكريم، عن أبي إسحاق الثقفي، قال: حدَّثنا محمّد بن سليمان النخعي، قال: حدَّثنا السري بن عبد الله، قال: حدَّثنا محمّد بن علي السلمي، عن أبي جعفر محمّد بن علي (عليه السلام)، قال: (إنَّما سُمّي المهدي مهدياً(157) لأنَّه يهدي لأمر خفي، يهدي لما في صدور الناس، يبعث إلى الرجل فيقتله لا يدري في أيّ شيء قتله، ويبعث ثلاثة راكب)، قال: (هي بلغة غطفان (ركبان): أمَّا راكب فيأخذ ما في أيدي أهل الذمّة من رقيق المسلمين، فيعتقهم. وأمَّا راكب فيظهر البراءة منهما - يغوث ويعوق - في أرض العرب. وراكب يخرج التوراة من مغارة(158) بأنطاكية، ويعطى حكم سليمان (عليه السلام))(159).
* وبإسناده عن أبي علي النهاوندي، قال: حدَّثنا أبو عبد الله الزعفراني، قال: حدَّثنا أبو طالب، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(155) في (م)، (ط): (والغائب).
(156) عنه، معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) 1: 506/ ح 348.
(157) (مهدياً) ليس في (ع).
(158) في (ط): (مفازة).
(159) إثبات الهداة 7: 146/ ح 711، و169/ ح 786 قطعة منه؛ حلية الأبرار 2: 556.
سنان، عن أبان بن تغلب، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنَّه قال: (إذا قام قائمنا بعث في أقاليم الأرض، في كلّ إقليم رجلاً، فيقول له: عهدك في كفّك واعمل بما ترى)(160).
* وبإسناده عن أبي علي النهاوندي، قال: حدَّثنا أبو القاسم بن أبي حيّة(161)، قال: حدَّثنا إسحاق بن أبي إسرائيل(162)، قال: حدَّثنا أبو عبيدة الحدّاد(163) عبد الواحد بن واصل السدوسي، قال: حدَّثنا عوف(164)، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (لا تقوم الساعة حتَّى تملأ الأرض ظلماً وعدواناً، ثمّ يخرج رجل من عترتي - أو قال: من أهل بيتي - يملأها قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وعدواناً)(165).
* وبإسناده عن أبي علي النهاوندي، قال: حدَّثنا إسحاق، عن يحيى بن سليم، قال: حدَّثنا هشام بن حسان، عن المعلّى بن أبي المعلى،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(160) إثبات الهداة 7: 147/ ح 712.
(161) هو عبد الوهّاب بن عيسى بن عبد الوهّاب بن أبي حيّة أبو القاسم ورّاق الجاحظ، وثَّقه الدارقطني والخطيب، روى عن إسحاق بن أبي إسرائيل، مات سنة (319 هـ). (تاريخ بغداد 11: 28).
(162) هو أبو يعقوب إسحاق بن أبي إسرائيل إبراهيم بن كامجر المروزي، وثَّقه غير واحد، مات سنة (245 هـ). (تاريخ بغداد 6: 356؛ تهذيب الكمال 2: 398).
(163) زاد في النسخ: (قال: حدَّثنا)، وهو خطأ، وأبو عبيدة الحدّاد كنية ولقب عبد الواحد، وثَّقه غير واحد، مات سنة (190هـ). (تهذيب التهذيب 6: 440).
(164) وهو عوف بن أبي جميلة العبدي الهجري الأعرابي، وثقه أحمد والنسائي وابن سعد، وكان يسمّى: الصدوق. (طبقات ابن سعد 7: 258؛ تهذيب التهذيب 8 : 166).
(165) مسند أحمد 3: 36؛ مسند أبي يعلى 2: 274/ ح 987؛ مستدرك الحاكم 4: 557؛ الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8 : 290/ ح 6784؛ إلزام الناصب 1: 338.
عن أبي الصدّيق الناجي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (أبشروا بالمهدي، فإنَّه يأتي(166) في آخر الزمان على شدّة وزلازل، يسع الله له الأرض عدلاً وقسطاً)(167).
* وعنه، عن أبي علي النهاوندي، قال: حدَّثنا محمّد بن أحمد القاساني، قال: حدَّثنا أبو مسلم محمّد بن سليمان البغدادي، عن أبي عثمان، عن هشام، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (كيف أنتم إذا استيأستم من المهدي، فيطلع عليكم صاحبكم مثل قرن الشمس، يفرح به أهل السماء والأرض).
فقيل: يا رسول الله، وأنّى يكون ذلك؟
قال: (إذا غاب عنهم المهدي، وأيسوا منه)(168).
* وبإسناده عن أبي علي النهاوندي، قال: حدَّثنا محمّد بن أحمد القاساني، قال: حدَّثنا علي بن سيف(169)، قال: حدَّثني أبي، عن المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (نزلت في بني فلان ثلاث آيات: قوله (عزَّ وجلَّ): (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً) يعني: القائم بالسيف (فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ)(170) وقوله (عزَّ وجلَّ): (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دابِرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(166) في (ع): (يهدي).
(167) إثبات الهداة 7: 147/ ح 713.
(168) مختصر بصائر الدرجات: 18؛ إثبات الهداة 7: 147/ ح 715؛ معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) 1: 259/ ح 161.
(169) هو علي بن سيف بن عميرة الكوفي، ثقة، روى عن أبيه، وقد روى عنه القاساني بواسطة محمّد بن سليمان. وانظر: رجال النجاشي: 189 و278.
(170) يونس: 24.
الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(171))، قال أبو عبد الله (عليه السلام): (بالسيف. وقوله (عزَّ وجلَّ): (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ)(172) يعني: القائم (عليه السلام)، يسأل بني فلان عن كنوز بني أميّة)(173).
* وحدَّثني أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: حدَّثنا محمّد بن همام، قال: أخبرنا جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي، عن سفيان بن المهدي، عن أبان(174)، عن أنس بن مالك، قال: خرج علينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم، فرأى علياً (عليه السلام)، فوضع يده بين كتفيه، ثمّ قال: (يا علي، لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم واحد، لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّى يملك رجل من عترتك، يقال له: (المهدي) يهدي إلى الله (عزَّ وجلَّ)، ويهتدي به العرب، كما هديت أنت الكفّار والمشركين من الضلالة). ثمّ قال: (ومكتوب على راحته(175): بايعوه، فإنَّ البيعة لله (عزَّ وجلَّ))(176).
* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى، قال: حدَّثنا(177)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(171) الأنعام: 44 و45.
(172) الأنبياء: 12 و13.
(173) المحجّة للبحراني: 98.
(174) روى عن أنس كلّ من: أبان بن صالح بن عمير القرشي، وأبان بن أبي عياش العبدي البصري، راجع: تهذيب الكمال 2: 9 و19، و3: 354.
(175) في (ط): (راحتيه).
(176) الملاحم والفتن: 139 قطعة منه؛ إثبات الهداة 7: 147/ ح 716.
(177) في (ع)، (م): (مصر)، وفي (ط): (معد)، والصواب ما في المتن، كما في مسند أحمد. وأبي يعلى وغيرهما، وهو مطر بن طهمان الوراق أبو رجاء الخراساني السلمي. (تهذيب التهذيب 10: 167؛ سير أعلام النبلاء 5: 452).
أبي، قال: حدَّثنا أبو علي الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدَّثنا ابن أبي حيّة، قال: حدَّثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، قال: حدَّثنا جرير، عن مطر(178) الورّاق، قال: أخبرنا أبو الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري: أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: (ليقومنَّ على أمّتي رجل من أهل بيتي، أقنى(179)، أجلى(180)، يوسع الأرض عدلاً، كما أوسعت جوراً، يملك سبع سنين).
* وقال أبو علي النهاوندي: وجدت في كتاب لبعض إخواننا: روي عن الصادق (عليه السلام)، أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: قال لي النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): (يا علي، صاحب الحلي، أخبركم بأمري، أنذركم بأس المهدي، يقيم فيكم سُنّة النبيّ، وذلك عند بيعة الصبي، عند طلوع الكواكب الدرّية، يفزع من بالمشرق والمغرب).
* وقال أبو علي النهاوندي: وحدَّثني أبو الحسن(181) الحصيني، قال: حدَّثني محمّد بن الحسن الصفّار(182)، عن الحسن بن علي الخزّاز، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن الصادق (عليه السلام)، قال: (يكون في أمّتي - يعني القائم - سُنّة(183) من أربعة أنبياء: سُنّة من موسى (عليه السلام)، خائف يترقَّب، وسُنّة من يوسف (عليه السلام)، يعرفهم وهم له منكرون، وسُنّة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(178) القنا في الأنف: طوله ورقّة أرنبته مع حدب في وسطه. (النهاية لابن الأثير 4: 116).
(179) الأجلى: الخفيف شعر ما بين النزعتين من الصدغين، والذي انحسر الشعر عن جبهته. (النهاية لابن الأثير 1: 290).
(180) مسند أحمد 3: 17؛ مسند أبي يعلى 2: 367/ ح 1128؛ مجمع الزوائد 7: 314.
(181) في (م)، (ط): (الحسين).
(182) في (ط) زيادة: (مملوكه)؛ وفي (ع)، (م): (مموله).
(183) في (ع)، (م): (شبيه)، وكذا في المواضع الآتية.
من عيسى (عليه السلام)، وما قتلوه وما صلبوه، وسُنّة من محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، يقوم بالسيف)(184).
* وقال أبو علي النهاوندي: حدَّثني أبو عبد الله محمّد بن أحمد القاساني، قال: حدَّثنا محمّد بن سليمان، قال: حدَّثنا أبو القاسم الزندودي(185)، قال: حدَّثنا إبراهيم بن مهران، عن عمرو بن شمر، قال: قلت لجابر: إذا قام قائم آل محمّد كيف السلام عليه؟
قال: إنَّك إذا أدركته، ولن تدركه إلَّا أن تكون مكروراً، فستراني إلى جنبه، راكباً على فرس لي، ذنوب، أغرّ، محجَّل، مطلق يد(186) اليمنى، عليَّ عمامة لي من عصب(187) اليمن، فأنا أوّل من يسلّم عليه(188).
* وقال أبو علي النهاوندي: حدَّثنا القاساني، قال: حدَّثنا محمّد بن سليمان، قال: حدَّثنا علي بن سيف، قال: حدَّثني أبي، عن المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فشكا إليه طول دولة الجور، فقال له أمير المؤمنين: (والله، لا يكون ما تأملون حتَّى يهلك المبطلون، ويضمحل الجاهلون، ويأمن المتّقون، وقليل ما يكون حتَّى لا يكون لأحدكم موضع قدمه، وحتَّى تكونوا على الناس أهون من الميتة عند صاحبها، فبينا أنتم كذلك إذ جاء نصر الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(184) نحوه في الإمامة والتبصرة: 93/ ح 84؛ كمال الدين: 28 و152/ ح 16، و326/ ح 6، و329/ ح11، و350/ ح 46؛ الغيبة للنعماني: 164/ ح 5؛ تقريب المعارف: 190؛ الغيبة للطوسي: 60/ ح57، و424/ ح 408؛ الخرائج والجرائح 2: 936.
(185) في (ط): (الزندوري)، وقد ورد في أنساب السمعاني 3: 171 و174: الزندرودي والزندوردي.
(186) في (ط)، (ع): (يده)، والمطلق من الخيل: ما لا تحجيل في إحدى قوائمه.
(187) العصب: ضرب من البرود. وقيل: صبغ لا ينبت إلَّا باليمن.
(188) حلية الأبرار 2: 646.
والفتح، وهو قول ربّي (عزَّ وجلَّ) في كتابه: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا)(189))(190).
* وقال أبو علي النهاوندي: حدَّثنا أبو علي هشام بن علي السيرافي، قال: حدَّثنا عبد الله بن رجاء، قال: حدَّثنا همام، عن المعلّى بن زياد، قال: حدَّثني العلاء - رجل من مزينة -(191)، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري، أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ذكر المهدي، فقال: (يخرج عند كثرة اختلاف الناس وزلازل، فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضى به ساكن السماء، وساكن الأرض، ويقسم المال قسمة صحاحاً).
قال: قلت: وما صحاح؟
قال: (بالسواء).
قال: (ويغنم الناس حتَّى لا يحتاج أحد أحداً، فينادي منادٍ: من له إلي من حاجة؟ فلا يجيبه أحد من الناس، إلَّا إنسان واحد، فيقول له: خذ).
قال: (فيحثو في ثوبه ما لا يستطيع حمله، فيقول: احمل عليَّ. فيأبى عليه، فيخفف منه، حتَّى يصير بقدر ما يستطيع أن يحمله، فيقول: ما كان في الناس أجشع نفساً من هذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(189) يوسف: 110.
(190) المحجّة للبحراني: 107؛ ينابيع المودّة: 424 قطعة منه.
(191) في (م): (عن رجل من مرنية)، وما في المتن هو الصواب، والعلاء هو ابن بشير المزني، قال عنه ابن حنبل في مسنده 3: 52: وكان بكّاءً عند الذكر، شجاعاً عند اللقاء. روى عن أبي الصديق، وروى عنه المعلى ابن زياد القردوسي. راجع: تهذيب الكمال 4: 223؛ تهذيب التهذيب 8 : 177، و10: 237؛ الجرح والتعديل 6: 353، و8 : 330.
فيرجع إلى الخازن، فيقول: إنَّه قد بدا لي ردّه. فيأبى أن يقبله، فيقول: إنّا لا نقبل ممَّن أعطيناه).
قال: (فيمكث سبعاً، أو ثماني، أو تسعاً - يعني سنة - ولا خير في العيش بعد هذا). أو قال: (لا خير في الحياة بعده)(192).
* وأخبرني أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: أخبرنا محمّد بن همام، قال: أخبرنا جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدَّثنا علي بن يونس الخزّاز، عن إسماعيل بن عمر بن أبان، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إذا أراد الله قيام القائم بعث جبرئيل في صورة طائر أبيض، فيضع إحدى رجليه على الكعبة، والأخرى على بيت المقدس، ثمّ ينادي بأعلى صوته: (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ)(193)). قال: (فيحضر القائم فيصلّي عند مقام إبراهيم (عليه السلام) ركعتين، ثمّ ينصرف، وحواليه أصحابه، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، إنَّ فيهم لمن يسري من فراشه ليلاً، فيخرج ومعه الحجر، فيلقيه فتعشب الأرض)(194).
* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، عن أبيه، قال: حدَّثنا أبو علي الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدَّثنا العبّاس بن مطران(195) الهمداني، قال: حدَّثنا إسماعيل بن علي المقرئ القمي، قال: حدَّثنا محمّد بن سليمان، قال: حدَّثني أبو جعفر العرجي، عن محمّد بن يزيد، عن سعيد بن عباية(196)، عن سلمان الفارسي، قال: خطبنا أمير المؤمنين (عليه السلام) بالمدينة، فذكر الفتنة وقربها، ثمّ ذكر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(192) البيان في أخبار صاحب الزمان: 505؛ الحاوي للفتاوي 2: 58؛ الملاحم والفتن: 165.
(193) النحل: 1.
(194) إثبات الهداة 7: 148/ ح 717؛ المحجّة للبحراني: 115؛ حلية الأبرار 2: 615.
(195) كذا، ولعلَّه تصحيف (عمران) أو (مهران).
(196) في (ع)، (م): (عناية).
قيام القائم من ولده، وأنَّه يملأها عدلاً كما ملئت جوراً. قال سلمان: فأتيته خالياً، فقلت: يا أمير المؤمنين، متى يظهر القائم من ولدك؟ فتنفَّس الصعداء وقال: (لا يظهر القائم حتَّى يكون أمور الصبيان، وتضيع حقوق الرحمن، ويتغنّى بالقرآن بالتطريب والألحان، فإذا قتلت ملوك بني العبّاس أولي العمى والالتباس، أصحاب الرمي عن الأقواس بوجوه كالتراس، وخربت البصرة وظهرت العشرة).
قال سلمان: قلت: وما العشرة: يا أمير المؤمنين؟
قال: (منها: خروج الزنج، وظهور الفتنة(197)، ووقائع بالعراق، وفتن الآفاق، والزلازل العظيمة، مقعدة مقيمة، ويظهر الحندر والديلم بالعقيق والصيلم، وولاية القصاح بعقب الفمّ(198) الجناح، وظهور آيات مقتربات(199) في النواحي والجنبات، وعمران الفسطاط بعين العرب والأقباط، ويخرج الحائك الطويل بأرض مصر والنيل).
قال سلمان: فقلت: وما الحائك الطويل؟
قال: (رجل صعلوك، ليس من أبناء الملوك، تظهر له معادن الذهب، ويساعده العجم والعرب، ويأتي له من كلّ شيء حتَّى يلي الحسن(200)، ويكون في زمانه العظائم والعجائب، وإذا سار بالعرب إلى الشام، وداس بالبرذون أرحام، وداس جبل الأردن واللكام(201)، وطار الناس من غشيته، وطار السيل من جيشه، ووصل جبل القاعوس(202) في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(197) في (ع): (الفتن).
(198) في (ع): (يعقب قم).
(199) في (ط): (مفتريات).
(200) لعلَّه تصحيف (الحسني) قصر في دار الخلافة ببغداد؛ أو (الحسنا) جبل قرب ينبع.
(201) اللكام: جبل مشرف على أنطاكية والمصيصة وطرطوس.
(202) لعلَّه تصحيف (القاعون) جبل شاهق بالأندلس.
جيشه، فيجرّبه(203) بعض الأمور، فيسرع الأسلاف، ولا يهنيه طعام ولا شراب حتَّى يعاود بأيلون(204) مصر، وكثرة الآراء والظنون، ولا تعجز العجوز، وشيّد القصور، وعمر الجبل الملعون، وبرقت برقة فردَّت، واتَّصل الأشرار(205) بين عين الشمس وحلوان(206)، وسمع من الأشرار الآذان، فصعقت صاعقة ببرقة، وأخرى ببلخ(207)، وقاتل الأعراب البوادي، وجرت السفياني خيله، وجند الجنود، وبند البنود(208)، هناك يأتيه أمر الله بغتة، لغلبة الأوباش(209)، وتعيش المعاش(210)، وتنتقص الأطراف، ويكثر الاختلاف، وتخالفه طليعة بعين طرطوس(211)، وبقاصية أفريقية، هناك تقبل رايات مغربية، أو مشرقية، فأعلنوا الفتنة في البرية، يا لها من وقعات طاحنات، من النبل(212) والأكمات، وقعات ذات رسون، ومنابت اللون،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(203) كذا في المصدر، وفي معجم أحاديث الإمام المهدي 3: 14: (فيجري به).
(204) في (ع): (بابلون)، ولعلَّها تصحيف (بابليون) اسم عام لديار مصر بلغة القدماء.
(205) في (ع)، (م): (الأمرار).
(206) عين شمس: مدينة فرعون بمصر، بينها وبين الفسطاط ثلاثة فراسخ. وحلوان: تطلق على عدّة مواضع: منها: حلوان العراق، وهي آخر حدود السواد، وحلوان أيضاً: قرية من قرى مصر مشرفة على النيل، وحلوان أيضاً: بليدة بقوهستان، وهي آخر حدود خراسان.
(207) بلخ: مدينة مشهورة بخراسان، وتقع اليوم ضمن حدود أفغانستان الإقليمية، وبرقة: تطلق على مواضع عديدة: منها: اسم صقع كبير يشتمل على مدن وقرى بين الإسكندرية وأفريقية، ومنها: قرية من قرى قم.
(208) البنود: جمع بند، العقد أو الحيلة.
(209) الأوباش: جمع وبش، الأخلاط والسفلة.
(210) أي صعبت وتكلفت أسبابه.
(211) في (م): (طرسوس)، وطرطوس: بلد بالشام على البحر، وطرسوس: مدينة بثغور الشام، بين أنطاكية وحلب وبلاد الروم.
(212) في (ع): (واحناط من النيل)؛ وفي (م): (احنات من النيل).
بعمران بني حام بالقمار الادغام، وتأويل العين(213) بالفسطاط، من التربت(214) من غير العرب، والأقباط بأدبجة الديباج، ونطحة(215) النطاح، بأحراث المقابر، ودروس المعابر، وتأديب المسكوب(216)، على السن المنصوب، باقصاح(217) رأس العلم والعمل في الحرب بغلبة بني الأصفر على الانعاد(218)، وقع المقدار، فما يغني الحذر، هناك تضطرب الشام، وتنصب الأعلام، وتنتقص التمام، وسدّ غصن الشجرة الملعونة الطاغية، فهنالك ذلّ(219) شامل، وعقل ذاهل، وختل قابل، ونبل ناصل، حتَّى تغلب الظلمة على النور، وتبقى الأمور من أكثر الشرور، هنالك يقوم المهدي من ولد الحسين (عليه السلام)(220)، لا ابن مثله، لا ابن، فيزيل الردى، ويميت(221) الفتن، وتتدارس(222) الركبتين، هناك يقضى لأهل الدين بالدين).
قال سلمان (رضي الله عنه): ثمّ انضجع ووضع يده تحت رأسه، يقول: شعار الرهبانية القناعة(223).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(213) في (ع): (لعين).
(214) في (ع)، (م): (البريت).
(215) في (ع)، (م): (وبطحة).
(216) في (م): (المسكوت).
(217) في (ع): (بافصاح).
(218) في (ط): (الانعار).
(219) في (ع)، (م): (قلا).
(220) (هنالك يقوم...) الجملة جواب لـ (إذا) المتقدّمة قبل سؤال سلمان (رضي الله عنه).
(221) في (ع): (ومميت).
(222) في (م): (تتداوس).
(223) العدد لقويّة: 75/ ح 126؛ إثبات الهداة 7: 148/ ح 718 قطعة منه؛ معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) 3: 14/ ح 569.
* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، قال: حدَّثنا أبي هارون بن موسى (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا محمّد(224) بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد الهاشمي المنصوري بسُرَّ من رأى من لفظه، قال: حدَّثنا أبو موسى عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور الهاشمي، قال: حدَّثنا أبو الحسن علي(225) بن محمّد بن علي بن موسى، عن علي بن موسى، عن موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، قال: حدَّثني محمّد بن علي، قال: حدَّثني أبي علي بن الحسين، قال: حدَّثني أبي الحسين بن علي، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (رأيت ليلة أُسري بي إلى السماء قصوراً من ياقوت أحمر، وزبرجد أخضر، ودرّ ومرجان، وعقيان(226)، بلاطها المسك الأذفر، وترابها الزعفران، وفيها فاكهة ونخل ورمّان، وحور وخيرات حسان، وأنهار من لبن، وأنهار من عسل، تجري على الدرّ والجوهر، وقباب على حافتي تلك الأنهار، وغرف وخيام، وخدم وولدان، وفرشها الاستبرق والسندس والحرير، وفيها أطيار(227)، فقلت: يا حبيبي جبرئيل، لمن هذه القصور؟ وما شأنها؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(224) زاد في النسخ: (أبو المفضل)، وهو سهو، إذ روى التلعكبري عن أبي الحسن محمّد بن أحمد بن عبيد الله الهاشمي بلا واسطة، كما في الغيبة للطوسي: 136/ ح 100؛ وكفاية الأثر: 91 و166 وغيرهما.
(225) في النسخ: (حدَّثنا الحسن بن علي)، وهو خطأ، والصواب ما في المتن، حيث روى عيسى بن أحمد، عن أبي الحسن علي بن محمّد (عليه السلام) نسخة ذكرها النجاشي في رجاله: 297.
(226) في (ط): (عقيقاً)، والعقيان: ذهب متكاثف في مناجمه، خالص ممَّا يختلط به من الرمال والحجارة؛ (المعجم الوسيط 2: 618/ مادة عقي).
(227) في (ع)، (م): (أطناب).
فقال لي جبرئيل: هذه القصور وما فيها، خلقها الله (عزَّ وجلَّ) كذلك(228)، وأعدَّ فيها ما ترى، ومثلها أضعاف مضاعفة، لشيعة أخيك علي، وخليفتك من بعدك على أمّتك، وهم يدعون في آخر الزمان باسم يراد به(229) غيرهم، يسمّون (الرافضة) وإنَّما هو زين لهم، لأنَّهم رفضوا الباطل، وتمسَّكوا بالحقّ، وهم السواد الأعظم، ولشيعة ابنه الحسن من بعده، ولشيعة أخيه الحسين من بعده، ولشيعة ابنه علي بن الحسين من بعده، ولشيعة ابنه محمّد بن علي من بعده، ولشيعة ابنه جعفر بن محمّد من بعده، ولشيعة ابنه موسى ابن جعفر من بعده، ولشيعة ابنه علي بن موسى من بعده، ولشيعة ابنه محمّد بن علي من بعده، ولشيعة ابنه علي بن محمّد من بعده، ولشيعة ابنه الحسن بن علي من بعده، ولشيعة ابنه محمّد المهدي من بعده.
يا محمّد، فهؤلاء الأئمّة من بعدك، أعلام الهدى، ومصابيح الدجى، شيعتهم وشيعة جميع ولدك ومحبّيهم شيعة الحقّ، وموالي الله، وموالي رسوله، الذين رفضوا الباطل واجتنبوه، وقصدوا الحقّ واتَّبعوه، يتولونهم في حياتهم، ويزورونهم من بعد وفاتهم، متناصرين لهم، قاصدين على محبَّتهم رحمة الله عليهم، إنَّه غفور رحيم)(230).
* وعنه، عن أبيه أبي محمّد هارون بن موسى (رضي الله عنه)، قال: حدَّثني أبو علي الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدَّثني أحمد بن زهير، قال: حدَّثنا عبد الله بن داهر الرازي، قال: حدَّثنا عبد الله بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن عاصم بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(228) في المصدر: (كذا)، وأثبتنا ما في المصادر الأخرى.
(229) في (ع): (يؤدّيه)؛ وفي (م): (يرد به).
(230) الصراط المستقيم 2: 150.
أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (لا تقوم الساعة حتَّى يملك رجل من ولدي، يوافق اسمه اسمي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً)(231).
* وعنه، عن أبيه، عن أبي علي، قال: حدَّثنا أحمد بن زهير، قال: حدَّثنا عبد الله بن عمر، قال: حدَّثنا محمّد بن مروان، قال: حدَّثنا عمارة بن أبي حفصة(232)، قال: أخبرنا زيد العمّي(233)، عن أبي الصدّيق الناجي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (حدث يكون في أمّتي، المهدي، إن قصر عمره فسبع، وإلَّا فثمان(234)، وإلَّا فتسع، وتنعم أمّتي فيها نعمة لم يتنعموا(235) مثلها قطّ، يرسل الله السماء عليهم مدراراً، فلا تدَّخر الأرض شيئاً من النبات والمأكل، وسيقوم الرجل فيقول: يا مهدي، أعطني. فيقول: خذ)(236).
* وعنه، عن أبيه أبي محمّد هارون بن موسى (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(231) نحوه في حلية الأولياء 5: 75؛ والملاحم والفتن: 141/ باب 69؛ والفصول المهمّة: 291؛ والحاوي للفتاوي 2: 59؛ كشف الغمّة 2: 471/ ح 19؛ إثبات الهداة 7: 148/ ح 719.
(232) في النسخ: (حبة)، والصواب ما في المتن، وهو عمارة بن أبي حفصة نابت الأزدي العتكي، روى عن زيد العمّي، وعنه محمّد بن مروان بن قدامة العقيلي، مات سنة (132هـ). (تهذيب التهذيب 7: 415؛ سير أعلام النبلاء 6: 138).
(233) في النسخ: (القمي)، تصحيف صوابه ما في المتن، وهو زيد بن الحواري أبو الحواري العمي البصري سمّي العمّي لأنَّه كلَّما سأل عن شيء قال: حتَّى أسأل عمّي. (تهذيب الكمال 10: 56).
(234) في (ط): (أو ثمان).
(235) في (ع): (ينعموا).
(236) نحوه في مسند أحمد 3: 21؛ وسنن ابن ماجة 2: 1366/ ح 4083؛ وسنن الترمذي 4: 506/ ح 2232؛ ومستدرك الحاكم 4: 558؛ ومصابيح البغوي 3: 493/ ح 4213؛ والبيان في أخبار صاحب الزمان: 492 و519؛ والفصول المهمّة: 298؛ وكشف الغمّة 2: 467/ ح 1؛ وفرائد السمطين 2: 315/ ح 566.
أبو علي، عن جعفر بن محمّد، قال: حدَّثنا محمّد بن سماعة الصيرفي، عن المفضَّل بن عيسى، عن محمّد بن علي الهمذاني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (الليلة التي يقوم فيها قائم آل محمّد ينزل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأمير المؤمنين (عليه السلام)، وجبرئيل (عليه السلام)، على حراء، فيقول له جبرئيل (عليه السلام): أجب. فيخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) رقّاً من حجزة(237) إزاره، فيدفعه إلى علي (عليه السلام)، فيقول له: اُكتب: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا عهد من الله، ومن رسوله، ومن علي بن أبي طالب، لفلان بن فلان) باسمه واسم أبيه، وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه: (وَالطُّورِ * وَكِتابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ)(238) وهو الكتاب الذي كتبه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والرقّ المنشور الذي أخرجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) من حجزة إزاره).
قلت: (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ)، أهو رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟
قال: (نعم، المملي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، والكاتب علي (عليه السلام))(239).
* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، قال: حدَّثنا أبي هارون بن موسى (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا محمّد بن جرير الطبري، قال: حدَّثنا عيسى بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا الحسن بن الحسين العرني، قال: حدَّثنا يحيى بن يعلى الأسلمي وعلي بن القاسم الكندي ويحيى بن المساور، عن علي بن المساور، عن علي بن الحزور، عن الأصبغ بن نباتة، قال: كنّا مع علي (عليه السلام) بالبصرة، وهو على بغلة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وقد اجتمع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(237) الحجزة: معقد الإزار.
(238) الطور: 1 - 3.
(239) المحجّة للبحراني: 212؛ إلزام الناصب 1: 95.
حوله(240) أصحاب محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فقال: (ألا أخبركم بأفضل خلق الله عند الله يوم يجمع الرسل؟).
قلنا: بلى يا أمير المؤمنين.
قال: (أفضل الرسل محمّد، وإنَّ أفضل الخلق بعدهم الأوصياء، وأفضل الأوصياء أنا، وأفضل الناس بعد الرسل والأوصياء، الأسباط، وإنَّ خير الأسباط سبطا نبيّكم - يعني الحسن والحسين - وإنَّ أفضل الخلق بعد الأسباط الشهداء، وإنَّ أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطَّلب - قال ذلك النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) - وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين، مختصّان بكرامة خصَّ الله (عزَّ وجلَّ) بها نبيّكم، والمهدي منّا في آخر الزمان، لم يكن في أمّة من الأمم مهديّاً ينتظر غيره)(241).
* وعنه، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي، قال، حدَّثنا محمّد بن الحسن الطحّان، الضحّاك العجلّي، عن محمّد بن يزيد النخعي، عن سيف بن عميرة، قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): (المؤمن ليخيَّر في قبره، إذا قام القائم، فيقال له: قد قام صاحبك، فإن أحببت أن تلحق به فالحق، وإن أحببت أن تقيم في كرامة الله فأقم...)(242).
* وأخبرني أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن عبد الله بن خالد الكاتب(243)، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن جعفر بن محمّد بن محمّد الخلال(244)، قال: حدَّثني محمّد بن إسكاب والحسن بن منصور الجصاص، قالا: حدَّثنا أبو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(240) في (م)، (ط): (هو و).
(241) الكافي 1: 374/ ح 34؛ إثبات الهداة 7: 148/ ح 720.
(242) حلية الأبرار 2: 617 و641.
(243) في (ط): (الكابلي).
(244) في (ع): (الحلال).
النضر(245)، قال: حدَّثنا شيبان، عن مطر الوراق، عن أبي الصدّيق، عن أبي سعيد أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: (لا تقوم الساعة حتَّى يملك رجل من أهل بيتي، أجلى، أقنى، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت قبله ظلماً، يكون سبع سنين)(246).
* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، قال: حدَّثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، [قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مالك](247)، قال: حدَّثنا عباد بن يعقوب، قال: أخبرنا يحيى بن سالم، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (صاحب هذا الأمر أصغرنا سنّاً، وأخملنا شخصاً).
قلت: متى يكون؟
قال: (إذا سارت الركبان ببيعة الغلام، فعند ذلك يرفع كلّ ذي صيصية(248) لواء، فانتظروا الفرج)(249).
* وحدَّثني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الحرمي، قال: حدَّثنا أبو محمّد هارون بن موسى، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(245) هو هشام بن القاسم بن مسلم بن مقسم الليثي البغدادي من كبار شيوخ أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، ولد سنة (134هـ) وتوفّي سنة (207هـ) وهو يروي عن أبي معاوية شيبان بن عبد الرحمن التميمي البصري المؤدّب من شيوخ أبي حنيفة، توفّي سنة (164هـ)، راجع بشأنهما: تهذيب الكمال 12: 592؛ سير أعلام النبلاء 7: 406، و9: 545؛ تهذيب التهذيب 11: 18.
(246) مسند أحمد 3: 17؛ فرائد السمطين 2: 324/ ح 574؛ الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8 : 291/ ح 6787.
(247) أضفناه من الغيبة للنعماني وهو الصواب، حيث لم يرو ابن همام عن عباد إلَّا بواسطة، أو أكثر، ومنهم جعفر بن محمّد بن مالك. راجع: رجال النجاشي: 293؛ تهذيب الكمال 14: 175؛ معجم رجال الحديث 9: 210 و218.
(248) هي الحصون والقلاع، والشوكة التي في رجل الطيور، وقال العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 51: 39: كناية عن القوّة والصولة؛ وانظر: مجمع البحرين 4: 174.
(249) الغيبة للنعماني: 184/ ح 35.
حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي، قال: حدَّثنا عمر بن طرخان، قال: حدَّثنا محمّد بن إسماعيل، عن علي بن عمر بن علي بن الحسين، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (القائم من ولدي، يعمر عمر خليل الرحمن، يقوم في الناس وهو ابن ثمانين(250) سنة، ويلبث فيها أربعين سنة، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً)(251).
* وأخبرني أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن عبد الله بن خالد، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن جعفر، قال: حدَّثني محمّد بن عبيد بن عتبة الكندي، قال: حدَّثني إسماعيل بن أبان الورّاق، قال: حدَّثنا عبد الله بن مسلم الملائي، عن أبي الحجاف، عن خالد بن عبد الملك، عن مطر الوراق، عن الناجي - يعني أبا الصدّيق -، عن أبي مسلم(252) أنَّه سمعه يقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (أبشروا بالمهدي، فإنَّه يبعث على حين اختلاف من الناس شديد، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكنو السماء وساكنو الأرض، ويملأ الله (عزَّ وجلَّ) قلوب عباده غنى، ويسعهم عدله)(253).
* وحدَّثني أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: حدَّثنا محمّد بن همام، [قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مالك](254)، قال: حدَّثنا محمّد بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(250) في (ط): (ثلاثين).
(251) إثبات الهداة 7: 149/ ح 722.
(252) كذا في سند هذا الحديث، وفيما مرَّ من الأحاديث عن أبي سعيد الخدري، انظر: تهذيب الكمال 4: 223.
(253) مسند أحمد 3: 37 و52؛ الغيبة للطوسي: 178/ ح 136؛ البيان في أخبار صاحب الزمان: 505؛ الفصول المهمّة: 297.
(254) ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصادر الأخرى.
الحسن الصيرفي(255)، قال: حدَّثني يحيى بن المثنّى العطّار، عن عبد الله بن بكير، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (يفقد الناس إمامهم(256)، يشهد الموسم يراهم ولا يرونه)(257).
* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، قال: حدَّثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدَّثنا أحمد بن هلال، قال: حدَّثني الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب وأبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (إنَّ لقيام قائمنا (عليه السلام) علامات، بلوى من الله للمؤمنين)(258).
قلت: وما هي؟
قال: (ذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)(259))، قال: ((لَنَبْلُوَنَّكُمْ) يعني المؤمن (بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ) من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم (وَالْجُوعِ) بغلاء أسعارهم (وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوالِ))، قال: (فساد التجارات، وقلّة(260) الفضل (وَالأَنْفُسِ) موت ذريع، (وَالثَّمَراتِ) قلّة ريع ما يزرع وقلّة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(255) كذا في النسخ، وسيأتي فيما بعد: الحسن بن محمّد بن سماعة الصيرفي، وهو الموافق لما في الغيبة للنعماني: 175/ ح 13؛ وكمال الدين: 351/ ح 49. وفي أسانيد أخرى لهذا الحديث: إسحاق بن محمّد الصيرفي، راجع: معجم رجال الحديث 3: 70، و5: 135، و20: 87 .
(256) في (ع)، (م): (إمام).
(257) الكافي 1: 272/ ح 6، و274/ ح 12؛ كمال الدين: 346/ ح 33، و351/ ح 49، و440/ ح7؛ الغيبة للنعماني: 175/ ح 13؛ الغيبة للطوسي: 161/ ح 119.
(258) في (ع)، (م): (للمؤمن).
(259) البقرة: 155.
(260) في (ع): (وفضل).
بركة الثمار (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) عن ذلك بخروج القائم (عليه السلام)). ثمّ قال لي: (يا محمّد، هذا(261) تأويله (ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(262))(263).
* وأخبرني أبو علي الحسن بن الحسين بن العبّاس النعالي(264)، قال: حدَّثنا أبو الحسن محمّد بن جعفر بن محمّد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد، قال: حدَّثنا أبو جعفر أحمد بن زيد، قال: حدَّثني أبو محمّد، عن أُمّ سعيد الأحمسية، قالت: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جُعلت فداك يا ابن رسول الله، اجعل في يدي علامة من خروج القائم.
قالت: قال لي: (يا أُمّ سعيد، إذا انكسف القمر ليلة البدر من رجب، وخرج رجل من تحته، فذاك عند خروج القائم)(265).
* وأخبرني أبو عبد الله، قال: حدَّثنا أبو محمّد هارون بن موسى، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا إبراهيم بن صالح النخعي، عن محمّد بن عمران، عن المفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (يكرُّ(266) مع القائم (عليه السلام) ثلاث عشرة امرأة)(267).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(261) في (ع)، (م): (هو).
(262) آل عمران: 7.
(263) كمال الدين: 649/ ح 3؛ الغيبة للنعماني: 250/ ح 5؛ كشف الغمّة 2: 462؛ المستجاد من كتاب الإرشاد: 551؛ ينابيع المودّة: 421.
(264) في (ط): (الثعلبي)، وفي (ع): (الثعالبي)، وفي (م): (الثعلابي)، تصحيفات صوابها ما في المتن، وقد تقدَّمت ترجمته.
(265) إثبات الهداة 7: 149/ ح 724.
(266) في (ط): (يكن).
(267) المعدود في الحديث تسع نساء.
قلت: وما يصنع بهنَّ؟
قال: (يداوين الجرحى، ويقمن على المرضى، كما كان مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)).
قلت: فسمهنَّ لي.
فقال: (القنواء بنت رشيد، وأُمّ أيمن، وحبابة الوالبية، وسميّة أُمّ عمّار بن ياسر، وزبيدة(268)، وأُمّ خالد الأحمسية، وأُمّ سعيد الحنفية، وصبانة(269) الماشطة، وأُمّ خالد الجهنية)(270).
* وأخبرني أبو الحسين، عن أبيه، عن بن همام(271)، قال: حدَّثنا سعدان بن مسلم، عن جهم بن أبي جهمة(272)، قال: سمعت أبا الحسن موسى (عليه السلام) يقول: (إنَّ الله تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام، ثمّ خلق الأبدان بعد ذلك، فما تعارف منها في السماء تعارف في الأرض، وما تناكر منها في السماء تناكر في الأرض، فإذا قام القائم (عليه السلام) ورَّث الأخ في الدين، ولم يورّث الأخ في الولادة، وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(268) في (ع)، (م): (زبيرة).
(269) في (ع): (صيانة).
(270) إثبات الهداة 7: 15/ ح 725؛ مدينة المعاجز: 513.
(271) الظاهر سقوط الواسطة بين ابن همام وسعدان، ولعلَّه علي بن محمّد بن مسعدة، شيخ ابن همام والراوي عن سعدان، راجع: أمالي الطوسي 1: 166؛ بشارة المصطفى: 93؛ معجم رجال الحديث 12: 161.
(272) في (ط): (جرهم بن أبي جهنة)، والصواب ما في المتن، وهو كوفي من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، له كتاب نوادر، رواه عنه سعدان بن مسلم، وقد اختلف في اسمه على أقوال، راجع: رجال البرقي: 50؛ رجال الطوسي: 345؛ رجال النجاشي: 131؛ لسان الميزان 2: 143، وغيرها.
في كتابه: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)(273)، (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ)(274)...)(275).
* وأخبرني أبو عبد الله الحرمي، عن أبي محمّد، عن بن همام(276)، قال: حدَّثنا سليمان(277) بن صالح، قال: حدَّثني أبو الهيثم القصّاب، عن المفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إنَّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها، واستغنى العباد عن ضوء الشمس، وصار الليل والنهار واحداً، وذهبت الظلمة، وعاش الرجل في زمانه ألف سنة، يولد له في كلّ سنة غلام، لا يولد له جارية، ويكسوه الثوب، فيطول عليه كلَّما طال، ويتلوَّن عليه أيّ لون شاء).
* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همام، [قال: حدَّثني جعفر بن محمّد بن مالك](278)، عن عباد بن يعقوب، قال: حدَّثني الحسن بن حماد(279) الطائي، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (صاحب هذا الأمر الطريد الشريد، الموتور بأبيه، وهو يكنّى بعمّه، المفرد(280) من أهله، اسمه اسم نبيّ)(281).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(273) المؤمنون: 1.
(274) المؤمنون: 101.
(275) المحجّة للبحراني: 146.
(276) سقطت الواسطة بين همام وسليمان بن صالح.
(277) في (ط)، (م): (سلمان).
(278) من الغيبة للنعماني.
(279) في (م)، (ط): (عماد)، وهو تصحيف، صوابه ما في المتن، راجع: رجال الطوسي: 168.
(280) في (ط): (الفرد).
(281) الغيبة للنعماني: 178 و179/ ح 22 - 24.
* وعنه، عن أبيه أبي محمّد هارون بن موسى (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا علي بن محمّد الرازي، عمَّن رواه عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (العام الذي لا يشهد صاحب هذا الأمر الموسم، لا يقبل من الناس حجّهم)(282).
* وعنه، عن أبيه، عن محمّد بن همام، [قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري](283)، قال: حدَّثنا عبد الله بن محمّد بن خالد التميمي، قال: حدَّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (قبل القائم (عليه السلام) خمس علامات: السفياني، واليماني، والمرواني، وشعيب بن صالح، وكفّ تقول: هذا، هذا)(284).
* وعنه، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همام(285)، قال: حدَّثنا القاسم ابن وهيب، قال: حدَّثني إسماعيل بن أبان، عن يونس بن أبي يعفور، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إذا خرج السفياني بعث جيشاً إلينا، وجيشاً إليكم، فإذا كان ذلك فأتونا على كلّ صعب وذلول)(286).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(282) حلية الأبرار 2: 607.
(283) من الغيبة للنعماني، ولعلَّه الصواب لبعد طبقتي ابن همام والتميمي، راجع: معجم رجال الحديث 10: 93 و307.
(284) نحوه في الكافي 8 : 310/ ح 483؛ وكمال الدين: 649/ ح 1، و650/ ح 7؛ والغيبة للنعماني: 252/ ح 9، و253/ ح 12؛ والغيبة للطوسي: 436/ ح 427؛ والبرهان في علامات آخر الزمان: 114/ ح 10.
(285) زاد في الغيبة للنعماني: (قال: حدَّثني جعفر بن محمّد بن مالك)، ولعلَّه الصواب، ولم أعثر على ترجمة للقاسم بن وهيب، أو الحسن بن وهب كما في (الغيبة).
(286) الغبية للنعماني: 306/ ح 17.
والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد المصطفى وآله وسلَّم تسليماً.
خبر أُمّ القائم (عليه السلام) وسيرتها إلى أن اشتريت:
* حدَّثنا أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله بن المطَّلب الشيباني سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، قال: حدَّثنا أبو الحسين محمّد بن بحر الرهني(287) الشيباني، قال: وردت كربلاء سنة ستّ وثمانين ومائتين، وزرت قبر غريب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ثمّ انكفأت إلى مدينة السلام متوجّهاً إلى مقابر قريش في وقت تضرم الهواجر وتوقد السمائم(288) فلمَّا وصلت منها إلى مشهد الكاظم (عليه السلام) واستنشقت نسيم تربته المغمورة بالرحمة، المحفوفة بحدائق الغفران، انكببت عليها بعبرات متقاطرة، وزفرات متتابعة، وقد حجب الدمع طرفي عن النظر. فلمَّا رقأت العبرة، وانقطع النحيب، فتحت بصري، فإذا أنا بشيخ قد انحنى صلبه، وتقوَّس منكباه وتثفَّنت(289) جبهته وراحتاه، وهو يقول لآخر معه عند القبر: يا ابن أخي، لقد نال عمّك شرفاً عظيماً بما حمله السيّدان من غوامض العبرات، وشرائف العلوم التي لا يحتمل مثلها إلَّا سلمان الفارسي (رضي الله عنه)، وقد أشرف عمّك على استكمال المدّة وانقضاء العمر، وليس يجد في أهل الولاية رجلاً يفضي إليه بسرّه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(287) في النسخ: (محمّد بن يحيى الذهبي)، تصحيف صوابه ما في المتن، راجع: رجال النجاشي: 384؛ معجم رجال الحديث 15: 122.
(288) في (ط): (تقدَّم).
(289) في (ط): (السماء).
قلت: يا نفس، لا يزال العناء والمشقّة ينالان منك باتعابي(290) الخفّ والحافر في طلب العلم، وقد قرعت سمعي من الشيخ لفظة تدلُّ على علم جسيم، وأثر عظيم. فقلت: يا شيخ، من السيّدان؟
قال: النجمان المغيبان(291) في سُرَّ من رأى.
فقلت: فإنّي أقسم بالولاية، وشرف محلّ هذين السيّدين من الإمامة والوارثة، إنّي خاطب علمهما، وطالب آثارهما، وباذل من نفسي الإيمان المؤكّدة على حفظ أسرارهما.
فقال: إن كنت فيما تقول صادقاً، فاحضر ما صحبك من الآثار عن نقلة أخبارهم.
فلمَّا نشرت الكتب، وتصفَّح الروايات منها، قال: صدقت، أنا بشر(292) بن سليمان النخّاس، من ولد أبي أيّوب خالد بن زيد الأنصاري، أحد موالي أبي الحسن وأبي محمّد (عليهما السلام)، وجارهما بسُرَّ من رأى.
قلت: فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما.
قال: فإنَّ مولانا أبا الحسن علي بن محمّد العسكري (عليه السلام) فقَّهني في أمر الرقيق، فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلَّا بإذنه، فأتجنَّب بذلك موارد الشبهات، حتَّى كملت معرفتي وأحسنت الفرق بين الحلال والحرام. فبينا أنا ذات ليلة في منزلي بسُرَّ من رأى، وقد مضى هوي(293) منها، إذ قرع الباب قارع، فعدوت مسرعاً، فإذا أنا بكافور خادم مولانا أبي الحسن علي بن محمّد (عليه السلام) يدعوني إليه، فلبست
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(290) في (ع)، (م): (وتنقبت).
(291) في (ع): (البحران المغيبان)، وفي (م): (البحران المعينان).
(292) في (م)، (ط): (بشير).
(293) الهوي: الساعة من الليل.
ثيابي، فدخلت عليه، فرأيته يحدّث ابنه أبا محمّد (عليه السلام)، وأخته حكيمة من وراء الستر، فلمَّا جلست قال: (يا بشر، إنَّك من ولد الأنصار، وهذه الولاية لم تزل فيكم، يرثها خلف عن سلف، وأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإنّي مزكّيك ومشرّفك بفضيلة تسبق بها سوابق الشيعة في الولاية، بسرّ أطلعك عليه، وأنفذك في تتبّع أمره). وكتب كتاباً لطيفاً بخطّ رومي، ولغة رومية، وطبع عليه خاتمه، وأخرج سبيكة صفراء، فيها مائتان وعشرون ديناراً، فقال: (خذها وتوجَّه إلى مدينة بغداد، واحضر معبر الفرات، ضحوة يوم كذا، فإذا وصلت إلى جانب زواريق السبايا وبرزت(294) الجواري منها، فستحدق بهنَّ طوائف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العبّاس، وشراذم من فتيان العراق، فإذا رأيت ذلك فاشرف من البعد على المسمّى عمرو بن يزيد(295) النخّاس عامّة نهارك، إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا، لابسة حريرين صفيقين(296)، تمنع من السفور، وليس يمكن التوصّل(297) والانقياد لمن يحاول لمسها، فيشغل نظره بتأمّل مكاشفها من وراء الستر الرقيق، فيضربها النخّاس، فتصرخ صرخة رومية، فاعلم أنَّها تقول: وا هتك ستراه!
فيقول بعض المبتاعين: عليَّ بثلاثمائة دينار، فقد زادني العفاف فيها رغبة.
فتقول له بالعربية: لو برزت في زيّ سليمان بن داود على مثل سرير ملكه، ما بدت لي فيك رغبة، فاشفق على مالك.
فيقول النخّاس: فما الحيلة؟ ولا بدَّ من بيعك؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(294) في (ع): (وبور)، وفي (ط): (وبدزن).
(295) في (ط)، (م): (مزيد).
(296) الثوب الصفيق: المتين، الجيد النسج، الكثيف. (لسان العرب 10: 204/ مادة صفق).
(297) في (ط): (الوصول).
فتقول الجارية: وما العجلة، ولا بدَّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إلى أمانته ووفائه.
فعند ذلك قم إلى عمرو بن يزيد النخّاس وقل له: إنَّ معي كتاباً لطيفاً لبعض الأشراف، كتبه بلغة رومية ولفظ رومي، ووصف فيه نبله وكرمه ووفاءه وسخاءه، فناولها لتتأمَّل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك).
قال بشر بن سليمان النخّاس: فامتثلت جميع ما حدَّه لي مولانا أبو الحسن (عليه السلام) في أمر الجارية: فلمَّا نظرت إلى الكتاب بكت بكاءً شديداً، وقالت لعمرو بن يزيد النخّاس: بعني من صاحب هذا الكتاب. وحلفت بالمحرجة المغلظة(298) إنَّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها.
فما زلت أشاحه(299) في ثمنها حتَّى استقرَّ الثمن على مقدار ما كان أصحبني مولاي أبو الحسن (عليه السلام) من الدنانير في السبيكة الصفراء، فاستوفاه منّي وتسلَّمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتَّى أخرجت كتاب مولانا أبي الحسن من كمّها وهي تلثمه، وتضعه على خدّها، وتطبقه على جفنها وتمسحه على بدنها، فقلت متعجّباً منها: أتلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه؟!
فقالت: أيّها العاجز، الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء، أعرني سمعك، وفرّغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا(300) بن قيصر ملك الروم،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(298) المحرجة من الأيمان: التي لا مخرج منها، والمغلظة: المؤكّدة.
(299) في (م)، (ط): (أشاحنه).
(300) في المصدر: (يسوعاً)، وأثبتنا ما في المصادر الأخرى، وهو الصحيح.
وأُمّي(301) من ولد الحواريين، ونسبي متَّصل إلى وصيّ المسيح شمعون. أنبّئك بالعجب أنَّ جدّي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه، وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريين، من القسّيسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الأخطار منهم تسعمائة رجل، وجمع من أمراء الأجناد، وقوّاد العساكر، ونقباء الجيوش، وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهي(302) ملكه كرسياً مرصعاً من أصناف الجواهر، إلى صحن القصر فوق أربعين مرقاة.
فلمَّا صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان، وقامت الأساقفة خلفه، ونشرت أسفار الإنجيل، تساقطت الصلبان من الأعالي حتَّى ألصقت بالأرض، وتقوَّضت الأعمدة، وتغيَّرت ألوان الأساقفة، وارتعدت فرائصهم. فقال كبيرهم لجدّي: أيّها الملك، أعفنا من ملاقاة هذه النحوس، الدالّة على زوال هذا الدين المسيحي، والمذهب الملكاني(303).
فتطيَّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً، وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة، وارفعوا الصلبان، واحضروا أخا هذا العاثر المنكوس جدّه، لأزوّج منه هذه الصبيّة، فتدفع نحوسه عنكم بسعوده.
فلمَّا فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأوّل وتفرَّق الناس وقام جدّي قيصر مغتمّاً، فدخل قصره، وأرخيت الستور. وأريت(304)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(301) في (ع)، (م): (وأبي).
(302) في (ع)، (م): (بهر).
(303) الملكانية: أصحاب: ملكا، الذي ظهر بأرض الروم، واستولى عليها. ومعظم الروم ملكانية. (الملل والنحل 1: 203).
(304) في (ط): (ورأيت).
في تلك الليلة كأنَّ المسيح وشمعون وعدّة من الحواريين، قد اجتمعوا في قصر جدّي، ونصبوا فيه منبراً، يباري السماء علواً وارتفاعاً، في الموضع الذي كان جدّي نصب فيه عرشه، فيدخل عليهم محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) مع ختنه وعدّة من أهل بيته، فيقوم إليهم المسيح فيعتنقه، فيقول له: يا روح الله إنّي جئتك خاطباً من وصيّك شمعون فتاته فلانة، لابني هذا.
وأومأ بيده إلى أبي محمّد ابن صاحب هذا الكتاب، فنظر المسيح إلى شمعون، فقال: قد أتاك الشرف، فصل رحمك برحم رسول الله.
قال: قد فعلت.
فصعدوا ذلك المنبر، فخطب محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وزوَّجني من ابنه، وشهد المسيح (عليه السلام)، وشهد أبناء محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) والحواريون. فلمَّا استيقظت من نومي أشفقت(305) أن أقصّ هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل، فكنت أسرها في نفسي، ولا أبديها لهم، وضرب صدري بمحبّة أبي محمّد (عليه السلام)، حتَّى امتنعت عن الطعام والشراب، وضعفت نفسي، ودقَّ شخصي، ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي في مدائن الروم طبيب إلَّا أحضره جدّي وسأله عن دوائي، فلمَّا برح به اليأس قال: قرَّة عيني، يخطر ببالك شهوة فأزوّدكها في هذه الدنيا؟
قلت: يا جدّي أرى أبواب الفرج عليَّ مغلقة، فلو كشفت العذاب(306) عمَّن في سجنك من أسارى المسلمين، وفككت عنهم الأغلال، وتصدَّقت عليهم، ومنيتهم(307) بالخلاص، رجوت أن يهب لي المسيح وأُمّه العافية والشفاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(305) في (ع)، (م): (أنفت).
(306) (العذاب) ليس في (ع)، (م).
(307) في (ع)، (م): (ومننتهم).
فلمَّا فعل ذلك تجلَّدت في إظهار الصحَّة في بدني، وتناولت يسيراً من الطعام، فسرَّ بذلك جدّي، وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم، فرأيت أيضاً بعد أربع عشرة ليلة كأنَّ سيّدة النساء فاطمة (عليها السلام)، ومعها مريم بنت عمران، وألف من وصائف الجنان، فتقول لي مريم: هذه سيّدة النساء أُمّ زوجك أبي محمّد (عليه السلام).
فأتعلَّق بها وأبكي، وأشكو إليها امتناع أبي محمّد (عليه السلام) من زيارتي.
فقالت سيّدة النساء (عليها السلام): إنَّ ابني أبا محمّد لا يزورك وأنت مشركة بالله، على مذهب النصرانية، هذه أختي مريم ابنة عمران تبرأ إلى الله من ذلك، فإن ملت إلى رضا الله، ورضا المسيح ومريم عنك، وزيارة ابني أبي محمّد إيّاك، فقولي: أشهد أن لا إله إلَّا الله، وأنَّ محمّداً رسول الله.
فلمَّا تكلَّمت بهذه الكلمة ضمَّتني سيّدة النساء إلى صدرها، وطيَّبت نفسي، وقالت: الآن توقعي زيارة ابني أبي محمّد إيّاك، فإنّي منفذته إليك.
فانتبهت وأنا أقول: وا شوقاه إلى لقاء أبي محمّد.
فلمَّا كانت الليلة القابلة: رأيت أبا محمّد (عليه السلام) كأنَّني أقول له: لِمَ جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبّك؟
قال: فما كان تأخّري عنك إلَّا لشركك، وإذ قد أسلمت فإنّي زائرك كلّ ليلة إلى أن يجمع الله شملنا في العيان، فما قطع عنّي زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.
قال بشر: فقلت لها: وكيف وقعت في الأسارى؟
قالت: أخبرني أبو محمّد (عليه السلام) ليلة من الليالي: إنَّ جدّك سيسير جيوشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا، فعليك باللحاق به، متنكّرة في زيّ الخدم، مع عدّة من الوصائف، من طريق كذا.
ففعلت، فوقعت علينا طلائع المسلمين، حتَّى كان من أمري ما رأيت وشاهدت، وما شعر بأنّي ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية أحد سواك، وذلك باطلاعي إيّاك عليه، ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في قسم الغنيمة عن اسمي، فأنكرت وقلت: نرجس.
فقال: اسم الجواري.
قال بشر: فقلت لها: العجب أنَّك رومية ولسانك عربي!
قالت: بلغ من ولوع(308) جدّي وحبّه إيّاي على تعلّم الآداب، أن أوعز إلى امرأة ترجمان له، في الاختلاف إليَّ، فكانت تقصدني صباحاً ومساءً وتفيدني العربية، حتَّى استمرَّ عليها لساني، واستقام.
قال بشر: فلمَّا انكفأت بها إلى سُرَّ من رأى دخلت على مولانا أبي الحسن (عليه السلام) بها، فقال لها: (كيف أراك الله (عزَّ وجلَّ) عزّ الإسلام وذلّ النصرانية، وشرف أهل بيت نبيّه محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟).
قالت: كيف أصف لك - يا ابن رسول الله - ما أنت أعلم به منّي!
قال: (فإنّي أحبّ أن أكرمك، فأيّما أحبّ إليك: عشرة آلاف درهم، أم بشرى لك بشرف الأبد؟).
قالت: بل البشرى.
قال: (أبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً).
فقالت: ممَّن؟
قال: (ممَّن خطبك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ليلة كذا من شهر كذا بالرومية؟).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(308) في (ع)، (م): (بلوغ).
قالت: من ابنك أبي محمّد (عليه السلام).
قال: (فهل تعرفينه؟).
قالت: وهل خلت ليلة من زيارته إيّاي منذ الليلة التي أسلمت على يد سيّدة النساء (عليها السلام)!
فقال أبو الحسن: (يا كافور، ادع لي حكيمة أختي)، فلمَّا دخلت عليه قال لها: (ها هي). فاعتنقتها طويلاً، وسرَّت(309) بها كثيراً. فقال مولانا: (يا بنت رسول الله، خذيها إليك وعلّميها الفرائض والسُنن، فإنَّها زوجة أبي محمّد)(310).
والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله وسلَّم تسليماً كثيراً.
في معرفة الولادة، وفي أيّ ليلة وأيّ شهر ولد، وأين ولد (عليه السلام):
* حدَّثنا أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: حدَّثني محمّد(311) بن إسماعيل الحسني، عن حكمية ابنة محمّد بن علي الرضا (عليه السلام) أنَّها قالت: قال لي الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) ذات ليلة، أو ذات يوم: (أحبّ أن تجعلي إفطارك الليلة عندنا، فإنَّه يحدث في هذه الليلة أمر).
فقلت: وما هو؟
قال: (إنَّ القائم من آل محمّد يولد في هذه الليلة).
فقلت: ممَّن؟
قال: (من نرجس).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(309) في النسخ: (وسألت).
(310) كمال الدين: 417/ ح 1؛ الغيبة للطوسي: 208/ ح 178؛ روضة الواعظين: 252؛ مناقب ابن شهرآشوب 4: 440.
(311) (محمّد) ليس في (ط).
فصرت إليه، ودخلت إلى(312) الجواري، فكان أوّل من تلقَّتني نرجس، فقالت: يا عمّة، كيف أنت؟ أنا أفديك.
فقلت لها: بل أنا أفديك يا سيّدة نساء(313) هذا العالم.
فخلعت خفي وجاءت لتصبّ على رجلي الماء، فحلَّفتها ألَّا تفعل وقلت لها: إنَّ الله قد أكرمك بمولود تلدينه في هذه الليلة.
فرأيتها لمَّا قلت لها ذلك قد لبسها ثوب من الوقار والهيبة، ولم أرَ بها حملاً ولا أثر حمل. فقالت: أيّ وقت يكون ذلك؟
فكرهت أن أذكر وقتاً بعينه فأكون قد كذبت. فقال لي أبو محمّد (عليه السلام): (في الفجر الأوّل). فلمَّا أفطرت وصلَّيت وضعت رأسي ونمت، ونامت نرجس معي في المجلس، ثمّ انتبهت وقت صلاتنا، فتأهبت، وانتبهت نرجس وتأهبت، ثمّ إنّي صلَّيت، وجلست أنتظر الوقت، ونام الجواري، ونامت نرجس، فلمَّا ظننت أنَّ الوقت قد قرب خرجت فنظرت إلى السماء، وإذا الكواكب قد انحدرت، وإذا هو قريب من الفجر الأوّل، ثمّ عدت فكأنَّ الشيطان أخبث قلبي(314). قال أبو محمّد: (لا تعجلي، فكأنَّه قد كان). وقد سجد فسمعته يقول في دعائه شيئاً لم أدرِ ما هو، ووقع عليَّ السبات في ذلك الوقت، فانتبهت بحركة الجارية، فقلت لها: بسم الله عليك، فسكنت إلى صدري فرمت به عليَّ، وخرَّت ساجدة، فسجد الصبي، وقال: لا إله إلَّا الله، محمّد رسول الله، وعلي(315) حجّة الله. وذكر إماماً إماماً حتَّى انتهى إلى أبيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(312) (إلى) ليس في (ط).
(313) في تبصرة الولي: (أفديك بما نشاهد).
(314) في الغيبة للطوسي وبعض المصادر: (فتداخل قلبي الشكّ).
(315) في (ع): علي ولي الله و.
فقال أبو محمّد: (إليَّ ابني).
فذهبت لأصلح منه شيئاً، فإذا هو مسوى مفروغ منه، فذهبت به إليه، فقبَّل وجهه ويديه ورجليه، ووضع لسانه في فمه، وزقَّه كما يزقّ الفرخ، ثمّ قال: (اقرأ). فبدأ بالقرآن من بسم الله الرحمن الرحيم إلى آخره. ثمّ إنَّه دعا بعض الجواري ممَّن علم أنَّها تكتم خبره، فنظرت، ثمّ قال: (سلّموا عليه وقبّلوه وقولوا: استودعناك الله، وانصرفوا).
ثمّ قال: (يا عمّة، ادعي لي نرجس). فدعوتها وقلت لها: إنَّما يدعوك لتودّعيه.
فودَّعته، وتركناه مع أبي محمّد (عليه السلام)، ثمّ انصرفنا.
ثمّ إنّي صرت إليه من الغد، فلم أرَه عنده، فهنَّأته فقال: (يا عمّة هو في ودائع الله، إلى أن يأذن الله في خروجه)(316).
* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، قال: حدَّثني أبي (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد، قال: حدَّثنا محمّد بن جعفر، عن أبي نعيم(317)، عن محمّد بن القاسم العلوي، قال: دخلنا جماعة من العلوية على حكيمة بنت محمّد بن علي بن موسى (عليهم السلام)، فقالت: جئتم تسألونني(318) عن ميلاد وليّ الله؟
قلنا: بلى والله.
قالت: كان عندي البارحة، وأخبرني بذلك، وإنَّه كانت عندي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(316) حلية الأبرار 2: 522 و533 و536 نحوه؛ تبصرة الولي: 15/ ح 3؛ مدينة المعاجز: 589/ ح 5.
(317) هو محمّد بن أحمد الأنصاري، روى عنه محمّد بن جعفر بن عبد الله، انظر: الغيبة للطوسي: 246 و259 (أي: الحديث بعد الذي يليه).
(318) في (م)، (ط): (تسألون).
صبيّة يقال لها: (نرجس) وكنت أربّيها من بين الجواري، ولا يلي تربيتها غيري، إذ دخل أبو محمّد (عليه السلام) عليَّ ذات يوم فبقي يلحّ النظر إليها، فقلت: يا سيّدي، هل لك فيها من حاجة؟
فقال: (إنّا معشر الأوصياء لسنا ننظر نظر ريبة، ولكنّا ننظر تعجّباً أنَّ المولود الكريم على الله يكون منها).
قالت: قلت: يا سيّدي، فأروح بها إليك؟
قال: (استأذني(319) أبي في ذلك).
فصرت إلى أخي (عليه السلام)، فلمَّا دخلت عليه تبسَّم ضاحكاً وقال: (يا حكيمة، جئت تستأذنيني في أمر الصبيّة، ابعثي بها إلى أبي محمّد، فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يحبّ أن يشركك في هذا الأمر). فزيَّنتها وبعثت بها إلى أبي محمّد (عليه السلام)، فكنت بعد ذلك إذا دخلت عليها تقوم فتقبّل جبهتي فأُقبّل رأسها، وتقبّل(320) يدي فأقبّل رجلها، وتمّد يدها إلى خفي لتنزعه فأمنعها من ذلك، فأُقبّل يدها إجلالاً وإكراماً للمحلّ الذي أحلَّه الله تعالى فيها، فمكثت بعد ذلك إلى أن مضى أخي أبو الحسن (عليه السلام)، فدخلت على أبي محمّد (عليه السلام) ذات يوم فقال: (يا عمّتاه، إنَّ المولود الكريم على الله ورسوله(321) سيولد ليلتنا هذه).
فقلت: يا سيّدي، في ليلتنا هذه؟
قال: (نعم).
فقمت إلى الجارية فقلَّبتها ظهراً لبطن، فلم أرَ بها حملاً، فقلت: يا سيّدي، ليس بها حمل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(319) في (ع): (استأذن).
(320) في (ع) زيادة: (يدي، فأُقبّل رأسها وتقبّل).
(321) (ورسوله) ليس في (ع)، (م).
فتبسَّم ضاحكاً وقال: (يا عمّتاه، إنّا معاشر(322) الأوصياء ليس يحمل بنا في البطون، ولكنّا نحمل في الجنوب).
فلمَّا جَنَّ الليل صرت إليه، فأخذ أبو محمّد (عليه السلام) محرابه، فأخذت محرابها فلم يزالا يحييان الليل، وعجزت عن ذلك فكنت مرّة أنام ومرّة أصلّي إلى آخر الليل، فسمعتها آخر الليل في القنوت، لمَّا انفتلت من الوتر مسلّمة، صاحت: يا جارية، الطست. فجاءت بالطست فقدَّمته إليها فوضعت صبيّاً كأنَّه فلقة قمر، على ذراعه الأيمن مكتوب: (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً)(323). وناغاه ساعة حتَّى استهل، وعطس، وذكر الأوصياء قبله، حتَّى بلغ إلى نفسه، ودعا لأوليائه على يده بالفرج. ثمّ وقعت ظلمة بيني وبين أبي محمّد (عليه السلام)، فلم أرَه، فقلت: يا سيّدي، أين الكريم على الله؟
قال: (أخذه من هو أحقّ به منك).
فقمت وانصرفت إلى منزلي، فلم أرَه. وبعد أربعين يوماً دخلت دار أبي محمّد (عليه السلام). فإذا أنا بصبي يدرج في الدار، فلم أرَ وجهاً أصبح(324) من وجهه، ولا لغة أفصح من لغته، ولا نغمة أطيب من نغمته، فقلت: يا سيّدي، من هذا الصبي؟ ما رأيت أصبح وجهاً منه، ولا أفصح لغة منه، ولا أطيب نغمة منه.
قال: (هذا المولود الكريم على الله).
قلت: يا سيّدي، وله أربعون يوماً، وأنا(325) أرى من أمره هذا!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(322) في (ع): (معشر).
(323) الإسراء: 81 .
(324) في (ط): (أحسن).
(325) في (ط) زيادة: (لا).
قالت: فتبسَّم ضاحكاً وقال: (يا عمّتاه، أمَا علمت أنّا معشر الأوصياء ننشأ في اليوم كما ينشأ غيرنا في الجمعة، وننشأ في الجمعة كما ينشأ غيرنا في الشهر، وننشأ في الشهر كما ينشأ(326) غيرنا في السنة؟!).
فقمت فقبَّلت رأسه وانصرفت إلى منزلي، ثمّ عدت، فلم أرَه، فقلت: يا سيّدي، يا أبا محمّد، لست أرى المولود الكريم على الله.
قال: (استودعناه من استودعته أُمّ موسى، موسى).
وانصرفت وما كنت أراه إلَّا كلّ أربعين يوماً. وكانت الليلة التي ولد فيها ليلة الجمعة، لثمان ليال خلون من شعبان، سنة سبع وخمسين ومائتين من الهجرة. ويروى: ليلة الجمعة النصف من شعبان سنة سبع(327).
نسبه (عليه السلام):
هو الخلف بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(328) بن عبد المطَّلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد ابن أدد بن الهميسع بن يشخب بن تيم بن نكث بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم (عليهم السلام).
وكناه: أبو القاسم، وأبو جعفر، وله كنى أحد عشر إماماً.
وألقابه: المهدي، والخلف، والناطق(329)، والقائم، والثائر، والمأمول،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(326) في (م)، (ط): (الأوصياء ننشأ في الشهر ما ينشأ).
(327) حلية الأبرار 2: 534؛ مدينة المعاجز: 590/ ح 8؛ تبصرة الولي: 19/ ح 4.
(328) في (م)، (ط): (عبد مناف).
(329) (والناطق) ليس في (ع).
والمنتظر، والوتر، والمديل، والمعتصم، والمنتقم، والكرار، وصاحب الرجعة البيضاء والدولة الزهراء، والقابض، والباسط، والساعة، والقيامة، والوارث، والجابر(330)، وسدرة المنتهى، والغاية القصوى، وغاية الطالبين، وفرج المؤمنين، ومنية الصبر، والمخبر بما لم(331) يعلم، وكاشف الغطاء، والمجازي بالأعمال، ومن لم يجعل له من قبل سميّاً - أي شبهاً -، وذات الأرض، والهول الأعظم، واليوم الموعود، والداعي إلى شيء نكر، ومظهر الفضائح، ومبلي السرائر، ومباني(332) الآيات، وطالب التراث، والفزع الأعظم، والإحسان، والمحسن، والعدل، والقسط، والصبح، والشفق، وعاقبة الدار، والمنعم، والأمان، والسناء، والضياء، والبهاء، والمجاب(333)، والمضيء، والحقّ، والصدق، والصراط، والسبيل، والعين الناظرة، والأذن السامعة، واليد الباسطة، والجانب، والجنب، والوجه، والنفس، والتأييد، والتمكّن، والنصر، والفتح، والقوّة، والعزّة، والقدرة، والملك، والتمام.
فنشأ مع أبيه (عليه السلام) بسُرَّ من رأى ثلاث سنين، وأقام بها بعد وفاة أبيه إحدى عشرة سنة، ثمّ كانت الغيبة التي لا بدَّ منها، إلى أن يظهر الله له الأمر فيأذن له، فيظهر(334).
ولد ليلة الجمعة لثمان خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(330) في (ط): (والحاشر).
(331) في (ط): (ومنته العبر، ومخبر بما لا).
(332) كذا في المصدر، وفي الهداية الكبرى: (ومبدي).
(333) في (ع)، (م): (الحجاب).
(334) في (ع)، (م) زيادة: (لأنَّ)، وكأنَّ بعدها كلام محذوف أو ساقط.
من الهجرة ومضى أبو محمّد (عليه السلام) يوم الجمعة لثمان ليال خلون من ربيع الأوّل سنة، ستّين ومائتين من الهجرة.
وكان أحمد بن إسحاق القمي الأشعري (رضي الله عنه) الشيخ الصدوق، وكيل أبي محمّد (عليه السلام)، فلمَّا مضى أبو محمّد (عليه السلام) إلى كرامة الله (عزَّ وجلَّ) أقام على وكالته مع مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) تخرج إليه توقيعاته، ويحمل إليه الأموال من سائر النواحي التي فيها موالي مولانا، فتسلّمها إلى أن استأذن في المصير(335) إلى قم، فخرج الإذن بالمضي، وذكر أنَّه لا يبلغ إلى قم، وأنَّه يمرض ويموت في الطريق، فمرض بحلوان(336) ومات ودفن بها (رضي الله عنه) وأقام مولانا (عليه السلام) بعد مضي أحمد بن إسحاق الأشعري بسُرَّ من رأى مدّة، ثمّ غاب لما روي في الغيبة من الأخبار عن السادة (عليهم السلام)، مع ما أنَّه مشاهد في المواطن الشريفة الكريمة العالية، والمقامات العظيمة، وقد دلَّت الآثار على صحّة مشاهدته (عليه السلام)(337).
معرفة من شاهده في حياة أبيه (عليهما السلام):
* أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى بن أحمد، قال: حدَّثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا محمّد بن همام، قال: حدَّثني جعفر بن محمّد، قال: حدَّثني محمّد بن جعفر، قال: حدَّثني أبو نعيم، قال: وجَّهت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(335) في (ط): (المسير).
(336) حلوان: تطلق على عدّة مواضع، والمراد هنا حلوان العراق، وهي آخر حدود السواد ممَّا يلي الجبال، كانت مدينة عامرة ثمّ خربت. (معجم البلدان 2: 290).
(337) راجع كمال الدين: 464؛ رجال الكشي: 557/ رقم 1052؛ الخرائج والجرائح 1: 483/ ذيل حديث (22)؛ الاحتجاج 2: 449.
المفوّضة(338) كامل بن إبراهيم المزني(339) إلى أبي محمّد الحسن بن علي (عليه السلام) يباحثون أمره. قال كامل بن إبراهيم: فقلت في نفسي: أسأله عن قوله(340): لا يدخل الجنّة إلَّا من عرف معرفتي وقال بمقالتي.
فلمَّا دخلت على سيّدي أبي محمّد (عليه السلام) نظرت إلى ثياب بيضاء ناعمة عليه، فقلت في نفسي: ولي الله وحجّته يلبس الناعم من الثياب، ويأمرنا نحن بمواساة الإخوان، وينهانا عن لبس مثله!
فقال (عليه السلام) مبتسماً: (يا كامل بن إبراهيم!) وحسر عن ذراعيه، فإذا مسح(341) أسود خشن، فقال: (يا كامل، هذا لله (عزَّ وجلَّ)، وهذا لكم).
فخجلت وجلست إلى باب مرخى عليه ستر، فجاءت الريح فكشفت طرفه، فإذا أنا بفتى كأنَّه قمر، من أبناء أربع، أو مثلها، فقال: (يا كامل بن إبراهيم)، فاقشعررت(342) من ذلك، وأُلهمت أن قلت: لبيك يا سيّدي.
فقال: (جئت إلى وليّ الله وحجّة زمانه، تسأله: هل يدخل الجنّة إلَّا من عرف معرفتك، وقال بمقالتك؟).
فقلت: إي والله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(338) هم قوم زعموا أنَّ الله تعالى فوَّض خلق العالم وتدبيره لرسوله وعلي والأئمّة (عليهم السلام) فخلقوا هم الأرضين والسماوات. راجع: المقالات والفرق: 238؛ الفرق بين الفرق: 251؛ معجم الفرق الإسلاميّة: 235.
(339) في الهداية والغيبة والخرائج: (المدني)؛ وفي إثبات الوصيّة: (المدائني).
(340) (عن قوله) ليس في (ع)، (ط).
(341) المسح: (كساء من شعر).
(342) في (ع)، (م): (فاشعرت).
قال: (إذن - والله - يقلُّ داخلها، والله إنَّه ليدخلها(343) قوم يقال لهم: الحقّية).
قلت: يا سيّدي، ومن هم؟
قال: (هم قوم من حبّهم لعلي يحلفون بحقّه ولا يدرون ما حقّه وفضله).
ثمّ سكت ساعة عنّي، ثمّ قال: (وجئت تسأله عن مقالة المفوّضة، كذبوا عليهم لعنة الله، بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله، فإذا شاء الله شئنا، والله (عزَّ وجلَّ) يقول: (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ))(344) ثمّ رجع والله الستر إلى حالته، فلم استطع كشفه.
ثمّ نظر إليَّ أبو محمّد (عليه السلام) مبتسماً وهو يقول: (يا كامل بن إبراهيم، ما جلوسك وقد أنبأك بحاجتك حجّتي من بعدي؟!)، فانقبضت وخرجت، ولم أعاينه بعد ذلك. قال أبو نعيم: فلقيت كامل بن إبراهيم، وسألته عن هذا الخبر، فحدَّثني به(345).
* وأخبرني أبو القاسم عبد الباقي بن يزداد بن عبد الله البزّاز، قال: حدَّثنا أبو محمّد عبد الله بن محمّد الثعالبي قراءة في يوم الجمعة مستهل رجب سنة سبعين وثلاثمائة، قال: أخبرنا أبو علي أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار، عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي، قال: كنت امرءاً لهجاً بجمع(346) الكتب المشتملة على غوامض العلوم ودقائقها، كلفاً باستظهار ما يصحُّ من حقائقها، مغرماً بحفظ مشتبهها ومستغلقها، شحيحاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(343) في (ع)، (م) زيادة: (حتَّى).
(344) الإنسان: 30.
(345) الهداية الكبرى: 359؛ إثبات الوصيّة: 222؛ الغيبة للطوسي: 246/ ح 216؛ الخرائج والجرائح 1: 458/ ح 4؛ كشف الغمّة 2: 499؛ ينابيع المودّة: 461.
(346) في (ع): (بجميع).
على ما أظفر به من معاضلها ومشكلاتها، ومتعصّباً لمذهب الإماميّة، راغباً عن الأمن والسلامة في انتظار التنازع والتخاصم، والتعدّي إلى التباغض والتشاتم، معيباً للفِرَق ذوي الخلاف، كشّافاً عن مثالب أئمّتهم، هتّاكاً لحجب قادتهم. إلى أن بليت بأشدّ النواصب منازعة، وأطولهم مخاصمة، وأكثرهم جدالاً، وأقشعهم سؤالاً، وأثبتهم على الباطل قدماً.
فقال ذات يوم وأنا أُناظره: تبّاً لك - يا سعد - ولأصحابك، إنَّكم معشر الرافضة تقصدون على المهاجرين والأنصار بالطعن عليهما، وتجحدون من رسول الله ولايتهما وإمامتهما، هذا الصدّيق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته، أمَا علمتم أنَّ الرسول عليه وآله السلام ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلَّا علماً منه بأنَّ الخلافة له من بعده، وأنَّه هو المقلّد أمر التأويل، والملقى إليه أزمة الأمّة، وعليه المعول في شعب الصدع، ولمّ الشعث، وسدّ الخلل، وإقامة الحدود، وتسرية(347) الجيوش لفتح بلاد الكفر، فكما أشفق على نبوّته أشفق على خلافته، إذ ليس من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشرّ مساعدة إلى مكان يستخفي فيه، فلمَّا رأينا النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) متوجّهاً إلى الانجحار(348)، ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد، استبان لنا قصد رسول الله بأبي بكر إلى الغار للعلّة التي شرحناها.
وإنَّما أبات علياً (عليه السلام) على فراشه لما لم يكن يكترث له، ولم يحفل به، لاستثقاله إيّاه، وعلمه بأنَّه إن قتل لم يتعذَّر عليه نصب غيره مكانه، للخطوب التي كان يصلح لها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال سعد: فأوردت عليه أجوبة شتّى، فما زال يقصد كلّ واحد منها بالنقض والردّ عليَّ.
ثمّ قال: يا سعد، دونكها أخرى بمثلها تحطم آناف الروافض، ألستم تزعمون أنَّ الصدّيق المبرأ من دنس الشكوك(349)، والفاروق المحامي عن بيضة الإسلام، كانا يسرّان(350) النفاق، واستدللتم بليلة العقبة، أخبرني عن الصدّيق والفاروق، أسلما طوعاً أو كرهاً؟
قال سعد: فاحتلت لدفع هذه(351) المسألة عنّي خوفاً من الإلزام، وحذراً من أنّي إن أقررت له بطواعيتهما(352) في الإسلام احتجَّ بأنَّ بدء النفاق ونشوءه في القلب لا يكون إلَّا عند هبوب روائح القهر والغلبة، وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد له قلبه، نحو قول الله (عزَّ وجلَّ): (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا)(353). وإن قلت: أسلما كرهاً، كان يقصدني(354) بالطعن، إذ لم يكن ثمة سيوف منتضاة كانت تريهما البأس.
قال سعد: فصدرت عنه مزوّراً(355) قد انتفخت أحشائي من الغضب، وتقطَّع كبدي من الكرب، وكنت قد اتَّخذت طوماراً(356)، وأثبت فيه نيفاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(349) في (م)، (ط): (الشرك).
(350) في (ع)، (م): (يستران).
(351) (هذه) ليس في (ع)، (م).
(352) في (ط): (بطوعهما)، وفي (م): (طوعيتهما).
(353) غافر: 84 و85 .
(354) في (ع): (كرهاً تقصدني).
(355) في (ع)، (م): (عنه من وراء)، الازورار عن الشيء: العدول عنه.
(356) أي صحيفة.
وأربعين مسألة من صعاب المسائل التي لم أجد لها مجيباً، على أن أسأل عنها خير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمّد (عليه السلام)، فارتحلت خلفه، وقد كان خرج قاصداً نحو مولاي بسُرَّ من رأى، فلحقته في بعض المناهل، فلمَّا تصافحنا قال: لخير لحاقك بي.
قلت: الشوق، ثمّ العادة في الأسئلة.
قال: قد تكافأنا على(357) هذه الخطّة الواحدة، فقد برح بي الشوق إلى لقاء مولانا أبي محمّد (عليه السلام)، وأريد أن أسأله عن معاضل في التأويل(358) ومشاكل من التنزيل، فدونكها الصحبة المباركة، فإنَّها تقف بك على ضفة بحر لا تنقضي عجائبه، ولا تفنى غرائبه، وهو إمامنا.
فوردنا سُرَّ من رأى فانتهينا منها إلى باب سيّدنا (عليه السلام)، فاستأذنا فخرج إلينا الإذن بالدخول عليه، وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطّاه بكساء طبري، فيه ستّون ومائة صرّة من الدنانير والدارهم، على كلّ صرّة ختم(359) صاحبها.
قال سعد: فما شبَّهت مولانا أبا محمّد (عليه السلام) حين غشينا نور وجهه إلَّا ببدر قد استوفى من لياليه أربعاً بعد عشر، وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري(360) في الخلقة والمنظر، على رأسه فرق بين وفرتين، كأنَّه ألف بين واوين، وبين يدي مولانا (عليه السلام) رمّانة ذهبية(361) تلمع بدائع نقوشها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(357) في (ع)، (م): (عن).
(358) في (ع)، (م): (التوحيد).
(359) في (ع)، (م): (اسم).
(360) المشتري: من أكبر الكواكب السيارة.
(361) في (م): (ذهب).
وسط غرائب الفصوص المركبة عليها، قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة، وبيده قلم، إذا أراد أن يسطر به على البياض قبض الغلام على أصابعه، وكان مولانا (عليه السلام) يدحرج الرمّانة بين يديه، ويشغله(362) بردّها لئلاَّ يصدّه عن كتبة(363) ما أراد(364) فسلَّمنا عليه، فألطف في الجواب، وأومأ إلينا بالجلوس، فلمَّا فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده، أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طيّ كسائه، فوضعه بين يدي مولانا فنظر أبو محمّد (عليه السلام) إلى الغلام وقال: (يا بني، فضّ الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك).
فقال: يا مولاي، أيجوز لي أن أمدّ يداً طاهرة إلى هدايا نجسة، وأموال رجسة قد شيب أحلها بأحرمها؟!
فقال مولانا (عليه السلام): (يا ابن إسحاق، استخرج ما في الجراب ليميّز بين الأحل منها والأحرم).
فأوّل صرّة بدأ أحمد بأخراجها قال الغلام: (هذه لفلان بن فلان، من محلّة كذا بقم، تشتمل على اثنين وستّين ديناراً، فيها من ثمن حجرة باعها وكانت إرثاً له من أبيه خمسة وأربعون ديناراً، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر ديناراً، وفيها من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(362) في (ع)، (م): (يغفله).
(363) في (ط): (كتب).
(364) فيه غرابة من حيث قبض الغلام (عليه السلام) على أصابع أبيه أبي محمّد (عليه السلام) وهكذا وجود رمّانة من ذهب يلعب بها لئلاَّ يصدّه عن الكتابة، وقد روى في الكافي 1: 248/ ح 15 عن صفوان الجمال قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صاحب هذا الأمر، فقال: (إنَّ صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب)، وأقبل أبو الحسن موسى - وهو صغير - ومعه عناق مكّية وهو يقول لها: (اسجدي لربّك)، فأخذه أبو عبد الله (عليه السلام) وضمّه إليه وقال: (بأبي وأُمّي من لا يلهو ولا يلعب).
فقال مولانا (عليه السلام): (صدقت يا بني، دلّ الرجل على الحرام منها).
فقال (عليه السلام): (فتّش عن دينار رازي السكّة، تاريخه(365) سنة كذا، قد انطمس من إحدى صفحتيه نصف نقشة(366)، وقراضة أصلية وزنها ربع دينار، والعلّة في تحريمها أنَّ صاحب هذه الجملة وزَّن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّاً وربع، فأتت على ذلك مدّة، وفي انتهائها قيض لذلك الغزل سارق، فأخبر(367) الحائك صاحبه فكذَّبه، واستردَّ منه بدل ذلك منّاً ونصف غزلاً أدقّ ممَّا كان قد(368) دفعه إليه، واتَّخذ من ذلك ثوباً، كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه).
فلمَّا فتح الصرّة صادف في وسط الدنانير رقعة باسم من أخبر عنه، وبمقدارها على حسب ما قال (عليه السلام)، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة.
ثمّ أخرج صرّة أخرى، فقال الغلام (عليه السلام): (هذه لفلان بن فلان، من محلّة كذا بقم، تشتمل على خمسين ديناراً، لا يحلّ لنا مسّها)(369).
قال: وكيف ذلك؟
قال (عليه السلام): (لأنَّها من ثمن حنطة حاف(370) صاحبها على أكاره في المقاسمة، وذلك أنَّه قبض حصَّته منها بكيل واف، وكال ما خصَّ الأكار منها بكيل بخس).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(365) وفي بعض المصادر: (كتابة)، وفي بعضها الآخر: (كتبه).
(366) في (ع)، (م): (صفحتيه فقر).
(367) في (ط) زيادة: (به).
(368) (قد) ليس في (ع)، (م).
(369) في (ط): (لمسها).
(370) أي جار وظلم.
فقال مولانا (عليه السلام): (صدقت يا بني).
ثمّ قال: (يا ابن إسحاق، احملها بأجمعها لتردّها، أو توصي بردّها(371) على أربابها، فلا حاجة لنا في شيء منها، ائتنا بثوب العجوز).
قال أحمد: وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته. فلمَّا انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إليَّ مولانا أبو محمّد (عليه السلام) فقال: (ما جاء بك يا سعد؟).
فقلت: شوَّقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا.
فقال: (والمسائل التي أردت أن تسأله عنها؟).
قلت: على حالتها يا مولاي.
فقال: (سل قرّة عيني - وأومأ إلى الغلام - عمّا بدا لك منها).
فقلت: مولانا وابن مولانا، إنّا روينا عنكم أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين (عليه السلام) حتَّى أرسل يوم الجمل إلى عائشة: (إنَّك قد أرهجت(372) على الإسلام وأهله بفتنتك(373)، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك، فإن كففت عنّي غربك(374) وإلَّا طلَّقتك). ونساء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قد كان طلاقهنَّ بوفاته(375).
قال (عليه السلام): (ما الطلاق؟).
قلت: تخلية السبيل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(371) (أو توصي بردّها) ليس في (ع)، (م).
(372) الرهج: الشغب والفتنة، وأرهج: أثار الغبار.
(373) في (ع): (بفئتك).
(374) أي حدّتك، (النهاية 3: 350).
(375) في (ع)، (م): (طلقهنَّ وفاته).
قال: (فإذا كان وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قد خلّى سبيلهنَّ، فلِمَ لا يحلّ لهنَّ الأزواج؟).
قلت: لأنَّ الله (عزَّ وجلَّ) حرَّم الأزواج(376) عليهنَّ.
قال: (كيف وقد خلّى الموت سبيلهنَّ؟).
قلت: فأخبرني يا ابن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوَّض رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) حكمه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام).
قال: (إنَّ الله تقدَّس اسمه: عظَّم شأن نساء النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فخصهنَّ بشرف الأُمّهات، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): يا أبا الحسن، إنَّ هذا الشرف باقٍ لهنَّ ما دمن لله على الطاعة، فأيتهنَّ عصت الله بعدي بالخروج عليك، فاطلق لها في الأزواج، وأسقطها من شرف الأُمّهات ومن شرف أُمومة المؤمنين).
قلت: فأخبرني عن الفاحشة المبيّنة التي إذا أتت المرأة بها في أيّام عدَّتها حلَّ للزوج أن يخرجها من بيته؟
قال: (السحق دون الزنا، وإنَّ المرأة إذا زنت، وأُقيم عليها الحدّ، ليس لمن أرادها أن يمتنع(377) بعد ذلك من التزوّج بها لأجل الحدّ(378)، وإذا سحقت وجب عليها الرجم، والرجم خزي، ومن قد أمر الله برجمه فقد أخزاه، ومن أخزاه فقد أبعده، ومن أبعده فليس لأحد أن يقرّبه).
قلت: فأخبرني يا ابن رسول الله، عن أمر الله لنبيّه موسى (عليه السلام):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(376) (الأزواج) ليس في (ع)، (م).
(377) في (ع)، (م): (أراد أن يمنع).
(378) في (ع)، (م): (الحدود).
(فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً)(379) فإنَّ فقهاء الفريقين يزعمون أنَّها كانت من إهاب(380) الميتة.
فقال (عليه السلام): (من قال ذلك فقد افترى على موسى (عليه السلام) واستجهله في نبوَّته، لأنَّه ما خلا الأمر فيها من خصلتين: إمَّا أن تكون صلاة موسى (عليه السلام) فيها جائزة أو غير جائزة، فإن كانت صلاة موسى (عليه السلام) جائزة جاز لموسى (عليه السلام) أن يكون لابسهما في البقعة، إذ لم تكن مقدَّسة، وإن كانت مقدَّسة مطهَّرة فليست بأطهر وأقدس من الصلاة.
وإن كانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب أنَّ موسى (عليه السلام) لم يعرف الحلال من(381) الحرام، وعلم ما جاز فيه الصلاة وما لا يجوز، وهذا كفر).
قلت: فأخبرني يا ابن مولاي، عن التأويل فيها.
قال: (إنَّ موسى (عليه السلام) ناجى ربَّه بالوادي المقدَّس، فقال: (يا ربّ، إنّي قد أخلصت لك المحبّة منّي، وغسلت قلبي عمَّن سواك) وكان شديد الحبّ لأهله، فقال الله تعالى: (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) أي(382) انزع حبّ أهلك من قلبك إن كانت محبَّتك لي خالصة، وقلبك من الميل إلى سواي مغسولاً.
قلت: فأخبرني - يا ابن رسول الله - عن تأويل (كهيعص)(383).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(379) طه: 12.
(380) الأهاب: الجلد.
(381) في (ط): (و).
(382) في (ط): (و).
(383) في (ع)، (م): (و).
قال: (هذه الحروف من أنباء الغيب، اطَّلع الله عليها عبده زكريا (عليه السلام)، ثمّ قصّها على محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وذلك أنَّ زكريا (عليه السلام) سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل (عليه السلام) فعلَّمه إيّاها، فكان زكريا (عليه السلام) إذا ذكر محمّداً وعلياً وفاطمة والحسن سري عنه همّه، وانجلى كربه، فإذا ذكر اسم الحسين (عليه السلام) خنقته العبرة، ووقعت عليه الهموم، فقال ذات يوم: (إلهي، ما بالي إذا ذكرت أربعاً منهم تسلَّيت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني، وتثور زفرتي؟) فأنبأه الله عن قصَّته، فقال: (كهيعص)(384) فالكاف: اسم كربلاء، والهاء: هلاك العترة، والياء: يزيد لعنه الله، وهو ظالم الحسين (عليه السلام)، والعين: عطشه، والصاد: صبره. فلمَّا سمع بذلك زكريا (عليه السلام) لم يفارق مسجده ثلاثة أيام، ومنع فيهنَّ الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء والنحيب، وكانت ندبته(385): (إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده، إلهي أتنزل بلوى هذه الرزيّة بفنائه، إلهي أتلبس علياً وفاطمة ثياب هذه المصيبة، إلهي أتحلّ كربة هذه الفجيعة بساحتهما؟)(386).
ثمّ كان يقول: (إلهي ارزقني ولداً تقرّ به عيني على الكبر، واجعله وارثاً رضياً، يوازي محلّه منّي محلّ الحسين، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه، ثمّ افجعني به، كما تفجع محمّداً حبيبك بولده) فرزقه الله تعالى يحيى (عليه السلام)، وفجعه به، وكان حمل يحيى ستّة أشهر، وحمل الحسين (عليه السلام) كذلك، وله قصَّة طويلة).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(384) مريم: 1.
(385) في (ع)، (م): (أنَّته).
(386) في (ط): (بساحتها).
قلت: فأخبرني يا مولاي، عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم.
قال: (مصلح، أو مفسد؟).
قلت: مصلح.
قال: (هل يجوز أن تقع خيرتهم على الفساد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟).
قلت: بلى.
قال: (فهي العلّة أوردها لك ببرهان ينقاد له(387) عقلك: أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله تعالى، وأنزل عليهم علمه، وأيَّدهم بالوحي والعصمة، إذ هم أعلام الأمم، وأهدى إلى الاختيار منهم، مثل موسى وعيسى (عليهما السلام)، هل يجوز مع وفور عقلهما، وكمال علمهما، إذا همّا بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق، وهما يظنّان أنَّه مؤمن؟).
قلت: لا.
قال (عليه السلام): (فهذا موسى كليم الله، مع وفور عقله، وكمال علمه، اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربّه سبعين رجلاً، ممَّن لم يشكّ في إيمانهم وإخلاصهم، فوقعت خيرته على المنافقين، قال الله (عزَّ وجلَّ): (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا)(388)، وقوله: (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ)(389)، فلمَّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله تعالى لنبوَّته، واقعاً على الأفسد دون الأصلح، وهو يظنّ أنَّه الأصلح دون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(387) في (ط): (ينقاد بذلك).
(388) الأعراف: 155.
(389) البقرة: 55.
الأفسد، علمنا أن لا اختيار إلَّا لمن يعلم ما تخفي الصدور، وتكنُّ الضمائر، وتنصرف عليه السرائر، وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد، لما أرادوا أهل الصلاح).
ثمّ قال مولانا (عليه السلام): (يا سعد، حين ادّعى خصمك: (أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما أخرج مع نفسه مختار هذه الأمّة إلى الغار إلَّا علماً منه أنَّ الخلافة له من بعده، وأنَّه هو المقلّد أمور التأويل، والملقى إليه أزمَّة الأمور، وعليه المعول في لَمَّ الشعث، وسدّ الخلل، وإقامة الحدود، وتسيير الجيوش(390) لفتح بلاد الكفر، فكما أشفق على نبوَّته أشفق على خلافته، إذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشرّ مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه، وإنَّما أبات علياً (عليه السلام) على فراشه لما لم يكن يكترث له ولم يحفل به، لاستثقاله إيّاه، وعلمه بأنَّه إن قتل لن يتعذَّر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها). فهلاَّ نقضت دعواه بقولك: أليس قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (الخلافة بعدي ثلاثون سنة) فجعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم.
فكان لا يجد بدَّاً من قوله: بلى.
فكنت تقول له حينئذٍ: أليس كما علم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنَّ الخلافة من بعده لأبي بكر، علم أنَّها من بعد أبي بكر لعمر، ومن بعده لعثمان، ومن بعد عثمان لعلي.
فكان أيضاً لا يجد بدَّاً من قوله: نعم.
ثمّ كنت تقول له: فكان الواجب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(390) في (ط): (تسريب الجيوش)، أي بعثها وتسييرها قطعة قطعة.
يخرجهم جميعاً على الترتيب إلى الغار، ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر، ولا يستخفّ بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إيّاهم، وتخصيصه أبا بكر بإخراجه مع نفسه دونهم.
فلمَّا قال: (أخبرني عن الصدّيق والفاروق أسلما طوعاً، أو كرهاً؟).
لِمَ لم تقل: بل أسلما طمعاً! وذلك أنَّهما كانا يجالسان اليهود، ويستخبرانهم عمَّا كانوا يجدون في التوراة، وفي سائر الكتب المتقدّمة، الناطقة بالملاحم من حال إلى حال، من قصَّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ومن عواقب أمره، وكانت اليهود تذكر أنَّ لمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) تسلّطاً على العرب، كما كان لبخت نصر على بني إسرائيل، غير أنَّه كاذب في دعواه أنَّه نبيّ فأتيا محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) فساعداه على قول شهادة أن لا إله إلَّا الله، وتابعاه طمعاً في أن ينال كلّ واحد منهما من جهته ولاية بلد، إذا استقامت أموره، واستتبَّت أحواله.
فلمَّا أيسا من ذلك تلثَّما وصعدا العقبة مع عدّة من أمثالهما من المنافقين، على أن يقتلوه، فدفع الله كيدهم، وردَّهم بغيظهم، لم ينالوا خيراً.
كما أتى طلحة والزبير علياً (عليه السلام) فبايعاه، وطمع كلّ واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد، فلمَّا أيسا نكثا بيعته وخرجا عليه، فصرع الله كلّ واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين).
قال سعد: ثمّ قام مولانا أبو محمّد الحسن بن علي الهادي (عليه السلام) للصلاة مع الغلام، فانصرفت عنهما، وطلبت أحمد بن إسحاق، فاستقبلني باكياً، فقلت: ما أبطأك وأبكاك؟
فقال: قد فقدت الثوب الذي أرسلني مولاي لإحضاره.
قلت: لا عليك، فأخبره.
فدخل عليه وانصرف من عنده متبسّماً، وهو يصلّي على محمّد وآل محمّد، فقلت: ما الخبر؟
قال: وجدت الثوب مبسوطاً تحت قدمي مولانا (عليه السلام)، يصلّي عليه.
قال سعد: فحمدنا الله (عزَّ وجلَّ) على ذلك، وجعلنا نختلف إلى مولانا أياماً فلا نرى الغلام (عليه السلام) بين يديه(391).
والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد النبيّ وآله وسلَّم تسليماً كثيراً.
معرفة شيوخ الطائفة الذين عرفوا صاحب الزمان (عليه السلام) في مدّة مقامه بسُرَّ من رأى بالدلائل والبراهين والحجج الواضحة:
* حدَّثني أبو المفضَّل(392) محمّد بن عبد الله، قال: أخبرنا أبو بكر محمّد بن جعفر بن محمّد المقرئ، قال: حدَّثنا أبو العبّاس محمّد بن سابور(393)، قال: حدَّثني الحسن بن محمّد بن حيوان السراج القاسم، قال: حدَّثني أحمد بن الدينوري السراج، المكنّى بأبي العبّاس، الملقب بـ (آستاره)، قال: انصرفت من أردبيل(394)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(391) كمال الدين: 454/ ح 21؛ الخرائج والجرائح 1: 481/ ح 22 نحوه؛ الاحتجاج 2: 461؛ وقطعة منه في الثاقب في المناقب: 585/ ح 534؛ وتأويل الآيات 1: 299/ ح 1؛ ومدينة المعاجز: 594.
(392) في (م): (الفضل).
(393) في (ط): (شابور).
(394) في (ط): (إربيل): وهي مدينة في شمال العراق وهي (إربل) القديمة، ورد ذكرها في الكتابات السومرية، والعامّة تنطقها بفتح أوّلها (أربيل). (المنجد في الأعلام: 31). وأردبيل: من أشهر مدن أذربيجان في إيران. (معجم البلدان 1: 145).
إلى الدينور(395) أريد الحجّ، وذلك بعد مضي أبي محمّد الحسن بن علي (عليه السلام) بسنة، أو سنتين، وكان الناس في حيرة، فاستبشروا أهل الدينور بموافاتي، واجتمع الشيعة عندي، فقالوا: قد اجتمع عندنا ستّة عشر ألف دينار من مال الموالي، ونحتاج أن تحملها معك، وتسلّمها بحيث يجب تسليمها.
قال: فقلت: يا قوم، هذه حيرة، ولا نعرف الباب في هذا الوقت.
قال: فقالوا: إنَّما اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك، فاحمله(396) على ألَّا تخرجه من يديك إلَّا بحجّة.
قال: فحمل إليَّ ذلك المال في صرر باسم رجل رجل، فحملت ذلك المال وخرجت، فلمَّا وافيت قرميسين(397)، وكان أحمد بن الحسن مقيماً بها، فصرت إليه مسلّماً، فلمَّا لقيني استبشر بي، ثمّ أعطاني ألف دينار في كيس، وتخوت ثياب من ألوان معتمة(398)، لم أعرف ما فيها، ثمّ قال لي أحمد: احمل هذا معك، ولا تخرجه عن يدك إلَّا بحجّة.
قال: فقبضت منه المال، والتخوت بما فيها من الثياب.
فلمَّا وردت بغداد لم يكن لي همّة غير البحث عمَّن أشير إليه بالنيابة(399)، فقيل لي: إنَّ هاهنا رجلاً يعرف بالباقطاني يدّعي بالنيابة، وآخر يعرف بإسحاق الأحمر يدّعي بالنيابة، وآخر يعرف بأبي جعفر العمري يدّعي بالنيابة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(395) الدينور: مدينة من أُمّهات مدن الجبال في كردستان إيران. (المنجد في الأعلام: 296).
(396) في (ع)، (م): (فاعمل).
(397) قرميسين: بلد معروف قرب الدينور، بين همذان وحلوان، على جادة العراق. (مراصد الاطلاع 3: 1081).
(398) في (ع)، (م): (معكمة).
(399) في (ط): (بالبابية)، وكذا في المواضع الآتية.
قال: فبدأت بالباقطاني، فصرت إليه، فوجدته شيخاً بهيّاً، له مروءة ظاهرة، وفرس(400) عربي، وغلمان كثير، ويجتمع عنده الناس يتناظرون.
قال: فدخلت إليه، وسلَّمت عليه، فرحَّب، وقرَّب، وبرّ، وسرّ.
قال: فأطلت القعود إلى أن خرج أكثر الناس، قال: فسألني عن حاجتي، فعرَّفته أنّي رجل من أهل الدينور، ومعي شيء من المال، أحتاج أن أُسلّمه.
قال: فقال لي: احمله.
قال: فقلت: أريد حجّة.
قال: تعود إليَّ في غد.
قال: فعدت إليه من الغد، فلم يأتِ بحجّة، وعدت إليه في اليوم الثالث فلم يأتِ بحجّة.
قال: فصرت إلى إسحاق الأحمر، فوجدته شابّاً نظيفاً، منزله أكبر من منزل الباقطاني، وفرسه ولباسه ومروءته أسرى(401)، وغلمانه أكثر من غلمانه، ويجتمع عنده من الناس أكثر ممَّا يجتمعون عند الباقطاني.
قال: فدخلت وسلَّمت، فرحَّب وقرَّب، قال: فصبرت إلى أن خفّ الناس، قال: فسألني عن حاجتي، فقلت له كما قلت للباقطاني، وعدت إليه بعد ثلاثة أيّام، فلم يأتِ بحجّة.
قال: فصرت إلى أبي جعفر العمري، فوجدته شيخاً متواضعاً، عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(400) في (ط): (فرش)، وكذا في المواضع الآتية.
