المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) الإمام الثاني عشر (مقتبس من كتاب في رحاب العقيدة)

المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) الإمام الثاني عشر
مقتبس من كتاب في رحاب العقيدة

سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الكبير السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم (قدّس سرّه)
تقديم: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
رقم الإصدار: 166
الطبعة الثانية 1442هـ

فهرست الموضوعات

مقدّمة المركز..................3
المقدّمة..................7
تمهيد: [الإمامة عهد إلهي يجب معرفته على الخلق]..................11
الفصل الأوَّل: [الأئمّة اثنا عشر بالنصّ والتعيين]..................17
بعض التساؤلات حول هذه الأحاديث والجواب عنها..................102
ما روي عن الأئمّة (عليهم السلام) في تعداد الأئمّة الاثني عشـر (عليهم السلام)..................106
الفصل الثاني: نصوص إمامة الحجَّة بن الحسن المنتظر (عليه السلام)..................123
طوائف من الأحاديث تشهد بإمامة المهدي (عليه السلام)..................150
الطائفة الأُولى: ما دلَّ على أنَّ الأئمّة اثنا عشر..................150
الطائفة الثانية: ما دلَّ على أنَّ الأئمّة تسعة من ذرّية الحسين (عليه السلام)..................150
الطائفة الثالثة: ما دلَّ على أنَّ المهدي من ذرّية الحسين (عليه السلام)..................151
الطائفة الرابعة: ما تضمَّن أنَّ المهدي هو آخر الأئمّة أو من ذرّيتهم..................151
الطائفة الخامسة: ما تضمَّن خروج المهدي آخر الزمان..................152
الطائفة السادسة: ما تضمَّن تحديد طبقة المهدي في النسب..................152
الطائفة السابعة: ما تضمَّن أنَّ الأرض لا تخلو من إمام..................157
الطائفة الثامنة: ما تضمَّن أنَّ سلاح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يكون إلاَّ عند الإمام..................158
الطائفة التاسعة: ما تضمَّن جريان الإمامة في الأعقاب..................159
إشكال وجواب..................160
بطلان إمامة إسماعيل..................163
بطلان إمامة عبد الله الأفطح..................163
بطلان إمامة جعفر بن الإمام علي الهادي (عليه السلام)..................165
لماذا كان الشيعة يسألون عن الإمام المهدي (عليه السلام)..................167
أسباب ترجيح فرقة الإمامية على سائر الفِرَق..................169
الإمام المهدي (عليه السلام) عند المسلمين جميعاً واحد..................171
لا بدَّ من تحديد نظام الحكم عند الشيعة والسُّنَّة..................173
نقص نظام الحكم بحسب رؤية الجمهور ممَّا يمنع تشريعه إسلاميَّاً..................185
الأدلَّة على صحَّة مذهب الشيعة في المهدي (عليه السلام)..................187
الأمر الأوَّل: وجوب معرفة الإمام والتسليم له..................187
الأمر الثاني: الأئمّة اثنا عشر من قريش..................189
الخاتمة: شرح قاعدة اللطف وتحديده..................191
لا تنتقض قاعدة اللطف على مذهب الإمامية..................196
مصادر الكتاب..................199

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المركز:
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطاهرين، لاسيّما خاتمهم الحجَّة بن الحسن (عجَّل الله فرجه).
وبعد، فإنَّ الله تعالى قد وعد بحفظ دينه وشريعته وقرآنه، فقال عزَّ من قائل: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ﴾ (الحجر: 9)، وقد تحمَّل أعباء الرسالة وتبليغها سيّد المرسلين محمّد المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمّة الهاديين المهديين (عليهم السلام)، وفي زمن غيبة وليّنا وسيّدنا صاحب العصـر والزمان (عليه السلام) كان العلماء هم حفظة الشـريعة وقادة الأُمَّة مستحفظاً بعد مستحفظ ليزيلوا عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، استمراراً لنهج أهل البيت (عليهم السلام)، فكانوا بحقّ مصداقاً لقوله (عليه السلام): «عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد»(1)، وقوله (عليه السلام): «لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم (عليه السلام) من العلماء الداعين إليه، والدالّين عليه، والذابّين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 1: 33/ باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء/ ح 8.

(٣)

ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلَّا ارتدَّ عن دين الله، ولكنَّهم الذين يمسكون أزمَّة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكّانها، أُولئك هم الأفضلون عند الله (عزَّ وجلَّ)»(2).
وفي هذا السياق من تأصيل العقيدة ودفع الشبهات عنها من قِبَل الفقهاء وزعماء الأُمَّة جاء كتابنا هذا، بل في مقدمتها للمرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيّد محمّد سعيد الحكيم (دام ظلّه)، فهو مستلّ من موسوعته الهامّة (في رحاب العقيدة) حيث جمعت في أجزائها الثلاثة خلاصة العقيدة الشيعية الإمامية الاثني عشـرية بأدلَّتها وبراهينها العقلية والنقلية، ممَّا لا يدع مجالاً للتشكيك والشبهة في صحَّة وصدقية العقيدة الإمامية، مع ما يمتاز به من أُسلوب حواري راقي يعتمد الموضوعية واحترام الرأي الآخر، فهو بحقّ منهج العلماء الأعلام أمثال العلَّامة الحلي (رحمه الله) في كتابه (منهاج الكرامة)، والسيّد شرف الدين في مراجعاته المستمدّ من نهج أهل البيت (عليهم السلام) وطريقتهم في هداية الأُمَّة.
ونظراً لأهمّية الموسوعة من الناحية العلمية وعمق المباحث التي تحتوي عليها ودقَّتها حرصنا على استلال ما يتعلَّق منها في القضيّة المهدوية، ليكون معلماً لمن يريد المعرفة الحقّة بهذه العقيدة الإلهية، ويكفي أن نحيل القارئ العزيز إلى ما سطرته أنامل السيّد الأُستاذ في هذا الخصوص ليجد بنفسه صدق ما قلناه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) الاحتجاج 2: 260.

(٤)

وقد اقتصر عمل المركز في هذا الكتاب على النقاط التالية:
1 - إخراج الكتاب بأقسامه من التمهيد، والفصل الأوَّل ويتعرَّض إلى بيان أنَّ الأئمّة (عليهم السلام) اثنا عشـر، والفصل الثاني ويختصّ ببيان أنَّ الإمام الثاني عشـر ما هو إلَّا المهدي المنتظر (عليه السلام)، والخاتمة ويبيَّن فيها قاعدة اللطف.
2 - إكمال الروايات التي ذكرها السيّد الأُستاذ المؤلِّف بشكل مختصر في موسوعته.
3 - التقديم والتأخير لبعض فصول الموسوعة بما يناسب كتابنا هذا.
4 - إضافة بعض العبارات من أجل ربط الجمل بعضها ببعض وجعلها متناسقة بما لا يغيّر من أصل الكلام الموجود في الموسوعة.
5 - إضافة بعض العناوين للكتاب لمزيد من التوضيح.
وفي الوقت الذي يقدِّم فيه مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عليه السلام) هذا السفر المهدوي للمكتبة الإسلاميّة والقرّاء الكرام، فإنَّه يثمّن ويشكر مراجعة مكتب سماحة المرجع (دام ظلّه) وإبداء ملاحظاته القيّمة في عملنا لتهيئة هذا الكتاب القيّم وإخراجه للنور بهذه الحلَّة القشيبة.

مدير المركز
السيّد محمّد القبانچي

(٥)

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدّمة:
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
وبعد.. فإنَّ حقيقة المنقذ البشـري عند عامّة الأديان، والإمام الثاني عشـر من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) عند الشيعة الإمامية الاثني عشـرية الحقائق التي ازدحمت عندها الطروحات، وتباينت فيها وجهات النظر، ولم يألُ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) جهداً في بيان هذه الحقيقة بشكلها الناصع، ولونها الوضاء، بالأدلَّة العقلية القاطعة، والسمعية المتَّصلة بالنبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بما يتناسب والواقع الذي جرت عليه السُّنَّة الإلهية في خلقه، بأن لا تخلو الأرض من حجَّة، في كلّ عصـر وجيل، من إمام ظاهر مشهور، أو غائب مستور، لئلَّا تبطل حجج الله وبيّناته، كما حفلت النصوص النبوية الشـريفة بذلك بشكل متواتر.
ومع ذلك نرى التجاذبات حول هذه الحقيقة بما لا يتناسب مع المبادئ والثوابت التي عليها شيعة أهل البيت (عليهم السلام) من الأطراف الأُخرى، فبين مستفهم، وبين منكر، وبين متجاهل

(٧)

للحقيقة، وبين غافل عنها، حتَّى كثر الخوض في ذلك، واتَّسعت دائرة الخلاف في الأروقة المفتوحة، بل أُلِّفت الكتب المتناقضة في طرحها.
وقد قيَّظ الله تعالى أُناساً من أعمدة هذه الطائفة للدفاع عن الحقيقة المذكورة، وبيان وجهة نظر أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، في الحقب الماضية من السنين، فكتبوا العشـرات بل المئات من الكراريس والكتب، وجمعوا المصادر، ونقَّحوا النصوص، وبمختلف الأساليب، حتَّى وصل الدور لسيّدنا المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيّد محمّد سعيد الحكيم (مدَّ ظلّه)، بعد أن وجِّهت له من قِبَل بعض الشخصيات العلمية السُّنّية مجموعة من الأسئلة حول الإمامة، والخلافة، وغيرها من المسائل العقائدية.
فشمَّر ساعد الجدّ - بعد أن رأى أهلية السائل لذلك - وبدأ العمل الدؤوب، بجهد مضاعف، وجمع ما يمكن جمعه، وحصـر كلّ شاردة وواردة، في إجابات استوعبت ثلاثة من المجلَّدات، في مواضيع شتّى، تتعلَّق بعدَّة مسائل، يجمعها محوران، الإمامة، ومسألة تحريف القرآن.
وسمّاه (في رحاب العقيدة)، وقد طُبِعَ عدَّة طبعات، وانتشـر انتشاراً واسعاً في الأوساط العلمية وغيرها.
ونظراً لأهمّية ما جاء فيه، واستيعاب الأجوبة لكثير من الجوانب العلمية، والتأريخية، والعقائدية، مع محاكمة كثير من النصوص المحرَّفة التي تسهم في ضياع الحقيقة، وجمع كثير من

(٨)

النصوص المشتَّتة في بطون الكتب الحديثية والتأريخية بما يسهم في إبرازها وإجلائها، جاء هذا الكتاب الذي بين يديك أيّها القارئ الكريم، معنوناً بـ (المهدي المنتظر الإمام الثاني عشـر) مقتبساً منه جميع المسائل المتعلَّقة بالإمامة، وبالأخصّ إمامة الإمام المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه)، وجعل أرواحنا فداه، مع إضافة تدوين كافّة الإرجاعات الفنّية، والنصوص المذكور منها موضع الحاجة، وغير ذلك من الإضافات.
حتَّى أصبح جمعاً يتوافق مع ما ذُكِرَ في كتاب (في رحاب العقيدة) من حيث الأُسلوب، والطرح العلمي، وإن كان قد يختلف عنه من حيث الترتيب، وإضافة بعض العناوين الخاصّة، وتقديم بعض المباحث على بعض بما يتناسب وطبيعة التبويب المنظر فيه.
نسأل الله تعالى توفيق العاملين فيه، وتسديدهم، وتأييدهم، إنَّه أرحم الراحمين، ووليّ المؤمنين.

مكتب المرجع الدين الكبير
السيّد محمّد سعيد الحكيم (مدَّ ظلّه)
في (16/ جمادى 2/ 1435هـ)

(٩)

إنَّ مسألة معرفة الإمام ووجوب العلم به لا تخصُّ الشيعة، بل تجري في حقّ الجمهور وجميع المسلمين. لـما هو المتسالم عليه عندهم من وجوب معرفة الإمام، والتسليم له، وبيعته وطاعته، وأنَّ من ترك ذلك فميتته ميتة جاهلية(3).
وقد قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «ألَا وإنَّ أئمَّتكم وفدكم إلى الله، فانظروا من توفدون»(4).
حيث يتعيَّن حينئذٍ معرفة شخص الإمام بوجه قطعي، وذلك لا يكون إلَّا بالبحث عن الأدلَّة، والنظر فيها بوجه موضوعي منصف، بعيد عن التسامح والتشبّث بالظنون والأدلَّة الواهية، مع تجنّب اللجاجة والتكلّف في ردِّ الأدلَّة الواضحة.
كما أنَّ مقتضـى النصوص الكثيرة الواردة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) أنَّ الإمامة أمر معهود من الله تعالى كما سيأتي في الفصل الأوَّل، وليست هي بتعيين الناس، بل ولا بتعيين النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو الإمام لمن بعده، وإنَّما وظيفة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والإمام التبليغ بعهد الله تعالى بذلك، لا غير.
وعلى ذلك يقوم كيان دعوة الشيعة الإمامية سدَّدهم الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(3) راجع (ص 183) تحت عنوان: (وجوب معرفة الإمام والتسليم له).
(4) كتاب الأربعين لمحمّد طاهر القمّي الشيرازي: 378؛ قرب الإسناد: 77/ ح 250 باختلاف يسير.

(١٣)

تعالى، ولا زالوا يؤكّدون عليه في عرض دعوتهم والاستدلال عليها، حتَّى عرف عنهم، وبه يمتازون عن أكثر فِرَق المسلمين أو جميعها.
والإنصاف أنَّ ذلك هو مقتضـى التأمّل في نصوص الجمهور المطبقة على أنَّ الأئمّة اثنا عشـر(5)، وإن خلت أو خلا أكثرها عن التصـريح به.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) منها: حديث عبد الله بن مسعود عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: «يكون بعدي من الخلفاء عدَّة نقباء موسى»، (كنز العمّال 12: 33/ ح 33859، عن الفتن للمروزي: 52). بناءً على ما هو المعلوم من أنَّ نقباء موسى اثنا عشـر. فإنَّه كالصـريح في التطابق بين خلفاء النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ونقباء موسى (عليه السلام) المذكورين.
ومنها: حديث جابر بن سمرة: دخلت مع أبي على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فسمعته يقول: «إنَّ هذا الأمر لا ينقضـي حتَّى يمضـي فيهم اثنا عشـر خليفة»، قال: ثمّ تكلَّم بكلام خفي عليَّ، قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: قال: «كلّهم من قريش»، (صحيح مسلم 6: 3). وهو كالصـريح في أنَّ الخلفاء الذين يتعاقبون على هذا الدين ما دام قائماً هم اثنا عشـر.
ومنها: حديث ابن سمرة العدوي، قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: «لا يزال الدين قائماً حتَّى يكون اثنا عشـر خليفة من قريش، ثمّ يخرج كذّابون بين يدي الساعة...»، (مسند أبي عوانة 4: 373). حيث تضمَّن إشغال الخلفاء الاثني عشـر للمدَّة الزمنية لظهور الدين، وأنَّ ظهور الكذّابين بعدهم من أشراط الساعة.
ومنها: حديثه الآخر عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «لا تزال هذه الأُمَّة مستقيم أمرها ظاهرة على عدوّها حتَّى يمضـي منهم اثنا عشـر خليفة، كلّهم من قريش»، فلمَّا رجع إلى منزله أتته قريش، قالوا: ثمّ يكون ماذا؟ قال: «ثمّ يكون الهرج»، (المعجم الكبير 2: 253).
ومنها: حديث ابن سمرة: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: «يكون بعدي اثنا عشـر خليفة، كلّهم من قريش»، فلمَّا رجع إلى منزله أتته قريش، قالوا: ثمّ يكون ماذا؟ قال: «ثمّ يكون الهرج»، (صحيح ابن حبّان 15: 43). لظهور سؤال قريش في أنَّهم فهموا الحصـر، وكون الحديث مشيراً إلى فترة زمنية تناسب أمد خلافة الاثني عشـر، فأرادوا أن يعرفوا حال الدنيا بعد تلك الفترة.
ومنها: حديث أنس: «لن يزال هذا الدين قائماً إلى اثني عشـر من قريش، فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها»، (كنز العمّال 12: 34/ ح 33861).
ومنها: حديث أبي الطفيل، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إذا ملك اثنا عشـر من بني كعب بن لؤي كان النقف والنقاف إلى يوم القيامة»، (المعجم الأوسط للطبراني 4: 154 و155).
ومنها: حديث مسـروق، قال: كنّا جلوساً ليلة عند عبد الله يقرئنا القرآن، فسأله رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن، هل سألتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كم يملك هذه الأُمَّة من خليفة. فقال عبد الله: ما سألني عن هذا أحد منذ قدمت العراق قبلك. قال: سألناه، فقال: «اثنا عشـر، عدَّة نقباء بني إسرائيل»، (مستدرك الحاكم 4: 501). فإنَّ السؤال فيه عن عدد الخلفاء موجب لصـراحة الجواب في حصـرهم بالعدد المذكور، لا في مجرَّد وجود هذا العدد في ضمنهم، مع كونهم أكثر من ذلك.
ومنها: حديث جابر بن سمرة: كنت مع أبي عند النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال: «يكون لهذه الأُمَّة اثنا عشـر قيّماً لا يضـرّهم من خذلهم...»، (المعجم الأوسط 3: 201).

(١٤)

ضرورة أنَّها بعد أن كانت لا تنطبق على الذين استولوا على السلطة، واعترف الجمهور بإمامتهم، فلا بدَّ أن يكون المراد بها غيرهم. وحيث لم يكن أُولئك مستولين على السلطة، ولا مبايعين من قِبَل الناس، فلا بدَّ أن يكون ثبوت الإمامة لهم بتعيين الله تعالى.
كما هو المناسب من مقارنة عددهم بعدد نقباء بني إسرائيل، ومن أنَّه لا يضـرّهم خذلان من خذلهم وعداء من عاداهم(6).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(6) فإنَّ الخلافة إذا كانت بالسلطان القاهر - كما عليه الجمهور ـ أضرَّ بالخليفة خذلان من خذله، وعداوة من عاداه، لأنَّه يضعف سلطانه بل قد يزيله، ويبطل إمامته عند الجمهور. أمَّا إذا كانت بالنصّ والجعل الإلهي - كما عليه الإمامية - فلا يضـرّ بالخليفة عداوة من عاداه، ولا خذلان من خذله، لعدم تأثيرهما على حقّه، بل هما يضـرّان بالخاذل والمعادي، لتقصيرهما في أداء وظيفتهما إزاء الإمام الحقّ.

(١٥)

ومثلها في ذلك ما ورد من طرق الجمهور في حقّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه من أنَّه سيّد المؤمنين وإمام المتَّقين، وأنَّه أميرهم، ووليّهم أو أولى بهم...، إلى غير ذلك من المضامين الدالّة على إمامته(7). ضرورة أنَّه قد أثبت له (عليه السلام) ذلك قِبَل بيعة الناس له، بل صرّح في كثير منه بأنَّه بعهد من الله تعالى، كما يظهر بالرجوع له.
وذلك هو المناسب لشـرف الإمامة، ورفعة شأنها وعظيم قدرها، وأهمّية المسؤوليات الملقاة على عاتق الإمام، وعلى عاتق الأُمَّة إزاءه.
ونسأل الله سبحانه أن يهدينا سواء السبيل، ويثبتنا على الحقّ والهدى، ويعصمنا من الزيغ والضلال.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(7) عن عبد الله بن أسعد بن زرارة، عن أبيه، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أُوحي إليَّ في علي ثلاث: إنَّه سيّد المسلمين، وإمام المتَّقين، وقائد الغرّ المحجّلين». (مستدرك الحاكم 3: 137 و138).
وعن أنس بن مالك وأُمّ سَلَمة وغيرهما أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: «هذا علي أمير المؤمنين، وسيّد الوصيّين، أخي، ووزيري، وخليفتي في أُمَّتي، وقاضي ديني، ومنجز وعدي، من أطاعه فقد أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصـى الله تعالى، ومن عصـى الله تعالى كانت النار مأواه». (الدرّ النظيم: 252).

(١٦)

إنَّ المتتبّع للثرات الإسلامي عموماً والشيعي بنحو خاصّ يجد العشـرات بل المئات من الأحاديث والروايات عن رسول الله وأهل بيته (عليهم السلام) الناصّة على أنَّ الأئمّة والخلفاء بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اثنا عشر إماماً حصـراً، ممَّا يولِّد تواتراً معنوياً إن لم يكن لفظياً، وهذا يوجب القطع واليقين بدلالتها على عدم زيادتهم على الاثني عشـر، وهي أحاديث كثيرة نذكر منها:
1 - حديث أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال أبي (عليه السلام) لجابر بن عبد الله الأنصاري: إنَّ لي إليك حاجة فمتى يخفُّ عليك أن أخلو بك فأسألك عنها.
فقال له جابر: في أيّ الأوقات شئت.
فخلى به أبو جعفر (عليه السلام)، قال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد[ي] أُمّي فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وما أخبرتك به أنَّه في ذلك اللوح مكتوباً.
فقال جابر: أشهد بالله أنّي دخلت على أُمّك فاطمة (عليها السلام) في حياة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أُهنّئها بولادة الحسين (عليه السلام)، فرأيت في يدها لوحاً أخضـر ظننت أنَّه من زمرّد، ورأيت فيه كتابة بيضاء شبيهة بنور الشمس، فقلت لها: بأبي أنت وأُمّي يا بنت رسول الله، ما هذا اللوح؟

(١٩)

فقالت: هذا اللوح أهداه الله (عزَّ وجلَّ) إلى رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابني وأسماء الأوصياء من ولدي، فأعطانيه أبي ليسـرّني بذلك.
قال جابر: فأعطتنيه أُمّك فاطمة (عليها السلام) فقرأته وانتسخته.
فقال له أبي (عليه السلام): فهل لك يا جابر أن تعرضه عليَّ؟
فقال: نعم.
فمشى معه أبي (عليه السلام) حتَّى انتهى إلى منزل جابر فأخرج إلى أبي صحيفة من رقّ، فقال: يا جابر، أُنظر أنت في كتابك لأقرأه أنا عليك، فنظر جابر في نسخته فقرأه عليه أبي (عليه السلام) فوَالله ما خالف حرف حرفاً.
قال جابر: فإنّي أشهد بالله أنّي هكذا رأيته في اللوح مكتوباً: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمّد نوره وسفيره وحجابه ودليله، نزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمين، عظّم يا محمد أسمائي، واشكر نعمائي، ولا تجحد آلائي، إنّي أنا الله لا إله إلَّا أنا، قاصم الجبّارين، [ومبير المتكبّرين]، ومذلّ الظالمين، وديّان يوم الدين، إنّي أنا الله لا إله إلَّا أنا، فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذَّبته عذاباً لا أُعذّبه أحداً من العالمين، فإيّاي فاعبد وعليَّ فتوكَّل، إنّي لم أبعث نبيَّاً فأكملت أيّامه وانقضت مدَّته إلَّا جعلت له وصيَّاً، وإنّي فضَّلتك على الأنبياء، وفضَّلت وصيّك على الأوصياء، وأكرمتك بشبليك بعده وبسبطيك الحسن والحسين، وجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدَّة أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي، وأكرمته بالشهادة، وختمت له

(٢٠)

بالسعادة، فهو أفضل من استشهد، وأرفع الشهداء درجة، جعلت كلمتي التامّة معه، والحجَّة البالغة عنده، بعترته أُثيب وأُعاقب، أوَّلهم علي سيّد العابدين، وزين أوليائي الماضين، وابنه سميّ جدّه المحمود، محمّد الباقر لعلمي والمعدن لحكمتي، سيهلك المرتابون في جعفر، الرادّ عليه كالرادّ عليَّ، حقّ القول منّي لأكرمنَّ مثوى جعفر، ولأسرَّنَّه في أوليائه وأشياعه وأنصاره، وانتحبت بعد موسى فتنة عمياء حندس، لأنَّ خيط فرضـي لا ينقطع وحجَّتي لا تخفى، وأنَّ أوليائي لا يشقون أبداً، ألَا ومن جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومن غيَّر آية من كتابي فقد افترى عليَّ، وويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدَّة عبدي موسى وحبيبي وخيرتي، [ألَا] إنَّ المكذّب بالثامن مكذّب بكلّ أوليائي، وعلي وليّي وناصري، ومن أضع عليه أعباء النبوَّة وأمتحنه بالاضطلاع، يقتله عفريت مستكبر، يُدفَن بالمدينة التي بناها العبد الصالح ذو القرنين إلى جنب شرّ خلقي، حقّ القول منّي لأقرَّنَّ عينه بمحمّد ابنه وخليفته من بعده، فهو وارث علمي ومعدن حكمتي وموضع سرّي وحجَّتي على خلقي، جعلت الجنَّة مثواه وشفَّعته في سبعين من أهل بيته كلّهم قد استوجبوا النار، وأختم بالسعادة لابنه علي وليّي وناصري، والشاهد في خلقي، وأميني على وحيي، أخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن، ثمّ أُكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيّوب، ستذلّ أوليائي في زمانه ويتهادون رؤوسهم كما تهادى رؤوس الترك والديلم، فيقتلون

(٢١)

ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض من دمائهم، ويفشو الويل والرنين في نسائهم، أُولئك أوليائي حقَّاً، بهم أدفع كلّ فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل، وأرفع عنهم الآصار والأغلال، أُولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة، وأُولئك هم المهتدون».
وقد روي بطرق متعدّدة عن بكر بن صالح، عن عبد الرحمن بن سالم، عن أبي بصير، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام)(8).
2 - حديث إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «يا إسحاق، ألَا أُبشّـرك؟».
قلت: بلى، جُعلت فداك يا ابن رسول الله.
فقال: «وجدنا صحيفة بإملاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وخطّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله العزيز الحكيم...»، وذكر حديث اللوح(9).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(8) رواه الصدوق (رحمه الله) عن أبيه ومحمّد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري جميعاً، عن أبي الحسن صالح بن أبي حماد والحسن بن طريف جميعاً، عن بكر بن صالح.
وعن أبيه ومحمّد بن موسى بن المتوكّل ومحمّد بن علي ماجيلويه وأحمد بن علي بن إبراهيم والحسن بن إبراهيم بن ناتانة وأحمد بن زياد الهمداني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن بكر بن صالح، عن عبد الرحمن بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام). (كمال الدين: 308 - 311/ باب 28/ ح 1).
(9) كمال الدين: 312/ باب 28/ ذيل الحديث 3.

(٢٢)

3 - ما روي مسنداً عن الإمام أبي جعفر محمّد بن علي الباقر (عليهما السلام) في الكتاب الذي قرأه على أهل بيته بإملاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وخطّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، مكتوب فيه: «هذا كتاب من الله العزيز الحكيم العليم...»، وذكر حديث اللوح(10).

4 - حديث اللوح أيضاً، عن أبي نضـرة، قال: لـمَّا احتضـر أبو جعفر محمّد بن علي الباقر (عليهما السلام) عند الوفاة دعا بابنه الصادق (عليه السلام)، فعهد إليه عهداً.
فقال له أخوه زيد بن علي بن الحسين: لو امتثلت في تمثال الحسن والحسين (عليهما السلام) لرجوت أن لا تكون أتيت منكراً.
فقال: «يا أبا الحسن، إنَّ الأمانات ليست بالتمثال، ولا العهود بالرسوم، وإنَّما هي أُمور سابقة عن حجج الله تبارك وتعالى».
ثمّ دعا بجابر بن عبد الله، فقال له: «يا جابر، حدّثنا بما عاينت في الصحيفة».
فقال له جابر: نعم يا أبا جعفر، دخلت على مولاتي فاطمة (عليها السلام) لأُهنّئها بمولود الحسن (عليه السلام) فإذا هي بصحيفة بيدها من درَّة بيضاء، فقلت: يا سيّدة النسوان، ما هذه الصحيفة التي أراها معك؟
قالت: «فيها أسماء الأئمّة من ولدي».
فقلت لها: ناوليني لأنظر فيها.
قالت: «يا جابر، لولا النهي أفعل، لكنَّه نهي أن يمسّها إلَّا نبيّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(10) كمال الدين: 312 و313/ باب 28/ ذيل الحديث 3.

(٢٣)

أو وصيّ نبيّ أو أهل بيت نبيّ، ولكنَّه مأذون لك أن تنظر إلى باطنها من ظاهرها».
قال جابر: فقرأت فإذا فيها: «أبو القاسم محمّد بن عبد الله المصطفى، أُمّه آمنة بنت وهب. أبو الحسن علي بن أبي طالب المرتضـى، أُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. أبو محمّد الحسن بن علي البرّ. أبو عبد الله الحسين بن علي التقي، أُمّهما فاطمة بنت محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أبو محمّد علي بن الحسين العدل، أُمه شهربانويه بنت يزدجرد ابن شاهنشاه. أبو جعفر محمّد بن علي الباقر، أُمّه أُمّ عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب. أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق، أُمّه أُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر. أبو إبراهيم موسى بن جعفر الثقة، أُمّه جارية اسمها حميدة. أبو الحسن علي بن موسى الرضا، أُمّه جارية اسمها نجمة. أبو جعفر محمّد بن علي الزكي، أُمّه جارية اسمها خيزران. أبو الحسن علي بن محمّد الأمين، أُمه جارية اسمها سوسن. أبو محمّد الحسن بن علي الرفيق، أُمّه جارية اسمها سمانة وتكنّى بأُمّ الحسن. أبو القاسم محمّد بن الحسن، هو حجَّة الله تعالى على خلقه القائم، أُمّه جارية اسمها نرجس صلوات الله عليهم أجمعين»(11).
5 - حديث اللوح أيضاً بوجه أخصـر عن الإمام الباقر (عليه السلام)، عن جابر أيضاً، قال: دخلت على فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقدّامها لوح يكاد ضوؤه يغشـي الأبصار فيه اثنا عشـر اسماً: ثلاثة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(11) كمال الدين: 305 - 307/ باب 27/ ح 1.

(٢٤)

في ظاهره، وثلاثة في باطنه، وثلاثة في آخره، وثلاثة أسماء في طرفه، فعددتها فإذا هي اثنا عشـر. فقلت: أسماء من هؤلاء؟
قالت: «هذه أسماء الأوصياء، أوَّلهم ابن عمّي، وأحد عشـر من ولدي، آخرهم القائم».
قال جابر: فرأيت فيها محمّداً محمّداً محمّداً في ثلاثة مواضع، وعلياً علياً علياً علياً في أربعة مواضع(12).
وقد روي بطريقين عن جابر بن يزيد الجعفي، عن الإمام الباقر (عليه السلام)(13).
كما روي مختصـراً بأربعة طرق عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن الإمام الباقر (عليه السلام) أيضاً(14).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(12) بحار الأنوار 36: 201/ ح 4.
(13) رواه الصدوق (رحمه الله) عن علي بن الحسين بن شاذويه المؤدّب وأحمد بن هارون القاضي، عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري الكوفي، عن مالك السلولي، عن درست بن عبد الحميد، عن عبد الله بن القاسم، عن عبد الله بن جبلة، عن أبي السفاتج، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر (عليهما السلام). (كمال الدين: 311/ باب 28/ ح 2).
ورواه الطوسي (رحمه الله) عن جماعة، عن أبي المفضَّل الشيباني، عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد بن مالك، عن محمّد بن نعمة السلولي، عن وهيب بن حفص، عن عبد الله بن القاسم، عن عبد الله بن خالد، عن أبي السفاتج، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام). (الغيبة للطوسي: 139/ ح 103).
(14) رواه الصدوق (رحمه الله) بأربعة طرق:
الطريق الأوَّل: عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار، عن أبيه، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام). (كمال الدين: 311 و312/ باب 28/ ح 3).
الطريق الثاني: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر(عليه السلام). (الخصال: 477 و478/ ح 42).
الطريق الثالث: عن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام). (كمال الدين: 313/ باب 28/ ح 4).
الطريق الرابع: عن محمّد بن موسى بن المتوكّل، عن محمّد بن يحيى العطّار وعبد الله بن جعفر الحميري، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن ابن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام). (كمال الدين: 269/ باب 24/ ح 13).

(٢٥)

6 - حديث اللوح أيضاً، عن محمّد بن سنان، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال:
«قال أبي لجابر بن عبد الله: لي إليك حاجة أُريد أن أخلو بك فيها، فلمَّا خلا به في بعض الأيّام قال له: أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أُمّي فاطمة (عليها السلام).
قال جابر: أشهد بالله لقد دخلت على فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأُهنّئها بولدها الحسين (عليه السلام)، فإذا بيدها لوح أخضـر من زبرجدة خضـراء، فيه كتاب أنور من الشمس وأطيب رائحة من المسك الأذفر، فقلت: ما هذا، يا بنت رسول الله؟
فقالت: هذا لوح أهداه الله (عزَّ وجلَّ) إلى أبي، فيه اسم أبي واسم بعلي واسم الأوصياء بعده من ولدي، فسألتها أن تدفعه إليَّ لأنسخه، ففعلت.
فقال له: فهل لك أن تعارضني بها؟
قال: نعم.

(٢٦)

فمضـى جابر إلى منزله وأتى بصحيفة من كاغذ، فقال له: أُنظر في صحيفتك حتَّى أقرأها عليك، فكان في صحيفته مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله العزيز العليم، أنزله الروح الأمين إلى محمّد خاتم النبيّين، يا محمّد عظّم أسمائي، واشكر نعمائي، ولا تجحد آلائي، ولا ترجُ سواي ولا تخشَ غيري، فإنَّه من يرجو سواي ويخشى غيري أُعذّبه عذاباً لا أُعذّبه أحداً من العالمين، يا محمّد إني اصطفيتك على الأنبياء، وفضَّلت وصيّك على الأوصياء، وجعلت الحسن عيبة علمي من بعد انقضاء مدَّة أبيه، والحسين خير أولاد الأوَّلين والآخرين، فيه تثبت الإمامة، ومنه يعقب علي زين العابدين، ومحمّد الباقر لعلمي والداعي إلى سبيلي على منهاج الحقّ، وجعفر الصادق في القول والعمل، تنشب من بعده فتنة صمّاء، فالويل كلّ الويل للمكذّب بعبدي وخيرتي من خلقي موسى، وعلي الرضا يقتله عفريت كافر بالمدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شرّ خلق الله، ومحمّد الهادي إلى سبيلي الذابّ عن حريمي، والقيّم في رعيَّته حسن أغرّ، يخرج منه ذو الاسمين علي، والحسن، والخلف محمّد يخرج في آخر الزمان، على رأسه غمامة بيضاء تظلّه من الشمس، ينادي بلسان فصيح يسمع الثقلين والخافقين، وهو المهدي من آل محمّد، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً»(15).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(15) بحار الأنوار 36: 202 و203/ ح 6، عن أمالي الطوسي: 291 و292/ ح (566/13).

(٢٧)

7 - حديث جابر الجعفي، قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: لـمَّا أنزل الله (عزَّ وجلَّ) على نبيّه محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ﴿يا أَيـُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، قلت: يا رسول الله، عرفنا الله ورسوله، فمن أُولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟
فقال (عليه السلام): «هم خلفائي يا جابر، وأئمّة المسلمين [من] بعدي، أوَّلهم علي بن أبي طالب، ثمّ الحسن والحسين، ثمّ علي بن الحسين، ثمّ محمّد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ علي بن موسى، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ علي بن محمّد، ثمّ الحسن بن علي، ثمّ سميّي وكنيّي حجَّة الله في أرضه، وبقيَّته في عباده ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلَّا من امتحن الله قلبه للإيمان».
قال جابر: فقلت له: يا رسول الله، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟
فقال (عليه السلام): «إي والذي بعثني بالنبوَّة إنَّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلَّلها سحاب، يا جابر هذا من مكنون سرّ الله، ومخزون علمه، فاكتمه إلَّا عن أهله».

(٢٨)

قال جابر بن يزيد: فدخل جابر بن عبد الله الأنصاري على علي بن الحسين (عليهما السلام)، فبينما هو يحدِّثه إذ خرج محمّد بن علي الباقر (عليهما السلام) من عند نسائه وعلى رأسه ذؤابة وهو غلام، فلمَّا بصـر به جابر ارتعدت فرائصه، وقامت كلّ شعرة على بدنه ونظر إليه مليَّاً، ثمّ قال له: يا غلام أقبل فأقبل، ثمّ قال له: أدبر فأدبر، فقال جابر: شمائل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وربّ الكعبة، ثمّ قام فدنا منه، فقال له: ما اسمك يا غلام؟
فقال: «محمّد».
قال: ابن من؟
قال: «ابن علي بن الحسين».
قال: يا بني، فدتك نفسـي فأنت إذن الباقر؟
فقال: «نعم»، ثمّ قال: «فأبلغني ما حمَّلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)».
فقال جابر: يا مولاي، إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بشَّـرني بالبقاء إلى أن ألقاك، وقال لي: «إذا لقيته فاقرئه منّي السلام»، فرسول الله يا مولاي يقرء عليك السلام.
فقال أبو جعفر (عليه السلام): «يا جابر، على رسول الله السلام ما قامت السماوات والأرض، وعليك يا جابر كما بلَّغت السلام».
فكان جابر بعد ذلك يختلف إليه ويتعلَّم منه، فسأله محمّد بن علي (عليهما السلام) عن شيء فقال له جابر: والله ما دخلت في نهي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقد أخبرني أنَّكم أئمّة الهداة من أهل بيته من بعده أحلم الناس صغاراً، وأعلم الناس كباراً، وقال: «لا تعلّموهم فهم أعلم منكم».

(٢٩)

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «صدق جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، إنّي لأعلم منك بما سألتك عنه ولقد أُوتيت الحكم صبياً كلّ ذلك بفضل الله علينا ورحمته لنا أهل البيت»(16).
8 - حديث علي بن عاصم، عن محمّد بن علي بن موسى، عن آبائه، عن الحسين بن علي (عليهم السلام)، قال:
«دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعنده أُبي بن كعب، فقال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): مرحباً بك يا أبا عبد الله يا زين السماوات والأرضين.
فقال له أُبي: وكيف يكون يا رسول الله زين السماوات والأرض أحد غيرك؟
فقال: يا أُبي، والذي بعثني بالحقّ نبيَّاً إنَّ الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض، فإنَّه لمكتوب عن يمين عرش الله: مصباح هدى وسفينة نجاة وإمام خير ويمن وعزّ وفخر [وبحر علم] وذخر، وإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) ركَّب في صلبه نطفة طيّبة مباركة زكيّة، ولقد لقّن دعوات ما يدعو بهنَّ مخلوق إلَّا حشـره الله (عزَّ وجلَّ) معه، وكان شفيعه في آخرته، وفرَّج الله عنه كربه، وقضـى بها دينه، ويسَّـر أمره، وأوضح سبيله، وقوّاه على عدوّه، ولم يهتك ستره.
فقال له أُبي بن كعب: ما هذه الدعوات، يا رسول الله؟
قال: تقول إذا فرغت من صلاتك وأنت قاعد: اللّهمّ إنّي أسألك بكلماتك ومعاقد عرشك وسكّان سماواتك وأنبيائك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(16) كمال الدين: 253 و254/ باب 23/ ح 3.

(٣٠)

ورسلك أن تستجيب لي فقد رهقني من أمري عسـر، فأسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تجعل لي من عسـري يسـراً. فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يسهِّل أمرك ويشـرح لك صدرك، ويلقّنك شهادة أن لا إله إلَّا الله عند خروج نفسك.
قال له أُبي: يا رسول الله، فما هذه النطفة التي في صلب حبيبي الحسين؟
قال: مثل هذه النطفة كمثل القمر، وهي نطفة تبيين وبيان، يكون من اتَّبعه رشيداً، ومن ضلَّ عنه هويَّاً.
قال: فما اسمه وما دعاؤه؟
قال: اسمه علي ودعاؤه: يا دائم، يا ديّموم، يا حيّ، يا قيّوم، يا كاشف الغمّ، ويا فارج الهمّ، ويا باعث الرسل، ويا صادق الوعد. من دعا بهذا الدعاء حشـره الله (عزَّ وجلَّ) مع علي بن الحسين، وكان قائده إلى الجنَّة.
قال له أُبي: يا رسول الله، فهل له من خلف ووصيّ؟
قال: نعم له مواريث السماوات والأرض.
قال: ما معنى مواريث السماوات والأرض يا رسول الله؟
قال: القضاء بالحقّ، والحكم بالديانة، وتأويل الأحكام، وبيان ما يكون.
قال: فما اسمه؟
قال: اسمه محمّد، وإنَّ الملائكة لتستأنس به في السماوات، ويقول في دعائه: اللّهمّ إن كان لي عندك رضوان وودّ فاغفر لي ولمن تبعني من إخواني وشيعتي، وطيّب ما في صلبي.

