المعارف المهدوية قراءة تمهيدية
تأليف: الشيخ علي الدهنين
إعداد وتحقيق: مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عليه السلام)
الطبعة الأولى 1434هـ
رقم الإصدار: 164
فهرست الموضوعات
مقدّمة المركز..................3
مقدّمة المؤلّف..................5
الفصل الأوّل: عقيدتنا بالإمام المهدي (عليه السلام) (وبعض صفاته وكراماته ومقاماته وأدلَّة وجوده)..................9
الإمام المهدي (عليه السلام) وعد الله المنشود..................11
مراحل النصر الإلهي..................13
أقسام المسائل العقدية..................14
مصادر العلم..................15
عقيدتنا بالإمام المهدي (عليه السلام)..................16
دفع وهم..................19
أوصاف الإمام العامّة في رواية الإمام الرضا (عليه السلام)..................20
بيان بعض فقرات الرواية..................26
أوصاف الإمام المهدي (عليه السلام) الخاصّة..................28
الإمام والعلم اللدنّي..................29
إشكالية تغيّر الشريعة..................30
أنواع الأحكام في الشريعة..................33
عوداً على بدء..................34
التمسّك بخطّ المرجعية عنوان الاستقامة..................36
صفات أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام)..................36
كرامات الإمام المهدي (عليه السلام)..................38
مقامات الإمام المهدي (عليه السلام)..................41
أدلَّة وجود الإمام المهدي (عليه السلام)..................42
الأدلَّة العقلية (عليه السلام)..................42
الأدلَّة النقلية..................43
الأدلَّة النقلية العامّة..................44
الأدلَّة النقلية الخاصّة..................47
معطيات رواية ابن إسحاق..................51
أسباب الثبات على العقيدة..................54
نصّ علماء أبناء العامّة على ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)..................59
الفصل الثاني: دور الإمام المهدي (عليه السلام) في الغيبة الصغرى والكبرى (وما ينبغي للمؤمن رعايته في الغيبة الكبرى)..................61
النيابة عن الإمام المهدي (عليه السلام)..................63
خصائص النيابة الخاصّة..................63
خصائص النيابة العامّة..................65
دور الإمام المهدي (عليه السلام) في الغيبة الصغرى..................66
دور الإمام المهدي (عليه السلام) في الغيبة الكبرى..................67
ما ينبغي للمؤمن رعايته في الغيبة الكبرى..................69
مفاهيم الانتظار..................75
الفصل الثالث: علامات الظهور والخروج المقدَّس..................77
أقسام علامات الظهور..................81
العلامات الحتمية..................82
1 - اليماني..................82
2 - السفياني..................83
3 - الصيحة..................86
4 - قتل النفس الزكية..................87
5 - الخسف بالبيداء..................89
العلامات التي ذكرها الشيخ المفيد (رحمه الله)..................90
الفائدة من معرفة علامات الظهور..................92
كيفية خروج الإمام المهدي (عليه السلام)..................94
مسيرة حركة الإمام المهدي (عليه السلام)..................96
إنجازات الإمام (عليه السلام) في الكوفة..................97
أحكام جديدة..................99
خروج البترية على الإمام المهدي (عليه السلام)..................100
مهام الإمام المهدي (عليه السلام) في الشام وبيت المقدس..................100
الفصل الرابع: الرجعة عند الشيعة..................103
معنى الرجعة..................106
فرق المعاد عن الرجعة..................107
ملحق: الردّ على مدَّعي السفارة أحمد إسماعيل كاطع..................111
كذب من يدَّعي النيابة الخاصّة بعد السمري (رحمه الله)..................113
النيابة الخاصّة تحتاج لإثباتها إلى معجزة..................114
اليماني والسفياني كفرسي رهان..................115
حديث المهديّين الاثني عشر..................116
معنى الرؤيا ومدى حجّيتها..................120
المحور الأوّل: تعريف الرؤيا..................120
المحور الثاني: هل كلّ رؤيا صادقة ولها حقيقة؟..................121.
المحور الثالث: الرؤيا التي لها الحجّية..................122
مصادر التحقيق..................125
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة المركز:
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
تُمثِّل أقلام العلماء ماء أرض العقيدة، فلولاها لجفَّت العقائد، ولنشر أهل الضلال أفكارهم، وبما أنَّ العقيدة المهدوية تمتاز بجاذبيتها وخصوصيتها لأنَّها تُمثِّل الهدف المنشود للبشرية جمعاء فقد واصلت مجموعة من العلماء نذروا أنفسهم في ساحات الميدان الفكري وصرفوا أوقاتهم في حماية العقيدة والذود عنها، ومن بين هؤلاء الأعلام سماحة الشيخ علي الدهنين الذي لم يأل جهداً ولا ادَّخر وقتاً في سبيل نشر عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) والدفاع عنها.
وممَّا أفاض به منبره القيّم مجموعة محاضرات في العقيدة المهدوية عمل المركز على إخراجها بشكل كتاب أسماه (المعارف المهدوية قراءة تمهيدية)، إذ تحدَّث فيه عن عقيدتنا في الانتظار، وعقيدتنا في الإمام (عليه السلام) وصفاته ومقاماته، وأنَّه صاحب الوعد المنشود، مبيِّناً أقسام المسائل العقائدية ومصادر العلم دافعاً للشبهات ومركِّزاً على آلية المعرفة من خلال أوصاف الإمام المهدي (عليه السلام) الخاصّة، مفرِّعاً على ذلك التمسّك به في زمن غيبته يعني التمسّك بالمرجعية، لأنَّها عنوان الاستقامة وحفظ الشريعة، معرِّجاً على كراماته ومتنقّلاً بين أدلَّة وجوده الخاصّة والعامّة،
ولم يغفل عن الشبهات التي حاكها المغرضون حول العقيدة ومسائلها، بل بعض جزئياتها كالخُمس وغيره، معرِّجاً على وظيفة الأنام في الغيبة من خلال عرض المفاهيم كالانتظار والعلامات بأُسلوب سلس شفّاف واضح، بل لم تفته أحداث الظهور وكيفية الخروج وحقيقة الرجعة، وختم كتابه بملحق غاية في الروعة رَدَّ فيه على أدعياء السفارة، وكذَّب أحمد إسماعيل كاطع الذي يدعي المهدويّة والنيابة، وناقش أهمّ ما يدَّعي وفنَّده، كتاب هذه موضوعاته حريّ بالقارئ أن لا يفوِّت فرصة الاستفادة من هذه الأبحاث واختزانه في فكره وروحه.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الجهد مدَّخراً عنده، ويجزل مؤلِّفه خير الثواب، ونحن في مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عليه السلام) إذ نقدِّم لقرائنا الكرام هذا الكتاب نشكر الإخوة الأفاضل في المركز على جهودهم الطيّبة والتي بذلت من أجل إخراج هذا الكتاب بهذه الحلَّة، ونسأله تعالى القبول والمغفرة.
مدير المركز
السيّد محمّد القبانچي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة المؤلّف:
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة على أشرف الخلق والمرسلين محمّد وآله الطاهرين لاسيّما خاتمهم الحجّة بن الحسن (عليه السلام).
وبعد..
فإنَّ من عقائدنا الحقّة التي تشكِّل أصلاً من أصول الإيمان وركناً من أركان الدين الاعتقاد بالإمام المهدي (عليه السلام) الذي سيحقّق وعد الله تعالى لجميع الأنبياء والأولياء والملائكة بتحقيق دولة العدل القاهرة للجور والظلم في جميع بقاع الأرض.
وقد تعرَّضت الروايات المتواترة في كتب الخاصّة والعامّة للدور العظيم الذي سيقوم به الإمام (عليه السلام) في آخر الزمان، إلَّا أنَّ جملة من العوامل منعت المخالفين من الاهتمام والاحتفاء بشخصيته (عليه السلام) من ناحية التثقيف والإعداد الروحي والنفسي للفرد والمجتمع بالمستوى المناسب لعظمة هذه الشخصية الإلهية وعظمة الدور الذي أناطته إرادة الله تعالى بها، وهذه اللامبالاة لا تجدها عند الشيعة الإمامية (أعزَّهم الله) الذين اهتمَّ علماؤهم اهتماماً بالغاً بالعقيدة المهدوية، فصنَّفوا في إثباتها وإقامة الأدلَّة عليها ودفع الشبهات عنها والحثّ على معرفة الإمام وصفاته وأدواره والتعلّق به وآداب مخاطبته وكيفية الالتجاء إليه والدعاء له كتباً متعدّدة بعضها يعود إلى ما قبل ولادة الإمام (عليه السلام)،
كالذي أفرده الحسن بن محبوب في روايات غيبته (عليه السلام)، وبعضها يعود إلى زمن الغيبة الصغرى وأوائل الكبرى، كالذي كتبه المشائخ الأجلَّاء النوبختي والصدوق والمفيد والنعماني رحمهم الله.
وما زال علماء الشيعة في كلّ عام من زمن هؤلاء الأعلام وإلى يوم الناس هذا على التأكيد على أهمّية المشروع الإلهي المهدوي من جميع جوانبه على صعيد كتابة الكتب والشعر والدرس والنصح والإرشاد والخطب التثقيفية التي يراعها فيها مستوى الذهنية العامّة لأفراد المجتمع، وفي سياق ذلك تأسّياً بالأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) وسيراً على نهج أعلامنا العظام فقد قمت بإلقاء مجموعة من المحاضرات الثقافية التي ترتبط بالإمام (أرواحنا فداه) وبمشروعه العظيم وكيفية إعداد النفس إعداداً روحياً للتفاعل الإيجابي معه، ودفع بعض الشبهات التي تثار حوله (عليه السلام) بأُسلوب مبسَّط يتناسب مع مستوى الفهم العامّ.
وقد قام مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عليه السلام) بجمع بعض هذه المحاضرات وترتيبها وإعادة صياغتها وتخريج مصادرها، وقد لاحظت جهدهم الكبير والمشكور فوجدت فيه الإخلاص والتوفيق، فقد عرضت الأبحاث بأُسلوب دقيق واضح لا غموض فيه مستوعباً لما أردت بيانه في محاضراتي مجرَّداً عن الاستطرادات والكلمات الدارجة التي يحتاج إليها المبلِّغ في المحاضرات المنبرية، ولا ينبغي إدراجها في الكتب والمقالات، وإنّي في مقام تثمين الجهد الكبير والدور العظيم الذي يقوم به هذا المركز المبارك لاسيّما في هذا الزمان الذي كثرت فيه الشبهات وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم أشكر جميع إخواني القائمين على هذا المركز الضروري في زماننا، وأخصُّ بالذكر أخي وصديقي سماحة السيّد محمّد القبانچي (حفظه الله).
وأسأل الله تعالى أن يتقبَّل منّي ومنه ومن سائر القائمين بمهامّ هذا المركز المبارك وسائر العاملين في خدمة وليّ الله الأعظم (عليه السلام).
الاثنين (2/ رجب/ 1434هـ)
المدينة المنوَّرة
الشيخ علي بن علي الدهنين
الإمام المهدي (عليه السلام) وعد الله المنشود:
قال الله تعالى: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشركُونَ بِي شَيْئاً) (النور: 55).
ننطلق من هذه الآية المباركة في الحديث عن الإمام المهدي (عليه السلام) حيث تشتمل على وعد إلهي، ويتضمَّن هذا الوعد وجود المجتمع أو البشارة بوجود المجتمع الصالح، يعني أنَّ الله تبارك وتعالى وعدنا أن تنتهي هذه المسيرة وهذه الحركة إلى وجود مجتمع صالح.
والمقصود بالمجتمع الصالح هو المجتمع المثالي الذي لا شرك فيه، ولا خوف، ولا نفاق، ولا حسد، ويتَّسم بالعبودية لله تبارك وتعالى، وعندها تتحقَّق الغاية التي من أجلها خلق الله تبارك وتعالى الخلق، وهي التي قال الله تعالى عنها: (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)، يعني الغاية من إيجاد هذا الخلق أن يكون هذا الخلق عابداً، أن يوجد المجتمع العابد والكامل والمستند في كماله إلى الاختيار، والغاية هذه بما أنَّ الله تعالى تكفَّل بها فلا بدَّ أن تتحقَّق.
فالقول يصحُّ في غير الله تبارك وتعالى: لعلَّه يفعل الفعل لغاية، ويمكن أن تتحقَّق الغاية ويمكن أن لا تتحقَّق، ولكن الباري (عزَّ وجلَّ) بما أنَّه عالم بكلّ شيء بالظاهر والباطن، ومحيط بالأسرار، وقادر على كلّ شيء وحكيم، فانطلاقاً من صفات الله العليا نجزم بأنَّ الغاية التي
خلق الله تعالى الخلق من أجلها لا بدَّ أن تتحقَّق، والغاية أن يوجد المجتمع الصالح والدولة الصالحة المباركة، وقد وعد الله تبارك وتعالى أن يتحقَّق هذا الهدف الأعلى على يد الإمام المهدي (عليه السلام).
فلمَّا سُئِلَ أمير المؤمنين (عليه السلام) عن قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) (الصفّ: 9)، قال: (أَظَهَرَ بَعْدُ ذلك؟)، قالوا: نعم، قال: (كلَّا، فوَالذي نفسي بيده حتَّى لا تبقى قرية إلَّا وينادى فيها بشهادة أن لا إله إلَّا الله بكرةً وعشياً)(1)، فأشار (عليه السلام) إلى أنَّ المقصود من الآية أن تمتلأ الأرض قسطاً وعدلاً كما امتلأت ظلماً وجوراً.
وهذا المعنى مطابق لما روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا ساعة واحدة لطوَّل الله تلك الساعة حتَّى يخرج رجل من ذرّيتي اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً)(2).
وكذلك قال تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) (القصص: 5)، حيث تتحدَّث هذه الآية المباركة عن موضوع هامّ، وهي أنَّ السُّنَّة الإلهية الكونية تؤكِّد على أنَّ الله تبارك وتعالى قد كتب النصر للمؤمنين والمتَّقين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير مجمع البيان 9: 464.
(2) الرسائل العشر للطوسي: 99/ ح 33؛ رواه الخاصّة والعامّة بألفاظ مختلفة، فراجع: كمال الدين: 377/ باب 36/ ح 1؛ الإرشاد 2: 340 و341؛ سنن أبي داود 2: 309/ ح 4282؛ المعجم الكبير للطبراني 10: 135/ ح 10222؛ الجامع الصغير للسيوطي 2: 438/ ح 7490؛ وغيرها من المصادر.
مراحل النصر الإلهي:
إنَّ الله تعالى جعل هذا النصر الذي وعده للمؤمنين يمرّ بمرحلتين، وهما: الاستضعاف ثمّ النصر والتفوّق، بمعنى أنَّ المؤمنين يمرّون بمرحلة الاستضعاف، فقد ورد عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنَّه قال لبني هاشم: (أنتم المستضعفون بعدي)(3)، وتستمرُّ هذه المرحلة إلى ما قبل قيام الإمام المهدي (عليه السلام)، فعلى المؤمنين أن يصبروا ولا يستعجلوا رحمة الله تعالى، فهناك تخطيط إلهي وهو أن يمرَّ المؤمنون أوَّلاً بمرحلة الاستضعاف، ثمّ من بعدها تأتي مرحلة الانتصار، وقد سمّاها الإمام الصادق (عليه السلام) (الإدالة)(4)، أي إنَّ الله تعالى يديل للمؤمنين بمعنى ينصرهم، وينبغي للمؤمن أن يتفهَّم هذه المرحلة لكي لا يضيق صدره ويعترض على الله تعالى، فقد صبر الإمام الحسين (عليه السلام) بعد وفاة الإمام الحسن (عليه السلام) عشر سنوات حتَّى قام بنهضته المباركة لأنَّ هناك خطَّة إلهية يجب اتّباعها.
فعلى المؤمن أن يتفهَّم ويصبر ولا يستبطأ رزق ربّه في كلّ شيء، فلا يستبطأ رزقه تعالى في الأولاد مثلاً فقد يمتحنه الله تعالى عدَّة سنين ثمّ يرزقه بأولاد، وكذلك قد يُسجن الإنسان عدَّة سنوات امتحاناً من الله تعالى، فهذا نبيّ الله يوسف (عليه السلام) قد سُجِنَ عدَّة سنوات مع أنَّ الله تعالى اختاره نبيّاً.
وورد عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنَّ قوله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) عيون أخبار الرضا 1: 66/ ح 244.
(4) الإدالة: الغلبة، يقال: أُديل لنا على أعدائنا، أي نُصرنا عليهم وكانت الدولة لنا. (النهاية لابن الأثير 2: 141/ مادّة دول).
نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) جارية في الأئمّة (عليهم السلام) إلى يوم القيامة(5)، ولكن هل يصبر المؤمن أو يستعجل؟ وينبغي للمؤمن أن يعلم أنَّ الله تعالى لا يعجل لعجلة عباده، فالله تعالى لا يتابع العباد في استعجالهم لأنَّه الحليم الكريم ذو الأناة، وهذه المرحلة التي يمنُّ الله تعالى بها على المؤمنين المستضعفين بالنصر هي في عالم الظهور وعالم الرجعة(6).
إذن اتَّضح أنَّ استعجال المؤمن لا يغيِّر الخُطَّة الإلهية، لأنَّنا اليوم نعيش في حالة الاستضعاف، فينبغي للمؤمن أن يتفهَّم هذه المرحلة بشكل دقيق وصحيح وليس معنى ذلك أنَّه لا يعمل شيئاً، بل بمعنى أنَّه لا يتمنّى أن ترتفع حالة الاستضعاف الآن، فقد ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنَّه قال لعلي (عليه السلام): (يا علي، إنَّ إزالة الجبال الرواسي أهون من إزالة ملك مؤجَّل لم تنقضِ أيّامه)(7)، ولهذا فلا يستعجل الإنسان الفرج كما قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (هلك المحاضير)، قلت: جُعلت فداك، وما المحاضير؟ قال: (المستعجلون)(8)، فعلى الإنسان أن يتعايش مع هذه المرحلة ويصبر ويعمل بتكليفه الشرعي،وربَّما جُعِلَ له فيها فرج جزئي.
أقسام المسائل العقدية:
إنَّ المسائل العقدية تنقسم إلى قسمين:
1 - المسائل العقدية الأساسية: وهذه المسائل لا يجوز فيها التقليد، بل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) معاني الأخبار: 79/ ح 1.
(6) راجع: تفسير القمّي 1: 25.
(7) من لا يحضره الفقيه 4: 354/ ح 5762.
(8) الكافي 8 : 273/ ح 411.
يجب على كلّ مكلَّف أن يحصل له اليقين والاعتقاد الجازم بها، كالاعتقاد بوجود الإمام المهدي (عليه السلام) فإنَّه لا يجوز التقليد فيه، بل يجب أن نحصل العلم به.
2 - المسائل العقدية التفريعية: والتي لا يجب تحصيل اليقين بها ابتداءً ولكن لو علم بثبوتها في الدين فليزمه الاعتقاد بها من باب التصديق لما ثبت عن صاحب الشرع، وهذه المسائل يستحبّ فيها البحث عن الدليل، لأنَّ الإنسان يُثاب على العلم والاعتقاد أكثر ممَّا يُثاب على الاعتقاد المستند إلى التقليد.
إذن فالاعتقاد بوجود الإمام المهدي (عليه السلام) لا يجوز التقليد فيه، بل يجب أن نحصل العلم به، ولكن كيف يحصل للإنسان اليقين؟ هذا ما سوف نبحثه في النقطة التالية.
مصادر العلم:
وأمَّا طرق تحصيل العلم، فهي:
أوّلاً: الحسّ، ولكنَّ الحسّ ليس كافياً في كلّ القضايا، فبعض القضايا لا يمكن العلم بها من خلال الحسّ ومنها معرفة الإمام (عليه السلام) لأنَّه ليس حسَّاً فلن تسعفني الحواسّ لمعرفته.
ثانياً: العقل، والمراد منه القواعد العقلية كالأثر يدلُّ على المؤثِّر.
ثالثاً: الأخبار المتواترة، إلَّا أنَّ هناك فرقاً بين العلم الحاصل من التواتر والعلم الحاصل من البرهان العقلي (وليس هذا محلّ تفصيله).
رابعاً: الخبر الواحد إذا احتفَّ بالقرائن، فحينما تُريد أن تعتقد بشيء استناداً إلى خبر واحد ينبغي أن تبذل قصارى جهدك في البحث عن القرائن التي توجب لك الوثوق بصدوره، وذلك بخلاف الخبر المتواتر فلا يحتاج إلَّا إلى إثبات تواتره.
عقيدتنا بالإمام المهدي (عليه السلام):
وأمَّا عقيدتنا بالإمام المهدي (عليه السلام) فهي أنَّه الحجَّة بن الحسن العسكري، الثاني عشر من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، اسمه وكنيته كاسم وكنية جدّه (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأنَّه خاتم الأوصياء لا وصيّ بعده، وبه ينتهي العدد الذي نصَّ عليه الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فقد ورد في روايات متواترة أنَّ عدد الأئمّة اثنا عشر(9)، كقوله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش)(10)، وفي بعض الألفاظ: (اثنا عشر أميراً)(11).
ونعتقد بأنَّه (عليه السلام) قد ولد عام (255هـ) أو (256هـ) على اختلاف في ذلك، ونقطع بأنَّه (عليه السلام) ابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بلا شكّ ولا ريب، وأنَّه حيٌّ يُرزق إلى يومنا هذا، لأنَّ الأرض لا تخلو من إمام، فعن سليمان الجعفري، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنَّه قال: (لو خلت الأرض طرفة عين من حجَّة لساخت بأهلها)(12)، وعن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنَّه قال: (أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أنَّ النجوم أمان لأهل السماء)(13)، فوجوده (عليه السلام) خير وبركة، وقد كُلِّفَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) راجع: الخصال: 466 - 475/ ح 6 - 37؛ الغيبة للنعماني: 104 - 107/ باب 4/ ح 31 - 38؛ الغيبة للطوسي: 127 - 133/ ح 90 - 96؛ مسند أحمد 5: 86؛ صحيح مسلم 6: 3؛ سنن أبي داود 2: 309/ ح 4279؛ مستدرك الحاكم 3: 617؛ وغيرها من المصادر.
(10) أمالي الصدوق: 388/ ح (500/9).
(11) أمالي الصدوق: 387/ ح (499/8).
(12) بصائر الدرجات: 509/ باب 13/ ح 8.
(13) كفاية الأثر: 29؛ رواه الخاصّة والعامّة بألفاظ مختلفة، فراجع: علل الشرائع 1: 123/ باب 103/ ح 1؛ مناقب آل أبي طالب 1: 245؛ العمدة لابن بطريق: 308/ ح 510؛ مستدرك الحاكم 3: 149؛ كنز العمّال 12: 102/ ح 34189؛ وغيرها من المصادر.
برعاية الخلق بإذن الله تعالى، كما ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة: (وَاسْتَرْعاكُمْ أَمْرَ خَلْقِهِ، وَقَرَنَ طاعَتَكُمْ بِطاعَتِهِ)(14).
وأمَّا البشارات التي تقول بأنَّه (عليه السلام) سيخرج في آخر الزمان ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً فهي ممَّا اتَّفق عليه المسلمون كافّة.
ونعتقد بأنَّ إمامته (عليه السلام) مستندة إلى جعل الله، قال تعالى: (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) (الأنبياء: 73)، أي إنَّ الإمامة مجعولة من قِبَل الله تعالى وليس من قِبَل غيره حتَّى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم).
إنَّ الإمامة عهد بين الله وبين الإمام (عليه السلام)، قال الله تعالى لإبراهيم (عليه السلام): (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة: 124)، فتدلُّ هذه الآية على أنَّ الإمامة عهد بين الله تعالى وبين الإمام وليست عهداً بين الإمام وبين الناس، وكذلك تدلُّ على العصمة أيضاً، لأنَّ الظالم هو من ظلم نفسه بارتكاب المعاصي، ولذا نقول: يُشترط في الإمام أن يكون مختاراً ومجعولاً من قِبَل الله تعالى، ونشترط أيضاً أن يكون معصوماً.
والعصمة هي لطف إلهي يمنُّ الله تعالى به على الإمام يمنعه عن المعاصي، ولكن لا يسلب منه الاختيار بل يبقى مختاراً، فيطيع الله باختياره ولا يعصيه باختياره أيضاً، إذن عقيدتنا في الإمام المهدي (عليه السلام) أنَّه الإمام المعصوم المجعول من قِبَل الله تعالى، وأنَّ طاعته مفروضة.
ونعتقد بأنَّه يجب علينا اتّباعه بدون أيّ سؤال حتَّى لو كانت علَّة أوامره وأفعاله خافية علينا، لأنَّه معصوم لا يفعل إلَّا ما يُؤمر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) المزار لابن المشهدي: 534.
وقد ورد في الروايات أنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) يقتل ذراري بني أُميّة وأطفالهم لأنَّهم راضون بفعل آبائهم(15)، وليس من حقّ الإنسان أن يستشكل على ذلك ويقول له (عليه السلام): أنت تقتل الذراري بفعل الآباء فما هو ذنبهم؟ لما قلناه من أنَّهم رضوا بفعال آبائهم ونهجوا مسلكهم، ويقول الإمام الباقر (عليه السلام): (إنَّما سُمّي المهدي مهدياً لأنَّه يهدي إلى أمر خفي)(16)، ويعمل بحكم الله الواقعي لا يطلب من أحد بيّنة(17).
يقول بعض المحقّقين عن قصَّة الخضر (عليه السلام): إنَّ الله تعالى لم يورد موضوع الخبر وقتل الغلام إلَّا ترهيباً لزمان المهدي (عليه السلام) ليقول لك بأنَّ القواعد الظاهرية التي يعمل بها موسى بن عمران (عليه السلام) أو الشرائع الظاهرية لا يعمل بها أولياء الله الخاصّون كالخضر فإنَّ له تكليفاً خاصّاً، كذلك الإمام المهدي (عليه السلام) الذي يتمنّى موسى بن عمران مقامه(18)، ويُصلّي عيسى بن مريم خلفه(19)، له مقام عند الله أعظم من الخضر، وله تكليف خاصّ لا تدركه عقول الناس، وليس على الإنسان الاعتراض على أفعال وتصرفات الإمام (عليه السلام)، بل عليه أن يقبل ما يفعله وما يأمره بدون أيّ قيد وشرط، فقد أعطى الله للإنسان مثالاً لذلك في قصَّة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15) راجع: علل الشرائع 1: 229/ باب 164/ ح 1.
(16) الغيبة للنعماني: 243/ باب 13/ فصل 3/ ح 26.
(17) راجع: الكافي 1: 397/ باب في الأئمّة (عليهم السلام) أنَّهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود.../ ح 1.
(18) راجع: الغيبة للنعماني: 246/ باب 13/ فصل 5/ ح 34.
(19) الكافي 8 : 50/ ح 10؛ رواه الخاصّة والعامّة بألفاظ مختلفة، فراجع: أمالي الصدوق: 287/ ح (320/4)؛ الغيبة للنعماني: 65/ باب 4/ ح 1؛ الغيبة للطوسي: 191/ ح 154؛ فتح الباري 6: 358؛ تفسير الكشّاف 3: 494؛ الجامع الصغير للسيوطي 2: 546/ ح 8262؛ كنز العمّال 14: 266/ ح 38673؛ وغيرها من المصادر.
الخضر وموسى (عليه السلام)، وقد أخبرنا أنَّ موسى كان يعمل بالظواهر، والخضر كان محقّاً فيما فعله، لأنَّ له تكليفاً خاصّاً بالأولياء، وهكذا الإمام المهدي (عليه السلام) له تكليف خاصّ به، وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: (بينا الرجل على رأس القائم يأمره وينهاه، إذ قال: أديروه، فيديرونه إلى قدامه فيأمر بضرب عنقه، فلا يبقى في الخافقين شيء إلَّا خافه)(20)، فيدبُّ الخوف في قلوب أكثر الناس إلَّا من كان عنده يقين تامّ بالإمام المهدي (عليه السلام)، فإنَّه عظيم عالم معصوم لا يضر المؤمنين وبالمؤمنين رؤوف رحيم، وإنَّه (عليه السلام) يُمثِّل رحمة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لأنَّه سميّه وكنيّه ومظهره، فإنَّ صفات رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) من العلم والرحمة والرأفة كلّها متجسّدة في شخصية الإمام المهدي (عليه السلام)، ولذا قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (اسمه اسمي وكنيته كنيتي)(21)، فرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) خاتم الأنبياء والمهدي (عليه السلام) خاتم الأوصياء، ويظهر باسم الله المنتقم الذي يهزم أعداء الله ويرهب الكفّار، وسيقتل من الظالمين ما شاء الله حتَّى يرضي الله تبارك وتعالى.
هذه هي عقيدتنا في الإمام المهدي (عليه السلام)، ونمتلك على هذا الاعتقاد عدَّة أدلَّة سوف تأتي لاحقاً.
دفع وهم:
قد يشكِّك البعض بأنَّه (عليه السلام) ليس ابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بل هو من ذرّية الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) وأنَّ اسم أبيه عبد الله،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(20) الغيبة للنعماني: 245 و246/ باب 13/ فصل 4/ ح 32.
(21) كمال الدين: 286/ باب 25/ ح 1.