(401) سرا سروا: شرف، وسخا في مروءة، وأسرى: أي أكثر وأرفع شرفاً وسخاء ومروءة.
مبطنة(402) بيضاء، قاعد على لبد(403)، في بيت صغير، ليس له غلمان، ولا له من المروة والفرس ما وجدت لغيره.
قال: فسلَّمت، فردَّ جوابي، وأدناني، وبسط منّي(404)، ثمّ سألني عن حالي، فعرَّفته أنّي وافيت من الجبل، وحملت مالاً.
قال: فقال: إن أحببت أن تصل هذا الشيء إلى من يجب أن يصل إليه يجب أن تخرج إلى سُرَّ من رأى، وتسأل دار ابن الرضا، وعن فلان بن فلان الوكيل - وكانت دار ابن الرضا عامرة بأهلها - فإنَّك تجد هناك ما تريد.
قال: فخرجت من عنده، ومضيت نحو سُرَّ من رأى، وصرت إلى دار ابن الرضا، وسألت عن الوكيل، فذكر البوّاب أنَّه مشتغل في الدار، وأنَّه يخرج آنفاً، فقعدت على الباب أنتظر خروجه، فخرج بعد ساعة، فقمت وسلَّمت عليه، وأخذ بيدي إلى بيت كان له، وسألني عن حالي، وعمَّا وردت له، فعرَّفته أنّي حملت شيئاً من المال من ناحية الجبل، وأحتاج أن أُسلّمه بحجّة.
قال: فقال: نعم. ثمّ قدَّم إليَّ طعاماً، وقال لي: تغدّى بهذا واسترح، فإنَّك تعب، وإنَّ بيننا وبين صلاة الأولى ساعة، فإنّي أحمل إليك ما تريد.
قال: فأكلت ونمت، فلمَّا كان وقت الصلاة نهضت وصلَّيت، وذهبت إلى المشرعة، فاغتسلت وانصرفت إلى بيت الرجل، ومكثت إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(402) المبطنة: ما ينتطق به، وهي إزار له حجزة.
(403) اللبد: ضرب من البسط.
(404) بسط فلان من فلان: أزال من الاحتشام وعوامل الخجل.
أن مضى من الليل ربعه، فجاءني(405) ومعه درج(406)، فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم، وافى أحمد بن محمّد الدينوري، وحمل ستّة عشر ألف دينار، وفي كذا وكذا صرّة، فيها صرّة فلان بن فلان كذا وكذا ديناراً، وصرّة فلان بن فلان كذا وكذا ديناراً - إلى أن عدَّ الصرر كلّها - وصرّة فلان بن فلان الذراع ستّة عشر ديناراً).
قال: فوسوس لي الشيطان أنَّ سيّدي أعلم بهذا منّي، فما زلت أقرأ ذكر صرّة صرّة وذكر صاحبها، حتَّى أتيت عليها عند آخرها، ثمّ ذكر: (قد حمل من قرميسين من عند أحمد بن الحسن المادرائي أخي الصواف(407) كيساً فيه ألف دينار وكذا وكذا تختاً ثياباً، منها ثوب فلاني، وثوب لونه كذا) حتَّى نسب الثياب إلى آخرها بأنسابها وألوانها.
قال: فحمدت الله وشكرته على ما منَّ به عليَّ من إزالة الشكّ عن قلبي، وأمر بتسليم جميع ما حملته إلى حيث ما يأمرني أبو جعفر العمري.
قال: فانصرفت إلى بغداد وصرت إلى أبي جعفر العمري.
قال: وكان خروجي وانصرافي في ثلاثة أيّام.
قال: فلمَّا بصر بي أبو جعفر العمري قال لي: لِمَ لم تخرج؟
فقلت: يا سيّدي، من سُرَّ من رأى انصرفت.
قال: فأنا أُحدّث أبا جعفر بهذا إذ وردت رقعة على أبي جعفر العمري من مولانا (عليه السلام)، ومعها درج مثل الدرج الذي كان معي، فيه ذكر المال والثياب، وأمر أن يسلّم جميع ذلك إلى أبي جعفر محمّد بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(405) في (ع)، (م): زيادة (بعد أن مضى من الليل ربعه).
(406) الدرج: الورق الذي يكتب فيه.
(407) في (ط): (البادراني أخي الصراف).
أحمد بن جعفر القطّان القمي، فلبس أبو جعفر العمري ثيابه، وقال لي: احمل ما معك إلى منزل محمّد بن أحمد بن جعفر القطّان القمي.
قال: فحملت المال والثياب إلى منزل محمّد بن أحمد بن جعفر القطّان، وسلَّمتها، وخرجت إلى الحجّ.
فلمَّا انصرفت إلى الدينور اجتمع عندي الناس، فأخرجت الدرج الذي أخرجه وكيل مولانا (عليه السلام) إليَّ، وقرأته على القوم، فلمَّا سمع ذكر الصرّة باسم الذراع [صاحبها](408) سقط مغشيّاً عليه، فما زلنا نعلله حتَّى أفاق، فلمَّا أفاق سجد شكراً لله (عزَّ وجلَّ)، وقال: الحمد لله الذي منَّ علينا بالهداية، الآن علمت أنَّ الأرض لا تخلو منَّ حجّة، هذه الصرّة دفعها - والله - إليَّ هذا الذراع، ولم يقف على ذلك إلَّا الله (عزَّ وجلَّ).
قال: فخرجت ولقيت بعد ذلك بدهر أبا الحسن المادرائي، وعرَّفته الخبر، وقرأت عليه الدرج، قال: يا سبحان الله! ما شككت في شيء، فلا تشكنَّ في أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) لا يخلي أرضه من حجّة. اعلم أنَّه لمَّا غزا أذكوتكين يزيد بن عبد(409) الله بسهرورد(410)، وظفر ببلاده، واحتوى على خزانته صار إلي رجل، وذكر أنَّ يزيد بن عبد الله جعل الفرس الفلاني والسيف الفلاني في باب مولانا (عليه السلام).
قال: فجعلت أنقل خزائن يزيد بن عبد الله إلى أذكوتكين أوّلاً فأوّلاً، وكنت أدافع بالفرس والسيف، إلى أن لم يبقَ شيء غيرهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(408) ما بين المعقوفتين أثبتناه من (كتاب المحاسن للبرقي)، أي: صاحب الصرّة التي باسم فلان الذراع.
(409) في (ع)، (م): (عبيد)، وكذا في المواضع الآتية.
(410) سهرورد: بلدة قريبة من زنجان بالجبال. (معجم البلدان 3: 289).
وكنت أرجو أن أخلّص ذلك لمولانا (عليه السلام)، فلمَّا اشتدَّ مطالبة أذكوتكين إيّاي ولم يمكنني مدافعته، جعلت في السيف والفرس في نفسي ألف دينار ووزَّنتها ودفعتها إلى الخازن، وقلت له: ادفع(411) هذه الدنانير في أوثق مكان، ولا تخرجنَّ إليَّ في حال من الأحوال ولو اشتدَّت الحاجة إليها. وسلَّمت الفرس والنصل.
قال: فأنا قاعد في مجلسي بالري أبرم الأمور، وأوفي القصص، وآمر وأنهى، إذ دخل أبو الحسن الأسدي، وكان يتعاهدني الوقت بعد الوقت، وكنت أقضي حوائجه، فلمَّا طال جلوسه وعليَّ بؤس كثير قلت له: ما حاجتك؟
قال: أحتاج منك إلى خلوة. فأمرت الخازن أن يهيّئ لنا مكاناً من الخزانة، فدخلنا الخزانة، فأخرج إلي رقعة صغيرة من مولانا (عليه السلام)، فيها: (يا أحمد بن الحسن، الألف دينار التي لنا عندك، ثمن النصل والفرس، سلّمها إلى أبي الحسن الأسدي).
قال: فخررت لله (عزَّ وجلَّ) ساجداً شاكراً لما منَّ به عليَّ، وعرفت أنَّه خليفة الله حقّاً، لأنَّه لم يقف على هذا أحد غيري، فأضفت إلى ذلك المال ثلاثة آلاف دينار أخرى سروراً بما منَّ الله عليَّ بهذا الأمر(412).
* وحدَّثني أبو المفضَّل(413)، قال: حدَّثني محمّد بن يعقوب، قال: كتب علي بن محمّد السمري(414) يسأل الصاحب (عليه السلام) كفناً يتبيَّن ما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(411) في (م): (أرفع).
(412) فرج المهموم: 239؛ مدينة المعاجز: 603/ ح 54؛ إلزام الناصب 1: 405.
(413) في (م): (الفضل).
(414) في (ع): (الصيمري).
يكون من عنده، فورد: (إنَّك تحتاج إليه سنة إحدى وثمانين) فمات في الوقت الذي حدَّه، وبعث إليه بالكفن قبل أن يموت بشهر(415).
وقال علي بن محمّد السمري(416): كتبت إليه أسأله عمَّا عندك من العلوم، فوقع (عليه السلام): (علمنا على ثلاثة أوجه: ماض، وغابر، وحادث، أمَّا الماضي فتفسير، وأمَّا الغابر فموقوف، وأمَّا الحادث فقذف في القلوب، ونقر في الأسماع، وهو أفضل علمنا، ولا نبيّ بعد نبيّنا (صلّى الله عليه وآله وسلم))(417).
* أخبرني أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: أخبرني محمّد بن يعقوب، قال: قال القاسم بن العلاء: كتبت إلى صاحب الزمان (عليه السلام) ثلاثة كتب في حوائج لي، وأعلمته أنَّني رجل قد كبر سنّي، وأنَّه لا ولد لي، فأجابني عن الحوائج، ولم يجبني عن الولد بشيء.
فكتبت إليه في الرابعة كتاباً وسألته أن يدعو الله لي أن يرزقني ولداً، فأجابني، وكتب بحوائجي، فكتب: (اللهم ارزقه ولداً ذكراً، تقرُّ به عينيه، واجعل هذا الحمل الذي له وارثاً) فورد الكتاب وأنا لا أعلم أنَّ لي حملاً، فدخلت إلى جاريتي فسألتها عن ذلك، فأخبرتني أنَّ علّتها قد ارتفعت، فولدت غلاماً(418).
* وحدَّثني أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: حدَّثني علي بن محمّد المعروف بعلان الكليني، قال: حدَّثني محمّد بن شاذان بن نعيم بنيشابور، قال: اجتمع عندي للغريم(419) - أطال الله بقاءه وعجَّل نصره -
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(415) فرج المهموم: 247؛ مدينة المعاجز: 604/ ح 55.
(416) في (ع): (الصيمري).
(417) مدينة المعاجز: 605.
(418) مدينة المعاجز: 605/ ح 56.
(419) المراد بالغريم هنا الصاحب (عليه السلام) لكونه طالباً للحقّ.
خمسمائة درهم، فنقصت عشرون درهماً، وأنفت أن أبعث بها ناقصة هذا المقدار، قال: فأتممتها من عندي، وبعثت بها إلى محمّد بن جعفر، ولم أكتب بما لي منها، فأنفذ إلي محمّد بن جعفر القبض(420)، وفيه: (وصلت خمسمائة درهم، ولك فيها عشرون درهماً)(421).
* وعنه، قال: أخبرني محمّد بن يعقوب، قال: حدَّثني إسحاق بن يعقوب، قال: سمعت الشيخ العمري محمّد بن عثمان يقول: صحبت رجلاً من أهل السواد، ومعه مال للغريم (عليه السلام) فأنفذه، فردَّ عليه، وقيل له: (أخرج حقّ ولد عمّك منه، وهو أربعمائة درهم)، قال: فبقي الرجل باهتاً متعجّباً، فنظر في حساب المال، وكانت في يده ضيعة لولد عمّه، قد كان ردّ عليهم بعضها، فإذا الذي فضل لهم من ذلك أربعمائة درهم، كما قال (عليه السلام)، فأخرجها وأنفذ الباقي، فقبل(422).
وعنه، قال: حدَّثنا علي بن محمّد، قال: حدَّثني إسحاق بن جبرئيل الأهوازي، قال: وكتب من نفس التوقيع(423).
* وحدَّثني علي بن السويقاني وإبراهيم بن محمّد بن الفرج الرخجي، عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار: أنَّه ورد العراق شاكّاً مرتاباً(424)، فخرج إليه: (قل للمهزياري: قد فهمنا ما حكيته عن موالينا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(420) في (ط): (الفضل).
(421) كمال الدين: 485/ ح 5؛ مدينة المعاجز: 605/ ح 57.
(422) في (ع)، (م): (فقسم).
(423) الإمامة والتبصرة: 140/ ح 162؛ كمال الدين: 486/ ح 6؛ الثاقب في المناقب: 597/ ح540؛ مدينة المعاجز: 605/ ح 58.
(424) في (ط): (مرتاداً).
بناحيتكم، فقل لهم: أمَا سمعتم الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)(425)؟! هل أمروا إلَّا بما هو كائن إلى يوم القيامة؟! أوَ لم تروا الله جلَّ ذكره جعل لكم معاقل تأوون إليها، وأعلاماً تهتدون بها من لدن آدم (عليه السلام) إلى أن ظهر الماضي (عليه السلام)، كلَّما غاب علم بدا علم، وإذا أفل نجم بدا نجم، فلمَّا قبضه الله إليه ظننتم أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد قطع السبب بينه وبين خلقه، كلا ما كان ذلك، ولا يكون إلى أن تقوم الساعة، ويظهر أمر الله وهم كارهون.
يا محمّد بن إبراهيم، لا يدخلك الشكّ فيما قدمت له، فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) لا يخلي أرضه من حجّة، أليس قال لك الشيخ قبل وفاته: أحضر الساعة من يعيّر هذه الدنانير التي عندي. فلمَّا أبطيء عليه ذلك، وخاف الشيخ على نفسه الوحا(426)، قال لك: عيّرها على نفسك. فأخرج إليك كيساً كبيراً، وعندك بالحضرة ثلاثة أكياس وصرّة فيها دنانير مختلفة النقد، فعيَّرتها، وختم الشيخ عليها بخاتمه، وقال لك: اختم مع خاتمي، فإن أعش فأنا أحقُّ بها، وإن أمت فاتّق الله في نفسك أوّلاً وفي، وكن عند ظنّي بك. أخرج يرحمك الله الدنانير التي(427) نقصتها من بين النقدين من حسابه، وهي بضعة عشر ديناراً)(428).
* وعنه، قال: حدَّثنا علي بن محمّد، قال: حدَّثني نصر بن الصباح، قال: أنفذ رجل من أهل بلخ خمسة دنانير إلى الصاحب (عليه السلام)، وكتب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(425) النساء: 59.
(426) أي السرعة، والمراد أنَّه خاف على نفسه سرعة الموت.
(427) في (ع) زيادة: (أنت).
(428) كمال الدين: 486/ ح 8؛ الخرائج والجرائح 3: 1116.
معها رقعة غير فيها اسمه، فأوصلها إلى الصاحب (عليه السلام)، فخرج الوصول باسمه ونسبه والدعاء له(429).
* وعنه، قال: وحدَّثني أبو حامد المراغي، عن محمّد بن شاذان بن نعيم، قال: بعث رجل من أهل بلخ مالاً ورقعة ليس فيها كتابة، قد خطّ بإصبعه كما يدور من غير كتابة، وقال للرسول: احمل هذا المال، فمن أعلمك بقصَّته وأجابك عن الرقعة، فاحمل إليه هذا المال. فصار الرجل إلى العسكر، وقصد جعفراً، وأخبره الخبر، فقال له جعفر: تقرُّ بالبداء؟
فقال الرجل: نعم.
فقال له: إنَّ صاحبك قد بدا له، وقد أمرك أن تعطيني المال.
فقال له الرسول: لا يقنعني هذا الجواب، فخرج من عنده، وجعل يدور على أصحابنا، فخرجت إليه رقعة: (هذا مال قد كان عثر به، وكان فوق صندوق، [فدخل اللصوص البيت وأخذوا ما في الصندوق](430)، وسلم المال) وردت عليه الرقعة وقد كتب فيه: (كما يدور، سألت الدعاء فعل الله بك، وفعل)(431).
* وقال: حدَّثني أبو جعفر: قال: ولد لي مولود، فكتبت أستأذن في تطهيره يوم السابع، فورد: (لا) فمات المولود يوم السابع. ثمّ كتبت أخبره بموته، فورد: (سيخلف الله عليك غيره، وغيره، فسمّه أحمد، ومن بعد أحمد جعفر) فجاء ما قال (عليه السلام)(432).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(429) مدينة المعاجز: 605/ ح 60.
(430) ما بين المعقوفتين أثبتناه من كمال الدين، والخرائج والجرائح.
(431) كمال الدين: 488/ ح 11؛ الخرائج والجرائح 3: 1129/ ح 47؛ الثاقب في المناقب: 599/ ح 544.
(432) مدينة المعاجز: 605/ ح 62.
* وعنه، قال: حدَّثنا محمّد بن يعقوب الكليني (قدّس سرّه)، قال: حدَّثني أبو حامد المراغي، عن محمّد بن شاذان بن نعيم، قال: قال رجل من أهل بلخ: تزوَّجت امرأة سرّاً، فلمَّا وطأتها علقت، وجاءت بابنة، فاغتممت وضاق صدري، فكتبت أشكو ذلك فورد: (ستكفاها) فعاشت أربع سنين ثمّ ماتت، فورد: (الله ذو أناة، وأنتم مستعجلون)(433).
والحمد لله ربّ العالمين.
معرفة ما ورد من الأخبار في وجوب الغيبة:
* أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همام، عن عبد الله بن جعفر، عن الحسن بن علي الزبيري، عن عبد الله بن محمّد بن خالد(434) الكوفي، عن منذر بن محمّد بن قابوس، عن نصر بن السندي(435)، عن أبي داود، عن ثعلبة بن ميمون، عن مالك الجهني، عن الحارث بن المغيرة، عن الأصبغ بن نباتة، قال: أتيت أمير المؤمنين (عليه السلام) فوجدته متفكّراً، ينكت في الأرض(436)، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما لي أراك مفكّراً، تنكت في الأرض؟ أرغبة منك فيها؟
فقال: (لا والله، ما رغبت في الدنيا قطّ، ولكنّي فكَّرت في مولود
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(433) مدينة المعاجز: 606/ ح 63.
(434) في النسخ: (خلف)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر. انظر: رجال الكشي: 566/ رقم 1070؛ التحرير الطاوسي: 284/ ح 426.
(435) في (ط): (نضر بن السندي)، والظاهر صحَّة (منصور بن السندي) على ما في الكافي والغيبة للنعماني، إذ يروي عنه منذر بن محمّد بن قابوس، ويروي عن منذر عبد الله بن محمّد بن خالد الكوفي. الكافي 1: 273/ ح 7؛ وانظر: معجم رجال الحديث 18: 348.
(436) نكت الأرض بقضيب ونحوه: ضربها به فأثَّر فيها، يفعلون ذلك حال التفكّر.
يكون من ظهر الحادي عشر، هو المهدي، يملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، تكون له حيرة وغيبة، يضلّ فيها قوم، ويهتدي بها آخرون).
فقلت: يا أمير المؤمنين، وكم تكون تلك الحيرة، وتلك الغيبة؟
قال (عليه السلام): (وأنّى لك ذلك، وكيف لك العلم بهذا الأمر يا أصبغ! أولئك خيار هذه الأمّة مع أبرار هذه العترة)(437).
* وعنه، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا محمّد بن عبد الله الحميري، قال: حدَّثنا هارون بن مسلم البصري، عن مسعدة بن صدقة الربعي، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن آبائه، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين أنَّه قال في خطبة له بالكوفة: (اللهم لا بدَّ لأرضك من حجّة لك على خلقك يهديهم إلى دينك ويعلّمهم علمك؛ لئلاَّ تبطل حجَّتك، ولا يضلّ أتباع أوليائك، بعد إذ هديتهم به، إمَّا ظاهر ليس بالمطاع، أو مكتتم ليس له دفاع، يترقَّبه أولياؤك، وينكره أعداؤك، إن غاب شخصه عن الناس لم يغب علمه في أوليائك من علمائهم)(438).
* حدَّثني أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: حدَّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني، قال: حدَّثنا جعفر بن عبد الله العلوي المحمّدي، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: (للقائم غيبتان، إحداهما أطول من الأخرى)(439).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(437) كمال الدين: 288/ ح 1؛ الغيبة للنعماني: 60/ ح 4؛ الاختصاص: 209؛ الغيبة للطوسي: 164/ ح 127.
(438) كمال الدين: 302/ ح 11.
(439) الفصول العشرة في الغيبة: 18.
* أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همام، عن إبراهيم بن هاشم، عن علي بن حسان، عن داود الرقي، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن صاحب هذا الأمر، فقال: (هو الطريد، الشريد، الفريد، الوحيد، المنفرد عن أهله، المكنّى بعمّه، الموتور بأبيه)(440).
* وروي عن محمّد بن عبد الحميد وعبد الصمد بن محمّد جميعاً، عن حنان بن سدير، عن علي بن الحزور، عن الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: (صاحب هذا الأمر الشريد، الطريد، الوحيد)(441).
* وروى الحسن بن محمّد بن سماعة الصيرفي، قال: حدَّثنا الحسين ابن مثنّى الحنّاط(442)، عن عبيد الله بن زرارة(443)، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (يفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم يراهم ولا يرونه)(444).
* أخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدَّثنا أبو جعفر، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، قال: حدَّثنا أبو عبد الله محمّد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن فضالة بن أيّوب، عن سدير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إنَّ في القائم سُنّة من يوسف).
قلت: كأنَّك تذكر خبره(445) وغيبته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(440) الغيبة للنعماني: 178 و179/ ح 22 - 24.
(441) كمال الدين: 303/ ح 13.
(442) في (ط): (العطّار).
(443) عدَّه البرقي في رجاله: 23 من أصحاب الصادق (عليه السلام).
(444) الكافي 1: 272/ ح 6، و274/ ح 12؛ كمال الدين: 346/ ح 33، و351/ ح 49؛ الغيبة للنعماني: 175/ ح 13؛ الغيبة للطوسي: 161/ ح 119.
(445) في (ط): (حياته).
قال: (وما تنكر من ذلك، هذه الأمّة أشباه الخنازير، إنَّ إخوة يوسف كانوا أسباطاً أولاد أنبياء، تاجروا يوسف وبايعوه، وخاطبوه وهم إخوته وهو أخوهم فلم يعرفوه، حتَّى قال لهم: (أَنَا يُوسُفُ). فما تنكر هذه الأمّة الملعونة أن يكون الله في وقت من الأوقات يريد أن يستر عنهم حجّته. لقد كان يوسف (عليه السلام) إليه ملك مصر، وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد أن يعلم مكانه لقدر على ذلك، والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيّام من بدوهم إلى مصر، فما تنكر هذه الأمّة أن يكون الله يفعل بحجّته ما فعل بيوسف (عليه السلام)، أن يكون يمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه، حتَّى يأذن الله (عزَّ وجلَّ) له أن يعرّفهم نفسه، كما أذن ليوسف (عليه السلام) حين قال لهم: (أَنَا يُوسُفُ)، فقالوا: (أَنْتَ يُوسُفُ)!)(446).
* وحدَّثني أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: حدَّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدَّثنا يحيى بن زكريا، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن زيد الكناسي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (صاحب هذا الأمر فيه سُنّة من يوسف، وسُنّة من موسى، وسُنّة من عيسى، وسُنّة من محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم).
وأمَّا شبهه من يوسف، فإنَّ إخوته يبايعونه ويخاطبونه وهم لا يعرفونه، وأمَّا شبهه من موسى، فخائف، وأمَّا شبهه من عيسى، فالسياحة، وأمَّا شبهه من محمّد، فالسيف)(447).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(446) كمال الدين: 144/ ح 11.
(447) نحوه في الإمامة والتبصرة: 93/ ح 84؛ كمال الدين: 28 و152/ ح 16، و326/ ح 6، و329/ ح 11؛ الغيبة للنعماني: 164/ ح 5؛ الغيبة للطوسي: 60/ ح 57، و424/ ح 408.
* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همام، عن عبد الله بن جعفر، عن عبد الله بن عامر، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عمرو بن مساور، عن مفضَّل الجعفي، قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إيّاكم والتنويه).
ثمّ قال: (أمَا والله، ليغيبنَّ سنيناً من دهركم، ولتمخضنَّ(448)، حتَّى يقال: مات، وأيّ وادٍ سلك؟، ولتدمعنَّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنَّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر، فلا ينجو إلَّا من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيَّده بروح منه، ولترفعنَّ اثنتا عشرة راية مشتبهة، لا يدرى أيّ من أيّ).
قال: فبكيت، ثمّ قلت: كيف نصنع؟
قال: فقال: (يا أبا عبد الله)، ثمّ نظر إلى الشمس داخلة في الصفة(449) فقال: (يا أبا عبد الله، ترى هذه الشمس؟).
قلت: نعم. قال: فقال: (والله لأمرنا أبين من هذه الشمس)(450).
* وروى محمّد بن عيسى والحسن بن طريف جميعاً، عن حماد بن عيسى، عن معروف بن خربوذ(451)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(448) أي أنَّ الله تعالى يتدبَّر عواقبكم بابتلائكم بأنواع الفتن، وفي الغيبة للنعماني: (وليخملنَّ)، والظاهر صوابه.
(449) اسم يطلق على البيت الصيفي، وما له ثلاث حوائط، والموضع المظلل من المسجد.
(450) إثبات الوصيّة: 224؛ كمال الدين: 347/ ح 35؛ الغيبة للنعماني: 152/ ح 10؛ الغيبة للطوسي: 337/ ح 285.
(451) كذا، وفي سند الحديث سقط أو إرسال، لأنَّ ابن خربوذ لا يروي عن أمير المؤمنين، بل يروي عن علي بن الحسين والباقر والصادق (عليهم السلام) وفي المصدر: (معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)...) الحديث.
(نحن بني(452) هاشم كنجوم السماء، كلَّما غاب نجم بدا نجم، حتَّى إذا أشرتم إليه بأيديكم، وأومأتم بحواجبكم، ومددتم إليه رقابكم جاء ملك الموت، فيغيب من بين أظهركم، فلبثتم سنين من دهركم لا تدرون أيّاً من أيّ، واستوت بنو عبد المطَّلب، وكانوا كأسنان المشط، فإذا أطلع الله لكم نوركم فاحمدوا الله واشكروه)(453).
* أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، عن أبيه، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد العلوي، عن عبد الله بن أحمد بن نهيك - أبو العبّاس النخعي، الشيخ الصالح -، عن محمّد بن أبي عمير، عن الحسين بن موسى، عن يعقوب بن شعيب، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إنَّ الناس ما يمدّون أعناقهم إلى أحد من ولد عبد المطَّلب إلَّا هلك، حتَّى يستوي ولد عبد المطَّلب، لا يدرون أيّاً من أيّ، فيمكثون بذلك سنين من دهرهم، ثمّ يبعث لهم صاحب هذا الأمر)(454).
* وروى يعقوب بن يزيد، عن سليمان بن الحسن، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أخبرني عنكم.
قال: (نحن بمنزلة هذه النجوم، إذا خفي(455) نجم بدا نجم منّا، بأمن وإيمان، وسلام وإسلام، وفاتح ومفتاح، حتَّى إذا كان الذي تمدّون إليه أعناقكم، وترمقونه بأبصاركم، جاء ملك الموت فذهب به، ويستوي بنو عبد المطَّلب، لا يدرى أيّ من أيّ، فعند ذلك يبدو لكم صاحبكم، فإذا ظهر لكم صاحبكم فاحمدوا الله عليه، وهو الذي يخيَّر الصعبة والذلّة).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(452) منصوب على الاختصاص.
(453) الغيبة للنعماني: 155 و156/ ح 15 - 17 نحوه.
(454) رسالة في الغيبة للمفيد: 400 نحوه.
(455) في (ط): (أخفي).
قلت: جُعلت فداك فأيّهما يختار؟
قال: (الصعبة على الذلّة)(456).
* وروى أبو محمّد الحسن بن عيسى، عن أبيه عيسى بن محمّد بن علي، عن أبيه محمّد بن علي بن جعفر(457)، قال: قال: (يا بني، إذا فقد الخامس من ولد السابع من الأئمّة (عليهم السلام)، فالله الله في أديانكم، فإنَّه لا بدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة يغيبها، حتَّى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به. يا بني، إنَّما هي محنة من الله (عزَّ وجلَّ) يمتحن بها خلقه، ولو علم آباؤكم أصحُّ من هذا الدين لاتَّبعوه).
قال أبو الحسن: فقلت له: يا سيّدي، من الخامس من ولد السابع؟
فقال: (يا بني، عقولكم تصغر عن هذا، وأحلامكم تضيق عن حمله، ولكن إيّاكم أن تفشوا بذكره)(458).
* أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همام، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الحميري، قال: حدَّثنا إسحاق بن محمّد بن سميع المعروف بابن أبي بيان، عن عبيد بن خارجة، عن علي بن عثمان بن جرير، قال: حدَّثني أبو هاشم، عن فرات بن أحنف، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) وذكر القائم (عليه السلام) فقال: (أمَا ليغيبنَّ عنهم تمييزاً لأهل الضلالة، حتَّى يقول الجاهل: ما لله في آل محمّد من حاجة)(459).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(456) كمال الدين: 329/ ح 13.
(457) في المصادر بزيادة: (عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام)).
(458) إثبات الوصيّة: 224؛ كمال الدين: 359/ ح 1؛ كفاية الأثر: 264؛ الغيبة للطوسي: 166/ ح 128؛ إعلام الورى: 433؛ إثبات الهداة 6: 416/ ح 164.
(459) إثبات الوصيّة: 224؛ كمال الدين: 302/ ح 9؛ الغيبة للنعماني: 141؛ الغيبة للطوسى: 340/ ح 290؛ إعلام الورى: 426.
* وحدَّثني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الحرمي، قال: حدَّثنا أبو محمّد هارون بن موسى بن أحمد، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدَّثني إسحاق بن محمّد، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن أبي بكير، عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (للقائم غيبة قبل قيامه). قلت: ولِمَ ذاك؟
قال: (يخاف على نفسه) يعني الذبح(460).
* وأخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (لصاحب هذا الأمر غيبتان، إحداهما أطول من الأخرى: الأولى أربعين يوماً، والأخرى ستّة أشهر، ونحو ذلك).
* وأخبرني أبو الحسن محمّد بن هارون، قال: حدَّثني أبي، قال: حدَّثنا أبو علي الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدَّثنا أبو عبد الله محمّد بن أحمد القاساني، عن زيد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم بن الحارث، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: (لقائم آل محمّد غيبتان، إحداهما أطول من الأخرى).
قال (عليه السلام): (نعم)(461).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(460) كمال الدين: 481/ ح 10؛ حلية الأبرار 2: 589.
(461) الغيبة للنعماني: 172/ ح 7.
معرفة من شاهد صاحب الزمان (عليه السلام) في حال الغيبة وعرفه من أصحابنا:
* روى عبد الله بن علي(462) المطلبي، قال: حدَّثني أبو الحسن محمّد بن علي السمري، قال: حدَّثني أبو الحسن المحمودي، قال: حدَّثني أبو علي محمّد بن أحمد المحمودي، قال: حججت نيفاً وعشرين سنة، كنت في جميعها أتعلَّق بأستار الكعبة، وأقف على الحطيم، والحجر الأسود، ومقام إبراهيم، وأديم الدعاء في هذه المواضع، وأقف بالموقف، وأجعل جلّ دعائي أن يريني مولاي صاحب الزمان (عليه السلام)، فإنَّني في بعض السنين قد وقفت بمكّة على أن أبتاع حاجة، ومعي غلام في يده مشربة حليج(463) ملمعة، فدفعت إلى الغلام الثمن، وأخذت المشربة من يده، وتشاغل الغلام بمماكسة البيع(464)، وأنا واقف أترقَّب، إذ جذب ردائي جاذب، فحوَّلت وجهي إليه فرأيت رجلاً أذعرت حين نظرت إليه، هيبة له، فقال لي: تبيع المشربة؟
فلم أستطع ردّ الجواب، وغاب عن عيني، فلم يلحقة بصري، فظننته مولاي. فإنَّني يوم من الأيّام أُصلّي بباب الصفا بمكّة، فسجدت وجعلت مرفقي في صدري، فحرَّكني محرّك برجله، فرفعت رأسي، فقال لي: افتح منكبك عن صدرك، ففتحت عيني، فإذا الرجل الذي سألني عن المشربة، ولحقني من هيبته ما حار بصري، فغاب عن عيني، وأقمت على رجائي ويقيني، ومضت مدّة وأنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(462) في (م)، (ط) زيادة: (بن).
(463) المشربة: الإناء يشرب فيه والحليج: اللبن الذي ينقع فيه التمر ثمّ يماث. وفي (ط): (الحلج).
(464) المماكسة في البيع: استنقاص الثمن حتَّى يصل البائع والمشتري إلى ما يتراضيان عليه.
أحجّ، وأديم الدعاء في الموقف، فإنَّني في آخر سنة جالس في ظهر الكعبة ومعي يمان بن الفتح بن دينار، ومحمّد بن القاسم العلوي، وعلان الكليني، ونحن نتحدَّث إذا أنا برجل في الطواف، فأشرت بالنظر إليه، وقمت أسعى لأتبعه، فطاف حتَّى إذا بلغ إلى الحجر رأى سائلاً واقفاً على الحجر، ويستحلف(465) ويسأل الناس بالله (عزَّ وجلَّ) أن يتصدَّق عليه، فإذا بالرجل قد طلع، فلمَّا نظر إلى السائل انكبَّ إلى الأرض وأخذ منها شيئاً، ودفعه إلى السائل، وجاز، فعدلت إلى السائل فسألته عمَّا وهب له، فأبى أن يعلمني، فوهبت له ديناراً، وقلت: أرني ما في يدك. ففتح يده، فقدَّرت أنَّ فيها عشرين ديناراً، فوقع في قلبي اليقين أنَّه مولاي (عليه السلام)، ورجعت إلى مجلسي الذي كنت فيه، وعيني ممدودة إلى الطواف، حتَّى إذا فرغ من طوافه عدل إلينا، فلحقنا له رهبة شديدة، وحارت أبصارنا جميعاً، قمنا إليه فجلس، فقلنا له: ممَّن الرجل؟
فقال: (من العرب).
فقلت: من أيّ العرب؟
فقال: (من بني هاشم).
فقلنا: من أيّ بني هاشم؟
فقال: (ليس يخفى عليكم إن شاء الله تعالى).
ثمّ التفت إلى محمّد بن القاسم فقال: (يا محمّد، أنت على خير إن شاء الله، أتدرون ما كان يقول زين العابدين (عليه السلام) عند فراغه من صلاته في سجدة الشكر؟).
قلنا: لا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(465) في (ط): (ويستخلف).
قال: (كان يقول: يا كريم مسكينك بفنائك، يا كريم فقيرك زائرك، حقيرك ببابك يا كريم).
ثمّ انصرف عنّا، ووقفنا نموج ونتذكَّر، ونتفكَّر، ولم نتحقَّق.
ولمَّا كان من الغد رأيناه في الطواف، فامتدَّت عيوننا إليه، فلمَّا فرغ من طوافه خرج إلينا، وجلس عندنا، فأنس وتحدَّث، ثمّ قال: (أتدرون ما كان يقول زين العابدين (عليه السلام) في دعائه عقب الصلاة؟).
قلنا: تعلمنا.
قال: (كان (عليه السلام) يقول: اللهم إنّي أسألك باسمك الذي به تقوم السماء والأرض، وباسمك الذي به تجمع المتفرّق، وتفرع المجتمع، وباسمك الذي تفرّق به بين الحقّ والباطل، وباسمك الذي تعلم به كيل البحار، وعدد الرمال، ووزن الجبال، أن تفعل بي كذا وكذا). وأقبل عليَّ حتَّى إذا صرنا بعرفات، وأدمت الدعاء، فلمَّا أفضنا منها إلى المزدلفة، وبتنا فيها(466)، رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقال لي: (هل بلغت حاجتك؟).
فقلت: وما هي يا رسول الله؟
فقال: (الرجل صاحبك).
فتيقنت عندها(467).
* وروى أبو عبد الله محمّد بن سهل الجلودي، قال: حدَّثنا أبو الخير أحمد بن محمّد بن جعفر الطائي الكوفي في مسجد أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليه السلام)، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسن بن يحيى الحارثي،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(466) في (ع)، (م): (أفضنا وصرنا إلى مزدلفة وبتنا بها).
(467) مدينة المعاجز: 606/ ح 66؛ تبصرة الولي: 140/ ح 45.
قال: حدَّثنا علي بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي، قال: خرجت في بعض السنين حاجاً إذ دخلت المدينة وأقمت بها أيّاماً، أسأل واستبحث عن صاحب الزمان (عليه السلام)، فما عرفت له خبراً، ولا وقعت لي عليه عين، فاغتممت غمّاً شديداً وخشيت أن يفوتني ما أمَّلته من طلب صاحب الزمان (عليه السلام)، فخرجت حتَّى أتيت مكّة، فقضيت حجَّتي واعتمرت بها أسبوعاً، كلّ ذلك أطلب، فبينا(468) أنا أفكّر إذ انكشف لي باب الكعبة، فإذا أنا بإنسان كأنَّه غصن بان، متَّزر ببردة، متَّشح بأخرى، قد كشف عطف بردته على عاتقه، فارتاح قلبي وبادرت لقصده، فانثنى إليَّ، وقال: من أين الرجل؟
قلت: من العراق.
قال: من أيّ العراق؟
قلت: من الأهواز.
فقال: أتعرف الخصيبي(469)؟
قلت: نعم.
قال: رحمه الله، فما كان أطول ليله، وأكثر نيله، وأغزر دمعته! قال: فابن المهزيار. قلت: أنا هو.
قال: حيّاك الله بالسلام أبا الحسن. ثمّ صافحني وعانقني، وقال: يا أبا الحسن، ما فعلت العلامة التي بينك وبين الماضي أبي محمّد نضَّر الله وجهه؟
قلت: معي. وأدخلت يدي إلى جيبي(470) وأخرجت خاتماً عليه: (محمّد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(468) في (ط): (فبينما).
(469) في (ط): (الحضيني).
(470) في (ط): (جنبي).
وعلي) فلمَّا قرأه استعبر حتَّى بلَّ طمره(471) الذي كان على يده، وقال: يرحمك الله أبا محمّد، فإنَّك زين الأمّة، شرَّفك الله بالإمامة، وتوَّجك بتاج العلم والمعرفة، فإنّا إليكم صائرون. ثمّ صافحني وعانقني، ثمّ قال: ما الذي تريد يا أبا الحسن؟
قلت: الإمام المحجوب عن العالم.
قال: ما هو محجوب عنكم ولكن حجبه(472) سوء أعمالكم، قم(473) إلى رحلك، وكن على أهبة من لقائه، إذا انحطت الجوزاء، وأزهرت نجوم السماء، فها أنا لك بين الركن والصفا.
فطابت نفسي وتيقَّنت أنَّ الله فضَّلني، فما زلت أرقب الوقت حتَّى حان، وخرجت إلى مطيَّتي، واستويت على رحلي، واستويت على ظهرها، فإذا أنا بصاحبي ينادي: إليَّ يا أبا الحسن.
فخرجت فلحقت به، فحياني بالسلام، وقال: سر بنا يا أخ.
فما زال يهبط وادياً ويرقى ذروة جبل إلى أن علقنا على الطائف، فقال: يا أبا الحسن انزل بنا نصلّي باقي صلاة الليل.
فنزلت فصلّى بنا الفجر ركعتين، قلت: فالركعتين الأوليين؟
قال: هما من صلاة الليل، وأوتر فيها، والقنوت في كلّ صلاة جائز.
وقال: سر بنا يا أخ. فلم يزل يهبط بي وادياً ويرقى بي ذروة جبل حتَّى أشرفنا على وادٍ عظيم مثل الكافور، فأمدَّ عيني فإذا ببيت من الشعر يتوقَّد نوراً، قال: المح هل ترى شيئاً؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(471) الطمر: الكساء البالي.
(472) في (ط): (جنه).
(473) في (م)، (ط) زيادة: (سر).
قلت: أرى بيتاً من الشعر.
فقال: الأمل.
وانحطَّ في الوادي واتبعت الأثر حتَّى إذا صرنا بوسط الوادي نزل عن راحلته وخلاها، ونزلت عن مطيَّتي، وقال لي: دعها.
قلت: فإن تاهت؟
قال: هذا وادٍ لا يدخله إلَّا مؤمن ولا يخرج منه إلَّا مؤمن.
ثمّ سبقني ودخل الخباء وخرج إليَّ مسرعاً، وقال: أبشر، فقد أذن لك بالدخول.
فدخلت فإذا البيت يسطع من جانبه النور، فسلَّمت عليه بالإمامة، فقال لي: (يا أبا الحسن، قد كنّا نتوقَّعك ليلاً ونهاراً، فما الذي أبطأ بك علينا؟).
قلت: يا سيّدي، لم أجد من يدلّني إلى الآن.
قال لي: (لم(474) تجد أحداً يدلّك؟ ثمّ نكث بإصبعه في الأرض، ثمّ قال: لا ولكنَّكم كثَّرتم الأموال، وتجبَّرتم على ضعفاء المؤمنين، وقطعتم الرحم الذي بينكم، فأيّ عذر لكم الآن؟).
فقلت: التوبة التوبة، الإقالة الإقالة.
ثمّ قال: (يا ابن المهزيار، لولا استغفار بعضكم لبعض لهلك من عليها إلَّا خواص الشيعة الذين تشبه أقوالهم أفعالهم...).
* أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، عن أبيه، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري الكوفي، قال: حدَّثنا محمّد بن جعفر بن عبد الله، قال: حدَّثني إبراهيم بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(474) في (ط): (ألم).
محمّد بن أحمد الأنصاري، قال: كنت حاضراً عند المستجار بمكّة وجماعة يطوفون، وهم زهاء ثلاثين رجلاً، لم يكن فيهم مخلص غير محمّد بن القاسم العلوي، فبينا نحن كذلك في اليوم السادس من ذي الحجة إذ خرج علينا شاب من الطواف، عليه إزار راجح محرم(475) فيه، وفي يده نعلان، فلمَّا رأيناه قمنا هيبة له، فلم يبقَ منّا أحد إلَّا قام وسلَّم عليه، وجلس منبسطاً ونحن حوله، ثمّ التفت يميناً وشمالاً، فقال: (أتدرون ما كان أبو عبد الله (عليه السلام) يقول في دعاء الإلحاح؟).
فقلنا: وما كان يقول؟
قال: (كان (عليه السلام) يقول: اللهم إنّي أسألك باسمك الذي تقوم به السماء، وبه تقوم الأرض، وبه تفرّق بين الحقّ والباطل، وبه تجمع بين المتفرّق، وبه تفرّق بين المجتمع، وقد أحصيت به عدد الرمال وزنة الجبال وكيل البحار، أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تجعل لي من أمري فرجاً) ثمّ نهض ودخل الطواف، فقمنا لقيامه حتَّى انصرف، وأنسينا(476) أن نذكر أمره، وأن نقول: من هو، وأيّ شيء هو؟ فلمَّا كان من الغد في ذلك الوقت خرج علينا من الطواف، فقمنا له كقيامنا بالأمس، وجلس في مجلسه منبسطاً، ونظر يميناً وشمالاً، وقال: (أتدرون ما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في الدعاء بعد الصلاة الفريضة؟).
قلنا: وما كان يقول؟
قال: (كان (عليه السلام) يقول: إليك رفعت الأصوات، ولك عنت الوجوه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولك خضعت الرقاب، وإليك التحاكم في الأعمال، يا خير من سئل، وخير من أعطى، يا صادق، يا بارئ، يا من لا يخلف الميعاد، يا من أمر بالدعاء ووعد الإجابة، يا من قال: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(477)، يا من قال: (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)(478)، ويا من قال: (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ)(479) لبيك وسعديك، ها أنا ذا بين يديك المسرف، وأنت القائل: (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(480)). ثمّ نظر يميناً وشمالاً بعد هذا الدعاء، فقال: (أتدرون ما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في سجدة الشكر؟).
قلنا: وما كان يقول؟
قال: (كان (عليه السلام) يقول: يا من لا يزيده إلحاح الملحّين إلَّا كرماً وجوداً، يا من لا يزيده كثرة الدعاء إلَّا سعةً وعطاءً، يا من لا تنفد خزائنه، يا من له خزائن السماوات والأرض، يا من له ما دقَّ وجلَّ، لا يمنعك إسائتي من إحسانك أن تفعل بي الذي أنت أهله، فأنت أهل الجود والكرم والتجاوز، يا ربّ يا الله لا تفعل بي الذي أنا أهله، فإنّي أهل العقوبة ولا حجّة لي ولا عذر لي عندك، أبوء إليك بذنوني كلّها كي تعفو عنّي، وأنت أعلم بها منّي، أبوء إليك بكلّ ذنب أذنبته، وكلّ خطيئة احتملتها، وكلّ سيّئة عملتها، ربّ اغفر وارحم وتجاوز عمَّا تعلم، إنَّك أنت الأعزّ الأجلّ الأكرم).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(477) غافر: 60.
(478) البقرة: 186.
(479) الزمر: 53.
(480) الآية السابقة.
وقام فدخل الطواف، فقمنا لقيامه، وعاد من الغد في ذلك الوقت، وقمنا لاستقباله كفعلنا فيما مضى، فجلس متوسّطاً(481)، ونظر يميناً وشمالاً، وقال: (كان علي بن الحسين (عليه السلام) يقول في سجوده في هذا الموضع - وأشار بيده إلى الحجر تحت الميزاب -: عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، يسألك ما لا يقدر عليه غيرك).
ثمّ نظر يميناً وشمالاً، ونظر إلى محمّد بن القاسم من بيننا، فقال: (يا محمّد بن القاسم، أنت على خير إن شاء الله تعالى). وكان محمّد بن القاسم يقول بهذا الأمر. وقام فدخل الطواف، فما بقي أحد إلَّا وقد الهم ما ذكر من الدعاء، وأنسينا أن نذكره إلَّا في آخر يوم، فقال: بعضنا: يا قوم، أتعرفون هذا؟
فقال محمّد بن القاسم: هذا والله هو صاحب الزمان، هو والله(482) صاحب زمانكم.
فقلنا: كيف يا أبا علي؟
فذكر أنَّه مكث سبع سنين، وكان يدعو ربّه، ويسأله معاينة صاحب الزمان (عليه السلام) - قال -: فبينا نحن عشيّة عرفة فإذا أنا بالرجل بعينه يدعو بدعاء، فجئته وسألته ممَّن هو؟
فقال: (من الناس).
فقلت: من أيّ الناس، أمن عربها أو من مواليها؟
قال: (من عربها).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(481) في (ط): (مستوطناً).
(482) (صاحب الزمان هو والله) ليس في (ع)، (م).
قلت: من أيّ عربها؟
قال: (من أشرافها).
قلت: ومن هم؟
قال: (بنو هاشم).
قلت: من أيّ بني هاشم؟
قال: (من أعلاها ذروة وأسناها).
فقلت: ممَّن؟
قال: (من فلق الهام، وأطعم الطعام، وصلّى بالليل والناس نيام).
فعلمت أنَّه علوي، فأحببته على العلوية، ثمّ فقدته من بين يدي، ولم أدرِ كيف مضى، فسألت القوم الذين كانوا حولي: أتعرفون هذا العلوي؟
فقالوا: نعم، يحجّ معنا كلّ سنة ماشياً.
فقلت: سبحان الله والله ما أرى به أثر مشي! ثمّ انصرفت إلى المزدلفة كئيباً حزيناً على فراقه، ونمت ليلتي فإذا أنا بسيّدنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فقال لي: (يا محمّد، رأيت طلبتك؟).
قلت: ومن ذلك يا سيّدي؟
قال: (الذي رأيته في عشيتك هو صاحب زمانك). وذكر أنَّه كان نسي أمره إلى الوقت الذي حدَّثنا به(483).
* نقلت هذا الخبر من أصل بخطّ شيخنا أبي عبد الله الحسين الغضائري (رحمه الله)، قال: حدَّثني أبو الحسن علي بن عبد الله القاساني، قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(483) مدينة المعاجز: 607/ ح 68.
حدَّثنا الحسين بن محمّد سنة ثمان وثمانين ومائتين بقاسان بعد منصرفه من أصبهان، قال: حدَّثني يعقوب بن يوسف بأصبهان، قال: حججت سنة إحدى وثمانين ومائتين، وكنت مع قوم مخالفين، فلمَّا دخلنا مكّة تقدَّم بعضهم فاكترى لنا داراً في زقاق(484) من سوق الليل في دار خديجة تسمّى دار الرضا (عليه السلام)، وفيها عجوز سمراء، فسألتها لمَّا وقفت على أنَّها دار الرضا (عليه السلام): ما تكونين من أصحاب هذ الدار، ولِمَ سمّيت دار الرضا؟
فقالت: أنا من مواليهم، وهذه دار الرضا علي بن موسى (عليهما السلام)، وأسكننيها الحسن بن علي (عليهما السلام) فإنّي كنت خادمة له.
فلمَّا سمعت بذلك أنست بها، وأسررت الأمر عن رفقائي، وكنت إذا انصرفت من الطواف بالليل أنام مع رفقائي في رواق(485) الدار ونغلق الباب، ونرمي خلف الباب حجراً كبيراً، فرأيت غير ليلة ضوء السراج في الرواق الذي كنّا فيه شبيهاً بضوء المشعل، ورأيت الباب قد فتح، ولم أرَ أحداً فتحه من أهل الدار، ورأيت رجلاً ربعة(486)، أسمر، يميل إلى الصفرة، في وجهه سجادة(487)، عليه قميصان وإزار رقيق قد تقنَّع به، وفي رجله نعل طاق - وأخبرني أنَّه رآه في غير صورة واحدة - فصعد إلى الغرفة التي في الدار حيث كانت العجوز تسكن، وكانت تقول لنا: إنَّ لها في الغرفة بنتاً، ولا تدع أحداً يصعد إلى الغرفة. فكنت أرى الضوء الذي رأيته قبل في الزقاق على الدرجة عند صعود الرجل في الغرفة التي يصعدها من غير أن أرى السراج بعينه، وكان الذين معي يرون مثل ما أرى،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(484) الزقاق: الطريق الضيّق.
(485) الرواق: بيت كالفسطاط، وقيل: سقف في مقدم البيت.
(486) الربعة: الوسيط القامة.
(487) السجادة: أثر السجود في الجبهة.
فتوهَّموا أن يكون هذا الرجل يختلف إلى بنت هذه العجوز، وأن يكون قد تمتَّع بها، فقالوا: هؤلاء علوية، يرون هذا(488) وهو حرام لا يحلّ. وكنّا نراه يدخل ويخرج ونجيء إلى الباب وإذا الحجر على حالته التي تركناه عليها، وكنّا نتعهَّد الباب خوفاً على متاعنا، وكنّا لا نرى أحداً يفتحه ولا يغلقه، والرجل يدخل ويخرج والحجر خلف الباب إلى أن حان وقت خروجنا. فلمَّا رأيت هذه الأسباب ضرب على قلبي، ووقعت الهيبة فيه، فتلطَّفت للمرأة، وقلت: أحبُّ أن أقف على خبر الرجل. فقلت لها: يا فلانة، إنّي أحبّ أن أسألك وأفاوضك من غير حضور هؤلاء الذين معي، فلا أقدر عليه، فأنا أحبّ إذا رأيتني وحدي في الدار أن تنزلي لأسألك عن شيء.
فقالت لي مسرعة: وأنا أردت أن أسر إليك شيئاً، فلم يتهيَّأ ذلك من أجل أصحابك.
فقلت: ما أردت أن تقولي؟
فقالت: يقول لك - ولم تذكر أحداً -: (لا تخاشنَّ(489) أصحابك وشركاءك ولا تلاحهم(490) فإنَّهم أعداؤك، ودارهم).
فقلت لها: من يقول؟
فقالت: أنا أقول.
فلم أجسر لما كان دخل قلبي من الهيبة أن أراجعها، فقلت: أيّ الأصحاب؟ وظننتها تعني رفقائي الذين كانوا حجّاجاً معي.
فقالت: لا، ولكن شركاؤك الذين في بلدك، وفي الدار معك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(488) أي المتعة.
(489) خاشنه: خلاف لاينه، أي خشن عليه في القول أو العمل.
(490) أي تنازعهم وتخاصمهم.
وكان قد جرى بيني وبين الذين عنتهم أشياء في الدين فشنعوا عليَّ(491) حتَّى هربت واستترت بذلك السبب، فوقفت على أنَّها إنَّما عنت أولئك. فقلت لها: ما تكونين من الرضا (عليه السلام).
فقالت: كنت خادمة للحسن بن علي (عليهما السلام).
فلمَّا قالت ذلك، قلت: لأسألنها عن الغائب (عليه السلام)، فقلت: بالله عليك رأيته بعينك(492)؟
فقالت: يا أخي(493)، لم أرَه بعيني، فإنّي خرجت وأختي حبلى وأنا خالية، وبشَّرني الحسن (عليه السلام) بأنّي سوف أراه آخر عمري، وقال: تكونين له كما أنت لي. وأنا اليوم منذ كذا وكذا سنة بمصر، وإنَّما قدمت الآن بكتابه ونفقة وجّه بها إليَّ على يد رجل من أهل خراسان، لا يفصح بالعربية، وهي ثلاثون دينار، وأمرني أن أحجّ سنتي هذه، فخرجت رغبة في أن أراه.
فوقع في قلبي أنَّ الرجل الذي كنت أراه يدخل ويخرج هو هو، فأخذت عشرة دراهم رضوية، وكنت حملتها على أن ألقيها في مقام إبراهيم (عليه السلام) فقد كنت نذرت ذلك ونويته، فدفعتها إليها، وقلت، في نفسي: أدفعها إلى قوم من ولد فاطمة (عليها السلام) أفضل ممَّا ألقيها في المقام وأعظم ثواباً، وقلت لها: ادفعي هذه الدراهم إلى من يستحقّها من ولد فاطمة (عليها السلام)، وكان في نيَّتي أنَّ الرجل الذي رأيته هو، وإنَّما تدفعها إليه، فأخذت الدراهم وصعدت وبقيت ساعة ثمّ نزلت، وقالت: يقول لك:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(491) شنع فلاناً: كثر عليه. وشنع عليه الأمر: قبحه الشناعة.
(492) في (ع)، (م): (بعينه).
(493) في (ط) زيادة: (أنّي).
(ليس لنا فيها حقّ، فاجعلها في الموضع الذي نويت، ولكن هذه الرضوية خذ منها بدلها وألقها في الموضع الذي نويت)، ففعلت ما أمرت به عن الرجل.
ثمّ كانت معي نسخة توقيع خرج إلى القاسم بن العلاء بأذربيجان، فقلت لها: تعرضين هذه النسخة على إنسان قد رأى توقيعات الغائب و(494) يعرفها.
فقالت: ناولني فإنّي أعرفها. فأريتها النسخة، وظننت أنَّ المرأة تحسن أن تقرأ، فقالت: لا يمكن أن أقرأ في هذا المكان. فصعدت به إلى السطح، ثمّ أنزلته فقالت: صحيح. وفي التوقيع: إنّي أُبشّركم ما سررت به وغيره.
ثمّ قالت: يقول لك: (إذا صلَّيت على نبيّك (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فكيف تصلّي عليه؟)، فقلت: أقول: (اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد، وبارك على محمّد وآل محمّد، وارحم محمّداً وآل محمّد، كأفضل ما صلَّيت وباركت وترحَّمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّك حميد مجيد).
فقالت: لا، إذا صلَّيت عليهم فصلّ عليهم كلّهم وسمّهم.
فقلت: نعم.
فلمَّا كان من الغد نزلت ومعها دفتر صغير قد نسخناه، فقالت: يقول لك: (إذا صلَّيت على نبيّك فصلّ عليه وعلى أوصيائه على هذه النسخة).
فأخذتها وكنت أعمل بها. ورأيته عدّة ليال قد نزل من الغرفة وضوء السراج قائم وخرج، فكنت أفتح الباب وأخرج على أثر الضوء وأنا أراه - أعني الضوء - ولا أرى أحداً حتَّى يدخل المسجد، وأرى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(494) في (ط) زيادة: (هو).
جماعة من الرجال من بلدان كثيرة يأتون باب هذه الدار، قوم عليهم ثياب رثّة يدفعون إلى العجوز رقاعاً معهم، ورأيت العجوز تدفع إليهم كذلك الرقاع وتكلّمهم ويكلّمونها ولا أفهم عنهم، ورأيت منهم جماعة في طريقنا حتَّى قدمنا بغداد.
نسخة الدعاء: (اللَّهُمَّ صَلّ عَلَى مُحَمَّدٍ سَيَّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَخَاتَم النَّبِيَّينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، الْمُنْتَجَبِ(495) فِي الْمِيثَاقِ، الْمُصْطَفَى فِي الظّلالِ، الْمُطَهَّر مِنْ كُلّ آفَةٍ، الْبَريءِ مِنْ كُلّ عَيْبٍ، الْمُؤَمَّل لِلنَّجَاةِ، الْمُرْتَجَى لِلشَّفَاعَةِ، الْمُفَوَّض إِلَيْهِ دِينُ اللهِ.
اللَّهُمَّ شَرَّفْ بُنْيَانَهُ، وَعَظّمْ بُرْهَانَهُ، وَأفْلِجْ(496) حُجَّتَهُ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ، وَأضِئْ نُورَهُ، وَبَيَّضْ وَجْهَهُ، وَأعْطِهِ الْفَضْلَ وَالْفَضِيلَةَ، وَالْمَنْزلَةَ وَالْوَسِيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوداً، يَغْبِطُهُ بِهِ الأوَّلُونَ وَالآخِرُونَ. وَصَلّ عَلَى أمِير الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الْغُرَّ الْمُحَجَّلِينَ، وَسَيَّدِ الْوَصِيَّينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلّ عَلَى الْحَسَن بْن عَلِيًّ، إِمَام الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلّ عَلَى الْحُسَيْن بْن عَلِيًّ، إِمَام الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلّ عَلَى عَلِيَّ بْن الْحُسَيْن، إِمَام الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلّ عَلَى مُحَمَّدِ بْن عَلِيًّ، إِمَام الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلّ عَلَى جَعْفَرِ بْن مُحَمَّدٍ، إِمَام الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلّ عَلَى مُوسَى بْن جَعْفَرٍ إِمَام الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلّ عَلَى عَلِيَّ بْن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(495) في (م): (المنتخب).
(496) أفلج الله حجَّته: أظهرها وأثبتها.
مُوسَى، إِمَام الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدِ بْن عَلِيَّ، إِمَام الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلّ عَلَى عَلِيَّ بْن مُحَمَّدٍ، إِمَام الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلّ عَلَى الْحَسَن بْن عَلِيَّ، إِمَام الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلّ عَلَى الْخَلَفِ الْهَادِي الْمَهْدِيَّ(497)، إِمَام الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللهُمَّ صَلّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأهْل بَيْتِهِ الْهَادِينَ، الأئِمَّةِ الْعُلَمَاءِ وَالصَّادِقِينَ، الأوصياء المرضيين، دَعَائِم دِينكَ، وَأرْكَانِ تَوْحِيدِكَ، وَتَرَاجِمَةِ وَحْيِكَ، وَحُجَّتِكَ عَلَى خَلْقِكَ، وَخُلَفَائِكَ فِي أرْضِكَ، الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لِنَفْسِكَ، وَاصْطَفَيْتَهُمْ عَلَى عَبِيدِك، وَارْتَضَيْتَهُمْ لِدِينكَ، وَخَصَصْتَهُمْ بِمَعْرفَتِكَ، وَجَلَّلْتَهُمْ بِكَرَامَتِكَ، وَغَشَّيْتَهُمْ بِرَحْمَتِكَ، وَغَذَّيْتَهُمْ بِحِكْمَتِكَ، وَألْبَسْتَهُمْ مِنْ نُورَكَ، وَرَبَّيْتَهُمْ بِنِعْمَتِكَ، رَفَعْتَهُمْ فِي مَلَكُوتِكَ، وَحَفَفْتَهُمْ بِمَلائِكَتِكَ، وَشَرَّفْتَهُمْ بِنَبِيَّكَ.
اللهُمَّ صَلّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِمْ صَلاةً دَائِمَةً كَثِيرَةً طَيَّبَةً، لا يُحِيطُ بِهَا إلَّا أنْتَ، وَلا يَسَعُهَا إلَّا عِلْمُكَ، وَلا يُحْصِيهَا أحَدٌ غَيْرُكَ، وَصَلّ عَلَى وَلِيَّكَ الْمُحْيِي سُنَّتَكَ، الْقَائِم بأمْركَ، الدَّاعِي إِلَيْكَ، الدَّلِيل عَلَيْكَ، حُجَّتِكَ وَخَلِيفَتِكَ فِي أرْضِكَ، وَشَاهِدِكَ عَلَى عِبَادِكَ.
اللهُمَّ أعِزز نَصْرَهُ، وَمُدَّ فِي عُمْرهِ، وَزَيَّن الأرْضَ بِطُولِ بَقَائِهِ، اللهُمَّ اكْفِهِ بَغْيَ الْحَاسِدِينَ، وَأعِذْهُ مِنْ شَرَّ الْكَائِدِينَ، وَادْحُرْ(498) عَنْهُ إِرَادَةَ الظَّالِمِينَ، وَخَلّصْهُ مِنْ أيْدِي الْجَبَّارِينَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللهُمَّ أره فِي ذُرَّيَّتِهِ وَشِيعَتِهِ وَرَعِيَّتِهِ وَخَاصَّتِهِ وَعَامَّتِهِ وَعَدُوَّهِ وَجَمِيع أهْل الدُّنْيَا مَا تُقِرُّ بِهِ عَيْنَهُ، وَتَسُرُّ بِهِ نَفْسَهُ، وَبَلّغْهُ أفْضَلَ أمله فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إِنَّكَ عَلَى كُلَّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
اللهُمَّ جَدَّدْ بِهِ مَا مُحِيَ مِنْ دِينكَ، وَأحْي بِهِ مَا بُدَّلَ مِنْ كِتَابِكَ، وَأظْهِرْ بِهِ مَا غُيَّرَ مِنْ حُكْمِكَ، حَتَّى يَعُودَ دِينُكَ بِهِ وَعَلَى يَدَيْهِ غَضّاً جَدِيداً خَالِصاً مَحْضَاً، لا شَكَّ فِيهِ، وَلا شُبْهَةَ مَعَهُ، وَلا بَاطِلَ عِنْدَهُ، وَلا بِدْعَةَ لَدَيْهِ.
اللهُمَّ نَوَّرْ بِنُورِهِ كُلَّ ظُلْمَةٍ، وَهُدَّ بِرُكْنِهِ كُلَّ بِدْعَةٍ، وَاهْدِمْ بِقُوَّتِهِ كُلَّ ضَلال، وَاقْصِمْ بِهِ كُلَّ جَبَّارٍ، وَأخْمِدْ بِسَيْفِهِ كُلَّ نَارٍ، وَأهْلِكْ بِعَدْلِهِ كُلّ جَائِرٍ، وَأجْر حُكْمَهُ عَلَى كُلَّ حُكْم، وَأذِلَّ بِسُلْطَانِهِ كُلَّ سُلْطَانٍ.
اللهُمَّ أذِلْ مَنْ نَاوَاهُ، وَأهْلِكْ مَنْ عَادَاهُ، وَامْكُرْ بِمَنْ كَادَهُ، وَاسْتَأصِلْ مَنْ جَحَدَهُ حَقَّهُ وَاسْتَهَزَأ بِأمْرهِ، وَسَعَى فِي إِطْفَاءِ نُورِهِ، وَأرَادَ إِخْمَادَ ذِكْرهِ.
اللهُمَّ صَلّ عَلَى مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى عَلِيًّ الْمُرْتَضَى، وَعَلَى فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ، وَعَلَى الْحَسَن الرَّضَى، وَعَلَى الْحُسَيْن الصفي(499)، وَعَلَى جَمِيع الأوْصِيَاءِ، مَصَابِيح الدُّجَى، وَأعْلام الْهُدَى، وَمَنَارِ التُّقَى، وَالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَالْحَبْل الْمَتِين، وَالصّرَاطِ الْمُسْتَقِيم، وَصَلّ عَلَى وَلِيَّكَ وَعَلَى وُلاةِ عَهْدِهِ، الأئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ، القائمين بأمره، وَمُدَّ فِي أعْمَارِهِمْ، وَزِدْ فِي آجَالِهِمْ وَبَلَّغْهُمْ أفْضَلَ آمَالِهِمْ)(500).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(499) في (ط): (المصطفى).
(500) الغيبة للطوسي: 273/ ح 238؛ الخرائج والجرائح 1: 461/ ح 6 قطعة منه؛ جمال الأسبوع: 494؛ مدينة المعاجز: 608/ ح 69.
* حدَّثني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال: حدَّثني أبو الحسين بن أبي البغل الكاتب، قال: تقلَّدت عملاً من أبي منصور بن الصالحان، وجرى بيني وبينه ما أوجب استتاري، فطلبني وأخافني، فمكثت مستتراً خائفاً، ثمّ قصدت مقابر قريش ليلة الجمعة، واعتمدت المبيت هناك للدعاء والمسألة، وكانت ليلة ريح ومطر، فسألت ابن جعفر القيّم أن يغلق الأبواب وأن يجتهد في خلوة الموضع، لأخلو بما أريده من الدعاء والمسألة، وآمن من دخول إنسان ممَّا لم آمنه، وخفت من لقائي له، ففعل وقفل الأبواب وانتصف الليل، وورد من الريح والمطر ما قطع الناس عن الموضع، ومكثت أدعو وأزور وأصلّي. فبينما أنا كذلك إذ سمعت وطأة عند مولانا موسى (عليه السلام)، وإذا رجل يزور، فسلَّم على آدم وأولي العزم (عليهم السلام)، ثمّ الأئمّة واحداً واحداً إلى أن انتهى إلى صاحب الزمان (عليه السلام) [فلم يذكره]، فعجبت من ذلك وقلت: لعلَّه نسي، أو لم يعرف، أو هذا مذهب لهذا الرجل. فلمَّا فرغ من زيارته صلّى ركعتين، وأقبل إلى عند مولانا أبي جعفر (عليه السلام)، فزار مثل الزيارة. وذلك السلام، وصلّى ركعتين، وأنا خائف منه، إذ لم أعرفه، ورأيته شابّاً تامّاً من الرجال، عليه ثياب بيض، وعمامة محنَّك بها بذؤابة ورداء على كتفه مسبل، فقال لي: (يا أبا الحسين بن أبي البغل، أين أنت عن دعاء الفرج؟).
فقلت: وما هو يا سيّدي؟
فقال: (تصلّي ركعتين، وتقول: (يَا مَنْ أظْهَرَ الْجَمِيلَ، وَسَتَرَ الْقَبِيحَ، يَا مَنْ لَمْ يُؤَاخِذْ بِالْجَريرَةِ، وَلَمْ يَهْتِكِ السَّتْرَ، يَا عَظِيمَ الْمَنَّ، يَا كَريمَ الصَّفْح، يَا حَسَنَ التَّجَاوُزِ، يَا وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ، يَا بَاسِطَ الْيَدَيْن بِالرَّحْمَةِ، يَا مُنْتَهَى كُلّ نَجْوَى، وَيَا غَايَةَ كُلّ شَكْوَى، يَا عَوْنَ كُلّ مُسْتَعِينٍ، يَا مُبْتَدِئاً بِالنّعَم قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا، يَا رَبَّاهْ (عَشْرَ مَرَّاتٍ)، يَا سَيَّدَاهْ (عَشْرَ مَرَّاتٍ)، يَا
مَوْلَيَاهْ (عَشْرَ مَرَّاتٍ)، يَا غَايَتَاهْ (عَشْرَ مَرَّاتٍ)، يَا مُنْتَهَى رَغْبَتَاهْ (عَشْرَ مَرَّاتٍ)، أسْألُكَ بِحَقَّ هَذِهِ الأسْمَاءِ، وَبحَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرينَ (عليهم السلام) إلَّا مَا كَشَفْتَ كَرْبي، وَنَفَّسْتَ هَمَّي، وَفَرَّجْتَ عَنّي(501)، وَأصْلَحْتَ حَالِي)،
وتدعو بعد ذلك بما شئت وتسأل حاجتك. ثمّ تضع خدّك الأيمن على الأرض وتقول مائة مرّة في سجودك: (يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ، يَا عَلِيُّ يَا مُحَمَّدُ، اكْفِيَانِي فَإنَّكُمَا كَافِيَايَ، وَانْصُرَانِي فَإنَّكُمَا نَاصِرَايَ). وتضع خدَّك الأيسر على الأرض، وتقول مائة مرّة: (أدْركْنِي) وتكرّرها كثيراً، وتقول: (الْغَوْثَ الْغَوْثَ) حتَّى ينقطع نفسك، وترفع رأسك، فإنَّ الله بكرمه يقضي حاجتك إن شاء الله تعالى).
فلمَّا شغلت(502) بالصلاة والدعاء خرج، فلمَّا فرغت خرجت لابن جعفر لأسأله عن الرجل وكيف دخل، فرأيت الأبواب على حالها مغلقة مقفلة، فعجبت من ذلك، وقلت: لعلَّه باب هاهنا ولم أعلم، فأنبهت ابن جعفر القيّم، فخرج إليَّ(503) من بيت الزيت، فسألته عن الرجل ودخوله، فقال: الأبواب مقفلة كما ترى ما فتحتها. فحدَّثته بالحديث فقال: هذا مولانا صاحب الزمان (عليه السلام)، وقد شاهدته دفعات(504) في مثل هذه الليلة عن خلوها من الناس. فتأسَّفت على ما فاتني منه، وخرجت عند قرب الفجر، وقصدت الكرخ(505) إلى الموضع الذي كنت مستتراً فيه، فما أضحى النهار إلَّا وأصحاب ابن الصالحان يلتمسون لقائي، ويسألون عنّي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(501) في (م)، (ط): (غمي).
(502) في (م)، (ط): (اشتغلت).
(503) في (ع)، (م) زيادة: (عندي).
(504) في (ط): (مراراً).
(505) في (ع): (الكوخ).
أصدقائي، ومعهم أمان من الوزير، ورقعة بخطّه فيها كلّ جميل، فحضرت مع ثقة من أصدقائي عنده، فقام والتزمني وعاملني بما لم أعهده منه وقال: انتهت بك الحال إلى أن تشكوني إلى صاحب الزمان (عليه السلام).
فقلت: قد كان منّي دعاء ومسألة.
فقال: ويحك، ورأيت البارحة مولاي صاحب الزمان (عليه السلام) في النوم - يعني ليلة الجمعة - وهو يأمرني بكلّ جميل، ويجفو عليَّ في ذلك جفوة خفتها. فقلت: لا إله إلَّا الله، أشهد أنَّهم الحقّ ومنتهى الصدق(506)، رأيت البارحة مولانا (عليه السلام) في اليقظة، وقال لي كذا وكذا، وشرحت ما رأيته في المشهد، فعجب من ذلك، وجرت منه أمور عظام حسان في هذا المعنى، وبلغت منه غاية ما لم أظنّه ببركة مولانا صاحب الزمان (عليه السلام)(507).
معرفة رجال مولانا صاحب الزمان (عليه السلام):
* حدَّثني أبو الحسين محمّد بن هارون، قال: حدَّثنا أبي هارون بن موسى بن أحمد (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا أبو علي الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن إبراهيم بن عبيد(508) الله القمي القطّان، المعروف بابن الخزّاز، قال: حدَّثنا محمّد بن زياد، عن أبي عبد الله الخراساني، قال: حدَّثنا أبو الحسين عبد الله بن الحسن الزهري، قال: حدَّثنا أبو حسان سعيد بن جناح، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي بصير،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(506) في (ع)، (م): (الحقّ).
(507) فرج المهموم: 245؛ بحار الأنوار 95: 200/ ح 33.
(508) في (م)، (ط): (عبد).
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: جُعلت فداك، هل كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يعلم أصحاب القائم (عليه السلام) كما كان يعلم عدَّتهم؟
قال أبو عبد الله (عليه السلام): حدَّثني أبي (عليه السلام)، قال: (والله لقد كان يعرفهم بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم رجلاً فرجلاً(509)، ومواضع منازلهم ومراتبهم، وكلّ ما عرفه أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد عرفه الحسن (عليه السلام)، وكلّ ما عرفه الحسن (عليه السلام) فقد عرفه(510) الحسين (عليه السلام)، وكلّ ما عرفه الحسين (عليه السلام) فقد عرفه(511) علي بن الحسين (عليه السلام)، وكلّ ما علمه علي بن الحسين (عليه السلام) فقد علمه(512) محمّد بن علي (عليه السلام)، وكلّ ما علمه محمّد بن علي (عليه السلام) فقد علمه وعرفه صاحبكم) يعني نفسه (عليه السلام).
قال أبو بصير: قلت: مكتوب؟
قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): (مكتوب في كتاب محفوظ في القلب، مثبت في الذكر لا ينسى).
قال: قلت: جُعلت فداك، أخبرني بعددهم وبلدانهم ومواضعهم، فذاك يقتضى من أسمائهم؟
قال: فقال (عليه السلام): (إذ كان يوم الجمعة بعد الصلاة فائتني).
قال: فلمَّا كان يوم الجمعة أتيته، فقال: يا أبا بصير، أتيتنا لما سألتنا عنه؟
قلت: نعم، جُعلت فداك.
قال: (إنَّك لا تحفظ، فأين صاحبك الذي يكتب لك؟).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(509) وقبائلهم وحلاهم. حلاهم: صفتهم وخلقتهم وصورتهم.
(510) في (ط): (فقد صار علمه إلى).
(511) في (ع)، (م): (علمه).
(512) في (ط): (فقد صار علمه إلى).
قلت: أظنّ شغله شاغل(513)، وكرهت أن أتأخَّر عن وقت حاجتي، فقال لرجل في مجلسه: (أكتب له: هذا ما أملاه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) على أمير المؤمنين (عليه السلام) وأودعه إيّاه من تسمية أصحاب المهدي (عليه السلام)، وعِدّة(514) من يوافيه من المفقودين عن فرشهم وقبائلهم، السائرين في ليلهم ونهارهم إلى مكّة، وذلك عن استماع الصوت في السنة التي يظهر فيها أمر الله (عزَّ وجلَّ)، وهم النجباء والقضاة والحكّام على الناس:
من طاربند(515) الشرقي رجل، وهو المرابط السياح، ومن الصامغان(516) رجلان، ومن أهل فرغانة(517) رجل، ومن أهل الترمد(518) رجلان، ومن الديلم(519) أربعة رجال، ومن مرو الروذ(520) رجلان، ومن مرو اثنا عشر رجلاً، ومن بيروت تسعة رجال، ومن طوس خمسة رجال، ومن الفارياب(521) رجلان، ومن سجستان(522) ثلاثة رجال، ومن الطالقان(523) أربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(513) في (ع)، (م): (شغل شغله).
(514) في (ع)، (م): (عدد).
(515) طاربند: موضع ذكره المؤمّل بن أميل المحاربي في شعره. (معجم البلدان 4: 4).
(516) الصامغان: كورة من كور الجبل، في حدود طبرستان. (معجم البلدان 3: 390).
(517) فرغانة: مدينة واسعة بما وراء النهر، متاخمة لبلاد تركستان. (معجم البلدان 4: 253).
(518) ترمد: موضع في ديار بني أسد. (معجم البلدان 2: 26).
(519) الديلم: جيل سمّوا بأرضهم، وهم في جبال قرب جيلان، والديلم: ماء لبني عبس، وقيل: بأرض اليمامة. (مراصد الاطلاع 2: 581).
(520) مرو الروذ: مدينة قريبة من مرو الشاهجان في خراسان. (معجم البلدان 5: 112).
(521) فارياب: مدينة مشهوره بخراسان من أعمال جوزجان. (معجم البلدان 4: 229).
(522) سجستان: ناحية كبيرة وولاية واسعة، بينها وبين هراة عشرة أيّام. (معجم البلدان 3: 190).
(523) طالقان: بلدتان: إحداهما بخراسان بين مرو الروذ وبلخ، والأخرى كورة وبلدة بين قزوين وأبهر. (معجم البلدان 4: 6).
وعشرون رجلاً، ومن جبال الغور(524) ثمانية رجال، ومن نيسابور ثمانية عشر رجلاً، ومن هراة(525) اثنا عشر رجلاً، ومن بوسنج(526) أربعة رجال، ومن الري سبعة رجال، ومن طبرستان(527) تسعة رجال، ومن قم ثمانية عشر رجلاً، ومن قومس(528) رجلان، ومن جرجان اثنا عشر رجلاً، ومن الرقة(529) ثلاثة رجال، ومن الرافقة(530) رجلان، ومن حلب ثلاثة رجال، ومن سلمية(531) خمسة رجال، ومن دمشق رجلان، ومن فلسطين رجل، ومن بعلبك رجل، ومن طبرية(532) رجل، ومن يافا(533) رجل، ومن قبرس(534) رجل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(524) جبال الغور: بين هراة وغزنة، ويطلق بفتح الغين على غور تهامة، وغور الأردن، (معجم البلدان 4: 216 - 218).
(525) هراة: مدينة في شمال غربي أفغانستان. (المنجد في الأعلام: 727).
(526) بوسنج: من قرى ترمذ، وفي (ط): (بوشنج): بليد من نواحي هراة. (معجم البلدان 1: 508).
(527) طبرستان: بلاد واسعة ومدن كثيرة مجاورة لجيلان وديلمان، تسمّى اليوم مازندران. (مراصد الاطلاع 2: 878).
(528) قومس: كورة كبيرة في ذيل جبل طبرستان، قصبتها دامغان. (معجم البلدان 4: 414).
(529) الرقة: تطلق على عدّة مواضع فهي: مدينة في سورة، ومدينة من نواحي قوهستان، وبستان مقابل لدار الخلافة ببغداد بالجانب الغربي. (معجم البلدان 3: 58، المنجد في الأعلام: 309).
(530) الرافقة: بلد متَّصل البناء بالرقة. (معجم البلدان 3: 15)، وفي (ع)، (م): (الرافعة)، ولعلَّها تصحيف (الرائعة) موضع بمكّة، ومنزل في طريق البصرة إلى مكّة، (معجم البلدان 3: 22).
(531) سلمية: بليدة في ناحية البرية، من أعمال حماه، وبكسر الميم (سلمية) سهل في طرف اليمامة. (مراصد الاطلاع 2: 731).
(532) طبرية: مدينة على بحيرة طبرية، يجتازها نهر الأردن. (المنجد في الأعلام: 434).
(533) يافا: من مدن فلسطين. (معجم البلدان 5: 426).
(534) قبرس: جزيرة في بحر الروم (البحر المتوسط). (معجم البلدان 4: 305).
ومن بلبيس(535) رجل، ومن دمياط(536) رجل، ومن اسوان(537) رجل، ومن الفسطاط(538) أربعة رجال، ومن القيروان(539) رجلان، ومن كور كرمان ثلاثة رجال، ومن قزوين رجلان، ومن همدان أربعة رجال، ومن موقان(540) رجل، ومن البدو(541) رجل، من خلاط(542) رجل، ومن جابروان(543) ثلاثة رجال، ومن النوا(544) رجل، ومن سنجار(545) أربعة رجال، ومن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(535) بلبيس: مدينة بينها وبين فسطاط مصر عشرة فراسخ على طريق الشام، والعامّة تقول: (بلبيس) بكسر الباء الأولى وفتح الثانية. (معجم البلدان 1: 479).
(536) دمياط: مدينة قديمة في مصر، تقع على زاوية بين بحر الروم ونهر النيل. (معجم البلدان 2: 472).
(537) القيروان: مدينة في تونس، ومنطقة صحراوية في ليبيا، كثيرة الواحات، من مدنها بنغازي، ويرفع فيها شمالاً الجبل الأخضر. (المنجد في الأعلام: 559).
(538) أسوان: مدينة كبيرة في آخر صعيد مصر، على شرق النيل. (معجم البلدان 1: 191)، وفي (ع)، (م): (سوان): موضع قرب بستان ابن عامر، وصقع من ديار بني سليم. (معجم البلدان 3: 276).
(539) الفسطاط: أوّل مدينة أسسها المسلمون في مصر على الضفة الشرقية للنيل. (المنجد في الأعلام: 528).
(540) موقان: ولاية من أذربيجان. (مراصد الاطلاع 3: 1335).
(541) في (ع)، (م): (اليد)، لعلَّه تصحيف (أيد) موضع في بلاد مزينة. (معجم البلدان 1: 288).
(542) خلاط: بلدة عامرة مشهورة، وهي أرمينية الوسطى. (معجم البدان 2: 380).
(543) جابروان: مدينة بأذربيجان قرب تبريز. (معجم البلدان 2: 90).
(544) النوا: بليدة من أعمال حوران، وقيل هي قصبتها، وتطلق على قرية من قرى سمرقند. (معجم البلدان 5: 306).
(545) سنجار: مدينة مشهورة في شمال العراق: بينهما وبين الموصل ثلاثة أيّام. (معجم البلدان 3: 262).
قاليقلا(546) رجل، ومن سميساط(547) رجل، ومن نصيبين(548) رجل، ومن الموصل رجل، ومن تل موزن(549) رجلان، ومن الرها(550) رجل، ومن حران(551) رجلان(552)، ومن باغة(553) رجل، ومن قابس(554) رجل، ومن صنعاء رجلان، ومن مازن رجل، ومن طرابلس رجلان(555)، ومن القلزم(556)رجلان، ومن القبة(557) رجل، ومن وادي القرى رجل، ومن خيبر رجل، ومن بدا(558) رجل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(546) قاليقلا: مدينة بأرمينية العظمى من نواحي خلاط. (معجم البلدان 4: 299).
(547) سميساط: مدينة على شاطئ الفرات. (معجم البلدان 3: 258).
(548) نصيبين: مدينة من بلاد الجزيرة على جادة القوافل من الموصل إلى الشام. (معجم البلدان 5: 288).
(549) تل موزن: بلد في العراق بين رأس عين وسروج. (معجم البلدان 2: 45).
(550) الرها: مدينة بالجزيرة فوق حران. (مراصد الاطلاع 2: 644؛ معجم البلدان 3: 106).
(551) حران: مدينة قديمة في بلاد ما بين النهرين (العراق)، وحران أيضاً: من قرى حلب، وتطلق أيضاً على قريتين بالبحرين، وعلى قرية بغوطة دمشق. (معجم البلدان 2: 235؛ المنجد في الأعلام: 231).
(552) في (م)، (ط): (رجل).
(553) باغة: مدينة بالأندلس. (معجم البلدان 1: 326).
(554) قابس: مدينة بين طرابلس وسفاقس، على ساحل بحر المغرب. (معجم البلدان 4: 289).
(555) في (ع)، (م): (رجل).
(556) القلزم: تطلق العرب على البحر الأحمر، وهو بالأصل اسم مدينة على ساحل بحر اليمن من جهة مصر. (معجم البلدان 4: 387؛ المنجد في الاعلام: 555).
(557) القبة: تطلق على عدّة مواضع، فهي موضع بالبحرين، وقبّة الكوفة وهي الرحبة بها، وقبّة جالينوس بمصر، وقبّة الرحمة بالإسكندرية. (معجم البلدان 4: 308).
(558) بدا: وادٍ قرب أيلة، من ساحل البحر، وقيل: بوادي القرى، وقيل: بوادي عذرة قرب الشام. (معجم البلدان 1: 356).
ومن الجار(559) رجل، ومن الكوفة أربعة عشر رجلاً، ومن المدينة رجلان، ومن الربذة(560) رجل، ومن خيوان(561) رجل، ومن كوثى ربا(562) رجل، ومن طهنة(563) رجل، ومن تيرم(564) رجل، ومن الأهواز رجلان، ومن إصطخر(565) رجلان، ومن المولتان(566) رجلان(567)، ومن الديبل(568) رجل، ومن صيدائيل رجل، ومن المدائن ثمانية رجال، ومن عكبرا(569) رجل، ومن حلوان(570) رجلان، ومن البصرة ثلاثة رجال، وأصحاب الكهف وهم سبعة رجال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(559) الجار: مدينة على ساحل بحر القلزم (البحر الأحمر) وتطلق على عدّة مواضع أخرى، فهي فرضة لأهل المدينة ترفأ إليها السفن، وهي جزيرة في البحر، وقرية من قرى أصبهان، وقرية بالبحرين، وجبل شرقي الموصل. (معجم البلدان 2: 92).
(560) الربذة: من قرى المدينة. (معجم البلدان 3: 24)، وفي (ط): (الري).
(561) خيوان: مخلاف باليمن ومدينة بها. (معجم البلدان 2: 415)، وفي (ع)، (م): (الحيون)، ولعلَّها تصحيف (خيوق) بلد من نواحي خوارزم، أو تصحيف (حيزن) من مدن أرمينية قريبة من شيروان وتسمّى أيضاً: (حيزان). (معجم البلدان 2: 331).
(562) كوثى ربا: قرية في العراق، بها مشهد إبراهيم الخليل (عليه السلام). (مراصد الاطلاع 3: 1185).
(563) طهنة: قرية بالصعيد شرقي النيل. (معجم البلدان 4: 52)، وفي (م)، (ط): (طهر).
(564) تيرم: موضع بالبادية. (معجم البلدان 2: 66)، وفي (ط)، (م): (بيرم).
(565) إصطخر: بلدة بفارس. (معجم البلدان 1: 211).
(566) مولتان: بلد من بلاد الهند. (مراصد الاطلاع 3: 1336)، وفي (ط)، (م): (الموليان).
(567) في (ع)، (م): (رجل).
(568) الديبل: مدينة مشهورة على ساحل بحر الهند. (معجم البلدان 2: 495)، وفي (م): (الدبيل) تطلق على عدّة مواضع، فيها موضع متاخم لاعراض اليمامة، ومدينة أرمينية تتاخم اران، وقرية من قرى الرملة. (مراصد الاطلاع 2: 513).
(569) عكبرا: بليدة من ناحية الدجيل، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ. (معجم البلدان 4: 142).
(570) حلوان: في عدّة مواضع، منها حلوان العراق، وقرية من قرى مصر، وبليدة بقوهستان بنيسابور. (مراصد الاطلاع 1: 418).
والتاجران الخارجان من عانة(571) إلى أنطاكية(572) وغلامهما وهم ثلاثة نفر والمستأمنون إلى الروم من المسلمين وهم أحد عشر رجلاً، والنازلان بسرنديب(573) رجلان، ومن سمندر(574) أربعة رجال، والمفقود من مركبه بشلاهط(575) رجل، ومن شيراز - أو قال: سيراف(576)، الشكّ من مسعدة - رجل، والهاربان إلى سردانية(577) من الشعب رجلان، والمتخلّي بصقلية(578) رجل، والطواف الطالب الحقّ من يخشب رجل، والهارب من عشيرته رجل، والمحتجّ بالكتاب مطرف، وبليل(579) بن وهايد بن هرمرديار.
ومن هراة اثنا عشر رجلاً: سعيد بن عثمان الوراق، وما سحر(580) بن عبد الله بن نيل(581)، والمعروف بعلام(582) الكندي، وسمعان القصاب، وهارون بن عمران، وصالح بن جرير، والمبارك بن معمّر بن خالد، وعبد الأعلى بن إبراهيم بن عبده، ونزل بن حزم، وصالح بن نعيم، وآدم بن علي، وخالد القواس.
ومن أهل بوسنج أربعة رجال: طاهر بن عمرو بن طاهر، المعروف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(571) عانة: مدينة على الفرات، غرب العراق.
(572) أنطاكية: مدينة واسعة من ثغور الشام. (معجم البلدان 1: 266).
(573) سرنديب: جزيرة كبيرة بأقصى بلاد الهند. (معجم البلدان 3: 215).
(574) سمندر: مدينة بأرض الخزر. (معجم البلدان 3: 253).
(575) شلاهط: بحر عظيم فيه جزيرة سيلان. (معجم البلدان 3: 357).
(576) سيراف: بلدة في إيران على الخليج. (المنجد في الأعلام: 376).
(577) سردانية: جزيرة في بحر المغرب. (معجم البلدان 3: 209).
(578) صقلية: بالسين والصاد، جزيرة من جزائر بحر المغرب. (معجم البلدان 3: 416).
(579) في (م): (بلبل).
(580) في (ط): (وما سح).
(581) في (ط): (نبيل).
(582) في (ط): (بغلام).
بـ (الأصلع)، وطلحة بن طلحة السائح، والحسن بن الحسن بن مسمار، وعمرو بن عمر بن هشام.
ومن الري سبعة رجال: إسرائيل القطّان، وعلي بن جعفر بن خرزاد، وعثمان بن علي بن درخت، ومسكان بن جبل(583) بن مقاتل، وكردين بن شيبان، وحمدان بن كر، وسليمان بن الديلمي.
ومن طبرستان أربعة رجال: حرشاد(584) بن كردم، وبهرام بن علي، والعبّاس بن هاشم، و عبد الله بن يحيى.
ومن قم ثمانية عشر(585) رجلاً: غسّان بن محمّد بن غسّان(586)، وعلي بن أحمد بن برة(587) بن نعيم بن يعقوب بن بلال، وعمران بن خالد بن كليب، وسهل بن علي بن صاعد، وعبد العظيم بن عبد الله بن الشاه، وحسكة بن هاشم بن الداية، والأخوص بن محمّد بن إسماعيل بن نعيم بن طريف، وبليل(588) بن مالك بن سعد بن طلحة بن جعفر بن أحمد بن جرير، وموسى بن عمران بن لاحق، والعبّاس بن زفر(589) بن سليم، والحويد بن بشر بن(590) بشير، ومروان بن علابة بن جرير، المعروف بابن رأس الزقّ(591)، والصقر بن إسحاق بن إبراهيم، وكامل بن هشام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(583) في (ط): (جبلة).
(584) في (ط): (حرشام).
(585) وهؤلاء أربعة عشر رجلاً.
(586) في (ط): (محمّد عتبان)، وفي (ع): (محمّد غسّان).
(587) في (ط): (بقرة).
(588) في (م): (بلبل).
(589) في (ط): (بقر)، وفي (م): (نضر).
(590) (بشر بن) ليس في (ع).
(591) في (ع، (م): (الون).
ومن قومس رجلان: محمود بن محمّد بن أبي الشعب، وعلي بن حمويه بن صدقة من قرية الخرقان.
ومن جرجان اثنا عشر رجلاً: أحمد بن هارون بن عبد الله، زرارة بن جعفر، والحسين بن علي بن مطر، وحميد بن نافع، ومحمّد بن خالد بن قرّة بن حوية، وعلان بن حميد بن جعفر بن حميد، وإبراهيم بن إسحاق بن عمرو، وعلي بن علقمة بن محمود وسلمان، بن يعقوب، والعريان بن الخفان، الملقب بحال(592) روت، وشعبة بن علي، وموسى بن كردويه.
ومن موقان رجل، وهو: عبيد(593) بن محمّد بن ماجور.
ومن السند رجلان: سياب بن العبّاس بن محمّد، ونصر(594) بن منصور، يعرف بـ (ناقشت).
ومن همدان أربعة رجال: هارون بن عمران بن خالد، وطيفور بن محمّد بن طيفور، وأبان بن محمّد بن الضحاك، وعتاب بن مالك بن جمهور.
ومن جابروان ثلاثة رجال: كرد بن حنيف، وعاصم بن خليد(595) الخياط، وزياد ابن رزين.
ومن النوا(596) رجل: لقيط بن الفرات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(592) في (ط): (بخال).
(593) في (ع) زيادة: (الله).
(594) في (ط): (نضر).
(595) في (ط): (خليط).
(596) في (ط): (الشورى)، وفي (ع): (الشوى).
ومن أهل خلاط: وهب بن خربند بن سروين.
ومن تفليس(597) خمسة رجال: جحدر بن الزيت، وهاني العطاردي، وجواد بن بدر، وسليم بن وحيد، والفضل بن عمير.
ومن باب الأبواب(598): جعفر بن عبد الرحمن.
ومن سنجار أربعة رجال: عبد(599) الله بن زريق، وسحيم بن مطر، وهبة الله بن زريق بن صدقة، وهبل بن كامل.
ومن قاليقلا: كردوس بن جابر.
ومن سميساط: موسى بن زرقان.
ومن نصيبين رجلان: داود بن المحقّ، وحامد صاحب البواري.
ومن الموصل رجل يقال له: سليمان بن صبيح من القرية الحديثة.
ومن تل موزن(600) رجلان يقال لهما: بادصنا(601) بن سعد بن السحير، وأحمد بن حميد بن سوار.
ومن بلد(602) رجل يقال له: بور بن زائدة بن شروان(603).
ومن الرها رجل يقال له: كامل بن عفير.
ومن حران: زكريا السعدي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(597) تفليس: بلد بأرمينية الأولى. (معجم البلدان 2: 35).
(598) باب الأبواب: مدينة على بحر الخزر. (معجم البلدان 1: 303).
(599) في (ع): (عبيد).
(600) في (ط)، (ع): (يلمورق).
(601) في (ط): (باد صبا).
(602) بلد: تطلق على عدّة مواضع، منها: البلد الحرام، ومدينة قدمية فوق الموصل على دجلة، وقرية معروفة من قرى الدجيل. (مراصد الاطلاع 1: 217).
(603) في (ط): (ثوران)، وفي (ع): (ثروان).
ومن الرقة ثلاثة رجال: أحمد بن سليمان بن سليم، ونوفل بن عمر، وأشعث بن مالك.
ومن الرافقة: عياض(604) بن عاصم بن سمرة بن جحش، ومليح بن سعد.
ومن حلب أربعة رجال: يونس بن يوسف، وحميد بن علي الناصب.
ومن سرخس(605) رجل.
فذلك ثلاثمائة وثلاثة عشر(606) رجلاً بعدد أهل بدر، يجمعهم الله إلى مكّة في ليلة واحدة، وهي ليلة الجمعة، فيتوافون في صبيحتها إلى المسجد الحرام، لا يتخلَّف منهم رجل واحد، وينتشرون بمكّة في أزقتها، يلتمسون منازل يسكنونها، فينكرهم أهل مكّة، وذلك أنَّهم لم يعلموا برفقة(607) دخلت من بلد من البلدان لحجّ أو عمرة ولا لتجارة، فيقول بعضهم لبعض: إنّا لنرى في يومنا هذا قوماً لم نكن رأيناهم قبل يومنا هذا، ليسوا من بلد واحد ولا أهل بدو، ولا معهم إبل ولا دواب! فبينا هم كذلك، وقد ارتابوا بهم إذ يقبل رجل من بني مخزوم يتخطّى رقاب الناس حتَّى يأتي رئيسهم فيقول: لقد رأيت ليلتي هذه رؤيا عجيبة، وإنّي منها خائف، وقلبي منها وجل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(604) في (م)، (ط): (عياص).
(605) سرخس: وكذا بفتح الراء، مدينة قديمة من نواحي خراسان. (معجم البدان 3: 208).
(606) عدَّتهم في الحديث ثلاثمائة وسبعة رجال، وسيأتي في الحديث (ص 151) عدّة الرجال بالأسماء ثلاثمائة، وعدَّتهم بالأرقام المنصوص عليها قبل ذكر الأسماء ثلاثمائة وخمسة رجال على أنَّ المتواتر بالروايات أنَّ عدَّتهم بعدّة أهل بدر، ولعلَّ الوهم نشأ من الرواة أو النسّاخ، والملاحظ أنَّ بعض أسماء المدن المذكورة في هذا الحديث غير موجودة في الحديث (ص 151) وبالعكس، فتأمَّل.
(607) الرفقة: الجماعة ترافقهم في السفر.
فيقول له: اقصص رؤياك.
فيقول: رأيت كبة(608) نار انقضت من عنان السماء، فلم تزل تهوي حتَّى انحطت على الكعبة، فدارت فيها، فإذا هي جراد ذوات أجنحة خضر كالملاحف، فأطافت بالكعبة ما شاء الله، ثمّ تطايرت شرقاً وغرباً، لا تمر ببلد إلَّا أحرقته، ولا بحصن(609) إلَّا حطَّمته، فاستيقظت وأنا مذعور القلب وجل.
فيقولون: لقد رأيت هؤلاء، فانطلق بنا إلى الأقيرع(610) ليعبرها، وهو رجل من ثقيف، فيقصّ عليه الرؤيا.
فيقول الأقيرع(611): لقد رأيت عجباً، ولقد طرقكم في ليلتكم جند من جنود الله، لا قوّة لكم بهم.
فيقولون: لقد رأينا في يومنا هذا عجباً.
ويحدّثونه بأمر القوم. ثمّ ينهضون من عنده ويهمّون بالوثوب عليهم، وقد ملأ الله قلوبهم منهم رعباً وخوفاً، فيقول بعضهم لبعض، وهم يتآمرون بذلك: يا قوم لا تعجلوا على القوم، إنَّهم لم يأتوكم بعد بمنكر، ولا أظهروا خلافاً، ولعلَّ الرجل منهم يكون في القبيلة من قبائلكم، فإن بدا لكم منهم شرّ فأنتم حينئذٍ وهم، وأمَّا القوم فإنّا نراهم متنسّكين وسيماهم حسنة، وهم في حرم الله تعالى الذي لا يباح من دخله حتَّى يحدث به حدثاً ولم يحدث القوم حدثاً يوجب محاربتهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(608) كبة النار: صدمتها.
(609) في (م)، (ط): (بحضر).
(610) في (ط)، (ع): (الأقرع).
(611) في (ط): (الأقرع).
فيقول المخزومي، وهو رئيس القوم وعميدهم: إنّا لا نأمن أن يكون وراءهم مادة لهم، فإذا التأمت إليهم كشف أمرهم وعظم شأنهم، فتهضموهم(612) وهم في قلّة من العدد وغربة(613) في البلد قبل أن تأتيهم المادة، فإنَّ هؤلاء لم يأتوكم مكّة إلَّا وسيكون لهم شأن، وما أحسب تأويل رؤيا صاحبكم إلَّا حقّاً، فخلوا لهم بلدكم وأجيلوا الرأي، والأمر ممكن.
فيقول قائلهم: إن كان من يأتيهم أمثالهم فلا خوف عليكم منهم، فإنَّه لا سلاح للقوم ولا كراع(614) ولا حصن يلجأون إليه، وهم غرباء محتوون، فإن أتى جيش لهم نهضتم إلى هؤلاء أوّلاً(615)، وكانوا كشربة الظمآن.
فلا يزالون في هذا الكلام ونحوه حتَّى يحجز الليل بين الناس، ثمّ يضرب الله على آذانهم وعيونهم بالنوم، فلا يجتمعون بعد فراقهم إلى أن يقوم القائم (عليه السلام)، وإنَّ أصحاب القائم (عليه السلام) يلقى بعضهم بعضاً كأنَّهم بنو أب وأُمّ، وإن افترقوا عشاء التقوا غدوة، وذلك تأويل هذه الآية: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً)(616)).
قال أبو بصير: قلت: جُعلت فداك، ليس على الأرض يومئذٍ مؤمن غيرهم؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(612) تهضمه: أذلّه وكسره.
(613) في (م)، (ط): (وغرّة).
(614) الكراع: اسم لجماعة الخيل خاصّة، وقيل: الخيل والبغال والحمير، أي ليس لهم دواب يفرون عليها.
(615) في (ط): (وهؤلاء).
(616) البقرة: 148.
قال: (بلى، ولكن هذه [العدّة](617) التي يخرج الله فيها القائم (عليه السلام)، هم النجباء والقضاة والحكّام والفقهاء في الدين، يمسح بطونهم وظهورهم فلا يشتبه عليهم حكم)(618).
* قال(619) أبو حسان سعيد بن جناح: حدَّثنا محمّد بن مروان الكرخي، قال: حدَّثنا عبد الله بن داود الكوفي، عن سماعة بن مهران، قال: سأل أبو بصير الصادق (عليه السلام) عن عدّة أصحاب القائم (عليه السلام) فأخبره بعدّتهم ومواضعهم، فلمَّا كان العام القابل قال: عدت إليه فدخلت عليه، فقلت: ما قصَّة المرابط السائح؟
قال: (هو رجل من أصبهان، من أبناء دهاقينها(620)، له عمود فيه سبعون منّاً لا يقله غيره، يخرج من بلده سياحاً(621) في الأرض وطلب الحقّ، فلا يخلو بمخالف إلَّا أراح منه، ثمّ إنَّه ينتهي إلى طاربند، وهم الحاكم بين أهل الإسلام والترك، فيصيب بها رجلاً من النصّاب يتناول أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويقيم بها حتَّى يسرى به.
وأمَّا الطواف لطلب الحقّ، فهو رجل من أهل يخشب، قد كتب الحديث، وعرف الاختلاف بين الناس، فلا يزال يطوف في البلاد يطلب(622) العلم حتَّى يعرف صاحب الحقّ، فلا يزال كذلك حتَّى يأتيه الأمر، وهو يسير من الموصل إلى الرها، فيمضي حتَّى يوافي مكّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(617) ما بين المعقوفتين أثبتناه من الملاحم.
(618) الملاحم والفتن: 202؛ المحجّة للبحراني: 28.
(619) بالإسناد الذي قبله.
(620) الدهقان: رئيس القرية أو الإقليم، والتاجر، والقوي على التصرّف مع شدّة وخبرة.
(621) كذا، وفي الملاحم والفتن للسيّد ابن طاووس نحوه، وفيه: (يسيح) بدل (سياحاً).
(622) في (ط): (بالبلدان لطلب).
وأمَّا الهارب من عشيرته ببلخ(623) فرجل من أهل المعرفة، لا يزال يعلن أمره، ويدعو الناس إليه وقومه وعشيرته، فلا يزال كذلك حتَّى يهرب منهم إلى الأهواز، فيقيم في بعض قراها حتَّى يأتيه أمر الله فيهرب منهم.
وأمَّا المحتجّ بكتاب الله على الناصب من سرخس، فرجل عارف، يلهمه الله معرفة القرآن، فلا يلقَ أحداً من المخالفين إلَّا حاجه، فيثبت أمرنا في كتاب الله.
وأمَّا المتخلّي بصقلية، فإنَّه رجل من أبناء الروم ، من قرية يقال لها: قرية يسلم، فينبو من الروم، ولا يزال يخرج إلى بلد الإسلام، يجول بلدانها، وينتقل من قرية إلى قرية، ومن مقالة إلى مقالة حتَّى يمنَّ الله عليه بمعرفة الأمر الذي أنتم عليه، فإذا عرف ذلك وأيقنه أيقن أصحابه فدخل صقلية وعبد الله حتَّى يسمع الصوت فيجيب.
وأمَّا الهاربان إلى السردانية من الشعب رجلان: أحدهما من أهل مدائن العراق، والآخر من جبانا(624)، يخرجان إلى مكّة، فلا يزالان يتّجران فيها ويعيشان حتَّى يتَّصل متَّجرهما بقرية يقال لها: الشعب، فيصيران إليها، ويقيمان بها حيناً من الدهر، فإذا عرفهما أهل الشعب آذوهما وأفسدوا كثيراً من أمرهما، فيقول أحدهما لصاحبه: يا أخي، إنّا قد أوذينا في بلادنا حتَّى فارقنا أهل مكّة، ثمّ خرجنا إلى الشعب، ونحن نرى أنَّ أهلها ثائرة علينا من أهل مكّة، وقد بلغوا بنا ما ترى، فلو سرنا في البلاد حتَّى يأتي أمر الله من عدل أو فتح أو موت يريح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(623) بلخ: قرية صغيرة في أفغانستان. (المنجد في الأعلام: 140).
(624) جبانا: ناحية بالسواد بين الأنبار وبغداد. (مراصد الاطلاع 1: 309).
فيتجهَّزان ويخرجان إلى برقة، ثمّ يتجهَّزان ويخرجان إلى سردانية، ولا يزالان بها إلى الليلة التي يكون فيها أمر قائمنا (عليه السلام).