(٣١)

فركَّب الله (عزَّ وجلَّ) في صلبه نطفة مباركة زكيّة، وأخبرني (عليه السلام) أنَّ الله تبارك وتعالى طيَّب هذه النطفة وسمّاها عنده جعفراً وجعله هادياً مهدياً وراضياً مرضياً، يدعو ربّه فيقول في دعائه: يا دان غير متوان، يا أرحم الراحمين، اجعل لشيعتي من النار وقاءً، ولهم عندك رضىً، واغفر ذنوبهم، ويسّـر أُمورهم، واقضِ ديونهم، واستر عوراتهم، وهب لهم الكبائر التي بينك وبينهم، يا من لا يخاف الضيم، ولا تأخذه سنة ولا نوم، اجعل لي من كلّ غمٍّ فرجاً. من دعا بهذا الدعاء حشـره الله (عزَّ وجلَّ) أبيض الوجه مع جعفر بن محمّد إلى الجنَّة. يا أُبي إنَّ الله تبارك وتعالى ركَّب على هذه النطفة نطفة زكيّة مباركة طيّبة أنزل عليها الرحمة وسمّاها عنده موسى.
قال له أُبي: يا رسول الله، كأنَّهم يتواصفون ويتناسلون ويتوارثون، ويصف بعضهم بعضاً.
فقال: وصفهم لي جبرئيل عن ربّ العالمين (جلَّ جلاله).
قال: فهل لموسى من دعوة يدعو بها سوى دعاء آبائه؟
قال: نعم يقول في دعائه: يا خالق الخلق، ويا باسط الرزق، ويا فالق الحبّ، ويا بارئ النسم، ومحيي الموتى ومميت الأحياء، ودائم الثبات ومخرج النبات افعل بي ما أنت أهله. من دعا بهذا الدعاء قضـى الله (عزَّ وجلَّ) له حوائجه، وحشـره (عزَّ وجلَّ) يوم القيامة مع موسى بن جعفر.
وإنَّ الله تبارك وتعالى ركَّب في صلبه نطفة مباركة طيّبة زكيّة مرضيّة وسمّاها عنده علياً، يكون لله في خلقه رضياً في علمه

(٣٢)

وحكمه، ويجعله حجَّةً لشيعته يحتجّون به يوم القيامة، وله دعاء يدعو به: اللّهمّ أعطني الهدى وثبّتني عليه، واحشـرني عليه آمناً، أمن من لا خوف عليه ولا حزن ولا جزع، إنَّك أهل التقوى وأهل المغفرة.
وإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) ركَّب في صلبه نطفة مباركة طيّبة زكيّة مرضيّة، وسمّاها عنده محمّد بن علي، فهو شفيع شيعته ووارث علم جدّه، له علامة بيّنة وحجَّة ظاهرة، إذا وُلِدَ يقول: لا إله إلَّا الله محمّد رسول الله، ويقول في دعائه: يا من لا شبيه له ولا مثال، أنت الله لا إله إلَّا أنت، ولا خالق إلَّا أنت، تفني المخلوقين وتبقى، أنت حلمت عمَّن عصاك، وفي المغفرة رضاك. من دعا بهذا الدعاء كان محمّد بن علي شفيعه يوم القيامة.
وإنَّ الله تبارك وتعالى ركَّب في صلبه نطفة لا باغية ولا طاغية، بارّة مباركة طيّبة طاهرة، سمّاها عنده علي بن محمّد، فألبسها السكينة والوقار، وأودعها العلوم وكلّ سـرّ مكتوم، من لقيه وفي صدره شيء أنبأه به، وحذَّره من عدوّه، ويقول في دعائه: يا نور، يا برهان، يا منير، يا مبين، يا ربّ، اكفني شـرّ الشـرور وآفات الدهور، وأسألك النجاة يوم ينفخ في الصور. من دعا بهذا الدعاء كان علي بن محمّد شفيعه وقائده إلى الجنَّة.
وإنَّ الله تبارك وتعالى ركَّب في صلبه نطفة وسمّاها عنده الحسن، فجعله نوراً في بلاده وخليفة في أرضه، وعزَّاً لأُمَّة جدّه، وهادياً لشيعته، وشفيعاً لهم عند ربّه، ونقمة على من خالفه، وحجَّةً

(٣٣)

لمن والاه، وبرهاناً لمن اتَّخذه إماماً، يقول في دعائه: يا عزيز العزّ في عزّه، يا عزيز أعزّني بعزَّتك، وأيّدني بنصـرك، وأبعد عنّي همزات الشياطين، وادفع عنّي بدفعك، وامنع منّي بمنعك، واجعلني من خيار خلقك، يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد. من دعا بهذا الدعاء حشـره الله (عزَّ وجلَّ) معه ونجّاه من النار ولو وجبت عليه.
وإنَّ الله تبارك وتعالى ركَّب في صلب الحسن نطفة مباركة زكيّة طاهرة مطهَّرة، يرضـى بها كلّ مؤمن ممَّن قد أخذ الله [عليه] ميثاقه في الولاية، ويكفر بها كلّ جاحد، فهو إمام تقي نقي سار مرضـي هادٍ مهدي، يحكم بالعدل ويأمر به، يصدّق الله (عزَّ وجلَّ) ويصدّقه الله في قوله، يخرج من تهامة حين تظهر الدلائل والعلامات، وله كنوز لا ذهب ولا فضَّة إلَّا خيول مطهَّمة ورجال مسوَّمة، يجمع الله له من أقاصـي البلاد على عدد أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشـر رجلاً، معه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم وأنسابهم وبلدانهم وطبائعهم وحلاهم وكناهم، كدادون مجدّون في طاعته.
فقال له أُبي: وما دلائله وعلاماته يا رسول الله؟
قال: له علم إذا حان وقت خروجه انتشـر ذلك العلم من نفسه، وأنطقه الله (عزَّ وجلَّ) فناداه العلم: أُخرج يا وليّ الله فاقتل أعداء الله، وله رايتان وعلامتان، وله سيف مغمَّد فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده وأنطقه الله (عزَّ وجلَّ)، فناداه السيف: أُخرج يا وليّ الله فلا يحلُّ لك أن تقعد عن أعداء الله، فيخرج ويقتل أعداء

(٣٤)

الله حيث ثقفهم، ويقيم حدود الله ويحكم بحكم الله، يخرج جبرئيل عن يمنته وميكائيل عن يسـرته، وسوف تذكرون ما أقول لكم ولو بعد حين، وأُفوِّض أمري إلى الله (عزَّ وجلَّ). يا أُبي طوبى لمن أحبَّه، وطوبى لمن لقيه، وطوبى لمن قال به، به ينجيهم الله من الهلكة، وبالإقرار بالله وبرسول الله وبجميع الأئمّة، يفتح الله لهم الجنَّة، مثلهم في الأرض كمثل المسك الذي يسطع ريحه فلا يتغيَّر أبداً، ومثلهم في السماء كمثل القمر المنير الذي لا يطفأ نوره أبداً.
قال أُبي: يا رسول الله، كيف بيان حال هؤلاء الأئمّة عن الله (عزَّ وجلَّ)؟
قال: إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) أنزل علي اثنتي عشـر صحيفة، اسم كلّ إمام على خاتمه، وصفته في صحيفته»(17).
9 - حديث المفضَّل بن عمر، عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لـمَّا أُسري بي إلى السماء أوحى إليَّ ربّي (جلَّ جلاله) فقال: يا محمّد، إنّي أطلعت على الأرض إطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبيَّاً وشققت لك من اسمي اسماً، فأنا المحمود وأنت محمّد. ثمّ أطلعت الثانية فاخترت منها علياً وجعلته وصيّك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذرّيتك، وشققت له اسماً من أسمائي، فأنا العلي الأعلى وهو علي. وخلقت فاطمة والحسن والحسين من نوركما، ثمّ عرضت ولايتهم على الملائكة، فمن قبلها كان عندي من المقرَّبين. يا محمّد، لو أنَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(17) بحار الأنوار 36: 205 - 209/ ذيل الحديث 7، عن كمال الدين: 264 - 269/ باب 24/ ح 11، وعيون أخبار الرضا 1: 62 - 65/ ح 29.

(٣٥)

عبداً عبدني حتَّى ينقطع ويصير كالشنّ البالي، ثمّ أتاني جاحداً لولايتهم فما أسكنته جنَّتي ولا أظللته تحت عرشي. يا محمّد، تحبّ أن تراهم؟
قلت: نعم، يا ربّ.
فقال (عزَّ وجلَّ): ارفع رأسك.
فرفعت رأسي وإذا أنا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمّد بن علي، وعلي بن محمّد، والحسن بن علي، و(م ح م د) بن الحسن القائم في وسطهم كأنَّه كوكب درّي. قلت: يا ربّ، ومن هؤلاء؟
قال: هؤلاء الأئمّة، وهذا القائم الذي يحلّل حلالي ويحرّم حرامي، وبه أنتقم من أعدائي، وهو راحة لأوليائي، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين، فيخرج اللَّات والعزَّى طريّين فيحرقهما، فلفتنة الناس يومئذٍ بهما أشدّ من فتنة العجل والسامري»(18).
10 - ومثله في ذلك حديث أبي سلمى راعي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: سمعت النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: ليلة أُسري بي إلى السماء قال العزيز جلَّ ثناؤه: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾، قلت: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: 285].
قال: صدقت يا محمّد، من خلَّفت لأُمَّتك؟
قلت: خيرها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(18) كمال الدين: 252 و253/ باب 23/ ح 2.

(٣٦)

قال: علي بن أبي طالب؟
قلت: نعم.
قال: يا محمّد، إنّي أطلعت على الأرض إطلاعة فاخترتك منها، فشققت لك اسماً من أسمائي، فلا أُذكر في موضع إلَّا وذُكرت معي، فأنا المحمود وأنت محمّد، ثمّ أطلعت فاخترت منها علياً، وشققت له اسماً من أسمائي، فأنا الأعلى وهو علي. يا محمّد، إنّي خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين من سنخ نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات والأرضين، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين. يا محمّد، لو أنَّ عبداً من عبادي عبدني حتَّى ينقطع أو يصير كالشنّ البالي ثمّ أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له أو يقرّ بولايتكم. يا محمّد، تحبّ أن تراهم؟
قلت: نعم، يا ربّ.
فقال لي: التفت عن يمين العرش، فالتفتُّ فإذا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمّد بن علي وعلي بن محمّد والحسن بن علي (عليهم السلام) والمهدي في ضحضاح من نور قياماً يصلّون، وهو في وسطهم - يعني المهدي - كأنَّه كوكب درّي.
فقال: يا محمّد هؤلاء الحجج، [و]هو الثائر من عترتك، وعزَّتي وجلالي إنَّه الحجَّة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي»(19).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(19) بحار الأنوار 36: 216 و217/ ح 18، عن مقتضب الأثر: 10 و11.

(٣٧)

ورووا عنه أيضاً حديثاً آخر لعلَّه مختصـر منه. ذكروا أنَّه أسنده الخوارزمي له، وأسنده كلّ من علي بن زكريا البصـري، ومحمّد بن بدر، ومحمّد بن جعفر القرميسـي، وابن عيّاش بن كشمرد إلى أبي سلمة(20).
11 - حديث جابر الجعفي، قال: سمعت سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطّاب يحدِّث أبا جعفر محمّد بن علي (عليه السلام) بمكّة، قال: سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: «إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) أوحى إليَّ ليلة أُسري بي: يا محمّد، من خلَّفت في الأرض على أُمَّتك؟ وهو أعلم بذلك.
قلت: يا ربّ، أخي.
قال: يا محمّد، علي بن أبي طالب؟
قلت: نعم، يا ربّ.
قال: يا محمّد، إنّي أطلعت إلى الأرض إطلاعة فاخترتك منها، فلا أُذكر حتَّى تُذكر معي، أنا المحمود وأنت محمّد، ثمّ أطلعت إلى الأرض إطلاعة أُخرى فاخترت منها علي بن أبي طالب فجعلته وصيّك، فأنت سيّد الأنبياء وعلي سيّد الأوصياء، ثمّ اشتققت له اسماً من أسمائي، فأنا الأعلى وهو علي. يا محمّد، إنّي خلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من نور واحد، ثمّ عرضت ولايتهم على الملائكة فمن قبلها كان من المقرَّبين، ومن جحدها كان من الكافرين. يا محمّد، لو أنَّ عبداً من عبادي عبدني حتَّى ينقطع ثمّ لقيني جاحداً لولايتهم أدخلته ناري.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(20) إثبات الهداة 3: 222.

(٣٨)

ثمّ قال: يا محمّد، أتحبّ أن تراهم؟
قلت: نعم.
قال: تقدَّم أمامك.
فتقدَّمت أمامي وإذا علي بن أبي طالب والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمّد بن علي وعلي بن محمّد والحسن بن علي والحجَّة القائم كأنَّه كوكب درّي في وسطهم، فقلت: يا ربّ، من هؤلاء؟
فقال: هؤلاء الأئمّة وهذا القائم، يحلُّ حلالي ويحرِّم حرامي وينتقم من أعدائي، يا محمّد أحببه فإنّي أُحبّه وأُحبّ من يحبّه».
قال جابر: فلمَّا انصـرف سالم من الكعبة تبعته فقلت: يا أبا عمر، أنشدك الله هل أخبرك أحد غير أبيك بهذه الأسماء؟
قال: اللّهمّ أمَّا الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلا، ولكنّي كنت مع أبي عند كعب الأحبار فسمعته يقول: إنَّ الأئمّة بعد نبيّها على عدد نقباء بني إسرائيل، وأقبل علي بن أبي طالب، فقال كعب: هذا المقفي أوَّلهم وأحد عشـر من ولده، وسمّاه كعب بأسمائهم في التوراة: (تقوبيت، قيذوا، دبيرا، مفسورا، مسموعا، دوموه، مثبو، هذار، يثمو، بطور، نوقس، قيدموا).
قال أبو عامر هشام الدستواني: لقيت يهودياً بالحيرة يقال له: (عثوا ابن اوسوا) وكان حبر اليهود وعالمهم، وسألته عن هذه الأسماء وتلوتها عليه.

(٣٩)

فقال لي: من أين عرفت هذه النعوت؟
قلت: هي أسماء.
قال: ليست أسماء ولكنَّها نعوت لأقوام، وأوصاف بالعبرانية صحيحة، نجدها عندنا في التوراة، ولو سألت عنها غيري لعمي عن معرفتها أو تعامى.
قلت: ولِـمَ ذلك؟
قال: أمَّا العمى فللجهل بها، وأمَّا التعامي لئلَّا تكون على دينه ظهيراً وبه خبيراً، وإنَّما أقررت لك بهذه النعوت لأنّي رجل من ولد هارون بن عمران مؤمن بمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أسـرُّ ذلك عن بطانتي من اليهود الذين لم أظهر لهم الإسلام، ولن أظهر بعدك لأحد حتَّى أموت.
قلت: ولِـمَ ذاك؟
قال: لأنّي أجد في كتب آبائي الماضين من ولد هارون: ألَّا نؤمن بهذا النبيّ الذي اسمه محمّد ظاهراً ونؤمن به باطناً حتَّى يظهر المهدي القائم من ولده، فمن أدركه منّا فليؤمن به، وبه نُعِتَ الأخير من الأسماء.
قلت: وبما نُعِتَ؟
قال: نُعِتَ بأنَّه يظهر على الدين كلّه، ويخرج إليه المسيح فيدين به ويكون له صاحباً.
قلت: فانعت لي هذه النعوت لأعلم علمها.
قال: نعم، فعِهْ عنّي وصنه إلَّا عن أهله وموضعه إن شاء الله،

(٤٠)

أمَّا (تقوبيت) فهو أوَّل الأوصياء ووصيّ آخر الأنبياء، وأمَّا (قيذوا) فهو ثاني الأوصياء وأوَّل العترة الأصفياء، وأمَّا (دبيرا) فهو ثاني العترة وسيّد الشهداء، وأمَّا (مفسورا) فهو سيّد من عبد الله من عباده، وأمَّا (مسموعا) فهو وارث علم الأوَّلين والآخرين، وأمَّا (دوموه) فهو المدرة الناطق عن الله الصادق، وأمَّا (مثبو) فهو خير المسجونين في سجن الظالمين، وأمَّا (هذار) فهو المنخوع بحقّه النازح الأوطان الممنوع، وأمَّا (يثمو) فهو القصير العمر الطويل الأثر، وأمَّا (بطور) فهو رابع اسمه، وأمَّا (نوقس) فهو سميّ عمّه، وأمَّا (قيدموا) فهو المفقود من أبيه وأُمّه الغائب بأمر الله وعلمه والقائم بحكمه(21).
12 - حديث الثمالي، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «حدَّثني جبرئيل عن ربّ العزَّة (جلَّ جلاله) أنَّه قال: من علم أن لا إله إلَّا أنا وحدي، وأنَّ محمّداً عبدي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(21) بحار الأنوار 36: 222 - 224/ ح 21، عن مقتضب الأثر: 26 - 29.

(٤١)

ورسولي، وأنَّ علي بن أبي طالب خليفتي، وأنَّ الأئمّة من ولده حججي أدخله الجنَّة برحمتي، ونجَّيته من النار بعفوي، وأبحث له جواري، وأوجبت له كرامتي، وأتممت عليه نعمتي، وجعلته من خاصَّتي وخالصتي، إن ناداني لبَّيته، وإن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وإن سكت ابتدأته، وإن أساء رحمته، وإن فرَّ منّي دعوته، وإن رجع إلى قبلته وإن قرع بابي فتحته. ومن لم يشهد أن لا إله إلَّا أنا وحدي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنَّ محمَّداً عبدي ورسولي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنَّ علي بن أبي طالب خليفتي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنَّ الأئمّة من ولده حججي فقد جحد نعمتي، وصغَّر عظمتي، وكفر بآياتي وكتبي، إن قصدني حجبته، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن دعاني لم أستجب دعاءه، وإن رجاني خيَّبته، وذلك جزاؤه منّي وما أنا بظلَّام للعبيد».
فقام جابر بن عبد الله الأنصاري، فقال: يا رسول الله، ومن الأئمّة من ولد علي بن أبي طالب؟
قال: «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنَّة، ثمّ سيّد العابدين في زمانه علي بن الحسين، ثمّ الباقر محمّد بن علي وستدركه يا جابر، فإذا أدركته فأقرئه منّي السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ الكاظم موسى بن جعفر، ثمّ الرضا علي بن موسى، ثمّ التقي محمّد بن علي، ثمّ النقي علي بن محمّد، ثمّ الزكي الحسن بن علي، ثمّ ابنه القائم بالحقّ مهدي أُمَّتي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي، من أطاعهم فقد أطاعني، ومن عصاهم فقد عصاني، ومن أنكرهم أو أنكر واحداً منهم فقد أنكرني، بهم يمسك الله (عزَّ وجلَّ) السماء أن تقع على الأرض إلَّا بإذنه، وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها»(22).
13 - حديث عيسى بن أحمد، عن أبي الحسن علي بن محمّد العسكري، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال علي صلوات الله عليه: قال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(22) كمال الدين: 258 و259/ باب 24/ ح 3.

(٤٢)

رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «من سـرَّه أن يلقى الله (عزَّ وجلَّ) آمناً مطهَّراً، لا يحزنه الفزع الأكبر، فليتولَّك وليتولَّ ابنيك الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمّداً وعلياً والحسن ثمّ المهدي وهو خاتمهم، وليكوننَّ في آخر الزمان قوم يتولّونك يا علي يشنأهم الناس، ولو أحبّوهم كان خيراً لهم لو كانوا يعلمون، يؤثرونك وولدك على الآباء والأُمَّهات والإخوة والأخوات وعلى عشائرهم والقرابات، صلوات الله عليهم أفضل الصلوات، أُولئك يُحشَـرون تحت لواء الحمد، يتجاوز عن سيّئاتهم، ويرفع درجاتهم جزاءً بما كانوا يعلمون»(23).
14 - حديث سليم بن قيس، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، في حديث طويل أنَّه قال: «... وكنت إذا سألته أجابني وإذا سكتُّ أو نفدت مسائلي ابتدأني، فما نزلت عليه آية من القرآن إلَّا أقرأنيها وأملاها عليَّ، فكتبتها بخطّي. ودعا الله أن يفهمني إيّاها ويحفظني. فما نسيت آية من كتاب الله منذ حفظتها وعلَّمني تأويلها، فحفظته وأملاه عليَّ فكتبته. وما ترك شيئاً علَّمه الله من حلال وحرام أو أمر ونهي أو طاعة ومعصية كان أو يكون إلى يوم القيامة إلَّا وقد علَّمنيه وحفظته ولم أنسَ منه حرفاً واحداً. ثمّ وضع يده على صدري ودعا الله أن يملأ قلبي علماً وفهماً وفقهاً وحكماً ونوراً، وأن يعلّمني فلا أجهل، وأن يحفظني فلا أنسى.
فقلت له ذات يوم: يا نبيّ الله، إنَّك منذ يوم دعوت الله لي بما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(23) بحار الأنوار 36: 258/ ح 77، عن الغيبة للطوسي: 136 و137/ ح 100.

(٤٣)

دعوت لم أنسَ شيئاً ممَّا علَّمتني، فلِمَ تمليه عليَّ وتأمرني بكتابته؟ أتتخوَّف عليَّ النسيان؟
فقال: يا أخي، لست أتخوَّف عليك النسيان ولا الجهل، وقد أخبرني الله أنَّه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك.
قلت: يا نبيّ الله، ومن شركائي؟
قال: الذين قرنهم الله بنفسه وبي معه، الذين قال في حقّهم: ﴿يا أَيـُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، فإن خفتم التنازع في شيء فارجعوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أُولي الأمر منكم.
قلت: يا نبيّ الله، ومن هم؟
قال: الأوصياء إلى أن يردوا عليَّ حوضـي كلّهم هاد مهتد لا يضـرّهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم، بهم ينصـر الله أُمَّتي وبهم يُمطرَون، ويدفع عنهم بمستجاب دعوتهم.
فقلت: يا رسول الله، سمّهم لي.
فقال: ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسن (عليه السلام) -، ثمّ ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين (عليه السلام) -، ثمّ ابن ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين (عليه السلام) -، ثمّ ابن له على اسمي، اسمه (محمّد) باقر علمي وخازن وحي الله، وسيولد (علي) في حياتك يا أخي، فاقرأه منّي السلام.

(٤٤)

ثمّ أقبل على الحسين (عليه السلام) فقال: سيولد لك (محمّد بن علي) في حياتك فاقرأه منّي السلام. ثمّ تكملة الاثني عشـر إماماً من ولدك يا أخي.
فقلت: يا نبيّ الله، سمّهم لي. فسمّاهم لي رجلاً رجلاً. منهم - والله يا أخا بني هلال - مهدي هذه الأُمَّة الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. والله إنّي لأعرف جميع من يبايعه بين الركن والمقام وأعرف أسماء الجميع وقبائلهم»(24).
15 - حديث جعفر بن أحمد المصـري، عن عمّه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيّد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - في الليلة التي كانت فيها وفاته - لعلي (عليه السلام): يا أبا الحسن أحضـر صحيفة ودواة. فأملا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وصيَّته حتَّى انتهى إلى هذا الموضع فقال: يا علي، إنَّه سيكون بعدي اثنا عشـر إماماً ومن بعدهم اثنا عشـر مهدياً، فأنت يا علي أوَّل الاثني عشـر إماماً، سمّاك الله تعالى في سمائه: علياً المرتضـى، وأمير المؤمنين، والصدّيق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصحّ هذه الأسماء لأحد غيرك. يا علي أنت وصيّي على أهل بيتي حيّهم وميّتهم، وعلى نسائي فمن ثبَّتَّها لقيتني غداً، ومن طلَّقتها فأنا بريء منها، لم ترَني ولم أرَها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أُمَّتي من بعدي. فإذا حضـرتك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(24) كتاب سليم بن قيس: 181 - 184.

(٤٥)

الوفاة فسلّمها إلى ابني الحسن البرّ الوصول، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه سيّد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد الباقر، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد الثقة التقي، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد المستحفظ من آل محمّد (عليهم السلام)، فذلك اثنا عشـر إماماً، ثمّ يكون من بعده اثنا عشـر مهدياً، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أوَّل المقرَّبين له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أوَّل المؤمنين»(25).
16 - حديث ابن عبّاس، قال: قدم يهودي على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يُقال له: نعثل، فقال: يا محمّد، إنّي أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين، فإن أنت أجبتني عنها أسلمت على يدك.
قال: «سل، يا أبا عمارة».
فقال: يا محمّد، صف لي ربّك.
فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إنَّ الخالق لا يوصف إلَّا بما وصف به نفسه، وكيف يوصف الخالق الذي تعجز الحواسّ أن تدركه والأوهام أن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(25) الغيبة للطوسي: 150 و151/ ح 111.

(٤٦)

تناله والخطرات أن تحدّه والأبصار الإحاطة به؟ جلَّ عمَّا يصفه الواصفون، نأى في قربه وقرب في نأيه، كيَّف الكيف فلا يقال له: كيف، وأيَّن الأين فلا يقال له: أين، هو منقطع الكيفوفية والأينونية، فهو الأحد الصمد كما وصف نفسه، والواصفون لا يبلغون نعته، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
قال: صدقت يا محمّد، فأخبرني عن قولك: إنَّه واحد لا شبيه له، أليس الله واحد والإنسان واحداً؟ فوحدانيته أشبهت وحدانية الإنسان؟
فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «الله واحد وأحدي المعنى، والإنسان واحد ثنوي المعنى، جسم وعرض وبدن وروح، وإنَّما التشبيه في المعاني لا غير».
قال: صدقت يا محمّد، فأخبرني عن وصيّك من هو؟ فما من نبيّ إلَّا وله وصـيّ، وإنَّ نبيّنا موسى بن عمران أوصـى إلى يوشع بن نون.
فقال: «نعم، إنَّ وصيّي والخليفة من بعدي علي بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، تتلوه تسعة من صلب الحسين أئمّة أبرار».
قال: يا محمّد، فسمّهم لي.
قال: «نعم، إذا مضـى الحسين فابنه علي، فإذا مضـى علي فابنه محمّد، فإذا مضـى محمّد فابنه جعفر، فإذا مضـى جعفر فابنه موسى، فإذا مضـى موسى فابنه علي، فإذا مضـى علي فابنه محمّد، فإذا مضـى محمّد فابنه علي، فإذا مضـى علي فابنه الحسن، فإذا مضـى الحسن فبعده ابنه الحجَّة بن الحسن بن علي، فهذه اثنا عشـر إماماً على عدد نقباء بني إسرائيل».

(٤٧)

قال: فأين مكانهم في الجنَّة؟
قال: «معي في درجتي».
قال: أشهد أن لا إله إلَّا الله، وأنَّك رسول الله، وأشهد أنَّهم الأوصياء بعدك، ولقد وجدت هذا في الكتب المقدَّمة، وفيما عهد إلينا موسى بن عمران (عليه السلام) أنَّه إذا كان آخر الزمان يخرج نبيّ يقال له: أحمد، خاتم الأنبياء لا نبيّ بعده، يخرج من صلبه أئمّة أبرار عدد الأسباط.
فقال: «يا أبا عمارة، أتعرف الأسباط؟».
قال: نعم يا رسول الله، إنَّهم كانوا اثني عشـرة.
قال: «فإنَّ فيهم لاوي بن أرحيا».
قال: أعرفه يا رسول الله، وهو الذي غاب عن بني إسرائيل سنين ثمّ عاد، فأظهر شريعته بعد اندراسها، وقاتل مع قرسطيا الملك حتَّى قتله.
وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «كائن في أُمَّتي ما كان في بني إسرائيل، حذو النعل بالنعل والقذَّة بالقذَّة، وإنَّ الثاني عشـر من ولدي يغيب حتَّى لا يُرى، ويأتي على أُمَّتي زمن لا يبقى من الإسلام إلَّا اسمه، ولا من القرآن إلَّا رسمه، فحينئذٍ يأذن الله له بالخروج فيُظهِر الإسلام ويُجدِّد الدين»، ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «طوبى لمن أحبَّهم، وطوبى لمن تمسَّك بهم، والويل لمبغضيهم».
فانتفض نعثل وقام بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنشأ يقول:

صلَّى العلي ذو العلا * * * عليك يا خير البشـر
أنت النبيّ المصطفى * * * والهاشمي المفتخر

(٤٨)

بك اهتدينا رشدنا * * * وفيك نرجو ما أمر
ومعشـر سمَّيتهم * * * أئمّة اثنى عشـر
حباهم ربّ العلى * * * ثمّ صفاهم من كدر
قد فاز من والاهم * * * وخاب من عفى الأثر
آخرهم يشفي الظمأ * * * وهو الإمام المنتظر
عترتك الأخيار لي * * * والتابعون ما أمر
من كان عنكم معرضاً * * * فسوف يصلى بسقر(26)

17 - حديث ابن عبّاس الآخر، قال: دخلت على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والحسن على عاتقه، والحسين على فخذه، يلثمهما ويقبّلهما ويقول: «اللّهمّ والِ من والاهما وعادِ من عاداهما».
ثمّ قال: «يا ابن عبّاس، كأنّي به وقد خُضِبَت شيبته من دمه، يدعو فلا يُجاب، ويستنصـر فلا يُنصَـر».
قلت: فمن يفعل ذلك، يا رسول الله؟
قال: «شرار أُمَّتي، ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي».
ثمّ قال: «يا ابن عبّاس، من زاره عارفاً بحقّه كتب له ثواب ألف حجَّة وألف عمرة، ألَا ومن زاره فكأنَّما قد زارني، ومن زارني فكأنَّما قد زار الله، وحقّ الزائر على الله أن لا يعذّبه بالنار، وإنَّ الإجابة تحت قبَّته، والشفاء في تربته، والأئمّة من ولده».
قلت: يا رسول الله، فكم الأئمّة بعدك؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(26) بحار الأنوار 36: 283 - 285/ ح 106، عن كفاية الأثر: 11- 16.

(٤٩)

قال: «بعدد حواري عيسى، وأسباط موسى، ونقباء بني إسرائيل».
قلت: يا رسول الله، فكم كانوا؟
قال: «كانوا اثني عشـر، والأئمّة بعدي اثنا عشـر أوَّلهم علي بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، فإذا انقضـى الحسين فابنه علي، فإذا مضـى علي فابنه محمّد، فإذا انقضـى محمّد فابنه جعفر، فإذا انقضـى جعفر فابنه موسى، فإذا انقضـى موسى فابنه علي، فإذا انقضـى علي فابنه محمّد، فإذا انقضـى محمّد فابنه علي، فإذا انقضـى علي فابنه الحسن، فإذا انقضـى الحسن فابنه الحجَّة».
قال ابن عبّاس: قلت: يا رسول الله، أسامي ما أسمع بهم قطّ.
قال لي: «يا ابن عبّاس، هم الأئمّة بعدي وإن قُهِروا، أُمناء معصومون نجباء أخيار. يا ابن عبّاس، من أتى يوم القيامة عارفاً بحقّهم أخذت بيده فأُدخله الجنَّة. يا ابن عبّاس، من أنكرهم أو ردَّ واحداً منهم فكأنَّما قد أنكرني وردَّني، ومن أنكرني وردَّني فكأنَّما أنكر الله وردَّه. يا ابن عبّاس، سوف يأخذ الناس يميناً وشمالاً، فإذا كان كذلك فاتَّبع علياً وحزبه فإنَّه مع الحقّ والحقّ معه، ولا يفترقان حتَّى يردا عليَّ الحوض. يا ابن عبّاس، ولايتهم ولايتي وولايتي ولاية الله، وحربهم حربي وحربي حرب الله، وسلمهم سلمي وسلمي سلم الله».
ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ﴾ [التوبة: 32]»(27).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(27) بحار الأنوار 36: 285 و286/ ح 107، عن كفاية الأثر: 16 - 19.

(٥٠)

18 - حديثه الثالث، قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: «إنَّ لله تبارك وتعالى ملكاً يقال له: دردائيل كان له ستَّة عشـر ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح هواء، والهواء كما بين السماء إلى الأرض.
فجعل يوماً يقول في نفسه: أفوق ربّنا (جلَّ جلاله) شيء؟
فعلم الله تبارك وتعالى ما قال، فزاده أجنحة مثلها، فصار له اثنان وثلاثون ألف جناح، ثمّ أوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليه أن طر، فطار مقدار خمسين عاماً فلم ينل رأس قائمة من قوام العرش، فلمَّا علم الله (عزَّ وجلَّ) إتعابه أوحى إليه: أيّها الملك، عُدْ إلى مكانك، فأنا عظيم فوق كلّ عظيم وليس فوقي شيء ولا أُوصف بمكان، فسلبه الله أجنحته ومقامه من صفوف الملائكة.
فلمَّا وُلِدَ الحسين بن علي (عليهما السلام) وكان مولده عشيّة الخميس ليلة الجمعة أوحى الله (عزَّ وجلَّ) إلى مالك خازن النار أن أخمد النيران على أهلها لكرامة مولود وُلِدَ لمحمّد، وأوحى إلى رضوان خازن الجنان أن زخرف الجنان وطيّبها لكرامة مولود وُلِدَ لمحمّد في دار الدنيا، وأوحى الله تبارك وتعالى إلى حور العين: تزينَّ وتزاورن لكرامة مولود وُلِدَ لمحمّد في دار الدنيا، وأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إلى الملائكة أن قوموا صفوفاً بالتسبيح والتحميد والتمجيد والتكبير لكرامة مولود وُلِدَ لمحمّد في دار الدنيا، وأوحى الله تبارك وتعالى إلى جبرئيل (عليه السلام) أن اهبط إلى نبيّي محمّد في ألف قبيل والقبيل ألف ألف من الملائكة على خيول بلق، مسـرجة ملجمة، عليها قباب الدرّ والياقوت،

(٥١)

ومعهم ملائكة يقال لهم: الروحانيون، بأيديهم أطباق من نور أن هنّئوا محمّد بمولود، وأخبره يا جبرئيل أنّي قد سمَّيته الحسين، وهنّئه وعزّه وقل له: يا محمّد، يقتله شرار أُمَّتك على شرار الدواب، فويل للقاتل، وويل للسائق، وويل للقائد. قاتل الحسين أنا منه بريء وهو منّي بريء لأنَّه لا يأتي يوم القيامة أحد إلَّا وقاتل الحسين (عليه السلام) أعظم جرماً منه، قاتل الحسين يدخل النار يوم القيامة مع الذين يزعمون أنَّ مع الله إلهاً آخر، والنار أشوق إلى قاتل الحسين ممَّن أطاع الله إلى الجنَّة».
قال: «فبينا جبرئيل (عليه السلام) يهبط من السماء إلى الأرض إذ مرَّ بدردائيل، فقال له دردائيل: يا جبرئيل، ما هذه الليلة في السماء؟ هل قامت القيامة على أهل الدنيا؟
قال: لا ولكن وُلِدَ لمحمّد مولود في دار الدنيا وقد بعثني الله (عزَّ وجلَّ) إليه لأُهنّئه بمولوده.
فقال الملك: يا جبرئيل، بالذي خلقك وخلقني إذا هبطت إلى محمّد فأقرئه منّي السلام وقل له: بحقّ هذا المولود عليك إلَّا ما سألت ربّك أن يرضـى عنّي فيرد عليَّ أجنحتي ومقامي من صفوف الملائكة».
فهبط جبرئيل (عليه السلام) على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فهنَّأه كما أمره الله (عزَّ وجلَّ) وعزّاه.
فقال له النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «تقتله أُمَّتي؟».
فقال له: «نعم، يا محمّد».

(٥٢)

فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «ما هؤلاء بأُمَّتي، أنا بريء منهم، والله (عزَّ وجلَّ) بريء منهم».
قال جبرئيل: «وأنا بريء منهم يا محمّد».
فدخل النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على فاطمة (عليها السلام) فهنَّأها وعزّاها، فبكت فاطمة (عليها السلام)، وقالت: «يا ليتني لم ألده، قاتل الحسين في النار».
فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «وأنا أشهد بذلك يا فاطمة، ولكنَّه لا يُقتَل حتَّى يكون منه إمام يكون منه الأئمّة الهادية بعده».
ثمّ قال (عليه السلام): «والأئمّة بعدي الهادي علي، والمهتدي الحسن، والناصر الحسين، والمنصور علي بن الحسين، والشافع محمّد بن علي، والنفّاع جعفر بن محمّد، والأمين موسى بن جعفر، والرضا علي بن موسى، والفعّال محمّد بن علي، والمؤتمن علي بن محمّد، والعلَّام الحسن بن علي، ومن يُصلّي خلفه عيسى بن مريم (عليه السلام) القائم (عليه السلام)»، فسكتت فاطمة (عليها السلام) من البكاء. أخبر جبرئيل (عليه السلام) النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بقصَّة الملك وما أُصيب به.
قال ابن عبّاس: فأخذ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الحسين (عليه السلام) وهو ملفوف في خرق من صوف فأشار به إلى السماء، ثمّ قال: «اللّهمّ بحقّ هذا المولود عليك لا بل بحقّك عليه وعلى جدّه محمّد وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب إن كان للحسين بن علي ابن فاطمة عندك قدر فارض عن دردائيل وردّ عليه أجنحته ومقامه من صفوف الملائكة».
فاستجاب الله دعاءه وغفر للملك (وردَّ عليه أجنحته وردَّه

(٥٣)

إلى صفوف الملائكة)، فالملك لا يُعرَف في الجنَّة إلَّا بأن يقال: هذا مولى الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(28).
19 - حديثه الرابع أنَّه قال يوم الشورى: (كم تمنعون حقّنا؟! وربّ البيت إنَّ علياً هو الإمام والخليفة، وليملكنَّ من ولده أحد عشـر يقضون بالحقّ، أوَّلهم الحسن بوصيّة أبيه إليه، ثمّ الحسين بوصيّة أخيه إليه، ثمّ علي بن الحسين بوصيّة أبيه إليه، ثمّ ابنه محمّد بوصيّة أبيه إليه، ثمّ ابنه جعفر بوصيّة أبيه إليه، ثمّ ابنه موسى بوصية أبيه إليه، ثمّ ابنه على بوصيّة أبيه إليه، ثمّ ابنه محمّد بوصيّة أبيه إليه، ثمّ ابنه علي بوصيّة أبيه إليه، ثمّ ابنه الحسن بوصيّة أبيه إليه، فإذا مضـى فالمنتظر صاحب الغيبة).
قال عليم لابن عبّاس: من أين لك هذا؟
قال: (إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) علَّم علياً ألف باب فتح له من كلّ باب ألف باب، وإنَّ هذا من ثَمَّ)(29).
20 - حديث سلمان الفارسي، قال: خطبنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: «معاشر الناس إنّي راحل عنكم عن قريب ومنطلق إلى المغيب، أُوصيكم في عترتي خيراً، وإيّاكم والبدع فإنَّ كلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة وأهلها في النار. معاشر الناس، من افتقد الشمس فليتمسَّك بالقمر، ومن افتقد القمر فليتمسَّك بالفرقدين، ومن افتقد الفرقدين فليتمسَّك بالنجوم الزاهرة بعدي، أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(28) كمال الدين: 282 - 284/ باب 24/ ح 36.
(29) الصراط المستقيم 2: 151 و152.

(٥٤)

قال: فلمَّا نزل عن المنبر (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تبعته حتَّى دخل بيت عائشة، فدخلت إليه وقلت: بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله سمعتك تقول: «إذا افتقدتم الشمس فتمسَّكوا بالقمر، وإذا افتقدتم القمر فتمسَّكوا بالفرقدين، وإذا افتقدتم الفرقدين فتمسَّكوا بالنجوم الزاهرة»، فما الشمس؟ وما القمر؟ وما الفرقدان؟ وما النجوم الزاهرة؟
فقال: «أمَّا الشمس فأنا، وأمَّا القمر فعلي، فإذا افتقدتموني فتمسَّكوا به بعدي، وأمَّا الفرقدان فالحسن والحسين، فإذا افتقدتم القمر فتمسَّكوا بهما، وأمَّا النجوم الزاهرة فالأئمّة التسعة من صلب الحسين (عليه السلام) والتاسع مهديهم».
ثمّ قال: «إنَّهم هم الأوصياء والخلفاء بعدي، أئمّة أبرار، عدد أسباط يعقوب وحواري عيسى».
قلت: فسمّهم لي يا رسول الله.
قال: «أوَّلهم وسيّدهم علي بن أبي طالب، وسبطاي، وبعدهما زين العابدين علي بن الحسين، وبعده محمّد بن علي باقر علم النبيّين، وجعفر بن محمّد، وابنه الكاظم سميّ موسى بن عمران، والذي يُقتَل بأرض الغربة علي ابنه، ثمّ ابنه محمّد، والصادقان علي والحسن، والحجَّة القائم المنتظر في غيبته، فإنَّهم عترتي من دمي ولحمي، علمهم علمي، وحكمهم حكمي، من آذاني فيهم فلا أناله الله تعالى شفاعتي»(30).
21 - حديثه الآخر، قال: قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إنَّ الله تبارك وتعالى لم يبعث نبيَّاً ولا رسولاً إلَّا جعل له اثني عشر نقيباً».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(30) بحار الأنوار 36: 289 و290/ ح 111، عن كفاية الأثر: 40 - 42.

(٥٥)

فقلت: يا رسول الله، لقد عرفت هذا من أهل الكتابين.
فقال: «يا سلمان، هل علمت من نقبائي ومن الاثني عشـر الذين اختارهم الله للأُمَّة من بعدي؟».
فقلت: الله ورسوله أعلم.
فقال: «يا سلمان، خلقني الله من صفوة نوره، ودعاني فأطعته، وخلق من نوري علياً، ودعاه فأطاعه، وخلق من نور علي فاطمة، ودعاها فأطاعته، وخلق منّي ومن علي وفاطمة: الحسن، ودعاه فأطاعه، وخلق منّي ومن علي وفاطمة: الحسين، فدعاه فأطاعه. ثمّ سمّانا بخمسة أسماء من أسمائه، فالله المحمود وأنا محمّد، والله العلي وهذا علي، والله الفاطر وهذه فاطمة، والله ذو الإحسان وهذا الحسن، والله المحسن وهذا الحسين. ثمّ خلق منّا ومن نور الحسين، تسعة أئمّة، فدعاهم فأطاعوه، قبل أن يخلق سماءً مبنية، وأرضاً مدحية، ولا ملكاً ولا بشـراً. وكنّا نوراً نسبّح الله، ونسمع له ونطيع».
قال سلمان: فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأُمّي، فما لمن عرف هؤلاء؟
فقال: «يا سلمان، من عرفهم حقَّ معرفتهم، واقتدى بهم، ووالى وليّهم، وتبرَّأ من عدوّهم، فهو والله منّا، يرد حيث نرد، ويسكن حيث نسكن».
فقلت: يا رسول الله، وهل يكون إيمان بهم بغير معرفة بأسمائهم وأنسابهم؟

(٥٦)

فقال: «لا، يا سلمان».
فقلت: يا رسول الله، فأنّى لي بهم وقد عرفت إلى الحسين؟
قال: «ثمّ سيّد العابدين علي بن الحسين، ثمّ ابنه محمّد بن علي باقر علم الأوَّلين والآخرين من النبيّين والمرسلين، ثمّ ابنه جعفر بن محمّد لسان الله الصادق، ثمّ ابنه موسى بن جعفر الكاظم غيظه صبراً في الله (عزَّ وجلَّ)، ثمّ ابنه علي بن موسى الرضـي لأمر الله، ثمّ ابنه محمّد بن علي المختار من خلق الله، ثمّ ابنه علي بن محمّد الهادي إلى الله، ثمّ ابنه الحسن بن علي الصامت الأمين لسـرّ الله، ثمّ ابنه محمّد بن الحسن الهادي المهدي الناطق القائم بحقّ الله».
ثمّ قال: «يا سلمان، إنَّك مدركه، ومن كان مثلك، ومن تولَّاه بحقيقة المعرفة».
قال سلمان: فشكرت الله كثيراً، ثمّ قلت: يا رسول الله، وإنّي مؤجَّل إلى عهده؟
قال: «يا سلمان، اقرأ: ﴿فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً﴾ [الإسراء: 5 و6]».
قال سلمان: فاشتدَّ بكائي وشوقي، ثمّ قلت: يا رسول الله، أبعهد منك؟
فقال: «إي والله، الذي أرسل محمّداً بالحقّ، منّي ومن علي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة، وكلّ من هو منّا ومعنا، ومضام

(٥٧)

فينا. إي والله يا سلمان، وليحضـرنَّ إبليس وجنوده، وكلّ من محض الإيمان محضاً ومحض الكفر محضاً، حتَّى يؤخذ بالقصاص والأوتار، ولا يظلم ربّك أحداً، ويحقّق تأويل هذه الآية: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: 5 و6]».
قال سلمان: فقمت من بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وما يبالي سلمان متى لقي الموت، أو الموت لقيه(31).
22 - حديث الإمام الرضا، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)، قال: «قال لي أخي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): من أحبَّ أن يلقى الله (عزَّ وجلَّ) وهو مقبل عليه غير معرض عنه فليتولَّ علياً، ومن سـرَّه أن يلقى الله وهو عنه راضٍ فليتولَّ ابنك الحسن، ومن أحبَّ أن يلقى الله ولا خوف عليه فليتولَّ ابنك الحسين، ومن أحبَّ أن يلقى الله وقد محِّص عنه ذنوبه فليتولَّ علي بن الحسين السجّاد، ومن أحبَّ أن يلقى الله تعالى قرير العين فليتولَّ محمّد بن علي الباقر، ومن أحبَّ أن يلقى الله تعالى وكتابه بيمينه فليتولَّ جعفر بن محمّد الصادق، ومن أحبَّ أن يلقى الله تعالى طاهراً مطهَّراً فليتولَّ موسى الكاظم، ومن أحبَّ أن يلقى الله ضاحكاً مستبشـراً فليتولَّ علي بن موسى الرضا، ومن أحبَّ أن يلقى الله وقد رفعت درجاته وبدِّلت سيّئاته حسنات فليتولَّ محمّد الجواد، ومن أحبَّ أن يلقى الله ويحاسبه حساباً يسيراً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(31) دلائل الإمامة: 447 - 450/ ح (424/28).