والجواب على ذلك أنَّ هذه الروايات ضعيفة السند، بل حتَّى لو كانت صحيحة السند لَمَا قبلناها إذ تُعارض المئات من الروايات التي أكَّدت بأنَّه (عليه السلام) ابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
إذن لا شكَّ في كونه (عليه السلام) مولوداً، وقد نصَّ الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلم) على إمامته، وكذلك نصَّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، والأئمّة المعصومين من بعد أمير المؤمنين (عليه السلام) كلّهم نصّوا على إمامته وأنَّه هو الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، وأنَّه ابن الحسن العسكري (عليه السلام)(22).
أوصاف الإمام العامّة في رواية الإمام الرضا (عليه السلام):
قبل الحديث عن أوصاف الإمام المهدي (عليه السلام) الخاصّة لا بأس بأن نذكر أوصاف الإمام العامّة الواردة في رواية الإمام الرضا (عليه السلام)، فنقول:
روى الكليني (رحمه الله) بسنده عن عبد العزيز بن مسلم، قال: كُنَّا مَعَ الرَّضَا (عليه السلام) بِمَرْوَ، فَاجْتَمَعْنَا فِي الْجَامِع يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي بَدْءِ مَقْدَمِنَا، فَأَدَارُوا أَمْرَ الإِمَامَةِ وذَكَرُوا كَثْرَةَ اخْتِلاَفِ النَّاس فِيهَا، فَدَخَلْتُ عَلَى سَيَّدِي (عليه السلام) فَأَعْلَمْتُه خَوْضَ النَّاس فِيِهِ، فَتَبَسَّمَ (عليه السلام) ثُمَّ قَالَ:
(يَا عَبْدَ الْعَزيز، جَهِلَ الْقَوْمُ وخُدِعُوا عَنْ آرَائِهِمْ، إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) لَمْ يَقْبِضْ نَبِيَّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) حَتَّى أَكْمَلَ لَه الدَّينَ وَأَنْزَلَ عَلَيْه الْقُرْآنَ فِيِهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ، بَيَّنَ فِيِهِ الْحَلاَلَ وَالْحَرَامَ وَالْحُدُودَ وَالأَحْكَامَ وجَمِيعَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ كَمَلاً، فَقَالَ (عزَّ وجلَّ): (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام: 38]، وَأَنْزَلَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاع وَهِيَ آخِرُ عُمُرِهِ (صلّى الله عليه وآله وسلم): (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(22) راجع: كمال الدين: 256 - 385/ الباب 24 - 38، فقد روى أكثر من (180) حديثاً حول ذلك.
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً) [المائدة: 3]، وَأَمْرُ الإِمَامَةِ مِنْ تَمَام الدَّين، وَلَمْ يَمْضِ (صلّى الله عليه وآله وسلم) حَتَّى بَيَّنَ لِأُمَّتِه مَعَالِمَ دِينِهِمْ، وَأَوْضَحَ لَهُمْ سَبِيلَهُمْ، وَتَرَكَهُمْ عَلَى قَصْدِ سَبِيِلِ الْحَقِّ، وَأقَامَ لَهُمْ عَلِيّاً (عليه السلام) عَلَماً وَإِمَاماً، وَمَا تَرَكَ لَهُمْ شَيْئاً يَحْتَاجُ إِلَيْه الأُمَّةُ إلَّا بَيَّنَه، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) لَمْ يُكْمِلْ دِينَهُ فَقَدْ رَدَّ كِتَابَ اللهِ، وَمَنْ رَدَّ كِتَابَ اللهِ فَهُوَ كَافِرٌ بِهِ، هَلْ يَعْرفُونَ قَدْرَ الإِمَامَةِ وَمَحَلَّهَا مِنَ الأُمَّةِ فَيَجُوزَ فِيهَا اخْتِيَارُهُمْ؟ إِنَّ الإِمَامَةَ أَجَلُّ قَدْراً، وَأَعْظَمُ شَأناً، وَأَعْلَى مَكَاناً، وَأَمْنَعُ جَانِباً، وَأَبْعَدُ غَوْراً مِنْ أَنْ يَبْلُغَهَا النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ، أَوْ يَنَالُوهَا بِآرَائِهِمْ، أَوْ يُقِيمُوا إِمَاماً بِاخْتِيَارِهِمْ.
إِنَّ الإِمَامَةَ خَصَّ اللهُ (عزَّ وجلَّ) بِهَا إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ (عليه السلام) بَعْدَ النُّبُوَّةِ وَالْخُلَّةِ مَرْتَبَةً ثَالِثَةً، وَفَضِيلَةً شَرَّفَه بِهَا وَأَشَادَ بِهَا ذِكْرَه، فَقَالَ: (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً)، فَقَالَ الْخَلِيلُ (عليه السلام) سُرُوراً بِهَا: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)، قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى: (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة: 124]، فَأَبْطَلَتْ هَذِه الآيَةُ إِمَامَةَ كُلِّ ظَالِمٍ إِلَى يَوْم الْقِيَامَةِ، وَصَارَتْ فِي الصَّفْوَةِ.
ثُمَّ أَكْرَمَه اللهُ تَعَالَى بِأَنْ جَعَلَهَا فِي ذُرَّيَّتِه أَهْلِ الصَّفْوَةِ وَالطَّهَارَةِ، فَقَالَ: (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ * وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) [الأنبياء: 72 و73]، فَلَمْ تَزَلْ فِي ذُرَّيَّتِه يَرثُهَا بَعْضٌ عَنْ بَعْضٍ قَرْناً فَقَرْناً حَتَّى وَرَّثَهَا اللهُ تَعَالَى النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فَقَالَ جَلَّ وتَعَالَى: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 68]،
فَكَانَتْ لَه خَاصَّةً فَقَلَّدَهَا (صلّى الله عليه وآله وسلم) عَلِيّاً (عليه السلام) بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى عَلَى رَسْمِ مَا فَرَضَ اللهُ، فَصَارَتْ فِي ذُرَّيَّتِه الأَصْفِيَاءِ الَّذِينَ آتَاهُمُ اللهُ الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ بِقَوْلِه تَعَالَى: (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأَيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) [الروم: 56]، فَهِيَ فِي وُلْدِ عَلِيٍّ (عليه السلام) خَاصَّةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِذْ لَا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فَمِنْ أَيْنَ يَخْتَارُ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ؟
إِنَّ الإِمَامَةَ هِيَ مَنْزلَةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِرْثُ الأَوْصِيَاءِ.
إِنَّ الإِمَامَةَ خِلاَفَةُ اللهِ وَخِلَافَةُ الرَّسُولِ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وَمَقَامُ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، وَمِيرَاثُ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ (عليهما السلام).
إِنَّ الإِمَامَةَ زِمَامُ الدَّين، وَنِظَامُ الْمُسْلِمِينَ، وَصَلاَحُ الدُّنْيَا، وَعِزُّ الْمُؤْمِنِينَ.
إِنَّ الإِمَامَةَ أُسُّ الإِسْلاَمِ النَّامِي، وَفَرْعُه السَّامِي، بِالإِمَام تَمَامُ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ، وَتَوْفِيرُ الْفَيْءِ وَالصَّدَقَاتِ وَإِمْضَاءُ الْحُدُودِ وَالأَحْكَام، وَمَنْعُ الثُّغُورِ وَالأَطْرَافِ.
الإِمَامُ يُحِلُّ حَلاَلَ اللهِ، وَيُحَرَّمُ حَرَامَ اللهِ، وَيُقِيمُ حُدُودَ اللهِ، وَيَذُبُّ عَنْ دِين اللهِ، وَيَدْعُو إِلَى سَبِيل رَبِّه بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَالْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ.
الإِمَامُ كَالشَّمْسِ الطَّالِعَةِ الْمُجَلِّلَةِ بِنُورِهَا لِلْعَالَم، وَهِيَ فِي الأُفُقِ بِحَيْثُ لَا تَنَالُهَا الأَيْدِي وَالأَبْصَارُ.
الإِمَامُ الْبَدْرُ الْمُنِيرُ، وَالسِّرَاجُ الزَّاهِرُ، وَالنُّورُ السَّاطِعُ، وَالنَّجْمُ الْهَادِي فِي غَيَاهِبِ الدُّجَى، وَأَجْوَازِ الْبُلْدَانِ، وَالْقِفَارِ وَلُجَج الْبِحَارِ.
الإِمَامُ الْمَاءُ الْعَذْبُ عَلَى الظَّمَأ، وَالدَّالُّ عَلَى الْهُدَى، وَالْمُنْجِي مِنَ الرَّدَى.
الإِمَامُ النَّارُ عَلَى الْيَفَاع الْحَارُّ لِمَن اصْطَلَى بِهِ، وَالدَّلِيلُ فِي الْمَهَالِكِ مَنْ فَارَقَه فَهَالِكٌ.
الإِمَامُ السَّحَابُ الْمَاطِرُ، وَالْغَيْثُ الْهَاطِلُ، وَالشَّمْسُ الْمُضِيئَةُ، وَالسَّمَاءُ الظَّلِيلَةُ، وَالأَرْضُ الْبَسِيطَةُ، وَالْعَيْنُ الْغَزيرَةُ، وَالْغَدِيرُ وَالرَّوْضَةُ.
الإِمَامُ الأَنِيسُ الرَّفِيقُ، وَالْوَالِدُ الشَّفِيقُ، وَالأَخُ الشَّقِيقُ، وَالأُمُّ الْبَرَّةُ بِالْوَلَدِ الصَّغِير، وَمَفْزَعُ الْعِبَادِ فِي الدَّاهِيَةِ النَّآدِ.
الإِمَامُ أَمِينُ اللهِ فِي خَلْقِهِ، وَحُجَّتُه عَلَى عِبَادِهِ، وَخَلِيفَتُه فِي بِلاَدِهِ، وَالدَّاعِي إِلَى اللهِ، وَالذَّابُّ عَنْ حُرَمِ اللهِ.
الإِمَامُ الْمُطَهَّرُ مِنَ الذُّنُوبِ، والْمُبَرَّأ عَنِ الْعُيُوبِ، الْمَخْصُوصُ بِالْعِلْم، الْمَوْسُومُ بِالْحِلْم، نِظَامُ الدَّينِ، وعِزُّ الْمُسْلِمِينَ، وَغَيْظُ الْمُنَافِقِينَ، وَبَوَارُ الْكَافِرينَ.
الإِمَامُ وَاحِدُ دَهْرهِ، لَا يُدَانِيه أَحَدٌ، وَلَا يُعَادِلُهُ عَالِمٌ، وَلَا يُوجَدُ مِنْه بَدَلٌ، وَلَا لَه مِثْلٌ وَلَا نَظِيرٌ، مَخْصُوصٌ بِالْفَضْل كُلِّهِ مِنْ غَيْر طَلَبٍ مِنْه لَه وَلَا اكْتِسَابٍ، بَل اخْتِصَاصٌ مِنَ الْمُفْضِل الْوَهَّابِ.
فَمَنْ ذَا الَّذِي يَبْلُغُ مَعْرفَةَ الإِمَامِ أَوْ يُمْكِنُهُ اخْتِيَارُهُ؟ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ضَلَّتِ الْعُقُولُ، وَتَاهَتِ الْحُلُومُ، وَحَارَتِ الأَلْبَابُ، وَخَسَأَتِ الْعُيُونُ، وَتَصَاغَرَتِ الْعُظَمَاءُ، وَتَحَيَّرَتِ الْحُكَمَاءُ، وَتَقَاصَرَتِ الْحُلَمَاءُ، وَحَصرتِ الْخُطَبَاءُ، وَجَهِلَتِ الأَلِبَّاءُ، وَكَلَّتِ الشُّعَرَاءُ، وَعَجَزَتِ الأُدَبَاءُ، وَعَيِيَتِ الْبُلَغَاءُ عَنْ وَصْفِ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِهِ أَوْ فَضِيلَةٍ مِنْ فَضَائِلِهِ، وَأَقَرَّتْ بِالْعَجْز وَالتَّقْصِير، وَكَيْفَ يُوصَفُ بِكُلِّهِ، أَوْ يُنْعَتُ بِكُنْهِهِ، أَوْ يُفْهَمُ شيءٌ مِنْ أَمْرهِ، أَوْ يُوجَدُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَيُغْنِي غِنَاه؟ لَا كَيْفَ وَأَنَّى وَهُوَ بِحَيْثُ النَّجْم مِنْ يَدِ الْمُتَنَاوِلِينَ وَوَصْفِ الْوَاصِفِينَ.
فَأَيْنَ الاخْتِيَارُ مِنْ هَذَا؟ وَأَيْنَ الْعُقُولُ عَنْ هَذَا؟ وَأَيْنَ يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا؟ أَتَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ يُوجَدُ فِي غَيْر آلِ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟ كَذَبَتْهُمْ وَاللهُ أَنْفُسُهُمْ، وَمَنَّتْهُمُ الأَبَاطِيلَ، فَارْتَقَوْا مُرْتَقاً صَعْباً دَحْضاً تَزِلُّ عَنْه إِلَى الْحَضِيض أَقْدَامُهُمْ، رَامُوا إِقَامَةَ الإِمَامِ بِعُقُولٍ حَائِرَةٍ بَائِرَةٍ نَاقِصَةٍ، وَآرَاءٍ مُضِلَّةٍ، فَلَمْ يَزْدَادُوا مِنْه إلَّا بُعْداً، قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ، وَلَقَدْ رَامُوا صَعْباً، وَقَالُوا إِفْكاً، وَضَلُّوا ضَلَالاً بَعِيداً، وَوَقَعُوا فِي الْحَيْرَةِ إِذْ تَرَكُوا الإِمَامَ عَنْ بَصِيرَةٍ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ، فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيل، وَكَانُوا مُسْتَبْصرينَ رَغِبُوا عَن اخْتِيَارِ اللهِ وَاخْتِيَارِ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وَأَهْل بَيْتِه إِلَى اخْتِيَارِهِمْ وَالْقُرْآنُ يُنَادِيهِمْ: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشركُونَ) [القصص: 68]، وَقَالَ (عزَّ وجلَّ): (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ...) الآيَةَ [الأحزاب: 36]، وَقَالَ: (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) [القلم: 36 - 41]، وَقَالَ (عزَّ وجلَّ): (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) [محمّد: 24]، أَمْ (طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) [التوبة: 93]، (فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) [المنافقون: 3]، أَمْ (قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [الأنفال: 21 - 23]، أَمْ (قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا) [البقرة: 93]، بَلْ هُوَ (فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد: 21].
فَكَيْفَ لَهُمْ بِاخْتِيَارِ الإِمَامِ وَالإِمَامُ عَالِمٌ لَا يَجْهَلُ، وَرَاعٍ لَا يَنْكُلُ،
مَعْدِنُ الْقُدْسِ وَالطَّهَارَةِ، وَالنُّسُكِ وَالزَّهَادَةِ، وَالْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ، مَخْصُوصٌ بِدَعْوَةِ الرَّسُولِ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وَنَسْل الْمُطَهَّرَةِ الْبَتُولِ، لَا مَغْمَزَ فِيه فِي نَسَبٍ، وَلَا يُدَانِيهِ ذُو حَسَبٍ، فِي الْبَيْتِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَالذِّرْوَةِ مِنْ هَاشِم، وَالْعِتْرَةِ مِنَ الرَّسُولِ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وَالرَّضَا مِنَ اللهِ (عزَّ وجلَّ)، شَرَفُ الأَشْرَافِ، وَالْفَرْعُ مِنْ عَبْدِ مَنَافٍ، نَامِي الْعِلْم، كَامِلُ الْحِلْم، مُضْطَلِعٌ بِالإِمَامَةِ، عَالِمٌ بِالسَّيَاسَةِ، مَفْرُوضُ الطَّاعَةِ، قَائِمٌ بِأَمْرِ اللهِ (عزَّ وجلَّ)، نَاصِحٌ لِعِبَادِ اللهِ، حَافِظٌ لِدِين اللهِ.
إِنَّ الأَنْبِيَاءَ وَالأَئِمَّةَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِم يُوَفِّقُهُمُ اللهُ وَيُؤْتِيهِمْ مِنْ مَخْزُونِ عِلْمِهِ وَحِكَمِهِ مَا لَا يُؤْتِيهِ غَيْرَهُمْ، فَيَكُونُ عِلْمُهُمْ فَوْقَ عِلْم أَهْل الزَّمَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [يونس: 35]، وَقَوْلِهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) [البقرة: 269]، وَقَوْلِهِ فِي طَالُوتَ: (إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 247]، وَقَالَ لِنَبِيِّهِ (صلّى الله عليه وآله وسلم): أَنْزَلَ (عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) [النساء: 113]، وَقَالَ فِي الأَئِمَّةِ مِنْ أَهْل بَيْتِ نَبِيِّهِ وعِتْرَتِهِ وذُرَّيَّتِهِ (صلّى الله عليه وآله وسلم): (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) [النساء: 54 و55].
وَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اخْتَارَهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) لِأُمُورِ عِبَادِهِ شَرَحَ صَدْرَهُ لِذَلِكَ، وَأَوْدَعَ قَلْبَهُ يَنَابِيعَ الْحِكْمَةِ، وَأَلْهَمَهُ الْعِلْمَ إِلْهَاماً، فَلَمْ يَعْيَ بَعْدَهُ بِجَوَابٍ، وَلَا يُحَيَّرُ فِيهِ عَن الصَّوَابِ، فَهُوَ مَعْصُومٌ مُؤَيَّدٌ مُوَفَّقٌ مُسَدَّدٌ، قَدْ أَمِنَ مِنَ
الْخَطَايَا وَالزَّلَل وَالْعِثَارِ، يَخُصُّهُ اللهُ بِذَلِكَ لِيَكُونَ حُجَّتَهُ عَلَى عِبَادِهِ وَشَاهِدَهُ عَلَى خَلْقِهِ، وَ(ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
فَهَلْ يَقْدِرُونَ عَلَى مِثْل هَذَا فَيَخْتَارُونَهُ أَوْ يَكُونُ مُخْتَارُهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيُقَدِّمُونَهُ؟ تَعَدَّوْا وَبَيْتِ اللهِ الْحَقَّ، وَنَبَذُوا كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَفِي كِتَابِ اللهِ الْهُدَى وَالشِّفَاءُ، فَنَبَذُوهُ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ، فَذَمَّهُمُ اللهُ وَمَقَّتَهُمْ وَأَتْعَسَهُمْ، فَقَالَ جَلَّ وَتَعَالَى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدى مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص: 50]، وَقَالَ: (فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) [محمّد: 8]، وَقَالَ: (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) [غافر: 35]، وَصَلَّى اللهُ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً)(23).
بيان بعض فقرات الرواية:
يُؤكِّد الإمام الرضا (عليه السلام) في هذه الرواية على أنَّ صفات الإمام ملكوتية، وأنَّ منصب الإمامة منصب واقعي لا اعتباري، وأنَّ الإمامة واسطة الفيض لوصول الفيوضات إلى الخلق من الله تبارك وتعالى. ويجدر بنا أن نقف عند بعض فقرات هذه الرواية العظيمة، فنقول:
قوله (عليه السلام): (الإِمَامُ وَاحِدُ دَهْرهِ)، أي إنَّ الإمام لا مثيل له في عالم الإمكان، فهو أفضل مخلوق فيه، وهذا يرتقي بأنَّه العقل العملي له، لأنَّه قد ثبت في الفلسفة أنَّ من يكون أشرف وأعلى يكون سبباً في وصول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(23) الكافي 1: 198 - 203/ باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته/ ح 1.
الخيرات إلى من هو أدنى منه رتبةً، فـ (الإِمَامُ وَاحِدُ دَهْرهِ، لَا يُدَانِيه أَحَدٌ، وَلَا يُعَادِلُهُ عَالِمٌ، وَلَا يُوجَدُ مِنْه بَدَلٌ، وَلَا لَه مِثْلٌ وَلَا نَظِيرٌ، مَخْصُوصٌ بِالْفَضْل كُلِّهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْه لَه وَلَا اكْتِسَابٍ، بَل اخْتِصَاصٌ مِنَ الْمُفْضِل الْوَهَّابِ)، وهذا يعني أنَّ علومه حضورية شمولية من غير طلب ومن غير أدوات يكتسب بها العلم بل يخصّه الله تعالى بالفضل، بخلاف غيره من البشر فإنَّه قد يكون عالماً ولكن يعلم الأشياء من خلال الألفاظ والعبارات والوسائل العادية.
قوله (عليه السلام): (إِنَّ الإِمَامَةَ أَجَلُّ قَدْراً، وَأَعْظَمُ شَأْناً، وَأَعْلَى مَكَاناً، وَأَمْنَعُ جَانِباً، وَأَبْعَدُ غَوْراً مِنْ أَنْ يَبْلُغَهَا النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ، أَوْ يَنَالُوهَا بِآرَائِهِمْ، أَوْ يُقِيمُوا إِمَاماً بِاخْتِيَارِهِمْ)، فلا يمكن أن يستند الإنسان على عقله للاحاطة بشيء من أمر الإمامة وكنهها.
قوله (عليه السلام): (وَأَمْرُ الإِمَامَةِ مِنْ تَمَامِ الدَّين)، ولهذا ما بعث الله تعالى نبيّاً إلَّا وبشر بالنبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وبشر هو (صلّى الله عليه وآله وسلم) بعلي أمير المؤمنين (عليه السلام) وسائر الأئمّة (عليهم السلام)، وبشروا جميعاً بيوم ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) الذي ينتشر فيه العدل وتتحقَّق على يديه الثمرة من بعثة الأنبياء (عليهم السلام) ألَا وهي إيجاد الخلق العابد والمجتمع المثالي، وبذلك يتجلّى قوله تبارك وتعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً) (الأنعام: 115)، وتمام كلمة الله سيكون من ناحيتين: نظرية وعملية، فقوله تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً) إشارة إلى الناحية العلمية النظرية، وقوله تعالى: (عَدْلاً) إشارة إلى الناحية العملية، فإذا خرج الإمام المهدي (عليه السلام) سيكتمل العالم اكتمالاً تامّاً، ويكون ذلك على يده (عليه السلام).
أوصاف الإمام المهدي (عليه السلام) الخاصّة:
وأمَّا أوصاف الإمام المهدي (عليه السلام) الخاصّة فقد نطقت بها الروايات، فهناك أكثر من (180) لقب واسم وصفة له (عليه السلام)(24)، منها أنَّه (عليه السلام) خليفة الله، والخليفة هو الذي يقوم بدور عظيم ويمثِّل الله تعالى في أرضه، يمثِّله في الكمالات، يمثِّله في القدرة، فهو مظهر لأسماء الله تبارك وتعالى.
عقيدتنا هي أنَّ الله تعالى لا يتجسَّد، ولا يحسّ، وليست له جوارح، وإنَّما هو الغني المطلق، والقادر المطلق، والكامل المطلق، والعالم المطلق، ولكن يُعرَف الله تبارك وتعالى بآياته وهم الأئمّة الكرام (عليهم السلام)، إذن فهو (عليه السلام) خليفة الله تعالى.
يقول تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشركُونَ) (الصفّ: 9)، أكَّدت الروايات بأنَّه لم ينزل تأويلها بعد، فقد ورد عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: (والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتَّى يخرج القائم (عليه السلام)، فإذا خرج القائم (عليه السلام) لم يبقَ كافر بالله العظيم ولا مشرك بالإمام إلَّا كره خروجه حتَّى أن لو كان كافراً أو مشركاً(25) في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله)(26)، فهو (عليه السلام) نور الله الذي لا يُطفئ، وهو الحافظ لأسرار ربّ العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(24) راجع: النجم الثاقب 1: 165 - 268/ الباب الثاني في أسماء الإمام المهدي وألقابه صلوات الله عليه.
(25) في بحار الأنوار: (حتَّى لو كان كافر أو مشرك).
(26) كمال الدين: 670/ باب 58/ ح 16؛ بحار الأنوار 52: 324/ ح 36.
ويجب على الإنسان أن يعرف إمام زمانه لأنَّه من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، فمعرفة الإمام هي التي تحافظ على إسلام الإنسان ودينه، وتصحُّ أعماله بمعرفته، على الإنسان اليوم أن يعرف أنَّ إمام زمانه هو الحجَّة بن الحسن الثاني عشر من الأئمّة (عليهم السلام)، المفترض الطاعة، الكامل المعصوم، قد فرض الله تعالى طاعته على العباد، وجعله إماماً عليهم، كلّ هذه المعارف إذا اجتمعت تجعل من الإنسان شيعياً، أمَّا الشكّ في ولادته (عليه السلام) فإنَّه يُخرج الإنسان عن التشيّع، الشكّ في كونه (عليه السلام) معصوماً أيضاً يخرجه عن التشيّع، وهكذا الشكّ في كونه واجب الطاعة وأنَّه معصوم وغير ذلك، كلّ ذلك يُخرج الإنسان عن التشيّع، إذن الذي يحافظ على تشيّع الإنسان هو هذه المعتقدات.
الإمام والعلم اللدنّي:
إنَّ الله تبارك وتعالى زوَّد الإمام المهدي (عليه السلام) بالعلم اللدنّي كما زوَّد الخضر به، قال تعالى: (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (الكهف: 65)، وبواسطة هذا العلم اللدنّي تصرف الخضر تصرّفات لم يكن نبيّ الله موسى (عليه السلام) يعرفها.
قال تعالى: (قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) (الكهف: 66)، إذن يوجد عند الخضر علم لا يوجد عند نبيّ الله موسى (عليه السلام)، وليس ذلك العلم إلَّا العلم اللدنّي، نحن لا نعرف كيفيته ولا نعرف ماهيَّته، ولكن نعرف بأنَّ الخضر استند إلى هذا العلم وخرق السفينة وقتل الغلام قبل أن يبدر من الغلام شيء، ولهذا استنكر نبيّ الله موسى (عليه السلام) عليه، لأنَّ موسى (عليه السلام) عنده الشريعة
الظاهرية وبحسب موازين الشريعة الظاهرية لا يجوز قتل الغلام، ولكن الخضر لا يعمل بموازين الشريعة الظاهرية وإنَّما يعمل بموازين العلم اللدنّي، والعلم اللدنّي له مقتضيات وآثار غير آثار العلم الظاهري المستند إلى الشريعة الظاهرة.
ثمّ إنَّ الخضر بيَّن لنبيّ الله موسى (عليه السلام) تأويل ما فعله، (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (الكهف: 78)، يقول الخضر: عندي تأويل وتفسير لأفعالي توافق مع العلم اللدنّي، قال: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً * وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً) (الكهف: 79 - 81)، فلو بقت السفينة لأخذها الملك، وهكذا لو بقي الغلام لجرَّ والديه إلى الكفر ومنع من وجود سبعين نبيّاً، فقد ورد أنَّ الله تعالى أبدلهما به جارية ولدت سبعين نبيّاً(27).
إذن نظر الخضر بواسطة العلم اللدنّي نظرة مستقبلية لما يحتاج إليه العالَم وشخَّص أنَّه لا بدَّ من قتل الغلام، لأنَّ مصلحة العالَم تتوقَّف على قتله الآن، والنظرة للتغيّرات وما يجري وما يحتاج إليه الناس في المستقبل حصل عليه الخضر (عليه السلام) من العلم الخاصّ.
إشكالية تغيّر الشريعة:
يُطرَح اليوم في الفضائيات نظرية تقول بأنَّ كلّ شيء في هذا العالَم متغيِّر، والعالم في تطوّر يوماً بعد يوم، فشريعة موسى نسخت الشرائع التي كانت قبلها، وشريعة عيسى نسخت شريعة موسى وكان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(27) راجع: الكافي 6: 7/ باب فضل البنات/ ح 11.
بينهما ما يقارب ألف وستمائة سنة، وشريعة نبيّنا (صلّى الله عليه وآله وسلم) نسخت شريعة عيسى وكان بينهما ما يقارب خمسمائة سنة(28)، هنا يأتي سؤال حاصله أنَّه إذا كانت الفترة بين موسى وعيسى الوجيزة، وهكذا الفترة بين عيسى ونبيّنا (صلّى الله عليه وآله وسلم) الوجيزة أيضاً اقتضت أن يغيِّر الله تعالى الشريعة ويأتي بشريعة جديدة، فكيف نبقى على شريعة الإسلام أكثر من ألف سنة، ومن يدري لعلَّ الإمام المهدي (عليه السلام) لا يظهر إلَّا بعد آلاف السنين، فالغيب لا يعلمه إلَّا الله؟ وهل بإمكان الشريعة الإسلاميّة أن تلبّي جميع حاجات الإنسان حتَّى الإنسان الذي يأتي بعد آلاف السنين؟
فاليوم هناك من يسعى لبثِّ هذه الشبهة في أوساط المجتمع، ويحاول أن يفصل الدين عن الحياة، بل يحاول التشكيك في الإمام المهدي (عليه السلام)، ويقول: نحن لسنا بحاجة إلى الإمام المهدي (عليه السلام) إلَّا في زمن ظهوره، وأمَّا الآن فلسنا بحاجة إليه، وكذلك لسنا بحاجة إلى البكاء على الحسين (عليه السلام) أيضاً، بل أكثر، يرى البعض بأنَّنا لسنا بحاجة إلى الصلاة والحجّ وغيرها من العبادات، فالإنسان اليوم أصبح فكره ناضجاً وباستطاعته أن يحلَّ مشاكله بفكره وعقله، فلسنا بحاجة إلى شريعة سماوية تُعيِّن التكليف علينا.