وأمَّا التاجران الخارجان من عانة إلى أنطاكية، فهما رجلان يقال لأحدهما: مسلم، وللآخر: سليم، ولهما غلام أعجمي يقال له: سلمونة، يخرجون جميعاً في رفقة من التجّار، يريدون أنطاكية، فلا يزالون يسيرون في طريقهم حتَّى إذا كان بينهم وبين أنطاكية أميال يسمعون الصوت فينصتون نحوه، كأنَّهم لم يعرفوا شيئاً غير ما صاروا إليه من أمرهم ذلك الذي دعوا إليه، ويذهلون عن تجاراتهم(625)، ويصبح القوم الذين كانوا معهم من رفاقهم، وقد دخلوا أنطاكية، فيفقدونهم، فلا يزالون يطلبونهم، فيرجعون ويسألون عنهم من يلقون من الناس فلا يقعون لهم على أثر، ولا يعلمون لهم خبراً، فيقول القوم بعضهم لبعض: هل تعرفون منازلهم؟
فيقول بعضهم: نعم.
ثمّ يبيعون ما كان معهم من التجارة ويحملونها إلى أهاليهم. ويقتسمون مواريثهم، فلا يلبثون بعد ذلك إلَّا ستّة أشهر، حتَّى يوافون إلى أهاليهم على مقدمة القائم (عليه السلام) فكأنَّهم لم يفارقوهم.
وأمَّا المستأمنة من المسلمين إلى الروم فهم قوم ينالهم أذى شديد من جيرانهم وأهاليهم ومن السلطان، فلا يزال ذلك بهم حتَّى أتوا ملك الروم فيقصّون عليه قصَّتهم، ويخبرونه بما هم فيه من أذى قومهم وأهل ملَّتهم فيؤمّنهم ويعطيهم أرضاً من أرض قسطنطينة(626)، فلا يزالون بها حتَّى إذا كانت الليلة التي يسرى بهم فيها، يصبح جيرانهم وأهل الأرض التي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(625) كذا، وفي الملاحم والفتن للسيّد ابن طاووس: (تجارتهم).
(626) كذا، وفي الملاحم والفتن للسيّد ابن طاووس: (قسطنطينية).
كانوا بها قد فقدوهم، فيسألون عنهم أهل البلاد فلا يحسّون لهم أثراً، ولا يسمعون لهم خبراً، وحينئذٍ يخبرون ملك الروم بأمرهم وأنَّهم قد فقدوا، فيوجّه في طلبهم، ويستقصي آثارهم وأخبارهم، فلا يعود مخبر لهم بخبر، فيغتمّ طاغية الروم لذلك غمّاً شديداً، ويطالب جيرانهم بهم، ويحبسهم ويلزمهم إحضارهم، ويقول: ما قدمتم على قوم آمنتهم وأوليتهم جميلاً؟ ويوعدهم القتل إن لم يأتوا بهم ويخبرهم، وإلى أين صاروا فلا يزال أهل مملكته في أذية ومطالبة، ما بين معاقب ومحبوس ومطلوب، حتَّى يسمع بما هم فيه راهب قد قرأ الكتب، فيقول لبعض من يحدّثه حديثهم: إنَّه ما بقي في الأرض أحد يعلم علم هؤلاء القوم غيري وغير رجل من يهود بابل.
فيسألونه عن أحوالهم فلا يخبر أحداً من الناس، حتَّى يبلغ ذلك الطاغية، فيوجّه في حملة إليه، فإذا حضره قال له الملك: قد بلغني ما قلت، وقد ترى ما أنا فيه فاصدقني إن كانوا مرتابين قتلت بهم من قتلهم، ويخلص من سواهم من التهمة.
قال الراهب: لا تعجل - أيّها الملك - ولا تحزن على القوم، فإنَّهم لم يقتلوا ولن يموتوا، ولا حدث بهم حدث يكرهه الملك، ولا هم ممَّن يرتاب بأمرهم ونالتهم غيلة، ولكن هؤلاء قوم حملوا من أرض الملك إلى أرض مكّة إلى ملك الأمم، وهو الأعظم الذي لم تزل الأنبياء تبشّر به وتحدّث عنه وتعد بظهوره وعدله وإحسانه.
قال له الملك: ومن أين لك هذا؟
قال: ما كنت لأقول إلَّا حقّاً، فإنَّه عندي في كتاب قد أتى عليه أكثر من خمسمائة سنة، يتوارثه العلماء آخر عن أوّل.
فيقول له الملك: فإن كان ما تقول حقّاً، وكنت فيه صادقاً، فاحضر الكتاب.
فيمضي في إحضاره، ويوجّه الملك معه نفراً من ثقاته، فلا يلبث حتَّى يأتيه بالكتاب فيقرأه، فإذا فيه صفة القائم (عليه السلام) واسمه واسم أبيه، وعدّة أصحابه وخروجهم، وأنَّهم سيظهرون على بلاده.
فقال له الملك: ويحك، أين كنت عن إخباري بهذا إلى اليوم؟
قال: لولا ما تخوَّفت أنَّه يدخل على الملك من الإثم في قتل قوم أبرياء ما أخبرته بهذا العلم حتَّى يراه بعينه ويشاهده بنفسه.
قال: أوَتراني أراه؟
قال: نعم، لا يحول الحول حتَّى تطأ خيله أواسط بلادك، ويكون هؤلاء القوم أدلاّء على مذهبكم.
فيقول له الملك: أفلا أوجّه إليهم من يأتيني بخبر منهم، وأكتب إليهم كتاباً؟
قال له الراهب: أنت صاحبه الذي تسلّم إليه وستَّتبعه وتموت فيصلّي عليك رجل من أصحابه.
والنازلون بسرنديب وسمندر أربعة رجال من تجّار أهل فارس، يخرجون عن تجاراتهم فيستوطنون سرنديب وسمندر حتَّى يسمعوا الصوت ويمضون إليه.
والمفقود من مركبه بشلاهط رجل من يهود أصبهان، تخرج من شلاهط قافلة، فيها هو، فبينما تسير في البحر في جوف الليل إذ نودي، فيخرج من المركب على أرض أصلب من الحديد، وأوطأ من الحرير، فيمضي الربان إليه وينظر، فينادي: أدركوا صاحبكم فقد غرق.
فيناديه الرجل: لا بأس عليَّ إنّي على جدد(627).
فيحال بينهم وبينه، وتطوى له الأرض، فيوافي القوم حينئذٍ مكّة لا يتخلَّف منهم أحد)(628).
* وبالإسناد الأوّل: أنَّ الصادق (عليه السلام) سمّى أصحاب القائم (عليه السلام) لأبي بصير فيما بعد، فقال (عليه السلام): (أمَّا الذي في طاربند الشرقي: بندار بن أحمد من سكة تدعى بازان، وهو السياح المرابط.
ومن أهل الشام رجلان يقال لهما: إبراهيم بن الصباح، ويوسف بن صريا(629)، فيوسف عطّار من أهل دمشق، وإبراهيم قصّاب من قرية سويقان(630).
ومن الصامغان: أحمد بن عمر الخياط من سكة(631) بزيع، وعلي بن عبد الصمد التاجر من سكة النجارين.
ومن أهل سيراف: سلم الكوسج البزاز من سكة(632) الباغ، وخالد بن سعيد بن كريم الدهقان، والكليب الشاهد من دانشاه.
ومن مروروذ: جعفر الشاه الدقاق، وجور مولى الخصيب ومن مرو اثنا عشر(633) رجلاً، وهم: بندار بن الخليل العطّار، ومحمّد بن عمر الصيدناني، وعريب بن عبد الله بن كامل، ومولى قحطبة، وسعد الرومي،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(627) الجدد: الأرض الغليظة المستوية.
(628) المحجّة للبحراني: 34.
(629) في (ع)، (م): (حربا).
(630) في (ع)، (ط): (صويقان).
(631) في (ط): (سكنة)، وكذا في المواضع الآتية.
(632) كذا في المطبوع، وصحّحت في معجم أحاديث الإمام المهدي: (سكنة).
(633) وهؤلاء ثلاثة عشر رجلاً.
وصالح بن الرحال، ومعاذ بن هاني، وكردوس الأزدي، ودهيم بن جابر بن حميد، وطاشف بن علي القاجاني(634)، وقرعان بن سويد، وجابر بن علي الأحمر، وحوشب بن جرير.
ومن باورد(635) تسعة رجال: زياد بن عبد الرحمن بن جحدب، والعبّاس بن الفضل بن قارب، وسحيق بن سليمان الحناط، وعلي بن خالد، وسلم بن سليم بن الفرات البزاز، ومحمويه بن عبد الرحمن بن علي، وجرير بن رستم بن سعد الكيساني، وحرب بن صالح، وعمارة بن معمر.
ومن طوس أربعة رجال: شهمرد(636) بن حمران، وموسى بن مهدي، وسليمان بن طليق من الواد - وكان الواد موضع قبر الرضا (عليه السلام) -، وعلي بن السندي الصيرفي.
ومن الفارياب: شاهويه بن حمزة، وعلي بن كلثوم من سكة تدعى باب الجبل.
ومن الطالقان أربعة وعشرون(637) رجلاً: المعروف بابن الرازي الجبلي، وعبد الله بن عمير، وإبراهيم بن عمرو(638)، وسهل بن رزق الله، وجبريل الحدّاد، وعلي بن أبي علي الورّاق(639)، وعبادة بن جمهور(640)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(634) في (ع): (الفاجاني).
(635) في (م)، (ط): (بارود)، باورد: بلد بخراسان بين سرخس ونسا. (معجم البلدان 1: 333)، ومرَّ في الحديث (ص 132): (بيروت).
(636) في (ع): (سهمرد).
(637) وهؤلاء خمسة وعشرون.
(638) في (ط): (عمر).
(639) في (ط): (الرواف).
(640) في (ط): (ممهور).
ومحمّد بن جيهار، وزكريا ابن حبة، وبهرام بن سرح، وجميل بن عامر بن خالد، وخالد وكثير مولى جرير، وعبد الله بن قرط بن سلام، وفزارة بن بهرام، ومعاذ بن سالم بن جليد التمّار، وحميد بن إبراهيم بن جمعة الغزال، وعقبة بن وفر بن الربيع، وحمزة بن العبّاس بن جنادة من دار الرزق، وكائن بن حنيذ الصائغ، وعلقمة بن مدرك، ومروان بن جميل بن ورقاء، وظهور مولى زرارة ابن إبراهيم، وجمهور بن الحسين الزجّاج، ورياش بن سعد(641) بن نعيم.
ومن سجستان: الخليل بن نصر من أهل زنج(642)، وترك بن شبه، وإبراهيم بن علي.
ومن غور ثمانية رجال: محج(643) بن خربوذ، وشاهد بن بندار، وداود بن جرير، وخالد بن عيسى، وزياد بن صالح، وموسى بن داود، وعرف الطويل، وابن كرد.
ومن نيسابور ثمانية عشر(644) رجلاً: سمعان بن فاخر، وأبو لبابة بن مدرك، وإبراهيم بن يوسف القصير، ومالك بن حرب بن سكين، وزرود بن سوكن، ويحيى بن خالد، ومعاذ بن جبرئيل، وأحمد بن عمر بن زفر، وعيسى بن موسى السواق، ويزيد ابن درست، ومحمّد بن حماد بن شيت، وجعفر بن طرخان، وعلان ماهويه، وأبو مريم، وعمرو بن عمير بن قيس بن سحيم بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(641) في (ط): (سعيد).
(642) في (ع): (زيج).
(643) في (ع): (محمح).
(644) وهؤلاء ستّة عشر رجلاً.
مدرك ابن علي بن حرب بن صالح بن ميمون، ومهدي بن هند بن عطارد، ومسلم بن هوارمرد(645).
ومن دمشق ثلاثة رجال: نوح بن جرير(646)، وشعيب بن موسى، وحجر بن عبد(647) الله الفزاري.
ومن فلسطين: سويد بن يحيى.
ومن بعلبك: المنزل بن عمران.
ومن طبرية: معاذ بن معاذ.
ومن يافا: صالح بن هارون.
ومن قرمس(648): رئاب بن الجلود(649)، والخليل بن السيد.
ومن تيس(650): يونس بن الصقر، وأحمد بن مسلم بن مسلم.
ومن دمياط: علي بن زائدة.
ومن أسوان: حماد بن جمهور.
ومن الفسطاط أربعة رجال: نصر بن حواس، وعلي بن موسى الفزاري، وإبراهيم بن صفير، ويحيى بن نعيم.
ومن القيروان: علي بن موسى بن اليشخ، وعنبرة بن قرطة.
ومن باغة: شرحبيل السعدي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(645) في (ط): (هو أمرد).
(646) في (ط)، (ع): (جوير).
(647) في (ع): (عبيد).
(648) قرمس: بلدة بالأندلس. (معجم البلدان 4: 330).
(649) في (ط): (الجلد).
(650) التيس: موضع بين الكوفة والشام، وهو أيضاً جبل بالشام به عدّة حصون. (معجم البلدان 2: 66).
ومن بلبيس: علي بن معاذ.
ومن بالس(651): همام بن الفرات.
ومن صنعاء: الفياض بن ضرار(652) بن ثروان، وميسرة بن غندر بن المبارك(653).
ومن مازن: عبد الكريم بن غندر(654).
ومن طرابلس: ذو النورين عبيدة(655) بن علقمة.
ومن أبلة(656) رجلان: يحيى بن بديل، وحواشة بن الفضل.
ومن وادي القرى: الحر بن الزبرقان.
ومن خيبر(657) رجل يقال له: سليمان(658) بن داود.
ومن ربدار(659): طلحة بن سعد(660) بن بهرام.
ومن الجار: الحارث بن ميمون.
ومن المدينة رجلان: حمزة بن طاهر، وشرحبيل بن جميل.
ومن الربذة: حماد بن محمّد بن نصير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(651) بالس: بلدة بالشام بين حلب والرقة. (معجم البلدان 1: 328).
(652) في (م): (الغياض بن صرار).
(653) في (ع)، (م): (المباركي).
(654) في (ط): (غند).
(655) في (ع): (عبدة).
(656) الأبلة: بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى. (معجم البلدان 1: 76).
(657) في (ط): (الجيزة)، وهي بليدة غربي الفسطاط في مصر. (معجم البلدان 2: 200).
(658) في (ع)، (م): (سليمي).
(659) لعلَّه تصحيف (ريدان) وهي حصن باليمن، وقيل: قصر بظفار باليمن. (معجم البلدان 3: 111).
(660) في (ط): (سعيد).
ومن الكوفة أربعة عشر رجلاً: ربيعة بن علي بن صالح، وتميم بن إلياس بن أسد، والعضرم بن عيسى، ومطرف بن عمر الكندي، وهارون بن صالح بن ميثم(661)، ووكايا ابن سعد، ومحمّد بن رواية، والحر(662) بن عبد الله بن ساسان، وقودة الأعلم، وخالد بن عبد القدوس، وإبراهيم بن مسعود بن عبد الحميد، وبكر بن سعد بن خالد، وأحمد بن ريحان بن حارث، وغوث(663) الأعرابي.
ومن القلزم: المرجئة(664) بن عمرو، وشبيب بن عبد الله.
ومن الحيرة: بكر بن عبد الله بن عبد الواحد.
ومن كوثي ربا: حفص بن مروان.
ومن طهنة: الحباب(665) بن سعيد، وصالح بن طيفور.
ومن الأهواز: عيسى بن تمام، وجعفر بن سعيد الضرير، يعود بصيراً.
ومن الشام: علقمة بن إبراهيم.
ومن إصطخر: المتوكّل بن عبيد(666) الله، وهشام بن فاخر.
ومن المولتان(667): حيدر بن إبراهيم.
ومن النيل: شاكر بن عبدة.
ومن القندابيل(668): عمرو بن فروة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(661) في (ع)، (م): (عثيم).
(662) في (ط): (الحرب).
(663) في (ع)، (م): (غرث).
(664) في (ع): (الرحبة).
(665) في (ط): (الطاهي: الجاب)، وفي (م): (طاهي: الحباب).
(666) في (ط): (عبد).
(667) في (م)، (ط): (الموليان).
(668) قندابيل: مدينة بالسند. (معجم البلدان 4: 402)، وفي (ط): (القنديل)، وفي (ع): (قندايل).
ومن المدائن ثمانية نفر: الأخوين الصالحين محمّد وأحمد ابني المنذر، وميمون(669) ابن الحارث، ومعاذ بن علي بن عامر بن عبد الرحمن بن معروف بن عبد الله، والحرسي ابن سعيد، وزهير بن طلحة، ونصر، ومنصور.
ومن عكبرا: زائدة بن هبة.
ومن حلوان: ماهان بن كثير، وإبراهيم بن محمّد.
ومن البصرة: عبد الرحمن بن الأعطف بن سعد، وأحمد بن مليح، وحماد بن جابر.
وأصحاب الكهف سبعة نفر: مكسلمينا وأصحابه.
والتاجران الخارجان من أنطاكية: موسى بن عون، وسليمان بن حرّ، وغلامهما الرومي.
والمستأمنة إلى الروم أحد عشر(670) رجلاً: صهيب بن العبّاس، وجعفر بن حلال(671) وضرار بن سعيد، وحميد القدوسي، والمنادي(672)، ومالك بن خليد، وبكر بن الحر، وحبيب بن حنان، وجابر بن سفيان.
والنازلان بسرنديب، وهما: جعفر بن زكريا، ودانيال بن داود.
ومن سندرا أربعة رجال: خور بن طرخان، وسعيد بن علي، وشاه بن بزرج، وحر بن جميل.
والمفقود من مركبه بشلاهط اسمه: المنذر بن زيد.
ومن سيراف - وقيل: شيراز، الشكّ من مسعدة -: الحسين بن علوان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(669) في (ط): (تيمور)، وفي (م): (سيمون).
(670) وهؤلاء تسعة رجال.
(671) في (م)، (ط)، (ع): (وجعفر بن... وحلال بن حميد). وما أثبتناه من المحجّة للبحراني.
(672) في (ع)، (م): (القدوس المناري).
والهاربان إلى سردانية: السري بن الأغلب، وزيادة الله بن رزق الله.
والمتخلّي بصقلية: أبو داود الشعشاع.
والطواف لطلب الحقّ من يخشب: وهو عبد الله بن صاعد بن عقبة.
والهارب من بلخ من عشيرته: أوس بن محمّد.
والمحتجّ بكتاب الله على الناصب من سرخس: نجم بن عقبة بن داود.
ومن فرغانة: أزدجاه بن الوابص.
ومن الترمد(673): صخر بن عبد الصمد القنابلي، ويزيد بن قادر.
فذلك ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً بعدد أهل بدر)(674).
* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، عن أبيه (رضي الله عنه)، قال: حدَّثني محمّد بن همام، قال: حدَّثني أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم، عن أبيه، عن الحسن بن علي، عن إبراهيم بن محمّد، عن محمّد بن حمران، عن أبيه، عن يونس بن ظبيان، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فذكر أصحاب القائم (عليه السلام)، فقال: (ثلاثمائة وثلاثة عشر، وكلّ واحد يرى نفسه في ثلاثمائة)(675).
والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(673) في (ط): (البرية)، وفي (م): (البريد).
(674) المحجّة للبحراني: 38.
(675) المحجّة للبحراني: 46.
تأليف: عُمدة الفقهاء والمتكلّمين خليفة السيد المرتضى في علومه
أبي الصلاح تقي بن نجم الحلبي 374 - 447 هـ
تحقيق: فارس تبريزيان الحسّون
فصل في إثبات إمامة الحجّة ابن الحسن ووجه الحكمة في غيبته (676)
ما قدَّمناه من الأدلّة على إمامة الأئمّة (عليهم السلام) برهانٌ واضحٌ على إمامة الحجّة ابن الحسن (عليه السلام)، ومغن عن تكلّف كلام يختصّها، غير أنّا نستظهر في الحجّة على ذلك بحسب قوّة الشبهة في هذه المسألة على مستضعف، وإن كان برهان صحَّتها واضحاً.
والكلام فيها ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: إثبات إمامة الحجّة ابن الحسن (عليه السلام) منذ قبض أبيه وإلى أن يظهر منتصراً لدين الله من أعدائه.
والثاني: بيان وجه الحكمة في غيبته وتعذّر معرفة شخصه ومكانه، وإسقاط ما يعتريها(677) من الشبه.
فأمَّا الدلالة على إمامته وثبوت الحجّة بوجوده، فمن جهة العقل والسمع.
برهان العقل على إمامته:
فأمَّا برهان العقل، فعلمنا به وجوب الرئاسة وعصمة الرئيس وفضله على الرعيّة في الظاهر والباطن، وكونه أعلمهم بما هو رئيس فيه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(676) تقريب المعارف: 415 - 456.
(677) في النسخة: (ما يعترفها).
وكلّ مَن قال بذلك قال بإمامة الحجّة ابن الحسن (عليه السلام)، وكونه الرئيس ذا الصفات الواجبة، دون سائر الخلق، من وفاة أبيه وإلى أن يظهر للانتقام(678) من الظالمين.
ولأنَّ اعتبار هذه الأصول العقلية يقضي بوجود حجّة في الأوقات المذكورة دون من عداه، لأنَّ الأُمّة في كلّ عصر أشرنا إليه بين: نافٍ للإمامة، ومثبتٍ لها معترفٍ بانتفاء الصفات الواجبة للإمام عمَّن أثبت إمامته، ومثبتٍ لإمامة الحجّة ابن الحسن (عليه السلام).
ولا شبهة في فساد قول من نفى الإمامة، لقيام الدلالة على وجوبها، وقول(679) من أثبتها مع تعرّي الإمام من الصفات الواجبة للإمام لوجوبها له وفساد إمامة من انتفت عنه، وحصول العلم بكون الحقّ في الملّة الإسلاميّة، فصحَّ بذلك القول بوجود الحجّة (عليه السلام)، إذ لو بطل كغيره من أقوال المسلمين لاقتضى ذلك فساد مدلول الأدلّة أو خروج الحقّ عن الملّة الإسلاميّة، وكلا الأمرين فاسد، فصحَّ ما قلناه، وقد سلف لنا استنادها بين الطريقتين إلى أحكام العقول دون السمع، فأغنى عن تكراره هاهنا.
برهان السمع على إمامته:
وأمَّا أدلّة السمع على إمامته، فعلى ضروب:
منها: أنَّ كلّ مَن أثبت إمامة أبيه وأجداده إلى علي (عليه السلام) قال بإمامته في الأحوال التي ذكرناها، وقد دللنا على إمامتهم، فلحق الفرع بالأصل، والمنّة لله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولأنّا نعلم وكلّ مخالط لآل محمّد (عليهم السلام) وسامع لحديثهم تديّنهم(680) بإمامة الحجّة الثاني عشر (عليه السلام)، ونصّهم على كونه المهدي المستثير(681) لله ولهم من الظالمين، وقد علمنا عصمتهم بالأدلّة، فوجب القطع على إمامة الاثني عشر (عليهم السلام) خاصّة، فما له وجبت إمامة الأوّل من الآيات والأخبار له وجبت إمامة الثاني عشر (عليه السلام)، إذ لا فرق بين الأمرين.
ومنها: النصّ على إمامة الحجّة (عليه السلام)، وهو على ضروب ثلاثة:
أحدها: النصّ من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) على عدد الأئمّة (عليهم السلام) وأنَّهم اثنا عشر، ولا شبهة على متأمّل في أنَّ النصّ على هذا العدد المخصوص نصّ على إمامة الحجّة (عليه السلام)، كما هو نصّ على إمامة آبائه من الحسن بن علي بن محمّد بن علي الرضا، إلى علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، إذ لا أحد قال بهذا العدد المخصوص وقصر الإمامة عليه دون ما نقص منه وزاد عليه إلَّا خصّ به أمير المؤمنين والحجّة بن الحسن ومَن بينهما من الأئمّة (عليهم السلام).
وهذا الضرب من النصّ وارد من طريقي الخاصّة والعامّة.
نصّ رسول الله على عدد الأئمّة من بعده من طريق العامّة:
فممَّا روته العامّة فيه:
* عن الشعبي، عن مسروق، قال: كنّا عند ابن مسعود، فقال له رجل: أحدَّثكم نبيّكم كم يكون بعده من الخلفاء؟ فقال له عبد الله بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسعود: نعم، وما سألني عنها أحدٌ قبلك، وإنَّك لأحدث القوم سنّاً، سمعته عليه الصلاة والسلام يقول: (يكون بعدي من الخلفاء عدّة نقباء موسى (عليه السلام): اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش)(682).
ورووا عن ابن مسعود من طرق أخر.
* وزاد في بعضها مسروق، قال: كنّا جلوساً إلى عبد الله يقرئنا القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، هل سألتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كم يملك أمر هذه الأمّة من خليفة من بعده؟ فقال له عبد الله: ما سألني أحد منذ قدمتُ العراق عن هذا، سألنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقال: (اثنا عشر، عدّة نقباء بني إسرائيل)(683).
* ورووا عن عبد الله بن أبي أميّة مولى بني مجاشع، عن يزيد الرقاشي(684)، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (لن يزال هذا الدين قائماً إلى اثني عشر من قريش، فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها...) وساق الحديث(685).
* ورووا عن زياد بن خثيمة، عن الأسود بن سعيد الهمداني، قال: سمعت جابر بن سمرة يقول: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يقول: (يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش)، فقالوا له: ثمّ يكون ماذا؟ فقال: (ثمّ يكون الهرج)(686).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(682) الغيبة للنعماني: 107 من طرق العامّة.
(683) مسند أحمد 1: 398.
(684) في النسخة: (الرفاسي).
(685) كشف الأستار للنوري: 134.
(686) رواه الشيخ في الغيبة: 88؛ والنعماني في الغيبة: 103 من طرق العامّة.
* ورووا عن الشعبي، عن جابر بن سمرة أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: (لا يزال أهل هذا الدين يُنصرون على من ناواهم إلى اثني عشر خليفة، فجعل الناس يقومون ويقعدون)، وتكلَّم بكلمة لم أفهمها، فقلت لأبي أو لأخي: أيّ شيء قال؟ فقال: (كلّهم من قريش)(687).
* ورووا عن سمّاك بن حرب(688)، وزياد بن علاقة،(689) وحصين بن عبد الرحمن(690)، وعبد الملك بن عمير(691)، وأبي خالد الوالبي(692)، عن جابر بن سمرة، مثله.
* ورووا عن يونس بن أبي يعفور(693)، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال: كنتُ عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهو يخطب وعمّي جالس بين يديّ(694)، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (لا يزال أمر أمّتي صالحاً حتَّى يمرّ اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش)(695).
* ورووا عن ربيعة بن سيف، قال: كنّا عند شقيق الأصبحي فقال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يقول: (يكون خلفي اثنا عشر خليفة)(696).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(687) رواه النعماني في الغيبة: 104 من طرق العامّة.
(688) سنن الترمذي 3: 40.
(689) الغيبة للنعماني: 103.
(690) صحيح مسلم 6: 3.
(691) صحيح البخاري 9: 101.
(692) الغيبة للنعماني: 106.
(693) في المستدرك: (يعقوب).
(694) كذا، وفي الغيبة للنعماني: (بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)).
(695) المستدرك على الصحيحين 3: 618.
(696) رواه الشيخ الطوسي في الغيبة: 89 من طرق العامّة، وفيه: (شفي الأصبحي).
* ورووا عن حمّاد بن سلمة، عن أبي الطفيل، قال: قال لي عبد الله بن عمر: يا أبا طفيل أعدد اثني عشر خليفة بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ثمّ يكون النقف والنفاق(697)،(698).
في أمثال لهذه الأحاديث من طريق العامّة.
النصّ على عدد الأئمّة من طريق الخاصّة:
ومن الشيعة ما تناصرت به روايتهم:
* عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين (عليهم السلام)، عن أبيه، عن جدّه (عليهما السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (إنّي واثنا عشر من أهل بيتي - أوّلهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) - أوتاد الأرض التي أمسكها الله بها أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من أهلي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا)(699).
* وعن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (من أهل بيتي اثنا عشر نقيباً، نجباء، محدّثون، مفهّمون، وآخرهم القائم بالحقّ يملأها عدلاً كما ملئت جوراً)(700).
* ورووا عن أبي بصير، عن أبي عبد الله، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(697) رواه الشيخ الطوسي في الغيبة: 89 من طرق العامّة، ورواه الخطيب في تاريخ بغداد 6: 263، وفيه: (النقف والنقاف)، أي: القتل والقتال كما قيل، وفي بعض المصادر: (النفث والنفاث)، فراجع.
(698) وفي رواية عبد الله بن أبي أوفى: (ثمّ يكون دواره)، انظر: مناقب ابن شهرآشوب 1: 250؛ عنه بحار الأنوار 36: 268.
(699) الكافي 1: 534؛ الغيبة للطوسي: 92 مع اختلاف يسير.
(700) الكافي 1: 534؛ منتخب الأثر: 33.
رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) اختار من الأيّام يوم الجمعة، ومن الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، واختار من الناس الأنبياء، واختار من الأنبياء الرسل، واختار[ني] من الرسل، واختار منّي علياً، واختار من علي الحسن والحسين، واختار من الحسين الأوصياء (عليهم السلام)، وهم تسعة من ولد الحسين، ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، تاسعهم باطنهم وظاهرهم، وهو قائمهم)(701).
* ورووا عن سلمان، قال: رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وقد أجلس الحسين بن علي (عليهما السلام) على فخذه وتفرَّس في وجهه: ثمّ قال: (إمام ابن إمام أبو أئمّة حجج تسع، تاسعهم قائمهم، أفضلهم، أحلمهم، أعلمهم)(702).
* ورووا عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) أرسل محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى الجنّ والإنس عامّة، وكان من بعده اثنا عشر وصيّاً، منهم من سبق، ومنهم من بقي، وكلّ وصيّ جرت به سُنّة، [و]الأوصياء الذين بعد محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)...)(703).
* ورووا عن سليم بن قيس الهلالي، قال: سمعت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يقول: كنّا عند معاوية، [أنا](704) والحسن والحسين (عليهما السلام) وابن عبّاس وعمر بن أبي سلمة وأُسامة بن زيد، فذكر كلاماً جرى بينه وبينه، وأنَّه قال: يا معاوية سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يقول: (إنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ أخي علي بن أبي طالب أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فابنه الحسن أولى بالمؤمنين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(701) كمال الدين: 281.
(702) مقتضب الأثر: 8 .
(703) الكافي 1: 532؛ الغيبة للطوسي: 92.
(704) ليست في المصدر، وأثبتناها من مصادر أخرى.
من أنفسهم، فإذا استشهد فابني الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فعلي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم - وستدركه يا علي - ثمّ ابني محمّد بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم - وستدركه يا حسين - ثمّ تكملة اثني عشر إماماً [تسعة](705) من ولد الحسين (عليه السلام)).
قال عبد الله بن جعفر: فاستشهدت الحسن والحسين وعبد الله بن عبّاس وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد، فشهدوا لي بذلك عند معاوية.
قال سليم: وقد كنت سمعت ذلك من سلمان وأبي ذر وأُسامة بن زيد، ورووه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)(706).
* ومنه ما تناصرت به الرواية من حديث الخضر (عليه السلام) وسؤاله أمير المؤمنين (عليه السلام) عن المسائل، فأمر الحسن (عليه السلام) بإجابته عنها، فأجابه، فأظهر الخضر (عليه السلام) بحضرة الجماعة الإقرار لله سبحانه بالربوبية، ولمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالنبوّة، ولأمير المؤمنين (عليه السلام) بالإمامة والحسن والحسين والتسعة من ولد الحسين (عليه السلام) [و]أنَّه الخضر (عليه السلام)(707).
* ورووا قصَّة اللوح الذي أهبطه الله تعالى على نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) فيه أسماء الأئمّة الاثني عشر.
* ورووا ذلك من عدّة طرق عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله)، قال: دخلت على فاطمة (عليها السلام)، وبين يديها(708) لوح فيه أسماء الأوصياء من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(705) سقطت من النسخة، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
(706) انظر: كتاب سُليم بن قيس: 361، باختلاف في الألفاظ، واتّحاد في المعنى، وعنه في: الخصال 2: 477 مع اختلاف يسير؛ الكافي 1: 529؛ الغيبة للطوسي: 91.
(707) الكافي 1: 525؛ كمال الدين: 213؛ عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 53.
(708) في النسخة: (يديه).
ولدها (عليهم السلام)، فعددت اثني عشر، أحدهم(709) القائم بالحقّ، اثنان منهم محمّد، وأربعة منهم علي(710).
* ورووا عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام)، قال: (قال أبي - يعني الباقر محمّد بن علي (عليهما السلام) - لجابر بن عبد الله: إنَّ لي إليك حاجة، متى يخفّ عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟ فقال له جابر: أيّ الأوقات أحببتَ، فخلى به في بعض الأيّام، فقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أُمّي فاطمة (عليها السلام) وما أخبرتك به أنَّ فيه مكتوباً؟ فقال جابر: أشهد بالله...) وساق الحديث(711).
* وممَّا رو[و]ه حديث الاثني عشر صحيفة المختومة باثني عشر خاتماً، التي نزل بها جبرئيل (عليه السلام) على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فيعمل بما فيها [علي (عليه السلام)]، فإذا احتضر سلَّمها إلى الحسن (عليه السلام)، ففتح صحيفة وعمل بما فيها، ثمّ إلى الحسين (عليه السلام)، ثمّ واحداً بعد واحد إلى الثاني عشر (عليهم السلام).
* ورووا عن أبي عبد الله (عليه السلام) من عدّة طرق قال: (إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) أنزل على عبده كتاباً قبل وفاته، وقال: يا محمّد، هذه وصيّتك إلى النخبة من أهلك، قال: وما النخبة(712) يا جبرئيل؟ قال: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكان على الكتاب خواتيم من ذهب، فدفعه النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى علي (عليه السلام)، وأمره أن يفكَّ خاتماً منه ويعمل بما فيه، ففكَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) الخاتم وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى الحسن وأمره أن يفكَّ خاتماً منه ويعمل بما فيه، ففكَّ الحسن (عليه السلام) الخاتم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(709) في المصدر: (آخرهم).
(710) كمال الدين: 213، وفيه: (ثلاثة منهم محمّد).
(711) الكافي 1: 527؛ كمال الدين: 309؛ الغيبة للطوسي: 93.
(712) في النسخة بدون نقاط، وفي المصادر: (النجيب).
[وعمل بما فيه فما تعدّاه]، ثمّ دفعه إلى الحسين (عليه السلام) ففكَّ خاتماً فوجد فيه: أن اخرج بقوم إلى الشهادة فلا شهادة لهم إلَّا معك، واشر نفسك لله، ففعل، ثمّ دفعه إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) ففكَّ خاتماً فوجد فيه: أن اطرق واصمت والزم منزلك واعبد ربّك حتَّى يأتيك اليقين، ففعل، ثمّ دفعه إلى ابنه محمّد بن علي (عليهما السلام) ففكَّ خاتماً فوجد فيه: حدّث الناس وأفتهم ولا تخافنَّ إلَّا الله فإنَّه لا سبيل لأحد عليك، ثمّ دفعه إلى ابنه جعفر (عليه السلام) ففكَّ خاتماً فوجد فيه: حدّث الناس وافتهم وانشر علوم أهل بيتك وصدّق آبائك الصالحين، ولا تخافنَّ إلَّا الله، وأنت في حرز وأمان، ففعل، ثمّ دفعه إلى موسى (عليه السلام)، وكذلك يدفعه موسى (عليه السلام) إلى الذي بعده، ثمّ كذلك أبداً إلى قيام المهدي (عليه السلام))(713).
* وممَّا رووه عن أبي الطفيل، قال: شهدتُ جنازة أبي بكر يوم مات، وشهدت عمر حين بويع، وعلي (عليه السلام) جالس ناحية، فأقبل غلام يهودي جميل عليه ثياب حسان - وهو من ولد هارون (عليه السلام) - حتَّى قام على رأس عمر بن الخطّاب، فقال: يا أمير المؤمنين، أنت أعلم هذه الأمّة بكتابهم وأمر نبيّهم (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟ فطأطأ عمر رأسه، فأعاد عليه القول.
فقال له عمر: ولِمَ ذاك؟
فقال: إنّي جئت مرتاداً لنفسي، شاكّاً في ديني، أُريد الحجّة وأطلب البرهان.
فقال له عمر: دونك هذا الشاب - وأشار إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) -.
قال الغلام: ومن هذا؟
قال عمر: هذا علي بن أبي طالب ابن عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأبو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(713) الكافي 1: 279؛ كمال الدين: 232؛ علل الشرائع 1: 164 مع اختلاف يسير.
الحسن والحسين ابني رسول الله، وزوج فاطمة بنت رسول الله (عليهم السلام)، وأعلم الناس بالكتاب والسُنّة.
قال: فأقبل الغلام إلى علي (عليه السلام)، فقال له: أنت كذلك؟
فقال له علي (عليه السلام): (نعم).
قال الغلام: فإنّي أريد أسألك عن ثلاث، وثلاث، وواحدة.
قال: فتبسَّم أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: (يا هاروني، ما منعك أن تقول سبعاً؟).
قال: لأنّي أُريد أسألك عن ثلاث، فإن علمتهنَّ سألتك عمَّا بعدهنَّ، وإن لم تعلمهنَّ علمتُ أنَّه ليس فيكم عالم.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (أنا أسألك بالإله الذي تعبده إن أنا أجبتك عن كلّ ما تسأل عنه لتدعنَّ دينك ولتدخلنَّ في ديني؟).
قال: ما جئت إلَّا لذلك.
قال له أمير المؤمنين (عليه السلام): (سل).
فقال: أخبرني عن أوّل قطرة دم قطرت على وجه الأرض أيّ قطرة هي؟ وأوّل عين فاضت على وجه الأرض أيّ عين هي؟ وأوّل(714) شيء اهتزَّ على وجه الأرض أيّ شيء هو؟
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (يا هاروني، أمَّا أنتم فتقولون: أوّل قطرة قطرت على وجه الأرض حيث قتل أحد ابني آدم (عليه السلام) صاحبه، وليس كذلك، ولكنَّه حيث طمثت حواء وذلك قبل أن تلد ابنيها.
وأمَّا أنتم فتقولون: أوّل عين فاضت على وجه الأرض العين التي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(714) في النسخة: (وأيّ أوّل).
ببيت المقدس، وليس كذلك هو، ولكنَّها عين الحياة التي وقف عليها موسى (عليه السلام) وفتاه ومعهما النون المالح، فسقط منه فيها فحيي، وهذا الماء لا يصيب ميّتاً إلَّا حيي.
وأمَّا أنتم فتقولون: أوّل شيء اهتزَّ على وجه الأرض الشجرة التي كانت منها سفينة نوح (عليه السلام)، وليس كذلك هو، ولكنَّها النخلة التي أُهبطت من الجنّة، وهي العجوة، ومنها تفرَّع جميع ما ترى من أنواع النخل).
فقال: صدقت والله الذي لا إله إلَّا هو، إنّي لأجد هذا في كتب أبي هارون (عليه السلام)، كتابته بيده وإملاء عمّي موسى (عليه السلام).
ثمّ قال: أخبرني عن الثلاث الأخر: عن أوصياء محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وكم أئمّة عدل بعده؟ وعن منزله في الجنّة؟ ومن يكون معه ساكناً في منزله؟
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (يا هاروني، إنَّ لمحمّد (عليه السلام) اثني عشر وصيّاً أئمّة عدل، لا يضرّهم خذلان من خذلهم، ولا يستوحشون بخلاف من خالفهم، وإنَّهم أرسب(715) في الدين من الجبال الرواسي في الأرض.
ومسكن محمّد (عليه السلام) في جنّة عدن التي ذكرها الله (عزَّ وجلَّ) وغرسها بيده، ومعه في مسكنه فيها الأئمّة الاثنا عشر العدول).
فقال: صدقت والله الذي لا إله إلَّا هو، إنّي لأجد ذلك في كتب أبي هارون (عليه السلام)، كتابته بيده وإملاء عمّي موسى (عليه السلام).
فقال: أخبرني عن الواحد: كم يعيش وصيّ محمّد (عليه السلام) من بعده؟ وهل يموت أو يقتل؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(715) الأرسب: الأثبت.
قال: (يا هاروني، يعيش بعده ثلاثين سنة، لا تزيد يوماً ولا تنقص يوماً، ثمّ يضرب ضربة هاهنا - ووضع يده على قرنه وأومأ إلى لحيته - فتخضب هذه من هذه).
قال: فصاح الهاروني وقطع كشنيره(716) وقال: أشهد أن لا إله إلَّا الله، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله، وأنَّك وصيّ رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ينبغي أن تفوق ولا تُفاق، وأن تعظّم ولا تستضعف، وحسن إسلامه(717).
* ورووا عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعتُ علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: (إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) خلق محمّداً (عليه السلام) واثني عشر من أهل بيته من نور عظمته، فأقامهم أشباحاً في ضياء نوره يعبدونه ويسبّحونه ويقدّسونه، وهم الأئمّة من بعد محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم))(718).
* ورووا عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) اثنا عشر إماماً كلّهم محدّث، ورسول الله وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام) هما الوالدان)(719).
* ورووا عن الحسن بن العبّاس بن الحريش، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن موسى (عليهم السلام)، قال: (إنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لابن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(716) كذا يقرء ما في النسخة، وهذه الجملة لم تُذكر في المصادر التي نشير إليها في الذيل إلَّا الكافي بهذه العبارة: (وقطع كستيجه)، وهو كما في الوافي: خيط غليظ يشدّه الذمّي فوق ثيابه دون الزنار.
(717) الكافي 1: 530؛ كمال الدين: 300؛ الخصال: 476؛ الغيبة للنعماني: 97؛ مقتضب الأثر: 14 - 17 مع اختلاف يسير.
(718) الكافي1: 530؛ كمال الدين: 318 مع اختلاف يسير.
(719) الكافي 1: 533؛ الغيبة للطوسي: 97 مع اختلاف يسير.
عبّاس: إنَّ ليلة القدر في كلّ سنة، وإنَّه ينزل في تلك الليلة أمر السنة، وكذلك ولاة الأمر(720) بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
قال ابن عبّاس: مَن هم؟
قال: (أنا وأحد عشر من صلبي محدّثون)(721).
* وبإسناده، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه: (آمنوا بليلة القدر، فإنَّها تكون بعدي لعلي بن أبي طالب وولده، وهم أحد عشر من بعده (عليهم السلام))(722).
* ورووا عن أبي بصير، [عن] أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (يكون تسعة أئمّة بعد الحسين (عليه السلام)، تاسعهم قائمهم)(723).
* ورووا عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (الأئمّة اثنا عشر إماماً، منهم الحسن والحسين، ثمّ الأئمّة من ولد الحسين (عليهم السلام))(724).
في أمثال لهذه الروايات الواردة من طريقي الخاصّة والعامّة.
* * *
ومعلوم أنَّ ورود الخبر متناصراً بنقل الدائن بضمنه والمخالف في معناه برهان صحَّته، إذ لا داعي للمحجوج به إلَّا الصدق الباعث على روايته.
وإذا ثبت صدق نقلته اقتضى إمامة المذكورين فيه، لكونه نصَّاً على عدد لم يشركهم فيه أحد حسب ما قدَّمناه(725).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(720) في الغيبة للطوسي: (ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله).
(721) الغيبة للطوسي: 93؛ الكافي 1: 533.
(722) كمال الدين: 281؛ الكافي 1: 533.
(723) الغيبة للنعماني: 94؛ الخصال: 480؛ الكافي 1: 532.
(724) الكافي1: 533 مع اختلاف يسير؛ الخصال: 480، وفيه: (منهم علي والحسن والحسين).
(725) أي: ما سبق من الروايات من طريق العامّة والخاصّة حول عدد الأئمّة (عليهم السلام).
نصّ أبيه عليه بالإمامة وشهادة المقطوع بصدقهم بإمامته:
والضرب الثاني من النصّ: نصّ أبيه عليه بالإمامة، وشهادة المقطوع بصدقهم بإمامته.
فأمَّا النصّ من أبيه:
* فما روي من عدّة طرق، عن محمّد بن علي بن بلال، قال: خرج إليَّ من أبي محمّد الحسن بن علي (عليهما السلام) قبل مضيّه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده(726).
* ورووا عن عدّة طرق، عن أبي هاشم الجعفري، قال: قلت لأبي محمّد (عليه السلام): جلالتك تمنعني عن مسألتك، فتأذن إلي أن أسألك؟
فقال: (سل).
فقلت: يا سيّدي هل لك ولد؟
قال: (نعم).
قلت: فإن حدث أمر فأين أسأل عنه؟
فقال: (بالمدينة)(727).
* ورووا من عدّة طرق، عن أحمد بن محمّد بن عبد الله، قال: خرج من أبي محمّد (عليه السلام) حين قتل الزبير[ي]: (هذا جزاء من اجترى(728) على الله تعالى في أوليائه، يزعم(729) أنَّه يقتلني وليس لي عقب، كيف رأى قدرة الله فيه؟).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(726) الكافي 1: 328؛ الإرشاد: 328.
(727) الكافي 1: 328 مع اختلاف يسير؛ الغيبة للطوسي: 139؛ الإرشاد: 328.
(728) في الكافي: (افترى).
(729) في الكافي: (زعم).
قال: ولد له ولد سمّاه باسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وذلك في سنة ستّ وخمسين ومائتين(730).
* ورووا عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفر[ي]، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: (الخلف من بعدي الحسن (عليه السلام)، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟).
فقلت: ولِمَ جُعلت فداك؟
قال: (لأنَّكم لا ترون شخصه، ولا يحلُّ لكم ذكره باسمه).
فقلت: كيف نذكره؟
فقال: (قولوا: الحجّة من آل محمّد (عليهم السلام))(731).
* ورووا عن عمرو الأهوازي، قال: أراني أبو محمّد (عليه السلام) ابنه (عليه السلام)، فقال: (هذا صاحبكم بعدي)(732).
* ورووا عن نصر بن علي(733) العجلي، عن رجل من أهل فارس سمّاه، قال: أتيتُ سُرَّ من رأى ولزمتُ باب أبي محمّد (عليه السلام)، فدعاني فدخلت عليه وسلَّمت، فقال: (ما الذي أقدمك؟).
قال: قلت: رغبة في خدمتك.
قال: فقال لي: (الزم الدار).
قال: فكنت مع الخدم في الدار، ثمّ صرت أشتري لهم الحوائج من السوق، وكنتُ أدخل من غير إذن إذا كان في الدار رجال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(730) الكافي 1: 514؛ الإرشاد: 329؛ كمال الدين: 430 مع اختلاف يسير.
(731) الكافي 1: 332؛ كمال الدين: 648؛ الإرشاد: 329 مع اختلاف يسير.
(732) الكافي 1: 328؛ الإرشاد: 329.
(733) في الكافي وكمال الدين: (ضوء بن علي).
قال: فدخلتُ عليه يوماً وهو في دار الرجال، فسمعتُ حركةً في البيت، فناداني: (مكانك لا تبرح)، فلم أجسر أن أدخل ولا أخرج، فخرجَتْ عليَّ جارية معها شيء مغطّى، ثمّ ناداني: (اُدخل)، فدخلتُ، فنادى الجارية، فرجعت فدخلت إليه، فقال لها: (اكشفي عمَّا معك)، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه، فكشف أبو محمّد (عليه السلام) عن بطنه، فإذا شعر نابت من لبَّته إلى سرَّته أخضر ليس بأسود، فقال: (هذا صاحبكم)، ثمّ أمرها فحملته، فما رأيته بعد ذلك حتَّى مضى أبو محمّد (عليه السلام)(734).
في أمثال لهذه النصوص.
وأمَّا شهادة المقطوع بصدقهم، فمعلوم لكلّ سامع لأخبار الشيعة تعديل أبي محمّد الحسن بن علي (عليهما السلام) جماعة من أصحابه، وجعلهم سفراء بينه وبين أوليائهم، والأمناء على قبض الأخماس والأنفال، وشهادته بإيمانهم وصدقهم فيما يؤدّونه عنه إلى شيعته.
وأنَّ هذه الجماعة شهدت بمولد الحجّة ابن الحسن (عليه السلام)، وأخبرت بالنصّ عليه من أبيه (عليهما السلام)، وقطعت بإمامته، وكونه الحجّة المأمول للانتصار من الظالمين.
فكان ذلك منهم نائباً مناب نصّ أبيه (عليه السلام) لو كان مفقوداً، إذ لا فرق في ثبوت الحكم بين أن ينصّ عليه حجّة معلوم العصمة لكونه نبيّاً أو إماماً، وبين أن ينصّ عليه منصوصٌ على صدقه بقول نبيّ أو إمام.
والجماعة المذكورة(735): أبو هاشم داود بن قاسم الجعفري،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(734) الكافي 1: 329؛ كمال الدين: 436.
(735) روى الصدوق في كمال الدين روايات عدَّ فيها أكثر هذه الجماعة ممَّن رأى القائم (عليه السلام)، راجع كمال الدين: 442 و443 و445 و435.
ومحمّد بن علي بن بلال، وأبو عمرو عثمان بن سعيد السمّان، وابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان (رضي الله عنهم)، وعمرو الأهوازي، وأحمد بن إسحاق، وأبو محمّد الوجنائي(736)، وإبراهيم بن مهزيار، ومحمّد بن إبراهيم.
نصّ آبائه عليه بغيبته وصفتها:
وأمَّا الضرب الثالث من النصّ، فهو ما ورد عن آبائه (عليهم السلام) من النبيّ وأمير المؤمنين إلى ابنه الحسن بن علي (عليهم السلام): بغيبة الحجّة قبل وجوده، وصفتها قبل مولده، ووقوع ذلك مطابقاً للخبر، من غير أن ينخرم منه شيء.
وهذا الضرب من النصّ دالّ على إمامته، وكونه المهدي المأمول إهلاك الظالمين، لثبوت النصّ بغيبته القصرى والطولى المختصّة به، ومطابقتها للخبر عنها.
* فمن ذلك ما رواه الحسن بن محبوب، عن إبراهيم الخارقي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: (لقائم آل محمّد (عليه السلام) غيبتان: واحدة طويلة، والأخرى قصيرة).
قال: فقال لي: (نعم يا أبا بصير إحداهما أطول من الأُخرى، ثمّ لا يكون ذلك - يعني ظهوره - حتَّى يختلف ولد فلان وتضيق الحلقة(737)، ويظهر السفياني، ويشتدّ البلاء، ويشمل الناس موت وقتل يلجأون فيه إلى حرم الله وحرم رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلم))(738).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(736) في إثبات الهداة 3: 587 نقلاً عن تقريب المعارف: (الوجباني).
(737) في النسخة: (ويضيق الخلقة).
(738) الغيبة للنعماني: 172 مع اختلاف يسير.
* وروي عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله، عن آبائه (عليهم السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنَّه قال: (يفسد الناس ثمّ يصلحها الله بعد أمن ولدي، خامل الذكر، لا أقول خاملاً في حسنه ولا موضعه، ولكن في حداثة سنّه، ويكون ابتداء أمره باليمن).
* ورووا عن الأصبغ بن نباتة، قال: أتيت أمير المؤمنين (عليه السلام) فوجدته ينكت في الأرض، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما لي أراك مفكّراً تنكت في الأرض، أرغبة منك فيها؟
قال: ([لا](739) والله ما رغبتُ [فيها ولا](740) في الدنيا قطّ، ولكنّي [تفكَّرت](741) في مولود يكون من ظهري، الحادي عشر بعدي، وهو المهدي الذي يملأها عدلاً وقسطاً كما ملأت جوراً وظلماً، يكون له حيرة وغيبة تضلّ بها أقوام، ويهتدي بها آخرون)، قلت: يا أمير المؤمنين: إنَّ هذا لكائن؟ قال: (نعم، كما أنَّه مختوم)(742).
* ورووا عن زرارة، قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إنَّ للغلام غيبة قبل أن يقوم).
قلت: ولِمَ؟
قال: (يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه -)، ثمّ قال: (يا زرارة، وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(739) ما بين المعقوفتين أثبتناه من عدّة مصادر، منها: الغيبة للطوسي: 165؛ والغيبة للنعماني: 61؛ والاختصاص: 209.
(740) المصدر السابق.
(741) المصدر السابق.
(742) الغيبة للطوسي: 104؛ كمال الدين: 289، وفيهما: (كما أنَّه مخلوق)، ولعلَّ الصحيح: (محتوم) بالحاء المهملة.
المنتظر، وهو الذي يشكّ الناس في ولادته، فمنهم من يقول: مات أبوه ولا خلف له، ومنهم من يقول: مات أبوه وهو حمل، ومنهم من يقول: هو غائب قد ولد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظر (عليه السلام)(743)، غير أنَّ الله يحبّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون(744).
* ورووا عن المفضَّل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (أقرب ما يكون العبد من الله سبحانه أرضى ما يكون عنه، وأرضى ما يكون عنه إذا افتقد حجّة الله سبحانه فلم يظهر له ولم يعلم مكانه وهو في ذلك يعلم أنَّه لم تبطل حجّة الله تعالى وبيّناته(745)، فعندها توقَّعوا الفرج، وقد علم أنَّ أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنَّهم يرتابون ما غيَّبه عنهم طرفة عين، ولا تكون الغيبة إلَّا على رؤوس شرار الناس(746).
* ورووا عن حنان بن سدير(747)، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إنَّ في القائم سُنّة من يوسف (عليهما السلام)).
قلت: كأنَّك تذكر حيرة(748) أو غيبة؟
قال: (وما تنكر ذلك من هذه الأمّة أشباه الخنازير، إنَّ إخوة يوسف كانوا أسباطاً أولاد أنبياء، فتاجروا يوسف وبايعوه، فدخلوا عليه وهم إخوته فلم يعرفوه حتَّى قال لهم: (أَنَا يُوسُفُ)، فما تنكر هذه الأمّة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(743) في النسخة: (المنتظم)، ولعلَّ الصحيح ما أثبتناه، ولعلَّه: (المنتقِم).
(744) الكافي1: 342 و347؛ كمال الدين: 342 و346؛ الغيبة للنعماني 166.
(745) في الأصل: (بنيانه).
(746) كمال الدين: 339 و337.
(747) في المصادر التي نشير إليها في الذيل: (عن فضالة، عن سدير الصيرفي).
(748) في الكافي: (تذكره حياته أو غيبته؟).
الملعونة أن يكون الله تعالى يريد أن يستر حجّته في وقت من الأوقات، لقد كان يوسف إليه ملك مصر، وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد الله أن يعلمه مكانه لقدر على ذلك، والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيّام من بدوهم إلى مصر، فما تنكر هذه الأمّة الملعونة أن يفعل الله لحجّته (عليه السلام) ما فعل بيوسف (عليه السلام)، فيكون يمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه حتَّى يأذن الله سبحانه أن يعرّفهم نفسه كما أذن ليوسف (عليه السلام)، فقالوا له: (أََنْتَ يُوسُفُ)؟ قال: (أَنَا يُوسُفُ))(749).
* ورووا عن فرات بن أحنف رفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: ذكر القائم من ولده فقال: (ليغيبنَّ حتَّى يقول الجاهل ما لله في آل محمّد (عليه السلام) حاجة)(750).
* ورووا عن المفضَّل، قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (أمَا والله ليغيبنَّ القائم عنكم سنيناً من دهركم حتَّى يقال: مات أو قُتل [هلك](751) بأيّ وادٍ سلك؟، ولتدمعنَّ عليه عيون المؤمنين، ولتمحّصنَّ ولتكفأنَّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر)(752).
* ورووا عن الأصبغ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (صاحب هذا الأمر الشريد الطريد الفريد الوحيد)(753).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(749) الكافي1: 336؛ كمال الدين: 144 و341.
(750) كمال الدين: 302 و303.
(751) ليست في النسخة، وما أثبتناه من مصادر أخرى.
(752) الكافي 1: 336؛ كمال الدين: 347.
(753) كمال الدين: 303.
* ورووا عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (في صاحب الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء: سُنّة من موسى، وسُنّة من عيسى، وسُنّة من يوسف، وسُنّة من محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) وعلى جميع أنبياء الله ورسله، فأمَّا موسى (عليه السلام) فخائف يترقَّب، وأمَّا عيسى (عليه السلام) فيقال: مات ولم يمت، وأمَّا يوسف (عليه السلام) فالغيبة عن أهله بحيث لا يعرفونه، وأمَّا محمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فالسيف)(754).
* ورووا عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (لا بدَّ [لـ]صاحب هذا الأمر من غيبة، ولا بدَّ له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة)(755).
* ورووا عن إسحاق بن عمّار، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة، والأخرى طويلة، الأُولى يعلم مكانه خاصَّته وأولياؤه)(756).
* ورووا عن أيّوب بن نوح، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): إنّي أرجو أن تكون صاحب هذا الأمر، وأن(757) يسوقه الله إليك بغير سيف، فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك، فقال: (ما منّا أحد اختلفت إليه الكتب وأشير إليه بالأصابع وسُئل عن المسائل وحُملت إليه الأموال إلَّا اغتيل أو مات على فراشه، حتَّى يبعث الله لهذا الأمر غلاماً منّا خفي المولد والمنشأ غير خفي في نسبه)(758).
* ورووا عن عبد الله بن عطاء، [عن أبي جعفر]، قال: قلت له: إنَّ شيعتك بالعراق كثيرة، فوَالله ما في أهل بيتك مثلك، فكيف لا تخرج؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(754) راجع: كمال الدين: 326 و350؛ الغيبة للنعماني: 164؛ الغيبة للطوسي: 40؛ منتخب الأثر: 301.
(755) الكافي 1: 340؛ الغيبة للنعماني 188.
(756) الغيبة للنعماني: 170؛ الكافي 1: 340.
(757) في النسخة: (كأن).
(758) الكافي 1: 341؛ كمال الدين: 370.
فقال: (يا عبد الله بن عطاء، قد أخذت تفرش أُذنيك للنوكى، أي والله ما أنا بصاحبكم).
قلت له: فمن صاحبنا؟
قال: (اُنظروا من عَمي على الناس أمر ولادته فذلك صاحبكم، إنَّه ليس منّا أحد يشار إليه بالأصابع ويمضغ بالألسن إلَّا مات غيظاً أو رغم أنفه)(759).
* ورووا عن يمان التمّار، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة، المتمسّك فيها بدينه كخارط القتاد بيده)، ثمّ قال: (هكذا بيده، فأيّكم يمسك شوك القتاد بيده؟)، ثمّ قال: (إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة، فليتَّق الله عبد وليتمسَّك بدينه)(760).
* ورووا عن عبيد بن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (يفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم [ف](761) يراهم ولا يرونه)(762).
* ورووا عن عبد الله بن عطاء، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (والله لا ينوّه باسم رجل منّا فيكون صاحب هذا الأمر حتَّى يأتي الله سبحانه به من حيث لا يعلم الناس).
* ورووا عن علي بن مهزيار، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله عن الفرج؟ فقال: (إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقَّعوا الفرج)(763).
* ورووا عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: سمعتُ أبا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(759) الكافي 1: 342؛ الغيبة للنعماني: 167 و168.
(760) الكافي1: 336؛ كمال الدين: 346.
(761) أثبتناه من مصادر أخرى.
(762) كمال الدين: 346؛ الكافي 1: 338.
(763) كمال الدين: 380.
الحسن العسكري (عليه السلام) يقول: (الخلف من بعدي الحسن (عليه السلام)، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟)
فقلت: ولِمَ؟
قال: (لأنَّكم لا ترون شخصه ولا يحلُّ لكم ذكره باسمه)(764).
في أمثال لهذه الروايات الدالّة على تخصّص الإمامة بعد الحسن (عليه السلام) وإلى الآن بالحجّة بن الحسن (عليهما السلام).
ظهور معجزاته على أيدي سفرائه:
وممَّا يدلُّ على إمامته ظهور الأعلام على أيدي سفرائه:
* فمن ذلك ما رووه عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار، قال: شككتُ بعد مضي أبي محمّد (عليه السلام)، فاجتمع عند أبي مال جزيل، فحمله وركب في السفينة، فخرجتُ معه مشيعاً، فوعك وعكاً شديداً، فقال: يا بني ردّني فهو الموت، وقال لي: اتّق الله في هذا المال، وأوصى إليَّ ومات، فقلت في نفسي: لم يكن أبي ليوصي بشيء غير صحيح، أحمل هذا المال إلى العراق فأكتري داراً على الشطّ، فلا أُخبر أحداً بشيء، فإن وضح لي شيء كوضوحه أيّام أبي محمّد (عليه السلام) أنفذته، وإلَّا أنفقته، فقدمتُ العراق، واكتريتُ داراً على الشطّ، وبقيت أيّاماً، فإذا أنا برقعة مع رسول فيها: يا محمّد معك كذا وكذا، حتَّى نصَّ جميع ما معي ممَّا لم أحط به علماً، فسلَّمت المال إلى الرسول وبقيت أيّاماً لا يرفع بي رأس(765)، فاغتممت، فخرج إليَّ: (قد أقمناك مكان أبيك، فاحمد الله)(766).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(764) الكافي 1: 332.
(765) في النسخة: (رأساً).
(766) الغيبة للطوسي: 171.
* ورووا عن أبي عبد الله الشيباني(767)، قال: أوصلت أشياء للمرزباني، وكان فيها سوار ذهب، فقبلت وردَّ عليَّ السوار، فأمرتُ بكسره فكسر، فإذا في وسطه مثاقيل حديد ونحاس وصفر، وأخرجت ذلك منه، وأنفذت الذهب فقبل(768).
* ورووا عن علي بن محمّد(769)، قال: أوصل رجل من أهل السواد مالاً، فردَّ عليه، وقيل له: (أخرج حقّ بني عمّك منه، وهو أربعمائة درهم)، وكان الرجل في يده ضيعة لولد عمّه فيها شركة قد حبسها عليهم، فنظر، فإذا لولد عمّه في ذلك المال أربعمائة درهم، فأخرجها وأنفذ الباقي، فقبل(770).
* ورووا عن القاسم(771) بن العلاء، قال: وُلد لي عدّة بنين، فكنت أكتب وأسأل الدعاء، فلا يكتب إليَّ بشيء، فماتوا كلّهم، فلمَّا وُلد لي الحسن ابني(772) كتبتُ أسال الدعاء فأُجبت، فبقي والحمد لله(773).
* ورووا عن علي بن الحسين اليماني، قال: كنت ببغداد، فاتَّفقت قافلة اليمانيين(774)، فأردتُ الخروج معهم، فكتبتُ ألتمس الإذن في ذلك، فخرج: (لا تخرج معهم، فليس لك في الخروج معهم خيرة، وأقم بالكوفة)، قال: فأقمت، وخَرَجت القافلة، فخرج عليهم حنظلة فاجتاحتهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(767) في الكافي: (النسائي)؛ وفي الوافي: (النسابي)؛ وفي الإرشاد وبحار الأنوار: (السياري).
(768) الكافي 1: 518؛ الإرشاد: 331؛ الوافي 2: 203؛ بحار الأنوار 51: 297.
(769) في النسخة: (عليهما السلام)، وهو اشتباه واضح.
(770) الكافي1: 519؛ الإرشاد: 331؛ الوافي 2: 203.
(771) في النسخة: (أبي القاسم).
(772) في النسخة: (ابني (عليه السلام))، وهو اشتباه.
(773) الكافي1: 519؛ والإرشاد: 331.
(774) في الكافي والإرشاد: (فتهيَّأت قافلة لليمانيين).
قال(775): وكتبتُ أستأذن في ركوب الماء، فلم يؤذن لي، فسألت عن المراكب التي خرجت في تلك السنة في البحر، فما سلم منها مركب، خرج عليها قوم يقال لهم: البوارح فقطعوا عليها(776).
* ورووا عن الحسن بن الفضل بن يزيد الهمداني(777)، قال: كتب أبي بخطّه كتاباً فورد جوابه، ثمّ كتب بخطّي فورد جوابه، ثمّ كتب بخطّ رجل جليل من فقهاء أصحابنا فلم يرد جوابه، فنظرتُ فإذا العلّة في ذلك أنَّ الرجل تحوَّل (بين ذلك)(778) قرمطيّاً(779).
* ورووا عن الحسن بن الفضل، قال: وردت العراق وزرت طوس(780)، وعزمت أن لا أخرج إلَّا عن بيّنة من أمري ونجاح من حوائجي، ولو احتجت أن أقيم بها حتَّى أتصدَّق، قال: وفي خلال ذلك يضيق صدري بالمقام، وأخاف أن يفوتني الحجّ، قال: فجئتُ يوماً إلى محمّد بن أحمد أتقاضاه، فقال لي: صرْ إلى مسجد كذا وكذا فإنَّه يلقاك رجل، قال: فصرت إليه، فدخل عليَّ رجل، فلمَّا نظر إليَّ ضحك وقال: لا تغتمّ فإنَّك ستحجُّ في هذه السنة وتنصرف إلى أهلك وولدك سالماً، فاطمأنَّت نفسي وسكن قلبي، فقلت: أرى(781) مصداق ذلك إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(775) الراوي في الرواية السابق.
(776) الكافي1: 519؛ الإرشاد 332.
(777) في الكافي: (الحسن بن الفضل بن زيد اليماني)، وفي الإرشاد: (الهماني).
(778) كذا في المصدر، ولم ترد في المصادر الأخرى: (بين ذلك)، ولعلَّ المقصود: (بعد ذلك).
(779) الكافي1: 520؛ الإرشاد: 332؛ وبحار الأنوار 51: 309.
(780) في الكافي 1: 520: (فزرت العراق ووردت طوس)، وفي كشف الغمّة: (وردت العراق وعزمت...) ولم تذكر: (طوس)، والظاهر أنَّها زائدة لعدم انتظام السياق.
(781) في الكافي: (وأقول ذا مصداق)؛ وفي الإرشاد: (قلت: هذا مصداق).
قال(782): ثمّ وردت العسكر فخرجت إليَّ صرّة فيها دنانير وثوب، فاغتممت وقلت في نفسي: جزائي عند القوم هذا، واستعملت الجهل فرددتها وكتبت رقعة، ثمّ ندمتُ بعد ذلك ندامة شديدة وقلت في نفسي: كفرت بردّي على مولاي (عليه السلام)، ثمّ كتبت رقعة أُخرى أعتذر من فعلي وأبوء بالإثم وأستغفر من ذلك وأنفذتها، وقمت أتطهَّر للصلاة وأنا في ذلك أُفكر في نفسي وأقول: إن رُدَّت عليَّ الدنانير لم أحلل صرارها ولم أُحدث فيها حدثاً حتَّى أحملها إلى أبي فإنَّه أعلم منّي فيعمل فيها بما يشاء، فخرج إليَّ الرسول الذي حمل إليَّ الصرّة وقيل له: (أسأتَ إذ لم تعلم الرجل أنّا ربَّما فعلنا ذلك بموالينا من غير مسألة ليتبرَّكوا به)، وخرج إليَّ: (أخطأتَ في ردّك برّنا، فإذا استغفرت الله فالله يغفر لك، فأمَّا إذا كانت عزيمتك وعقد نيّتك ألَّا تحدث فيها حدثاً ولا تنفقها في طريقك فقد صرفناها عنك، فأمَّا الثوب فلا بدَّ منه لتحرم فيه).
قال(783): وكتبت في معنيين، وأردت أن أكتب في الثالث فامتنعتُ منه مخافة أن يكره ذلك، فورد جواب المعنيين والثالث الذي طويتُ مفسّراً والحمد لله(784).
* ورووا عن الحسن بن عبد الحميد، قال: شككتُ في أمر حاجز بن يزيد، فجمعتُ شيئاً ثمّ صرت إلى العسكر، فخرج إليَّ: (ليس فينا شكّ ولا في مَن يقوم مقامنا بأمرنا قادرين(785)، فاردد ما معك إلى حاجز بن يزيد)(786).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(782) الراوي في الرواية السابقة.
(783) الراوي في الرواية السابقة.
(784) الكافي 1: 520؛ الإرشاد: 332 مع اختلاف يسير.
(785) كذا في المصدر، ولم ترد في المصادر الأخرى، ولعلَّها زائدة.
(786) الكافي 1: 520؛ الإرشاد 333.
* ورووا عن بدر غلام أحمد بن الحسن، قال: وردت الجبل وأنا لا أقول بالإمامة، أُحبّهم جملة، إلى أن مات يزيد بن عبد الله، فأوصى في علّته أن يعطي الشهري السمنَد(787) وسيفه ومنطقته إلى مولاه، فخفتُ إن أنا لم أدفع الشهري إلى إذكوتكين(788) نالني منه استخفاف، فقوَّمتُ الدابّة والسيف والمنطقة بسبع مائة دينار في نفسي ولم أطلع عليه أحداً، فإذا الكتاب قد ورد عليَّ من العراق: أن (وجّه السبع مائة دينار التي لنا قبلك من ثمن الشهري والسيف والمنطقة)(789).
* ورووا عن أبي محمّد الحسن بن عيسى العريضي، قال: لمَّا مضى أبو محمّد (عليه السلام) ورد رجل من مصر بمال إلى مكّة للناحية، فاختلف عليه، فقال بعض الناس: إنَّ أبا محمّد (عليه السلام) مضى من غير ولد، والخلف من بعده جعفر، وقال بعضهم: مضى أبو محمّد (عليه السلام) عن ولدٍ هو خلفه، فبعث رجلاً يكنّى أبا طالب، فورد العسكر ومعه كتاب، فصار إلى جعفر، فسأله عن برهان، فقال: لا يتهيَّأ في هذا الوقت، فصار إلى الباب وأنفذ الكتاب إلى أصحابنا، فخرج إليه: (آجرك الله في صاحبك فقد مات، وأوصى بالمال الذي كان معه إلى ثقة ليعمل فيه بما يحبّ)، وأُجيب عن كتابه(790).
* ورووا عن الحسن بن خفيف، عن أبيه، قال: بعث حرم(791) إلى المدينة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(787) الشهري بالضمّ: ضرب من البرذون، والسمند فرس له لون معروف.
(788) كان من أمراء الترك من أتباع بني العبّاس.
(789) الكافي1: 522؛ الإرشاد: 334.
(790) الكافي1: 523؛ الإرشاد: 335 مع اختلاف يسير.
(791) في الكافي: (بعث بخدم إلى).
مدينة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) ومعهم خادمان، فكتب إلى خفيف أن أخرج معهم، فلمَّا وصلوا إلى الكوفة شرب أحد الخادمين مسكراً، فما خرجوا من الكوفة حتَّى ورد كتاب من العسكر بردَّ الخادم الذي شرب المسكر وعزله عن الخدمة(792).
* ورووا عن محمّد بن شاذان النيسابوري، قال: اجتمع عندي خمسمائة درهم ينقص منه عشرون درهماً، فأنفتُ أن أبعث بها ناقصة، فوزنت من عندي عشرين درهماً وبعثتُ بها إلى الأسديّ ولم أكتب مالي فيها، فورد: (وصلت خمسمائة درهم، لك منها عشرون درهماً)(793).
* ورووا عن الحسن(794) بن محمّد الأشعري، قال: كان يرد إليَّ كتاب أبي محمّد (عليه السلام) في الإجراء على الجنيد قاتل فارس(795) وأبي الحسن(796)، فلمَّا مضى أبو محمّد (عليه السلام) ورد استيناف من الصاحب (عليه السلام) بالإجراء على أبي الحسن وصاحبيه(797)، ولم يرد في أمر الجنيد شيء، فاغتممت لذلك، فورد نعي الجنيد بعد ذلك، فإذا قطع جارِيه إنَّما كان لوفاته(798).
* ورووا عن عيسى بن نصر، قال: كتب علي بن زياد الصيمري يسأل كفناً، فكتب إليه: (إنَّك تحتاج إليه في سنة ثمانين)، وبعث إليه الكفن قبل موته [بأيّام](799).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(792) الكافي 1: 523؛ بحار الأنوار 51: 310.
(793) الكافي 1: 523؛ الإرشاد: 335.
(794) في الكافي: (الحسين).
(795) كذا في الكافي والإرشاد، وفي الأصل: (الجنيد وفاتك وفارس).
(796) في الكافي: (وآخر).
(797) في الكافي والإرشاد: (وصاحبه).
(798) الكافي1: 524؛ الإرشاد: 335.
(799) الكافي1: 524؛ الغيبة للطوسي: 172.
* ورووا عن محمّد بن هارون بن عمران الهمداني، قال: كان للناحية عليَّ خمسمائة دينار، فضقتُ بها ذرعاً، ثمّ قلت في نفسي: لي حوانيت اشتريتُها بخمسمائة دينار وثلاثين ديناراً قد جعلتها للناحية بخمسمائة، ولا والله ما نطقت بذلك، فكتب إلى محمّد بن جعفر: (اقبض الحوانيت من محمّد بن هارون بخمسمائة دينار التي لنا عنده)(800).
* ورووا أنَّ قوماً وشوا إلى عبيد الله بن سليمان الوزير بوكلاء النواحي وقالوا: الأموال تجبى إليهم، وسمّوا له جميعهم، فهمَّ بالقبض عليهم، فخرج الأمر من السلطان: اطلبوا أين هذا الرجل فإنَّ هذا أمر غليظ.
فقال عبيد الله بن سليمان: نقبض على مَن ذكر أنَّه من الوكلاء.
فقيل له: لا ولكن دسّوا إليهم قوماً لا يعرفون بالأموال فمن قبض منهم شيئاً قبض عليه، فلم يشعر الوكلاء بشيء حتَّى خرج إليهم: ألَّا تأخذوا من أحد شيئاً، وأن يمتنعوا من ذلك ويتجاهلوا الأمر، وهم لا يعلمون ما السبب في ذلك، فاندسَّ لمحمّد بن أحمد رجل لا يعرفه وخلا به، فقال: معي مال أريد أن أصله، فقال له محمّد: غلطتَ أنا لا أعرف من هذا شيئاً، فلم يزل يتلطَّف به ومحمّد يتجاهل عليه، وبثّوا الجواسيس، فامتنع الوكلاء كلّهم لِما كان تقدَّم إليهم، ولم يظفر بأحد منهم(801)، وظهرت بعد ذلك الحيلة عليهم وأنَّها لم تتمّ(802).
* ورووا عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، قال: خرج النهي عن زيارة مقابر قريش والحائر على ساكنيها السلام، ولم يُعرف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(800) الكافي1: 524.
(801) الكافي1: 525.
(802) في الأصل: (لم تنم).
السبب، فلمَّا كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطاني(803) وقال له: الق بني الفرات والبرسيين وقل لهم: لا يزورون مقابر قريش، فقد أمر الخليفة أن يتفقَّد كلّ مَن زار فيقبض عليهم(804).
في أمثال لهذه الروايات، إيراد جميعها يخرج عن الغرض، وفي بعض ما ذكرناه كفاية.
إثبات تواتر هذه الأخبار:
وليس لأحد أن يقول: جميع ما ذكرتموه من أخبار النصوص والمعجزات أخبار آحاد، وهي مع ذلك مختصَّة بنقلكم، وما هذه حاله لا يلزم الحجّة به.
لأنَّ هذا القدح دعوى مجرَّدة، ومَن تأمَّل حال ناقلي هذه الأخبار علمهم متواترين بها على الوجه الذي تواتروا به من نقل النصّ الجليّ، وقد بيَّنا صحَّة الطريقة فيه، فلنعتمدها هنا عند الحاجة، ومساوٍ لنقل معجزات النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ومَن لم يتأمَّل ذلك وأعرض عنه لبعض الصوارف فالحجّة لازمة له، ولا عذر له في جهله بما يقتضيه، لتمكّنه من تحصيل العلم به لو نظر على الوجه الذي يجب عليه.
وإذا ثبت تواترها، لم يقدح فيه اختصاص نقلها بالفرقة الإماميّة دون غيرها، لأنَّ المراعى في صحَّة النقل وقوعه على وجه لا يجوز على ناقليه الكذب، سواء كانوا أبراراً أو فجّاراً، متديّنين بما نقلوه أو مخالفين فيه، وهذا الطعن...(805).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(803) في الكافي: (الباقطائي).
(804) الكافي 1: 525؛ الغيبة للطوسي: 173؛ الإرشاد: 336.
(805) في النسخة وردت جملة مشوشة المعنى، هي: (اجمع في المعجزات هو ما قدَّمناه سقط من أصله).
الحكمة في غيبته:
وأمَّا الكلام في القسم الثاني، وهو بيان الحكمة في غيبة الحجّة وسقوط الشبهة بها، فعلى الجملة والتفصيل.
أمّّا الجملة، فإذا تقرَّرت إمامة صاحب الزمان (عليه السلام) بالأدلّة العقلية والسمعية، واقتضى كونه المعصوم فيما قال وفعل الموثّق(806) فيما يأتي...(807).
وجب القطع على حسن ذلك، وسقوط التبعة عنه، وإسناده إلى وجه حكمي له حسنت الغيبة، ولم يجز لمكلَّف عَلِمَ ذلك أن يشكّ في إمامته لغيبةٍ أو يرتاب بوجوده لتعذّر تميّزه ومكانه، لأنَّ حصول ذلك عن عذر لا ينافي وجود الغائب ولا يقدح في إمامته الثابتين بالأدلّة، كما لا يقدح إيلام الأنمال(808) وذبح البهائم وخلق الموذيات في حكمة القديم سبحانه الثابتة بالبرهان، وكذلك خوف النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) في حال واستتاره في أُخرى ومهادنته في أُخرى، وتباين ما أتى به من العبادات والأحكام لا ينافي نبوّته ولا يقدح في حجّته الثابتين بالأدلّة.
وإن كان غير عالم بوجود الحجّة وإمامته فلا سؤال له في غيبته، إذ الكلام فيها وهل هي حسنة أم قبيحة فرع لوجوده وثبوت حجّته، ففرضنا مع هذا الجاهل بإمامة الحجّة إيضاح الأدلّة على إمامته وفرضه أن ينظر فيها، فإن يفعل يعلم من ذلك ما علمناه ويسقط عنه شبهة الفرع لثبوت الأصل، وإن لا يفعل يكن محجوباً(809) في الأصل والفرع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(806) في النسخة: (الموفق).
(807) وردت عبارة مشوَّشة المعنى، هي: (ويدر وتعذر تعيين شخصه لمكلَّف حجّته ومكانه والرشد إليهما).
(808) كذا في النسخة.
(809) كذا في النسخة، ولعلَّه: (محجوجاً).
وهذا القدر من الجملة كافٍ في سقوط جميع ما يتعلَّقون به من الشبه في إمامة الحجّة (عليه السلام)، وغيبته عن رعيَّته، واستمرارها، وعدم اللطف بالظهور، وارتفاع الحفظ والتبليغ للشريعة معها، وانتفاء الإرشاد والتنبيه والقيام بما يلزم(810) الإمام من الأمر والنهي، وإقامة الحدود والجهاد، وقبض الحقوق، وطول عمر الحجّة.
لأنَّ ذلك أجمع ليس بقبيح في جنسه، وإنَّما يقبح لوقوعه على وجه مخصوص ويحسن لآخر، وإذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يعلم ثبوت وجه الحسن في جميعه وبين أن يعلم استناده إلى معصوم لا يجوز عليه فعل القبيح، كعلمنا ذلك في جميع تأثيرات(811) الأنبياء (عليهم السلام)، إذ تقدير فرق بين الأمرين متعذّر، وهذا أحسم لمادّة الشغب وأبعد من الشبه.
من أسباب الغيبة الخوف وعدم الناصر:
وأمَّا التفصيل، فإنَّ(812) حسن غيبة الخائف من الضرر القويّ الظنّ بكون الغيبة مؤمنة له منه، فمعلوم ضرورة وجوبها عليه(813) فضلاً [عن] حسنها، لكونها محرزاً من ضرر، وأمَّا ثبوت ذلك في غيبة الصاحب (عليه السلام) فمختصّ به (عليه السلام) لكلّ ذي ظنّ لخوف، ويحرز منه لا يفتات(814) عليه فيه(815).
على أنّا إذا كنّا وكلّ مخالط متأمّل بقدم وجوده أو تأخّره نعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(810) في الأصل: (يكرم).
(811) كذا.
(812) في النسخة: (وإن).
(813) في النسخة: (عليها).
(814) فلان لا يفتات عليه: لا يعمل شيء دون أمره. (الصحاح 1: 260).
(815) كذا وردت العبارة في النسخة.
نصّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمّة من ذريتهما (عليهم السلام): على إمامة الثاني عشر، وكونه المزيل لجميع الدول والممالك، الجامع للخلق على الإيمان بالقهر والاضطرار، علمنا توفّر دواعي كلّ ذي سلطان وتابع له إلى طلبه وتتبّع آثاره وقتل المتّهم بنصرته، لما نجدهم عليه من حبّ الرئاسة وإيثارها على الآخرة وقلّة الفكر في العاقبة، وتأييدها بقطع الأرحام وهجر الأحباب وبذل الأنفس والأموال وقتل الأبرار وتعظيم الفجّار.
وارتفع الريب عنّا بوجوب استتاره ما استمرَّ هذا الخوف إلى أن يعلم بشاهد الحال أو بغير ذلك وجود أنصار(816) يتمكَّن بمثلهم من تأدية الفرض من جهاد الكفّار، أو توبة المتغلّبين من ذوي السلطان، فحينئذٍ يظهر منتصراً للحقّ كظهور كلّ من الأنبياء وخلفاء الله في الأرض (عليهم السلام) بعد الخوف والاضطرار.
وليس لأحد أن يقول: فما بال الموجودين من شيعته الذين قد ملأوا الأرض لم ينصروه على أعدائه؟ وما باله هو (عليه السلام) لم يظهر منتصراً بهم؟ ففي بعضهم نصرة.
لأنَّه ليس كلّ متديّن بإمامته (عليه السلام) يصلح للحرب وينهض نعت القتال ويقوى على مجالدة الأقران، ولا كلّ مقتدر على ذلك يوثق منه بنصرة الحقّ وبذل النفس والأموال والحميم وهجر طيب العيش في اتّباعه وإيثاره على هذه الأمور مع ما فيه من عظيم الكلفة.
وكيف يظنّ ذلك مَن يعلم ضرورة كون أكثر شيعته ذوي مهن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(816) في النسخة: (أنصاف).
وضعف عن الانتصار من أضعف الظالمين، ومَن لا يثبت(817) الجمع الكثير منهم كواحد من أتباع المتغلّبين، ومَن يظنّ به النصرة من نفسه من شيعة الحجّة (عليه السلام) - لكونه ممارساً لآلات الحرب مخالطاً لأصحاب الدول - هو تبعٌ للضلال وباذل نفسه في نصرة الفجّار ومعونتهم على مظالم العباد، ومَن يرجى معونته بماله من ذوي اليسار منهم معلوم كونهم أو معظمهم مانعاً لما يجب للحجّة عليه في ماله من حقوق الخمس والأنفال التي لو أخرجوها لأوشك ظهور الحجّة (عليه السلام)، لتمكّنه بها من الانتصار.
ولا عذر لأحد ممَّن ذكرناه، لتمكّن كلّ منهم من النظر في الأدلّة الموصلة إلى العلم بالحجّة، وما يجب له عليه، وبذل الجهد من نفسه، وتأدية الواجب عليه، وإخلاص النيّة لنصرته، وتمرين العامي نفسه على ما معه يستطيع النصرة من معاناة آلات الحرب ورياضة في عادتها.
فلو فعل المكلَّفون أو أكثرهم أو مَن يصحّ به الانتقام من الباقين ما يجب عليه ممَّا ذكرناه لظهر الحجّة (عليه السلام) وغلب كلمة الحقّ.
ولمَّا لم يفعلوا ما يستطيعونه من تكليفهم، ثبت تقصير كلّ منهم، وكونه مستحقّاً للوزر، وإخلاله بالواجب عليه، وتأثيره في غيبة الحجّة (عليه السلام) كتأثير العدوّ المعلن.
وإذا لحق أكثر الأولياء بحكم الأعداء في تسبيب الغيبة، سقط الاعتراض بكثرتهم.
وحصول الغيبة للخوف الذي بيَّناه لا يمنع من العلم بإمامة الغائب (عليه السلام) وثبوت وجوده، لوقوف ذلك على الأدلّة التي سلّمت دون الغيبة والظهور الذين لا تعلّق لهما بثبوت حجّة ولا انتفائها كسائر المعلومات بالأدلّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(817) كذا.
كيفية الجمع بين فقد اللطف بعدم ظهوره وثبوت التكليف:
وأمَّا فقد اللطف بظهوره متصرّفاً ورهبةً لرعيّته مع ثبوت التكليف الذي وجوده مرهوباً لطف فيه مع عدمه، فإنَّ اختصاص هذا اللطف بفعل المكلَّف لتمكّنه من إزاحة علّة نفسه بمعرفة الحجّة المدلول على وجوده وثبوت إمامته وفرض طاعته، وما في ذلك من الصلاح وقدرته على الانقياد وحسن تكليفه ما تمكين الإمام وإرهابه أهل البغي لطف فيه، وإن كانا مرتفعين بغيبته الحاصلة عن جناية المكلَّف عن(818) نفسه، فالتبعة عليه دون مكلّفه سبحانه، ودون الحجّة الملطوف له بوجوده.
وتكليفه لازم له وإن فقد لطفه بالرئاسة، لوقوف المصلحة في ذلك على إيثاره معرفة الإمام والانقياد له باختياره دون إلجائه، كسائر المتعلّقة بفعل الملطوف له من المعارف العقلية والعبادات الشرعية المعلوم حسن تكليف ما هي لطف فيه من الضروريات، وإن انتفى العلم والعمل بها من الملطوف له بها، لكونه قادراً على الأمرين وفاقداً للاستصلاح بهما بسوء نظره لنفسه وقبيح اختياره.
العلّة في عدم منع الله من يريد الحجّة بسوء:
وليس لأحد أن يقول: ألا أيَّد الله سبحانه الحجّة الملطوف بسلطانه للخلق، أو منع منه [مَن] يريده بالسوء ليتمّ الصلاح ويحسن التكليف؟
لأنَّ هذا وإن كان مقدوراً له تعالى، و[لكنَّ] المصلحة في غيره، لوقوفها على اختيار المكلَّف دون إلجائه، كسائر المعارف العقلية والتكاليف الشرعية المتعلَّق كونها مصلحة بفعل المكلَّف دون مكلّفه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(818) كذا في النسخة، والظاهر أنَّ الصحيح: (على).
سبحانه، وتكليفه الضروري ثابت وإن فقد لطفه، لتعلّق فقدانه به دون القديم سبحانه.
فكما(819) أنَّ سؤال مَن قال: هلاَّ فعل الله العلم الضروري بجملة المعارف للكفّار، واضطرَّ الكلّ إلى فعل الشرعيات وترك قبائحها لتتمّ المصلحة ويحسن تكليفهم ما هذه المعارف والشرايع لطف فيه ساقط؟ فكذلك سؤال من قال: هلاَّ جبر الله تعالى الرعيّة على طاعة الرئيس ومنعهم من ظلمه؟ إذ كان العذر في الموضعين واحداً.
إمكان ظهوره لأوليائه في زمن الغيبة:
وليس لأحد أن يقول: فهب تكليف أعدائه مع غيبته (عليه السلام) لازم، لتقصيرهم عن الواجب من تمكينه، فما بال أوليائه العارفين به المتديّنين بطاعته يمنعون لطفهم بظهوره لهم بجناية غيرهم، ويلزمهم تكليف ما ظهور الإمام لطف فيه مع غيبته بجريرة سواهم، ومقتضى الألطاف عندكم بخلاف هذا.
لأنّا لا نقطع على غيبة الإمام (عليه السلام) عن جميعهم، بل يجوز ظهوره لكثير منهم، ومن لم يظهر له منهم فهو عالم بوجوده ومتديّن بفرض طاعته وخائف من سطوته، لتجويزه ظهوره له ولكلّ مكلَّف في حال منتصراً منه إن أتى جناية أو من غيره من الجناة، فغيبته عنده على هذا التقدير كظهوره في كونه مزجوراً معها، بل حاله مع الغيبة أبلغ في الزجر، من حيث كانت حال الظهور تقتضي اختصاص الحجّة لمكان معلوم وخلوّه ممَّا عداه، وفي حال الغيبة لا مكلَّف من شيعته إلَّا ويجوز
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(819) في النسخة: (فكأنَّما).
اختصاص الإمام بما يليه من الأمكنة ولا يأمن ظهوره فيها، وإذا كانت هذه حال أوليائه (عليه السلام) في زمان الغيبة حسن تكليفهم ما وجود الإمام لطف فيه وإن كان غائباً، لحصول صلاحهم فيها بالظهور.
حفظ الشريعة في حال الغيبة:
وأمَّا حفظه (عليه السلام) الشريعة وتبليغها في حال الغيبة، فإنَّها لم تحصل له إلَّا بعد تبليغ آبائه جميع الشريعة إلى الخلق وإبانتهم عن أحكامها وإيداع شيعتهم من ذلك ما يزاح به علّة كلّ مكلَّف وحفظهم (عليهم السلام) عليهم في حال وجودهم، وحفظه هو (عليه السلام) بعد فقدهم بكونه من وراء الناقلين وأحد المجمعين من شيعته وشيعة آبائه (عليهم السلام)، فقام والحال هذه إجماع العلماء من شيعته وتواترهم بالأحكام عن آبائه (عليهم السلام)، مع كونه حافظاً من ورائهم مقام مشافهة الحجّة، ووجب على كلّ مكلَّف العمل بالشريعة الرجوع إلى علماء شيعته والناقلين عن آبائه (عليهم السلام)، لكونه آمناً من الخطأ فيما أجمعوا عليه، لكون الحجّة المأمون واحداً من المجمعين وفيما تواتروا به عن الصادقين من آبائه (عليهم السلام)، لصحَّة الحكم المعلوم بالتواتر إسناده إلى المعصوم في تبليغه المأمون في أدائه وقطع على بلوغه جملة ما تعبّد به(820) من الشريعة، لوجود الحجّة المعصوم المنصوب لتبليغ الملّة وبيان ما لا يعلم إلَّا من جهته وإمساكه عن النكير فيما أجمعوا عليه وفقد فتياه بخلاف له أو زيادة فيه.
فمن أراد الشريعة في حال الغيبة فالطريق إليها ما ذكرناه والحجّة به قائمة، ولا معضل ولا مشكل إلَّا وعند العلماء من شيعته منه تواتر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(820) كذا في الأصل، وفي كشف القناع: (ما يعتدّ به).
ولهم(821) على الصحيح منه برهان، مَن طلب ذلك ظفر به ظفر العلماء من شيعته، ومن عدل عنه ورغب عن الحجّة مع لزومها له بتخويف شيعته، ووضوح الحقّ على جملة الشريعة(822) وقيام البرهان على جميعها، فالتبعة عليه لتقصيره عمَّا وضح برهان لزومه له والمحنة بينهم وبين منكر ذلك.
وقد استوفينا ما يتعلَّق بهذا الفصل في كتاب العمدة ومسألتي الشافية والكافية، وأوضحنا عن ثبوت الحجّة به، وأسقطنا ما يتعلَّق به من الشبه، فذكرها ها هنا يخرج عن الغرض، ومريده يجده هناك مستوفى.
حكم تنفيذ الأحكام وإرشاد الضالّ وحقوق الأموال في حال الغيبة:
وأمَّا تنفيذه (صلّى الله عليه وآله وسلم) الأحكام وردع الجناة باليد العالية وإقامة الحدود وجهاد الأعداء، فساقط [عنه] (عليه السلام)، لتقيّته وقصور يده بإخافة الظالمين له وأعوانهم، ولا تبعة عليه في شيء من ذلك، لوقوف فرضه على التمكّن منه باتّفاق، بل التبعة فيه على مخيفه ومسبب ضعفه عن القيام بما جعل إليه تنفيذه مع التمكّن منه، كسقوط ذلك عن كلّ نبيّ ووصيّ ومؤمن في حال الخوف والضعف عن القيام به، ولزوم التبعة للمانع من ذلك بإخافته، إذ كان ذلك أجمع من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتعلّق فرضها بالتمكّن منها وعدم المفسدة، دون الحجّة (عليه السلام) الممنوع من ذلك بالخوف والاضطرار.
وأمَّا إرشاد الضالّ عن الحقّ إليه، فالأدلّة على التكليف العقلي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(821) في النسخة: (وهم).
(822) في كشف القناع: (ووضوح الحقّ في جملة على جهله مواصل الشريعة وقيام).
ثابتة، والتخويف من ترك النظر فيها حاصل، والبراهين على الحقّ من التكليف الشرعي قائمة، والتخويف من الأعراض ثابت ظاهر، وإن كان الحجّة غائباً.
فمَن ضلَّ عن تكليف عقلي أو شرعي والحال هذه أُتي من قبل نفسه ولم يجب على الإمام إرشاده، لكونه قادراً على النظر في أدلّة المعارف ومستطيعاً لتأمّل(823) فتيا الشيعة وما يستند إليه من وجود الحجّة المعصوم من ورائهم، وفرض النظر في ذلك مضيّق عليه بالتخويف الشديد من تركه، فلو فعل كلّ مكلَّف ما يجب عليه منه لعلم ما يلزم من تكليفه عقلاً وسمعاً، ولما لم يفعل، فالحجّة لازمة له، ولا عذر له في تقصيره عمَّا يجب عليه علمه وعمله، وإن كان الإمام (عليه السلام) غائباً.
وأمَّا حقوق الأموال الواجب حملها إليه، ففرض قبضها وتصرّفها في وجوهها موقوف على تمكّنه صلوات الله عليه وآله من ذلك، و[مع] عدم التمكين له [ف](824) التبعة على مسبب هذا المنع، ولا تبعة عليه، كما لا تبعة على مَن قبله من آبائه عليهم الصلاة والسلام ومَن قبلهم من أنبياء الله وحججه (عليهم السلام)، وفرض مكلّف ذلك إخراج ما تعيَّن عليه فرضه من الزكاة والفطرة وشطر الخمس إلى من يستحقّه، وهم معروفون منصوص على أعيانهم وصفاتهم في الكتاب والسُنّة المعلومة بنقل آبائه (عليهم السلام)، فإن جهل حالهم سأل علماء العصابة عنهم، أو حمل ما يجب عليه من الحقوق إليهم فيضعوه في مستحقّيه، وعزل ما يستحقّه الإمام (عليه السلام) من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(823) في الأصل: (التأمّل).
(824) ليست في الأصل، وأثبتناها لاقتضائها.
الخمس والأنفال من جملة المال، وأحرزه وانتظر به التمكّن من إيصاله إليه أو إلى مَن يأذن له قبضه، والوصيّة به إن خاف الفوت قبل ذلك، كسائر الحقوق المتعذّر معرفة مستحقّها بعينه، فإن ضعف عن ذلك، حمله إلى المأمون من فقهاء الطائفة ليحكم فيه بما شرع له، وأيّ الأمرين فعل برأت ذمّته ممَّا وجب من حقوق الأموال.
ردّ من قال: لا حاجة إلى الحجّة:
وليس لأحد أن يقول: فإذا كان التكليف العقلي والسمعي ثابتاً، والطريق إليهما واضحاً في زمان الغيبة، فلا حاجة بالمكلَّفين فيها إلى الحجّة، لصحَّة التكليف من دونه، وهذا ينقض قولكم بوجوب الحاجة إليه في كلّ حال.
لأنّا قد بيَّنا قبح التكليف العقلي من دون الرئاسة، لكونها لطفاً في فعل الواجب وترك القبيح، وقولنا الآن بإمكان العلم بالتكليف العقلي في حال الغيبة منفصل من حصول اللطف برئاسة الغائب بغير شبهة على متأمّل، ولزوم التكليف به لعدوّه ووليّه في زمان الغيبة لا يقتضي القدح في وجوب وجوده، لأنَّ تقدير عدمه يقتضي سقوط تكليفها أو ثبوته من دون اللطف، وكذلك قد بيَّنا أنَّ العلم بوصول المكلَّف إلى جملة التكليف الشرعي لا يمكن مع عدم الحجّة المنصوص لحفظه وإن علم أحكاماً كثيرة، لتجويزه بقاء أكثر ما كلَّفه من الشرعيات لم يصل إليه، فكيف يعترض علينا لقولنا بلزوم التكليفين في زمان الغيبة وإمكان العلم بهما، فيقال: ذلك مقتض للاستغناء عن الإمام مع وقوف التكليفين على وجوده وإن كان غائباً (عليه السلام)، لو لا غفلة الخصم؟
ردّ من قال: لا حاجة إلى ظهور الحجّة:
وليس لأحد أن يقول: فإذا كنتم معشر القائلين بإمامة الحجّة ابن الحسن (عليهما السلام) حال الغيبة عندكم كحال الظهور في إزاحة العلّة في التكليفين عقلاً وسمعاً، بل قد رجَّحتم الغيبة في بعض المواضع على الظهور، فلا حاجة بكم خاصّة إلى ظهوره، ولا وجه لتمنّيكم ذلك ورغبتكم إلى الله تعالى فيه.
لأنّا وإن كانت علَّتا(825) مزاحة في تكليفنا على ما وضح برهانه، ففي ظهور الحجّة على الوجه الذي نصّ عليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فوائد كثيرة، وتكاليف تتعيَّن بظهوره ومنافع حاصلة بذلك ليس شيء منها حاصلاً في حال الغيبة.
لأنَّه (عليه السلام) يظهر لزوال دول الظالمين المخيفين لشيعته وذراري آبائه (عليهم السلام)، ورفع جورهم بعدله وإبطال أحكام أهل الضلال بحكم الله والسيرة بالملّة الإسلاميّة التي لم يحكم بجملتها منذ قبض الله نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلم).
ومنها: الأمر بكلّ معروف، والنهي عن كلّ منكر، وجهاد الكفّار، مع سقوط ذلك أجمع عنّا في حال الغيبة، وهذه أحكام تثبت، وحقوق تظهر، وقبائح ترتفع، وتكاليف تتعيَّن بظهوره ليست حاصلة في حال غيبته.
ومنها: زوال الخوف عن شيعته وذرية آبائه (عليه السلام) بظهور سلطانه، وارتفاع التقيّة بدولته، وسهولة التكليف الشرعي ببيانه، وسقوط كلفة النظر الشاقّ في الأدلّة الموصلة إليه في حال غيبته.
ومنها: براءة الذمم من الحقوق الواجبة له في الأموال المتعذّر إيصالها إليه في زمان الغيبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(825) كذا في النسخة المطبوعة، والظاهر أنَّها: (علّة).
ومنها: ظهور الدعوة إلى جملة الحقّ في المعارف والشرائع بظهوره، والفتيا بذلك والعمل بها في جميع الأرض مع ارتفاع ذلك في حال الغيبة.
وهذه فوائد عظيمة، لها رغِبنا إلى الله تعالى في ظهوره لنفوز بها، ونكون من أنصاره عليها، فنحظى بثواب نصرته، ونسرّ بنفوذ حكم الله، وظهور عدله (عليه السلام).
مسألة طول الغيبة وطول عمر الحجّة:
وأمَّا طول الغيبة وتراخي الزمان بها، فلثبوت الواجب لها، واستمراره من إخافة الظالمين، وإصرارهم على الظلم والعزم على استيصال الحجّة، وإذا كان ماله وجبت الغيبة مستمراً حسن لذلك استمرارها، وكانت التبعة على موجب ذلك دون الحجّة المضطر إليها.
وأمَّا طول العمر وبقاء الشباب مع كونه خلافاً للعادات، فلا قدح به، لكونه مقدوراً للقديم سبحانه وشائعاً في حكمه، وإنَّما يفعل منه من طول وقصر وشيخوخة وتبقية شباب ما يقتضي المصلحة فعله، لكون ذلك موقوفاً على مقدوره تعالى المعلوم حسن جميعه، وتعلّقه بمقدوره تعالى بغير شبهة على موحد.
وإنَّما استبعد ذلك ملحد يضيف التأثيرات إلى الطبائع أو الكواكب، فأمَّا مَن أثبت صانعاً قادراً لنفسه فشبهته في ذلك ساقطة، ولم يبقَ إلَّا استبعاده في العادة مع المنع من خرق العادات لغير الأنبياء (عليهم السلام)، وكلا الأمرين ساقط:
أمَّا استبعاده في العادة، فالمعلوم خلافه.
لإجماع الأمّة على طول عمر نوح (عليه السلام)، وأنَّه عاش ألفاً ومائتين،
وقد نطق القرآن بنبوّته في قومه داعياً ألف سنة إلَّا خمسين عاماً، ولا شبهة في وجوده حيّاً قبل الدعوة وبعد الطوفان.
وأجمع العلماء بالنقل على كون الخضر (عليه السلام) حيّاً باقياً إلى الآن، وهو على ما وردت الروايات به من ولد الثاني(826) من ولد نوح (عليه السلام)، ويكفي كونه صاحباً لموسى بن عمران (عليه السلام) باقياً إلى الآن.
وقد تواتر الخبر وأجمع أهل السيرة على طول عمر لقمان الحكيم (عليه السلام)، وأنَّه عاش عمر سبعة أنسر، وفيه يقول الأعشى، شعر:
لنفسك أن تختار سبعة أنسر * * * إذا ما مضى نسر خلوت إلى نسر
فعمَّر حتَّى خال أنَّ نسوره * * * خلود وهل تبقى النفوس على الدهر
وقال لأدناهنَّ إذ حلَّ ريشه * * * هلكت وأهلكت ابن عاد وما تدري(827)
وإنَّما اختلفوا في عمر النسر، ففيهم من قال: ألف سنة، وفيهم من قال: خمس مائة سنة، وأقلّ ما روي: أنَّ عمر السبعة الأنسر الذي عاشه لقمان ألف وخمسون ومائة سنة.
وقد تناصرت الروايات بطول عمر سلمان الفارسي (رضي الله عنه)، وأنَّه لقي من لقي المسيح (عليه السلام)، وعاش إلى خلافة عمر بن الخطّاب.
ونقل الكلّ من أصحاب الحديث أو من تثبت بنقله الحجّة من الفرق المختلفة أخبار المعمّرين ودوَّنوا أشعارهم وأخبارهم.
فمن ذلك: عمرو بن حممة الدوسي، عاش أربع مائة سنة حاكماً على العرب، وهو ذو الحلم الذي يقول فيه المتلمّس(828) اليشكري، شعر:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(826) كذا في النسخة.
(827) كنز الفوائد: 249، المعمّرون: 4 و5؛ كمال الدين 2: 559.
(828) في النسخة المطبوعة: (الملتمس)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا * * * وما علَّم الإنسان إلَّا ليعلما(829)
وهو القائل:
كبرتُ وطال العمر حتَّى كأنَّني * * * سليم أفاع ليله غير مودع
فما الموت أفناني ولكن تتابعت * * * عليَّ سنون من مصيف ومربع
ثلاث مئين قد مررن كواملاً * * * وها أنا هذا أرتجي مرَّ أربع(830)
ومنهم: الحارث بن كعب بن عمرو بن وعلة بن خالد بن مالك بن أدد المذحجي، وكان من حكماء العرب وفصحائهم، وهو القائل، شعر:
أكلتُ شبابي فأفنيته * * * وأمضيتُ بعد دهور دهورا
ثلاثة أهلين صاحبتهم * * * فبادوا وأصبحت شيخاً كبيرا
عسير القيام قليل الطعام(831) * * * قد ترك الدهر خطوى قصيرا
أبيت أرعى(832) نجوم السما * * * أُقلّب أمري بطوناً ظهورا(833)
ومنهم: المستوغر، وهو عمرو بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد بن(834) مناة بن تميم بن مرّة بن أدّ بن طلحة(835) بن إلياس بن مضر.
عاش ثلاث مائة، وأدرك أوّل الإسلام، وروي أنَّه مات قبل ظهور النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وهو القائل، شعر:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(829) المعمرون والوصايا: 58.
(830) كنز الفوائد: 250؛ المعمّرون والوصايا: 58.
(831) في المصادر الأخرى: (قليل الطعام عسير القيام...).
(832) كذا، وفي المصادر الأخرى: (أُراعي).
(833) كنز الفوائد: 251؛ المعمّرون والوصايا: 124؛ أمالي المرتضى 1: 232 و233.
(834) في أمالي المرتضى: (زيد مناة).
(835) في أمالي المرتضى: (طابخة بن الياس).
