فقه علائم الظهور

فقه علائم الظهور

الشيخ محمّد السند
تقديم وتحقيق: مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عليه السلام)
الطبعة الثانية: 1433هـ
رقم الإصدار: 133

فهرست الموضوعات

المدخل..................3
لمحة إجمالية: في أدلَّة انقطاع النيابة الخاصّة في الغيبة الكبرى واستمرار الانقطاع حتَّى الصيحة والسفياني..................4
الدليل الأوّل..................4
الدليل الثاني..................8
الدليل الثالث..................11
الدليل الرابع..................13
اليماني والحسني..................17
ذو النفس الزكيّة وشعيب بن صالح وغيرهما..................26
التوصية الأولى..................36
التوصية الثانية..................36
التوصية الثالثة..................37
التوصية الرابعة..................42
التوصية الخامسة..................45
التوصية السادسة..................47
مصادر التحقيق..................55

بسم الله الرحمن الرحيم

المدخل:
تطرح في الآونة الأخيرة تساؤلات حول موقعية شخصيات الظهور، حيث ينتحل أدعياء - بين الفينة والأخرى - أسمائهم، فهل لتلك الشخصيات - وهي نجوم سنة الظهور - صفة رسمية من قِبَل الإمام المنتظر (عليه السلام)، كأن يكونوا نوّاباً خاصّين له وسفراء للناحية، أو غير ذلك من السمات التي لها طابع الحجّية والتمثيل القانوني، مع أنَّه قد قامت الضرورة في روايات أهل البيت (عليهم السلام) على نفي النيابة الخاصّة والسفارة في الغيبة الكبرى للإمام المهدي (عليه السلام)، وكذلك في تسالم وإجماع علماء الإمامية.
وهذه النجوم لمسرح سنة الظهور ممَّا قد جاءت أسماؤهم في روايات علامات الظهور، مثل: اليماني، والخراساني (الحسني)، وشعيب بن صالح، والنفس الزكية، وغيرهم، وذكرت لهم ملاحم ممهّدة في نفس سنة الظهور، فهل يستفاد منها أيّ صفة معتبرة نافذة، أم أنَّ النعوت الواردة فيهم لا يستفاد منها أكثر من مديح عامّ من دون أن يصل إلى درجة الحجّية الرسمية؟ وقبل الخوض في دلالة الروايات الواردة في شأنهم نتعرَّض إلى:...

(٣)

لمحة إجمالية: في أدلَّة انقطاع النيابة الخاصّة في الغيبة الكبرى واستمرار الانقطاع حتَّى الصيحة والسفياني

وقد بسط علماء الإمامية الحديث عن الانقطاع مطوَّلاً في الكتب المؤلَّفة في غيبته (عليه السلام) من الجيل المعاصر للأئمّة السابقين (عليهم السلام) مروراً بالذين عاصروا غيبته الصغرى، والتقوا بالنوّاب الأربعة، كالكليني وعلي بن بابويه وسعد بن عبد الله الأشعري والنوبختي وغيرهم إلى الجيل الأوّل من الغيبة الكبرى، كالصدوق وابن قولويه والنعماني ومحمّد بن الحسن الخزّاز وغيرهم، ثمّ المفيد والمرتضى والطوسي والكراجكي، وتتابع طبقات العلماء في كتبهم الكلامية والحديثية الروائية، وقد أودعوا في ذلك من طوائف الروايات المرويّة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى بقيّة الأئمّة المعصومين (عليهم السلام).
ونشير إلى جملة من تلك الأدلَّة:
الدليل الأوّل:
التوقيع المبارك الصادر من الناحية المقدَّسة منه (عليه السلام) على يد النائب الرابع علي بن محمّد السمري قبل وفاة النائب بستّة أيّام: «يا علي

(٤)

بن محمّد السمري، اسمع! أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنَّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام، فاجمع أمرك، ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلّا بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي من شيعتي من يدَّعي المشاهدة، ألا فمن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر، ولا حول ولا قوَّة إلّا بالله العلي العظيم»، قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلمَّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: مَنْ وصيّك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه وقضى، فهذا آخر كلام سمع منه رضي الله عنه وأرضاه.
وقد روى التوقيع كلّ من الصدوق في إكمال الدين(1)، والطوسي في الغيبة(2)، والنعماني في كتابه الغيبة(3)، والطبرسي في الاحتجاج(4)، والراوندي في الخرائج والجرائح رواه عن الصدوق أيضاً(5).
وقد رواه الشيخ الطوسي، قال: (أخبرنا جماعة - يعني جماعة مشايخه -، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه - الصدوق -، قال: حدَّثني أبو محمّد الحسن بن أحمد المكتَّب).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إكمال الدين: 516/ باب 45/ ح 44.
(2) الغيبة للطوسي: 395/ ح 365.
(3) لم نجده فيه.
(4) الاحتجاج 2: 297.
(5) الخرائج والجرائح 3: 1128 و1129.

(٥)

وقد رواه الصدوق في إكمال الدين عن أبي محمّد الحسن بن أحمد المكتَّب، وهو من مشايخ الصدوق، وقد ترحَّم عليه في كتابه إكمال الدين.
هذا وقد ذكر الشيخ الطوسي في (الغيبة) - عند تعرّضه لترجمة وبيان حال النوّاب والنائب الرابع (السمري) - خمس روايات لانقطاع السفارة بخمسة طرق، منها: قوله: (وأخبرني محمّد بن محمّد بن النعمان - المفيد -، والحسين بن عبيد الله - الغضائري -، عن أبي عبد الله محمّد بن أحمد الصفواني - شيخ الطائفة تلميذ الكليني ومعاصر للنائب الرابع -، وذكر حضور الشيعة عند النائب الرابع، وأنَّه لم يوص إلى أحد بعده(6)، وهذا الطريق صحيح أعلائي، بل هو قطعي الصدور.
ودلالة التوقيع الشريف على الانقطاع في موضعين:
الموضع الأوّل: قوله (عليه السلام): «فاجمع أمرك، ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلّا بعد إذن الله تعالى ذكره»، فنهاه عن الوصيّة إلى أحد بعده، فلا يقوم أحد مقام النائب الرابع، وكذلك قوله (عليه السلام): «فقد وقعت الغيبة التامّة» دلالة على أنَّ فترة النوّاب الأربعة لم تكن غيبة تامّة، وإنَّما هي صغرى لا تامّة كبرى، حيث إنَّ النوّاب الأربعة كانوا حلقة وصل بينه وبين شيعته، ممَّا يدلُّ على أنَّ معنى الغيبة التامّة، وهي الكبرى التي وقعت بعد الصغرى، هي أن ينقطع فيها مقام النيابة الخاصّة، وأنَّها ممتدَّة، فلا ظهور حتَّى الصيحة وخروج السفياني.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(6) أنظر: الغيبة للطوسي: 394/ ح 363.

(٦)

الموضع الثاني: قوله (عليه السلام): «سيأتي من شيعتي مَنْ يدَّعي المشاهدة، ألا فمن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر»، والظاهر من ادّعاء المشاهدة هو السفارة والنيابة بقرينة السياق والصدور على يد النائب الرابع، حيث أمره بعدم الوصيّة لأحد أن يقوم مقامه في النيابة، ولاسيّما وأنَّ ادّعاء ذلك هو وسيلة لأجل ادّعاء الوساطة بين الإمام (عليه السلام) والناس، والتحايل على الآخرين أن بإمكانه القيام بحلقة وصل بين الإمام وبينهم، وهو معنى السفارة والنيابة الخاصّة.
ثمّ إنَّ صريح هذا التوقيع الشريف الذي تطابقت عليه الطائفة أنَّ انقطاع النيابة الخاصّة والسفارة يمتدُّ إلى الصيحة من السماء بصوت جبرئيل التي هي من علامات الظهور الحتمية الواقعة في نفس سنة الظهور، وهي: «ألا إنَّ الحقّ في علي وشيعته»، ثمّ ينادي إبليس في آخر النهار من الأرض: «ألا إنَّ الحقّ في عثمان وشيعته، فعند ذلك يرتاب المبطلون» كما جاء في الروايات عنهم (عليهم السلام)(7)، وفي بعضها أنَّ النداء هو في شهر رمضان(8)، وفي بعض الروايات أنَّه في رجب(9)، والظاهر أنَّها نداءات متعدّدة بمضامين متعدّدة.
ومقتضى دلالة هذا التوقيع الشريف هو نفي النيابة الخاصّة والسفارة إلى حدّ سماع الصيحة من السماء في سنة الظهور، وأيّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(7) راجع: الغيبة للطوسي: 435/ ح 425؛ بحار الأنوار 52: 289/ ح 27.
(8) راجع: إكمال الدين: 650/ باب 57/ ح 6.
(9) راجع: الغيبة للنعماني: 186/ باب 10/ فصل 4/ ح 28.