الجواب:
نقول في الجواب عن هذه الشبهة: إنَّ الله تعالى قد ضرب في القرآن الكريم مثلاً وهو قصَّة موسى والخضر، فموسى كان لديه علم الشريعة الظاهرة، وهي لا تقتضي خرق السفينة، ولا قتل الغلام، ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(28) راجع: تفسير القمّي 1: 165؛ الكافي 8: 121/ ح 93؛ كمال الدين: 161/ باب 9/ ح 20، و227/ باب 22/ ح 20.
بناء الحائط، فإذا كان الله تعالى يقتصر على الشريعة الظاهرية لَمَا قُتِلَ الغلام وبسببه كان الناس يُحرَمون من سبعين نبيّاً، لكن أوجد الله تعالى الخضر ليعمل في الخفاء وبواسطة علمه اللدنّي ما فيه المصلحة للبشرية، يقول تعالى: (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (الكهف: 65)، يقول العلماء: إنَّ المراد من (عِبادِنا) أنَّ هناك مجموعة من العباد زوَّدناهم بالعلم اللدنّي، وبواسطته يعملون في الخفاء ويُحدِثون تغييرات مهمّة تكون في صالح المجتمع الإنساني.
نحن الشيعة نعتقد بأنَّ الله تعالى زوَّد إمامنا المهدي (عليه السلام) بل جميع الأئمّة بالعلم كلّه، قال تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (الأنعام: 59)، فكلّ شيء أودعه الله تعالى في كتاب مبين، فما هو المراد من الكتاب المبين الذي أودع الله تعالى فيه كلّ شيء؟ المراد هو الإمام (عليه السلام)، فقد ورد عن الحسين بن خالد، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قول الله:... (فِي كِتابٍ مُبِينٍ)، قال: (في إمام مبين)(29).
نقول في جواب شبهات العلمانيين: إنَّ الله تبارك وتعالى خالق الكون، وهو تعالى صاحب الكمالات اللامتناهية والعلم اللامتناهي، إذن فهو يعلم بحاجات البشرية في جميع الأوقات والأزمان، وقد زوَّد الإمام المهدي (عليه السلام) بهذا العلم، هذا هو معنى ما ورد في زيارة الإمام المهدي (عليه السلام): (السَّلامُ عَلَيْكَ يا خَلِيفَةَ اللهِ وَخَلِيفَةَ آبائِهِ المَهْدِيِّينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وَصِيَّ الأَوْصِياءِ الماضِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا حافِظَ أَسْرارِ رَبَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(29) تفسير العيّاشي 1: 361 و362/ ح 29.
العالَمِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا بَقِيَّةَ اللهِ مِنَ الصَّفْوَةِ المُنْتَجَبِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا ابْنَ الأَنْوارِ الزَّاهِرَةِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا ابْنَ الأَعْلامِ الباهِرَةِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا ابْنَ العِتْرَةِ الطَّاهِرَةِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَعْدِنَ العُلُومِ النَّبَويَّةِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا بابَ اللهِ الَّذِي لَا يُؤْتى إلَّا مِنْهُ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا سَبِيلَ اللهِ الَّذِي مَنْ سَلَكَ غَيْرَهُ هَلَكَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا ناظِرَ شَجَرَةِ طُوبى وَسِدْرَةِ المُنْتَهى، السَّلامُ عَلَيْكَ يا نُورَ الله الَّذِي لَا يُطْفئ...)(30)، ومن جملة أسرار ربّ العالمين هو ما يحتاج إليه الإنسان في جميع الأزمان. إذن لسنا بحاجة إلى أن نرفع اليد عن الدين والشريعة، لأنَّها تلبّي كلّ طلبات الإنسان وتحتوي على كلّ ما يحتاج إليه.
أنواع الأحكام في الشريعة:
وفي تكملة الجواب على الشبهة السابقة نقول: هناك في الشريعة نوعان من الأحكام: ثابتة ومؤقَّتة، الأحكام الثابتة هي الأحكام التي لا تتغيَّر إلى يوم القيامة، مثلاً الصلاة واجبة إلى يوم القيامة، الحجّ واجب إلى يوم القيامة، وأمَّا الأحكام المتغيِّرة فهي التي تتغيَّر بحسب الظروف، مثلاً قد منع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) الناس من حبس فضل الماء(31)، هذا حكم مؤقَّت خاصّ بظروفه، أمَّا اليوم فيجوز على الإنسان أن يحبس فضل الماء حتَّى لو مات زرع جيرانه بناءً على رأي بعض الأعلام وإن كان خلاف المشهور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(30) المزار لابن المشهدي: 586 و587/ ح 4.
(31) عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: (قضى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في سيل وادي مهزور أن يحبس الأعلى على الأسفل للنخل إلى الكعبين وللزرع إلى الشراكين، ثمّ يُرسل الماء إلى أسفل من ذلك للزرع إلى الشراك وللنخل إلى الكعب، ثمّ يُرسل الماء إلى أسفل من ذلك). (الكافي 5: 278/ باب بيع الماء ومنع فضول الماء.../ ح 3).
هنا يأتي سؤال: من هو ذلك الشخص الذي يُشخِّص أنَّ هذا الحكم داخل في الأحكام الدائمة أو في الأحكام المؤقَّتة؟ مشكلتنا اليوم هي أنَّه كلّ شخص يدَّعي بأنَّه قادر على تشخيص الأحكام، يأتي طبيب أو مهندس أو مثقَّف يقول: أنا عندي قدرة على تشخيص أنَّ هذا الحكم من القسم المؤقَّت وهذا من القسم الدائم، يأتي ويقول: نحن اليوم بحاجة إلى أن نطوّر المنبر، بحاجة إلى أن نطوّر آلية معيَّنة نوصل بها رسالة الحسين (عليه السلام)، ولسنا بحاجة إلى البكاء.
أقول ردَّاً على هؤلاء: نحن نقبل أنَّ هناك أحكاماً ثابتة وأُخرى متغيِّرة قد جاء بها النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ولكن لا نقبل أن يأتينا أيّ شخص ويشخِّص لنا أنَّ أيّ حكم من الثابت وأيّ حكم من المتغيِّر، فلا نقبل أن يأتي شخص غير متخصّص ويقول البكاء على الحسين (عليه السلام) من القسم المؤقَّت، بل ولا نقبل منه أن يقول بأنَّ البكاء من القسم الدائم، لأنَّ هذا الشخص ليس من أهل الخبرة، مثلاً الطبيب أو المهندس نقبل رأيه في مجال تخصّصه فقط، إذن علينا أن لا ندخل في مجال غير مجال تخصّصنا، فلو دخل الخطيب في مجال الطبّ وقال بأنّي قرأت الكتب الطبّية وأظنُّ أنَّ فلان مرض علاجه كذا، لَعاب الناس عليه وقالوا له بأنَّ هذا ليس من تخصّصك، وهكذا الفتوى لا يجوز لأحد أن يُفتي برأيه، نعم بإمكانه أن ينقل رأي المجتهد وأمَّا أن يُفتي برأيه فلا يجوز له، فينبغي علينا إذا رأينا شخصاً يتحدَّثُ في غير اختصاصه أن لا نقبل منه.
عوداً على بدء:
نرجع إلى صلب الموضوع ونقول بأنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) قد زوَّده الله تعالى بالعلم اللدنّي، والعلم اللدنّي يلبّي كلّ حاجات البشر، إذن لا
نقص في الشريعة، وعليه نرفض قضيّة التعدّد أو عدم الحاجة إلى الدين والشريعة، أو عدم الحاجة إلى البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام).
الإمام المهدي (عليه السلام) قد زوَّده الله تعالى بالعلم اللدنّي ما لم يزوّد به عيسى وموسى وغيرهما من الأنبياء (عليهم السلام)، ولا غرابة في ذلك لأنَّ الأدلَّة النقلية تؤكِّد على أفضليته (عليه السلام) على جميع الأنبياء (عليهم السلام)، منها ما ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في رواية طويلة: (... وإمام الناس يومئذٍ رجل صالح - أي المهدي (عليه السلام) - فيقال: صلّ الصبح، فإذا كبَّر ودخل في الصلاة نزل عيسى بن مريم (عليهما السلام)، فإذا رآه ذلك الرجل عرفه، فرجع يمشي القهقرى، فيتقدَّم عيسى (عليه السلام) فيضع يده بين كتفيه ويقول: صلّ فإنَّما أُقيمت لك الصلاة، فيُصلّي عيسى ورائه)(32)، فعيسى (عليه السلام) مع عظمته يُصلّي خلف الإمام المهدي (عليه السلام)، وهذا دليل على أفضلية المهدي (عليه السلام) على نبيّ الله عيسى (عليه السلام).
وهكذا نبيّ الله موسى (عليه السلام) فقد ورد عن سالم الأشل، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) يقول: (نظر موسى بن عمران في السفر الأوّل إلى ما يعطى قائم آل محمّد من التمكين والفضل، فقال موسى: ربّ اجعلني قائم آل محمّد، فقيل له: إنَّ ذاك من ذرّية أحمد، ثمّ نظر في السفر الثاني فوجد فيه مثل ذلك، فقال مثله، فقيل له مثل ذلك، ثمّ نظر في السفر الثالث فرأى مثله، فقال مثله، فقيل له مثله)(33)، فنبيّ الله موسى (عليه السلام) يتمنّى مقام الإمام المهدي (عليه السلام)، وهذا أيضاً دليل على أفضلية الإمام المهدي (عليه السلام) على نبيّ الله موسى (عليه السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(32) العمدة لابن بطريق: 429/ ح 897.
(33) الغيبة للنعماني: 246 و247/ باب 13/ فصل 5/ ح 34.
التمسّك بخطّ المرجعية عنوان الاستقامة:
إذن الإمام المهدي (عليه السلام) خاتم الأوصياء، وكلّ الكمالات التي كانت متفرّقة في الأنبياء واجتمعت في رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ورثها الإمام المهدي (عليه السلام)، وهو سفير الله تعالى وخليفته المعصوم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، ولا يتمُّ الارتباط به (عليه السلام) إلَّا عبر التمسّك بمشروعه ونهجه، وهو المرجعية الذي قال (عليه السلام) عنها: (وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنَّهم حجَّتي عليكم وأنا حجَّة الله عليهم)(34)، فإذا أراد الإنسان أن يتمسَّك بالإمام (عليه السلام) فعليه بالتمسّك بالمراجع العظام الجامعين للشرائط، وعلى الإنسان أن يُتعِب نفسه في تشخيص الأعلم منهم حتَّى يُقلِّده ليكون بذلك مرتبطاً بالإمام المهدي (عليه السلام).
صفات أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام):
ويمكن أن يُعرَف شيء عن كمالات الإمام المهدي (عليه السلام) عن طريق معرفة أصحابه، فقد ورد أنَّ (قلوبهم أشدّ من زبر الحديد لا يشوبها شكٌّ في ذات الله)(35)، أي إنَّهم بلغوا الذروة في التوحيد ويوحّدونه توحيداً كاملاً، وبما أنَّ كمال توحيده الإخلاص له(36)، إذن فعندهم تمام الإخلاص لله تعالى، ولذا وصفتهم الروايات بأنَّهم: (يتمسَّحون بسرج الإمام (عليه السلام) يطلبون بذلك البركة، ويحفّون به يقونه بأنفسهم في الحروب، ويكفونه ما يريد منهم، رجال لا ينامون الليل، لهم دويٌّ في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(34) كمال الدين: 484/ باب 45/ ح 4.
(35) بحار الأنوار 52: 308/ ح 82.
(36) نهج البلاغة: 39/ الخطبة 1.
صلاتهم كدويِّ النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل ليوث بالنهار...)(37)، (لا يستوحشون من أحد ولا يفرحون بأحد)(38)، وصف دقيق لا يفرحون بمن أتاهم ولا يستوحشون بمن تركهم، لأنَّ عزَّتهم لله تعالى وإمامه، فهم ليسوا كسائر الناس إذا دخل عليهم أحد فرحوا وإذا تركهم استوحشوا، فقد بلغت بهم درجة الأُنس بالله إلى حدِّ الارتواء.
ويُعطى كلّ شخص منهم سيف مكتوب على كلّ سيف كلمة يفتح ألف كلمة(39)، وهذا ليس فيه مبالغة فإنَّ في زماننا يوجد ما يشابهه لا ما يماثله، فيستطيع الإنسان أن يرتبط بواسطة جهاز صغير بآلاف الكلمات فيها علوم الدنيا، فالإمام (عليه السلام) يزوِّد أصحابه بأسرار تشتمل على كلّ ما يحتاجون إليه في طريق الفتح ونشر كلمة الله تعالى من الفقه والعقائد والسياسة والإدارة وأسرار الطبيعة وغير ذلك من العلوم.
إذن ليس في هذه الرواية أيُّ غرابة ولا ما يوجد الاستيحاش، فقد جاء في رواية أُخرى: (... ويبعث - أي المهدي (عليه السلام) - جنداً إلى القسطنطينية، فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشوا على الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء، فكيف هو؟! فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة، فيدخلونها فيحكمون فيها ما يريدون)(40).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(37) بحار الأنوار 52: 308/ ح 82.
(38) مستدرك الحاكم 4: 554.
(39) بصائر الدرجات: 331/ باب 18/ ح 11.
(40) الغيبة للنعماني: 334/ باب 21/ ح 8.
إذن إذا كان أصحابه (عليه السلام) لهم هذه القدرة، فكيف بقدرته (عليه السلام)، فقد ورد أنَّه (عليه السلام) يرقى في الأسباب(41)، والألف واللام إذا دخلت على الجمع فإنَّها تدلُّ على العموم، يعني يسهِّل الله له كلّ أسباب السماوات والأرض، ومعناه أنَّه سينفتح على كلّ المجرّات.
فقد اكتشف العلم الحديث عدَّة مجرّات، ولكن لم يستطع الإنسان الصعود إلَّا إلى القمر، والإمام (عليه السلام) سيُخضِع اللهُ له كلّ الأسباب أسباب السماوات والأرض ويرقى فيها، ومن الممكن أن ينفتح على كلّ المجرّات بحيث يمكن السفر إليها.
جاء في الرواية عن أبان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (العلم سبعة وعشرون جزءاً فجميع ما جاءت به الرسل جزءان، فلم يعرف الناس حتَّى اليوم غير الجزءين، فإذا قام القائم أخرج الخمسة والعشرين جزءاً فبثَّها في الناس، وضمَّ إليها الجزءين، حتَّى يبثّها سبعة وعشرين جزءاً)(42).
إذن ستحصل هناك طفرة وإعجاز عند الإمام المهدي (عليه السلام)، ومعجزته أنَّه سيأتي بأُمور خارقة للعادة أفضل من أرقى شيء موجود في زماننا هذا.
كرامات الإمام المهدي (عليه السلام):
الكرامة الأولى: أنَّه (عليه السلام) تظلّله غمامة، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنَّه قال: (يخرج المهدي وعلى رأسه غمامة فيها ملك ينادي: هذا خليفة الله المهدي فاتَّبعوه)(43).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(41) بصائر الدرجات: 429/ باب 15/ ح 1.
(42) الخرائج والجرائح 2: 841/ ح 59.
(43) الصراط المستقيم 2: 259/ ح 3؛ كشف الغمّة 3: 270؛ الفصول المهمّة 2: 1117؛ ينابيع المودَّة 3: 392/ ح 37.
يقول العلماء عن معنى أنَّ المهدي (عليه السلام) خليفة الله: الخليفة من المفاهيم الإضافية، فإنَّ هناك مفاهيم إضافية وأُخرى غير إضافية، المفهوم الإضافي يتعلَّق بطرفين يعني حين نقول مثلاً: فلان أب، يعني عنده ولد، وحينما نقول: خليفة فلان، يعني عنده خليفة ومستخلَف، هنا يقول العلماء: لا بدَّ أن تكون بين المستخلِف والمستخلَف الإضافي مناسبة وشدَّة ارتباط، فالخليفة هو الشخص الثاني الذي يقوم مقام الأوّل إمَّا لموته أو لعجزه أو تعظيماً وتكريماً له، والمعنى الذي ينطبق على الإمام المهدي (عليه السلام) هو الثالث، لأنَّ الله تبارك وتعالى موجود، وهو قادر على كلّ شيء، إذن فإنَّه تعالى جعل المهدي (عليه السلام) خليفة عنه تكريماً وتعظيماً له.
الكرامة الثانية: أنَّه (عليه السلام) يوزِّع على أصحابه سيوفاً، لكن سيوف خاصّة، فعن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: (سيبعث الله ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً إلى مسجد بمكّة يعلم أهل مكّة أنَّهم لم يولدوا من آبائهم ولا أجدادهم، عليهم سيوف مكتوب عليها ألف كلمة، كلّ كلمة مفتاح ألف كلمة، ويبعث الله الريح من كلّ وادٍ تقول: هذا المهدي يحكم بحكم داود ولا يريد بيّنة)(44).
الكرامة الثالثة: أنَّه (عليه السلام) ينشر القُضاة في الأرض كلّها، فعن محمّد بن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليه السلام) قال: (إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كلّ إقليم رجلاً يقول: عهدك في كفّك، فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفّك واعمل بما فيها)(45).
الكرامة الرابعة: أنَّه (عليه السلام) يُرسِل بعض أصحابه ليقضي بين الملائكة، فعن محمّد بن فضيل، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: (إذا قام القائم، يأمر الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(44) الغيبة للنعماني: 328 و329/ باب 20/ ح 7.
(45) الغيبة للنعماني: 334/ باب 21/ ح 8.
الملائكة بالسلام على المؤمنين، والجلوس معهم في مجالسهم، فإذا أراد واحد حاجة أرسل القائم من بعض الملائكة أن يحمله، فيحمله الملك حتَّى يأتي القائم، فيقضي حاجته ثمّ يردّه، ومن المؤمنين من يسير في السحاب، ومنهم من يطير مع الملائكة، ومنهم من يمشي مع الملائكة مشياً، ومنهم من يسبق الملائكة، ومنهم من تتحاكم الملائكة إليه، والمؤمنون أكرم على الله من الملائكة، ومنهم من يصيّره القائم قاضياً بين مائة ألف من الملائكة)(46).
الكرامة الخامسة: أنَّه (عليه السلام) يبثُّ في الناس أجزاء العلم كلّها، فعن أبان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (العلم سبعة وعشرون جزءاً، فجميع ما جاءت به الرسل جزءان، فلم يعرف الناس حتَّى اليوم غير الجزءين، فإذا قام القائم (عليه السلام) أخرج الخمسة والعشرين جزءاً فبثَّها في الناس، وضمَّ إليها الجزءين حتَّى يبثّها سبعة وعشرين جزءاً)(47)، فنحن في هذا العصر ننهل من جزءين من أجزاء العلم فقط ومع ذلك وصلت البشرية إلى السماء وصعدوا إلى القمر، فكيف بخمسة وعشرين ما يعملون!؟ لعلَّه ستصل للمجرّات، والله أعلم.
الكرامة السادسة: أنَّه (عليه السلام) يجمع عقول الناس ويكمل أحلامهم، فعن مولى لبني شيبان، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع به عقولهم وكملت بها أحلامهم)(48)، وقضيّة تحدّث الناس مع الملائكة ومع الأنبياء في عصره (عليه السلام) تدلُّ على أنَّ المجتمع سيكون مجتمعاً مثالياً، يتكامل تدريجاً إلى أن يصل إلى درجة من درجات العصمة فيصبح مجتمعاً معصوماً، وهذا التكامل هو ببركة الإمام المهدي (عليه السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(46) دلائل الإمامة: 454 و455/ ح (434/38).
(47) الخرائج والجرائح 2: 841/ ح 59.
(48) كمال الدين: 675/ باب 58/ ح 30.
مقامات الإمام المهدي (عليه السلام):
أمَّا مقاماته (عليه السلام) فهي عظيمة وكثيرة جدَّاً، ولكن قبل الدخول في حديث مقامات الإمام (عليه السلام) لا بدَّ من معرفة معنى الإمامة، فنقول: إنَّ الإمامة منصب إلهي وواسطة الفيض، وأداء مهام الإمامة لا يشترط فيه أن يكون الإمام ظاهراً ومعروفاً، فقد ورد أنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) فيه سُنَّة من نبيّ الله يوسف (عليه السلام)، لأنَّه يعرف الناس وهم لا يعرفونه(49)، فهو (عليه السلام) يقوم بتمام دوره من دون أن يعرفه الناس كما قام نبيّ الله يوسف (عليه السلام) بدوره من دون أن يعرفه أحد.
فلا يقال: ما هي فائدة وجود الإمام وهو غائب؟ فإنَّه يقال: إنَّه (عليه السلام) واسطة الفيض، وواسطة وصول الخير، كما أنَّ معرفته شرط في صحَّة الأعمال لقوله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)(50)، فلا بدَّ من وجوده حتَّى نعرفه وإن كان غائباً. ثمّ إنَّ ليلة القدر مستمرّة فعلى من تنزل الملائكة والروح؟ تنزل على قلبه المقدَّس(51).
ثمّ إنَّ سُنَّة الغيبة هي سُنَّة الأنبياء (عليهم السلام)، فنبيّ الله موسى (عليه السلام) غاب عن قومه، وكذلك يوسف (عليه السلام) وآخرون غابوا أيضاً، وهؤلاء هم حجج الله تعالى على الخلق، ولذلك لا بدَّ أن تسري سنن الأنبياء على الإمام المهدي (عليه السلام) لأنَّه حجَّة الله في أرضه كما كان الأنبياء حجج الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(49) راجع: الإمامة والتبصرة: 121/ ح 117.
(50) رواه الخاصّة والعامّة بألفاظ مختلفة، فراجع: المحاسن للبرقي 1: 154/ ح 78؛ قرب الإسناد: 351؛ الكافي 1: 377/ باب من مات وليس له إمام.../ ح 3؛ كمال الدين: 409/ باب 38/ ح 9؛ مسند أحمد 4: 96؛ صحيح ابن حبّان 10: 434؛ المعجم الكبير للطبراني 19: 388؛ مسند أبي يعلى 13: 366/ ح 7375؛ وغيرها من المصادر.
(51) عن ابن عبّاس، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه قال: (إنَّ ليلة القدر في كلّ سنة، وإنَّه ينزل في تلك الليلة أمر السنة، وإنَّ لذلك الأمر ولاة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم))، فقلت: من هم؟ فقال: (أنا وأحد عشر من صلبي أئمّة محدَّثون). (الكافي 1: 247/ باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر/ ح 2).
ومن سنن الأنبياء (عليهم السلام) أنَّهم قاموا بأدوار خفيّة عظمى يتوقَّف عليها صلاح المجتمع من دون أن يُعرفوا، وكذلك يقوم الإمام المهدي (عليه السلام) بأدوار خفيّة في غيبته سوف نُشير إليها في فصول قادمة إن شاء الله تعالى.
أدلَّة وجود الإمام المهدي (عليه السلام):
إنَّ الأدلَّة على وجود الإمام المهدي (عليه السلام) على نوعين: أدلَّة عقلية، وأدلَّة نقلية، نستعرضها تباعاً:
الأدلَّة العقلية (عليه السلام):
نذكر من الأدلة العقلية دليلاً واحداً دلَّت عليه قاعدة اللطف المعروفة ونذكره ضمن مقدّمات:
المقدّمة الأُولى: أنَّ الله تبارك وتعالى خلق الخلق لهدايتهم وإخراجهم من الظلمات، لا ليستغني بهم أو ليعذبهم.
المقدّمة الثانية: إخراج الخلق من الظلمات إلى النور حتَّى يصلوا إلى الكمال يتوقَّف على وجود مربّي عالم متَّصف بالكمال، وهذا العالم الذي يريد أن يوصلنا إلى الكمال ويُخرجنا من الظلمات بحكم العقل لا بدَّ أن يكون متَّصفاً بالكمال والعدل حتَّى يملأها قسطاً وعدلاً. فلا يمكن عقلاً أن يُرسِل الله (عزَّ وجلَّ) لنا من يظلم ومن يعمل صالحاً وسيّئاً ويكلِّفه بأن يُخرجنا من الظلمات إلى النور وأن يملأها قسطاً وعدلاً، ففاقد الشيء لا يُعطيه، وقد جسَّد ذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وبعده خلفاؤه الأئمّة الراشدون الطاهرون الكاملون بالعلم والعصمة، وحيث استشهد الأئمّة الأحد عشر الأئمّة الأطهار ولا يمكن أن تخلو الأرض من كامل عظيم معصوم يُخرج الناس من الظلمات إلى النور لأنَّ خلوّها مع استمرار التكليف وامتداد العباد يلزم نقض الغرض الإلهي وهذا عقلاً لا يكون، فلا بدَّ من وجود الإمام الكامل المعصوم الذي به يتحقَّق الغرض الإلهي الذي هو
إخراج الناس من الظلمات إلى النور ويعينهم على الطاعة ويبعدهم عن المعصية من دون إلجاء، وهذا معنى اللطف الذي أشار إليه العلَّامة في التجريد، فإذن العقل يعطينا دليلاً على وجوده (عليه السلام) ضمن المقدّمات المذكورة. نعم العقل لا يُحدِّد لنا اسمه الشريف، وهذا ما يتوفَّر عليه الدليل النقلي القطعي الدالّ على اسمه المبارك وعلى وجوده الشريف المبارك وعلى كمالاته وعصمته.
إذن من باب اللطف لا بدَّ أن يوجِد لنا ربّ العالمين بين ظهرانينا شخصاً كاملاً عالماً، وهذا الشخص هو المعصوم، فكما أنَّ العقل يدرك أنَّ الله تبارك وتعالى لا بدَّ أن يوجِد ويوفّر للخلق أسباب تكاملهم من عيون تبصر وآذان تسمع، فكذلك لا بدَّ من أن يوجِد لهم ما به يتكاملون من الناحية المعنوية وهو وجود الإمام المعصوم (عليه السلام).
ولم يفهم أبناء العامّة مقصودنا من قاعدة اللطف، فقالوا: كيف تقولون: يجب على الله أن يوجِد الإمام؟ الجواب: أنَّنا لا نقصد بذلك إصدار الحكم بل نقصد به الإدراك(52)، أي إنَّ عقولنا تدرك أنَّ الله تبارك وتعالى لا يخلّ بهذا الواجب الذي يدرك العقل أنَّه ينبغي فعله، فعلى سبيل المثال لو أنَّ رجلاً فقيراً طرق باب الكريم، والكريم عنده خير كثير، فهل يُعطيه أم لا؟ الجواب أنَّك تدرك بأنَّ الكريم سوف يُعطي الفقير قطعاً.
الأدلَّة النقلية:
أمَّا الأدلَّة النقلية على وجود الإمام المهدي (عليه السلام) فهي على نوعين: أدلَّة عامّة، وأدلَّة خاصّة، وهي كما يلي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(52) للاطّلاع بشكل مفصَّل على قاعدة اللطف، راجع كتاب: عوائد الأيّام للمحقِّق النراقي: 705 - 710.
الأدلَّة النقلية العامّة:
هناك عدَّة روايات متواترة تدلُّ على وجود الإمام المهدي (عليه السلام)، منها:
الدليل الأوّل: حديث الثقلين المروي عند الفريقين بألفاظ مختلفة، منها: ما رواه الصفّار في (بصائر الدرجات): عن جابر، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): (دعا رسول الله أصحابه بمنى، قال: يا أيّها الناس، إنّي تاركٌ فيكم الثقلين، أَمَا إن تمسَّكتم بهما لن تضلّوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنَّهما لن يفترقا حتَّى يردا عليَّ الحوض)(53).
ومنها: ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده: عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): (إنّي تاركٌ فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، وإنَّهما لن يفترقا حتَّى يردا عليَّ الحوض)(54).
وقد أكَّد علماء الفريقين على تواتره، إذ أنَّ فيه نيفاً وثلاثين طريقاً لدى الفريقين(55)، ولا بأس بأن ننقل هنا ما كتبه ابن حجر في كتابه الصواعق المحرقة حول هذا الحديث مع أنَّه كتب كتابه ردَّاً على الشيعة، قال: (والحاصل أنَّ الحثّ وقع على التمسّك بالكتاب وبالسُّنَّة والعلماء بهما من أهل البيت، ويُستفاد من مجموع ذلك بقاء الأُمور الثلاثة إلى قيامة الساعة...)، إلى أن قال: (وفي أحاديث الحثّ على التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهِّل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة كما أنَّ الكتاب العزيز كذلك)(56).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(53) بصائر الدرجات: 433/ باب 17/ ح 3.
(54) مسند أحمد 3: 14؛ وراجع: بصائر الدرجات: 432 - 434/ باب 17/ ح 1 - 6؛ أمالي الصدوق: 500/ ح (686/15)؛ الغيبة للنعماني: 63/ باب 3/ ح 7؛ مسند أحمد 3: 14؛ فضائل الصحابة للنسائي: 15؛ مستدرك الحاكم 3: 109؛ المعجم الكبير للطبراني 5: 154/ ح 4923.
(55) راجع: غاية المرام 2: 304 - 320.
(56) أُنظر: الصواعق المحرقة 2: 439 - 442.