ولقد سئمتُ من الحياة وطولها * * * وعَمِرتُ من عدد السنين مئينا
مائة أتت من بعدها مائتان لي * * * وازددتُ من عدد الشهور سنينا
هل ما بقي إلَّا كما قد فاتنا * * * يوم يكرّ وليلة تحدوها(836)
ومنهم: دويد بن زيد بن نهد بن(837) سود بن أسلم بن ألحاف بن قضاعة بن مالك بن مرّة بن مالك بن حمير.
عاش أربع مائة سنة وستّاً وخمسين سنة، وهو القائل، الشعر:
اليوم يبنى لدويد بيته * * * ............................(838)
إلى قوله، شعر:
لو كان للدهر بلىً أبليته * * * أو كان قرني واحداً كفيته(839)
ومن قوله، شعر:
ألقى عليَّ الدهر رجلاً ويدا * * * والدهر ما أصلح يوماً أفسدا
يفسد ما أصلحه اليوم غدا(840)
ومنهم: زهير بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن ألحاف بن قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرّة بن زيد بن مالك بن حمير، عاش مائتي سنة، وواقع مائتي وقعة، وكان سيّداً مطاعاً شريفاً في قومه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(836) المعمّرون: 12 - 14؛ أمالي المرتضى 1: 234؛ كمال الدين 2: 561.
(837) في أمالي المرتضى: (نهد بن زيد بن ليث بن أسود).
(838) في أمالي المرتضى 1: 171: (يا رب نهب صالح حويته...).
(839) المعمّرون والوصايا: 26؛ أمالي المرتضى 1: 236 و237.
(840) كنز الفوائد: 250؛ المعمّرون والوصايا: 25؛ أمالي المرتضى 1: 237.
ويقال: كانت فيه عشر خصال، لم يجتمعن في غيره من أهل زمانه: كان سيّد قومه، وشريفهم، وخطيبهم، وشاعرهم، ووافدهم إلى الملوك، وطبيبهم، وكاهنهم، وفارسهم، وله البيت فيهم، والعدد منهم. وله حِكم ووصايا وأشعار مشهورة. فمن قوله، شعر:
لقد عمَّرت حتَّى ما أُبالي * * * أحتفي في صباحي أو مسائي
وحقّ لمن أتت مائتان عاماً * * * عليه أن يملَّ من الثواء(841)
ومنهم: ذو الأصبع العدواني، واسمه حرثان بن محرّث بن الحارث بن ربيعة بن وهب بن ثعلبة بن ظرب بن عمرو بن عبّاد بن يشكر بن عدوان، وكان شاعراً فصيحاً ومن حكماء العرب، عاش مائة سنة وسبعين سنة، وفي رواية أبي حاتم أنَّه عاش ثلاث مائة سنة، ومن حسن شعره:
لا يبعدنَّ عهد الشباب ولا * * * لذّاته ونباته(842) النضر
هزئت أثلية أن(843) رأت هرمي * * * وأن انحنى لتقادم ظهري
* * *
أكاشر ذا الطعن(844) المبيّن عنهم * * * وأضحك حتَّى يبدو الناب أجمع
وأهدنه بالقول هدناً ولو يرى * * * سريرة ما أُخفي لبات يفزّع(845)
ومنهم: الربيع بن ضبع الفزاري، روي أنَّه دخل على عبد الملك بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(841) المعمّرون والوصايا: 34؛ أمالي المرتضى 1: 238 - 241.
(842) في النسخة: (وبيانه).
(843) في النسخة: (هربت أثلية إذا).
(844) كذا في الأصل، وفي أمالي المرتضى وبحار الأنوار: (الضغن).
(845) أمالي المرتضى 1: 244 - 251.
مروان، فقال له: يا ربيع أخبرني عمَّا أدركتَ من العمر ورأيتَ من الخطوب الماضية؟
فقال: أنا الذي أقول، شعر:
ها أنا ذا آمل الخلود وقد * * * أدرك عقلي ومولدي حُجرا
فقال عبد الملك: قد رويت هذا من شعرك وأنا صبيّ، يا ربيع لقد طلبك جدّ غير عاثر ففصّل لي عمرك.
فقال: عشت مائتي سنة في فترة عيسى (عليه السلام) وعشرين ومائة في الجاهلية وستّين في الإسلام، وهو القائل، شعر:
إذا كان الشتاء فأدفئوني * * * فإنَّ الشيخ يهدمه الشتاء
وأمَّا حين يذهب كلّ قرّ * * * فسربالٌ خفيف أو رداء
إذا عاش الفتى مائتين عاماً * * * فقد ذهب المسرّة(846) والفتاء(847)
ومنهم: عبد المسيح بن بقيلة، واسمه ثعلبة بن عمرو بن قيس بن حيّان، عاش ثلاث مائة سنة وخمسين سنة، وأدرك الإسلام فلم يسلم وكان نصرانياً، وبنى له قصراً بالحيرة، وعاش إلى خلافة عمر، ولمَّا نزل خالد بن الوليد بالحيرة صالحه على مائة ألف درهم، فقال في ذلك، شعر:
أبعد المنذرين أرى سوا ما * * * تروّح بالخورنق والسدير
تحاماه فوارس كلّ قوم * * * مخافة ضيغم على الزئير
إلى قوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(846) في معظم المصادر: (اللذاذة) بدلاً من (المسرة)، وفي بعضها: (فقد أودى المسرة).
(847) كمال الدين 2: 549 و550؛ أمالي المرتضى 1: 253 - 255؛ المعمّرون: 8 : 10.
نؤدّي الخرج بعد خراج كسرى * * * وخرج من قريظة والنضير
كذاك الدهر دولته سجال * * * فيوم من مساة أو سرور(848)
ومنهم: النابغة الجعدي، واسمه قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، ويكنّى أبا ليلى، وأدرك الإسلام فأسلم، وهو القائل، شعر:
تذكَّرت والذكرى تهيج على الهوى * * * ومن حاجة المحزون أن يتذكّرا
نداماي عند المنذر بن محرق * * * أرى اليوم منهم ظاهر الأرض مقفرا(849)
كهول وفتيان كأنَّ وجوههم * * * دنانير ممَّا شيف في أرض قيصرا
وله أيضاً:
لبست أُناسا فأفنيتهم * * * وأفنيت بعد أُناس أُناساً
ثلاثة أهلين أفنيتهم * * * وكان الإله هو المستآسا
يعني المستعاض، وله:
ولقد شهدتُ عكاظ قبل محلّها * * * فيها وكنت أُعدّ مفتيان(850)
والمنذر بن محرّق في ملكه * * * وشهدت يوم هجائن النعمان
وعمَّرت حتَّى جاء أحمد بالهدى * * * وقوارع تتلى من القرآن(851)
ومنهم: أكثم بن صيفي الأسدي، عاش ثلاث مائة سنة وثلاثين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(848) أمالي المرتضى 1: 260 - 262.
(849) في أمالي المرتضى: (أقفرا).
(850) كذا في المصدر، وفي المصادر الأخرى: (من الفتيان)، (ملفتيان)، (م الفتيان)، (في الفتيان).
(851) أمالي المرتضى 1: 263 - 266.
سنة، وأدرك النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وآمن به قبل أن يلقاه، وله أحاديث كثيرة وحِكم، وهو القائل، شعر:
وإنَّ امرءاً قد عاش تسعين حجَّة * * * إلى مائة لم يسأم العيش جاهل
مضت مائتان بعد عشر وفازها(852) * * * وذلك من عدّ الليالي قلائل(853)
ومنهم: صيفي بن رباح، عاش مائتي سنة وسبعين سنة، لا ينكر من عقله شيء، وهو في بعض الروايات ذو الحلم الذي يقول المتلمّس اليشكري فيه البيت السالف(854).
ومنهم: ضبيرة بن سعد بن سهم بن عمرو، عاش مائتي سنة وعشرين سنة ولم يشب، وأدرك الإسلام ولم يسلم، ومات أسود الشعر صحيح الأسنان، فرثاه ابن عمّه قيس بن عديّ فقال، شعر:
مَن يأمن الحدثان بعد * * * ضبيرة السهمي ماتا
سبقت منيّته المشيب * * * فكان ميتته افتلاتا
فتزوّدوا لا تهلكوا * * * من دون أهلكم خفاتا(855)
ومنهم: شريح بن هاني بن نهيك بن دريد بن سلمة، أدرك الإسلام، وقتل في ولاية الحجّاج، وهو القائل، شعر:
قد عشتُ بين المشركين أعصرا * * * ثمَّت أدركت النبيّ المنذرا
وبعده صدّيقه وعمرا * * * [ويوم مهران ويوم تسترا]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(852) في كمال الدين: (خلت مائتان غير ست وأربع).
(853) كنز الفوائد: 249؛ المعمّرون: 14 - 25؛ كمال الدين 2: 570.
(854) كمال الدين 2: 570؛ الوصايا: 146.
(855) الغيبة للطوسي: 81؛ كمال الدين 2: 565؛ المعمّرون: 25.
والجمع من صفّينهم والنهرا * * * هيهاتَ ما أطول هذا عمرا(856)
ومنهم: الحارث بن مضاض الجرهمي(857)، عاش أربع مائة سنة، وأدرك الإسلام ولم يسلم، وقتل يوم حنين، وهو القائل، شعر:
حرب عوان ليتني فيها جدع * * * ...........................(858)
وإذا كان ما ذكرناه من أعمار هؤلاء معلوماً لكلّ سامع للأخبار، وفيهم أنبياء صالحون وكفّار معاندون وفسّاق معلنون، سقط دعوى خصومنا كون عمر الغائب خارقاً العادة، لثبوت أضعاف ما انتهى إليه من المدّة لأبرار وفجّار.
على أنَّ خرق العادة على غير الأنبياء (عليهم السلام) إنَّما يمنع منه المعتزلة وإخوانها الخوارج إذا تكاملت فيه شروط المعجز، وطول عمر الحجّة (عليه السلام) خارج من قبيل الإعجاز بغير شبهة، لانفصاله من دعواه، بل هو مستحيل(859)، لأنَّ تأخّر الدعوى ومضيّ العمر الخارق للعادة لا يؤثّر شيئاً، لوجوب تقدّم الدعوى بخرق العادات المفعول للتصديق عقيبها، وتقدّم الدعوى بطول العمر لا يجدي شيئاً، لتعرّيها من برهان صحَّته، ولوقوعها على ما لم يحصل إلَّا بعد أزمان.
اللهم إلَّا أن يجعل جاعل طول عمره (عليه السلام) مدّة معلومة دلالة على صدقه بعد مضيّ الزمان الذي أخبر به، غير أنَّ هذا المعجز من قبيل الإخبار بالغائبات دون طول العمر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(856) كمال الدين: 558.
(857) راجع ترجمته في تذكرة الخواصّ: 365؛ المعمّرون: 8 .
(858) في المصادر أنَّ هذا البيت لـ (دريد بن الصمة)، والشطر الثاني فيه: (أخب فيها وأضع). انظر: تفسير القمي 1: 286.
(859) كذا.
أو يجعل جاعل ظهوره (عليه السلام) بعد طول المدّة شابّاً قويّاً معجزاً، فيصحّ ذلك، إلَّا أنَّه مختصّ بزمان ظهوره دون زمان غيبته.
وبعد، فلو سلَّمنا أنَّ طول عمر الغائب (عليه السلام) المدّة التي بلغها أحد مَن ذكرناه من المعمّرين وأضعافها خارقاً للعادة على ما اقترح علينا، وأنَّه من قبيل الإعجاز، لم يقدح ذلك في شيء ممَّا قدَّمناه، لجواز ظهور المعجز عندنا على الأبرار، فضلاً عن الحجج والصالحين حسب ما دللنا عليه في ماضي كتابنا هذا وأوضحناه.
كيف يمكن معرفة الحجّة عند ظهوره:
فإن قيل: فهب أنَّكم تعلمون تخصيص حجّة الإمامة في هذا الزمان بابن الحسن (عليه السلام)، فكيف لمن ظهر له من خاصّته في زمان الغيبة بمعرفته ولجميع شيعته وغيرهم حين الظهور العام.
قيل: لا بدَّ في حال ظهوره الخاصّ والعام من معجز يقترن به ليعلم الخاصّ والعام من شيعته وغيرهم عند تأمّله كونه الحجّة بعينه، إذ كان النصّ المتقدّم من الكتاب والسُنّة والاعتبار العقلي دلالة على إمامته وتخصيص الحجّة على الجملة، ولا طريق لأحد من المكلَّفين منها إلى تعيّنه، وكذلك وجب ظهور المعجز مقترناً بظهوره (عليه السلام).
* * *
للإمام أبي الفتح الشيخ محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي المتوفى 449 هـ
فصل الكلام في الغيبة وسببها (860)
إن قال قائل: ما السبب الموجب لغيبة صاحب الزمان عليه وعلى آبائه أفضل السلام؟
قيل له: لا يسأل عن هذا السؤال إلَّا من قد أعطى صحَّة وجود الإمام وسلَّم ما نذكره من غيبته من الأنام، لأنَّ النظر في سبب الغيبة فرع عن كونها، فلا يجوز أن يسأل عن سببها من يقول إنَّها لم تكن.
وكذلك الغيبة نفسها فرع عن صحَّة الوجود، إذ كان لا يصحّ غيبة من ليس بموجود، فمن جحد وجود الإمام (فلا يصحّ كلامه في ما بعد ذلك من هذه الأحوال، فقد بان أنَّه لا بدَّ من تسليم الوجود والإمامة).
والغيبة إمَّا تسليم دين واعتقاد ليكشف السائل عن السبب الموجب للاستتار، وإمَّا أن يكون تسليم نظر واحتجاج لينظر السائل عن السبب إن كان كلامنا في الفرع ملائماً للأصل وأنَّه مستمر عليه من غير أن يضادّه وينافيه.
فإن قال السائل: أنا أسلّم لك ما ذكرتموه من الأصل لأنظر إن كان ينتظم معه جوابكم عن الفرع، فما السبب الآن في غيبة الإمام (عليه السلام)؟
فقيل له: أوّل ما نقوله في هذا: إنَّه ليس يلزمنا معرفة هذا السبب،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(860) كنز الفوائد: 172 - 176.
ولا يتعيَّن علينا الكشف عنه، ولا يضرّنا عدم العلم به، والواجب علينا اللازم لنا هو أن نعتقد أنَّ الإمام الوافر المعصوم الكامل العلوم لا يفعل إلَّا ما هو موافق للصواب وإن لم نعلم الأغراض في أفعاله والأسباب.
فسواء ظهر أو استتر، قام أو قعد، كلّ ذلك يلزمه فرضه دوننا ويتعيَّن عليه فعل الواجب فيه سوانا، وليس يلزمنا علم جميع ما علم، كما لا يلزمنا فعل جميع ما فعل، وتمسّكنا بالأصل من تصويبه في كلّ فعل يغنينا في المعتقد عن العلم بأسباب ما فعل، فإن عرفنا أسباب أفعاله كان حسناً، وإن لم نعلمها لم يقدح ذلك في مذهبنا.
كما أنَّه قد ثبت عندنا وعند مخالفينا إصابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في جميع أقواله وأفعاله، والتسليم له والرضا بما يأتي منه وإن لم نعرف سببه.
ولو قيل لنا: لِمَ قاتل المشركين على كثرتهم يوم بدر وهو في ثلاثمائة من أصحابه وثلاثة عشر أكثرهم رجّالة ومنهم من لا سلاح معه، ورجع عام الحديبية عن إتمام العمرة وهو في العدّة القويّة ومن معه من المسلمين ثلاثة آلاف وستمائة، وأعطى سهيل بن عمرو جميع مناه ودخل تحت حكمه ورضاه من محو بسم الله الرحمن الرحيم من الكتاب ومحو اسمه من النبوّة وإجابته إلى أن يدفع عن(861) المشركين ثلث ثمار المدينة(862) وأن يرد إليهم من أتاه ليسلم على يده منهم، مع ما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(861) كذا في المطبوع، والظاهر: (إلى).
(862) لم تذكر الروايات التاريخية هذا الشرط في صلح الحديبية، والوارد في بعض الروايات أنَّه كان في غزوة الخندق، وللعلاّمة المحقّق السيّد جعفر مرتضى العاملي حفظه الله بحث حول هذه القضيّة في كتابه القيّم (الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) 9: 242 تحت عنوان: العقد المزعوم...).
في هذا من المشقّة العظيمة والمخالفة في الظاهر للشريعة؟ لما ألزمنا الجواب عن ذلك أكثر من أنَّه أعرف بالمصلحة من الأمّة، وأنَّه لا يفعل هذا إلَّا لضرورة يختصُّ بعلمها ملجئة، أو مصلحة تقتضيه تكون له معلومة، وهو الوافر الكامل الذي لا يفرّط فيما أمر به، وليس عدم علمنا بأسباب فعله ضارّاً لنا ولا قادحاً فيما نحن عليه من اعتقادنا وأصلنا.
فكذلك قولنا في سبب غيبة إمامنا وصاحب عصرنا وزماننا (عليه السلام)، ويشبه هذا أيضاً من أصول الشريعة عن السبب في إيلام الأطفال وخلق الهوام والمسمومات من الحشائش والأحجار ونحو ذلك ممَّا لا يحيط أحد بمعرفة معناه ولا يعلم السبب الذي اقتضاه، فإنَّ الواجب علينا أن نرد ذلك إلى أصله ونقول: إنَّ جميعه فعل من ثبت الدليل على حكمته وعدله وتنزّهه عن العيب في شيء من فعله، وليس عدم علمنا بأسباب هذه الأفعال مع اعتقادنا في الجملة أنَّها مطابقة للحكمة والصلاح بضارّ لنا ولا قادح في صحَّة أصولنا، لأنَّا لم نكلَّف أكثر من العلم بالأصل، وفي هذا كفاية لمن كان له عقل.
وهكذا أيضاً يجري الأمر في الجواب إن توجّه إلينا السؤال عن سبب قعود أمير المؤمنين (عليه السلام) عن محاربة أبي بكر وعمر وعثمان ولم يقعد عن محاربة من بعدهم من الفرق الثلاث؟ والأصل في هذا كلّه واحد، وما ذكرناه فيه كافٍ للمسترشد.
فإن قال السائل لنا: جميع ما ذكرته من أفعال الله (عزَّ وجلَّ) فلا شبهة في أنَّه أعرف بالمصالح فيها وأنَّ الخلق لا يعلمون جميع منافعهم ولا يهتدون إليها.
وأمَّا النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وما جرى من أمره في عام الحديبية فإنَّه علم
المصلحة في ذلك بالوحي من الله سبحانه، فمن أين لإمامكم علم المصلحة في ذلك وهو لا يوحى إليه؟
قيل له: إن كان إمامنا (عليه السلام) إماماً فهو معهود إليه قد نصَّ له على جميع ما يجب تعويله عليه، وأخذ ذلك وأمثاله عن آبائه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ولنا أيضاً مذهب في الإلهام، وعندنا أنَّ الإمام (عليه السلام) يصحّ أن يُلهم من المصالح والأحكام ما يكون هو المخصوص به دون الأنام.
ثمّ إنّا نتبرَّع بعد ما ذكرناه بذكر السبب الذي تقدَّم فيه السؤال وإن كان غير لازم لنا في الجواب، فنقول: إنَّ السبب في غيبة الإمام (عليه السلام) إخافة الظالمين له، وطلبهم سفك دمه، وإعلام الله أنَّه متى أبدى شخصه لهم قتلوه، ومتى قدروا عليه أهلكوه، فحصل ممنوعاً من التصرّف فيما جعل إليه من شرع الإسلام، وهذه الأمور التي هي مردودة إليه ومعوّل في تدبيرها عليه فإنَّما يلزمه القيام بها بشرط وجود التمكّن والقدرة وعدم المنع والحيلولة وإزالة المخافة على النفس والمهجة، فمتى لم يكن ذلك فالتقيّة واجبة، والغيبة عند الأسباب الملجئة إليها لازمة، لأنَّ التحرّز من المضارّ واجب عقلاً وسمعاً، وقد استتر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) في غار حراء ولم يكن لذلك سبب غير المخافة من الأعداء.
فإن قال السائل: إنَّ استتار النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) كان مقداراً يسيراً لم يمتدّ به الزمان، وغيبة صاحبكم قد تطاولت بها الأعوام.
قيل له: ليس القصر والطول في الزمان يفرق في هذا المكان، لأنَّ الغيبتين جميعاً سببهما واحد وهما المخافة من الأعداء، فهما في الحكم سواء، وإنَّما قصر زمان إحداها لقصر مدّة المخافة فيها، وطول زمان الأخرى لطول زمان المخافة فيها، ولو ضادت إحداهما الحكمة وأبطلت الاحتجاج لكانت كذلك الأخرى.
فإن قال: فالأظهر ابداء شخصه وإقامة الحجّة على مخالفيه وإن أدّى ذلك إلى قتله؟
قيل لهم: إنَّ الحجّة في تثبيت إمامته قائمة في الأمّة، والدلالة على إمامته موجودة ممكنة، والنصوص من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ومن الأئمّة [على](863) غيبته مأثورة متَّصلة، فلم يبقَ بعد ذلك أكثر من مطالبة الخصم لنا بظهوره ليقتل، فهذا غير جائز، وقد قال الله سبحانه: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(864)، وقال موسى (عليه السلام): (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ)(865).
فإن قال السائل: إنَّ في ظهوره تأكيداً لإقامة الحجّة، وكشفاً لما يعترض أكثر الناس في أمره من الشبهة، فالأوجب ظهوره وإن قتل لهذه العلّة.
قيل له: قد قلنا في النهي عن التغرير بالنفس ما فيه كفاية، ونحن نأتي بعد ذلك بزيادة فنقول: إنَّه ليس كلَّما نرى فيه تأكيداً لإقامة الحجّة فإنَّ فعله واجب ما لم يكن فيه لطف ومصلحة، ألا ترى أنَّ قائلاً لو قال: لِمَ لم يعاجل الله تعالى العصاة بالعقاب والنقمة، ويظهر آياته للناس في كلّ يوم وليلة حتَّى يكون ذلك آكد في إقامته عليهم الحجّة؟ أليس كان جوابنا له مثل ما أجبنا في ظهور صاحب الغيبة من أنَّ ذلك لا يلزم ما لم يفارق وجهاً معلوماً من المصلحة؟، وعندنا أنَّ الله سبحانه لم يمنعه من الظهور وإن قتل إلَّا وقد علم مصلحة المكلَّفين مقصورة على كونه إماماً لهم بعينه وأن لا يقوم غيره فيها مقامه، فلذلك أمره بالاستتار المدّة التي علم أنَّه متى ظهر فيها قتله الفجّار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(863) ليس في الأصل، وأثبتناه لاقتضاء السياق.
(864) البقرة: 195.
(865) الشعراء: 21.
فإن قال الخصم: هلاَّ أظهره الله تعالى وأرسل معه ملائكة تبيد كلّ من أراده بسوء وتهلك من قصده بمكروه؟
قيل له: قد سألت الملحدة عن مثل هذا السؤال في إرسال الأنبياء (عليهم السلام)، فقالوا: لِمَ لم يبعث الله تعالى معهم من الأملاك من يصدّ عنهم كلّ سوء يقصدهم به العباد؟ فكان الجواب لهم أنَّ المصالح ليست واقعة بحسب تقدير الخلائق، فيقال لهم: لِمَ لم يكن صلاحاً وألا فعل الله تعالى وصنع، وإنَّما هي بحسب المعلوم عند الله (عزَّ وجلَّ)، وبعد فإنَّ اصطلام الله تعالى للعاصين ومعاجلته بإهلاك سائر الظالمين قاطع لنظام التكليف، وربَّما اقتضى ذلك عموم الجماعة بالهلاك كما كان في الأمم السالفة في الزمان، وهو أيضاً مانع للقادرين من النظر في زمان الغيبة المؤدّي إلى المعرفة والإجابة، فقد يصحّ أن يكون فيهم ومنهم في هذه المدّة من ينظر فيعرف الحقّ ويعتقده، أو يكون فيهم معاندون مقرّون قد علم الله سبحانه أنَّهم إن بقوا كان من نسلهم ذرية صالحة فلا يجوز أن يحرمها الوجود بإعدامهم في مقتضى الحكمة، وليس العاصون في كلّ زمان هذا حكمهم، وربَّما علم ضدّ ذلك منهم فاقتضت الحكمة إهلاكهم كما كان في زمن نوح (عليه السلام) حيث قال: (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً)(866).
فإن قال السائل: إنَّ آباءه (عليهم السلام) قد كانوا أيضاً في زمان مخافة وأوقات صعبة، فلِمَ لم يستتروا كما استتر، وما الفرق بينهم وبينه في هذا الأمر؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(866) نوح: 26 و27.
قيل له: إنَّ خوف إمامنا (عليه السلام) أعظم من خوف آبائه وأكثر، والسبب في ذلك أنَّه لم يرو عن أحد من آبائه (عليهم السلام) أنَّه يقوم بالسيف، ويكسر تيجان الملوك، ولا يبقى لأحد دولة سواه، ويجعل الدين كلّه لله، فكان الخوف المتوجّه إليه بحسب ما يعتقد من ذلك فيه، وتطلَّعت نفوس الأعداء إليه، وتتبَّعت الملوك أخباره الدالّة عليه، ولم ينسب إلى آبائه (عليهم السلام) شيء من هذه الأحوال، فهذا فرق واضح بين المخافتين وبيان.
فإن قال قائل: فمن أين لكم أنَّ السبب في الغيبة هو المخافة؟
قيل له: قد علم أوّلاً إنَّما ذكرناه من الجائز الممكن الذي ليس لأحد فيه مطعن، وفي كونه ممكناً كفاية من إثبات الحجّة لنا وإسقاط السؤال عنّا، ثمّ إنّا نقول بعد ذلك: إنَّ من اطَّلع في الأخبار وسير السير والآثار علم أنَّ مخافة صاحبنا (عليه السلام) كانت مذ وقت مخافة أبيه (عليه السلام)، بل كان الخوف عليه قبل ذلك في حال حمله وولادته، ومن ذا الذي خفي عنه من أهل العلم ما فعله سلطان ذلك الزمان مع أبيه وتتبّعه لأخباره وطرحه العيون عليه انتظاراً لما يكون من أمره، وخوفاً ممَّا روت الشيعة أنَّه يكون من نسله إلى أن أخفى الله تعالى الحمل بالإمام (عليه السلام)، وستر أبوه (عليه السلام) ولادته إلَّا عمَّن اختصَّه من الناس، ثمّ كان بعد موت أبيه وخروجه للصلاة ومضي عمّه جعفر ساعياً به إلى المعتمد ما كان حتَّى هجم على داره وأخذ ما كان بها من أثاثه ورحله، واعتقل جميع نسائه وأهله، وسأل أُمّه عنه فلم تعترف به وأودعها عند قاضي الوقت المعروف بابن أبي الشوارب، ولم يزل الميراث معزولاً سنتين(867)، ثمّ ما كان بعد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(867) انظر: كمال الدين: 473/ باب 43/ ح 25 و26؛ دلائل الإمامة: 423/ ح (384/1).
ذلك من الأمور المشهورة التي يعرفها من اطَّلع في الأخبار المأثورة، وهذه كلّها من أسباب المخاوف التي نشأت بنشوء الرجل الخائف ثمّ بترادف الزمان لعظم ذكره على لسان المؤالف والمخالف، ومع ذلك فإنَّ النصوص قد نطقت بذكر مخافته، كما تضمَّنت نعت استتاره وغيبته، منها ما هو مجمل ومنها ما هو مفصَّل، فروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه ذكر المهدي (عليه السلام) فقال: (صاحب هذا الأمر هو الشريد الطريد الفريد الوحيد)(868).
وقال (عليه السلام) على المنبر: (اللهم إنَّك لا تخلي الأرض من حجّة لك على خلقك ظاهراً موجوداً أو خائفاً مغموراً كي لا تبطل حججك وبيّناتك)(869).
ومن ذلك قول الإمام الصادق (عليه السلام) وقد ذكر عنده المهدي (عليه السلام) فقال: (إنَّ للغلام غيبة قبل أن يقوم).
فقال له زرارة: ولِمَ؟ قال: (يخاف على نفسه)(870).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(868) لاحظ مسائل علي بن جعفر: 321/ ح 805؛ الإمامة والتبصرة: 115/ باب 31/ ح 103؛ الكافي 1: 322/ ح 14؛ كمال الدين: 303/ باب 26/ ح 13، 318/ باب 30/ ح 5، 361/ باب 34/ ح 4؛ دلائل الإمامة: 486/ ح (484/88)، 530/ ح (507/111)، 531/ ح (508/112)؛ شرح الأخبار 3: 367/ ح 1240؛ الغيبة للنعماني: 178/ ح 22، و179/ ح 24؛ مقتضب الأثر: 31؛ الإرشاد 2: 275؛ الغيبة للطوسي: 163/ ح 124.
(869) علل الشرائع 1: 195/ باب 153/ ح 1 و2؛ الخصال: 186/ ح 257؛ كمال الدين: 288/ باب 26/ ح 1 و2، 294 - 302/ ح 10، 337/ باب 33/ ح 10، 339/ ح 16، تحف العقول: 170؛ خصائص الأئمّة: 105؛ الفصول المختارة: 325؛ الإرشاد 1: 228.
(870) انظر: الكافي 1: 337/ ح 5، و342/ ح 29؛ علل الشرائع 1: 243/ باب 179/ ح 1، 346/ ح 32؛ الغيبة للنعماني: 177/ ح 20؛ الغيبة للطوسي: 333/ ح 279، رووه جميعاً بلفظ آخر.
وقول أبيه الباقر (عليه السلام): (في صاحب هذا الأمر أربع سُنن من أربعة أنبياء، سُنّة من موسى، وسُنّة من عيسى، وسُنّة من يوسف، وسُنّة من محمّد صلّى الله عليه وآله وعلى جميع الأنبياء.
فأمَّا موسى فخائف يترقَّب، وأمَّا عيسى فيقال: مات، ويقال: لم يمت، وأمَّا يوسف فالغيبة عن أهله بحيث لا يعرفهم ولا يعرفونه، وأمَّا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) فالسيف)(871).
وفيما أوردناه مقنع والحمد لله...
خبر آخر: (872)
عن قسّ يذكر فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة (عليهم السلام) من بعده.
أخبرنا القاضي أبو الحسن علي بن محمّد السباط البغدادي، قال: حدَّثني أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن أيّوب البغدادي الجوهري الحافظ، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن لاحق بن سابق، قال: حدَّثنا هشام بن محمّد بن السائب الكلبي، قال: حدَّثني أبي عن الشرقي بن القطامي، عن تميم بن وهلة المري، قال: حدَّثني الجارود بن المنذر العبدي وكان نصرانياً فأسلم عام الحديبية وحسن إسلامه، وكان قارئاً للكتب عالماً بتأويلها على وجه الدهر وسالف العصر، بصيراً بالفلسفة والطبّ، ذا رأي أصيل ووجه جميل، أنشا يحدّثنا في أيّام عمر بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(871) انظر: الإمامة والتبصرة: 93/ ح 84؛ كمال الدين: 152/ باب 6/ ح 16و326/ باب 32/ ح 6، و328/ ح 9، و329/ ح 11، و350/ ح 46؛ دلائل الإمامة: 470/ ح (460/64)؛ الغيبة للنعماني: 164/ ح 5؛ الغيبة للطوسي: 424/ ح 408، رووه جميعاً بلفظ آخر.
(872) كنز الفوائد: 256 - 258.
الخطّاب، قال: وفدت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في رجال من عبد القيس ذوي أحلام وأسنان وفصاحة وبيان وحجّة وبرهان، فلمَّا بصروا به (صلّى الله عليه وآله وسلم) راعهم منظره ومحضره عن بيانهم، واعتراهم الرعداء في أبدانهم، فقال زعيم القوم لي: دونك من أممت بنا أممه فما نستطيع أن نكلّمه، فاستقدمت دونهم إليه، فوقفت بين يديه فقلت: سلام عليك يا رسول الله بأبي أنت وأُمّي، ثمّ أنشأت أقول:
يا نبيّ الهدى أتتك رجال * * * قطعت قرددا وآلا فآلا
جابت البيد والمهامة حتَّى * * * غالها من طوى السري ما غالا
قطعت دونك الصحاصح تهوى * * * لا تعد الكلال فيك كلالا
كلّ دهياء يقصر الطرف عنها * * * أرقلتها قلاصنا إرقالا
وطوتها العتاق تجمع فيها * * * بكماة مثل النجوم تلالا
ثمّ لمَّا رأتك أحسن مرءى * * * أفحمت عنك هيبة وجلالا
تتّقي شرّ بأس يوم عصيب هائل * * * أوجل القلوب وهالا
ونداء لمحشرنا الناس طرّاً * * * وحساباً لمن تمادى ضلالا
نحو نور من الإله وبرها * * * ن وبرّ ونعمة لن تنالا
وأمان منه لدى الحشر والنشر * * * إذ الخلق لا يطيق السؤالا
فلك الحوض والشفاعة والكو * * * ثر والفضل إذ ينصّ السؤالا
خصَّك الله يا ابن آمنة الخير * * * إذا ما بكت سجال سجالا
أنبأ الأوّلون باسمك فينا * * * وبأسماء بعده تتلألأ
قال: فأقبل عليَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بصفحة وجهه المبارك شمت منه
ضياء لامعاً ساطعاً كوميض البرق، فقال: (يا جارود لقد تأخَّر بك وبقومك الموعد)، وقد كنت وعدته قبل عامي ذلك أن أفد إليه بقومي فلم آته وأتيته في عام الحديبية، فقلت: يا رسول الله بنفسي أنت ما كان إبطائي عنك إلَّا جلّة قومي أبطأوا عن إجابتي حتَّى ساقها الله إليك لما أرادها به من الخير لديك، وأمَّا من تأخَّر عنه فحظّه فات منك، فتلك أعظم حوبة وأكبر عقوبة، ولو كانوا ممَّن رآك لما تخلَّفوا عنك، وكان عنده رجل لا أعرفه، قلت: ومن هو؟ قالوا: هو سلمان الفارسي ذو البرهان العظيم والشأن القديم.
فقال سلمان: وكيف عرفته أخا عبد القيس من قبل إتيانه؟ فأقبلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهو يتلألأ ويشرق وجهه نوراً وسروراً، فقلت: يا رسول الله، إنَّ قسَّاً كان ينتظر زمانك ويتوكَّف إبانك ويهتف باسمك وأبيك وأُمّك وبأسماء لست أصيبها معك ولا أراها فيمن اتبعك، قال سلمان: فأخبرنا، فأنشأت أحدّثهم ورسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يسمع والقوم سامعون واعون، قلت: يا رسول الله، لقد شهدت قسَّاً وقد خرج من نادٍ من أندية أياد إلى صحصح ذي قتاد وسمر وعتاد وهو مشتمل بنجاد، فوقف في أضحيان ليل كالشمس رافعاً إلى السماء وجهه وإصبعه، فدنوت منه فسمعته يقول: اللهم ربّ هذه السبعة الأرقعة والأرضين الممرعة، وبمحمّد والثلاثة المحامدة معه، والعليين الأربعة، وسبطيه التبعة الأرفعة والسري الألمعة، وسميّ الكليم الضرعة والحسن ذي الرفعة، أولئك النقباء الشفعة والطريق المهيعة، درسة الإنجيل، وحفظة التنزيل، على عدد النقباء من بني إسرائيل، محاة الأضاليل، نفاة الأباطيل، الصادقوا
القيل، عليهم تقوم الساعة، وبهم تنال الشفاعة، ولهم من الله فرض الطاعة، ثمّ قال: اللهم ليتني مدركهم، ولو بعد لأي من عمري ومحياي، ثمّ أنشأ يقول:
متى أنا قبل الموت للحقّ مدرك * * * وإن كان لي من بعد هاتيك مهلك
وإن غالني الدهر الحرون(873) بغوله * * * فقد غال من قبلي ومن بعد يوشك
فلا غرو أنّي سالك مسلك الأولى * * * وشيكا ومن ذا للردى ليس يسلك
ثمّ آب يكفكف دمعه ويرن رنين البكرة قد بريت ببراة وهو يقول:
أقسم قسّ قسماً ليس به مكتتما * * * لو عاش ألفي عمر لم يلقَ منها سئاما
حتَّى يلاقي أحمداً والنقباء الحكما * * * هم أوصياء أحمد أكرم من تحت السما
يعمى العباد عنهم وهم جلاء للعمى * * * لست بناس ذكرهم حتَّى أجل الرخما(874)
ثمّ قلت: يا رسول الله أنبئني أنبأك الله بخبر عن هذه الأسماء التي لم نشهدها وأشهدنا قسّ ذكرها، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (يا جارود، ليلة أسرى بي إلى السماء أوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليَّ: أن سل من أرسلنا قبلك من رسلنا على ما بعثوا، فقلت لهم: على ما بعثتم؟ فقالوا: على نبوَّتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمّة منكما، ثمّ أوحى إليَّ: أن التفت عن يمين العرش، فالتفت فإذا علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمّد بن علي وعلي بن محمّد والحسن بن علي والمهدي (عليهم السلام) في ضحضاح من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(873) كذا في المصدر، وفي المصادر الأخرى: (الحزون)، (الخئون).
(874) كذا في المصدر، وفي مقتضب الأثر، وبحار الأنوار: (أحل الرجما)، والرجما: القبر، وهو ما تقتضيه سياقة الشعر.
نور يصلّون، فقال لي الربّ تعالى: هؤلاء الحجج لأوليائي، وهذا المنتقم من أعدائي)، قال الجارود: فقال لي سلمان: يا جارود هؤلاء المذكورون في التوراة والإنجيل والزبور، فانصرفت بقومي وأنا أقول:
أتيتك يا ابن آمنة الرسولا * * * لكي بك اهتدي النهج السبيلا
فقلت فكان قولك قول حقّ * * * وصدق ما بدا لك أن تقولا
وبصرت العمى من عبد شمس(875) * * * وكلّ كان في عمه ضليلا
وأنبأناك عن قسّ الأيادي * * * مقالاً فيك ظلت به جديلا
وأسماء عمت عنّا فآلت * * * إلى علم وكنت به جهولا(876)
سؤال في الغيبة يتعلَّق بما ذكرناه(877):
[الفقهاء من شيعة الأئمّة (عليهم السلام) هم الوسائط بين الرعيّة وصاحب الزمان (عليه السلام)]:
إن قال قائل: إذا كانت علل المكلَّفين في الشريعة لا تنزاح إلَّا بحافظ للأحكام يُنصب لهم، مميَّز بالعصمة والكمال منهم، يقصده المسترشدون، ويعوَّل على قوله السائلون، وكان الإمام (عليه السلام) اليوم على قولكم غائباً لا يوصل إليه، ومستتراً عن الأمّة لا يقدر عليه، فعلل المكلَّفين إذن غير مزاحة في الشرع، ووجود الحافظ لم يغن، لكونه بحيث لا يقدر عليه الخلق، فإلى من حينئذٍ يفزع الراغبون، ومن يقصد الطالبون، وعلى من يعوّل السائلون، ومن الذي ينفر إليه المسترشدون؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(875) في بعض المصادر: قيس.
(876) مقتضب الأثر: 31 وما بعدها؛ بحار الأنوار 15: 243/ ح 60.
(877) كنز الفوائد: 301 - 303.
الجواب:
قلنا: إنَّ الله سبحانه قد أزاح علل المكلَّفين في هذا العصر، كما أزاح علل الأمم السابقة من قبل، الذين بعث فيهم أنبياءه فكذَّبوهم وأخافوهم، وشرَّدوهم، وظفروا بكثير منهم فقتلوهم.
ولم يرسلهم الله تعالى إليهم إلَّا ليقيموا أحكامه بينهم، وينفذوا أوامره فيهم، ويعلّموا جاهلهم، وينبّهوا غافلهم، ويجيبوا سائلهم، وينفر إليهم الراغب، ويقتبس منهم الطالب، فحال بينهم وبين ذلك الظالمون، ومنعهم ممَّا بعثوا له الأفاكون، وقطعوهم عن الإبلاغ، وحرموا أنفسهم الهداية منهم والإنذار، فكانوا في قتلهم أنبيائهم كمن قصد إلى نفسه وأعمى بصره عن النظر إلى سبيل النجاة، ووقر سمعه عن استماع ما فيه هداه، ثمّ قال: لا حجّة لله عليَّ، ولا هداية منه وصلت إليَّ، يقول الله (عزَّ وجلَّ):
(أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ)(878).
فللّه الحجّة البالغة على الناس، ولو شاء لمنعهم من الضلال منع اضطرار، ولأخرجهم بالجبر عن سنن التكليف والاختيار، تعالى الله الحكيم فيما قضى، الحليم عمَّن عصاه.
والذي اقتضاه العدل والحكمة في هذا الزمان من نصب الإمام للأنام، فقد أزاح الله سبحانه العلّة فيه، وأوجده، ودلَّ عليه بحجّة العقل الشاهدة في الجملة بأنَّه لا بدَّ من إمام كامل معصوم في كلّ عصر، وبحجج النصوص على التعيين، المأثورة عن رسول الله ربّ العالمين، وعن الأئمّة من أهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(878) البلد: 8 - 10.
التعريف بصاحب هذا الزمان (عليه السلام) بنعته ونسبه اللذين يتميَّز بهما عن الأنام، ولكن الظالمين سلكوا سُنن من كان قبلهم في قصدهم لإهلاك هداتهم، وحرصهم على إطفاء نور مصابيحهم، فقصدوا قصده فأخافوه، وانطوت نيّاتهم على قتله متى وجدوه. فأمره الله بالاستتار، لما علمه من مباينة حاله لحال كلّ نبيّ وإمام أبدى شخصه فقتلهم الناس.
إذاً كانت مصلحة الأمّة بعد آبائه (عليهم السلام) مقصورة على كونه إماماً لهم، وأنَّ غيره لا يقوم مقامه في مصلحتهم، وسقط عنهم فرض التصدّي للسائلين لعدم الأمن والتمكّن، فكانت الحجّة لله تعالى على الظالمين الذين وجدوا سبيل الهداية، وأرشدوا إليها، فمنعوا أنفسهم سلوكها، وآثروا الضلالة عليها، فكانوا كمن شدَّ عينه عن النظر إلى مصالحه، وسدَّ سمعه عن استماع مناصحته، ثمّ قال: لو شاء الله لهداني، قال الله سبحانه فيمن ماثلت أحواله لحاله:
(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى)(879).
تعالى الله ذو الكلمة العليا والحجّة المثلى.
ولسنا مع ذلك نقطع على أنَّ الإمام (عليه السلام) لا يعرفه أحد ولا يصل إليه، بل قد يجوز أن يجتمع به طائفة من أوليائه تستر اجتماعها به وتخفيه.
فأمَّا الذي يجب أن يفعله اليوم المسترشدون ويعوّل عليه المستفيدون فهو الرجوع إلى الفقهاء من شيعة الأئمّة، وسؤالهم في الحادثات عن الأحكام، والأخذ بفتاويهم في الحلال والحرام، فهم الوسائط بين الرعيّة وصاحب الزمان (عليه السلام)، والمستودعون أحكام شريعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(879) فصّلت: 17.
الإسلام، ولم يكن الله تعالى يبيح لحجَّته صلّى الله عليه الاستتار إلَّا وقد أوجد للأمّة من فقه آبائه (عليه السلام) ما تنقطع به الأعذار، وليس الرجوع إليهم كالرجوع إلى القائسين، ولا التعويل عليهم بمماثل للتعويل على المستحسنين، المفتين في الشريعة بالظنّ والترجيح، وإنَّما هو رجوع إلى ما استودعوه من النصوص [المفيدة](880) للعلم واليقين، وتعويل على ما استحفظوه من الآثار المنقولة من فتاوى الصادقين، التي فيها علم ما يلتمسه الطالبون، وفيه ما يقتبسه السائلون. ومن أخذ من هذا المعدن فقد أخذ من الإمام (عليه السلام)، لأنَّها علومه، وأقوال آبائه (عليهم السلام).
وكثيراً ما يقول لنا المخالفون عند سماعهم منّا هذا الكلام:
إذا كنتم قد وجدتم السبيل إلى علم ما تحتاجونه من الفتاوى في الأحكام المحفوظة عن الأئمّة المتقدّمين (عليهم السلام)، فقد استغنيتم بذلك عن إمام الزمان.
وهذا قول غير صحيح، لأنَّ هذه الآثار والنصوص في الأحكام موجودة مع من لا يستحيل منه الغلط و النسيان، ومسموعة بنقل من يجوز عليه الترك و الكتمان.
وإذا جاز ذلك عليهم لم يؤمن وقوعه منهم إلَّا بوجود معصوم يكون من ورائهم، شاهد لأحوالهم، عالم بأخبارهم، إن غلطوا هداهم، أو نسوا ذكرهم، أو كتموا عُلم الحقّ منه دونهم.
وإمام الزمان (عليه السلام) وإن كان مستتراً عنهم بحيث لا يعرفون شخصه، فهو موجود بينهم، يشاهد أحوالهم، ويعلم أخبارهم، فلو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(880) في المصدر: (مفيدة).
انصرفوا عن النقل، أو ضلّوا عن الحقّ، لما وسعته التقيّة و لأظهره الله سبحانه، ومنع منه إلى أن يبيّن الحقّ، وتثبت الحجّة على الخلق.
ولو لزمنا القول بالاستغناء عن الإمام فيما وجدنا الطريق إلى علمه من غير جهته، للزم مخالفينا القول بالاستغناء عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) في جميع ما أدّاه ممَّا علم بالعقول قبل أدائه، وفي إطلاق القول بذلك خروج عن الإسلام وأحكامه. وقد ورد في جواب هذا السؤال ما فيه بلاغ للمسترشدين وهداية، والحمد لله.
* * *
الإقتصاد الهادي إلى سبيل الرشاد
تأليف: شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي (قدّس سرّه) (385 - 460 هـ)
[الكلام في الغيبة وسببها]: (881)
فأمَّا(882) الكلام في الغيبة وسببها [فهو أنَّه](883) إذا ثبتت هذه الأصول التي قدَّمناها، وأنَّ كلّ زمان لا يخلو من إمام، وأنَّ من شرطه القطع على عصمته، ووجود النصّ عليه، فوجب إمامة من يُدّعى إمامته، لأنَّ الناس في عصرنا بين أقوال، منهم من يدَّعي إمامة من لا يُدّعى القطع على عصمته فقوله يبطل بما قدَّمناه. ولم(884) يبقَ بعد ذلك إلَّا القول بإمامته وإلَّا خرج الحقّ عن الأمّة.
فإذا ثبتت إمامته ووجدناه لم يظهر علمنا أنَّ لاستتاره سبباً مبيحاً له ذلك ولولاه لم يجز له الاستتار لكونه معصوماً ولا يلزم أن يُعلم ذلك السبب مفصَّلاً كما نقول لمن طعن في إثبات الصانع بخلق المؤذيات وفعل الآلام وغير ذلك بأن نقول: إذا ثبتت حكمته تعالى علمنا أنَّ هذه الأشياء لها وجه حكمة وإن لم نعلمه مفصَّلاً، وبذلك نجيب من(885) طعن في متشابه القرآن، وإن تكلَّفنا الكلام في تفصيل ذلك فللاستظهار والقوّة، وإلَّا فالقدر الذي ذكرناه كافٍ في الحجّة.
وإذا ثبتت ووجدنا التكليف قائماً على المكلَّف كما كان علمنا أنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(881) الاقتصاد: 232 - 235.
(882) في (ب): (وأمّا).
(883) في بعض النسخ المطبوعة: (فإنَّه)، والصحيح ما أثبتناه.
(884) في (ح): (فلم).
(885) في (أ)، (ب): (فيجيب لمن).
استتاره لشيء يرجع إليهم، لأنَّه لو لم يرجع إليهم لما حسن تكليفهم. ولا يلزمنا أن نعلم ذلك الأمر مفصَّلاً، كما نقول لمن أخلَّ بشرط من شروط النظر فلم يحصل له العلم بالله: إنَّك قد أخللت بشرط من شروط النظر. فتحتاج إلى أن تراجع وتعود فيه أبداً حتَّى يحصل لك العلم.
وكذلك من لم يظهر له الإمام ينبغي أن يراجع نفسه ويصلح سيرته، فإذا علم الله تعالى منه صدق النيّة في نصرة الإمام وأنَّه لا يتغيَّر عن ذلك ظهر له الإمام.
وقيل في ذلك: إنَّه لا يمتنع أن يكون من لم يظهر له الإمام المعلوم من حاله أنَّه إذا ظهر له سيره(886)،(887) وألقى خبره إلى غيره من أوليائه وإخوانه، فربَّما انتهى إلى شياع خبره وفساد أمره.
وقيل أيضاً: إنَّه لا يمتنع إذا ظهر وظهر على يده علم معجز فإنَّه لا بدَّ من ذلك فإنَّ(888) غيبته غير معلومة، وإذا كان كذلك دخلت عليه شبهة، فيعتقد أنَّه مدّع لما لا أصل له، فيشيع خبره ويؤدّي إلى إغرائه، وغير ذلك من العلل.
وهذه(889) العلّة يبطلها ممَّن لم يظهر له من شيعته وإن كانت علَّته مزاحة من حيث إنَّ لطفه حاصل، لأنَّه يعتقد وجوده ويجوز تمكينه في كلّ حال فهو يخافه.
واللطف به حاصل(890) وبمكانه أيضاً يثق بوصول جميع(891) الشرع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(886) في (ب)، (ح) هكذا: (سرية). وفي (أ): (سره).
(887) الأظهر هو (سرّه) لاقتضاء السياق.
(888) في (ب)، (ح): (لأنَّ).
(889) في (ح): (فهذه).
(890) في (ب) زيادة: (له).
(891) سقطت من (أ)، (ب).
إليه، لأنَّه لو لم يصل إليه ذلك لما ساغ له الاستتار إلَّا بسقوط التكليف عنهم. فإذا وجدنا التكليف باقياً والغيبة مستمرة علمنا أن جميع الشرع واصل إليه، فأمَّا المخالف فسبب استتاره عنه اعتقاده بطلان إمامته، وأنَّ من ادّعى هذا المنصب ممَّن أشرنا إليه صار مضلاً(892). ولا يحتاج أن يخرج علّة في الاستتار عنه.
والفرق بين استتاره(893) وظهور آبائه (عليهم السلام) أنَّه(894) لم يكن المعلوم من حالهم أنَّهم(895) يقومون بالأمر ويزيلون الدول، ويظهرون بالسيف ويقومون بالعدل، ويميتون الجور، وصاحب الزمان (عليه السلام) بالعكس من ذلك، ولهذا يكون مطلوباً مرموقاً. والأوّلون ليسوا كذلك. على أنَّ آبائه (عليهم السلام) ظهروا لأنَّه كان المعلوم أنَّهم لو قتلوا لكان هناك من يقوم مقامهم ويسدّ مسدَّهم، وليس كذلك صاحب الزمان، لأنَّ المعلوم أنَّه لو هلك لم يكن هناك من يقوم مقامه(896)، ولا يسدّ مسدَّه. فبان الفرق بينهما.
وطول غيبة الإمام (عليه السلام) كقصرها، فإنَّه ما دامت العلّة الموجبة حاصلة فإنَّه مستتر إلى أن يعلم الله تعالى زوال العلّة، فيعلم ذلك بما وقفه عليه آباؤه من الوقت المعلوم وبالأمارات اللائحة للنصر. وغلبة الظنّ يقوم مقام العلم في ذلك. وخاصّة إذا قيل لك ظهرت أمارات النصر فاعلم أنَّه وقت الخروج، وكلّ ذلك جائز(897).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(892) في (ح): (ضالّ مضلّ) بدل (صار مضلاً).
(893) في (ب)، (ح): (الاستتار).
(894) سقطت من (ح).
(895) في (أ): (أنَّه).
(896) في (أ): (لم يقم هناك مقامه) بدل (لم يكن هناك من يقوم مقامه).
(897) سقطت من (أ)، (ب).
وطول عمر صاحب الزمان(898) وإن كان خارقاً للعادة فالله تعالى قادر عليه بلا خلاف بيننا وبين من خالفنا من الأمّة. وخرق العادات على من ليس بنبيّ قد بيَّنا جوازه فلا وجه لاستبعاد(899) ذلك.
وقد رأينا(900) استتر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) في الشعب تارة، وفي الغار أخرى. فلا ينبغي أن يُتعجَّب من ذلك. وليس لهم أن يقولوا: إنَّ استتار النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) كان مدّة يسيرة. وذلك أنَّ استتاره في الشعب كان ثلاث سنين، وإذا جاز الاستتار ولو يوماً واحداً لعلّة جاز الاستتار الطويل مع استمرار العلّة، فلا فرق بين الطول والقصر، بل المراعى(901) حصول العلّة وزوالها.
وليس لهم أنَّ يقولوا: إنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) استتر بعد أداء الشرع. وذلك أنَّ وقت استتاره في الشعب لم يكن أدّى جلّ الشريعة، لأنَّ معظم الشريعة نزل بالمدينة. على أنَّ في كون النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) بين الخلق لطفاً ومصلحة، فأيّ شيء قالوه في ذلك فهو قولنا بعينه. والحدود المستحقّة في حال الغيبة في جور(902) أصحابها، والذمّ لاحق بمن أحوج الإمام إلى الغيبة.
ومثل ذلك يلزم المعتزلة الذين يقولون: أهل الحلّ والعقد ممنوعون من اختيار الإمام، فما لهم إلَّا مثل ما عليهم.
ويدلُّ على إمامة الاثني عشر - على ما نذهب إليه - ما تواترت به
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(898) في (ح): (الأمر).
(899) في (أ): (لاعادة).
(900) سقطت من (ح).
(901) في (ح): (الداعي).
(902) في (ح): (جواب).
الشيعة من نصّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) على الاثني عشر في الجملة، ورووه أيضاً عن إمام إمام على من يقوم مقامه، وترتيب ذلك كترتيب النصّ على أمير المؤمنين (عليه السلام)، والأسئلة على ذلك قد مضى الجواب عنها أيضاً(903). وقد روى المخالفون عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) أخباراً كثيرة ذكرناها في المفصح وغيره من كتبنا، بأنَّ(904) الأئمّة من بعده اثنا عشر، فإذا ثبت العدد فالأمّة بين قائلين: قائل يقول بالاثني عشر فهو(905) يقطع على أنَّهم هؤلاء بأعيانهم، ومن لم يقل بإمامتهم لم يقصرها على عدد مخصوص، فإذا ثبت العدد بما رووه ثبت الأعيان بهذا الاعتبار.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(903) في (ح) هكذا: (وأيضاً قد روي).
(904) في (ب)، (ح): (أنَّ).
(905) في (أ)، (ب): (وهو).
شرح جُمل العلم والعمل للشريف المرتضى علم الهدى
تأليف شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي (قدّس سرّه) (385 - 460 هـ)
صحّحه وعلّق عليه: الشيخ يعقوب الجعفري المراغي
[بيان علّة غيبة الإمام الثاني عشر]:
مسألة:
قال السيّد المرتضى (رضي الله عنه): وغيبة ابن الحسن (عليهما السلام) سببها الخوف على النفس المبيح للغيبة والاستتار، وما ضاع من حدّ وتأخَّر من حكم يبوء بإثمه من هو سبب الغيبة وأحوج إليها.
شرح ذلك:
لا سبب للغيبة يجوز لأجله الاستتار إلَّا خوفه (عليه السلام) على نفسه، فأمَّا خوفه على ماله وعلى الأذى في نفسه فإنَّه يجب أن يتحمَّل ذلك كلّه لتنزاح علّة المكلّفين في تكليفهم، كما يقول من خالفنا في النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) في أنَّه يجب عليه أن يتحمَّل كلّ أذى في نفسه دون القتل حتَّى يصحَّ منه الأداء إلى الخلق ما هو لطف لهم.
فإن قيل: فهلاَّ أوجبتم الظهور وإن أدّى إلى قتله، كما أظهر الله تعالى كثيراً من الأنبياء والأوصياء وإن قتلوهم.
قلنا: إنَّما جاز ذلك في الأنبياء والأوصياء لما كان من معلوم الله تعالى أنَّ هناك من يقوم مقام المقتول في تحمّل أعباء النبوّة، أو يعلم تغيّر المصالح التي كان يؤدّيها، فأمَّا إذا علم تعالى أنَّه ليس هناك من يقوم مقامه ولا تتغيَّر المصلحة فلا يجوز ظهوره إذا أدّى إلى قتله.
وهذه حالة الإمام المنتظر (عليه السلام)، فإنَّه تعالى قد علم أنَّه ليس بعده من يقوم مقامه في باب الإمامة والشريعة على ما كانت عليه، واللطف
بمكانه لم يتغيَّر ولا يصحُّ تغيّره، فلا يجوز ظهوره إذا أدّى إلى قتله. وإذا كان كذلك فقد صحَّ السبب الذي ذكرناه.
فإن قالوا: هلاَّ منع الله تعالى من قتله وظهر فلا يتمكَّن من قتله؟
قلنا: كلّ منع لا يؤدّي إلى زوال التكليف والإلجاء، فإنَّ الله تعالى قد فعل به، من الأمر بطاعته وإيجاب نصرته وامتثال أمره ونهيه. فأمَّا ما يمنع من التكليف - من الحيلولة بينه وبينهم - وما يجري مجراه، فإنَّ ذلك يمنع التكليف منهم.
فإن قالوا: هلاَّ ظهر (عليه السلام) لأوليائه إن كانت العلّة في استتاره خوفه على نفسه، فإنّا نعلم أنَّه لا يخاف من أوليائه كما يخاف من أعدائه.
قلنا: عن ذلك أجوبة من أصحابنا:
فمنهم من قال: إنَّه إذا ثبتت إمامته وعصمته ثمّ علمنا غيبته واستتاره علمنا أنَّه لم يستتر إلَّا لوجه لا ينافي عصمته غيبته، استتار يوجد في الوليّ والعدوّ وإن لم نعلمه على سبيل التفصيل، كما أنّا إذا علمنا حكمة القديم تعالى علمنا أنَّ ما أمر به من الشرائع وما يفعله من آلام الأطفال وخلق المؤذيات، له وجه لا ينافي حكمته تعالى وإن لم نعلمه على سبيل التفصيل. وهذا القدر كافٍ في الجواب عن علّة استتار الإمام.
ومنهم من قال: إنَّ علّة استتاره عن أوليائه علّة استتاره عن أعدائه، فعلّة استتاره عن أعدائه خوفه منهم، وعلّة استتاره عن أوليائه هو أنَّه إذا ظهر لا يمكن معرفته بعينه إلَّا بالمعجز، ويجوز على من شاهد ذلك المعجز أن يدخل عليه شبهة، فيعتقد فيه أنَّه مدَّع لما ليس له، ويعتقد أنَّه مبطل، ويشيع خبره فيؤدّي إلى هلاكه.
على أنّا لا نقطع على أنَّ جميع أوليائه لا يرونه، وإنَّما يعلم كلّ
إنسان حال نفسه، غير أنّا إذا جوّزنا استتاره عن بعضهم أمكن أن يكون العلّة ما ذكرناه.
فأمَّا ما تضيع من الحدود والأحكام في حال غيبة الإمام، فإنَّه باقٍ في جنب مستحقّيه، والذنب في ذلك على من أوجب غيبة الإمام وكان سبباً فيها.
ومجرى ذلك مجرى ما يقول أصحاب الاختيار: إنَّه إذا مُنع أهل الحلّ والعقد من اختيار من يصلح للإمامة، فإنَّ الحدود التي تفوت في ذلك الوقت تكون باقية في جنب من يستحقّها، ويكون الذنب على من حال بينهم وبين الاختيار، ولا يلزمهم أن يكون الحدود قد سقطت فيؤدّي ذلك إلى نسخ الشريعة، فكذلك قولنا في حال غيبة إمامنا سواء.
والكلام في هذا الفصل بيَّناه مستوفى في كتاب (المقنع في الغيبة)(906)،(907) وغيره.
[عدم ضياع الشرع مع الغيبة]:
مسألة:
قال السيّد المرتضى (رضي الله عنه): والشرع محفوظ مع الغيبة، لأنَّه لو جرى فيه ما لا يمكن العلم به لفقد أدلّة وانسداد الطريق إليه، لوجب ظهور الإمام لبيانه واستدراكه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(906) قال العلاّمة الطهراني: المقنع في الغيبة للسيّد المرتضى... ينقل عنه في (الدمعة الساكبة) وفي (بحار الأنوار)، وقال شيخنا النوري: كتبه السيّد المرتضى للوزير المغربي، وهو موجود في خزانة الحاج علي محمّد منضماً إلى الآداب الدينيّة... ويظهر منه أنَّه كتبه بعد الشافي وتنزيه الأنبياء، حيث أحال في أوّله إليهما... (الذريعة 22: 123).
(907) انظر: المقنَّع في الغيبة: 59/ إقامة الحدود في الغيبة.
شرح ذلك:
وإن قيل: إذا كان الإمام غائباً لا يوصل إليه، وعندكم أنَّ أحد ما يحتاج إليه فيه أن يحفظ الشريعة، فما الذي يؤمّنكم أن يكون شيء من الشريعة لم يصل إليكم ولم ينقل. وهذا يؤدّي إلى الشكّ في فوت كثير من الشرائع.
قلنا نحن: لا يجوز أنَّ شيئاً من الشريعة لم يصل إلينا ونتمكَّن نحن من الوصول إليه، لأنّا إذا علمنا أنَّ شريعة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) لازمة لنا إلى يوم القيامة، وعلمنا أنَّ التكليف لم يسقط عنّا في حال من الأحوال، علمنا أنَّ ما فرضوه من ضياع بعض الشريعة وترك نقله - وإن كان ممكناً - لم يتَّفق، لأنَّه لو اتَّفق ذلك لكان إمَّا أن يسقط من التكليف عنّا ما ذلك الشيء لطف فيه وقد علمنا أنَّ شيئاً من التكليف لم يسقط، أو كان يجب أن يظهر الإمام ويؤيّده الله تعالى بالملائكة فيؤدّي إلينا ما ضاع منّا ولم يصل إلينا، فلمَّا لم يسقط التكليف عنّا ولم يظهر هو، علمنا أنَّ ذلك لم يتَّفق.
على أنَّ الذي جوَّزنا أخيراً إن جوَّزنا أن يكون بعض الشريعة لم يصل إلينا ويكون عنده (عليه السلام)، فلا يجب إسقاط التكليف عنّا من حيث أتينا من قبل نفوسنا لفعلنا ما أوجب استتاره وغيبته، وجرى ذلك مجرى ما يفوتنا من تصرّفه وتأديبه والانتفاع بمكانه، في أنَّ ذلك لا يوجب إسقاط التكليف عنّا من حيث كنّا السبب في استتاره وغيبته. وعلى هذا السؤال لا جواب علينا في ذلك.
[طول الغيبة وزيادة عمر الغائب]:
مسألة:
قال السيّد المرتضى (رضي الله عنه): وطول الغيبة كقصيرها؛ لأنَّها متعلّقة بزوال الخوف الذي ربَّما تقدَّم أو تأخَّر. وزيادة عمر الغائب على المعتاد لا قدح به، لأنَّ العادة قد تنخرق للأئمّة بل للصالحين.
شرح ذلك:
إذا كان السبب في استتاره وغيبته ما بيَّناه من خوفه على نفسه جاز أن يطول زمان غيبته، لاستمرار أسبابها التي أوجبها، لأنَّها متعلّقة بها. فلا يجوز ظهوره مع ثبوت السبب الموجب للغيبة، لأنَّه يؤدّي ذلك إلى تغريره بنفسه. ولا ينبغي أن يستبعد استمرار أسباب الغيبة، لأنَّ ذلك ممكن غير ممتنع.
فأمَّا طول الغيبة وخروجه عن العادة فلا اعتراض به أيضاً لأمرين:
أحدهما: إنّا لا نسلّم أنَّ ذلك خارق للعادة، لأنَّ من قرأ الأخبار ونظر في أحوال من تقدَّم ووقف على ما سطر في الكتب من ذكر المعمّرين، علم أنَّ ذلك قد جرت العادة بمثله. وقد نطق القرآن ببعض ذلك، قال الله تعالى إخباراً عن نوح النبيّ (عليه السلام): (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً)(908) فأخبر بمقامه بين أظهرهم هذه المدّة، وهو أضعاف ما وجدنا من عمر صاحب الزمان (عليه السلام). وما ذكر من أخبار المعمّرين من العرب والعجم قد صنّفت فيه الكتب(909)، وقد أوردنا طرفاً منه في كتاب الغرر والدرر(910) لا يتحمَّل هذا الموضع إيراده.
والوجه الأخير: أنّا لو سلَّمنا أنَّ ذلك خارق للعادات كلّها عادتنا وغيرها، كان أيضاً جائزاً عندنا، لأنَّ أكثر ما في ذلك أن يكون معجزاً،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(908) العنكبوت: 14.
(909) مثل كتاب المعمّرين لأبي حاتم السجستاني؛ وكتاب المعمّرين لأبي مخنف؛ وكتاب المعمّرين لأبي منذر هشام بن محمّد الكلبي.
(910) اُنظر 1: 232 من كتاب غرر الفوائد ودرر القلائد للسيّد المرتضى المعروف بأمالي المرتضى. وهذا الكتاب من أنفس كتب السيّد، وهو مشحون بالفوائد التفسيريّة والأدبيّة والتاريخيّة والكلاميّة. وقد طبع مرّات.
وإظهار المعجزات عندنا يجوز على ما ليس بنبيّ من إمام أو صالح. وهو مذهب أكثر الأُمّة غير المعتزلة والزيديّة والخوارج. وإن سمّى بعضهم ذلك كرامات لا معجزات، ولا اعتبار بالأسماء بل المراد خرق العادات.
وقد دللنا على هذا المذهب في كثير من المواضع ذكرناه في الشافي(911) والذخيرة، وليس هذا موضع ذكره.
وهذا جملة مقنعة في هذا الباب إن شاء الله تعالى.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(911) انظر: الشافي في الإمامة 1: 196.
تأليف: شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي (قدّس سرّه) (385 - 460 هـ)
تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية/ مؤسسة البعثة
* أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: حدَّثنا أبو أحمد إسماعيل بن يحيى العبسي، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، قال: حدَّثنا محمّد بن إسماعيل الضراري، قال: حدَّثني عبد السلام بن صالح الهروي، قال: حدَّثنا الحسين بن الحسن الأشقر، قال: حدَّثنا قيس بن الربيع، عن الأعمش، عن عباية بن ربعي الأسدي، عن أبي أيّوب الأنصاري، قال: مرض رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) مرضة، فأتته فاطمة (عليها السلام) تعوده، فلمَّا رأت ما برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) من المرض والجهد استعبرت وبكت حتَّى سالت دموعها على خدّيها، فقال لها النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): (يا فاطمة، إنّي لكرامة الله إيّاك زوَّجتك أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً، إنَّ الله (تعالى) أطلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختارني منها فبعثني نبيّاً، وأطلع إليها ثانية فاختار بعلك فجعله وصيّاً).
فسرَّت فاطمة (عليها السلام) فاستبشرت، فأراد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أن يزيدها مزيد الخير، فقال: (يا فاطمة، إنّا أهل بيت أُعطينا سبعاً لم يعطها أحد قبلنا ولا يعطاها أحد بعدنا: نبيّنا أفضل الأنبياء وهو أبوك، ووصيّنا أفضل الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا أفضل الشهداء وهو عمّك، ومنّا من جعل الله له جناحين يطير بهما مع الملائكة وهو ابن عمّك، ومنّا سبطا هذه الأمّة وهما ابناك. والذي نفسي بيده لا بدَّ لهذه الأمّة من مهدي، وهو والله من ولدك)(912).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(912) أمالي الطوسي: 154/ ح (256/8).
* أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن محمّد، قال: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد، قال: حدَّثنا محمّد بن يعقوب، قال: حدَّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عمرو بن شمر، عن جابر، قال: دخلنا على أبي جعفر محمّد بن علي (عليهما السلام) ونحن جماعة بعدما قضينا نسكنا، فودعناه وقلنا له: أوصنا يا ابن رسول الله. فقال: (ليعن قويّكم ضعيفكم، وليعطف غنيّكم على فقيركم، ولينصح الرجل أخاه كنصيحته لنفسه، واكتموا أسرارنا، ولا تحملوا الناس على أعناقنا، وانظروا أمرنا وما جاءكم عنّا، فإن وجدتموه للقرآن موافقاً فخذوا به، وإن لم تجدوه موافقاً فردّوه، وإن اشتبه الأمر عليكم فيه فقفوا عنده وردّوه إلينا حتَّى نشرح لكم من ذلك ما شُرح لنا، وإذا كنتم كما أوصيناكم، لم تعدوا إلى غيره، فمات منكم ميّت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيداً، ومن أدرك منكم قائمنا فقتل معه كان له أجر شهيدين، ومن قتل بين يديه عدوّاً لنا كان له أجر عشرين شهيداً)(913).
* أبو محمّد الفحّام، قال: حدَّثني عمّي، قال: حدَّثني أبو العبّاس أحمد بن عبد الله بن علي الرأس، قال: حدَّثنا أبو عبد الله عبد الرحمن بن عبد الله العمري، قال: حدَّثنا أبو سلمة يحيى بن المغيرة، قال: حدَّثني أخي محمّد بن المغيرة، عن محمّد بن سنان، عن سيّدنا أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليهما السلام)، قال: (قال أبي لجابر بن عبد الله: لي إليك حاجة أريد أخلو بك فيها؟ فلمَّا خلا به في بعض الأيّام، قال له: أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أُمّي فاطمة (عليها السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(913) أمالي الطوسي: 231/ ح (410/2).
قال جابر: أشهد بالله لقد دخلت على فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لأهنّئها بولدها الحسين (عليه السلام)، فإذا بيدها لوح أخضر من زبرجدة خضراء، فيه كتاب أنور من الشمس وأطيب من رائحة المسك الأذفر.
فقلت: ما هذا، يا بنت رسول الله؟
فقالت: هذا لوح أهداه الله (عزَّ وجلَّ) إلى أبي، فيه اسم أبي واسم بعلي واسم الأوصياء بعده من ولدي، فسألتها أن تدفعه إلي لأنسخه ففعلت.
فقال له: فهل لك أن تعارضني به؟
قال: نعم.
فمضى جابر إلى منزله وأتى بصحيفة من كاغد، فقال له: أنظر في صحيفتك حتَّى أقرأها عليك، وكان في صحيفته مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله العزيز العليم، أنزله الروح الأمين على محمّد خاتم النبيّين. يا محمّد، عظّم أسمائي، واشكر نعمائي، ولا تجحد آلائي، ولا ترج سواي، ولا تخش غيري، فإنَّه من يرجو سواي ويخشى غيري أُعذّبه عذاباً لا أُعذّبه أحداً من العالمين. يا محمّد، إنّي اصطفيتك على الأنبياء، وفضَّلت وصيّك على الأوصياء، وجعلت الحسن عيبة علمي من بعد انقضاء مدّة أبيه، والحسين خير أولاد الأوّلين والآخرين، فيه تثبت الإمامة، ومنه تعقب، علي زين العابدين، ومحمّد الباقر لعلمي والداعي إلى سبيلي على منهاج الحقّ، وجعفر الصادق في العقل والعمل، تنشب من بعده فتنة صمّاء، فالويل كلّ الويل للمكذّب بعبدي وخيرتي من خلقي موسى، وعلي الرضا يقتله عفريت كافر، يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شرّ خلق الله، ومحمّد الهادي إلى سبيلي الذابّ عن حريمي والقيّم في رعيّته، حسن أغرّ، يخرج منه ذو الاسمين
علي (والحسن)، والخلف محمّد يخرج في آخر الزمان على رأسه غمامة بيضاء تظلّه من الشمس، ينادي بلسان فصيح يسمعه الثقلين والخافقين، وهو المهدي من آل محمّد، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً)(914).
* أخبرنا الحفّار، قال: حدَّثنا أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي الحافظ، قال: حدَّثني أبو الحسن علي بن موسى الخزّاز من كتابه، قال حدَّثنا الحسن بن علي الهاشمي، قال: حدَّثنا إسماعيل بن أبان، قال: حدَّثنا أبو مريم، عن ثوير بن أبي فاختة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: قال أبي: دفع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) الراية يوم خيبر إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ففتح الله عليه، وأوقفه يوم غدير خمّ، فاعلم الناس أنَّه مولى كلّ مؤمن ومؤمنة، وقال له: (أنت منّي، وأنا منك). وقال له: (تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل). وقال له: (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى). وقال له: (أنا سلم لمن سالمت، وحرب لمن حاربت). وقال له: (أنت العروة الوثقى). وقال له: (أنت تبيّن لهم ما اشتبه عليهم بعدي). وقال له: (أنت إمام كلّ مؤمن ومؤمنة، ووليّ كلّ مؤمن ومؤمنة بعدي) وقال له: (أنت الذي أنزل فيه: (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ)(915)). وقال له: (أنت الآخذ بسُنّتي والذابّ عن ملَّتي). وقال له: (أنا أوّل من تنشَّق عنه الأرض، وأنت معي). وقال له: (أنا عند الحوض، وأنت معي). وقال له: (أنا أوّل من يدخل الجنّة، وأنت بعدي تدخلها، والحسن والحسين وفاطمة). وقال له: (إنَّ الله أوحى إليَّ بأن أقوم بفضلك، فقمت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
به في الناس، وبلَّغتهم ما أمرني الله بتبليغه) وقال له: (اتَّق الضغائن التي لك في صدر من لا يظهرها إلَّا بعد موتي، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون).
ثمّ بكى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فقيل: ممَّ بكاؤك يا رسول الله؟
قال: (أخبرني جبرئيل (عليه السلام) أنَّهم يظلمونه ويمنعونه حقّه، ويقاتلونه ويقتلون ولده، ويظلمونهم بعده، وأخبرني جبرئيل (عليه السلام) عن الله (عزَّ وجلَّ) أنَّ ذلك يزول إذا قام قائمهم، وعلت كلمتهم، واجتمعت الأمّة على محبّتهم، وكان الشانئ لهم قليلاً، والكاره لهم ذليلاً، وكثر المادح لهم، وذلك حين تغيّر البلاد، وضعف العباد، والإياس من الفرج، وعند ذلك يظهر القائم منهم).
فقيل له: ما اسمه؟
قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): (اسمه كاسمي، واسم أبيه كاسم أبي، هو من ولد ابنتي، يظهر الله الحقّ بهم، ويخمد الباطل بأسيافهم، ويتبعهم الناس بين راغب إليهم وخائف منهم).
قال: وسكن البكاء عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فقال: (معاشر المؤمنين، ابشروا بالفرج، فإنَّ وعد الله لا يخلف، وقضاءه لا يرد، وهو الحكيم الخبير، فإنَّ فتح الله قريب. اللهم إنَّهم أهلي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، اللهم اكلأهم(916) وارعهم وكن لهم، وانصرهم وأعنهم، وأعزهم ولا تذلهم، واخلفني فيهم، إنَّك على كلّ شيء قدير)(917).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(916) كلا الله فلاناً: حفظه.
(917) أمالي الطوسي: 351/ ح (726/66).
* أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن محمّد بن الحسن الصفار، عن محمّد بن عبيد، عن علي بن أسباط، عن سيف بن عميرة، عن محمّد بن حمران، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (لمَّا كان من أمر الحسين بن علي ما كان، ضجَّت الملائكة إلى الله (تعالى) وقالت: يا ربّ يفعل هذا بالحسين صفيّك وابن نبيّك؟!
قال: فأقام الله لهم ظلّ القائم (عليه السلام) وقال: بهذا أنتقم له من ظالميه)(918).
* وبالإسناد(919)، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن جدّه، عن أبي عبد الله (عليه السلام): (أنَّ الله (جلَّ اسمه) أنزل على نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) كتاباً قبل أن يأتيه الموت، فقال: يا محمّد، هذا كتاب وصيَّتك إلى النجيب من أهلك.
قال: وما النجيب من أهلي يا جبرئيل؟
فقال: علي بن أبي طالب.
وكان على الكتاب خواتيم من ذهب، فدفعه النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى علي (عليه السلام) وأمره أن يفكّ خاتماً منها ويعمل بما فيه، ففكَّ علي (عليه السلام) خاتماً منها وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى ابنه الحسن (عليه السلام) ففكَّ خاتماً وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى أخيه الحسين (عليه السلام) ففكَّ خاتماً فوجد فيه: أن أخرج بقوم إلى الشهادة ولا شهادة لهم إلَّا معك، واشر نفسك لله (عزَّ وجلَّ)، ففعل، ثمّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(918) أمالي الطوسي: 418/ ح (941/89).
(919) الإسناد المتقدّم في أحاديث المجلس الخامس عشر من أمالي الطوسي، وفيه أحاديث أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه، رواية الحسين بن عبيد الله الغضائري عنه.
دفعه إلى علي بن الحسين (عليه السلام) ففكَّ خاتماً فوجد فيه: اصمت والزم منزلك واعبد ربَّك حتَّى يأتيك اليقين! ففعل، ثمّ دفعه إلى محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) ففكَّ خاتماً فوجد فيه: حدّث الناس وافتهم، ولا تخافنَّ إلَّا الله، فإنَّه لا سبيل لأحد عليك، ثمّ دفعه إليَّ، ففككت خاتماً فوجدت فيه: حدّث الناس وأفتهم، وانشر علوم أهل بيتك، وصدّق آباءك الصالحين، ولا تخافنَّ أحداً إلَّا الله، فأنت في حرز وأمان، ففعلت، ثمّ ادفعه إلى موسى بن جعفر، وكذلك يدفعه إلى من بعده، ثمّ كذلك إلى القائم(920) المهدي (عليه السلام))(921).
* وعنه(922)، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضَّل، قال: حدَّثنا محمّد بن فيروز بن غياث الجلاب بباب الأبواب، قال: حدَّثنا محمّد بن الفضل بن المختار الباني، ويعرف بفضلان صاحب الجار، قال: حدَّثني أبي الفضل بن مختار، عن الحكم بن ظهير الفزاري الكوفي، عن ثابت بن أبي صفيّة أبي حمزة، قال: حدَّثني أبو عامر القاسم بن عوف، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: حدَّثني سلمان الفارسي (رضي الله عنه)، قال: دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في مرضه الذي قبض فيه، فجلست بين يديه وسألته عمَّا يجد، وقمت لأخرج، فقال لي: (اجلس يا سلمان، فسيشهدك الله (عزَّ وجلَّ) أمراً إنَّه لمن خير الأمور)، فجلست، فبينا أنا كذلك إذ دخل رجال من أهل بيته ورجال من أصحابه، ودخلت فاطمة (عليها السلام) ابنته فيمن دخل، فلمَّا رأت ما برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) من الضعف خنقتها العبرة حتَّى فاض دمعها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(920) في نسخة: (إلى قيام).
(921) أمالي الطوسي: 441/ ح (990/47).
(922) الشيخ الطوسي (قدّس سرّه).
على خدّها، فأبصر ذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقال: (ما يبكيك يا بنية؟، أقرَّ الله عينك، ولا أبكاها).
قالت: (وكيف لا أبكي، وأنا أرى ما بك من الضعف). قال لها: (يا فاطمة، توكَّلي على الله، واصبري كما صبر آباؤك من الأنبياء، وأُمّهاتك من أزواجهم، ألا أبشرك يا فاطمة؟).
قالت: (بلى يا نبيّ الله - أو قالت: يا أبه -).
قال: (أمَا علمت أنَّ الله (تعالى) اختار أباك فجعله نبيّاً، وبعثه إلى كافّة الخلق رسولاً، ثمّ اختار علياً فأمرني فزوَّجتك إيّاه، واتَّخذته بأمر ربّي وزيراً ووصيّاً؟، يا فاطمة، إنَّ علياً أعظم المسلمين على المسلمين بعدي حقّاً، وأقدمهم سلماً، وأعلمهم علماً، وأحلمهم حلماً، وأثبتهم في الميزان قدراً)، فاستبشرت فاطمة (عليها السلام)، فأقبل عليها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقال: (هل سررتك يا فاطمة؟).
قالت: (نعم يا أبه).
قال: (أفلا أزيدك في بعلك وابن عمّك من مزيد الخير وفواضله؟).
قالت: (بلى يا نبيّ الله).
قال: (إنَّ علياً أوّل من آمن بالله (عزَّ وجلَّ) ورسوله من هذه الأمّة، هو وخديجة أُمّك، وأوّل من وازرني على ما جئت. يا فاطمة، إنَّ علياً أخي وصفيّي وأبو ولدي، إنَّ علياً أعطي خصالاً من الخير لم يعطها أحد قبله ولا يعطاها أحد بعده، فأحسني عزاك، واعلمي أنَّ أباك لاحق بالله (عزَّ وجلَّ)).
قالت: (يا أبتاه فرَّحتني وأحزنتني).
قال: (كذلك يا بنية أمور الدنيا، يشوب سرورها حزنها، وصفوها كدرها، أفلا أزيدك يا بنية؟).
قالت: (بلى يا رسول الله).
قال: (إنَّ الله (تعالى) خلق الخلق فجعلهم قسمين، فجعلني وعلياً في خيرهما قسماً، وذلك قوله (عزَّ وجلَّ): (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ)(923) ثمّ جعل القسمين قبائل، فجعلنا في خيرها قبيلة، وذلك قوله (عزَّ وجلَّ): (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ)(924) ثمّ جعل القبائل بيوتاً، فجعلنا في خيرها بيتاً في قوله (سبحانه): (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(925)، ثمّ إنَّ الله (تعالى) اختارني من أهل بيتي، واختار علياً والحسن والحسين واختارك، فأنا سيّد ولد آدم، وعلي سيّد العرب، وأنت سيّدة النساء، والحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، ومن ذريتكما المهدي، يملأ الله (عزَّ وجلَّ) به الأرض عدلاً كما ملئت من قبله جوراً)(926).
* حدَّثنا الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي (رضي الله عنه)، قال: أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمّد بن الزبير القرشي، قال: أخبرنا علي بن الحسن بن فضال، قال: حدَّثنا العبّاس بن عامر، قال: حدَّثنا أحمد بن رزق الغمشاني، عن يحيى بن العلاء، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (كلّ مؤمن شهيد، وإن مات على فراشه فهو شهيد، وهو كمن مات في عسكر القائم (عليه السلام)).
قال: (أيحبس نفسه على الله ثمّ لا يدخله الجنّة؟!)(927).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(923) الواقعة: 27.
(924) الحجرات: 13.
(925) الأحزاب: 33.
(926) أمالي الطوسي: 606/ ح (1254/2).
(927) أمالي الطوسي: 676/ ح (1426/5).
تأليف: شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي (قدّس سرّه) (385 - 460 هـ)
قدم له وعلق عليه: السيد حسين بحر العلوم
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
فصل في إمامة صاحب الزمان صلوات الله عليه وعلى آبائه (928)
قد دللنا على وجوب الإمامة في كلّ حال بما تقدَّم من الأدلّة. ودللنا أيضاً على وجوب كونه معصوماً لا يجوز عليه الغلط على وجه القطع والثبات(929).
فإذا ثبت هذان الأصلان ثبتت إمامة صاحب الزمان الذي نذهب إلى إمامته، لأنَّ كلّ من قطع على وجوب اعتبار هذين الأصلين قطع على إمامته، وليس يقول بهما ويخالف في إمامته إلَّا قوم دللنا على بطلان قولهم وانقراضهم: من الكيسانية والناووسية والفَطَحية والواقفة، فلا وجه لإعادة القول في ذلك، وإذا بطل أقوال هؤلاء سلم لنا القول بإمامته (عليه السلام).
فإن قيل: أليس أحد ما دللتموه على بطلان قول الناووسية والواقفة أن قلتم: إنَّهم أنكروا موت من علم موته ودفعوا بذلك المشاهدات؟
فعليكم أيضاً مثله، لأنَّكم ادَّعيتم ولادة صاحبنا (عليه السلام)، ولا علم في ذلك ولا ظنَّ صحيحاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(928) تلخيص الشافي: 209 - 227.
(929) راجع: تلخيص الشافي 1: 63 و191 فصل خاصّ بذلك.
لأنَّ نفسي ولادة الأولاد من الباب الذي لا يصحّ أن يعلم ضرورة في موضع من المواضع، ولا يمكن أحداً أن يدَّعي فيمن لم يظهر له ولد أنَّه يعلم أنَّه لا ولد له، وإنَّما يرجع في ذلك إلى الظنّ والأمارات، وأنَّه لو كان له ولد لظهر أمره وعُرف خبره، وليس كذلك وفاة الموتى فإنَّه من الباب الذي يصحّ أن يُعلم ضرورة حتَّى يزول الريب فيه، ألا ترى أنَّ من شاهدناه حيّاً متصرّفاً ثمّ رأيناه بعد ذلك صريعاً طريحاً قد قعدت حركات عروقه وظهرت دلائل تغيّره، يعلم يقيناً أنَّه ميّت؟ ونفي وجود الأولاد بخلاف ذلك.
على أنّا لو تجاوزنا عن ذلك لكان الفرق بيننا وبين هؤلاء القوم واضحاً، لأنَّ هذه الفرق أعني: الكيسانية والناووسية والواقفة والفَطَحية قد انقرضت ولم يبقَ قائل بقولها، فلو كانت محقّة في حال من الأحوال لما انقرض القائلون بها.
[علّة الغيبة وسببها]:
فأمَّا الكلام في علّة الغيبة وسببها والوجه الذي يحسنها، فواضح بعد تقرّر ما تقدَّم من الأصول، لأنّا إذا علمنا إمامته بالسياقة التي سقناها، ورأيناه غائباً عن الأبصار علمنا أنَّه لم يغب - مع عصمته وتعيّن فرض الإمامة فيه وعليه - إلَّا لسبب اقتضى ذلك وضرورة قادت إليه، وإن لم يُعلم الوجه على التفصيل. وجرى الكلام في الغيبة ووجهها وسببها على التفصيل مجرى العلم بمراد الله تعالى من الآيات المتشابهة في القرآن التي ظاهرها بخلاف ما دلَّت عليه العقول: من جبر أو تشبيه أو غير ذلك(930).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(930) راجع - لمحة عن المتشابه -: تلخيص الشافي 1: هامش (ص 184).
ونقول - كلّنا -: إنّا إذا علمنا حكمة الله تعالى وأنَّه لا يجوز أن يخبر بخلاف ما هو عليه من الصفات علمنا أنَّ لهذه الآيات وجوهاً صحيحة تخالف ظاهرها وتطابق مدلول الأدلّة العقلية، وإن لم يمكننا العلم بذلك مفصَّلاً، ولا حاجة بنا إليه، ويكفينا علم الجملة: بأنَّ المراد خلاف الظاهر، فكذلك لا يلزمنا أن نعلم سبب الغيبة على جهة التعيين، والوجه في فقد ظهوره على التفصيل، ويكفينا علم الجملة الذي تقدَّم. ومتى تكلَّفناه وتبرَّعنا بذكره فهو فضل. كما أنَّ ذلك فضل من جماعتنا إذا ذكرنا وجوه الآيات المتشابهات والأغراض فيه على سبيل التعيين.
ثمّ يقال للمخالف في الغيبة: أيجوز أن يكون للغيبة سبب صحيح اقتضاها ووجه من الحكمة أوجبها، أم لا يجوز ذلك؟
فإن قال: يجوز ذلك.
قيل له: فإذا كان ذلك جائزاً فكيف جعلت وجود الغيبة دليلاً على فقد الإمام في الزمان مع تجويزك لها سبباً لا ينافي وجود الإمام؟ وهل يجري ذلك إلَّا مجرى من توصّل بإيلام الأطفال إلى نفي حكمة الصانع تعالى - وهو معترف بأنَّه يجوز أن يكون في إيلامهم وجه صحيح لا ينافي الحكمة - أو من توصَّل بظواهر الآيات المتشابهات إلى أنَّه تعالى مشبه للأجسام وخالق لأفعال العباد(931)، مع تجويزه أن يكون لها وجوه صحيحة لا تنافي التوحيد والعدل ونفي التشبيه؟
وإن قال: لا أجوّز ذلك، قيل: هذا تحجّر منك شديد فيما لا يحاط بعلمه ولا يقطع على مثله، فمن أين قلت: إنَّ ذلك لا يجوز، وما الفرق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(931) أمثال قوله تعالى: (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (الفجر: 22)، (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (الإنسان: 30).
بينك وبين من قال: لا يجوز أن تكون للآيات المتشابهات وجوه صحيحة تطابق أدلّة العقل، ولا بدَّ من أن تكون على ظواهرها؟
وليس له أن يقول: إنَّني أتمكَّن من ذكر وجوه هذه الآيات المتشابهات وأنتم لا تتمكَّنون من ذكر سبب صحيح للغيبة، (لأنَّ) كلامنا على من يقول إنّي غير محتاج إلى العلم - على التفصيل - بوجوه الآيات المتشابهة، وأنَّ التعاطي لذلك فضل وتبرّع. ويكفيني العلم بحكمة القديم، وأنَّه لا يجوز أن يخبر عن نفسه بخلاف ما هو عليه.
وأمَّا من جعل الفرق بين الأمرين: تمكنه من ذكر وجوه الآيات المتشابهات، فجوابه أن يقال له: قد تركت مذاهب شيوخك وخرجت عمَّا اعتمدوه من الصحيح الواضح، وكفى بذلك عجزاً، فإذا قنعت لنفسك بهذا، قلنا: عليك مثله، وهو: أنّا نتمكَّن أيضاً من أن نذكر في الغيبة الأسباب والأغراض الواضحة التي لا تنافي عصمته. وسنذكر ذلك فيما بعد. وقد مضى في أوّل الكتاب قطعة منه حيث تكلَّمنا في وجوب الإمامة(932)، ولو اقتصرنا على ذلك لكان كافياً.
ثمّ يقال له: كيف يجوز أن تجتمع صحَّة إمامة ابن الحسن (عليهما السلام) لما بيَّناه من سياقة الأصول العقلية، مع القول بأنَّ الغيبة لا يجوز أن يكون لها سبب صحيح يقتضيها؟ أوَليس هذا تناقضاً ظاهراً، ويجري مجرى القول بالتوحيد والعدل مع القطع، إلَّا أنَّه لا يجوز أن يكون للآيات المتشابهات وجه يطابق هذه الأصول؟
ومتى قالوا: نحن لا نسلّم إمامة ابن الحسن، كان الكلام معهم في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(932) راجع: تلخيص الشافي 1: 69/ الطريقة الأولى في وجوب الإمامة عقلاً.
ثبوت إمامته (عليه السلام) دون الكلام في سبب الغيبة. وقد تقدَّمت الدلالة على إمامته (عليه السلام) بما لا يحتاج إلى إعادته، وإنَّما قلنا ذلك، لأنَّ الكلام في سبب غيبة الإمام فرع على ثبوت إمامته. فأمَّا قبل ثبوتها، فلا وجه للكلام في سبب غيبته، وجرى هذا مجرى من سألنا عن إيلام الأطفال، ووجوه الآيات المتشابهات، وجهات المصالح من العبادات: مثل الطواف ورمي الأحجار، وما أشبه ذلك على التفصيل.
ومتى عوَّلنا على حكمة القديم في ذلك وأنَّه لا يجوز أن يفعل قبيحاً فلا بدَّ من وجه حسن في جميع ما فعله، وإن جهلناه بعينه، قال لنا: ومن يسلّم حكمة القديم وأنَّه لا يفعل القبيح؟ وإنّا إنَّما جعلنا الكلام في سبب إيلام الأطفال ووجوه الآيات المتشابهات طريقاً إلى نفي ما يدَّعونه من نفي القبيح عن أفعاله، فكما أنَّ جوابنا: إنَّك إذا لم تسلّم حكمة القديم تعالى، دللنا عليها ولا نتكلَّم في سبب أفعاله، فكذلك الجواب لمن كلَّمنا في الغيبة، وهو لا يسلّم إمامة صاحب الزمان وصحَّة أصولها(933).
فإن قيل: ألا كان السائل بالخيار بين الكلام في إمامة ابن الحسن ليعرف صحَّتها من فسادها، وبين أن يتكلَّم في سبب الغيبة؟ فإذا بان أنَّه لا سبب لها صحيحاً انكشف له بذلك بطلان إمامته.
قلنا: لا خيار في ذلك، لأنَّ من شكَّ في إمامة ابن الحسن يجب أن يكون الكلام معه في نصّ إمامته والتشاغل بالدلالة عليها، ولا يجوز مع الشكّ فيها أن نتكلَّم في سبب الغيبة، لأنَّ الكلام في الفرع لا يسوغ إلَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(933) فإنَّ النزاع - حينئذٍ - يكون صغروياً. فلا بدَّ فيه من إثبات أصل الموضوع لتجري عليه الأحكام.
بعد إحكام الأصول، كما لا يجوز أن يتكلَّم في سبب إيلام الأطفال قبل ثبوت حكمة القديم تعالى، وأنَّه لا يفعل القبيح.
وممَّا يقوّي ما ذكرناه: أنَّ محصّلي المتكلَّمين عوَّلوا في إبطال ما تدَّعيه اليهود - من تأييد شرعهم وأنَّه لا ينسخ ما دام التكليف قائماً، وادّعائهم أنَّ موسى (عليه السلام) قاله - على صحَّة نبوّة نبيّنا (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وقوله: إنَّ شرعه ناسخ لكلّ شرع تقدَّم، وقالوا: إنَّ الكلام في معجز النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) أولى من الكلام في طريق صحَّة الخبر، لأنَّ المعجز معلوم وجوده ضرورة، وهو القرآن، ومعلوم صفته في الإعجاز بطرق عقلية لا يدخلها الاحتمال، وليس كذلك الخبر الذي يدَّعونه، لأنَّ صحَّته تستند إلى أمور غير معلومة ولا ظاهرة ولا طريق إلى علمها، لأنَّ الكثرة التي لا يجوز عليهم التواطئ لا بدَّ من إثباتهم في رواية الخبر في أصله وفرعه، وفيما بيننا وبين موسى، حتَّى نقطع على أنَّهم ما انقرضوا في وقت من الأوقات ولا قلَّوا، وهذا - مع بعد العهد - محال العلم بصحَّته، فقالوا حينئذٍ: الكلام في معجز النبوّة - حتَّى إذا صحَّ قطع به على بطلان الخبر - أولى من الكلام في الخبر والتشاغل به، وهذا بعينه يمكن أن نستعمله بيننا وبين من كلَّمنا في سبب إيلام الأطفال قبل الكلام في حكمة القديم، وقال: إذا بان أنَّه لا وجه لحسن هذه الآلام بطلت حكمة القديم، أو قال مثل ذلك في الآيات المتشابهات.
على أنَّ حكمة القديم تعالى أصل في نفي القبح عن أفعاله، والأصل لا بدَّ من تقدّمه لفرعه.
وليس كذلك الكلام في النبوّة والخبر، لأنَّه ليس أحدهما أصلاً
لصاحبه، وإنَّما رجح المتكلّمون الكلام في النبوّة على الخبر وطريقه من الوجه الذي ذكرناه، من حيث إنَّ أحدهما مشتبه والآخر واضح يمكن التوصّل إليه بمجرَّد العقل، والكلام في إمامة صاحب الزمان وغيبته يجري - في أنَّه أصل وفرع - مجرى الكلام في إيلام الأطفال وتأويل المتشابهات والكلام في حكمة القديم، فواجب تقديم الكلام في إمامته قبل الكلام في سبب غيبته من حيث الأصل والفرع اللذين ذكرناهما، ويوجب الترجيح أيضاً، لأنَّ الكلام في الظاهر اللائح أولى من الكلام في الغامض. على أنَّ ما نستعمله في مواضع كثيرة - نحن ومخالفونا - وسبب الغيبة ربَّما غمض، وثبوت الإمامة ليس بذلك الغموض - فلذلك صار الكلام فيه أولى، غير أنّا نذكر سبب الغيبة على التفصيل، وإن كان لا يلزمنا استظهاراً في الحجّة:
وقد بيَّنا في صدر هذا الكتاب أنَّ سبب غيبته إخافة الظالمين له، ومنعهم يده عن التصرّف فيما جعل إليه التدبير والتصرّف فيه، فإذا حيل بينه وبين مراده سقط عنه فرض القيام بالإمامة. وإذا خاف على نفسه وجبت غيبته ولزم استتاره، وقد استتر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) تارة في الشعب(934)، وأخرى في الغار(935) ولا وجه لذلك إلَّا الخوف من المضار الواصلة إليه...
وليس لأحد أن يقول: إنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما استتر عن قومه إلَّا بعد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(934) وهو المعروف بـ (شعب أبي يوسف) قال الحموي في (معجم البلدان: مادة شعب): وهو الشعب الذي آوى إليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وبنو هاشم لمَّا تحالفت قريش على بني هاشم، وكتبوا الصحيفة...
(935) وهو الذي آوى إليه هو وأبو بكر حين خروجهما من مكّة إلى المدينة، وهو في جبل ثور بمكّة - كما عن معجم البلدان للحموي بمادة غار -.
أدائه إليهم ما وجب أداؤه، ولم تتعلَّق بهم إليه حاجة، وقولكم في الإمام بخلاف ذلك، ولأنَّ استتار النبيّ ما تطاول ولا تمادى، واستتار الإمام قد مضت عليه الدهور وانقرضت العصور، (وذلك) أنَّه ليس الأمر على ما قالوه، لأنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) إنَّما استتر في الشعب والغار بمكّة وقبل الهجرة، وما كان أدّى (صلّى الله عليه وآله وسلم) جميع الشريعة، فإنَّ أكثر الأحكام ومعظم القرآن نزل بالمدينة(936)، فكيف ادَّعيتم أنَّه كان بعد الأداء؟ ولو كان الأمر على ما قالوه من تكامل الأداء قبل الاستتار لما كان ذلك رافعاً للحاجة إلى تدبيره (صلّى الله عليه وآله وسلم) وسياسته وأمره ونهيه. وما هذا الذي يقول: إنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) بعد أداء الشرع غير محتاج إليه ولا مفتقر إلى تدبيره - إلَّا معاند مكابر. وإذا جاز استتاره (صلّى الله عليه وآله وسلم) مع الحاجة إليه لخوف الضرر - وكانت التبعة بذلك لازمة لمخيفيه ومحوجيه إلى الغيبة، وسقطت اللائمة عنه، وتوجَّهت إلى من أحوجه إلى الاستتار وألجأه إلى التغيّب - فكذلك القول في غيبة إمام الزمان...
فأمَّا التفرقة بطول الغيبة وقصرها، فغير صحيحة، لأنَّه لا فرق في ذلك بين القصير المنقطع، والممتدّ المتمادي، لأنَّه إذا لم تكن في الاستتار لائمة على المستتر إذا أحوج إليه، جاز أن يتطاول بسبب الاستتار، كما جاز أن يقصر زمانه.
فإن قيل: إن كان الخوف أحوجه إلى الاستتار، فقد كان آباؤه - عندكم - على تقيّة من خوف من أعدائهم، فكيف لم يستتروا؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(936) إنَّ أكثر سور القرآن مكّية. ولكن أغلب آيات الأحكام هي من سور مدنية، حيث إنَّ مجموع آيات الأحكام يقارب الـ (500 آية) المدنيات منها تتجاوز الـ (300 آية) تقريباً. راجع أحكام القرآن للجزائري وللسيوري وغيرهما.
قلنا: ما كان على آبائه (عليهم السلام) خوف من أعدائهم مع لزوم التقيّة والعدول عن التظاهر بالإمامة ونفيها عن نفوسهم، وإمام الزمان كلّ الخوف عليه، لأنَّه يظهر بالسيف ويدعو إلى نفسه ويجاهد من خالف عليه، فأيّ نسبة بين خوفه من الأعداء، وخوف آبائه (عليهم السلام) لولا قلّة التأمّل؟ وقد بيَّنا - فيما تقدَّم - الفرق بين وجوده غائباً - لا يصل إليه أحد أو أكثرهم - وبين عدمه. حتَّى إذا كان المعلوم من حاله التمكّن بالأمر يوجده. وكذلك قولهم: ما الفرق بين وجوده حيث لا يصل إليه أحد، وبين وجوده في السماء بما لا مزيد عليه. وفيما تقدَّم من الجواب كفاية عن التطويل بذكره هاهنا.
على أنَّ هذا يقلب عليهم في النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) بأن يقال لهم: أيّ فرق بين وجوده مستتراً وبين عدمه أو كونه في السماء؟ فأيّ شيء قالوه، قلنا مثله حرفاً بحرف.
وليس لهم أن يفرّقوا بين الأمرين: بأنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما استتر من كلّ أحد وإنَّما استتر من أعدائه. وإمام الزمان مستتر عن الجميع، (لأنّا) قد بيَّنا فيما تقدَّم: أنّا لا نقطع على أنَّه مستتر عن جميع أوليائه، والتجويز في هذا الباب كافٍ، على أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) لمَّا استتر في الغار كان مستتراً من أوليائه وأعدائه ولم يكن معه إلَّا أبو بكر وحده، وقد كان يجوز أن يستتر بحيث لا يكون معه أحد من وليّ ولا عدوّ إذا اقتضت المصلحة ذلك.
فإن قيل: فالحدود - في حال الغيبة - ما حكمها؟ وإن سقطت عن الجاني على ما يوجبها فهذا اعتراف بنسخ الشريعة، وإن كانت ثابتة فمن يقيمها؟
قلنا: الحدود المستحقّة ثابتة في جنوب [الجناة بما](937) يوجبها من الأفعال، فإن ظهر الإمام - والمستحقّ لهذه الحدود باقٍ - أقامها عليه بالبيّنة أو الإقرار، فإن فات ذلك بموته كان الإثم في تفويت إقامتها على من أخاف الإمام وألجأه إلى الغيبة. وليس هذا بنسخ لإقامة الحدود، لأنَّ الحدّ إنَّما يجب إقامته مع التمكّن وزوال الموانع، ويسقط مع الحيلولة، وإنَّما يكون مع ذلك نسخاً لو سقط فرض إقامة الحدّ مع التمكّن وزوال الأسباب المانعة.
ثمّ يقلب هذا عليهم، فيقال لهم: كيف قولكم في الحدود التي تستحقّها الجناة في الأحوال التي لا يتمكّن فيها أهل الحلّ والعقد من اختيار الإمام ونصبه؟ فأيّ شيء قالوه في ذلك قلنا مثله.
فإن قيل: كيف السبيل - مع غيبة الإمام - إلى إصابة الحقّ؟ فإن قلتم: لا سبيل إليها جعلتم الخلق في حيرة وضلالة، ولا ريب في سائر أمورهم، فإن قلتم: يصاب الحقّ مع أدلَّته، قيل لكم: هذا تصريح بالاستغناء عن الإمام بهذه الأدلّة.
قلنا: الحقّ على ضربين: عقلي، وسمعي. والعقلي يصاب بأدلَّته، والسمعي عليه أدلّة منصوبة: من أقوال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) ونصوصه وأقوال الأئمّة (عليهم السلام) من ولده. وقد بيَّنوا ذلك وأوضحوه ولم يتركوا منه شيئاً لا دليل عليه، غير أنَّ هذا وإن كان على ما قلناه فالحاجة إلى الإمام قد بيَّنا ثبوتها، لأنَّ جهة الحاجة إليه المستمرة في كلّ زمان: كونه لطفاً لنا - على ما تقدَّم القول فيه - ولا يقوم مقامه غيره، والحاجة المتعلّقة بالسمع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(937) في النسخ: (جناة ما)، وأثبتنا ما رأى بعض المحقّقين أنَّه الصواب.
أيضاً ظاهرة، لأنَّ النقل وإن كان وارداً من الرسول ومن آباء الإمام بجميع ما يحتاج إليه في الشريعة، فجائز على الناقلين العدول عنه، إمَّا تعمّداً أو لشبهة. فينقطع النقل أو يبقى فيمن لا حجّة في نقله. وقد استوفينا هذه الطريقة فيما تقدَّم، فلا وجه لإعادته.