(٧)

مدّع للنيابة والاتّصال والارتباط مع الحجّة (عليه السلام) قبل الصيحة فهو كذّاب ومفتر أيّاً كان هذا المدَّعي، ولو تقمَّص بأيّ اسم وعنوان، سواء ادَّعى أنَّه سيظهر من اليمن أو من خراسان أو من غيرهما.
وكذلك قد وقّت الحدّ والأمد مضافاً إلى الصيحة إلى خروج السفياني، والمراد من خروجه ليس مجرَّد وجوده، بل قيام السفياني بتأسيس دولته في الشام، وخوضه في الحروب لتوسعة دولته.
الدليل الثاني:
الروايات المتواترة التي رواها الصدوق في إكمال الدين، والطوسي في الغيبة، والنعماني في الغيبة، والكليني في الكافي، والتي مفادها وقوع غيبتين للإمام (عليه السلام)، وهذه الروايات قد رويت عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعن بقيّة الأئمّة (عليهم السلام)(10).
فقد روى الشيخ الطوسي بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث -: «أمَا إنَّ لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين: واحدة قصيرة، والأخرى طويلة»(11).
وروى النعماني في الغيبة بسنده عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: «إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبتين: إحداهما تطول حتَّى يقول بعضهم: مات، وبعضهم يقول: قُتل، وبعضهم يقول: ذهب،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(10) راجع: إكمال الدين: 323 و324/ باب 31/ ح8؛ الغيبة للطوسي: 57/ ح52، و61/ ح60، و161 و162/ ح 120، و163/ ح 123، و423 و424/ ح 407؛ الغيبة للنعماني: 176- 178/ باب10/ فصل4/ ح 1-9؛ الكافي 1: 339 و340/ باب في الغيبة/ ح 12 و19 و20.
(11) الغيبة للطوسي: 163/ ح 123.

(٨)

فلا يبقى على أمره من أصحابه إلّا نفر يسير، لا يطَّلع على موضعه أحد من وليّ ولا غيره، إلّا المولى الذي يلي أمره»(12).
وتقريب دلالة هذه الطائفة على انقطاع السفارة هو ما ذكره النعماني، قال: (هذه الأحاديث التي يذكر فيها أنَّ للقائم (عليه السلام) غيبتين أحاديث قد صحَّت عندنا - بحمد الله -، وأوضح الله قول الأئمّة (عليهم السلام)، وأظهر برهان صدقهم فيها، فأمَّا الغيبة الأولى فهي الغيبة التي كانت السفراء فيها بين الإمام (عليه السلام) وبين الخلق قياماً منصوبين ظاهرين موجودي الأشخاص والأعيان، يخرج على أيديهم غوامض العلم، وعويص الحكم، والأجوبة عن كلّ ما كان يسأل عنه من المعضلات والمشكلات، وهي الغيبة القصيرة التي انقضت أيّامها، وتصرَّمت مدَّتها، والغيبة الثانية هي التي ارتفع فيها أشخاص السفراء والوسائط للأمر الذي يريده الله تعالى، والتدبير الذي يمضيه في الخلق، ولوقوع التمحيص والامتحان والبليّة والغربلة والتصفية على مَنْ يدَّعي هذا الأمر، كما قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾ [آل عمران: 179]، وهذا زمان ذلك قد حضر، جعلنا الله فيه من الثابتين على الحقّ، وممَّن لا يخرج في غربال الفتنة، فهذا معنى قولنا: له غيبتان، ونحن في الأخيرة نسأل الله أن يقرّب فرج أوليائه منها...)(13).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(12) الغيبة للنعماني: 176/ باب 10/ فصل 4/ ح 5.
(13) الغيبة للنعماني: 178 و179/ باب 10/ فصل 4/ ذيل الحديث 9.

(٩)

ودلالة تثنية الغيبة على اختلاف الغيبتين القصيرة عن الطويلة بيّنة واضحة، وإلّا لكانت معاً غيبة واحدة لا غيبتان، واختلاف الغيبتين ليس إلّا بوجود السفراء والنوّاب الأربعة في الأُولى دون الثانية.
ومن هذا القبيل ما في صحيح عبد الله بن سنان، قال: دخلت أنا وأبي على أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال: «كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا عَلَماً يرى، فلا ينجو من تلك الحيرة إلّا من دعا بدعاء الغريق»، فقال أبي: هذا والله البلاء، فكيف نصنع - جُعلت فداك - حينئذٍ؟ قال: «إذا كان ذلك - ولن تدركه - فتمسَّكوا بما في أيديكم حتَّى يتَّضح لكم الأمر»(14).
وقال النعماني في ذيل الفصل الذي أورد الحديث فيه: (وفي قوله في الحديث الرابع من هذا الفصل - حديث عبد الله بن سنان -: «كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا عَلَماً يرى» دلالة على ما جرى، وشهادة بما حدث من أمر السفراء الذين كانوا بين الإمام (عليه السلام) وبين الشيعة من ارتفاع أعيانهم، وانقطاع نظامهم، لأنَّ السفير بين الإمام في حال غيبته وبين شيعته هو العَلَم، فلمَّا تمَّت المحنة على الخلق ارتفعت الأعلام، ولا ترى حتَّى يظهر صاحب الحقّ (عليه السلام)، ووقعت الحيرة التي ذكرت وآذننا بها أولياء الله، وصحّ أمر الغيبة الثانية التي يأتي شرحها وتأويلها فيما يأتي من الأحاديث بعد هذا الفصل...)(15).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(14) الغيبة للنعماني: 160 و161/ باب 10/ فصل 2/ ح 4.
(15) الغيبة للنعماني: 164 و165.

(١٠)

الدليل الثالث:
الروايات المستفيضة الآمرة بالانتظار وبالصبر والمرابطة، وعدم الانزلاق مع كلّ منادٍ لشعار إقامة الحقّ والعدل، وكذلك روايات التمحيص والامتحان، ومقتضاها انقطاع السفارة والاتّصال، كما سنبيّن.
مثل ما رواه النعماني في كتابه (الغيبة) بسنده عن عبد الرحمن بن كثير، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) يوماً وعنده مهزم الأسدي، فقال: جعلني الله فداك، متى هذا الأمر الذي تنتظرونه، فقد طال علينا؟ فقال: «يا مهزم، كذب المتمنّون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلِّمون، وإلينا يصيرون»(16).
وروى عن أبي المرهف أيضاً قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «هلكت المحاضير»، قال: قلت: وما المحاضير؟ قال: «المستعجلون، ونجا المقرّبون»(17)، ومفادها ظاهراً وقوع المستعجلين لأمر ظهوره (عليه السلام) في الهلكة والضلال، وكذلك الذين يعيشون عالم التمنّي لتوقيت ظهوره ممَّا يحدو بهم إلى العفوية في الانسياق وراء كلّ ناعق. وهذه الحيرة والاضطراب ليست إلّا للانقطاع وفقد الاتّصال، وهو مقتضى الصبر والانتظار والترقّب، لأنَّه في مورد فقد الاتّصال وانقطاع الخبر وعدم وسيلة للارتباط. وكذلك مفاد روايات التمحيص والامتحان بسبب شدَّة المحنة في غيبته بفقد واسطة الارتباط، فتزداد الريبة بوجوده حتَّى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(16) الغيبة للنعماني: 204/ باب 11/ ح 8.
(17) الغيبة للنعماني: 203/ باب 11/ ح 5.