إنَّ حديث الثقلين يفيدنا أنَّ كتاب الله تعالى وأهل البيت (عليهم السلام) لن يفترقا، فكما أنَّ الكتاب باقٍ في هذه الأُمَّة إلى يوم القيامة فكذلك سيبقى عالم به من العترة إلى يوم القيامة، وإلَّا لو لم يكن كذلك لافترقا، إذن حديث الثقلين يدلُّ على أنَّه يوجد من العترة من هو عارف وحافظ وعالم للكتاب العزيز، وهذا ما تقوله الشيعة وتُشخِّص ذلك الشخص في الإمام المهدي (عليه السلام).
الدليل الثاني: حديث الاثني عشر المروي أيضاً بألفاظ مختلفة عند الفريقين، منها: ما رواه الصدوق (رحمه الله) في أماليه: عن ثابت بن دينار، عن سيّد العابدين علي بن الحسين، عن سيّد الشهداء الحسين بن علي، عن سيّد الأوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (الأئمّة من بعدي اثنا عشر، أوّلهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها)(57).
ومنها: ما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) يقول: (لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة)، ثمّ قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: (كلّهم من قريش)(58).
الدليل الثالث: حديث (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)، أيضاً رواه الفريقان بألفاظ مختلفة، منها: ما رواه البرقي (رحمه الله) في (المحاسن): عن بشير الدهّان، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (من مات وهو لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية)(59).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(57) أمالي الصدوق: 172 و173/ ح (175/11).
(58) صحيح مسلم 6: 3؛ وراجع: كفاية الأثر: 17؛ مناقب آل أبي طالب 1: 258؛ صحيح البخاري 8 : 127؛ مسند أحمد 5: 92؛ سنن الترمذي 3: 340/ ح 2323.
(59) المحاسن 1: 154/ ح 78.
ومنها: ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده: عن معاوية، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): (من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية)(60).
وهذا الحديث يدلُّ على ضرورة أن يكون هناك إمام لكلّ زمان، وإمام زماننا هو الإمام الحجَّة بن الحسن المهدي (عليه السلام).
الدليل الرابع: أحاديث (لا تخلو الأرض من حجَّة) المتواترة معنىً عند الشيعة، فقد روى الصفّار (رحمه الله) في (بصائر الدرجات): عن سليمان الجعفري، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام)، قلت: (تخلو الأرض من حجَّة الله؟)، قال: (لو خلت الأرض طرفة عين من حجَّة لساخت بأهلها)(61).
وروى الصدوق (رحمه الله) في (كمال الدين): عن إبراهيم بن أبي محمود، قال: قال الرضا (عليه السلام): (نحن حجج الله في خلقه، وخلفاؤه في عباده، وأمناؤه على سرّه، ونحن كلمة التقوى، والعروة الوثقى، ونحن شهداء الله وأعلامه في بريَّته، بنا يمسك الله السماوات والأرض أن تزولا، وبنا يُنزل الغيث وينشر الرحمة، ولا تخلو الأرض من قائم منّا ظاهر أو خاف، ولو خلت يوماً بغير حجَّة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله)(62)، إذن الأرض اليوم فيها حجَّة، وهو الإمام الحجَّة بن الحسن المهدي (عليه السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(60) مسند أحمد 4: 96؛ وراجع: قرب الإسناد: 351؛ الكافي 1: 377/ باب من مات وليس له إمام.../ ح 3؛ كمال الدين: 409/ باب 38/ ح 9؛ صحيح ابن حبّان 10: 434؛ المعجم الكبير للطبراني 19: 388؛ مسند أبي يعلى 13: 366/ ح 7375.
(61) بصائر الدرجات: 509/ باب 12/ ح 8.
(62) كمال الدين: 202 و203/باب 21/ ح 6؛ وراجع: نهج البلاغة 4: 37/ ح 147؛ بصائر الدرجات: 507 و508/ باب 11/ ح 1 - 5؛ الكافي 1: 178 و179/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة/ ح 1 - 13؛ علل الشرائع 1: 195 - 201/ باب 153/ ح 1 - 32.
الأدلَّة النقلية الخاصّة: (63)
وهذه الروايات التي نذكرها مع ضميمة أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة تفيد المطلوب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(63) حوار مع بعض أبناء العامّة:
التقيت به في بعض أسفاري، فقال لي: ما دليلكم على أنَّ المهدي مولود؟ قلت له: قبل أن أُعطيك دليلاً على ذلك، أعطني أنت دليلاً على أنَّ مثل سلمان الفارسي (رضي الله عنه) كان موجوداً مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم). قال: وجوده ممَّا لا شكَّ فيه، فهناك روايات كثيرة تثبت أنَّه كان موجوداً وصاحَب النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم). قلت: كم عدد تلك الروايات؟ مائة أو خمسمائة رواية؟ فأنا أُعطيك روايات كثيرة عن حقيقة الإمام المهدي (عليه السلام) وضرورة وجوده، وأنَّه التاسع من ولد الحسين (عليه السلام). فإذا كانت أدلَّة وجود سلمان المحمّدي (رضي الله عنه) عشرين رواية مثلاً أو أكثر فإنَّ الروايات الدالّة على وجود الإمام المهدي (عليه السلام) أكثر من ذلك بمراتب حيث إنَّها تبلغ المئآت، وإن شئت أن تطَّلع عليها فقم بمراجعة سريعة لكتاب (منتخب الأثر) لأحد مراجع الشيعة وهو آية الله العظمى الشيخ لطف الله الصافي، فبحمد الله الشيعة ليست فرقة باطنية حتَّى تخاف من إبراز عقائدها، فالشيعة فرقة واضحة في أُصولها وفروعها ومبانيها وأدلَّتها مذكورة في الكتب المعدّة لذلك، والإمامة عندنا أصل من الأُصول وهو معتقد أساسي لا تُقبل الأعمال إلَّا بمعرفة الإمام والاعتقاد به.
وجدير بنا أن نذكر هنا أنَّ آية الله الصافي ذكر في كتابه (منتخب الأثر) ما يقارب (2305) حديثاً جاء فيها ذكر نسب الإمام المهدي (عليه السلام)، وهي: (225) حديث في أنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) من ولد أمير المؤمنين (عليه السلام)، (202) حديث في أنَّه من ولد الزهراء (عليها السلام)، (125) حديث في أنَّه من أولاد السبطين الحسن والحسين (عليهما السلام)، (208) حديث في أنَّه من ولد الحسين (عليه السلام)، (165) حديث في أنَّه من الأئمّة التسعة من ولد الحسين (عليهم السلام)، (160) حديث في أنَّه التاسع من ولد الحسين (عليه السلام)، (197) حديث في أنَّه من ولد زين العابدين (عليه السلام)، (121) حديث في أنَّه السابع من ولد الباقر (عليه السلام)، (120) حديث في أنَّه من ولد الصادق (عليه السلام)، (112) حديث في أنَّه السادس من ولد الصادق (عليه السلام)، (121) حديث في أنَّه من صلب الإمام الكاظم (عليه السلام)، (115) حديث في أنَّه الخامس من ولد السابع موسى بن جعفر (عليه السلام)، (111) حديث في أنَّه الرابع من ولد الرضا (عليه السلام)، (109) حديث في أنَّه من ولد الإمام الجواد (عليه السلام)، (107) حديث في أنَّه من ولد الهادي (عليه السلام)، (107) حديث في أنَّه خلف خلف أبي الحسن الهادي وابن أبي محمّد الحسن العسكري (عليهما السلام).
الدليل الأوّل: الأحاديث القائلة بأنَّ المهدي (عليه السلام) هو التاسع من ولد الحسين (عليه السلام)، فعن سلمان الفارسي (رضي الله عنه)، قال: دخلت على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) فإذا الحسين بن علي على فخذه، وهو يُقبِّل عينيه ويلثم فاه، ويقول: (أنت سيّد ابن سيّد، أنت إمام ابن إمام أبو أئمّة، أنت حجَّة الله ابن حجَّته وأبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم)(64).
وعن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) أنَّه قال: (... ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيّدة الإماء، يُطيل الله عمره في غيبته، ثمّ يُظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلك ليُعلم أنَّ الله على كلّ شيء قدير)(65).
وعن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (يكون تسعة أئمّة بعد الحسين بن علي، تاسعهم قائمهم)(66).
الدليل الثاني: الأحاديث القائلة بأنَّ المهدي (عليه السلام) هو السادس من ولد الصادق (عليه السلام)، فعن سليمان الديلمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (... ذلك صاحبكم القائم بأمر الله (عزَّ وجلَّ) السادس من ولدي...)(67).
الدليل الثالث: الأحاديث القائلة بأنَّ المهدي (عليه السلام) هو الخامس من ولد السابع، فعن صفوان بن مهران، عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) أنَّه قال: (من أقرَّ بجميع الأئمّة وجحد المهدي كان كمن أقرَّ بجميع الأنبياء وجحد محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) نبوَّته)، فقيل له: يا ابن رسول الله،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(64) الإمامة والتبصرة: 110/ ح 96.
(65) كمال الدين: 316/ باب 30/ ح 2.
(66) الكافي 1: 533/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 15.
(67) مقتضب الأثر: 40.
فمن المهدي من ولدك؟ قال: (الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه ولا يحلُّ لكم تسميته)(68).
وعن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام)، قال: (إذا فُقِدَ الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلكم عنها أحد، يا بني إنَّه لا بدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتَّى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنَّما هو محنة من الله (عزَّ وجلَّ) امتحن بها خلقه، لو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحُّ من هذا لاتَّبعوه)، قال: فقلت: يا سيّدي، من الخامس من ولد السابع؟ فقال: (يا بني، عقولكم تصغر عن هذا، وأحلامكم تضيق عن حمله، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه)(69).
الدليل الرابع: الأحاديث القائلة بأنَّ المهدي (عليه السلام) هو الرابع من ولد الإمام الرضا (عليه السلام)، فعن الحسين بن خالد، قال: قال علي بن موسى الرضا (عليهما السلام): (لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقيَّة له، إنَّ أكرمكم عند الله أعملكم بالتقيَّة)، فقيل له: يا ابن رسول الله، إلى متى؟ قال: (إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت، فمن ترك التقيَّة قبل خروج قائمنا فليس منّا)، فقيل له: يا ابن رسول الله، ومن القائم منكم أهل البيت؟ قال: (الرابع من ولدي، ابن سيّدة الإماء، يُطهِّر الله به الأرض من كلّ جور، ويُقدِّسها من كلّ ظلم...)(70).
الدليل الخامس: الأحاديث القائلة بأنَّ المهدي (عليه السلام) هو ابن الحسن العسكري (عليه السلام)، فعن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(68) كمال الدين: 333/ باب 33/ ح 1.
(69) الكافي 1: 336/ باب في الغيبة/ ح 2.
(70) كمال الدين: 372/ باب 35/ ح 5.
دخلت على أبي محمّد الحسن بن علي (عليهما السلام) وأنا أُريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدئاً: (يا أحمد بن إسحاق، إنَّ الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم (عليه السلام) ولا يُخليها إلى أن تقوم الساعة من حجَّة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه يُنزِّل الغيث، وبه يُخرج بركات الأرض).
قال: فقلت له: يا ابن رسول الله، فمن الإمام والخلف من بعدك؟ فنهض (عليه السلام) مسرعاً فدخل البيت، ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كأنَّ وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء الثلاث سنين.
فقال: (يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله (عزَّ وجلَّ) وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنَّه سميّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وكنيّه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً، يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الأُمّة مثل الخضر (عليه السلام)، ومثله مثل ذي القرنين، والله ليغيبنَّ غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلَّا من ثبَّته الله (عزَّ وجلَّ) على القول بإمامته، وفَّقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه).
فقال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي، فهل من علامة يطمئنُّ إليها قلبي؟ فنطق الغلام (عليه السلام) بلسان عربي فصيح فقال: (أنا بقيّة الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق).
فقال أحمد بن إسحاق: فخرجت مسروراً فرحاً، فلمَّا كان من الغد عدت إليه فقلت له: يا ابن رسول الله، لقد عظم سروري بما مننت به عليَّ، فما السُنَّة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟
فقال: (طول الغيبة يا أحمد).
قلت: يا ابن رسول الله، وإنَّ غيبته لتطول؟
قال: (إي وربّي حتَّى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، ولا يبقى إلَّا من أخذ الله (عزَّ وجلَّ) عهده لولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان، وأيَّده بروح منه، يا أحمد بن إسحاق هذا أمر من أمر الله، وسرٌّ من سرِّ الله، وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين تكن معنا غداً في علّيين)(71).
معطيات رواية ابن إسحاق:
ويوجد في هذه الرواية عدَّة نقاط لا بدَّ من الالتفات إليها:
النقطة الأُولى: أنَّ الإمام (عليه السلام) يقول: (حتَّى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به)، وليس مراد الإمام أبناء العامّة لأنَّهم لم يُؤمنوا بولادته، وإنَّما مراده الشيعة القائلون بولادته (عليه السلام)، فالله تعالى جعل الإمام المهدي (عليه السلام) امتحاناً للشيعة لن يثبت على القول بإمامته إلَّا من سبقت له من الله تعالى العناية.
النقطة الثانية: أنَّ الإمام العسكري (عليه السلام) قد بيَّن في هذه الرواية فوائد وجود الإمام (عليه السلام) حتَّى لو كان غائباً عن الأنظار، والفوائد هي:
الفائدة الأولى: به يدفع الله البلاء. الفائدة الثانية: به يُنزل الغيث. الفائدة الثالثة: به تخرج الأرض بركاتها. كما جاءت الإشارة إلى ذلك في توقيع الإمام المهدي (عليه السلام) للشيخ المفيد (رحمه الله): (... إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء أو اصطلمكم الأعداء...)(72).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(71) كمال الدين: 384 و385/ باب 38/ ح 1.
(72) الاحتجاج 2: 323.
النقطة الثالثة: أنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) سيغيب غيبة طويلة يحتار فيها الشيعة ولا ينجو منها إلَّا من سبقت له من الله العناية وأَكْثَرَ من الدعاء بتعجيل الفرج، فقد قال فيها: (والله ليغيبنَّ غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلَّا من ثبَّته الله (عزَّ وجلَّ) على القول بإمامته، وفَّقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه).
إذن سوف ينحرف الكثير من الشيعة عن الحقيقة، كما انحرف أحمد الكاتب الذي كان شيعياً من مدينة كربلاء وقال بأنَّ وجود الحجَّة بن الحسن (عليه السلام) وهمٌ، فلا استغراب في ذلك بعد الإشارة إلى ذلك في الروايات.
والمنجي للإنسان من الهلكة هو الالتفات إلى قول أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل: (النَّاسُ ثَلاَثَةٌ: فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيل نَجَاةٍ، وَهَمَجٌ رُعَاعٌ، أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيح، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ)(73).
إذ أنَّ المراد بالعالم الربّاني هو العالم الفقيه المتَّقي الذي يدعو إلى الله ورسوله وأهل البيت (عليهم السلام)، وهو الذي يكون مصداقاً لقوله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (آل عمران: 146).
والمراد بالمتعلِّم ذلك الذي يتبع العلماء ويجالسهم ويزاحمهم بركبته ويحضر مجالسهم ويكون على اتّصال دائم بهم، فهو على سبيل نجاة لأنَّه يسأل عن الصغيرة والكبيرة، وهو في ازدياد يوماً بعد يوم، قال لي البعض: احضر لنا أحاديث في الإمام المهدي (عليه السلام) لم نسمعها، فهذا الشخص في ازدياد لأنَّه يريد أن يتعلَّم الأحاديث التي لم يسمعها، إذن فهو متعلِّم على سبيل نجاة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(73) نهج البلاغة 4: 35 و36/ ح 147.
والذي يُخاف عليه هو الذي يكون من القسم الثالث أي همج رعاع ينعقون مع كلّ ناعق، فلو سأله عن سبب تشيّعه لأجابك لأنَّه وُلِدَ في مجتمع شيعي، وهو يسمع الشبهة فتترسَّخ في ذهنه ولا يسأل عنها العالم حتَّى يجيبه عنها(74).
فهذا أحمد بن إسحاق رغم أنَّه كان من وجهاء الشيعة ومع ذلك فقد طالب بدليل على إمامة الإمام المهدي (عليه السلام) لكي يطمئنَّ قلبه، فيفهم من ذلك أنَّه ينبغي للشيعي أن يكون باحثاً عن الحقيقة وعن زيادة اليقين فيسأل عن العالم الفلاني ما هي خدماته وكتبه وتلامذته، ليس تشكيكاً به بل لاطمئنان قلبه حتَّى يكون مصداقاً لقوله (عليه السلام): (وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ).
تحصَّل أنَّ الذي لا يُخاف عليه هو العالم الربّاني والمتعلِّم، والذي يُخاف عليه هو الهمج الرعاع والعالم غير الربّاني، فقد ورد عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنَّه قال: (إذا قام القائم (عليه السلام) سار إلى الكوفة، فيخرج منها
بضعة عشر ألف نفس يدعون البترية عليهم السلاح، فيقولون له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتَّى يأتي على آخرهم)(75)، فهم يظنّون أنَّه لا حاجة للإمام (عليه السلام) مع وجودهم، لأنَّهم يحلّون مشاكل الناس ويقضون حوائجهم.
وتكليفنا في عصر الغيبة هو أن نتعلَّم ونتفقَّه، فقد ورد عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: (لوددت أنَّ أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتَّى يتفقَّهوا)(76).
أسباب الثبات على العقيدة:
من أسباب الثبات على القول بإمامته (عليه السلام) الإكثار في الدعاء بتعجيل فرجه (عليه السلام)، كالدعاء المروي في الكافي: (اللَّهُمَّ كُنْ لِوَلِيَّكَ فُلَانِ بْن فُلَانٍ [الْحُجَّةِ بْن الْحَسَنِ] فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وفِي كُلِّ سَاعَةٍ وَلِيَّاً وَحَافِظَاً وَنَاصِرَاً وَدَلِيلَاً وَقَاعِدَاً وَعَوْنَاً وَعَيْنَاً حَتَّى تُسْكِنَهُ أَرْضَكَ طَوْعَاً وَتُمَتِّعَهُ فِيهَا طَويلَاً)(77)، فيجب على الجميع أن يواظب على قراءة هذا الدعاء في جميع الآناء لأنَّه سبب من أسباب الثبات على القول بإمامته (عليه السلام).
نعوذ بالله من أن نكون من الذين ينكرون أو يشكّكون في وجود الإمام المهدي (عليه السلام)، فالذين ينكرونه ليس لأنَّه لا يوجد دليل على وجوده (عليه السلام) بل الأدلَّة كثيرة جدَّاً كما تقدَّمت الإشارة إليها، ولكن لأنَّ الله تعالى لم يؤيِّده بروح القُدُس ولم تسبق لهم من الله العناية، نسأل الله أن يثبتنا وإيّاكم على القول بولايته والبراءة من أعدائه، فقد ورد عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(74) شبهة الخمس وجوابها:
على سبيل المثال تُطرَح اليوم شبهة تقول: لماذا تُعطون خُمس أموالكم إلى وكلاء المراجع فيأكلونها عليكم؟ والجواب عليها أوضح من أن يخفى فإن نظرت إلى حياة المراجع العظام لرأيت أنَّهم أتقياء زُهّاد، فهذا السيّد البروجردي (رحمه الله) وهو مرجع الشيعة في زمانه والشهيد الصدر (رحمه الله) وهو مرجع أيضاً لم يملكوا بيتاً وعاشوا في بيوت مستأجرة، وكذلك سماحة السيّد السيستاني (دام ظلّه) لا يملك بيتاً ويعيش هو وأولاده في بيوت مستأجرة وهو المرجع العامّ في زمانه للشيعة، وكثير من الأعلام الأبرار، وفي مقابل ذلك أُنظر إلى ما خلَّفه السلاطين من القصور والأموال يتجلَّى لك أنَّ العلماء قد صرفوا الأموال التي تأتيهم من المؤمنين على مصالح الشيعة من بناء المساجد والحسينيات وتزويج الفقراء والمساكين وتشييد الحوزات العلمية وغير ذلك. وعلى الإنسان أن يُعطي خُمس أمواله إلى الوكيل الذي يثق به، وأن يأخذ بذلك وصلاً استجابةً لدعوة المراجع العظام إلى أخذ الوصولات عند إعطاء الخُمس إلى الوكلاء، فهذه الشبهة أوهن من بيت العنكبوت.
(75) الإرشاد 2: 384.
(76) الكافي 1: 31/ باب فرض العلم ووجوب طلبه والحثّ عليه/ ح 8.
(77) الكافي 4: 162/ باب الدعاء في العشر الأواخر من شهر رمضان/ ح 4.
صفوان بن يحيى، قال: قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): (والله لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتَّى تُمحّصوا وتُميّزوا، حتَّى لا يبقى منكم إلَّا الأندر فالأندر)(78).
لا يدري الإنسان المؤمن قد يصبح نتيجة للشبهات أو جلساء السوء أو القنوات الفضائية المشبوهة في شكٍّ من هذا الأمر، ومجرَّد الشكّ في وجود الإمام المهدي (عليه السلام) كافٍ لخروج الإنسان عن الصراط المستقيم، فلا بدَّ للإنسان أن يعتقد بوجوده (عليه السلام) اعتقاداً جازماً لا يشوبه أيّ شكّ، لأنَّ من أنكر واحداً من الأئمّة فقد أنكر الجميع، بل أنكر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كما جاء في الروايات، فعن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني)(79).
وعن موسى بن جعفر بن وهب البغدادي، قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن علي (عليهما السلام) يقول: (كأنّي بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف منّي، أَمَا إنَّ المقرَّ بالأئمّة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) المنكر لولدي كمن أقرَّ بجميع أنبياء الله ورسله ثمّ أنكر نبوَّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، والمنكر لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كمن أنكر جميع أنبياء الله، لأنَّ طاعة آخرنا كطاعة أوّلنا، والمنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا. أَمَا إنَّ لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلَّا من عصمه الله (عزَّ وجلَّ))(80).
ولذا أكَّد العلماء على قراءة دعاء العهد في كلّ يوم، وكذلك دعاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(78) الغيبة للنعماني: 216/ باب 12/ ح 15.
(79) كمال الدين: 412/ باب 39/ ح 8.
(80) كمال الدين: 409/ باب 38/ ح 8.
الندبة وزيارة آل ياسين، وقد أوصى الإمام المهدي (عليه السلام) بقراءة الزيارة الجامعة الكبيرة وزيارة عاشوراء وصلاة الليل كما جاء في كتاب نجم الثاقب للعلَّامة النوري (رحمه الله)(81).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(81) قال العلَّامة النوري (رحمه الله) في (النجم الثاقب 2: 273 - 277): الحكاية السبعون: قد تشرف بزيارة النجف الأشرف جناب المستطاب التقي الصالح السيّد أحمد بن السيّد هاشم بن السيّد حسن الرشتي ساكن رشت أيَّده الله قبل سبعة عشر سنة تقريباً. وقد جائني إلى المنزل مع العالم الربّاني والفاضل الصمداني الشيخ علي الرشتي طاب ثراه...، فلمَّا نهضنا للخروج نبَّهني الشيخ إلى أنَّ السيّد أحمد من الصلحاء المسدَّدين ولمح إليَّ أنَّ له قصَّة عجيبة ولم يسمح المجال حينها في بيانها. وبعد عدَّة أيّام من اللقاء قال لي الشيخ: إنَّ السيّد قد ذهب، ثمّ نقل لي جملة من حالات وأحوال السيّد مع قصَّته، فتأسَّفت لذلك كثيراً لعدم سماعي القصَّة منه شخصاً، ولو أنَّ مقام الشيخ (رحمه الله) أجلّ من أن ينقل شيئاً خلاف ما نُقِلَ له. وبقي هذا الموضوع في ذهني من تلك السنة وحتَّى جُمادى الآخرة من هذه السنة حيث كنت راجعاً من النجف الأشرف إلى الكاظمين فالتقيت بالسيّد الصالح المذكور وهو راجع من سامراء وكان عازماً على السفر إلى بلاد العجم، فسألته عن ما سمعته من أحواله ومن جملتها القصَّة المعهودة، فنقل كلّ ذلك ما طابق النقل للأوّل، والقضيّة بما يلي؛ قال: عزمت على الحجّ في سنة ألف ومائتين وثمانين، فجئت من حدود رشت إلى تبريز، ونزلت في بيت الحاجّ صفر علي التاجر التبريزي المعروف، ولعدم وجود قافلة فقد بقيت متحيّراً إلى أن جهَّز الحاجّ جبّار جلودار السدهي الأصفهاني قافلة إلى (طربوزن)، فاكتريت منه مركباً لوحدي وسافرت، وعندما وصلت إلى أوّل منزل التحق بي - وبترغيب الحاجّ صفر علي - ثلاثةُ أشخاص آخرين، أحدهم الحاجّ الملاَّ باقر التبريزي الذي كان يحجُّ بالنيابة وكان معروفاً لدى العلماء، والحاجّ السيّد حسين التاجر التبريزي، ورجل يُسمّى الحاجّ علي وكان يشتغل بالخدمة.
ثمّ ترافقنا بالسفر إلى أن وصلنا إلى (أرضروم)، وكنّا عازمين على الذهاب من هناك إلى (طربزون)، وفي أحد تلك المنازل التي تقع بين هاتين المدينتين جائني الحاجّ جبّار جلودار وقال بأنَّ هذا المنزل الذي قدّامنا مخيف فعجّلوا حتَّى تكونوا مع القافلة دائماً، وذلك لأنَّنا كنّا غالباً ما نتخلَّف عن القافلة بفاصلة في سائر المنازل، فتحرَّكنا سويّةً بساعتين ونصف، أو ثلاث ساعات بقيت إلى الصبح - على التخمين -، وابتعدنا عن المنزل الذي كنّا فيه مقدار نصف أو ثلاثة أرباع الفرسخ، فإذا بالهواء قد تغيَّر وأظلمت الدنيا وابتدأ الوفر بالتساقط، فحينئذٍ غطّى كلّ واحد منّا من الرفقاء رأسه وأسرع بالسير. ←
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ وقد فعلت أنا كذلك لألتحق بهم ولكنّي لم أتمكَّن على ذلك، فذهبوا وبقيت وحدي. ثمّ نزلت بعد ذلك من فرسي وجلست على جانب الطريق، وقد اضطربت اضطراباً شديداً لأنَّه كان معي قرابة ستمائة تومان لنفقة الطريق. وبعد أن فكَّرت وتأمَّلت بأمري قرَّرت أن أبقى في هذا الموضع إلى أن يطلع الفجر، ثمّ أرجع إلى الموضع الذي جئت منه، وآخذ معي من ذلك الموضع عدَّة أشخاص من الحرس فألتحق بالقافلة مرَّة ثانية.
وبهذه الأثناء رأيت بستاناً أمامي، وفي ذلك البستان فلَّاح بيده مسحاة يضرب بها الأشجار فيتساقط الوفر منها، فتقدَّم إليَّ بحيث بقيت فاصلة قليلة بينه وبيني، ثمّ قال: (من أنت؟)، قلت: ذهب أصدقائي وبقيت وحدي ولا أعرف الطريق فتهت. فقال باللغة الفارسية: (نافله بخوان تا راه پيدا كنى) أي صلّ النافلة - والمقصود منها صلاة الليل - لتعرف الطريق. فاشتغلت بصلاة النافلة وبعدما فرغت من التهجّد، عاد إليَّ مرَّة أُخرى وقال: (ألم تذهب بعد؟!)، قلت: والله لا أعرف الطريق. قال: (جامعه بخوان) اقرأ الجامعة. ولم أكن احفظ الجامعة، وما زلت غير حافظ لها مع أنّي قد تشرفت بزيارة العتبات المقدَّسة مراراً..، ولكنّي وقفت مكاني وقرأت الجامعة كاملةً عن ظهر الغيب، ثمّ جاء وقال: (ألم تذهب بعد؟!)، فأخذتني العبرة بلا إرادة وبكيت وقلت: ما زلت موجوداً ولا أعرف الطريق. قال: (عاشورا بخوان) اقرأ عاشوراء. وكذلك إنّي لم أكن أحفظ زيارة عاشوراء وما زلت غير حافظٍ لها، فقمت من مكاني واشتغلت بزيارة عاشوراء، من الحافظة عن ظهر غيب إلى أن قرأتها جميعاً وحتَّى اللعن والسلام ودعاء علقمة، فرأيته عاد إليَّ مرَّة أُخرى وقال: (نرفتى؟ هستى؟) ألم تذهب؟ بعدك؟!
فقلت: لا، فإنّي موجود وحتَّى الصباح. قال: أنا أُوصلك إلى القافلة الآن (من حالا تو را به قافله مى رسانم). ثمّ ذهب وركب على حمار ووضع مسحاته على عاتقه وجاء فقال: اصعد خلفي على حماري (به رديف من بر اُلاغ من سوار شو). فركبت وأخذت بعنان فرسي فلم يطاوعني ولم يتحرَّك، فقال: (جلو اسب را به من ده) ناولني لجام الفرس. فناولته، فوضع المسحاة على عاتقه الأيسر وأخذ الفرس بيده اليمنى وأخذ بالسير، فطاوعه الفرس بشكل عجيب وتبعه. ثمّ وضع يده على ركبتي وقال: (شما چرا نافله نمي خوانيد؛ نافله، نافله، نافله..) لماذا لا تُصلّون النافلة؟ النافلة.. النافلة.. النافلة.. قالها ثلاث مرّات. ثمّ قال: (شما چرا عاشورا نمي خوانيد؟ عاشورا.. عاشورا.. عاشورا..) لماذا لا تقرؤون عاشوراء؟ عاشوراء.. عاشوراء.. عاشوراء.. ثلاث مرّات. ثمّ قال: (شما چرا جامعه نمي خوانيد؟ جامعه.. جامعه.. جامعه..) لماذا لا تقرؤون الجامعة؟ الجامعة.. الجامعة.. الجامعة..