(٥٨)

فليتولَّ علياً الهادي، ومن أحبَّ أن يلقى الله وهو من الفائزين فليتولَّ الحسن العسكري، ومن أحبَّ أن يلقى الله وقد كمل إيمانه وحسن إسلامه فليتولَّ الحجَّة صاحب الزمان المنتظر، فهؤلاء مصابيح الدجى وأئمّة الهدى وأعلام التقى، من أحبَّهم وتولَّاهم كنت ضامناً له على الله تعالى بالجنَّة»(32).
23 - المرفوع إلى أنس بن مالك، قال: كنت أنا وأبو ذر وسلمان وزيد بن ثابت وزيد بن أرقم عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذ دخل الحسن والحسين (عليهما السلام)، فقبَّلهما رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقام أبو ذر فانكبَّ عليهما وقبَّل أيديهما، ثمّ رجع فقعد معنا.
فقلنا له سـرَّاً: يا أبا ذر، أنت رجل شيخ من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتقوم إلى صبيين من بني هاشم فتنكبَّ عليهما وتقبِّل أيديهما؟!
فقال: نعم، لو سمعتم ما سمعت فيهما من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لفعلتم بهما أكثر ممَّا فعلت.
فقلنا: وماذا سمعت فيهما من رسول الله، يا أبا ذر؟
قال: سمعته يقول لعلي (عليه السلام) ولهما: «يا علي، والله لو أنَّ رجلاً صام وصلّى حتَّى يصير كالشنّ البالي إذن ما تنفعه صلاته ولا صومه إلَّا بحبّك. يا علي، من توسَّل إلى الله بحبّكم فحقٌّ على الله أن لا يردّه. يا علي، من أحبَّكم وتمسَّك بكم فقد تمسَّك بالعروة الوثقى».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(32) بحار الأنوار 36: 296/ ح 125، عن الفضائل لشاذان بن جبرئيل: 166 و167، والروضة لشاذان بن جبرئيل: 207 و208/ ح 174.

(٥٩)

قال: ثمّ قام أبو ذر وخرج، وتقدَّمنا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقلنا: يا رسول الله، أخبرنا أبو ذر عنك بكيت وكيت.
فقال: «صدق أبو ذر، والله ما أظلَّت الخضـراء ولا أقلَّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر».
ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «خلقني الله تبارك وتعالى وأهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق آدم بسبعة آلاف عام، ثمّ نقلنا من صلبه إلى أصلاب الطاهرين وإلى أرحام المطهَّرات».
قلت: يا رسول الله، فأين كنتم؟ وعلى أيّ مثال كنتم؟
قال: «كنّا أشباحاً من نور تحت العرش، نسبّح الله ونقدّسه ونمجّده».
ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لـمَّا عُرِجَ بي إلى السماء وبلغت سدرة المنتهى ودَّعني جبرئيل (عليه السلام)، قلت: يا جبرئيل حبيبي أفي هذا المكان تفارقني؟
فقال: إنّي لا أجوزه فتحترق أجنحتي.
ثمّ زُخَّ بي في النور ما شاء الله، وأوحى الله إليَّ: يا محمّد، إنّي أطلعت إلى الأرض إطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبيَّاً، ثمّ أطلعت إطلاعة فاخترت منها علياً وجعلته وصيّك ووارث علمك والإمام بعدك، وأخرج من أصلابكما الذرّية الطاهرة والأئمّة المعصومين خزّان علمي، فلولاكم ما خلقت الدنيا والآخرة ولا الجنَّة ولا النار. يا محمّد، أتحبّ أن تراهم؟
قلت: نعم، يا ربّ.

(٦٠)

فنوديت: يا محمّد ارفع رأسك، فإذا أنا بأنوار علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمّد بن علي وعلي بن محمّد والحسن بن علي ومحمّد بن الحسن الحجَّة يتلألأ من بينهم كأنَّه كوكب درّي.
فقلت: يا ربّ، من هذا؟
قال: يا محمّد، هم الأئمّة من بعدك المطهَّرون من صلبك، وهذا الحجَّة الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ويشفي صدور قوم مؤمنين».
قلنا: بآبائنا وأُمَّهاتنا يا رسول الله لقد قلت عجباً!
فقال (عليه السلام): «وأعجب من هذا قوم يسمعون هذا الكلام ثمّ يرجعون إلى أعقابهم بعد إذ هداهم الله! ويؤذونني فيهم! ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي»(33).
24 - حديث جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخل جندل بن جنادة اليهودي من خيبر على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال: يا محمّد، أخبرني عمَّا ليس لله، وعمَّا ليس عند الله، وعمَّا لا يعلمه الله.
فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أمَّا ما ليس لله فليس لله شريك، وأمَّا ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد، وأمَّا ما لا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشـر اليهود: (عزير ابن الله)، والله لا يعلم أنَّ له ولداً».
فقال جندل: أشهد أن لا إله إلَّا الله وأنَّك رسول الله حقَّاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(33) بحار الأنوار 36: 301 - 303/ ح 140؛ كفاية الأثر: 69 - 73.

(٦١)

ثمّ قال: يا رسول الله، إنّي رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران (عليه السلام)، فقال لي: يا جندل أسلم على يد محمّد واستمسك بالأوصياء من بعده، فقد أسلمت ورزقني الله ذلك، فأخبرني ما الأوصياء بعدك لأتمسَّك بهم؟
فقال: «يا جندل، أوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل».
فقال: يا رسول الله، إنَّهم كانوا اثني عشـر، هكذا وجدنا في التوراة.
قال: «نعم، الأئمّة بعدي اثنا عشـر».
فقال: يا رسول الله، كلّهم في زمن واحد؟
قال: «لا، ولكن خلف بعد خلف، فإنَّك لن تدرك منهم إلَّا ثلاثة».
قال: فسمّهم لي يا رسول الله.
قال: «نعم إنَّك تدرك سيّد الأوصياء ووارث الأنبياء وأبا الأئمّة علي بن أبي طالب بعدي، ثمّ ابنه الحسن، ثمّ الحسين، فاستمسك بهم من بعدي ولا يغرنَّك جهل الجاهلين، فإذا كانت وقت ولادة ابنه علي بن الحسين سيّد العابدين يقضـي الله عليك، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن».
فقال: يا رسول الله، هكذا وجدت في التوراة: (إليايقطوا شبَّراً وشبيراً)، فلم أعرف أساميهم، فكم بعد الحسين من الأوصياء، وما أساميهم؟
فقال: «تسعة من صلب الحسين والمهدي منهم، فإذا انقضت مدَّة الحسين قام بالأمر بعده علي ابنه ويُلقَّب بزين العابدين، فإذا انقضت مدَّة علي قام بالأمر بعده ابنه يُدعى بالباقر، فإذا انقضت

(٦٢)

مدَّة محمّد قام بالأمر بعده جعفر ويُدعى بالصادق، فإذا انقضت مدَّة جعفر قام بالأمر بعده موسى ويُدعى بالكاظم، ثمّ إذا انتهت مدَّة موسى قام بالأمر بعده ابنه علي ويُدعى بالرضا، فإذا انقضت مدَّة علي قام بالأمر بعده ابنه محمّد يُدعى بالزكي، فإذا انقضت مدَّة محمّد قام بالأمر بعده علي ابنه ويُدعى بالنقي، فإذا انقضت مدَّة علي قام بالأمر بعده الحسن ابنه يُدعى بالأمين، ثمّ يغيب عنهم إمامهم».
قال: يا رسول الله، هو الحسن يغيب عنهم؟
قال: «لا، ولكن ابنه الحجَّة».
قال: يا رسول الله، فما اسمه؟
قال: «لا يُسمّى حتَّى يظهره الله».
قال جندل: يا رسول الله، قد وجدنا ذكركم في التوراة، وقد بشَّـرنا موسى بن عمران بك وبالأوصياء بعدك من ذرّيتك.
ثمّ تلا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضـى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْـرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ [النور: 55]».
فقال جندل: يا رسول الله، فما خوفهم؟
قال: «يا جندل، في زمن كلّ واحد منهم جبّار يعتريه ويؤذيه، فإذا عجَّل الله خروج قائمنا يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين

(٦٣)

على محجَّتهم، أُولئك وصفهم الله في كتابه وقال: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: 3]، وقال: ﴿أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة: 22]»(34).
25 - حديث علقمة وسفيان بن عيينة، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن أبيه (عليه السلام)، عن جابر بن عبد الله الأنصاري أيضاً، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للحسين بن علي (عليه السلام): «يا حسين، يخرج من صلبك تسعة أئمّة، منهم مهدي هذه الأُمَّة، فإذا استشهد أبوك فالحسن بعده، فإذا سُمَّ الحسن فأنت، فإذا استشهدتَّ فعلي ابنك، فإذا مضـى علي فمحمّد ابنه، فإذا مضـى محمّد فجعفر ابنه، فإذا مضـى جعفر فموسى ابنه، فإذا مضـى موسى فعلي ابنه، فإذا مضـى علي فمحمّد ابنه، فإذا مضـى محمّد فعلي ابنه، فإذا مضـى علي فالحسن ابنه، ثمّ الحجَّة بعد الحسن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(35).
26 - حديث أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لـمَّا عُرِجَ بي إلى السماء رأيت على ساق العرش مكتوباً: لا إله إلَّا الله، محمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أيَّدته بعلي ونصـرته به، ورأيت اثنا عشـر اسماً مكتوباً بالنور، فهم علي بن أبي طالب، وسبطاي، وبعدهما تسعة أسماء علي علي علي - ثلاث مرّات -، ومحمّد ومحمّد - مرَّتين -، وجعفر وموسى والحسن والحجَّة يتلألأ من بينهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(34) بحار الأنوار 36: 304 - 306/ ح 144، عن كفاية الأثر: 56 - 61.
(35) بحار الأنوار 36: 306 و307/ ح 145، عن كفاية الأثر: 61 و62.

(٦٤)

فقلت: يا ربِّ، أسامي من هؤلاء؟
فنادى ربّي (جلَّ جلاله): يا محمّد، هم الأوصياء من ذرّيتك، بهم أُثيب، وبهم أُعاقب»(36).
27 - وقريب منه حديث أبي أُمامة، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لـمَّا عُرِجَ بي إلى السماء رأيت مكتوباً على ساق العرش بالنور: لا إله إلَّا الله، محمّد رسول الله، أيَّدته بعلي، ونصـرته بعلي، ورأيت: علياً علياً علياً - ثلاث مرّات -، [ثمّ بعده الحسن والحسين] ومحمّداً ومحمّداً وجعفراً وموسى والحسن والحجَّة، اثني عشـر اسماً مكتوباً بالنور.
فقلت: يا ربِّ، أسامي من هؤلاء الذين قرنتهم بي؟
فنوديت: يا محمّد، هم الأئمّة بعدك والأخيار من ذرّيتك»(37).
28 - وحديث حذيفة بن اليمان، قال: صلّى بنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ أقبل بوجهه الكريم علينا فقال: «معاشـر أصحابي، أُوصيكم بتقوى الله والعمل بطاعته، فمن عمل بها فاز وغنم وأنجح، ومن تركها حلَّت به الندامة، فالتمسوا بالتقوى السلامة من أهوال يوم القيامة، فكأنّي أُدعى فأُجيب، وإنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلّوا، ومن تمسَّك بعترتي من بعدي كان من الفائزين، ومن تخلَّف عنهم كان من الهالكين».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(36) بحار الأنوار 36: 310/ ح 151، عن كفاية الأثر: 73 - 75.
(37) راجع: بحار الأنوار 36: 321/ ح 174، عن كفاية الأثر: 105 و106.

(٦٥)

فقلت: يا رسول الله، على من تخلفنا؟
قال: «على من خلَّف موسى بن عمران قومه؟».
قلت: على وصيّه يوشع بن نون.
قال: «فإنَّ وصيّي وخليفتي من بعدي علي بن أبي طالب، قائد البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصـره، مخذول من خذله».
قلت: يا رسول الله، فكم يكون الأئمّة من بعدك؟
قال: «عدد نقباء بني إسرائيل، تسعة من صلب الحسين، أعطاهم الله علمي وفهمي، وهم خزّان علم الله ومعادن وحيه».
قلت: يا رسول الله، فما لأولاد الحسن؟
قال: «إنَّ الله تبارك وتعالى جعل الإمامة في عقب الحسين، وذلك قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: 28]».
قلت: أفلا تسمّيهم لي، يا رسول الله؟
قال: «نعم، إنَّه لـمَّا عُرِجَ بي إلى السماء ونظرت إلى ساق العرش فرأيت مكتوباً بالنور: لا إله إلَّا الله، محمّد رسول الله، أيَّدته بعلي ونصـرته به، ورأيت أنوار الحسن والحسين وفاطمة، ورأيت في ثلاثة مواضع: علياً علياً علياً، ومحمّداً محمّداً وجعفراً وموسى والحسن، والحجَّة يتلألأ من بينهم كأنَّه كوكب درّي.
فقلت: يا ربِّ، من هؤلاء الذين قرنت أسماءهم باسمك؟
قال: يا محمّد، إنَّهم الأوصياء والأئمّة بعدك، خلقتهم من طينتك، فطوبى لمن أحبَّهم، والويل لمن أبغضهم، وبهم أُنزل الغيث، وبهم أُثيب وأُعاقب».

(٦٦)

ثمّ رفع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يده إلى السماء ودعا بدعوات فسمعته فيما يقول: «اللّهمّ اجعل العلم والفقه في عقبي وعقب عقبي وفي زرعي وزرع زرعي»(38).
29 - وحديث أبي أيّوب الأنصاري حين عاتبه جماعة بعد واقعة الجمل على قتال المسلمين، فقال: والله لقد سمعت من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: «إنَّك تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بعدي مع علي بن أبي طالب (عليه السلام)».
قلنا: الله، إنَّك سمعت ذلك من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
قال: الله لقد سمعت يقول ذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
قلنا: فحدِّثنا بشـيء سمعته من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في علي.
قال: سمعته يقول: «علي مع الحقّ والحقّ معه، وهو الإمام والخليفة بعدي، يقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل، وابناه الحسن والحسين سبطاي من هذه الأُمَّة إمامان قاما أو قعدا، وأبوهما خير منهما، والأئمّة بعد الحسين تسعة من صلبه، ومنهم القائم الذي يقوم في آخر الزمان كما قمت في أوَّله، يفتح حصون الضلالة».
قلنا: وذلك التسعة من هم؟
قال: هم الأئمّة بعد الحسين خلف بعد خلف.
قلنا: فكم عهد إليك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يكون بعده من الأئمّة؟
قال: اثنا عشـر.
قلنا: فهل سمّاهم لك؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(38) بحار الأنوار 36: 331 و332/ ح 191، عن كفاية الأثر: 136 - 138.

(٦٧)

قال: نعم، إنَّه قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لـمَّا عُرِجَ بي إلى السماء نظرت إلى ساق العرش فإذا هو مكتوب بالنور: لا إله إلَّا الله، محمّد رسول الله، أيَّدته بعلي ونصـرته بعلي، ورأيت أحد عشـر اسماً مكتوباً بالنور على ساق العرش بعد علي: الحسن والحسين، علياً علياً علياً، ومحمّداً محمّداً، وجعفراً وموسى والحسن والحجَّة.
قلت: إلهي وسيّدي، من هؤلاء الذين أكرمتهم وقرنت أسماءهم باسمك؟
فنوديت: يا محمّد هم الأوصياء بعدك والأئمّة، فطوبى لمحبّيهم والويل لمبغضيهم».
قلنا: فما لبني هاشم؟
قال: سمعته يقول: «أنتم المستضعفون بعدي».
قلت: فمن القاسطون والناكثون والمارقون؟
قال: الناكثون الذين قاتلناهم، [و]سوف نقاتل القاسطين، وأمَّا المارقين فإنّي والله لا أعرفهم غير أنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: «في الطرقات بالنهروانات»(39).
30 - وحديث أُمّ سَلَمة، قالت: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لـمَّا أُسري بي إلى السماء نظرت فإذا مكتوب على العرش: لا إله إلَّا الله، محمّد رسول الله، أيَّدته بعلي، ونصـرته بعلي. ورأيت أنوار علي وفاطمة والحسن والحسين، وأنوار علي بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمّد بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(39) بحار الأنوار 36: 324 - 326/ ح 182، عن كفاية الأثر: 114 - 119.

(٦٨)

علي، وعلي بن محمّد، والحسن بن علي، ورأيت نور الحجَّة يتلألأ من بينهم، كأنَّه كوكب درّي.
فقلت: يا ربّ، من هذا؟ ومن هؤلاء؟
فنوديت: يا محمّد، هذا نور علي وفاطمة، وهذا نور سبطيك الحسن والحسين، وهذه أنوار الأئمّة بعدك من ولد الحسين مطهَّرون معصومون. وهذا الحجَّة الذي يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً»(40).
31 - وحديث أمير المؤمنين (عليه السلام) حينما سُئِلَ عن أئمّة الحقّ بعد أن خطب خطبة اللؤلؤة، فقال: «نعم، إنَّه لعهد عهده إليَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّ هذا الأمر يملكه اثنا عشـر إماماً، تسعة من الحسين.
ولقد قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لـمَّا عُرِجَ بي إلى السماء نظرت إلى ساق العرش، فإذا مكتوب عليه: لا إله إلَّا الله، محمّد رسول الله، أيَّدته بعلي، ونصـرته بعلي، ورأيت اثني عشـر نوراً.
فقلت: يا ربِّ، أنوار من هذه؟
فنوديت: يا محمّد، هذه أنوار الأئمّة من ذرّيتك.
قلت: يا رسول الله، أفلا تسمّيهم لي؟
قال: نعم، أنت الإمام والخليفة بعدي، تقضـي ديني، وتنجز عداتي، وبعدك ابناك الحسن والحسين، وبعد الحسين ابنه علي زين العابدين، وبعد علي ابنه محمّد يُدعى بالباقر، وبعد محمّد ابنه جعفر يُدعى بالصادق، وبعد جعفر ابنه موسى يُدعى بالكاظم، وبعد موسى ابنه علي يُدعى بالرضا، وبعد علي ابنه محمّد يُدعى بالزكي، وبعد محمّد ابنه علي يُدعى بالنقي، وبعده

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(40) بحار الأنوار 36: 348/ ح 217، عن كفاية الأثر: 185 و186.

(٦٩)

ابنه الحسن يُدعى بالأمين، والقائم من ولد الحسين سميّي وأشبه الناس بي، يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(41).
32 - حديث غالب الجهني، عن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال: «إنَّ الأئمّة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كعدد نقباء بني إسرائيل وكانوا اثني عشـر، الفائز من والاهم والهالك من عاداهم.
ولقد حدَّثني أبي عن أبيه، قال: قال رسول الله: لـمَّا أُسري بي إلى السماء نظرت فإذا على ساق العرش مكتوب: لا إله إلَّا الله، محمّد رسول الله، أيَّدته بعلي ونصـرته بعلي، ورأيت في مواضع: علياً علياً علياً، ومحمّداً ومحمّداً، وجعفراً وموسى والحسن والحسن والحسين والحجَّة، فعددتهم فإذا هم اثنا عشـر.
فقلت: يا ربِّ، من هؤلاء الذين أراهم؟
قال: يا محمّد، هذا نور وصيّك وسبطيك، وهذه أنوار الأئمّة من ذرّيتهم، بهم أُثيب وبهم أُعاقب»(42).
33 - وقريب منه حديث جابر، عن الإمام الباقر (عليه السلام): قلت له: يا ابن رسول الله، إنَّ قوماً يقولون: إنَّ الله تبارك وتعالى جعل الإمامة في عقب الحسن والحسين.
قال: «كذبوا الله، أوَلم يسمعوا الله تعالى ذكره يقول: ﴿وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: 28]؟ فهل جعلها إلَّا في عقب الحسين (عليه السلام)؟».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(41) بحار الأنوار 36: 354 - 356/ ح 225، عن كفاية الأثر: 213 - 219.
(42) بحار الأنوار 36: 390/ ح 1، عن كفاية الأثر: 244 و245.

(٧٠)

ثمّ قال: «يا جابر، إنَّ الأئمّة هم الذين نصَّ عليهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالإمامة، وهم الذين قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لـمَّا أُسري بي إلى السماء وجدت أساميهم مكتوبة على ساق العرش بالنور اثني عشـر اسماً، منهم علي، وسبطاه، وعلي، ومحمّد، وجعفر، وموسى، وعلي، ومحمّد، وعلي، والحسن، والحجَّة القائم، فهذه الأئمّة من أهل بيت الصفوة والطهارة، والله ما يدَّعيه أحد غيرها إلَّا حشـره الله تبارك وتعالى مع إبليس وجنوده...»(43).
ويؤكّدها حديث واثلة المتضمّن لأمر الله تعالى للنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالوصيّة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وقوله له: إنَّ الأئمّة من بعده اثنا عشـر أُمناء معصومون، وأنَّه أراه أنوارهم، من دون أن يذكرهم بأسمائهم(44).
34 - حديث أبي هريرة، قال: كنت عند النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأبو بكر وعمر والفضل بن العبّاس وزيد بن حارثة وعبد الله بن مسعود إذ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(43) بحار الأنوار 36: 357 و358/ ح 226، عن كفاية الأثر: 246 - 248.
(44) عن واثلة بن الأسقع، قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: «لـمَّا عُرِجَ بي إلى السماء وبلغت سدرة المنتهى ناداني (جلَّ جلاله) فقال: يا محمّد، قلت: لبّيك سيّدي، قال: إنّي ما أرسلت نبيَّاً فانقضت أيّامه إلَّا أقام بالأمر من بعده وصيّه، فاجعل علي بن أبي طالب الإمام الوصـيّ بعدك، فإنّي خلقتكما من نور واحد، وخلقت الأئمّة الراشدين من أنواركما، أتحبّ أن تراهم يا محمّد؟ قلت: نعم يا ربِّ، قال: ارفع رأسك، فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار الأئمّة بعدي اثنا عشـر نوراً، قلت: يا ربِّ، أنوار من هي؟ قال: أنوار الأئمّة بعدك، أُمناء معصومون». (بحار الأنوار 36: 323/ ح 179، عن كفاية الأثر: 110 و111).

(٧١)

دخل الحسين بن علي (عليه السلام) فأخذه النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقبَّله ثمّ قال: «حزقة حزقة، ترقَّ عين بقَّة».
ووضع فمه على فمه، وقال: «اللّهمّ إنّي أُحبّه فأحبّه وأُحبّ من يحبّه، يا حسين أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمّة تسعة من ولدك أئمّة أبرار».
فقال له عبد الله بن مسعود: ما هؤلاء الأئمّة الذين ذكرتهم في صلب الحسين؟
فأطرق مليَّاً ثمّ رفع رأسه، فقال: «يا عبد الله، سألت عظيماً ولكنّي أُخبرك أنَّ ابني هذا - ووضع يده على كتف الحسين (عليه السلام) - يخرج من صلبه ولد مبارك سميّ جدّه علي (عليه السلام) يسمّى العابد ونور الزهّاد، ويخرج الله من صلب علي ولداً اسمه اسمي وأشبه الناس بي يبقر العلم بقراً وينطق بالحقّ ويأمر بالصواب، يخرج الله من صلبه كلمة الحقّ ولسان الصدق».
فقال له ابن مسعود: فما اسمه، يا رسول الله؟
قال: «يقال له: جعفر، صادق في قوله وفعله، الطاعن عليه كالطاعن عليَّ، والرادّ عليه كالرادّ عليَّ»، ثمّ دخل حسّان بن ثابت وأنشد في رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شعراً وانقطع الحديث.
فلمَّا كان من الغد صلّى بنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثمّ دخل بيت عائشة ودخلنا معه أنا وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن العبّاس، وكان (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من دأبه إذا سُئِلَ أجاب وإذا لم يُسئَل ابتدأ، فقلت له: بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله، ألَا تخبرني بباقي الخلفاء من صلب الحسين؟

(٧٢)

قال: «نعم يا أبا هريرة، ويخرج الله من صلب جعفر مولوداً نقيَّاً طاهراً أسمر ربعة سميّ موسى بن عمران».
ثمّ قال له ابن عبّاس: ثمّ من، يا رسول الله؟
قال: «يخرج من صلب موسى علي ابنه يُدعى بالرضا، موضع العلم ومعدن الحلم».
ثمّ قال (عليه السلام): «بأبي المقتول في أرض الغربة، ويخرج من صلب علي ابنه محمّد المحمود، أطهر الناس خَلْقاً وأحسنهم خُلُقاً، ويخرج من صلب محمّد علي ابنه طاهر الحسب صادق اللهجة، ويخرج من صلب علي الحسن الميمون النقي الطاهر الناطق عن الله، وأبو حجَّة الله، ويخرج الله من صلب الحسن قائمنا أهل البيت يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، له هيبة موسى وحكم داود وبهاء عيسى».
ثمّ تلا (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 34]».
فقال له علي بن أبي طالب (عليه السلام): «بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله، من هؤلاء الذين ذكرتهم؟».
قال: «يا علي، أسامي الأوصياء من بعدك، والعترة الطاهرة، والذرّية المباركة».
ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «والذي نفس محمّد بيده لو أنَّ رجلاً عبد الله ألف عام ثمّ ألف عام ما بين الركن والمقام ثمّ أتاني جاحداً لولايتهم لأكبَّه الله في النار كائناً من كان»(45).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(45) بحار الأنوار 36: 312 - 314/ ح 158، عن كفاية الأثر: 81 - 85.

(٧٣)

35 - ما رواه الكراجكي بإسناده عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «ليلة أُسري بي إلى السماء أوحى الله إليَّ أن سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟
قلت: على ما بعثتم؟
قالوا: على نبوَّتك، وولاية علي بن أبي طالب، والأئمّة منكما.
ثمّ أوحى إليَّ أن التفت عن يمين العرش، فالتفتُّ فإذا علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمّد بن علي وعلي بن محمّد والحسن بن علي والمهدي (عليهم السلام) في ضحضاح من نور يصلّون.
فقال لي الربّ تعالى: هؤلاء الحجج لأوليائي، وهذا المنتقم من أعدائي...»(46).
ولعلَّه عين ما روي عن الجارود بن المنذر حينما قدم على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحدَّثه بحديث قس بن ساعدة، وذكره لأسماء النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام)، وسؤال الجارود من النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عنهم(47).
36 - ما رواه الكراجكي أيضاً بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «رأيت ليلة أُسري بي إلى السماء قصوراً من ياقوت أحمر، وزبرجد أخضـر، ودرّ ومرجان، وعقيان، بلاطها المسك الأذفر، وترابها الزعفران، وفيها فاكهة ونخل ورمّان، وحور وخيرات حسان، وأنهار من لبن، وأنهار من عسل، تجري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(46) كنز الفوائد: 258.
(47) راجع: إثبات الهداة 3: 202 - 204.

(٧٤)

على الدرّ والجوهر، وقباب على حافتي تلك الأنهار، وغرف وخيام، وخدم وولدان، وفرشها الإستبرق والسندس والحرير، وفيها أطيار، فقلت: يا حبيبي جبرئيل، لمن هذه القصور؟ وما شأنها؟
فقال لي جبرئيل: هذه القصور وما فيها، خلقها الله (عزَّ وجلَّ) كذا، وأُعِدَّ فيها ما ترى، ومثلها أضعاف مضاعفة، لشيعة أخيك علي، وخليفتك من بعدك على أُمَّتك، وهم يدعون في آخر الزمان باسم يُراد به غيرهم، يسمّون (الرافضة) وإنَّما هو زين لهم، لأنَّهم رفضوا الباطل، وتمسَّكوا بالحقّ، وهم السواد الأعظم، ولشيعة ابنه الحسن من بعده، ولشيعة أخيه الحسين من بعده، ولشيعة ابنه علي بن الحسين من بعده، ولشيعة ابنه محمّد بن علي من بعده، ولشيعة ابنه جعفر بن محمّد من بعده، ولشيعة ابنه موسى بن جعفر من بعده، ولشيعة ابنه علي بن موسى من بعده، ولشيعة ابنه محمّد بن علي من بعده، ولشيعة ابنه علي بن محمّد من بعده، ولشيعة ابنه الحسن بن علي من بعده، ولشيعة ابنه محمّد المهدي من بعده. يا محمّد، فهؤلاء الأئمّة من بعدك، أعلام الهدى، ومصابيح الدجى، شيعتهم وشيعة جميع ولدك ومحبّيهم شيعة الحقّ، وموالي الله، وموالي رسوله، الذين رفضوا الباطل واجتنبوه، وقصدوا الحقّ واتَّبعوه، يتولونهم في حياتهم، ويزورونهم من بعد وفاتهم، متناصرين لهم، قاصدين على محبَّتهم رحمة الله عليهم، إنَّه غفور رحيم»(48).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(48) دلائل الإمامة: 475 - 477/ ح (466/70)، ولم نجده في كنز الفوائد للكراجكي (رحمه الله).

(٧٥)

37 - حديث أبي سليمان، عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: «ليله أُسرى بي إلى السماء قال لي الجليل (جلَّ جلاله): ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾.
فقلت: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: 285].
قال: صدقت يا محمّد، من خلَّفت لأُمَّتك؟
قلت: خيرها.
قال: علي بن أبي طالب؟
قلت: نعم، يا ربِّ.
قال: يا محمّد، إنّي أطلعت إلى الأرض إطلاعه فاخترتك منها فشققت لك اسماً من أسمائي فلا أُذكر في موضع إلَّا ذُكرت معي، فأنا المحمود وأنت محمّد، ثمّ أطلعت الثانية فاخترت منها علياً وشققت اسماً من أسمائي، فأنا الأعلى وهو علي. يا محمّد، إنّي خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والأئمّة من ولد الحسين من شبح نور من نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات والأرض، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ومن جحدها كان عندي من الكافرين. يا محمّد، لو أنَّ عبداً من عبادي عبدني حتَّى ينقطع يصير كالشنّ البالي ثمّ أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتَّى يقرَّ بولايتكم. يا محمّد، تحبّ أن تراهم؟
قلت: نعم، يا ربِّ.
فقال: التفت عن يمين العرش، فالتفت فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر بن محمّد

(٧٦)

وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمّد بن علي وعلي بن محمّد والحسن بن علي والمهدي في ضحضاح من نور قيام يصلّون والمهدي في وسطهم كأنَّه كوكب درّي بينهم.
وقال: يا محمّد، هؤلاء الحجج، وهذا الثائر من عترتك. يا محمّد، وعزَّتي وجلالي أنَّه الحجَّة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي»(49).
38 - وما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من مناشدته، وهو على المنبر في بعض ما ورد فيهم (عليهم السلام)، وفي جملته حديث الثقلين.
وفيه: فقام اثنا عشـر رجلاً من الجماعة بدريون، فقالوا: نشهد أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حين خطب في اليوم الذي قُبِضَ فيه قام عمر بن الخطّاب شبه المغضب، فقال: يا رسول الله، أكل أهل بيتك؟
قال: «لا، ولكن أوصيائي، أخي منهم ووزيري ووارثي وخليفتي في أُمَّتي ووليّ كلّ مؤمن بعدي وأحد عشـر من ولده، هذا أوَّلهم وخيرهم، ثمّ ابناي هذان - وأشار بيده إلى الحسن والحسين -، ثمّ وصيّ ابني يسمّى باسم أخي علي وهو ابن الحسين، ثمّ وصيّ علي وهو ولده واسمه محمّد، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ علي بن موسى، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ علي بن محمّد، ثمّ الحسن بن علي، ثمّ محمّد بن الحسن مهدي الأُمَّة، اسمه كاسمي وطينته كطينتي، يأمر بأمري وينهى بنهيي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. يتلو بعضهم بعضاً، واحداً بعد واحد حتَّى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(49) الطرائف: 172 و173/ ح 270.

(٧٧)

يردوا عليَّ الحوض، شهداء الله في أرضه وحججه على خلقه، من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله»(50).
39 - ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) بطرق متعدّدة(51)، قال: «كنت عند النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في بيت أُمّ سَلَمة إذ دخل عليه جماعة من أصحابه منهم سلمان وأبو ذر والمقداد وعبد الرحمن بن عوف، فقال له سلمان: يا رسول الله، إنَّ لكلّ نبيّ وصيَّاً وسبطين، فمن وصيّك وسبطاك؟
فأطرق ساعة، ثمّ قال: يا سلمان، إنَّ الله بعث أربعة آلاف نبيّ وكان لهم أربعة آلاف وصيّ وثمانية آلاف سبط، فوَالذي نفسـي بيده لأنا خير الأنبياء، ووصيّي خير الأوصياء، وسبطاي خير الأسباط.
ثمّ قال: يا سلمان، أتعرف من كان وصيّ آدم؟
فقال: الله ورسوله أعلم.
فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّي أُعرّفك يا أبا عبد الله، فأنت منّا أهل البيت، إنَّ آدم أوصى إلى ابنه شيث، وأوصى شيث إلى ابنه شبان، وأوصى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(50) كتاب سليم بن قيس: 300؛ كمال الدين: 279/ باب 24/ ضمن الحديث 25.
(51) فقد رواه علي بن الحسن بن محمّد، عن هارون بن موسى، عن أحمد بن محمّد بن سليمان الباغندي، عن محمّد بن حميد الرازي، عن إبراهيم بن المختار، عن نصـر بن حميد، عن أبي إسحاق، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي (عليه السلام).
ورواه هارون بطريق آخر، قال: وحدَّثنا أحمد بن موسى بن العبّاس، عن محمّد بن زيد، عن إسماعيل بن يونس الخزاعي، عن هشيم بن بشير الواسطي، عن أبي المقدام شريح بن هانئ، عن علي (عليه السلام).
ورواه بطريق ثالث، قال: وأخبرنا أحمد بن محمّد بن عبد الله الجوهري، عن محمّد بن عمر الجعابي، عن محمّد بن عبد الله، عن محمّد بن حبيب النيشابوري، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي (عليه السلام).

(٧٨)

شبان إلى ابنه مخلث، وأوصى مخلث إلى محوق، وأوصى محوق إلى غثميشا، وأوصى غثميشا إلى أخنوخ - وهو إدريس النبيّ -، وأوصى إدريس إلى ناخورا، وأوصى ناخورا إلى نوح، وأوصى نوح إلى ابنه سام، وأوصى سام إلى عثامر، وأوصى عثامر إلى برعشاثا، وأوصى برعشاثا إلى يافث، وأوصى يافث إلى برة، وأوصى برة إلى حفسية، وأوصى حفسية إلى عمران، وأوصى عمران إلى إبراهيم الخليل، وأوصى إبراهيم إلى ابنه إسماعيل، وأوصى إسماعيل إلى إسحاق، وأوصى إسحاق إلى يعقوب، وأوصى يعقوب إلى يوسف، وأوصى يوسف إلى برثيا، وأوصى برثيا إلى شعيب، وأوصى شعيب إلى موسى بن عمران، وأوصى موسى إلى يوشع بن نون، وأوصى يوشع بن نون إلى داود، وأوصى داود إلى سليمان، وأوصى سليمان إلى آصف بن برخيا، وأوصى آصف إلى زكريا، وأوصى زكريا إلى عيسى بن مريم، وأوصى عيسى بن مريم إلى شمعون بن حمون الصفا، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريا، وأوصى يحيى إلى منذر، وأوصى منذر إلى سلمة، وأوصى سلمة إلى بردة، وأوصى إليَّ بردة، وأنا أدفعها إلى علي بن أبي طالب».
فقال علي (عليه السلام): «فقلت: يا رسول الله، فهل بينهم أنبياء وأوصياء أُخر؟
قال: نعم، أكثر من أن تُحصـى.
ثمّ قال: وأنا أدفعها إليك يا علي، وأنت تدفعها إلى ابنك الحسن، والحسن يدفعها إلى أخيه الحسين، والحسين يدفعها إلى ابنه علي، وعلي

(٧٩)

يدفعها إلى ابنه محمّد، ومحمّد يدفعها إلى ابنه موسى، وموسى يدفعها إلى ابنه علي، وعلي يدفعها إلى ابنه محمّد، ومحمّد يدفعها إلى ابنه علي، وعلي يدفعها إلى ابنه الحسن، والحسن يدفعها إلى ابنه القائم، ثمّ يغيب عنهم إمامهم ما شاء الله، وتكون له غيبتان إحداهما أطول من الأُخرى.
ثمّ التفت إلينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال رافعاً صوته: الحذر الحذر إذا فُقِدَ الخامس من ولد السابع من ولدي...»(52).
40 - حديث عيسى بن موسى الهاشمي، عن أبيه، عن آبائه، عن الإمام الحسين، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)، قال: «دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في بيت أُمّ سَلَمة، وقد نزلت عليه هذه الآية: ﴿إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ [الأحزاب: 33]، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا علي هذه الآية نزلت فيك وفي سبطي، والأئمّة من ولدك.
قلت: يا رسول الله، وكم الأئمّة بعدك؟
قال: أنت يا علي، ثمّ ابناك الحسن والحسين، وبعد الحسين علي ابنه، وبعد علي محمّد ابنه، وبعد محمّد جعفر ابنه، وبعد جعفر موسى ابنه، وبعد موسى علي ابنه، وبعد علي محمّد ابنه، وبعد محمّد علي ابنه، وبعد علي الحسن ابنه، وبعد الحسن ابنه الحجَّة من ولد الحسن، هكذا وجدت أساميهم مكتوبة على ساق العرش، فسألت الله (عزَّ وجلَّ) عن ذلك، فقال: يا محمّد، هم الأئمّة بعدك، مطهَّرون معصومون، وأعداؤهم ملعونون»(53).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(52) بحار الأنوار 36: 333 - 335/ ح 195، عن كفاية الأثر: 147 - 151.
(53) بحار الأنوار 36: 336 و337/ ح 199، عن كفاية الأثر: 155 و156.

(٨٠)

41 - حديث الإمام الحسن (عليه السلام)، قال: «خطبنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوماً فقال بعد ما حمد الله وأثنى عليه: معاشر الناس، كأنّي أُدعى فأُجيب، وإنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلّوا، فتعلَّموا منهم ولا تعلّموهم فإنَّهم أعلم منكم، لا تخلو الأرض منهم، ولو خلت إذن لساخت بأهلها.
ثمّ قال: اللّهمّ إنّي أعلم أنَّ العلم لا يبيد ولا ينقطع، وإنَّك لا تخلي أرضك من حجَّة لك على خلقك، ظاهر ليس بالمطاع، أو خائف مغمور، لكيلا يبطل حجَّتك، ولا يضلّ أولياؤك بعد إذ هديتهم، أُولئك الأقلّون عدداً الأعظمون قدراً عند الله.
فلمَّا نزل عن منبره قلت: يا رسول الله، أمَا أنت الحجَّة على الخلق كلّهم؟
قال: يا حسن، إنَّ الله يقول: ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾ [الرعد: 7]، فأنا المنذر وعلي الهادي.
قلت: يا رسول الله، فقولك: إنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة؟
قال: نعم علي هو الإمام والحجَّة بعدي، وأنت الحجَّة والإمام بعده، والحسين هو الإمام والحجَّة بعدك، ولقد نبَّأني اللطيف الخبير أنَّه يخرج من صلب الحسين ولد يقال له: علي، سميّ جدّه علي، فإذا مضـى الحسين قام بالأمر بعده علي ابنه، وهو الحجَّة والإمام، ويخرج الله من صلب علي ولداً سميّي وأشبه الناس بي، علمه علمي وحكمه حكمي، وهو الإمام والحجَّة بعد أبيه، ويخرج الله من صلبه

(٨١)

مولوداً يقال له: جعفر، أصدق الناس قولاً وفعلاً، وهو الإمام والحجَّة بعد أبيه، ويخرج الله تعالى من صلب جعفر مولوداً سميّ موسى بن عمران، أشدّ الناس تعبّداً، فهو الإمام والحجَّة بعد أبيه، ويخرج الله تعالى من صلب موسى ولداً يقال له: علي، معدن علم الله وموضع حكمه، فهو الإمام والحجَّة بعد أبيه، ويخرج الله تعالى من صلب علي مولوداً يقال له: محمّد، فهو الإمام والحجَّة بعد أبيه، ويخرج الله تعالى من صلب محمّد مولوداً يقال له: علي، فهو الإمام والحجَّة بعد أبيه، ويخرج الله تعالى من صلب علي مولوداً يقال له: الحسن، فهو الإمام والحجَّة بعد أبيه، ويخرج الله تعالى من صلب الحسن الحجَّة القائم إمام زمانه ومنقذ أوليائه، يغيب حتَّى لا يُرى يرجع عن أمره قوم ويثبت عليه آخرون، ﴿وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [يونس: 48]، ولو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم واحد لطوَّل الله (عزَّ وجلَّ) ذلك اليوم حتَّى يخرج قائمنا فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، فلا يخلو الأرض منكم، أعطاكم الله علمي وفهمي، ولقد دعوت الله تبارك وتعالى أن يجعل العلم والفقه في عقبي وعقب عقبي ومن زرعي وزرع زرعي»(54).
42 - حديثه (عليه السلام) الآخر: «سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول لعلي (عليه السلام): أنت وارث علمي، ومعدن حكمي، والإمام بعدي، فإذا استشهدت فابنك الحسن، فإذا استشهد الحسن فابنك الحسين، فإذا استشهد الحسين فابنه علي، يتلوه تسعة من صلب الحسين أئمّة أطهار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(54) بحار الأنوار 36: 338 - 340/ ح 201، عن كفاية الأثر: 162 - 166.

(٨٢)

فقلت: يا رسول الله، فما أسماؤهم؟
قال: علي ومحمّد وجعفر وموسى وعلي ومحمّد وعلي والحسن والمهدي من صلب الحسين، يملأ الله تعالى به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(55).
43 - حديث الإمام الحسين، عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: «أخبرني جبرئيل (عليه السلام): لـمَّا أثبت الله تبارك وتعالى اسم محمّد في ساق العرش قلت: يا ربّ، هذا الاسم المكتوب في سرداق العرش أرى أعزّ خلقك عليك.
قال: فأراه الله اثني عشـر أشباحاً، أبداناً بلا أرواح، بين السماء والأرض.
فقال: يا ربّ، بحقّهم عليك إلَّا أخبرتني من هم؟
فقال: هذا نور علي بن أبي طالب، وهذا نور الحسن، وهذا نور الحسين، وهذا نور علي بن الحسين، وهذا نور محمّد بن علي، وهذا نور جعفر بن محمّد، وهذا نور موسى بن جعفر، وهذا نور علي بن موسى، وهذا نور محمّد بن علي، وهذا نور علي بن محمّد، وهذا نور الحسن بن علي، وهذا نور الحجَّة القائم المنتظر».
قال: «فكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: ما أحد يتقرَّب إلى الله (عزَّ وجلَّ) بهؤلاء القوم إلَّا أعتق الله رقبته من النار»(56).
44 - حديث له (عليه السلام) آخر، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعلي (عليه السلام): أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ أنت يا علي أولى بالمؤمنين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(55) بحار الأنوار 36: 340/ ح 204، عن كفاية الأثر: 166 و167.
(56) بحار الأنوار 36: 341/ ح 206، عن كفاية الأثر: 169 و170.