فإن قيل: أرأيتم لو كتم الناقلون - بعض منهم - الشريعة، واحتيج إلى بيان الإمام، ولم يعلم الحقّ إلَّا من جهته، وكان خوف القتل من أعدائه مستمراً، كيف يكون الحال؟ فأنتم بين أن تقولوا: إنَّه يظهر - وإن خاف القتل - فيجب على هذا أن يكون خوف القتل غير مبيح للغيبة، ويجب ظهوره على كلّ حال، وإن قلتم: لا يظهر - وسقط التكليف في ذلك الشيء المكتوم عن الأمّة - خرجتم من الإجماع، لأنَّه منعقد على أنَّ كلّ شيء شرَّعه النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأوضحه فهو لازم للأمّة إلى أن تقوم الساعة(938)، وإن قلتم: إنَّ التكليف لا يسقط، صرَّحتم بتكليف ما لا يطاق وإيجاب العمل بما لا طريق إليه.
قلنا: قد أجبنا عن هذا السؤال وفرغنا منه فيما تقدَّم، وجملته: أنَّ الله تعالى لو علم أنَّ النقل ببعض الشريعة المفروضة ينقطع في حال تكون تقيّة الإمام فيها مستمرة، وخوفه من الأعداء باقياً لأسقط ذلك التكليف عمَّن لا طريق له إليه، فإذا علمنا بالإجماع: أنَّ تكليف الشرائع مستمر ثابت على جميع الأئمّة إلى أن تقوم الساعة ينتج لنا هذا العلم: أنَّه لو اتَّفق انقطاع النقل بشيء من الشرع لما كان ذلك إلَّا في حالٍ يتمكَّن فيها الإمام من الظهور والبروز والإعلام والإنذار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(938) فإنَّ حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمّد حرام إلى يوم القيامة - كما ورد عن الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) بمضامين متشابهة -.
وقد بيَّنا - فيما تقدَّم - الجواب عن سؤالهم: أنَّ الإمام لِمَ لا يظهر لأوليائه - وسبب الخوف غير حاصل فيهم؟ بما لا حاجة بنا إلى إعادته، بما فيه كفاية(939).
وقد ذكر في موضع آخر: أنَّه لا يمتنع أن تكون ها هنا أمور كثيرة غير واصلة إلينا هي مودعة عند الإمام، وإن كان كتمها الناقلون ولم ينقلوها، ولم يلزم - مع ذلك - سقوط التكليف عن الخلق، لأنَّه إذا كان سبب الغيبة خوفه على نفسه من الذين أخافوه، فمن أحوجه إلى الاستتار أتى من قِبَل نفسه في فوت ما يفوته من الشرع، كما أنَّه أتى من قِبَل نفسه فيما يفوته من تأدية الإمام وتصرّفه، حيث أحوجه إلى الاستتار، ولو زال خوفه لظهر، فيحصل له اللطف بتصرّفه، وتبيَّن له ما عنده ممَّا انكتم عنه، فإذا لم يفعل - وبقى مستتراً - أتى في الأمرين من قِبَل نفسه، وهذا قويّ تقتضيه الأصول.
وفي جملة ما تقدَّم ما ذكره بعض أصحابنا: أنَّ علّة استتاره عن أوليائه: خوفه من أن يشيعوا خبره، ويتحدَّثوا سروراً باجتماعهم معه، فيؤدّي ذلك إلى الخوف من الأعداء، وإن كان غير مقصود، وهذا الجواب يُضعَّف، لأنَّ عقلاء شيعته لا يجوز أن يخفى عليهم ما في إظهار اجتماعهم معه من الضرر عليه وعليهم، فكيف يخبرون بذلك مع العلم بما فيه من المضرّة الشاقة، وإن جاز هذا على الواحد والاثنين لا يجوز على جماعة شيعته الذين لا يظهر لهم، على أنَّ هذا يلزم عليه أن تكون شيعته قد عدموا الانتفاع به على وجه لا يتمكَّنون من تلافيه، وإزالته، لأنَّه إذا علق الاستتار بما يعلم من حالهم أنَّهم يفعلونه، وليس في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(939) راجع: الجزء الأوّل من هذا الكتاب: فصل في ذكر اختلاف الناس في وجوب الإمامة. تجد كثيراً من هذه العبارات مدرجة هناك بنصوصها.
مقدورهم - الآن - ما يقتضي ظهور الإمام، وهذا يقتضي سقوط التكليف - الذي الإمام لطف فيه - عنهم، وقد تكلَّمنا بما يمكن أن يكون نصرة لهذا الجواب بما لا يحتاج إلى إعادته.
وقد حكينا أيضاً ما قاله بعض أصحابنا: من أنَّ العلّة في استتاره عن الأولياء ما يرجع إلى الأعداء، لأنَّ انتفاع جميع الرعيّة من عدوّ ووليّ بالإمام إنَّما يكون بأن ينفذ أمره وتنبسط يده، فيكون ظاهراً متصرّفاً بلا دافع ولا منازع. وهذا [ممَّا](940) المعلوم أنَّ الأعداء قد حالوا دونه ومنعوا منه.
قالوا: ولا فائدة في ظهوره لبعض أوليائه، لأنَّ النفع المبتغى من تدبير الأمّة لا يتمّ إلَّا بظهوره للكلّ ونفوذ الأمر، فقد صارت العلّة في استتار الإمام على الوجه الذي هو لطف ومصلحة للجميع واحدة...
ويمكن أن يعترض على هذا الجواب بأن يقال: الأعداء إن حالوا بينه وبين الظهور على وجه التصرّف والتدبير، فلم يحولوا بينه وبين لقاء من شاء من أوليائه على سبيل الاختصاص، وهو يعتقد طاعته ويفترض اتّباع أوامره ويحكمه في نفسه، فإن كان لا نفع في هذا اللقاء لأجل الاختصاص، لأنَّه غير نافذ الأمر في الكلّ - فهذا تصريح بأنَّه لا انتفاع للشيعة الإماميّة بلقاء أئمّتها من لدن وفاة أمير المؤمنين [عليه السلام](941) إلى أيّام الحسن بن علي أبي القائم (عليه السلام) لهذه العلّة. ويوجب أيضاً أن يكون أولياء أمير المؤمنين [وشيعته](942) لم يكن لهم بلقائه انتفاع قبل انتقال الأمر إلى تدبيره وحصوله في يده.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(940) كذا في النسخ، والغيبة للطوسي: 98.
(941) ليس في النسخ ولا المطبوع.
(942) في النسخة المطبوعة: (وشيعة)، والصحيح ما أثبتناه.
وهذا بلوغ من قائله إلى حدًّ لا يبلغه متأمّل، على أنَّه لو سلّم لهم ما ذكروه: من أنَّ الانتفاع بالإمام لا يكون إلَّا مع ظهوره لجميع الرعيّة ونفوذ أمره فيهم، بطل قولهم من وجه آخر: وهو أنَّه يؤدّي إلى سقوط التكليف - الذي الإمام لطف فيه - عن شيعته، لأنَّه إذا لم يظهر لهم لعلّة لا ترجع إليهم، ولا كان في قدرتهم وإمكانهم إزالة ما يمنعه من الظهور فلا بدَّ من سقوط التكليف عنهم، لأنَّه لو جاز أن يمنع قوم من المكلَّفين غيرهم من لطفهم ويكون التكليف - الذي ذلك اللطف لطف فيه - مستمراً عليهم، لجاز أن يمنع بعض المكلَّفين غيره بقيد أو ما أشبهه من المشي على وجه لا يتمكَّن من إزالته، ويكون تكليف المشي مستمراً على المقيَّد. وليس لهم أن يفرّقوا بين القيد وبين اللطف من حيث كان القيد يتعذَّر معه الفعل، ولا يتوهَّم وقوعه، وليس كذلك فقد اللطف، لأنَّ أكثر أهل العدل على أنَّ فقد اللطف كفقد القدرة والآلة، وأنَّ التكليف مع فقد اللطف فيمن له لطف معلوم كالتكليف مع فقد القدرة والآلة، ووجود الموانع، وأنَّ من لم يفعل له اللطف - ممَّن له لطف معلوم - غير متمكّن من الفعل، كما أنَّ الممنوع غير متمكّن.
وقد بيَّنا - فيما تقدَّم -: أنَّ الذي يجب أن يجاب به عن السؤال الذي ذكرناه في علّة الاستتار عن أوليائه: أنَّه لا يجب القطع على استتاره عن جميع أوليائه، غير أنَّ من يقطع على استتاره عنهم أقرب ما يقال عنه ما تقدَّم ذكره: من أنَّ هذا الباب لا يجب العلم به على سبيل التفصيل، وأنَّ العلم على سبيل الجملة فيه كافٍ. ولا بدَّ أن تكون علّة الغيبة عن أوليائه مضاهية لعلّة الغيبة عن الأعداء من أنَّها لا تقتضي سقوط التكليف
عنهم، ولا تلحق اللائمة بمكلَّفهم، ولا بدَّ أن يكونوا متمكّنين من دفعها وإزالتها، فيظهر لهم.
وعلى هذا التقدير أقوى ما يعلّل(943) به: أنَّ الإمام إذا ظهر ولا يعلم شخصه وعينه من حيث المشاهدة، فلا بدَّ من أن يظهر عليه علم معجز يدلُّ على صدقه، والمعجز - لكون دلالة طريقه الدليل - يجوز أن تعترض فيه الشبهة، فيعتقد أنَّه كذّاب فيشيع خبره فيؤدّي إلى ما تقدَّم القول فيه.
فإن قيل: أيّ تقصير وقع من الوليّ الذي لم يظهر له الإمام لأجل هذا المعلوم من حاله، وأيّ قدرة له على النظر فيما يظهر له الإمام معه، وإلى أيّ شيء يفزع في تلافي ما يوجب غيبته؟
قلنا: ما أحلنا في سبب الغيبة عن الأولياء إلَّا على معلوم يظهر موضع التقصير فيه وإمكان تلافيه، لأنَّه غير ممتنع أن يكون من المعلوم من حاله أنَّه متى ظهر له الإمام قصَّر في النظر في معجزه، فإنَّما أتى في ذلك لتقصيره الحاصل في العلم بالفرق بين المعجز والممكن، والدليل من ذلك وما ليس بدليل. ولو كان من ذلك على قاعدة صحيحة لم يجز أن يشتبه عليه معجز الإمام عند ظهوره له، فيجب عليه تلافي هذا التقصير واستدراكه.
وليس لأحد أن يقول: هذا تكليف لما لا يطاق وحوالة على غيب، لأنَّ هذا الوالي ليس يعرف ما قصَّر فيه بعينه من النظر والاستدلال فيستدركه، حتَّى يتمهد في نفسه ويتقدر. ونراكم تلزمونه ما لم يلتزمه، (وذلك): أنَّ أوّل ما يلزم في التكليف قد يتميَّز تارةً، ويشتبه أخرى بغيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(943) في المصدر المطبوع: (القدر أولى ما علّل)، وأثبتنا ما في الغيبة للطوسي.
وإذا كان التمكّن من الأمرين حاصلاً، فالوليّ - على هذا - إذا حاسب نفسه ورأى أنَّ الإمام لا يظهر له، وأفسد أن يكون السبب في الغيبة ما ذكرناه من الوجوه الباطلة وأجناسها، علم أنَّه لا بدَّ من سبب يرجع إليه. وإذا رأى أنَّ أقوى الأسباب ما ذكرناه، علم أنَّ التقصير واقع من جهته في صفات المعجز وشروطه، فعليه حينئذٍ معاودة النظر في ذلك، وتخليصه من الشوائب وما يوجب الالتباس، فإنَّه متى اجتهد في ذلك حقّ الاجتهاد ووفّى النظر شروطه، فلا بدَّ من وقوع العلم بالفرق بين الحقّ والباطل.
وهذه المواضع، الإنسان فيها على نفسه بصيرة، وليس يمكن أن يؤمر فيها بأكثر من التناهي في الاجتهاد والبحث والفحص والاستسلام للحقّ.
وقد قلنا: إنَّ هذا نظير ما يقوله من يخالفنا في توليد النظر [للعلم](944) بأن يقول: أنا نظرت كما نظرتم، واستوفيت شرائطه ولم يحصل العلم.
فإنّا نقول له: لا نصدّقك في ذلك، لأنَّك لو كنت استوفيت جميع شراط النظر لحصل لك العلم، ومتى لم يحصل لك العلم، علمنا أنَّك أخللت بشيء من شرائطه، وإن لم يمكننا الإشارة إلى ما أخللت به بعينه، فكذلك القول هاهنا، فاعرف.
فإن قيل: لو كان الأمر على ما قلتم، لوجب أن لا يعلم شيئاً من المعجزات في الحال، وهذا يؤدّي إلى أن لا يعلم النبوّة وصدق الرسول، وذلك يخرجه عن الإسلام، فضلاً عن الإيمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(944) في النسخة المطبوعة: (العلم)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
قلنا: لا يلزم ما ذكرتموه، لأنَّه لا يمتنع أن تدخل الشبهة في نوع من المعجزات دون نوع. وليس إذا دخلت الشبهة في بعضها دخلت في سائرها، فلا يمتنع أن يكون المعجز الدالّ على النبوّة لم تدخل عليه الشبهة، فحصل له العلم بكونه معجزاً، وعلم عند ذلك نبوّة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم). والمعجز الذي يظهر على يد الإمام إذا ظهر يكون أمراً آخر، يجوز أن تدخل عليه الشبهة في كونه معجزاً، فيشكّ حينئذٍ في إمامته وإن كان عالماً بالنبوّة، وهذا كما تقول: إنَّ من عَلِم نبوّة موسى (عليه السلام) بالمعجزات الدالّة على نبوّته إذا لم ينعم النظر في المعجزات الظاهرة على يد عيسى (عليه السلام) ونبيّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، لا يجب أن يقطع على أنَّه بما عرف تلك المعجزات يجب أن يعرف هذه الأخرى، لأنَّه لا يمتنع أن يكون عارفاً بها وبوجه دلالتها، وإن لم يعلم هذه المعجزات واشتبه عليه وجه دلالتها.
فإن قيل: فيجب - على هذا - أن يكون كلّ من لم يظهر له الإمام يقطع على أنَّه على كبيرة تلحق بالكفر، لأنَّه مقصّر - على ما فرضتموه - فيما يوجب غيبة الإمام عنه، ويقتضي فوت مصلحته، فقد لحق الوليّ - على هذا - بالعدوّ.
قلنا: ليس يجب في التقصير الذي أشرنا إليه أن يكون كفراً ولا ذنباً عظيماً، لأنَّه - في هذه الحال - ما اعتقد في الإمام أنَّه ليس بإمام ولا أخافه على نفسه، وإنَّما قصَّر في بعض المعلوم تقصيراً كان كالسبب في أنَّ علم من حاله أنَّ ذلك الشكّ في الإمامة يقع منه مستقبلاً، والآن فليس بواقع، فغير لازم في هذا التقصير أن يكون بمنزلة ما يفضي إليه ممَّا المعلوم أنَّه سيكون كافراً، غير أنَّه وإن لم يلزم أن يكون كفراً ولا جارياً مجرى تكذيب الإمام والشكّ في صدقه، فهو خطأ لا ينافي الإيمان
واستحقاق الثواب، ولن يلحق الوليّ بالعدوّ على هذا التقدير، لأنَّ العدوّ في الحال معتقد في الإمام ما هو كفر وكبيرة، والوليّ بخلاف ذلك.
والذي يبيّن ما ذكرناه في أنَّ ما هو كالسبب في الكفر لا يجب أن يكون كفراً في الحال: أنَّه لو اعتقد معتقد في القادر منّا بقدرة أنَّه يصحّ أن يفعل في غيره من الأجسام من غير مماسةٍ، كان ذلك خطأ وجهلاً ليس بكفر، ولا يمتنع أن يكون المعلوم من حال هذا المعتقد أنَّه لو ظهر نبيّ يدعو إلى نبوّته، وجعل معجزه أن يفعل الله على يده فعلاً بحيث لا تصل إليه أسباب البشر أنَّه كان يكذّبه ولا يؤمن به، وهذا لا محالة لو علم أنَّه معجز كان يقبله، وما سبق من اعتقاده في مقدور العبد كان السبب في هذا، ولم يلزم أن يجري مجراه في الكفر، وهذه الجملة ذكرها في المسألة التي له في الغيبة أوردنا بعض ألفاظها ومعانيها(945).
فإن قيل: إنَّ هذا الجواب أيضاً لا يستمر على أصولكم، لأنَّ الصحيح من مذهبكم أنَّ من عرف الله تعالى بصفاته، وعرف النبوّة والإمامة وحصل مؤمناً لا يجوز أن يقع منه كفر أصلاً. فإذا ثبت هذا فكيف يمكنكم أن تجعلوا علّة الاستتار عن الولي: أنَّ المعلوم من حاله أنَّه إذا ظهر الإمام وظهر على يده علم معجز شكّ فيه، ولا يعرفه إماماً، فإنَّ الشكّ في ذلك كفر، وذلك يقطع دليلكم الذي صحَّحتموه.
قيل: هذا الذي ذكرتموه ليس بصحيح، لأنَّ الشكّ في المعجز الذي يظهر على يد الإمام ليس بقادح في معرفته لغير الإمام على طريق الجملة، وإنَّما يقدح في أنَّ ما علم على طريق الجملة وصحَّت معرفته له:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(945) انظر: الغيبة للطوسي: 103.
هل هو هذا الشخص أم لا؟ والشكّ في هذا ليس بكفر، لأنَّه لو كان كفراً لوجب أن يكون كفراً وإن لم يظهر المعجز، فإنَّه لا محالة قبل ظهور هذا المعجز على يده شاك فيه، ومجوّز كونه إماماً وكون غيره كذلك.
وإنَّما يقدح في العلم الحاصل له على طريق الجملة لو شكّ في المستقبل في إمامته على طريق الجملة. وذلك ممَّا يمنع من وقوعه منه مستقبلاً.
وقد ذكر في الزيادات في الغيبة جواباً آخر ذكرناه فيما تقدَّم صريحاً(946) ومع ذلك لا يحتاج إلى تمحّل هذه العلل لاستتاره على وجه من الوجوه، وهو الذي أومأنا إليه فيما تقدَّم: من أنَّ لطف أوليائه حاصل بالإمام في حال الغيبة كما هو حاصل في حال الظهور، لأنَّهم لا يأمنون في حال غيبته من انبساط يده وتمكّنه من التأديب والردع، فهم - مع علمهم بإمامته - يخافونه ويرهبون تأديبه في كلّ حال. وعلى هذا لا مسألة علينا في استتاره عن أوليائه، وأنَّه تفوتهم لغيبته مصالح توجب إسقاط التكليف عنهم.
وقد وفينا بما شرطناه في أوّل الكتاب من تلخيص هذا الكتاب(947)، وحذف ما تكرَّر، وردّ كلّ شيء منه إلى نظيره، ورتَّبناه ترتيب المصنَّفات اللائقة به، وعوَّلنا في أكثر الكتاب على نقل معاني كلامه بألفاظه، فإنَّه لا مستزاد عليها، ولا يمكن النقصان منها، لأنَّها واقعة على غاية ما يحتاج إليه من الاختصار في اللفظ واستيفاء المعاني، وأوردنا في مواضع من الكتاب زيادات ذكرها في غير هذا الكتاب - لم يكن بدّ من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(946) إشارة إلى ذكر هذا الكلام نصّاً في الجزء الأوّل: 95 - 99.
(947) راجع: ص 61 و62 من الجزء الأوّل.
إضافتها إلى هذا الكتاب ليكمل الغرض به، وعدلنا عمَّا أردنا ذكره من النصوص الواردة على أعيان الأئمّة واحداً واحداً، لئلاَّ يطول به الكتاب. وهي موجودة في كتب أصحاب الحديث المعروفة من أصحابنا. من أرادها وقف عليها من هناك(948)، وما يتعلَّق بإمامة الاثني عشر على الجملة ممَّا رواه المخالفون لنا عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، قد ذكرنا منه طرفاً في المختصر الذي عملناه في الإمامة، الملقَّب بـ (المفصح)(949) من أراده وقف عليه من هناك.
ونحن - الآن - قاطعون كتابنا على ما انتهى بنا الحال إليه إن شاء الله. ونسأل الله تعالى أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه، مقرّباً من ثوابه، مبعداً من عقابه، بمنّه وجوده إن شاء الله.
ووافق الفراغ من إتمامه في رجب سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، والحمد لله ربّ العالمين، وصلاته على خير خلقه وحجَّته على بريَّته محمّد وآله الطاهرين.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(948) راجع: أصول الكافي 1: 286/ ط طهران/ حيدري.
(949) وهو كتاب صغير في العقائد، لا يزال مخطوطاً. ولقد أدرجناه في عداد مؤلّفات شيخنا (قدّس سرّه) في مقدّمتنا المفصَّلة للجزء الأوّل من هذا الكتاب: 33 (تلخيص الشافي).
مؤتمر علماء بغداد في الإمامة والخلافة
بقلم: مقاتل بن عطية المتوفى 505
عنى بمراجعته وتحقيقه: أقلُّ خدَمَة الدين الإسلامي والمذهب الإمامي السيد مرتضى الرضوي
الإمام المهدي وظهوره (عليه السلام): (950)
قال العبّاسي: اسمع أيّها الملك: إنَّ الشيعة يقولون بأمر خرافي وهو: أنَّ (المهدي) حيّ في دار الدنيا منذ سنة (255هـ) وهل هذا معقول؟ ويقولون: إنَّه سيظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلاً بعد أن تملأ جوراً(951).
قال الملك - موجّهاً الخطاب إلى العلوي -: هل صحيح أنتم تعتقدون بذلك؟
قال العلوي: نعم، صحيح ذلك، ولأنَّ الرسول قال بذلك، ورواه الرواة منهم: الشيعة والسُنّة.
قال الملك: وكيف يمكن أن يبقى إنسان هذه المدّة الطويلة.
قال العلوي: الآن لم يذهب من عمر الإمام المهدي مقدار مأتي سنة، والله يقول في القرآن حول نوح النبيّ: (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً)(952). فهل يعجز الله أن يبقي إنساناً طويل العمر. ثمّ إنَّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال ذلك وهو صادق مصدّق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(950) مؤتمر علماء بغداد: 195 - 197.
(951) قال أبو داود: حدَّثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا الفضل بن دكين، ثنا فطر، عن القاسم بن أبي بزّة، عن أبي الطفيل، عن علي (رضي الله عنه)، عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، قال: (لو لم يبقَ من الدهر إلَّا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً). وعن أُمّ سَلَمة قالت: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يقول: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة). سنن أبي داود 2: 310/ كتاب المهدي/ ح 4284.
(952) العنكبوت: 14.
قال الملك - موجّهاً خطابه إلى الوزير -: هل صحيح أنَّ الرسول أخبر بالمهدي على ما يقوله العلوي؟
قال الوزير: نعم(953).
قال الملك - موجّهاً خطابه إلى العبّاسي -: فلماذا أنت تنكر الحقائق الواردة عندنا نحن السُنّة؟
قال العبّاسي: خوفاً على عقيدة العوام أن تتزلزل، وتميل نحو الشيعة!
قال العلوي: إذن أنت أيّها العبّاسي، مصداق لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ)(954)، فشملتك اللعنة من الله.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(953) مجمع الزوائد 7: 318؛ شرح المقاصد 1: 307؛ ينابيع المودّة 1: 258/ ط اسطنبول؛ مطالب السؤول 2: 125؛ شرح ابن أبي الحديد 19: 104 و105/ ط مصر؛ التذكرة للقرطبي: 615؛ النهاية لابن كثير 1: 26؛ المنار المنيف: 151/ ط حلب؛ فريدة العجائب: 199/ ط مصر؛ مشكاة المصابيح 3: كتاب الفتن/ ح 5453/ ط دمشق؛ فرائد السمطين 2: بيروت؛ موارد الضمآن إلى زوائد ابن حبان 6: 128؛ الحاوي للفتاوي 2: 124 و135؛ اليواقيت والجواهر 2: المبحث الخامس والستّون؛ الصواعق المحرقة: 161/ ط مصر؛ مرقاة المفاتيح 5: 179/ ط مصر؛ سنن ابن ماجة 2: 22؛ سنن الترمذي 4: 505؛ مختصر سنن أبي داود 6: 159؛ ذخائر العقبى: 136/ ط مصر؛ المصنف 11: 38؛ البدء والتاريخ للبلخي 2: 181/ ط باريز 1899م؛ معالم السنن: 344؛ مصابيح السُنّة 1: 93؛ جامع الأصول 11: 48؛ الفتوحات المكّية 3: 106.
(954) البقرة: 159.
تأليف: الشيخ العلامة زين المحدّثين محمد بن الفَتّال النيسابوري الشهيد في سنة 508 هـ
مجلس في ذكر ما روى في نرجس أُمّ القائم (عليه السلام): (955)
واسمها مليكة بنت يشوعا بن قيصر الملك.
قال بشر بن سليمان النخّاس من ولد أبي أيّوب الأنصاري أحد موالى أبي الحسن أبي محمّد (عليهما السلام)، قال: كان مولانا أبو الحسن علي بن محمّد العسكري (عليه السلام) فقَّهنى في أمر الرقيق فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلَّا بإذنه، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتَّى كملت معرفتي فيه فأحسنت الفرق بين الحلال والحرام، فبينا أنا ذات ليلة في منزلي بسُرَّ من رأى وقد مضى هوي(956) منها إذ قرع الباب قارع، فعدوت مسرعاً فإذا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن علي بن محمّد (عليهما السلام) يدعوني إليه، فلبست ثيابي ودخلت عليه، فرأيته يحدّث ابنه أبا محمّد (عليه السلام) وأخته حكيمة من وراء الستر، فلمَّا جلست قال: (يا بشر إنَّك من ولد الأنصار وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، وأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإنّى مزكّيك ومسرّحك(957) بفضيلة تسبق بها سائر الشيعة في الموالاة بها بسرّ أطلعك عليه وأنفذك في تتبّع أمره)، وكتب كتاباً ملطفاً(958) بخطّ رومي ولغة روميّة وطبع عليه خاتمه وأخرج شستقة(959) صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(955) روضة الواعظين: 252 - 267.
(956) هوي: يعني زماناً غير قليل.
(957) كذا، وفي كمال الدين: (ومشرّفك).
(958) في كمال الدين: (ملصقاً)، وفي الغيبة للطوسي: (لطيفاً).
(959) في دلائل الإمامة: (سبيكة)، وفي الغيبة للطوسي: (شقيقة)، وفي هامشه: (الشقيقة تصغير شقّة وهو بالكسر والضمّ ما شقّ من ثوب ونحوه).
قال: (خذها وتوجَّه بها إلى بغداد واحضر معبر الفرات ضحوة (كذا)، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وبرزت الجواري منها فستحدق بهنَّ طوائف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العبّاس وشراذم من فتيان العراق، فإذا رأيت ذلك فاشرف من البعد على المسمّى عمرو بن يزيد النخّاس عامة نهارك إلى أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا لابسة خزّين(960) صفيقين تمتنع من السفور ولمس المعرض والانقياد لمن يحاول لمسها أو شغل نظرها بتأمّل مكاشفها من وراء الستر الرقيق، فيضربها النخّاس، فتصرخ صرخة روميّة، فاعلم أنَّها تقول: وا هتك ستراه، فيقول بعض المبتاعين: عليَّ بثلاثمائة دينار، فقد زادني العفاف فيها رغبة. فتقول بالعربية: لو برزت في زيّ سليمان على مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق على مالك. فيقول لها النخّاس: فما الحيلة ولا بدَّ من بيعك؟
فتقول الجارية: وما العجلة، ولا بدَّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إلى أمانته ووفائه، فعند ذلك قم إلى عمرو بن يزيد النخّاس وقل له: إنَّ معي كتاباً ملطفاً لبعض الأشراف كتبه بلغة روميّة وخطّ رومي ووصف فيه كرمه، ووفائه ونبله وسخاءه فناولها لتتأمَّل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك).
قال بشر بن سليمان النخّاس: فامتثلت جميع ما حدَّه لي مولاي أبو الحسن (عليه السلام) في أمر الجارية، فلمَّا نظرت في الكتاب بكت بكاءً شديداً، وقالت لعمرو بن يزيد النخّاس: بعني من صاحب هذا الكتاب، وحلفت بالمحرجة المغلظة أنَّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها. فما زلت أشاحه في ثمنها حتَّى استقرَّ الأمر على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(960) في الغيبة للطوسي: (حريرين).
الدنانير في الشستقة الصفراء، فاستوفاه منّي وتسلَّمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوى إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتَّى أخرجت كتاب مولانا من جيبها وهي تلثمه وتضعه على خدّها، وتمسحه على ثديها، فقلت تعجباً منها: أتلثمين كتاباً ولا تعرفين صاحبه؟
قالت: أيّها العاجز الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء أعرني سمعك وفرّغ لي قلبك، أنا ملكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأنا من ولد الحواريين ينسب إلى وصيّ المسيح شمعون، أنبئك العجيب، إنَّ جدّي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث وعشرة سنة فجمع من نسل الحواريين من القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل، وجمع من أمراء الأجناد وقوّاد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من نهر(961) ملكه عرشاً مرصعاً من أصناف الجواهر إلى صحن القصر، فرفعه فوق أربعين مرقاة، فلمَّا صعده ابن أخيه وأحدقت به الصلبان، وقامت الأساقفة عكفاً ونشرت أسفار الإنجيل تسافلت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض، وتقوَّضت الأعمدة فانهارت إلى القرار، وخرَّ الصاعد من العرش مغشياً عليه، فتغيَّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدّي: أيّها الملك اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني، فتطيَّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً، وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان، واحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جدّه لأزوّج منه هذه الصبيّة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(961) هكذا في النسخة المطبوعة، ولعلَّ الصحيح: (بهي).
فيدفع نحوسه عنكم بسعوده، فلمَّا فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأوّل، فتفرَّق الناس، وقام جدّي قيصر مغتمّاً فدخل قصره، وأُرخيت الستور ورأيت من تلك الليلة كأنَّ المسيح وشمعون وعدّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدّي ونصبوا فيه منبراً يباري السماء علوّاً وارتفاعاً في الموضع الذى كان جدّي نصب فيه عرشه، فيدخل عليهم محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) مع فتية وعدّة من بنيه، فيقوم إليه المسيح فيعتنقه، ويقول: يا روح الله، إنّي جئتك خاطباً من وصيّك شمعون فتاته مليكة لابني هذا وأومأ بيده إلى أبي محمّد صاحب هذا الكتاب، فنظر المسيح إلى شمعون، فقال: قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
قال: قد فعلت، فصعدوا ذلك المنبر وخطب محمّد وزوَّجني من ابنه وشهد بنو محمّد والحواريون، فلمَّا استيقظت من نومي خشيت أن أقصّ هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل، فكنت أُسرّها في نفسي، ولا أبديها لهم، فضرب صدري لمحبّة أبي محمّد حتَّى امتنعت من الطعام والشراب، فضعفت نفسي ورقَّ شخصي، ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي من مدائن الروم طبيب إلَّا أحضره جدّي وسأله عن دائي، فلمَّا برح لي(962) اليأس قال: يا قرّة عيني فهل يخطر ببالك شهوة فأزودكها في هذه الدنيا؟
فقلت: يا جدّي، أرى أبواب الفرج عليَّ مغلقة، فلو كشفت عن سجنك من المسلمين من الأسارى وفككت عنهم الأغلال وتصدَّقت عليهم ومننتهم(963) الخلاص رجوت أن يهب لي المسيح وأُمّه عافية وشفاء، فلمَّا فعل ذلك تجلدت في إظهار الصحَّة في بدني وتناولت يسيراً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(962) كذا، وفي دلائل الإمامة: (به).
(963) هكذا في النسخة المطبوعة، ولعلَّ الصحيح: (منيتهم) أو (مننت عليهم).
من الطعام، فسرَّ بذلك جدّي وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم، فأريت أيضاً بعد أربعة عشر ليلة كأنَّ سيّدة النساء قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف من وصائف الجنان، فتقول لي مريم: هذه سيّدة النساء أُمّ زوجك أبي محمّد، فأتعلَّق بها، وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمّد عن زيارتي.
فقالت سيّدة النساء: إنَّ ابني أبا محمّد لا يتزوَّجك وأنت مشركة بالله على مذهب النصارى، وهذه أختي مريم تبرأ إلى الله من دينك، فإن ملت إلى رضا الله ورضا المسيح ومريم عنك وزيارة أبي محمّد إيّاك فقولي: إنّي أشهد أن لا إله إلَّا الله وأنَّ محمّداً رسول الله، فلمَّا تكلَّمت بهذه الكلمة ضمَّتني سيّدة نساء العالمين إلى صدرها وطيَّبت نفسي وقالت: الآن توقعي زيارة أبي محمّد إيّاك، فإنّي منفذة(964) إليك، فانتبهت وأنا أقول: وا شوقاه إلى لقاء أبي محمّد. ثمّ رأيت بعد ذلك أبا محمّد كأنّي أقول له: لِمَ جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبّك؟
قال: ما كان امتناعي وتأخيري عنك إلَّا لشركك، فإذا قد أسلمت فإنّي زائرك كلّ ليلة إلى أن يجمع الله شملنا في العيان، فما قطع عنّى زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.
قال بشر: فقلت لها: وكيف وقعت في الأسارى؟
فقالت: أخبرني أبو محمّد ليلة من الليالي: إنَّ جدّك سيسرب جيوشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا، ثمّ يتبعهم، فعليك باللحاق به متنكّرة في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق كذا، ففعلت، فوقعت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(964) هكذا في النسخة المطبوعة، ولعلَّ الصحيح: (منفذته إليك).
علينا طلائع المسلمين حتَّى كان من أمري ما رأيت وشاهدت، وما شعر بأنّي ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية أحد سواك، وذلك باطلاعي إيّاك عليه، ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته فقلت: نرجس، فقال: اسم الجواري.
فقلت: العجيب أنَّك رومية ولسانك عربي.
قالت: بلغ من ولوع جدّي بي وحمله إيّاي على تعلّم الآداب أن أوعز إلى امرأة ترجمان له في الاختلاف إليَّ، فكانت تقصدني صباحاً ومساءً وتغذيني العربية حتَّى استمر عليها لساني، واستقام.
قال بشر: فلمَّا انكفأت إلى سُرَّ من رأى دخلت على مولاي أبي الحسن العسكري (عليه السلام).
قال لها: (كيف أراك الله عزّ الإسلام وذلّ النصرانية، وشرف أهل بيت نبيّه محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟).
قالت: كيف أصف لك يا ابن رسول الله ما أنت أعلم به منّي؟
قال: (فإنّي أحبّ أن أكرمك، فأيّهما أحبّ إليك: عشرة ألف درهم، أم بشرى لك فيها شرف الأبد؟).
قالت: بل البشرى.
قال: (فابشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً).
قالت: ممَّن؟
قال: (ممَّن خطبك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا بالرومية؟).
قالت: من المسيح ووصيّه.
قال: (فمن زوَّجك المسيح ووصيّه؟).
قالت: هل ابنك أبي محمّد؟
قال: (فهل تعرفينه؟).
قالت: فهل خلت ليلة من زيارته إيّاي منذ الليلة التي أسلمت فيها على يد سيّدة نساء العالمين أُمّه؟
فقال أبو الحسن (عليه السلام): (يا كافور ادع لي أختي حكيمة)، فلمَّا دخلت عليه قال لها: (ها هي) فاعتنقتها أخته طويلاً، وسألتها كثيراً، فقال مولانا: (يا ابنة رسول الله أخرجيها إلى منزلك، وعلّميها الفرائض والسنن، فإنَّها زوجة أبي محمّد وأُمّ القائم (عليهما السلام))(965).
قد تمَّ المجلَّد الأوّل من كتاب روضة الواعظين (في مناقب أهل البيت الطاهرين (عليهم السلام)).
* * *
المجلد الثاني: مجلس في ذكر ولادة القائم صاحب الزمان (عليه السلام):
بسم الله الرحمن الرحيم
قالت حكيمة بنت محمّد بن علي بن موسى بن جعفر (عليهم السلام): بعث إليَّ أبو محمّد الحسن بن علي، فقال: (يا عمّة اجعلي إفطارك الليلة عندنا فإنَّها ليلة النصف من شعبان، فإنَّ الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجّة، وهو حجّته في أرضه).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(965) انظر: كمال الدين: 417/ باب 41/ ح 1؛ الغيبة للطوسي: 208/ ح 178.
قالت: فقلت له: ومن أُمّه؟
قال لي: (نرجس).
قلت له: جعلني الله فداك والله ما بها أثر!
فقال: (هو ما أقول لك).
قالت: فجئت، فلمَّا سلَّمت وجلست جاءت تنزع بخفي، وقالت لي: يا سيّدتي كيف أمسيت؟
فقلت: بل أنت سيّدتي وسيّدة أهلي.
قالت: فأنكرت قولي، وقالت: ما هذه(966) يا عمّة؟
فقلت لها: يا ابنيّة إنَّ الله تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً، سيّداً في الدنيا والآخرة.
قالت: فخجلت واستحيت، فلمَّا أن فرغت من صلاة العشاة الآخرة وأخذت مضجعي فرقدت، فلمَّا أن كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة ففرغت من صلاتي وهي نائمة وليست بها حادثة، ثمّ جلست معقّبة ثمّ اضطجعت ثمّ انتبهت فزعة وهي راقدة، ثمّ قامت وصلَّت ونامت.
قالت حكيمة: وخرجت أتفقَّد الفجر، وإذا بالفجر الأوّل كذبة السرحان وهي نائمة، قالت حكيمة: فدخلتني الشكوك، فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام) من المجلس فقال: (لا تعجلي يا عمّة فهاك الأمر قد قرب).
وقالت: فجلست وقرأت (الم) السجدة و(يس)، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة، فوثبت إليها فقلت: اسم الله عليك، ثم قلت لها: تحسّين شيئاً؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(966) هكذا في النسخة المطبوعة، ولعلَّ الصحيح: (هذا).
قالت: نعم يا عمّة، فقلت لها: اجمعي نفسك واجمعي قلبك، فهو ما قلت لك. قالت حكيمة: ثمّ أخذتني فترة وأخذتها فترة، فانتبهت بحسّ سيّدي، فكشفت الثوب عنه فإذا أنا به (عليه السلام) ساجداً يتلقّى الأرض بمساجده، فضممته (عليه السلام) إليَّ فإذا أنا به نظيف منظَّف، فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام): (هلمّي إليَّ ابني يا عمّة).
فجئت به إليه، فوضع يديه تحت إليتيه وظهره فوضع قدمه على صدره، ثمّ أدلى لسانه في فيه وأمرَّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله، ثمّ قال: (تكلَّم يا ابني)، فقال: (أشهد أن لا إله إلَّا الله، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله)، ثمّ صلّى على أمير المؤمنين، وعلى الأئمّة إلى أن وقف على أبيه ثمّ أحجم، ثمّ قال أبو محمّد: (يا عمّة اذهبي به إلى أُمّه ليسلّم عليها وأتيني به)، فذهبت به فسلَّم ورددته ووضعته (عليه السلام) في المجلس، ثمّ قال: (يا عمّة إذا كان يوم السابع فأتنا).
قالت حكيمة: فلمَّا أصبحت وجئت لأسلّم على أبي محمّد وكشفت الستر لأتفقَّد سيّدي (عليه السلام) فلم أرَه، فقلت: جُعلت فداك ما فعل سيّدي؟
فقال: (يا عمّة قد استودعناه الذي استودعت أُمّ موسى (عليه السلام)).
قالت حكيمة: فلمَّا كان يوم السابع جئت وسلَّمت وجلست، فقال: (هلمّي إليَّ ابني)، فجئت بسيّدي وهو في الخرقة، ففعل به ما فعل في الأولى. ثمّ أدلى لسانه في فيه كأنَّما يغذيه لبناً أو عسلاً، ثمّ قال: (تكلَّم يا بني)، فقال (عليه السلام): (أشهد أن لا إله إلَّا الله)، وثنّى بالصلاة على محمّد وعلى أمير المؤمنين، وعلى الأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين حتَّى وقف على أبيه (عليه السلام)، ثمّ تلا هذه الآية: ((وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي
الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)(967)).
قال موسى: فسألت عقبة الخادم عن هذا، قال: صدقت حكيمة(968).
* قال محمّد بن عبد الله الطهوى: قصدت حكيمة بنت محمّد بعد مضي أبي محمّد (عليهم السلام) أسألها عن الحجّة، وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة التي هم فيها، فقالت لي: أجلس، فجلست، ثمّ قالت لي: يا أبا محمّد، إنَّ الله تعالى لا يخلي الأرض من حجّة ناطقة أو صامتة، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين تفضيلاً للحسن والحسين، وتنزيهاً لهما أن يكون في الأرض عديلهما، لأنَّ الله تبارك وتعالى خصَّ ولد الحسين بالفضل على ولد الحسن كما خصَّ ولد هارون على ولد موسى، وإن كان موسى حجّة على هارون فالفضل لولده إلى يوم القيامة، ولا بدَّ للأمّة من حيرة يرتاب فيها المبطلون، ويخلص فيها المحقّون لئلاَّ يكون للخلق على الله حجّة بعد الرسل، إنَّ الحيرة الآن لا بدَّ واقعة بعد مضي الحسن.
فقلت: يا مولاتي هل كان للحسن عقب؟
فتبسَّمت، ثمّ قالت: إذا لم يكن للحسن عقب فمن الحجّة من بعده؟ وقد أخبرتك أنَّه لا إمامة لأخوين بعد الحسن والحسين.
فقلت: يا سيدتي حدّثينى بولادة مولاي وغيبته (عليه السلام).
قالت: نعم، كانت لي جارية يقال لها: نرجس، فزارني ابن أخي، وأقبل يحدق إليها، فقلت له: يا سيّدي لعلَّك هويتها، فأرسلها إليك؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(967) القصص: 5 و6.
(968) انظر: كما ل الدين: 424/ باب 42/ ح 1.
فقال: (لا يا عمّة، ولكنّي أتعجب منها).
فقلت: وما أعجبك منها؟
فقال (عليه السلام): (سيخرج منها ولد كريم على الله (عزَّ وجلَّ) الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً) .
فقلت: فأرسلها إليك يا سيّدي؟
فقال: (استأذني في ذلك أبي).
قالت: فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن وجلست، فبدأني وقال لي: (يا حكيمة ابعثي بنرجس إلى ولدي أبي محمّد).
قالت: فقلت: يا سيّدي على هذا قصدتك أن استأذنك في ذلك.
فقال لي: (يا مباركة إنَّ الله تبارك وتعالى أحبَّ أن يشركك في الأجر ويجعل لك في الخير نصيباً).
قالت حكيمة: فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي فزينتها وهيَّأتها لأبي محمّد (عليه السلام) وجمعت بينه وبينها في منزلي، فأقام عندي أيّاماً ثمّ مضى إلى والده ووجَّهت بها معه.
قالت حكيمة: فمضى أبو الحسن وجلس أبو محمّد (عليهما السلام) مكان والده، فكنت أزوره كما كنت أزور والده، فجاءتني نرجس يوماً تخلع خفّي وقالت: يا مولاتي ناوليني خفّك.
فقلت: بل أنت سيّدتي ومولاتي، والله لا دفعت إليك خفّي لتخليعه، ولا خدمتني، بل أخدمك على بصري.
فسمع أبو محمّد (عليه السلام) ذلك فقال: (جزاك الله خيراً يا عمّة)، فجلست عنده إلى وقت غروب الشمس، فصحت بالجارية فقلت: ناوليني ثيابي لأنصرف.
فقال (عليه السلام): (يا عمّة بيتي الليلة عندنا، فإنَّه سيولد الليلة المولود الكريم على الله (عزَّ وجلَّ) الذي يحيي الله به الأرض بعد موتها).
قلت: فممَّن يا سيّدي ولست أرى بنرجس شيئاً من أثر الحبل؟
فقال: (من نرجس لا من غيرها).
قالت: فوثبت إليها فقلبتها ظهراً لبطن فلم أرَ بها أثر حبل، فعدّت إليه فأخبرته بما فعلت، فتبسَّم ثمّ قال لي: (إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل، لأنَّ مثلها مثل أُمّ موسى لم يظهر بها الحبل، ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها، لأنَّ فرعون كان يشقّ بطون الحبالى في طلب موسى، وهذا نظير موسى (عليه السلام)).
قالت حكيمة: فعدت إليها فأخبرتها بما قال وسألتها عن حالها.
فقالت: يا مولاتي ما أرى بي شيئاً من هذا.
قالت حكيمة: فلم أزل أرقبها إلى وقت طلوع الفجر وهي نائمة بين يدي ولا تقلب جنباً إلى جنب، حتَّى إذا كان في آخر الليل وقت طلوع الفجر وثبت فزعة، فضممتها إلى صدري وسمَّيت عليها، فصاح أبو محمّد (عليه السلام) وقال: (اقرئي: (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ))، فأقبلت أقرأ عليها وقلت لها: ما حالك؟
قالت: ظهر بي الأمر الذي أخبرك به أبو محمّد مولاي، فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ بمثل ما أقرأ وسلَّم عليَّ، قالت حكيمة: ففزعت لما سمعت، فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام): (لا تعجبين من أمر الله، إنَّ الله تعالى ينطقنا صغاراً بالحكمة ويجعلنا حجّة في أرضه كباراً).
فلم يستتم الكلام حتَّى غيّبت عنّي نرجس فلم أرَها كأنَّه ضرب
بيني وبينها حجاب، فعدوت نحو أبي محمّد (عليه السلام) وأنا صارخة، فقال لي: (ارجعي يا عمّة فإنَّك ستجدينها في مكانها).
قالت: فرجعت، فلم ألبث إلى أن كشف الغطاء الذي كان بيني وبينها، وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشى بصري، فإذا أنا بالصبي (عليه السلام) ساجداً لوجهه جاث على ركبتيه رافعاً سبابته نحو السماء وهو يقول: (أشهد أن لا إله إلَّا الله وأنَّ جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأنَّ أبي أمير المؤمنين)، ثمّ عدَّ إماماً إماماً إلى أن بلغ إلى نفسه، فقال: (اللهم أنجز لي وعدي، وأتمم لي أمري، وثبّت وطأتي، واملأ الأرض بي عدلاً وقسطاً).
فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام)، وقال: (يا عمّة تناوليه وهاتيه)، فتناولته وأتيت به نحوه، فلمَّا مثلت بين يدي أبيه وهو على يدي فسلَّم على أبيه، فتناوله الحسن (عليه السلام) منّي والطير يرفرف على رأسه ويناوله لسانه فيشرب منه، ثمّ قال: (امض به إلى أُمّه لترضعه وردّيه إليَّ).
قالت: فناولته أُمّه فأرضعته ورددته إلى أبي محمّد والطير يرفرف على رأسه، فصاح بطير منها فقال له: (احمله واحفظه ورده إلينا في كلّ أربعين يوماً)، فتناوله الطير وطار به في جو السماء وأتبعه سائر الطيور، فسمعت أبا محمّد يقول: (استودعك الذي أودعته أُمّ موسى)، فبكت نرجس.
فقال: (أسكتي، فإنَّ الرضاع محرَّم عليه إلَّا من ثديك، وسيعاد إليك كما ردَّ موسى إلى أُمّ موسى، وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ)(969)).
قالت حكيمة: قلت: فما هذا الطير؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(969) القصص: 13.
قال: (هذا روح القدس الموكّل بالأئمّة (عليهم السلام) يوفّقهم ويسدّدهم ويربيهم بالعلم).
قالت حكيمة: فلمَّا كان بعد أربعين يوماً ردّ الغلام، ووجَّه إليَّ ابن أخي فدعاني، فدخلت عليه فإذا أنا بصبي متحرّك يمشي بين يديه، فقلت: سيّدي هذا ابن سنتين! فتبسَّم (عليه السلام) ثمّ قال: (إنَّ أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمّة ينشؤن بخلاف ما ينشأ غيرهم، وإنَّ الصبي منّا إذا أتى عليه شهر كان كمن أتى عليه سنة، وإنَّ الصبي منّا ليتكلَّم في بطن أُمّه ويقرأ القرآن ويعبد الله تعالى عند الرضاع، وتطيف به الملائكة وينزل عليه بالسلام صباحاً ومساءً).
قالت حكيمة: فلم أزل أرى ذلك الصبي في كلّ أربعين يوماً إلى أن رأيته رجلاً قبل مضي أبي محمّد بأيّام قلائل فلم أعرفه، فقلت لابن أخي (عليه السلام): من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟
فقال لي: (هذا ابن نرجس، وهذا خليفتي من بعدي، وعن قليل تفقدونني فاسمعي وأطيعي).
قالت حكيمة: فمضى أبو محمّد بعد ذلك بأيّام قلائل، وافترق الناس كما ترى، ووالله إنّي لأراه صباحاً ومساءً لينبئني عن ما يسألونني عنه فأخبرهم، ووالله إنّي لا أريد أن أسأله من الشيء فيبدئني به وأنَّه ليرد عليَّ الأمر فيخرج إليَّ منه جوابه من ساعته من غير مساءلتي، وقد أخبرني البارحة بمجيئك إليَّ وأمرني أن أخبرك بالحقّ.
قال محمّد بن عبد الله: فوَالله لقد أخبرتني حكيمة بأشياء لم يطَّلع عليها أحد إلَّا الله (عزَّ وجلَّ)، فعلمت أنَّه صدق وعدل من الله تبارك وتعالى، وأنَّ الله قد أطلعها على ما لم يطلع عليها أحداً من خلقه(970).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(970) انظر: كمال الدين: 426/ باب 42/ ح 2.
* قال أبو جعفر العمري: لمَّا ولد السيّد (عليه السلام) قال أبو محمّد: (ابعثوا إلى أبي عمرو) فبعث إليه فصار إليه، فقال له: (اشتر أربعة آلاف رطل خبز وعشرة آلاف رطل لحم وفرّقه واحسبه(971)). قال علي بن هاشم: وعقَّ عنه بكذا وكذا شاة(972).
* (وروى) أنَّه لمَّا ولد السيّد (عليه السلام) رأيت له نوراً ساطعاً قد ظهر منه وبلغ أفق السماء، ورأيت طيوراً بيضاً تهبط من السماء وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده ثمّ تطير، فأخبرنا أبا محمّد بذلك، فضحك، ثمّ قال: (تلك ملائكة السماء نزلت للتبرّك بهذا المولود، وهي أنصاره إذا خرج)(973).
مجلس في ذكر إمامة صاحب الزمان ومناقبه (عليه السلام):
قال الله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)(974). وقال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)(975).
والإمام بعد أبي محمّد الحسن ابنه المهدي المنتظر (عليهما السلام) بدليل قد مضى، وأنَّه لا يخلو الزمان من كون معصوم يكون لطفاً للمكلَّفين على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(971) في كمال الدين: (أحسبه، قال: علي بن هاشم).
(972) انظر: كمال الدين: 430/ باب 42/ ح 6.
(973) انظر: كمال الدين: 431/ باب 42/ ح 7.
(974) القصص: 5 و6.
(975) الأنبياء: 105.
ما يقتضيه العقل بالاستدلال الصحيح؛ لأنّا علمنا أنَّ بكون المعصوم يكون الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد من الفساد، وإذا كان اللطف يجب على الله تعالى وجب أن لا يخلو الزمان من الإمام.
وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (لن تنقضي الأيّام والليالي حتَّى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جورا وظلماً)(976).
* وقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): (لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّى يبعث فيه رجلاً من ولدي يواطئ اسمه اسمي يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً).
* وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه: (آمنوا بليلة القدر فإنَّه ينزل فيه أمر السنة، وإنَّ لذلك ولاة من بعدي علي بن أبى طالب وأحد عشرة من ولده)(977).
* قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عبّاس: (إنَّ ليلة القدر في كلّ سنة، وأنَّه ينزل في تلك الليلة أمر السنة، ولذلك الأمر ولاة من بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)).
فقال ابن عبّاس: من هم؟
قال: (أنا وأحد عشر من صلبي أئمّة محدّثون)(978).
* قال أبو جعفر (عليه السلام): (إنَّ الله أرسل محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى الجنّ والإنس، وجعل من بعده اثني عشر وصيّاً، منهم من سبق ومنهم من بقي، وكلّ وصىّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(976) الإرشاد 2: 340.
(977) انظر: الإرشاد 2: 346.
(978) انظر: الكافي 1: 532/ ح 11، و247/ ح 2؛ الغيبة للنعماني: 60/ ح 3؛ الخصال: 479/ باب 11/ ح 47؛ كمال الدين: 304/ باب 27/ ح 19؛ كفاية الأثر: 220؛ الإرشاد 2: 346؛ الغيبة للطوسي: 141/ ح 106.
جرت به سُنّة، فالأوصياء من بعد محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) على سُنّة أوصياء عيسى وكانوا اثني عشر، وكان أمير المؤمنين على سُنّة المسيح (عليه السلام))(979).
* قال جابر: دخلت على فاطمة (عليها السلام) وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء والأئمّة من ولدها، فعددت اثني عشر اسماً آخرهم القائم، ثلاثة من ولد فاطمة منهم محمّد، وثلاثة منهم علي(980).
* قال مسروق: بينا نحن عند عبد الله بن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ يقول فتى شاب: هل عهد إليكم نبيّكم (عليه السلام) كم يكون من بعده خليفة؟ قال: إنَّك لحدث السنّ، وإنَّ هذا شيء ما سألني عنه أحد قبلك، نعم عهد إلينا نبيّنا صلوات الله عليه وآله أنَّه يكون من بعده اثنى عشر خليفة بعدد نقباء بنى إسرائيل(981).
* قال الشعبي: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (لا يزال أمر أمّتي ظاهراً حتَّى يمضى اثنى عشر خليفة كلّهم من قريش)(982).
* قال أبو هاشم الجعفري: قلت لأبي محمّد (عليه السلام): جلالتك تمنعني من مسائلتك، أفتأذن لي أن أسألك؟
فقال: (سل).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(979) انظر: تفسير أبي حمزة الثمالي: 132؛ الإمامة والتبصرة: 134/ ح 146؛ الكافي 1: 532/ ح 10؛ عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 59/ ح 21؛ الخصال: 478/ ح 43؛ كمال الدين: 220/ ضمن ح 1، و326/ ح 4؛ الإرشاد 2: 345؛ الغيبة للطوسي: 141؛ إعلام الورى 2: 105/ ح 166.
(980) انظر: الكافي 1: 532/ ح 9؛ الخصال: 477/ ح 42؛ الغيبة للطوسي: 139/ ح 103.
(981) انظر: عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 53/ ح 10؛ الخصال: 466/ ح 6؛ أمالي الصدوق: 385/ ح (495/4)؛ كمال الدين: 67 عند ردّه على الزيديّة، و270/ ح 16؛ كفاية الأثر: 23.
(982) انظر: الخصال: 475/ ح 37؛ أمالي الصدوق: 387/ ح (500/9)؛ كمال الدين: 273/ ح 24.
قلت: يا سيّدي هل لك ولد؟
قال: (نعم).
قلت: فإن حدث حدث فأين أسأل عنه؟
قال: (بالمدينة)(983).
* قال عمرو الأهوازي: أراني أبو محمّد ابنه وقال: (هذا صاحبكم بعدي)(984).
* قال داود بن القاسم الجعفري: سمعت أبا الحسن علي بن محمّد (عليه السلام) يقول: (الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف بعد الخلف؟).
قلت: ولِمَ جعلني الله فداك؟
قال: (لأنَّكم لا ترون شخصه ولا يحلُّ لكم ذكره باسمه).
قلت: فكيف نذكره؟
قال: (قولوا: الحجّة من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم))(985).
قال محمّد بن إسماعيل: وحكيمة بنت محمّد بن علي وهى عمّة الحسن (عليه السلام)، وأبو عمرو العمري، وأبو علي بن مطهر، وأبو عبد الله بن صالح، وإبراهيم بن إدريس، وجعفر بن علي، وأبو نصر طريف الخادم، كلّهم رأوا صاحب الزمان، وبعضهم ذكر صفته وقدّه (عليه السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(983) انظر: الكافي 1: 328/ ح 22؛ الإرشاد 2: 348؛ تقريب المعارف: 184؛ الغيبة للطوسي 232: ح 199؛ إعلام الورى 2: 251.
(984) انظر: الكافي 1: 328/ ح 3؛ شرح أصول الكافي 6: 227؛ الإرشاد 2: 348؛ الغيبة للطوسي: 234/ ح 203؛ تقريب المعارف: 184؛ إعلام الورى 2: 252.
(985) انظر: الكافي 1: 328/ ح 13، و332/ ح 1؛ الإمامة والتبصرة: 118/ باب 31/ ح 112؛ إثبات الوصيّة: 208؛ علل الشرائع 1: 245/ باب 179/ ح 5؛ كمال الدين: 381/ باب 37/ ح 5؛ الهداية الكبرى: 360؛ الإرشاد 2: 320 و349؛ الغيبة للطوسي: 202/ ح 169؛ إعلام الورى 2: 247.
[علامات الظهور]:
(وروى) علامات قبل قيامه (عليه السلام): منها خروج السفياني، وقتل الحسني، واختلاف بني العبّاس في ملك الدنياوي، وكسوف الشمس من نصف شهر رمضان وكسوف القمر في آخره على خلاف العادات، وخسف بالبيداء، وخسف بالمشرق، وركود الشمس من عند الزوال إلى أوساط أوقات العصر، وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكيّة بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام، وهدم حائط مسجد الكوفة، وإقبال الرايات السود من خراسان، وخروج اليماني، وظهور المغربي بمصر وتملّكه الشامات، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، وطلوع نجم بالمشرق يضيء كما يضيء القمر، ثمّ ينعطف حتَّى يكاد يلتقي طرفاه، وحمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها، ونار تظهر بالمشرق طولاً، وتبقى في الجوّ ثلاثة أيّام أو سبعة أيّام، وخلع العرب أعنَّتها وتملّكها البلاد، وخروجها على سلطان العجم، وقتل أهل مصر أميرهم، وخراب الشام، واختلاف ثلاث رايات فيه، ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر ورايات كندة إلى خراسان، وورود خيل من قبل المغرب حتَّى تربط بفناء الجزيرة، وإقبال رايات سود من المشرق ونحوها، وشقّ في الفرات حتَّى يدخل الماء في أزقّة الكوفة، وخروج ستّين كذّاباً كلّهم يدّعي النبوّة، وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلّهم يدّعي الإمامة لنفسه، وإحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العبّاس بين جلولاء وخانقين، وعقد الجسر ممَّا يلي الكرخ بمدينة بغداد، وارتفاع ريح سوداء بها في أوّل النهار، وزلزلة حتَّى
ينخسف كثير منها، وخوف يشمل أهل العراق، وموت ذريع فيه ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وجراد يظهر في أوانه وغير أوانه يأتي على الزرع والغلات، وقلّة ريع لما يزرعه الناس، واختلاف صنفين من العجم، وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعة ساداتهم وقتلهم مواليهم، ومسخ القوم من أهل البدع حتَّى يصيروا قردة وخنازير، وغلبة العبيد على بلاد السادات، ونداء يسمعه أهل الأرض كلّ أهل لغة بلغتهم، ووجه وصدر يظهران للناس في عين الشمس، وأموات ينشرون من القبور حتَّى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون، ثمّ يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتَّصل(986) فتحيى به الأرض من بعد موتها، ويعرف بركاتها ويزول بعد ذلك كلّ عاهة عن معتقدي الحقّ من شيعة المهدي (عليه السلام) فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكّة فيتوجَّهون نحوه لنصرته كما جاءت بذلك الأخبار.
ومن جملة هذه الأخبار محتومة ومنها مشترطة.
* قال الصادق (عليه السلام): (لا يخرج القائم إلَّا في وتر من السنين، سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع).
* وقال (عليه السلام): (ينادى باسم القائم في ليلة ثلاث وعشرين، ويقوم في يوم عاشورا وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي (عليهما السلام)، لكأنّي به في يوم السبت العاشر من المحرَّم قائماً بين الركن والمقام جبرئيل بين يديه ينادي: البيعة لله، فيصير إليه شيعته من أطراف الأرض، تطوى لهم الأرض حتَّى يبايعوه فيملأ الله به الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(986) في المصدر: (يتَّصل)، وما أثبتناه من المصادر.
* وقال أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (يدخل المهدي الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت، فيصطفّوا له ويدخل حتَّى يأتي المنبر، فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء، فإذا كانت الجمعة الثانية يسأله الناس أن يصلّي بهم الجمعة، فيأمر أن يخطّ له مسجد على الغري ويصلّي بهم هناك، ثمّ يأمر من يحفر من ظهر مشهد الحسين (عليه السلام) نهراً يجري إلى الغري حتَّى ينزل الماء في النجف ويعمل على فوهته القناطر والأرحاء، فكأنّي بالعجوز على رأسها مكتل فيه برّ تأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلا كرا).
* وقال (عليه السلام): (كأنّي بالقائم على نجف الكوفة، قد سار إليها من مكّة في خمسة آلاف من الملائكة جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره المؤمنون بين يديه وهو يفرق الجنود في البلاد).
* قال الصادق (عليه السلام): (يملك القائم سبع سنين، تطول له الأيّام والليالي، حتَّى يكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم فيكون سني ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه، وإذا آن قيامه مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيّام من رجب مطراً لم يرَ الخلائق مثله، فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم، وكأنّي أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون شعورهم من التراب).
* وقال (عليه السلام): (إنَّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنورها فاستغنى العباد عن ضوء الشمس فذهبت الظلمة، ويعمّر الرجل في ملكه حتَّى يولد له ألف ذكر لا يولد فيهم أنثى، وتظهر الأرض كنوزها حتَّى يراه الناس على وجهها، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ويأخذ زكاته ولا يجد أحداً يقبل منه ذلك استغناء الناس بما رزقهم الله من فضله).
* وقال أبو جعفر (عليه السلام) في حديث طويل: (إذا قام القائم سار إلى الكوفة فيهدم بها أربعة مساجد، ولم يبقَ على وجه الأرض مسجد له شرف إلَّا هدمها وجعلها جماً، ووسَّع الطريق الأعظم، وكسر كلّ جناح خارج في الطريق، وأبطل الكنف والميازيب إلى الطرقات، ولا يترك بدعة إلَّا أزالها، ولا سُنّة إلَّا أقامها، ويفتتح قسطنطينية والصين وجبال ديلم، فيمكث على ذلك سبع سنين مقدار كلّ سنة عشرين سنة من سنيكم هذه، ثمّ يفعل الله ما يشاء).
قيل له: جُعلت فداك فكيف يطول السنون؟
قال: (يأمر الله الفلك باللبوث وقلّة الحركة، فتطول الأيّام لذلك والسنون).
قال: قلت لهم: إنَّهم يقولون: إنَّ الفلك إن تغيَّر فسد.
قال: (ذلك قول الزنادقة، فأمَّا المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك، وقد شقَّ الله القمر لنبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) وردَّ الشمس من قبله ليوشع بن نون، وأخبر بطول يوم القيامة وقال: (كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)(987)).
* وقال الصادق (عليه السلام): (إذا قام القائم (عليه السلام) دعا الناس إلى الإسلام جديداً وهداهم إلى أمر قد دثر وضلَّ عنه الجمهور، وإنَّما سمّي المهدي مهدياً لأنَّه يهدي إلى أمر مضلول عنه، وسمّي القائم لقيامه بالحقّ).
* وقال (عليه السلام): (إذا أذن الله تعالى للقائم في الخروج صعد المنبر ودعا الناس إلى نفسه وناشدهم بالله ودعاهم إلى حقّه وأن يسير فيهم بسيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ويعمل فيهم بعلمه، فيبعث الله جبرئيل (عليه السلام) حتَّى يأتيه فينزل على الحطيم ثمّ يقول له: إلى أيّ شيء تدعو؟ فيخبره القائم، فيقول جبرئيل: أنا أوّل من يبايعك، فيمسح يده على يده وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر إلى المدينة).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(987) الحج: 47.
* وقال (عليه السلام): (إذا قام القائم من آل محمّد (عليهم السلام) أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثمّ أقام خمسمائة فضرب أعناقهم، ثمّ خمسمائة مرّة أخرى حتَّى يفعل ذلك ستّ مرات).
قلت: أوَ يبلغ عدد هؤلاء هذا؟
قال: (نعم، منهم ومن مواليهم).
* وقال (عليه السلام): (إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتَّى يرده إلى أساسه، وحوَّل المقام إلى الموضع الذي كان فيه، وقطع أيدي بني شيبة وعلَّقها بالكعبة وقال: هؤلاء سرّاق الكعبة).
* وقال الباقر (عليه السلام) في حديث طويل: (إذا قام القائم سار إلى الكوفة فيخرج منها بضعة عشر ألف يدعون التبرئة(988) عليهم السلاح، فيقولون له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتَّى يأتي على آخرهم، ثمّ يدخل الكوفة فيقتل بها كلّ منافق مرتاب، ويهدم قصرها ويقتل مقاتليها حتَّى يرضى الله (عزَّ وجلَّ)).
* (وروى) علي بن عقبة، عن أبيه، قال: إذا قام القائم حكم بالعدل، وارتفع في أيّامه الجور، وآمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها، وردَّ كلّ حقّ إلى أهله، ولم يبقَ أهل دين حتَّى يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان، أمَا سمعت الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً)(989) وحكم في الناس بحكم داود وحكم محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) فحينئذٍ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها فلا يجد الرجل منكم يومئذٍ موضعاً لصدقته ولا لبرّه لشمول الغنا جميع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(988) هكذا في النسخة المطبوعة، ولعلَّ الصحيح: (البترية).
(989) آل عمران: 83 .
المؤمنين)، ثمّ قال: (إنَّ دولتنا آخر الدول ولم يبقَ أهل بيت لهم دولة إلَّا ملكوا قبلنا لئلاَّ يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(990)).
* وقال أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (إذا قام القائم من آل محمّد ضرب فساطيط لمن يعلم الناس القرآن على ما أنزله الله (عزَّ وجلَّ) فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم لأنَّه يخالف فيه التأليف).
* وقال الصادق (عليه السلام): (يخرج القائم من ظهر الكعبة مع سبعة وعشرين رجلاً: خمسة عشر من قوم موسى (عليه السلام) الذين كانوا يهدون بالحقّ وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون وسلمان وأبو دجانة الأنصاري، والمقداد ومالك الأشتر فيكونون بين يديه أنصاراً أو حكّاماً).
* وقال (عليه السلام): (إذا قام قائم آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) حكم بين الناس بحكم داود لا يحتاج إلى بيّنة يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه، ويخبر كلّ قوم ما استبطنوه ويعرف وليّه من عدوّه بالتوسّم، قال الله تعالى: (إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ)(991).
* وقد روي أنَّه لم يمضي(992) مهدي الأمّة إلَّا قبل القيامة بأربعين يوماً يكون فيه الهرج وعلامات خروج الأموات وقيام الساعة للحساب والجزاء، والعلم عند الله.
* قال أبو جعفر (عليه السلام): (سأل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين فقال: أخبرني عن المهدي ما اسمه؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(990) الأعراف: 128؛ القصص: 83 .
(991) الحجر: 7 و76.
(992) في النسخة المطبوعة: (لم يمض)، وما أثبتناه من المصادر.
قال له: أمَّا اسمه فإنَّ حبيبي قد عهد إليَّ ألَّا أحدّث به حتَّى يبعثه الله (عزَّ وجلَّ)، قال: فأخبرني عن صفته؟
قال: هو شاب مربوع، حسن الوجه، حسن الشعر، يسيل شعره على منكبه، ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه، بأبي ابن خيرة الإماء).
وكان مولده (عليه السلام) يوم الجمعة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومئتين، وكان سنّه عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه الله الحكمة، وفصل الخطاب، وجعله آية للعالمين، وآتاه الحكمة كما آتاها يحيى صبياً، وجعله إماماً في حال الطفولية الظاهرة كما جعل عيسى بن مريم في المهد نبيّاً (عليهما السلام)، ويقال لأُمّه: ريحانة، ويقال لها: نرجس، ويقال: صيقل، ويقال: سوسن.
(وروي) أنَّه ولد يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومئتين قبل وفاة أبيه بسنتين وسبعة أشهر، والأوّل هو المعتمد.
وبابه عثمان بن سعيد، فلمَّا مات عثمان أوصى إلى ابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمّد السمري، فلمَّا حضرت السمري الوفاة، سأل أن يوصي، فقال: إنَّ الله بالغ أمره، وقد انتظر (عليه السلام) لدولة الحقّ، وكان قد أخفى مولده، وستر أمره لصعوبة الوقت وشدّة طلب سلطان الزمان إيّاه واجتهاده في البحث عن أمره، فلمَّا شاع من مذهب الشيعة الإماميّة فيه وعرف من انتظارهم له فلم يظهر والده(993) في حياته (عليه السلام)، ولا عرَّفه الجمهور بعد وفاته، وتولّى جعفر بن علي أخو أبي محمّد (عليه السلام) أخذ تركته، وسعى في حبس جواري أبي محمّد (عليه السلام) واعتقاله حلائله، وشنع على أصحابه بانتظارهم ولده،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(993) هكذا في النسخة المطبوعة، ولعلَّ الصحيح: (لم يظهره).
وقطعهم بوجوده والقول بإمامته، وأغرى بالقوم حتَّى أخافهم وشرَّدهم، وجرى على مخلفي أبي محمّد (عليه السلام) بسبب ذلك عظيم من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذلّ، ولم يظفر السلطان منهم بطائل، وحاز جعفر ظاهر تركة أبي محمّد، واجتهد في القيام عند الشيعة مقام أخيه فلم يقبل أحد منهم ذلك ولا اعتقد فيه، فصار إلى سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه وبذل مالاً جليلاً وتقرَّب بكلّ ما ظنَّ أنَّه يتقرَّب به فلن ينتفع بشيء من ذلك، وقد أوردنا طرفاً من الأخبار ويسيراً من الآثار في مناقب الأئمّة الأبرار، وما يتعلَّق بها وتاريخ ولادتهم وأسماء أُمّهاتهم، وما أشبه ذلك، ومن أراد أكثر من ذلك فليلتمس من الكتب المصنَّفة والزبر المدوَّنة وجده هناك إن شاء الله.
* (وروي) أنَّ الصادق (عليه السلام) كثيراً ما يقول:
لكلّ أُناس دولة يرقبونها * * * ودولتنا في آخر الدهر تظهر
* وقال السيّد الحميري:
وما به من دان يوم الدهر دنت به * * * وشاركت كفّه كفّي بصفينا(994)
في سفك ما سفكت فيه إذا حضروا * * * وأبرز الله للقسط الموازينا
تلك الدماء معا يا ربّ في عنقي * * * ثمّ اسقني مثلها آمين آمينا
آمين من مثلهم في مثل حالهم * * * في عصبة هاجروا لله شارينا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(994) في المناقب لابن شهرآشوب وغيره من المصادر:
إنّي أُدين بما دان الوصيّ به * * * يوم الخريبة من قتل المحلينا
وما به دان يوم النهر دنت به * * * وبايعت كفّه كفّي بصفينا
في سفك ما سفكت فيها إذا حضروا * * * .............................
مع اختلافات أخرى في الألفاظ... فليلاحظ.
في عصبة حول مهدي يسير بهم * * * من بطن مكّة ركبانا وماشينا
ليسوا يريدون إلَّا الله ربّهم * * * نعم المراد توخّاه المريدونا
حتَّى يلاقوا بني حرب بجمعهم * * * فيضربوا الهام منهم والعرانينا
هناك ربّي ما أعطاك من شرف * * * منه أبا حسن خير الوصيينا
وزادك الله أضعافاً مضاعفة * * * حتَّى ينيلك ما نال النبيينا
فالله يشهد لي أنّي أُحبّهم * * * حبّاً أدين به فيكم له دينا
لا أبتغي بدلاً من معشر بكم * * * حتَّى أُغيّب في الأكفان مدفونا
* وقال دعبل بن علي الخزاعي:
فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد * * * تقطع قلبي أثرهم قطعاتِ
خروج إمام لا محالة خارج * * * يقوم على اسم الله والبركاتِ
يبيّن فينا كلّ حقّ وباطل * * * ويجزي على الإحسان والنعماتِ
ويلعن فذ الناس في الناس كلّهم * * * إذا ما دعا(995) ذاك ابن هن وهناتِ
فيا نفس طيبي ثمّ يا نفس فابشري * * * فغير بعيد كلّ ما هو آتِ
ولا تجزعي من مدّة الجور إنَّني * * * كأنّي بها قد آذنت بشتاتِ
فإن قرَّب الرحمن من تلك مدّتي * * * وأخَّر في عمري ووقت وفاتِ
شفيت ولم أترك لنفسي ريبة * * * ورويت منهم منصلي وقناتي
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(995) كذا، وفي بعض المصادر: (إذا ما ادّعى).
تأليف: أمين الإسلام الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي المتوفى سنة 548 هـ
تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث
ذكر القسم الثاني من الركن الرابع (996)
وهو الكلام في إمامة صاحب الزمان الثاني عشر من الأئمّة، ابن الحسن بن علي بن محمّد بن الرضا (عليهم السلام)، وتاريخ مولده، ودلائل إمامته، وذكر طرف من أخباره، وغيبته، وعلامات وقت قيامه ومدّة دولته، ووصفه، وسيرته.
ويشتمل على خمسة أبواب:
الباب الأوّل منه
في ذكر اسمه وكنيته ولقبه، ومولده ووقت ولادته، واسم أُمّه
ومن شاهده أو رآه
فيه ثلاثة فصول:
الفصل الأوّل: في ذكر اسمه، وكنيته، ولقبه (عليه السلام):
وهو المسمّى باسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، المكنّى بكنيته.
وقد جاء في الأخبار: أنَّه لا يحلّ لأحد أن يسمّيه باسمه، ولا أن يكنّيه بكنيته إلى أن يزيّن الله تعالى الأرض (بظهوره وظهور(997)) دولته(998).
ويلقَّب (عليه السلام): بالحجّة، والقائم، والمهدي، والخلف الصالح، وصاحب الزمان، والصاحب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(996) إعلام الورى 2: 211 - 221.
(997) في نسختي (ط) و(ق): (بظهرر)، وما أثبتناه فمن نسخة (م).
(998) انظر: الكافي 1: 264/ 13، و268/ 1 - 4؛ كمال الدين: 648/ 1 - 4.
وكانت الشيعة في غيبته الأولى تعبّر عنه وعن غيبته بالناحية المقدَّسة، وكان ذلك رمزاً بين الشيعة يعرفونه به، وكانوا يقولون أيضاً على سبيل الرمز والتقيّة: الغريم - يعنونه (عليه السلام) - وصاحب الأمر.
الفصل الثاني: في ذكر مولده (عليه السلام) واسم أُمّه:
ولد (عليه السلام) بسُرَّ من رأى ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين من الهجرة، روى ذلك محمّد بن يعقوب الكليني، عن علي بن محمّد(999).
وكان سنّه عند وفاة أبيه (عليه السلام) خمس سنين، آتاه الله سبحانه الحكم صبيّاً كما آتاه يحيى، وجعله في حال الطفولية إماماً كما جعل عيسى (عليه السلام) نبيّاً في المهد صبيّاً.
* فمن الأخبار التي جاءت في ميلاده (عليه السلام): ما رواه الشيخ أبو جعفر بن بابويه، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن الحسين بن رزق الله، عن موسى بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: حدَّثتني حكيمة بنت محمّد بن علي الرضا (عليهما السلام) قالت:
بعث إلي أبو محمّد الحسن بن علي (عليهما السلام) فقال: (يا عمّة، اجعلي إفطارك الليلة عندنا، فإنَّها ليلة النصف من شعبان، فإنَّ الله تعالى سيظهر في هذه الليلة الحجّة وهو حجّته في أرضه).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(999) أورد الكليني (رحمه الله) في الكافي 1: 431 باباً أسماه بمولد الصاحب (عليه السلام)، ذكر في صدره: ولد (عليه السلام) للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ثمّ أورد جملة مختلفة من الروايات مختلفة التواريخ، إلَّا أنّا لم نعثر على الرواية المذكورة أعلاه، والمروية عن علي بن محمّد، ولعلَّه من سهو القلم، أو اشتباهات النسّاخ، والله تعالى هو العالم.
قال: فقلت له: ومن أُمّه؟
قال: (نرجس).
قلت له: جعلني الله فداك، ما بها أثر!
فقال: (هو ما أقول لك).
قالت: فجئت فلمَّا سلَّمت وجلست جاءت تنزع خفّي وقالت لي: يا سيّدتي كيف أمسيت؟
فقلت: بل أنت سيّدتي وسيّدة أهلي.
قالت: فأنكرت قولي، وقالت: ما هذا؟!
فقلت لها: يا ابنيّة، إنَّ الله تبارك وتعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيّداً في الدنيا والآخرة.
قالت: فخجلت واستحيت، فلمَّا أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت وأخذت مضجعي، فرقدت، فلمَّا أن كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة، ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث، ثمّ جلست معقّبة، ثمّ اضطجعت، ثمّ انتبهت فزعة وهي راقدة، ثمّ قامت فصلَّت ونامت.
قالت حكيمة: وخرجت أتفقَّد الفجر، فإذا أنا بالفجر الأوّل كذنب السرحان وهي نائمة، قالت حكيمة: فدخلتني الشكوك فصاح بي أبو محمّد من المجلس فقال: (لا تعجلي يا عمّة، فهاك الأمر قد قرب).
قالت: فجلست فقرأت (الم السجدة) و(يس)، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة فوثبت إليها فقلت: اسم الله عليك، ثمّ قلت لها: هل تحسّين شيئاً؟
قالت: نعم.
فقلت لها: اجمعي نفسك، واجمعي قلبك، فهو ما قلت لك.
قالت حكيمة: ثمّ أخذتني فترة وأخذتها فترة، فانتبهت بحسّ سيّدي، فكشفت الثوب عنه فإذا به (عليه السلام) ساجداً يتلقّى الأرض بمساجده، فضممته إليَّ فإذا أنا به نظيف منظَّف، فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام): (هلمّي إليَّ ابني يا عمّة).
فجئت به إليه، فوضع يديه تحت إليتيه وظهره، ووضع قدميه على صدره، ثمّ أدلى لسانه في فيه، وأمرَّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله ثمّ قال: (تكلَّم يا ابني).
فقال: (أشهد أن لا إله إلَّا الله وأشهد أنَّ محمّداً رسول الله) ثمّ صلّى على أمير المؤمنين وعلى الأئمّة (عليهم السلام) إلى أن وقف على أبيه ثمّ أحجم.
ثمّ قال أبو محمّد (عليه السلام): (يا عمّة اذهبي به إلى أُمّه ليسلّم عليها، وائتني به).
فذهبت به فسلَّم ورددته ووضعته في المجلس، ثمّ قال (عليه السلام): (يا عمّة إذا كان يوم السابع فائتينا).
قالت حكيمة: فلمَّا أصبحت جئت لأُسلّم على أبي محمّد (عليه السلام) وكشفت الستر لأتفقَّد سيّدي فلم أرَه، فقلت له: جُعلت فداك ما فعل سيّدي؟
قال: (يا عمّة استودعناه الذي استودعت أُمّ موسى موسى).
قالت حكيمة: فلمَّا كان يوم السابع جئت وسلَّمت وجلست، فقال: (هلمّي إليَّ ابني) فجئت بسيّدي (عليه السلام) وهو في الخرقة، ففعل به كفعلته الأولى، ثمّ أدلى لسانه في فيه كأنَّما يغذيه لبناً أو عسلاً ثمّ قال: (تكلَّم يا ابني).
فقال (عليه السلام): (أشهد أن لا إله إلَّا الله)، وثنى بالصلاة على محمّد وعلى أمير المؤمنين (عليهما السلام) وعلى الأئمّة حتَّى وقف على أبيه (عليهم السلام)، ثمّ تلا هذه الآية: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً
وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)(1000). قال موسى: فسألت عقبة الخادم عن هذا فقال: صدقت حكيمة(1001).
* وروى الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (رحمه الله)، قال: أخبرنا أبو الحسن محمّد بن أحمد بن الحسن بن شاذان القمي، قال: حدَّثني أبو عبد الله الحسن بن يعقوب، قال: حدَّثنا محمّد بن يحيى العطّار، قال: حدَّثنا الحسين بن علي النيسابوري، قال: حدَّثني إبراهيم بن محمّد بن عبد الله بن موسى بن جعفر (عن السياري)(1002)، قال: حدَّثني نسيم خادم الحسن بن علي ومارية قالا:
لمَّا سقط صاحب الزمان (عليه السلام) من بطن أُمّه سقط جاثياً على ركبتيه رافعاً سبابتيه إلى السماء، ثمّ عطس فقال: (الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله، زعمت الظلمة أنَّ حجّة الله داحضة، ولو أذن لنا في الكلام لزال الشكّ)(1003).
* قال إبراهيم بن محمّد: وحدَّثني نسيم الخادم، قال: قال لي صاحب الزمان - وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة فعطست - فقال: (يرحمك الله).
قال نسيم: ففرحت بذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1000) القصص: 5 و6.
(1001) كمال الدين: 424/ ح 1.
(1002) أثبتناه من الغيبة للطوسي.
(1003) الغيبة للطوسي: 244/ ح 211؛ وكذا في: كمال الدين: 430/ ح 5، الهداية الكبرى: 357؛ إثبات الوصيّة: 221؛ الخرائج والجرائح 1: 457/ ح 2 .
فقال: (ألا أبشرك بالعطاس؟).
فقلت: بلى.
فقال: (هو أمان من الموت ثلاثة أيّام)(1004).
الفصل الثالث: في ذكر من رآه (عليه السلام):
* محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر - وكان أسنّ شيخ من ولد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالعراق - قال: رأيت ابن الحسن بن علي بن محمّد بين المسجدين وهو غلام(1005).
* وعنه، عن محمّد بن يحيى، عن الحسن بن علي النيسابوري، عن إبراهيم بن محمّد، عن أبي نصر ظريف الخادم أنَّه رآه (عليه السلام)(1006).
* وعنه، عن محمّد بن عبد الله، ومحمّد بن يحيى جميعاً، عن عبد الله ابن جعفر الحميرى، قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو (رضي الله عنه) أحمد ابن إسحاق، فغمزني أحمد بن إسحاق أن أساله عن الخلف، فقلت له: يا أبا عمرو، إنّي أريد أن أسالك عن شيء، وما أنا بشاكّ فيما أريد أن أسالك عنه، فإنَّ اعتقادي وديني أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة إلَّا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً فإذا كان ذلك رفعت الحجّة، وأغلق باب التوبة، فلم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، فأولئك شرار خلق الله، ولكنّي أحببت أن أزداد يقيناً، فإنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1004) الغيبة للطوسي: 232/ ح 200؛ وكذا في: كمال الدين: 430/ ذيل الحديث 5، و441/ ح 11؛ الهداية الكبرى: 358؛ إثبات الوصيّة: 221؛ الخرائج والجرائح 1: 465/ ح 11، و2: 693/ ح 7 .
(1005) الكافي 1: 266/ ح 2؛ وكذا في: الإرشاد: 251؛ الغيبة للطوسي: 268/ ح 230.
(1006) الكافي 1: 267/ ح 13؛ وكذا في: الإرشاد 2: 354.
إبراهيم (عليه السلام) سأل ربّه أن يريه كيف يحيي الموتى فقال: (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)(1007) وقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته وقلت: من أعامل، وعمَّن آخذ، وقول من أقبل؟
فقال له: (العمري ثقتي، فما أدّى إليك فعنّي يؤدّي، وما قال لك فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنَّه الثقة المأمون).
وأخبرني أبو علي: أنَّه سأل أبا محمّد (عليه السلام) عن مثل ذلك فقال له: (العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك فعنّي يؤدّيان، وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنَّهما الثقتان المأمونان) فهذا قول إمامين (عليهما السلام) فيك.
قال: فخرَّ أبو عمرو ساجداً وبكى ثمّ قال: سل.
فقلت: رأيت ابن أبي محمّد (عليه السلام)؟
فقال: إي والله، ورقبته مثل ذا، وأوما بيده إلى عنقه.
فقلت له: قد بقيت واحدة.
فقال لي: هات.
قلت: الاسم؟
قال: محرَّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أُحلّل ولا أُحرّم، ولكن عنه (عليه السلام)، وإنَّ الأمر عند السلطان في أمر أبي محمّد (عليه السلام) أنَّه مضى ولم يخلّف ولداً، وقسّم ميراثه، وأخذه من لا حقّ له فيه، وصبر على ذلك، وهو ذا عياله يجولون، وليس أحد يجسر أن يتعرَّف إليهم أو ينيلهم شيئاً، وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك(1008).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* وعنه، عن علي بن محمّد، عن محمّد بن شاذان بن نعيم، عن خادمة لإبراهيم بن عبدة النيسابوري - وكانت من الصالحات - أنَّها قالت: كنت واقفة مع إبراهيم على الصفا، فجاء صاحب الأمر حتَّى وقف معه، وقبض على كتاب مناسكه وحدَّثه بأشياء(1009).
* وعنه، عن علي بن محمّد، عن أبي علي أحمد بن إبراهيم بن إدريس، عن أبيه، قال: رأيته (عليه السلام) بعد مضي أبي محمّد (عليه السلام) حين أيفع، وقبَّلت يده ورأسه(1010).
* وعنه، عن علي بن محمّد، عن أبي عبد الله بن صالح، وأحمد بن النضر، عن القنبري - رجل من ولد قنبر الكبير مولى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) - قال: جرى حديث جعفر بن علي فذمّه، فقلت: فليس غيره؟
فذكر الحجّة (عليه السلام)، فقلت: فهل رأيته؟
قال: قد رآه جعفر مرَّتين(1011).
* وعنه(1012) عن علي بن الحسين بن الفرج المؤدَّب، عن محمّد بن الحسن الكرخي، قال: سمعت أبا هارون - رجلاً من أصحابنا - يقول: رأيت صاحب الزمان ووجهه كأنَّه القمر ليلة البدر، ورأيت على سرَّته شعراً يجري كالخطّة، وكشفت الثوب عنه فوجدته مختوناً، فسألت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1009) الكافي 1: 266/ ح 6؛ وكذا في: الإرشاد 2: 352؛ الغيبة للطوسي: 268/ ح 231.
(1010) الكافي 1: 267/ ح 8؛ وكذا في: الإرشاد 2: 353؛ الغيبة للطوسي: 268/ ح 232.
(1011) الكافي 1: 267/ ح 9، وكذا في: الإرشاد 2: 353؛ الغيبة للطوسي: 248/ ح 217.
(1012) كذا وهو غير صواب، لأنَّ الرواية لا تعود إلى الكافي، بل هي مرويّة في كمال الدين، وبسند الشيخ الصدوق (رحمه الله)، كما أنَّها لم ترد في متن نسخة (ط) بل في هامشها. ولعلَّها إضافة من النسّاخ، والله تعالى هو العالم.
مولانا الحسن بن علي، عن ذلك، فقال: (هكذا ولد وهكذا ولدنا، ولكنّا سنمرّ الموسى لإصابة السُنّة)(1013).
ولو ذكرنا جميع أسماء من رآه (عليه السلام) لطال الكتاب واتَّسع الخطاب، وسيأتي ذكر بعضهم فيما يأتي من الكتاب، وفيما أوردناه هنا كفاية في الغرض الذي نحوناه.
الباب الثاني: في ذكر النصوص الدالّة على إمامته (عليه السلام) من آبائه (عليهم السلام) سوى ما تقدَّم من ذكره في جملة الاثني عشر (1014)
فيه ثلاثة فصول:
الفصل الأوّل: في ذكر إثبات النصّ على إمامته (عليه السلام) من طريق الاعتبار:
إذا ثبت بالدليل العقلي وجوب الإمامة، واستحالة أن يخلي الحكيم سبحانه عباده المكلَّفين وقتاً من الأوقات من وجود إمام معصوم من القبائح، كامل غني عن رعاياه في العلوم، ليكونوا بوجوده أقرب إلى الصلاح وأبعد من الفساد، وثبت وجوب النصّ على من هذه صفته من الأنام، أو ظهور المعجز الدالّ عليه المميّز له عمَّن سواه، وعدم هذه الصفات من كلّ أحد بعد وفاة أبي محمّد الحسن بن علي العسكري ممَّن ادَّعيت الإمامة له في تلك الحال، سوى من أثبت إمامته أصحابه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1013) كمال الدين: 434/ ح 1.
(1014) إعلام الورى 2: 224 - 253.
عليه السلام من ولده، القائم مقامه، ثبتت إمامته (عليه السلام)، وإلَّا أدّى إلى خروج الحقّ عن أقوال الأمّة.
وهذا أصل لا يحتاج معه في الإمامة إلى رواية النصوص، وتعداد ما جاء فيها من الروايات والأخبار، لقيامه بنفسه في قضيّة العقل، وثبوته بصحيح الاعتبار، على أنَّه قد سبق النصّ عليه من النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) ثمّ من أمير المؤمنين (عليه السلام) ثمّ من الأئمّة (عليهم السلام) واحداً بعد واحد إلى أبيه (عليه السلام)، وإخبارهم (عليهم السلام) بغيبته قبل وجوده، وبدولته بعد غيبته.
ونحن نذكر ذلك في الفصل الذي يلي هذا الفصل ثمّ نذكر بعد ذلك الأخبار الواردة في أنَّه نصَّ عليه أبوه (عليه السلام) عند خواصّه وثقاته وشيعته، وأشار إليه بالإمامة من بعده استظهارا في الحجّة، وتثبيتاً على المحجّة.
الفصل الثاني: في ذكر الأخبار الواردة عن آبائه (عليهم السلام) في ذلك:
سوى ما ذكرناه فيما تقدَّم من الكتاب، حذفنا أسانيدها تحرّياً للاختصار، فمن أرادها فليطلبها في كتاب كمال الدين للشيخ أبي جعفر بن بابويه قدَّس الله روحه.
فممَّا جاء عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) في ذلك:
* ما رواه جابر بن يزيد الجعفي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم):
(المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلُقاً، تكون له غيبة وحيرة تضلّ فيها الأمم، ثمّ يقبل كالشهاب الثاقب يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(1015).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1015) كمال الدين: 286/ ح 1.
* وروى أبو بصير، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم):
(المهدي من ولدي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلُقاً، تكون له غيبة وحيرة حتَّى يضلّ الخلق عن أديانهم، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً)(1016).
* وروى محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن أبيه، عن أبي جعفر الباقر، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم):
(المهدي من ولدي، تكون له غيبة وحيرة تضلّ فيها الأمم، يأتي بذخيرة الأنبياء، فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(1017).
* وروى ثابت بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم):
(إنَّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) إمام أمّتي، وخليفتي عليها بعدي، ومن ولده القائم المنتظر الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحقّ بشيراً، إنَّ الثابتين على القول في زمان غيبته لأعزّ من الكبريت الأحمر).
فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله، وللقائم من ولدك غيبة؟
قال: (إي وربّي، ليمحص الذين آمنوا ويمحق الكافرين، يا جابر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إنَّ هذا الأمر من أمر الله (عزَّ وجلَّ)، وسرّ من سرّ الله، علَّته مطويّة عن عباد الله، فإيّاك والشكّ، فإنَّ الشكّ في أمر الله (عزَّ وجلَّ) كفر)(1018).
* وروى هشام بن سالم، عن الصادق، عن أبيه، عن جدّه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم):
(القائم من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، وشمائله شمائلي، وسُنّته سُنّتي، يقيم الناس على ملّتي وشريعتي ويدعوهم إلى كتاب ربّي، من أطاعه أطاعني ومن عصاه عصاني، ومن أنكر غيبته فقد أنكرني، ومن كذَّبه فقد كذَّبني، ومن صدَّقه فقد صدَّقني، إلى الله أشكو المكذّبين لي في أمره، والجاحدين لقولي في شأنه، والمضلّين لأمّتي عن طريقته (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(1019))(1020).
وممَّا جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك:
* ما رواه الحارث بن المغيرة النصري، عن الأصبغ بن نباتة، قال: أتيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فوجدته متفكّراً ينكت في الأرض، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما لي أراك متفكّراً تنكت في الأرض، أرغبة فيها؟
فقال: (لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قطّ، ولكنّي فكَّرت في مولود يكون من ظهري، الحادي عشر من ولدي، هو المهدي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، تكون له حيرة وغيبة، يضلّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون).
فقلت: يا أمير المؤمنين، وإنَّ هذا لكائن؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1018) كمال الدين: 287/ ح 7.
(1019) الشعراء: 227.
(1020) كمال الدين: 411/ ح 6.
قال: (نعم كما أنَّه مخلوق، وأنّى لك العلم بهذا الأمر يا أصبغ؟ أولئك خيار هذه الأمّة مع أبرار هذه العترة).
قلت: وما يكون بعد ذلك؟
قال: (ثمّ يفعل الله ما يشاء، وإنَّ له إرادات وغايات ونهايات)(1021).
* ومن كلامه المشهور لكميل بن زياد: (اللهم إنَّك لا تخلي الأرض من قائم بحجّة، إمَّا ظاهر مشهور، أو خائف مغمور، لئلاَّ تبطل حججك وبيّناتك)(1022).
* وروى سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه ذكر القائم فقال:
(أما ليغيبنَّ حتَّى يقول الجاهل: ما لله في آل محمّد حاجة)(1023).
* وروى عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن أبي جعفر الثاني، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)، قال: (للقائم منّا غيبة أمدها طويل، كأنّي بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته، يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقس قلبه لطول مدّة غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة)(1024).
وقال (عليه السلام): (إنَّ القائم منّا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة، فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه)(1025).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1021) كمال الدين: 288/ ح 1.
(1022) كمال الدين: 291/ ح 10.
(1023) كمال الدين: 302/ ح 9.
(1024) كمال الدين: 303/ ذيل الحديث 14.
(1025) المصدر السابق.
* وروى علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن الحسين ابن خالد، عن الرضا (عليه السلام)، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) أنَّه قال: (التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحقّ، والمظهر للدين، والباسط للعدل).
قال الحسين (عليه السلام): (فقلت له: وإنَّ ذلك لكائن؟).
فقال: (إي والذي بعث محمّداً بالنبوّة، واصطفاه على جميع البريّة، ولكن بعد غيبة وحيرة لا يثبت فيهما على دينه إلَّا المخلصون، المباشرون لروح اليقين، الذين أخذ الله ميثاقهم بولايتنا، وكتب في قلوبهم الإيمان، وأيَّدهم بروح منه)(1026).
وممَّا جاء فيه عن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام):
* ما رواه حنان بن سدير، عن أبيه سدير بن حكيم بن صهيب الصيرفي، عن أبيه، عن أبي سعيد عقيصا، قال: لمَّا صالح الحسن بن علي (عليهما السلام) معاوية دخل عليه الناس، فلامه بعضهم على بيعته، فقال (عليه السلام):
(ويحكم، ما تدرون ما عملت، والله للذي عملت خير لشيعتي ممَّا طلعت عليه الشمس أو غربت، ألا تعلمون أنّي إمامكم، ومفترض الطاعة عليكم، وأحد سيّدي شباب أهل الجنّة بنصّ من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) عليَّ؟).
قالوا: بلى.
قال: (أمَا علمتم أنَّ الخضر لمَّا خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار كان ذلك سخطاً لموسى (عليه السلام)، إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك، وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمة وصواباً؟
أمَا علمتم أنَّه ما منّا أحد إلَّا وتقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلَّا القائم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1026) كمال الدين: 304/ ح 16.
الذي يصلّي روح الله عيسى بن مريم خلفه، فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يخفي ولادته، ويغيب شخصه، لئلاَّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين، ابن سيّدة الإماء، يطيل الله عمره في غيبته، ثمّ يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أنَّ الله على كلّ شيء قدير)(1027).
وممَّا جاء عن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام):
* ما رواه محمّد بن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه (عليهم السلام)، قال: قال الحسين (عليه السلام):
(في التاسع من ولدي سُنّة من يوسف، وسُنّة من موسى بن عمران، وهو قائمنا أهل البيت، يصلح الله تعالى أمره في ليلة واحدة)(1028).
* وروى جعيد الهمداني(1029)، عنه (عليه السلام)، قال:
(قائم هذه الأمّة هو التاسع من ولدي، وهو صاحب الغيبة، وهو الذي يقسّم ميراثه وهو حيّ)(1030).
* وروى يحيى بن وثاب، عن عبد الله بن عمر، قال: سمعت الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) يقول:
(لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّى يخرج رجل من ولدي، فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، كذلك سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يقول)(1031).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1027) كمال الدين: 315/ ح 2.
(1028) كمال الدين: 316/ ح 1.
(1029) في كمال الدين: (رجل من همدان).
(1030) كمال الدين: 317/ ح 2.
(1031) كمال الدين: 317/ ح 4.
وممَّا جاء فيه عن علي بن الحسين (عليهما السلام):
* ما رواه حمزة بن حمران، عن أبيه حمران بن أعين، عن سعيد بن جبير، قال: سمعته يقول:
(في القائم منّا سنن من ستة من الأنبياء (عليهم السلام): سُنّة من نوح، وسُنّة من إبراهيم، وسُنّة من موسى، وسُنّة من عيسى، وسُنّة من أيّوب، وسُنّة من محمّد.
فأمَّا من نوح (عليه السلام) فطول العمر، وأمَّا من إبراهيم (عليه السلام) فخفاء الولادة واعتزال الناس، وأمَّا من موسى (عليه السلام) فالخوف والغيبة، وأمَّا من عيسى (عليه السلام) فاختلاف الناس فيه، وأمَّا من أيّوب (عليه السلام) فالفرج بعد البلوى، وأمَّا من محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) فالخروج بالسيف)(1032).
قال: وسمعته (عليه السلام) يقول: (القائم منّا تخفى على الناس ولادته حتَّى يقولوا: لم يولد بعد، ليخرج حين يخرج وليس لأحد في عنقه بيعة)(1033).
* وروى علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن بسطام بن مرة، عن عمرو بن ثابت، قال: قال علي بن الحسين سيّد العابدين (عليه السلام):
(من ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر)(1034).
وممَّا جاء عن محمّد بن علي الباقر (عليه السلام):
* ما رواه عبد الله بن عطاء قال:
قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إنَّ شيعتك بالعراق كثيرون، ووالله ما في أهل بيتك مثلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1032) كمال الدين: 321/ ح 3.
(1033) كمال الدين: 322/ ح 6.
(1034) كمال الدين: 323/ ح 7.
فقال: (يا عبد الله، قد أمكنت الحشو من أذنيك، والله ما أنا بصاحبكم).
قلت: فمن صاحبنا؟
قال: (أنظر من تخفى على الناس ولادته فهو صاحبكم)(1035).
* وروى أبو الجارود زياد بن المنذر، عنه، قال:
قال لي: (يا أبا الجارود، إذا دار الفلك، وقال الناس: مات القائم أو هلك، بأيّ واد سلك؟، وقال الطالب: أنّى يكون ذلك، وقد بليت عظامه. فعند ذلك فارجوه، فإذا سمعتم به فأتوه ولو حبواً على الثلج)(1036).
* أبو بصير، عنه، قال: (في صاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء: سُنّة من موسى، وسُنّة من عيسى، وسُنّة من يوسف، وسُنّة من محمّد صلّى الله عليه وآله وعليهم.
فأمَّا من موسى فخائف يترقَّب، وأمَّا من يوسف فالسجن، وأمَّا من عيسى فيقال: إنَّه مات ولم يمت، وأمَّا من محمّد صلّى الله عليه وآله وعليهم فالسيف)(1037).
* محمّد بن مسلم الثقفي، قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقال لي مبتدئاً:
(يا محمّد بن مسلم، إنَّ في القائم من آل محمّد شبهاً بخمسة من الرسل: يونس بن متى، ويوسف بن يعقوب، وموسى، وعيسى، ومحمّد صلوات الله عليه وآله وعليهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1035) كمال الدين: 325/ ح 2.
(1036) كمال الدين: 326/ ح 5.
(1037) كمال الدين: 326/ ح 6؛ وكذا في: الإمامة والتبصرة: 234/ ح 84؛ والغيبة للطوسي: 424/ ح 408؛ وإثبات الوصيّة: 226.
فأمَّا شبهه الذي من يونس (عليه السلام) فرجوعه من غيبته وهو شاب مع كبر السنّ.
وأمَّا شبهه من يوسف (عليه السلام) فالغيبة من خاصَّته وعامَّته، واختفاؤه من إخوته، وإشكال أمره على أبيه يعقوب النبيّ مع قرب من المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته.
وأمَّا شبهه من موسى (عليه السلام) فدوام خوفه، وطول غيبته، وخفاء ولادته، وتعب شيعته من بعده ممَّا لقوا من الأذى والهوان إلى أن أذن الله في ظهوره، وأيَّده على عدوّه.
وأمَّا شبهه من عيسى (عليه السلام) فاختلاف من اختلف فيه حتَّى قالت طائفة: ما ولد، وطائفة قالت: مات، وطائفة قالت: قتل وصلب.
وأمَّا شبهه من جدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلم) فتجريده السيف، وقتله أعداء الله وأعداء رسوله والجبّارين والطواغيت، وأنَّه ينصر بالسيف وبالرعب، وأنَّه لا ترد له راية.
وإنَّ من علامات خروجه: خروج السفياني من الشام، وخروج اليماني، وصيحة من السماء في شهر رمضان، ومنادٍ ينادي باسمه واسم أبيه)(1038).
وممَّا جاء عن الصادق (عليه السلام) في ذلك:
* ما رواه محمّد بن سنان، عن صفوان بن مهران، عنه (عليه السلام)، قال:
(من أقرَّ بجميع الأئمّة وجحد المهدي كان كمن أقرَّ بجميع الأنبياء وجحد محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) نبوَّته).
فقيل له: يا ابن رسول الله، فمن المهدي من ولدك؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1038) كمال الدين: 327/ ح 7.
قال: (الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه ولا يحلّ لكم تسميته)(1039).
* وروى الحسن بن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن عبد الله بن أبي يعفور، عنه (عليه السلام) مثل ذلك(1040).
* وروى أحمد بن هلال، عن أميّة بن علي، عن أبي الهيثم بن أبي حيّة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
(إذا اجتمعت ثلاثة أسامي متوالية: محمّد، وعلي، والحسن، فالرابع القائم)(1041).
* وروى المفضَّل بن عمر، قال: دخلت على سيّدي جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام) فقلت: يا سيّدي، لو عهدت إلينا من الخلف من بعدك؟
فقال: (يا مفضَّل، الإمام من بعدي موسى، والخلف المنتظر (م ح م د) بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى (عليهم السلام))(1042).
* وروى محمّد بن خالد البرقي، عن محمّد بن سنان، وأبي علي الزراد جميعاً، عن إبراهيم الكرخي، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فإنّي لجالس عنده إذ دخل أبو الحسن موسى - وهو غلام - فقمت إليه فقبَّلته وجلست، فقال أبو عبد الله (عليه السلام):
(يا إبراهيم، أما إنَّه صاحبك من بعدي، أمَا لتهلكنَّ فيه أقوام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1039) كمال الدين: 333/ ح 1.
(1040) كمال الدين: 338/ ح 12.
(1041) كمال الدين: 333/ ح 2؛ وباختلاف يسير في الغيبة للنعماني: 179/ ح 26.
(1042) كمال الدين: 334/ ح 4.
ويسعد آخرون، فلعن الله قاتله وضاعف على روحه العذاب، أما ليخرجنَّ الله من صلبه خير أهل الأرض في زمانه، سميّ جدّه، ووارث علمه وأحكامه وقضاياه، معدن الإمامة وأحكامها، ورأس الحكمة، يقتله جبّار بني فلان بعد عجائب طريفة، حسداً له، ولكن الله تعالى بالغ أمره ولو كره المشركون.
ويخرج الله من صلبه تكملة اثني عشر إماماً مهدياً، اختصَّهم الله بكرامته، وأحلَّهم دار قدسه، المنتظر للثاني عشر منهم كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يذبّ عنه).