وعندما كان يطوي المسافة كان يمشي بشكل مستدير، وفجأة رجع وقال: (آن است رفقاى شما) هؤلاء أصحابك. وكانوا قد نزلوا على حافّة نهر فيه ماء يتوضَّؤون لصلاة الصبح. فنزلت من الحمار لأركب فرسي فلم أتمكَّن، فنزل هو وضرب المسحاة في الوفر وأركبني وحوَّل رأس فرسي إلى جهة أصحابي، وبهذه الأثناء وقع في نفسي: من يكون هذا الإنسان الذي يتكلَّم باللغة الفارسية علماً أنَّ أهل هذه المنطقة لا يتكلَّمون إلَّا باللغة التركية، ولا يوجد بينهم غالباً إلَّا أصحاب المذهب العيسوي (المسيحيون) وكيف أوصلني إلى أصحابي بهذه السرعة؟! فنظرت ورائي فلم أَرَ أحداً، ولم يظهر لي أثر منه، فالتحقت برفقائي.
فعلى الإنسان أن يواظب على هذه الأدعية ويُعلِّمها أولاده وأهل بيته، لأنَّ الإنسان مكلَّف بالثبات على هذا الأمر، وهذه الأدعية من أسباب الثبات، قد يقول البعض: إنّي لا أخاف على أولادي لأنَّه مؤيِّد بروح القُدُس، ولكن كونه ابنك لا يعطيه عصمة، فهناك مجموعة أسباب تؤثِّر على الإنسان، ومنها: العلم والعمل كصلاة الليل، والمواظبة على قراءة الأدعية، وحضور المساجد، ومجالسة الصالحين، والابتعاد عن أصحاب السوء، وعلى الإنسان أن لا يكون عقله أسيراً لكلّ أحد، يقول تعالى: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) (عبس: 24)، أي فلينظر إلى علمه من أين يأخذه، فإنَّ التشكيك في الإمام المهدي (عليه السلام) تبدأ من التساهل في مأخذ العلم، فعلى الإنسان أن يأخذ عقائده من العلماء الكبار البارزين.
إذن على الإنسان أن يراقب نفسه وأولاده وأهل بيته من خطر الشبهات، فمجرَّد سماع المعلومات والمحاضرات لا يكفي للإصلاح، بل على الإنسان أن يُطهِّر نفسه، ولذا يقول تعالى بعد أن أقسم أحد عشر قسماً: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) (الشمس: 9)، وهذا هو المورد الوحيد الذي يقسم فيه القرآن الكريم أحد عشر مرَّة، ليقول النتيجة: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها)، أي إنَّ أشقّ شيء على الإنسان أن يُخطّئ نفسه
ويطوِّع نفسه للحقّ، لكن على الإنسان أن لا يعتقد بأنَّ الناس غاوون بل عليه أن يلوم نفسه ويعاتبها ويحاسبها أشدّ المحاسبة(82).
الحاصل أنَّ قضيّة الثبات على الاعتقاد بالإمام المهدي (عليه السلام) من أهمّ القضايا، وقد حذَّرنا منها الإمام العسكري (عليه السلام).
نصّ علماء أبناء العامّة على ولادة الإمام المهدي (عليه السلام):
قد مرَّ أنَّنا نعتقد بولادة الإمام المهدي (عليه السلام)، ولا بأس هنا أن نذكر بعض علماء أبناء العامّة الذين وافقونا على هذا الاعتقاد:
1- ابن طلحة الشافعي المتوفّى سنة (652هـ)، يقول في كتابه (مطالب السؤول): (الإمام أبي القاسم المهدي (عليه السلام)، محمّد بن الحسن الخالص بن علي المتوكّل بن محمّد القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين بن أبي طالب، المهدي الحجَّة الخلف الصالح المنتظر (عليهم السلام) ورحمة الله وبركاته)(83).
2- سبط ابن الجوزي المتوفّى سنة (654هـ)، يقول في كتابه (تذكرة الخواصّ) في ترجمة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): (ذكر أولاده: منهم: محمّد الإمام. فصل: هو محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى الرضا بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكنيته: أبو عبد الله، وأبو القاسم، وهو الخلف الحجَّة، وصاحب الزمان، القائم المنتظر، والتالي، وهو آخر الأئمّة...)(84).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(82) راجع: تفسير الأمثل 20: 238.
(83) مطالب السؤول: 479.
(84) تذكرة الخواصّ: 452 و453.
3- شمس الدين الذهبي المتوفّى سنة (748هـ)، يقول في كتابه (سير أعلام النبلاء): (الشريف، أبو القاسم، محمّد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمّد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن زين العابدين بن علي بن الحسين الشهيد بن الإمام علي بن أبي طالب، العلوي الحسيني. خاتمة الاثني عشر سيّداً الذين تدَّعي الإمامية عصمتهم...)(85).
4- ابن الصبّاغ المالكي المتوفّى سنة (855هـ)، يقول في كتابه (الفصول المهمّة) في ترجمة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): (خلَّف أبو محمّد الحسن من الولد ابنه الحجَّة القائم المنتظر لدولة الحقّ، وكان قد أخفى مولده وستر أمره لصعوبة الوقت وشدَّة طلب السلطان وتطلّبه للشيعة وحبسهم والقبض عليهم...)(86).
5- ابن حجر الهيتمي المتوفّى سنة (974هـ)، يقول في كتابه (الصواعق المحرقة) في ترجمة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): (ولم يخلِّف غير ولده أبي القاسم محمّد الحجَّة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن آتاه الله فيها الحكمة، ويُسمّى القائم المنتظر)(87).
هذه أسامي بعض علماء أبناء العامّة الذين وافقوا الإمامية في ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)، ونترك الآخرين خشية التطويل.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(85) سير أعلام النبلاء 13: 119 و120/ الرقم 60.
(86) الفصول المهمّة 2: 1091.
(87) الصواعق المحرقة: 208.
إنَّ للإمام المهدي (عليه السلام) غيبتين: صغرى وكبرى، وقد بدأت الغيبة الصغرى بعد شهادة الإمام العسكري (عليه السلام) عام (260هـ)، وامتدَّت تسعاً وستّين سنة وأشهراً، وتولّى فيها أمر النيابة الخاصّة السفراء الأربعة الموثوقون المأمونون على الدين والدنيا، وهم: عثمان بن سعيد العمري، وولده محمّد بن عثمان، والحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمّد السمري.
النيابة عن الإمام المهدي (عليه السلام):
تنقسم النيابة عن الإمام المهدي (عليه السلام) إلى قسمين: نيابة خاصّة ونيابة عامّة، ولكلّ منهما خصائصه ومميّزاته، ولا بأس بأن نذكر بعضها:
خصائص النيابة الخاصّة:
1 - أنَّ النائب الخاصّ يعيِّنه الإمام (عليه السلام) بنصٍّ منه عليه، إذ يخرج التوقيع من الإمام (عليه السلام) باسم النائب، ونوّابه (عليه السلام) أربعة هم عثمان بن سعيد العمري، ثمّ ولده محمّد، ثمّ الحسين بن روح النوبختي، ثمّ علي بن محمّد السمري، وبموت السمري انقطعت النيابة الخاصّة بالتوقيع الصادر عن الإمام (عليه السلام): (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، يَا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُريَّ أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَ إِخْوَانِكَ فِيكَ، فَإِنَّكَ مَيِّتٌ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ سِتَّةِ أَيَّامٍ فَأَجْمِعْ أَمْرَكَ وَلَا تُوصِ إِلَى أَحَدٍ يَقُومَ مَقَامَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ، فَقَدْ وَقَعَتِ الْغَيْبَةُ الثَّانِيَةُ فَلَا ظُهُورَ إِلَّا بَعْدَ إِذْن اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَذَلِكَ بَعْدَ طُولِ الأَمَدِ وَقَسْوَةِ الْقُلُوبِ وَامْتِلَاءِ الأَرْضِ جَوْراً، وَسَيَأْتِي شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي الْمُشَاهَدَةَ أَلَا
فَمَن ادَّعَى الْمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوجِ السُّفْيَانِيِّ وَالصَّيْحَةِ فَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ)(88)، فمن قال بأنّي نائب خاصّ للحجَّة بن الحسن (عليه السلام) بعد السفير الرابع فهو ضالٌّ مضلٌّ لا يجوز اتّباعه، وقد ينزعج البعض من هذا القول، ولكن هو الحقّ، والمهمّ هو أن يرضى الله تعالى على الإنسان، إذن فالنيابة الخاصّة انقطعت بعد وفاة السمري وأيّ شخص يقول: أنا نائب خاصّ للإمام واتَّصلت به (عليه السلام)، نقول: هذا كاذبٌ فاجرٌ ضالٌّ مضلٌّ، ولو اتَّبعه البعض فليس علينا هدايتهم، بل علينا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر.
2 - أنَّ النائب الخاصّ يلتقي بالإمام المهدي (عليه السلام) ويعرفه، فعن عبد الله بن جعفر الحميري، قال: قلت لمحمّد بن عثمان العمري (رضي الله عنه): إنّي أسألك سؤال إبراهيم ربّه (جلّ جلاله) حين قال له: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) [البقرة: 260]، فأخبرني عن صاحب هذا الأمر هل رأيته؟ قال: نعم وله رقبة مثل ذي - وأشار بيده إلى عنقه -(89).
وعن عبد الله بن جعفر الحميري أيضاً، قال: سألت محمّد بن عثمان العمري (رضي الله عنه)، فقلت له: أرأيت صاحب هذا الأمر؟ فقال: نعم، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو يقول: (اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني)(90).
3 - أنَّ من يردّ على النائب الخاصّ فقد ردَّ على الإمام (عليه السلام)، فعن أبي علي بن همّام، قال: كان أحمد بن هلال من أصحاب أبي محمّد (عليه السلام)، فاجتمعت الشيعة على وكالة محمّد بن عثمان (رضي الله عنه) بنصّ الحسن (عليه السلام) في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(88) كمال الدين: 516/ باب 45/ ح 44.
(89) كمال الدين: 435/ باب 43/ ح 3.
(90) كمال الدين: 440/ باب 43/ ح 9.
حياته، ولمَّا مضى الحسن (عليه السلام) قالت الشيعة الجماعة له: ألَا تقبل أمر أبي جعفر محمّد بن عثمان وترجع إليه وقد نصَّ عليه الإمام المفترض الطاعة؟ فقال لهم: لم أسمعه ينصّ عليه بالوكالة، وليس أنكر أباه - يعني عثمان بن سعيد -، فأمَّا أن أقطع أنَّ أبا جعفر وكيل صاحب الزمان فلا أجسر عليه، فقالوا: قد سمعه غيرك، فقال: أنتم وما سمعتم، ووقف على أبي جعفر، فلعنوه وتبرَّؤا منه. ثمّ ظهر التوقيع على يد أبي القاسم بن روح بلعنه والبراءة منه في جملة من لُعِنَ(91).
خصائص النيابة العامّة:
وأمَّا النيابة العامّة فهي المنصب الذي يحتلّه اليوم فقهاؤنا ومراجعنا العظام، والإمام العسكري (عليه السلام) يُعطي أوصاف من يتسلَّم هذا المنصب بقوله: (فأمَّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفا على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يُقلِّدوه)(92)، وكذلك أرجع الإمام المهدي (عليه السلام) الناس في الغيبة الكبرى إلى الفقهاء بقوله: (وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنَّهم حجَّتي عليكم وأنا حجَّة الله عليهم)(93)، فعلينا جميعاً أن نتعرَّف على الصفات التي شخَّصها لنا الإمام (عليه السلام) وقال بأنَّها لا بدَّ أن تتوفَّر في المرجع الديني، وبإمكاننا مراجعة أهل الخبرة في ذلك، وما دامت الصفات متوفّرة في المرجع الديني نتَّبعه، وإذا انتفت نتركه، لأنَّنا اتَّبعناه لتوفّر الصفات فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(91) الغيبة للطوسي: 399/ ح 374.
(92) الاحتجاج 2: 263.
(93) كمال الدين: 484/ باب 45/ ح 4.
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) في مورد الاختلاف بين الفقهاء أنَّه: (خذ بقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك)(94).
وفي مقبولة عمر بن حنظلة، قال (عليه السلام): (ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما فينفذ حكمه ولا يلتفت إلى الآخر)(95)، وإن كان هناك خلاف في دلالتها على المطلوب حيث خصَّها بعضهم بالقضاء وبعضهم عمَّمها لمورد التقليد كسماحة السيّد السيستاني (دام ظلّه)، فتكون بمعنى: خذ بقول الأعلم المنصوص عليه، والأعلم هو المجتهد الجامع للشرائط، ويعرف أعلميته أهل الخبرة، ولا ينبغي أن يتساهل في تشخيص مرجع التقليد، فأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في قضيّة النيابة العامّة لم يعيّنوا الأسماء - كما في النيابة الخاصّة - ولكن عيَّنوا الأوصاف، ولهذا تعتبر الحوزة العلمية بما تحمل من خبرة ضماناً للمذهب، فنظام المرجعية الذي أسَّسه أئمّتنا (عليهم السلام) نظام عظيم وعجيب، بل يرى البعض بأنَّه من معاجز الأئمّة (عليهم السلام).
دور الإمام المهدي (عليه السلام) في الغيبة الصغرى:
إنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) له دور عظيم في عصر الغيبة الصغرى - مضافاً إلى أدواره التكوينية والتشريعية العامّة - ألَا وهو: متابعة الشبهات وتزويد العلماء بما يدفعون به الشبهات وحفظ الشيعة من المخاطر، فعن علي بن محمّد، قال: خرج نهي عن زيارة مقابر قريش والحِيَر، فلمَّا كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطاني، فقال له: ألقِ بني الفرات والبرسيين وقل لهم: لا يزوروا مقابر قريش، فقد أمر الخليفة أن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(94) عوالي اللئالي 4: 133/ ح 229.
(95) من لا يحضره الفقيه 3: 8/ ح 3232.
يُتفقَّد كلّ من زار فيقبض عليه(96). فعُلِمَ سبب نهي الإمام (عليه السلام) عن زيارة مقابر قريش والحِيَر.
مضافاً إلى ذلك حفظه (عليه السلام) للوكلاء في زمن الغيبة الصغرى، فعن الحسين بن الحسن العلوي، قال: كان رجل من ندماء روز حسني وآخر معه، فقال له: هو ذا يجبي الأموال وله وكلاء وسمّوا جميع الوكلاء في النواحي، وأنهى ذلك إلى عبيد الله بن سليمان الوزير، فهمَّ الوزير بالقبض عليهم، فقال السلطان: أُطلبوا أين هذا الرجل فإنَّ هذا أمر غليظ، فقال عبيد الله بن سليمان: نقبض على الوكلاء، فقال السلطان: لا، ولكن دسّوا لهم قوماً لا يعرفون بالأموال، فمن قبض منهم شيئاً قُبِضَ عليه، قال: فخرج بأن يتقدَّم إلى جميع الوكلاء أن لا يأخذوا من أحد شيئاً وأن يمتنعوا من ذلك ويتجاهلوا الأمر، فاندسَّ لمحمّد بن أحمد رجل لا يعرفه وخلا به فقال: معي مال أُريد أن أُوصله، فقال له محمّد: غلطت أنا لا أعرف من هذا شيئاً، فلم يزل يتلطَّفه ومحمّد يتجاهل عليه، وبثّوا الجواسيس وامتنع الوكلاء كلّهم لما كان تقدَّم إليهم(97).
دور الإمام المهدي (عليه السلام) في الغيبة الكبرى:
أمَّا دور الإمام المهدي (عليه السلام) في الغيبة الكبرى فهو: الحفاظ على الدين، ومتابعة درجة انحراف الأُمّة، لأنَّه (عليه السلام) جهاز مراقبة يتدخَّل إذا وصل الانحراف لحدٍّ يضر بالأُمّة وأُسس الدين، وهناك قصَّة جميلة جدَّاً تُبيِّن جانباً من دور الإمام (عليه السلام) في بيان الأحكام الشرعية لأُمَّته في غيبته الكبرى يذكرها الشيخ اليزدي في كتابه (إلزام الناصب)، قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(96) الكافي 1: 525/ باب مولد الصاحب (عليه السلام)/ ح 31.
(97) الكافي 1: 525/ باب مولد الصاحب (عليه السلام)/ ح 30.
ذكر المحدِّث الفاضل الميثمي في كتابه دار السلام، عن السيّد السند السيّد محمّد صاحب المفاتيح بن صاحب الرياض، نقلاً عن خطّ آية الله العلَّامة في حاشية بعض كتبه ما ترجمته بالعربية:
خرج ذات ليلة من ليالي الجمعة من بلدة الحلَّة إلى زيارة قبر ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وهو على حمار له وبيده سوط يسوق به دابَّته، فعرض له في أثناء الطريق رجل في زيّ الأعراب فتصاحبا والرجل يمشي بين يديه فافتتحا بالكلام، وساق معه الكلام من كلّ مقام وإذا به عالم خبير نحرير، فاختبره عن بعض المعضلات وما استصعب عليه علمها فما استتمَّ عن كلّ من ذلك إلَّا وكشف الحجاب عن وجهها وافتتح عن مغلقاتها إلى أن انجرَّ الكلام في مسألة أفتى به بخلاف ما عليه العلَّامة، فأنكره عليه قائلاً: إنَّ هذه الفتوى خلاف الأصل والقاعدة ولا بدَّ لنا في خلافهما من دليل وارد عليهما مخصِّص لهما، فقال العربي: (الدليل عليه حديث ذكره الشيخ الطوسي في تهذيبه). فقال العلَّامة: إنّي لم أعهد بهذا الحديث في التهذيب ولم يذكره الشيخ ولا غيره. فقال العربي: (ارجع إلى نسخة التهذيب التي عندك الآن وعد منها أوراقاً كذا وسطوراً كذا فتجده)، فلمَّا سمع العلَّامة بذلك ورأى أنَّ هذا إخبار عن المغيّبات تحيَّر في أمر الرجل تحيّراً شديداً واندهش في معرفته، وقال في نفسه: ولعلَّ هذا الرجل الذي يمشي بين يدي منذ كذا وأنا في ركوبي هو الذي بوجوده تدور رحى الموجودات وبه قيام الأرضين والسماوات، فبينما هو كذلك إذ وقع السوط من يده من شدَّة التفكّر والتحيّر، فأخذ ليستخبر عن هذه المسألة استخباراً منه واستظهاراً عنه أنَّ في زمن الغيبة الكبرى هل يمكن التشرف إلى لقاء سيّدنا ومولانا
صاحب الزمان، فهوى الرجل وأخذ السوط من الأرض ووضعه في كفّ العلَّامة وقال: (لِمَ لا يمكن وكفّه في كفّك؟)، فأوقع العلَّامة نفسه من على الدابة منكبّاً على قدميه وأُغمي عليه من فرط الرغبة وشدَّة الاشتياق، فلمَّا أفاق لم يجد أحداً، فاهتمَّ بذلك همَّاً شديداً وتكدَّر، ورجع إلى أهله وتصفَّح عن نسخة تهذيبه فوجد الحديث المعلوم كما أخبره الإمام (عليه السلام) في حاشية تلك النسخة، فكتب بخطّه الشريف في ذلك الموضع: هذا حديث أخبرني به سيّدي ومولاي في ورق كذا وسطر كذا(98).
ما ينبغي للمؤمن رعايته في الغيبة الكبرى:
من أهمّ ما ينبغي للمؤمن رعايته في عصر الغيبة الكبرى، هي:
1 - العمل بالواجبات وترك المحرَّمات، فإنَّ تقوى الله تعالى ممَّا يُقرِّب الإنسان إلى الله تعالى وإلى الإمام (عليه السلام)، وذلك لأنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) هو كتاب الله الناطق، وكتاب الله يهدي إلى التقوى. فعلى الإنسان أن يتَّقي الله ويُحاسب نفسه ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويُطيع الله في جميع أُموره.
2 - إقامة مآتم لأهل البيت (عليهم السلام) لاسيّما مأتم سيّد الشهداء وأُمّه الزهراء (عليهما السلام)، فقد أكَّد العلماء بأنَّ مأتم سيّد الشهداء (عليه السلام) ممَّا يُقرِّب الإنسان إلى الإمام (عليه السلام)، وهذا ما جاءت الإشارة إليه في الزيارة الناحية: (... فلأندبنَّك صباحاً ومساءاً، ولأبكينَّ عليك بدل الدموع دماً)(99)، وكذلك ذكر ظلامة الزهراء (عليها السلام)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(98) إلزام الناصب 2: 29 و30/ الحكاية التاسعة عشرة.
(99) المزار لابن المشهدي: 501.
فإنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) يتذكَّر مصيبة جدَّته الزهراء صباحاً ومساءاً، وعلى الإنسان أن يُشارك إمامه في ذكر ظلامتها (عليها السلام).
3 - المواظبة على قراءة الأدعية كدعاء الندبة ودعاء العهد، ودعاء: (اللّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ نَبيَّكَ، اللّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ، اللّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي)(100).
فإنَّ هذه الأدعية الشريفة تبعث الشوق والحنين في القلوب، إذ نقرأ في دعاء الندبة: (لَيْتَ شِعْري أَيْنَ اسْتَقَرَّتْ بِكَ النَّوى، بَلْ أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّكَ أَوْ ثَرى، أَبِرَضْوى أَوْ غَيْرها أَمْ ذِي طُوى، عَزيزٌ عَلَيَّ أَنْ أَرَى الخَلْقَ وَلَا تُرى وَلَا أَسْمَعُ لَكَ حَسِيساً وَلَا نَجْوى، عَزيزٌ عَلَيَّ أَنْ تُحِيطَ بِكَ دُونِيَ البَلْوى وَلَا يَنالُكَ مِنّي ضَجِيجٌ وَلَا شَكْوى...، إِلى مَتى أَحَارُ فِيكَ يَا مَوْلايَ، وَإِلى مَتى وَأَيُّ خِطابٍ أَصِفُ فِيكَ وَأَيُّ نَجْوى، عَزيزٌ عَلَيَّ أَنْ أُجابَ دُونَكَ وَأُناغى، عَزيزٌ عَلَيَّ أَنْ أَبْكِيَكَ وَيَخْذُلَكَ الوَرى، عَزيزٌ عَلَيَّ أَنْ يَجْريَ عَلَيْكَ دُونَهُمْ ما جَرى، هَلْ مِن مُعينٍ فَأُطِيلَ مَعَهُ العَويلَ وَالبُكاءَ، هَلْ مِنْ جَزُوعٍ فَأُساعِدَ جَزَعَهُ إِذا خَلَا، هَلْ قَذِيَتْ عَينٌ فَساعَدَتْها عَيْنِي عَلَى القَذى، هَلْ إِلَيْكَ يَا بْنَ أَحْمَدَ سَبِيلٌ فَتُلْقى، هَلْ يَتَّصِلُ يَوْمُنا مِنْكَ بِعِدَةٍ فَنَحْظى...)(101)، وورد في بعض الروايات أنَّه (عليه السلام) ساكن في جبال رضوى، فعن عبد الأعلى مولى آل سام، قال: خرجت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فلمَّا نزلنا الروحاء نظر إلى جبلها مطلَّاً عليها فقال لي: (ترى هذا الجبل؟ هذا جبل يُدعى رضوى من جبال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(100) الكافي 1: 337/ باب في الغيبة/ ح 5.
(101) المزار لابن المشهدي: 581 و582.
فارس، أحبَّنا فنقله الله إلينا، أَمَا إنَّ فيه كلّ شجرة مطعم، ونعم أمان للخائف مرَّتين. أَمَا إنَّ لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين، واحدة قصيرة، والأُخرى طويلة)(102)، وفي روايات أُخرى أنَّ له (عليه السلام) بيتاً في المدينة يُسمّى بيت الحمد، فعن المفضَّل، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إنَّ لصاحب هذا الأمر بيتاً يُقال له: بيت الحمد، فيه سراج يزهر منذ يوم وُلِدَ إلى يوم يقوم بالسيف لا يُطفأ)(103).
إذن يجب على الكلّ أن يبعث الشوق للإمام (عليه السلام) في نفوس المؤمنين، فإذا فقد أحدنا اليوم عزيزاً يحترق ألماً لفقده، فما بالنا لا نتألَّم كثيراً بفقد إمام هو واسطة الفيض الإلهي وقطب رحى الكون، فلنحترق شوقاً وألماً بفقده (عليه السلام) كما كان الصادق (عليه السلام) يتألَّم لذلك قبل ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)، فعن سدير الصيرفي، قال: دخلت أنا، والمفضَّل بن عمر، وأبو بصير، وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فرأيناه جالساً على التراب وعليه مسح خيبري مطوَّق بلا جيب، مقصر الكُمِّين، وهو يبكي بكاء الواله الثكلى، ذات الكبد الحرّى، قد نال الحزن من وجنتيه، وشاع التغيير في عارضيه، وأبلى الدموج محجريه، وهو يقول: (سيّدي غيبتك نفت رقادي، وضيَّقت عليَّ مهادي، وابتزَّت منّي راحة فؤادي، سيّدي غيبتك أوصلت مصابي بفجايع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد، فما أحسُّ بدمعة ترقى من عيني وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا إلَّا مثل بعيني عن غوابر أعظمها وأفظعها، وبواقي أشدّها وأنكرها، ونوائب مخلوطة بغضبك، ونوازل معجونة بسخطك).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(102) الغيبة للطوسي: 163/ ح 123.
(103) الغيبة للنعماني: 245/ باب 13/ ح 31.
قال سدير: فاستطارت عقولنا ولهاً، وتصدَّعت قلوبنا جزعاً من ذلك الخطب الهائل، والحادث الغائل، وظنَّنا أنَّه سمت لمكروهة قارعة، أو حلَّت به من الدهر بائقة، فقلنا: لا أبكى الله يا ابن خير الورى عينيك، من أيَّة حادثة تستنزف دمعتك وتستمطر عبرتك؟ وأيَّة حالة حتَّمت عليك هذا المأتم؟
قال: فزفر الصادق (عليه السلام) زفرة انتفخ منها جوفه، واشتدَّ عنها خوفه، وقال: (ويلكم نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا، وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، الذي خصَّ الله به محمّداً والأئمّة من بعده (عليهم السلام)، وتأمَّلت منه مولد غائبنا وغيبته وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان، وتولّد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته، وارتداد أكثرهم عن دينهم، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله تقدَّس ذكره: (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) [الإسراء: 13] - يعني الولاية -، فأخذتني الرقَّة، واستولت عليَّ الأحزان)(104).
4 - الوفاء بالعهد للأئمّة (عليهم السلام) بشكل عامّ وللإمام المهدي (عليه السلام) بشكل خاصّ، ويكون الوفاء لهم (عليهم السلام) من خلال ذكر فضائلهم ومقاماتهم وأخلاقهم وإظهار البراءة من أعدائهم، فقد روي عن إمامنا المهدي (عليه السلام) أنَّه قال: (وَلَوْ أَنَّ أَشْيَاعَنَا وَفَّقَهُمُ اللهُ لِطَاعَتِهِ، عَلَى اجْتِمَاعٍ مِنَ الْقُلُوبِ فِي الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ عَلَيْهِمْ، لَمَا تَأَخَّرَ عَنْهُمُ الْيُمْنُ بِلِقَائِنَا، وَلَتَعَجَّلَتْ لَهُمُ السَّعَادَةُ بِمُشَاهَدَتِنَا، عَلَى حَقِّ الْمَعْرفَةِ وَصِدْقِهَا مِنْهُمْ بِنَا، فَمَا يَحْبِسُنَا عَنْهُمْ إِلَّا مَا يَتَّصِلُ بِنَا مِمَّا نَكْرَهُهُ، وَلَا نُؤْثِرُهُ مِنْهُمْ، وَاللهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(104) كمال الدين: 352 - 354/ باب 33/ ح 50.
الْمُسْتَعانُ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنعْمَ الْوَكِيلُ، وَصَلَوَاتُهُ عَلَى سَيَّدِنَا الْبَشير النَّذِير، مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرينَ وَسَلَّمَ)(105).
وهذا الذكر الدائم للإمام (عليه السلام) يُعَدُّ من الأُمور التي تُعمِّق ارتباط المؤمن به (عليه السلام)، إذ يستلزم الذكر معرفة الإمام من جهة، والالتزام بأوامره ونواهيه من جهة أُخرى حتَّى لا يكون الإنسان مثل سهل بن حسن الخراساني الذي دخل على الإمام الصادق (عليه السلام) فسلَّم عليه ثمّ جلس، فقال له: يا ابن رسول الله، لكم الرأفة والرحمة وأنتم أهل بيت الإمامة، ما الذي يمنعك أن يكون لك حقّ تقعد عنه وأنت تجد من شيعتك مائة ألف يضربون بين يديك بالسيف؟ فقال له (عليه السلام): (اجلس يا خراساني رعى الله حقَّك)، ثمّ قال: (يا حنفيّة، اسجري التنّور)، فسجَّرته حتَّى صار كالجمرة وابيضَّ علوّه، ثمّ قال: (يا خراساني، قم فاجلس في التنّور)، فقال الخراساني: يا سيّدي يا ابن رسول الله لا تعذّبني بالنار، أقلني أقالك الله، قال: (قد أقلتك).