(٨٣)

من أنفسهم، ثمّ بعدك الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وبعده الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده محمّد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وبعده جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده محمّد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، والحجَّة بن الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، أئمّة أبرار، هم مع الحقّ والحقّ معهم»(57).
45 - حديث ثالث له (عليه السلام) أنَّه قال: «لـمَّا أنزل الله تبارك وتعالى: ﴿وَأُولُوا الْأَرحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ﴾ [الأنفال: 75]، سألت النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن تأويلها. فقال: والله ما عنى بها غيركم، وأنتم أُولوا الأرحام، فإذا متُّ فعلي أبوك أولى بي وبمكاني، فإذا مضـى أبوك فأخوك الحسن أولى به، فإذا مضـى الحسن فأنت أولى به.
قلت: يا رسول الله، من بعدي أولى بي؟
قال: ابنك علي أولى بك من بعدك، فإذا مضـى فابنه محمّد أولى به، فإذا مضـى محمّد فابنه جعفر أولى به بمكانه من بعده، فإذا مضـى جعفر فابنه موسى أولى به من بعده، فإذا مضـى موسى فابنه علي أولى به من بعده، فإذا مضـى علي فابنه محمّد أولى به من بعده، فإذا مضـى محمّد فابنه علي أولى به من بعده، فإذا مضـى علي فابنه الحسن أولى به من بعده، فإذا مضـى الحسن وقعت الغيبة في التاسع من ولدك، فهذه الأئمّة التسعة من صلبك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(57) بحار الأنوار 36: 345/ ح 211، عن كفاية الأثر: 178.

(٨٤)

أعطاهم الله علمي وفهمي، طينتهم من طينتي، ما لقوم يؤذونني فيهم؟ لا أنالهم الله شفاعتي»(58).
46 - حديث رابع له (عليه السلام) في تعداد الأئمّة الاثني عشـر بعد أن سأل أعرابي عن أسمائهم، قال الراوي: فأطرق الحسين (عليه السلام) مليَّاً، ثمّ رفع رأسه، وقال: «نعم، أُخبرك يا أخا العرب، إنَّ الإمام والخليفة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والحسن، وأنا، وتسعة من ولدي، منهم علي ابني، وبعده محمّد ابنه، وبعده جعفر ابنه، وبعده موسى ابنه، وبعده علي ابنه، وبعده محمّد ابنه، وبعده علي ابنه، وبعده الحسن ابنه، وبعده الخلف المهدي، هو التاسع من ولدي يقوم بالدين في آخر الزمان»(59).
ومن المعلوم أنَّ الإمام الحسين (عليه السلام) داخل في المتيقَّن من أهل البيت صلوات الله عليهم، فيكون قوله حجَّة في تعيين الأئمّة (عليهم السلام) وإن لم ينسبه للنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بل لا ريب في أنَّه صلوات الله عليه لا يخبر في مثل هذا الأمر التوقيفي إلَّا عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
47 - وحديث سهل بن سعد الأنصاري: سألت فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الأئمّة، فقالت: «كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول لعلي (عليه السلام): يا علي، أنت الإمام والخليفة بعدي، وأنت أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضيت فابنك الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضـى الحسن فالحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضـى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(58) بحار الأنوار 36: 343 و344/ ح 209، عن كفاية الأثر: 175 و176.
(59) بحار الأنوار 36: 384 و385/ ح 5، عن كفاية الأثر: 232 - 234.

(٨٥)

الحسين فابنه علي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضـى علي فابنه محمّد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضـى محمّد فابنه جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضـى جعفر فابنه موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضـى موسى فابنه علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضـى علي فابنه محمّد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضـى محمّد فابنه علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضـى علي فابنه الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضـى الحسن فالقائم المهدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، يفتح الله به مشارق الأرض ومغاربها، فهم أئمّة الحقّ وألسنة الصدق، منصور من نصـرهم، مخذول من خذلهم»(60).
48 - وقريب منها حديث محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): يا علي، أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ أنت يا علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ علي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ محمّد بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ جعفر بن محمّد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ موسى بن جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ علي بن موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ محمّد بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ علي بن محمّد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ الحسن بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ الحجَّة بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(60) بحار الأنوار 36: 351 و352/ ح 221، عن كفاية الأثر: 196 و197.

(٨٦)

الحسن الذي تنتهي إليه الخلافة والوصاية ويغيب مدَّة طويلة، ثمّ يظهر ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً»(61).
49 - حديث يحيى بن زيد بن علي بن الحسين، قال: سألت أبي عن الأئمّة، فقال: الأئمة اثنا عشـر: أربعة من الماضين، وثمانية من الباقين.
قلت: فسمّهم، يا أبه.
قال: أمَّا الماضون فعلي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين. ومن الباقين أخي الباقر، وبعده جعفر الصادق ابنه، وبعده موسى ابنه، وبعده علي ابنه، وبعده محمّد ابنه، وبعده علي ابنه، وبعده الحسن ابنه، وبعده الحجَّة المهدي ابنه.
قلت: يا أبه، ألست منهم؟
قال: لا، ولكنّي من العترة.
قلت: فمن أين عرفت أساميهم؟
قال: عهد معهود إلينا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(62).
ويناسبه حديث إبراهيم بن عبد الله بن العلا، [عن محمّد بن بكير](63)، عن زيد بن علي بن الحسين، قال: دخلت على زيد بن علي (عليه السلام) وعنده صالح بن بشـر فسلَّمت عليه، وهو يريد الخروج إلى العراق، فقلت له: يا ابن رسول الله، حدِّثني بشـيء سمعته عن أبيك (عليه السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(61) إثبات الهداة 3: 94 و95؛ مجلَّة تراثنا 15: 207 و208، عن مختصـر إثبات الرجعة للفضل بن شاذان/ ح 5.
(62) بحار الأنوار 46: 198/ ح 72، عن كفاية الأثر: 304.
(63) ما بين معقوفتين أضفناه من المصدر المطبوع.

(٨٧)

فقال: نعم، حدَّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «من أنعم الله عليه بنعمة فليحمد الله، ومن استبطأ الرزق فليستغفر الله، ومن أحزنه أمر فليقل: لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله».
فقلت: زدني يا ابن رسول الله.
قال: نعم، حدَّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أربعة أنا لهم الشفيع يوم القيامة، المكرم لذرّيتي، والقاضـي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أُمورهم عند اضطرارهم إليه، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه».
قال: فقلت: زدني يا ابن رسول الله من فضل ما أنعم الله (عزَّ وجلَّ) عليكم.
قال: نعم، حدَّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «من أحبَّنا أهل البيت في الله حُشِـرَ معنا، وأدخلناه معنا الجنَّة»، يا ابن بكير من تمسَّك بنا فهو معنا في الدرجات العلى، يا ابن بكير إنَّ الله تبارك وتعالى اصطفى محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واختارنا له ذرّية فلولانا لم يخلق الله تعالى الدنيا والآخرة، يا ابن بكير بنا عُرِفَ الله، وبنا عُبِدَ الله، ونحن السبيل إلى الله، ومنّا المصطفى، والمرتضـى، ومنّا يكون المهدي قائم هذه الأُمَّة.
قلت: هل عهد إليكم نبيّكم متى يقوم قائمكم؟
قال: إنَّك لن تلحقه، وإنَّ الأمر يليه ستّة من الأوصياء بعد هذا، ثمّ يعجّل الله خروج قائمنا، فيملؤها قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً.

(٨٨)

قلت: يا ابن رسول الله، ألست صاحب هذا الأمر؟
قال: أنا من العترة، فعدت، فعاد إليَّ.
فقلت: هذا الذي تقوله عنك أو عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
قال: ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير. لا، ولكن عهد عهده إلينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(64).
50 - ما روي بطرق متعدّدة(65)، عن أبي سَلَمة، عن عائشة، قالت: كان لنا مشـربة وكان النبيّ إذا أراد لقاء جبرئيل (عليه السلام) لقيه فيها، فلقيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مرَّة فيها وأمرني أن لا يصعد إليه أحد، فدخل عليه الحسين بن علي (عليهما السلام) ولم نعلم حتَّى غشّاها، فقال جبرئيل: «من هذا؟».
فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «ابني»، فأخذه النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأجلسه على فخذه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(64) بحار الأنوار 46: 201 - 203/ ح 77، عن كفاية الأثر: 298 - 301.
(65) رواه أبو المفضَّل الشيباني، عن عبد الله بن جعفر بن محمّد، عن عبد الله بن عمر بن الخطّاب الزيّات، عن الحارث بن محمّد، عن محمّد بن سعد الواقدي، عن محمّد بن عمر، عن موسى بن محمّد بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي سَلَمة، عن عائشة.
ورواه بطريق آخر عن محمّد بن مزيد بن أبي الأزهر البوشنجي النحوي، قال أبو المفضَّل: وحدَّثني الحسن بن علي بن زكريا البصـري، عن عبد الله بن جعفر الرملي بالبصـرة. وأبي عبد الله بن أبي الثلج، عن شبابة بن سوار، عن شعبة، عن قتادة، عن الحسن البصـري، عن أبي سَلَمة، عن عائشة.
ورواه بطريق ثالث عن البوشنجي، عن أبي كريب محمّد بن العلاء، عن إسماعيل بن صبيح السكري، عن أبي بشـر، عن محمّد بن المنكدر، عن أبي سَلَمة، عن عائشة.
ورواه بطريق رابع عن محمّد بن جعفر القرميسيني، عن إسحاق بن إبراهيم، عن محمّد بن بشّار، عن محمّد بن جعفر، عن شعبة، عن هشام بن زيد، عن أبي سَلَمة، عن عائشة.
ورواه بطريق خامس عن أبي العبّاس بن كشمرد، عن خلَّاد بن أشيم أبي بكر، عن النضـر بن شبيل، عن هشام بن جابر، عن أبي سَلَمة، عن عائشة.

(٨٩)

فقال جبرئيل: «أمَا إنَّه سيُقتَل».
قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «ومن يقتله؟».
قال: «أُمَّتك».
قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أُمَّتي تقتله؟».
قال: «نعم، وإن شئت أخبرتك بالأرض التي يُقتَل فيها»، فأشار جبرئيل إلى الطفّ بالعراق، وأخذ عنه تربة حمراء فأراه إيّاها، فقال: «هذه من تربة مصـرعه»، فبكى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال له جبرئيل: «لا تبكِ فسوف ينتقم الله منهم بقائمكم أهل البيت».
فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «حبيبي جبرئيل، ومن قائمنا أهل البيت؟».
قال: «هو التاسع من ولد الحسين (عليه السلام)، كذا أخبرني ربّي (جلَّ جلاله)، إنَّه سيخلق من صلب الحسين ولداً سمّاه عنده علياً خاضع لله خاشع، ثمّ يخرج من صلب علي ابنه وسمّاه عنده محمّداً قانتاً لله ساجداً، ثمّ يخرج من صلب محمّد ابنه وسمّاه عنده جعفراً ناطق عن الله صادق في الله، ويخرج الله من صلبه ابنه وسمّاه عنده موسى واثق بالله محبّ في الله، ويخرج الله من صلبه ابنه وسمّاه عنده علي الراضـي بالله والداعي إلى الله (عزَّ وجلَّ)، ويخرج من صلبه ابنه وسمّاه عنده محمّداً المرغّب في الله والذابّ عن حرم الله، ويخرج من صلبه ابنه وسمّاه عنده علياً المكتفي بالله والوليّ لله، ثمّ يخرج من صلبه ابنه وسمّاه الحسن مؤمن بالله مرشد إلى الله، ويخرج من صلبه كلمة الحقّ ولسان الصدق ومظهر الحقّ حجَّة الله على بريَّته، له غيبة طويلة، يظهر الله تعالى به الإسلام وأهله، ويخسف به الكفر وأهله».

(٩٠)

قال أبو المفضَّل: قال موسى بن محمّد بن إبراهيم: حدَّثني أبي أنَّه قال: قال لي أبو سَلَمة: إنّي دخلت على عائشة وهي حزينة، فقلت: ما يحزنك، يا أُمّ المؤمنين؟
قالت: فقد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتظاهرت الحسكات(66).
ثمّ قالت: يا سمرة ائتيني بالكتاب، فحملت الجارية إليها كتاباً ففتحت ونظرت فيه طويلاً، ثمّ قالت: صدق رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فقلت: ماذا، يا أُمّ المؤمنين؟
فقالت: أخبار وقصص كتبته عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
قلت: فهلَّا تحدِّثيني بشـيء سمعته من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
قالت: نعم، حدَّثني حبيبي رسول الله، قال: «من أحسن فيما بقي من عمره غفر الله لما مضـى وما بقي، ومن أساء فيما بقي من عمره أُخذ فيما مضـى وفيما بقي».
ثمّ قلت: يا أُمّ المؤمنين، هل عهد إليكم نبيّكم كم يكون من بعده من الخلفاء؟
فأطبقت الكتاب ثمّ قالت: نعم، وفتحت الكتاب، وقالت: يا أبا سَلَمة كانت لنا مشـربة...، وذكرت الحديث.
فأخرجت البياض وكتبت هذا الخبر، فأملت عليَّ حفظاً ولفظاً، ثمّ قالت: أُكتمه عليَّ يا أبا سَلَمة ما دمت حيَّة، فكتمت عليها، فلمَّا كان بعد مضيّها دعاني علي (عليه السلام) فقال: «أرني الخبر الذي أملت عليك عائشة».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(66) قال المجلسـي (رحمه الله): (الحسكات: العداوات، يقال: في نفسه عليه حسيكة، أي عداوة وحقّ). (بحار الأنوار 36: 350/ ذيل الحديث 218).

(٩١)

قلت: وما الخبر، يا أمير المؤمنين؟
قال: «الذي فيه أسماء الأوصياء بعدي»، فأخرجته إليه حتَّى سمعه(67).
وقد يبدو الخبر غريباً(68)، لكن يؤيّده ما عن المفيد بسنده عن محمّد بن عبد الرحمن بن شردين الصنعاني، عن ابن مثنّى، عن أبيه، عن عائشة، قال: سألتها: كم خليفة يكون لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
فقالت: أخبرني رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه يكون بعده اثنا عشـر خليفة.
قال: فقلت لها: من هم؟
فقالت: أسماؤهم عندي مكتوبة بإملاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فقلت لها: فاعرضيه، فأبت(69).
فإنَّ إباءها يناسب كون الخلفاء ممَّن لا يعجبها بيانهم.
51 - ما روي بطرق كثيرة(70)، عن البرقي، عن أبي هاشم داود

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(67) بحار الأنوار 36: 348 - 350/ ح 218، عن كفاية الأثر: 187 - 190.
(68) لعلَّ وجه الغرابة الذي ذكره سماحة المؤلِّف (دام ظلّه) لأجل أنَّ عائشة قد توفيت بعد استشهاد الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) كما هو معلوم.
(69) بحار الأنوار 36: 301/ ح 137، عن إعلام الورى 2: 164.
(70) رواه الصدوق (رحمه الله) عن أبيه ومحمّد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري ومحمّد بن يحيى العطّار وأحمد بن إدريس جميعاً، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر الثاني محمّد بن علي (عليهما السلام).
ورواه النعماني (رحمه الله) عن عبد الواحد بن عبد الله بن يونس الموصلي، عن محمّد بن جعفر، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر محمّد بن علي (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام). (الغيبة للنعماني: 66 - 68/ باب 4/ ح 2).
ورواه الطوسي (رحمه الله) عن جماعة، عن محمّد بن يعقوب، عن عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام). (الغيبة للطوسي: 154 و155/ ح 114).
ورواه الطبري الشيعي (رحمه الله) عن أبي المفضَّل محمّد بن عبد الله، عن أبي النجم بدر ابن الطبرستاني، عن أبي جعفر محمّد بن علي، قال: روي عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام). (دلائل الإمامة: 174 - 176/ ح 95/26).

(٩٢)

بن القاسم الجعفري، عن الإمام أبي جعفر محمّد بن علي الجواد (عليه السلام) المتضمّن محاورة الخضـر مع أمير المؤمنين (عليه السلام) بحضور الإمام الحسن (عليه السلام)، وسؤاله منه عن مسائل ثلاث، وطلب أمير المؤمنين (عليه السلام) من الحسن (عليه السلام) أن يجيبه، فلمَّا أجابه قال الرجل: (أشهد أن لا إله إلَّا الله ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنَّ محمّداً رسول الله ولم أزل أشهد بذلك، وأشهد أنَّك وصيّ رسول الله والقائم بحجَّته - وأشار إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) - ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنَّك وصيّه والقائم بحجَّته - وأشار إلى [أبي محمّد] الحسن (عليه السلام) -، وأشهد أنَّ الحسين بن علي (عليه السلام) وصيّ أبيك والقائم بحجَّته بعدك، وأشهد على علي بن الحسين (عليه السلام) أنَّه القائم بأمر الحسين (عليه السلام) بعده، وأشهد على محمّد بن علي (عليه السلام) أنَّه القائم بأمر علي بن الحسين، وأشهد على جعفر بن محمّد (عليه السلام) أنَّه القائم بأمر محمّد بن علي، وأشهد على موسى بن جعفر (عليه السلام) أنَّه القائم بأمر جعفر بن محمّد، وأشهد على علي بن موسى (عليه السلام) أنَّه القائم بأمر موسى بن جعفر، وأشهد على محمّد بن علي أنَّه القائم بأمر علي بن موسى، وأشهد على علي بن محمّد أنَّه القائم بأمر محمّد بن علي، وأشهد على الحسن بن علي (عليه السلام)

(٩٣)

أنَّه القائم بأمر علي بن محمّد، وأشهد على رجل من ولد الحسن بن علي (عليه السلام) لا يُسمّى ولا يُكنّى حتَّى يظهر أمره فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً، أنَّه القائم بأمر الحسين بن علي(71)، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته)، ثمّ قام فمضـى.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «يابا محمّد، اتبعه فانظر أين يقصد».
فخرج الحسن بن علي (عليه السلام) في أثره، قال: «فما كان إلَّا أن وضع رجله خارج المسجد فما دريت أين أخذ من أرض الله (عزَّ وجلَّ)، فرجعت إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فأعلمته.
فقال: يا أبا محمّد، أتعرفه؟
فقلت: الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم.
فقال: هو الخضـر (عليه السلام)»(72).
52 - المرفوع إلى عبد الله بن أبي أوفى عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «لـمَّا خلق الله إبراهيم الخليل (عليه السلام) كشف الله عن بصـره، فنظر إلى جانب العرش فرأى نوراً، فقال: إلهي وسيّدي، ما هذا النور؟
قال: يا إبراهيم، هذا محمّد صفيّي.
فقال: إلهي وسيّدي، أرى إلى جانبه نوراً آخر.
فقال: يا إبراهيم، هذا علي ناصر ديني.
فقال: إلهي وسيّدي، أرى إلى جانبهما نوراً ثالثاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(71) في إعلام الورى: (أنَّه القائم بأمر الحسن بن علي)، وهو أقرب. (منه دام ظلّه).
(72) بحار الأنوار 36: 414 - 416/ ح 1، عن كمال الدين: 313 - 315/ باب 29/ ح 1، وعيون أخبار الرضا 1: 67 - 69/ ح 35؛ إعلام الورى 2: 191 - 193.

(٩٤)

قال: يا إبراهيم، هذه فاطمة تلي أباها وبعلها، فطمت محبّيها من النار.
قال: إلهي وسيّدي، أرى نورين يليان الثلاثة الأنوار.
قال: يا إبراهيم، هذان الحسن والحسين يليان أباهما وجدّهما وأُمّهما.
فقال: إلهي وسيّدي، أرى تسعة أنوار أحدقوا بالخمسة الأنوار.
قال: يا إبراهيم، هؤلاء الأئمّة من ولدهم.
فقال: إلهي وسيّدي، فبمن يُعرَفون؟
قال: يا إبراهيم، أوَّلهم علي بن الحسين، ومحمّد ولد علي، وجعفر ولد محمّد، وموسى ولد جعفر، وعلي ولد موسى، ومحمّد ولد علي، وعلي ولد محمّد، والحسن ولد علي، ومحمّد ولد الحسن القائم المهدي.
قال: إلهي وسيّدي، أرى عدَّة أنوار حولهم لا يُحصـي عدَّتهم إلَّا أنت.
قال: يا إبراهيم، هؤلاء شيعتهم ومحبّوهم.
قال: إلهي، وبما يُعرَفون شيعتهم ومحبّيهم؟
قال: بصلاة الإحدى والخمسين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، والقنوت قبل الركوع، وسجدة الشكر، والتختّم باليمين.
قال إبراهيم: اللّهمّ اجعلني من شيعتهم ومحبّيهم.
قال: قد جعلتك، فأنزل الله فيه: ﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ * إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الصافّات: 83 و84]»(73).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(73) بحار الأنوار 36: 213 و214/ ح 15، عن الروضة لفضل بن شاذان: 186 و187/ ح 161، والفضائل لفضل بن شاذان: 158.

(٩٥)

53 - وقريب منه باختلاف يسير حديث جابر، عن الإمام الباقر (عليه السلام)(74)، قال: «إنَّ الله سبحانه لـمَّا خلق إبراهيم كشف له بصـره، فنظر فرأى نوراً إلى جنب العرش، فقال: إلهي، ما هذا النور؟
فقال: هذا نور محمّد صفوتي من خلقي.
ورأى نوراً من جنبه فقال: إلهي، ما هذا النور؟
فقال: نور علي بن أبي طالب (عليه السلام) ناصر ديني.
ورأى إلى جنبهما ثلاثة أنوار فقال: إلهي، ما هذه الأنوار؟
فقيل له: هذا نور فاطمة، فطمت محبّيها من النار، ونور ولديها الحسن والحسين.
قال: إلهي وأرى تسعة أنوار قد أحدقوا بهم.
قيل: يا إبراهيم، هؤلاء الأئمّة من ولد علي وفاطمة.
فقال إبراهيم: إلهي بحقّ هؤلاء الخمسة إلَّا عرَّفتني من التسعة؟
قيل: يا إبراهيم، أوَّلهم علي بن الحسين، وابنه محمّد، وابنه جعفر، وابنه موسى، وابنه علي، وابنه محمّد، وابنه علي، وابنه الحسن، والحجَّة القائم ابنه.
فقال إبراهيم: إلهي وسيّدي، أرى أنواراً قد أحدقوا بهم لا يُحصـي عددهم إلَّا أنت.
فقيل: يا إبراهيم، شيعتهم شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(74) في المصدر المطبوع: (جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام)).

(٩٦)

فقال إبراهيم: وبما تُعرَف شيعته؟
قال: بصلاة إحدى وخمسين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، والقنوت قبل الركوع، والتختّم في اليمين.
فعند ذلك قال إبراهيم: اللّهمّ اجعلني من شيعة أمير المؤمنين».
قال: «فأخبر الله تعالى في كتابه فقال: ﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ﴾ [الصافّات: 83]»(75).
وقد تضمَّن أنوار أمير المؤمنين، والصدّيقة فاطمة الزهراء والأئمّة من ذرّيتهما صلوات الله عليهم، إلَّا أنَّه لم يذكر فيه نور النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لكن الظاهر أنَّه سقط من الحديث, لاشتماله على أنَّ الأنوار خمسة قد حفَّت بها تسعة, وذلك يناسب أنَّه رأى نور النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أيضاً(76).
54 - ويلحق بذلك ما رواه ابن عيّاش، عن محمّد بن أحمد بن عبيد الله الهاشمي، قال: أخبرني به بسُـرَّ من رأى سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة. قال: حدَّثني عمّ أبي موسى بن عيسى، عن الزبير بن بكار، عن عتيق بن يعقوب، عن عبد الله بن ربيعة - رجل من أهل مكّة -، قال: قال لي أبي: إنّي محدِّثك الحديث فاحفظه عنّي واكتمه عليَّ ما دمت حيَّاً أو يأذن الله فيه بما يشاء، كنت مع من عمل ابن الزبير في الكعبة حدَّثني أنَّ ابن الزبير أمر العمّال أن يبلغوا في الأرض.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(75) بحار الأنوار 36: 151 و152/ ح 131، عن تأويل الآيات الظاهرة 2: 496 و497/ ح 9.
(76) هذا، ولكن قد ورد ذكر نور النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في المصدر المطبوع كما أثبتناه في المتن.

(٩٧)

قال: فبلغنا صخراً أمثال الإبل، فوجدت على تلك الصخور كتاباً موضوعاً فتناولته وسترت أمره، فلمَّا صرت إلى منزلي تأمَّلته فرأيت كتاباً لا أدري من أيّ شيء هو، ولا أدري الذي كتب به ما هو، إلَّا أنَّه ينطوي كما ينطوي الكتب، فقرأت فيه:
(باسم الأوَّل لا شيء قبله، لا تمنعوا الحكمة أهلها فتظلموهم، ولا تعطوها غير مستحقّها فتظلموها.
إنَّ الله يصيب بنوره من يشاء، والله يهدي من يشاء، والله فعّال لـمَّا يريد.
باسم الأوَّل لا نهاية له، القائم على كلّ نفس بما كسبت، كان عرشه على الماء.
ثمّ خلق الخلق بقدرته وصوَّرهم بحكمته وميَّزهم بمشيئته كيف شاء، وجعلهم شعوباً وقبائل وبيوتاً، لعلمه السابق فيهم.
ثمّ جعل من تلك القبائل قبيلة مكرمة سمّاها قريشاً وهي أهل الأمانة.
ثمّ جعل من تلك القبيلة بيتاً خصَّه الله بالنبأ والرفعة، وهم ولد عبد المطَّلب، حفظة هذا البيت وعمّاره وولاته وسكّانه.
ثمّ اختار من ذلك البيت نبيَّاً يقال له: (محمّد) ويُدعى في السماء (أحمد)، يبعثه الله تعالى في آخر الزمان نبيَّاً ولرسالته مبلّغاً، وللعباد إلى دينه داعياً، منعوتاً في الكتب، تبشِّـر به الأنبياء ويرث علمه خير الأوصياء، يبعثه الله وهو ابن أربعين عند ظهور الشـرك وانقطاع الوحي وظهور الفتن، ليظهر الله به دين الإسلام ويدحر به

(٩٨)

الشيطان ويعبد به الرحمن، قوله فصل وحكمه عدل، يعطيه الله النبوَّة بمكّة والسلطان بطيبة، له مهاجرة من مكّة إلى طيبة، وبها موضع قبره، يشهر سيفه ويقاتل من خالفه، ويقيم الحدود فيمن اتَّبعه، هو على الأُمَّة شهيد، ولهم يوم القيامة شفيع.
يؤيّده بنصـره ويعضده بأخيه وابن عمّه وصهره وزوج ابنته ووصيّه في أُمَّته من بعده وحجَّة الله على خلقه، ينصبه لهم علماً عند اقتراب أجله، هو باب الله، فمن أتى الله من غير الباب ضلَّ، يقبضه الله وقد خلَّف في أُمَّته عموداً بعد أن يبيّن لهم، يقول بقوله فيهم ويبيّنه لهم، هو القائم من بعده والإمام والخليفة في أُمَّته، فلا يزال مبغضاً محسوداً مخذولاً ومن حقّه ممنوعاً، لأحقاد في القلوب وضغائن في الصدور، لعلوّ مرتبته وعظم منزلته وعلمه وحلمه، وهو وارث العلم ومفسّـره، مسؤول غير سائل، عالم غير جاهل، كريم غير لئيم، كرّار غير فرّار، لا تأخذه في الله لومة لائم، يقبضه الله (عزَّ وجلَّ) شهيداً، بالسيف مقتولاً، هو يتولّى قبض روحه، ويُدفَن في الموضع المعروف بالغري، يجمع الله بينه وبين النبيّ.
ثمّ القائم من بعده ابنه الحسن سيّد الشباب وزين الفتيان، يُقتَل مسموماً، يُدفَن بأرض طيبة في الموضع المعروف بالبقيع.
ثمّ يكون بعده إمام عدل يضـرب بالسيف ويقري الضيف، يُقتَل بالسيف على شاطئ الفرات في الأيّام الزاكيات، يقتله بنو الطوامث والبغيّات، يُدفَن بكربلاء، قبره للناس نور وضياء وعلم.
ثمّ يكون القائم من بعده ابنه علي سيّد العابدين وسراج

(٩٩)

المؤمنين، يموت موتاً، يُدفَن في أرض طيبة في الموضع المعروف بالبقيع.
ثمّ يكون الإمام القائم بعده المحمود فعاله محمّد، باقر العلم ومعدنه وناشـره ومفسّـره، يموت موتاً، يُدفَن بالبقيع من أرض طيبة.
ثمّ يكون بعده الإمام جعفر وهو الصادق، بالحكمة ناطق، مظهر كلّ معجزة، وسـراج الأُمَّة، يموت موتاً بأرض طيبة، موضع قبره البقيع.
ثمّ الإمام بعده المختلف في دفنه، سميّ المناجي ربّه موسى بن جعفر، يُقتَل بالسُّمِّ في محبسه، يُدفَن في الأرض المعروفة بالزوراء.
ثمّ القائم بعده ابنه الإمام علي الرضا المرتضـى لدين الله، إمام الحقّ، يُقتَل بالسُّمِّ في أرض العجم.
ثمّ القائم الإمام بعده ابنه محمّد، يموت موتاً، يُدفَن في الأرض المعروفة بالزوراء.
ثمّ القائم بعده ابنه علي، لله ناصـر، ويموت موتاً، ويُدفَن في المدينة المحدَثة.
ثمّ القائم بعده الحسن وارث علم النبوَّة ومعدن الحكمة، يُستنار به من الظُلَم، يموت موتاً، يُدفَن في المدينة المحدَثة.
ثمّ المنتظر بعده، اسمه اسم النبيّ، يأمر بالعدل ويفعله، وينهى عن المنكر ويجتنبه، يكشف الله به الظلم ويجلو به الشكّ والعمى، يرعى الذئب في أيّامه مع الغنم، ويرضـى عنه ساكن السماء والطير

(١٠٠)

في الجوّ والحيتان في البحار، يا له من عبد ما أكرمه على الله، طوبى لمن أطاعه وويل لمن عصاه، طوبى لمن قاتل بين يديه فقَتَلَ أو قُتِلَ، أُولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأُولئك هم المهتدون، وأُولئك هم المفلحون، وأولئك هم الفائزون)(77).
ويؤيّد هذه الأحاديث ما ذكره ابن شهر آشوب، قال: عن عبد الله بن محمّد البغوي بسنده عن عبد الله بن عمر، قال: قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يا علي أنا نذير أُمَّتي، وإنَّك هاديها، والحسن قائدها، والحسين سائقها، وعلي بن الحسين جامعها، ومحمّد بن علي عارفها، وجعفر بن محمّد كاتبها، وموسى بن جعفر محصيها، وعلي بن موسى معبرها ومنجيها، وطارد مبغضيها، ومدني مؤمنيها، ومحمّد بن علي قائدها وسائقها، وعلي بن محمّد سايرها وعالمها، والحسن بن علي نادبها ومعطيها, والقائم الخلف ساقيها وناشدها وشاهدها، ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ [الحجر: 75]»، وقد روى ذلك جماعة عن جابر بن عبد الله، عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
[وعن] الأعمش، عن أبي إسحاق، عن الحارث بن سعيد بن قيس، عن علي بن أبي طالب، وعن جابر الأنصاري كليهما، عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: «أنا واردكم على الحوض, وأنت يا علي الساقي, والحسن الذائد, والحسين الآمر, وعلي بن الحسين الفارط, ومحمّد بن علي الناشر, وجعفر بن محمّد السائق, وموسى بن جعفر محصـي المحبّين والمبغضين، وقامع المنافقين, وعلي بن موسى مزيّن المؤمنين, ومحمّد بن علي منزل أهل الجنَّة في درجاتهم, وعلي بن محمّد خطيب شيعتهم ومزوّجهم الحور, والحسن بن علي سراج أهل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(77) بحار الأنوار 36: 217 - 219/ ح 19، عن مقتضب الأثر: 11 - 14.

(١٠١)

الجنَّة يستضيئون به, والهادي المهدي شفيعهم يوم القيامة, حيث لا يأذن إلَّا لمن يشاء ويرضـى»(78).
وعن الطرائف: روى أخطب خوارزم موفَّق بن أحمد المالكي في كتابه، عن محمّد بن الحسين البغدادي، عن أبي طالب الحسين بن محمّد، عن محمّد بن أحمد بن شاذان، عن أحمد بن محمّد بن عبد الله، عن علي بن شاذان الموصلي، عن محمّد بن علي بن الفضل، عن محمّد بن قاسم، عن عبّاد بن يعقوب، عن موسى بن عثمان، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن الحارث وسعيد بن أبي بشير، عنه (عليه السلام)، مثله(79).
فإنَّ هذين الحديثين وإن لم يُصـرَّح فيهما بإمامة الأئمّة الاثني عشـر المذكورين إلَّا أنَّ إثبات مناقبهم هذه لهم بأسمائهم يناسب تميّزهم عن الأُمَّة، وإمامتهم لها بالنحو المناسب لما يقوله الإمامية.
بعض التساؤلات حول هذه الأحاديث والجواب عنها:
هذا وقد يقال: إنَّ كثيراً من هذه الأحاديث قد رويت عن كثير من الصحابة ممَّن يروي عنهم الجمهور، بل قد يكثرون الرواية عنهم. مع أنَّه لا وجود لها من طرق الجمهور، ولم يعرفوا طرقها.
والجواب: أنَّ مخالفة هذه الأحاديث لأُصول الجمهور التي أصَّلوها، ومسلَّماتهم التي جروا عليها، قد تحملهم على الإعراض

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(78) بحار الأنوار 36: 270/ ضمن الحديث 91، عن مناقب آل أبي طالب 1: 251 و252.
(79) بحار الأنوار 36: 270 و271/ ضمن الحديث 91، عن الطرائف: 173 و174/ ح 271.

(١٠٢)

عنها في جملة ما أعرضوا عنه من الأحاديث التي رووها ولم يثبتوها في كتب الحديث، كما قد يحمل ذلك رواة هذه الأحاديث على الامتناع من روايتها للجمهور، حذراً من رميهم لهم بقوارص القول، ونبزهم لهم بالكذب والبهتان والوضع، كما صنعوه مع من روى دون هذه الأحاديث في مخالفة وجهة الجمهور(80).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(80) فما أكثر ما ترك حملة الحديث ومن دوَّنوه كثيراً من الحديث الذي رووه ولم يدوّنوه. فقد انتقى أحمد بن حنبل مسنده من أكثر من سبعمائة وخمسين ألف حديث. (أُنظر: سير أعلام النبلاء 11: 329).
وقد ذكر أبو علي الغسّاني عن البخاري أنَّه قال: (خرَّجت الصحيح من ستمائة ألف حديث). وقال الإسماعيلي عنه أيضاً: (لم أُخرِّج في الكتاب إلَّا صحيحاً، وما تركت من الصحيح أكثر). وقال إبراهيم بن معقل: سمعت البخاري يقول: (ما أدخلت في كتابي الجامع إلَّا ما صحَّ، وتركت من الصحيح حتَّى لا يطول). وورد عن البخاري أيضاً أنَّه قال: (أحفظ مائة ألف حديث صحيح).
مع أنَّ كتابه لم يتضمَّن إلَّا تسعة آلاف واثنين وثمانين حديثاً بما فيه المكرَّر. (أُنظر: مقدّمة فتح الباري: 5 و475).
وعن أبي بكر بن داسة أنَّه قال: (سمعت أبا داود يقول: كتبت عن رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمَّنته هذا الكتاب (يعني: كتاب السنن) جمعت فيه أربعة آلاف حديث وثماني مائة حديث، ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه...). (سير أعلام النبلاء 13: 209 و210/ الرقم 117).
وروى البيهقي: أنَّ أبا زرعة قد حفظ ستمائة ألف حديث. وذكر صالـح بن محمّد عن أبي زرعة أنَّه قال: (أنا أحفظ عشـرة آلاف حديث في القراءات...). وعن أحمد بن حنبل: (صحَّ من الحديث سبعمائة ألف وكسـر). (أُنظر: تهذيب التهذيب 7: 30/ الرقم 62).، مع أنَّ الموجود أقلّ من ذلك بكثير جدَّاً...
ويا ترى كيف كانت معايير الانتقاء؟ وما هو المؤمّن من اشتمال كثير ممَّا تُرِكَ وأُهمِلَ على الحقّ، وأن يكون قد أُهمِل لعدم ملاءمته لميول المدوّنين وأهوائهم، وميول العامّة الذين كانوا يجارونهم. ←

(١٠٣)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ ولنذكر مثالاً واحداً من ذلك، ليتَّضح مدى تلاعب الأهواء بالحديث:
قال الخلال: (وأخبرني محمّد بن علي، قال: ثنا مهنّى، قال: سألت أحمد، قلت: حدَّثني خالد بن خداش، قال: قال سلام. وأخبرني محمّد بن علي، قال: ثنا يحيى، قال: سمعت خالد بن خداش، قال: جاء سلام بن أبي مطيع إلى أبي عوانة، فقال: هات هذه البدع التي قد جئتنا بها من الكوفة. قال: فأخرج إليه أبو عوانة كتبه. فألقاها في التنّور. فسألت خالداً: ما كان فيها؟ قال: حديث الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم): «استقيموا لقريش»، وأشباهه. قلت لخالد: وأيش؟ قال: حديث علي: «أنا قسيم الجنَّة والنار»، قلت لخالد: حدَّثكم به أبو عوانة عن الأعمش؟ قال: نعم، إسناده صحيح. وأخبرنا عبد الله بن أحمد، قال: سمعت أبي يقول: سلام بن أبي مطيع من الثقات من أصحاب أيّوب، وكان رجلاً صالحاً، حدَّثنا عنه عبد الرحمن بن مهدي. ثمّ قال أبي: كان أبو عوانة وضع كتاباً فيه معايب أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) وفيه بلايا، فجاء إليه سلام بن أبي مطيع، فقال: يا أبا عوانة أعطني ذلك الكتاب، فأعطاه، فأخذه سلام، فأحرقه. إسناده صحيح). (السُّنَّة للخلال 3: 510).
ثمّ ما أكثر ما تركوا الرواية عن بعض حملة الحديث لا لعدم وثاقتهم، بل لمخالفتهم لهم في المذهب والهوى. ولنذكر مثالاً واحداً لذلك:
ففي حديث الجرّاح بن مليح، قال: (سمعت جابراً يقول: عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر عن النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) كلّها). ويقول محمّد بن عمر الرازي: (سمعت جريراً يقول: لقيت جابر بن يزيد الجعفي فلم أكتب عنه، كان يؤمن بالرجعة). (أُنظر: صحيح مسلم 1: 15 و20).
ومن المعلوم أنَّ الإيمان بالرجعة ليس من شواهد الكذب، وإنَّما هو عقيدة مستمدّة من أدلَّة وأحاديث لا يعجبه التصديق بها، وقد اختصَّ بها طائفة تخالفه في المذهب والهوى.
وأيضاً ما أكثر ما مُنِعَ أصحاب الحديث من الحديث، أو ضويقوا، لا لكذبهم، بل لعدم ملاءمة أحاديثهم لهوى السلطان أو العامّة. ويكفينا حديث عيسى بن يونس: (ما رأيت الأعمش خضع إلَّا مرَّة واحدة. فإنَّه حدَّثنا بهذا الحديث: قال علي: «أنا قسيم الجنَّة والنار». فبلغ ذلك أهل السُّنَّة، فجاؤوا إليه، فقالوا: أتحدِّث بأحاديث تقوّي بها الروافضة والزيدية والشيعة. فقال: سمعته، فحدَّثت به. فقالوا: فكلّ شيء سمعته تحدِّث به. قال: فرأيته خضع ذلك اليوم).
ويبدو أنَّ تلك المضايقات اضطرَّت الأعمش للتراجع عن الحديث. يقول أبو بكر بن عيّاش: (قلت للأعمش: أنت حين تحدِّث عن موسى بن ظريف، عن عباية، عن علي: «أنا قسيم الجنَّة والنار»، قال: فقال: والله ما رويته إلَّا على جهة الاستهزاء. قال: قلت: حمله الناس عنك في الصحف، وتزعم أنَّك رويته على جهة الاستهزاء). (أُنظر: الضعفاء للعقيلي 3: 416/ الرقم 1457).
ويقول الذهبي: (قال شبابة: حدَّثنا ورقاء، قال: انطلقت أنا ومسعر إلى الأعمش نعاتبه في حديثين: أنا قسيم النار، وحديث آخر: فلان كذا وكذا على الصـراط. فقال: ما رويت هذا قطّ. وقال الخريبي: كنّا عند الأعمش، فجاءنا يوماً وهو مغضب فقال: ألَا تعجبون، موسى بن طريف يحدِّث عن عباية عن علي قال: أنا قسيم النار). (ميزان الاعتدال 2: 387/ الرقم 4188).
وفيما تقدَّم من مواقفهم من فضائل أهل البيت (صلوات الله عليهم) ومناقبهم، ومثالب أعدائهم، الكثير ممَّا يناسب ذلك.
ثمّ ما أكثر كتب الحديث التي تُلِفَت نتيجة الإهمال والآفات والطوارئ، كالحريق والحروب وغيرها، كما يظهر بأدنى ملاحظة لكتب التاريخ والتراجم، ومن الطبيعي أن يكون قد ضاع بسبب ذلك حديث كثير جدَّاً قد دُوِّنَ فيها، ولم يُدوَّن في غيرها.
بل قد أتلف بعض المحدِّثين كتبهم لمختلف الدواعي، ولنذكر مثالاً واحداً من ذلك:
فقد قال سهل بن حصين بن مسلم الباهلي: (بعثت إلى عبد الله بن الحسن بن أبي الحسن: ابعث لي بكتب أبيك، فبعث إليَّ أنَّه لـمَّا ثقل قال: اجمعها لي، فجمعتها له، وما ندري ما يصنع بها، فأتيته بها. فقال للخادم: استجري التنور، ثمّ أمر بها فأُحرقت، غير صحيفة واحدة، فبعث بها إليَّ...). (طبقات ابن سعد 7: 174 و175).