(١١)

يرجع أكثر القائلين بإمامته عن هذا الاعتقاد، لاسيّما مع كثرة الفتن والمحن والبلاء.
فقد روى النعماني بسنده عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام): «إنَّما مثل شيعتنا مثل أندر - يعني: بيدراً - فيه طعام فأصابه آكِل - أي السوس - فَنُقّي، ثمّ أصابه آكِل فَنُقِّي حتَّى بقي منه ما لا يضرّه الآكِل، وكذلك شيعتنا يميَّزون ويمحَّصون حتَّى تبقى منهم عصابة لا تضرّها الفتنة»(18).
وفي رواية أخرى عن منصور الصيقل، قال: دخلت على أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وعنده جماعة، فبينا نحن نتحدَّث وهو على بعض أصحابه مقبل إذ التفت إلينا وقال: «في أيّ شيء أنتم؟ هيهاتَ هيهاتَ، لا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتَّى تُمحَّصوا. هيهاتَ، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتَّى تُميَّزوا، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتَّى تُغربلوا، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم إلّا بعد إياس، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتَّى يشقى من شقى، ويسعد من سعد»(19)، ويستفاد منها الحذر من الخفَّة والانجرار وراء كلّ مدَّعي وذلك بسبب قلَّة الصبر والضعف عن الثبات في الفتن لقلَّة البصيرة.
الدليل الرابع:
قيام الضرورة لدى الطائفة الإمامية وتسالمهم على انقطاع النيابة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(18) الغيبة للنعماني: 218/ باب 12/ ح 18.
(19) الغيبة للنعماني: 217/ باب 12/ ح 16.

(١٢)

الخاصّة والسفارة، فهو من ضرورة المذهب، حتَّى إنَّ علماء الطائفة حكموا بضلال المدَّعين للسفارة ولعنهم والتبرّي منهم، والطرد لهم عن الطائفة، وهذا الموقف تبعاً لما صدر من التوقيعات من الناحية المقدَّسة حول بعضهم. وإليك بعض أقوالهم:
الأوّل: قال الشيخ سعد بن عبد الله الأشعري القمّي - وقد كان معاصراً للإمام العسكري (عليه السلام)، وكان شيخ الطائفة وفقيهها - في كتابه (المقالات والفِرَق) بعد أن بيَّن لزوم الاعتقاد بغيبة الإمام (عليه السلام)، وانقطاع الارتباط به: (فهذه سبيل الإمامة، وهذا المنهج الواضح، والغرض الواجب اللازم الذي لم يزل عليه الإجماع من الشيعة الإمامية المهتدية رحمة الله عليها، وعلى ذلك إجماعنا إلى يوم مضى الحسن بن علي رضوان الله عليه).
وقريب من هذه العبارة ذكر متكلّم الطائفة وفيلسوفها الحسن بن موسى النوبختي(20).
الثاني: وحكى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه - صاحب كتاب كامل الزيارات، وهو أُستاذ الشيخ المفيد، وكان زعيم الطائفة في وقته معاصراً للصدوق في أوائل الغيبة الكبرى -، قال: (إنَّ عندنا أنَّ كلّ من ادَّعى الأمر بعد السمري (رحمه الله) - وهو النائب الرابع - فهو كافر منمَس، ضالّ مضلّ)(21).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(20) راجع: فِرَق الشيعة: 109.
(21) الغيبة للطوسي: 412/ ذيل الحديث 385.

(١٣)

الثالث: الشيخ الصدوق في كتابه (إكمال الدين) في الباب الثاني والأربعين - ما روي في ميلاد القائم - وبعد ما ذكر نوّابه الأربعة، قال: (فالغيبة التامّة هي التي وقعت بعد مضيّ السمري (رضي الله عنه))(22).
ثمّ روى في الباب اللاحق توقيع الناحية بانقطاع السفارة والنيابة الخاصّة(23)، وقد صرَّح في أوّل كتابه أنَّ الذي دعاه إلى تأليف الكتاب هو حيرة بعض الشيعة بسبب الغيبة، ووجدهم قد عدلوا عن طريق التسليم والتمسّك بالأخبار الواردة إلى الآراء والمقاييس(24).
وقد صرَّح الشيخ النعماني صاحب كتاب الغيبة - وهو معاصر للصدوق وتلميذ الكليني - في عدّة مواضع منه بانقطاع السفارة في الغيبة الكبرى، وقد تقدَّم نبذة من كلماته واستدلاله بالروايات(25).
الرابع: وقال الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد في باب ذكر القائم (عليه السلام): (وله قبل قيامه غيبتان: إحداهما أطول من الأخرى، كما جاءت بذلك الأخبار، فأمَّا القصرى منهما منذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة. وأمَّا الطولى فهي بعد الأُولى وفي آخرها يقوم بالسيف»(26)، ونظير هذا التعبير صرَّح به الطوسي في الغيبة(27).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(22) إكمال الدين: 433/ باب 42/ ذيل الحديث 12.
(23) راجع: إكمال الدين: 516/ باب 45/ ح 44.
(24) انظر: إكمال الدين: 2.
(25) راجع: الغيبة للنعماني: 160 - 165/ باب 10/ فصل 2.
(26) الإرشاد 2: 340.
(27) الغيبة للطوسي: 61/ ذيل الحديث 60.

(١٤)

وقد تظافرت كلمات علماء الإمامية في كتبهم ممَّا يجدها المتتبّع في مظانّها.
بل إنَّ علماء سُنّة الخلافة وجماعة السلطان قد اشتهر بينهم عن الإمامية ذلك، وأخذوا يصيغون الإشكالات بانعدام الإمام (عليه السلام) مع انقطاعه عن شيعته في أكثر كتبهم الكلامية والمؤلّفة في الملل والمذاهب.
وهذه الضرورة القائمة عند الطائفة الإمامية توالت عليها أجيالها قرناً بعد قرن، ودأبت الطائفة في إقصاء وطرد جماعات الانحراف أدعياء السفارة كلَّما ظهر لهم راية.

* * *

هذا ومقتضى الأدلَّة السابقة هو بطلان مدَّعي النيابة الخاصّة وأدعياء السفارة، ومن يزعم أيّ صفة رسمية خاصّة للتمثيل عن الإمام المنتظر (عليه السلام) إلى سماع النداء والصيحة من السماء، واستيلاء السفياني على الشام، فيقع الكلام حينئذٍ فيما يتوهَّم أنَّه ينافي إبطال السفارة في خصوص بعض الأسماء الواردة في الروايات لسنة الظهور:
اليماني والحسني:
فقد ورد في جملة من الروايات، منها: ما رواه النعماني بسنده عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمّد بن علي (عليهما السلام) أنَّه قال في حديث يذكر (عليه السلام) فيه علامات الظهور الحتمية، كالصيحة لجبرئيل في شهر رمضان، ثمّ صوت إبليس اللعين، وخروج

(١٥)

السفياني والخراساني كفرسي رهان يستبقان إلى الكوفة، ثمّ قال: «خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كلّ وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات أهدى من راية اليماني، هي راية هدى، لأنَّه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكلّ مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإنَّ رايته راية هدى، ولا يحلُّ لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النّار، لأنَّه يدعو إلى الحقّ وإلى صراط مستقيم...» الحديث(28)، ورواه الراوندي في الخرائج(29).
وفي الرواية جملة نقاط:
الأولى: أنَّها تحدّد علامة اليماني بعلامة الظهور الحتمية، وهي الصيحة السماوية، وقد ذكر في أوصاف تلك الصيحة، والتي هي نداء جبرئيل من السماء أنَّه يسمعه أهل الأرض، كلّ أهل لغة بلغتهم(30)، واستيلاء السفياني على الشام، وهكذا التحديد للخراساني الذي قد يُعبَّر عنه في روايات أخرى بالحسني.
وهذا التحديد يقطع الطريق على أدعياء هذين الاسمين قبل الصيحة والنداء من السماء، وقبل استيلاء السفياني على الشام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(28) الغيبة للنعماني: 262 - 265/ باب 14/ ح 13.
(29) الخرائج والجرائح 3: 1163، بعضه.
(30) راجع: الإرشاد 2: 369.