هذا الخلل معناه أنَّه لا يعتقد بنصرة الإمام (عليه السلام)، بل لا يعتقد بعصمة الإمام وبوجوب طاعته. فهل الإنسان مستعدٌّ لنصرة إمام معصوم بأيّ نحو كان؟
يقول الراوي: فبينما نحن كذلك إذ أقبل هارون المكّي ونعله في سبّابته، فقال: السلام عليك يا ابن رسول الله، فقال له الصادق: (القِ النعل من يدك واجلس في التنّور). قال: فألقى النعل من سبّابته ثمّ جلس في التنّور، وأقبل الإمام يُحدّث الخراساني حديث خراسان حتَّى كأنَّه شاهد لها، ثمّ قال: (قم يا خراساني وانظر ما في التنّور). قال: فقمت إليه فرأيته متربّعاً، فخرج إلينا وسلَّم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(105) الاحتجاج 2: 325.
علينا، فقال له الإمام: (كم تجد بخراسان مثل هذا؟)، فقلت: والله ولا واحداً، فقال (عليه السلام): (لا والله ولا واحداً، أمَّا إنَّا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا، نحن أعلم بالوقت)(106).
إذن ينبغي للمؤمن أن يذكر الإمام (عليه السلام) دائماً وأن يُخصِّص كلّ يوم عدَّة دقائق يخاطب فيها إمامه (عليه السلام)، وأن يزوره بالزيارة المختصرة الواردة بعد صلاة الفجر ليُؤكِّد ويُعمِّق ارتباطه به (عليه السلام).
5 - كثرة اللجوء للإمام (عليه السلام) وطلب الحوائج منه والاستغاثة به وندبه من الأُمور التي تسهم في تقوية علاقة المؤمن بالإمام (عليه السلام)، فهو (عليه السلام) مكلَّف من قِبَل الله تعالى برعاية أمر خلقه، فقد ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة: (يا وَلِيَّ اللهِ إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ اللهِ (عزَّ وجلَّ) ذُنُوباً لَا يَأْتِي عَلَيْها إلَّا رِضاكُمْ، فَبِحَقَّ مَنْ ائْتَمَنَكُمْ عَلى سِرَّهِ وَاسْتَرْعاكُمْ أَمْرَ خَلْقِهِ وَقَرَنَ طاعَتَكُمْ بِطاعَتِهِ، لَمَّا اسْتَوْهَبْتُمْ ذُنُوبِي وَكُنْتُمْ شُفَعائِي)(107).
6 - انتظار الفرج فإنَّ أصل الأعمال وأهمّ وظيفة للمؤمن في عصر الغيبة الكبرى هو انتظار فرج آل محمّد (عليهم السلام)، فعن أبي بصير ومحمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)، قال: (المنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله)(108)، وعن المفضَّل بن عمر، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) يقول: (من مات منتظراً لهذا الأمر كان كمن كان مع القائم في فسطاطه، لا بل كان كالضارب بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالسيف)(109).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(106) مناقب آل أبي طالب 3: 362 و363.
(107) من لا يحضره الفقيه 2: 616/ ح 3213.
(108) كمال الدين: 645/ باب 55/ ح 6.
(109) الإمامة والتبصرة: 122/ ح 118.
مفاهيم الانتظار:
والانتظار على مفهومين: سلبي وإيجابي:
أمَّا الانتظار السلبي فهو أن نكفَّ أيدينا ونأخذ راحتنا ونأكل ونشرب وننتظر أن يظهر الإمام المهدي (عليه السلام) ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما قال بنو إسرائيل لموسى (عليه السلام): (اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) (المائدة: 24).
وأمَّا الانتظار الإيجابي فهو أن نَعُدَّ أنفسنا لنصرته (عليه السلام)، وذلك يحصل بتعلّم مسائل العقيدة، ومعرفة الحلال من الحرام، والتفقّه في أُمور الدين، فقد ورد عن صادق أهل البيت (عليهم السلام): (لوددت أنَّ أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتَّى يتفقَّهوا)(110).
وليس مراده (عليه السلام) الفقهاء بل جميع أصحابه حتَّى الشباب، فعلى الإنسان أن يعرف ما يُدخله في الصلاة وما يُخرجه منها، أن يعرف أنَّه إذا ترك قراءة الحمد والسورة في الصلاة إلى أن ركع هل يجب عليه الإعادة أم لا؟ كلّ هذه الأُمور يجب على الإنسان أن يعرفها.
مع الأسف هناك كثير من الناس لا يعرف حكم العمل بالبنوك، لا يعرف حكم شراء الأسهم البنكية التي تتعاطى الربا مع أنَّه حرام عند جميع الفِرَق الإسلاميّة.
إذن علينا أن ننتظر الإمام المهدي (عليه السلام) بإعداد أنفسنا لنصرته بأن نتفقَّه في الدين، بأن ندرس العقائد والأحكام وغيرها من العلوم الدينية. قد يقول البعض: بأنّي أحضر المنبر وأستمع إلى المحاضرات الدينية، نقول: هذا جيّد ولكن المنبر غير كافٍ، قد يعطيك المنبر ثقافة عامّة لكن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(110) الكافي 1: 31/ باب فرض العلم ووجوب طلبه والحثّ عليه/ ح 8.
لا يكفي ذلك لإخراج أشخاص متخصّصين، بل لا بدَّ أن يأخذ الإنسان دورة كاملة في العقائد والفقه وغيرها من العلوم التي هو بحاجة إليها.
* * *
يقول البعض: إنَّ الشيعة كلّهم ينتظرون الإمام المهدي (عليه السلام) الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ولكن لا يظهر المهدي (عليه السلام) إلَّا بعد خروج أكثر القائلين به عن هذا الأمر، فعن مهزم بن أبي بردة الأسدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: (والله لتُكسرنَّ تكسّر الزجاج، وإنَّ الزجاج ليُعاد فيعود كما كان، والله لتُكسرنَّ تكسر الفخار، وإنَّ الفخار ليتكسر فلا يعود كما كان، ووالله لتُغربلنَّ، ووالله لتُميِّزنَّ، ووالله لتُمحِّصنَّ حتَّى لا يبقى منكم إلَّا الأقلّ)(111).
ولا يكون هذا الأمر حتَّى يبلغ المؤمنون درجة اليأس، فعن الحسن بن محبوب، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)، قال: قال لي: (لا بدَّ من فتنة صمّاء صيلم يسقط فيها كلّ بطانة ووليجة، وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي، يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض، وكلّ حرّى وحرّان، وكلّ حزين ولهفان)، ثمّ قال (عليه السلام): (بأبي وأُمّي سميّ جدّي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وشبيه موسى بن عمران (عليه السلام)، عليه جيوب النور، يتوقَّد من شعاع ضياء القدس، يحزن لموته(112) أهل الأرض والسماء، كم من حرّى مؤمنة، وكم من مؤمن متأسّف حرّان حزين عند فقدان الماء المعين، كأنّي بهم آيس ما كانوا قد نودوا نداء يسمع من بعد كما يسمع من قرب يكون رحمةً على المؤمنين وعذاباً على الكافرين)(113).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(111) الغيبة للنعماني: 215/ باب 12/ ح 13.
(112) أي موت ذكره، كما جاء في رواية أُخرى. (أُنظر: كمال الدين: 378/ باب 36/ ح 3).
(113) كمال الدين: 371/ باب 35/ ح 3.
وقد أكَّدت الروايات أنَّ الله سبحانه وتعالى سوف يبتلي الناس في غيبة إمامهم بأنواع البلاء، فعن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إنَّ قدّام القائم علامات تكون من الله (عزَّ وجلَّ) للمؤمنين)، قلت: وما هي جعلني الله فداك؟ قال: (ذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) يعني المؤمنين قبل خروج القائم (عليه السلام)، (بِشيءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشر الصَّابِرِينَ) [البقرة: 155]). قال: (يبلوهم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم، والجوع بغلاء أسعارهم، ونقص من الأموال)، قال: (كساد التجارات وقلَّة الفضل، ونقص من الأنفس)، قال: (موت ذريع، ونقص من الثمرات)، قال: (قلَّة ريع ما يُزرع، (وَبَشر الصَّابِرِينَ) عند ذلك بتعجيل خروج القائم (عليه السلام))(114).
ولكن أشدّ من كلّ ذلك هو الابتلاء في الدين، فعن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (يأتي على الناس زمان الصابر منهم على دينه كالقابض على الجمر)(115)، والمثال الأوضح له ما جرى على بني إسرائيل حيث أخرج لهم السامري (عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) وأنطقه بأخذه قبضة من أثر جبرائيل (عليه السلام)، وقال لهم: (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسي) (طه: 88)، فافتتن به بنو إسرائيل وصدَّقوا السامري فهلكوا، وهذا هو أشدّ أنواع الابتلاء.
والمثال الآخر ما حصل للنصارى في اعتقادهم صلب نبيّ الله عيسى (عليه السلام) في حين يقول القرآن الكريم: (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(114) الإمامة والتبصرة: 129/ ح 132.
(115) أمالي الطوسي: 485/ ح (1060/29).
وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) (النساء: 157).
وقد ذكر لنا التاريخ كثيراً من الذين انحرفوا عن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) بعد أن كانوا منهم، ومن هؤلاء أبي الخطّاب محمّد بن أبي زينب الملقَّب بالمقلاص، كان من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، ولكنَّه انحرف فلعنه الإمام (عليه السلام) وتبرَّأ منه(116).
ومنهم أحمد بن هلال العبرتائي الذي كان من أصحاب الإمام العسكري (عليه السلام) ولكنَّه رجع عن التشيّع، فورد عن الإمام المهدي (عليه السلام) توقيعاً في لعنه والتبرّأ منه(117).
لذا نجد أنَّ الأئمّة (عليهم السلام) قد حذَّروا أصحابهم من الوقوع في هذه الفتن، والضمان في عدم الوقوع في الفتن يأتي من الالتزام بأمرين:
الأوّل: أن تكون معرفة الإنسان أصيلة قد أخذها من نبعها الصافي، وهذا لا يتحقَّق إلَّا عن طريق محمّد وآل محمّد (عليهم السلام).
الثاني: أن تكون الأُسس التي تبتني عليها عقيدة الإنسان أُسساً صحيحة.
إذن يجب على المؤمن أن يكون على بيّنة من علامات ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) لكي لا يشتبه عليه الحقّ، ومن هنا يجدر بنا الإشارة إلى بعض علامات الظهور، فنقول:
أقسام علامات الظهور:
تنقسم علامات الظهور إلى عدَّة أقسام: فإنَّها تارةً علامات عامّة، وأُخرى علامات خاصّة مقيَّدة بسنة الظهور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(116) راجع: معجم رجال الحديث 15: 255 - 272/ الرقم 10012.
(117) راجع: معجم رجال الحديث 3: 149 - 156/ الرقم 1008.
وتنقسم ثانيةً إلى علامات محتومة، وعلامات غير محتومة.
والعلامات المحتومة بدورها تنقسم إلى قسمين: علامات محتومة لن يقع فيها البداء ولا التغيير، وأُخرى محتومة ولكن قد يقع فيها البداء.
العلامات الحتمية:
أمَّا العلامات الحتمية فقد ورد في روايات أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) أنَّها خمسة، فعن عمر بن حنظلة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (قبل قيام القائم خمس علامات محتومات: اليماني، والسفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء)(118).
وعن ميمون البان، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: (خمس قبل قيام القائم (عليه السلام): اليماني، والسفياني، والمنادي ينادي من السماء، وخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكية)(119).
هذه هي العلامات المحتومة قبل ظهور القائم (عليه السلام)، فلنذكر شيئاً مختصراً حول هذه العلامات:
1 - اليماني:
قد ذكرت روايات عديدة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) أنَّ اليماني من المحتوم، فعن علي بن عاصم، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنَّه قال: (قبل هذا الأمر السفياني واليماني والمرواني وشعيب بن صالح، فكيف يقول هذا وهذا!؟)(120).
وبيَّنت الروايات أنَّ رايته أهدى الرايات لأنَّه يدعو إلى الإمام المهدي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(118) كمال الدين: 650/ باب 57/ ح 7.
(119) كمال الدين: 649/ باب 57/ ح 1.
(120) الغيبة للنعماني: 262/ باب 14/ ح 12.
عليه السلام، ولا يحلُّ لمسلم أن يلتوي عليه، فعن أبي بصير، عن أبي جعفر محمّد بن علي (عليهما السلام) أنَّه قال: (... خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كلّ وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى، لأنَّه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكلّ مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإنَّ رايته راية هدى، ولا يحلُّ لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنَّه يدعو إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم)(121).
2 - السفياني:
إنَّ عداء بني أُميّة لأهل بيت العصمة والطهارة مستمرٌّ إلى يوم قيام القائم (عليه السلام)، فعن الحكم بن سالم، عمَّن حدَّثه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (إنّا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله، قلنا: صدق الله، وقالوا: كذب الله. قاتل أبو سفيان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وقاتل معاوية علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقاتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي (عليهما السلام)، والسفياني يقاتل القائم (عليه السلام))(122).
هذا وقد ذكرت روايات أهل البيت (عليهم السلام) أنَّ السفياني من المحتوم، فعن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: (النداء من المحتوم، والسفياني من المحتوم، واليماني من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وكف يطلع من السماء من المحتوم)، قال: (وفزعة في شهر رمضان توقظ النائم، وتفزع اليقظان، وتخرج الفتاة من خدرها)(123).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(121) الغيبة للنعماني: 264/ باب 14/ ح 13.
(122) معاني الأخبار: 346/ ح 1.
(123) الغيبة للنعماني: 262/ باب 14/ ح 11.
وأمَّا صفة السفياني فقد روى عمر بن أذينة، عن أبي عبد الله، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) أنَّه (رجل ربعة، وحش الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر جدري، إذا رأيته حسبته أعور، اسمه عثمان وأبوه عنبسة، وهو من ولد أبي سفيان حتَّى يأتي أرضاً ذات قرار ومعين فيستوي على منبرها)(124).
وبيَّنت الروايات أنَّ السفياني يخرج من الشام في رجب بعد وقوع خلاف كبير فيها، فعن المعلّى بن خنيس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إنَّ أمر السفياني من الأمر المحتوم، وخروجه في رجب)(125).
وعن عبد الله بن أبي يعفور، قال: قال لي أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (إنَّ لولد العبّاس والمرواني لوقعة بقرقيسياء يشيب فيها الغلام الحزور، ويرفع الله عنهم النصر، ويُوحي إلى طير السماء وسباع الأرض: اشبعي من لحوم الجبّارين، ثمّ يخرج السفياني)(126).
وعن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبو جعفر محمّد بن علي الباقر (عليه السلام): (يا جابر، الزم الأرض ولا تُحرِّك يداً ولا رجلاً حتَّى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها:... فتلك السنة يا جابر فيها اختلاف كثير في كلّ أرض من ناحية المغرب، فأوّل أرض تُخرب أرض الشام، ثمّ يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني، فيلتقي السفياني بالأبقع فيقتتلون فيقتله السفياني ومن تبعه، ثمّ يقتل الأصهب، ثمّ لا يكون له همَّة إلَّا الإقبال نحو العراق، ويمرّ جيشه بقرقيسياء، فيقتتلون بها فيقتل بها من الجبّارين مائة ألف، ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة وعدَّتهم سبعون ألفاً، فيصيبون من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(124) كمال الدين: 651/ باب 57/ ح 9.
(125) كمال الدين: 650/ باب 57/ ح 5.
(126) الغيبة للنعماني: 315 و316/ باب 18/ ح 12.
أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً، فبينا هم كذلك إذ أقبلت رايات من قبل خراسان وتطوي المنازل طيّاً حثيثاً ومعهم نفر من أصحاب القائم، ثمّ يخرج رجل من موالي أهل الكوفة في ضعفاء فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة والكوفة، ويبعث السفياني بعثاً إلى المدينة فينفر المهدي منها إلى مكّة، فيبلغ أمير جيش السفياني أنَّ المهدي قد خرج إلى مكّة، فيبعث جيشاً على أثره فلا يدركه حتَّى يدخل مكّة خائفاً يترقَّب على سُنَّة موسى بن عمران (عليه السلام)). وقال: (فينزل أمير جيش السفياني البيداء فينادي منادٍ من السماء: يا بيداء، بيدي القوم، فيخسف بهم)(127).
وذكرت الروايات أنَّه يقتل كلّ شيعي، فعن عمر بن أبان الكلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (كأنّي بالسفياني أو لصاحب السفياني قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة، فنادى مناديه: من جاء برأس رجل من شيعة علي فله ألف درهم، فيثب الجار على جاره يقول: هذا منهم، فيضرب عنقه ويأخذ ألف درهم)(128).
وجاء في رواياتهم (عليهم السلام) أنَّ خروج السفياني واليماني والخراساني في يوم واحد، فعن بكر بن محمّد الأزدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: خروج الثلاثة: الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد...)(129).
وعن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: (اليماني والسفياني كفرسي رهان)(130).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(127) الغيبة للنعماني: 289 و290/ باب 14/ ح 67.
(128) الغيبة للطوسي: 450/ ح 453.
(129) الغيبة للطوسي: 447/ ح 443.
(130) الغيبة للنعماني: 317/ باب 18/ ح 15.
3 - الصيحة:
أمَّا الصيحة فهي من العلائم الحتمية أيضاً، بل قد ورد في بعض الروايات أنَّها أُولى العلامات، فعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: جُعلت فداك، متى خروج القائم (عليه السلام)؟ فقال: (يا أبا محمّد، إنّا أهل بيت لا نوقِّت، وقد قال محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم): كذب الوقّاتون. يا أبا محمّد، إنَّ قدّام هذا الأمر خمس علامات: أولاهنَّ النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراساني، وقتل النفس الزكية، وخسف بالبيداء)(131).
وتكون الصيحة في الثالث والعشرين من شهر رمضان، فعن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (الصيحة التي في شهر رمضان تكون ليلة الجمعة لثلاث وعشرين مضين من شهر رمضان)(132).
والصيحة هي صوت جبرئيل (عليه السلام) باسم القائم واسم أبيه، فعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (لا يخرج القائم حتَّى يُنادى باسمه من جوف السماء في ليلة ثلاث وعشرين في شهر رمضان ليلة جمعة)، قلت: بِمَ يُنادى؟ قال: (باسمه واسم أبيه، ألَا إنَّ فلان بن فلان قائم آل محمّد فاسمعوا له وأطيعوه، فلا يبقى شيء من خلق الله فيه الروح إلَّا يسمع الصيحة، فتُوقظ النائم ويخرج إلى صحن داره، وتخرج العذراء من خدرها، ويخرج القائم ممَّا يسمع، وهي صيحة جبرئيل (عليه السلام))(133).
وعن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):... كيف يكون النداء؟ قال: (يُنادي منادٍ من السماء أوّل النهار: ألَا إنَّ الحقَّ في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(131) الغيبة للنعماني: 301/ باب 16/ ح 6.
(132) كمال الدين: 650/ باب 57/ ح 6.
(133) الغيبة للنعماني: 301/ باب 16/ ح 6.
علي وشيعته، ثمّ يُنادي إبليس لعنه الله في آخر النهار: ألَا إنَّ الحقَّ في السفياني وشيعته، فيرتاب عند ذلك المبطلون)(134).
ويسمع النداء كلّ قوم بلسانهم، فعن زرارة، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): النداء حقّ؟ قال: (إي والله حتَّى يسمعه كلّ قوم بلسانهم)(135).
ويسمع النداء أهل المشرق والمغرب حتَّى الفتاة في خدرها، فعن شرحبيل، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) وقد سألته عن القائم (عليه السلام)، فقال: (إنَّه لا يكون حتَّى يُنادي منادٍ من السماء يسمع أهل المشرق والمغرب، حتَّى تسمعه الفتاة في خدرها)(136).
ولكن لم يدعهم إبليس لعنه الله حتَّى يفتنهم، فعن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (يُنادي منادٍ باسم القائم (عليه السلام))، قلت: خاصّ أو عامّ؟ قال: (عامّ، كلّ قوم بلسانهم)، قلت: فمن يخالف القائم (عليه السلام) وقد نُودي باسمه؟ قال: (لا يدعهم إبليس حتَّى يُنادي في آخر الليل ويُشكِّك الناس)(137).
4 - قتل النفس الزكية:
النفس الزكية هو محمّد بن الحسن يُقتل بين الركن والمقام قبل قيام القائم (عليه السلام) بخمسة عشر يوماً، فعن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر (عليه السلام)، قال:... قلت: يا ابن رسول الله، متى يخرج قائمكم؟ قال: (إذا تشبَّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وركب ذوات الفروج السروج، وقُبلت شهادات الزور، ورُدَّت شهادات العدول، واستخفَّ الناس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(134) كمال الدين: 652/ باب 57/ ح 14.
(135) الغيبة للنعماني: 283/ باب 14/ ح 54.
(136) الغيبة للنعماني: 265/ باب 14/ ح 14.
(137) الإمامة والتبصرة: 129 و130/ ح 133.
بالدماء وارتكاب الزنا وأكل الربا، واتّقي الأشرار مخافة ألسنتهم، وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) بين الركن والمقام، اسمه محمّد بن الحسن النفس الزكية، وجاءت صيحة من السماء بأنَّ الحقَّ فيه وفي شيعته، فعند ذلك خروج قائمنا)(138).
وعن صالح مولى بني العذراء، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: (ليس بين قيام قائم آل محمّد وبين قتل النفس الزكية إلَّا خمسة عشر ليلة)(139).
وقد ورد في روايات أُخر أنَّ النفس الزكية يُقتل في ظهر الكوفة ومعه سبعون وهو غير من ذكرناه، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة المخزون: (... ولذلك آيات وعلامات، أوّلهنَّ إحصار الكوفة بالرصد والخندق، وتحريق الزوايا في سكك الكوفة، وتعطيل المساجد أربعين ليلة، وتخفق رايات ثلاث حول المسجد الأكبر يشبهن بالهدي، القاتل والمقتول في النار، وقتل كثير، وموت ذريع، وقتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين، والمذبوح بين الركن والمقام...)(140).
والنفس الزكية هو رسول الإمام المهدي (عليه السلام) لأهل مكّة، فعن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل إلى أن قال: (يقول القائم (عليه السلام) لأصحابه: يا قوم إنَّ أهل مكّة لا يريدونني، ولكنّي مُرسِلٌ إليهم لأحتجَّ عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتجَّ عليهم. فيدعو رجلاً من أصحابه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(138) كمال الدين: 331/ باب 32/ ح 16.
(139) كمال الدين: 649/ باب 57/ ح 2.
(140) مختصر بصائر الدرجات: 199.
فيقول له: امض إلى أهل مكّة فقل: يا أهل مكّة أنا رسول فلان إليكم وهو يقول لكم: إنّا أهل بيت الرحمة، ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذرّية محمّد وسلالة النبيّين، وإنّا قد ظُلمنا واضطُهدنا وقُهرنا وابتُزَّ منّا حقّنا منذ قُبِضَ نبيّنا إلى يومنا هذا فنحن نستنصركم فانصرونا. فإذا تكلَّم هذا الفتى بهذا الكلام أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام، وهي النفس الزكية...)(141).
5 - الخسف بالبيداء:
وأمَّا الخسف بالبيداء فقد أشارت عدَّة روايات عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) أنَّه من المحتوم أيضاً، فعن حمران بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: (من المحتوم الذي لا بدَّ أن يكون من قبل قيام القائم: خروج السفياني، وخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكية، والمنادي من السماء)(142).
وعن محمّد بن الصامت، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: ما من علامة بين يدي هذا الأمر؟ فقال: (بلى)، قلت: وما هي؟ قال: (هلاك العبّاسي، وخروج السفياني، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء، والصوت من السماء)، فقلت: جُعلت فداك، أخاف أن يطول هذا الأمر؟ فقال: (لا، إنَّما هو كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً)(143).
فبعدما يخسف جبرائيل (عليه السلام) بجيش السفياني لم يبقَ منهم إلَّا رجلان أحدهما بشير والآخر نذير، فعن المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل إلى أن قال: (ثمّ يقبل على القائم رجل وجهه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(141) بحار الأنوار 52: 307/ ح 81.
(142) الغيبة للنعماني: 272/ باب 14/ ح 26.
(143) الغيبة للنعماني: 269 و270/ باب 14/ ح 21.
إلى قفاه وقفاه إلى صدره ويقف بين يديه فيقول: أنا وأخي بشير(144) أمرني ملك من الملائكة أن ألحق بك وأُبشرك بهلاك السفياني بالبيداء، فيقول له القائم: بيِّن قصَّتك وقصَّة أخيك نذير، فيقول الرجل: كنت وأخي نذيراً في جيش السفياني فخربنا الدنيا من دمشق إلى الزوراء وتركناهم حمماً، وخربنا الكوفة، وخربنا المدينة، وروثت أبغالنا في مسجد رسول الله، وخرجنا منها نُريد مكّة وعددنا ثلاثمائة ألف رجل نريد مكّة والمدينة وخراب البيت العتيق وقتل أهله، فلمَّا صرنا بالبيداء عرسنا بها، فصاح صائح: يا بيداء بيدي بالقوم الكافرين، فانفجرت الأرض وابتلعت ذلك الجيش، فوَالله ما بقي على الأرض عقال ناقة ولا سواه غيري وأخي نذير، فإذا بملك قد ضرب وجوهنا إلى وراء كما ترانا، وقال لأخي: ويلك يا نذير أنذر الملعون بدمشق بظهور مهدي آل محمّد وأنَّ الله قد أهلك جيشه بالبيداء، وقال لي: يا بشير الحق بالمهدي بمكّة فبشره بهلاك السفياني وتُبْ على يده فإنَّه يقبل توبتك، فيمرّ القائم يده على وجهه فيردّه سوياً كما كان ويبايعه ويسير معه)(145).
العلامات التي ذكرها الشيخ المفيد (رحمه الله):
قال الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد: (قد جاءت الأخبار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي (عليه السلام) وحوادث تكون أمام قيامه، وآيات ودلالات، فمنها: خروج السفياني، وقتل الحسني، واختلاف بني العبّاس في الملك الدنياوي، وكسوف الشمس في النصف من شهر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(144) هكذا في المصدر، والصحيح: (نذير).
(145) الهداية الكبرى: 399.
رمضان، وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات، وخسف بالبيداء، وخسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وركود الشمس من عند الزوال إلى وسط أوقات العصر، وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام، وهدم سور الكوفة، وإقبال رايات سود من قِبَل خراسان، وخروج اليماني، وظهور المغربي بمصر وتملّكه للشامات، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، وطلوع نجم بالمشرق يضيء كما يضيء القمر ثمّ ينعطف حتَّى يكاد يلتقي طرفاه، وحمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها، ونار تظهر بالمشرق طولاً وتبقى في الجوّ ثلاثة أيّام أو سبعة أيّام، وخلع العرب أعنَّتها وتملّكها البلاد وخروجها عن سلطان العجم، وقتل أهل مصر أميرهم، وخراب الشام، واختلاف ثلاثة رايات فيه، ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر ورايات كندة إلى خراسان، وورود خيل من قِبَل المغرب حتَّى تربط بفناء الحيرة، وإقبال رايات سود من المشرق نحوها، وبثق في الفرات حتَّى يدخل الماء أزقَّة الكوفة، وخروج ستّين كذّاباً كلّهم يدَّعي النبوَّة، وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلّهم يدَّعي الإمامة لنفسه، وإحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العبّاس بين جلولاء وخانقين، وعقد الجسر ممَّا يلي الكرخ بمدينة السلام، وارتفاع ريح سوداء بها في أوّل النهار، وزلزلة حتَّى ينخسف كثير منها، وخوف يشمل أهل العراق، وموت ذريع فيه، ونقص من الأنفس والأموال والثمرات، وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتَّى يأتي على الزرع والغلاَّت، وقلَّة ريع لما يزرعه الناس، واختلاف صنفين من العجم، وسفك دماء كثيرة
فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعة ساداتهم وقتلهم مواليهم، ومسخ لقوم من أهل البدع حتَّى يصيروا قردة وخنازير، وغلبة العبيد على بلاد السادات، ونداء من السماء حتَّى يسمعه أهل الأرض كلّ أهل لغة بلغتهم، ووجه وصدر يظهران من السماء للناس في عين الشمس، وأموات ينشرون من القبور حتَّى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون.
ثمّ يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتَّصل فتُحيى بها الأرض من بعد موتها وتُعرف بركاتها، وتزول بعد ذلك كلّ عاهة عن معتقدي الحقّ من شيعة المهدي (عليه السلام)، فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكّة فيتوجَّهون نحوه لنصرته، كما جاءت بذلك الأخبار.
ومن جملة هذه الأحداث محتومة ومنها مشترطة، والله أعلم بما يكون، وإنَّما ذكرناها على حسب ما ثبت في الأُصول وتضمَّنها الأثر المنقول، وبالله نستعين وإيّاه نسأل التوفيق)(146).