(١٠٤)

ومثله ما قد يُدَّعى من أنَّ في جملة هؤلاء الرواة من عرفوا بإعراضهم عن أهل البيت صلوات الله عليهم وبموالاة من تقدَّم عليهم من الأوَّلين، وذلك لا يتناسب مع روايتهم لهذه الأحاديث.
لاندفاعه بأنَّ كثيراً من هؤلاء وأمثالهم رووا في حقّ أهل البيت صلوات الله عليهم ما لا يقصـر عن مضامين هذه النصوص، كحديث

(١٠٥)

الثقلين ونحوه ممَّا يدلُّ على خسـران من خالفهم، وما تضمَّن ولاية أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ونحو ذلك.
ما روي عن الأئمّة (عليهم السلام) في تعداد الأئمّة الاثني عشـر (عليهم السلام):
وهناك أحاديث أُخر تتضمَّن تعداد الأئمّة الاثني عشـر من قِبَل الأئمّة صلوات الله عليهم أنفسهم، من دون أن ينسبوا ذلك للنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويرووه عنه.
وربَّما يُدَّعى أنَّها لا تنهض حجَّة على إمامتهم، لكن من المعلوم أنَّ مثل هذه التعاليم توقيفية لا يمكن الإخبار بها عن اجتهاد وحدس، بل لا بدَّ أن تنتهي إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كما سبق من زيد بن علي (رضي الله عنه)(81).
فهي مضامين أحاديث نبوية مرسلة منهم صلوات الله عليهم لا تقصـر عن المسانيد، لما هو المعلوم من حالهم (عليهم السلام) من أنَّ كلَّاً منهم يحدِّث عن أبيه عن آبائه عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(82).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(81) راجع (ص 83/ ح 49).
(82) ففي حديث جابر: قلت لأبي جعفر محمّد بن علي الباقر (عليهما السلام): إذا حدَّثتني بحديث فأسنده لي. فقال: «حدَّثني أبي، عن جدّي، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، عن جبرئيل (عليه السلام)، عن الله (عزَّ وجلَّ)، وكلّ ما أُحدِّثك بهذا الإسناد». (أمالي المفيد: 42/ ح 10).
وفي حديث هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيره، قالوا: سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وحديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قول الله (عزَّ وجلَّ)...». (الكافي 1: 53/ باب رواية الكتب.../ ح 14).
ومن الطريف ما عن سالم بن أبي حفصة، قال: لـمَّا هلك أبو جعفر محمّد بن علي الباقر (عليه السلام)، قلت لأصحابي: انتظروني حتَّى أدخل على أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليهما السلام) فأُعزّيه، فدخلت عليه فعزَّيته، ثمّ قلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ذهب والله من كان يقول: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»، فلا يُسئَل عمَّن بينه وبين رسول الله. لا والله لا يُرى مثله أبداً. قال: فسكت أبو عبد الله (عليه السلام) ساعة، ثمّ قال: «قال الله (عزَّ وجلَّ): إنَّ من عبادي من يتصدَّق بشقّ تمرة فأُربّيها له كما يُربّي أحدكم فلوه، حتَّى أجعلها له مثل جبل أُحُد». فخرجت إلى أصحابي، فقلت: ما رأيت أعجب من هذا. كنّا نستعظم قول أبي جعفر (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)» بلا واسطة. فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «قال الله (عزَّ وجلَّ)» بلا واسطة. (أمالي المفيد: 354/ ح 7).

(١٠٦)

ولاسيّما وأنَّها تشتمل على المعجز وهو الإخبار الغيبي الصادق من الإمام بوجود من بعده من الأئمّة الذين لم يولدوا بعد على ترتيبهم الذي حصل بعد ذلك، حيث يشهد ذلك بصدقهم (عليهم السلام) في الأحاديث المذكورة.
ولو غُضَّ النظر عن ذلك نفعت هذه الأحاديث في إثبات إمامة الأئمّة الذين هم بعد الإمام الذي رويت عنه، لأنَّها بمثابة نصّ منه على إمامتهم، فإذا ثبتت إمامة من رويت عنه كانت كسائر النصوص الواردة عنه، المتضمّنة لإمامة من بعده. ومن ثَمَّ يحسن إثباتها في جملة تتمَّة ما تضمَّن تعيين الأئمّة الاثني عشـر بأشخاصهم، وهي عدَّة أحاديث:
55 - حديث الكميت بن أبي المستهل، قال: دخلت على سيّدي أبي جعفر محمّد بن علي الباقر (عليهما السلام)، فقلت: يا ابن رسول الله، إنّي قد قلت فيكم أبياتاً، أفتأذن لي في إنشادها؟
فقال: «إنَّها أيّام البيض».
قلت: فهو فيكم خاصّة.

(١٠٧)

قال: «هات».
فأنشأت أقول:

أضحكني الدهر وأبكاني * * * والدهر ذو صـرف وألوان
لتسعة بالطفّ قد غودروا * * * صاروا جميعاً رهن أكفان

فبكى (عليه السلام) وبكى أبو عبد الله (عليه السلام) وسمعت جارية تبكي من وراء الخباء، فلمَّا بلغت إلى قولي:

وستَّة لا يتجازى بهم * * * بنو عقيل خير فرسان
ثمّ علي الخير مولاهم * * * ذكرهم هيَّج أحزاني

فبكى ثمّ قال (عليه السلام): «ما من رجل ذكرنا أو ذُكرنا عنده يخرج من عينيه ماء ولو مثل جناح البعوضة إلَّا بنى الله له بيتاً في الجنَّة، وجعل ذلك الدمع حجاباً بينه وبين النار»، فلمَّا بلغت إلى قولي:

من كان مسـروراً بما مسَّكم * * * أو شامتاً يوماً من الآن
فقد ذللتم بعد عزٍّ فما * * * أدفع ضيماً حين يغشاني

أخذ بيدي ثمّ قال: «اللّهمّ اغفر للكميت ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر»، فلمَّا بغلت إلى قولي:

متى يقوم الحقّ فيكم متى * * * يقوم مهديكم الثاني

قال: «سريعاً إن شاء الله سريعاً».
ثمّ قال: «يا أبا المستهل، إنَّ قائمنا هو التاسع من ولد الحسين (عليه السلام)، لأنَّ الأئمّة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اثنا عشـر، الثاني عشـر هو القائم (عليه السلام)».
قلت: يا سيّدي، فمن هؤلاء الاثنا عشـر؟

(١٠٨)

قال: «أوَّلهم علي بن أبي طالب (عليه السلام)، بعده الحسن والحسين (عليهما السلام)، وبعد الحسين علي بن الحسين (عليه السلام) وأنا، ثمّ بعدي هذا - ووضع يده على كتف جعفر -».
قلت : فمن بعد هذا؟
قال: «ابنه موسى، وبعد موسى ابنه علي، وبعد علي ابنه محمّد، وبعد محمّد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وهو أبو القائم الذي يخرج فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً [كما ملئت ظلماً وجوراً]، ويشفي صدور شيعتنا».
قلت: فمتى يخرج، يا ابن رسول الله؟
قال: «لقد سُئِلَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن ذلك فقال: إنَّما مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلَّا بغتة»(83).
56 - حديث جابر الجعفي: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن تأويل قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَـرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: 36]، قال: فتنفَّس سيّدي الصعداء، ثمّ قال: «يا جابر، أمَّا السنة فهي جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وشهورها اثنا عشـر شهراً فهو أمير المؤمنين [و]إليَّ، وإلى ابني جعفر، وابنه موسى، وابنه علي، وابنه محمّد، وابنه علي، وإلى ابنه الحسن، وإلى ابنه محمّد الهادي المهدي، اثنا عشـر إماماً حجج الله في خلقه، وأُمناؤه على وحيه وعلمه، والأربعة الحرم الذين هم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(83) بحار الأنوار 36: 390 و391/ ح 2، عن كفاية الأثر: 248 - 250.

(١٠٩)

الدين القيم، أربعة منهم يخرجون باسم واحد: علي أمير المؤمنين، وأبي علي بن الحسين، وعلي بن موسى، وعلي بن محمّد (عليهم السلام)، فالإقرار بهؤلاء هو الدين القيم ﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ أي قولوا بهم جميعاً تهتدوا»(84).
وهو وإن كان تفسيراً منه (عليه السلام)، إلَّا أنَّه من المعلوم أنَّه تفسير بالباطن مأخوذ عن آبائه عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ويؤيّده ما عن داود الرقّي، قال: دخلت على جعفر بن محمّد (عليهما السلام)، فقال: «ما الذي أبطأ بك عنّا، يا داود؟».
فقلت: حاجة عرضت لي بالكوفة هي التي أبطأت بي عنك، جعلت فداك.
فقال لي: «ماذا رأيت بها؟».
قلت: رأيت عمّك زيداً على فرس ذنوب قد تقلَّد مصحفاً وقد حفَّ به فقهاء الكوفة، وهو يقول: يا أهل الكوفة، إنّي العلم بينكم وبين الله تعالى، قد عرفت ما في كتاب الله من ناسخه ومنسوخه.
فقال أبو عبد الله: «يا سماعة بن مهران، ائتني بتلك الصحيفة».
فأتاه بصحيفة بيضاء فدفعها إليَّ وقال لي: «اقرأ هذه بما أخرج إلينا أهل البيت، يرثه كابر عن كابر من لدن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)».
فقرأتها فإذا فيها سطران: السطر الأوَّل: «لا إله إلَّا الله، محمّد رسول الله»، والسطر الثاني: «﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَـرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ مِنْها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(84) الغيبة للطوسي: 149/ ح 110.

(١١٠)

أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ علي بن أبي طالب، والحسن بن علي، والحسين بن علي، وعلي بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمّد بن علي، وعلي بن محمّد، والحسن بن علي، والخلف منهم الحجَّة لله».
ثمّ قال لي: «يا داود، أتدري أين كان ومتى كان مكتوباً؟».
قلت: يا ابن رسول الله، الله أعلم ورسوله وأنتم.
قال: «قبل أن يخلق آدم بألفي عام، فأين يتاه بزيد ويُذهَب به، إنَّ أشدَّ الناس لنا عداوةً وحسداً الأقرب إلينا فالأقرب»(85).
وهو وإن لم يُصـرَّح فيه بإمامتهم (عليهم السلام)، إلَّا أنَّ من المعلوم أنَّ تميّزهم بذلك يناسب إمامتهم ووجوب طاعتهم، وأحاديثهم (عليهم السلام) يفسِّـر بعضها بعضاً.
57 - حديث الأعمش، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: سألته عن الإمامة فيمن تجب؟ وما علامة من تجب له الإمامة؟
فقال لي: «إنَّ الدليل على ذلك والحجَّة على المؤمنين والقائم في أُمور المسلمين والناطق بالقرآن والعالم بالأحكام أخو نبيّ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وخليفته على أُمَّته ووصيّه عليهم، ووليّه الذي كان منه بمنزلة هارون من موسى، المفروض الطاعة، يقول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿يا أَيـُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، وقال جلَّ ذكره: ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ﴾ [المائدة: 55]،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(85) بحار الأنوار 46: 173 و174/ ح 26، عن مقتضب الأثر: 30 و31.

(١١١)

المدعو إليه بالولاية، المثبت له الإمامة يوم غدير خُمّ، بقول الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الله (جلَّ جلاله): ألست أولى بكم من أنفسكم؟
قالوا: بلى.
قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصـر من نصـره، واخذل من خذله، وأعن من أعانه.
ذاك علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وإمام المتَّقين، وقائد الغرّ المحجَّلين، وأفضل الوصيّين، وخير الخلق أجمعين بعد رسول ربّ العالمين، وبعده الحسن ثمّ الحسين سبطا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ابنا خيرة النسوان، ثمّ علي بن الحسين، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ علي بن موسى، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ علي بن محمّد، ثمّ الحسن بن علي، ثمّ ابن الحسن بن علي صلوات الله عليهم إلى يومنا هذا واحد بعد واحد.
إنَّهم عترة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، معروفون بالوصيّة والإمامة في كلّ عصـر وزمان، وكلّ وقت وأوان، وإنَّهم العروة الوثقى، وأئمّة الهدى، والحجَّة على أهل الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وإنَّ كلّ من خالفهم ضالّ مضلّ تارك للحقّ والهدى، وإنَّهم المعبّرون عن القرآن، والناطقون عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالبيان، وإنَّ من مات ولا يعرفهم مات ميتة جاهلية، وإنَّ فيهم الورع والعفَّة والصدق والصلاح والاجتهاد، وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر، وطول السجود، وقيام الليل، واجتناب المحارم، وانتظار الفرج بالصبر وحسن الصحبة، وحسن الجوار».

(١١٢)

ثمّ قال تميم بن بهلول: حدَّثني أبو معاوية، عن الأعمش، عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في الإمامة بمثله سواء(86).
58 - حديث عاصم بن حميد، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً في دعاء التوسّل: «... اللّهمّ إنّي أتقرَّب إليك بنبيّك وصفيّك وحبيبك وأمينك ورسولك وخيرتك من خلقك، الذابّ عن حريم المؤمنين، القائم بحجَّتك، المطيع لأمرك، المبلِّغ لرسالاتك، الناصح لأُمَّته حتَّى أتاه اليقين، إمام الخير وقائد الخير، وخاتم النبيّين وسيّد المرسلين، وإمام المتَّقين وحجَّتك على العالمين، الداعي إلى صـراطك المستقيم، الذي بصَّـرته سبيلك، وأوضحت له حجَّتك وبرهانك، ومهَّدت له أرضك، وألزمته حقّ معرفتك، وعرجت به إلى سماواتك، فصلّي بجميع ملائكتك، وغيَّبته في حجبك، فنظر إلى نورك ورأى آياتك، وكان منك كقاب قوسين أو أدنى، فأوحيت إليه بما أوحيت، وناجيته بما ناجيت، وأنزلت عليه وحيك على لسان طاوس الملائكة الروح الأمين، رسولك يا ربّ العالمين، فأظهر الدين لأوليائك المتَّقين، فأدَّى حقَّك وفعل ما أمرت به في كتابك بقولك: ﴿يا أَيـُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: 67]، ففعل (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبلَّغ رسالاتك وأوضح حجَّتك، فصلِّ اللّهمّ عليه أفضل ما صلَّيت على أحد من خلقك أجمعين، واغفر لي وارحمني وتجاوز عنّي وارزقني، وتوفَّني على ملَّته، واحشـرني في زمرته، واجعلني من جيرانه في جنَّتك، إنَّك جواد كريم.
اللّهمّ وأتقرَّب إليك بوليّك وخيرتك من خلقك، ووصيّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(86) كمال الدين: 336 و337/ باب 33/ ح 9.

(١١٣)

نبيّك، مولاي ومولى المؤمنين والمؤمنات، قسيم النار وقائد الأبرار وقاتل الكفرة والفجار، ووارث الأنبياء وسيّد الأوصياء، والمؤدّي عن نبيّه والموفي بعهده والذائد عن حوضه، المطيع لأمرك، عينك في بلادك وحجَّتك على عبادك، زوج البتول سيّدة نساء العالمين، ووالد السبطين الحسن والحسين ريحانتي رسولك وشنفي عرشك وسيّدي شباب أهل الجنة، مغسِّل جسد رسولك وحبيبك الطيب الطاهر وملحده في قبره. اللّهمّ فبحقّه عليك وبحقّ محبّيه من أهل السماوات والأرض اغفر لي ولوالدي وأهلي وولدي وقرابتي وخاصَّتي وعامَّتي وجميع إخواني المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وسق إليَّ رزقاً واسعاً من عندك تسدُّ به فاقتي وتلمُّ به شعثي وتغني به فقري يا خير المسؤولين، ويا خير الرازقين، وارزقني خير الدنيا والآخرة، يا قريب يا مجيب.
اللّهمّ وأتقرَّب إليك بالوليّ البارّ التقي الطيّب الزكي الإمام بن الإمام السيّد بن السيّد الحسن بن علي، وأتقرَّب إليك بالقتيل المسلوب قتيل كربلاء الحسين بن علي، وأتقرَّب إليك بسيّد العابدين وقرَّة عين الصالحين علي بن الحسين، وأتقرَّب إليك بباقر العلم صاحب الحكمة والبيان ووارث من كان قبله محمّد بن علي، وأتقرَّب إليك بالصادق الخير الفاضل جعفر بن محمّد، وأتقرَّب إليك بالكريم الشهيد الهادي المولي موسى بن جعفر، وأتقرَّب إليك بالشهيد الغريب الحبيب المدفون بطوس علي بن موسى، وأتقرَّب إليك بالزكي التقي محمّد بن علي، وأتقرَّب إليك بالطهر الطاهر

(١١٤)

النقي علي بن محمّد، وأتقرَّب إليك بوليّك الحسن بن علي، وأتقرَّب إليك بالبقيّة الباقي المقيم بين أوليائه الذي رضيته لنفسك الطيّب الطاهر الفاضل الخير نور الأرض وعمادها ورجاء هذه الأُمَّة وسيّدها الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر الناصح الأمين المؤدّي عن النبيّين وخاتم الأوصياء النجباء الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين...»(87).
59 - حديث ثالث عن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول فيه: «اللّهمّ إنّي حللت بساحتك لمعرفتي بوحدانيتك وصمدانيتك وإنَّه لا يقدر على قضاء حوائجي غيرك، وقد علمت يا ربِّ إنَّه كلَّما تظاهرت نعمك عليَّ اشتدَّت فاقتي إليك، وقد طرقني همّ كذا وكذا وأنت تكشفه، وأنت عالم غير معلَّم، وواسع غير متكلِّف، فأسألك باسمك الذي وضعته على الجبال فاستقرَّت، ووضعته على السماء فارتفعت، وأسألك بالحقّ الذي جعلته عند محمّد وآل محمّد، وعند الأئمّة علي والحسن والحسين وعلي ومحمّد وجعفر وموسى وعلي ومحمّد وعلي والحسن والحجَّة (عليهم السلام)، أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأهل بيته، وأن تقضـي حاجتي وتيسّـر عسيرها وتكفيني مهمّاتها، فإن فعلت فلك الحمد والمنَّة، وإن لم تفعل فلك الحمد غير جائر في حكمك وغير متَّهم في قضائك ولا حائف في عدلك»(88).
60 - حديث مسعدة بن صدقة، قال: كنت عند الصادق (عليه السلام) إذ أتاه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(87) مصباح المتهجّد: 325 - 329/ ح (436/48).
(88) مصباح المتهجّد: 332/ ح (441/53).

(١١٥)

شيخ كبير قد انحنى متَّكئاً على عصاه، فسلَّم فردَّ أبو عبد الله (عليه السلام) الجواب، ثمّ قال: يا ابن رسول الله، ناولني يدك أُقبّلها، فأعطاه يده فقبَّلها، ثمّ بكى.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «ما يبكيك، يا شيخ؟».
قال: جُعلت فداك يا ابن رسول الله، أقمت على قائمكم منذ مائة سنة أقول: هذا الشهر وهذه السنة، وقد كبرت سنّي ودُقَّ عظمي واقترب أجلي، ولا أرى فيكم ما أُحبّ، أراكم مقتَّلين مشـرَّدين، وأرى عدوّكم يطيرون بالأجنحة، فكيف لا أبكي؟
فدمعت عينا أبي عبد الله (عليه السلام)، ثمّ قال: «يا شيخ، إن الله أبقاك حتَّى ترى قائمنا، كنت معنا في السنام الأعلى، وإن حلَّت بك المنيّة جئت يوم القيامة مع ثقل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ونحن ثقله، فقد قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّي مخلَّف فيكم الثقلين فتمسَّكوا بهما لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي».
فقال الشيخ: لا أُبالي بعد ما سمعت هذا الخبر.
ثمّ قال: «يا شيخ، اعلم أنَّ قائمنا يخرج من صلب الحسن، والحسن يخرج من صلب علي، وعلي يخرج من صلب محمّد، ومحمّد يخرج من صلب علي، وعلي يخرج من صلب ابني هذا - وأشار إلى موسى (عليه السلام) -، وهذا خرج من صلبي، ونحن اثنا عشـر كلّنا معصومون مطهَّرون».
فقال الشيخ: يا سيّدي، بعضكم أفضل من بعض؟
قال: «لا نحن في الفضل سواء، ولكن بعضنا أعلم من بعض».
ثمّ قال (عليه السلام): «يا شيخ، والله لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم واحد

(١١٦)

لطوَّل الله تعالى ذكره ذلك اليوم حتَّى يخرج قائمنا أهل البيت، ألَا إنَّ شيعتنا يقعون في فتنة وحيرة في غيبته، هناك يثبّت الله على هداه المخلصين، اللّهمّ أعنهم على ذلك»(89).
61 - حديث علقمة بن محمّد الحضـرمي، عن الصادق (عليه السلام)، قال: «الأئمّة اثنا عشـر».
قلت: يا ابن رسول الله، فسمّهم لي.
قال (عليه السلام): «من الماضين علي بن أبي طالب (عليه السلام) والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن علي ثمّ أنا».
قلت: فمن بعدك، يابن رسول الله؟
فقال: «إنّي أوصيت إلى ولدي موسى، وهو الإمام بعدي».
قلت: فمن بعد موسى؟
قال: «علي ابنه يُدعى الرضا، يُدفَن في أرض الغربة من خراسان، ثمّ بعد علي ابنه محمّد، وبعد محمّد علي ابنه، وبعد علي الحسن ابنه، والمهدي من ولد الحسن (عليه السلام)».
ثمّ قال: «حدَّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه ، عن علي (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا علي، إنَّ قائمنا إذا خرج يجتمع إليه ثلاث مائة وثلاثة عشـر رجلاً عدد رجال بدر، فإذا حان وقت خروجه يكون له سيف مغمود ناداه السيف: قم يا وليّ الله فاقتل أعداء الله»(90).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(89) بحار الأنوار 36: 408 و409/ ح 17، عن كفاية الأثر: 264 - 266.
(90) بحار الأنوار 36: 409 و410/ ح 18، عن كفاية الأثر: 266 و267.

(١١٧)

62 - حديث يونس بن ظبيان، قال: دخلت على الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) فقلت: يا ابن رسول الله، إنّي دخلت على مالك وأصحابه وعنده جماعة يتكلَّمون في الله، فسمعت بعضهم يقول: إنَّ لله وجهاً كالوجوه، وبعضهم يقول: له يدان، واحتجّوا لذلك بقول الله تبارك وتعالى: ﴿بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ﴾ [ص: 75]، وبعضهم يقول: هو كالشاب من أبناء ثلاثين سنة، فما عندك في هذا يا ابن رسول الله؟
قال: وكان متَّكئاً فاستوى جالساً، وقال: «اللّهمّ عفوك عفوك».
ثمّ قال: «يا يونس، من زعم أنَّ لله وجهاً كالوجوه فقد أشرك، ومن زعم أنَّ لله جوارح كجوارح المخلوقين فهو كافر بالله ولا تقبلوا شهادته ولا تأكلوا ذبيحته، تعالى الله عمَّا يصفه المشبّهون بصفة المخلوقين، فوجه الله أنبياؤه وأولياؤه، وقوله: ﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ﴾، فاليد القدرة كقوله تعالى: ﴿وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْـرِهِ﴾ [الأنفال: 26]، فمن زعم أنَّ الله في شيء أو على شيء أو يحول من شيء إلى شيء أو يخلو منه شيء أو يشغل به شيء فقد وصفه بصفة المخلوقين، والله خالق كلّ شيء، لا يقاس بالقياس ولا يشبه بالناس، لا يخلو منه مكان، ولا يشغل به مكان، قريب في بعده بعيد في قربه، ذلك الله ربّنا لا إله غيره، فمن أراد الله وأحبَّه ووصفه بهذه الصفة فهو من الموحّدين، ومن أحبَّه ووصفه بغير هذه الصفة فالله منه بريء ونحن منه براء».
ثمّ قال (عليه السلام): «إنَّ أُولي الألباب الذين عملوا بالفكرة حتَّى ورثوا منه حبّ الله فإنَّ حُبَّ الله إذا ورثه القلب واستضاء به أسرع إليه اللطف، فإذا

(١١٨)

نزل [منزلة] اللطف صار من أهل الفوائد، فإذا صار من أهل الفوائد تكلَّم بالحكمة فصار صاحب فطنة، فإذا نزل منزلة الفطنة عمل في القدرة، فإذا عمل في القدرة عرف الأطباق السبعة، فإذا بلغ هذه المنزلة صار يتقلَّب في فكره بلطف وحكمة وبيان، فإذا بلغ هذه المنزلة جعل شهوته ومحبَّته في خالقه، فإذا فعل ذلك نزل المنزلة الكبرى، فعاين ربَّه في قلبه وورث الحكمة بغير ما ورثه الحكماء، وورث العلم بغير ما ورثه العلماء، وورث الصدق بغير ما ورثه الصدّيقون، إنَّ الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت، وإنَّ العلماء ورثوا العلم بالطلب، وإنَّ الصدّيقين ورثوا الصدق بالخشوع وطول العبادة، فمن أخذه بهذه السيرة إمَّا أن يسفل وإمَّا أن يرفع، وأكثرهم الذي يسفل ولا يرفع إذ لم يرعَ حقَّ الله ولم يعمل بما أمر به، فهذه صفة من لم يعرف الله حقَّ معرفته ولم يحبّه حقَّ محبَّته، فلا يغرَّنَّك صلاتهم وصيامهم ورواياتهم وعلومهم، فإنَّهم حمر مستنفرة».
ثمّ قال: «يا يونس، إذا أردت العلم الصحيح فعندنا أهل البيت، فإنّا ورثناه وأُوتينا شرع الحكمة وفصل الخطاب».
فقلت: يا ابن رسول الله، وكلّ من كان من أهل البيت ورث كما ورثتم من كان من ولد علي وفاطمة (عليهما السلام)؟
فقال: «ما ورثه إلَّا الأئمّة الاثنا عشـر».
قلت: سمّهم لي، يا ابن رسول الله.
قال: «أوَّلهم علي بن أبي طالب، وبعده الحسن والحسين، وبعده علي بن الحسين، وبعده محمّد بن علي الباقر، ثمّ أنا، وبعدي موسى ولدي، وبعد موسى علي ابنه، وبعد علي محمّد ابنه، وبعد

(١١٩)

محمّد علي ابنه، وبعد علي الحسن ابنه، وبعد الحسن الحجَّة صلوات الله عليهم، اصطفانا الله وطهَّرنا وآتانا ما لم يؤت أحداً من العالمين».
ثمّ قلت: يا ابن رسول الله، إنَّ عبد الله بن سعد دخل عليك بالأمس فسألك عمَّا سألتك فأجبته بخلاف هذا.
فقال: «يا يونس، كلّ امرئ وما يحتمله، وكلّ وقت حديثه، وإنَّك لأهل لما سألت، فاكتمه إلَّا عن أهله، والسلام»(91).
63 - حديث عبد الله بن جندب، عن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنَّه قال: «تقول في سجدة الشكر: اللّهمّ إنّي أُشهدك وأُشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك: أنَّك أنت الله ربّي، والإسلام ديني، ومحمّداً نبيّي، وعلياً والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمّد بن علي وعلي بن محمّد والحسن بن علي والحجَّة بن الحسن بن علي أئمَّتي بهم أتولّى ومن أعدائهم أتبرَّأ...»(92).
64 - حديث شرايع الدين التي كتبها الإمام الرضا (عليه السلام) للمأمون العبّاسي، جاء فيها: «إنَّ محض الإسلام شهادة أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له إلهاً واحداً أحداً فرداً صمداً قيّوماً سميعاً بصيراً قديراً قديماً قائماً باقياً، عالماً لا يجهل، قادراً لا يعجز، غنيَّاً لا يحتاج، عدلاً لا يجور، وأنَّه خالق كلّ شيء، وليس كمثله شيء، لا شبه له ولا ضدَّ له ولا ندَّ ولا كفؤ له، وأنَّه المقصود بالعبادة والدعاء والرغبة والرهبة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(91) بحار الأنوار 36: 403 - 405/ ح 15، عن كفاية الأثر: 255 - 259.
(92) من لا يحضره الفقيه: 329 - 331/ ح 967.

(١٢٠)

وأنَّ محمّداً عبده ورسوله وأمينه وصفيه وصفوته من خلقه، وسيّد المرسلين وخاتم النبيّين وأفضل العالمين، لا نبيّ بعده ولا تبديل لملَّته ولا تغيير لشـريعته، وأنَّ جميع ما جاء به محمّد بن الله هو الحقّ المبين، والتصديق به وبجميع من مضـى قبله من رسل الله وأنبيائه وحججه والتصديق بكتابه الصادق العزيز الذي ﴿لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصّلت: 42]، وأنَّه المهيمن على الكتب كلّها، وأنَّه حقّ من فاتحته إلى خاتمته، نؤمن بمحكمه ومتشابهه وخاصّه وعامّه ووعده ووعيده وناسخه ومنسوخه وقصصه وأخباره، لا يقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله.
وأنَّ الدليل بعده، والحجَّة على المؤمنين، والقائم بأمر المسلمين، والناطق عن القرآن، والعالم بأحكامه، أخوه، وخليفته، ووصيّه، ووليّه، والذي كان منه بمنزلة هارون من موسى، علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أمير المؤمنين، وإمام المتَّقين، وقائد الغرّ المحجَّلين، وأفضل الوصيّين، ووارث علم النبيّين والمرسلين.
وبعده الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنَّة، ثمّ علي بن الحسين زين العابدين، ثمّ محمّد بن علي باقر علم النبيّين، ثمّ جعفر بن محمّد الصادق وارث علم الوصيّين، ثمّ موسى بن جعفر الكاظم، ثمّ علي بن موسى الرضا، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ علي بن محمّد، ثمّ الحسن بن علي، ثمّ الحجَّة القائم المنتظر صلوات الله عليهم أجمعين.

(١٢١)

أشهد لهم بالوصيّة والإمامة، وأنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة الله تعالى على خلقه في كلّ عصـر وأوان، وأنَّهم العروة الوثقى، وأئمّة الهدى، والحجَّة على أهل الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وأنَّ كلّ من خالفهم ضالّ مضلّ باطل، تارك للحقّ والهدى، وأنَّهم المعبِّرون عن القرآن، والناطقون عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالبيان، ومن مات ولم يعرفهم مات ميتة جاهلية...»(93).
وربَّما لم نستوف الأحاديث الواردة في ذلك، وفيما ذكرناه كفاية.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(93) عيون أخبار الرضا 2: 129 - 134/ ح 1.

(١٢٢)

إنَّ الإمام الثاني عشـر المنتظر هو الحجَّة بن الحسن المهدي صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)، وصلّى عليه وعلى آبائه الطيّبين الطاهرين، وسلَّم تسليماً كثيراً.
بعد ثبوت إمامة آبائه صلوات الله عليهم كما سبق بيانه وتوضيحه في الفصل الأوَّل، نستعرض الأدلَّة والنصوص الواردة منهم (عليهم السلام) في إمامة صاحب العصـر والزمان، وهي كثيرة جدَّاً نذكر منها:
1 - حديث ثابت بن أبي صفية، عن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال: قال الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) لأصحابه قبل أن يُقتَل بليلة واحدة: إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لي: يا بني، إنَّك ستُساق إلى العراق، وتنزل في أرض يقال لها: عمورا وكربلاء، وإنَّك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة.
وقد قرب ما عهد إليَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإنّي راحل إليه غداً، فمن أحبَّ منكم الانصـراف فلينصـرف في هذه الليلة، فإنّي قد أذنت له، وهو منّي في حلّ، وأكَّد فيما قاله تأكيداً بليغاً.
وقالوا: والله ما نفارقك أبداً حتَّى نرد موردك.
فلمَّا رأى ذلك قال: فأبشـروا بالجنَّة، فوَالله إنَّما نمكث ما شاء الله تعالى بعدما يجري علينا، ثمّ يخرجنا الله وإيّاكم حين يظهر قائمنا

(١٢٥)

فينتقم من الظالمين، وإنّا وأنتم نشاهدهم في السلاسل والأغلال وأنواع العذاب والنكال.
فقيل له: يا ابن رسول الله، من قائمكم؟
قال: السابع من ولد ابني محمّد بن علي. وهو الحجَّة بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي ابني. وهو الذي يغيب مدَّة طويلة، ثمّ يظهر، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً»(94).
2 - حديث المفضَّل بن عمر، قال: دخلت على سيّدي جعفر بن محمّد (عليهما السلام)، فقلت: يا سيّدي، لو عهدت إلينا في الخلف من بعدك، فقال لي: «يا مفضَّل، الإمام من بعدي ابني موسى، والخلف المأمول المنتظر (م ح م د) ابن الحسن بن علي بن محمّد علي بن موسى»(95).
3 - حديث دعبل الخزاعي الشاعر، قال: أنشدت مولاي الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) قصيدتي التي أوَّلها:

مدارس آيات خلت من تلاوة * * * ومنزل وحي مقفر العرصاتِ

فلمَّا انتهيت إلى قولي:

خروج إمام لا محالة خارج * * * يقوم على اسم الله والبركاتِ
يميّز فينا كلّ حقّ وباطل * * * ويجزي على النعماء والنقماتِ

بكى الرضا (عليه السلام) بكاءً شديداً، ثمّ رفع رأسه إليَّ فقال لي: «يا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(94) إثبات الهداة 7: 138؛ مجلَّة تراثنا 15: 208 و209/ عن مختصـر إثبات الرجعة للفضل بن شاذان/ ح 7.
(95) كمال الدين: 334/ باب 33/ ح 4.

(١٢٦)

خزاعي، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام؟ ومتى يقوم؟».
فقلت: لا يا مولاي، إلَّا أنّي سمعت بخروج إمام منكم يطهِّر الأرض من الفساد ويملأها عدلاً [كما ملئت جوراً].
فقال: «يا دعبل، الإمام بعدي محمّد ابني، وبعد محمّد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجَّة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم واحد لطوَّل الله (عزَّ وجلَّ) ذلك اليوم حتَّى يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً. وأمَّا متى فإخبار عن الوقت، فقد حدَّثني أبي، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قيل له: يا رسول الله، متى يخرج القائم من ذرّيتك؟ فقال (عليه السلام): «مثله مثل الساعة التي ﴿لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً﴾ [الأعراف: 187]»(96).
4 - حديث الصقر بن أبي دلف، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي الرضا (عليهما السلام) يقول: «إنَّ الإمام بعدي ابني علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه»، ثمّ سكت.
فقلت له: يا ابن رسول الله، فمن الإمام بعد الحسن؟
فبكي (عليه السلام) بكاءً شديداً، ثمّ قال: «إنَّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقّ المنتظر».
فقلت له: يا ابن رسول الله، لِـمَ سُمّي القائم؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(96) كمال الدين: 372 و373/ باب 35/ ح 6.

(١٢٧)

قال: «لأنَّه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته».
فقلت له: ولِـمَ سُمّي المنتظر؟
قال: «لأنَّ له غيبة يكثر أيّامها ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلِّمون»(97).
5 - حديثه الآخر، قال: سمعت علي بن محمّد بن علي الرضا (عليهم السلام) يقول: «إنَّ الإمام بعدي الحسن ابني، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(98).
6 - حديث عبد العظيم، قال: دخلت على سيّدي علي بن محمّد (عليهما السلام)، فلمَّا بصـر بي قال لي: «مرحباً بك يا أبا القاسم، أنت وليّنا حقَّاً».
قال: فقلت له: يا ابن رسول الله، إنّي أُريد أن أعرض عليك ديني فإن كان مرضياً ثبتُّ عليه حتَّى ألقى الله (عزَّ وجلَّ).
فقال: «هات، يا أبا القاسم».
فقلت: إنّي أقول: إنَّ الله تبارك وتعالى واحد، ليس كمثله شيء، خارج عن الحدّين حدّ الإبطال وحدّ التشبيه، وإنَّه ليس بجسم ولا صورة، ولا عرض ولا جوهر، بل هو مجسِّم الأجسام، ومصوِّر الصور، وخالق الأعراض والجواهر، وربّ كلّ شيء ومالكه وجاعله ومحدِثه، وإنَّ محمّداً(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عبده ورسوله خاتم النبيّين فلا نبيّ بعده إلي يوم القيامة، وأنَّ شريعته خاتمة الشـرائع فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(97) كمال الدين: 378/ باب 36/ ح 3.
(98) كمال الدين: 383/ باب 37/ ح 10.

(١٢٨)

وأقول: إنَّ الإمام والخليفة ووليّ الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ علي بن الحسين، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ علي بن موسى، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ أنت يا مولاي.
فقال (عليه السلام): «ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده؟».
قال: فقلت: وكيف ذاك، يا مولاي؟
قال: «لأنَّه لا يرى شخصه، ولا يحلُّ ذكره باسمه حتَّى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً».
قال: فقلت: أقررت، وأقول: إنَّ وليّهم وليّ الله، وعدوّهم عدوّ الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله.
وأقول: إنَّ المعراج حقّ، والمسألة في القبر حقّ، وأنَّ الجنَّة حقّ، والنار حقّ، والصـراط حقّ، والميزان حقّ، وأنَّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنَّ الله يبعث من في القبور.
وأقول: إنَّ الفرائض الواجبة بعد الولاية: الصلاة والزكاة والصوم والحجّ والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فقال علي بن محمّد (عليهما السلام): «يا أبا القاسم، هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده فاثبت عليه، ثبَّتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا و[في] الآخرة»(99).
7 - حديث أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: سمعت أبا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(99) كمال الدين: 379 و380/ باب 37/ ح 1.

(١٢٩)

الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) يقول: «الخلف من بعدي ابني الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟».
فقلت: ولِـمَ جعلني الله فداك؟
فقال: «لأنَّكم لا ترون شخصه ولا يحلُّ لكم ذكره باسمه».
قلت: فكيف نذكره؟
قال: «قولوا: الحجَّة من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(100).
8 - حديث بشـر المتضمّن شراء أُمّ المهدي القائم (عليه السلام)، وأنَّ الإمام علي الهادي (عليه السلام) قال لها: «كيف أراك الله عزّ الإسلام وذلّ النصـرانية، وشرف أهل بيت محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟».
قالت: كيف أصف لك يا ابن رسول الله ما أنت أعلم به منّي؟
قال: «فإنّي أُريد أن أُكرمكِ، فأيّما أحبُّ إليكِ عشـرة آلاف درهم أم بشـرى لك فيها شرف الأبد؟».
قالت: بل البشـرى.
قال (عليه السلام): «فأبشـري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً».
قالت: ممَّن؟
قال (عليه السلام): «ممَّن خطبكِ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) له من ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا بالرومية؟».
قالت: من المسيح ووصيّه.
قال: «فممَّن زوجَّكِ المسيح ووصيّه؟».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(100) كمال الدين: 381/ باب 37/ ح 5.

(١٣٠)

قالت: من ابنك أبي محمّد.
قال: «فهل تعرفينه؟».
قالت: وهل خلوت ليلة من زيارته إيّاي منذ الليلة التي أسلمت فيها على يد سيّدة النساء أُمّه؟
فقال أبو الحسن (عليه السلام): «يا كافور، أُدعُ لي أُختي حكيمة»، فلمَّا دخلت عليه قال (عليه السلام) لها: «هاهيه»، فاعتنقتها طويلاً وسرَّت بها كثيراً.
فقال لها مولانا: «يا بنت رسول الله، أخرجيها إلى منزلكِ وعلّميها الفرائض والسنن فإنَّها زوجة أبي محمّد وأُمّ القائم (عليه السلام)»(101).
9 - حديث أحمد بن إسحاق الأشعري، قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن علي (عليهما السلام) وأنا أُريد أن أسأله عن الخلف [من] بعده، فقال لي مبتدئاً: «يا أحمد بن إسحاق، إنَّ الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم (عليه السلام) ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجَّة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض».
قال: فقلت له: يا ابن رسول الله، فمن الإمام والخليفة بعدك؟
فنهض (عليه السلام) مسـرعاً فدخل البيت، ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كأنَّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء الثلاث سنين، فقال: «يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله (عزَّ وجلَّ) وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنَّه سميّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكنيّه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. يا أحمد بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(101) كمال الدين: 417 - 423/ باب 41/ ح 1.

(١٣١)

إسحاق، مثله في هذه الأُمَّة مثل الخضـر (عليه السلام)، ومثله مثل ذي القرنين، والله ليغيبنَّ غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلَّا من ثبَّته الله (عزَّ وجلَّ) على القول بإمامته ووفَّقه [فيها] للدعاء بتعجيل فرجه».
فقال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي، فهل من علامة يطمئن إليها قلبي؟
فنطق الغلام (عليه السلام) بلسان عربي فصيح فقال: «أنا بقيّة الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق».
فقال أحمد بن إسحاق: فخرجت مسـروراً فرحاً، فلمَّا كان من الغد عدت إليه فقلت له: يا ابن رسول الله، لقد عظم سروري بما مننت [به] عليَّ، فما السُّنَّة الجارية فيه من الخضـر وذي القرنين؟
فقال: «طول الغيبة، يا أحمد».
قلت: يا ابن رسول الله، وإنَّ غيبته لتطول؟
قال: «إي وربّي حتَّى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به ولا يبقى إلَّا من أخذ الله (عزَّ وجلَّ) عهده لولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان، وأيَّده بروح منه. يا أحمد بن إسحاق، هذا أمر من أمر الله، وسرّ من سرّ الله، وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين تكن معنا غداً في علّيين»(102).
10 - حديثه الآخر، قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) يقول: «الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتَّى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(102) كمال الدين: 384 و385/ باب 38/ ح 1.

(١٣٢)

أراني الخلف من بعدي، أشبه الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خَلْقاً وخُلُقاً، ويحفظه الله تبارك وتعالى في غيبته، ثمّ يظهره فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً»(103).
11 - حديث محمّد بن علي بن بلال، قال: خرج إليَّ من أبي محمّد قبل مضيّه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثمّ خرج إليَّ من قبل مضيّه بثلاثة أيّام يخبرني بالخلف من بعده(104).
12 - حديث عمرو الأهوازي، قال: أراني أبو محمّد ابنه، وقال: «هذا صاحبكم من بعدي»(105).
13 - حديث رجل من أهل فارس، قال: أتيت سامرا ولزمت باب أبي محمّد (عليه السلام)، فدعاني فدخلت عليه وسلَّمت، فقال: «ما الذي أقدمك؟».
قال: قلت: رغبة في خدمتك.
قال: فقال لي: «فالزم الباب».
قال: فكنت في الدار مع الخدم، ثمّ صـرت أشتري لهم الحوائج من السوق، وكنت أدخل عليهم من غير إذن إذا كان في الدار رجال.
قال: فدخلت عليه يوماً وهو في دار الرجال فسمعت حركة في البيت، فناداني: «مكانك لا تبرح»، فلم أجسـر أن أدخل ولا أخرج،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(103) كمال الدين: 408 و409/ باب 38/ ح 7.
(104) الكافي 1: 328/ باب الإشارة والنصّ إلى صاحب الدار (عليه السلام)/ ح 1.
(105) الكافي 1: 328/ باب الإشارة والنصّ إلى صاحب الدار (عليه السلام)/ ح 3.

(١٣٣)

فخرجت عليَّ جارية معها شيء مغطّى، ثمّ ناداني: «أُدخل»، فدخلت ونادى الجارية فرجعت إليه، فقال لها: «اكشفي عمَّا معك»، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه، وكشف عن بطنه فإذا شعر نابت من لبَّته إلى سرَّته أخضـر ليس بأسود، فقال: «هذا صاحبكم».
ثمّ أمرها فحملته، فما رأيته بعد ذلك حتَّى مضـى أبو محمّد (عليه السلام)(106).
14 - حديث يعقوب بن منقوش، قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن علي (عليهما السلام)، وهو جالس على دكّان في الدار، وعن يمينه بيت عليه ستر مُسْبَل. فقلت له: [يا] سيّدي، من صاحب هذا الأمر؟
فقال: «ارفع الستر»، فرفعته، فخرج إلينا غلام خماسي، له عشـر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه، درّي المقلتين، شثن الكفّين، معطوف الركبتين، في خدّه الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة، فجلس على فخذ أبي محمّد (عليه السلام).
ثمّ قال لي: «هذا صاحبكم».
ثمّ وثب، فقال له: «يا بني، أُدخل إلى الوقت المعلوم»، فدخل البيت وأنا أنظر إليه.
ثمّ قال لي: «يا يعقوب، أُنظر من في البيت»، فدخلت فما رأيت أحداً(107).
15 - حديث موسى بن جعفر بن وهب، قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن علي (عليهما السلام) يقول: «كأنّي بكم وقد اختلفتم بعدي في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(106) الكافي 1: 329/ باب الإشارة والنصّ إلى صاحب الدار (عليه السلام)/ ح 6.
(107) كمال الدين: 407/ باب 38/ ح 2.