(١٦)

وبعبارة أخرى: التحديد لهما هو بسنة الظهور وعلاماتها من الصيحة والخسف بالبيداء وخروج السفياني.
الثانية: أنَّ مقتضى تعليل الرواية لراية اليماني بأنَّها راية هدى، لأنّه يدعو إلى صاحبكم، هو إبداء التحفّظ على راية الحسني، وعدم خلوص دعوته إلى المهدي (عليه السلام)، ويظهر من روايات أخرى أنَّ ذلك لتضمّن جيشه جماعة تقول: إنَّ الإمام والإمامة هي لمن يتصدّى علناً بقيادة أمور المسلمين وإصلاحها لا أنَّها بالنصّ الإلهي، وقد اصطلحت الروايات عليهم بالزيدية، والمراد باللفظة المعنى النعتي والإشارة إلى ذلك المقال والمعتقد لا المسمّين بالزيدية كاسم علم.
وبعبارة أخرى: إنَّ الحسني والخراساني يتبنّى في شعاره المعلن الإمامة بالتصدّي للأمور والإصلاح العلني، بينما يتبنّى اليماني أنَّ الإمامة بالنصّ الإلهي على الاثني عشر آخرهم المهدي (عليه السلام).
الثالثة: أنَّ الرواية تعلّل حرمة الالتواء على اليماني بأنَّه يدعو إلى الحقّ والصراط المستقيم وإلى المهدي (عليه السلام)، فالمدار في مناصرته على توفّر الميزان والحدود الشرعية.
وبعبارة أدقّ: الرواية تدلُّ على حرمة العمل المضادّ لحركته لإفشالها، ففرق بين التعبير بالالتواء عليه والالتواء عنه، فكلمة (عليه) تفيد السعي المضادّ لحركته لا صرف المتاركة لحركته، بخلاف كلمة (عنه) فإنَّها تفيد الانصراف والابتعاد عن حركته. نعم الأمر بالنهوض إليه يفيد المناصرة، والظاهر أنَّ مورده لمن كان في معرض اللقاء به والمصادفة

(١٧)

لمسيره، إذ سيأتي استعراض طوائف من الروايات تحثُّ استبقاء النفس وعلى النهوض والتوجّه إلى مكّة المكرَّمة للانخراط في الإعداد لبيعة الحجّة في المسجد الحرام.
وبعبارة أخرى: إنَّ الرواية كما تحدّد استعلام علامته بأنَّه يدعو إلى المهدي (عليه السلام) بنحو واضح وشفّاف، أي إنَّ برنامجه الذي يدعو إليه متمحّض في إعلاء ذكر الإمام المنتظر والنداء باسمه والدعوة إلى ولاية المهدي (عليه السلام)، والالتزام بمنهاج أهل البيت (عليهم السلام)، كما أنَّ هناك علامة أخرى تشير إليها الرواية، وهي كون خروجه من بلاد اليمن، وهو وجه تسميته باليماني، كما أنَّ استعمال الروايات لليمن بنحو يشمل كلّ تهامة من بلاد الحجاز، أي بنحو شامل لمكّة دون المدينة المنوَّرة، لكن في بعض الروايات الإشارة إلى خروجه من صنعاء، كما سيأتي. ويتحصَّل أنَّ الرواية لا يستفاد منها أنَّ اليماني من النوّاب الخاصّين والسفراء للإمام المنتظر (عليه السلام)، ولا تشير إلى ذلك من قريب ولا بعيد، ولا دلالة لها على وجود ارتباط واتّصال له مع الحجّة (عليه السلام)، وإنَّما تجعل المدار على كون البرنامج الذي يدعو إليه هو على الميزان الحقّ لأهل البيت (عليهم السلام)، وأنَّه لا ينادي إلى تشكيل دولة هو يترأسها، بل يواكب خروجه زمان الصيحة والنداء من السماء الذي يدعو إلى نصرة المهدي (عليه السلام)، فيكون خروج اليماني على ضوء برنامج الصيحة السماوية ونداء جبرئيل.
كما أنَّ ظاهر الرواية دالٌّ على كون خروج الخراساني من خراسان، وهو وجه تسميته تارةً بالخراساني وأخرى بالحسني،

(١٨)

كما في هذه الرواية قبيل القطعة التي نقلناها: «حتَّى يخرج عليهم الخراساني والسفياني، هذا من المشرق وهذا من المغرب، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان: هذا من هنا، وهذا من هنا، حتَّى يكون هلاك بني فلان على أيديهما»(31).
وروى الشيخ في الغيبة بسنده عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «تنـزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة، فإذا ظهر المهدي (عليه السلام) بعث إليه بالبيعة»(32).
وقد روى الصدوق في إكمال الدين بسنده عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث عن القائم (عليه السلام)، وأنَّه منصور بالرعب، وعلامات ظهوره القريبة: «وخرج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين الركن والمقام...»،(33) وهي صريحة في خروج اليماني من اليمن.
وكذلك روى النعماني بسنده عن عبيد بن زرارة، قال: ذكر عند أبي عبد الله (عليه السلام) السفياني فقال: «أنّى يخرج ذلك ولمَّا يخرج كاسر عينيه(34) بصنعاء»(35).
وروى الشيخ الطوسي في أماليه بإسناده عن هشام، عن أبي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(31) الغيبة للنعماني: 262 - 265/ باب 14/ ح 13.
(32) الغيبة للطوسي: 452/ ح 457.
(33) إكمال الدين: 331/ باب 32/ ح 16.
(34) في البحار: (ولم يخرج كاسر عينه).
(35) الغيبة للنعماني: 286/ باب 14/ ح 60؛ بحار الأنوار 52: 245/ ح 123.

(١٩)

عبد الله (عليه السلام)، قال: لمَّا خرج طالب الحقّ قيل لأبي عبد الله (عليه السلام): نرجو أن يكون هذا اليماني، فقال: «لا، اليماني يتوالى علياً، وهذا يبرأ منه»(36)، ومفاد الرواية هو ما سبق من التزام اليماني ولاية أهل البيت (عليهم السلام) ومنهاجهم. كما قد يظهر منها أنَّ في زمنهم (عليهم السلام) حصلت حركات قام بها أدعياء بأسماء مسرح الظهور، كتقمّص اسم اليماني، كما حفل التاريخ الإسلامي بالمنتحلين للمهدويّة.
ومنها: ما أخرجه في (بحار الأنوار) عن بعض مؤلّفات الإمامية بسنده عن المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث الظهور -: «ثمّ يخرج الحسني الفتى الصبيح الذي نحو الديلم! يصيح بصوت له فصيح: يا آل أحمد، أجيبوا الملهوف والمنادي من حول الضريح، فتجيبه كنوز الله بالطالقان، كنوز وأيّ كنوز، ليست من فضَّة ولا ذهب، بل هي رجال كزبر الحديد، على البراذين الشهب، بأيديهم الحراب، ولم يزل يقتل الظلمة حتَّى يرد الكوفة وقد صفا أكثر الأرض، فيجعلها له معقلاً، فيتَّصل به وبأصحابه خبر المهدي (عليه السلام)، ويقولون: يا ابن رسول الله، مَنْ هذا الذي قد نزل بساحتنا؟ فيقول: أُخرجوا بنا إليه حتَّى ننظر مَنْ هو؟ وما يريد؟ وهو والله يعلم أنَّه المهدي، وأنَّه ليعرفه، ولم يرد بذلك الأمر إلّا ليعرّف أصحابه من هو، فيخرج الحسني فيقول: إن كنت مهدي آل محمّد فأين هراوة جدّك رسول الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(36) أمالي الطوسي: 661/ ح (1375/19).