قال: فدخل رجل من موالي بني أميّة، فانقطع الكلام، فعدت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) إحدى عشرة مرّة أريد منه أن يتمّ الكلام فما قدرت على ذلك.
فلمَّا كان من قابل - السنة الثانية - دخلت عليه وهو جالس(1043) فقال:
(يا إبراهيم، هو المفرّج للكرب عن شيعته بعد ضنك شديد، وبلاء طويل وجزع وخوف، فطوبى لمن أدرك ذلك الزمان، حسبك يا إبراهيم).
قال إبراهيم: فما رجعت بشيء هو أسرُّ من هذا لقلبي، ولا أقرُّ لعيني(1044).
* وروى محمّد بن خالد البرقي، عن محمّد بن سنان، عن المفضَّل ابن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
(أقرب ما يكون العباد من الله (عزَّ وجلَّ)، وأرضى ما يكون عنهم، إذا فقدوا حجّة الله، فلم يظهر لهم، ولم يعلموا مكانه، وهم في ذلك يعلمون أنَّه لن تبطل حجّة الله ولا ميثاقه، فعندها فتوقَّعوا الفرج صباحاً ومساءً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1043) في نسخة (م) زيادة: (فسلَّمت وردَّ سلامي).
(1044) كمال الدين: 334/ ح 5؛ وكذا في الغيبة للنعماني: 90/ ح 21.
وإنَّ أشد ما يكون غضب الله على أعداء الله تعالى إذا افتقدوا حجّته فلم يظهر لهم، وقد علم أنَّ أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنَّهم يرتابون ما غيَّب عنهم حجّته طرفة عين، ولا يكون ذلك إلَّا على رأس شرار الناس)(1045).
* وروى الحسن بن محبوب، عن محمّد بن النعمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، مثله(1046).
* وروى عبد الرحمن بن أبي نجران، عن فضالة بن أيّوب، عن سدير الصيرفي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
(إنَّ في القائم سُنّة من يوسف).
قلت: كأنَّك تذكر خبره أو غيبته؟
فقال لي: (وما تنكر من ذلك هذه الأمّة أشباه الخنازير، إنَّ إخوة يوسف كانوا أسباطاً أولاد أنبياء تاجروا يوسف وبايعوه وهم إخوته وهو أخوهم، فلم يعرفوه حتَّى قال لهم: (أَنَا يُوسُفُ).
فما تنكر هذه الأمّة أن يكون الله تعالى في وقت من الأوقات يريد أن يستر حجّته! لقد كان يوسف إليه ملك مصر، وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد الله (عزَّ وجلَّ) أن يعرّفه مكانه لقدر على ذلك.
والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيّام من بلدهم إلى مصر، فما تنكر هذه الأمّة أن (يكون الله تعالى يفعل بحجّته ما فعل بيوسف أن)(1047) يكون يسير في أسواقهم، ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1045) كمال الدين: 339/ ح 16؛ وكذا في: الكافي 1: 268/ ح 1.
(1046) كمال الدين: 339/ ح 17.
(1047) ما بين القوسين لم يرد في نسختي (ق) و(ط).
حتَّى يأذن الله تبارك وتعالى له أن يعرّفهم نفسه كما أذن ليوسف حتَّى قال لهم: (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ * قالُوا أَ إِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي)(1048))(1049).
* وروى أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عثمان بن عيسى الكلابي، عن خالد بن نجيح، عن زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إنَّ للقائم غيبة قبل أن يقوم).
قلت: ولِمَ؟
قال: (يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه -)، ثمّ قال: (يا زرارة، وهو المنتظر، وهو الذي يشكّ الناس في ولادته، منهم من يقول: هو حمل، ومنهم من يقول: هو غائب، ومنهم من يقول: ما ولد، ومنهم من يقول: قد ولد قبل وفاة أبيه بسنتين، وهو المنتظر، غير أنَّ الله تعالى يحبّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون).
قال زرارة: فقلت: جُعلت فداك، فإن أدركت ذلك الزمان فأيّ شيء أعمل؟
قال: (يا زرارة، إن أدركت ذلك الزمان فأدم هذا الدعاء: اللهم عرّفني نفسك، فإنَّك إن لم تعرّفي نفسك لم أعرف نبيّك، اللهم عرّفني رسولك، فإنَّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللهم عرّفني حجّتك فإنَّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني)، ثمّ قال: (يا زرارة، لا بدَّ من قتل غلام بالمدينة).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1048) يوسف: 89 و90.
(1049) كمال الدين: 341/ ح 21؛ وكذا في: الكافي 1: 271/ ح 4؛ وعلل الشرائع: 244/ ح 3؛ والغيبة للطوسي: 163/ ح 4.
قلت: جُعلت فداك، أليس يقتله جيش السفياني؟
قال: (لا، ولكن يقتله جيش بني فلان، يدخل المدينة فلا يدري الناس في أيّ شيء دخل، فيأخذ الغلام فيقتله، فإذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً لم يمهلهم الله (عزَّ وجلَّ)، فعند ذلك فتوقَّعوا الفرج)(1050).
وروى هذا الحديث من طرق عن زرارة(1051).
* وروى يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سنان، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):
(ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى، لا ينجو منها إلَّا من دعا بدعاء الغريق).
قلت: كيف دعاء الغريق؟
قال: (يقول: يا الله يا رحمن يا رحيم، يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك).
فقلت: يا مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك.
فقال: (إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) مقلّب القلوب والأبصار، ولكن قل كما أقول: يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك)(1052).
* وروى سدير الصيرفي، عن أبي عبد الله - في حديث طويل - قال: قال: (أمَّا العبد الصالح - أعني الخضر - فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) ما طوَّل عمره لنبوّة قدَّرها له، ولا لكتاب ينزله عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء، ولا لإمامة يلزم عباده الإقتداء بها، ولا لطاعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1050) كمال الدين: 342/ ح 24؛ وكذا في: الكافي 1: 272/ ح 5؛ والغيبة للنعماني: 166/ ح 6.
(1051) كمال الدين: 343/ ذيل الحديث 24.
(1052) كمال الدين: 351/ ح 50.
يفرضها له، بل إنَّ الله تعالى لمَّا كان في سابق علمه أن يقدّر من عمر القائم (عليه السلام) في أيّام غيبته ما يقدّر، وعلم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طوَّل عمر العبد الصالح من غير سبب أوجب ذلك إلَّا لعلّة الاستدلال به على عمر القائم، وليقطع بذلك حجّة المعاندين، لئلاَّ يكون للناس على الله حجّة)(1053).
فهذا طريق ممَّا روي عن الصادق (عليه السلام) في هذا المعنى.
وممَّا جاء عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) في مثله:
* ما رواه سعد بن عبد الله، عن الحسن بن عيسى بن محمّد بن علي بن جعفر، عن أبيه، عن جدّه، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)، قال:
(إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم، لا يزيلكم أحد عنها.
يا أخي، إنَّه لا بدَّ لصاحب هذا الأمر، من غيبة حتَّى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنَّما هي محنة من الله (عزَّ وجلَّ) امتحن بها خلقه، ولو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحُّ من هذا لاتَّبعوه).
فقلت: يا سيّدي، من الخامس من ولد السابع؟
فقال: (يا أخي، عقولكم تصغر عن هذا، وأحلامكم تضيق عن ذلك، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه)(1054).
* وروي عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن صالح بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1053) كمال الدين: 357/ ذيل الحديث 51.
(1054) كمال الدين: 359/ ح 1؛ وكذا في: الكافي 1: 271/ ح 2؛ علل الشرائع: 244/ ح 4؛ الغيبة للنعماني: 154/ ح 11؛ إثبات الوصيّة: 229؛ كفاية الأثر: 268.
السندي، عن يونس بن عبد الرحمن، قال: دخلت على موسى بن جعفر (عليهما السلام) فقلت له: يا ابن رسول الله، أنت القائم بالحقّ؟
قال: (أنا القائم بالحقّ، ولكن القائم الذي يطهّر الأرض من أعداء الله، ويملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتدّ فيها قوم ويثبت فيها آخرون).
وقال (عليه السلام): (طوبى لشيعتنا المتمسّكين بحبلنا(1055) في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أولئك منّا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمّة ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم ثمّ طوبى لهم، هم والله معنا في درجتنا يوم القيامة)(1056).
وممَّا روي عن الرضا (عليه السلام) في ذلك:
* ما رواه محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن أيّوب بن نوح، قال:
قلت للرضا (عليه السلام): إنّا نرجو أن تكون صاحب هذا الأمر، وأن يسديه الله إليك من غير سيف، فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك.
فقال: (ما منّا أحد اختلفت إليه الكتب، وسئل عن المسائل، وأشارت إليه الأصابع، وحملت إليه الأموال إلَّا اغتيل أو مات على فراشه، حتَّى يبعث الله (عزَّ وجلَّ) بهذا الأمر رجلاً خفيّ المولد والمنشأ غير خفيّ في نسبه)(1057).
* وروى علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الريّان بن الصلت، قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1055) كذا في المصدر، وفي كمال الدين وكشف الغمّة وكفاية الأثر وبحار الأنوار: (بحبّنا).
(1056) كمال الدين: 361/ ح 5؛ وكذا في: كفاية الأثر: 269.
(1057) كمال الدين: 370/ ح 1؛ وكذا في: غيبة النعماني: 168/ ح 9.
فقال: (أنا صاحب هذا الأمر، ولكنّي لست بالذي أملأها عدلاً كما ملئت جوراً، وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني! وأنَّ القائم هو الذي إذا خرج كان في سنّ الشيوخ ومنظر الشبّان(1058)، قويّاً في بدنه حتَّى لو مدَّ يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسى وخاتم سليمان.
ذلك الرابع من ولدي، يغيّبه الله في ستره ما شاء ثمّ يظهره فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، كأنّي بهم أين ما كانوا قد نودوا نداء يسمع من بعد كما يسمع من قرب، يكون رحمة للمؤمنين وعذاباً على الكافرين)(1059).
* علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد: قال: قال الرضا (عليه السلام):
(لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقيّة له، وإنَّ أكرمكم عند الله أعملكم بالتقيّة).
فقيل له: يا ابن رسول الله، إلى متى؟
قال: (إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم خروج قائمنا، فمن ترك التقيّة قبل خروج قائمنا فليس منّا).
فقيل له: يا ابن رسول الله، ومن القائم منكم أهل البيت؟
قال: (الرابع من ولدي، ابن سيّدة الإماء، يطهّر الله به الأرض من كلّ جور، ويقدّسها من كلّ ظلم، وهو الذي يشكّ الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1058) في (ق) و(ط): (الشباب).
(1059) كمال الدين: 376/ ح 7 دون ذيله.
ووضع ميزان العدل بين الناس، فلا يظلم أحد أحداً. وهو الذي تطوى له الأرض، ولا يكون له ظلّ، وهو الذي ينادي منادٍ من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه يقول: ألا إنَّ حجّة الله قد ظهر عند بيت الله فاتَّبعوه فإنَّ الحقّ معه وفيه.
وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ)(1060))(1061).
وقد ذكرنا حديث دعبل بن علي الخزاعي عنه في هذا المعنى في ما تقدَّم من الكتاب.
وممَّا روي عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) في مثله:
* ما رواه عبد العظيم بن عبد الله الحسني (رحمه الله)، قال:
دخلت على سيّدي محمّد بن علي وأنا أريد أن أسأله عن القائم (عليه السلام) أهو المهدي أو غيره؟، فابتدأني فقال:
(يا أبا القاسم، إنَّ القائم منّا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي. والذي بعث محمّداً بالنبوّة، وخصَّنا بالإمامة، إنَّه لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّى يخرج فيه فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وإنَّ الله تعالى ليصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر كليمه موسى (عليه السلام) إذ ذهب ليقتبس لأهله ناراً فرجع وهو رسول نبيّ).
ثمّ قال (عليه السلام): (أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج)(1062).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1060) الشعراء: 4.
(1061) كمال الدين: 371/ ح 5؛ وكذا في: كفاية الأثر: 274.
(1062) كمال الدين: 377/ ح 1؛ وكذا في: كفاية الأثر: 280.
* وعنه أيضاً، قال: قلت لمحمّد بن علي (عليهما السلام): إنّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
فقال: (يا أبا القاسم، ما منّا إلَّا قائم بأمر الله وهادٍ إلى دين الله، ولكن القائم منّا هو الذي يطهّر الله (عزَّ وجلَّ) الأرض به من أهل الكفر والجحود، ويملأها عدلاً وقسطاً، هو الذي تخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته.
وهو سميّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وكنيه، وهو الذي تطوى له الأرض، ويذلّ له كلّ صعب.
يجتمع إليه من أصحابه عدد أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(1063).
فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص أظهر أمره، وإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله (عزَّ وجلَّ)، فلا يزال يقتل أعداء الله حتَّى يرضى الله تبارك وتعالى).
قال عبد العظيم فقلت له: يا سيّدي، وكيف يعلم أنَّ الله قد رضي؟
قال: (يلقي في قلبه الرحمة، فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزّى فأحرقهما)(1064).
* وروى حمدان بن سليمان، قال: حدَّثنا الصقر بن أبي دلف،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1063) البقرة: 148.
(1064) كمال الدين: 377/ ح 2؛ وكذا في: كفاية الأثر: 281.
قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي الرضا (عليهما السلام)، يقول: (إنَّ الإمام بعدي علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، (وقوله قول أبيه)(1065)، وطاعته طاعة أبيه). ثمّ سكت، فقلت له: يا ابن رسول الله، فمن الإمام بعد الحسن؟
فبكى بكاءً شديداً ثمّ قال: (إنَّ الإمام من بعد الحسن ابنه القائم بالحقّ المنتظر).
فقلت له: يا ابن رسول الله، ولِمَ سمّي القائم؟
قال: (لأنَّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته).
فقلت له: ولِمَ سمّي المنتظر؟
قال: (لأنَّ له غيبة تكثر أيّامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب فيه الوقّاتون، ويهلك فيه المستعجلون، وينجو فيه المسلمون)(1066).
وممَّا روي عن أبي الحسن علي بن محمّد العسكري (عليهما السلام) في ذلك:
* ما رواه عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال:
دخلت على سيّدي علي بن محمّد (عليهما السلام)، فلمَّا أبصرني قال لي: (مرحباً بك يا أبا القاسم، أنت وليّنا حقّاً).
فقلت له: يا ابن رسول الله، إنّي أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضياً ثبتُّ عليه حتَّى ألقى الله (عزَّ وجلَّ).
فقال: (هات يا أبا القاسم).
فقلت: إنّي أقول: إنَّ الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1065) ما بين القوسين لم يرد في (ط) و(ق)، وأثبتناه من نسخة (م).
(1066) كمال الدين: 378/ ح 3؛ وكذا في: كفاية الأثر: 283.
خارج من الحدّين حدّ الإبطال وحدّ التشبيه، وإنَّه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر، بل هو مجسّم الأجسام، ومصوّر الصور، وخالق الأعراض والجواهر، وربّ كلّ شيء ومالكه وجاعله ومحدثه.
وأنَّ محمّداً عبده ورسوله، وخاتم النبيّين فلا نبيّ بعده إلى يوم القيامة، وأنَّ شريعته خاتمة الشرائع فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة.
وأقول: إنَّ الإمام والخليفة ووليّ الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ علي بن الحسين، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ علي بن موسى، ثمّ محمّد بن علي (عليهم السلام) ثمّ أنت يا مولاي.
فقال (عليه السلام): (ومن بعدي الحسن فكيف للناس بالخلف من بعده).
قال: فقلت: وكيف ذاك يا مولاي؟
قال: (لأنَّه لا يرى شخصه، ولا يحلّ ذكره باسمه حتَّى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).
قال: فقلت: أقررت، وأقول: إنَّ وليّهم ولي الله، وعدوّهم عدوّ الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله.
وأقول: إنَّ المعراج حقّ، والمسألة في القبر حقّ، وأنَّ الجنّة حقّ، والنار حقّ، والصراط حقّ، والميزان حقّ، وأنَّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنَّ الله يبعث من في القبور.
وأقول: إنَّ الفرائض الواجبة بعد الولاية: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحجّ، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فقال علي بن محمّد (عليهما السلام): (يا أبا القاسم، هذا والله دين الله الذي
ارتضاه لعباده، فاثبت عليه، ثبَّتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة)(1067).
* وروى علي بن إبراهيم، عن عبد الله بن أحمد الموصلي، عن الصقر ابن أبي دلف، قال: لمَّا حمل المتوكّل سيّدنا أبا الحسن (عليه السلام) جئت أسأل عن خبره، قال: فنظر إليَّ حاجب المتوكّل فأمر أن أدخل إليه فأدخلت إليه، فقال: يا صقر ما شأنك؟
فقلت: خيراً أيّها الأستاذ.
قال: أقعد.
قال الصقر: وأخذني ما تقدَّم وما تأخَّر وقلت: أخطأت في المجيء.
قال: فوحى الناس عنه ثمّ قال: ما شأنك وفيم جئت؟ لعلَّك جئت تسأل عن خبر مولاك؟
فقلت له: ومن مولاي؟! مولاي أمير المؤمنين.
فقال: اُسكت، مولاك هو الحقّ، لا تحتشمني فإنّي على مذهبك.
فقلت: الحمد لله.
فقال: تحبّ أن تراه؟
فقلت: نعم.
فقال: اجلس حتَّى يخرج صاحب البريد.
قال: فلمَّا خرج قال لغلام له: خذ بيد الصقر فأدخله إلى الحجرة التي فيها العلوي المحبوس، وخلّ بينه وبينه.
قال: فأدخلني الحجرة، وأومأ إلى بيت فدخلت، فإذا هو (عليه السلام) جالس على صدر حصير، وبحذاه قبر محفور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1067) كمال الدين: 379/ ح 1؛ وكذا في: كفاية الأثر: 286.
قال: فسلَّمت فردَّ، ثمّ أمرني بالجلوس فجلست، ثمّ قال لي: (يا صقر، ما أتى بك؟).
قلت: يا سيّدي جئت أتعرَّف خبرك؟
قال: ثمّ نظرت إلى القبر فبكيت، فنظر إليَّ ثمّ قال: (يا صقر لا عليك، لن يصلوا إلينا بسوء).
فقلت: الحمد لله، ثمّ قلت: يا سيّدي حديث يروى عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) لا أعرف معناه.
فقال: (وما هو؟).
قلت: قوله: (لا تعادوا الأيّام فتعاديكم) ما معناه؟
فقال: (نعم، الأيّام نحن ما قامت السماوات والأرض، فالسبت اسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، والأحد أمير المؤمنين، والاثنين الحسن والحسين، والثلاثاء علي بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد. والأربعاء موسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمّد بن علي، وأنا، والخميس ابني الحسن، والجمعة ابن ابني، إليه تجتمع عصابة الحقّ، وهو الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، فهذا معنى الأيّام، فلا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الآخرة).
ثمّ قال: (ودّع واخرج فلا آمن عليك)(1068).
* وبهذا الإسناد: عن الصقر بن أبي دلف، قال: سمعت علي بن محمّد بن علي الرضا (عليهم السلام) يقول: (الإمام بعدي الحسن ابني، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(1069).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1068) كمال الدين: 382/ ح 9؛ وكذا في: الخصال: 394/ ح 102؛ كفاية الأثر: 289.
(1069) كمال الدين: 383/ ح 10؛ وكذا في: كفاية الأثر: 292.
* وروى علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن صدقة، عن علي بن عبد الغفّار، قال: لمَّا مات أبو جعفر الثاني (عليه السلام) كتبت الشيعة إلى أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) يسألونه عن الأمر فكتب (عليه السلام): (الأمر لي ما دمت حيّاً، فإذا نزلت بي مقادير الله تبارك وتعالى أتاكم الخلف منّي، فأنّى لكم بالخلف من بعد الخلف؟)(1070).
* وروى إسحاق بن محمّد بن أيّوب، قال: سمعت أبا الحسن علي بن محمّد (عليهما السلام) يقول: (صاحب هذا الأمر من يقول الناس: لم يولد بعد)(1071).
والأخبار في هذا الباب كثيرة ظاهرة، في الشيعة متواترة، ثابتة في أصولها المتقدّمة لزمان الحسن العسكري (عليه السلام)، وفي ذلك أصحُّ دليل وبرهان على إمامة القائم ابن الحسن (عليهما السلام).
الفصل الثالث: في ذكر النصوص عليه (عليه السلام) من جهة أبيه الحسن بن علي (عليه السلام) خاصّة:
* الشيخ أبو جعفر بن بابويه (رضي الله عنه)، عن علي بن عبد الله الورّاق، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، قال:
دخلت على أبي محمّد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدئاً: (يا أحمد بن إسحاق، إنَّ الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم، ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجّة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال: فقلت له: يا ابن رسول الله، فمن الخليفة والإمام بعدك؟
فنهض (عليه السلام) مسرعاً فدخل البيت ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام، كأنَّ وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء ثلاث سنين، وقال: (يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنَّه سميّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وكنيه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
يا أحمد بن إسحاق، مثله في هذه الأمّة مثل الخضر، ومثله مثل ذي القرنين، والله ليغيبنَّ غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلَّا من ثبَّته الله تعالى على القول بإمامته، ووفَّقه للدعاء بتعجيل فرجه).
قال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي، فهل من علامة يطمئنّ إليها قلبي؟
فنطق الغلام (عليه السلام) بلسان عربي فصيح فقال: (أنا بقية الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق).
قال أحمد: فخرجت مسروراً فرحاً، فلمَّا كان من الغد عدت إليه فقلت له: يا ابن رسول الله، لقد عظم سروري بما مننت عليَّ، فما السُنّة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟
فقال: (طول الغيبة يا أحمد).
فقلت له: يا ابن رسول الله، وإنَّ غيبته لتطول؟
قال: (إي وربّي، حتَّى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، فلا يبقى إلَّا من أخذ الله عهده بولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان، وأيَّده بروح منه.
يا أحمد بن إسحاق، هذا أمر من [أمر](1072) الله، وسرّ من سرّ الله،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1072) ما بين المعقوفتين أثبتناه من كمال الدين، والرواية عن الشيخ أبي جعفر بن بابويه (رضي الله عنه).
وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك واكتمه، وكن من الشاكرين، تكن معنا غداً في عليين)(1073).
* ويؤيّد هذا الخبر ما رواه محمّد بن مسعود العياشي، عن محمّد بن نصير، عن محمّد بن عيسى، عن حماد بن عيسى، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال:
سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يقول: (إنَّ ذا القرنين كان عبداً صالحاً جعله الله حجّة على عباده، فدعا قومه إلى الله (عزَّ وجلَّ)، وأمرهم بتقواه، فضربوه على قرنه، فغاب عنهم زماناً حتَّى قيل: مات أو هلك، بأيّ وادٍ سلك؟
ثمّ ظهر ورجع إلى قومه، فضربوه على قرنه الآخر، وفيكم من هو على سُنّته، وإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) مكَّن لذي القرنين في الأرض، وجعل له من كلّ شيء سبباً، وبلغ المشرق والمغرب، وإنَّ الله تعالى سيجري سُنّته في القائم من ولدي، ويبلغه شرق الأرض وغربها، حتَّى لا يبقى منهل ولا موضع من سهل أو جبل وطئه ذو القرنين إلَّا وطئه، ويظهر الله له كنوز الأرض ومعادنها، وينصره بالرعب، ويملأ الأرض به عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً)(1074).
* محمّد بن مسعود العياشي، عن آدم بن محمّد البلخي، عن علي بن الحسين بن هارون الدقّاق، عن جعفر بن محمّد بن عبد الله بن القاسم بن إبراهيم بن الأشتر، عن يعقوب بن منقوش، قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخلت على أبي محمّد (عليه السلام) وهو جالس على دكّان في الدار، وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل، فقلت له: سيّدي، من صاحب هذا الأمر؟
فقال: (ارفع الستر).
فرفعته، فخرج إلينا غلام خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه، درّي المقلتين، شثن الكفّين(1075)، معطوف الركبتين، في خدّه الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة، فجلس على فخذ أبي محمّد ثمّ قال لي: (هذا هو صاحبكم).
ثم وثب فقال له: (يا ابني، اُدخل إلى الوقت المعلوم).
فدخل البيت. وأنا أنظر إليه، ثمّ قال لي: (يا يعقوب، أنظر من في البيت؟).
فدخلت فما رأيت أحداً(1076).
* محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن محمّد بن علي بن بلال، قال: خرج إليَّ من أبي محمّد الحسن بن علي (عليهما السلام) قبل مضيّه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثمّ خرج إليَّ من قبل مضيّه بثلاثة أيّام يخبرني بالخلف من بعده(1077).
* وعنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن إسحاق، عن أبي هاشم الجعفري، قال: قلت لأبي محمّد (عليه السلام): جلالتك تمنعني عن مسألتك، فتأذن لي أن أسألك؟
قال: (سل).
فقلت: يا سيّدي، هل لك ولد؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1075) شثن الكفّين: أي خشنتان وغليظتان، انظر: الصحاح 5: 2142/ مادة شثن.
(1076) كمال الدين: 407/ ح 2.
(1077) الكافي 1: 264/ ح 1.
قال: (نعم).
قلت: فإن حدث أمر، فأين أسأل عنه؟
قال: (بالمدينة)(1078).
* وعنه، عن الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد الله، قال: خرج عن أبي محمّد (عليه السلام) حين قتل الزبيري(1079): (هذا جزاء من اجترأ على الله في أوليائه، زعم أنَّه يقتلني وليس لي عقب، فكيف رأى قدرة الله فيه؟).
قال: وولد له ولد وسمّاه باسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وذلك في سنة ستّ وخمسين ومائتين(1080).
* وعنه، عن علي بن محمّد، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن جعفر ابن محمّد المكفوف، عن عمرو الأهوازي، قال: أراني أبو محمّد (عليه السلام) ابنه وقال: (هذا صاحبكم بعدي)(1081).
* الشيخ أبو جعفر، عن محمّد بن علي ماجيلويه، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن جعفر بن محمّد بن مالك، عن محمّد بن معاوية بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1078) الكافي 1: 264/ ح 2؛ وكذا في: الإرشاد 2: 348؛ الغيبة للطوسي: 232/ ح 199؛ الفصول المهمّة: 292.
(1079) قال العلاّمة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول 4: 3/ ح 5: الزبيري كان لقب بعض الأشقياء من ولد الزبير، كان في زمانه (عليه السلام) فهدَّده، وقتله الله على يد الخليفة أو غيره. وصحَّفه بعضهم وقرأ بفتح الزاي وكسر الباء من الزبير، بمعنى الداهية، كناية عن المهتدي العبّاسي، حيث قتله الموالي.
(1080) الكافي 1: 264/ ح 5؛ وكذا في: كمال الدين: 430/ ح 3؛ الغيبة للطوسي: 231/ ح198؛ ودون ذيله في الإرشاد 2: 349.
(1081) الكافي 1: 264/ ح 3؛ وكذا في: الإرشاد 2: 348؛ الغيبة للطوسي: 234/ ح 203.
حكيم، ومحمّد بن أيّوب بن نوح، ومحمّد بن عثمان العمري، قالوا: عرض علينا أبو محمّد ابنه ونحن في منزله - وكنّا أربعين رجلاً - فقال: (هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، فأطيعوه ولا تتفرَّقوا بعدي فتهلكوا في أديانكم، أمَا إنَّكم لا ترونه(1082) بعد يومكم هذا).
قالوا: فخرجنا من عنده فما مضت إلَّا أيّام قلائل حتَّى مضى أبو محمّد (عليه السلام)(1083).
* وعنه، عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار، عن سعد بن عبد الله، عن موسى بن جعفر بن وهب البغدادي، قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن علي (عليهما السلام)، يقول:
(كأنّي بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف منّي، أمَا إنَّ المقرّ بالأئمّة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) المنكر لولدي كمن أقرَّ بجميع أنبياء الله ورسله ثمّ أنكر نبوّة محمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، لأنَّ طاعة آخرنا كطاعة أوّلنا، والمنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا، أمَا إنَّ لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلَّا من عصمه الله)(1084).
* وعنه، عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق، عن أبي علي بن همام، قال: سمعت محمّد بن عثمان العمري يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمّد الحسن بن علي (عليهما السلام) وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه (عليهم السلام):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1082) لعلَّ المراد بقوله (عليه السلام) هذا (أكثركم) لمعارضته مع أخبار أخرى تذهب إلى رؤية العمري له (عليه السلام). انظر: كمال الدين: 440/ ح 9 و10، و441/ ح 14؛ الإرشاد 2: 351. كما أنَّ العمري (رحمه الله) كان من سفرائه (عليه السلام) في أيّام غيبته الصغرى، فتأمَّل.
(1083) كمال الدين: 435/ ح 2.
(1084) كمال الدين: 409/ ح 8؛ وكذا في: كفاية الأثر: 295؛ روضة الواعظين: 257.
(إنَّ الأرض لا تخلو من حجّة لله على خلقه إلى يوم القيامة)، وإنَّ (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية).
فقال: (إنَّ هذا حقّ كما أنَّ النهار حقّ).
فقيل له: يا ابن رسول الله، فمن الحجّة والإمام بعدك؟
فقال: (ابني محمّد هو الإمام والحجّة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إنَّ له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقّاتون، ثمّ يخرج فكأنّي أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة)(1085).
الباب الثالث: في بيان وجه الاستدلال بهذه الأخبار الواردة في النصوص على إمامته، وذكر أحوال غيبته، وما شوهد من دلالالته وبيّناته، وبعض ما خرج من توقيعاته (1086)
وفيه أربعة فصول:
الفصل الأوّل: في ذكر الدلالة على إثبات غيبته (عليه السلام) وصحَّة إمامته من جهة الأخبار التي تقدَّم ذكرها، وذكر أحوال غيبته:
تدلُّ على إمامته (عليه السلام) ما أثبتناها من أخبار النصوص، وهي على ثلاثة أوجه:
أحدها: النصّ على عدد الأئمّة الاثني عشر، وقد جاءت تسميته (عليه السلام) في بعض تلك الأخبار، ودلَّ البعض على إمامته بما فيه من ذكر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1085) كمال الدين: 409/ ح 9؛ وكذا في: كفاية الأثر: 296.
(1086) إعلام الورى 2: 255 - 275.
العدد من قبل أنَّه لا قائل بهذا العدد في الأمّة إلَّا من دان بإمامته، وكلّ ما طابق الحقّ فهو حقّ.
والوجه الثاني: النصّ عليه من جهة أبيه خاصّة.
والوجه الثالث: النصّ عليه بذكر غيبته وصفتها التي يختصّها، ووقوعها على الحدّ المذكور من غير اختلاف، حتَّى لم يخرم منه شيئاً، وليس يجوز في العادات أن تولد جماعة كذباً يكون خبراً عن كائن فيتَّفق لهم ذلك على حسب ما وصفوه.
وإذا كانت أخبار الغيبة قد سبقت زمان الحجّة (عليه السلام)، بل زمان أبيه وجدّه، حتَّى تعلَّقت الكيسانية(1087) بها في إمامة ابن الحنفية والناووسية(1088) والممطورة(1089) في أبي عبد الله وأبي الحسن موسى (عليهما السلام)، وخلَّدها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1087) الكيسانية: يذهب أصحاب هذه الفرقة إلى إمامة محمّد ابن الحنفية بعد أخويه الحسن والحسين (عليهما السلام)، وأنَّه لم يمت بل اختفى في جبال رضوى حتَّى يؤذن له بالخروج على اعتبار أنَّه هو المهدي المنتظر. انظر: فِرَق الشيعة للنوبختي: 23؛ الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة: 56؛ الملل والنحل 1: 147.
(1088) الناووسية: يزعم أصحاب هذه الفرقة أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) لم يمت، وأنَّه سيظهر بعد لإحياء الحقّ وإماتة الباطل، وأنَّه هو الإمام المهدي المنتظر. وقيل: إنَّهم أتباع رجل يقال له: ناووس، أو عجلان بن ناووس. وقيل: إنَّهم ينسبون إلى قرية ناووسا. انظر: فِرَق الشيعة للنوبختي: 67؛ الملل والنحل 1: 166؛ الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة: 77.
(1089) الممطورة: هم من الواقفين على الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، والذاهبين إلى أنَّه (عليه السلام) لم يمت، وأنَّه هو المهدي الذي يخرج لإقامة العدل وإماتة البدع والأهواء، وأنَّ الأئمّة (عليهم السلام) من بعده ليسوا إلَّا خلفاء له لا أئمّة، ينوبون عنه حتَّى ظهوره. وسمّوا بذلك الاسم من خلال جدال قام بين علي بن إسماعيل وبينهم حتَّى قال لهم بعد أن اشتدَّ الجدال فيما بينهم: ما أنتم إلَّا كلاب ممطورة. أي أنَّهم أنتن من جيف، لأنَّ الكلاب إذا أصابها المطر تنبعث منها رائحة نتنة. انظر: فرق الشيعة: 81؛ الملل والنحل 1: 169.
المحدّثون من الشيعة في أصولهم المؤلَّفة في أيّام السيّدين الباقر والصادق (عليهما السلام)، وأثروها عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة (عليهم السلام) واحداً بعد واحد، صحَّ بذلك القول في إمامة صاحب الزمان (عليه السلام) بوجود هذه الصفة له، والغيبة المذكورة في دلائله وإعلام إمامته، وليس يمكن لأحد دفع ذلك.
ومن جملة ثقات المحدّثين والمصنّفين من الشيعة:
الحسن بن محبوب الزرّاد، وقد صنَّف كتاب المشيخة الذي هو في أصول الشيعة أشهر من كتاب المزني وأمثاله قبل زمان الغيبة بأكثر من مائة سنة، فذكر فيه بعض ما أوردناه من أخبار الغيبة، فوافق الخبر الخبر، وحصل كلّ ما تضمَّنه الخبر بلا اختلاف.
ومن جملة ذلك: ما رواه عن إبراهيم الخارقي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
قلت له: كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: (لقائم آل محمّد (عليه السلام) غيبتان واحدة طويلة والأخرى قصيرة).
قال: فقال لي: (نعم يا أبا بصير، إحداهما أطول من الأخرى، ثمّ لا يكون ذلك - يعني ظهوره - حتَّى يختلف ولد فلان، وتضيق الحلقة، ويظهر السفياني، ويشتدّ البلاء، ويشمل الناس موت وقتل، ويلجأون منه إلى حرم الله تعالى وحرم رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلم))(1090).
فانظر كيف قد حصلت الغيبتان لصاحب الأمر (عليه السلام) على حسب ما تضمَّنته الأخبار السابقة لوجوده عن آبائه وجدوده (عليهم السلام)، أمَّا غيبته الصغرى(1091) منهما فهي التي كانت فيها سفراؤه (عليه السلام) موجودين، وأبوابه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1090) الغيبة للنعماني: 172/ ح 7.
(1091) في (ط)، (ق): (القصرى).
معروفين، لا تختلف الإماميّة القائلون بإمامة الحسن بن علي (عليه السلام) فيهم، فمنهم:
أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، ومحمّد بن علي بن بلال، وأبو عمرو عثمان بن سعيد السمّان، وابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان، وعمر الأهوازي، وأحمد بن إسحاق، وأبو محمّد الوجناني، وإبراهيم بن مهزيار، ومحمّد بن إبراهيم في جماعة أخر ربَّما يأتي ذكرهم عند الحاجة إليهم في الرواية عنهم.
وكانت مدّة هذه الغيبة أربعاً وسبعين سنة، وكان أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري قدَّس الله روحه باباً لأبيه وجدّه (عليهما السلام) من قبل وثقة لهما، ثمّ تولّى الباقية من قبله، وظهرت المعجزات على يده، ولمَّا مضى لسبيله قام ابنه أبو جعفر محمّد مقامه رحمهما الله بنصّه عليه، ومضى على منهاج أبيه (رضي الله عنه) في آخر جمادى الآخرة من سنة أربع أو خمس وثلاثمائة.
وقام مقامه أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت بنصّ أبي جعفر محمّد بن عثمان عليه، وأقامه مقام نفسه، ومات (رضي الله عنه) في شعبان سنة ستّ وعشرين وثلاثمائة.
وقام مقامه أبو الحسن علي بن محمّد السمري بنصّ أبي القاسم عليه، وتوفّي في النصف من شعبان سنه ثمان وعشرين وثلاثمائة.
فروي عن أبي محمّد الحسن بن أحمد المكتَّب أنَّه قال:
كنت بمدينة السلام في السنة التي توفّي فيها علي بن محمّد السمري، فحضرته قبل وفاته بأيّام، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته:
(بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمّد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنَّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام، فاجمع أمرك، ولا
توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلَّا بعد أن يأذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب(1092)، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر، ولا حول ولا قوّة إلَّا بالله العلي العظيم).
قال: فانتسخنا(1093) هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلمَّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيّك؟
قال: لله أمر هو بالغه.
فقضى. فهذا آخر كلام سمع منه(1094). ثمّ حصلت الغيبة الطولى التي نحن في أزمانها، والفرج يكون في آخرها بمشيئة الله تعالى.
الفصل الثاني: في ذكر بعض ما روي من دلالاته وبيّناته (عليه السلام):
* محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن محمّد بن حمويه، عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار، قال:
شككت عند مضي أبي محمّد (عليه السلام) واجتمع عند أبي مال جليل، فحمله وركب السفينة، وخرجت معه مشيّعاً، فوعك وعكاً شديداً فقال: يا ابني، ردني فهو الموت، وقال لي: اتَّق الله في هذا المال، وأوصى إلي ومات.
فقلت في نفسي: لم يكن أبي ليوصي بشيء غير صحيح، أحمل هذا المال إلى العراق وأكتري داراً على الشطّ ولا أخبر أحداً بشيء، فإن وضح لي شيء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1092) في (ط)، (ق): (القلب)، وأثبتنا ما في (م)، وهو الموافق لما في المصدر.
(1093) كذا في المصدر، وفي كمال الدين، والغيبة للطوسي: (فنسخنا).
(1094) كمال الدين: 516/ ح 44.
كوضوحه في أيّام أبي محمّد (عليه السلام) أنفذته، وإلَّا قصفت(1095) به. فقدمت العراق، واكتريت داراً على الشطّ، وبقيت أيّاماً فإذا أنا برقعة مع رسول فيها:
(يا محمّد، معك كذا وكذا) حتَّى قصَّ عليَّ جميع ما معي ممَّا لم أحط به علماً، فسلَّمته إلى الرسول وبقيت أيّاماً لا يرفع لي رأس، واغتممت فخرج إليَّ: (قد أقمناك مقام أبيك، فاحمد الله)(1096).
* وعنه، عن محمّد بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله الشيباني، قال: أوصلت أشياء للمرزباني الحارثي، وكان فيها سوار ذهب، فقبلت وردَّ علي السوار وأمرت بكسره، فكسرته فإذا في وسطه مثاقيل حديد ونحاس أو صفر، فأخرجت ذلك منه وأنفذت الذهب فقبل)(1097).
* وعنه، عن علي بن محمّد، قال: أوصل رجل من أهل السواد مالاً فردَّ عليه وقيل له:
(أخرج حقّ بني عمّك منه، وهو أربعمائة درهم) وكان الرجل في يده ضيعة لبني عمّه فيها شركة قد حبسها عليهم، فنظر فإذا لولد عمّه في ذلك أربعمائة درهم، فأخرجها وأنفذ الباقي فقبل(1098).
* وعنه، عن علي بن محمّد، عن علي بن الحسين اليماني، قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1095) القصوف: الإقامة في الأكل والشرب، أي أنَّه ينفقه على أكله وشربه. انظر: القاموس المحيط 3: 185.
(1096) الكافي 1: 434/ ح 5؛ وكذا في: الإرشاد 2: 356؛ الغيبة للطوسي: 281/ ح 239؛ الخرائج والجرائح 1: 462/ ح 7.
(1097) الكافي 1: 435/ ح 6؛ وكذا في: الإرشاد 2: 356.
(1098) الكافي 1: 435/ ح 8؛ وكذا في: الإرشاد 2: 356؛ وباختلاف يسير في: كمال الدين: 486/ ح 6؛ ودلائل الإمامة: 286؛ وثاقب المناقب: 597/ ح 540.
كنت ببغداد فاتَّفقت قافلة لليمانيين، فأردت الخروج معها، فكتبت ألتمس الإذن في ذلك، فخرج:
(لا تخرج معهم، فليس لك في الخروج معهم خيرة، وأقم بالكوفة).
قال: فأقمت وخرجت القافلة، فخرجت(1099) عليهم بنو حنظلة فاجتاحتهم.
قال: وكتبت أستأذن في ركوب الماء فلم يؤذن لي، فسألت عن المراكب التي خرجت تلك السنة في البحر فما سلم منها مركب، خرج عليها قوم (من الهند)(1100) يقال لهم: البوارج، فقطعوا عليها(1101).
* وعنه، عن القاسم بن العلاء، قال: ولد لي عدّة بنين، فكنت أكتب وأسأل الدعاء لهم فلا يكتب إلي لهم بشيء، فماتوا كلّهم، فلمَّا ولد لي الحسن ابني كتبت أسال الدعاء فأجبت: (يبقى، والحمد لله)(1102).
* وعنه، عن الحسن بن الفضل بن يزيد اليماني، قال: كتب أبي بخطّه كتاباً فورد جوابه، ثمّ كتب بخطّي فورد جوابه، ثمّ كتب بخطّ رجل جليل من فقهاء أصحابنا فلم يرد جوابه، فنظرنا فإذا العلّة في ذلك أنَّ الرجل تحوَّل قرمطياً(1103).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1099) في (ط)، (ق): (فخرج).
(1100) ما بين القوسين لم يرد في (ط) و(ق).
(1101) الكافي 1: 436/ صدر الحديث 12؛ وكذا في: الهداية الكبرى: 372؛ الإرشاد 2: 358؛ وباختلاف يسير في: كمال الدين: 491/ صدر الحديث 14.
(1102) الكافي 1: 435/ ح 9؛ وكذا في: الإرشاد 2: 356.
(1103) ذكر النوبختي في فِرَق الشيعة: أنَّ هذه التسمية تعود إلى رئيس لهذه الفرقة يسمّى بقرموطيه، وأنَّهم يزعمون بأنَّ رسالة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) قد انقطعت يوم غدير خمّ وانتقلت إلى الإمام علي (عليه السلام). كما أنَّهم يذهبون - على ما نسب إليهم - إلى أنَّ الفرائض رموز وإشارات، وإلى إباحة جميع الملذّات والمنكرات، واستحلال استعراض الناس بالسيف وغير ذلك. انظر: فِرَق الشيعة: 72؛ الملل والنحل 1: 167 و191؛ تلبيس إبليس: 110.
* قال الحسن بن الفضل: وردت العراق، وزرت طوس، وعزمت أن لا أخرج إلَّا عن بيّنة من أمري، ونجاح من حوائجي، ولو احتجت أن أقيم بها حتَّى أتصدَّق(1104).
قال: وفي خلال ذلك يضيق صدري بالمقام، وأخاف أن يفوتني الحجّ.
قال: فجئت يوماً إلى محمّد بن أحمد - وكان السفير يومئذٍ - أتقاضاه فقال لي: صر إلى مسجد كذا وكذا فإنَّه يلقاك رجل.
قال: فصرت إليه، فدخل عليَّ رجل فلمَّا نظر إليَّ ضحك وقال: لا تغتم، فإنَّك ستحجّ في هذه السنة وتنصرف إلى أهلك وولدك سالماً.
قال: فاطمأننت وسكن قلبي وقلت: أرى مصداق ذلك إن شاء الله.
قال: ثمّ وردت العسكر، فخرجت إليَّ صرّة فيها دنانير وثوب، فاغتممت وقلت في نفسي: جدّي(1105) عند القوم هذا، واستعملت الجهل فرددتها وكتبت رقعة، ثمّ ندمت بعد ذلك ندامة شديدة، وقلت في نفسي: كفرت بردّي على مولاي، وكتبت رقعة أعتذر فيها من فعلي، وأبوء بالإثم، وأستغفر من ذلك، وأنفذتها وقمت أتطهَّر للصلاة، فأنا في ذلك أفكّر في نفسي وأقول: إن ردَّت عليَّ الدنانير لم أحلّل صرارها ولم أحدث فيها حدثاً حتَّى أحملها إلى أبي فإنَّه أعلم منّي ليعمل فيها بما شاء.
فخرج إلى الرسول الذي حمل إلي الصرة: (أسأت إذ لم تعلم الرجل إنّا ربَّما فعلنا ذلك بموالينا من غير مسألة ليتبرَّكوا به).
وخرج إليَّ: (أخطأت في ردّك برّنا، فإذا استغفرت الله فالله يغفر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لك، فأمَّا إذا كانت عزيمتك وعقيدتك أن لا تحدث فيها حدثاً، ولا تنفقها في طريقك، فقد صرفناها عنك، وأمَّا الثوب فلا بدَّ منه لتحرم فيه).
قال: وكتبت في معنيين وأردت أن أكتب في ثالث فامتنعت عنه مخافة أن يكره ذلك، فورد جواب المعنيين والثالث الذي طويت مفسّراً، والحمد لله(1106).
* وعنه، عن علي بن محمّد، عن الحسن بن عبد الحميد، قال: شككت في أمر حاجز بن يزيد(1107)، فجمعت شيئاً وصرت إلى العسكر، فخرج:
(ليس فينا شكّ، ولا في من يقوم مقامنا بأمرنا، فاردد ما معك إلى حاجز بن يزيد)(1108).
* وعنه، عن علي بن محمّد، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن الحسن، والعلاء بن رزق الله، عن بدر - غلام أحمد بن الحسن -، قال: وردت الجبل وأنا لا أقول بالإمامة، أحبّهم جملة، إلى أن مات يزيد بن عبد الله، فأوصى في علّته أن يدفع الشهري السمند(1109) وسيفه ومنطقته إلى مولاه، فخفت إن أنا لم أدفع الشهري إلى أذكوتكين(1110) نالني منه استخفاف، فقوَّمت الدابة والسيف والمنطقة بسبعمائة دينار في نفسي ولم أطلع عليه أحداً، ودفعت الشهري إلى أذكوتكين،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1106) الكافي 1: 436/ ح 13؛ وكذا في: الإرشاد 2: 360؛ وباختلاف يسير في: كمال الدين: 490/ ح 13.
(1107) ذكر الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كمال الدين: 442/ ح 16: أنَّ حاجزاً ممَّن وقف على معجزات صاحب الزمان (عليه السلام) ورآه من الوكلاء في بغداد.
(1108) الكافي 1: 437/ ح 14؛ وكذا في: الإرشاد 2: 361.
(1109) الشهري السمند: اسم فرس. (مجمع البحرين 3: 357).
(1110) أذكوتكين: كان من أمراء الترك ووالياً على الري من قبل العبّاسيين راجع مقدّمة المحاسن للمحدّث الأرموي (صفحة: لا، وما بعدها) فقد أورد شرحاً وافياً حول هذا الرجل وحول هذه الرواية أيضاً.
فإذا الكتاب قد ورد عليَّ من العراق أن (وجَّه السبعمائة دينار التي لنا قبلك من ثمن الشهري والسيف والمنطقة)(1111).
* وعنه، عن علي بن محمّد، عن محمّد بن شاذان النيسابوري، قال: اجتمع عندي خمسمائة درهم تنقص عشرون درهماً، فأنفت أن أبعث بها ناقصة، فوزنت من عندي عشرين درهماً وبعثت بها إلى الأسدي ولم أكتب مالي فيها، فورد:
(وصلت خمسمائة درهم، لك منها عشرون درهماً)(1112).
* وعنه، عن الحسين بن محمّد الأشعري، قال: كان يرد كتاب أبي محمّد (عليه السلام) في الإجراء على الجنيد - قاتل فارس - وأبي الحسن وآخر، فلمَّا مضى أبو محمّد (عليه السلام) ورد استئناف من الصاحب لإجراء(1113) أبي الحسن وصاحبه، ولم يرد في أمر الجنيد شيء فاغتممت لذلك، فورد نعي الجنيد بعد ذلك(1114). وإذا قطع جرايته إنَّما كان لوفاته.
* وعنه، عن علي بن محمّد، عن أبي عقيل عيسى بن نصر، قال: كتب علي بن زياد الصيمري يسأل كفناً، فكتب إليه: (إنَّك تحتاج إليه في سنة ثمانين) فمات في سنة ثمانين، وبعث إليه بالكفن قبل موته(1115).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1111) الكافي 1: 438/ ح 16؛ وكذا في: الإرشاد 2: 363؛ الغيبة للطوسي: 282/ ح 241؛ الخرائج والجرائح 1: 464/ ح 9؛ وباختلاف يسير في: الهداية الكبرى: 369؛ دلائل الإمامة: 285.
(1112) الكافي 1: 439/ ح 23؛ وكذا في: الإرشاد 2: 365؛ وباختلاف يسير في: كمال الدين: 485/ ح 5، و509/ ح 38؛ والغيبة للطوسي: 416/ ح 394؛ ودلائل الإمامة: 286؛ ونحوه، في: رجال الكشي: 533/ رقم 1017.
(1113) كذا في المصدر وغيره، وفي الإرشاد وكشف الغمّة: (بالإجراء).
(1114) الكافي 1: 439/ ح 24؛ وكذا في: الإرشاد 2: 366، وفيه: (أخي) بدل (آخر).
(1115) الكافي 1: 440/ ح 27؛ وكذا في: الإرشاد 2: 366؛ الغيبة للطوسي: 283/ ح 243؛ الخرائج والجرائح 1: 463؛ ثاقب المناقب: 590/ ح 535؛ دلائل الإمامة: 285.
* وعنه، عن محمّد بن هارون بن عمران الهمداني، قال: كان للناحية(1116) عليَّ خمسمائة دينار، وضقت بها ذرعاً، ثمّ قلت في نفسي: لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة دينار وثلاثين ديناراً قد جعلتها للناحية بخمسمائة دينار، ولا والله ما نطقت بذلك، فكتب إلى محمّد بن جعفر: (اقبض الحوانيت من محمّد بن هارون بالخمسمائة دينار التي لنا عليه)(1117).
* وعنه، عن الحسين بن الحسن العلوي، قال: أنهي إلى عبيد الله بن سليمان الوزير أنَّ له وكلاء(1118)، وأنَّه تجبى إليهم الأموال، وسمّوا الوكلاء في النواحي. فهمَّ بالقبض عليهم، فقيل له: لا، ولكن دسّوا لهم قوماً لا يعرفون بالأموال، فمن قبض منهم شيئاً قبض عليه. فلم يشعر الوكلاء بشيء حتَّى خرج الأمر أن لا يأخذوا من أحد شيئاً، وأن يتجاهلوا بالأمر، وهم لا يعلمون ما السبب في ذلك. فاندسَّ لمحمّد بن أحمد رجل لا يعرفه وقال: معي مال أريد أن أوصله.
فقال له محمّد: غلطت، أنا لا أعرف من هذا شيئاً، فلم يزل يتلطَّف به ومحمّد يتجاهل.
وبثّوا الجواسيس، وامتنع الوكلاء كلّهم لما كان تقدَّم إليهم، فلم يظفر بأحد منهم، ولم تتمّ الحيلة فيهم(1119).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1116) كناية عن الإمام المهدي (عليه السلام).
(1117) الكافي 1: 440/ ح 28؛ وكذا في: الإرشاد 2: 366 و367؛ الخرائج والجرائح 1: 472/ ح 16؛ ونحوه في: كمال الدين: 492/ ح 17.
(1118) كذا في المصدر، وفي الكافي: (الحسين بن الحسن العلوي، قال: كان رجل من ندماء روز حسني - في الهامش: كأنَّه كان والياً بالعسكر، وفي بعض النسخ: (بدر حسني) -، وآخر معه، فقال له: هو ذا يجبي الأموال، وله وكلاء...).
(1119) الكافي 1: 440/ ح 30.
* وعنه، عن علي بن محمّد، قال: خرج النهي عن زيارة مقابر قريش(1120) والحائر - على ساكنيهما السلام - ولم نعرف السبب، فلمَّا كان بعد شهر دعا الوزير الباقطاني(1121) فقال له: ألق بني الفرات والبرسيين وقل لهم: لا تزوروا مقابر قريش، فقد أمر الخليفة أن يتفقَّد كلّ من زار فيقبض عليه(1122).
* الشيخ أبو جعفر بن بابويه، قال: حدَّثنا محمّد بن إبراهيم الطالقاني، عن أبي القاسم علي بن أحمد الخديجي الكوفي، قال: حدَّثنا الأودي قال: بينا أنا في الطواف - وقد طفت ستّاً وأريد السابع - فإذا بحلقة عن يمين الكعبة، وشاب حسن الوجه، طيّب الرائحة، هيوب مع هيبته، متقرّب إلى الناس يتكلَّم، فلم أرَ أحسن من كلامه، ولا أعذب من منطقه(1123)، فذهبت أكلّمه فزبرني الناس، فسألت بعضهم: من هذا؟
فقالوا: هذا ابن رسول الله يظهر للناس في كلّ سنة يوماً لخواصّه يحدّثهم.
فقلت: سيّدي، مسترشداً أتيتك فأرشدني.
فناولني (عليه السلام) حصاة وكشفت عنها فإذا بسبيكة ذهب، فذهبت فإذا أنا به (عليه السلام) قد لحقني فقال لي: (ثبتت عليك الحجّة، وظهر لك الحقّ، وذهب عنك العمى، أتعرفني؟).
فقلت: لا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1120) يعني بذلك قبري الإمامين الكاظم والجواد (عليهما السلام).
(1121) باقطايا ويقال: باقطيا: قرية من قرى بغداد على ثلاثة فراسخ من ناحية قطربل. (معجم البلدان 1: 327).
(1122) الكافي 1: 441/ ح 31؛ وكذا في: الإرشاد 2: 367؛ الغيبة للطوسي: 284/ ح 244؛ الخرائج والجرائح: 465/ ح 10.
(1123) في (م) زيادة: (في حسن جلوسه).
فقال (عليه السلام): (أنا المهدي، وأنا قائم الزمان، أنا الذي أملأها عدلاً كما ملئت جوراً، إنَّ الأرض لا تخلو من حجّة، ولا يبقى الناس في فترة، وهذه أمانة فحدّث بها إخوانك من أهل الحقّ)(1124).
* قال: وحدَّثنا أبي، عن سعد بن عبد الله، عن علي بن محمّد الرازي قال: حدَّثني جماعة من أصحابنا: أنَّه بعث إلى عبد الله بن الجنيد - وهو بواسط - غلاماً وأمر ببيعه، فباعه وقبض ثمنه، فلمَّا عيَّر الدنانير نقصت في التعيير ثمانية عشر قيراطاً وحبّة، فوزن من عنده ثمانية عشر قيراطاً وحبّة وأنفذها، فردَّ عليه ديناراً وزنه ثمانية عشر قيراطاً وحبّة(1125).
* قال: وحدَّثنا أبو جعفر محمّد بن علي الأسود أنَّ أبا جعفر العمري حفر لنفسه قبراً وسوّاه بالساج، فسألته عن ذلك فقال: قد أمرت أن أجمع أمري. فمات بعد ذلك بشهرين(1126).
* قال: وحدَّثنا محمّد بن علي الأسود، قال: سألني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (رحمه الله) بعد موت محمّد بن عثمان العمري أن أسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) أن يدعو الله أن يرزقه ولداً، قال: فسألته، فأنهى ذلك، ثمّ أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيام أنَّه قد دعا لعلي بن الحسين وأنَّه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به، وبعده أولاد.
* قال أبو جعفر محمّد بن علي الأسود: وسألته في أمر نفسي أن يدعو لي أن أرزق ولداً، فلم يجبني إليه وقال لي: ليس إلى هذا سبيل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1124) كمال الدين: 444/ ح 1؛ وكذا في: الغيبة للطوسي: 253/ ح 223؛ الخرائج والجرائح 2: 784/ ح 110.
(1125) كمال الدين: 486/ ح 7.
(1126) كمال الدين: 502/ ح 29.
قال: فولد لعلي بن الحسين تلك السنة ابنه محمّد بن علي وبعده أولاد، ولم يولد لي.
* قال الشيخ: كان أبو جعفر محمّد بن علي الأسود (رضي الله عنه) كثيراً ما يقول لي إذا رآني أختلف إلى مجلس شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد ابن الوليد (رحمه الله) وأرغب في كتب العلم وحفظه: ليس بعجب أن تكون لك هذه الرغبة في العلم وأنت ولدت بدعاء الإمام (عليه السلام)(1127).
* قال: حدَّثنا صالح بن شعيب الطالقاني، عن أحمد بن إبراهيم بن مخلَّد، قال: حضرت بغداد عند المشايخ فقال الشيخ علي بن محمّد السمرى - قدَّس الله روحه - ابتداءً منه: رحم الله علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي.
قال: فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم فورد الخبر أنَّه توفّي في ذلك اليوم(1128).
فهذا طرف يسير ممَّا جاء في هذا المعنى، وإيراد سائره يخرج عن الغرض في الاختصار، وفيما أوردناه كفاية في بابه إن شاء الله تعالى.
الفصل الثالث: في ذكر بعض التوقيعات الواردة منه (عليه السلام):
* الشيخ أبو جعفر بن بابويه (رحمه الله)، عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق قال: سمعت أبا علي محمّد بن همام، قال: سمعت محمّد بن عثمان العمري يقول: خرج توقيع بخطّ أعرفه: (من سمّاني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة الله).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1127) كمال الدين: 502/ ح 31؛ وكذا في: الغيبة للطوسي: 320/ ح 266، ودون ذيله في: الخرائج والجرائح 3: 1124/ ح 42.
(1128) كمال الدين: 503/ ح 32؛ وكذا في: الغيبة للطوسي: 394/ ح 364؛ الخرائج والجرائح 3: 128/ ح 45.
* قال أبو علي محمّد بن همام: وكتبت أسأله عن ظهور الفرج متى يكون؟
فخرج التوقيع: (كذب الوقّاتون)(1129).
* محمّد بن يعقوب الكليني، عن إسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمّد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) أن يوصل لي كتاباً سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان (عليه السلام):
(أمَّا ما سألت عنه - أرشدك الله وثبَّتك - من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمّنا، فاعلم أنَّه ليس بين الله وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس منّي، وسبيله سبيل ابن نوح (عليه السلام).
وأمَّا سبيل عمّي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف (عليه السلام).
وأمَّا الفقاع فشربه حرام، ولا بأس بالشلماب(1130).
وأمَّا أموالكم فلا نقبلها إلَّا لتطهروا، فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع، فما آتانا الله خير ممَّا آتاكم.
وأمَّا ظهور الفرج فإنَّه إلى الله تعالى ذكره، وكذب الوقّاتون.
وأمَّا قول من زعم أنَّ الحسين لم يقتل فكفر، وتكذيب، وضلال.
وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنَّهم حجَّتي عليكم وأنا حجّة الله.
وأمَّا محمّد بن عثمان العمري - (رضي الله عنه) وعن أبيه من قبل - فإنَّه ثقتي، وكتابه كتابي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1129) كمال الدين: 483/ ح 3.
(1130) الشلماب: لفظة فارسية معناها ماء الشيلم، والشيلم حبّ صغار مستطيل أحمر قائم كأنَّه في خلقه سوس الحنطة، ولا يسكر ولكنَّه يمرّ الطعام إمراراً شديداً. انظر: لسان العرب 12: 325.
وأمَّا محمّد بن علي بن مهزيار الأهوازي فسيصلح الله قلبه، ويزيل عنه شكّه.
وأمَّا ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلَّا لما طاب وطهر، وثمن المغنّية حرام.
وأمَّا محمّد بن شاذان بن نعيم فهو رجل من شيعتنا أهل البيت.
وأمَّا أبو الخطاب محمّد بن أبي زينب الأجدع فملعون وأصحابه ملعونون، فلا تجالس أهل مقالتهم، فإنّي منهم بريء وآبائي (عليهم السلام) منهم براء.
وأمَّا المتلبّسون بأموالنا فمن استحلَّ منها شيئاً فأكله فإنَّما يأكل النيران.
وأمَّا الخمس فقد أبيح لشيعتنا، وجعلوا منه في حلّ إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث.
وأمَّا ندامة قوم شكوا في دين الله على ما وصلونا به فقد أقلنا من استقال، ولا حاجة لنا في صلة الشاكّين.
وأمَّا علّة ما وقع من الغيبة فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)(1131) إنَّه لم يكن أحد من آبائي إلَّا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي.
وأمَّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيَّبها عن الأبصار السحاب، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنَّ النجوم أمان لأهل السماء، فاغلقوا باب السؤال عمَّا لا يعنيكم، ولا تتكلَّفوا علم ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ ذلك فرجكم.
والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتَّبع الهدى)(1132).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1131) المائدة: 101.
(1132) كمال الدين: 483/ ح 4؛ وكذا في: الغيبة للطوسي: 290/ ح 247؛ الخرائج والجرائح 3: 1113/ ح 3؛ الاحتجاج: 469.
* الشيخ أبو جعفر بن بابويه، عن أبيه، ومحمّد بن الحسن، عن عبد الله ابن جعفر الحميري، عن محمّد بن صالح الهمداني، قال: كتبت إلى صاحب الزمان (عليه السلام): إنَّ أهل بيتي يؤذونني ويقرعونني بالحديث الذي روي عن آبائك (عليهم السلام) أنَّهم قالوا: (خدّامنا وقوّامنا شرار خلق الله). فكتب (عليه السلام): (أمَا يقرؤون قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً)(1133)؟ نحن والله القرى التي بارك الله فيها وأنتم القرى الظاهرة)(1134).
الفصل الرابع: في ذكر أسماء الذين شاهدوه أو رأوا دلائله وخرج إليهم توقيعاته وبعضهم وكلاءه:
* الشيخ أبو جعفر - قدَّس الله روحه -، قال: حدَّثنا محمّد بن محمّد الخزاعي، عن أبي علي الأسدي، عن أبيه محمّد بن أبي عبد الله الكوفي أنَّه ذكر عدد من انتهى إليه ممَّن وقف على معجزات صاحب الزمان (عليه السلام) ورآه من الوكلاء:
ببغداد: العمري، وابنه، وحاجز، والبلالي، والعطّار.
ومن الكوفة: العاصمي.
ومن أهل الأهواز: محمّد بن إبراهيم بن مهزيار.
ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق.
ومن أهل همدان: محمّد بن صالح.
ومن أهل الري: الشامي(1135)، والأسدي. يعني نفسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1133) سبأ: 18.
(1134) كمال الدين: 483/ ح 2.
(1135) في (م): (البسامي).
ومن أهل آذربيجان: القاسم بن العلاء. ومن نيسابور: محمّد بن شاذان.
ومن غير الوكلاء: من أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي حليس، وأبو عبد الله الكندي، وأبو عبد الله الجنيدي، وهارون القزّاز، والنيلي، وأبو القاسم بن رميس، وأبو عبد الله بن فروخ، ومسرور الطبّاخ مولى أبي الحسن (عليه السلام)، وأحمد، ومحمّد ابنا أبي الحسن، وإسحاق الكاتب من بني نوبخت، وصاحب الفداء، وصاحب الصرّة المختومة.
(ومن همدان: محمّد بن كشمرد، وجعفر بن حمدان، ومحمّد بن هارون بن عمران)(1136).
ومن الدينور: حسن بن هارون، وأحمد وأخوه، وأبو الحسن.
ومن أصفهان: ابن بادشايجه(1137).
ومن الصيمرة: زيدان.
ومن قم: الحسن بن النضر، ومحمّد بن محمّد، وعلي بن محمّد بن إسحاق، وأبوه، والحسين(1138) بن يعقوب.
ومن أهل الري: القاسم بن موسى، وابنه، وابن محمّد بن هارون، وصاحب الحصاة، وعلي بن محمّد، ومحمّد بن محمّد الكليني، وأبو جعفر الرفاء.
ومن قزوين: مرداس، وعلي بن أحمد.
ومن قابس: رجلان.
ومن شهرزور: ابن الخال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1136) ما بين القوسين لم يرد في (ق) و(ط)، وأثبتناه من (م).
(1137) كذا، وفي كمال الدين وبحار الأنوار: (ابن باذشالة، أو ابن بادشاكة).
(1138) في (ق)، (م): (الحسن).
ومن فارس: المجروح(1139).
ومن مرو: صاحب الألف دينار، وصاحب المال والرقعة البيضاء، وأبو ثابت.
ومن نيسابور: محمّد بن شعيب بن صالح.
ومن اليمن: الفضل بن يزيد، والحسن ابنه، والجعفري، وابن الأعجمي، والشمشاطي.
ومن مصر: صاحب المولودين، وصاحب المال بمكّة، وأبو رجاء.
ومن نصيبين: أبو محمّد بن الوجناء.
ومن الأهواز: الحصيني(1140).
الباب الرابع: في ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام)، ومدّة أيام ظهوره وطريقة أحكامه، وسيرته عند قيامه، وصفته، وحليته (1141)
أربعة فصول:
الفصل الأوّل: في ذكر علامات خروجه (عليه السلام):
قد جاءت الآثار بذكر علامات لزمان قيامه (عليه السلام)، فمن ذلك:
* ما رواه صفوان بن يحيى، عن محمّد بن حكيم، عن ميمون البان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1139) في (ق): (النجروح)، وفي كمال الدين: (المحروج).
(1140) كمال الدين: 442/ ح 16.
(1141) إعلام الورى 2: 277 - 295.
(خمس قبل قيام القائم: اليماني، والسفياني، والمنادي ينادي من السماء، وخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكية)(1142).
* ومنه ما رواه علي بن عاصم، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر، قال:
قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (لا تقوم الساعة حتَّى يخرج المهدي من ولدي، ولا يخرج المهدي حتَّى يخرج ستّون كذّاباً كلّهم يقول: أنا نبيّ)(1143).
* وروى الفضل بن شاذان، عمَّن رواه، عن أبي حمزة، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): خروج السفياني من المحتوم؟
قال: (نعم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من مغربها من المحتوم، واختلاف بني العبّاس محتوم، وقتل النفس الزكية محتوم، وخروج القائم من آل محمّد محتوم).
قلت له: وكيف يكون النداء؟
فقال: (ينادي منادٍ من السماء أوّل النهار: ألا إنَّ الحقّ مع آل علي وشيعته، ثمّ ينادي إبليس في آخر النهار: ألا إنَّ الحقّ مع عثمان(1144) وشيعته، فعند ذلك يرتاب المبطلون)(1145).
* وروى الحسن بن علي الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1142) كمال الدين: 649/ ح 1.
(1143) الإرشاد 2: 371؛ كشف الغمّة 2: 459؛ ورواه الطوسي في الغيبة: 434/ ح 424 دون ذكر: (حتَّى يخرج المهدي من ولدي ولا يخرج المهدي).
(1144) المراد عثمان بن عنبسة، وهو السفياني.
(1145) الإرشاد 2: 371؛ وباختلاف في: كمال الدين: 652/ ح 14؛ الغيبة للطوسي: 474/ ح 497؛ وصدره في: الفصول المهمّة: 435/ ح 425.
خديجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (لا يخرج القائم حتَّى يخرج قبله اثنا عشر من بني هاشم كلّهم يدعو إلى نفسه)(1146).
* وروى صالح بن عقبة، عن عبد الله بن محمّد الجعفي، عن جابر، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): (توقّوا آخر دولة بني العبّاس، فإنَّ لهم في شيعتنا لذعات أمضّ من الحريق الملتهب).
* وروى عمّار الساباطي، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: (آخر دولة ولد العبّاس ضرام عرفج(1147)، يلتهب، فتوقوهم فإن المتوقّي لهم فائز).
* وروى الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب الخزاز، والعلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، قال:
سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إنَّ قدام القائم علامات تكون من الله تعالى للمؤمنين).
قلت: فما هي جعلني الله فداك؟
قال: (ذاك قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) يعني المؤمنين قبل خروج القائم (بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)(1148))، قال: (يبلوهم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم، والجوع بغلاء الأسعار، ونقص من الأموال بكساد(1149)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1146) الإرشاد 2: 372؛ الغيبة للطوسي: 437/ ح 428؛ الخرائج والجرائح 3: 1162؛ كشف الغمّة 2: 459.
(1147) العرفج: شجر معروف صغير سريع الاشتعال بالنار، ولهبه شديد الحمرة، يبالغ بحمرته فيقال: كضرام عرفج. انظر: النهاية 3: 219؛ لسان العرب 2: 323.
(1148) البقرة: 155.
(1149) في (ط)، (ق): (بفساد).
التجارات وقلّة الفضل، ونقص من الأنفس بالموت الذريع، ونقص من الثمرات قلّة ريع ما يزرع وقلّة بركات الثمرات، وبشّر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم).
ثمّ قال لي: (يا محمد، هذا تأويله، إنَّ الله تعالى يقول: (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(1150))(1151).
* وروى علي بن مهزيار، عن عبد الله بن محمّد الحجال، عن ثعلبة بن ميمون، عن شعيب الحذاء، عن أبي صالح مولى بني العذراء، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (ليس بين قائم آل محمّد وبين قتل النفس الزكيّة إلَّا خمس عشرة ليلة)(1152).
* وروى محمّد بن أبي البلاد، عن علي بن محمّد الأودي، عن أبيه، عن جدّه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال:
(بين يدي القائم موت أحمر وموت أبيض، وجراد في حينه وجراد في غير حينه، كألوان الدم، فأمَّا الموت الأحمر فالسيف، وأمَّا الموت الأبيض فالطاعون)(1153).
* وروى الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1150) آل عمران: 7.
(1151) كمال الدين: 649/ ح 3؛ الغيبة للنعماني: 250/ ح 5؛ دلائل الإمامة: 259؛ وباختلاف يسير في: الإمامة والتبصرة: 139/ ح 132؛ والإرشاد 2: 377؛ والخرائج والجرائح 3: 1153/ ح 60.
(1152) كمال الدين: 649/ ح 2؛ الغيبة للطوسي: 445/ ح 440؛ الإرشاد 2: 274.
(1153) الإرشاد 2: 372؛ الغيبة للطوسي: 438/ ح 430؛ الغيبة للنعماني: 277/ ح 61؛ الخرائج والجرائح 3: 1152.
الزم الأرض ولا تحرّك يداً ولا رجلاً حتَّى ترى علامات أذكرها لك، وما أراك تدرك (ذلك): اختلاف بني العبّاس، ومنادٍ ينادي من السماء، وخسف قرية من قرى الشام تسمّى الجابية، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، واختلاف كثير عند ذلك في كلّ أرض حتَّى تخرب الشام، ويكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني)(1154).
* وروى قتيبة، عن محمّد بن عبد الله بن منصور البجلي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن اسم السفياني فقال: (وما تصنع باسمه؟! إذا ملك كور الشام الخمس: دمشق، وحمص، وفلسطين، والأردن، وقنسرين، فتوقَّعوا عند ذلك الفرج).
قلت: يملك تسعة أشهر؟
قال: (لا ولكن يملك ثمانية أشهر لا تزيد يوماً)(1155).
* وروى محمّد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): قال أبي (عليه السلام): قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
(يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس، وهو رجل ربعة، وحش الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر جدري، إذا رأيته حسبته أعور، اسمه عثمان وأبو عيينة، وهو من ولد أبي سفيان، حتَّى يأتي أرضاً ذات قرار ومعين فيستوي على منبرها)(1156).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1154) الإرشاد 2: 372؛ الاختصاص: 249؛ الغيبة للنعماني: 279/ ح 67؛ الغيبة للطوسي: 441/ ح 434؛ الخرائج والجرائح 3: 1156؛ الفصول المهمّة: 301.
(1155) كمال الدين: 651/ ح 11.
(1156) كمال الدين: 651/ ح 9؛ الخرائج والجرائح 3: 1150.
* وروى علي بن أبي حمزة، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) في قوله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)(1157).
قال: (الفتن في آفاق الأرض، والمسخ في أعداء الحقّ)(1158).
* وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ)(1159).
قال: (سيفعل الله ذلك بهم).
قال: فقلت: من هم؟
قال: (بنو أميّة وشيعتهم).
قلت: وما الآية؟
قال: (ركود الشمس ما بين زوال الشمس إلى وقت العصر، وخروج صدر رجل ووجهه في عين الشمس يعرف بحسبه ونسبه، ذلك في زمان السفياني وعندها يكون بواره وبوار قومه)(1160).
* العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال:
(إذا رأيتم ناراً من المشرق كهيأة المرد(1161) العظيم يطلع ثلاثة أيّام أو سبعة - الشكّ من العلاء - فتوقَّعوا فرج آل محمّد، إنَّ الله عزيز كريم)(1162).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1157) فصّلت: 53 .
(1158) الإرشاد 2: 373.
(1159) الشعراء: 4.
(1160) الإرشاد 2: 373.
(1161) كذا في نسخنا، وفي الغيبة للنعماني: (الهردي)، وهو الثوب المصبوغ بالهرد، أي بالكركم. وقيل: هو الذي يصبغ بالورس ثمّ بالزعفران فيجيء لونه مثل لون زهزة الحوذانة. ولعلَّ المراد به أنَّ لون هذه النار العظيمة صفراء تميل إلى الحمرة لشدّة اشتعالها، والله تعالى هو العالم. انظر: لسان العرب 3: 435.
(1162) الغيبة للنعماني: 253/ ح 13.
* علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
(إنَّ قدام القائم لسنة غيداقة(1163) تفسد الثمر في النخل، فلا تشكّوا في ذلك)(1164).
* سيف بن عميرة، عن بكر بن محمّد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
(خروج الثلاثة: السفياني والخراساني واليماني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، وليس فيها راية أهدى من راية اليماني، لأنَّه يدعو إلى الحقّ)(1165).
* علي بن أسباط، عن الحسن بن الجهم، قال: سأل رجل أبا الحسن (عليه السلام) عن الفرج، فقال:
(تريد الإكثار أم أجمل لك؟).
قال: بل تجمل لي.
قال: (إذا ركزت رايات قيس بمصر، ورايات كندة بخراسان)(1166).
* إبراهيم بن محمّد بن جعفر، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
(سنة الفتح ينشقّ الفرات حتَّى يدخل أزقّة الكوفة)(1167).
* الحسين بن يزيد، عن منذر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
يزجر الناس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر في السماء، وحمرة تجلل السماء، وخسف ببغداد، وخسف ببلد البصرة، ودماء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1163) الغدق: المطر الكثير العام، وقد غيدق المطر: كثر. (لسان العرب 10: 282).
(1164) الإرشاد 2: 377؛ الغيبة للطوسي: 449/ ح 450؛ الخرائج والجرائح 3: 1164.
(1165) الإرشاد 2: 375؛ الغيبة للطوسي: 446/ ح 443؛ الخرائج والجرائح 3: 1163.
(1166) الإرشاد 2: 376؛ الغيبة للطوسي: 448/ ح 449؛ الخرائج والجرائح 3: 1164.
(1167) الإرشاد 2: 377؛ الغيبة للطوسي: 451/ ح 456؛ الخرائج والجرائح 3: 1164.
تسفك بها، وخراب دورها، وفناء يقع في أهلها، وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار)(1168).
* الفضل بن شاذان، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن ثعلبة الأزدي، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام):
(آيتان تكونان قبل قيام القائم: كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره).
قال: فقلت: يا ابن رسول الله، تنكسف الشمس في النصف من الشهر والقمر في آخر الشهر؟
فقال: (أنا أعلم بما قلت، إنَّهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم (عليه السلام))(1169).
* عبد الله بن بكير، عن عبد الملك بن إسماعيل، عن أبيه، عن سعيد ابن جبير، قال: إنَّ السنة التي يقوم فيها المهدي تمطر الأرض أربع وعشرين مطرة ترى آثارها وبركاتها(1170) إن شاء الله(1171).
الفصل الثاني: في ذكر السنة التي يقوم فيها القائم (عليه السلام)، واليوم الذي يقوم فيه:
* روى الحسن بن محبوب، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1168) الإرشاد 2: 378.
(1169) الكافي 8 : 212/ ح 258؛ الإرشاد 2: 374؛ الغيبة للطوسي: 444/ ح 439؛ الغيبة للنعماني: 271/ ح 45.
(1170) في (ط): (وبركتها).
(1171) الإرشاد 2: 373؛ الغيبة للطوسي: 443/ ح 435.
(لا يخرج القائم إلَّا في وتر من السنين، سنة إحدى، أو ثلاث، أو خمس، أو سبع، أو تسع)(1172).
* الفضل بن شاذان، عن محمّد بن علي الكوفي، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):
(ينادى باسم القائم في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، ويقوم في يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي (عليهما السلام).
لكأنّي به في يوم السبت العاشر من المحرَّم قائماً بين الركن والمقام، جبرئيل بين يديه ينادي بالبيعة له، فتصير إليه شيعته من أطراف الأرض، تطوى لهم طيّاً، حتَّى يبايعوه، فيملأ الله به الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(1173).
الفصل الثالث: في ذكر نبذ من سيرته عند قيامه، وطريقة أحكامه، ووصف زمانه، ومدّة أيّامه:
* روى الحجال، عن ثعلبة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قال:
(كأنّي بالقائم على نجف الكوفة قد سار إليها من مكّة في خمسة آلاف من الملائكة، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، والمؤمنون بين يديه، وهو يفرق الجنود في الأمصار)(1174).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1172) الإرشاد 2: 378؛ الغيبة للطوسي: 453/ ح 460؛ روضة الواعظين: 263؛ الخرائج والجرائح 3: 1161؛ الفصول المهمّة: 302.
(1173) الإرشاد 2: 379؛ الغيبة للطوسي: 453/ ح 459؛ روضة الواعظين: 263، وفيها: (البيعة لله) بدل (بالبيعة له).
(1174) إرشاد المفيد 2: 379؛ روضة الواعظين: 264.
* وفي رواية عمرو بن شمر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: ذكر المهدي فقال:
(يدخل الكوفة وفيها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له، ويدخل حتَّى يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء، فإذا كانت الجمعة الثانية سأله الناس أن يصلّي بهم الجمعة، فيأمر أن يخطّ له مسجد على الغري، ويصلّي بهم هناك، ثمّ يأمر من يحفر من ظهر مشهد الحسين (عليه السلام) نهراً يجري إلى الغريين حتَّى ينزل الماء في النجف، ويعمل على فوهته القناطير والارحاء، فكأنّي بالعجوز على رأسها مكتل فيه بر تأتي تلك الارحاء فتطحنه بلا كراء)(1175).
* وفي رواية المفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
(إذا قام قائم آل محمّد بنى في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب، واتَّصلت بيوت أهل الكوفة بنهر كربلاء)(1176).
قال: وسمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
(إذا أذن الله تعالى للقائم بالخروج صعد المنبر فدعا الناس إلى نفسه، وناشدهم بالله، ودعاهم إلى حقّه، على أن يسير فيهم بسيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ويعمل فيهم بعمله، فيبعث الله (عزَّ وجلَّ) جبرئيل (عليه السلام) حتَّى يأتيه فينزل على الحطيم ثمّ يقول له: إلى أيّ شيء تدعو؟
فيخبره القائم فيقول جبرئيل: أنا أوّل من يبايعك اُبسط كفّك،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1175) الإرشاد 2: 380؛ الغيبة للطوسي: 468/ ح 485؛ روضة الواعظين: 263.
(1176) الإرشاد 2: 380؛ الغيبة للطوسي: 467/ ذيل الحديث 484؛ الخرائج والجرائح 3: 1176 لم يرد فيه ذيل الحديث.
فيمسح على يده، وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، فيبايعونه، ويقيم بمكّة حتَّى يتمّ أصحابه عشرة آلاف نفس، ثمّ يسير إلى المدينة)(1177).
* وروى محمّد بن عجلان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
(إذا قام القائم دعا الناس إلى الإسلام جديداً، وهداهم إلى أمر قد دثر وضلَّ عنه الجمهور، وإنَّما سمّي المهدي مهدياً [لأنَّه يهدي إلى أمر قد ضلَّوا عنه، وسمّي بالقائم](1178) لقيامه بالحقّ)(1179).
* وروى عبد الله بن المغيرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
(إذا قام القائم من آل محمّد أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثمّ أقام خمسمائة فضرب أعناقهم، ثمّ خمسمائة أخرى، حتَّى يفعل ذلك ستّ مرّات).
قلت: ويبلغ عدد هؤلاء هذا؟
قال: (نعم، منهم ومن مواليهم)(1180).
* وروى أبو بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):
(إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتَّى يرده إلى أساسه، وحوَّل المقام إلى الموضع الذي كان فيه، وقطع أيدي بني شيبة وعلَّقها بالكعبة، وكتب عليها: هؤلاء سرّاق الكعبة)(1181).
* وروى علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1177) الإرشاد 2: 382؛ روضة الواعظين: 265 لم يرد فيه ذيل الحديث.
(1178) ما بين المعقوفين أثبتناه من الإرشاد ليستقيم السياق.
(1179) الإرشاد 2: 383؛ روضة الواعظين: 264.
(1180) الإرشاد 2: 383؛ روضة الواعظين: 265.
(1181) الإرشاد 2: 383؛ روضة الواعظين: 265؛ ونحوه في: الغيبة للطوسي: 472/ ح 492.
(إذا قام القائم نزلت ملائكة بدر: ثلث على خيول شهب، وثلث على خيول بلق، وثلث على خيول حو).
قلت: يا ابن رسول الله، وما الحو؟
قال: (الحمر)(1182).
* وروى محمّد بن عطاء، عن سلام بن أبي عمرة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (إنَّ لصاحب هذا الأمر بيتاً يقال له: الحمد، فيه سراج يزهر منذ يوم ولد إلى يوم يقوم بالسيف)(1183).
* وروى أبو الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) - في حديث طويل - أنَّه قال:
(إذا قام القائم سار إلى الكوفة فيخرج منها بضعة عشر ألف نفس يدعون البترية، عليهم السلاح، فيقولون له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتَّى يأتي على آخرهم، ثمّ يدخل الكوفة فيقتل بها كلّ منافق مرتاب، ويهدم قصورها، ويقتل مقاتليها، حتَّى يرضى الله (عزَّ وجلَّ))(1184).
* وروى علي بن عقبة، عن أبيه، قال:
(إذا قام القائم (عليه السلام) حكم بالعدل، وارتفع في أيّامه الجور، وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها، وردّ كلّ حقّ إلى أهله، ولم يبقَ أهل دين حتَّى يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان، أمَا سمعت الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)(1185)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1182) الغيبة للنعماني: 244/ ح 44.
(1183) الغيبة للطوسي: 467/ ح 483؛ الغيبة للنعماني: 239/ ح 31؛ إثبات الوصيّة: 226.
(1184) الإرشاد 2: 384؛ روضة الواعظين: 265.
(1185) آل عمران: 83 .
وحكم بين الناس بحكم داود وحكم محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فحينئذٍ تظهر الأرض كنوزها، وتبدي بركتها، فلا يجد الرجل منكم يومئذٍ موضعاً لصدقته ولا لبرّه لشمول الغنى جميع المؤمنين).
ثمّ قال (عليه السلام): (إنَّ دولتنا آخر الدول، ولم يبقَ أهل بيت لهم دولة إلَّا ملكوا قبلنا لئلاَّ يقولوا - إذا رأوا سيرتنا -: لو ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(1186))(1187).
* وروى عبد الكريم الخثعمي، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كم يملك القائم؟
قال: (سبع سنين، تطول له الأيّام والليالي حتَّى تكون السنة من سنيه مكان عشر سنين من سنيكم هذه، فيكون ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه، وإذا آن قيامه مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيّام من رجب مطراً لم يرَ الناس مثله، فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم، فكأنّي أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون رؤوسهم من التراب)(1188).
* وروى أبو بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (إذا قام القائم (عليه السلام) سار إلى الكوفة فهدم بها أربع مساجد، ولم يبقَ مسجد على وجه الأرض له شرف إلَّا هدمه وجعلها جماً، ووسَّع الطريق الأعظم، وكسر كلّ جناح خارج في الطريق، وأبطل الكنف المآزيب، ولا يترك بدعة إلَّا أزالها،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1186) الأعراف: 128؛ القصص: 83 .
(1187) الإرشاد 2: 384؛ روضة الواعظين: 265.
(1188) الإرشاد 2: 381؛ روضة الواعظين: 164؛ وقطعة منه في: الغيبة للطوسي: 474/ ح 497؛ وصدره في: الفصول المهمّة: 302.
ولا سُنّة إلَّا أقامها، ويفتح قسطنطينية والصين وجبال الديلم، ويمكث على ذلك سبع سنين من سنيكم هذه، ثمّ يفعل الله ما يشاء).
قال: قلت له: جُعلت فداك، وكيف تطول السنون؟
قال: (يأمر الله تعالى الفلك بالثبوت وقلّة الحركة، فتطول الأيّام لذلك والسنون).
قال: قلت: إنَّهم يقولون: إنَّ الفلك إن تغيَّر فسد؟
قال: (ذلك قول الزنادقة، فأمَّا المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك وقد شقَّ الله القمر لنبيّه، وردَّ الشمس من قبله ليوشع بن نون، وأخبر بطول يوم القيامة وإنَّه (كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)(1189))(1190).
* وروى عاصم بن حميد الحناط، عن محمّد بن مسلم الثقفي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول:
(القائم منّا منصور بالرعب، مؤيّد بالنصر، تطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر به الله دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون، فلا يبقى في الأرض خراب إلَّا عمّر، وينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلّي خلفه).
قال: فقلت: يا ابن رسول الله، ومتى يخرج قائمكم؟
قال: (إذا تشبَّه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، وركبت ذوات الفروج السروج، وقبلت شهادات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1189) الحجّ: 47.
(1190) إرشاد المفيد 2: 385؛ روضة الواعظين: 264؛ ونحوه في: غيبة: 475/ ح 498، وصدره في: الفصول المهمّة: 302.
الزور وردَّت شهادات العدول، واستخفَّ الناس بالدماء وارتكاب الزنا وأكل الربا، واتّقي الأشرار مخافة ألسنتهم، وخرج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمّد بين الركن والمقام اسمه محمّد بن الحسن النفس الزكية، وجاءت صيحة من السماء بأنَّ الحقّ فيه وفي شيعته، فعند ذلك خروج قائمنا.
فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، فأوّل ما ينطق به هذه الآية: (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(1191).
ثمّ يقول: أنا بقية الله وخليفته وحجّته عليكم.
فلا يسلّم عليه مسلم إلَّا قال: السلام عليك يا بقية الله في أرضه.
فإذا اجتمع له العقد عشرة آلاف رجل فلا يبقى في الأرض معبود دون الله - من صنم ولا وثن - إلَّا وقعت فيه نار واحترق، وذلك بعد غيبة طويلة، ليعلم الله من يطيعه بالغيب ويؤمن به)(1192).
* وروى المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
(يخرج إلى القائم من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلاً، خمسة عشر من قوم موسى الذين كانوا يهدون بالحقّ وبه يعدلون، وسبعة من أصحاب الكهف، ويوشع ابن نون، وسلمان، وأبو دجانة الأنصاري، والمقداد بن الأسود، ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكّاماً)(1193).
* وروى عبد الله بن عجلان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
(إذا قام قائم آل محمّد حكم بين الناس بحكم داود، لا يحتاج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1191) هود: 86 .
(1192) كمال الدين: 330/ ح 16؛ وباختلاف يسير في: الفصول المهمّة: 302.
(1193) الإرشاد 2: 386؛ روضة الواعظين: 266؛ وباختلاف يسير في: تفسير العياشي 2: 32/ ح 90.
إلى بيّنة، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه، ويخبر كلّ قوم بما استبطنوه، ويعرف وليّه من عدوّه بالتوسّم، قال الله تعالى: (إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ)(1194)).
* وقد روي: أنَّ مدّة دولة القائم تسع عشر سنة، تطول أيّامها وشهورها على ما تقدَّم ذكره.
* وروي أيضاً: أنَّه (عليه السلام) يملك ثلاثمائة وتسع سنين، قدر ما لبث أصحاب الكهف في كهفهم(1195)، وهذا أمر مغيّب عنّا، والله أعلم بحقيقة ذلك.
* وروى المفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
(إنَّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها، واستغنى العباد عن ضوء الشمس، وذهبت الظلمة، ويعمّر الرجل في ملكه حتَّى يولد له ألف ذكر لا يولد فيهم إنثى، وتظهر الأرض كنوزها حتَّى يراها الناس على وجهها، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله، ويأخذ منه زكاته فلا يجد أحدا يقبل منه ذلك، لاستغناء الناس بما رزقهم الله من فضله)(1196).
الفصل الرابع: في ذكر صفة القائم وحليته:
* روى عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول:
(سأل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فقال: أخبرني عن المهدي ما اسمه؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1194) الحجر: 75.
(1195) الغيبة للطوسي: 474/ صدر الحديث 496؛ تاج المواليد: 153؛ دلائل الإمامة: 242 ضمن رواية.
(1196) الإرشاد 2: 381؛ روضة الواعظين: 264؛ وباختلاف في ذيل الحديث في: الغيبة للطوسي: 467/ ح 484؛ وصدره في: دلائل الإمامة: 241.
فقال: أمَّا اسمه، فإنَّ حبيبي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) عهد إليَّ أن لا أحدّث به حتَّى يبعثه الله تعالى.
قال: فأخبرني عن صفته.
فقال: هو شاب مربوع، حسن الوجه، حسن الشعر، يسيل شعره على منكبيه، ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه، بأبي ابن خيرة الإماء)(1197).
* وروى محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، عن أبيه، عن جدّه (عليهما السلام)، قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)على المنبر:
(يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض مشرب حمرة، مبدح البطن(1198)، عريض الفخذين، عظيم مشاش(1199) المنكبين، بظهره شامتان: شامة على لون جلده، وشامة على لون شامة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، له اسمان، اسم يخفى واسم يعلن، فأمَّا الذي يخفى فأحمد، وأمَّا الذي يعلن فمحمّد، فإذا هزَّ رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ووضع يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلَّا صار قلبه أشدُّ من زبر الحديد، وأعطاه الله (عزَّ وجلَّ) قوّة أربعين رجلاً، ولا يبقى ميّت إلَّا دخلت عليه تلك الفرحة في قبره، فهم يتزاورون في قبورهم ويتباشرون بقيام القائم (عليه السلام))(1200).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1197) الإرشاد 2: 382؛ الغيبة للطوسي: 470/ ح 487؛ روضة الواعظين: 266؛ وصدره في: كمال الدين: 648/ ح 3.
(1198) مبدح البطن: أي واسعها. انظر: الصحاح 1: 354/ مادة بدح.
(1199) المشاش (بالضمّ): رأس العظم. (القاموس المحيط 2: 288).
(1200) كمال الدين: 653/ ح 17.
* وروى أبو الصلت الهروي قال: قلت للرضا (عليه السلام): ما علامة القائم منكم إذا خرج؟
فقال: (علامته أن يكون شيخ السنّ، شابّ المنظر، حتَّى أنَّ الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها، وإنَّ من علاماته أن لا يهرم بمرور الأيّام والليالي عليه حتَّى يأتي أجله)(1201).
* وجاءت الرواية الصحيحة: بأنَّه ليس بعد دولة القائم (عليه السلام) دولة لأحد، إلَّا ما روي من قيام ولده إن شاء الله تعالى ذلك، ولم ترد به الرواية على القطع والثبات، وأكثر الروايات أنَّه لن يمضى (عليه السلام) من الدنيا إلَّا قبل القيامة بأربعين يوماً، يكون فيها الهرج، وعلامة خروج الأموات، وقيام الساعة، والله أعلم(1202).
الباب الخامس: في ذكر مسائل يسأل عنها أهل الخلاف في غيبة صاحب الزمان (عليه السلام) وحلّ الشبهات فيها بواضح الدليل ولائح البرهان (1203)
وهي سبع مسائل:
مسألة: [الوجه في غيبته (عليه السلام) على الاستمرار والدوام]:
قالوا: ما الوجه في غيبته (عليه السلام) على الاستمرار والدوام، حتَّى صار ذلك سبباً لإنكار وجوده، ونفي ولادته(1204)، وآباؤه (عليهم السلام) وإن لم يظهروا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1201) كمال الدين: 652/ ح 12.
(1202) ورد نصّ التعليق في الإرشاد 2: 387.
(1203) إعلام الورى 2: 297 - 311.
(1204) في (م) زيادة: (وكيف يجوز أن يكون إماماً للخلق ولم يظهر قطّ لأحد منهم).
الدعاء إلى نفوسهم فيما يتعلَّق بالامامة، فقد كانوا ظاهرين يفتون في الأحكام، فلا يمكن لأحد نفي وجودهم؟
الجواب: قد ذكر الأجلّ المرتضى - قدَّس الله روحه - في ذلك طريقة لم يسبقه إليها أحد من أصحابنا، فقال: إنَّ العقل إذا دلَّ على وجوب الإمامة فإنَّ كلّ زمان - كلّف المكلَّفون الذين يقع منهم القبيح والحسن، ويجوز عليهم الطاعة والمعصية - لا يخلو من إمام، لأنَّ خلوّه من الإمام إخلال بتمكينهم، وقادح في حسن تكليفهم.
ثمّ دلَّ العقل على أنَّ ذلك الإمام لا بدَّ أن يكون معصوماً من الخطأ، مأموناً منه كلّ قبيح، وثبت أنَّ هذه الصفة - التي دلَّ العقل على وجوبها - لا توجد إلَّا فيمن تدّعي الاماميّة إمامته، ويعرى منها كلّ من تدّعى له الإمامة سواه.
فالكلام في علّة غيبته وسببها واضح بعد أن تقرَّرت إمامته، لأنّا إذا علمنا أنَّه الإمام دون غيره، ورأيناه غائباً عن الأبصار، علمنا أنَّه لم يغب مع عصمته وتعيّن فرض الإمامة فيه وعليه إلَّا لسبب اقتضى ذلك، ومصلحة استدعته، وضرورة حملت عليه، وإن لم يعلم وجهه على التفصيل، لأنَّ ذلك ممَّا لا يلزم علمه، وجرى الكلام في الغيبة ووجهها مجرى العلم بمراد الله تعالى من الآيات المتشابهات في القرآن التي ظاهرها الجبر أو التشبيه.
فإنّا نقول: إذا علمنا حكمة الله سبحانه، وأنَّه لا يجوز أن يخبر بخلاف ما هو عليه من الصفات، علمنا - على الجملة - أنَّ لهذه الآيات وجوهاً صحيحة بخلاف ظاهرها، تطابق مدلول أدلّة العقل، وإن غاب عنّا العلم بذلك مفصّلاً، فإن تكلَّفنا الجواب عن ذلك، وتبرَّعنا بذكره، فهو فضل منّا غير واجب.
وكذلك الجواب لمن سأل عن الوجه في إيلام الأطفال، وجهة المصلحة في رمي الجمار والطواف بالبيت، وما أشبه ذلك من العبادات على التفصيل والتعيين، فإنّا إذا عوَّلنا على حكمة القديم سبحانه، وأنَّه لا يجوز أن يفعل قبيحاً، فلا بدَّ من وجه حسن في جميع ذلك وإن جهلناه بعينه، وليس يجب علينا بيان ذلك الوجه وأنَّه ما هو، وفي هذا سدّ الباب على مخالفينا في سؤالاتهم، وقطع التطويلات عنهم والإسهابات، إلَّا أن نتبرَّع بإيراد الوجه في غيبته (عليه السلام) على سبيل الاستظهار وبيان الاقتدار، وإن كان ذلك غير واجب علينا في حكم النظر والاعتبار.
فنقول: الوجه في غيبته (عليه السلام) هو خوفه على نفسه، ومن خاف على نفسه احتاج إلى الاستتار، فأمَّا لو كان خوفه على ماله أو على الأذى في نفسه لوجب عليه أن يتحمَّل ذلك كلّه لتنزاح علّة المكلَّفين في تكليفهم، وهذا كما نقوله في النبيّ في أنَّه يجب عليه أن يتحمَّل كلّ أذى في نفسه حتَّى يصحّ منه الأداء إلى الخلق ما هو لطف لهم، وإنَّما يجب عليه الظهور وإن أدّى إلى قتله كما ظهر كثير من الأنبياء وإن قتلوا، لأنَّ هناك كان في المعلوم أنَّ غير ذلك النبيّ يقوم مقامه في تحمّل أعباء النبوّة، أو أنَّ المصالح التي كان يؤدّيها ذلك النبيّ قد تغيَّرت، وليس كذلك حال إمام الزمان (عليه السلام)، فإنَّ الله تعالى قد علم أنَّه ليس بعده من يقوم مقامه في باب الإمامة والشريعة على ما كانت عليه، واللطف بمكانه لم يتغيَّر، ولا يصحّ تغيّره، فلا يجوز ظهوره إذا أدّى إلى القتل.
وإنَّما كان آباؤه (عليهم السلام) ظاهرين بين الناس يفتونهم ويعاشرونهم، ولم يظهر هو لأنَّ خوفه (عليه السلام) أكثر، فإنَّ الأئمّة الماضين من آبائه (عليهم السلام)
أسرّوا إلى شيعتهم أنَّ صاحب السيف هو الثاني عشر منهم، وأنَّه الذي يملأ الأرض عدلاً، وشاع ذلك القول من مذهبهم حتَّى ظهر ذلك القول بين أعدائهم، فكانت السلاطين الظلمة يتوقَّفون عن إتلاف آبائه لعلمهم بأنَّهم لا يخرجون بالسيف، ويتشوَّقون إلى حصول الثاني عشر ليقتلوه ويبيدوه.
ألا ترى أنَّ السلطان قي الوقت الذي توفّي فيه العسكري (عليه السلام) وكَّل بداره وجواريه من يتفقَّد حملهنَّ لكي يظفر بولده ويفنيه، كما أنَّ فرعون موسى لمَّا علم أنَّ ذهاب ملكه على يد موسى (عليه السلام) منع الرجال من أزواجهم، ووكَّل بذوات الأحمال منهنَّ ليظفر به.
وكذلك نمرود لمَّا علم أنَّ ملكه يزول على يد إبراهيم (عليه السلام) وكَّل بالحبالى من نساء قومه، وفرَّق بين الرجال وأزواجهم، فستر الله سبحانه ولادة إبراهيم وموسى (عليهما السلام) كما ستر ولادة القائم (عليه السلام) لما علم في ذلك من التدبير.
وأمَّا كون غيبته سبباً لنفي ولادته، فإنَّ ذلك لضعف البصيرة والتقصير عن النظر، وعلى الحقّ الدليل(1205) الواضح، لمن أراده، الظاهر لمن قصده.
مسألة ثانية: [الفرق بين وجود الإمام وعدمه]:
قالوا: إذا كان الإمام غائباً بحيث لا يصل إليه أحد من الخلق ولا ينتفع به، فما الفرق بين وجوده وعدمه؟
وإلَّا جاز أن يميته الله تعالى أو يعدمه حتَّى إذا علم أنَّ الرعيّة تمكّنه وتسلّم له وجده أو أحياه كما جاز أن يبيحه الاستتار حتَّى يعلم منهم التمكين له فيظهره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1205) كذا، وفي كشف الغمّة: (وعلى الحقّ فيه دليل واضح).
الجواب: أوّل ما نقوله: إنّا لا نقطع على أنَّ الإمام لا يصل إليه أحد، فهذا أمر غير معلوم، ولا سبيل إلى القطع به.
ثمّ إنَّ الفرق بين وجوده غائباً عن أعدائه للتقيّة - وهو في أثناء تلك الغيبة منتظر أن يمكّنوه فيظهر ويتصرَّف - وبين عدمه واضح، وهو أنَّ الحجّة هناك فيما فات من مصالح العباد لازمة لله تعالى، وههنا الحجّة لازمة للبشر، لأنَّه إذا خيف فغيّب شخصه عنهم كان ما يفوتهم من المصلحة - عقيب فعل كانوا هم السبب فيه - منسوباً إليهم، فيلزمهم في ذلك الذمّ، وهم المؤاخذون به، الملومون عليه.
وإذا أعدمه الله تعالى، كان ما يفوت العباد من مصالحهم، ويحرمونه من لطفهم وانتفاعهم به، منسوباً إلى الله تعالى، ولا حجّة فيه على العباد، ولا لوم يلزمهم، لأنَّهم لا يجوز أن ينسبوا فعلاً لله تعالى.
مسألة ثالثة: [حكم الحدود في زمن الغيبة]:
فإن قالوا: الحدود التي تجب على الجناة في حال الغيبة ما حكمها؟
فإن قلتم: تسقط من أهلها (فقد) صرَّحتم بنسخ الشريعة، وإن كانت ثابتة فمن الذي يقيمها والإمام مستتر غائب؟
الجواب: الحدود المستحقّة ثابتة في جنوب (الجناة بما)(1206) يوجبها من الأفعال، فإن ظهر الإمام ومستحقّوها باقون أقامها عليهم بالبيّنة أو الإقرار، وإن فات ذلك بموتهم كان الإثم في تفويت إقامتها على المخيفين للإمام، المحوجين إيّاه إلى الغيبة.
وليس هذا بنسخ لإقامة الحدود، لأنَّ الحدّ إنَّما تجب إقامته مع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1206) في نسخنا: (جناة بما)، ولعلَّه تصحيف، وأثبتنا ما رأيناه صواباً.
التمكّن وزوال المانع، وسقوط فرض إقامته مع الموانع وزوال التمكّن لا يكون نسخاً للشرع المتقرّر، لأنَّ الشرط في الوجوب لم يحصل، وإنَّما يكون ذلك نسخاً لو سقط فرض إقامتها عن الإمام مع تمكّنه.
على أنَّ هذا أيضاً يلزم مخالفينا إذا قيل لهم: كيف الحكم في الحدود في الأحوال التي لا يتمكّن فيها أهل الحلّ والعقد من اختيار الإمام ونصبه؟
وهل تبطل أو تثبت من تعذّر إقامتها؟
وهل يقتضي هذا التعذّر نسخ الشريعة؟
فكلّ ما أجابوا به عن ذلك فهو جوابنا بعينه.
مسألة رابعة: [معرفة الحقّ مع الغيبة]:
فإن قالوا: فالحقّ مع غيبة الإمام كيف يدرك؟
فإن قلتم: لا يدرك ولا يوصل إليه، فقد جعلتم الناس في حيرة وضلالة مع الغيبة.
وإن قلتم: يدرك الحقّ من جهة الأدلّة المنصوبة(1207) عليه فقد صرَّحتم بالاستغناء عن الإمام بهذه الأدلّة، وهذا يخالف مذهبكم.
الجواب: إنَّ الحق على ضربين عقلي وسمعي، فالعقلي يدرك بالعقل، ولا يؤثّر فيه وجود الإمام ولا فقده.
والسمعي عليه أدلّة منصوبة من أقوال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) ونصوصه، وأقوال الأئمّة الصادقين (عليهم السلام)، وقد بيَّنوا ذلك وأوضحوه، غير أنَّ ذلك وإن كان على ما قلناه فالحاجة إلى الإمام مع ذلك ثابتة، لأنَّ جهة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1207) في (م): (المنصوص بها).
الحاجة إليه - المستمرة في كلّ عصر وعلى كلّ حال - هي كونه لطفاً في فعل الواجب العقلي من الإنصاف والعدل واجتناب الظلم والبغي، وهذا ممَّا لا يقوم غيره مقامه فيه.
فأمَّا الحاجة إليه من جهة الشرع فهي أيضاً ظاهرة، لأنَّ النقل الوارد عن النبيّ والأئمّة (عليهم السلام) يجوز أن يعدل الناقلون عن ذلك إمَّا بتعمّد أو شبهة فينقطع النقل أو يبقى فيمن ليس نقله حجّة ولا دليلاً، فيحتاج حينئذٍ إلى الإمام ليكشف ذلك ويبيّنه(1208)، وإنَّما يثق المكلَّفون بما نقل إليهم وأنَّه جميع الشرع إذا علموا أنَّ وراء هذا النقل إماماً متى اختلَّ سدّ خلله وبيَّن المشتبه فيه.