(١٣٤)

الخلف منّي. أمَا إنَّ المقرَّ بالأئمّة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المنكر لولدي كمن أقرَّ بجميع أنبياء الله ورسله ثمّ أنكر نبوَّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والمنكر لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كمن أنكر جميع أنبياء الله لأنَّ طاعة آخرنا كطاعة أوَّلنا، والمنكر لآخرنا كالمنكر لأوَّلنا. أمَا إنَّ لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلَّا من عصمه الله (عزَّ وجلَّ)»(108).
16 - حديث أبي عمرو عثمان بن سعيد العمري، قال: سُئِلَ أبو محمّد الحسن بن علي (عليهما السلام) - وأنا عنده - عن الخبر الذي روي عن آبائه (عليهم السلام): أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة لله على خلقه إلى يوم القيامة، وأنَّ من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، فقال (عليه السلام): «إنَّ هذا حقّ، كما أنَّ النهار حقّ».
فقيل له: يا ابن رسول الله، فمن الحجَّة والإمام بعدك؟
فقال: «ابني محمّد هو الإمام والحجَّة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أمَا إنَّ له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقّاتون، ثمّ يخرج، فكأنّي أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة»(109).
17 - حديث حكيمة بنت الإمام الجواد (عليه السلام)، قالت: بعث إليَّ أبو محمّد الحسن بن علي (عليهما السلام)، فقال: «يا عمَّة، اجعلي إفطارك [هذه] الليلة عندنا فإنَّها ليلة النصف من شعبان فإنَّ الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجَّة وهو حجَّته في أرضه».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(108) كمال الدين: 409/ باب 38/ ح 8.
(109) كمال الدين: 409/ باب 38/ ح 9.

(١٣٥)

قالت: فقلت له: ومن أُمّه؟
قال لي: «نرجس».
قلت له: جعلني الله فداك، ما بها أثر.
فقال: «هو ما أقول لكِ».
قالت: فجئت، فلمَّا سلَّمت وجلست جاءت تنزع خفّي وقالت لي: يا سيّدتي [وسيّدة أهلي] كيف أمسيت؟
فقلت: بل أنتِ سيّدتي وسيّدة أهلي.
قالت: فأنكرت قولي، وقالت: ما هذا يا عمَّة؟
قالت: فقلت لها: يا بنيّة، إنَّ الله تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيّداً في الدنيا والآخرة.
قالت: فخجلت واستحيت. فلمَّا أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت وأخذت مضجعي فرقدت، فلمَّا أن كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث ثمّ جلست معقّبة، ثمّ اضطجعت ثمّ انتبهت فزعة وهي راقدة، ثمّ قامت فصلَّت ونامت.
قالت حكيمة: وخرجت أتفقَّد الفجر فإذا أنا بالفجر الأوَّل كذنب السـرحان وهي نائمة فدخلني الشكوك، فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام) من المجلس فقال: «لا تعجلي يا عمَّة، فهاك الأمر قد قرب».
قالت: فجلست وقرأت ألم السجدة ويس، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة فوثبت إليها فقلت: اسم الله عليك، ثمّ قلت لها: أتحسّين شيئاً؟

(١٣٦)

قالت: نعم، يا عمَّة.
فقلت لها: اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلت لك.
قالت: فأخذتني فترة وأخذتها فترة، فانتبهت بحسّ سيّدي، فكشفت الثوب عنه، فإذا أنا به (عليه السلام) ساجداً يتلقّى الأرض بمساجده، فضممته إليَّ فإذا أنا به نظيف متنظّف، فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام): «هلمّي إليَّ ابني يا عمَّة».
فجئت به إليه فوضع يديه تحت أليتيه وظهره ووضع قدميه على صدره ثمّ أدلى لسانه في فيه وأمرَّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله، ثمّ قال: «تكلَّم يا بني».
فقال: «أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمّداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»، ثمّ صلّى على أمير المؤمنين وعلى الأئمّة (عليهم السلام) إلى أن وقف على أبيه، ثمّ أحجم.
ثمّ قال أبو محمّد (عليه السلام): «يا عمَّة، اذهبي به إلى أُمّه ليسلّم عليها وائتني به»، فذهبت به فسلَّم عليها ورددته فوضعته في المجلس، ثمّ قال: «يا عمَّة إذا كان يوم السابع فأتينا».
قالت حكيمة: فلمَّا أصبحت جئت لأُسلِّم على أبي محمّد (عليه السلام) وكشفت الستر لأتفقَّد سيّدي (عليه السلام) فلم أرَه، فقلت: جُعلت فداك، ما فعل سيّدي؟
فقال: «يا عمَّة، استودعناه الذي استودعته أُمّ موسى موسى (عليه السلام)».
قالت حكيمة: فلمَّا كان في اليوم السابع جئت فسلَّمت وجلست، فقال: «هلمّي إليَّ ابني».

(١٣٧)

فجئت بسيّدي (عليه السلام) وهو في الخرقة ففعل به كفعلته الأُولى، ثمّ أدلى لسانه في فيه كأنَّه يغذّيه لبناً أو عسلاً، ثمّ قال: «تكلَّم يا بني».
فقال: «أشهد أن لا إلَّا إله الله»، وثنّى بالصلاة على محمّد وعلى أمير المؤمنين وعلى الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين حتَّى وقف على أبيه (عليه السلام)، ثمّ تلا هذه الآية: «﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: 5 و6]»(110).
18 - حديث أحمد بن إبراهيم، قال: دخلت على حكيمة بنت محمّد بن علي الرضا أُخت أبي الحسن العسكري (عليهم السلام) في سنة اثنين وثمانين بالمدينة، فكلَّمتها من وراء الحجاب، وسألتها عن دينها، فسمَّت لي من تأتمّ به، ثمّ قالت: فلان بن الحسن (عليه السلام)، فسمَّته.
فقلت لها: جعلني الله فداك، معاينةً أو خبراً؟
فقالت: خبراً عن أبي محمّد (عليه السلام) كتب به إلى أُمّه.
فقلت لها: فأين المولود؟
فقالت: مستور.
فقلت: فإلى من تفزع الشيعة؟
فقالت: إلى الجدّة أُمّ أبي محمّد (عليه السلام).
فقلت لها: أقتدي بمن وصيَّته إلى المرأة؟
فقالت: اقتداءً بالحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، إنَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(110) كمال الدين: 424 - 426/ باب 42/ ح 1.

(١٣٨)

الحسين بن علي (عليهما السلام) أوصى إلى أُخته زينب بنت علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الظاهر، وكان ما يخرج عن علي بن الحسين من علم يُنسَب إلى زينب بنت على تستّراً على علي بن الحسين.
ثمّ قالت: إنَّكم قوم أصحاب أخبار، أمَا رويتم أنَّ التاسع من ولد الحسين (عليه السلام) يُقسَّم ميراثه وهو في حياة(111).
19 - حديث أبي غانم الخادم، قال: وُلِدَ لأبي محمّد (عليه السلام) ولد، فسمّاه محمّداً، فعرضه على أصحابه يوم الثالث، وقال: «هذا صاحبكم من بعدي، وخليفتي عليكم، وهو القائم الذي تمتدُّ إليه الأعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً»(112).
20 - حديث أحمد بن الحسن بن إسحاق القمّي، قال: لـمَّا وُلِدَ الخلف الصالـح (عليه السلام) ورد عن مولانا أبي محمّد الحسن بن علي (عليهما السلام) إلى جدّي أحمد بن إسحاق كتاب، فإذا فيه مكتوب - بخطّ يده (عليه السلام) الذي كان ترد به التوقيعات -: «وُلِدَ لنا مولود، فليكن عندك مستوراً، وعن جميع الناس مكتوماً، فإنّا لم نظهر عليه إلَّا الأقرب لقرابته، والوليّ لولايته، أحببنا إعلامك ليسـرّك الله به مثل ما سـرَّنا به. والسلام»(113).
وهو وإن لم يُصـرَّح فيه بإمامته (عليه السلام) إلَّا أنَّه يتضمَّن ولادة مولود

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(111) كمال الدين: 501/ باب 45/ ح 27.
(112) كمال الدين: 431/ باب 42/ ح 8.
(113) كمال الدين: 433 و434/ باب 42/ ح 16.

(١٣٩)

معهود منتظر يسـرّ بولادته، وليس هو إلَّا المنتظر للإمامة، الذي يكتم خبره خوفاً عليه.
21 - حديث محمّد بن معاوية بن حكيم ومحمّد بن أيّوب بن نوح ومحمّد بن عثمان العمري، قالوا: عرض علينا أبو محمّد الحسن بن علي (عليهما السلام) [ابنه]، ونحن في منزله، وكنّا أربعين رجلاً، فقال: «هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه، ولا تتفرَّقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا. أمَا إنَّكم لا ترونه بعد يومكم هذا».
قالوا: فخرجنا من عنده فما مضت إلَّا أيّام قلائل حتَّى مضـى أبو محمّد (عليه السلام)(114).
وروي بوجه مقارب لذلك عن جماعة من الشيعة - منهم علي بن بلال، وأحمد بن هلال، ومحمّد بن معاوية بن حكيم، والحسن بن أيّوب بن نوح - في خبر طويل مشهور، قالوا جميعاً: اجتمعنا إلى أبي محمّد الحسن بن علي (عليهما السلام) نسأله عن الحجَّة من بعده، وفي مجلسه (عليه السلام) أربعون رجلاً، فقام إليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري، فقال له: يابن رسول الله، أُريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به منّي.
فقال له: «أُجلس يا عثمان»، فقام مغضباً ليخرج، فقال: «لا يخرجنَّ أحد»، فلم يخرج منّا أحد إلى أن كان بعد ساعة، فصاح (عليه السلام) بعثمان، فقام على قدميه، فقال: «أُخبركم بما جئتم؟».
قالوا: نعم، يابن رسول الله.
قال: «جئتم تسألوني عن الحجَّة من بعدي».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(114) كمال الدين: 435/ باب 43/ ح 2.

(١٤٠)

قالوا: نعم، فإذا غلام كأنَّه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمّد (عليه السلام)، فقال: «هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرَّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألَا وإنَّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتَّى يتمّ له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا إلى أمره، واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والأمر إليه...»، في حديث طويل(115).
22 - حديث أبي الأديان، قال: كنت أخدم الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) وأحمل كتبه إلى الأمصار.
فدخلت عليه في علَّته التي توفّي فيها صلوات الله عليه، فكتب معي كتباً، وقال: «امض بها إلى المدائن، فإنَّك ستغيب خمسة عشـر يوماً، وتدخل إلى سُـرَّ من رأى يوم الخامس عشـر، وتسمع الواعية في داري، وتجدني على المغتسل».
قال أبو الأديان: فقلت: يا سيّدي، فإذا كان ذلك فمن؟
قال: «من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي».
فقلت: زدني.
فقال: من يصلّي عليَّ فهو القائم بعدي».
فقلت: زدني، فقال: «من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي».
ثمّ منعتني هيبته أن أسأله عمَّا في الهميان، وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها ودخلت سُرَّ من رأى يوم الخامس عشـر كما ذكر لي (عليه السلام)، فإذا أنا بالواعية في داره، وإذا به على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(115) الغيبة للطوسي: 357/ ح 319.

(١٤١)

المغتسل، وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار والشيعة من حوله يعزّونه ويهنّونه.
فقلت في نفسـي: إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة، لأنّي كنت أعرفه يشـرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور، فتقدَّمت فعزَّيت وهنَّيت فلم يسألني عن شيء.
ثمّ خرج عقيد فقال: يا سيّدي، قد كُفِّنَ أخوك فقم وصلِّ عليه، فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمّان والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة. فلمَّا صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفَّناً، فتقدَّم جعفر بن علي ليصلّي على أخيه، فلمَّا هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجبذ برداء جعفر بن علي، وقال: «تأخَّر يا عمّ، فأنا أحقُّ بالصلاة على أبي»، فتأخَّر جعفر، وقد أربد وجهه واصفرَّ. فتقدَّم الصبي وصلّى عليه، ودُفِنَ إلى جانب قبر أبيه (عليهما السلام).
ثمّ قال: «يا بصـري، هات جوابات الكتب التي معك»، فدفعتها إليه، فقلت في نفسي: هذه بيّنتان، بقي الهميان.
ثمّ خرجت إلى جعفر بن علي وهو يزفر، فقال له حاجز الوشّاء: يا سيّدي، من الصبي؟ لنقيم الحجَّة عليه.
فقال: والله ما رأيته قطّ، ولا أعرفه.
فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي (عليهما السلام) فعرفوا موته فقالوا: فمن نعزّي؟ فأشار الناس إلى جعفر بن

(١٤٢)

علي، فسلَّموا عليه وعزّوه وهنّوه، وقالوا: إنَّ معنا كتباً ومالاً، فتقول ممَّن الكتب وكم المال.
فقام ينفض أثوابه ويقول: تريدون منّا أن نعلم الغيب.
قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان (وفلان)، وهميان فيه ألف دينار وعشـرة دنانير منها مطليّة، فدفعوا إليه الكتب والمال وقالوا: الذي وجَّه بك لأخذ ذلك هو الإمام.
فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف له ذلك، فوجَّه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية فطالبوها بالصبي فأنكرته وادَّعت حبلاً بها لتغطّي حال الصبي، فسُلِّمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج بالبصـرة، فشغلوا بذلك عن الجارية، فخرجت عن أيديهم، والحمد لله ربّ العالمين(116).
23 - حديث أبي نعيم محمّد بن أحمد الأنصاري، قال: وجَّه قوم من المفوّضة والمقصّـرة كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمّد (عليه السلام).
قال كامل: فقلت في نفسـي: أسأله لا يدخل الجنَّة إلَّا من عرف معرفتي وقال بمقالتي.
قال: فلمَّا دخلت على سيّدي أبي محمّد (عليه السلام) نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه، فقلت في نفسـي: وليّ الله وحجَّته يلبس الناعم من الثياب ويأمرنا نحن بمواساة الإخوان وينهانا عن لبس مثله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(116) كمال الدين: 475 و476/ باب 43/ ذيل الحديث 25.

(١٤٣)

فقال متبسّماً: «يا كامل»، وحسـر عن ذراعيه فإذا مسح أسود خشن على جلده، فقال: «هذا لله وهذا لكم».
فسلَّمت وجلست إلى باب عليه ستر مرخى، فجاءت الريح فكشفت طرفه، فإذا أنا بفتى كأنَّه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها.
فقال لي: «يا كامل بن إبراهيم»، فاقشعررت من ذلك وأُلهمت أن قلت: لبّيك يا سيّدي.
فقال: «جئت إلى وليّ الله وحجَّته وبابه تسأله هل يدخل الجنَّة إلَّا من عرف معرفتك وقال بمقالتك؟».
فقلت: إي والله.
قال: «إذن والله يقلُّ داخلها، والله إنَّه ليدخلها قوم يقال لهم: الحقّية».
قلت: يا سيّدي، ومن هم؟
قال: «قوم من حبّهم لعلي يحلفون بحقّه ولا يدرون ما حقّه وفضله».
ثمّ سكت صلوات الله عليه عنّي ساعة، ثمّ قال: «وجئت تسأله عن مقالة المفوّضة، كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشية الله، فإذا شاء شئنا، والله يقول: ﴿وَما تَشاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ﴾ [الإنسان: 30]».
ثمّ رجع الستر إلى حالته فلم أستطع كشفه، فنظر إليَّ أبو محمّد (عليه السلام) متبسّماً، فقال: «يا كامل، ما جلوسك وقد أنبأك بحاجتك الحجَّة من بعدي؟»، فقمت وخرجت ولم أُعاينه بعد ذلك(117).
24 - حديث إسماعيل بن علي النوبختي، قال: دخلت على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(117) الغيبة للطوسي: 246 - 248/ ح 216.

(١٤٤)

أبي محمّد الحسن بن علي (عليهما السلام) في المرضة التي مات فيها وأنا عنده، إذ قال لخادمه عقيد - وكان الخادم أسود نوبياً قد خدم من قبله علي بن محمّد وهو ربىّ الحسن (عليه السلام) -، فقال [له]: «يا عقيد، اغل لي ماء بمصطكي»، فأغلى له ثمّ جاءت به صقيل الجارية أُمّ الخلف (عليه السلام). فلمَّا صار القدح في يديه وهمَّ بشـربه فجعلت يده ترتعد حتَّى ضـرب القدح ثنايا الحسن (عليه السلام)، فتركه من يده، وقال لعقيد: «أُدخل البيت فإنَّك ترى صبيَّاً ساجداً فأتني به».
قال أبو سهل: قال عقيد: فدخلت أتحرّى فإذا أنا بصبي ساجد رافع سبّابته نحو السماء، فسلَّمت عليه فأوجز في صلاته، فقلت: إنَّ سيّدي يأمرك بالخروج إليه، إذا جاءت أُمّه صقيل فأخذت بيده وأخرجته إلى أبيه الحسن (عليه السلام).
قال أبو سهل: فلمَّا مثل الصبي بين يديه سلَّم وإذا هو درّي اللون، وفي شعر رأسه قطط، مفلَّج الأسنان، فلمَّا رآه الحسن (عليه السلام) بكى وقال: «يا سيّد أهل بيته اسقني الماء، فإنّي ذاهب إلى ربّي».
وأخذ الصبي القدح المغلّي بالمصطكي بيده ثمّ حرَّك شفتيه ثمّ سقاه، فلمَّا شربه قال: «هيّئوني للصلاة»، فطُرِحَ في حجره منديل فوضَّأه الصبي واحدة واحدة ومسح على رأسه وقدميه.
فقال له أبو محمّد (عليه السلام): «ابشـر يا بني، فأنت صاحب الزمان، وأنت المهدي، وأنت حجَّة الله على أرضه، وأنت ولدي ووصيّي وأنا ولدتك، وأنت محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي

(١٤٥)

طالب(عليهم السلام). ولدك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنت خاتم [الأوصياء] الأئمّة الطاهرين، وبشَّـر بك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وسمّاك وكنّاك، بذلك عهد إليَّ أبي عن آبائك الطاهرين صلّى الله على أهل البيت ربّنا إنَّه حميد مجيد»، ومات الحسن بن علي من وقته صلوات الله عليهم أجمعين(118).
25 - حديث محمّد بن عبد الجبّار، قال: قلت لسيّدي الحسن بن علي (عليه السلام): يا ابن رسول الله، جعلني الله فداك، أُحِبُّ أن أعلم من الإمام وحجَّة الله على عباده من بعدك؟
فقال (عليه السلام): «إنَّ الإمام وحجَّة الله من بعدي ابني، سميّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكنيّه، الذي هو خاتم حجج الله، وآخر خلفائه».
قال: ممَّن هو يا ابن رسول الله؟
قال: «من ابنة ابن قيصـر ملك الروم، إلَّا أنَّه سيولد فيغيب عن الناس غيبة طويلة، ثمّ يظهر ويقتل الدجّال، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، فلا يحلُّ لأحد أن يسمّيه باسمه أو يكنّيه بكنيته قبل خروجه صلوات الله عليه»(119).
26 - حديث محمّد بن علي بن حمزة العلوي، قال: سمعت أبا محمّد (عليه السلام) يقول: «قد وُلِدَ وليّ الله وحجَّته على عباده، وخليفتي من بعدي، مختوناً ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين عند طلوع الفجر، وكان أوَّل من غسَّله رضوان خازن الجنان مع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(118) الغيبة للطوسي: 271 - 273/ ح 237.
(119) إثبات الهداة 7: 137 و138؛ مجلَّة تراثنا 15: 211، عن مختصـر إثبات الرجعة للفضل بن شاذان/ ح 9.

(١٤٦)

جمع من الملائكة المقرَّبين بماء الكوثر والسلسبيل، ثمّ غسَّلته عمَّتي حكيمة بنت محمّد بن علي الرضا (عليهم السلام)»(120).
27 - حديث إبراهيم بن محمّد بن فارس النيسابوري، قال: لـمَّا همَّ الوالي عمرو بن عوف بقتلي وهو رجل شديد النصب، وكان مولعاً بقتل الشيعة فأُخبرت بذلك وغلب عليَّ خوف عظيم، فودَّعت أهلي وأحبّائي، وتوجَّهت إلى دار أبي محمّد (عليه السلام) لأُودِّعه وكنت أردت الهرب، فلمَّا دخلت عليه رأيت غلاماً جالساً في جنبه، وكان وجهه مضيئاً كالقمر ليلة البدر، فتحيَّرت من نوره وضيائه، وكاد أن ينسني ما كنت فيه. فقال: «يا إبراهيم، لا تهرب فإنَّ الله تبارك وتعالى سيكفيك شـرّه»، فازداد تحيّري، فقلت لأبي محمّد (عليه السلام): يا سيّدي، جعلني الله فداك، من هو وقد أخبرني بما كان في ضميري؟
فقال: «هو ابني وخليفتي من بعدي، وهو الذي يغيب غيبة طويلة ويظهر بعد امتلاء الأرض جوراً وظلماً فيملأها عدلاً وقسطاً».
فسألته عن اسمه، قال: «هو سميّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكنيّه، ولا يحلُّ لأحد أن يسمّيه باسمه أو يكنّيه بكنيته إلى أن يظهر الله دولته وسلطنته، فاكتم يا إبراهيم ما رأيت وسمعت منّا اليوم إلَّا عن أهله».
فصلَّيت عليهما وآبائهما وخرجت مستظهراً بفضل الله تعالى واثقاً بما سمعته من الصاحب (عليه السلام)، فبشَّـرني عمّي علي بن فارس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(120) إثبات الهداة 7: 139؛ مجلَّة تراثنا 15: 212، عن مختصـر إثبات الرجعة للفضل بن شاذان/ ح 11.

(١٤٧)

بأنَّ المعتمد قد أرسل أبا أحمد - أخاه - وأمر بقتل عمرو بن عوف، فأخذه أحمد في ذلك اليوم وقطَّعه عضواً عضواً، والحمد لله ربِّ العالمين(121).
28 - حديث علي بن عاصم الكوفي، عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) المتضمّن أنَّه كان جالساً على بساط، فأراه فيه آثار الأنبياء والأوصياء والأئمّة صلوات الله عليهم. وفيه أنَّه (عليه السلام) قال له: «وهذا أثر ابني المهدي، لأنَّه قد وطأه، وجلس عليه»(122).
29 - حديث عيسى بن محمّد الجوهري، قال: خرجت أنا والحسين بن غياث، والحسن بن مسعود والحسين بن إبراهيم وأحمد بن حسّان، وطالب بن إبراهيم بن حاتم، والحسن بن محمّد بن سعيد، ومحمّد بن أحمد بن الخضيب من جنبلاء إلى سُـرَّ من رأى في سنة سبع وخمسين ومائتين، فعدنا من المدائن إلى كربلاء، فزرنا أبا عبد الله (عليه السلام) في ليلة النصف من شعبان، فتلقَّتنا إخواننا المجاورين لسيّدنا أبى الحسن وأبى محمّد (عليهما السلام) بسُـرَّ من رأى، وكنّا خرجنا للتهنئة بمولد المهدي (عليه السلام)، فبشَّـرنا إخواننا بأنَّ المولود كان قبل طلوع الفجر يوم الجمعة، فقضينا زيارتنا ودخلنا بغداد، فزرنا أبا الحسن موسى وأبا جعفر الجواد محمّد بن علي (عليهم السلام)، وصعدنا إلى سُـرَّ من رأى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(121) إثبات الهداة 7: 139؛ مجلَّة تراثنا 15: 212 و213، عن مختصـر إثبات الرجعة للفضل بن شاذان/ ح 12.
(122) إثبات الهداة 7: 142 و143؛ الهداية الكبرى: 335 - 337.

(١٤٨)

فلمَّا دخلنا على سيّدنا أبى محمّد الحسن (عليه السلام) بدأنا بالتهنئة قبل أن نبدأه بالسلام، فجهرنا بالبكاء بين يديه ونحن نيف وسبعون رجلاً من أهل السواد، فقال: «إنَّ البكاء من السـرور من نعم الله مثل الشكر لها، فطيبوا نفساً وقرّو عيناً، فوَالله إنَّكم لعلى دين الله الذي جاءت به الملائكة والكتب، وإنَّكم كما قال جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إيّاكم أن تزهدوا في فقراء الشيعة، فإنَّ لفقيرهم المحسن المتَّقي عند الله يوم القيامة شفاعة يدخل فيها مثل ربيعة ومضـر، فإذا كان هذا من فضل الله عليكم وعلينا فيكم فأيّ شيء بقي لهم؟».
فقلنا بأجمعنا: الحمد لله والشكر لكم يا ساداتنا، فبكم بلغنا هذه المنزلة.
فقال: «بلغتموها بالله وبطاعتكم له واجتهادكم في عبادته وموالاتكم أوليائه ومعاداتكم أعدائه».
فقال عيسى بن محمّد الجوهري: فأردنا الكلام والمسألة، فقال لنا قبل السؤال: «فيكم من أضمر مسألتي عن ولدى المهدي (عليه السلام)، وأين هو؟ وقد استودعته الله كما استودعت أُمّ موسى (عليه السلام) ابنها حيث قذفته في التابوت في اليمّ إلى أن ردَّه الله إليها...»(123).
هذا ما عثرنا عليه عاجلاً من النصوص على إمامة الإمام المنتظر الحجَّة بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرجه)، وإذا أُضيفت إلى ما تقدَّم في الفصل الأوَّل من ذكر الأئمّة الاثني عشـر صلوات الله عليهم بأسمائهم زادت النصوص الدالّة على إمامته صلوات الله عليه على التسعين حديثاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(123) إثبات الهداة 7: 143؛ مدينة المعاجز 7: 672 - 678/ ح (2656/138).

(١٤٩)

طوائف من الأحاديث تشهد بإمامة المهدي (عليه السلام):
بعد أن ذكرنا النصوص الواردة في خصوص الإمام المهدي (عليه السلام)، نذكر تحت هذا العنوان مجموعة من الروايات تنطوي تحت طوائف وعناوين كلّها تشهد وتؤيّد بل وتصـرّح بإمامة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وهي:
الطائفة الأُولى: ما دلَّ على أنَّ الأئمّة اثنا عشر:
الأحاديث المستفيضة، بل المتواترة أو التي تزيد على التواتر التي رواها الشيعة والجمهور المتضمّنة أنَّ الأئمّة اثنا عشـر كما مرَّ في الفصل الأوَّل، لظهور أنَّه إذا كان الإمام الحسن العسكري صلوات الله عليه هو الإمام الحادي عشـر بمقتضـى الأدلَّة(124)، فلا بدَّ أن يكون الثاني عشـر هو ابنه صلوات الله عليه.
الطائفة الثانية: ما دلَّ على أنَّ الأئمّة تسعة من ذرّية الحسين (عليه السلام):
الأحاديث المستفيضة في أنَّ تسعة من الأئمّة من ذرّية الإمام الحسين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(124) بعض النصوص الدالّة على إمامة أبي محمّد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام):
عن علي بن عمر النوفلي، قال: كنت مع أبي الحسن (عليه السلام) في صحن داره، فمرَّ بنا محمّد ابنه، فقلت له: جُلعت فداك، هذا صاحبنا بعدك؟ فقال: «لا، صاحبكم بعدي الحسن». (الكافي 1: 325 و326/ باب الإشارة والنصّ على أبي محمّد (عليه السلام)/ ح 2).
وعن أحمد بن محمّد بن رجا صاحب الترك، قال: قال أبو الحسن (عليه السلام): «الحسن ابني القائم من بعدي».
وعن أحمد بن عيسى العلوي من ولد علي بن جعفر، قال: دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) بصـريا، فسلَّمنا عليه، فإذا نحن بأبي جعفر وأبي محمّد قد دخلا، فقمنا إلى أبي جعفر لنسلِّم عليه، فقال أبو الحسن (عليه السلام): «ليس هذا صاحبكم، عليكم بصاحبكم - وأشار إلى أبي محمّد -». (الغيبة للطوسي: 199 و200/ ح 165).

(١٥٠)

صلوات الله عليه، لظهور أنَّ الثامن منهم بمقتضـى الأدلَّة هو الإمام الحسن العسكري، فلا بدَّ أن يكون التاسع هو ابنه صلوات الله عليه.
الطائفة الثالثة: ما دلَّ على أنَّ المهدي من ذرّية الحسين (عليه السلام):
الأحاديث المستفيضة، بل المتواترة التي رواها الشيعة والجمهور المتضمّنة أنَّ الإمام المهدي من ذرّية الإمام الحسين صلوات الله عليه(125)، لوضوح أنَّه ليس في الأئمّة الثمانية الذين ثبتت إمامتهم بالأدلَّة الخاصّة عليهم (عليهم السلام) من هو المهدي، فلا بدَّ أن يكون المهدي ابناً للإمام الثامن منهم، وهو الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
الطائفة الرابعة: ما تضمَّن أنَّ المهدي هو آخر الأئمّة أو من ذرّيتهم:
الأحاديث الكثيرة المتضمّنة أنَّ الإمام المهدي صلوات الله عليه هو آخر الأئمّة الاثني عشـر صلوات الله عليهم، أو آخر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(125) راجع: الإمامة والتبصـرة: 110 - 112/ باب إنَّ المهدي من ولد الحسين (عليه السلام)/ ح 96 - 99؛ الهداية الكبرى: 377؛ كامل الزيارات: 115 و116/ ح (125/10)؛ أمالي الصدوق: 78/ ح (45/3)؛ علل الشـرائع 1: 96 - 98/ باب 85/ ح 6؛ عيون أخبار الرضا 2: 71/ ح 293؛ كمال الدين: 240 و241/ باب 22/ ح 64؛ معاني الأخبار: 90 و91/ باب معنى الثقلين والعترة/ ح 4؛ الغيبة للنعماني: 67 و68/ باب 4/ ح 2؛ كفاية الأثر: 188 و199 و250؛ الاختصاص: 257؛ الغيبة للطوسي: 189/ ح 151؛ روضة الواعظين: 100؛ بحار الأنوار 51: 34 و35/ ح 3؛ وغيرها من المصادر الكثيرة جدَّاً.
وراجع من مصادر الجمهور كلّ من: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 281 و282؛ عقد الدرر: 223؛ ميزان الاعتدال 2: 382/ الرقم 4160؛ لسان الميزان 3: 237/ الرقم 1052؛ الكشف الحثيث: 147 و148/ الرقم 372؛ الفتن للمروزي: 229؛ ينابيع المودَّة 2: 210/ ح 609؛ وغيرها من المصادر.

(١٥١)

الأئمّة من ذرّية الحسين (عليه السلام)، أو التاسع منهم صلوات الله عليهم، أو أنَّه من ذرّية بعض الأئمّة السابقين من دون تحديد طبقته في النسب، وهي أحاديث كثيرة رواها الشيعة والجمهور، لظهور أنَّه إذا كان الحادي عشـر من الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم، والثامن من ذرّية الحسين (عليه السلام) منهم هو الإمام الحسن العسكري صلوات الله عليه، وكانت الإمامة تجري في الأعقاب كما سيأتي في الطائفة التاسعة، فلا بدَّ من كون المهدي صلوات الله عليه ابناً له.
الطائفة الخامسة: ما تضمَّن خروج المهدي آخر الزمان:
ما تضمَّن أنَّ الإمام المهدي صلوات الله عليه يظهر آخر الزمان، أو بعد غيبة طويلة، ويأس، وهرج ومرج، وامتلاء الأرض ظلماً وجوراً، ونحو ذلك ممَّا استفاض في أحاديث الشيعة والجمهور، لظهور أنَّه بعد جريان الإمامة في الأعقاب من الوالد لولده كما سيأتي في الطائفة التاسعة، فلا بدَّ أن يكون هذا الإمام ابناً للإمام الحسن العسكري صلوات الله عليه الذي ثبتت له الإمامة بالأدلَّة الخاصّة عليه.
الطائفة السادسة: ما تضمَّن تحديد طبقة المهدي في النسب:
بعض الأحاديث الواردة عن آبائه صلوات الله عليهم المتضمّنة لتحديد طبقته في النسب أو في الإمامة، مثل:
1 - ما روي عن زيد بن وهب، عن أبي جحيفة والحارث بن عبد الله الهمداني والحارث بن شرب كلّ حدَّثنا أنَّهم كانوا عند علي بن أبي طالب (عليه السلام) فكان إذا أقبل ابنه الحسن، قال: «مرحباً يابن رسول الله»، وإذا أقبل الحسين يقول: «بأبي أنت يا أبا ابن خيرة الإماء».

(١٥٢)

فقيل: يا أمير المؤمنين، ما بالك تقول هذا للحسن وهذا للحسين؟ ومن ابن خيرة الإماء؟
فقال: «ذاك الفقيد الطريد الشـريد (م ح م د) بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين هذا - ووضع يده على رأس الحسين (عليه السلام) -»(126).
2 - حديث أبي حمزة الثمالي، قال: كنت عند أبي جعفر محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) ذات يوم، فلمَّا تفرَّق من كان عنده قال لي: «يا أبا حمزة، من المحتوم الذي لا تبديل له عند الله قيام قائمنا، فمن شكَّ فيما أقول لقي الله سبحانه وهو به كافر وله جاحد».
ثمّ قال: «بأبي وأُمّي المسمّى باسمي، والمكنّى بكنيتي، السابع من بعدي، بأبي من يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً».
ثمّ قال: «يا أبا حمزة، من أدركه فلم يسلِّم له فما سلَّم لمحمّد وعلي (عليهما السلام)، وقد حرَّم الله عليه الجنَّة، ومأواه النار وبئس مثوى الظالمين»(127).
3 - حديث صفوان بن مهران، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنَّه قال: «من أقرَّ بجميع الأئمّة وجحد المهدي كان كمن أقرَّ بجميع الأنبياء وجحد محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نبوَّته».
فقيل له: يا ابن رسول الله، فمن المهدي من ولدك؟
قال: «الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه ولا يحلُّ لكم تسميته»(128).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(126) بحار الأنوار 51: 110 و111/ ح 4، عن مقتضب الأثر: 31.
(127) الغيبة للنعماني: 88 و89/ باب 4/ ح 17.
(128) كمال الدين: 333/ باب 33/ ح 1.

(١٥٣)

والمراد بالسابع هو سابع الأئمّة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، وليس الخامس من ولده من الأئمّة إلَّا الإمام المهدي الحجَّة بن الحسن صلوات الله عليهما.
4 - ونحوه حديث عبد الله بن أبي يعفور، قال: قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): «من أقرَّ بالأئمّة من آبائي وولدي وجحد المهدي من ولدي كان كمن أقرَّ بجميع الأنبياء وجحد محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نبوَّته».
فقلت: يا سيّدي، ومن المهدي من ولدك؟
قال: «الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه، ولا يحلُّ لكم تسميته»(129).
5 - حديث السيّد الحميري الشاعر، في حديث طويل يقول فيه: قلت للصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام): يا ابن رسول الله، قد روي لنا أخبار عن آبائك (عليهم السلام) في الغيبة وصحَّة كونها فأخبرني بمن تقع؟
فقال (عليه السلام): «إنَّ الغيبة ستقع بالسادس من ولدي، وهو الثاني عشـر من الأئمّة الهداة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أوَّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم بالحقّ، بقيّة الله في الأرض، وصاحب الزمان، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتَّى يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(130).
6 - حديث سليمان الديلمي [عن النوشجان بن البودمردان](131)، قال:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(129) كمال الدين: 338/ باب 33/ ح 12.
(130) كمال الدين: 342/ باب 33/ ح 23.
(131) ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر المطبوع.

(١٥٤)

لـمَّا جلى الفرس عن القادسية وبلغ يزدجرد بن شهريار ما كان من رستم وإدالة العرب عليه وظنَّ أنَّ رستم قد هلك والفرس جميعاً وجاء مبادر وأخبره بيوم القادسية وانجلائها عن خمسين ألف قتيل، خرج يزدجرد هارباً في أهل بيته ووقف بباب الإيوان، وقال: (السلام عليك أيّها الإيوان، ها أنا ذا منصـرف عنك وراجع إليك، أنا أو رجل من ولدي لم يدنُ زمانه ولا آنَ أوانه).
قال سليمان الديلمي: فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فسألته عن ذلك وقلت له: ما قوله: (أو رجل من ولدي)؟
فقال: «ذلك صاحبكم القائم بأمر الله (عزَّ وجلَّ) السادس من ولدي، قد ولده يزدجرد فهو ولده»(132).
7 - حديث أبي الهيثم بن أبي حبَّة، عنه (عليه السلام) أنَّه قال: «إذا اجتمعت ثلاثة أسماء متوالية محمّد وعلي والحسن فالرابع القائم»(133).
وقريب منه أو عينه حديث أبي الهيثم التميمي(134).
8 - وحديث علي بن جعفر، عن أخيه الإمام الكاظم (عليه السلام) أنَّه قال: «إذا فُقِدَ الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلنَّكم أحد عنها، يا بني إنَّه لا بدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتَّى يرجع عن هذا الأمر من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(132) بحار الأنوار 51: 164، عن مقتضب الأثر: 40 و41.
(133) كمال الدين: 333 و334/ باب 33/ ح 2.
(134) عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همّام، قال: حدَّثنا أحمد بن مابنداذ، قال: أخبرنا أحمد بن هلال، قال: حدَّثني أُميّة بن علي القيسـي، عن أبي الهيثم التميمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا توالت ثلاثة أسماء: محمّد وعلى والحسن، كان رابعهم قائمهم». (كمال الدين: 334/ باب 33/ ح 3).

(١٥٥)

كان يقول به، إنَّما هي محنة من الله (عزَّ وجلَّ) امتحن بها خلقه، ولو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحُّ من هذه لاتَّبعوه».
فقلت: يا سيّدي، وما الخامس من ولد السابع؟
فقال: «يا بني، عقولكم تضعف عن ذلك وأحلامكم تضيق عن حمله ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه»(135).
9 - وحديث يونس بن عبد الرحمن، قال: دخلت على موسى بن جعفر (عليهما السلام)، فقلت له: يا ابن رسول الله، أنت القائم بالحقّ؟
فقال: «أنا القائم بالحقّ ولكن القائم الذي يطهِّر الأرض من أعداء الله (عزَّ وجلَّ) ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتدُّ فيها أقوام ويثبت فيها آخرون».
ثمّ قال: «طوبى لشيعتنا، المتمسّكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أُولئك منّا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمّة، ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم، ثمّ طوبى لهم، وهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة»(136).
10 - حديث الحسين بن خالد، قال: قال علي بن موسى الرضا (عليهما السلام): «لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقيّة له، إنَّ أكرمكم عند الله أعملكم بالتقيّة».
فقيل له: يا ابن رسول الله، إلى متى؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(135) كمال الدين: 359 و360/ باب 34/ ح 1.
(136) كمال الدين: 361/ باب 34/ ح 5.

(١٥٦)

قال: «إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت، فمن ترك التقيّة قبل خروج قائمنا فليس منّا».
فقيل له: يا ابن رسول الله، ومن القائم منكم أهل البيت؟
قال: «الرابع من ولدي ابن سيّدة الإماء، يطهّر الله به الأرض من كلّ جور، ويقدّسها من كلّ ظلم، [وهو] الذي يشكُّ الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره، ووضع ميزان العدل بين الناس فلا يظلم أحد أحداً، وهو الذي تطوي له الأرض ولا يكون له ظلّ، وهو الذي ينادي منادٍ من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه يقول: ألَا إنَّ حجَّة الله قد ظهر عند بيت الله فاتَّبعوه، فإنَّ الحقَّ معه وفيه، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ﴾ [الشعراء: 4]».
11 - حديث الريّان بن الصلت، عنه (عليه السلام) في وصف القائم (عليه السلام)، وفيه: «ذاك الرابع من ولدي، يغيّبه الله في ستره ما شاء...»(137).
12 - حديث عبد العظيم الحسني، عن الإمام الجواد (عليه السلام)، وفيه: «إنَّ القائم منّا هو المهدي الذي يجب أن يُنتظَر في غيبته ويُطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي...»(138).
الطائفة السابعة: ما تضمَّن أنَّ الأرض لا تخلو من إمام وحجَّة على الناس:
ويؤكّد ذلك كلّه ما يستفاد من الأحاديث الكثيرة من أنَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(137) كمال الدين: 376/ باب 35/ ح 7.
(138) كمال الدين: 377/ باب 36/ ح 1.

(١٥٧)

الأرض لا تخلو من إمام وحجَّة من الله تعالى على خلقه، إمَّا ظاهر مشهور أو خائف مغمور(139).
وكذلك قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إنَّ في كلّ خلف من أُمَّتي عدلاً من أهل بيتي ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وإن أئمَّتكم قادتكم إلى الله (عزَّ وجلَّ)، فانظروا بمن تقتدون في دينكم وصلاتكم»(140).
الطائفة الثامنة: ما تضمَّن أنَّ سلاح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يكون إلاَّ عند الإمام:
وهي أحاديث كثيرة، منها:
1 - وفي حديث الحسن بن أبي سارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «السلاح فينا بمنزلة التابوت إذا وُضِعَ التابوت على باب رجل من بني إسرائيل علم بنو إسرائيل أنَّه قد أُوتي الملك. وكذلك السلاح حيثما دارت دارت الإمامة»(141).
2 - وفي حديث سعيد السمّان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل، في أيّ بيت وُجِدَ التابوت على أبوابهم أُوتوا النبوَّة، ومن صار إليه السلاح منّا أُوتى الإمامة، ولقد لبس أبي درع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فخطَّت على الأرض خطيطاً، ولبستها أنا فكانت وكانت، وقائمنا من إذا لبسها ملأها إن شاء الله»(142).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(139) راجع (ص 183) تحت عنوان: (وجوب معرفة الإمام والتسليم له).
(140) كمال الدين: 221/ باب 22/ ح 7.
(141) بحار الأنوار 26: 217/ ح 32، عن بصائر الدرجات: 202/ ح 27.
(142) الكافي 1: 233/ باب ما عند الأئمّة (عليهم السلام) من سلاح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)/ ح 1.

(١٥٨)

3 - حديث محمّد بن حكيم، عن أبي إبراهيم (عليه السلام): «قال: السلاح موضوع عندنا، مدفوع عنه...»(143).
4 - حديث صفوان، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: «كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: إنَّما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل، حيثما دار التابوت أُوتوا النبوَّة. وحيثما دار السلاح فينا فثَمَّ الأمر»، قلت: فيكون السلاح مزايلاً للعلم؟ قال: «لا»(144).
الطائفة التاسعة: ما تضمَّن جريان الإمامة في الأعقاب:
 ويضاف إلى ما مرَّ من الطوائف ما استفاضت به النصوص من آبائه صلوات الله عليهم بأنَّ الإمامة بعد الحسن والحسين صلوات الله عليهما تكون في الأعقاب، وتنتقل من الوالد لولده، ولا تكون في أخ ولا عمّ ولا خال، منها:
1 - وقد ورد عن الإمام الباقر والصادق (عليهما السلام) عدَّة من هذه الأحاديث، ففي حديث أبي حمزة، عنه (عليه السلام)، قال: قال: «يا أبا حمزة، إنَّ الأرض لن تخلو إلَّا وفيها عالم منّا، فإن زاد الناس قال: قد زادوا، وإن نقصوا قال: قد نقصوا. ولن يخرج الله ذلك العالم حتَّى يرى في ولده من يعلم مثل علمه، أو ما شاء الله»(145).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(143) الكافي 1: 235/ باب ما عند الأئمّة من سلاح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)/ ح 6.
(144) الكافي 1: 238/ باب أنَّ مثل سلاح رسول الله مثل التابوت في بني إسرائيل/ ح 3.
(145) رواه الطوسي (رحمه الله) عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن علي الخزّاز، عن عمر بن أبان، عن الحسن بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام). (الغيبة للطوسي: 222 و223/ ح 185).