(٢٠)

(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وخاتمه، وبردته، ودرعه الفاضل، وعمامته السحاب، وفرسه اليربوع، وناقته العضباء، وبغلته الدلدل، وحماره اليعفور، ونجيبه البراق، ومصحف أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ فيخرج له ذلك، ثمّ يأخذ الهراوة فيغرسها في الحجر الصلد وتورق، ولم يرد ذلك إلّا أن يرى أصحابه فضل المهدي (عليه السلام) حتَّى يبايعوه. فيقول الحسني: الله أكبر، مُدَّ يدك يا ابن رسول الله حتَّى نبايعك، فيمدّ يده فيبايعه ويبايعه سائر العسكر الذي مع الحسني إلّا أربعين ألفاً أصحاب المصاحف المعروفون بالزيدية، فإنَّهم يقولون: ما هذا إلّا سحر عظيم. فيختلط العسكر فيقبل المهدي (عليه السلام) على الطائفة المنحرفة، فيعظهم ويدعوهم ثلاثة أيّام، فلا يزدادون إلّا طغياناً وكفراً، فيأمر بقتلهم فيقتلون جميعاً، ثمّ يقول لأصحابه: لا تأخذوا المصاحف ودعوها تكون عليهم حسرة كما بدَّلوها وغيَّروها وحرَّفوها ولم يعملوا بما فيها»(37).
ويظهر من هذه الرواية جملة من النقاط تعزّز ما تقدَّم:
الأولى: أنَّ ظاهر دعوة الحسني ليس متمحّضة في الدعوة إلى المهدي (عليه السلام)، بل شعاره عامّ في رفع الظلم، ومن ثَمَّ يشاهد جملة من قاعدته وأتباعه من الزيدية، والمراد منهم - كما مرَّ - المعنى النعتي الوصفي لا العلمي، أي من يرى أنَّ الإمامة هي بالتصدّي العلني لتدبير الأمور السياسية الاجتماعية وتغييرها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(37) بحار الأنوار 53: 15 و16.

(٢١)

الثانية: أنَّه مع كون الشعار والمنهاج المعلن للحسني ليس بتلك الدرجة من الاستقامة، إلّا أنَّ ذلك بسبب الأجواء والوسط الذي يقوم فيه، ومع ذلك فلا تغيب البصيرة بتمامها عن الحسني في الانقياد والاتّباع للإمام (عليه السلام).
وإلى ذلك تشير رواية النعماني في الغيبة، بإسناده عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «كأنّي بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحقّ فلا يعطونه، ثمّ يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتَّى يقوموا، ولا يدفعونها إلّا إلى صاحبكم، قتلاهم شهداء، أمَا إنّي لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر»(38).
فإرشاده إلى التحفّظ على النفس حتَّى يظهر الحجّة (عليه السلام)، وادّخار النفس لنصرته مؤشّر عامّ على اتّخاذ الحيطة في التيّارات والرايات التي تظهر قبيل المهدي (عليه السلام) في سنة ظهوره، وعدم خلوص تلك الجماعات عن شوب الاختلاط في الأوراق والبصيرة، كما أنَّه دالٌّ على أرجحية ادّخار النفس والنصرة إلى خروج المهدي (عليه السلام) من مكّة على الالتحاق براية اليماني، فضلاً عن غيرها من الرايات.
وفي رواية أخرى للنعماني في الغيبة بإسناده عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث في الظهور، ومجيء جيش السفياني إلى الكوفة وقتله لأهل الكوفة وتنكيله بهم، قال: «فبينا هم كذلك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(38) الغيبة للنعماني: 281 و282/ باب 14/ ح 50.

(٢٢)

إذ أقبلت رايات من قِبَل خراسان تطوي المنازل طيّاً حثيثاً، ومعهم نفر من أصحاب القائم...»(39).
ويظهر منها وجود بعض ذوي البصائر في جيش الخراساني في حين وجود جماعات أخرى غير متوفّرة على بصيرة مستقيمة.
والحاصل: أنَّ أهمّ ما ورد في اليماني لا يرقى إلى إثبات نيابته الخاصّة عن الحجّة، وكونه سفيراً لناحيته المقدَّسة، بل غاية الأمر كون دعوته هي إلى الحقّ، وهو منهاج أهل البيت (عليهم السلام) وولايتهم وولاية المهدي (عليه السلام)، ولا يدعو إلى برنامج إصلاحي يترأس هو فيه، ويعيّن فيه نفسه للقيادة. هذا مع كون علامات خروجه هو في سنة ظهور الحجّة (عليه السلام)، أي مواكباً للصيحة السماوية، واستيلاء السفياني على الشام، والخسف لجيش السفياني بالبيداء حوالي المدينة المنوَّرة في الطريق باتّجاه مكّة المكرَّمة. وأنَّ خروجه من اليمن باتّجاه الكوفة، وأنَّ من كان في معرض لقياه ومسيره فلا يسعى لمعارضته وإضعافه بعد التحقّق من العلامات الآنفة، والتأكّد من توفّر العلامات فيه، ووضوح برنامج دعوته إلى ولاية أهل البيت (عليهم السلام)، والبراءة من أعدائهم، والولاية لإمامة المهدي (عليه السلام)، وأمَّا مناصرته والالتحاق به فهو وإن كان بلحاظ انطباق ميزان وضابطة الحقّ والصواب في دعوته من منهاج أهل البيت (عليهم السلام) وولايتهم وولاية الإمام المنتظر، إلّا أنَّه يظهر من روايات أخرى - واحدة منها سبق الإشارة إليها، وسيأتي الباقي - أنَّ الدعوة العامّة الشاملة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(39) الغيبة للنعماني: 289/ باب 14/ ح 67.

(٢٣)

اللازمة على جميع شيعة أهل البيت (عليهم السلام) هو النفر إلى مكّة المكرَّمة للانخراط في بيعة المهدي (عليه السلام) وفي جيشه.
هذا كلّه في اليماني فضلاً عمَّا ورد في الحسني الخراساني الذي يخرج من خراسان، فإنَّه قد مرَّ ورود التعريض برايته من حيث شعارها وبرنامجها ووسط القاعدة الشعبية الذي يتشكَّل منه جيشه، وإن انضمَّ ذلك إلى مديح لبعض الفئات المشاركة في نهضته ولشخصه عندما يسلّم الأمر إلى المهدي (عليه السلام)، وباعتبار مقاومته للظالمين، ولكن ليس فيها إعطاء أيّة صفة رسمية للحسني لا كنائب خاصّ، ولا كسفير للناحية المقدَّسة.
هذا مع تحديد الروايات لخروجه بنفس سنة الظهور وعلاماتها الحتمية من الصيحة السماوية، واستيلاء السفياني على بلاد الشام، وخسف فرقة من جيشه ببيداء المدينة المنوَّرة.
ذو النفس الزكيّة وشعيب بن صالح وغيرهما:
ورد التعبير به عن شخصيتين: إحداهما - وهي الأقلُّ وروداً في الروايات -: على شخصية يقتل بظهر الكوفة، وثانيها: الذي يُقتل بين الركن والمقام، بل في بعض روايات الأدعية الواردة عنهم إطلاق النفس الزكية على المهدي (عليه السلام)(40).
وقد روى الشيخ المفيد في الإرشاد في علامات الظهور

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(40) راجع: الدعوات للراوندي: 58/ ح 146؛ بحار الأنوار 88 : 376/ ح 33.

(٢٤)

ممَّا قد جاءت به الآثار: (وقتل نفس زكيّة بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام)(41).
فذُكرَ كلٌّ منهما، ولكن الثاني أكثر وروداً في الروايات، وفي جملة منها أنَّ قتله بين الركن والمقام من العلامات الحتمية، وأنَّ اسمه محمّد بن الحسن، وأنَّه من ذرّية الحسين (عليه السلام)، وأنَّه من خواصّ أصحاب المهدي (عليه السلام)، لكن خروجه في مكّة مرتبط بفاصل أيّام، وبينه وبين ظهور الحجّة (عليه السلام) للبيعة عند الركن خمسة عشرة ليلة، ففي صحيح عمر بن حنظلة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «خمس علامات قبل قيام القائم: الصيحة، والسفياني، والخسف، وقتل النفس الزكيّة، واليماني»، فقلت: جُعلت فداك، إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أنخرج معه؟ قال: «لا»، فلمَّا كان من الغد تلوت هذه الآية: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ﴾ [الشعراء: 4]، فقلت له: أهي الصيحة؟ فقال: «أمَا لو كانت خضعت أعناق أعداء الله (عزَّ وجلَّ)»(42)، فيظهر منه أنَّ الصيحة وقتل النفس الزكية، والمراد به الذي يقتل في الكعبة بين الركن والمقام، من العلامات الحتمية للظهور، كما أنَّ في الصيحة تحذيراً أكيداً، وتنبيهاً بالغاً على عدم الانخداع وراء أدعياء أسماء الظهور قبل تحقّق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(41) الإرشاد 2: 368.
(42) الكافي 8 : 310/ ح 483.