فالحاجة إلى الإمام ثابتة مع إدراك الحقّ في أحوال الغيبة من الأدلّة الشرعية، على أنّا إذا علمنا بالإجماع أنَّ التكليف لازم لنا إلى يوم القيامة ولا يسقط بحال، علمنا أنَّ النقل ببعض الشريعة لا ينقطع في حال تكون تقيّة الإمام فيها مستمرة، وخوفه من الأعداء باقياً، ولو اتَّفق ذلك لما كان إلَّا في حال يتمكّن فيها الإمام من البروز والظهور، والإعلام والإنذار.
مسألة خامسة: [انتفاء علّة الغيبة عند البعض]:
فإن قالوا: إذا كانت العلّة في غيبة الإمام خوفه من الظالمين واتّقاء من المخالفين فهذه العلّة منتفية عن أوليائه فيجب أن يكون ظاهراً لهم أو يجب أن يسقط عنهم التكليف الذي إمامته لطف فيه.
الجواب: قد أجاب أصحابنا عن هذا السؤال بأجوبة:
أحدها: أنَّ الإمام ليس في تقيّة من أوليائه وإن غاب عنهم كغيبته من أعدائه لخوفه من إيقاعهم الضرر به، وعلمه بأنَّه لو ظهر لهم لسفكوا دمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1208) في (ط): (ويثبته).
وغيبته عن أوليائه لغير هذه العلّة، وهو أنَّه أشفق من إشاعتهم خبره، والتحدّث منهم كذلك على وجه التشرّف بذكره، والاحتجاج بوجوده، فيؤدّي ذلك إلى علم أعدائه بمكانه، فيعقب علمهم بذلك ما ذكرناه من وقوع الضرر به.
وثانيها: أنَّ غيبته عن أعدائه للتقيّة منهم، وغيبته عن أوليائه للتقيّة عليهم، والإشفاق من إيقاع الضرر بهم، إذ لو ظهر للقائلين بإمامته وشاهده بعض أعدائه وأذاع خبره طولب أولياؤه به، فإذا فات الطالب بالاستتار أعقب ذلك عظيم المكروه والضرر بأوليائه، وهذا معروف بالعادات.
وثالثها: أنَّه لا بدَّ أن يكون في المعلوم أنَّ في القائلين بإمامته من لا يرجع عن الحقّ من اعتقاد إمامته، والقول بصحَّتها على حال من الأحوال، فأمره الله تعالى بالاستتار ليكون المقام على الإقرار بإمامته مع الشبه في ذلك وشدّة المشقّة أعظم ثواباً من المقام على الإقرار بإمامته مع المشاهدة له، فكانت غيبته عن أوليائه لهذا الوجه، ولم تكن للتقيّة منهم.
ورابعها: وهو الذي عوَّل عليه المرتضى - قدَّس الله روحه - قال: نحن أوّلاً: لا نقطع على أنَّه لا يظهر لجميع أوليائه، فإنَّ هذا أمر مغيّب عنّا، ولا يعرف كلّ منّا إلَّا حال نفسه، فإذا جوَّزنا ظهوره لهم كما جوَّزنا غيبته عنهم فنقول في علّة غيبته عنهم: إنَّ الإمام عند ظهوره من الغيبة إنَّما يميّز شخصه كما يعرف عينه بالمعجز الذي يظهر على يديه، لأنَّ النصوص الدالّة على إمامته لا تميّز شخصه من غيره كما ميّزت أشخاص آبائه، والمعجز إنَّما يعلم دلالته بضرب من الاستدلال، والشبه تدخل في ذلك، فلا يمتنع أن يكون كلّ من لم يظهر له من أوليائه، فإنَّ المعلوم من حاله أنَّه متى ظهر له قصَّر في النظر في معجزه، ولحق لهذا التقصير بمن يخاف منه من الأعداء.
على أنَّ أولياء الإمام وشيعته منتفعون به في حال غيبته، لأنَّهم مع علمهم بوجوده بينهم، وقطعهم بوجوب طاعته عليهم، لا بدَّ أن يخافوه في ارتكاب القبيح، ويرهبوا من تأديبه وانتقامه ومؤاخذته فيكثر منهم فعل الواجب، ويقلّ ارتكاب القبيح(1209)، أو يكونوا إلى ذلك أقرب، فيحصل لهم اللطف به مع غيبته، بل ربَّما كانت الغيبة في هذا الباب أقوى، لأنَّ المكلَّف إذا لم يعرف مكانه، ولم يقف على موضعه، وجوز فيمن لا يعرفه أنَّه الإمام، يكون إلى فعل الواجب أقرب منه إلى ذلك لو عرفه ولم يجوز فيه كونه إماماً.
فإن قالوا: إنَّ هذا تصريح منكم بأنَّ ظهور الإمام كاستتاره في الانتفاع به والخوف منه.
فنقول: إنَّ ظهوره لا يجوز أن يكون في المنافع كاستتاره، وكيف يكون ذلك وفي ظهوره وقوّة سلطانه انتفاع الوليّ والعدوّ، والمحبّ والمبغض، ولا ينتفع به في حال الغيبة إلَّا وليّه دون عدوّه، وأيضاً فإنَّ في انبساط يده منافع كثيرة لأوليائه وغيرهم، لأنَّه يحمي حوزتهم ويسدّ ثغورهم، ويؤمن طرقهم، فيتمكَّنون من التجارات والمغانم، ويمنع الظالمين من ظلمهم، فتتوفَّر أموالهم، وتصلح أحوالهم.
غير أنَّ هذه منافع دنيوية لا يجب إذا فاتت بالغيبة أن يسقط التكليف معها، والمنافع الدينية الواجبة في كلّ حال بالإمامة قد بيَّنا أنَّها ثابتة لأوليائه مع الغيبة، فلا يجب سقوط التكليف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1209) في (م): (المعصية).
مسألة سادسة: [طول العمر وكمال العقل]:
قالوا: لا يمكن أن يكون في العالم بشر له من السنّ ما تصفونه لإمامكم، وهو مع ذلك كامل العقل، صحيح الحسّ، وأكثروا التعجّب من ذلك، وشنعوا به علينا.
والجواب: أنَّ من لزم طريق النظر، وفرَّق بين المقدور والمحال، لم ينكر ذلك، إلَّا أن يعدل عن الإنصاف إلى العناد والخلاف. وطول العمر وخروجه عن المعتاد لا اعتراض به لأمرين:
أحدهما: إنّا لا نسلّم أنَّ ذلك خارق للعادة، لأنَّ تطاول الزمان لا ينافي وجود الحياة، وإنَّ مرور الأوقات لا تأثير له في العلوم والقدر، ومن قرأ الأخبار ونظر فيما سطر في الكتب من ذكر المعمّرين علم أنَّ ذلك ممَّا جرت العادة به، وقد نطق القرآن بذكر نوح وأنَّه لبث في قومه ألف سنة إلَّا خمسين عاماً.
وقد صنّفت الكتب في أخبار المعمّرين من العرب والعجم، وقد تظاهرت الأخبار بأنَّ أطول بني آدم عمراً الخضر (عليه السلام)، وأجمعت الشيعة وأصحاب الحديث بل الأمّة بأسرها - ما خلا المعتزلة والخوارج - على أنَّه موجود في هذا الزمان، حيّ كامل العقل، ووافقهم على ذلك أكثر أهل الكتاب. ولا خلاف في أنَّ سلمان الفارسي أدرك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وقد قارب من عمره أربعمائة عام.
وهب أنَّ المعتزلة والخوارج يحملون أنفسهم على دفع الأخبار، فكيف يمكنهم دفع القرآن وقد نطق بدوام أهل الجنّة والنار، وجاءت الأخبار بلا خلاف بين الأمّة فيها بأنَّ أهل الجنّة لا يهرمون ولا يضعفون، ولا يحدث بهم نقصان في الأنفس ولو كان ذلك منكراً من جهة العقول لما جاء به القرآن، ولا حصل عليه الإجماع، ومن اعترف بالخضر (عليه السلام) لم يصحّ منه هذا الاستبعاد،
ومن أنكره حجّته الأخبار، وجاءت الرواية عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (لمَّا بعث الله نوحاً إلى قومه بعثه وهو ابن خمسين ومائتي سنة، ولبث في قومه ألف سنة إلَّا خمسين عاماً، وبقي بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة، فلمَّا أتاه ملك الموت (عليه السلام) قال له: يا نوح، يا أكبر الأنبياء، ويا طويل العمر، ويا مجاب الدعوة، كيف رأيت الدنيا؟
قال: مثل رجل بني له بيت له بابان فدخل من واحد وخرج من الآخر)(1210).
وكان لقمان بن عاد الكبير أطول الناس عمراً بعد الخضر، وذلك أنَّه عاش ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة، ويقال: إنَّه عاش عمر سبعة أنسر، وكان يأخذ فرخ النسر الذكر فيجعله في الجبل فيعيش النسر منها ما عاش، فإذا مات أخذ آخر فربّاه، حتَّى كان آخرها لبد وكان أطولها عمراً فقيل: أتى أبد على لبد(1211).
وعاش الربيع بن ضبع الفزاري ثلاثمائة سنة وأربعين سنة، وأدرك النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهو الذي يقول:
ها أنا ذا آمل الخلود وقد * * * أدرك عمري ومولدي حجرا
أما امرئ القيس قد سمعت به * * * هيهاتَ هيهاتَ طال ذا عمرا
وهو القائل:
إذا عاش الفتى مائتين عاما * * * فقد أودى المسرة والغناء
وله حديث طويل مع عبد الملك بن مروان.
وعاش المستوعر بن ربيعة ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين سنة، وهو الذي يقول:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1210) راجع كتاب المقنع في الغيبة للسيّد المرتضى (رحمه الله)، والمنشور محقّقاً على صفحات مجلة تراثنا الفصليّة: العدد 27/ الصفحة 155.
(1211) كمال الدين: 559.
ولقد سئمت من الحياة وطولها * * * وعمرت من بعد السنين سنينا
وعاش أكثم بن صيفي الأسدي ثلاثمائة وستّاً وثلاثين سنة، وهو الذي يقول:
وإن امرءاً قد عاش تسعين حجّة * * * إلى مائة لم يسأم العيش جاهل
خلت مائتان غير ستّ وأربع * * * وذلك من عدّ الليالي قلائل
وكان ممَّن أدرك النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وآمن به، ومات قبل أن يلقاه.
وعاش دريد بن زيد أربعمائة سنة وستّاً وخمسين سنة، فلمَّا حضره الموت قال:
ألقى علي الدهر رجلاً ويدا * * * والدهر ما أصلح يوماً أفسدا
يفسد ما أصلحه اليوم غدا
وعاش دريد بن الصمة مائتي سنة، وقتل يوم حنين.
عاش صيف(1212) بن رياح بن أكثم مائتي سنة وسبعين سنة، لا ينكر من عقله شيئاً وهو ذو الحلم، زعموا فيه ما قال المتلمّس:
لذي الحلم قبل اليوم ما يقرع العصا * * * وما علم الإنسان إلَّا ليعلما
وعاش نصر بن دهمان بن سليم بن أشجع مائة وتسعين سنة حتَّى سقطت أسنانه، وابيضَّ رأسه، فاحتاج قومه إلى رأيه، فدعوا الله أن يرد إليه عقله، فعاد إليه شبابه واسودَّ شعره، فقال في ذلك سلمة بن الخرشب:
لنصر بن دهمان الهنيدة(1213) عاشها * * * وتسعين حولاً ثمّ قوم فانصاتا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1212) في (م): (صيفي).
(1213) الهنيدة: المائة من الإبل وغيرها. (الصحاح 2: 557).
وعاد سواد الرأس بعد بياضه * * * وراجعه شرخ الشباب الذي فاتا
وعاش مملياً في رخاء وغبطة(1214) * * * ولكنَّه من بعد ذا كلّه ماتا
وعاش ضبيرة بن سعيد السهمي مائتين وعشرين سنة، وكان أسود الرأس، صحيح الأسنان.
وعاش عمرو بن حممة الدوسي أربعمائة سنة، وهو الذي يقول:
كبرت وطال العمر حتَّى كأنَّني * * * سليم يراعي ليله غير مودع
فلا الموت أفناني ولكن تتابعت * * * عليَّ سنون من مصيف ومرتع
ثلاث مئات قد مررن كواملا * * * وها أنا ذا أرتجي مرَّ أربع
وروى الهيثم بن عدي، عن مجاهد، عن الشعبي قال: كنّا عند ابن عبّاس في قبّة زمزم وهو يفتي الناس، فقام إليه أعرابي فقال: قد أفتيت أهل الفتوى فافت أهل الشعر.
فقال: قل. قال: ما معنى قول الشاعر:
لذي الحلم قبل اليوم ما يقرع العصا * * * وما علم الإنسان إلَّا ليعلما
قال: ذلك عمرو بن حممة الدوسي، قضى على العرب ثلاثمائة سنة، فلمَّا كبر ألزموه السادس أو السابع من ولد ولده، فقال: إنَّ فؤادي بضعة منّي، فربَّما تغيَّر عليَّ في اليوم مراراً، وأمثل ما أكون فهماً في صدر النهار، فإذا رأيتني قد تغيَّرت فاقرع العصا، فكان إذا رأى منه تغيّر أقرع العصا فراجعه فهمه.
وعاش زهير بن حباب بن عبد الله بن كنانة بن عوف أربعمائة سنة وعشرين سنة، وكان سيّداً مطاعاً شريفاً في قومه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1214) كذا في المصدر وكشف الغمّة، وفي كمال الدين وكنز الفوائد وبحار الأنوار: (رواجع عقلاً بعد ما فات عقله...).
وعاش الحارث بن مضاض الجرهمي أربعمائة سنة، وهو القائل:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * * * أنيس ولم يسمر بمكّة سامر
بلى نحن كنّا أهلها فأبارنا * * * صروف الليالي والجدود العواثر
وعاش عامر بن الظرب(1215) العدواني مائتي سنة، وكان من حكماء العرب، وله يقول ذو الإصبع: ومنّا حكم يقضي ولا ينقض ما يقضي(1216).
فهذا طرف يسير ممَّا ذكر من المعمّرين، وفي إيراد أكثرهم إطالة في الكتاب، وإذا ثبت أنَّ الله سبحانه قد عمَّر خلقاً من البشر ما ذكرناه من الأعمار، وبعضهم حجج الله تعالى وهم الأنبياء، وبعضهم غير حجّة، وبعضهم كفّار، ولم يكن ذلك محالاً في قدرته، ولا منكراً في حكمته، ولا خارقاً للعادة، بل مألوفاً على الأعصار، معروفاً عند جميع أهل الأديان، فما الذي ينكر من عمر صاحب الزمان أن يتطاول إلى غاية عمر بعض من سمّيناه، وهو حجّة الله تعالى على خلقه، وأمينه على سرّه، وخليفته في أرضه، وخاتم أوصياء نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) وقد صحَّ عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنَّه قال: (كلّ ما كان في الأمم السالفة فإنَّه يكون في هذه الأمّة مثله حذو النعل بالنعل، والقذّة بالقذّة)(1217).
هذا وأكثر المسلمون يعترفون ببقاء المسيح (عليه السلام) حيّاً إلى هذه الغاية، شابّاً قويّاً، وليس في وجود الشباب مع طول الحياة - إن لم يثبت ما ذكرناه - أكثر من أنَّه نقض للعادة في هذا الزمان، وذلك غير منكر على ما نذكره.
والأمر الآخر أن نسلّم لمخالفينا أنَّ طول العمر إلى هذا الحدّ مع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1215) كذا في المصدر وكمال الدين، وفي بعض المصادر: (الضرب).
(1216) انظر: كمال الدين: 549؛ كشف الغمّة: 543.
(1217) كمال الدين: 576؛ عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 201/ ح 1.
وجود الشباب خارق للعادات - عادة زماننا هذا وغيره - وذلك جائز عندنا وعند أكثر المسلمين، فإنَّ إظهار المعجزات عندهم وعندنا يجوز على من ليس بنبيّ، من إمام أو وليّ، لا ينكر ذلك من جميع الأمّة إلَّا المعتزلة والخوارج، وإن سمّي بعض الأمّة ذلك كرامات لا معجزات، ولا اعتبار بالأسماء، بل المراد خرق العادات، ومن أنكر ذلك في باب الأئمّة فإنّا لا نجد فرقاً بينه وبين البراهمة في إنكارهم إظهار المعجزات ونقض العادات لأحد من البشر، وإلَّا فليأت القوم بالفصل، وهيهاتَ.
مسألة سابعة: [هل الإمام المهدي ناسخ لشريعة الإسلام؟]:
قالوا: إذا حصل الإجماع على أنَّ لا نبيّ بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأنتم قد زعمتم أنَّ القائم إذا قام لم يقبل الجزية من أهل الكتاب، وأنَّه يقتل من بلغ العشرين ولم يتفقَّه في الدين، ويأمر بهدم المساجد والمشاهد، وأنَّه يحكم بحكم داود (عليه السلام) لا يسأل عن بيّنة، وأشباه ذلك ممَّا ورد في آثاركم، وهذا يكون نسخاً للشريعة، وإبطالاً لأحكامها، فقد أثبتم معنى النبوّة وإن لم تتلفَّظوا باسمها، فما جوابكم عنها؟
الجواب: إنّا لا نعرف ما تضمَّنه السؤال من أنَّه (عليه السلام) لا يقبل الجزية من أهل الكتاب، وأنَّه يقتل من بلغ العشرين ولم يتفقَّه في الدين، فإن كان ورد بذلك خبر فهو غير مقطوع به.
أمَّا هدم المساجد والمشاهد فقد يجوز أن يختصّ بهدم ما بني من ذلك على غير تقوى الله تعالى، وعلى خلاف ما أمر الله سبحانه به، وهذا مشروع قد فعله النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم).
وأمَّا ما روي من أنَّه (عليه السلام) يحكم بحكم داود لا يسأل عن بيّنة
فهذا أيضاً غير مقطوع به، وإن صحَّ فتأويله: أنَّه يحكم بعلمه فيما يعلمه، وإذا علم الإمام أو الحاكم أمراً من الأمور فعليه أن يحكم بعلمه ولا يسأل البيّنة، وليس في هذا نسخ للشريعة.
على أنَّ هذا الذي ذكروه من ترك قبول الجزية واستماع البيّنة، لو صحَّ لم يكن ذلك نسخاً للشريعة، لأنَّ النسخ هو ما تأخَّر دليله عن الحكم المنسوخ ولم يكن مصاحباً له، فأمَّا إذا اصطحب الدليلان فلا يكون أحدهما ناسخاً لصاحبه وإن كان يخالفه في الحكم، ولهذا اتَّفقنا على أنَّ الله سبحانه لو قال: ألزموا السبت إلى وقت كذا، ثمّ لا تلزموه، أنَّ ذلك لا يكون نسخاً، لأنَّ الدليل الرافع مصاحب للدليل الموجب.
وإذا صحَّت هذه الجملة، وكان النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) قد أعلمنا بأنَّ القائم من ولده يجب اتّباعه وقبول أحكامه، فنحن إذا صرنا إلى ما يحكم به فينا - وإن خالف بعض الأحكام المتقدّمة - غير عاملين بالنسخ، لأنَّ النسخ لا يدخل فيما يصطحب الدليل، وهذا واضح.
وهذا ما أردنا أن نبيّن من مسائل الغيبة وجواباتها، واستقصاء الكلام في مسائل الإمامة والغيبة يخرج عن الغرض المقصود في هذا الكتاب، ومن تأمَّل كتابنا هذا، ونظر فيه بعين الإنصاف، وتصفَّح ما أثبتناه من الفصول والأبواب، وصل إلى الحقّ والصواب، ونحن نحمد الله سبحانه على ما يسَّره من ذلك، وسهَّله، وأعان عليه، ووفَّق له، ونسأله سبحانه وتعالى أن يجعل ما عملناه خالصاً لوجهه، وموصلاً إلى ثوابه، ومنجياً من عقابه، ويلحقنا دعاء من أوغل في شعابه، وغاص في الدرر الثمينة من لجج عبابه، واستفاد الغرر الثمينة من خلل أبوابه.
تمَّ الكتاب، والحمد لله أولاً وآخراً.
* * *
تاج المواليد في مواليد الأئمة ووفياتهم
تأليف: أمين الإسلام الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي المتوفى سنة 548 هـ
في ذكر الإمام القائم المهدى (عجَّل الله فرجه)
الباب الثالث عشر: في ذكر الإمام الحادي عشر وهو الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام)... (1218)
الفصل الخامس: في ذكر ولده (عليه السلام):
أمَّا الحسن العسكري (عليه السلام) فلم يكن له ولد سوى صاحب الزمان (عليه السلام)، ولم يخلف ولداً غيره ظاهراً وباطناً، وإنَّما خلفه (عليه السلام) غائباً مستتراً وخائفاً منتظراً لدفدلة الحقّ، وكان (عليه السلام) قد أخفى مولده وستر أمره لصعوبة الوقت وشدّة طلب سلطان الزمان له واجتهاده في البحث عن أمره ولمَّا شاع من مذهب الشيعة الإماميّة فيه وعرف من انتظارهم له، فلم يظهر ولده (عليهما السلام) في حياته إلَّا لجماعة من الثقات وأهل الأمانة من شيعته ولا عرفه الجمهور بعد وفاته إلَّا من اختصَّ به على ما سنذكره إن شاء الله.
الباب الرابع عشر: في ذكر الإمام الثاني عشر وهو القائم المهدي عليه وعلى آبائه الصلوة والسلام
وفيه خمسة فصول:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1218) تاج المواليد: 59 - 78.
الفصل الأوّل: في اسمه وكنيته ولقبه (عليه السلام):
الإمام الثاني عشر صلوات الله عليه، اسمه اسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وكنيته كنية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ولا يحل لأحد أن يسمّيه باسمه ولا أن يكنى بكنيته قبل خروجه من الغيبة، لما قد ورد النهي عن ذلك، وإنَّما يُعبّر عنه (عليه السلام) بأحد ألقابه، ومن ألقابه صلوات الله عليه المختصَّة به الحجّة، والقائم، والمهدى، والخلف الصالح، وصاحب الزمان، والمنتظر، وقد عبّر عنه وعن حسبته (عليه السلام) بالناحية المقدَّسة.
الفصل الثاني: في وقت ولادته (عليه السلام):
ولد (عليه السلام) بسُرَّ من رأى ليلة النصف من شعبان قبل طلوع الفجر سنه (255) خمس وخمسين ومأتين من الهجرة، قد آتاه الله سبحانه في حال الطفولية والصبى الحكمة وفصل الخطاب كما آتاهما يحيى صبياً، وجعله إماماً وهو طفل قد أتى عليه خمس سنين كما جعل عيسى بن مريم (عليه السلام) في المهد نبيّاً، وقد سبق النصّ عليه في ملّة الإسلام من النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) ثمّ من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومن الأئمّة الطاهرين (عليهم السلام) واحداً بعد واحد إلى ابنه الحسن (عليه السلام)، ونصَّ عليه أبوه (عليه السلام) عند ثقاته وشيعته، والنصوص عليه صلوات الله عليه متواترة على وجه لا يتخالج فيها الشكّ لأحد أنصف من نفسه لا يحتمل ذكرها هيهنا، وكانت أُمّه (عليه السلام) أُمّ ولد، اسمها نرجس وهي بنت ليشوعا بن قيصر ملك الروم من أولاد الحواريين من قبل الإمام(1219)، وكان اسمها عند أبيها مليكة، ولها قصَّة عجيبة لا يسعها هذا الكتاب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1219) كذا في المصدر المطبوع، والظاهر أنَّها زائدة.
الفصل الثالث: في تفصيل ما مضى من عمره (عليه السلام) وذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه والإشارة إلى شيء من سيره بعد قيامه:
مقدار ما مضى من عمر صاحب الزمان (عليه السلام) مائتان وأربع وخمسون سنة لأنَّه ولد سنة (255) خمس وخمسين ومائتين وتاريخ اليوم سنة (509) تسع وخمسمائة، وكان منها مع أبيه أبي محمّد (عليه السلام) خمس سنين يعرضه فيها كلّ وقت وحين على خواصه وأُمنائه الموثوق بهم من الشيعة الإماميّة، لزوال الشبهة وحصول اليقين لهم وانتشار الخبر بوجود صاحب الأمر صلوات الله عليه فيهم، وقد عرضه (عليه السلام) في مجلس واحد على أربعين نفساً منهم حتَّى حصل لهم العلم بوجوده عينه وتحقّقوه وشاهدوا منه الآيات والبراهين، فظلَّت أعناقهم لها خاضعين، فلمَّا قبض أبو محمّد (عليه السلام) وهو ابن خمس سنين، ثار جعفر بن علي أخو أبي محمّد وجاء بظاهر تركة أخيه (عليه السلام)، وسعى في حبس جواري أبي محمّد (عليه السلام) واعتقال حلائله، وشنع على أصحابه بانتظارهم ولده وقطعهم بوجوده والقول بإمامته، وأغرى بالقوم حتَّى أخافهم وشرَّدهم، وجرى على مخلفي أبي محمّد (عليه السلام) بسبب ذلك أمر عظيم من حبس وتهديد واستخفاف وذلّ، فلم يظفر السلطان منهم بطائل، ثمّ جاء إلى الشيعة الإماميّة، واجتهد في القيام عندهم مقام أخيه أبي محمّد (عليه السلام) فلم يقبل أحد منهم ذلك ولا اعتقدوا فيه...، فضى إلى سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه وبذل مالاً جليلاً وتقرَّب بكلّ ما ظنَّ أنَّه يتقرَّب به فلم ينتفع بشيء من ذلك، ولجعفر أخبار كثيرة في هذا المعنى لا يحتملها هذا الموضع.
[غيبته (عليه السلام) وسفراءه الأربعة]:
وأمَّا غيبته صلوات الله عليه فقد تواترت الأخبار بها قبل ولادته، واستفاضت بدولته قبل غيبته، وهو صاحب السيف من أئمّة الهدى (عليهم السلام)، والمنتظر لدولة الإيمان، والقائم بالحقّ، وله قبل قيامه غيبتان إحديهما أطول من الأخرى كما جاءت به الأخبار عن آبائه الصادقين (عليهم السلام)، فأمَّا الغيبة الصغرى، فمنذ ولد صلوات الله عليه إلى أن قطعت السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة.
وأمَّا الطولى فهي بعد الأولى، وفي آخرهما يقوم بالسيف صلوات الله عليه، وكان مدّة غيبة الأولى وهي زمان السفارة أربعاً وسبعين سنة منها خمس سنين مع أبيه (عليه السلام) وتسع وستون سنة بعد أبيه قد كان يُعرف فيها أخباره ويقتفى آثاره ويهتدى إليه بوجود سفير بينه وبينهم وباب قد دلَّ الدليل القاطع على صدقه وصحَّة بابيَّته وسفارته وهي المعجزة التي كانت تظهر على يد كلّ واحد من الأبواب، وعدد الأبواب وهم السفراء أربعة:
أوّلهم أبو عمرو عثمان بن سعيد العمرى (رضي الله عنه) وأرضاه، وكان أسدياً، وكان يتَّجر في السمن ومن أجل ذلك قيل له: السمّان، وكان (رضي الله عنه) باباً وثقة لأبيه وجدّه علي بن محمّد (عليهم السلام) من قبل، ثمّ تولّى البابية من قِبَل صاحب الأمر (عليه السلام)، وظهرت المعجزات الكثيرة على يديه من قِبَله (عليه السلام) وعلى أيدي الباقين من السفراء (رضي الله عنهم) بعد والسيل والليل، وكذلك يخرج على أيديهم التوقيعات وجوابات مسائل الشيعة، وتصل على أيديهم أيضاً الأخماس والصدقات إلى صاحب الأمر (عليه السلام) لتفرّقها في أهلها ويضعها في مواضعها، على هذا مضى لسبيله أبو عمرو عثمان بن سعيد (رضي الله عنه).
ثمّ قام ابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان مقامه بنصّ أبي محمّد (عليه السلام) ونصّ أبيه عثمان عليه بأمر صاحب الزمان (عليه السلام)، وسدَّ مسدَّه في جميع ما ينط به، وفوّض إليه القيام بذلك، ثمّ مضى على منهاج أبيه (رضي الله عنهما) في جمادى الآخر سنة (305) خمس وثلاثمائة، ويقال: سنة (304) أربع وثلاثمائة.
ثمّ قام مقامه أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت بنصّ أبي جعفر محمّد بن عثمان عليه، وأقامه مقام نفسه بأمر الإمام (عليه السلام)، وعاش (رضي الله عنه) سفيراً كما قد ذكرناه إحدى وعشرين سنة، ومات (رضي الله عنه) في شعبان سنة (326) ستّ وعشرين وثلثمائة.
وقام مقامه أبو الحسن علي بن محمّد السمري بنصّ أبي القاسم الحسين بن روح عليه ووصيّه إليه (رضي الله عنه)، وقام بالأمر على منهاج من مضى وتقدَّم عليه من الأبواب الثلاثة، وعلى ذلك أربع سنين، فلمَّا استكمل أيّامه وقرب أجله أخرج إلى الناس توقيعاً نسخته:
(بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنَّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام، فاجمع أمرك ولا توص على أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلَّا بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر، ولا حول ولا قوّة إلَّا بالله العلى العظيم).
فنسخوا هذا التوقيع وخرجوا من عنده، فلمَّا كان اليوم السادس عادوا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيّك؟ فقال: لله أمر هو بالغه، وقُبض، فهذا آخر كلام سمع منه (رضي الله عنه)، وكان وفاته في سنة (329) تسع وعشرين وثلاثمائة.
ووقعت بعد مضي السمري الغيبة الثانية، وهي أطولها وأتمّها، وقد أتى عليها ومضى منها إلى هذا التاريخ وهو سنة (509) تسع وخمسمائة كما قد ذكرناه فيما تقدَّم مائة وثمانون سنة، ولم يوقّت لأحد غايتها ولا نهايتها، فمن عيَّن لذلك وقتاً فقد افترى كذباً وزوراً، إلَّا أنَّه قد جاءت الآثار بذكر علامات لزمان قيامه (عليه السلام) وحوادث يكون أمام خروجه:
[في علائم ظهور الإمام القائم المهدي (عليه السلام)]:
فمنها: خروج السفياني، وقتل الحسني، واختلاف بني العبّاس في ملك(1220)، وكسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات، وخسف البيداء، وخسف بالمشرق، وركود الشمس عند الزوال إلى وقت العصر وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكيّة بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمى بين الركن والمقام، وإقبال رايات سود من قبل خراسان، وخروج اليماني، وظهور المغربي بمصر وتملّكه الشامات، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، وطلوع نجم بالمشرق يضيء كما يضيء القمر ثمّ ينعطف حتَّى يكاد يلتقى طرفاه، وحمرة تظهر في السماء وتنشر في آفاقها، ونار تظهر بالمشرق طولاً ويبقى في الجو ثلاثة أيّام أو سبعة أيّام، وخلع العرب أعنَّتها وتملّكها البلاد، وخروجها عن سلطان العجم، وقتل أهل مصر أميرهم، وخراب الشام، ودخول رايات قيس إلى مصر، ورايات كندة إلى خراسان. وورود خيل من المغرب حتَّى تربط بفناء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1220) كذا في المصدر، وفي روضة الواعظين: (ملك الدنيا)، وفي الإرشاد: (في الملك الدنياوي).
الحيرة. وإقبال رايات سود من المشرق نحوها، وشقّ في الفرات حتَّى يدخل الماء أزقّة الكوفة، وخروج ستّين كذّاباً كلّهم يدّعى النبوّة. وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلّهم يدّعي الإمامة لنفسه، وعقد الجسر ممَّا يلي الكرخ بمدينة بغداد، وارتفاع ريح سوداء بها في أوّل النهار، وزلزلة حتَّى يخسف كثير منها، وخوف أهل العراق، وموت ذريع فيه، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتَّى يأتي على الزرع والغلات، وقلّة ريع لما يزرعه الناس، واختلاف صنفين من العجم، وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعة ساداتهم وقتلهم مواليهم، ومسخ لقوم من أهل البدع حتَّى يصيروا قردة وخنازير، ونداء يسمعه أهل الأرض كلّ أهل لغة بلغتهم، فقيل له - أعني الرضا (عليه السلام) -: أيّ نداء هو؟ قال: ينادون في رجب ثلاثة أصوات، صوت، ألا لعنة الله على الظالمين، والصوت الثاني: أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين، والصوت الثالث: يرون بدناً بارزاً نحو عين الشمس يقول: إنَّ الله بعث فلاناً فاسمعوا وأطيعوا، فعند ذلك يأتي الناس الفرج، وتودّ الأموات أن كانوا أحياء، ويشفي الله صدور قوم مؤمنين، وموت أحمر، وموت أبيض، والموت الأحمر السيف، والأبيض الطاعون، وخروج رجل بقزوين اسمه اسم النبيّ يسرع الناس إلى طاعته المشرك والمؤمن يملأ الجبال خوفاً، وهدم حائط مسجد الكوفة مؤخّرة ممَّا يلي دار عبد الله بن مسعود، ومنادٍ ينادي باسم القائم (عليه السلام) ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان فيسمع ما بين المشرق إلى المغرب، فلا يبقى راقد إلَّا قام، ولا قائم إلَّا قعد، ولا قاعد إلَّا قام على رجليه من ذلك
الصوت وهو صوت جبرئيل (عليه السلام) الروح الأمين، وأموات ينشرون من القبور حتَّى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون ويتزاورون، ثمّ يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتَّصل، فتحيا بها الأرض من بعد موتها، وتعرف بركاتها وتزول بعد ذلك كلّ عاهة عن معتقدي الحقّ من شيعة المهدي (عليه السلام)، فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكّة فيتوجَّهون نحوه لنصرته كما جاءت بذلك الآثار.
فمن جملة هذه الأحداث محتومة، ومنها مشترطة، والله أعلم بما يكون، وإنَّما ذكرناها على حسب ما ثبتت في الأصول.
وجاءت الأخبار عنهم (عليهم السلام):
[ما بعد الظهور]:
أنَّ صاحب الزمان (عليه السلام) يخرج في وتر من السنين تسع أو سبع أو خمس أو ثلاث أو إحدى. ويقوم (عليه السلام) يوم السبت يوم عاشوراء، وإذا قام (عليه السلام) أُتي المؤمن في قبره فيقال له: إنَّه قد ظهر صاحبك فإن تشأ أن تلحق به فالحق، وإن تشأ تقم في كرامة ربّك فأقم به، ويبايعه بين الركن والمقام ثلاثمائة وثلاث عشر عدّة أهل بدر من النجباء والأبدال والأخيار، كلّهم شاب لا كهل فيهم، ثمّ يصير إليه شيعته من أطراف الأرض تطوى لهم طيّاً حتَّى يبايعوه، ويكون دار ملكه الكوفة وأكثر مقامه صلوات الله عليه بها، ويأمر بحفر نهر من ظهر مشهد الحسين (عليه السلام) يجري إلى الغري حتَّى تنزل الماء في النجف ويعمل على فوهته القناطر والأرجاء يطحن فيها بلا كراء، ويبني في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب، ويتَّصل بيوت أهل الكوفة بنهر كربلاء، ويعمّر الرجل حتَّى يولد له
ألف ذكر لا يولد فيهم [أنثى](1221)، وتظهر الأرض كنوزها حتَّى يراها الناس على وجهها، ويطلب الرجل منهم من يصله ماله ويأخذ زكاته فلا يجد أحداً يقبل منه ذلك استغناء بما رزقهم الله من فضله.
وحليته ونعته (عليه السلام): أنَّه يكون شابّاً مربوعاً حسن الوجه حسن الشعر يسبل شعره على منكبيه، ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه، وسيرته صلوات الله عليه أن يدعو الناس إلى الإسلام جديداً وهداهم إلى أمر قد دُثر وضلَّ عنه الجمهور، ويحكم بالعدل ويرتفع في أيّامه الجور، وأمنت به السبل، وتخرج الأرض بركاتها، ويرد كلّ حقّ إلى أهله، ولا يبقى أهل دين إلَّا وهو يظهر الإسلام ويعترف بالإيمان، ويحكم (عليه السلام) في الناس بحكم داود وحكم محمّد (عليهم السلام)، ويسير (عليه السلام) إلى الكوفة فهدم بها أربعة مساجد، ولا يبقى على وجه الأرض مسجد له شُرف إلَّا هدمها، وجعل المساجد كلّها جماء لا شرفة لها، ويكسر كلّ جناح خارج في الطريق، ويبطل الكنف والميازيب إلى الطرقات، ولا يترك بدعة إلَّا أزالها، ولا سُنّة إلَّا أقامها، ويفتح قسطنطينية والصين وجبال الديلم.
وأمَّا مقدار ملكه (عليه السلام)، فقد روي عن الباقر (عليه السلام) أنَّه يملك ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أهل الكهف في كهفهم، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويفتح الله له شرق الأرض وغربها، ويقتل الناس حتَّى لا يبقى إلَّا دين محمّد صلوات الله عليه وآله... تمام الخبر. ثمَّ يتوجَّه إلى الكوفة فينزلها وتكون دار ملكه كما قدَّمنا ذكره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1221) ما بين المعقوفتين أثبتناه من روضة الواعظين والإرشاد.
الفصل الرابع: في الإشارة إلى وقت وفاته (عليه السلام):
وقت وفاته (عليه السلام) يكون قبل القيامة بأربعين يوماً يكون فيها الفرج، وعلامة خروج الأموات وقيام الساعة للحساب والجزاء، ويُغلق باب التوبة، ويسقط التكليف، فلا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل.
الفصل الخامس: في ذكر ولده (عليه السلام):
وأمَّا الولد لصاحب الزمان (عليه السلام)، فقد وردت الروايات عنهم (عليهم السلام) بأنَّه يولد له الأولاد، وغير ممتنع أن يكون له في هذا الوقت أهل وولد، وجايز أن يكون ذلك بعد خروجه وفي أيّام دولته، ولا قطع على أحد الأمرين، والله أعلم.
* * *
للفقيه المحدث والمفسر الكبير قُطب الدين الراوندي المتوفى سنة 573 هجرية
تحقيق ونشر: مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام)
الجزء الأوّل: الباب الثالث عشر: في معجزات الإمام صاحب الزمان (عليه السلام): (1222)
* عن حكيمة [قالت:] دخلت يوماً على أبي محمّد (عليه السلام) فقال: ([يا عمّة] بيتي عندنا الليلة فإنَّ الله سيظهر الخلف فيها).
قلت: وممَّن؟
[قال: (من نرجس)(1223)، قلت:] فلست أرى بنرجس حملاً. قال: (يا عمّة إنَّ مثلها كمثل أُمّ موسى، لم يظهر حملها بها إلَّا وقت ولادتها).
فبتُّ أنا وهي في بيت، فلمَّا انتصف الليل صلَّيت أنا وهي صلاة الليل، فقلت في نفسي: قد قرب الفجر ولم يظهر ما قال أبو محمّد.
فناداني أبو محمّد (عليه السلام) [من الحجرة]: (لا تعجلي).
فرجعت إلى البيت خجلة، فاستقبلتني نرجس [وهي] ترتعد(1224) فضممتها إلى صدري، وقرأت عليها: (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)، و(إِنَّا أَنْزَلْناهُ)، وآية الكرسي، فأجابني الخلف من بطنها يقرأ كقراءتي(1225).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1222) الخرائج والجرائح 1: 455 - 484/ ح 1 - 22.
(1223) هي أُمّ الإمام المهدي (عليه السلام) وقد أخبر عنها الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة (عليهم السلام) بأنَّها خير الإماء في أحاديث كثيرة، ومن أسمائها أيضاً: صيقل، سوسن، حكيمة، مليكة... راجع كتاب أُمّهات الأئمّة (عليهم السلام): 107 (مخطوط)؛ والعوالم: حياة الإمام المهدي (عليه السلام) في باب أُمّه وأسمائها.
(1224) في (ط)، (م): (ترعد).
(1225) القرآن (خ ل).
قالت: وأشرق نور في البيت فنظرت فإذا الخلف تحتها ساجد [لله تعالى] إلى القبلة، فأخذته.
فناداني أبو محمّد (عليه السلام) من الحجرة: (هلمّي بابني إليَّ يا عمّة). قالت: فأتيته به فوضع لسانه في فيه وأجلسه على فخذه، وقال: (انطق يا ابني بإذن الله).
فقال: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)(1226) وصلّى الله على محمّد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن، والحسين وعلي بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمّد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي أبي).
قالت [حكيمة]: وغمرتنا طيور خضر فنظر أبو محمّد إلى طائر منها(1227) فدعاه فقال له: (خذه واحفظه حتَّى يأذن الله فيه فإنَّ الله بالغ أمره).
قالت حكيمة: قلت لأبي محمّد: ما هذا الطائر(1228) وما هذه الطيور؟
قال: (هذا جبرئيل، وهذه ملائكة الرحمة(1229))، ثمّ قال: (يا عمّة ردّيه إلى أُمّه كي تقرّ عينها ولا تحزن ولتعلم أنَّ وعد الله حقّ ولكن أكثر الناس لا يعلمون(1230))، فرددته إلى أُمّه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1226) القصص: 5 و6.
(1227) في (هـ)، (س): (منهم).
(1228) في (م)، (ط): (الطير).
(1229) في (م)، (ط): (الله).
(1230) اقتباس من: القصص: 13.
قالت [حكيمة]: ولمَّا ولد كان نظيفاً مفروغاً منه، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب: (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً)(1231).
* ومنها: ما روي عن السياري، [قال:] حدَّثتني نسيم ومارية قالتا: لمَّا خرج صاحب الزمان من بطن أُمّه سقط جاثياً على ركبتيه رافعاً سبابتيه(1232) نحو السماء ثمّ عطس، فقال: (الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله، عبداً داخراً(1233) لله غير مستنكف ولا مستكبر [ولا مستحسر](1234))، ثمّ قال: (زعمت الظلمة أنَّ حجّة الله داحضة(1235) ولو أذن لنا(1236) في الكلام لزال الشكّ).
* ومنها: ما روى علاّن، عن ظريف أبي نصر الخادم(1237)، قال: دخلت على صاحب الزمان (عليه السلام) وهو في المهد فقال لي: (عليَّ بالصندل الأحمر)، فأتيته به، فقال: (أتعرفني؟).
قلت: نعم، أنت سيّدي وابن سيّدي.
فقال: (ليس عن هذا سألتك).
فقلت: فسّر لي.
فقال: (أنا خاتم الأوصياء، وبي يرفع(1238) الله البلاء عن أهلي وشيعتي).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1231) اقتباس من: الإسراء: 81 .
(1232) في (م): (سبابته).
(1233) الداخر: الصاغر الذليل.
(1234) استحسر: تعب وأعيا.
(1235) داحضة: زائلة باطلة.
(1236) في (ط)، (هـ): (لي).
(1237) في (م): (طريف أبو نصر)، في (ط)، (س)، (هـ): (طريف، عن نصر) وما أثبتناه كما في الغيبة للطوسي، راجع: معجم رجال الحديث 9: 181.
(1238) في (س)، (ط)، (هـ): (يدفع).
* ومنها: ما روي عن أبي نعيم محمّد بن أحمد الأنصاري، قال: وجَّه قوم من المفوّضة(1239) كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمّد (عليه السلام)، قال: فقلت - في نفسي -: لمَّا دخلت عليه أسأله عن الحديث المروي عنه (عليه السلام): (لا يدخل الجنّة إلَّا من عرف معرفتي) وكنت جلست إلى باب عليه ستر مرخي(1240) فجاءت الريح فكشفت طرفه فإذا أنا بفتى كأنَّه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها.
فقال لي: (يا كامل بن إبراهيم!).
فاقشعررت من ذلك وألهمت أن قلت: لبيك يا سيّدي.
فقال: (جئت إلى وليَّ الله تسأله لا يدخل(1241) الجنّة إلَّا من عرف معرفتك وقال بمقالتك؟).
قلت: إي والله.
قال: (إذن والله يقلُّ داخلها، والله إنَّه ليدخلها قوم يقال لهم: الحقّيّة).
قلت: ومن هم؟
قال: (قوم - من حبّهم لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) - يحلفون بحقّه ولا يدرون ما حقّه وفضله)، أي قوم يعرفون ما يجب عليهم معرفته جملة(1242) لا تفصيلاً من معرفة الله تعالى ورسوله والأئمّة (عليهم السلام) ونحوها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1239) المفوّضة: فرقة من الغلاة. زعموا أنَّ الله خلق محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ثمّ فوَّض إليه خلق العالم فهو الذي خلق العالم دون الله تعالى، ثمّ فوَّض محمّد تدبير العالم إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام). معجم الفِرَق الإسلاميّة: 235؛ مجمع البحرين للطريحي مادة (فوَّض).
(1240) في (كشف الغمّة): (مسبل).
(1241) في (م)، (س): (هل يدخل).
(1242) في (ط): (مجملاً).
ثمّ قال: (وجئت تسأل عن مقالة المفوّضة(1243)، كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشيّة الله (عزَّ وجلَّ)، فإذا شاء الله تعالى شئنا، والله يقول: (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)(1244)).
فقال لي أبو محمّد (عليه السلام): (ما جلوسك وقد أنبأك بحاجتك [قم)، فقمت](1245).
* ومنها: ما روي عن رشيق حاجب المادراني(1246)، قال: بعث إلينا المعتضد(1247) [رسولاً] وأمرنا أن نركب ونحن ثلاثة نفر، ونخرج مخفين(1248) على السروج ونجنب أخر، وقال: الحقوا بسامراء، واكبسوا دار الحسن بن علي، فإنَّه توفّي ومن رأيتم فيها(1249) فأتوني برأسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1243) في (ط): (المفوّضة فينا أنا نتكلَّم بما يخطر في قلوبنا).
(1244) الإنسان: 30؛ التكوير: 29.
(1245) عنه كشف الغمّة 2: 499؛ ورواه في الهداية الكبرى: 359 بإسناده إلى أحمد الأنصاري، قال: (توجَّه قوم...)؛ ورواه الطبري في دلائل الإمامة: 173 بإسناده إلى أبي نعيم...؛ عنه بحار الأنوار 52: 50/ ح 35؛ وعن الغيبة للطوسي: 148 بإسناده إلى أحمد الأنصاري بطريقين؛ عنه إثبات الهداة 7: 19/ ح 320؛ وبحار الأنوار 70: 117/ ح 5، و72: 163/ ح 20، و79: 302/ ح 12؛ وأورده في ينابيع المودّة: 461 مرسلاً باختصار؛ عنه إحقاق الحقّ 19: 642، وله تخريجات أخر.
(1246) في (ط): (المادراى)، (المروائي). والظاهر أنَّ المادراني هو أحمد بن الحسن المادراني. ذكره القمي في الكنى والألقاب 3: 107 وله بيان فراجع.
(1247) هكذا في النسخ والمصادر. والظاهر أنَّه تصحيف (المعتمد). حيث بويع أبو العبّاس أحمد بن طلحة المعتضد بالله في اليوم الذي مات فيه المعتمد على الله عمّه وهو يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة سبع وسبعين ومائتين. بينما قبض الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في سنة ستّين ومائتين. راجع: مروج الذهب 4: 111 و143.
(1248) في (ط): (مختفين)، في (كشف الغمّة): (مخفين).
(1249) في (ط)، (كشف الغمّة): (في الدار).
فكبسنا الدار كما أمرنا، فوجدنا داراً سرّية(1250) كأنَّ الأيدي رفعت عنها في ذلك الوقت، فرفعنا الستر وإذا سرداب في الدار الأخرى، فدخلناه وكأنَّ فيه بحراً وفي أقصاه حصير - قد علمنا أنَّه على الماء - وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلّي فلم يلتفت إلينا ولا إلى شيء من أسبابنا. فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطّى فغرق في الماء، وما زال يضطرب حتَّى مددت يدي إليه فخلَّصته(1251) وأخرجته، فغشي عليه وبقي ساعة. وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك، فناله مثل ذلك، فبقيت مبهوتاً.
فقلت لصاحب البيت: المعذرة إلى الله وإليك، فوَالله ما علمت كيف الخبر، وإلى من نجيء(1252) وأنا تائب إلى الله.
فما التفت إليَّ بشيء ممَّا قلت، فانصرفنا إلى المعتضد.
فقال: اكتموه، وإلَّا أضرب(1253) رقابكم(1254).
* ومنها: ما روي عن يعقوب بن يوسف الضرّاب الغساني في منصرفه من أصفهان، قال: حججت في سنة إحدى وثمانين ومائتين وكنت مع قوم مخالفين من أهل بلدنا فلمَّا قدمنا مكّة نزلنا(1255) داراً في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1250) في (ط): (دار شبيه الجنّة).
(1251) في (ط)، (هـ): (فجذبته).
(1252) في (ط): (نحن).
(1253) في (ط)، (هـ): (اكتموا هذا الحال، وإلَّا ضربت).
(1254) عنه كشف الغمّة 2: 499؛ وإثبات الهداة 7: 324/ ح 92؛ وعن الغيبة للطوسي: 149؛ قال: وحدَّث عن رشيق صاحب المادراني مثله؛ عنه بحار الأنوار 52: 51/ ح 36؛ ومدينة المعاجز: 597/ ح 18؛ وأورده في كشف الأستار: 55 مرسلاً؛ وأخرجه القندوزي في ينابيع المودّة: 458 عن كتاب الغيبة عن شقيق الأرزاني.
(1255) في (ط)، (هـ): (دخلنا).
سوق الليل تسمّى دار الرضا (عليه السلام) وفيها عجوز سمراء، فسألتها: ما تكونين من أصحاب هذه الدار؟
قالت: أنا من مواليهم [وعبيدهم] أسكننيها الحسن بن علي (عليهما السلام).
فكنّا إذا انصرفنا من الطواف تغلق الباب، فرأيت غير ليلة ضوء السراج، ورأيت الباب قد انفتح ولا أرى أحداً فتحه من أهل الدار، ورأيت رجلاً ربعة(1256) أسمر [يميل] إلى الصفرة، ما هو قليل اللحم، يصعد إلى غرفة في الدار حيث تكون(1257) العجوز تسكن، وكانت تقول لنا: إنَّ لي في الغرفة ابنة لا تدعو أحداً يصعد إليها، فأحببت أن أقف على خبر الرجل. فقلت للعجوز: إنّي أحبّ أن أسالك.
قالت: وأنا أريد(1258) أن أسرّ إليك فلم يتهيّأ، من أجل أصحابك.
فقلت: ما أردت أن تقولي؟
فقالت: يقول لك - يعني صاحب الدار - ولم تذكر أحداً] باسمه لا تخاشننَّ(1259) أصحابك وشركاءك، ولا تلاحهم(1260) فإنَّهم أعداؤك ودارهم. فلم أجسر أن أراجعها، فقلت: أيّ أصحابي؟
قالت: شركاؤك الذين في بلدك وفي الدار معك، وقد كان جرى بيني وبين من [معي] في الدار عنت(1261) في الدين فسعوا بي حتَّى هربت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1256) قال ابن الأثير في النهاية 2: 190: وفي صفته عليه الصلاة والسلام (أطول من المربوع) هو بين الطويل والقصير. يقال: رجل ربعة ومربوع.
(1257) في (م): (كانت).
(1258) في (ط)، (هـ): (أحبّ).
(1259) خاشنه: حارشه خلاف لانه. خشن عليه في القول أو العمل.
(1260) لاحاه ملاحاة: نازعه وخاصمه.
(1261) أعنته وتعنته تعنتاً: سأله عن شيء أراد به اللبس عليه والمشقّة. (لسان العرب 2: 61/ مادة عنت).
واستترت بذلك السبب، فوقفت(1262) على أنَّها عنت أولئك، وكنت نذرت أن ألقي في مقام إبراهيم عشرة دراهم ليأخذها من أراد الله، فأخذت عشرة دراهم فيها ستّة رضوية وقلت لها: ادفعي هذه إلى الرجل، فأخذت [الدراهم] وصعدت وبقيت ساعة ثمّ نزلت، فقالت: يقول لك: ليس لنا فيها حقّ، اجعلها في الموضع الذي نذرت ونويت، ولكن هذه الرضوية خذ منها بدلها وألقها في الموضع الذي نويت. ففعلت(1263).
* ومنها: ما روي عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار(1264)، قال: شككت عند مضي(1265) أبي محمّد (عليه السلام)، وكان اجتمع عند أبي مال جليل فحمله وركب السفينة، وخرجت معه مشيّعاً له فوعك(1266).
فقال: ردني فهو الموت، واتق الله في هذا المال، وأوصى إليَّ، ومات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1262) في (ط)، (هـ): (فعرفت).
(1263) أورده في دلائل الإمامة: 300، قال: (نقلت هذا الخبر من أصل بخطّ شيخنا أبي عبد الله الحسين الغضائري، عن أبي الحسن على بن عبد الله القاشاني، عن الحسين بن محمّد...) مثله؛ عنه بحار الأنوار 52: 17 - 22/ ح 15؛ وعن الغيبة للطوسي: 165 بإسناده عن أبي الحسين محمّد جعفر الأسدي، عن الحسين بن محمّد بن عامر الأشعري القمي، عن يعقوب بن يوسف الضرّاب مثله؛ عنه إثبات الهداة 7: 22/ ح 326؛ ومدينة المعاجز: 608/ ح 69؛ وتبصرة الولي: 782؛ ورواه في جمال الأسبوع: 494 بإسناده إلى يعقوب بن يوسف الضرّاب.
(1264) في (ط)، (م)، (هـ): (مهران)، والصحيح (محمّد بن إبراهيم بن مهزيار)، عدَّه الشيخ في رجاله: 436 من أصحاب العسكري (عليه السلام)؛ وذكره السيّد الخوئي في معجم رجال الحديث 14: 222 وذكر الرواية.
(1265) في (بحار الأنوار): (وفاة).
(1266) وعك الرجل: أصابه ألم من شدّة التعب أو المرض.
وقلت: لا يوصي أبي بشيء غير صحيح، أحمل هذا المال إلى العراق ولا أخبر أحداً، فإن وضح لي شيء أنفذته وإلَّا أنفقته، فاكتريت داراً على الشطّ وبقيت أيّاماً فإذا أنا برسول معه رقعة فيها: (يا محمّد معك كذا وكذا)، حتَّى قصَّ علي جميع ما معي، وما لم أحط به علماً ممَّا كان معي، فسلَّمت المال إلى الرسول، وبقيت أيّاماً لا يرفع لي(1267) رأس فاغتممت فخرج إليَّ: ([قد] أقمناك مقام أبيك، فاحمد الله [تعالى])(1268).
* ومنها: ما قال أبو عقيل عيسى بن نصر: إنَّ علي بن زياد الصيمري كتب يلتمس كفناً، فكتب: (إنَّك تحتاج إليه في سنة ثمانين)، فمات في سنة ثمانين، وبعث إليه بالكفن قبل موته.
* ومنها: ما روي عن بدر غلام أحمد بن الحسن، [عنه](1269): وردت الجبل وأنا لا أقول بالإمامة إلى أن مات يزيد بن عبد الملك(1270) فأوصى في علَّته أن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1267) في (م): (بي)، وفي بحار الأنوار: (قوله: (لا يرفع لي رأس) كناية عن عدم التوجّه والاستخبار فإنَّ من يتوجَّه إلى أحد يرفع إليه رأسه).
(1268) عنه بحار الأنوار 51: 364/ ح 12؛ ورواه في الهداية الكبرى: 367 عن محمّد بن جمهور، عن محمّد بن إبراهيم؛ ورواه في الكافي 1: 518/ ح 5 عن علي بن محمّد، عن محمّد بن حمويه، عن محمّد بن إبراهيم؛ عنه إثبات الهداة 7: 273/ ح 4؛ ومدينة المعاجز: 600/ ح 25؛ ورواه المفيد في الإرشاد: 396 عن ابن قولويه، عن الكليني، عن علي بن محمّد؛ عنه كشف الغمّة 2: 450؛ وبحار الأنوار 51: 311/ ح 32؛ ورواه الطوسي في الغيبة: 170 عن جماعة، عن ابن قولويه؛ عنه بحار الأنوار 51: 310/ ح 31؛ وأخرجه في إثبات الهداة 7: 360/ ح 142 عن صاحب كتاب مناقب فاطمة وولدها (عليهم السلام).
(1269) ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصادر الأخرى.
(1270) في الهداية زيادة: (وكان من موالي أبي محمّد (عليه السلام)).
يدفع الشهري السمند(1271) وسيفه ومنطقته إلى مولاه (عليه السلام)، فخفت إن لم أدفع الشهري إلى أذكوتكين(1272) نالني منه استخفاف، فقوَّمتها كلّها بسبعمائة دينار، في نفسي، ولم أطلع عليه أحداً فإذا الكتاب قد ورد عليَّ من العراق أن: (وجّه سبعمائة الدينار التي لنا قبلك من ثمن الشهري السمند والسيف والمنطقة).
* ومنها: ما روي عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، قال: خرج نهي عن زيارة مقابر قريش وقبر الحسين (عليه السلام) فلمَّا كان بعد أشهر [زارها رجلان من الشيعة فدعاهما] الوزير الباقطاني وزجرهما، فقال [لخادمه:] الق بني الفرات والبرسيين وقل لهم: لا تزوروا مقابر قريش، فقد أمر الخليفة أن يقبض على كلّ من زار.
* ومنها: ما روي عن نسيم خادم أبي محمّد (عليه السلام): دخلت على صاحب الزمان (عليه السلام) بعد مولده بعشر ليال، فعطست عنده، فقال لي: (يرحمك الله).
قال: ففرحت بذلك.
فقال: (ألا أبشرك في العطاس).
قلت: بلى يا سيّدي.
قال: (هو أمان من الموت ثلاثة أيّام).
* ومنها: ما روي عن حكيمة، قالت: دخلت على أبي محمّد (عليه السلام) بعد أربعين يوماً من ولادة نرجس، فإذا مولانا صاحب الزمان (عليه السلام)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1271) في لسان العرب 4: 433: (الشهرية: ضرب من البراذين، وهو بين البرذون والمقرف من الخيل)، انتهى. والبرذون: يطلق على غير العربي من الخيل والبغال. والسمند: الفرس. القاموس المحيط 1: 303؛ ومجمع البحرين 3: 70. والشهرى السمند: اسم فرس. مجمع البحرين 3: 357.
(1272) الظاهر أنَّه أذكوتكين بن أساتكين، من أكابر قوّاد الترك في زمن المعتمد العبّاسي. راجع: الكامل في التاريخ 7: 269.
يمشي في الدار فلم أرَ لغة أفصح من لغته فتبسَّم أبو محمّد (عليه السلام) فقال: (إنّا معاشر الأئمّة ننشأ في يوم كما ينشأ غيرنا في السنة).
قالت: ثمّ كنت بعد ذلك أسأل أبا محمّد (عليه السلام) عنه.
فقال: (استودعناه الذي استودعت أُمّ موسى ولدها)(1273).
* ومنها: ما روي عن يوسف بن أحمد الجعفري: حججت سنة ستّ وثلاثمائة ثمّ حاورت بمكّة ثلاث سنين، ثمّ خرجت عنها منصرفاً إلى الشام، فبينا [أنا] في بعض الطريق، وقد فاتتني صلاة الفجر، فنزلت من المحمل وتهيَّأت للصلاة فرأيت أربعة نفر في محمل، فوقفت أعجب منهم، فقال لي أحدهم: مِمَ تعجب؟ تركت صلاتك.
فقلت: وما علمك بذلك منّي؟
فقال: تحبّ أن ترى صاحب زمانك؟
قلت: نعم، فأومأ إلي أحد الأربعة، فقلت: إنَّ له دلائل وعلامات.
فقال: أيّما أحبُّ إليك: أن ترى الجمل صاعداً إلى السماء، أو ترى المحمل صاعداً؟
فقلت: أيّهما كان فهي دلالة، فرأيت الجمل وما عليه يرتفع إلى السماء، وكان الرجل أومأ إلى رجل به سمرة، وكان لونه الذهب، بين عينيه سجادة(1274).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1273) عنه كشف الغمّة 2: 500؛ وبحار الأنوار 51: 293/ ح 3؛ وإثبات الهداة 7: 344/ ح117؛ وحلية الأبرار 2: 536.
(1274) عنه مدينة المعاجز: 611/ ح 83؛ ورواه الطوسي في الغيبة: 155 بإسناده عن يوسف بن أحمد الجعفري؛ عنه بحار الأنوار 52: 5/ ح 3؛ وإثبات الهداة 7: 326/ ح 93؛ وغاية المرام: 780/ ح49؛ وأورده في ثاقب المناقب: 540 (مخطوط) عن يوسف بن أحمد الجعفري.
* ومنها: ما روى الشيخ المفيد، عن أبي عبد الله الصفواني، قال: رأيت القاسم بن العلاء وقد عمَّر مائة سنة، وسبعة عشر سنة، منها ثمانون سنة صحيح العينين لقى العسكريين (عليهما السلام) وحجب بعد الثمانين، وردَّت عليه عيناه قبل وفاته بسبعة أيّام وذلك أنّي كنت بمدينة (أران)(1275) من أرض آذربيجان، وكان لا تنقطع توقيعات صاحب الأمر (عليه السلام) عنه على يد أبي جعفر العمري، وبعده على يد أبي القاسم بن روح فانقطعت عنه المكاتبة نحواً من شهرين، وقلق لذلك.
فبينا نحن عنده نأكل إذ دخل البوّاب مستبشراً، فقال له: فيج(1276) العراق ورد - ولا يسمّى بغيره -، فسجد القاسم، ثمّ دخل كهل قصير يرى أثر الفيوج عليه، وعليه جبّة مضربة(1277) وفي رجله نعل محاملي(1278)، وعلى كتفه مخلاة(1279) فقام إليه القاسم فعانقه، ووضع المخلاة، ودعا بطشت وماء، وغسل يده، وأجلسه إلى جانبه، فأكلنا وغسلنا أيدينا، فقال الرجل وأخرج كتاباً أفضل من نصف الدرج(1280) فناوله القاسم فأخذه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1275) أران - بتشديد الراء -: اسم أعجمي لولاية واسعة وبلاد كثيرة، بينها وبين آذربيجان نهر يقال له: الرسّ. (معجم البلدان 1: 136).
(1276) الفيج: هو المسرع في مشيه، الذي يحمل الأخبار من بلد إلى بلد. وقيل: هو الذي يسعى بالكتب. فارسي معرب. (لسان العرب 2: 350).
(1277) الضريبة: الصوف أو الشعر ينفَّش ثمّ يدرج ويشدّ بخيط ليغزل، فهي ضرائب، وقيل: الضريبة الصوف يضرب بالمطرق. (لسان العرب 1: 548).
(1278) أي ذو سيور كسيور علاقة السيف. راجع: لسان العرب 11: 178.
(1279) المخلاة: كيس يوضع فيه علف الدابة - أو غيره - ويعلَّق في عنقها. وفي (م): (عنقه) بدل (كتفه).
(1280) الدرج: ما يكتب فيه. وسفيط صغير تدخر فيه المرأة طيبها وأدواتها. فالظاهر أنَّ مراده وصف ذلك الكتاب بأنَّه أكبر من السفيط.
وقبَّله ودفعه إلى كاتب له يقال له: (أبو عبد الله بن أبي سلمة) ففضَّه وقرأه [وبكى](1281) حتَّى أحسَّ القاسم ببكائه(1282).
فقال: يا أبا عبد الله خير خرج فيَّ شيء ممَّا يكره؟
قال: لا.
قال: فما هو؟
قال: ينعى الشيخ إليَّ نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوماً، وأنَّه يمرض اليوم السابع بعد وصول الكتاب، وأنَّ الله يرد عليه عينيه بعد ذلك، وقد حمل إليه سبعة أثواب.
فقال القاسم: على سلامة من ديني؟
قال: في سلامة من دينك.
فضحك، وقال: ما أؤمل بعد هذا العمر؟!
فقام الرجل الوارد فأخرج من مخلاته ثلاثة أزر، وحبرة يمانية حمراء، وعمامة، وثوبين ومنديلاً، فأخذه القاسم، و[كان] عنده قميص خلعه عليه علي النقي (عليه السلام)(1283).
وكان للقاسم صديق في أمور الدنيا، شديد النصب يقال له: عبد الرحمن بن محمّد الشيزي(1284) وافى إلى الدار، فقال القاسم: اقرؤا الكتاب عليه، فإنّي أحبّ هدايته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1281) من فرج الهموم.
(1282) في (م)، و(الغيبة للطوسى): (بنكاية).
(1283) في (الغيبة للطوسى) و(فرج المهموم): (مولانا الرضا أبو الحسن).
(1284) في (الغيبة للطوسي): (البدرى)؛ في (فرج المهموم): (السري). وما في المتن من النسخ وتاريخ بغداد 12: 320 حيث ذكره في ترجمة القاضي عتبة قائلاً: (وكان صديقه).
قالوا: هذا لا يحتمله خلق من الشيعة، فكيف عبد الرحمن؟!
فأخرج إليه القاسم الكتاب وقال: اقرأه، فقرأه عبد الرحمن إلى موضع النعي، فقال للقاسم: يا أبا عبد الله(1285) اتق الله، فإنَّك رجل فاضل في دينك، والله يقول: (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)(1286)، وقال: (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً)(1287).
قال القاسم: فأتمّ الآية (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ)(1288) مولاي هو المرضي من الرسول.
ثمّ قال: أعلم أنَّك تقول هذا، ولكن أرّخ اليوم فإن أنا متُّ بعد هذا اليوم، أو متُّ قبله، فاعلم أنّي لست على شيء، وإن أنا متُّ في ذلك اليوم فانظر لنفسك.
فورَّخ عبد الرحمن اليوم وافترقوا، وحمَّ القاسم يوم السابع، واشتدَّت العلّة به إلى مدّة، ونحن مجتمعون يوماً عنده، إذ مسح بكمّه عينه، وخرج من عينه شبه ماء اللحم، ثمّ مدَّ بطرفه إلى ابنه، فقال: يا حسن إليَّ، ويا فلان إليَّ.
فنظرنا إلى الحدقين صحيحتين، وشاع الخبر في الناس فانتابه(1289) الناس، من العامّة ينظرون إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1285) كذا في (م)، وفي سائر النسخ والمصادر: (أبا محمّد) فلعلَّه كان يكنّى بهما، وإن لم يصرّح بكنيته في كتب الرجال، ولكن في المورد الآتى: (أبا محمّد) باتّفاق النسخ والمصادر. راجع: معجم رجال الحديث 14: 35.
(1286) لقمان: 34.
(1287) الجن: 26.
(1288) الجن: 27.
(1289) انتابه الناس: قصدوه.
وركب القاضي إليه - وهو: أبو السائب عتبة بن عبيد الله المسعودي(1290) وهو قاضي القضاة ببغداد - فدخل عليه وقال له: يا أبا محمّد ما هذا الذي بيدي؟
وأراه خاتماً فصّه فيروزج فقرَّبه منه، فقال: عليه ثلاثة أسطر لا يمكنني قراءتها وقد قال: لمَّا رأى ابنه الحسن في وسط الدار قاعداً: (اللهم ألهم الحسن طاعتك، وجنّبه معصيتك) قاله ثلاثاً، ثمّ كتب وصيّته بيده.
وكانت الضياع التي بيده لصاحب الأمر (عليه السلام) كان أبوه وقفها عليه.
وكان فيما أوصى ابنه: (إن أهَّلت إلى الوكالة فيكون قوتك من نصف ضيعتي المعروفة بـ (فرجيده)(1291) وسائرها ملك لمولانا (عليه السلام).
فلمَّا كان يوم الأربعين وقد طلع الفجر مات القاسم، فوافاه عبد الرحمن يعدو في الأسواق حافياً حاسراً، وهو يصيح: (يا سيّداه) فاستعظم الناس ذلك منه فقال لهم: اسكتوا، فقد رأيت ما لم تروا. وتشيَّع، ورجع عمَّا كان [عليه].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1290) هو قاضي القضاة أبو السائب عتبة بن عبيد الله بن موسى بن عبيد الله الهمداني الشافعي، تولّى مهام القضاء في مراغة، ثمّ في ممالك آذربيجان، ثمّ ولى قضاء همدان، ثمّ بغداد توفّي سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة. تجد ترجمته في: تاريخ بغداد 12: 320؛ سير أعلام النبلاء 16: 47؛ والعبر 2: 53 و85 . وتقدَّم في أوّل الرواية أنَّ أحداثها جرت في مدينه أران، وذكر أنَّها من توابع آذربيجان.
(1291) هكذا في (الغيبة للطوسي) و(بحار الأنوار)؛ وفي (م)، (هـ): (فرجيده)، وفي (فرج المهموم): (فرجند).
فلمَّا كان بعده مدّة يسيرة ورد كتاب على الحسن ابنه من صاحب المنزل [يقول فيه:] (ألهمك الله طاعته، وجنَّبك معصيته، وهو الدعاء الذي دعا لك به أبوك(1292))(1293).
* ومنها: ما روي عن ابن أبي سورة، عن أبيه - وكان أبوه من مشايخ الزيديّة بالكوفة -، قال: كنت خرجت إلى قبر الحسين (عليه السلام) أعرف عنده، فلمَّا كان وقت العشاء الآخرة صلَّيت، وقمت فابتدأت أقرأ الحمد، وإذا شاب حسن الوجه عليه جبّة سيفية(1294) فابتدأ أيضاً قبلي، وختم قبلي. فلمَّا كان الغداة خرجنا جميعاً من باب الحائر، فلمَّا صرنا إلى شاطئ الفرات قال لي الشاب: (أنت تريد الكوفة، فامض).
فمضيت في طريق الفرات، وأخذ الشاب طريق البرّ.
قال أبو سورة: ثمّ أسفت على فراقه، فأتبعه، فقال لي: (تعال)، فجئنا جميعاً إلى أصل حصن المسناة، فنمنا جميعاً، وانتبهنا، وإذا نحن على الغري على جبل الخندق فقال لي: (أنت مضيق، ولك(1295) عيال،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1292) في (هـ)، (ط): (دعا به أبوه)، وكذا في المصادر الأخرى.
(1293) عنه كتاب فرج المهموم: 249 وفي أوّله: (ما رويناه عن الشيخ المفيد ونقلناه عن نسخة عتيقة جدّاً من أصول أصحابنا قد كتبت في زمان الوكلاء، فقال فيها ما هذا لفظه...)؛ ومنتخب الأنوار المضيئة: 130؛ ورواه الطوسي في الغيبة: 188 بإسناده عن المفيد والغضائري، عن محمّد بن أحمد الصفواني؛ عنه بحار الأنوار 51: 313/ ح 37؛ وإثبات الهداة 7: 337/ ح 106؛ وأورده في ثاقب المناقب: 513 (مخطوط) عن أبي عبد الله الصفواني؛ وأخرجه في مدينة المعاجز: 612/ ح 89 عن المفيد.
(1294) لعلَّها المصنوعة من الثياب المسيفة، وهي التي نقش عليها صور كهيأة السيوف، أو نسبة إلى بعض القبائل والبلدان كالحلة السيفية.
(1295) في (م): (وعليك).
فامض إلى أبي طاهر الزراري، فسيخرج إليك من داره، وفي يده الدم من الأضحية، فقل له: شاب من صفته كذا وكذا يقول لك: أعط هذا الرجل صرّة الدنانير التي عند رجل السرير مدفونة).
قال: فلمَّا دخلت الكوفة مضيت إليه، وقلت ما ذكر لي الشاب.
فقال: سمعاً وطاعة، وعلى يده دم الأضحية.
* وعن جماعة، عن أبي ذر أحمد بن أبي سورة، وهو محمّد بن الحسن بن عبيد الله التميمي (نحو ذلك)، وزادوا: قال: ومشينا ليلتنا فإذا نحن على مقابر مسجد السهلة، فقال: (هو ذا منزلي)، ثمّ قال لي: (تمرّ أنت إلى ابن الزراري علي بن يحيى فتقول له يعطيك المال بعلامة أنَّه كذا وكذا، وفي موضع كذا ومغطّى بكذا).
فقلت: من أنت؟
قال: (أنا محمّد بن الحسن).
ثمّ مشينا حتَّى انتهينا إلى النواويس في السحر، فجلس وحفر بيده، فإذا الماء قد خرج، وتوضّأ ثمّ صلّى ثلاث عشرة ركعة، فمضيت(1296) إلى الزراري، فدققت الباب.
فقال: من أنت؟
فقلت: أبو سورة.
فسمعته يقول: ما لي ولأبي سورة؟!
فلمَّا خرج وقصصت عليه [القصَّة] صافحني وقبَّل وجهي، ووضع [يده] بيدي، ومسح بها وجهه، ثمّ أدخلني الدار وأخرج الصرّة من عند رجل السرير فدفعها إليَّ، فاستبصر أبو سورة وبرئ من الزيديّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1296) في (م): (خرجت).
* ومنها: ما روي عن محمّد بن هارون الهمداني، قال: كان للناحية عليَّ خمسمائة دينار، فضقت بها ذرعاً، ثمّ قلت في نفسي: لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة دينار وثلاثين دينار قد جعلتها للناحية بخمسمائة دينار، ولا والله ما نطقت بذلك. فكتب (عليه السلام) إلى محمّد بن جعفر: (اقبض الحوانيت من محمّد بن هارون بخمسمائة دينار التي لنا عليه).
* ومنها: ما روي عن أبي الحسن المسترق الضرير: كنت يوماً في مجلس الحسن بن عبد الله بن حمدان، ناصر الدولة، فتذاكرنا أمر الناحية، قال: كنت أزري(1297) عليها، إلى أن حضرت مجلس عمّي الحسين(1298) يوماً، فأخذت أتكلَّم في ذلك.
فقال: يا ابني قد كنت أقول بمقالتك هذه إلى أن ندبت لولاية قم حين استصعبت على السلطان(1299)، وكان كلّ من ورد إليها من جهة السلطان يحاربه أهلها، فسلم إلي جيش وخرجت نحوها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1297) أي أعيب.
(1298) هو الحسين بن حمدان بن حمدون التغلّبي العدوي عمّ سيف الدولة وناصر الدولة، كان أميراً شجاعاً مهيباً فارساً فاتكاً وكان خلفاء بني العبّاس يعدونه لكلّ مهم، ولاّه المقتدر الحرب بقم وكاشان في سنة ستّ وتسعين ومائتين، ثمّ إنَّه ذبح صبراً في حبس المقتدر أمره في سنة ستّ وثلاثمائة. تجد ترجمته وشرح أحواله في: أعيان الشيعة 5: 491؛ والعبر 1: 431 و435 و444 و451.
(1299) السلطان هنا هو المقتدر العبّاسي حيث هو الذي ولاّه حرب أهل قم وكاشان. راجع التعليقة السابقة.
فلمَّا بلغت إلى ناحية طزر(1300) خرجت إلى الصيد ففاتتني طريدة، فاتَّبعتها، وأوغلت في أثرها، حتَّى بلغت إلى نهر، فسرت فيه، وكلَّما أسير يتَّسع النهر، فبينما أنا كذلك إذ طلع عليَّ فارس تحته شهباء، وهو متعمّم بعمامة خزّ خضراء، لا أرى منه إلَّا عينيه، وفي رجليه خفّان أحمران، فقال لي: (يا حسين).
فلا هو أمَّرني ولا كنّاني، فقلت: ماذا تريد؟
قال: (لِمَ تزري على الناحية؟ ولِمَ تمنع أصحابي خمس مالك؟).
وكنت الرجل الوقور الذي لا يخاف شيئاً فأرعدت [منه] وتهيبته، وقلت له: أفعل يا سيّدي ما تأمر به.
فقال: (إذا مضيت إلى الموضع الذي أنت متوجّه إليه، فدخلته عفواً وكسبت ما كسبته، تحمل خمسه إلى مستحقّه).
فقلت: السمع والطاعة.
فقال: (امض راشداً).
ولوى عنان دابته وانصرف فلم أدرِ أيّ طريق سلك، وطلبته يميناً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1300) كذا في (م). قال الحموي في معجم البلدان 4: 34: طزر: مدينة في مرج القلعة بينها وبين سابلة خراسان مرحلة، وهي في صحراء واسعة. وقال في 5: 101: مرج القلعة: بينه وبين حلوان منزل، وهو من حلوان إلى جهة همذان. وفي (هـ) و(البحار): (طرز) بالزاي المعجمة في آخرها، قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط 2: 180: طرز: الموضع الذى تنسب فيه الثياب الجيّدة، ومحلّة بمرو، وبأصفهان وبلد قرب اسبيجاب. ولكن الحموى ضبطها في معجم البلدان 4: 27: طراز. واختلف في موقع اسبيجاب أين هي، حيث ذكر الحموي أنَّها من ثغور الترك. ولم يحدّد موقعها الجغرافي، وقال ابن خلّكان في وفيات الأعيان 4: 308: هي مدينة من أقصى بلاد السرق، وأظنّها من إقليم الصين أو قريبة منه.
وشمالاً فخفي عليَّ أمره، وازددت رعباً وانكفأت(1301) راجعاً إلى عسكري وتناسيت الحديث.
فلمَّا بلغت قم وعندي أنّي أريد محاربة القوم، خرج إليَّ أهلها وقالوا: كنّا نحارب من يجيئنا بخلافهم لنا فأمَّا إذا(1302) وافيت أنت فلا خلاف بيننا وبينك اُدخل البلدة فدبّرها كما ترى.
فأقمت فيها زماناً، وكسبت أموالاً زائدة على ما كنت أقدّر، ثمّ وشى القوّاد بي إلى السلطان، وحسدت على طول مقامي، وكثرة ما اكتسبت، فعزلت ورجعت إلى بغداد، فابتدأت بدار السلطان وسلَّمت عليه، وأتيت(1303) إلى منزلي، وجاءني فيمن جاءني محمّد بن عثمان العمري(1304) فتخطّى الناس حتَّى اتَّكأ على تكأتي، فاغتظت من ذلك، ولم يزل قاعداً ما يبرح، والناس داخلون وخارجون، وأنا أزداد غيظاً. فلمَّا تصرَّم(1305) [الناس، وخلا] المجلس، دنا إليَّ وقال: بيني وبينك سرّ فاسمعه.
فقلت: قل.
فقال: صاحب الشهباء والنهر يقول: (قد وفينا بما وعدنا)، فذكرت الحديث وارتعت(1306) من ذلك، وقلت: السمع والطاعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1301) في (بحار الأنوار): (انكففت)، وكلاهما بمعنى انصرف ورجع.
(1302) في (م): (لخلافهم، فأوما وقد).
(1303) في (م): (وأقبلت) بدل (عليه وأتيت).
(1304) وهو رضوان الله عليه كان وكيلاً للإمام صاحب الزمان في زمن الغيبة الصغرى، وله منزلة جليلة عند الطائفته.
(1305) أي ذهب.
(1306) أي فزعت.
فقمت فأخذت بيده، ففتحت الخزائن، فلم يزل يخمّسها، إلى أن خمَّس شيئاً كنت قد أنسيته ممَّا كنت جمعته، وانصرف، ولم أشكّ بعد ذلك، وتحقَّقت الأمر، فأنا منذ سمعت هذا من عمّي أبي عبد الله زال ما كان اعترضني من شكّ(1307).
* ومنها: ما روي عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه، قال: فلمَّا وصلت بغداد في سنة تسع(1308) وثلاثين [وثلاثمائة] للحجّ - وهي السنة التي ردّ القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت - كان أكبر همّي الظفر بمن ينصب الحجر؛ لأنَّه يمضي في اثناء الكتب قصَّة أخذه وأنَّه ينصبه في مكانه الحجّة في الزمان، كما في زمان الحجّاج وضعه زين العابدين (عليه السلام) في مكانه فاستقر.
فاعتللت علّة صعبة خفت منها على نفسي، ولم يتهيّأ لي ما قصدت له، فاستنبت المعروف بابن هشام، وأعطيته رقعة مختومة، أسأل فيها عن مدّة عمري، وهل تكون المنية(1309) في هذه العلّة، أم لا؟ وقلت: همّي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه، وأخذ جوابه، وإنَّما أندبك لهذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1307) عنه كشف الغمّة 2: 500؛ ومنتخب الأنوار المضيئة: 161؛ وبحار الأنوار 52: 56/ ح 40؛ ووسائل الشيعة 7: 377/ ح 8؛ وإثبات الهداة 7: 345/ ح 118؛ ومدينة المعاجز: 613/ ح 92.
(1308) في سائر النسخ وبحار الأنوار: (سبع). ولكن اتَّفقت كتب التاريخ أنَّ القرامطة ردّوا الحجر الأسود في سنة تسع وثلاثين، بعد أن اغتصبوه في سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وكان مكثه عندهم اثنتين وعشرين سنة. راجع: الكامل في التاريخ 8 : 486؛ النجوم الزاهرة 3: 301؛ العبر 2: 56؛ البداية والنهاية 11: 223، وغيرها. ونشأ هذا التصحيف لتقارب كلمتي (سبع) و(تسع) في الرسم.
(1309) في (م): (الميتة)، في (هـ)، (بحار الأنوار): (الموتة).
قال: فقال المعروف بابن هشام: لمَّا حصلت بمكّة وعزم على إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكَّنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه، وأقمت معي منهم من يمنع عنّي ازدحام الناس، فكلَّما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم، فأقبل غلام أسمر اللون، حسن الوجه، فتناوله ووضعه في مكانه فاستقام كأنَّه لم يزل عنه، وعلت لذلك الأصوات، وانصرف خارجاً من الباب، فنهضت من مكاني أتبعه، وأدفع الناس عنّي يميناً وشمالاً، حتَّى ظنَّ بي الاختلاط في العقل، والناس يفرجون لي، وعيني لا تفارقه، حتَّى انقطع عن الناس، فكنت أسرع السير خلفه، وهو يمشي على تؤدة(1310) ولا أدركه.
فلمَّا حصل بحيث لا أحد يراه غيري، وقف والتفت إليَّ فقال: (هات ما معك).
فناولته الرقعة، فقال من غير أن ينظر فيها: (قل له: لا خوف عليك في هذه العلّة، ويكون ما لا بدَّ منه بعد ثلاثين سنة)(1311).
قال: فوقع عليَّ الزمع(1312) حتَّى لم أطق حراكاً، وتركني وانصرف.
قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة. فلمَّا كان سنة تسع(1313) وستّين اعتلَّ أبو القاسم فأخذ ينظر في أمره، وتحصيل جهازه إلى قبره، وكتب وصيّته، واستعمل الجد في ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1310) أي ترزن وتأنّى وتمهّل.
(1311) أي في سنة (369هـ) كما أرَّخها العلاّمة الحلّي، حيث تقدَّم إثبات تاريخ ردّ الحجر الأسود إلى مكانه سنة (339هـ)، راجع التعليقات السابقة.
(1312) زمع: دهش، وخاف، وارتعد. وقيل: الزمع: من إذا خاف أو غضب سبقه دمعه. وفي بحار الأنوار: (الدمع).
(1313) في سائر النسخ، وكشف الغمّة، وبحار الأنوار: (سبع)، راجع التعليقات السابقة.
فقيل له: ما هذا الخوف؟ ونرجو أن يتفضَّل الله تعالى بالسلامة، فما عليك مخوفة.
فقال: هذه السنة التي خوفت فيها، فمات في علَّته(1314).
* ومنها: ما روي عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عيسى بن صبيح(1315)، قال: دخل الحسن العسكري (عليه السلام) علينا الحبس، وكنت به عارفاً، فقال لي: (لك خمس وستّون سنة، وشهر، ويومان).
وكان معي كتاب دعاء عليه تاريخ مولدي، وإنّي نظرت فيه فكان كما قال.
وقال: (هل رزقت ولداً؟).
قلت: لا.
فقال: (اللهم ارزقه ولداً يكون له عضداً، فنعم العضد الولد).
ثمّ تمثَّل (عليه السلام):
من كان ذا عضد يدرك ظلامته * * * إنَّ الذليل الذي ليست له عضد(1316)
قلت: ألك ولد؟
قال: (إي والله سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً [وعدلاً] فأمَّا الآن فلا)، ثمّ تمثَّل:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1314) عنه كشف الغمّة 2: 502؛ وبحار الأنوار 52: 58/ ح 41، و99: 226/ ح 26؛ وإثبات الهداة 7: 346/ ح 119؛ ومدينة المعاجز: 614/ ح 93.
(1315) في (م): (سيح)، في (كشف الغمّة): (شج)، في (نور الأبصار) و(الفصول المهمّة): (الفتح).
(1316) نسب ابن قتيبة هذا البيت في عيون الأخبار 3: 5 إلى عمرو بن حبيب الثقفي، وأضاف إليه:
تنبو يداه إذا ما قلَّ ناصره * * * ويأنف الضيم إن أثرى له عدد
(تنبو أي تضعف)، وأوردهما ابن عبد ربّه في العقد الفريد 2: 246.
لعلَّك يوماً أن تراني كأنَّما * * * بني حوالي الأسود اللوابد(1317)
فإنَّ تميماً(1318) قبل أن يلد الحصى(1319) * * * أقام زماناً وهو في الناس واحد(1320)
* ومنها: ما روي عن أبي غالب الزراري: تزوَّجت بالكوفة امرأة من قوم يقال لهم: (بنو هلال)(1321) خزّازون(1322) وحصلت لها منزلة من قلبي فجرى بيننا كلام اقتضى خروجها عن بيتي غضباً، ورمت ردّها، فامتنعت عليَّ؛ لأنَّها كانت في(1323) أهلها في(1324) عزّ وعشيرة، فضاق لذلك صدري، وتجهَّزت(1325) إلى السفر، فخرجت إلى بغداد أنا وشيخ من أهلها، فقدمناها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1317) اللابد: الأسد، جمعها: اللوابد. (القاموس المحيط 1: 335/ مادة لبد).
(1318) المراد بتميم هنا هو تميم بن مر بن أد، وحيث تنسب إليه واحدة من أكبر القبائل العربية، قال ابن حزم الأندلسي في جمهرة أنساب العرب: 207: بنو تميم بن مرّ بن أدهم قاعدة من أكبر قواعد العرب.
(1319) الحصى: العدد الكثير، تشبيهاً بالحصى من الحجارة في الكثير، قال الأعشى:
ولست بالأكثر منهم حصى * * * وإنَّما العزّة للكاثر
ويقال: نحن أكثر منهم حصى. أي عدداً. (لسان العرب 14: 183/ مادة حصى).
(1320) عنه بحار الأنوار 50: 275/ ح 48، و51: 162/ ح 15؛ ووسائل الشيعة 15: 99/ ح 2؛ وإثبات الهداة 6: 324/ ح 78؛ ومدينة المعاجز: 575/ ح 92؛ وأورده في الفصول المهمّة: 270؛ ونور الأبصار: 184 عن علي بن إبراهيم؛ عنهما إحقاق الحقّ 12: 468؛ وأخرجه في إحقاق الحقّ 13: 369 في الفصول المهمّة.
(1321) في (م): (هلالي).
(1322) خزّازون: جمع خزّاز، وهو بائع الخزّ وصانعه. والخزّ من الثياب: ما ينسج من صوف وأبريسم، وما ينسج من أبريسم خالص.
(1323) في (هـ)، (ط): (من).
(1324) في (هـ)، (ط): (من موضع).
(1325) في (هـ)، (م): (وتروَّحت). تروَّح: سار في العشي، أو عمل فيه.
وقضينا الحقّ في واجب(1326) الزيارة وتوجَّهنا إلى دار الشيخ أبي القاسم بن روح وكان مستتراً من السلطان، فدخلنا وسلَّمنا.
فقال: إن كان(1327) لك حاجة فاذكر اسمك هاهنا.
وطرح إليَّ مدرجة(1328) كانت بين يديه، فكتبت فيها اسمي، واسم أبي، وجلسنا قليلاً، ثمّ ودَّعناه، وخرجت إلى سُرَّ من رأى للزيارة وزرنا وعدنا، وأتينا دار الشيخ، فأخرج المدرجة التي كنت كتبت فيها اسمي وجعل يطويها على أشياء كانت مكتوبة فيها [إلى] أن انتهى إلى موضع اسمي، فناولنيه، فإذا تحته مكتوب - بقلم دقيق -: (أمَّا الزراري في حال الزوج أو الزوجة فسيصلح الله - أو: فأصلح الله - بينهما).
وكنت عندما كتبت اسمي أردت [أن أسأله] الدعاء لي بصلاح الحال مع الزوجة، ولم أذكره، بل كتبت اسمي وحده، [فجاء الجواب كما كان في خاطري، من غير أن أذكره ثمّ ودَّعنا الشيخ(1329)] وخرجنا من بغداد حتَّى قدمنا الكوفة، فيوم قدومي أو من غده، أتاني إخوة المرأة، فسلَّموا عليَّ واعتذروا إليَّ ممَّا كان بيني وبينهم من الخلاف والكلام، وعادت الزوجة على أحسن الوجوه إلى بيتي، ولم يجر بيني وبينها خلاف ولا كلام مدّة صحبتي [لها] ولم تخرج من منزلي بعد ذلك إلَّا بإذني حتَّى ماتت(1330).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1326) في (هـ)، (ط): (واجب الحقّ من).
(1327) في (هـ): (يك).
(1328) المدرجة: الورقة التي تكتب فيها الرسالة، أو يدرج فيها الكتاب.
(1329) في (م): (فودَّعناه).
(1330) عنه مدينة المعاجز: 614/ ح 94.
* ومنها: أنَّ أبا محمّد الدعلجي(1331) كان له ولدان، وكان من خيار أصحابنا وكان قد سمع الأحاديث، وكان أحد ولديه على الطريقة المستقيمة، وهو أبو الحسن كان يغسّل الأموات، وولد آخر يسلك مسالك الأحداث في فعل الحرام، ودفع إلى أبي محمّد حجّة يحجّ بها عن صاحب الزمان (عليه السلام)، وكان ذلك عادة الشيعة وقتئذٍ، فدفع شيئاً منها إلى ابنه المذكور بالفساد، وخرج إلى الحجّ.
فلمَّا عاد حكى أنَّه كان واقفاً بالموقف، فرأى إلى جانبه شابّاً حسن الوجه، أسمر اللون، بذؤابتين، مقبلاً على شأنه في الدعاء والابتهال والتضرّع، وحسن العمل، فلمَّا قرب نفر الناس التفت إليَّ وقال: (يا شيخ ما تستحي؟!).
قلت: من أيّ شيء يا سيّدي؟!
قال: (يدفع إليك حجّة عمَّن تعلم، فتدفع منها إلى فاسق يشرب الخمر، يوشك أن تذهب عينك هذه)، وأومأ إلى عيني، وأنا من ذلك إلى الآن على وجل ومخافة.
وسمع(1332) أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان(1333) ذلك، وقال: فما مضى عليه أربعون يوماً بعد مورده حتَّى خرج في عينه التي أومأ إليها قرحة، فذهبت(1334).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1331) في (م): (الدعجلي)، والظاهر - بحسب الطبقة - أنَّه هو: (عبد الله بن محمّد بن عبد الله، أبو محمّد الحذاء الدعلجي، منسوب إلى موضع خلف باب الكوفة ببغداد، يقال له: الدعالجة، كان فقيهاً عارفاً، وعليه تعلَّمت المواريث، له كتاب الحجّ) قاله النجاشي في رجاله: 230.
(1332) في (هـ)، (د): (سمع منه).
(1333) هو الشيخ المفيد رضوان الله عليه.
(1334) عنه وسائل الشيعة 8 : 147/ ح 2؛ وإثبات الهداة 7: 346/ ح 120؛ وبحار الأنوار 52: 59/ ح 42؛ ومدينة المعاجز: 614/ ح 95؛ ومستدرك الوسائل 8 : 70/ باب 11/ ح 4.
* ومنها: ما روي عن سعد بن عبد الله الأشعري، قال: ناظرني مخالف فقال: أسلم أبو بكر وعمر طوعاً أو كرهاً؟
ففكَّرت في ذلك وقلت: إن قلت: كرها، فقد كذبت، إذ لم يكن حينئذٍ سيف مسلول، وإن قلت: طوعاً، فالمؤمن لا يكفر [بعد إيمانه] فدفعته عنّي دفعاً بالراح لطيفاً وخرجت من ساعتي إلى دار أحمد بن إسحاق(1335) أسأله عن ذلك.
فقيل لي: إنَّه خرج إلى سُرَّ من رأى اليوم.
فانصرفت إلى بيتي وركبت دابتي، وخرجت خلفه حتَّى وصلت إليه في المنزل، فسألني عن حالي، فقلت: أجيء إلى حضرة أبي محمّد (عليه السلام) فعندي أربعون مسألة قد أشكلت عليَّ. فقال: خير صاحب ورفيق.
فمضينا حتَّى دخلنا سُرَّ من رأى، وأخذنا بيتين في خان، وسكن كلّ واحد [منّا] في واحد(1336) وخرجنا إلى الحمّام، واغتسلنا غسل الزيارة والتوبة.
فلمَّا رجعنا أخذ أحمد بن إسحاق جراباً ولفَّه بكساء طبري، وجعله على كتفه ومشينا، وكنّا نسبّح الله ونهلّله ونكبّره ونستغفره ونصلّي على محمّد وآله إلى أن وصلنا إلى باب الدار فاستأذن أحمد بن إسحاق، فأذن [له](1337) بالدخول.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1335) هو أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري، كبير القدر، وكان من خواصّ أبي محمّد (عليه السلام)، ورأى صاحب الزمان (عليه السلام)، وهو شيخ القميين ووافدهم. تجد ترجمته في رجال النجاشي: 91؛ فهرست الطوسي: 26؛ معجم رجال الحديث 2: 44، وغيرها.
(1336) مسكن (خ ل).
(1337) ما بين المعقوفتين ليست في المصدر.
فلمَّا دخلنا وإذا أبو محمّد (عليه السلام) على طرف الصفة(1338) قاعد، وكان على يمينه غلام قائم كفلقة قمر، فأحسن الجواب، وأكرمنا، وأقعدنا، فوضع أحمد الجراب بين يديه، وكان أبو محمّد (عليه السلام) ينظر في درج طويل في الاستفتاء، ورد عليه من ولاية، فجعل يقرأ ويكتب تحت كلّ مسأله التوقيع، فالتفت إلى الغلام وقال: (هذه هدايا موالينا)، وأشار إلى الجراب.
فقال الغلام: (هذا لا يصلح لنا؛ لأنَّ الحلال مختلط بالحرام فيه).
فقال أبو محمّد (عليه السلام): (أنت صاحب الإلهام، أفرق بين الحلال والحرام).
ففتح أحمد الجراب فأخرج صرّة فنظر إليها الغلام وقال: (هذا بعثه فلان بن فلان من محلّة كذا، وكان باع حنطة خاف على الزرّاع في مقاسمتها، وهي كذا ديناراً، وفي وسطها خطّ مكتوب عليه كمّيته، وفيها صحاح ثلاث: إحداها آملي، والأخرى ليس عليها سكّة، والأخرى فلاني أخذها(1339) من نسّاج غرامة من غزل سرق من عنده)، ثمّ أخرج صرّة فصرة فجعل يتكلَّم على كلّ واحدة بقريب من ذلك، ثمّ قال: (أشدد الجراب على الصرر حتَّى توصلها عند وصولك إلى أصحابها(1340) هات الثوب الذي بعثت العجوز الصالحة)، وكانت امرأة بقم غزلته بيدها ونسجته. فخرج أحمد ليجيء بالثوب.
فقال لي أبو محمّد (عليه السلام): (ما فعلت مسائلك(1341) الأربعون؟ سل الغلام [عنها] يجبك).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1338) الصفة: البهو الواسع العالي السقف.
(1339) في (هـ)، (بحار الأنوار): (من فلان أخذت).
(1340) في (م): (توصى بالوصول إلى أربابها).
(1341) في (هـ)، (بحار الأنوار): (أين مسائلك).
فقال لي الغلام - ابتداءً -: (هلاَّ قلت للسائل: ما أسلما طوعاً، ولا كرهاً، وإنَّما أسلما طمعاً، فقد كانا يسمعان من أهل الكتاب منهم من يقول: هو نبيّ يملك المشرق والمغرب، وتبقى نبوّته إلى يوم القيامة، ومنهم من يقول: يملك الدنيا كلّها ملكاً عظيماً، وينقاد له أهل الأرض، فدخلا كلاهما في الإسلام طمعاً في أن يجعل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) كلّ واحد منهما والي ولاية، فلمَّا أيسا من ذلك دبّرا مع جماعة في قتل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) ليلة العقبة فكمنوا له، وجاء جبرئيل (عليه السلام) وأخبر محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) بذلك، فوقف على العقبة وقال: يا فلان، يا فلان، يا فلان، أخرجوا، فإنّي لا أمر حتَّى أراكم كلّكم قد خرجتم وقد سمع ذلك حذيفة.
ومثلهما طلحة والزبير فهما بايعا علياً (عليه السلام) بعد قتل عثمان طمعاً في أن يجعلهما كليهما علي بن أبي طالب (عليه السلام) والياً على ولاية، لا طوعاً، ولا رغبةً، ولا إكراهاً ولا إجباراً، فلمَّا أيسا من ذلك من علي (عليه السلام) نكثا العهد، وخرجا [عليه] وفعلا ما فعلا).
وأجاب عن مسائلي الأربعين، قال: ولمَّا أردنا الانصراف قال أبو محمّد (عليه السلام) لأحمد بن إسحاق: (إنَّك تموت السنة)، فطلب منه الكفن.
قال: (يصل إليك عند الحاجة).
قال سعد بن عبد الله: فخرجنا حتَّى وصلنا حلوان(1342) حمَّ أحمد بن إسحاق، ومات في الليل بحلوان، فجاء رجلان من عند أبي محمّد (عليه السلام)(1343) ومعهما أكفانه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1342) حلوان - بالضمّ ثمّ السكون - في عدّة مواضع: منها حلوان العراق، وهي في آخر حدود السواد ممَّا يلي الجبال من بغداد. (معجم البلدان 2: 290).
(1343) روى الكشي في رجاله: 556 و557 ما يفيد أنَّ أحمد بن إسحاق عاش بعد وفاة أبي محمّد (عليه السلام).
فغسّلاه وكفّناه، وصلّينا عليه، قال: وقد كنّا عنده من أوّل الليل، فلمَّا مضى وهن(1344) منه قال لي: انصرف إلى البيت فإنّي ساكن، فمضيت، ونمت، فلمَّا كان قرب(1345) السحر أتى الرجلان إلى باب بيتي وقالا: آجرك الله في أحمد بن إسحاق فقد غسَّلناه وكفَّناه وصلّينا عليه، فقمت ورأيته مفروغاً في الأكفان، فدفناه من الغد بحلوان رحمة الله عليه.
* * *
الجزء الثاني: فصل: في أعلام الإمام وارث الأنبياء والأوصياء، حجّة الله على خلقه، صاحب المرأى والمسمع (م ح م د) بن الحسن المهدي عليه من الصلوات أفضلها ومن التحيّات أكملها صاحب الزمان (عليه السلام): (1346)
* عن أبي سعيد الخراساني، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليهما السلام)، [قال]: (إذا قام القائم بمكّة وأراد أن يتوجَّه إلى الكوفة، نادى منادٍ(1347): (ألا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً).
ويحمل معه حجر موسى بن عمران (عليه السلام) الذي انبجست(1348) منه اثنتا عشرة عيناً فلا ينزل منزلاً إلَّا نصبه، فانبعثت(1349) منه العيون، فمن كان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1344) الوهن: نحو من منتصف الليل أو بعد ساعة منه. (القاموس المحيط 4: 276/ مادة وهن).
(1345) في (هـ)، (بحار الأنوار): (وقت).
(1346) الخرائج والجرائح 2: 690 - 705/ ح 1 - 21.
(1347) في (بحار الأنوار): (مناديه).
(1348) أي انفجرت، ومنه قوله تعالى: (فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثنتا عَشْرَةَ عَيْناً) (الأعراف: 160).
(1349) (ط)، (هـ)، (بحار الأنوار): (فانبجست).
جائعاً شبع، ومن كان ظمآناً روي(1350)، فيكون زادهم حتَّى ينزلوا النجف من ظاهر الكوفة، فإذا نزلوا ظاهرها انبعث منه الماء واللبن دائماً، فمن كان جائعاً شبع، ومن كان عطشاناً روي)(1351).
* ومنها: ما روى أبو بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): قلت له: إنّي أريد أن أمسّ صدرك.
قال: (افعل). فدنوت منه ومسست صدره ومنكبيه. فقال: (ما تريد بهذا؟).
قلت: إنّي سمعت أباك يقول: (إنَّ القائم منّا واسع الصدر، مشرف المنكبين(1352) عريض ما بينهما).
قال: (إنَّ أبي لبس درع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فكان يرفع ذيلها، ولبستها، فكان كذلك وهي على صاحب هذا الأمر مشمرة(1353) كما كانت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم))(1354).
* ومنها: ما روي عن أبي القاسم بن أبي حليس(1355)، قال: كتبت في إنفاذ خمسين ديناراً لقوم مؤمنين، منها: عشرة دنانير لابنة(1356) عمّ لي، لم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1350) في (ط)، (هـ): (عطشاناً فأروى).
(1351) عنه بحار الأنوار 52: 325؛ ورواه في بصائر الدرجات: 188/ ح 53؛ وفي الكافي 1: 231/ ح 3 بإسنادهما إلى أبي سعيد الخراساني؛ ورواه الصدوق في كمال الدين: 670/ ح 17 بإسناده إلى أبي الجارود؛ ورواه في منتخب الأنوار المضيئة: 199 بإسناده إلى الصدوق.
(1352) أي عالى المنكبين.
(1353) أي مرفوعة.
(1354) عنه بحار الأنوار 52: 319/ ح 20؛ وعن بصائر الدرجات: 188/ ح 55 بإسناده إلى أبي بصير؛ وأخرجه في إثبات الهداة 7: 42/ ح 393؛ وحلية الأبرار 2: 577 عن بصائر الدرجات.
(1355) في (م): (حبيس)، وكذا في حديث التالي. وقد تقدَّمت ترجمته.
(1356) لابن (البحار)، وكذا في الموضع التالي، والضمائر مذكرة.
تكن من الإيمان على شيء فجعلت اسمها آخر الرقعة والفصول، ألتمس بذلك الدلالة في ترك الدعاء لها، فخرج في فصول المؤمنين: (تقبل [الله] منهم وأحسن إليهم وأثابك) ولم يدع لابنة عمّي بشيء(1357).
* ومنها: ما قال ابن أبي حليس أيضاً: وأنفذت أيضاً دنانير لقوم مؤمنين وأعطاني رجل يقال له: (محمّد بن سعيد) دنانير، فأنفذتها باسم أبيه متعمّداً، ولم يكن من دين الله على شيء، فخرج الوصول باسم من غيَّرت اسمه (محمّد)(1358).
* ومنها: ما قال أيضاً: وحملت في هذه السنة - التي ظهرت لي فيها الدلالة - ألف دينار، بعث بها أبو جعفر ومعي أبو الحسين محمّد بن محمّد بن خلف، وإسحاق بن الجنيد، فحمل أبو الحسين الخرج إلى الدور، واكترينا ثلاثة أحمرة، فلمَّا بلغنا القاطول(1359)، لم نجد حميراً، فقلت لأبي الحسين: احمل الخرج الذي فيه المال واخرج مع القافلة حتَّى أتخلَّف في طلب حمار لإسحاق بن جنيد يركبه.
فاكتريت له حماراً ولحقت بأبي الحسين في الحير(1360) بسُرَّ من رأى وأنا أسايره وأقول: احمد الله على ما أنت [عليه].
فقال: وددت أنَّ هذا العمل دام لي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1357) عنه بحار الأنوار 51: 332؛ وعن كمال الدين: 494 بإسناده عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أبي القاسم؛ وأخرجه في إثبات الهداة 7: 307/ ح 61 و62 عن كمال الدين.
(1358) المصدر السابق.
(1359) القاطول: نهر كان في موضع سامراء قبل أن تعمَّر. (معجم البلدان 4: 297).
(1360) كذا في كمال الدين، والظاهر أنَّه الأنسب، ففي معجم البلدان 2: 328: الحير: اسم قصر كان بسامراء بناه المتوكّل. وفي (م)، (هـ): (الخرجة)، قال عنها الحموى في معجم البلدان 2: 358 نقلاً عن العمراني: اسم ماء. ولم يحدّد موقعه.