(١٥٩)

2 - وفي حديث أبي بصير، عنه (عليه السلام): في قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: 28]: «إنَّها في الحسين (عليه السلام) ينتقل من ولد إلى ولد، ولا ترجع إلى أخ ولا عمّ»(146).
3 - وفي حديث هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت: فهل تكون الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام)؟
قال: «لا إنَّما هي جارية في عقب الحسين (عليه السلام)، كما قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: 28]، ثمّ هي جارية في الأعقاب وأعقاب الأعقاب إلى يوم القيامة»(147).
4 - وفي حديث الحسين بن ثوير، عنه (عليه السلام)، قال : لا تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين أبداً، إنَّما جرت من علي بن الحسين، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَأُولُوا الْأَرحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ﴾ [الأنفال: 75]، فلا تكون بعد علي بن الحسين (عليه السلام) إلَّا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب»(148).
إشكال وجواب:
إن قلت: إنَّ الكثير من هذه الأحاديث قد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) والأئمّة من أولاده (عليهم السلام)، ولا مجال للاستدلال بأقوالهم على إمامتهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(146) رواه الصدوق (رحمه الله) عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن سنان، عن أبي سلام، عن سورة بن كليب، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام). (بحار الأنوار 25: 253/ ح 12، عن كمال الدين: 415/ باب 40/ ح 4).
(147) كمال الدين: 416 و417/ باب 40/ ح 9.
(148) الكافي 1: 285 و286/ باب ثبات الإمامة في الأعقاب.../ ح 2.

(١٦٠)

قلت:
أوَّلاً: من المعلوم أنَّ أقوالهم في مثل هذا الأمر التوقيفي لا تكون إلَّا بأخذهم له عن آبائهم (عليهم السلام)، فتكون أقوالهم فيه بحكم أحاديثهم وروايتهم عن آبائهم (عليهم السلام)، وتضاف إلى بقيّة الأحاديث السابقة.
وثانياً: أنَّ الإمام الباقر (عليه السلام) قد ثبتت إمامته بمقتضـى الأدلَّة الخاصّة عليه(149)، ولذا صحَّ منّا الاستدلال بالنصّ على إمامة ولده

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(149) بعض النصوص الدالّة على إمامة أبي جعفر الباقر (عليه السلام):
عن محمّد بن الحسن، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام)، قال: «إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال ذات يوم لجابر بن عبد الله الأنصاري: يا جابر، إنَّك ستبقى حتَّى تلقى ولدي محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، المعروف في التوراة بالباقر، فإذا لقيته فاقرئه منّي السلام. فدخل جابر إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) فوجد محمّد بن علي (عليهما السلام) عنده غلاماً، فقال له: يا غلام أقبل فأقبل، ثمّ قال له: أدبر فأدبر، فقال جابر: شمائل رسول الله وربّ الكعبة، ثمّ أقبل على علي بن الحسين (عليهما السلام) فقال له: من هذا؟ قال: هذا ابني، وصاحب الأمر بعدي محمّد الباقر...». (أمالي الصدوق: 434 و435/ ح 575/9).
عن أحمد بن محمّد بن عبيد الله، عن عبد الله الواسطي، عن محمّد بن أحمد الجمحي، عن هارون بن يحيى، عن عثمان بن عثمان بن خالد، عن أبيه، قال: مرض علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) في مرضه الذي توفّي فيه، فجمع أولاده محمّداً والحسن وعبد الله وعمر وزيداً والحسين، وأوصى إلى ابنه محمّد بن علي، وكنّاه الباقر، وجعل أمرهم إليه، وكان فيما وعظه في وصيَّته أن قال: «يا بني، إنَّ العقل رائد الروح، والعلم رائد العقل، والعقل ترجمان العلم، واعلم أنَّ العلم أبقى، واللسان أكثر هذراً...». (بحار الأنوار 46: 230 و231/ ح 7، عن كفاية الأثر: 239 و240).
وعن المفضَّل الشيباني، عن أبي بشـر الأسدي، عن خاله أبي عكرمة ابن عمران الضبي، عن محمّد بن المفضَّل الضبي، عن أبيه المفضَّل بن محمّد، عن مالك بن أعين الجهني، قال: أوصى علي بن الحسين (عليه السلام) ابنه محمّد بن علي (عليه السلام)، فقال: «بني إنّي جعلتك خليفتي من بعدي، لا يدَّعي فيما بيني وبينك أحد إلَّا قلَّده الله يوم القيامة طوقاً من نار، فاحمد الله على ذلك واشكره...». (بحار الأنوار 46: 231 و232/ ح 8، عن كفاية الأثر: 241).

(١٦١)

الإمام الصادق (عليه السلام)(150).
وعلى ذلك لم يظهر للإمام الصادق (عليه السلام) منازع في الإمامة من إخوته،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(150) بعض النصوص الدالّة على إمامة أبي عبد الله الصادق (عليه السلام):
عن علي بن الحسن، عن محمّد بن الحسين الكوفي، عن أحمد بن هوذة بن أبي هراسة أبي سليمان الباهلي، عن إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، عن عبد الله بن حماد، عن أبي مريم عبد الغفّار بن القاسم، قال: دخلت على مولاي الباقر (عليه السلام)... إلى أن قال: قلت: فإن كان هذا كائن يا ابن رسول الله فإلى من بعدك؟ قال: «إلى جعفر، وهو سيّد أولادي وأبو الأئمّة، صادق في قوله وفعله...». (بحار الأنوار 36: 358 و359/ ح 228، عن كفاية الأثر: 250 - 252).
وعن علي بن الحسن، عن هارون بن موسى، عن علي بن محمّد بن مخلَّد، عن الحسن بن علي بن بزيع، عن يحيى بن الحسن بن فرات، عن علي بن هاشم بن البريد، عن محمّد بن مسلم، قال: كنت عند أبي جعفر محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) إذ دخل جعفر ابنه، وعلى رأسه ذؤابة، وفي يده عصا يلعب بها، فأخذه الباقر (عليه السلام) وضمَّه إليه ضمَّاً، ثمّ قال: «بأبي أنت وأُمّي لا تلهو ولا تلعب»، ثمّ قال لي: «يا محمّد، هذا إمامك بعدي، فاقتد به، واقتبس من علمه، والله إنَّه لهو الصادق الذي وصفه لنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)...». (بحار الأنوار 47: 15/ ح 12، عن كفاية الأثر: 253 و254).
وعن علي بن الحسن الرازي، عن محمّد بن القاسم، عن جعفر بن الحسين بن علي، عن عبد الوهّاب، عن أبيه همّام بن نافع، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) لأصحابه يوماً: «إذا افتقدتموني فاقتدوا بهذا، فهو الإمام والخليفة بعدي - وأشار إلى أبي عبد الله (عليه السلام) -». (بحار الأنوار 47: 15/ ح 13، عن كفاية الأثر 254).

(١٦٢)

بل لم يظهر له منازع في دعوى النصّ حتَّى من غير إخوته، وإنَّما قالت الزيدية بإمامة عمّه زيد، لدعوى أنَّ الإمامة فيمن خرج بالسيف من أهل البيت (عليهم السلام) لا بالنصّ، ويظهر بطلان ذلك من خلال عشـرات الروايات التي دلَّت على ضرورة أن تكون الإمامة بالنصّ.
وهكذا لم يدَّعِ أحد الإمامة بعد شهادة الإمام الصادق (عليه السلام) لأحد من أولاده غير الإمام الكاظم إلَّا إسماعيل وعبد الله الأفطح.
بطلان إمامة إسماعيل:
إلَّا أنَّه يبطل إمامة إسماعيل موته في حياة أبيه الإمام الصادق (عليه السلام)، ولا إمامة له في حياة أبيه (عليه السلام) لتنتقل في عقبه، بل صُرِّحَ بعدم إمامته في كثير من النصوص(151). مع أنَّ القائلين بإمامته يزيدون في عدد الأئمّة على الاثني عشـر، فيبطل قولهم الأحاديث الكثيرة التي رواها الشيعة والجمهور، والتي تزيد على التواتر، وقد تقدَّمت الإشارة إليها في الفصل الأوَّل.
بطلان إمامة عبد الله الأفطح:
وأمَّا عبد الله الأفطح فيبطل إمامته أن لا قائل بالإمامة في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(151) روى الصفّار (رحمه الله) بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «سألته وطلبت وقضيت إليه أن يجعل هذا الأمر إلى إسماعيل فأبى الله إلَّا أن يجعله لأبي الحسن موسى (عليه السلام)». (بصائر الدرجات: 492/ باب 22/ ح 11).
وروى زيد النرسي في كتابه عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إنّي ناجيت الله ونازلته في إسماعيل ابني أن يكون من بعدي فأبى ربّي إلَّا أن يكون موسى ابني». (بحار الأنوار 47: 269/ ح 42، الأُصول الستّة عشـر: 196 و197/ ح 167/14).

(١٦٣)

عقبه، بل من قال بإمامته إمَّا أن يتوقَّف بالإمامة عنده، أو ينتقل بالإمامة منه إلى أخيه الإمام الكاظم (عليه السلام).
ويبطل الأوَّل(152) النصوص المشار إليها، المتضمّنة أنَّ الأئمّة اثنا عشـر، على اختلاف ألسنتها.
كما يبطل الثاني(153) أُمور:
1 - نصوص جريان الإمامة في الأعقاب، وأنَّها لا تنتقل إلى الأخ والعمّ والخال وقد مرَّ ذكرها.
2 - أنَّ من بعده من الأئمّة (عليهم السلام) مجمعون على بطلان إمامته، كما يشهد بذلك النصوص الواردة عنهم في تعداد الأئمّة (عليهم السلام)، وإجماع شيعتهم.
3 - أنَّه لو كان إماماً متوسّطاً بين أبيه وأخيه (عليهما السلام) لزم كون الإمام الثاني عشـر هو الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وهو باطل قطعاً:
أوَّلاً: للإجماع والنصوص الكثيرة التي رواها الشيعة والجمهور المتضمّنة أنَّ الإمام الثاني عشـر اسمه اسم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم). وكذا النصوص الكثيرة الدالّة على أنَّ المهدي اسمه اسم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وثانياً: لأنَّه (عليه السلام) قد توفّي، فيلزم خلوّ الأرض عن الإمام، وهو ممتنع بمقتضـى النصوص الكثيرة الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) كما سيأتي(154).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(152) أي توقّف الإمامة عنده.
(153) أي انتقال الإمامة منه إلى أخيه الإمام الكاظم (عليه السلام).
(154) راجع (ص 183)، تحت عنوان: (وجوب معرفة الإمام والتسليم له).

(١٦٤)

4 - أنَّ هذه الطائفة قد انقرضت، ولم يبقَ لها جماعة ظاهرة تحمل دعوتها.
وبذلك يتعيَّن انتقال الإمامة من الإمام الصادق (عليه السلام) إلى الإمام الكاظم (عليه السلام) رأساً من دون توسّط عبد الله في البين.
بطلان إمامة جعفر بن الإمام علي الهادي (عليه السلام):
نعم ادَّعاها أو ادُّعيت لجعفر أخو الإمام الحسن العسكري بعد مضيّه (عليه السلام)، لدعوى أنَّ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) لا ولد له.
إمَّا على أن يكون جعفر هو الإمام من بعد أخيه الإمام الحسن (عليه السلام)، وإمَّا على أن يكون موت الإمام الحسن (عليه السلام) من دون ولد كاشفاً عن بطلان إمامته، إذ لا بدَّ في الإمام قبل الثاني عشـر من وجود عقب له، لأنَّ الإمامة بعد الحسن والحسين (عليهما السلام) تجري في الأعقاب، ولا تنتقل إلى أخ ولا عمّ ولا خال كما مرَّ، فلا بدَّ من انتقال الإمامة من الإمام علي الهادي (عليه السلام) إلى جعفر رأساً. وعلى كلّ حال لم يدَّعِ أحد النصّ على جعفر ابتداءً.
لكن حيث ثبت بالأدلَّة القاطعة وجود الخلف للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وإمامته، تعيَّن بطلان الشبهة المذكورة التي تبتني عليها إمامة جعفر.
ويؤكّد ذلك أمران:
الأوَّل: ما ثبت من عدم أهلية شخص جعفر للإمامة، فضلاً عن أن تكون الإمامة في عقبه(155).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(155) عن أبي خالد الكابلي، عن زين العابدين (عليه السلام) أنَّه قال:
«... حدَّثني أبي، عن أبيه (عليهما السلام) أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: إذا وُلِدَ ابني جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) فسمّوه الصادق، فإنَّ للخامس من ولده ولداً اسمه جعفر يدَّعي الإمامة اجتراءً على الله وكذباً عليه، فهو عند الله جعفر الكذّاب المفتري على الله (عزَّ وجلَّ)، والمدَّعي لما ليس له بأهل، المخالف على أبيه، والحاسد لأخيه، ذلك الذي يروم كشف ستر الله عند غيبة وليّ الله (عزَّ وجلَّ)»، ثمّ بكى علي بن الحسين (عليهما السلام) بكاءً شديداً، ثمّ قال: «كأنّي بجعفر الكذّاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر وليّ الله، والمغيَّب في حفظ الله، والتوكيل بحرم أبيه، جهلاً منه بولادته، وحرصاً منه على قتله إن ظفر به، وطمعاً في ميراثه حتَّى يأخذه بغير حقّه...». (كمال الدين: 319 و320/ باب 31/ ح 2).
وعن محمّد بن عبد الحميد البزّاز وأبى الحسن محمّد بن يحيى ومحمّد بن ميمون الخراساني والحسين بن مسعود الفزاري: أنَّ أبا محمّد (عليه السلام) كان يقول لنا بعد أبي الحسن (عليه السلام): «الله الله أن يظهر لكم أخي جعفر على شرّ، فوَالله ما مثلي ومثله إلَّا مثل هابيل وقابيل ابني آدم، حيث حسد قابيل هابيل على ما أعطاه الله لهابيل من فضله فقتله، ولو تهيَّأ لجعفر قتلى لفعل، ولكن الله غالب على أمره». (الهداية الكبرى: 382).
وعن أحمد بن إسحاق أنَّه خرج عن صاحب الزمان (عليه السلام): «... وقد ادَّعى هذا المبطل المفتري على الله الكذب بما ادَّعاه، فلا أدري بأيَّة حالة هي له رجاء أن يتمّ دعواه، أبفقه في دين الله؟ فوَالله ما يعرف حلالاً من حرام ولا يفرِّق بين خطأ وصواب، أم بعلم فما يعلم حقّاً من باطل، ولا محكماً من متشابه، ولا يعرف حدِّ الصلاة ووقتها، أم بورع فالله شهيد على تركه الصلاة الفرض أربعين يوماً، يزعم ذلك لطلب الشعوذة، ولعلَّ خبره قد تأدّى إليكم، وهاتيك ظروف مسكره منصوبة، وآثار عصيانه لله (عزَّ وجلَّ) مشهورة قائمة، أم بآية فليأتِ بها، أم بحجَّة فليقمها، أو بدلالة فليذكرها...». (الغيبة للطوسي: 289/ ح 246).

(١٦٥)

الثاني: أنَّ القائلين بإمامة جعفر قد انقرضوا، ولم يبقَ لهذه الدعوة من يحملها ويدعو لها.
ومن هنا لا مخرج عمَّا يقضـي بإمامة الإمام أبي محمّد الحسن العسكري صلوات الله عليه.

(١٦٦)

وبعد كلّ هذه الطوائف من الأحاديث الدالّة والمؤيّدة على إمامة الإمام المهدي (عليه السلام) كيف يشكّ الشاكّ في إمامته صلوات الله عليه، ويجادل المجادل فيها؟!
ولذا يظهر من كثير من النصوص أنَّه يكفي في ثبوت إمامته (عجَّل الله فرجه) معرفة أنَّه (عليه السلام) قد وُلِدَ، وأنَّه موجود بسبب تعمّد التكتّم في ذلك، خوفاً عليه (عليه السلام)، ولذا اقتصـر في كثير من الأحاديث والنصوص التاريخية على بيان ولادته ووجوده صلوات الله عليه، وعلى شهادة جماعة برؤيتهم له (عجَّل الله فرجه)، بل طوائف الأحاديث السابقة وحدها قاضية بوجوده الشـريف، وكافية في قيام الحجَّة على ذلك.
لماذا كان الشيعة يسألون عن الإمام المهدي (عليه السلام):
وإنَّما وقع السؤال عنه من الشيعة وبُيِّنَ لهم:
إمَّا لعدم وضوح بعض ما سبق من الأحاديث لبعض الناس، بسبب عدم اطّلاعهم عليها، لكونها في صدور الرجال من دون أن تنتشـر انتشاراً كافياً في قيام الحجَّة.
وإمَّا طلباً للمزيد منها.
وإمَّا تأكيداً للحجَّة عليهم استظهاراً.
وإمَّا لأنَّ الأُمور الحسّية أوقع في النفس من الحسابات العقلية والأُمور الغيبية.
وفي حديث لعبد الله بن جعفر الحميري، قال: اجتمعت أنا

(١٦٧)

والشيخ أبو عمرو (رحمه الله)(156) عند أحمد بن إسحاق...، فقلت له: يا أبا عمرو، إنّي أُريد أن أسألك عن شيء. وما أنا بشاكّ فيما أُريد أن أسألك عنه، فإنَّ اعتقادي وديني أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة...، ولكنّي أحببت أن أزداد يقيناً، وإنَّ إبراهيم (عليه السلام) سأل ربَّه (عزَّ وجلَّ) أن يريه كيف يحيي الموتى، ﴿قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: 260]، وقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: سألته وقلت: من أُعامل، أو عمَّن آخذ، وقول من أقبل؟ فقال له: «العمري ثقتي، فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنَّه الثقة المأمون».
وأخبرني أبو علي أنَّه سأل أبا محمّد (عليه السلام) عن مثل ذلك، فقال له: «العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان، وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنَّهما الثقتان المأمونان»، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك.
قال: فخرَّ أبو عمرو ساجداً، وبكى، ثمّ قال: سل حاجتك.
فقلت له: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمّد (عليه السلام)؟
فقال: إي والله، ورقبته مثل ذا - وأومأ بيده -.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(156) أبو عمرو هذا هو عثمان بن سعيد العمري السمّان، أوَّل نوّاب الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه)، وكان قبل ذلك من وكلاء جدّه الإمام أبي الحسن علي بن محمّد الهادي، وأبيه أبي محمّد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليهما. وابنه هو أبو جعفر محمّد بن عثمان - المعروف بالخلَّاني - وهو ثاني نوّاب الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه)، وكان من قبل ذلك من وكلاء أبيه الإمام أبي محمّد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليه.

(١٦٨)

فقلت له: فبقيت واحدة.
فقال لي: هات.
قلت: فالاسم؟
قال: محرَّم عليكم أن تسألوا عن ذلك. ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أُحلِّل، ولا أُحرِّم، ولكن عنه (عليه السلام)، فإنَّ الأمر عند السلطان أنَّ أبا محمّد مضـى ولم يخلف ولداً، وقسّم ميراثه، وأخذه من لا حقَّ له فيه. وهو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسـر أن يتعرَّف إليهم، أو ينيلهم شيئاً، وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتَّقوا الله وأمسكوا عن ذلك(157).
هذا ما وسعنا من الكلام في النصوص الدالّة على إمامة الإمام المنتظر الحجَّة المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشـريف)، والحديث في ذلك طويل جدَّاً متشعّب، ولا يسعنا استقصاؤه، وقد أُلِّفت فيه كتب كثيرة، فليرجع إليها من أراد المزيد.
أسباب ترجيح فرقة الإمامية على سائر الفِرَق:
الأوَّل: بقاء الشيعة الإمامية وظهور دعوتهم، وسماع صوتهم بنحو يصلح لتنبيه الغافل ورفع عذره، واندثار كثير من الفِرَق التي شغلت الساحة في بعض الفترات الزمنية المحدودة، كالفطحية والواقفة وغيرهما.
الثاني: ما تضمَّن أنَّ الأرض لا تخلو من إمام تجب معرفته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(157) الكافي: 329 و330/ باب في تسمية من رآه (عليه السلام)/ ح 1.

(١٦٩)

وطاعته(158)، وأنَّ ذلك يناسب كون الإمامة بالنصّ، بنحو لا يحتاج إلى أمر قد لا يحصل، كبيعة الناس للشخص، كما يقول به الجمهور، والخوارج، وكجهاده بالسيف، كما ينسب للزيدية، وغير ذلك.
الثالث: ما تضمَّن أنَّ الأئمّة اثنا عشـر، خصوصاً بعد ما تقدَّم من نصوص الإمامة، من ظهور جملة كثيرة من النصوص في أنَّ الإمامة عهد معهود من الله، عهده إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وبلَّغ به النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من بعده.
الرابع: قاعدة اللطف القاضية بعصمة الإمام (عليه السلام)(159).
فإنَّ هذه الأُمور بمجموعها تكفي في ترجيح فرقة الإمامية على غيرها من الفِرَق التي تدين بأنَّ الحقّ لأهل البيت (عليهم السلام) والإمامة فيهم، بل على جميع فِرَق المسلمين.
وإذا ثبت أنَّها هي الفرقة المحقّة الناجية من بين هذه الفِرَق كان إجماعها وتسالمها في أمر الإمامة حجَّة، لئلَّا يلزم ضلال الأُمَّة بأجمعها، وحينئذٍ تثبت إمامة من تسالمت وأجمعت على إمامته من الأئمّة الاثني عشـر، بنحو يغني عن تواتر النصّ على إمامة كلّ منهم، لو فُرِضَ عدم حصوله، وكفى بهذا قرينة قاطعة شاهدة بصدق النصوص المتقدّمة على إمامتهم صلوات الله عليهم.
ونحن على قناعة تامّة بأنَّ ما ذكرناه كافٍ في قيام الحجَّة المعذّرة مع الله سبحانه وتعالى يوم نفد عليه، ونوقف بين يديه و ﴿الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(158) راجع (ص 183)، تحت عنوان: (وجوب معرفة الإمام والتسليم له).
(159) سيأتي توضيحها في الخاتمة، فراجع.

(١٧٠)

لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف: 43]، ونسأله بمنّه وفضله أن يثبّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يعصمنا في مهاوي الهلكات، إنَّه أرحم الراحمين، ووليّ المؤمنين.
الإمام المهدي (عليه السلام) عند المسلمين جميعاً واحد:
قد يطرح البعض تساؤلاً مفاده: هل الإمام المهدي المنتظر عند السُّنَّة هو غير الإمام المهدي عند الشيعة؟ وهل يمكن القول بصحَّة الرأيين معاً أم لا؟ وما وجه الصواب أهو عند السُّنَّة أم عند الشيعة؟
الجواب: يحسن التعرّض في جواب ذلك لأُمور:
1 - الإمام المهدي المنتظر عند المسلمين جميعاً واحد، وهو الذي أخبر عنه النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمّة (عليهم السلام) من بعده، وإنَّما الخلاف بين المسلمين:
أوَّلاً: في نسبه، فقد أجمع الشيعة على أنَّه من ذرّية الإمام أبي عبد الله الحسين السبط الشهيد صلوات الله عليه، وأنَّه تاسع الأئمّة من ذرّيته، وآخر الأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام).
ووافقهم على ذلك جماعة من علماء السُّنَّة، ويشهد له أخبار كثيرة عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمّة من آله صلوات الله عليهم دلَّت على ذلك نصَّاً، أو استفيد منها بضميمة أدلَّة أُخر.
وذهب جمع آخرون من علماء السُّنَّة إلى أنَّه من ذرّية الإمام أبي محمّد الحسن السبط الزكي صلوات الله عليه، لأخبار رووها عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

(١٧١)

وثانياً: في أنَّه هل وُلِدَ، وهو موجود فعلاً، أو لا، بل سوف يولد عند أوان قيامه؟
وقد أجمع الإمامية على الأوَّل، واعتقدوا أنَّه الإمام الغائب الذي ينتظر إذن الله تعالى له بالظهور. ووافقهم على ذلك أيضاً جماعة من علماء السُّنَّة، وذهب جماعة كثيرة من علماء السُّنَّة إلى الثاني.
والإمامية ومن وافقهم يحتجّون بأخبار وأدلَّة قامت على ولادته، أمَّا الفريق الثاني فالظاهر أنَّه ليس له أدلَّة تنفي ولادته، بل هو لم ينظر في أدلَّة الإمامية على ولادته، أو لم يقتنع بتلك الأدلَّة، ولـمَّا لم تثبت عنده ولادته، واستبعد بقاءه هذه المدَّة الطويلة، حكم بعدم ولادته، واضطرَّ للبناء على أنَّه سوف يولد عند أوان قيامه.
2 - أمَّا القول بصحَّة القولين معاً فلا مجال له بعد كون المهدي شخصاً واحداً بشَّـر به النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، إذ الشخص الواحد لا يجمع الحالتين المختلفتين المتضادّتين، بل لا بدَّ من صحَّة أحد الرأيين دون الآخر، بعد انحصار الأمر بهما وعدم خروجه عنهما، وعلى ذلك فإذا تمَّت الحجَّة على صحَّة أحد القولين كانت بنفسها حجَّة على بطلان القول الآخر.
3 - أمَّا الصواب من الرأيين فمن الطبيعي أن نذهب إلى أنَّه رأي الشيعة الإمامية، لوفاء الأدلَّة عندنا بذلك.
وحيث كان الإمام الغائب (عجَّل الله فرجه) هو خاتم الأئمّة الاثني عشـر، فالحديث عن وجوده وإمامته يبتني على تمامية دعوى

(١٧٢)

الشيعة الإمامية في الإمامة والخلافة، وتمامية الأدلَّة التي استدلّوا بها على دعواهم، في مقابل دعوى السُّنَّة في الإمامة والخلافة وأدلَّتهم عليها.
والحديث في ذلك متشعّب وطويل جدَّاً، لا يسعنا استيفاؤه واستقصاؤه في هذه العجالة، وعلى طالب الحقيقة أن يتولّى ذلك بنفسه.
لا بدَّ من تحديد نظام الحكم عند الشيعة والسُّنَّة:
نعم هنا أمر يحسن التنبيه له، وهو أنَّ المقارنة بين مذهب الشيعة في الإمامة ومذهب السُّنَّة فيها لا ينبغي أن تعرض على أساس المقارنة في استحقاق الإمامة بين شخصين أو أشخاص محدودين، كالإمام علي (عليه السلام) وأبي بكر، أو أهل البيت صلوات الله عليهم في جانب، والصحابة أو المهاجرين أو قريش عموماً في جانب.
لأنَّ الإسلام هو الدين الخاتم للأديان والباقي في الأرض ما بقيت الدنيا، والمفروض أن يكون هو الحاكم في الأرض ما بقي وبقيت، فلا بدَّ في تشـريع الإسلام لنظام الحكم من أن يكون النظام الذي شرعه صالـحاً لحكم الأرض باستمرار، ولا يختصّ بأفراد أو جماعة مخصوصين، وينتهي بانتهائهم.
وعلى ذلك لا بدَّ من عرض المقارنة بين مذهب الشيعة في الإمامة ومذهب السُّنَّة فيها على أساس المقارنة بين نظامين صالحين لتنفيذ التشـريع الإسلامي في الأرض باستمرار، ما دام فيها إنسان يريد الله تعالى منه أن يكون مسلماً.

(١٧٣)

وبعد تعيين نظام الحكم في الإسلام، وإقامة الأدلَّة الشـرعية عليه، يكتسب الحاكم على أساسه شرعية الحكم والإمامة، ويفقد الخارج عنه الشـرعية مهما كان شأنه، وإلى ذلك يرجع قول أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام): «اعرف الحقّ تعرف أهله»(160).
أمَّا مع عدم تعيين نظام الحكم المشـرَّع في الإسلام فلا معنى للحديث عن شرعية حكم الحاكم وإمامته، وعدم شرعية غيره، مهما كان شأنهما.
وبعد ذلك نقول: نظام الحكم في الإسلام عند الشيعة يبتني على أنَّ تعيين الإمام إنَّما يكون بجعل من الله تعالى، من دون حاجة إلى مشاورة أحد أو بيعته أو إقراره، وأنَّ الله جلَّ شأنه لا بدَّ أن يُعرِّف الناس بشخص الإمام الذي جعله بحجَّة كافية واضحة، من طريق نبيّه الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الناطق عنه والمبلِّغ لشـريعته، أو من طريق الإمام المنصوب من قِبَل النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لأنَّ ذلك الإمام ينطق عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والنبيّ ينطق عن الله تعالى.
وعلى ذلك يذهب الشيعة إلى أنَّ الأئمّة الذين جعلهم الله سبحانه وتعالى بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وتمَّ تبليغه بهم، هم اثنا عشـر، وأنَّهم من أهل بيته، وأنَّ أوَّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، ثمّ الحسن السبط الزكي (عليه السلام)، ثمّ الحسين السبط الشهيد (عليه السلام)، ثمّ تسعة من ولد الحسين متعاقبين ولداً عن والد، تاسعهم قائمهم، وهو الإمام محمّد بن الحسن المهدي الغائب المنتظر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(160) أمالي الطوسي: 626/ ضمن الحديث (1292/5).

(١٧٤)

(عجَّل الله فرجه)، وهم وحدهم يملكون شرعية الإمامة والخلافة، دون غيرهم مهما بلغ شأنهم.
وللشيعة على ذلك أدلَّتهم التي عوَّلوا عليها، والتي يحتجّون بها، ويحاولون إقناع غيرهم بمؤدّاها.
أمَّا مذهب السُّنَّة في الإمامة فلا يخلو عن غموض، ولا يتيسَّـر لنا تحديده، ليكون طرفاً في المقارنة مع مذهب الشيعة فيها، كما يشهد بذلك النظر إلى واقع خلافتهم، وما فرضوه على أنفسهم من شرعية كلّ ما حصل. غير أنَّه ربَّما يحاول بعضهم دعوى ابتناء نظام الخلافة عندهم على اختيار الأُمَّة، ولو تمَّ ذلك فهو لا يصلح لأن يكون نظاماً متكاملاً إلَّا بعد أن يُحدَّد فيه بصورة دقيقة:
أوَّلاً: من له حقّ الترشيح للإمامة والخلافة من حيثية النسب، والسنّ، والمقام الديني والاجتماعي، وغير ذلك.
وثانياً: متى تسقط أهلية الشخص المنتخب للخلافة؟ والأسباب التي تقضـي بانعزاله منها، كالجور في الحكم، أو مطلق الفسق، والخَرَفِ أو المرض، والعجز المطلق أو الضعف، وغير ذلك. مع تحديد ذلك بدقَّة رافعة للاختلاف، تجنّباً عن مثل ما حصل في أمر عثمان، حيث طلب الذين ثاروا عليه أن يتخلّى عن الخلافة، لعدم أهليته، وامتنع هو من ذلك، لدعوى أنَّه لا ينزع عنه لباساً ألبسه الله تعالى إيّاه. وكما وقع بعد ذلك في العهد الأُموي والعبّاسي والعثماني.
وثالثاً: من له حقّ الاختيار والانتخاب، من حيثية النسب، والسنّ، والمقام الديني والاجتماعي، والذكورة والأُنوثة، وغير ذلك.

(١٧٥)

ورابعاً: كيف نحرز الأُمور المذكورة؟ وهي تحقّق شروط الترشيح في الشخص، وتحقّق شروط الانتخاب فيمن يتصدّى له، وبقاء أهلية الخليفة أو سقوطه عنها. وعلى أيّ طريق نعتمد في إثبات هذه الأُمور؟
وخامساً: صلاحيات الإمام والخليفة، إذ بعد أن خالف السُّنَّة الشيعة، فذهبوا إلى عدم عصمة الخليفة، وأنَّه يعمل باجتهاده، لا بعهد من الله تعالى ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلا بدَّ من تحديد صلاحياته، فإنَّ الواقع العملي للخلفاء عند السُّنَّة في غاية الاختلاف والاضطراب.
ففي الوقت الذي يصـرّ فيه السُّنَّة على أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يعهد بالخلافة لشخص خاصّ، وأنَّه ترك المسلمين يختارون لأنفسهم، نرى أبا بكر قد عهد بالخلافة لعمر، ثمّ عهد عمر بضوابط اختيار الخليفة بعد أن قصـر المرشَّحين لها على نفر خاصّ، ثمّ بويع أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد عثمان باختيار وجوه المهاجرين والأنصار واندفاع عامّة المسلمين من دون عهد من عثمان، ثمّ بويع الإمام الحسن (عليه السلام) بنصّ أمير المؤمنين (عليه السلام) عليه، أو باختيار الناس - على الخلاف - واستغلَّ معاوية خديعة عمرو بن العاص لأبي موسى الأشعري في واقعة التحكيم، ليعلن أنَّه الخليفة الشرعي.
وبعد ذلك كان الغالب ثبوت الخلافة للاحق بنصّ السابق، إلَّا أن تتدخَّل القوَّة، فتفرز خليفة لا نصّ عليه. وربَّما نصَّ السابق على أكثر من واحد ممَّن بعده على التعاقب، كما فعله مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان، وغيرهما في جميع دول الإسلام.
كما ربَّما خُلِعَ الخليفة، أو وليّ العهد، وعُيِّنَ غيره بالقوَّة، في تفاصيل يطول شرحها، ذكرها المؤرّخون.

(١٧٦)

بل ربَّما زاد الأمر على ذلك، فلم يكتفِ الخليفة بالنصّ على من بعده، وإنَّما تعدّاه لجعل نصيب في الحكم لفئة من الناس، فقد حاول أبو بكر أن يضعِّف جانب أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويجعل العبّاس بن عبد المطَّلب لجانبه، فعرض عليه أن يجعل له ولولده في الخلافة نصيباً. إلَّا أنَّ العبّاس رفض ذلك، فقال: (وأمَّا ما بذلت لنا فإن يكن حقّك أعطيتناه فأمسكه عليك، وإن يكن حقّ المؤمنين فليس لك أن تحكم فيه، وإن يكن حقّنا لم نرضَ لك ببعضه دون بعض...)(161).
هذا كلّه في أمر الخلافة، وأمَّا بقيّة أُمور الدين والتشـريع فقد تدخَّل الخلفاء فيها، حيث حجر على السُّنَّة النبوية في عهد أبي بكر وعمر، ومنع الحديث عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلَّا في حدود ضيّقة(162)، وكذلك الحال في عهد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(161) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 221؛ الإمامة والسياسة 1: 21.
(162) ويبدو أنَّ محاولة التحجير على السُّنَّة الشـريفة وإخفائها وتشييعها بدأت في حياة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حين كثر المعتنقون للإسلام من قريش رغبة أو رهبة، وحين رأوا النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) باتّجاه لا يخدم مصالحهم الشخصية وأنانيتهم. ولاسيّما مع ما تحمله صدورهم من أحقاد وضغائن، عليه وعلى أهل بيته، وعلى الخلَّص من أصحابه، الذين يتَّبعونه في معايير الحبّ والبغض، والولاء والمباينة.
ففي حديث عبد الله بن عمرو: كنت أكتب كلّ شيء أسمعه من رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) أُريد حفظه، فنهتني قريش، فقالوا: إنَّك تكتب كلّ شيء تسمعه من رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)، ورسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) بشـر يتكلَّم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)، فقال: «أُكتب، فوَالذي نفسـي بيده ما خرج منّى إلَّا حقّ». (مسند أحمد 2: 162).
وربَّما يكون النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد عرَّض بهذه المحاولة حينما قال فيما روي عنه: «لا ألفين أحدكم متَّكئاً على أريكته يأتيه الأمر ممَّا أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدرى، ما وجدنا في كتاب الله اتَّبعناه». (سنن البيهقي 7: 76). ←

(١٧٧)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ وقويت هذه المحاولة حينما نشط الحزب القرشي في مرض النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فمُنِعَ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من كتابة الكتاب الذي أراد أن يعصم به أُمَّته من الضلال، وقال عمر: (حسبنا كتاب الله).
وبدأ التنفيذ العملي لذلك حينما فاز الحزب القرشي بالاستيلاء على الحكم بعد التحاق النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالرفيق الأعلى.
فقد أحرق أبو بكر خمسمائة حديث كان قد كتبها عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم). (تذكرة الحفّاظ 1: 5). وقد خطب بمنع الحديث عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال: (إنَّكم تحدِّثون عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحاديث تختلفون فيه، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً. فلا تحدِّثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه). (تذكرة الحفّاظ 1: 2 و3).
كما أنَّ عمر طلب من الصحابة أن يأتوه بما كانوا قد كتبوه عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فظنّوا أنَّه يريد جمع حديث النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وبعد أن اجتمع عنده ما اجتمع في مدَّة شهر أحرق ذلك كلّه. (طبقات ابن سعد 5: 188).
وقد شيَّع عمر قرظة ومن معه لـمَّا أرادوا الخروج إلى العراق، فقال لهم: أتدرون لِـمَ مشيت معكم؟ قالوا: نعم، نحن أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مشيت معنا، قال: إنَّكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تبدونهم بالأحاديث، فيشغلونكم، جرّدوا القرآن، وأقلّوا الرواية عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وامضوا وأنا شريككم. فلمَّا قدم قرظة قالوا: حدّثنا. قال: نهانا ابن الخطّاب. (مستدرك الحاكم 1: 102).
وقد حبس بعض الصحابة من أجل أنَّهم أكثروا الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، منهم أبو ذرّ، وعبد الله بن مسعود. (تذكرة الحفّاظ 1: 7).
وعن عبد الرحمن بن عوف، قال: (والله ما مات عمر بن الخطّاب حتَّى بعث إلى أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) فجمعهم من الآفاق: عبد الله وحذيفة وأبي الدرداء وأبي ذر وعقبة بن عامر، فقال: ما هذه الأحاديث التي قد أفشيتم عن رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) في الآفاق؟ فقالوا: أتنهانا؟ قال: لا، أقيموا عندي، لا والله لا تفارقوني ما عشت، فنحن أعلم ما نأخذ ونرد عليكم...). (تاريخ مدينة دمشق 40: 500).
وجرى عثمان في ذلك على سيرة سلفه، فعن محمود بن لبيد، قال: (سمعت عثمان بن عفّان على منبر يقول: لا يحلُّ لأحد يروي حديثاً لم يُسمَع به في عهد أبي بكر ولا عهد عمر...). (طبقات ابن سعد 2: 336).
فمن القريب أن يكون السبب في التحجير على السُّنَّة النبوية من قِبَل الأوَّلين، وفي منع عمر كثيراً من أعيان الصحابة عن الخروج من المدينة، هو الحذر من روايتهم النصّ على أمير المؤمنين والأئمّة من ولده (صلوات الله عليهم)، ونشـر فضائلهم ومناقبهم في البلاد، وتنبيه المسلمين في أقطار الأرض له، خوفاً من ردود الفعل السيّئة على السلطة القائمة، وسلب الثقة بشـرعيته.
وكان حظّ حديث الغدير الأوفى من ذلك، لأنَّه يمثّل الاتّجاه المعاكس للسلطة، ولطموح قريش، فقلَّما كان يُذكَر، وإذا ذُكِرَ ذُكِرَ عابراً، من دون توضيح وتفصيل يوفيه حقّه، فإنَّ السلطة كانت تدرك أنَّ هوى كثير من الصحابة (رضي الله عنهم) مع أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأنَّهم يؤمنون بالنصّ عليه، وبأحقّيته وأحقّية أهل البيت (عليهم السلام) بالأمر، وتعدّي غيرهم عليهم.

(١٧٨)

معاوية حيث قال: (يا ناس، أقلّوا الرواية عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإن كنتم تتحدَّثون فتحدَّثوا بما كان يتحدَّث به في عهد عمر...)(163).
وفرض عمر آراءه في الدين على المسلمين، كتحريم المتعتين: متعة الحجّ ومتعة النساء(164)، وإمضاء الطلاق الثلاث(165)، وغير ذلك ممَّا هو مسطور مشهور(166).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(163) كنز العمّال 10: 291/ ح 29473.
(164) عن مالك بن أنس وغيره، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال عمر: متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنا أنهى عنهما وأُعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحجّ. (الاستذكار لابن عبد البرّ 5: 505).
(165) عن أنس بن مالك، قال: قال عمر بن الخطّاب في الرجل يطلِّق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها، قال: هي ثلاث لا تحلُّ له حتَّى تنكح زوجاً غيره، وكان إذا أُتى به أوجعه. (سنن البيهقي 7: 334).
(166) منها: أنَّه أبدع صلاة التراويح، فعن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنَّه قال، خرجت مع عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه) ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرّقون يصلُي الرجل لنفسه، ويصلّي الرجل فيصلّي بصلاته الرهط.
فقال عمر: إنّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثمّ عزم فجمعهم على أُبي بن كعب، ثمّ خرجت معه ليلة أُخرى والناس يصلّون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه. (صحيح البخاري 2: 252).
ومنها: أنَّه أبدع المسح على الخفّين، فعن محمّد بن عبيد، قال: حدَّثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن محمّد بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: أتينا عمر نريد أن نسأله عن المسح على الخفّين، فقام فبال ثمّ توضَّأ ومسح على خفّيه، فقلنا: إنَّما أتيناك لنسألك عن المسح على الخفّين، فقال: إنَّما صنعت هذا من أجلكم. (طبقات ابن سعد 6: 122).
ومنها: أنَّه أبدع التكتّف وهو في الصلاة من فعل اليهود والنصارى، وحذف البسملة منها، وزاد (آمين) فيها وهي كلمة سريانية يهودية. (الصـراط المستقيم 3: 21).
وغير ذلك من بدعه الكثيرة، وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أمَّا بعد فإنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمّد، وشرّ الأُمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة». (صحيح مسلم 3: 11)، وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لا يقبل الله لصاحب بدعة صوماً ولا صلاةً، ولا صدقةً، ولا حجَّاً ولا عمرةً، ولا جهاداً، ولا صرفاً ولا عدلاً، يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين». (سنن ابن ماجة 1: 19/ ح 49).