الفائدة من معرفة علامات الظهور:
والفائدة من معرفة هذه العلامات هي الوقوف في وجه أدعياء المهدوية، والذين يقولون بأنَّهم جند السماء، فعلينا أن نُعلِّم أولادنا على أنَّ كلّ دعوى قبل الصيحة وخروج السفياني فهي باطلة كما ورد في توقيع الإمام المهدي (عليه السلام) لسفيره الرابع علي بن محمّد السمري (رضي الله عنه)(147).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(146) الإرشاد 2: 368 - 370.
(147) كمال الدين: 516/ باب 45/ ح 44.
فالذي يدَّعي أنَّه سفير الإمام(148) أو جند السماء(149) أو غيرها من الادّعاءات الواهية فهو كاذب مفتر، وأتباعه همج رعاع يتبعون كلّ ناعق.
وهناك شبهات كثيرة علينا مواجهتها بمعرفة علامات الظهور، وعلينا أن لا نُقدِّس الأشخاص تقديساً مطلقاً، لأنَّه من الممكن أن ينحرف الإنسان يوماً من الأيّام، فهذا علي بن أبي حمزة البطائني أحد عمد الواقفية الذي كان وكيلاً للإمام الكاظم (عليه السلام) قد انحرف في آخر أيّامه، فامتنع عن تسليم المبالغ التي كانت بيده للإمام الرضا (عليه السلام) وادَّعى أنَّ الإمام الكاظم (عليه السلام) لم يمت بل غاب وسوف يظهر(150)، واتَّبعه على ذلك الهمج الرعاع لتقديسهم المطلق له.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(148) إشارة إلى أحمد إسماعيل كاطع من عشيرة البوسويلم في البصرة، من مواليد عام (1968م)، سمّى نفسه أحمد الحسن، ولقَّب نفسه باليماني، وزعم أنَّه رسول الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، وأنَّه معصوم ويلتقي بالملائكة، وغيرها من الادّعات الباطلة، واستطاع أن يجمع لنفسه أتباعاً بالسحر والتنويم المغناطيسي، شعاره نجمة داود (عليه السلام) ويدَّعي بأنَّها ستكون على راية المهدي المنتظر. وسيأتي في آخر الكتاب ملحق في الردِّ على أدلَّته الواهية.
(149) إشارة إلى حركة جند السماء، وهو تنظيم عراقي منحرف كان يقوده شخص مختلف في اسمه قال البعض: إنَّه (أحمد كاظم الكرعاوي البصري) وقال البعض: إنَّه (كاظم عبد الزهرة)، من عشيرة (الأكرع) المشهورة في مدينة الحلَّة، وكان يدَّعي السيادة كذباً وزوراً، وكان يُسمّي نفسه علي بن علي بن أبي طالب، وأطلقت عليه جماعته اسم (المهدي المنتظر)، وقد تمَّ اعتقاله في إيران بسبب ادّعاه بأنَّه أحد سفراء الإمام المهدي (عليه السلام)، وبعد الإفراج عنه عاد إلى العراق وأسَّس تنظيمه الذي سمّاه (جند السماء)، وادَّعى مرَّة أُخرى بأنَّه سفير الإمام المهدي (عليه السلام)، وقاد جماعته إلى (زركة) إحدى المناطق المجاورة لمدينة النجف الأشرف، وكان يُخطِّط لاحتلال مرقد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقتل أو اختطاف المراجع الشيعية البارزة في يوم عاشوراء الذي كان يصادف يوم الثلاثاء (30/ يناير/ 2007م)، ولكن تمَّ القضاء عليه وعلى معظم أعضاء تنظيمه عن طريق القوّات العراقية قبل تنفيذ عمليتهم بيوم واحد.
(150) راجع: معجم رجال الحديث 12: 234 - 253/ الرقم 7846.
نحن الشيعة نُقدِّس العلماء ما داموا ثابتين على الموازين الشرعية، فلا يأتي فلان ويقول: أنا تلميذ فلان عالم، فإنَّ دراسته عند فلان لا توجب أن نُقدِّسه تقديساً مطلقاً.
ولكن اتّباعي للإمام المهدي (عليه السلام) اتّباع مطلق لأنَّ الله (عزَّ وجلَّ) عصمه وجعله من أهل التطهير ووارث الكتاب، وتكليفنا في عصر الغيبة أن نكون متعلِّمين على سبيل نجاة، ودعاؤنا: (الحقّ أحقُّ من أن يُتَّبع).
كيفية خروج الإمام المهدي (عليه السلام):
إنَّ ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) أمر لا بدَّ منه فقد ورد في كيفية خروجه (عليه السلام) روايات كثيرة نذكر بعضها:
روى ابن قولويه (رحمه الله) في كامل الزيارات بسنده عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (كأنّي بالقائم (عليه السلام) على نجف الكوفة وقد لبس درع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فينتفض هو بها فتستدير عليه فيغشيها بخداجة من إستبرق، ويركب فرساً أدهم بين عينيه شمراخ فينتفض به انتفاضة، لا يبقى أهل بلد إلَّا وهم يرون أنَّه معهم في بلادهم، فينشر راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) عمودها من عمود العرش وسائرها من نصر الله، لا يهوي بها إلى شيء أبداً إلَّا هتكه الله. فإذا هزَّها لم يبقَ مؤمن إلَّا صار قلبه كزبر الحديد، ويُعطي المؤمن قوَّة أربعين رجلاً، ولا يبقى مؤمن إلَّا دخلت عليه تلك الفرحة في قبره، وذلك حين يتزاورون في قبورهم ويتباشرون بقيام القائم، فينحطُّ عليه ثلاث عشر آلاف ملك وثلاثمائة وثلاث عشر ملكاً). قلت: كلّ هؤلاء الملائكة، قال: (نعم الذين كانوا مع نوح في السفينة، والذين كانوا مع إبراهيم حين أُلقي في النار، والذين كانوا مع موسى حين فلق البحر لبني إسرائيل، والذين كانوا مع عيسى
حين رفعه الله إليه، وأربعة آلاف ملك مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) مسوّمين وألف مردفين وثلاثمائة وثلاثة عشر ملائكة بدريين، وأربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين (عليه السلام) فلم يُؤذَن لهم في القتال. فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة، ورئيسهم ملك يقال له: منصور، فلا يزوره زائر إلَّا استقبلوه، ولا يودِّعه مودِّع إلَّا شيَّعوه، ولا يمرض مريض إلَّا عادوه، ولا يموت ميّت إلَّا صلّوا على جنازته، واستغفروا له بعد موته، وكلّ هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائم (عليه السلام) إلى وقت خروجه (عليه السلام))(151).
وروى النعماني (رحمه الله) في الغيبة بسنده عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (لا يخرج القائم (عليه السلام) حتَّى يكون تكملة الحلقة)، قلت: وكم تكملة الحلقة؟ قال: (عشرة آلاف، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، ثمّ يهزُّ الراية ويسير بها فلا يبقى أحد في المشرق ولا في المغرب إلَّا لعنها، وهي راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) نزل بها جبرئيل يوم بدر). ثمّ قال: (يا أبا محمّد، ما هي والله قطن ولا كتان ولا قزّ ولا حرير)، قلت: فمن أيّ شيء هي؟ قال: (من ورق الجنَّة، نشرها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر، ثمّ لفَّها ودفعها إلى علي (عليه السلام)، فلم تزل عند علي (عليه السلام) حتَّى إذا كان يوم البصرة نشرها أمير المؤمنين (عليه السلام) ففتح الله عليه، ثمّ لفَّها وهي عندنا هناك لا ينشرها أحد حتَّى يقوم القائم (عليه السلام)، فإذا هو قام نشرها فلم يبقَ أحد في المشرق والمغرب إلَّا لعنها، ويسير الرعب قدّامها شهراً، وورائها شهراً، وعن يمينها شهراً، وعن يسارها شهراً)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(151) كامل الزيارات: 233 - 235/ باب 41/ ح (348/5).
ثمّ قال: (يا أبا محمّد، إنَّه يخرج موتوراً غضبان أسفاً لغضب الله على هذا الخلق، يكون عليه قميص رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) الذي كان عليه يوم أُحُد، وعمامته السحاب، ودرعه درع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) السابغة، وسيفه سيف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ذو الفقار، يُجرِّد السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجاً، فأوّل ما يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم ويعلّقها في الكعبة، وينادي مناديه: هؤلاء سرّاق الله، ثمّ يتناول قريشاً فلا يأخذ منها إلَّا السيف، ولا يعطيها إلَّا السيف، ولا يخرج القائم (عليه السلام) حتَّى يقرأ كتابان، كتاب بالبصرة، وكتاب بالكوفة، بالبراءة من علي (عليه السلام))(152).
مسيرة حركة الإمام المهدي (عليه السلام):
يبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة وعدَّتهم سبعون ألفاً، فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً، والمهدي (عليه السلام) يومئذٍ في المدينة، ثمّ بعد ذلك يبعث السفياني بعثاً إلى المدينة عدَّتهم ثلاثمائة ألف رجل، فينفر المهدي منها إلى مكّة، فيدخل جيش السفياني المدينة ويخربون مسجدها وتروث بغالهم فيه، فيبلغ أمير جيش السفياني أنَّ المهدي قد خرج إلى مكّة، فيبعث جيشاً على أثره فلا يدركه حتَّى يدخل مكّة، فينزل أمير جيش السفياني البيداء فينادي منادٍ من السماء: يا بيداء، بيدي القوم، فيخسف بهم، ولا يبقى من جيشه إلَّا اثنان أحدهما بشير والآخر نذير، فيقول الملك لبشير: امض إلى المهدي وبشره بهلاك جيش السفياني، ويقول لنذير: امض إلى السفياني فعرّفه بظهور المهدي (عليه السلام)(153).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(152) الغيبة للنعماني: 319 - 321/ باب 19/ ح 2.
(153) راجع: مختصر بصائر الدرجات: 185؛ الغيبة للنعماني: 289 و290/ باب 14/ ح 67.
ثمّ بعد ذلك يخرج القائم (عليه السلام) من مكَّة حتَّى ينتهي إلى البيداء(154)، ويخبر الناس بما حدث فيها، ثمّ يدخل المدينة ويُعيِّن قبر أُمّه الزهراء (عليها السلام)، فتقام هناك المآتم، ثمّ يخرج من المدينة إلى الكوفة وينادي مناديه: ألَا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً، ويحمل حجر موسى بن عمران (عليه السلام) وهو وقر بعير، فلا ينزل منزلاً إلَّا انبعث عين منه، فمن كان جائعاً شبع، ومن كان ظمآناً روي، فهو زادهم حتَّى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة(155). ويطيل المكث في الكوفة، ويكون فيها دار ملكه، ومجلس حكمه جامعها، وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة، وموضع خلواته الذكوات البيض من الغريين(156)، ويُصلّي الجمعة حتَّى يضيق مسجد الكوفة بالمصلّين، فيخرج (عليه السلام) إلى الغري فيخطّ مسجداً له ألف باب يسع الناس(157).
إنجازات الإمام (عليه السلام) في الكوفة:
يقوم الإمام (عليه السلام) بالعديد من المهام في مدينة الكوفة، منها:
أوّلاً: يبني مسجداً له ألف باب في ظهر الكوفة، فعن مفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إنَّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها، واستغنى الناس [من ضوء الشمس](158)، ويُعمِّر الرجل في ملكه حتَّى يولد له ألف ذكر لا يولد فيهم أُنثى، ويبني في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(154) راجع: تأويل الآيات الظاهرة: 478/ ح 12.
(155) الكافي 1: 231/ باب ما عند الأئمّة (عليهم السلام) من آيات الأنبياء (عليهم السلام)/ ح 3.
(156) راجع: بحار الأنوار 53: 11.
(157) راجع: الغيبة للطوسي: 469/ ح 485.
(158) الإضافة من بحار الأنوار.
وتتَّصل بيوت الكوفة بنهر كربلاء وبالحيرة، حتَّى يخرج الرجل يوم الجمعة على بغلة سفواء يريد الجمعة فلا يدركها)(159).
ثانياً: يُعلِّم الناس تأويل القرآن، فعن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنَّه قال: (إذا قام قائم آل محمّد (عليه السلام) ضرب فساطيط لمن يُعلِّم الناس القرآن على ما أنزل الله (جلّ جلاله)، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم، لأنَّه يخالف فيه التأليف)(160)، فما هو موجود عندنا اليوم من تفسير للقرآن الكريم هو عبارة عن كشف ظاهري لمعاني القرآن، ولكن الإمام (عليه السلام) يُعلِّم الناس التفسير الواقعي ويزيد في تعميق المعرفة.
ثالثاً: يحكم بحكم الله الغيبي لا يطلب من أحد شهوداً، فعن سعدان بن مسلم، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: (بينا الرجل على رأس القائم يأمره وينهاه إذ قال: أديروه، فيديرونه إلى قدامه، فيأمر بضرب عنقه، فلا يبقى في الخافقين شيء إلَّا خافه)(161)، لأنَّه بحسب معايير الناس الظاهرية أنَّ هذا الشخص يُصلّي ويصوم وشاهر سيفه لخدمة الإمام (عليه السلام) فكيف يأمر بقتله!؟
وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: (إذا قام قائم آل محمّد عليه وعليهم السلام حكم بين الناس بحكم داود لا يحتاج إلى بيّنة، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه، ويخبر كلّ قوم بما استبطنوه، ويعرف وليّه من عدوّه بالتوسّم)(162)، ولذلك قال الإمام الباقر (عليه السلام): (إنَّما سُمّي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(159) الغيبة للطوسي: 468/ ح 484؛ بحار الأنوار 52: 330/ ح 52.
(160) الإرشاد 2: 386.
(161) الغيبة للنعماني: 245 و246/ باب 13/ ح 32.
(162) الإرشاد 2: 386.
المهدي مهدياً لأنَّه يهدي إلى أمر خفي)(163)، ومن أمثلة الأمر الخفي أنَّه يقتل حسب الموازين الموجودة عنده (عليه السلام)، وليس بحسب الموازين التي يفهمها الناس، بدليل ما جاء في ذيل رواية الإمام الباقر (عليه السلام): (يهدي لما في صدور الناس، يبعث إلى الرجل فيقتله لا يُدرى في أيّ شيء قتله)(164).
والقرآن الكريم هيَّأ المؤمنين لقبول هذه الفكرة بسرده قضيّة الخضر مع موسى (عليه السلام)، فالخضر قتل الغلام بما جرى عليه خطّ التكليف واعترض عليه موسى (عليه السلام)، وكان فعل الخضر صحيحاً واعتراض موسى (عليه السلام) صحيحا أيضاً، لأنَّه هناك ميزانان: ميزان للشريعة الظاهرية، وميزان للعلم اللدنّي. وهذا المثال القرآني يفيدنا في قضيّة ارتباطنا بالإمام المهدي (عليه السلام)، فالإمام إذا خرج سيرينا أفعالاً شبيهة بأفعال الخضر (عليه السلام)، بل وأخطر وأدهى وأخفى منها.
أحكام جديدة:
بعد أن يدخل الإمام المهدي (عليه السلام) الكوفة سيطبِّق أحكاماً لم تُطبَّق من قبل، منها: أنَّه يورِّث الأخ من أخيه لا في الولادة بل في الأظلَّة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: (إنَّ الله تبارك وتعالى آخى بين الأرواح في الأظلَّة قبل أن يخلق الأجساد بألفي عام، فلو قد قام قائمنا أهل البيت ورَّث الأخ الذي آخى بينهما في الأظلَّة، ولم يُورِّث الأخ في الولادة)(165).
إذن هناك أحكام جديدة سيعلنها الإمام المهدي (عليه السلام)، ولهذا يتبادر للذهن تساؤل هو: هل سيأتي الإمام (عليه السلام) بشريعة جديدة، بقرآن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(163) دلائل الإمامة: 466/ ح (451/55).
(164) المصدر السابق.
(165) من لا يحضره الفقيه 4: 352/ ح 5761.
جديد، بسُنَّة جديدة!؟ الجواب: نعم، لكن ليس قرآناً غير قرآن جدّه (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وإنَّما القرآن هو نفسه الموجود بين أيدينا اليوم إلَّا أنَّ الإمام (عليه السلام) يرتِّب آياته بحسب النزول(166)، ويشرح مطالبها ويستخرج مصحف أمير المؤمنين (عليه السلام)(167).
خروج البترية على الإمام المهدي (عليه السلام):
ويخرج عليه في الكوفة ستّة عشر ألف من البترية، هؤلاء عندهم ولاية لأهل البيت (عليهم السلام) ولكن ليس لديهم براءة، سمّوا البترية لقول زيد بن علي (عليه السلام) لهم: أتتبرَّؤون من فاطمة (عليها السلام) بترتم أمرنا بتركم الله، فيومئذٍ سمّوا البترية. هؤلاء يخرجون من الكوفة يقولون للإمام (عليه السلام): يا بن فاطمة، ارجع لا حاجة لنا فيك، فيضع السيف فيهم من العصر إلى العشاء، لا يفوت منهم رجل ولا يقتل من أصحاب الإمام (عليه السلام) أحد(168).
مهام الإمام المهدي (عليه السلام) في الشام وبيت المقدس:
ثمّ يأتي الإمام (عليه السلام) إلى الشام لمواجهة السفياني، فإذا بلغ السفياني أنَّ القائم قد توجَّه إليه من ناحية الكوفة، يتجرَّد بخيله حتَّى يلقى القائم، فيخرج فيقول: أَخرجوا إليَّ ابن عمّي، فيخرج عليه السفياني فيكلّمه القائم (عليه السلام)، فيجيء السفياني فيبايعه ثمّ ينصرف إلى أصحابه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(166) القرآن المرتَّب بحسب النزول جمعه أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأكَّد السيّد الخوئي (قدّس سرّه) أنَّه لا يزيد في آياته وحروفه عن الموجود، فالآيات هي الآيات والسور هي السور ولكن يختلف من حيث الترتيب، وفيه تفسير وتأويل والعلوم التي تستخرج من الآية المباركة. (أُنظر: تفسير البيان: 225).
(167) راجع: إلزام الناصب 1: 421.
(168) راجع: من لا يحضره الفقيه 4: 544؛ دلائل الإمامة: 455 و456/ ح (435/39).
فيقولون له: ما صنعت؟ فيقول: أسلمت وبايعت، فيقولون له: قبَّح الله رأيك بين ما أنت خليفة متبوع فصرت تابعاً، فيستقبله فيقاتله، ثمّ يمسون تلك الليلة، ثمّ يصبحون للقائم (عليه السلام) بالحرب فيقتتلون يومهم ذلك. ثمّ إنَّ الله تعالى يمنح القائم وأصحابه أكتافهم فيقتلونهم حتَّى يفنوهم حتَّى أنَّ الرجل يختفي في الشجرة والحجرة، فتقول الشجرة والحجرة: يا مؤمن هذا رجل كافر فاقتله، فيقتله، فتشبع السباع والطيور من لحومهم، فيقيم بها القائم (عليه السلام) ما شاء. ثمّ يعقد بها القائم (عليه السلام) ثلاث رايات: لواء إلى القسطنطينية يفتح الله له، ولواء إلى الصين فيفتح له، ولواء إلى جبال الديلم فيفتح له(169).
ثمّ يأتي الإمام (عليه السلام) إلى بيت المقدس، ويحضر وقت صلاة الصبح ويتقدَّم الإمام (عليه السلام) ليُصلّي بالناس فإذا بعيسى بن مريم (عليه السلام) ينزل من السماء، فيرجع الإمام (عليه السلام) القهقرى ليتقدَّم عيسى (عليه السلام)، ويقول له الإمام (عليه السلام): تعال صلّ بنا، فيضع عيسى (عليه السلام) يده بين كتفيه ثمّ يقول له: تقدَّم، إنَّ بعضكم على بعض أمراء تكرمة من الله لهذه الأُمَّة، فيتقدَّم الإمام المهدي (عليه السلام) ويُصلّي عيسى بن مريم (عليه السلام) خلفه(170).
ثمّ يستخرج التوراة وسائر كتب الله (عزَّ وجلَّ) من غار بأنطاكية، فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن(171).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(169) بحار الأنوار 52: 388/ ح 206.
(170) راجع: بحار الأنوار 51: 85 و90.
(171) راجع: الغيبة للنعماني: 243/ باب 13/ ح 26.
إنَّ من المعتقدات المهمّة عند الشيعة هو الاعتقاد بالرجعة، وقد عرف مذهب الإمامية بها منذ القِدَم، وهي ثابتة عند الإمامية بالتواتر، ولكن بعض العقائد والأحكام تكون متواترة عند جميع الفِرَق الإسلاميّة وبعضها تكون متواترة عند مذهب خاصّ، والرجعة من المتواترات في المذهب الشيعي، فقضيّة الرجعة ليست كقضيّة الإمام المهدي (عليه السلام) متواترة عند الجميع، بل هي متواترة عند الشيعة خاصَّة، وأبناء العامّة هم الذين يُؤكِّدون في كتبهم على تواتر الرجعة عند الشيعة، ومن الذين قالوا بتواتر الرجعة عند الشيعة مسلم النيسابوري، قال في صحيحه: (حدَّثني سَلَمة بن شبيب، حدَّثنا الحميدي، حدَّثنا سفيان، قال: كان الناس يحملون عن جابر قبل أن يظهر ما أظهر، فلمَّا أظهر ما أظهر اتَّهمه الناس في حديثه، وتركه بعض الناس، فقيل له: وما أظهر؟ قال: الإيمان بالرجعة)(172).
ونقل الذهبي في ميزان الاعتدال أنَّ جابر كان يحفظ خمسين ألف حديث، ولكن لا نروي عنه لأنَّه يقول بالرجعة(173).
فهم يحرمون أنفسهم من أحاديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) التي تنقل بواسطة جابر الجعفي عن الإمام الباقر (عليه السلام) لأنَّ جابر يعتقد بالرجعة، وهذا دليل على أنَّ عقيدة الرجعة قد عُرِفَ بها المذهب الشيعي من القديم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(172) صحيح مسلم 1: 15.
(173) راجع: ميزان الاعتدال 1: 379/ الرقم 1425.
هنا يأتي سؤال: هل الاعتقاد برجعة أهل البيت (عليهم السلام) واجب كالاعتقاد بالإمام المهدي (عليه السلام)؟
الجواب: أنَّ الاعتقاد بالرجعة يختلف قليلاً عن الاعتقاد بالإمام المهدي (عليه السلام)، فإنَّ الاعتقاد به (عليه السلام) واجب فعلي منجَّز، أي يجب على الإنسان أن يُحصِّل الدليل على ذلك، فلا يجوز لأحد أن يقول: إنّي لا أدري هل الإمام المهدي (عليه السلام) مولود حيّ أم لا؟ بل عليه أن يبحث في الأدلَّة لكي يحصل له الجزم بذلك، أمَّا الاعتقاد بالرجعة فهو واجب معلَّق، يعني إن ظفر الإنسان بالدليل وجب عليه الاعتقاد بها، وإن لم يظفر بالدليل لا يجب عليه أن يعتقد بها، فإذا قال أحد: إنّي لا أعلم بأنَّ الرجعة هل هي ثابتة أم لا، فهل يجب عليَّ البحث؟ الجواب: كلَّا لا يجب البحث، ولكن إذا بحثت واتَّضح لك بالدليل ثبوتها فيجب عليك الاعتقاد بها، هذا هو الفرق بين الاعتقاد بالرجعة والاعتقاد بالإمام المهدي (عليه السلام).
معنى الرجعة:
هناك عدَّة مفاهيم يجب على الإنسان فهمها، فهناك مفهوم الرجعة ومفهوم الظهور ومفهوم المعاد ومفهوم التناسخ، ولنشرح هذه المفاهيم باختصار:
أمَّا مفهوم الظهور فواضح، ويُراد به ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، بمعنى أنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) الآن حيّ يرزق ولكنَّه غائب مستور عن الأبصار، وسوف يظهر ويعرف الناس ويعرفونه، هذا هو معنى الظهور.
وأمَّا الرجعة فهي ليست بمعنى الظهور، بل بمعنى الاعتقاد بأنَّ هناك أقواماً كانوا أحياءاً وخرجوا من الدنيا بالموت، ولكن حينما يأذن الله تعالى لهم تعود أرواحهم إلى أجسادهم فيرجعون إلى دار الدنيا مرَّة أُخرى، ويكلَّفون بالصلاة والصيام وسائر الأحكام الشرعية.
وأمَّا التناسخ الذي أطبق المسلمون على بطلانه هو تعلّق الأرواح بعد خراب أجسامها بأجسام أُخر في هذا العالم إمَّا عنصرية كما يزعمه بعضهم ويقسّمه إلى النسخ والمسخ والفسخ والرسخ، أو فلكية ابتداءاً أو بعد تردّدها في الأبدان العنصرية على اختلاف آرائهم الواهية المفصَّلة في محلّها، وأمَّا القول بتعلّقها في عالم آخر بأبدان مثالية مدَّة البرزخ إلى أن تقوم قيامتها الكبرى فتعود إلى أبدانها الأوّلية بإذن مبدعها إمَّا بجمع أجزائها المتشتّتة أو بإيجادها من كتم العدم كما أنشأها أوّل مرَّة فليس من التناسخ.
وأمَّا المعاد فقد اتَّضح ممَّا ذكرنا أنَّه بمعنى عود الروح إلى الجسد في يوم القيامة.
فرق المعاد عن الرجعة:
يأتي هنا سؤال: ما هو فرق المعاد عن الرجعة؟
الجواب: فرق المعاد عن الرجعة هو أنَّ المعاد حشر عامّ، قال تعالى: (وَحَشرناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً) (الكهف: 47)، أمَّا الرجعة فهي حشر جزئي، قال تعالى: (وَيَوْمَ نَحْشر مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ) (النمل: 83)، فالسُّنَّة الإلهية اقتضت أن يعود إلى دار الدنيا من محض الإيمان محضاً ومن محض الكفر
محضاً(174) لكي يتكامل من محض الإيمان ويعاقب من محض الكفر، فالذي محض الكفر محضاً يعاقب مرَّتين، مرَّة في دار الدنيا وأُخرى في الآخرة.
هناك مبحث فلسفي يتطرَّق إليه الفلاسفة وهو أنَّ كلّ شيء إذا وصل إلى مرحلة القوَّة صار فعلياً، ولكن أن يوجد شيء وبعد ذلك مرَّة أُخرى يعود إلى مرحلة القوَّة فهذا مستحيل عقلاً، مثلاً البيضة التي هي بالفعل بيضة وبالقوَّة دجاجة إذا جلست الدجاجة عليها ضمن شروط معيَّنة بعد فترة تصير دجاجة بالفعل، وإذا صارت دجاجة بالفعل فلا يمكن عقلاً أن ترجع مرَّة أُخرى تصير بيضة، هذا معناه أنَّ الموجود إذا صار بالفعل لا يتراجع ويصير بالقوَّة.
ومثال آخر: النطفة التي الآن بالفعل هي نطفة إذا قُذِفَتْ في الرحم فمن الممكن أن تكون إنساناً بعد تسعة أشهر، وإذا صارت إنساناً بالفعل فلا يمكن أن يرجع هذا الإنسان ويصير مرَّة أُخرى نطفةً، فهذا مستحيل عقلاً.
فصاحب الإشكال يُريد أن يقول بأنَّ الإنسان إذا مات صار ميّتاً بالفعل فكيف يرجع ويصير حيّاً مرَّة أُخرى، فكأنَّه يُريد أن يقول بأنَّ الرجعة كرجوع الشيء من الفعل إلى القوَّة، وهذا مستحيل.
الجواب: يقول العلماء صحيح أنَّ هناك قواعد عقلية لا تقبل الاستثناء من قبيل: واحد زائد واحد يصير اثنين دائماً، والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان دائماً، والله تعالى لا يُرى سواء في الدنيا أو في الآخرة، ولكن الرجعة ليست من هذا القبيل، فإنَّ هناك من البشر من يعيش في الدار الدنيا عيشة كاملة يحصل فيها بالفعل على كلّ الاستعدادات التي كانت عنده بالقوَّة، فهذا الإنسان يكون مصداقاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(174) تفسير القمّي 2: 131.
لتلك القاعدة العقلية، ولكن هناك من البشر من يخترمه الموت ولا تصير جميع استعداداته فعلية فهذا من الممكن أن يرجع حتَّى يتكامل في عالم الرجعة، فالاعتقاد بالرجعة لا يصطدم مع الحكم العقلي.