فوافيت سُرَّ من رأى وأوصلت ما معنا فأخذه الوكيل بحضرتي ووضعه في منديل وبعث به مع غلام أسود.
فلمَّا كان العصر جاءني برزمة خفيفة، ولمَّا أصبحنا خلا بي أبو القاسم، وتقدَّم أبو الحسين وإسحاق، فقال لي أبو القاسم: الغلام الذي حمل الرزمة، جاءني بهذه الدراهم فقال: ادفعها إلى الرسول الذي حمل الرزيمة، فأخذتها منه.
فلمَّا خرجت من باب الدار قال لي أبو الحسين - من قبل أن أنطق(1361) أو يعلم أن معي شيئاً -: لمَّا كنت معك(1362) تمنَّيت أن تجيئني منه دراهم أتبرَّك بها وكذلك عام أوّل حيث كنت معك بالعسكر.
فقلت له: خذها قد أتاك بها(1363).
* ومنها: ما روى مفضَّل عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (أتدري ما كان قميص يوسف؟).
قلت له: لا.
قال: (إنَّ إبراهيم (عليه السلام) لمَّا أوقدت له النار، أتاه جبرئيل (عليه السلام) بثوب من الجنّة فألبسه(1364) إيّاه، فلم يضرّه معه حرّ ولا برد، فلمَّا حضر إبراهيم الموت، جعله في تميمة وعلَّقها على إسحاق (عليه السلام)، وعلَّقه إسحاق على يعقوب (عليه السلام)، فلمَّا ولد يوسف، علَّقه عليه، فكان في عضده حتَّى كان من أمره ما كان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1361) كذا في كمال الدين وبحار الأنوار، وفي (م): (قبل أن ينطلق).
(1362) في (م)، (هـ): (لم أكتب معك وكنت).
(1363) عنه بحار الأنوار 51: 332؛ وعن كمال الدين: 495 بإسناده عن أبيه، عن سعد بن عبد الله عن أبي القاسم؛ وأخرجه في إثبات الهداة 7: 308/ ح 63 عن كمال الدين.
(1364) فكساه (خ ل).
فلمَّا أخرجه من التميمة يوسف بمصر، وجد يعقوب ريحه، وهو قوله تعالى حاكياً عنه: (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ)(1365) فهو ذلك القميص الذي أُنزل من الجنّة).
قلت: جُعلت فداك فإلى من صار ذلك القميص؟
قال: (إلى أهله، وهو [مع] قائمنا إذا خرج، يجد المؤمنون ريحه شرقاً وغرباً)، ثمّ قال: (كلّ نبيّ ورث علماً أو غيره فقد انتهى إلى محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)).
* ومنها: ما روي عن إبراهيم الكرخي، حدَّثنا نسيم خادم أبي محمّد (عليه السلام): قال لي صاحب الزمان (عليه السلام) وقد دخلت عليه بعد عشرة أيام من مولده، فعطست عنده.
فقال: (يرحمك الله)، ففزعت.
فقال لي: (ألا أبشرك في العطاس؟).
فقلت: بلى.
قال: (هو أمان من الموت ثلاثة أيّام)(1366).
* ومنها: ما روي عن أبي أحمد [بن](1367) راشد، عن بعض إخوانه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1365) يوسف: 94.
(1366) عنه كشف الغمّة 2: 500؛ وعنه إثبات الهداة 7: 293/ ح 35 وعن الغيبة للطوسي وكمال الدين؛ ورواه في كمال الدين: 430/ ذح 5، و441/ ح 11 بإسناده من طريقين إلى نسيم؛ عنه وسائل الشيعة 8 : 461/ ح 1؛ وبحار الأنوار 51: 5/ ح 7، و52: 30/ ح 24، و76: 54/ ح 12؛ ورواه الطوسي في الغيبة: 139 بإسناده إلى محمّد بن يعقوب يرفعه إلى نسيم؛ عنه إعلام الورى: 420؛ وبحار الأنوار 61: 5/ ح 8؛ وعنه حلية الأبرار 2: 544 وعن كمال الدين؛ ورواه في الهداية الكبرى: 358؛ وفي إثبات الوصيّة: 252 بالإسناد إلى نسيم؛ عنهما مستدرك الوسائل 8 : 383/ ح 1؛ وأورده في الصراط المستقيم 2: 235 عن إبراهيم.
(1367) كذا في موردين من الكافي، ومعجم رجال الحديث 21: 12.
من أهل المدائن، قال: كنت مع رفيق لي حاجّاً قبل الأيّام، فإذا شاب قاعد وعليه إزار ورداء فقوَّمناهما مائة وخمسين ديناراً، وفي رجله نعل صفراء ما عليها غبار ولا أثر السفر فدنا منه سائل، فتناول من الأرض شيئاً فأعطاه، فأكثر له السائل الدعاء، وقام الشاب وذهب وغاب، فدنونا من السائل فقلنا: ما أعطاك؟
فأرانا حصاة من ذهب، قدَّرناها عشرين ديناراً، فقلت لصاحبي: مولانا معنا ولا نعرفه؟! اذهب بنا في طلبه.
فطلبنا الموقف كلّه فلم نقدر عليه، ثمّ رجعنا فسألنا عنه من كان حوله.
فقالوا: شاب علوي من المدينة يحجّ في كلّ سنة ماشياً(1368).
* ومنها: ما روى نصر بن صباح(1369) البلخي، عن محمّد بن يوسف الشاشي(1370)، قال: خرج باسور(1371) على مقعدي، فأريته الأطبّاء، وأنفقت عليه مالاً، فقالوا: لا نعرف له دواء، فكتبت رقعة على يدي امرأة تختلف إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1368) عنه بحار الأنوار 52: 59/ ح 43؛ ومدينة المعاجز: 616/ ح 99؛ ورواه في الكافي 1: 332/ ح 15 عن علي بن محمّد، عن أبي أحمد؛ عنه مدينة المعاجز: 598/ ح 22؛ ومستدرك الوسائل 3: 241/ ح 6، و8 : 49/ ح 2.
(1369) في (هـ، (م): (أبي) بدل (نصر بن صباح)، وما في المتن هو الصحيح كما في الكافي والإرشاد ومعجم رجال الحديث 19: 194.
(1370) في (م): (الشاسي)، في (خ ل): (الشامي)، (الساشي)، وكذا في الحديث الآتي، وأشار لهذه الاختلافات في معجم رجال الحديث 18: 78. والظاهر أنَّ ما في المتن هو الصحيح نسبة إلى الشاش: وهي مدينة وراء نهر سيحون خرج منها جماعة من العلماء. راجع: وفيات الأعيان 4: 201.
(1371) في الكافي والإرشاد: (ناسور). وكلاهما علّة تحدث في المقعدة. (لسان العرب 4: 59، و5: 205).
الدار، أسأله الدعاء. فوقَّع: (ألبسك الله العافية، وجعلك معنا في الدنيا والآخرة). فما أتت عليَّ جمعة حتَّى عوفيت وصارت مثل راحتي(1372).
* ومنها: ما قال محمّد بن يوسف الشاشي: إنَّني لمَّا انصرفت من العراق كان عندنا رجل بمرو يقال له: (محمّد بن الحصين الكاتب) وقد جمع مالاً للغريم(1373) فسألني عن أمر الغريم، فأخبرته بما رأيته من الدلائل.
فقال: عندي مال للغريم فأيش تأمرني؟
فقلت: وجّهه إلى حاجز(1374).
فقال لي: فوق حاجز أحد؟
فقلت: نعم، الشيخ(1375).
فقال: إذا سألني الله عن ذلك أقول: إنَّك أمرتني؟
قلت: نعم.
قال: فخرجت من عنده، فلقيته بعد سنين، فقال: هو ذا أخرج إلى العراق ومعي مال الغريم، وأعلمك أنّي وجَّهت بمائتي دينار على يد العامر بن يعلى الفارسي، وأحمد بن علي الكلثومي، وكتبت إلى الغريم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1372) عنه بحار الأنوار 51: 297/ ح 14 وعن الكافي وعن الإرشاد. ورواه في الكافي 1: 519/ ح 11 عن علي بن محمّد، عن نصر بن صباح؛ عنه إثبات الهداة 7: 276/ ح 10؛ ومدينة المعاجز: 600/ ح 31؛ ورواه المفيد في الإرشاد: 398 عن ابن قولويه، عن الكليني؛ عنه كشف الغمّة 2: 451.
(1373) قال الشيخ المفيد في الإرشاد: 400: هذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديماً بينها ويكون خطابها (عليه السلام) للتقيّة.
(1374) هو حاجز بن يزيد، عدَّه في ربيع الشيعة من وكلاء الحجّة. راجع: معجم رجال الحديث 4: 189؛ ومجمع الرجال 2: 67.
(1375) في (بحار الأنوار): (العابد).
بذلك، وسألته الدعاء، فخرج الجواب بما وجَّهت، وذكر أنَّه كان له قبلي ألف دينار، وأنّي وجَّهت إليه بمائتي دينار لأنّي شككت، وإنَّ الباقي له عندي، فكان كما وصف، وقال: (إن أردت أن تعامل أحداً فعليك بأبي الحسين الأسدي بالري).
فقلت: أفكان كما كتب إليك؟
قال: نعم وجَّهت بمائتي دينار لأنّي شككت، فأزال الله عنّي ذلك، فورد موت حاجز بعد يومين أو ثلاثة، فصرت إليه، فأخبرته بموت حاجز، فاغتم.
فقلت: لا تغتم، فإنَّ ذلك دلالة لك في توقيعه إليك، وإعلامه أنَّ المال ألف دينار، والثانية: أمره بمعاملة الأسدي لعلمه بموت حاجز(1376).
* ومنها: ما قال محمّد بن الحسين: إنَّ التميمي حدَّثني عن رجل من أهل أسد آباد(1377)، قال: صرت إلى العسكر ومعي ثلاثون ديناراً في خرقة، منها دينار شامي فوافيت الباب وإنّي لقاعد، إذ خرج إليَّ جارية أو غلام [الشكّ منّي].
قال: هات ما معك.
قلت: ما معي شيء.
فدخل ثمّ خرج فقال: معك ثلاثون ديناراً في خرقة لونها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1376) عنه بحار الأنوار 51: 294/ ح 5؛ وإثبات الهداة 7: 344؛ ومدينة المعاجز: 616/ ح 100؛ ورواه الشيخ الطوسي في الغيبة: 257 بالإسناد إلى الكليني، بإسناده إلى الشاشي؛ عنه بحار الأنوار 51: 363/ ح 10؛ وإثبات الهداة 7: 343/ ح 114.
(1377) في (ط)، (بحار الأنوار)، (إثبات الهداة): (استراباد).
أخضر(1378)، منها دينار شامي ومعه خاتم كنت تمنَّيته(1379)، فأوصلته ما كان معي، وأخذت الخاتم(1380).
* ومنها: ما قاله: إنَّ مسروراً الطبّاخ قال: كتبت إلى الحسن بن راشد لضيقة أصابتني، فلم أجده في البيت، فانصرفت، فدخلت مدينة أبي جعفر، فلمَّا صرت في الرحبة، حاذاني رجل لم أرَ وجهه، وقبض على يدي ودسَّ فيها صرّة بيضاء، فنظرت فإذا عليها كتابة فيها اثنا عشرة ديناراً وعلى الصرّة مكتوب: (مسرور الطبّاخ)(1381).
* ومنها: ما روي عن جعفر بن حمدان، عن حسن بن حسين الاسترابادي(1382) قال: كنت في الطواف، فشككت فيما بيني وبين نفسي في الطواف، فإذا شاب قد استقبلني، حسن الوجه، قال: (طف أسبوعاً آخر)(1383).
* ومنها: ما قال: وحدَّثنا محمّد بن شاذان بالتنعيم(1384)، قال: اجتمعت عندي خمسمائة درهم تنقص عشرون درهماً، فأتممتها من عندي،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1378) في (بحار الأنوار): (خضراء) بدل (لونها أخضر).
(1379) في (بحار الأنوار): (وخاتم كنت نسيته).
(1380) عنه بحار الأنوار 51: 294/ ح 6؛ وإثبات الهداة 7: 347/ ح 122؛ ومدينة المعاجز: 616/ ح 101.
(1381) عنه بحار الأنوار 51: 295/ ح 7؛ وإثبات الهداة 7: 348/ ح 123؛ ومدينة المعاجز: 616/ ح 102.
(1382) كذا في (هـ) و(وسائل الشيعة) و(إثبات الهداة). وفي (م): (الاستادمى)، وفي (خ ل): (الاستاني).
(1383) عنه وسائل الشيعة 9: 436/ ح 13؛ وإثبات الهداة 7: 348/ ح 124؛ وبحار الأنوار 52: 60/ ح 44؛ ومدينة المعاجز: 616/ ح 103.
(1384) موضع على فرسخين من مكّة، وقيل: أربعة، وسمّى بذلك لأنَّ جبلاً عن يمينه يقال له: (نعيم) منه يحرم المكّيون بالعمرة. (معجم البلدان 2: 49).
وبعثت بها إلي محمّد بن أحمد(1385) القمي، ولم أكتب كم لي فيها، فأنفذ إليَّ كتابه: (وصلت خمسمائة درهم لك فيها عشرون درهماً)(1386).
* ومنها: ما روي عن أبي سليمان، عن المحمودي، قال: ولينا الدينور(1387) مع جعفر بن عبد الغفّار، فجائني الشيخ قبل خروجنا فقال: إذا وردت الري فافعل كذا وكذا.
فلمَّا وافينا الدينور، وردت عليه ولاية الري بعد شهر، فخرجت إلى الري فعملت ما قال لي(1388).
* ومنها: ما قال: وحدَّثنا علاّن الكليني(1389)، حدَّثنا الأعلم المصري،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1385) في (م): (أحمد بن محمّد)، وفيه تقديم وتأخير، وهو محمّد بن أحمد بن جعفر القمي وكيل الإمام الحجّة (عليه السلام). مجمع الرجال 5: 127. وفي بعض المصادر: (الأسدي) بدل (محمّد بن أحمد القمي). وهو محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي الكوفي عدَّه الشيخ الطوسي في الغيبة: 257 من وكلاء الحجّة (عليه السلام)، وراجع: مجمع الرجال 5: 177.
(1386) عنه بحار الأنوار 51: 295/ ح 8 ، وفي: 325 عنه وعن كمال الدين والإرشاد؛ وفي إثبات الهداة 7: 284/ ح 22 عنه وعن كمال الدين والكافي؛ ورواه الكليني في الكافي 1: 523/ ح 23 بإسناده إلى محمّد بن شاذان؛ عنه الإرشاد: 401؛ والغيبة للطوسي: 258؛ وإعلام الورى: 448؛ ومدينة المعاجز: 602/ ح 43؛ ورواه في كمال الدين: 485/ ح 5، و509/ ح 38؛ وفي دلائل الإمامة: 286 بإسنادهما إلى محمّد بن شاذان؛ وأورده في الصراط المستقيم 2: 247 مرسلاً؛ وأخرجه في منتخب الأنوار المضيئة: 116 عن الشيخ المفيد.
(1387) مدينة من أعمال الجبل، بينها وبين همذان نيف وعشرون فرسخاً. (معجم البلدان 2: 545).
(1388) عنه بحار الأنوار 51: 295/ ح 9.
(1389) كذا في كمال الدين وكتب الرجال، وفي (م): (علاّن بن حمك [حميد خ ل])، وفي بحار الأنوار: (غلال بن أحمد)، وفي إثبات الهداة: (هلال بن أحمد). وهو علي بن محمّد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني، المعروف بعلاّن، يكنّى أبا الحسن، ثقة عين، له كتاب أخبار القائم (عليه السلام). راجع: رجال النجاشي: 260؛ ومعجم رجال الحديث 12: 139، وغيرها.
عن أبي الرجاء المصري - وكان أحد الصالحين -، قال: خرجت في الطلب(1390) بعد مضي أبي محمّد (عليه السلام)، فقلت في نفسي: لو كان شيء لظهر بعد ثلاث سنين.
فسمعت صوتاً ولم أرَ شخصاً: (يا نصر بن عبد ربّه، قل لأهل مصر: هل رأيتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فآمنتم به؟!).
قال أبو الرجاء: ولم أعلم أنَّ اسم أبي (عبد ربّه) وذلك أنّي ولدت بالمدائن فحملني أبو عبد الله النوفلي إلى مصر، فنشأت بها، فلمَّا سمعت الصوت لم أعرج على شيء وخرجت(1391).
* ومنها: ما روي عن أحمد بن أبي روح، قال: وجَّهت إلي امرأة من أهل دينور، فأتيتها: فقالت: يا ابن أبي روح أنت أوثق من في ناحيتنا ديناً وورعاً، وإنّي أريد أن أودعك أمانة أجعلها في رقبتك تؤدّيها وتقوم بها.
فقلت: أفعل إن شاء الله تعالى.
فقالت: هذه دراهم في هذا الكيس المختوم، لا تحله ولا تنظر فيه حتَّى تؤدّيه إلى من يخبرك بما فيه، وهذا قرطي(1392) يساوي عشرة دنانير، وفيه ثلاث حبّات لؤلؤ تساوي عشرة دنانير، ولي إلى(1393) صاحب الزمان حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1390) أي طلب الإمام.
(1391) عنه بحار الأنوار 51: 295/ ح 10؛ وإثبات الهداة 7: 348/ ح 125؛ ومدينة المعاجز: 616؛ ورواه في كمال الدين: 491/ ح 15 عن أبيه، عن سعد، عن علاّن؛ عنه بحار الأنوار 51: 330/ ح 54.
(1392) القرط: ما يعلَّق في شحمة الأذن من درّ أو ذهب أو فضّة أو نحوها.
(1393) في (ط)، (هـ): (عند).
فقلت: وما الحاجة؟
قالت: عشرة دنانير استقرضتها أُمّي في عرسي(1394) لا أدري ممَّن استقرضتها، ولا أدري إلى من أدفعها، فإن أخبرك بها، فادفعها إلى من يأمرك بها.
قال: وكنت أقول بجعفر(1395) بن علي، فقلت هذه المحبّة(1396) بيني وبين جعفر فحملت المال وخرجت حتَّى دخلت بغداد، فأتيت حاجز بن يزيد الوشاء، فسلَّمت عليه وجلست، فقال: ألك الحاجة؟
قلت: هذا مال دفع إليَّ، لا أدفعه(1397) إليك [حتَّى] تخبرني كم هو، ومن دفعه إليَّ؟ فإن أخبرتني دفعته إليك.
قال: (لم أُؤمر بأخذه، وهذه رقعة جاءتني بأمرك. فإذا فيها: (لا تقبل من)(1398) أحمد بن أبي روح، توجَّه به إلينا إلى سامراء)(1399).
فقلت: لا إله إلَّا الله هذا أجلّ شيء أردته(1400).
فخرجت ووافيت سامراء، فقلت: أبدأ بجعفر، ثمّ تفكَّرت فقلت: أبدأ بهم فإن كانت المحبّة(1401) من عندهم وإلَّا مضيت إلى جعفر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1394) في (م): (عرسها).
(1395) في (ط)، (بحار الأنوار): (فقلت في نفسي: وكيف أقول لجعفر) بدل (وكنت أقول بجعفر).
(1396) في (بحار الأنوار): (فقلت: هذه المحنة).
(1397) في (م): (لأدفعه).
(1398) في (بحار الأنوار): (يا).
(1399) في (ط)، (هـ)، (بحار الأنوار): (سُرَّ من رأى)، وكذا في الموضع الآتى.
(1400) في (ط)، (هـ): (هذا الذي أردت).
(1401) في (بحار الأنوار): (المحنة).
فدنوت من دار(1402) أبي محمّد (عليه السلام) فخرج إليَّ خادم فقال: أنت أحمد بن أبي روح؟
قلت: نعم.
قال: هذه الرقعة اقرأها.
فقرأتها فإذا فيها:
(بسم الله الرحمن الرحيم، يا ابن أبي روح أودعتك عاتكة بنت الديراني كيساً فيه ألف درهم بزعمك، وهو خلاف ما تظنّ، وقد أدَّيت فيه الأمانة، ولم تفتح الكيس ولم تدرِ ما فيه، وفيه ألف درهم وخمسون ديناراً صحاح، ومعك قرط(1403) زعمت المرأة أنَّه يساوي عشرة دنانير، صدقت، مع الفصّين اللذين فيه، وفيه(1404) ثلاث حبّات لؤلؤ شراؤها بعشرة دنانير، وهي تساوي أكثر، فادفع ذلك(1405) إلى جاريتنا(1406) فلانة فإنّا قد وهبناه لها، وصر إلى بغداد وادفع المال إلى حاجز، وخذ منه ما يعطيك لنفقتك إلى منزلك.
وأمَّا العشرة الدنانير التي زعمت أنَّ أُمّها استقرضتها في عرسها، وهي لا تدري من صاحبها، بل هي تعلم لمن، هي(1407) لكلثوم بنت أحمد،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1402) في (ط)، (هـ): (باب).
(1403) في (م): (قرطان).
(1404) في (م): (فيهما، وفيهما).
(1405) في (م): (فادفعها).
(1406) في (هـ): (خادمتنا)، في (ط)، (بحار الأنوار): (خادمتنا إلى).
(1407) في (خ)، (ط)، (م): (هي هي).
وهي ناصبية، فتحيَّرت(1408) أن تعطيها إيّاها، وأوجبت(1409) أن تقسمها في إخوانها(1410)، فاستأذنتنا في ذلك، فلتفرّقها في ضعفاء إخوانها.
ولا تعودنَّ يا ابن أبي روح إلى القول بجعفر والمحبّة(1411) له، وارجع إلى منزلك فإنَّ عدوّك(1412) قد مات، وقد ورثك(1413) الله أهله وماله).
فرجعت إلى بغداد، وناولت الكيس حاجزاً فوزَّنه(1414) فإذا فيه ألف درهم وخمسون ديناراً، فناولني ثلاثين ديناراً، وقال: أُمرت(1415) بدفعها إليك لنفقتك. فأخذتها وانصرفت إلى الموضع الذي نزلت فيه، فإذا أنا بفيج(1416) وقد جاءني من منزلي يخبرني بأنَّ حموي(1417) قد مات وأهلي يأمروني بالانصراف إليهم. فرجعت فإذا هو قد مات، وورثت منه ثلاثة آلاف دينار، ومائة ألف درهم(1418).
* ومنها: ما روي عن أحمد بن أبي روح، قال: خرجت إلى بغداد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1408) في (ط)، (بحار الأنوار): (فتحرَّجت).
(1409) في (ط)، (هـ)، (بحار الأنوار): (وأحبَّت).
(1410) في (بحار الأنوار): (أخواتها)، وكذا في الموضع الآتى.
(1411) في (بحار الأنوار): (والمحنة).
(1412) في (بحار الأنوار): (عمّك).
(1413) في (ط)، (هـ)، (بحار الأنوار): (رزقك).
(1414) في النسخ المعتمدة: (فوزَّنته).
(1415) في (م): (أُمرنا).
(1416) الفيج: هو الذي يسعى على رجليه، أو المسرع في مشيه الذي يحمل الأخبار من بلد إلى بلد.
(1417) في (ط)، (هـ)، (بحار الأنوار): (وقد جاءني من يخبرني أنَّ عمّى). وحمو الرجل: أبو امرأته أو أخوها أو عمّها. (لسان العرب 14: 197/ مادة حما).
(1418) عنه بحار الأنوار 51: 295/ ح 11؛ وإثبات الهداة 7: 349/ ح 126؛ وعنه مدينة المعاجز: 616/ ح 105؛ وعن ثاقب المناقب: 517 (مخطوط) عن أحمد بن أبي روح.
في مال لأبي الحسن الخضر بن محمّد لأوصله، وأمرني أن أدفعه(1419) إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان(1420) العمري، وأمرني أن [لا] أدفعه إلى غيره(1421)، وأمرني أن أسأله الدعاء للعلّة التي هو فيها، وأسأله عن الوبر، يحلّ لبسه؟
فدخلت بغداد، وصرت(1422) إلى العمري، فأبى أن يأخذ المال، وقال: صر إلى أبي جعفر محمّد بن أحمد وادفع إليه، فإنَّه أمره بأخذه(1423)، وقد خرج الذي طلبت فجئت إلى أبي جعفر، فأوصلته إليه، فأخرج إلي رقعة، فإذا فيها:
(بسم الله الرحمن الرحيم، سألت الدعاء من العلّة التي تجدها، وهب الله لك العافية، ودفع عنك الآفات، وصرف عنك بعض ما تجده من الحرارة، وعافاك وصحَّ لك جسمك.
وسألت ما يحلّ(1424) أن يصلّى فيه من الوبر والسمور والسنجاب والفنك والدلق والحواصل(1425)؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1419) في (هـ): (أوصله).
(1420) في (ط)، (هـ): (عبد الله)، وهو أبو جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري، وأبوه يكنّى أبا عمرو، وهما وكيلان من جهة صاحب الزمان (عليه السلام)، ولهما منزلة جليلة عند الطائفة. تجد ترجمته في: معجم رجال الحديث 16: 309 - 313، وغيره.
(1421) في (هـ)، (م): (غيره، فقلت).
(1422) في (م): (وخرجت).
(1423) في (بحار الأنوار): (بأن يأخذه).
(1424) في (خ ل): (ما يصح).
(1425) الوبر: حيوان من ذوات الحوافر في حجم الأرنب، أطحل اللون - أي بين الغبرة والسواد - قصير الذنب، يحرّك فكَّه السفلى كأنَّه يجتر، ويكثر في لبنان، والأنثى: وبرة. السمور: حيوان ثديى ليلى من الفصيلة السمورية من آكلات اللحوم، يتَّخذ من جلده فرو ثمين، ويقطن شمالى آسيا. السنجاب: حيوان أكبر من الجرذ، له ذنب طويل كثيف الشعر، يرفعه صعداً.
الفنك: ضرب من الثعالب فروته أجود أنواع الفراء، وتسمّى فراؤه: فنكاً أيضاً. الدلق: دويبة نحو الهرة طويلة الظهر، يعمل منها الفرو. الحوصل: طير كبير، له حوصلة عظيمة، يتَّخذ منه الفرو، ويكثر في مصر والجمع: الحواصل.
فأمَّا السمور والثعالب فحرام عليك وعلى غيرك الصلاة فيه، ويحلُّ لك(1426) جلود المأكول من اللحم إذا لم يكن [لك](1427) غيره، فإن لم يكن لك بدّ فصلّ فيه والحواصل جائز لك أن تصلّي فيه، والفراء متاع الغنم، ما لم تذبح بأرمينية، تذبحه النصارى على الصليب، فجائز لك أن تلبسه إذا ذبحه أخ لك، أو مخالف تثق به(1428))(1429).
* ومنها: ما روى سعد بن عبد الله، حدَّثنا علي [بن] محمّد الرازي المعروف بعلاّن الكليني، قال: سمعت الشيخ العمري يقول: صحبت رجلاً من أهل السواد ومعه مال للغريم (عليه السلام) فأنفذه، فردّ عليه وقال: (أخرج حقّ ولد عمّك منه، وهي أربعمائة)!
فبقي الرجل باهتاً متعجّباً، فنظر في حساب المال فإذا الذي نصّ عليه من ذلك المال كما قال (عليه السلام)(1430).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1426) في (خ ل): (عليك).
(1427) في (بحار الأنوار): (فيه).
(1428) في (م): (مخالفة بتوبة)، وهو تصحيف.
(1429) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 136؛ وبحار الأنوار 53: 197/ ح 23، و66: 26/ ح 26، و83 : 227/ ح 16 وفيه بيان مفيد؛ وإثبات الهداة 7: 350/ ح 127؛ ومستدرك الوسائل 2: 587/ ح 1، و3: 197/ باب 3/ ح 1.
(1430) عنه إثبات الهداة 7: 274/ ح 7؛ وعن الكافي 1: 519/ ح 8؛ ورواه في الإمامة والتبصرة: 140/ ح162؛ وكمال الدين: 486/ ح 6؛ والهداية الكبرى: 370؛ والإرشاد: 397؛ والغيبة للطوسي: 171؛ ومنتخب الأنوار المضيئة: 120؛ ودلائل الإمامة: 286 جميعاً بإسنادهم إلى الشيخ العمري. وأخرجه في إعلام الورى: 446 عن الكافي؛ وفي كشف الغمّة 2: 451 عن الإرشاد؛ وفي بحار الأنوار 51: 326/ ح 45 عن الإرشاد وكمال الدين؛ وفي مدينة المعاجز: 605/ ح 58 عن الدلائل.
* ومنها: ما قال الكليني هذا: حدَّثنا جماعة من أصحابنا أنَّه بعث إلى أبي عبد الله بن الجنيد - وهو بواسط - غلاماً وأمر ببيعه، فباعه وقبض ثمنه، فلمَّا عير الدنانير نقصت ثمانية عشر قيراطاً وحبّة، فوزن من عنده ثمانية عشر قيراطاً وحبّة، وأنفذ المال، فرد عليه ديناراً وزنه ثمانية عشر قيراطاً وحبّة(1431).
* ومنها: ما قالوا: حدَّثنا أبو جعفر: ولد لي مولود كتبت أستأذن في تطهيره(1432) يوم السابع. فورد: (لا).
فمات الولد يوم السابع. ثمّ قال: كتبت بموته، فكتب(1433): (سيخلف عليك غيره، فسمّه: أحمد، ومن بعده جعفراً).
فجاء كما قال.
وكتبت في معنيين وأردت أن أكتب في معنى ثالث فقلت في نفسي: لعلَّه يكره ذلك.
فخرج الجواب في المعنيين والمعنى الثالث الذي طويته ولم أكتبه(1434).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1431) عنه إثبات الهداة 7: 30/ ح 128؛ وعنه بحار الأنوار 51: 326/ ح 46؛ وعن كمال الدين: 486/ ح 7؛ ورواه في الإمامة والتبصرة: 141/ ح 163 بإسناده إلى جماعة من أصحابنا؛ وأخرجه في إعلام الورى: 450؛ وإثبات الهداة 7: 302/ ح 45؛ ومدينة المعاجز: 612/ ح 85 عن كمال الدين.
(1432) في (خ ل): (تسميته).
(1433) في (خ ل): (فخرج).
(1434) عنه إثبات الهداة 7: 279 وعن الكافي وكمال الدين؛ ورواه في الكافي 1: 522/ ح 17؛ وكمال الدين: 490/ ح 13؛ والإرشاد: 399؛ والغيبة للطوسي: 171؛ وعيون المعجزات: 146 جميعاً بإسنادهم إلى الحسن بن الفضل بن يزيد اليماني؛ وأخرجه في إعلام الورى: 447 عن الكافي؛ وفي كشف الغمّة 2: 452 عن الإرشاد؛ وفي بحار الأنوار 51: 308 عن الإرشاد والغيبة للطوسي، وفي 311/ ح 33 عن الغيبة للطوسي، وفي 328 عن كمال الدين؛ وفي مدينة المعاجز: 611 عن عيون المعجزات.
للفقيه المحدِّث والمفسّر الكبير قُطب الدين الراوندي المتوفى سنة 573 هجرية
تحقيق: غلام رضا عرفانيان اليزدي الخراساني
فصل (17): (1435)
* وعن ابن بابويه، حدَّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل، حدَّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفى، حدَّثنا موسى بن عمران النخعي، حدَّثنا عمّي الحسين بن يزيد، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن الصادق، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (حدَّثني جبرئيل (عليه السلام) عن ربّ العزّة جلَّ جلاله أنَّه قال: من علم أن لا إله إلَّا أنا وحدي وأنَّ محمّداً عبدي ورسولي، وأنَّ علي بن أبي طالب خليفتي، وأنَّ الأئمّة من ولده حججي، أدخله الجنّة برحمتي ونجَّيته من النار بعفوي، وأبحت له جواري، وأوجبت له كرامتي، وأتممت عليه نعمتي، وجعلته من خاصّتي وخالصتي، إن ناداني لبَّيته، وإن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وإن سكت ابتدأته، وإن أساء رحمته، وإن فرَّ منّي دعوته، وإن شهد بذلك ولم يشهد أنَّ محمّداً عبدي ورسولي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنَّ علي بن أبي طالب خليفتي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنَّ الأئمّة من ولده حججي، فقد جحد نعمتي، وصغر عظمتي، وكفر بآياتي وكتبي إن قصدني حجبته، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن دعاني لم استجب دعاءه، وإن رجاني خيَّبته، وذلك جزاؤه منّي، وما أنا بظلام للعبيد).
فقام جابر بن عبد الله، فقال: يا رسول الله ومن الأئمّة بعد علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟
فقال: (الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، ثمّ سيّد العابدين في زمانه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1435) قصص الأنبياء: 365/ ح 470.
علي بن الحسين، ثمّ الباقر محمّد بن علي - وستدركه يا جابر، فإذا أدركته فاقرأه منّي السلام -، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ الكاظم موسى بن جعفر، ثمّ الرضا علي بن موسى، ثمّ التقي محمّد بن علي، ثمّ النقي علي بن محمّد، ثمّ الحسن بن علي الزكي، ثمّ ابنه القائم بالحقّ مهدي أمّتي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي، من أطاعهم فقد أطاعني، ومن عصاهم فقد عصاني، ومن أنكرهم أو أنكر واحداً منهم فقد أنكرني، بهم يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلَّا بإذنه، وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها)(1436).
* * *
فصل (18): (1437)
* وعن ابن بابويه، حدَّثنا أبو عبد الله محمّد بن وهبان(1438)، حدَّثنا أبو بشر أحمد بن إبراهيم بن أحمد العمّي، حدَّثنا محمّد بن زكريا ابن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1436) بحار الأنوار 36: 251 و252/ ح 68، عن كمال الدين مع اختلاف يسير.
(1437) قصص الأنبياء: 366/ ح 471 - 480.
(1438) في بحار الأنوار وإعلام الورى: (قال - أي محمّد بن أحمد الدوريستى -: وأخبرني أبو عبد الله محمّد بن هارون...)، وعليه فما في النسخ المخطوطة وإثبات الهداة: (وعن ابن بابويه حدَّثنا أبو عبد الله محمّد بن دهقان - أو هبان -)، يحكم بصحَّته فيما إذا قيل برواية الراوندي الرواية بسند فيه ابن بابويه عن محمّد بن وهبان واشتبه الأمر على شيخه الطوسي فنقل الرواية في إعلام الورى عن الوريستي عن محمّد بن وهبان. هذا والصحيح: محمّد بن وهبان. تعرَّض له النجاشي ووثَّقه ويستفاد منه ومن رجال الطوسي (ص 505) معاصرة الصدوق له وليس في المصادر ومشيخة الصدوق روايته عنه ولو في مورد واحد غير هذا المورد.
دينار الغلابي(1439)، حدَّثنا سليمان بن إسحاق بن سليمان(1440) بن علي بن عبد الله بن العبّاس، قال: حدَّثني أبي، قال: كنت يوماً عند الرشيد، فذكر المهدي وعدله فأطنب في ذلك، ثمّ قال: أخبرني أبي المهدي، حدَّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاس، عن أبيه العبّاس بن عبد المطَّلب أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: (يا عمّ يملك من ولدي اثنا عشر خليفة ثمّ تكون أمور كريهة وشدّة عظيمة، ثمّ يخرج المهدي من ولدي يصلح الله أمره في ليلة يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ويمكث في الأرض ما شاء الله، ثمّ يخرج الدجّال)(1441).
* وروى أبو بكر بن خيثمة(1442)، عن علي بن جعد، عن زهير بن معاوية، عن زياد بن خيثمة، عن الأسود بن سعيد الهمداني، قال: سمعت جابر بن سمرة يقول: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يقول: (يكون بعدي اثنا عشر خليفه كلّهم من قريش).
فقالوا: ثمّ ما ذا يكون؟
قال: (ثمّ يكون الهرج)(1443).
* وفي صحيح مسلم، عن ابن سمرة العدوي: سمعت رسول الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1439) في (المناقب): (محمّد بن زكريا العلاني).
(1440) كذا في بحار الأنوار، وهو الصحيح كما يظهر من تاريخ بغداد 6: 329. وفي جميع النسخ: (أحمد بن سليمان).
(1441) بحار الأنوار 36: 300 و301/ ح 136؛ من إعلام الورى: 385 و386؛ وعن المناقب لابن شهرآشوب 1: 292 و293، وراجع: إثبات الهداة 1: 615/ ح 637.
(1442) في (ق 3): (أبو بكر بن خثيمة)، وفي المصادر المطبوعة: (أبو بكر بن أبي خثيمة).
(1443) بحار الأنوار 36: 268/ ح 88؛ عن المناقب 1: 290؛ وإعلام الورى: 384؛ وأومأ إليه في إثبات الهداة 1: 615/ ح 638 عن القصص باختصار؛ وفي المصدر: 684 عن الخرائج نحوه.
(صلّى الله عليه وآله وسلم) يقول: (لا يزال الدين قائماً حتَّى يكون اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش، ثمّ يخرج كذّابون بين يدي الساعة، وأنا الفرط على الحوض)(1444).
* وعن الشعبي، عن مسروق: كنّا عند عبد الله بن مسعود فقال له رجل: أحدَّثكم نبيّكم كم يكون بعده من الخلفاء؟
قال: نعم وما سألني عنها أحد قبلك وإنَّك لأحدث القوم سنّاً، سمعته يقول (صلّى الله عليه وآله وسلم): (يكون بعدي من الخلفاء عدد نقباء بني إسرائيل اثنا عشر كلّهم من قريش)(1445).
* ورواه حماد بن زيد، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله وزاد فيه: قال: كنّا جلوساً إلى عبد الله يقرؤنا القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، هل سألتم رسول الله كم يملك أمر هذه الأمّة من خليفة بعده؟
فقال له عبد الله: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق، نعم سألنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فقال: (اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل)(1446).
* وروى عبد الله بن أبي أميّة، عن يزيد الرقاشي(1447)، عن أنس بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1444) صحيح مسلم 6: 4 وألفاظه أكثر وبهذا المضمون في نفس المورد قبل هذا البحث وبعده روى روايات مستفيضة. والشيخ الحرّ نقله في إثبات الهداة 1: 684 عن الخرائج عن صحيح مسلم؛ وذكره في بحار الأنوار 1: 684/ ح 25 عن الخرائج عن صحيح مسلم.
(1445) بحار الأنوار 36: 298/ ح 132 عن إعلام الورى؛ وأورده الحرّ في إثبات الهداة 1: 684/ ح 26 عن الخرائج.
(1446) بحار الأنوار 36: 299 عن إعلام الورى، وفي: 267 عن مناقب ابن شهرآشوب؛ ورواه في إثبات الهداة 1: 684/ ح 27 عن الخرائج.
(1447) في جميع النسخ المخطوطة: (عن زيد الرقاشي).
مالك، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (لن يزال هذا الدين قائماً إلى اثني عشر من قريش، فإذا مضوا ماجت الأرض بأهلها)(1448).
* وعن ابن مثنّى، عن أبيه، عن عائشة أنَّه سألها كم خليفة يكون لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟
قالت: أخبرني رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (يكون بعدي اثنا عشر خليفة).
فقلت لها: من هم؟
فقالت: أسماؤهم في الوصيّة من لدن آدم (عليه السلام)(1449).
* وروي لنا بالإسناد المتقدّم، عن الحسن بن محبوب، عن مقاتل بن سليمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (أنا سيّد النبيّين ووصيّي سيّد الوصيّين وأوصياؤه سادات الأوصياء، إنَّ آدم (عليه السلام) سأل الله أن يجعل له وصيّاً صالحاً، فأوحى الله تعالى إليه أنّي أكرمت الأنبياء بالنبوّة، ثمّ اخترت خلقي، وجعلت خيارهم الأوصياء. وأوحى الله إلى آدم يا آدم اوص إلى شيث، فأوصى آدم (عليه السلام) إلى شيث، وهو هبة الله بن آدم، وأوصى شيث إلى ابنه شبان، وهو ابن نزلة الحوراء التي أنزلها الله على آدم من الجنّة، فزوَّجها شيثاً ابنه، وأوصى شبان إلى محلث، وأوصى محلث إلى مخوق، وأوصى مخوق إلى عتميثا، وأوصى عتميثا إلى اخنوخ وهو إدريس النبيّ، وأوصى إدريس إلى ناخور، وأوصى ناخور إلى نوح، وأوصى نوح إلى سام، وأوصى سام إلى عنام، وأوصى عنام إلى عنيشاشا، وأوصى عنيشاشا إلى يافث، وأوصى يافث إلى بره، وأوصى بره إلى جعشيه، وأوصى جعشيه إلى عمران، ودفعها عمران إلى إبراهيم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1448) بحار الأنوار 36: 267 عن مناقب؛ وإثبات الهداة 1: 615/ ح 639، و684/ ح 28 عن الخرائج.
(1449) بحار الأنوار 36: 300/ ح 137 عن إعلام الورى، وإثبات الهداة 1: 615/ ح 640، وفي بحار الأنوار زيادة: (فقالت: أسماؤهم عندي مكتوبة بإملاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقلت لها...).
الخليل، وأوصى إبراهيم إلى ابنه إسماعيل، وأوصى إسماعيل إلى إسحاق، وأوصى إسحاق إلى يعقوب، وأوصى يعقوب إلى يوسف، وأوصى يوسف إلى مثريا، وأوصى مثريا إلى شعيب، ودفعها شعيب إلى موسى بن عمران، وأوصى موسى بن عمران إلى يوشع بن نون، وأوصى يوشع إلى داود، وأوصى داود إلى سليمان، وأوصى سليمان إلى آصف بن برخيا، وأوصى آصف إلى زكريا، ودفعها زكريا إلى عيسى بن مريم، وأوصى عيسى إلى شمعون بن حمون الصفا، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريا، وأوصى يحيى إلى منذر، وأوصى منذر إلى سليمة، وأوصى سليمة إلى بردة). ثمّ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (ودفعها بردة إليَّ وأنا أدفعها إليك يا علي، وأنت تدفع إلى وصيّك، ويدفع وصيّك إلى أوصيائك من ولدك واحداً بعد واحد، حتَّى تدفع إلى خير أهل الأرض بعدك، ولتكفرنَّ بك الأمّة، ولتختلفنَّ عليك اختلافاً شديداً، الثابت عليك كالمقيم معي، والشاذ عنك في النار، والنار مثوى الكافرين)(1450).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1450) أورده الشيخ الطوسي في أماليه 2: 58 في أواخر الجزء 15 بألفاظ أكثرها موافقة مع ألفاظ الرواية هنا وشذَّ الاختلاف. ورواه الشيخ الحرّ في إثبات الهداة 1: 264/ الباب 9/ الفصل 2 عن جملة من المصادر منها كمال الدين وكفاية الأثر؛ أمالي الصدوق وأمالي الشيخ الطوسي مسنداً عن الفقيه بسنده عن ابن محبوب والسند إليه معتبر وإنَّما الكلام في مقاتل بن سليمان والأمر فيه هيّن بعد كون الراوي عنه الحسن بن محبوب الذي أمرنا بتصديقه عموماً وخصوصاً وكون المقاتل مروياً من قبل جمهور العامّة (الرجاليين منهم) ومبغوضاً عندهم ويؤيّد وثاقته بل يؤكّد عدّه في أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) الذين ارتأى الشيخ المفيد في إرشاده (باب ذكر تاريخ الإمام الصادق (عليه السلام)) وثاقتهم على اختلافهم في الآراء والمقالات.
والحديث مذكور في الفقيه الجزء 4/ باب الوصيّة من لدن آدم (عليه السلام)؛ و ذكره في بحار الأنوار 23: 57 عن أمالي الصدوق.
* ووردت الأخبار الصحيحة بالأسانيد القويّة أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أوصى بأمر الله إلى علي بن أبي طالب، وأوصى علي بن أبي طالب إلى ابنه الحسن، وأوصى الحسن إلى أخيه الحسين، وأوصى الحسين إلى ولده علي، وأوصى علي بن الحسين إلى ابنه محمّد، وأوصى محمّد بن علي إلى ابنه جعفر، وأوصى جعفر إلى ابنه موسى، وأوصى موسى بن جعفر إلى ابنه علي الرضا، وأوصى الرضا إلى ولده محمّد، وأوصى محمّد إلى ولده علي، وأوصى علي بن محمّد إلى ولده الحسن، وأوصى الحسن إلى ابنه الحجّة القائم بالحقّ الذي لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّى يخرج، فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(1451).
* وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (إنَّ لله تبارك وتعالى مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف نبيّ أنا سيّدهم وأفضلهم وأكرمهم على الله، ولكلّ نبيّ وصيّ أوصى إليه من الله، وإنَّ وصيّي علي بن أبي طالب لسيّدهم وأفضلهم وأكرمهم على الله سبحانه وتعالى جلَّ ذكره)(1452).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1451) أخرجه الشيخ الحرّ العاملي في إثبات الهداة 1: 465 و466 عن الفقيه، ثمّ قال: (ورواه الراوندي في قصص الأنبياء مرسلاً).
(1452) بحار الأنوار 11: 30 عن الخصال وأمالي الصدوق ما هو بنفس المفاد باختلاف في بعض الألفاظ لا يضر بالوحدة.
للفقيه عماد الدين أبو جعفر محمد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة المتوفى سنة 585 هـ
تحقيق: نبيل رضا عَلَوان
الباب الخامس عشر: في ذكر آيات صاحب الزمان الخلف الصالح المنتظر المهدي (عليه السلام) (1453)
وفيه خمسة فصول:
1 - فصل: في بيان ظهور آياته (عليه السلام) في حال ولادته وبعدها:
وفيه: حديثان:
* عن السياري، قال: حدَّثتني نسيم ومارية، قالتا: لمَّا خرج صاحب الزمان (عليه السلام) من بطن أُمّه سقط جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبابته نحو السماء، ثمّ عطس فقال: (الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله، عبداً ذاكراً لله، غير مستنكف ولا مستكبر). ثمّ قال: (زعمت الظلمة أنَّ حجّة الله داحضة، ولو أذن لنا في الكلام لزال الشكّ)(1454).
* عن أبي علي الحسن الآبي، قال: حدَّثتني الجارية التي أهديتها لأبي محمّد (عليه السلام)، قالت: لمَّا ولد السيّد (عليه السلام) رأيت نوراً ساطعاً قد ظهر منه وبلغ أفق السماء، ورأيت طيوراً بيضاء تهبط من السماء وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده ثمّ تطير، فأخبرنا أبا محمّد (عليه السلام)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1453) الثاقب في المناقب: 583 - 615.
(1454) كمال الدين: 430/ ح 5؛ إثبات الوصيّة: 221؛ الغيبة للطوسي: 147؛ الخرائج والجرائح 1: 457/ ح 2؛ إعلام الورى: 395؛ حلية الأبرار 2: 544؛ مدينة المعاجز: 586/ ح 2.
بذلك فضحك ثمّ قال: (تلك ملائكة السماء نزلت لتتبرَّك بهذا المولود، وهي أنصاره إذا خرج بأمر الله (عزَّ وجلَّ))(1455).
2 - فصل: في بيان ظهور آياته (عليه السلام) في حال طفولته:
وفيه: حديث واحد:
* عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف، قال في حديث طويل أنا أقتصر على الموضع المقصود منه، قال: مضيت إلى سُرَّ من رأى مع أحمد بن إسحاق لأزور أبا محمّد (عليه السلام) وأسأله عن مسائل أشكلت عليَّ، فلمَّا وصلنا إليها ووردنا باب أبي محمّد (عليه السلام) استأذنا فخرج الإذن بالدخول، وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب غطّاه بكساء طبري، فيه مائة وستّون صرّة من الدنانير والدراهم، على كلّ صرّة منها ختم لصاحبه.
قال سعد: فما شبَّهت أبا محمّد حين غشينا نور وجهه إلَّا ببدر قد استوت لياليه أربعاً بعد عشرة، وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر، على رأسه فرق بين وفرة كأنَّه ألف بين واوين، وبين يديه رمّانة ذهبية تلمع ببدائع نقوشها، ووسطها غرائب الفصوص المركبة عليها، قد كان أهداها له بعض رؤساء أهل البصرة، وبيده قلم إذا أراد أن يسطر به على البياض قبض الغلام على أصابعه، فكان مولانا (عليه السلام) يدحرج الرمّانة بين يديه ويشغله بردّها كي لا يصدّه عن كتبه(1456) ما أراده، فسلَّمنا عليه فألطف بالجواب وأومأ إلينا بالجلوس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1455) روضة الواعظين: 260.
(1456) كذا، وفي كمال الدين ومختصر بصائر الدرجات: (كتابة).
فلمَّا فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه، فوضعه بين يديه، فنظر المولى أبو محمّد (عليه السلام) إلى الغلام، وقال: (يا ابني، فضّ الختم عن هدايا شيعتك التي بعثوها إليك).
فقال: (يا مولاي، أيجوز لي أن أمدّ يدي الطاهرة إلى هدايا نجسة وأموال وحشة قد خلط حلّها بحرامها؟).
فقال (عليه السلام): (يا ابن إسحاق، استخرج ما في الجراب، ليميّز بين الحلال والحرام منها).
فأوّل صرّة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام: (هذا لفلان بن فلان من غلة كذا، تشتمل على اثنين وستّين ديناراً منها من ثمن حجرة باعها، وكانت إرثاً له من أبيه، خمسة وأربعين ديناراً، ومن أثمان تسعة أثواب(1457) أربعة عشر ديناراً، وفيها من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير).
فقال مولانا (صلّى الله عليه وآله وسلم): (يا ابني، دلّ الرجل على الحرام منها).
فقال: (فتّش عن دينار منها رازي السكة، تاريخه سنة كذا، قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه وقراضته(1458) أصلية وزنها ربع دينار. والعلّة في تحريمها أنَّ صاحب هذه الحلّة وزَّن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّاً وربع، فأتت على ذلك مدّة قبض انتهاها لذلك الغزل سارقاً، فأخبر به الحائك صاحبه فكذَّبه واستردَّ منه بدل ذلك منّاً ونصفاً من غزل أوّل ممَّا كان دفعه إليه، فاتَّخذ من ذلك ثوباً كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1457) في (م): (أبواب).
(1458) القراضة: ما سقط بالقرض، ومنه قراضة الذهب، (لسان العرب 7: 216/ مادة قرض).
فلمَّا فتح رأس الصرّة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة.
ثمّ أخرج صرّة أخرى فقال الغلام (عليه السلام): (هذا لفلان بن فلان، من محلّة كذا، وهو يشتمل على خمسين ديناراً، لا يحلّ لنا شيء منها).
قال: (وكيف ذلك؟).
قال: (لأنَّها من ثمن حنطة قد حاف صاحبها على أكاريه في المقاسمة، وذلك أنَّه قبض حصّته منها بكيل واف، وكان ما خصَّ الأكارين منها بكيل بخس).
فقال (عليه السلام): (صدقت يا ابني).
ثمّ قال: (يا ابن إسحاق، احملها جميعاً لتردّها، أو توصي بردّها على أربابها، ولا حاجة لنا في شيء منها، وأتنا بثوب العجوز).
قال أحمد: وكان ذلك الثوب في حقّ لي فنسيته، فلمَّا انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إليَّ مولانا (عليه السلام) فقال: (ما جاء بك يا سعد؟).
فقلت: شوَّقني أحمد بن إسحاق الخصيب إلى لقاء مولانا.
قال: (فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها؟).
قلت: على حالها.
قال: (اسأل قرّة عيني - وأومأ إلى الغلام - فاسأله عَّما بدا لك).
فسألته عنها، فأجاب، وإنّي تركت ذكرها كراهية التطويل، فلمَّا أجاب قام أبو محمّد (عليه السلام) مع الغلام وانصرفت عنهما، وطلبت أثر أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكياً، فقلت: ما أبكاك وأبطأك؟
فقال: قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره.
فقلت: لا عليك، فأخبره، وانصرف من عنده متبسّماً وهو يصلّي على محمّد وآل محمّد، فقلت: ما الخبر؟
قال: وجدت الثوب مبسوطاً تحت قدميّ مولاي يصلّي عليه.
قال سعد: فحمد الله تعالى وأثنى عليه على ذلك، وجعلنا نختلف بعد ذلك إلى منزله (عليه السلام) أيّاماً، ولا نرى الغلام بين يديه.
فلمَّا كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا، فانتصب أحمد بن إسحاق قائماً بين يديه، وقال: يا ابن رسول الله، قد دنت الرحلة واشتدَّت المحنة، ونحن نسأل الله تعالى أن يصلّي على جدّك المصطفى، وعلى المرتضى أبيك، وعلى سيّدة النساء أُمّك، وعلى سيّدي شباب أهل الجنّة عمّك وأبيك، وعلى الأئمّة الطاهرين من بعدهما آبائك، وأن يصلّي عليك وعلى ولدك، ونرغب إليه أن يعلي كعبك، ويكبت عدوّك، ولا جعله الله هذا آخر عهدنا من لقائك.
فلمَّا قال هذه الكلمة استعبر (عليه السلام) حتَّى انهملت دموعه وتقاطرت عبراته، ثمّ قال: (يا ابن إسحاق، لا تكلّف في دعائك شططاً، فإنَّك ملاق الله تعالى، في صدرك هذا).
فخرَّ أحمد مغشياً عليه، فلمَّا أفاق قال: سألتك بالله، وبحرمة جدّك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، إلَّا ما شرَّفتني بخرقة أجعلها كفناً.
فأدخل (عليه السلام) يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهماً وقال: (خذها، ولا تنفق على نفسك غيرها، فإنَّك لا تعدم ما سألت، وإنَّ الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً).
قال سعد: فلمَّا صرنا بعد منصرفنا من حلوان على ثلاثة فراسخ حمَّ أحمد بن إسحاق وصارت به علّة صعبة أتى بلدة كان قاطناً بها، ثمّ قال:
تفرَّقوا عنّي هذه الليلة واتركوني وحدي، فانصرفنا عنه ورجع كلّ واحد منّا إلى مرقده.
قال سعد: فلمَّا حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة(1459)، ففتحت عيني، فإذا أنا بكافور الخادم - خادم مولانا أبي محمّد (عليه السلام) - وهو يقول: أحسن الله بالخير عزائكم، وجبر بالمحبوب رزيَّتكم، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه، فقوموا لدفنه، فإنَّه من أكرمكم محلاً عند سيّدكم، ثمّ غاب عن أعيننا)(1460).
3 - فصل: في بيان ظهور آياته (عليه السلام) من الإخبار بآجال الناس:
وفيه: حديثان:
* عن أبي عقيل عيسى بن نصر، قال: إنَّ علي بن زياد الصيمري كتب إليه يلتمس كفناً، فكتب إليه: (إنَّك تحتاج إليه في سنة ثمانين)، فمات في سنة ثمانين، وبعث إليه بالكفن قبل موته(1461).
* عن أبي عبد الله الصفواني، قال: رأيت القاسم بن العلاء وقد بلغ عمره مائة وستّ عشرة سنة، منها ثمانون سنة صحيح العينين، ثمّ لقي العسكريين وحجب بعد الثمانين، وردَّت عليه عينه قبل وفاته بتسعة أيّام، وذلك أنّي كنت بمدينة كذا من أرض أذربايجان، وكان لا تنقطع توقيعات صاحب الزمان (عليه السلام) على يد أبي جعفر العمري، وبعده على يد أبي القاسم بن روح، فانقطعت عنه المكاتبة نحواً من شهرين فقلق من ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1459) في (ص)، (ك): (وكزة).
(1460) كمال الدين: 454/ ح 21؛ الخرائج والجرائح 1: 481/ ح 22 وفيه مثله؛ الاحتجاج: 268؛ ينابيع المودّة: 459؛ حلية الأبرار 2: 557.
(1461) الخرائج والجرائح 1: 463/ ح 8؛ إعلام الورى: 421.
فبينما نحن عنده نأكل إذ دخل البوّاب مستبشراً، فقال: فيج(1462) العراق ورد، ولا يسمّي بغيره، فسجد القاسم، ودخل كهل قصير يرى أثر الفيوج عليه، وعليه جبّة مصرية، وفي رجله نعل محاملي، وعلى كتفيه مخلاة، فقام إليه القاسم فعانقه، ووضع المخلاة، ودعا بطشت وماء، وغسل يديه وأجلسه إلى جانبه، فأكلنا وغسلنا أيدينا، فقام الرجل وأخرج كتاباً أفضل من نصف الدرج، فناوله القاسم [فأخذه](1463)، فقبَّله ودفعه إلى كاتب له يقال له: ابن أبي سلمة أبو عبد الله، فأخذه وقرأه [وبكى] حتَّى أحسَّ القاسم ببكائه، فقال: يا أبا عبد الله، خبر خرج فيَّ فيما تركته؟
قال: لا، قال: فما هو؟
قال: نعى الشيخ إليَّ نفسه بعد ورود هذا الكتاب إليَّ بأربعين يوماً، وأنَّه يمرض يوم السابع بعد وصول هذا الكتاب، وأنَّ الله يرد عليه عينيه بعد ذلك، وقد حمل إليه سبعة أثواب.
فقال القاسم: على سلامة من ديني؟
قال: في سلامة من دينك.
فضحك وقال: ما أؤمل من بعد هذا العمر؟
فقام الرجل الوارد فأخرج من مخلاته ثلاثة أزر، وحبرة يمانية حمراء، وعمامة، وثوبين، ومنديلاً، فأخذه القاسم، وعنده قميص خلعة خلعها عليه علي النقي (عليه السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1462) الفيج هو المسرع في مشيه، الذي يحمل الأخبار من بلد إلى بلد، وقيل: هو الذي يسعى بالكتب. (لسان العرب 2: 350/ مادة فيج).
(1463) ما بين المعقوفتين أثبتناه من الغيبة للطوسي.
وكان للقاسم صديق في مهمّ الدنيا، شديد النصب يقال له: عبد الرحمن بن محمّد السري فوافى(1464) في قوم إلى الدار، فقال القاسم: اقرؤوا الكتاب عليه فإنّي أحبّ هدايته.
قالوا: هذا لا يحتمله خلق من الشيعة، فكيف عبد الرحمن؟!
فأخرج القاسم إليه الكتاب، وقال: اقرأه، فقرأوه إلى موضع النعي، فقال عبد الرحمن: يا أبا محمّد اتَّق الله فإنَّك رجل واصل في دينك، والله تعالى يقول: (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)(1465) وقال جلَّ ذكره: (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً)(1466).
قال القاسم: فأتمّ الآية: (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ)(1467) فمولاي هو المرتضى من الرسول.
ثمّ قال: اعلم أنَّك تقول هذا، ولكن أرّخ اليوم فإن أنا عشت بعد هذا اليوم أو متّ فاعلم أنّي لست على شيء، وإن أنا متّ في ذلك اليوم فانظر لنفسك.
فأرَّخ عبد الرحمن اليوم وافترقوا، وحمَّ القاسم يوم السابع واشتدَّت العلّة إلى مدّة، ونحن مجتمعون عنده يوماً إذ مسح بكمّه عينيه فخرج من عينيه شبه ماء اللحم، ثمّ مدَّ يده إلى ابنه فقال: يا حسن، إليَّ، ويا فلان إليَّ، فنظرنا إلى الحدقتين صحيحتين. وشاع الخبر في الناس، وأتته العامّة من الناس ينظرون إليه وركب القاضي إليه، وهو أبو السائب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1464) في (ش)، (ص)، (م): (فورد).
(1465) لقمان: 34.
(1466) الجن: 26.
(1467) الجن: 27.
عتبة بن عبيد الله المسعودي(1468) وهو قاضي القضاة ببغداد فدخل عليه، وقال: يا أبا محمّد، ما هذا الذي ترى وأراه؟
فقال: خاتماً فصّه فيروزج، فقرَّبه منه فقال: ثلاثة أسطر لا يمكنني قراءتها.
وقد قال: لمَّا رأى الحسن ابنه في وسط الدار: اللهم ألهم الحسن طاعتك، وجنّبه معصيتك. ثلاثاً، ثمّ كتب وصيّته بيده، وكانت الضياع التي في يده لصاحب الأمر، كان أبوه وقفها عليه.
وكان فيما وصّى ابنه: إن أهَّلت للوكالة فيكون قوتك من نصف ضيعتي المعروفة بفرخندة وسائرها ملك لمولانا.
فلمَّا كان يوم الأربعين وقد طلع الفجر مات القاسم (رحمه الله) فوافاه عبد الرحمن يعدو في الأسواق حافياً حاسراً وهو يصيح: يا سيّداه.
فاستعظم الناس ذلك منه فقال لهم: اسكتوا، فقد رأيت ما لم تروا، وتشيَّع ورجع عمَّا كان، فلمَّا كان بعد مدّة يسيرة ورد الكتاب على الحسن ولده من صاحب الزمان (عليه السلام):
(ألهمك الله طاعته وجنَّبك معصيته). وهو الدعاء الذي دعا به أبوه. وفي ذلك عدّة آيات(1469).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1468) أبو السائب هو عتبة بن عبيد الله بن موسى الهمذاني الشافعي، تولّى القضاء في مراغة وأذربيجان وهمذان، ثمّ قدم بغداد فكان أوّل شافعي ولي قضاء بغداد، عاش ستّاً وثمانين سنة، وتوفّي في ربيع الآخر سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة، راجع: سير أعلام النبلاء 16: 47؛ تاريخ بغداد 12: 320؛ البداية والنهاية 11: 239.
(1469) الغيبة للطوسي: 188؛ الخرائج والجرائح 1: 467/ ح 14؛ فرج المهموم: 249؛ مدينة المعاجز: 612/ ح 89 .
4 - فصل: في بيان ظهور آياته (عليه السلام) من الإخبار بالغائبات:
وفيه: ستّة عشر حديثاً:
* عن أحمد بن أبي روح، قال: وجَّهت إليَّ امرأة(1470) من أهل دينور فأتيتها فقالت: يا ابن أبي روح، أنت أوثق من في ناحيتنا ورعاً، وإنّي أريد أن أودعك أمانة وأجعلها في رقبتك تؤدّيها وتقوم بها.
فقلت: أفعل إن شاء الله.
فقالت: هذه دراهم في هذا الكيس المختوم، لا تحله ولا تنظر ما فيه حتَّى تؤدّيه إلى من يخبرك بما فيه، وهذا قرطي يساوي عشرة دنانير، وفيه ثلاث لؤلؤات تساوي عشرة دنانير، ولي إلى صاحب الزمان (عليه السلام) حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها.
فقلت: وما الحاجة؟
قالت: عشرة دنانير استقرضتها أُمّي في عرسي، ولا أدري ممَّن استقرضتها، ولا أدري إلى من أدفعها، فإن أخبرك بها فادفعها إلى من يأمرك به.
قال: وكنت أقول بجعفر بن علي فقلت: هذه المحنة بيني وبين جعفر. فحملت المال وخرجت حتَّى دخلت بغداد، فأتيت حاجز بن يزيد الوشاء، فسلَّمت عليه وجلست فقال: ألك حاجة؟
فقلت: هذا مال دفع إليَّ لأدفعه إليك، أخبرني كم هو؟ ومن دفعه إليَّ؟ فإن أخبرتني دفعته إليك.
قال: لم أؤمر بأخذه، وهذه رقعة جاءتني بأمرك. فإذا فيها: (لا تقبل من أحمد بن أبي روح، وتوجَّه به إلينا إلى سُرَّ من رأى).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1470) في (ش)، (ص)، وهامش (ر): (فاطمية).
فقلت: لا إله إلَّا الله، هذا أجلّ شيء أردته. فخرجت به ووافيت سُرَّ من رأى، فقلت: أبدأ بجعفر، ثمّ تفكَّرت وقلت: أبدأ بهم، فإن كانت المحنة من عندهم وإلَّا مضيت إلى جعفر.
فدنوت من باب دار أبي محمّد (عليه السلام)، فخرج إليَّ خادم فقال: أنت أحمد بن أبي روح؟
قلت: نعم.
قال: هذه الرقعة اقرأها فقرأتها، فإذا فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم، يا ابن أبي روح أودعتك حايل بنت الديراني كيساً فيه ألف درهم بزعمك، وهو خلاف ما تظنّ، وقد أدَّيت فيه الأمانة، ولم تفتح الكيس ولم تدرِ ما فيه، وإنَّما فيه ألف درهم، وخمسون ديناراً صحاحاً، ومعك قرطان زعمت المرأة أنَّها تساوي عشرة دنانير صدقت مع الفصّين اللذين فيهما، وفيهما ثلاث حباب لؤلؤ شراؤهما بعشرة دنانير، وهي تساوي أكثر، فادفعهما إلى جاريتنا فلانة، فإنّا قد وهبناهما لها، وصر إلى بغداد وادفع المال إلى حاجز وخذ منه ما يعطيك لنفقتك إلى منزلك.
فأمَّا العشرة دنانير التي زعمت أنَّ أُمّها استقرضتها في عرسها، وهي لا تدري من صاحبها ولا تعلم لمن هي، هي لكلثوم بنت أحمد، وهي ناصبية، فتحرَّجت أن تعطيها فإن أحبَّت أن تقسمها في أخواتها فاستأذنتنا في ذلك، فلتفرقها على ضعفاء أخواتها.
ولا تعودنَّ يا ابن أبي روح إلى القول بجعفر والمحنة له، وارجع إلى منزلك فإنَّ عدوّك قد مات، وقد أورثك الله أهله وماله).
فرجعت إلى بغداد، وناولت الكيس حاجزاً، فوزَّنه فإذا فيه ألف درهم صحاح وخمسون ديناراً فناولني ثلاثين ديناراً، وقال: أمرنا بدفعها إليك لتنفقها.
فأخذتها، وانصرفت إلى الموضع الذي نزلت فيه، فإذا أنا بفيج قد جاءني من المنزل يخبرني بأنَّ حموي قد مات، وأنَّ أهلي أمروني بالانصراف إليهم، فرجعت فإذا هو قد مات، وورثت منه ثلاثة آلاف دينار ومائة ألف درهم. وفي ذلك أيضاً عدّة آيات(1471).
* عن ابن أبي سورة، عن أبيه، وأبوه من مشايخ الزيديّة بالكوفة قال: كنت خرجت إلى قبر الحسين (عليه السلام) أعرف عنده، فلمَّا كان وقت العشاء الآخرة صلَّيت وقمت، فابتدأت أقرأ (الحمد) فإذا شاب حسن الوجه، عليه جبّة سنيّة ابتدأ أيضاً قبلي، وختم قبلي، فلمَّا كان الغداة خرجنا جميعاً إلى شاطئ الفرات، قال لي الشاب: (أنت تريد الكوفة فامض).
فمضيت في طريق الفرات، وأخذ الشاب طريق البرّ، قال أبو سورة: ثمّ أسفت على فراقه، فاتبعته، فقال لي: (تعال) فجئنا جميعاً إلى حصن المسناة فنمنا جميعاً، وانتهينا فإذا نحن على الغري على جبل الخندق، فقال لي: (أنت مضيق ولك عيال، فامض إلى أبي طاهر الرازي فسيخرج إليك من داره، وعلى يده دم الإضحية فقال له: شابّ من صفته كذا وكذا، يقول لك: اعط هذا الرجل صرّة الدنانير التي عند رجل السرير مدفونة).
قال: فلمَّا دخلت الكوفة خرجت إليه وقلت له ما ذكر لي الشاب، فقال: بالسمع والطاعة. وعلى يده دم الإضحية(1472)،(1473).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1471) الخرائج والجرائح 2: 699/ ح 17؛ مدينة المعاجز: 616/ ح 105.
(1472) في جميع النسخ: (الشاه)، وما أثبتناه من المصدر.
(1473) الغيبة للطوسي: 181؛ الخرائج والجرائح 1: 470/ ح 15؛ مدينة المعاجز: 613/ ح 90 و91.
* وعن أبي أحمد بن أبي سورة، وهو محمّد بن الحسين بن عبد الله التميمي، عن الرازي [قال:] مشينا ليلتنا فإذا نحن على مقابر السهلة، فقال: (هو ذا منزلي)، قال لي: (أين الرازي علي بن يحيى فقل له يعطيك المال بعلامة أنَّه كذا وفي موضع كذا ومغطى بكذا)، فقلت: من أنت؟
قال: (أنا محمّد بن الحسن).
ثمّ مشينا حتَّى انتهينا إلى البوّابين في السحر فجلس فحفر بيده فإذا الماء قد خرج وتوضَّأ وصلّى عشر ركعات.
فمضيت إلى الرازي فدفعت الباب فقال: من أنت؟
فقلت: أبو سورة، فسمعته يقول: ما لي ولأبي سورة.
فلمَّا خرج وقصصت عليه صافحني وقبَّل وجهي وأخذ بيدي ومسح بها على وجهه ثمّ أدخلني الدار وأخرج الصرّة من عند رجل السرير ودفعها إليَّ، فاستبصر أبو سورة وكان زيديّاً. وفي ذلك عدّة آيات(1474).
* عن إسحاق بن يعقوب، قال: سمعت الشيخ العمري يقول: صحبت رجلاً من أهل السواد ومعه مال للغريم (عليه السلام) فأنفذه فردَّ عليه وقيل له: (أخرج حقّ ولد عمّك منه، وهو أربعمائة درهم) فبقي باهتاً متعجّباً، فنظر في حساب المال وكانت [في يده] ضيعة لابن عمّه قد كان ردَّ عليهم بعضها وزوى عنهم بعضها، فإذا الذي بقي لهم من ذلك المال أربعمائة درهم كما قال (عليه السلام)، فأخرجها منه وأنفذ الباقي. فقيل لجماعة من أصحابنا قالوا: إنَّه بعث إلى أبي عبد الله بن الجنيد وهو بواسط غلاماً وأمر ببيعه فباعه، وقبض ثمنه، فلمَّا عيَّر الدنانير نقصت في التعيير ثمانية عشر قيراطاً وحبّة(1475).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1474) كمال الدين: 486/ ح 6؛ الإمامة والتبصرة: 14/ ح 162؛ دلائل الإمامة: 286.
(1475) المصدر السابق.
* عن محمّد بن هارون، قال: كانت للغريم عليَّ خمسمائة دينار، فأنا ليلة ببغداد، وبها ريح وظلمة، وقد فزعت فزعاً شديداً، وفكَّرت فيما عليَّ، وقلت في نفسي: لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة دينار.
قال: فجاءني من يتسلَّم منّي الحوانيت، وقد كتب لي في ذلك من قبل أن ينطق به لساني وما أخبرت به أحداً(1476).
* عن جعفر بن أحمد بن متيل، قال: دعاني أبو جعفر محمّد بن عثمان فأخرج لي ثوبين معلمة وصرّة فيها دراهم، فقال لي: تحتاج أن تصير بنفسك إلى واسط في هذا الوقت، وتدفع ما دفعته إليك إلى أوّل رجل يلقاك عند صعودك من المركب إلى الشطّ بواسط.
قال: فتداخلني من ذلك غمّ شديد، وقلت: مثلي يرسل في هذا الأمر ويحمل هذا الشيء الوتح(1477)!
قال: فخرجت إلى واسط، وصعدت المركب، فأوّل رجل لقيته سألته عن الحسن بن قطاة الصيدلاني وكيل الوقف بواسط فقال: أنا هو، من أنت؟
فقلت: أبو جعفر العمري يقرأ عليك السلام ودفع إليَّ هذين الثوبين وهذه الصرّة لأسلمهما إليك فقال: الحمد لله، فإنَّ محمّد بن عبد الله الحائري(1478) قد مات وخرجت لإصلاح كفنه، فحلَّ الثياب فإذا فيها ما يحتاج إليه من حبرة وثياب وكافور، وفي الصرة كرى الحمّالين والحفّار. قال: فشيعنا جنازته وانصرفت(1479).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1476) كمال الدين: 486/ ح 7، الإمامة والتبصرة: 141/ ح 163.
(1477) الوتح: القليل من كلّ شيء، التافه. (لسان العرب 2: 628/ مادة وتح).
(1478) في (ر)، (م)، (ك): (الحيراني)، وما أثبتناه هو الصحيح. راجع: معجم رجال الحديث 16: 252.
(1479) كمال الدين: 492/ ح 17؛ الخرائج والجرائح 3: 1119/ ح 35؛ مدينة المعاجز: 617/ 108.
* عن نصر بن الصباح، قال: أنفذ رجل من أهل بلخ خمسة دنانير إلى حاجز، وكتب رقعة غيَّر فيها اسمه، فخرج إليه الوصول باسمه ونسبه، والدعاء له(1480).
* عن محمّد بن شاذان بن نعيم، قال: بعث رجل من أهل بلخ بمال ورقعة ليس فيها كتابة، وقد خطّ فيها بأصابعه كما تدور من غير كتابة، وقال للرسول: احمل هذا المال، فمن أخبرك بقصَّته وأجاب عن الرقعة فأوصل إليه المال. فصار الرجل إلى العسكر وقصد جعفراً وأخبره الخبر فقال جعفر: تقرُّ بالبداء؟
قال الرجل: نعم.
قال: فإنَّ صاحبك قد بدا له، وقد أمرك أن تعطيني المال.
فقال الرسول: لا يقنعني هذا الجواب.
فخرج الرجل من عنده وجعل يدور على أصحابنا، فخرجت إليه رقعة: (هذا مال قد كان غرر به وكان فوق صندوق، فدخل اللصوص البيت وأخذوا ما في الصندوق وسلم المال)، وردت عليه الرقعة كما يدور الدعاء: (فعل الله بك وفعل)(1481).
* عن محمّد بن شاذان بن نعيم، قال: أهديت(1482) مالاً ولم أفسّر لمن هو، فورد الجواب: (وصل كذا، وكذا منه لفلان بن فلان، ولفلان كذا)(1483).
* عن أبي العبّاس الكوفي، قال: حمل رجل مالاً ليوصله، وأحبَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1480) كمال الدين: 488/ ح 10؛ الإمامة والتبصرة: 141/ ح 164؛ دلائل الإمامة: 287.
(1481) كمال الدين: 488/ ح 11؛ الإمامة والتبصرة: 141/ ح 165؛ دلائل الإمامة: 287؛ الخرائج والجرائح 3: 1129/ ح 47؛ مدينة المعاجز: 605/ ح 61.
(1482) في (م): (أنفذت).
(1483) كمال الدين: 509/ ح 38؛ مدينة المعاجز: 176/ ح 118.
أن يقف على الدلالة، فوقَّع (عليه السلام): (إن استرشدت أرشدت(1484)، وإن طلبت وجدت، يقول لك مولاك: احمل ما معك).
قال الرجل: فأخرجت ممَّا معي ستّة دنانير بلا وزن وحملت الباقي، فخرج التوقيع: (يا فلان ردّ الستّة دنانير التي أخرجتها بلا وزن، ووزنها ستّة مثاقيل وخمسة دوانق وحبّة ونصف).
قال الرجل: فوزَّنت الدنانير، فإذا هي كما قال (عليه السلام)(1485).
* عن إسحاق بن حامد الكاتب، قال: كان بقم رجل بزّاز مؤمن، وله شريك مرجئ، فوقع بينهما ثوب نفيس فقال المؤمن: يصلح هذا الثوب لمولاي.
فقال شريك: لست أعرف مولاك، لكن افعل ما تحبّ بالثوب.
فلمَّا وصل الثوب شقَّه (عليه السلام) نصفين طولاً فأخذ نصفه وردَّ النصف وقال: (لا حاجة لنا في مال المرجئ)(1486).
* عن محمّد بن الحسن الصوفي، قال: أردت الخروج إلى الحجّ، وكان معي مال بعضه ذهب وبعضه فضّة، فجعلت ما كان معي من ذهب سبائك، وما كان معي من الفضّة نقراً، وكان قد دفع ذلك المال إليه ليسلّمه إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه).
قال: فلمَّا نزلت بسرخس ضربت خيمتي على موضع فيه رمل، فجعلت أميز تلك السبائك والنقر، فسقطت سبيكة من تلك السبائك منّي، وغاصت في الرمل، وأنا لا أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1484) في (م): (أرشدتك).
(1485) كمال الدين: 509/ ذيل الحديث 38؛ مدينة المعاجز: 176/ ح 119.
(1486) كمال الدين: 510/ ح 40؛ بحار الأنوار 51: 340 عنه.
قال: فلمَّا دخلت همدان ميَّزت تلك السبائك والنقر مرّة أخرى اهتماماً منّي بحفظها، ففقدت منها سبيكة وزنها مائة مثقال وثلاثة مثاقيل، أو قال: ثلاثة وتسعون مثقالاً.
قال: فسبكت مكانها من مالي بوزنها سبيكة وجعلتها بين السبائك، فلمَّا وردت مدينة السلام قصدت الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح فسلَّمت إليه ما كان معي من السبائك والنقر، فمدَّ يده من بين السبائك إلى السبيكة التي كنت سبكتها من مالي بدلاً ممَّا ضاع منّي، فرمى بها إليَّ وقال لي: ليست هذه السبيكة لنا، وسبيكتنا ضيَّعتها بسرخس حيث ضربت الخيمة في الرمل، فارجع إلى مكانك وانزل حيث نزلت، واطلب السبيكة هناك تحت الرمل، فإنَّك ستجدها وستعود إلي هاهنا فلا تراني.
قال: فرجعت إلى سرخس ونزلت حيث كنت نزلت، ووجدت السبيكة تحت الرمل، فنبت عليها الحشيش، وأخذت السبيكة وانصرفت إلى بلدي، فلمَّا كان من السنة القابلة توجَّهت إلى مدينة السلام ومعي السبيكة، فدخلت مدينة السلام وقد كان الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) قد مضى، ولقيت أبا الحسن علي بن محمّد السمري (رضي الله عنه) فسلَّمت السبيكة إليه. وفي ذلك عدّة آيات(1487).
* عن الحسين بن علي بن محمّد القمي، المعروف بأبي علي البغدادي، قال: كنت ببخارى فدفع إليَّ المعروف بابن جاشير عشر سبائك وأمرني أن أسلّمها بمدينة السلام إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدَّس الله سرَّه، فحملتها معي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1487) أموية: مدينة مشهورة في غربي جيحون على طريق القاصد إلى بخارى من مرو، ويطلق عليها عدّة أسماء منها آمل الشطّ وآمل المفازة. راجع: معجم البلدان 1: 58 و255.
فلمَّا وصلت مفازة أموية ضاعت منّي سبيكة من تلك السبائك، ولم أعلم بذلك حتَّى دخلت مدينة السلام فأخرجت السبائك لأُسلّمها إليه، فوجدتها قد نقصت واحدة منها، فاشتريت سبيكة مكانها بوزنها وأضفتها إلى التسع سبائك، ثمّ دخلت على الشيخ أبي القاسم الروحي، ووضعت السبائك بين يديه، فقال لي: خذ تلك السبيكة التي اشتريتها قد وصلت إلينا وهي ذا هي ثمّ أخرج تلك السبيكة التي ضاعت منّي بأموية(1488) فنظرت إليها وعرفتها.
قال الحسين بن علي المعروف بأبي علي البغدادي: ورأيت تلك السبيكة بمدينة السلام(1489).
* قال: وسألتني امرأة عن وكيل مولانا (عليه السلام) من هو؟
فقال لها بعض القميين: إنَّه أبو القاسم بن روح، وأشار لها إليه.
فدخلت عليه وأنا عنده، فقالت له: أيّها الشيخ، أيّ شيء معي؟
فقال: ما معك فألقيه في دجلة، فألقته، ثمّ رجعت ودخلت إلى أبي القاسم الروحي (رضي الله عنه) وأنا عنده، فقال أبو القاسم لمملوكة له: أخرجي إليَّ الحُقّة، فأخرجت إليه حقّة، فقال للمرأة: هذه الحُقّة التي كانت معك ورميت بها في دجلة؟
قالت: نعم.
قال: أخبرك بما فيها، أم تخبريني؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1488) كمال الدين: 516؛ بحار الأنوار 51: 340 عن كمال الدين؛ الخرائج والجرائح 3: 1126/ ح 44.
(1489) كمال الدين: 518/ ح 47؛ الخرائج والجرائح 3: 1123/ ح 41 قطعة منه؛ بحار الأنوار 51: 341/ ح 69؛ مدينة المعاجز: 618/ ح 113.
فقالت: بل أخبرني أنت.
فقال: في هذه الحقّة زوج سوار من ذهب، وحلقة كبيرة فيها جوهر، وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر، وخاتمان، أحدهما فيروزج والآخر عقيق.
وكان الأمر كما ذكر، لم يغادر منه شيئاً، ثمّ فتح الحقّة فعرض علي ما فيها، ونظرت المرأة إليه فقالت: هذا الذي حملته بعينه ورميت به في دجلة! فغشي عليَّ وعلى المرأة فرحاً بما شاهدنا من صدق الدلالة.
ثمّ قال الحسين لي بعد ما حدَّثنا بهذا الحديث: أشهد عند الله يوم القيامة بما حدَّثت به أنَّه كما ذكرته، لم أزد فيه ولم أنقص منه، وحلف بالأئمّة الاثني عشر صلوات الله عليهم لقد صدق فيه، وما زاد ولا أنقص. وفي هذين الحديثين أيضاً عدّة آيات(1490).
* عن أبي محمّد الحسن بن أحمد المكتَّب، قال: كنت بالمدينة في السنة التي توفّي فيها الشيخ علي بن محمّد السمري (قدّس سرّه)، فحضرته قبل وفاته بأيّام فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: (بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمّد السمري، أعظم الله أجرك وأجر إخوانك فيك، فإنَّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام، فاجمع أمرك، ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، ولا ظهور إلَّا بإذن الله تعالى، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي، من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوّة إلَّا بالله العلى العظيم).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1490) كمال الدين: 519؛ الخرائج والجرائح 3: 1125/ ح 43؛ مدينة المعاجز: 618/ ح 114.
قال: فنسخنا ذلك التوقيع وخرجنا من عنده، فلمَّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، قيل له: من وصيّك من بعدك؟
فقال: لله أمر هو بالغه، وقضى (رحمه الله)، وهذا آخر كلام سمع منه (قدّس سرّه)(1491).
* عن محمّد بن شاذان بن نعيم النيسابوري، قال: قد اجتمع عندي مال للغريم (عليه السلام) خمسمائة درهم، ينقص عشرين درهماً، فأنفت أن أبعث بها ناقصة هذا المقدار، فأتممتها من عندي، وبعثت بها إلى محمّد بن جعفر، ولم أكتب مالي فيها. فأنفذ إليَّ محمّد بن جعفر القبض، وفيه خمسمائة درهم منها عشرون درهماً(1492).
5 - فصل: في بيان ظهور آياته (عليه السلام) في معان شتّى:
وفيه: عشرة أحاديث:
* عن أحمد بن محمّد بن فارس الأديب، قال: سمعت حكاية بهمذان حكيتها كما سمعتها لبعض إخواني، فسألني أن أكتبها له بخطّي، ولم أجد إلى مخالفته سبيلاً، وقد كتبتها، وعهدتها على من حكاها، وذلك أنَّ بهمذان أناساً يعرفون ببني راشد، وهم كلّهم يتشيَّعون، ومذهبهم مذهب أهل الإمامة، فسألت عن سبب تشيّعهم من بين أهل همدان، فقال لي شيخ منهم رأيت فيه صلاحاً وسمتاً حسناً: إنَّ سبب ذلك أنَّ جدّنا الذي ننتسب إليه خرج حاجّاً، فقال إنَّه لمَّا فرغ من الحجّ وساروا منازل في البادية، قال: فنشطت للنزول والمشي، فمشيت طويلاً حتَّى أعييت وتعبت، فقلت في نفسي: أنام نومة تريحني فإذا جاءت القافلة قمت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1491) الغيبة للطوسي: 242؛ كمال الدين: 516/ ح 44؛ الاحتجاج 2: 297؛ الخرائج والجرائح 3: 1129/ ح 5؛ بحار الأنوار 51: 360/ ح 7.
(1492) كمال الدين: 485/ ح 5؛ بحار الأنوار 51: 325/ ح 44.
قال: فما انتبهت إلَّا بحرّ الشمس، ولم أرَ أحداً، فتوحشت ولم أرَ طريقاً ولا أثراً، فتوكَّلت على الله تعالى وقلت: أتوجَّه حيث وجَّهني ومشيت غير طويل فوقعت في أرض خضراء نضرة كأنَّها قريبة عهد بغيث، فإذا تربتها أطيب تربة، ونظرت في سواد تلك الأرض إلى قصر يلوح كأنَّه سيف، فقلت في نفسي: ليت شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده ولم أسمع به؟! فقصدته، فلمَّا بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين، فسلَّمت عليهما فردّا ردّاً جميلاً وقالا: اُجلس، فقد أراد الله بك خيراً.
وقام أحدهما فدخل، فاحتبس غير بعيد ثمّ خرج، فقال: قم فادخل.
فقمت ودخلت قصراً لم أرَ شيئاً أحسن ولا أضوأ منه، وتقدَّم الخادم إلى ستر على بيت فرفعه، ثمّ قال لي: اُدخل، فدخلت البيت وقد علَّق فوق رأسه من السقف سيفاً طويلاً تكاد ظبَّته تمسّ رأسه، وكان الفتى يلوح في ظلام، فسلَّمت، فردَّ السلام بألطف كلام وأحسنه ثمّ قال: (أتدري من أنا؟).
فقلت: لا والله.
فقال: (أنا القائم من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، أنا الذي أخرج آخر الزمان بهذا السيف - وأشار إليه - فأملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً).
قال: فسقطت على وجهي وتعفَّرت.
فقال: (لا تفعل، ارفع رأسك أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها: همذان).
قلت: صدقت يا سيّدي ومولاي.
قال: (أفتحبّ أن تؤوب إلى أهلك؟).
قلت: نعم يا مولاي، وأبشّرهم بما يسَّر الله تعالى، فأومأ إلى خادم وأخذ بيدي وناولني صرّة، وخرج بي ومشى معي خطوات، فنظرت إلى ظلال وأشجار ومنارة ومسجد.
فقال: أتعرف هذا البلد؟
قلت: إنَّ بقرب بلدنا بلدة تعرف بأسد آباد وهي تشبهها.
فقال: أتعرف أسد آباد؟ فامض راشداً. فالتفت ولم أرَه. ودخلت أسد آباد، ونظرت فإذا في الصرّة أربعون - أو خمسون ديناراً - فوردت همدان وجمعت أهلي وبشَّرتهم بما يسَّر الله تعالى لي، فلم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدنانير(1493).
* عن أبي الأديان، قال: كنت أخدم أبا محمّد (عليه السلام) وأحمل كتبه إلى الأمصار، فدخلت عليه في علَّته التي توفّي بها، فكتب معي كتباً وقال: (امض بها إلى المدائن، فإنَّك ستغيب خمسة عشر يوماً، وتدخل سُرَّ من رأى يوم الخامس عشر، وتسمع الواعية في داري، وتجدني على المغتسل).
قال أبو الأديان: فقلت: يا سيّدي، فإذا كان ذلك فمن لنا؟
قال: (من طالبك بجوابات كتبي، فهو القائم بعدي).
فقلت: زدني.
فقال: (من يصلّي عليَّ فهو القائم من بعدي).
فقلت: زدني يا ابن رسول الله.
فقال: (من طلب ما في الهميان فهو القائم بعدي).
ثمّ منعتني هيبته أن أسأله ما في الهميان وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها، ودخلت سُرَّ من رأى يوم الخامس عشر كما قال (عليه السلام)، وإذا أنا بالواعية في داره، وإذا به على المغتسل، وإذا بجعفر بن علي على الباب، والشيعة من حوله يعزّونه ويهنّونه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1493) كمال الدين: 453/ ح 20؛ الخرائج والجرائح 2: 788/ ح 112.
فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة؛ لأنّي كنت أعرفه يشرب الخمر والنبيذ ويقامر بالجوسق ويلعب بالطنبور، فتقدَّمت وعزَّيت وهنَّيت، ولم يسألني عن شيء، ثمّ خرج عبد فقال: يا سيّدي، قد كفن أخوك، فقم فصلّ عليه.
فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم فلمَّا صرنا في الدار فإذا نحن بالحسن بن علي (عليه السلام) على نعشه مكفّناً، فتقدَّم جعفر بن علي ليصلّي عليه، فلمَّا همَّ بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة وبشعر قطط وبأسنانه تفليج فجذب رداء جعفر بن علي وقال: (تأخَّر يا عمّ، فأنا أحقُّ بالصلاة على أبي (عليه السلام)).
فتأخَّر جعفر وأربد وجهه، وتقدَّم مولانا وسيّدنا الخلف الصالح وصلّى على أبيه، ودفن إلى جانب قبر أبيه (عليه السلام) ثمّ قال: (يا بصري، هات جوابات الكتب التي معك) فدفعتها إليه، وقلت في نفسي: هذه آيتان، بقي الهميان.
ثمّ خرجنا إلى جعفر بن علي وهو يزفر فقال له حاجز الوشاء: من الصبي؟ ليقيم الحجّة عليه.
فقال: والله ما رأيته قطّ ولا أعرفه.
ونحن جلوس إذ قدم نفر من أهل قم، فسألوه عن الحسن (عليه السلام)، فعرفوا بموته، فقالوا: من ضبط الأمر بعده؟
فأشار الناس إلى جعفر، فسلَّموا عليه وعزّوه وهنّوه، وقالوا: معنا مال وكتب ندفعه إلى من يقول كم المال، وممَّن الكتب، فقام ينفض أثوابه وهو يقول: يريدون منّا أن نعلم الغيب.
قال: فخرج الخادم وقال: معكم كتب من فلان وفلان، وهميان فيه ألف دينار، وعشرة دنانير منها مطلية، فدفعوا الكتب والمال إليه وقالوا: الذي وجَّه بك إلينا لأخذ المال هو الإمام.
فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف ذلك له، فوجَّه المعتمد بخدمه فقبض على صقيل الجارية وطالبوها بالصبي، فأنكرته وادَّعت حبلاً بها لتغطّي حال الصبي، فسلّمت إلى ابن أبي الشوارب، وبغتهم موت عبد الله بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت(1494) عن أيديهم، والحمد لله ربّ العالمين.
* عن علي بن سنان الموصلي، عن أبيه، قال: لمَّا قبض أبو محمّد (عليه السلام) وقدم وفد من قم والجبل وفود بالأموال التي كانت تحمل على الرسم، ولم يكن عندهم خبر وفاة أبي محمّد الحسن (عليه السلام)، فلمَّا أن وصلوا إلى سُرَّ من رأى سألوا عنه، فقيل لهم: إنَّه قد فقد.
فقالوا: ومن وارثه؟
فقالوا: جعفر أخوه، فسألوا عنه فقيل: خرج متنزّهاً، وركب زورقاً في الدجلة يشرب الخمر ومعه المغنّون.
قال: فتشاور القوم وقالوا: ليس هذه صفة الإمام.
وقال بعضهم لبعض: امضوا بنا حتَّى نرد هذه الأموال على أصحابها.
فقال أبو العبّاس محمّد بن جعفر الحميري القمي: قفوا بنا حتَّى ينصرف هذا الرجل، ونختبر أمره على الصحَّة.
قال: فلمَّا انصرف دخلوا عليه وسلَّموا عليه وقالوا: يا سيّدنا، نحن من أهل قم، فينا جماعة من الشيعة وغيرهم، وكنّا نحمل إلى سيّدنا أبي محمّد (عليه السلام) الأموال.
فقال: وأين هي؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1494) كمال الدين: 475؛ الخرائج والجرائح 3: 1101/ ح 23؛ بحار الأنوار 50: 332/ ح 4 عن كمال الدين.
قالوا: معنا.
قال: احملوها إليَّ.
قالوا: إنَّ لهذه الأموال خبراً طريفاً.
فقال: وما هو؟
قالوا: إنَّ هذه الأموال تجمع، ويكون فيها من عامّة الشيعة الدينار والديناران، ثمّ يجعلونها في كيس ويختمون عليها، وكنّا إذا وردنا بالمال إلى سيّدنا أبي محمّد (عليه السلام) يقول جملة المال كذا دينار، من فلان كذا، ومن عند فلان كذا، حتَّى يأتي على أسماء الناس كلّهم، يقول ما على نقش الخواتيم.
فقال جعفر: كذبتم، تقولون على أخي ما لم يفعله، هذا علم الغيب.
قال: فلمَّا سمع القوم كلام جعفر جعل بعضهم ينظر إلى بعض فقال لهم: احملوا هذا المال إليَّ.
فقالوا: إنّا قوم مستأجرون، لا يسلّم المال إلَّا بالعلامات التي كنّا نعرفها من سيّدنا الحسن (عليه السلام)، فإن كنت الإمام فبرهن لنا، وإلَّا رددناها على أصحابها، يرون فيها رأيهم. قال: فدخل جعفر بن علي على الخليفة، وكان بسُرَّ من رأى، فاستعدى عليهم، فلمَّا أحضروا قال الخليفة: احملوا هذا المال إلى جعفر.
فقالوا: أصلح الله الخليفة، نحن قوم مستأجرون، ولسنا أرباب هذه الأموال، وهي لجماعة، وأمرونا أن لا نسلّمها إلَّا بالعلامة والدلالة، وقد جرت بهذه العادة مع أبي محمّد (عليه السلام).
فقال الخليفة: وما كانت الدلالة التي كانت مع أبي محمّد؟
قال القوم: كان يصف لنا الدنانير، وأصحابها، والأموال، وكم هي، فإذا فعل ذلك سلّمناها إليه، وقد وفدنا عليه مراراً، وكانت هذه علامتنا
معه، وقد مات، فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا ما كان يقيمه لنا أخوه، وإلَّا رددناها إلى أصحابها الذين بعثوها بصحبتنا.
قال جعفر: يا أمير المؤمنين، هؤلاء قوم كذّابون، يكذبون على أخي، وهذا علم الغيب. فقال الخليفة: القوم رسل، وما على الرسول إلَّا البلاغ المبين.
قال: فبهت جعفر، ولم يرد جواباً، فقال القوم: يا أمير المؤمنين، تطوَّل بإخراج أمره إلى من يبدرقنا(1495) حتَّى نخرج من هذا البلد.
قال: فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها، فلمَّا أن خرجوا من البلد خرج إليهم غلام أحسن الناس وجهاً كأنَّه خادم، فصاح: يا فلان ويا فلان بن فلان، أجيبوا مولاكم.
فقالوا له: أنت مولانا؟
فقال: معاذ الله، أنا عبد مولاكم فسيروا إليه.
قالوا: فسرنا معه حتَّى دخلنا دار مولانا الحسن بن علي (عليهما السلام)، فإذا ولده القائم سيّدنا (عليه السلام) قاعد على سرير، كأنَّه فلقة قمر، عليه ثياب خضر، فسلَّمنا عليه، فردَّ علينا السلام، ثمّ قال: (جملة المال كذا وكذا ديناراً، وحمل فلان كذا) ولم يزل يصف حتَّى وصف الجميع، ووصف ثيابنا ورواحلنا، وما كان معنا من الدواب، فخررنا سجّداً لله تعالى، وقبَّلنا الأرض بين يديه، ثمّ سألناه عمَّا أردنا فأجاب، فحملنا إليه الأموال وأمرنا (عليه السلام) أن لا نحمل إلى سُرَّ من رأى شيئاً من المال، وأنَّه ينصب لنا ببغداد رجلاً نحمل إليه الأموال، وتخرج من عنده التوقيعات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1495) يبدرقنا: من البدرقة، وهي الجماعة التي تتقدَّم القافلة وتكون معها، تحرسها وتمنعها العدوّ. (مجمع البحرين 5: 137/ مادة بدرق).
قالوا: فانصرفنا من عنده، ودفع إلى أبي العبّاس محمّد بن جعفر الحميري القمي شيئاً من الحنوط والكفن، فقال له: (أعظم الله أجرك في نفسك).
قال: فلمَّا بلغ أبو العبّاس عقبة همذان حمّ توفي (رحمه الله)، وكان بعد ذلك تحمل الأموال إلى بغداد، إلى نوّابه المنصوبين، وتخرج من عندهم التوقيعات(1496).
* عن محمّد بن صالح: كتبت أسأله الدعاء لباداشاله وقد حبسه عبد العزيز، واستأذنت في جارية أستولدها، فورد: (ستولد الجارية، ويفعل الله ما يشاء، والمحبوس يخلّصه الله) فاستولدت الجارية فولدت وماتت، وخلّي عن المحبوس يوم خرج إليَّ التوقيع(1497).
* قال: وحدَّثني أبو جعفر، قال: ولد لي مولود وكتبت، أستأذن في تطهيره يوم السابع أو الثامن، فكتب يخبر بموته، وكتب: (سيخلف عليك غيره، فسمّه أحمد، ومن بعد أحمد جعفراً) فجاء كما قال (عليه السلام).
قال: وتزوَّجت امرأة سرّاً، فلمَّا وطأتها علقت وجاءت ببنت فاغتممت وضاق صدري، وكتبت أشكو ذلك، فورد: (ستكفاها) فعاشت أربع سنين ثمّ ماتت فورد: (الله ذو أناة، وأنتم تستعجلون)(1498).
* عن أبي محمّد الحسن بن وجناء، قال: كنت ساجداً تحت الميزاب في رابع أربع وخمسين حجّة بعد العمرة وأنا أتضرَّع في الدعاء إذ حرَّكني محرّك، فقال لي: قم يا حسن بن وجناء فرعشت.
قال: فقمت، فإذا جارية صفراء نحيفة البدن، أقول إنَّها من بنات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1496) كمال الدين: 476/ ح 26؛ ينابيع المودّة: 462؛ الخرائج والجرائح 3: 1104/ ح 24؛ مدينة المعاجز: 619/ ح 117؛ بحار الأنوار 52: 47/ ح 34.
(1497) كمال الدين: 489/ ح 12؛ بحار الأنوار 51: 327.
(1498) أصول الكافي 1: 438؛ الإرشاد: 355؛ بحار الأنوار 51: 308.
أربعين فما فوقها، فمشت بين يدي، وأنا لا أسألها عن شيء، حتَّى أتت دار خديجة (عليها السلام)، وفيها بيت بابه في وسط الحائط، وله درج ساج يرتقى إليه، فصعدت الجارية وجاءني النداء: (أصعد يا حسن) فصعدت، فوقفت بالباب فقال لي صاحب الزمان (عليه السلام): (يا حسن، أتراك خفيت عليَّ! والله ما من وقت في حجّك إلَّا وأنا معك فيه).
ثمّ جعل يعدّ عليَّ أوقاتي فوقعت على وجهي. فحسست بيد قد وقعت عليَّ، فقمت، فقال لي: (يا حسن، إلزم بالمدينة دار جعفر بن محمّد (عليه السلام)، ولا يهمنَّك طعامك ولا شرابك، ولا ما تستر به عورتك).
ثمّ دفع إليَّ دفتراً فيه دعاء الفرج، وصلاة عليه، وقال: (بهذا فادع، وهكذا فصلّ عليَّ، ولا تعطه إلَّا أوليائي، فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يوفّقك).
فقلت: يا مولاي، لا أراك بعدها؟
فقال: (يا حسن إذا شاء الله تعالى).
قال: فانصرفت من حجَّتي ولزمت دار جعفر (عليه السلام)، وأنا لا أخرج منها ولا أعود إليها إلَّا لثلاث خصال: إلَّا لتجديد الوضوء أو النوم، أو لوقت الإفطار، فإذا دخلت بيتي وقت الإفطار فأصيب وعائي مملوءً دقيقاً على رأسه، عليه ما تشتهي نفسي بالنهار، فآكل ذلك فهو كفاية لي، وكسوة الشتاء في وقت الشتاء، وكسوة الصيف في وقت الصيف، وإنّي لأدخل الماء بالنهار وأرش به البيت، وأدع الكوز فارغاً، وآتي بالطعام ولا حاجة لي إليه، فأتصدَّق لئلاَّ يعلم به من معي(1499).
* عن الأزدي، قال: بينا أنا في الطواف، قد طفت ستّاً وأريد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1499) كمال الدين: 443/ ح 17؛ الخرائج والجرائح 2: 961؛ مدينة المعاجز: 620/ ح 119.
السابع، وإذا أنا بحلقة عن يمين الكعبة وشاب حسن الوجه طيّب الرائحة هيوب، مع هيبته متقرّب إلى الناس، يتكلَّم، فلم أرَ أحسن من كلامه، ولا أعذب من منطقه في حسن جلوسه، فذهبت أكلّمه فزبرني الناس، فسألت بعضهم: من هذا؟
فقالوا: ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، يظهر للناس في كلّ سنة لخواصّه يوماً يحدّثهم.
فقلت: يا سيّدي، مسترشداً أتيتك، فأرشدني هداك الله، فناولني (عليه السلام) حصاة، فحوَّلت وجهي.
فقال لي بعض جلسائه: ما الذي بيدك؟
فقلت: حصاة، وكشفت يدي عنها فإذا هي سبيكة ذهب، فذهبت فإذا أنا به (عليه السلام) قد لحقني.
فقال لي: (بينت لك الحجّة، وظهر لك الحقّ، وذهب عنك العمى، أتعرفني؟).
فقلت: لا.
فقال (عليه السلام): (أنا المهدي، أنا القائم بأمر الله، أنا قائم الزمان، أنا الذي أملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، إنَّ الأرض لا تخلو من حجّة، ولا تبقى الناس في فترة، وهذه أمانة تحدّث بها إخوانك من أهل الحقّ)(1500).
* عن أبي جعفر محمّد بن علي الأسود، قال: سألني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (رحمه الله) بعد موت محمّد بن عثمان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1500) الغيبة للطوسي: 152؛ كمال الدين: 444/ ح 18؛ إعلام الورى: 450؛ ينابيع المودّة: 464؛ الخرائج والجرائح 1: 784/ ح 110.
العمري (رضي الله عنه) أن أسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان صلوات عليه أن يدعو الله أن يزرقه ولداً ذكراً.
قال: فسألته، فأنهى ذلك، [ثمّ] أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيّام أنَّه قد دعا لعلي بن الحسين، وأنَّه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به، وبعده أولاد، فرزق ابنه أبو جعفر محمّد بن علي الفقيه، وبعده أولاد(1501).
* عن أحمد بن إبراهيم بن مخلد، قال: حضرت ببغداد عند المشايخ، فقال الشيخ أبو الحسن علي بن محمّد السمري (قدَّس الله روحه) ابتداءً منه: رحم الله علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي.
قال: فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم، فورد الخبر أنَّه توفي في ذلك اليوم(1502).
* عن يوسف بن أحمد الجعفري، قال: حججت سنة ستّ وثلاثين وثلاثمائة، ثمّ جاورت بمكّة ثلاث سنين، ثمّ خرجت عنها منصرفاً إلى الشام، فبينما أنا في بعض الطريق وقد فاتتني صلاة الفجر فنزلت من محملي وتهيَّأت للصلاة، فرأيت أربعة نفر في محمل فوقفت أعجب منهم، فقال لي أحدهم: مِمَ تتعجَّب؟ تركت صلاتك.
فقلت: وما علمك بي؟!
فقال: تحبّ أن ترى صاحب زمانك؟
فقلت: نعم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1501) الغيبة للطوسي: 194؛ كمال الدين: 502؛ الخرائج والجرائح 3: 1124؛ مدينة المعاجز: 618/ ح 113.
(1502) الغيبة للطوسي: 242؛ كمال الدين: 503؛ إعلام الورى: 451؛ الخرائج والجرائح 3: 1128/ ح 45؛ مدينة المعاجز: 612/ ح 88 .
فأومأ إلى أحد الأربعة، فقلت له: إنَّ له دلائل وعلامات؟
فقال: أيّما أحبُّ إليك، أن ترى المحمل وما عليه صاعداً إلى السماء، أو ترى المحمل بما عليه يرتفع إلى السماء؟ فقلت: أيّهما فهو دلالة، فرأيت المحمل وما عليه صاعداً إلى السماء وكان الرجل أومأ إلى رجل به سمرة، كأنَّ لونه الذهب بين عينيه سجادة(1503).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1503) الغيبة للطوسي: 155، الخرائج والجرائح 1: 466/ ح 13، مدينة المعاجز: 612.