(٢٥)

العلامات الحتمية من الصيحة والسفياني والخسف لجيشه في صحراء المدينة المنوَّرة، وإنَّ من أهمّ علامات الظهور الصيحة والنداء من السماء.
وروى النعماني بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: جُعلت فداك، متى خروج القائم (عليه السلام)؟ فقال: «يا أبا محمّد، إنّا أهل بيت لا نوقّت، وقد قال محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم): كذب الوقّاتون، يا أبا محمّد، إنَّ قدّام هذا الأمر خمس علامات، أوّلهنَّ: النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراساني، وقتل النفس الزكية، وخسف بالبيداء...» الحديث(43).
وروى الصدوق في إكمال الدين بإسناده عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) يقول: «القائم منّا منصور بالرعب، مؤيَّد بالنصر، تطوى له الأرض...»، فقلت له: يا بن رسول الله، متى يخرج قائمكم؟ قال: «إذا... وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين الركن والمقام، اسمه محمّد بن الحسن النفس الزكية، وجاءت الصيحة من السماء بأنَّ الحقّ فيه وفي شيعته، فعند ذلك خروج قائمنا...» الحديث(44).
وروى الصدوق أيضاً في إكمال الدين، بإسناده عن صالح مولى بني العذراء، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(43) الغيبة للنعماني: 301/ باب 16/ ح 6.
(44) إكمال الدين: 331/ باب 32/ ح 16.

(٢٦)

«ليس بين قيام قائم آل محمّد وبين قتل النفس الزكية إلّا خمسة عشر ليلة»، ورواه الشيخ في الغيبة، والمفيد في الإرشاد(45).
وفي رواية الشيخ الطوسي في الغيبة بإسناده عن عمّار بن ياسر أنَّه قال: (إنَّ دولة أهل بيت نبيّكم في آخر الزمان، ولها أمارات، فإذا رأيتم فالزموا الأرض، وكفّوا حتَّى تجيء أماراتها...) إلى أن قال: (ثمّ يسير - أي السفياني بعد استيلاءه على الشام - إلى الكوفة، فيقتل أعوان آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويقتل رجلاً من مسمّيهم، ثمّ يخرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح، وإذا رأى أهل الشام قد اجتمع أمرها على ابن أبي سفيان فألحقوا بمكّة، فعند ذلك تقتل النفس الزكية وأخوه بمكّة ضيعة، فينادي منادٍ من السماء: أيّها النّاس، إنَّ أميركم فلان، وذلك هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(46).
ويظهر من هذه الرواية أنَّ النفس الزكية يقتل مع أخيه، وأنَّ شعيب بن صالح من رؤساء وقوّاد جيش المهدي، وعلامته ظهوره في جيشه معه.
وفي رواية العياشي عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث الظهور: «... ثمّ يخرج من مكّة هو ومن معه الثلاثمائة وبضعة عشر يبايعونه بين الركن والمقام، معه عهد نبيّ الله ورايته وسلاحه ووزيره معه، فينادي المنادي بمكّة باسمه وأمره من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(45) إكمال الدين: 649/ باب 57/ ح 2؛ الغيبة للطوسي: 445/ ح 440؛ الإرشاد 2: 374.
(46) الغيبة للطوسي: 463 و464/ ح 479.

(٢٧)

السماء، حتَّى يسمعه أهل الأرض كلّهم، اسمه اسم نبيّ، ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبيّ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ورايته وسلاحه، والنفس الزكية من ولد الحسين، فإن أشكل عليكم هذا فلا يشكل عليكم الصوت من السماء باسمه وأمره، وإيّاك وشذّاذ من آل محمّد، فإنَّ لآل محمّد وعلي راية، ولغيرهم رايات، فألزم الأرض ولا تتَّبع منهم رجلاً أبداً، حتَّى ترى رجلاً من ولد الحسين معه عهد نبيّ الله ورايته وسلاحه، فإنَّ عهد نبيّ الله صار عند علي بن الحسين، ثمّ صار عند محمّد بن علي، ويفعل الله ما يشاء، فألزم هؤلاء أبداً. وإيّاك ومن ذكرت لك، فإذا خرج رجل منهم معه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، ومعه راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عامداً على المدينة...» الحديث(47).
ومفاد الرواية أنَّ قتل النفس الزكية في المسجد الحرام من العلامات البارزة الجليّة الظهور، كما تؤكّد الرواية - كما مرَّ في غيرها - على الحذر الشديد، واليقظة البالغة من الانجرار والانجراف وراء أدعياء رايات الظهور، وشعارات الإصلاح، وقد جعل العلامات الفاصلة بين الملتبس المشتبه وبين الظهور الحقيقي هو الصيحة السماوية.
وروى السيّد علي بن عبد الحميد يرفعه إلى أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) - في حديث -، قال: «يقول القائم (عليه السلام) لأصحابه: يا قوم، إنَّ أهل مكّة لا يريدونني، ولكنّي مرسل إليهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(47) تفسير العياشي 1: 64 - 66/ ح 116.

(٢٨)

لأحتجَّ عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتجَّ عليهم، فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له: امض إلى أهل مكّة فقل: يا أهل مكّة، أنا رسول فلان إليكم، وهو يقول لكم: إنّا أهل بيت الرحمة، ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذرّية محمّد، وسلالة النبيّين، وإنّا قد ظُلمنا واضطُهدنا وقُهرنا وابتزَّ منّا حقّنا منذ قُبض نبيّنا إلى يومنا هذا، فنحن نستنصركم فانصرونا، فإذا تكلَّم هذا الفتى بهذا الكلام أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام، وهي النفس الزكية، فإذا بلغ ذلك الإمام قال لأصحابه: ألا أخبرتكم أنَّ أهل مكّة لا يريدوننا فلا يدعونه حتَّى يخرج فيهبط من عقبة طوى في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً...»(48).
ويظهر من هذه الرواية أنَّ ذا النفس الزكية (محمّد بن الحسن) الحسيني له نيابة خاصّة من الحجّة (عليه السلام) لإبلاغ رسالته إلى أهل مكّة، ولكن ذلك بعد الصيحة السماوية، أي في الظهور الأوّل الأصغر الذي يبتدأ بعد الصيحة السماوية في رجب، أو في شهر رمضان بحسب تعدّد لسان الروايات، وأمّا الظهور الأكبر فهو يبتدأ عندما يسند ظهره الشريف إلى الركن من الكعبة لأخذ البيعة في ابتداء دولته العالمية.
وروى الطوسي في الغيبة عن حذلم بن بشير، قال: قلت لعلي بن الحسين (عليهما السلام): صف لي خروج المهدي، وعرّفني دلائله وعلاماته، فقال: «يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له: عوف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(48) بحار الأنوار 52: 307/ ح 81.

(٢٩)

السلمي بأرض الجزيرة، ويكون مأواه تكريت، وقتله بمسجد دمشق، ثمّ يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند، ثمّ يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس...»(49).
ويظهر من هذه الرواية أنَّ بدء طلوع اسم شعيب بن صالح هو من مدينة سمرقند، وأمّا عوف السلمي فيحتمل من الرواية أنَّه من غير الموالين لأهل البيت (عليهم السلام)، حيث يكون مأواه تكريت وساحة حركته في المدن غير الموالية.
وروى النعماني في الغيبة معتبرة البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنَّه قال: «قبل هذا الأمر السفياني واليماني والمرواني وشعيب بن صالح، فكيف يقول هذا هذا؟!»(50).
ويشير (عليه السلام) إلى مَنْ خرج في زمانه وادَّعى أنَّه القائم، وهذه الرواية تعضد مفاد الرواية السابقة من أنَّ شأن شعيب بن صالح الخروج بحركة قبل حركة المهدي (عليه السلام) من مكّة المكرَّمة حيث يكون شعيب أحد قوّاد جيشه حينئذٍ.
وروي في مختصر بصائر الدرجات في حديث الظهور عن الحسين بن حمدان بإسناده عن المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) عند ذكره لخروج الحسني الفتى الصبيح من الديلم، وأنَّه تجيبه كنوز الله بالطالقان، وهي الرجال كزبر الحديد، وفيه: «لكأنّي أنظر إليهم على البراذين الشهب، بأيديهم الحراب،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(49) الغيبة للطوسي: 443 و444/ ح 437.
(50) الغيبة للنعماني: 262/ باب 14/ ح 12.