إنَّ الشيعة لا تستطيع أن تنكر الأحاديث الواردة في الرجعة، وقد بحث أحد الأعلام المعاصرين أكثر من خمس سنين في مبحث الرجعة وحصَّل خلالها على أكثر من ألف رواية، والحرّ العاملي روى في كتابه الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة ستمائة رواية حول الرجعة، ولكن هناك من لم يستطع أن يحلَّ مشكلة القاعدة العقلية التي ذكرناها فأتى إلى أحاديث الرجعة وتأوَّلها وقال: المقصود بالرجعة يعني رجوع الحقّ إلى أهله بظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، كيف وقد ذكرت الروايات أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يرجع، وأمير المؤمنين (عليه السلام) يرجع، والحسين (عليه السلام) يرجع، فهو لم يستطع حلّ الإشكال العقلي فأَوَّلَ أحاديث الرجعة بهذا المعنى، ونحن كذلك لو لم نستطع أن نحلّ هذا الإشكال لكان علينا أن نُؤَوِّلَ أحاديث الرجعة، فإنَّ هذا الحكم العقلي لا يقبل التخصيص، لأنَّه حكم قاطع جزمي، فمثلاً نقول في قوله تعالى: (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (الفجر: 22): إنَّ الله تبارك وتعالى لا يوجد عنده حركة لأنَّه ليس بمادّة إذن فنُؤَوِّلَ الآية ونقول: إنَّ معناه: (وجاء أمر ربِّك)، ولكنَّنا استطعنا أن نحلَّ هذه المشكلة في الرجعة، فهذا الشيخ الأوحد (رحمه الله) قد ذكر هذه الشبهة وحلّها في كتابه الرجعة، وكذلك السيّد الطباطبائي (رحمه الله) صاحب الميزان ذكر الشبهة وحلّها(175)، إذن فنحن نؤمن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(175) راجع: تفسير الميزان 2: 107.
بالرجعة ولسنا مضطرّين لتأويل الروايات الواردة فيها، فتحصَّل أنَّ العقيدة بالرجعة ثابتة عند الشيعة، وهو أنَّ من محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً فسوف يرجع إلى دار الدنيا.
وأوّل من يرجع هو الإمام الحسين (عليه السلام)، فقد ورد عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: (أوّل من تنشق الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي (عليهما السلام))(176)، والإمام الحسين (عليه السلام) هو الذي يستلم الأمر من الإمام المهدي (عليه السلام) ويحكم حتَّى يقع حاجباه على عينيه من كبر السنّ، فقد ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال في قوله تعالى: (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) (الإسراء: 6): (خروج الحسين (عليه السلام)، يخرج في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهَّبة، لكلّ بيضة وجهان، يؤذِّن المؤذّنون إلى الناس أنَّ هذا الحسين (عليه السلام) قد خرج حتَّى لا يشكّ المؤمنون فيه، وأنَّه ليس بدجّال ولا شيطان، والحجَّة القائم بين أظهرهم، فإذا استقرَّت المعرفة في قلوب المؤمنين أنَّه الحسين (عليه السلام) جاء الحجَّة الموت، فيكون الذي يغسّله ويكفّنه ويحنّطه ويلحده في حفرته الحسين بن علي (عليهما السلام)، ولا يلي الوصيّ إلَّا الوصيّ)(177)، وورد عن أبي جعفر (عليه السلام) أنَّه قال: (إنَّ أوّل من يرجع لجاركم الحسين (عليه السلام)، فيملك حتَّى يقع حاجباه على عينيه من الكبر)(178).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(176) مختصر البصائر: 123/ ح 23.
(177) مختصر بصائر الدرجات: 48.
(178) مختصر البصائر: 133/ ح 39.
ظهر في الآونة الأخيرة رجل في البصرة باسم أحمد إسماعيل كاطع وادَّعى النيابة الخاصّة، وأنَّه وصيّ الإمام المهدي (عليه السلام)، وأنَّه ابن الإمام المهدي (عليه السلام)، وأنَّه هو اليماني، بل ادَّعى أنَّه هو الإمام المهدي (عليه السلام) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، إلى غيرها من الادّعاءات الباطلة، وقد رأينا من الواجب علينا أن نردَّ هذا المدَّعي ونُبيِّن كذبه للقرّاء الكرام، فنقول:
كذب من يدَّعي النيابة الخاصّة بعد السمري (رحمه الله):
أمَّا دعواه النيابة الخاصّة فهي باطلة بدليل التوقيع الشريف الصادر من الإمام المهدي (عليه السلام) إلى نائبه الرابع علي بن محمّد السمري (رحمه الله):
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، يَا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُريَّ أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَ إِخْوَانِكَ فِيكَ، فَإِنَّكَ مَيِّتٌ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ سِتَّةِ أَيَّامٍ فَأَجْمِعْ أَمْرَكَ وَلَا تُوصِ إِلَى أَحَدٍ يَقُومَ مَقَامَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ، فَقَدْ وَقَعَتِ الْغَيْبَةُ الثَّانِيَةُ فَلَا ظُهُورَ إِلَّا بَعْدَ إِذْن اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَذَلِكَ بَعْدَ طُولِ الأَمَدِ وَقَسْوَةِ الْقُلُوبِ وَامْتِلَاءِ الأَرْضِ جَوْراً، وَسَيَأْتِي شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي الْمُشَاهَدَةَ أَلَا فَمَن ادَّعَى الْمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوجِ السُّفْيَانِيِّ وَالصَّيْحَةِ فَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ)(179)، وقد أشرنا إلى ذلك في فصول سابقة فلا نُعيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(179) كمال الدين: 516/ باب 45/ ح 44.
النيابة الخاصّة تحتاج لإثباتها إلى معجزة:
ولا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ النيابة العامّة للإمام المهدي (عليه السلام) الذي تتمثَّل اليوم بمراجعنا العظام لا تحتاج إلى معجزة لإثباتها، بل يكفي أن نعلم باجتهاده من خلال أساتذته وأبحاثه وتلامذته، بخلاف النيابة الخاصّة التي لا تكون لأحد إلَّا بتعيين الإمام (عليه السلام) للنائب فإنَّها بحاجة إلى معجزة لإثباتها.
ومثال ذلك ما جاء حول الحلَّاج الذي ادَّعى النيابة الخاصّة للإمام المهدي (عليه السلام)، فعن أبي نصر هبة الله بن محمّد الكاتب ابن بنت أُمّ كلثوم بنت أبي جعفر العمري، قال:
(لمَّا أراد الله تعالى أن يكشف أمر الحلَّاج ويظهر فضيحته ويُخزيه، وقع له أنَّ أبا سهل إسماعيل بن علي النوبختي (رضي الله عنه) ممَّن تجوز عليه مخرقته وتتمّ عليه حيلته، فوجَّه إليه يستدعيه وظنَّ أنَّ أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الأمر بفرط جهله، وقدر أن يستجرّه إليه فيتمخرق به ويتسوف بانقياده على غيره، فيستتبَّ له ما قصد إليه من الحيلة والبهرجة على الضعفة، لقدر أبي سهل في أنفس الناس ومحلِّه من العلم والأدب أيضاً عندهم، ويقول له في مراسلته إيّاه:
إنّي وكيل صاحب الزمان (عليه السلام) - وبهذا أوّلاً كان يستجرّ الجهّال ثمّ يعلو منه إلى غيره -، وقد أُمرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصرة لك لتقوي نفسك، ولا ترتاب بهذا الأمر.
فأرسل إليه أبو سهل (رضي الله عنه) يقول له: إنّي أسألك أمراً يسيراً يخفُّ مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين، وهو أنّي رجل أُحبُّ الجواري وأصبو إليهنَّ، ولي منهنَّ عدَّة أتحظّاهنَّ، والشيب
يُبعدني عنهنَّ ويُبغِّضني إليهنَّ، وأحتاج أن أخضبه في كلّ جمعة، وأتحمَّل منه مشقَّة شديدة لأستر عنهنَّ ذلك، وإلَّا انكشف أمري عندهنَّ، فصار القرب بُعداً والوصال هجراً، وأُريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤنته، وتجعل لحيتي سوداء، فإنّي طوع يديك، وصائر إليك، وقائل بقولك، وداعٍ إلى مذهبك، مع ما لي في ذلك من البصيرة ولك من المعونة.
فلمَّا سمع ذلك الحلَّاج من قوله وجوابه علم أنَّه قد أخطأ في مراسلته وجهل في الخروج إليه بمذهبه، وأمسك عنه ولم يرد إليه جواباً، ولم يرسل إليه رسولاً، وصيَّره أبو سهل (رضي الله عنه) أُحدوثة وضحكة ويطنز به عند كلّ أحد، وشهر أمره عند الصغير والكبير، وكان هذا الفعل سبباً لكشف أمره وتنفير الجماعة عنه)(180).
فأين معجزة هذا المدَّعي الكذّاب أحمد بن إسماعيل بن كاطع!؟
اليماني والسفياني كفرسي رهان:
وأمَّا دعواه بأنَّه اليماني فهي باطلة جزماً، لأنَّه قد ورد في روايات صحيحة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) أنَّ اليماني يخرج في نفس اليوم الذي يخرج فيه السفياني والخراساني، وأنَّ اليماني والسفياني كفرسي رهان، فعن بكر بن محمّد الأزدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (خروج الثلاثة: الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد...)(181).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(180) الغيبة للطوسي : 401 و402/ ح 376.
(181) الغيبة للطوسي: 447/ ح 443.
وعن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: (اليماني والسفياني كفرسي رهان)(182).
وعن أبي بصير، عن أبي جعفر محمّد بن علي (عليهما السلام) أنَّه قال: (... خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كلّ وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى، لأنَّه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكلّ مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإنَّ رايته راية هدى، ولا يحلُّ لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنَّه يدعو إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم)(183).
فهل خرج السفياني ونحن غافلون؟ أم خرج الخراساني ونحن نائمون؟ كلَّا وألف كلَّا، بل من يدَّعي أنَّه اليماني قبل خروج السفياني والخراساني فهو الكذّاب المفتر.
حديث المهديّين الاثني عشر:
وأمَّا ادّعاءه بأنَّه ابن الإمام المهدي (عليه السلام)، فلا يوجد عنده دليل على ذلك إلَّا رواية ضعيفة - يُسميّها هذا المدَّعي رواية الوصيّة وزعم أنَّها تنطبق عليه - ذكرها الشيخ الطوسي (رحمه الله) في كتابه الغيبة، وهي:
أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(182) الغيبة للنعماني: 317/ باب 18/ ح 15.
(183) الغيبة للنعماني: 264/ باب 14/ ح 13.
أحمد بن محمّد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصري، عن عمّه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيّد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) - في الليلة التي كانت فيها وفاته - لعلي (عليه السلام): يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة. فأملا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وصيَّته حتَّى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي، إنَّه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أوّل الاثني عشر إماماً سمّاك الله تعالى في سمائه علياً المرتضى، وأمير المؤمنين، والصدّيق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصحُّ هذه الأسماء لأحد غيرك. يا علي، أنت وصيّي على أهل بيتي حيّهم وميّتهم، وعلى نسائي، فمن ثبَّتَها لقيتني غداً، ومن طلَّقتها فأنا بريء منها، لم ترَني ولم أرَها في عرصة القيامة. وأنت خليفتي على أُمّتي من بعدي. فإذا حضرتك الوفاة فسلِّمها إلى ابني الحسن البرّ الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه سيّد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد المستحفظ من آل محمّد (عليهم السلام)، فذلك اثنا عشر إماماً.
ثمّ يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أوّل المقرَّبين له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي، واسم أبي وهو عبد الله، وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أوّل المؤمنين)(184).
وللردّ على كلامه نقول:
أوّلاً: إنَّ من يدَّعي الإمامة لا بدَّ أن يكون له دليل قطعي على مدَّعاه، وكذا لا بدَّ أن يكون له معاجز وكرامات، ولا يمكنه الاستناد إلى رواية واحدة ضعيفة كهذه الرواية عى إثبات مدَّعاه.
وهذه الرواية ضعيفة لاشتمال سندها على عدَّة مجاهيل، منهم علي بن سنان الموصلي العدل فإنَّه مهمل في كتب الرجال، ومنهم علي بن الحسين فهو اسم مشترك يُعرف بالراوي والمروي عنه، ومنهم أحمد بن محمّد بن الخليل فإنَّه مهمل في كتب الرجال أيضاً، ومنهم جعفر بن أحمد المصري فإنَّه مهمل كسابقه، وكذلك الحسن بن علي عمّ جعفر بن أحمد المصري فإنَّه مهمل أيضاً، ومنهم علي بن بيان بن زيد بن سيابة المصري والد الحسن بن علي فإنَّه مجهول الحال.
ثانياً: قد ثبت في علم الأُصول أنَّه لا يمكن الأخذ برواية صحيحة إذا تعارضت مع رواية أقوى منها دلالةً، وهذه الرواية لو قلنا بصحَّتها تُعارضها عدَّة روايات أقوى منها دلالةً، منها رواية الإمام الرضا (عليه السلام) التي تُؤكِّد على أنَّ الذي يستلم الأمر من الإمام المهدي (عليه السلام) هو جدّه الحسين (عليه السلام)، فعن الحسن بن علي الخزّاز، قال: دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال له: أنت إمام؟ قال: (نعم)، فقال له: إنّي سمعت جدّك جعفر بن محمّد (عليهما السلام) يقول: لا يكون الإمام إلَّا وله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(184) الغيبة للطوسي: 150 و151/ ح 111.
عقب. فقال: (أنسيت يا شيخ أو تناسيت؟ ليس هكذا قال جعفر (عليه السلام)، إنَّما قال جعفر (عليه السلام): لا يكون الإمام إلَّا وله عقب إلَّا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنَّه لا عقب له)، فقال له: صدقت جُعلت فداك هكذا سمعت جدّك يقول(185). فالإمام الرضا (عليه السلام) قد استثنى الإمام الثاني عشر من أن يكون له عقب حين موته، فكيف يدَّعي هذا الكذّاب بأنَّه أحمد ابن الإمام المهدي (عليه السلام)!؟
ومنها ما رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي بسنده عن عبد الله بن القاسم البطل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرضِ مَرَّتَيْنِ)، قال: (قتل علي بن أبي طالب (عليه السلام) وطعن الحسن (عليه السلام)، (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً))، قال: (قتل الحسين (عليه السلام)، (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) فإذا جاء نصر الحسين (عليه السلام) (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم (عليه السلام) فلا يدعون وتراً لآل محمّد إلَّا قتلوه، (وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً) خروج القائم (عليه السلام)، (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) [الإسراء: 5 و6]، خروج الحسين (عليه السلام) في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهَّب لكلّ بيضة وجهان، المؤدّون إلى الناس أنَّ هذا الحسين قد خرج حتَّى لا يشكّ المؤمنون فيه، وأنَّه ليس بدجّال ولا شيطان، والحجّة القائم بين أظهرهم، فإذا استقرَّت المعرفة في قلوب المؤمنين أنَّه الحسين (عليه السلام) جاء الحجّة الموت، فيكون الذي يُغسِّله ويُكفِّنه ويُحنِّطه ويُلحده في حفرته الحسين بن علي (عليهما السلام)، ولا يلي الوصيّ إلَّا الوصيّ)(186)، فالذي يتولّى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(185) الغيبة للطوسي: 224/ ح 188.
(186) الكافي 8 : 206/ ح 250.
الأمر من بعد الإمام المهدي (عليه السلام) هو جدّه الحسين (عليه السلام) وليس أحمد بن إسماعيل الكذّاب.
ومنها ما رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدين بسنده عن أبي بصير، قال: قلت للصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام): يا ابن رسول الله، إنّي سمعت من أبيك (عليه السلام) أنَّه قال: (يكون بعد القائم اثنا عشر مهدياً)، فقال: (إنَّما قال: اثنا عشر مهدياً، ولم يقل: اثنا عشر إماماً، ولكنَّهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقّنا)(187)، فلو صحَّ سند رواية المهديّين الاثني عشر لا يمكن الأخذ بها لمعارضتها بهذه الرواية، أو نقول بأنَّ هذه الرواية مفسِّرة لها.
ثالثاً: إنَّ من يدَّعي انتسابه إلى أحد لا بدَّ أن يكون له دليل وشواهد كإقرار الأب أو شهادة القابلة وغيرها من القرائن بدون معارضة، فما هو دليلك بأنَّك ابن الإمام المهدي (عليه السلام) يا أحمد بن إسماعيل بن كاطع!؟
معنى الرؤيا ومدى حجّيتها:
إنَّ من الأدلَّة التي يستند إليها هذا المدَّعي هو الرؤيا، ويقول بأنَّه رأى في المنام أنَّه ابن الإمام المهدي (عليه السلام) ووصيّه.
فللردَّ على كلامه هذا ينبغي لنا أن نتكلَّم في محاور ثلاثة، هي:
المحور الأوّل: تعريف الرؤيا:
هناك أكثر من نظرية في هذا الباب، منها النظرية الغربية التي تقول بأنَّ الرؤيا لا تُعبِّر عن حقيقة غيبية ولا حقيقة مستقبلية، وإنَّما هي انعكاس وتأثّر لما في الخارج، فهي عبارة عمَّا يُحدِّث به الإنسان نفسه، أو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(187) كمال الدين: 358/ باب 33/ ح 56.
انعكاس لما يعيشه من الأُمور الدنيوية، فهي قضيّة مادّية صرفة لا واقع لها، ولا تكشف عن أيّ حقيقة.
وهذا التفسير مبني على إنكار الروح والإيمان بالوجود المادّي للإنسان فقط.
أمَّا النظرية الإسلاميّة فهي تؤمن بأنَّ الرؤيا تحكي عن حقيقة ما، وتكون حاكية لأمر حادث في الماضي أو لأمر سيحدث في المستقبل.
وبناءً على هذه النظرية تكون الرؤيا متعلِّقة بالروح، لأنَّ روح الإنسان تتعلَّق بعالم الغيب في منامه، فتدرك بعض ما في ذلك العالم، وبالتالي يمكنه أن يترجم ما رآه إذا انتبه من النوم، فالنفس مجرَّدة في ذاتها مادّية في فعلها، وإذا نام الإنسان فكأنَّما تتفرَّغ النفس والتفتت إلى العالم العلوي فيحصل عندها الرؤيا.
المحور الثاني: هل كلّ رؤيا صادقة ولها حقيقة؟
يقول العلماء: صحيح أنَّ الروح أحياناً تنتقل إلى العالم العلوي، ولكن ليس كلّ روح إذا فرغت من البدن تمكَّنت من الاتّصال بعالم العقل والمجرَّدات وذلك لكدورتها وقلَّة صفائها، هذا من جهة.
ومن جهة أُخرى الإنسان كما أنَّ لديه حواسّاً ظاهرة كذلك لديه حواس باطنة تُدرس في علم النفس الفلسفي تحت عنوان الحسّ المشترك والمتخيّلة، وهذا الحسّ المشترك لديه قدرة على التصرف في الصور، فحتَّى لو انفصلت الروح عن البدن وذهبت إلى عالم المثال لا تبقى وحدها المتصرفة، بل من الممكن أن تشرك معها الحسّ المشترك فيؤثِّر على الصور التي أدركتها النفس من عالم المثال.
من هنا يقول الإمام الصادق (عليه السلام) للمفضَّل بن عمر: (فكِّر يا
مفضَّل في الأحلام كيف دبّر الأمر فيها فمزج صادقها بكاذبها، فإنَّها لو كانت كلّها تصدق لكان الناس كلّهم أنبياء، ولو كانت كلّها تكذب لم يكن فيها منفعة، بل كانت فضلاً لا معنى له، فصارت تصدق أحياناً فينتفع بها الناس في مصلحة يهتدى لها أو مضرة يتحذَّر منها، وتكذب كثيراً لئلَّا يُعتمد عليها كلّ الاعتماد)(188).
إذن الرؤى بعضها صادقة وبعضها غير صادقة، والصادقة منها بعضها قابل للتعبير وبعضها غير قابل للتعبير، فعن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: (إنَّ لإبليس شيطاناً يقال له: هزع، يملأ ما بين المشرق والمغرب في كلّ ليلة، يأتي الناس في المنام)(189)، فهو يلقي في روع الناس ومخيّلتهم صوراً تحدث بسببها أضغاث الأحلام والرؤى الكاذبة.
وإذا كانت بعض الرؤى صادقة وبعضها كاذبة فكيف نُميِّز الصادقة عن الكاذبة بنحو الجزم!؟ بل لا تفيد الرؤى إلَّا الظنّ فلا تكون حجَّة لأنَّ (الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (النجم: 28)، وبالتالي لا يثبت بالرؤيا حكماً شرعياً وغيره من الأُمور.
المحور الثالث: الرؤيا التي لها الحجّية:
أمَّا الرؤيا الحجَّة فهي رؤيا المعصوم فقط، وما يحصل فيها من الأمر والنهي فهو مختصٌّ بالمعصوم أيضاً، قال تعالى على لسان إبراهيم (عليه السلام): (قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات: 102)، وقال تعالى مخاطباً النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) (الإسراء: 60).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(188) التوحيد للمفضَّل بن عمر: 43 و44؛ بحار الأنوار 3: 85.
(189) أمالي الصدوق: 210/ ح (234/18).
إذن فالرؤيا الحجَّة هي رؤيا المعصوم أمَّا رؤيا غير المعصوم فهي وإن كانت صادقة ولكنَّها ليست بحجَّة، وهذا الأمر قد أكَّده الإمام الصادق (عليه السلام)، فعن ابن أذينة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال: (ما تروي هذه الناصبة؟)، فقلت: جُعلت فداك، في ماذا؟ فقال: (في أذانهم وركوعهم وسجودهم)، فقلت: إنَّهم يقولون: إنَّ أُبي بن كعب رآه في النوم، فقال: (كذبوا فإنَّ دين الله أعزّ من أن يُرى في النوم)(190)، فأراد (عليه السلام) أن يُقرِّر حقيقة مفادها أنَّ الرؤيا لا تصلح أن تكون مصدراً من مصادر التشريع والاعتقاد.
وأمَّا الفِرَق المنحرفة فهي تستند إلى الرؤيا في إثبات معتقداتها وتُحدِّد لها إماماً وفقاً للأحلام كما هو حال أتباع هذا المدَّعي الكذّاب أحمد إسماعيل كاطع الذين يدَّعون أنَّهم رؤوا في المنام أنَّ أحد المعصومين قال لهم: بايعوا أحمد إسماعيل كاطع، ونحن نقول لهم ما قاله الإمام الصادق (عليه السلام): كذبتم فإنَّ دين الله أعزّ من أن يُرى في النوم.
هذه هي أهمّ ما يستند إليه هذا المدَّعي الآثم، وفيما بيَّناه من الردّ عليه كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فلا نُطيل بذكر باقي خزعبلاته.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(190) الكافي 3: 482/ باب النوادر/ ح 1.
القرآن الكريم.
الاحتجاج: الطبرسي/ ت محمّد باقر الخرسان/ دار النعمان/ 1386هـ.
الإرشاد: الشيخ المفيد/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
إلزام الناصب: الشيخ علي اليزدي الحائري/ ت السيّد علي عاشور.
الأمالي: الشيخ الصدوق/ ط 1/ 1417هـ/ مؤسّسة البعثة.
الأمالي: الشيخ الطوسي/ ط 1/ 1414هـ/ دار الثقافة/ قم.
الإمامة والتبصرة: ابن بابويه/ ط1/ 1404هـ/ مدرسة الإمام الهادي/ قم.
بحار الأنوار: العلَّامة المجلسي/ ط 2/ 1403هـ/ مؤسّسة الوفاء/ بيروت.
بصائر الدرجات: الصفّار/ 1404هـ/ منشورات الأعلمي/ طهران.
تأويل الآيات: شرف الدين الحسيني/ ط 1/ 1407هـ/ مط أمير/قم.
تذكرة الخواصّ: سبط ابن الجوزي/ ذوي القربى/ط 1/ 1417هـ.
تفسير البيان: السيّد الخوئي/ ط 4/ 1395هـ/ دار الزهراء/ بيروت.
تفسير العيّاشي: العيّاشي/ المكتبة العلمية الإسلاميّة/ طهران.
تفسير القمّي: علي بن إبراهيم القمّي/ ط 3/ 1404هـ/ مؤسّسة دار الكتاب.
تفسير الميزان: الطباطبائي/ منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية/ قم.
تفسير مجمع البيان: الطبرسي/ ط 1/ 1415هـ/ مؤسّسة الأعلمي/ بيروت.
التوحيد: المفضَّل بن عمر الجعفي/ ط 2/ 1404هـ/ مؤسّسة الوفاء/ بيروت.
الجامع الصغير: السيوطي/ ط1/ 1401هـ/ دار الفكر/ بيروت.
الخرائج والجرائح: الراوندي/ ط 1/ 1409هـ/ مؤسّسة الإمام المهدي/ قم.
الخصال: الشيخ الصدوق/ 1403هـ/ جماعة المدرسين/ قم.
دلائل الإمامة: الطبري (الشيعي)/ ط1/ 1413هـ/ مؤسّسة البعثة/ قم.
سنن أبي داود: ابن الأشعث السجستاني/ ط1/ 1410هـ/ دار الفكر/ بيروت.
سنن الترمذي: الترمذي/ ط 2/ 1403هـ/ دار الفكر/ بيروت.
سير أعلام النبلاء: الذهبي/ ط 9/ 1413هـ/ مؤسّسة الرسالة/ بيروت.
صحيح ابن حبان: ابن حبان/ ط 2/ 1414هـ/ مؤسّسة الرسالة.
صحيح البخاري: البخاري/ 1401هـ/ دار الفكر/ بيروت.
صحيح مسلم: مسلم النيسابوري/ دار الفكر/ بيروت.
الصراط المستقيم: العاملي/ ط 1/ 1384هـ/ المكتبة المرتضوية.
الصواعق المحرقة: ابن حجر/ ط1/ 1997م/ مؤسّسة الرسالة/ بيروت.
علل الشرائع: الشيخ الصدوق/ 1385هـ/ منشورات المكتبة الحيدرية.
العمدة: ابن البطريق/ 1407هـ/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.
عوالي اللئالي: الأحسائي/ ط1/ 1403هـ/ مط سيّد الشهداء/ قم.
عوائد الأيّام: النراقي/مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة/ط1/ 1417هـ.
عيون أخبار الرضا: الشيخ الصدوق/ 1404هـ/ مؤسّسة الأعلمي/ بيروت.
غاية المرام: هاشم البحراني/ ت السيّد علي عاشور.
الغيبة: الشيخ الطوسي/ ط1/ 1411هـ/ مؤسّسة المعارف الإسلاميّة/ قم.
الغيبة: النعماني/ ط 1/ 1422هـ/ مط مهر/ أنوار الهدى.
فتح الباري: ابن حجر/ ط 2/ دار المعرفة/ بيروت.
الفصول المهمّة: ابن الصبّاغ/ ط 1/ 1422هـ/ مط سرور/ دار الحديث.
فضائل الصحابة: النسائي/ دار الكتب العلمية/ بيروت.
قرب الإسناد: الحميري/ ط1/ 1413هـ/ مط مهر/ مؤسّسة آل البيت/ قم.
الكافي: الشيخ الكليني/ ط5/ 1363ش/ دار الكتب الإسلاميّة/ طهران.
كامل الزيارات: ابن قولويه/ ط1/ 1417هـ/ مؤسّسة نشر الثقافة.
الكشاف: الزمخشري/ 1385هـ/ شركة مصطفى البابي الحلبي وأولاده/ مصر.
كشف الغمّة: ابن أبي الفتح الأربلي/ ط2/ 1405هـ/ دار الأضواء/ بيروت.
كفاية الأثر: الخزّاز القمّي/ 1401هـ/ مط الخيام/ انتشارات بيدار.
كمال الدين: الشيخ الصدوق/ 1405هـ/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.
كنز العمّال: المتّقي الهندي/ 1409هـ/ مؤسّسة الرسالة/ بيروت.
المحاسن: البرقي/ 1370هـ/ دار الكتب الإسلاميّة/ طهران.
مختصر البصائر: الحسن بن سليمان الحلّي/ ت مشتاق المظفّر.
مختصر بصائر الدرجات: الحسن بن سليمان الحلّي/ ط1/ 1370هـ/ منشورات المطبعة الحيدرية/ النجف الأشرف.
المزار: ابن المشهدي/ ط 1/ 1419هـ/ نشر القيّوم/ قم.
المستدرك: الحاكم النيسابوري/ إشراف يوسف عبد الرحمن المرعشلي.
مسند أبي يعلى: أبو يعلى الموصلي/ ت حسين سليم أسد/ دار المأمون للتراث.
مسند أحمد: أحمد بن حنبل/ دار الصادر/ بيروت.
مطالب السؤول: ابن طلحة الشافعي/ ت ماجد بن أحمد العطية.
معاني الأخبار: الشيخ الصدوق/ 1379هـ/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.
المعجم الكبير: الطبراني/ ط 2 مزيَّدة ومنقَّحة/ دار إحياء التراث العربي.
معجم رجال الحديث: السيّد الخوئي/ ط 5/ 1413هـ.
مقتضب الأثر: ابن عيّاش الجوهري/ مط العلمية/ مكتبة الطباطبائي/ قم.
من لا يحضره الفقيه: الشيخ الصدوق/ ط 2/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.
مناقب آل أبي طالب: ابن شهر آشوب/ 1376هـ/ المكتبة الحيدرية/ النجف.
ميزان الاعتدال: الذهبي/ ط 1/ 1382هـ/ دار المعرفة/ بيروت.
النجم الثاقب: النوري/ ط1/ 1415هـ/ أنوار الهدى/ مط مهر/ قم.
النهاية في غريب الحديث: ابن الأثير/ ط4/ 1364ش/ مؤسّسة إسماعيليان.
نهج البلاغة: الشريف الرضي/ ت صبحي صالح/ ط 1/ 1387هـ/ بيروت.
الهداية الكبرى: الخصيبي/ ط 4/ 1411هـ/ مؤسّسة البلاغ/ بيروت.
ينابيع المودَّة: القندوزي/ ط 1/ 1416هـ/ دار الأُسوة.
* * *