(١٧٩)

وكان لاتّجاهات الحكّام الأثر المهمّ في توجيه وجهة الجمهور في الحديث والعقائد والفقه، وقد عرض المنصور العبّاسي على مالك بن أنس أن يكتب في الفقه كتاباً يحمل الناس عليه(167).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(167) قال ابن قتيبة الدينوري: (إنَّ مالكاً حجَّ سنة ثلاث وستّين ومائة، ثمّ وافى أبا جعفر بمنى أيّام منى، فذكروا أنَّ مطرفاً أخبرهم - وكان من كبار أصحاب مالك -، قال : قال لي مالك: لـمَّا صرت بمنى أتيت السـرادقات، فأذنت بنفسـي، فأذن لي، ثمّ خرج إليَّ الآذن من عنده فأدخلني.
فقلت للآذن: إذا انتهيت بي إلى القبَّة التي يكون فيها أمير المؤمنين فأعلمني، فمرَّ بي من سرادق إلى سرادق، ومن قبَّة إلى أُخرى، في كلّها أصناف من الرجال بأيديهم السيوف المشهورة، والأجزرة المرفوعة، حتَّى قال لي الآذن: هو في تلك القبَّة. ←

(١٨٠)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ ثمّ تركني الآذن وتأخَّر عنّي، فمشيت حتَّى انتهيت إلى القبَّة التي هو فيها فإذا هو قد نزل عن مجلسه الذي يكون فيه إلى البساط الذي دونه، وإذا هو قد لبس ثياباً قصدة، لا تشبه ثياب مثله تواضعاً لدخولي عليه، وليس معه في القبَّة إلَّا قائم على رأسه بسيف صليت، فلمَّا دنوت منه، رحَّب بي وقرَّب.
ثمّ قال: هاهنا إليَّ، فأوميت للجلوس. فقال: هاهنا، فلم يزل يدنيني حتَّى أجلسني إليه، ولصقت ركبتي بركبتيه. ثمّ كان أوَّل ما تكلَّم به أن قال: والله الذي لا إله إلَّا هو يا أبا عبد الله ما أمرت بالذي كان، ولا علمته قبل أن يكون، ولا رضيته إذ بلغني (يعني الضـرب).
قال مالك: فحمدت الله تعالى على كلّ حال، وصلّيت على الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ نزَّهته عن الأمر بذلك، والرضا به. ثمّ قال: يا أبا عبد الله، لا يزال أهل الحرمين بخير ما كنت بين أظهرهم، وإنّي إخالك أماناً لهم من عذاب الله وسطوته، ولقد دفع الله بك عنهم وقعة عظيمة، فإنَّهم ما علمت أسرع الناس إلى الفتن، وأضعفهم عنها، قاتلهم الله أنّى يؤفكون، وقد أمرت أن يؤتى بعدوّ الله من المدينة على قتب، وأمرت بضيق مجلسه، والمبالغة في امتهانه، ولا بدَّ أن أنزل به من العقوبة أضعاف ما نالك منه. فقلت له: عافى الله أمير المؤمنين، وأكرم مثواه، قد عفوت عنه، لقرابته من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ منك. قال أبو جعفر: وأنت فعفى الله عنك ووصلك.
قال مالك: ثمّ فاتحني فيمن مضـى من السلف والعلماء، فوجدته أعلم الناس بالناس. ثمّ فاتحني في العلم والفقه، فوجدته أعلم الناس بما اجتمعوا عليه، وأعرفهم بما اختلفوا فيه، حافظاً لما روى، واعياً لما سمع، ثمّ قال لي: يا أبا عبد الله ضع هذا العلم ودوّنه، ودوّن منه كتباً، وتجنَّب شدائد عبد الله بن عمر، ورخص عبد الله بن عبّاس، وشواذّ ابن مسعود، واقصد إلى أواسط الأُمور، وما اجتمع عليه الأئمّة والصحابة (رضي الله عنهم)، لنحمل الناس إن شاء الله على علمك وكتبك، ونبثّها في الأمصار، ونعهد إليهم أن لا يخالفوها، ولا يقضوا بسواها.
فقلت له: أصلح الله الأمير، إنَّ أهل العراق لا يرضون علمنا، ولا يرون في عملهم رأينا.
فقال أبو جعفر: يُحمَلون عليه، ونضـرب عليه هاماتهم بالسيف، ونقطع طيّ ظهورهم بالسياط، فتعجَّل بذلك وضعها، فسيأتيك محمّد المهدي ابني العام القابل إن شاء الله إلى المدينة ليسمعها منك، فيجدك وقد فرغت من ذلك إن شاء الله...). (الإمامة والسياسة 2: 149 و150).

(١٨١)

وأراد المأمون أن يعلن عن تحليل المتعة لولا أنَّه خاف هياج العامّة، وقد حمل الناس على القول بخلق القرآن ونفى رؤية الله (عزَّ وجلَّ) في الآخرة، وروَّج آراء المعتزلة(168).
وبقي الأمر على ذلك، حتَّى غيَّره المتوكّل، وأمر بنشـر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(168) قال السيّد شرف الدين (رحمه الله) (وأمر المأمون أيّام خلافته فنودي بتحليل المتعة، فدخل عليه محمّد بن منصور وأبو العيناء فوجداه يستاك ويقول وهو متغيّظ: متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعلى عهد أبي بكر وأنا أنهي عنهما، ومن أنت يا جعل حتَّى تنهى عمَّا فعله رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأبو بكر. فأراد محمّد بن منصور أن يكلّمه فأومأ إليه أبو العيناء وقال: رجل يقول في عمر بن الخطّاب ما يقول نكلّمه نحن؟ فلم يكلّماه، ودخل عليه يحيى بن أكثم فخوَّفه من الفتنة وذكر له أنَّ الناس يرونه قد أحدث في الإسلام بسبب هذا النداء حدثاً عظيماً، لا ترتضيه الخاصّة ولا تصبر عليه العامّة، إذ لا فرق عندهم بين النداء بإباحة المتعة والنداء بإباحة الزنى، ولم يزل به حتَّى صرف عزيمته احتياطاً على ملكه وإشفاقاً على نفسه). (الفصول المهمّة: 81). وراجع: وفيات الأعيان 6: 151.
وقال الذهبي: (وفيها - أي سنة اثنتي عشـرة ومائتين - أظهر المأمون القول بخلق القرآن، مضافاً إلى تفضيل علي على أبي بكر وعمر (رضي الله عنهما)، فاشمأزت النفوس منه). (تاريخ الإسلام 15: 8).
وقال القلقشندي: (وكانت مقاصد المأمون كلّها جميلة خلا ما نحا إليه من القول بخلق القرآن، والتشيّع، وبثّ علوم الفلاسفة بين المسلمين). (مآثر الإنافة 1: 213).

(١٨٢)

أحاديث الرؤية، وظهر القول بعدم خلق القرآن، ونشط الاتّجاه المضادّ للمعتزلة(169).
وفي سنة أربعمائة وثمان للهجرة استتاب القادر الحنفية والمعتزلة والشيعة وغيرهم من ذوي المقالات المخالفة لمذهبه من مذاهبهم، ونهى عن المناظرة في شيء منها(170).
ثمّ انتهى الأمر إلى أن حصـر الظاهر بَيْبَرْس(171) القضاء بالمذاهب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(169) قال الذهبي: (وفي سنة (234) أظهر المتوكّل السُّنَّة، وزجر عن القول بخلق القرآن، وكتب بذلك إلى الأمصار، واستقدم المحدِّثين إلى سامراء، وأجزل صلاتهم، ورووا أحاديث الرؤية والصفات). (سير أعلام النبلاء 12: 34).
(170) قال ابن الجوزي: (أخبرنا سعد الله بن علي البزّاز، أخبرنا أبو بكر الطريثيثي، أخبرنا هبة الله بن الحسن الطبري، قال: وفي سنة ثمان وأربعمائة استتاب القادر بالله أمير المؤمنين فقهاء المعتزلة الحنفية، فأظهروا الرجوع، وتبرَّؤا من الاعتزال، ثمّ نهاهم عن الكلام والتدريس والمناظرة في الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام، وأخذ خطوطهم بذلك، وأنَّهم متى خالفوه حلَّ بهم من النكال والعقوبة ما يتَّعظ به أمثالهم، وامتثل يمين الدولة وأمين الملَّة أبو القاسم محمود أمر أمير المؤمنين، واستنَّ بسننه في أعماله التي استخلفه عليها من خراسان وغيرها في قتل المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية والمشبّهة وصلبهم وحبسهم ونفاهم، وأمر بلعنهم على منابر المسلمين، وإيعاد كلّ طائفة من أهل البدع وطردهم عن ديارهم، وصار ذلك سُنَّة في الإسلام). (المنتظم في تاريخ الأُمم والملوك 15: 125 و126).
(171) هو بَيْبَرْس العلائي البندقداري الصالحي، ركن الدين، الملك الظاهر، صاحب الفتوحات والأخبار والآثار، مولده بأرض القپچاق، وأُسر فبيع في سيواس، ثمّ نُقِلَ إلى حلب، ومنها إلى القاهرة، فاشتراه الأمير علاء الدين أيدكين البندقدار، وبقي عنده، فلمَّا قبض عليه الملك الصالح نجم الدين أيّوب أخذ بَيْبَرْس فجعله في خاصّة خدمه، ثمّ أعتقه.
ولم تزل همَّته تصعد به حتَّى كان أتابك العساكر بمصـر في أيّام الملك المظفَّر قطز، وقاتل معه التتار في فلسطين، ثمّ اتَّفق مع أُمراء الجيش على قتل قطز، فقتلوه، وتولّى بَيْبَرْس سلطنة مصـر والشام سنة (658هـ)، وتلقَّب بالملك القاهر أبي الفتوحات، ثمّ ترك هذا اللقب وتلقَّب بالملك الظاهر...، توفّي في دمشق، ومرقده فيها معروف، أُقيمت حوله المكتبة الظاهرية. (أُنظر: الأعلام 2: 79).

(١٨٣)

الأربعة التي عليها مدار فقه السُّنَّة حتَّى اليوم(172).
ثمّ جعل العثمانيون المذهب الحنفي هو المذهب الرسمي في الدولة...(173).
إلى غير ذلك ممَّا لا ضابط له، وكانت المواقف المتناقضة دينياً - نتيجة ذلك - تتعاقب على الجمهور.
ومن المعلوم عدم شرعية ذلك وأنَّ الدين لا يتبدَّل بتبدّل السلطة.
وإنَّما حصل ذلك بسبب عدم تحديد صلاحيات الخليفة، ولا يكمل نظام الخلافة إلَّا بتحديدها، وتحديد ما سبق، كما هو ظاهر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(172) قال المقريزي: (فلمَّا كانت سلطنة الظاهر بيبرس البندقداري ولّى بمصـر أربعة قضاة، وهم شافعي ومالكي وحنفي وحنبلي، فاستمرَّ ذلك من سنة (665) حتَّى لم يبقَ في مجموع أمصار الإسلام مذهب يُعرَف من مذاهب الإسلام سوى هذه المذاهب الأربعة. وعملت لأهلها المدارس والخوانك والزوايا والربط في سائر ممالك الإسلام. وعودي من تمذهب بغيرها، وأُنكر عليه ولم يولّ قاضٍ ولا قبلت شهادة أحد ولا قدّم للخطابة والإمامة والتدريس أحد ما لم يكن مقلّداً لأحد هذه المذاهب، وأفتى فقهاء الأمصار في طول هذه المدَّة بوجوب اتّباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها). (أُنظر: وضوء النبيّ لعلي الشهرستاني 1: 452، عن الخطط المقريزية 3: 232 - 235).
(173) راجع: تاريخ المذاهب الإسلاميّة لأبي زهرة: 449.

(١٨٤)

وحيث لا يتيسَّـر لنا فعلاً معرفة مذهب السُّنَّة في ذلك، فلا بدَّ من إيكاله إليهم.
فإذا تمَّ لهم تحديد ذلك كلّه، وأقاموا عليه الأدلَّة الشـرعية حسب قناعاتهم، بحيث يكون هو المعيار عندهم في شرعية ما وقع ويقع من دعوى الإمامة والخلافة، أمكن المقارنة بين نظام الحكم عند الشيعة ونظام الحكم عند السُّنَّة، والموازنة بينهما بلحاظ أدلَّتهما، والنظر في الترجيح بين أدلَّة الشيعة على النظام الذي يذهبون إليه، وأدلَّة السُّنَّة على النظام الذي يذهبون إليه، ثمّ الأخذ بالأقوى من الدليلين، والذي يصلح أن يكون حجَّة بين يدي الله تعالى يوم يعرضون عليه ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ (النحل: 111).
نقص نظام الحكم بحسب رؤية الجمهور ممَّا يمنع تشريعه إسلاميَّاً:
أمَّا مع عدم التحديد الشـرعي من تلك الجهات فالنظام ناقص لا يصلح أن يكون طرفاً في المقارنة مع مذهب الشيعة والموازنة بينهما، ويمتنع تشريعه إسلاميّاً:
أوَّلاً: لاستلزامه نقص الدين، وعدم تحديد موضوع الحكم الشـرعي من قِبَل الشارع الأقدس، فإنَّ للإمامة أحكاماً شرعية - كوجوب وجود الإمام، ووجوب طاعته، ووجوب قتال الخارجين عليه - فإذا لم يتمّ بدقَّة تحديد نظام الإمامة يلزم جعل الشارع لأحكام الإمامة من دون تحديد موضوعها. وهو نقص في الدين والتشـريع، ينزَّه عنه الإسلام العظيم.

(١٨٥)

بل هو مناف لقوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً﴾ (المائدة: 3)، وغيره ممَّا دلَّ على كمال الدين.
وثانياً: لأنَّ الفراغ التشـريعي في نظام السلطة سبب لإثارة المشاكل والفتنة، واختلال النظام، حيث يتمّ به المجال للادّعاءات المتناقضة، والأهواء المتباينة، وما يترتَّب على ذلك من انتهاك الحرمات، وانتشار الفساد، وتلف النفوس والأموال. وإن كان ذلك كلّه قد حصل - مع الأسف - بأفظع صوره وأشنعها في الواقع الإسلامي.
وهل يمكن أن يشـرِّع الله تعالى ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نظام الحكم، ويجعل فيه منصب الخلافة، ثمّ لا يجعل الضوابط لتعيين الخليفة؟! وها نحن نرى المسؤولين عن تشـريع القوانين الوضعية يبذلون عناية خاصّة لتشـريع قوانين نظام السلطة من أجل تجنّب سلبيات الفراغ التشـريعي فيها، فكيف يهملها الله سبحانه وتعالى ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، مع أنَّهما أحرى بالاهتمام بتجنّب السلبيات المذكورة؟!
ولاسيّما وأنَّ للسلطة والخلافة في التشـريع الإسلامي مقاماً رفيعاً وقدسية بالغة، حتَّى أجمع المسلمون على وجوب معرفة الإمام وبيعته، وأنَّ من مات بدون ذلك مات ميتة جاهلية - كما يأتي -، وعلى وجوب طاعة الإمام، وحرمة الخروج عليه، وأنَّ الخارج عليه باغ لا حرمة له، ويجب على المسلمين قتاله.

(١٨٦)

الأدلَّة على صحَّة مذهب الشيعة في المهدي (عليه السلام):
ونعود فنقول: إنَّ إمامة المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) - التي عليها يبتني لزوم وجوده - وإن كانت هي آخر لبنة في نظام الإمامة عند الشيعة ومسك ختامها، وقد سبق أنَّ الاستدلال على نظام الإمامة عندهم متشعّب وطويل، إلَّا أنَّ هناك أمران مهمّان نستطيع أن ننطلق منهما لإثبات وجوده صلوات الله عليه وإمامته:
الأمر الأوَّل: وجوب معرفة الإمام والتسليم له:
أنَّه قد تظافرت الأحاديث عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأنَّه قال: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»(174). أو: «من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية»(175). أو: «من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية»(176). أو: «من مات وليس عليه إمام فميتته ميتة جاهلية»(177). أو: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»(178).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(174) ينابيع المودَّة 3: 372/ ح 3.
(175) مسند أحمد 4: 96؛ مسند أبي داود: 259؛ المعجم الكبير للطبراني: 388؛ مسند الشاميين 2: 437 و438/ ح 1654؛ مجمع الزوائد 5: 218؛ كنز العمّال 1: 103/ ح 464.
(176) السُّنَّة لابن أبي عاصم: 489/ ح 1057؛ مسند أبي يعلى 13: 366/ ح 7375؛ المعجم الأوسط للطبراني 6: 70؛ مجمع الزوائد 5: 225.
(177) المجروحين لابن حبّان 1: 286؛ مجمع الزوائد 5: 225؛ كنز العمّال 1: 207/ ح 1037.
(178) صحيح مسلم 6: 22؛ سنن البيهقي 8: 156؛ فتح الباري 13: 5؛ تحفة الأحوذي 8: 132؛ السُّنَّة لابن عاصم: 500/ ح 1081؛ المعجم الكبير للطبراني 19: 335؛ رياض الصالحين: 336؛ كنز العمّال 6: 52/ ح 14810؛ تفسير ابن كثير 1: 530؛ أضواء البيان 1: 29؛ الكبائر للذهبي: 249.
ورويت هذه الأحاديث أو ما يقرب منها في المصادر الشيعية، ومنها: المحاسن للبرقي 1: 92/ ح 46؛ بصائر الدرجات: 279/ ح 5؛ قرب الإسناد: 351؛ الإمامة والتبصـرة: 82/ ح 70؛ الكافي 1: 371 و372/ باب أنَّه من عرف إمامه لم يضـرّه تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر/ ح 5؛ ثواب الأعمال: 205؛ كمال الدين: 409/ باب 38/ ح 9؛ بحار الأنوار 23: 76 - 95/ باب وجوب معرفة الإمام/ ح 1 - 40.

(١٨٧)

ونحو ذلك ممَّا يرجع إلى عدم خلوّ كلّ عصـر من إمام تجب على الناس طاعته، لشرعية إمامته(179).
وهو المناسب لقوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ﴾ (الإسراء: 71)، حيث يدلُّ على أنَّ لكلّ إنسان إماماً يُدعى به.
وقد يحاول بعض الناس حمل الإمام في الآية الشـريفة على النبيّ، وأنَّ المراد أنَّ أُمَّة كلّ نبيّ تُدعى معه، لكنَّه مخالف لظاهر إطلاق الإمام في الآية الكريمة، فإنَّ الإمام في عرف المسلمين من يأتمّ الإنسان به في أمر دينه ودنياه ويطيعه في أُموره، والنبيّ إمام لأهل زمانه من أُمَّته، أمَّا بعد وفاته فلا بدَّ من شخص آخر يكون لهم إماماً مطاعاً فيهم. وهو الأنسب بالجمع بين الآية الشـريفة والأحاديث المتقدّمة، حيث تكون هذه الأحاديث شارحة للآية ومفسّرة لها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(179) وقد استفاضت أحاديث الشيعة بذلك عن أئمّة أهل البيت صلوات الله عليهم، وتوجد الأحاديث المذكورة في: المحاسن 1: 234 - 236/ باب لا تخلو الأرض من عالم/ ح 191 - 201؛ بصائر الدرجات: 507 و508/ باب في الأئمّة أنَّ الأرض لا تخلو منهم ولو كان في الأرض اثنان لكان أحدهما الحجَّة/ ح 1 - 5؛ الإمامة والتبصـرة: 25 - 32/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح 2 - 16؛ الكافي 1: 168 - 180/ كتاب الحجَّة؛ وغيرها من المصادر.

(١٨٨)

وعلى كلّ حال فالأحاديث المذكورة وحدها كافية في إثبات عدم خلوّ كلّ عصـر من إمام تجب على الناس بيعته وطاعته، لشـرعية إمامته. وذلك أنسب بمذهب الإمامية في الإمامة، وأنَّها بنصّ من الله تعالى، ولا تحتاج إلى اختيار الناس للإمام وبيعتهم له، بل يجب عليهم بيعته وطاعته، بعد أن جعله الله تعالى إماماً.
ويتجلّى ذلك بوضوح في عصورنا هذه، حيث ترك السُّنَّة اختيار إمام لهم يبايعونه بعد إلغاء الخلافة العثمانية في تركيا عام (1342هـ)، وحيث كان مقتضـى هذه الأحاديث وجود إمام للمسلمين في هذا العصـر - كغيره من العصور -، فالمتعيَّن هو وجود المهدي المنتظر وإمامته، إذ لا يحتمل منّا ومنهم إمامة غيره في هذه العصور.
الأمر الثاني: الأئمّة اثنا عشر من قريش:
أنَّه ورد عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أحاديث كثيرة تعداد الأئمّة في هذه الأُمَّة، وأنَّهم اثنا عشـر من قريش كما مرَّ(180). وقد روي ذلك بطرق كثيرة، صحَّح أهل الحديث كثيراً منها. بل قال البغوي: (هذا حديث متَّفق على صحَّته)(181).
وهذه الأحاديث تنطبق على مذهب الإمامية في الإمامة، فالأئمّة الاثنا عشـر أوَّلهم أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وآخرهم الإمام المهدي الغائب المنتظر صلّى الله عليه وعجَّل فرجه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(180) راجع هامش (ص 10).
(181) شرح السُّنَّة 15: 30 و31، نقلاً عن دليل المتحيّرين في بيان الناجين: 226.

(١٨٩)

ولا موجب لصـرف هذه الأحاديث عن أئمّة أهل البيت الاثني عشـر إلَّا قناعات السُّنَّة المسبقة بمشـروعية ما حصل في أمر الخلافة، حيث اضطرّوا بسبب ذلك إلى إخضاع الأدلَّة لواقع خلافتهم الذي حصل. وحيث لا يتطابق هذا الواقع مع هذه الأحاديث فقد اضطربت كلماتهم في توجيهها، وحاول بعضهم توجيهها بوجوه متكلّفة ظاهرة الوهن(182)، مع أنَّ المنطق يقضـي بإخضاع الواقع للأدلَّة، وتحكيمها في شرعيته أو عدمها، كما سبق في قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «اعرف الحقّ تعرف أهله»، ولا معنى لإخضاع الأدلَّة للواقع، وتحكيمه عليها وتكلّف توجيهها بما يناسبه.
ولنكتفِ بهذا المقدار في الاستدلال على صحَّة مذهب الشيعة في المهدي المنتظر عليه أفضل الصلاة والسلام، مع إيكال بقيّة الكلام في ذلك لمباحث الإمامة وأدلَّة الإمامية فيها، ولاسيّما ما ذكروه في خصوص المهدي المنتظر، حيث فصَّلوا الكلام في أمره وأطالوا فيه، حتَّى ألَّف كثير منهم كتباً خاصّة به، فليطلب ذلك، ولينظر فيه من تهمّه الحقيقة، ويريد الخروج عن مسؤوليتها مع الله تعالى. ومنه سبحانه وتعالى التوفيق والتسديد.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(182) راجع: فتح الباري 13: 182 - 186.

(١٩٠)

قد يشكل أنَّ الاستدلال عند الشيعة بوجوب نصب الإمام استدلال باللطف الإلهي، وهو يوجب وجود العدل بين الناس من خلال الإمام، لكنَّه ألَا يعارضه الآن خلوّ الناس من إمام عادل، فيسقط الاستدلال باللطف الإلهي؟
الجواب: لا بدَّ أوَّلاً من شرح قاعدة اللطف الإلهي التي يستدلُّ بها الشيعة على وجوب نصب الإمام على الله تعالى، وبيان المراد منه، ثمّ النظر في انتقاضها وعدمه.
إنَّ مرجع قاعدة اللطف إلى أنَّ عموم البشـر حيث كانوا في نقص ذاتي، جاهلين بما يصلحهم، غير معصومين من الفساد والشـرّ والظلم، بل تتنازع فيهم دواعي الصلاح والفساد، والخير والشـرّ، والظلم والعدل، فهم في حاجة إلى إمام معصوم يجمعهم على الصلاح والخير والعدل، ويبعدهم عن الفساد والشـرّ والظلم. فمقتضـى حكمة الله تعالى ورحمته أن يلطف بهم، ويزيح العلَّة من قِبَله عنهم، بأن يجعل لهم إماماً معصوم، ويعرّفهم به بحجَّة كافية ودليل واضح.
ولعلَّه إلى ذلك يشير قوله تعالى: ﴿وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَـرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ (الأنعام: 91).
وحيث كانت حاجتهم لذلك مستمرّة في جميع الأوقات تبعاً

(١٩٣)

لدوام نقصهم وحاجتهم، فلا بدَّ من وجود إمام معصوم في كلّ زمان يزيح العلَّة. ولا يكفي إرسال النبيّ في وقته بعد أن لم يكن خالداً، لأنَّه إنَّما يكون إماماً لعصـره، ولا تزاح به العلَّة بعد ذلك، لما هو المعلوم من حصول الخلاف بعده، وشيوع الشـرّ والفساد وخروج الأُمَّة - ولو ببعض فئاتها - عن حظيرة الطاعة لله تعالى، وضياع معالم الحقّ عليه. هذا هو مفاد قاعدة اللطف الإلهي.
وهي لا تقتضـي وجوب تحقّق العدل فعلاً بسيطرة الإمام، وقبضه على زمام الأُمور، وقسـر الناس على الانصياع له والرضوخ لحكمه، فإنَّ ذلك لم يحصل إلَّا في فترات زمنية قصيرة، وربَّما لم يكن في تلك الفترات بنحو شامل.
بل المراد منها وجوب إزاحة علَّتهم من قِبَل الله تعالى تشـريعاً بنصب الإمام لهم، وتعريفهم به بما تتمّ به الحجَّة عليهم ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ (الأنفال: 42)، ثم لهم بعد ذلك الاختيار.
فإن شكروا النعمة وأطاعوه صلح أمرهم وعمَّهم الخير والعدل، كما قال عزَّ من قائل: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ﴾ (المائدة: 65 و66).
وإن كفروا النعمة وخالفوه ذاقوا وبال أمرهم، وعمَّهم

(١٩٤)

الفساد والظلم، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ...﴾ (النساء: 79).
وليس لهم على الله حجَّة، بعد أن لطف بهم وهداهم سواء السبيل، بل يتحمَّلون وحدهم مسؤولية تفريطهم في أمر الله تعالى، ومجانبتهم للإمام الذي نصبه لهم، وإعراضهم عنه.
ولو تركهم الله تعالى في هذا الحال ووكلهم إلى أنفسهم من دون أن يجعل لهم إماماً يملك مقوّمات هدايتهم، ويقوى على القيام بإدارة شؤونهم لكان قد فرَّط في حقّهم، ولم يلطف بهم، ولم يكن تشـريعه وافياً بصلاحهم وهدايتهم، ولكان لهم الحجَّة بذلك عليه جلَّ شأنه وعلا علوَّاً كبيراً.
نظير ما تضمَّنه قوله تعالى: ﴿كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدى وَرَحْمَةٌ...﴾ (الأنعام: 155 - 157).
فقاعدة اللطف بالإضافة إلى الإمامة كقاعدة اللطف بالإضافة إلى تشـريع سائر الأحكام في حقّ الناس من الواجبات والمحرَّمات والآداب، فإنَّ القاعدة المذكورة تقضـي بأنَّ الناس لـمَّا كانوا قاصرين - بسبب جهلهم وفقرهم - فالواجب على الله تعالى - بمقتضـى حكمته - أن يلطف بهم ويشـرّع لهم من الأحكام ما يصلح به أمرهم في معاشهم، ومعادهم، وفي علاقتهم مع الله

(١٩٥)

سبحانه، ومعاشرتهم فيما بينهم، من دون أن تقضـي بوجوب تهيئة الظروف المناسبة لتطبيقهم تلك الأحكام، وحملهم على ذلك من أجل أن يفوزوا فعلاً بالخير والصلاح، ويبعدوا عن الشـرّ والفساد. بل ليس عليه سبحانه إلَّا تشـريع الأحكام لصالحهم، مع بقاء الاختيار لهم، كما قال عزَّ من قائل: ﴿إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾ (الإنسان: 3).
فمن أطاع الله تعالى وعمل بتلك الأحكام فاز وسعد، ومن عصـى وأعرض عنها شقي وكان من الخاسرين، وليس له على الله (عزَّ وجلَّ) حجَّة في ذلك.
لا تنتقض قاعدة اللطف على مذهب الإمامية:
وبعد أن أوضحنا المراد بقاعد اللطف فهي لم تنتقض في هذا الزمان على مذهب الإمامية، لأنَّهم يقولون بإمامة الإمام الثاني عشـر، وهو الحجَّة ابن الحسن صلوات الله عليه وعلى آبائه، وبأنَّه موجود فعلاً يقوم بوظيفته، حسبما تسمح له ظروفه، وتسعه قدرته. بل من جملة أدلَّتهم على وجوده قاعدة اللطف المذكورة.
ولا ينافي إمامته عدم تسنّمه فعلاً السلطة وإدارة أُمور الناس، وعدم نشـره للعدل في الأرض، لأنَّ ذلك إنَّما حصل بسبب الناس أنفسهم، لا لقصور فيه وفي إمامته، ولا في جعل الله تعالى وتشـريعه، فحاله صلوات الله عليه في ذلك حال آبائه صلوات الله عليهم الذين حال الظالمون وأتباعهم دون تسنّمهم السلطة، وقبضهم على زمام الأُمور، ونشـرهم العدل بين الناس، وحال أكثر

(١٩٦)

الأنبياء صلوات الله عليهم، بل حتَّى نبيّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فإنَّه لم يتسنَّ له أن ينشـر العدل بنحو يعمّ الناس كلّهم.
وليست غيبة الإمام المهدي صلوات الله عليه واعتزاله السلطة أمراً مأخوذاً في إمامته، ليلزم قصور إمامته عن أداء وظيفة الإمام، التي تقتضيها قاعدة اللطف التي تقدَّم شرحه، بل هي حالة استثنائية فرضته الظروف التي أحاطت به صلوات الله عليه، نتيجة فساد المجتمع وقيام دول الجور، وتقصير الناس في أداء وظيفتهم إزاء الحقّ الذي أراده الله تعالى وفرضه.
فهي نظير سجن آبائه الأئمّة أبي إبراهيم موسى بن جعفر الكاظم، وأبي الحسن علي بن محمّد الهادي، وأبي محمّد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليهم.
وليس الفرق بينهم وبينه إلَّا أنَّهم سجنوا قسـراً عليهم من قِبَل الظالمين، وغاب هو صلوات الله عليه باختياره فراراً بنفسه خوفاً من الظالمين، ولعدم ملائمة الوضع العامّ لظهوره، ونحو ذلك من المصالـح التي يعلمها الله تعالى، من دون أن يرجع ذلك إلى قصور في إمامته.
ومتى ارتفعت تلك الأسباب ظهر صلوات الله عليه ولم يبخل بنفسه على الناس، ولم تقصـر إمامته ووظيفته التي شرعها الله تعالى في حقّه عن تسنّمه السلطة عليهم، وإدارته لأُمورهم ونشـر العدل بينهم.
والحاصل: أنَّه لا قصور في تشـريع إمامته وإمامة آبائه صلوات الله عليهم أجمعين عمَّا تقتضيه قاعدة اللطف المتقدّمة، وإنَّما لم ينتشـر العدل فعلاً

(١٩٧)

في المجتمع لعدم تطبيق ذلك التشـريع، وحصول الموانع منه نتيجة تقصير الناس وحيلولتهم دون تطبيقه، وقد سبق أنَّ قاعدة اللطف لا تقتضي رفع الموانع المذكورة.
فما يقال في الإشكال: (ألَا يعارضه الآن خلوّ الناس من إمام عادل؟)، إن أُريد به عدم وجود إمام الآن من قِبَل الله تعالى، فالإمام موجود على قول الإمامية، ولم يخلُ منه هذا الزمان، ولا غيره من الأزمنة، لتنتـقض قاعدة اللطف وتبطل. وإن أُريد به عدم ظهور الإمام وعدم تسنّمه السلطة وإقامته للعدل، فهو لا ينافي قاعدة اللطف، لما سبق من أنَّها إنَّما تقتضـي إمامة الإمام الصالـح لإقامة العدل، لا تسنّمه السلطة وإقامته العدل فعلاً.
ومن ثَمَّ لا يسقط استدلال الشيعة على الإمامة بقاعدة اللطف.

والحمد لله ربّ العالمين
* * *

(١٩٨)

مصادر الكتاب

1 - القرآن الكريم.
2 - إثبات الهداة: الحرّ العاملي/ مط العلمية/ قم.
3 - الاحتجاج: الطبرسي/ ت الخرسان/ دار النعمان/ 1386هـ.
4 - الاختصاص: المفيد/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
5 - الأربعين: محمّد طاهر القمّي الشيرازي/ ت مهدي الرجائي/ ط1/ مط أمير/ 1418هـ.
6 - الاستذكار: ابن عبد البرّ/ ط1/ 2000م/ دار الكتب العلمية/ بيروت.
7 - الأُصول الستَّة عشـر:عدَّة محدِّثين/ ط2/ 1405هـ/ دار الشبستري/ قم.
8 - أضواء البيان: الشنقيطي/ 1415هـ/ دار الفكر/ بيروت.
9 - إعلام الورى: الطبرسي/ ط1/ 1417هـ/ مط ستارة/ مؤسّسة آل البيت/ قم.
10 - الأعلام: خير الدين الزركلي/ ط5/ 1980م/ دار العلم للملايين/ بيروت.
11 - الأمالي: الشيخ الصدوق/ ت قسم الدراسات/ ط1/ 1417هـ/ مؤسّسة البعثة.

(١٩٩)

12 - الأمالي: الشيخ المفيد/ ط2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
13 - الأمالي: الشيخ الطوسي/ ت مؤسّسة البعثة/ ط 1/ 1414هـ/ دار الثقافة/ قم.
14 - الإمامة والتبصـرة: ابن بابويه/ ط1/ 1404هـ/ مدرسة الإمام الهادي/ قم.
15 - الإمامة والسياسة: ابن قتيبة الدينوري/ ت الزيني/ مؤسّسة الحلبي.
16 - بحار الأنوار: العلَّامة المجلسـي/ ط 2 المصحَّحة/ 1403هـ/ مؤسّسة الوفاء/ بيروت.
17 - بصائر الدرجات: محمّد بن الحسن الصفّار/ ت كوجه باغي/ 1404هـ/ مط الأحمدي/ منشورات الأعلمي/ طهران.
18 - تاريخ الإسلام: الذهبي/ ت تدمري/ ط1/ 1407هـ/ دار الكتاب العربي/ بيروت.
19 - تاريخ مدينة دمشق: ابن عساكر/ ت علي شيري/ 1415هـ/ دار الفكر/ بيروت.
20 - تاريخ المذاهب الإسلاميّة: أبو زهرة/ دار الفكر العربي.
21 - تأويل الآيات: شرف الدين الحسيني/ ط 1/ 1407هـ/ مط أمير/ مدرسة الإمام المهدي/ قم.
22 - تحفة الأحوذي: المباركفوري/ ط 1/ 1410هـ/ دار الكتب العلمية/ بيروت.
23 - تذكرة الحفّاظ: الذهبي/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
24 - تفسير ابن كثير: ابن كثير/ ت يوسف المرعشلي/ 1412هـ/ دار المعرفة/ بيروت.

(٢٠٠)

25 - تهذيب التهذيب: ابن حجر/ ط1/ 1404هـ/ دار الفكر/ بيروت.
26 - ثواب الأعمال: الشيخ الصدوق/ ت محمّد مهدي الخرسان/ ط2/ 1368ش/ مط أمير/ منشورات الشريف الرضي/ قم.
27 - الخصال: الشيخ الصدوق/ ت علي أكبر الغفاري/ 1403هـ/ جماعة المدرسين/ قم.
28 - الدرّ النظيم: يوسف بن حاتم الشامي المشغري العاملي/ مؤسّسة النشر التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدَّسة.
29 - دلائل الإمامة: الطبري (الشيعي)/ ط1/ 1413هـ/ قم.
30 - روضة الواعظين: الفتال النيسابوري/ ت محمّد مهدي الخرسان/ منشورات الشريف الرضي/ قم.
31 - الروضة في فضائل أمير المؤمنين: شاذان بن جبرئيل القمي/ ط1/ 1423هـ.
32 - رياض الصالحين: النووي/ ط2/ 1411هـ/ دار الفكر/ بيروت.
33 - السُّنَّة: ابن أبي عاصم/ ط 3/ 1413هـ/ المكتب الإسلامي/ بيروت.
34 - السُّنَّة: أحمد بن محمّد الخلال/ ط 1/ 1410هـ/ دار الراية.
35 - سنن ابن ماجة: ابن ماجة القزويني/ ت محمّد فؤاد عبد الباقي/ دار الفكر/ بيروت.
36 - السنن الكبرى: البيهقي/ دار الفكر/ بيروت.
37 - سير أعلام النبلاء: الذهبي/ ت حسين الأسد/ ط9/ 1413هـ/ مؤسّسة الرسالة/ بيروت.

(٢٠١)

38 - شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد/ ت محمّد أبو الفضل إبراهيم/ ط1/ 1378هـ/ دار إحياء الكتب العربية/ بيروت.
39 - صحيح ابن حبّان: ابن حبّان/ ت الأرنؤوط/ ط 2/ 1414هـ/ مؤسّسة الرسالة.
40 - صحيح البخاري: البخاري/ 1401هـ/ دار الفكر/ بيروت.
41 - صحيح مسلم: مسلم النيسابوري/ دار الفكر/ بيروت.
42 - الصـراط المستقيم:علي بن يونس العاملي/ ت محمّد باقر البهبودي/ ط1/ 1384هـ/ مط الحيدري/ المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.
43 - الضعفاء: العقيلي/ ط2/ 1418/ دار الكتب العلمية/ بيروت.
44 - الطبقات الكبرى: محمّد بن سعد/ دار صادر/ بيروت.
45 - الطرائف: ابن طاووس/ ط1/ 1399هـ/ مط الخيام/ قم.
46 - عقد الدرر: يوسف بن يحيى المقدسي/ انتشارات نصائح.
47 - علل الشـرائع: الشيخ الصدوق/ ت محمّد صادق بحر العلوم/ 1385هـ/ منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها/ النجف الأشرف.
48 - عيون أخبار الرضا: الشيخ الصدوق/ ت حسين الأعلمي/ 1404هـ/ مؤسّسة الأعلمي/ بيروت.
49 - الغيبة: الشيخ الطوسي/ ت عبد الله الطهراني، علي أحمد ناصح/ ط1/ 1411هـ/ مط بهمن/ مؤسّسة المعارف الإسلاميّة/ قم.
50 - الغيبة: النعماني/ ت فارس حسّون كريم/ ط1/ 1422هـ/ مط مهر/ أنوار الهدى.
51 - فتح الباري: ابن حجر/ ط2/ دار المعرفة/ بيروت.

(٢٠٢)

52 - الفتن: نعيم بن حماد المروزي/ ت سهيل زكار/ 1414هـ/ دار الفكر/ بيروت.
53 - الفصول المهمّة: شرف الدين/ ط 1/ قسم الإعلام الخارجي لمؤسّسة البعثة.
54 - الفضائل: شاذان بن جبرئيل القمي/ 1381هـ/ منشورات المطبعة الحيدرية ومكتبتها/ النجف الأشرف.
55 - قرب الإسناد: الحميري القمّي/ ط1/ 1413هـ/ مط مهر/ مؤسّسة آل البيت/ قم.
56 - الكافي: الشيخ الكليني/ ت علي أكبر الغفاري/ ط5/ 1363ش/ مط حيدري/ دار الكتب الإسلاميّة/ طهران.
57 - كامل الزيارات: ابن قولويه/ ت جواد القيّومي/ ط1/ 1417هـ/ مط مؤسّسة النشر الإسلامي/ مؤسّسة نشر الثقافة.
58 - الكبائر: الذهبي/ ط 1/ 1416هـ/ دار الخير.
59 - كتاب سليم بن قيس: سليم بن قيس الهلالي/ ت محمّد باقر الأنصاري.
60 - الكشف الحثيث: سبط ابن العجمي/ ط1/ 1407هـ/ عالم الكتب/ بيروت.
61 - كفاية الأثر: الخزّاز القمّي/ ت عبد اللطيف الكوهكمري الخوئي/ 1401هـ/ مط الخيّام/ انتشارات بيدار.
62 - كمال الدين: الشيخ الصدوق/ ت علي أكبر الغفاري/ 1405هـ/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.

(٢٠٣)

63 - كنز العمّال: المتّقي الهندي/ ت بكري حياني/ 1409هـ/ مؤسّسة الرسالة/ بيروت.
64 - كنز الفوائد:أبو الفتح الكراجكي/ ط2/ 1369ش/ مط غدير/ مكتبة المصطفوي/ قم.
65 - لسان الميزان: ابن حجر/ ط2/ 1390هـ/ مؤسّسة الأعلمي/ بيروت.
66 - مآثر الإنافة: القلقشندي/ ت عبد الستّار أحمد فراج/ 1964م/ وزارة الإرشاد والأنباء في الكويت.
67 - المجروحين: ابن حبّان/ ت محمود إبراهيم زايد.
68 - مجلَّة تراثنا: مؤسّسة آل البيت/ 1405هـ/ مط نمونه/ قم.
69 - مجمع الزوائد: الهيثمي/ 1408هـ/ دار الكتب العلمية/ بيروت.
70 - المحاسن: البرقي/ ت جلال الدين الحسيني المحدِّث/ 1370هـ/ دار الكتب الإسلاميّة/ طهران.
71 - مدينة المعاجز: هاشم البحراني/ ت عزَّة الله المولائي الهمداني/ ط1/ 1413هـ/ مط بهمن/ مؤسّسة المعارف الإسلاميّة/ قم.
72 - المستدرك: الحاكم النيسابوري/ إشراف يوسف عبد الرحمن المرعشلي.
73 - مسند أبي داود: سليمان بن داود الطيالسـي/ دار المعرفة/ بيروت.
74 - مسند أبي عوانة: أبو عوانة/ ط1/ 1998م/ دار المعرفة/ بيروت.
75 - مسند أبي يعلى: أبو يعلى الموصلي/ ت حسين سليم أسد/ دار المأمون للتراث.

(٢٠٤)

76 - مسند أحمد: أحمد بن حنبل/ دار الصادر/ بيروت.
77 - مسند الشاميين: الطبراني/ ط2/ 1417هـ/ مؤسّسة الرسالة.
78 - مصباح المتهجّد: الشيخ الطوسي/ ط1/ 1411هـ/ مؤسّسة فقه الشيعة/ بيروت.
79 - معاني الأخبار: الشيخ الصدوق/ ت علي أكبر الغفاري/ 1379هـ/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.
80 - المعجم الأوسط: الطبراني/ 1415هـ/ دار الحرمين.
81 - المعجم الكبير: الطبراني/ ت حمدي عبد المجيد السلفي/ ط2 مزيَّدة ومنقَّحة/ دار إحياء التراث العربي.
82 - مقتضب الأثر: ابن عيّاش الجوهري/ مط العلمية/ مكتبة الطباطبائي/ قم.
83 - مقدّمة فتح الباري: ابن حجر/ ط1/ 1408هـ/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
84 - من لا يحضـره الفقيه: الشيخ الصدوق/ ت علي أكبر الغفاري/ ط2/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.
85 - مناقب آل أبي طالب: ابن شهر آشوب/ ت لجنة من أساتذة النجف/ 1376هـ/ المكتبة الحيدرية/ النجف.
86 - المنتظم في تاريخ الأُمم والملوك: ابن الجوزي / ط1/ 1412هـ/ دار الكتب العلمية/ بيروت.
87 - ميزان الاعتدال: الذهبي/ ت علي محمّد البجاوي/ ط1/ 1382هـ/ دار المعرفة/ بيروت.

(٢٠٥)

88 - الهداية الكبرى: الخصيبي/ ط4/ 1411هـ/ مؤسّسة البلاغ/ بيروت.
89 - وضوء النبيّ: علي الشهرستاني/ ط1/ 1415هـ.
90 - وفيات الأعيان: ابن خلّكان/ ت إحسان عبّاس/ دار الثقافة/ بيروت.
91 - ينابيع المودَّة: القندوزي/ ت علي جمال أشرف الحسيني/ ط1/ 1416هـ/ دار الأُسوة.

* * *

(٢٠٦)