(٣٠)

يتعاوون شوقاً إلى الحرب كما تتعاوى الذئاب، أميرهم رجل من بني تميم يقال له: شعيب بن صالح...» إلى أن قال: «ثمّ يسير - أي الحسني - بتلك الرايات كلّها حتَّى يرد الكوفة، وقد جمع بها أكثر أهلها فيجعلها له معقلاً...» الحديث(51).
وهذه الرواية ترسم أنَّ حركة شعيب بن صالح من سمرقند ونهضته حينما تقبل إلى شمال إيران (الديلم) تلتحم بحركة الحسني ويكون شعيب بن صالح أميراً لجيش الحسني، ولا بدَّ أنَّ شعيب بن صالح لا يبقى طويلاً مع الحسني بعدما تقع الصيحة السماوية ونحوها من العلامات الحتمية، بل يلتحق بمكّة المكرَّمة للالتحاق بجيش المهدي (عليه السلام) جمعاً مع رواية عمّار بن ياسر المتقدّمة.
وعلى أيّ تقدير، فالرواية هذه تفصح عن نسب شعيب بن صالح أنَّه من بني تميم، ولعلَّه من مواليد الديلم حيث يكون بدأ حركته منها، كما هو الحال في الحسني، لعلَّه من مواليد سمرقند بعد كون بدأ حركته من الديلم، وهي شمال إيران، هذا ولعلَّ شعيب بن صالح الذي يكون على لواء جيش المهدي يغاير الذي يخرج من سمرقند، ويكون أميراً لجيش الحسني، كما احتمل ذلك الراوندي في (الخرائج والجرائح)، حيث روى عن ابن بابويه بإسناده عن الحسين (عليه السلام)، قال: دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعنده أُبي بن كعب، فقال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مرحباً بك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(51) مختصر بصائر الدرجات: 177 - 192.

(٣١)

يا أبا عبد الله، يا زين السماوات والأرض...»، ثمّ ذكر المهدي من ولده وخروجه: «يخرج وجبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، وشعيب بن صالح على مقدمته...»(52).
وقال قطب الدين الراوندي في ذيل الحديث: (وأمَّا شعيب بن صالح فقد ذكر ابن بابويه في كتاب النبوّة بإسناده عن سهيل بن سعيد...)، ثمّ ذكر رواية أمر هشام بن عبد الملك لحفر بئر في الرصافة، وأنَّه بدت لهم جمجمة رجل عليه ثياب بيض، وفي ثوبه مكتوب: أنا شعيب بن صالح رسول رسول الله شعيب النبيّ (عليه السلام)، إلى قومه، فضربوني وأضرَّوا بي وطرحوني في هذا الجبّ)(53).
وقد روى الراوندي قبل هذه الرواية أيضاً عن عبد الله بن يقطر رضيع الحسين (عليه السلام) شعراً في المهدي (عليه السلام) أربعة أبيات منها:

وقام بنو ليث بنصر ابن أحمد * * * يهزّون أطراف القنا والصفائح
تعرفتهم شعث النواصي يقودها * * * من المنزل الأقصى شعيب بن صالح(54)

وهذه الرواية - لو صحَّت - فلا موجب لحمل اسم شعيب بن صالح الذي على مقدمة جيش الإمام المنتظر (عليه السلام) على إرادته، كما لا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(52) الخرائج والجرائح 2: 551/ ح 11.
(53) انظر: الخرائج والجرائح 2: 552/ ح 12.
(54) الخرائج والجرائح 2: 550/ ح 10.

(٣٢)

موجب لحمل اسمه على الذي يخرج من سمرقند، ويكون أميراً على جيش الحسني عند خروجه، فلعلَّه شعيب بن صالح النبيّ (عليه السلام) المذكور في القرآن، حيث إنَّه يخرج مع المهدي الخضر وإلياس، كما قد تشير إليه بعض الروايات، كما ينـزل عيسى بن مريم ويصلّي خلفه.
وعلى أيّ تقدير، فالروايات الواردة في شعيب بن صالح ليس فيها إشارة إلى صفة تمثيل رسمي له عن الحجّة (عليه السلام) قبل خروج المهدي (عليه السلام). هذا مع أنَّ خروجه هو في نفس سنة الظهور المشتملة على العلامات الحتمية، وأمَّا ذو النفس الزكية فهو وإن كان له تمثيل رسمي عن الحجّة (عليه السلام) إلّا أنَّه بحسب الروايات في خصوص أيّام لا تعدو الخمسة عشر قبل أخذ الإمام المهدي (عليه السلام) البيعة عند الركن في البيت في تلك المهمّة المذكورة في الروايات.
وقد مرَّ استعراض جملة من بعض الروايات المحذّرة والناهية عن الاغترار بأدعياء الظهور، والمدَّعين لتقمّص الأسماء اللامعة لسنة الظهور، كاليماني والحسني وذي النفس الزكية، ونحوهم، بل وقد وقعت هذه الادّعاءات والانتحالات في زمن الأئمّة السابقين (عليهم السلام)، بادّعاء اسم النفس الزكية، كما وقع من بعض الحركات الثورية التي قام بها بعض بني الحسن (السادة الحسنيّين)، وهو: محمّد بن عبد الله، كما وقع انتحال اسم اليماني أيضاً، كما تشير إليه رواية الطوسي عن هشام، عن الصادق (عليه السلام)، التي مرَّ نقلها(55).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(55) راجع (ص 19).

(٣٣)

وأنَّ الروايات توصي وتشدّد وتؤكّد على:
التوصية الأولى:
أنَّ الحاسم للشبهة والقاطع للريب في صيحات أدعياء حركة الظهور هو الصيحة السماوية والنداء من السماء باسم المهدي (عليه السلام)، والأنباء بأنَّه قد ظهر، وخروج السفياني واستيلاءه على الشام.
التوصية الثانية:
عدم ترشيح الروايات الواردة عنهم (عليهم السلام) في اليماني أو الحسني أو شعيب بن صالح، لكونهم يحملون صفة نيابة خاصّة أو تمثيل رسمي من قِبَل الإمام (عليه السلام)، عدا ذو النفس الزكية وتمثيله عن الحجّة (عليه السلام) وهو بعد الصيحة وخروج السفياني، وفي غضون خمس عشرة ليلة. فهذه توصيتان بالغتان في الأهمّية، وهناك توصيات أُخر في مجال الظهور تشير إليها الروايات الواردة عنهم (عليهم السلام).
التوصية الثالثة:
أنَّ هناك سلسلة ومجموعات سوف تنتحل وتتقمَّص اسم المهدوية والأسماء المشاركة في حدث الظهور، وظاهر الروايات أنَّ الانتحال تارةً بنحو الاسم العلمي، وأخرى الاسم النعتي والوصفي، منها:
ما رواه الصدوق في إكمال الدين بسند معتبر عن المفضَّل بن عمر الجعفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «إيّاكم والتنويه، أمَا والله ليغيبنَّ إمامكم سنيناً من دهركم، وليمحّصنَّ

(٣٤)

حتَّى يقال: مات أو هلك، بأيّ وادٍ سلك، ولتدمعنَّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنَّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر، ولا ينجو إلّا من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيَّده بروح منه، ولترفعنَّ اثنتا عشرة راية مشتبهة، لا يدرى أيّ من أيّ»، قال: فبكيت، فقال لي: «ما يبكيك يا أبا عبد الله(56)؟»، فقلت: وكيف لا أبكي وأنت تقول: ترفع اثنتا عشر راية مشتبهة لا يدرى أيّ من أي، فكيف نصنع؟ قال: فنظر إلى شمس داخلة في الصُفّة، فقال: «يا أبا عبد الله، ترى هذه الشمس؟»، قلت: نعم، قال: «والله لأمرنا أبين من هذه الشمس»، ورواه الطوسي في الغيبة بسنده أيضاً، والنعماني بطريقين آخرين(57).
ومفاد الرواية ظاهر بيّن في نشوء حركات ترفع شعار الإصلاح، وتتقمّص مشروع المهدوية اسماً أو وصفاً، ومن ثَمَّ يشتبه الحال والأمر فيها، إلّا أنَّه (عليه السلام) حدَّد ضابطة في استعلام نهضتهم (عليهم السلام)، وهو ظهور المهدي (عليه السلام) هو وضوحها وعدم حصول الالتباس فيها، وذلك لتقاربها مع العلامات الإلهية والآيات، كالصيحة السماوية، والخسف بالبيداء لجيش السفياني بعدما يستولي السفياني على الشام، كما أنَّ الرواية تنذر بوقوع الامتحان والتمحيص في أتباع أهل البيت (عليهم السلام) في عصر الغيبة، وأنَّه لن يبقى على ولايتهم (عليهم السلام) إلّا من كتب الله تعالى له الاستقامة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(56) وهي كنية للمفضَّل بن عمر الجعفي أيضاً.
(57) إكمال الدين: 347/ باب 33/ ح 35؛ الغيبة للطوسي: 337 و338/ ح 285؛ الغيبة للنعماني: 154/ باب 10/ ح 10.

(٣٥)

ومنها: ما رواه الشيخ الطوسي في الغيبة في المعتبر عن أبي خديجة، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لا يخرج القائم حتَّى يخرج اثنا عشر من بني هاشم، كلّهم يدعو إلى نفسه»، ورواه المفيد في الإرشاد أيضاً(58).
ولا غرابة في نهوض حركات يقودها إصلاحيون منتسبون إلى بني هاشم، إلّا أنَّ واقع مسيرتهم هي للقبضة والسيطرة على الحكم، كما حصل من قبل من بني العبّاس، فإنَّهم منتسبون إلى بني هاشم، وكان شعارهم هو الرضا من آل محمّد (عليهم السلام)، أي مقاومة الظلم الجاري على أهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم، إلّا أنَّهم لمَّا سيطروا على الحكم أصبحت حاكميَّتهم ونظام حكمهم هو المحور والمدار والهدف الأقصى، ولا يتقدَّم على أهمّيته أيّ شيء آخر. ومن المفارقات العجيبة أن يشاهد أنَّ المنصور الدوانيقي العبّاسي - المعروف بالفتك والبطش بالعلويين وبأهل البيت (عليهم السلام) لخوفه من نفوذهم الذي يضعّف حكومته ونظامه السياسي - ينادي بشعار نصرة المهدي من أهل البيت (عليهم السلام)، ويقوم بنشر علائم ظهوره، فقد روى الطوسي في الغيبة، والمفيد في الإرشاد، والكليني في الكافي بطرقهم عن إسماعيل بن الصباح، قال: سمعت شيخنا يذكره عن سيف بن عميرة، قال: كنت عند أبي جعفر المنصور، فسمعته يقول ابتداءً من نفسه: (يا سيف بن عميرة، لا بدَّ من منادٍ ينادي باسم رجل من ولد أبي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(58) الغيبة للطوسي: 437/ ح 428؛ الإرشاد 2: 372.

(٣٦)

طالب من السماء)، فقلت: يرويه أحد من النّاس؟ قال: (والذي نفسي بيده، لسمع أُذني منه يقول: لا بدَّ من منادٍ ينادي باسم رجل من السماء)، قلت: يا أمير المؤمنين، إنَّ هذا الحديث ما سمعت بمثله قطّ، فقال: (يا سيف، إذا كان ذلك فنحن أوّل من نجيبه، أمَا إنَّه أحد بني عمّنا)، قلت: أيّ بني عمّكم؟ قال: (رجل من ولد فاطمة (عليها السلام))، ثمّ قال: (يا سيف، لولا أنّي سمعت أبا جعفر محمّد بن علي يحدّثني به ثمّ حدَّثني به أهل الدنيا ما قبلت منهم، ولكنَّه محمّد بن علي)(59).
فترى المنصور العبّاسي مع استبداده في حكمه السياسي يتقمَّص شعار أنصار الظهور.
وروى الكليني بسند معتبر عن الحسين بن أبي العلاء، قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنَّ عندي الجفر الأبيض»، قال: قلت: فأيّ شيء فيه؟ قال: «زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم (عليهم السلام)، والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما أزعم أنَّ فيه قرآناً، وفيه ما يحتاج الناس إلينا، ولا نحتاج إلى أحد حتَّى فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة، وأرش الخدش، وعندي الجفر الأحمر»، قال: قلت: وأيّ شيء في الجفر الأحمر؟ قال: «السلاح، وذلك إنَّما يفتح للدم، يفتحه صاحب السيف للقتل»، فقال له عبد الله بن أبي يعفور: أصلحك الله، أيعرف هذا بنو الحسن؟ فقال: «إي والله! كما يعرفون الليل أنَّه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(59) الغيبة للطوسي: 433/ ح 423، الإرشاد 2: 370 و371؛ الكافي 8 : 209 و210/ ح 255.

(٣٧)

ليل، والنهار أنَّه نهار، ولكنَّهم يحملهم الحسد، وطلب الدنيا على الجحود والإنكار، ولو طلبوا الحقّ بالحقّ لكان خيراً لهم»(60).
والظاهر أنَّ المراد من قول السائل: (أيعرف هذا بنو الحسن)، الإشارة إلى أنَّ المهدي (عليه السلام) هو صاحب النهضة المسلَّحة العسكرية للإصلاح، وأنَّهم إذا كانوا يعرفون، فلماذا يتقمَّصون ويرفعون شعار المهدوية كما ادَّعى ذلك بعضهم في ثورته المسلَّحة التي قام بها ضدّ حكومة العبّاسيين، وادَّعى بعضهم أنَّه ذو النفس الزكية أيضاً، وهو ممَّا يرتبط بالظهور للمصلح الموعود الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، مع أنَّ بني الحسن أقرب رحماً في بني هاشم لأهل البيت (عليهم السلام) من بني العبّاس، وقال(عليه السلام): ولكنَّهم مع معرفتهم بذلك طلبوا الحقّ، وهو مقاومة ظلم بني العبّاس، وطلبوا الإصلاح بغير الحقّ، أي بطريق خاطئ بغير الأسلوب الذي رسمه أهل البيت (عليهم السلام) لهم، بل أخذوا يتقمَّصون دور المهدي (عليه السلام).
ونظير الرواية المتقدّمة التي رواها الطوسي في الغيبة والمفيد في الإرشاد ما رواه المفيد في الإرشاد أيضاً في موضع آخر في علائم الظهور: (وخروج ستّين كذّاباً كلّهم يدَّعي النبوّة، وخروج اثنا عشر من آل أبي طالب، كلّهم يدَّعي الإمامة لنفسه)(61).
وروى النعماني في الغيبة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: «لا يقوم القائم (عليه السلام) حتَّى يقوم اثنا عشر رجلاً كلّهم يجمع على قول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(60) الكافي 1: 240/ باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة.../ ح 3.
(61) الإرشاد 2: 369.

(٣٨)

إنَّهم قد رأوه، فيكذِّبهم»(62)، أي يكذّبهم القائم (عليه السلام) بعد قيامه، والتعبير بـ «يقوم اثنا عشر رجلاً»، أي ينهضون بحركات إصلاحية متقمّصة لدعوة التنسيق والنيابة الخاصّة والارتباط مع المهدي (عليه السلام). نعم في البحار روى المجلسي الرواية عن النعماني بلفظ: «فيكذِّبونهم»(63)، أي فيكذّب النّاس دعوى هؤلاء الرجال الاثنى عشر الذين يقومون بحركات أنَّهم مرتبطون في برنامج حركتهم بنهوض المهدي (عليه السلام) الإصلاحي للعالم البشري.
وفي رواية النعماني معتبرة عن أبي خالد الكابلي، قال - في حديث سؤاله عن أوصاف المهدي (عليه السلام) -، قال له محمّد بن علي الباقر (عليه السلام): «فتريد ماذا يا أبا خالد؟»، قلت: أُريد أن تسمّيه لي حتَّى أعرفه باسمه؟ فقال: «سألتني يا أبا خالد سؤال مجهد، ولقد سألتني عن أمر ما كنت محدّثاً به أحداً، ولو كنت محدّثاً به أحداً لحدَّثتك، ولقد سألتني عن أمر لو أنَّ بني فاطمة عرفوه حرصوا على أن يقطّعوه بضعة بضعة»(64).
التوصية الرابعة:
الواردة في روايات الظهور: النهي عن التوقيت، وتكذيب من يوقّت، وأنَّ وقت الظهور هو من الغيب المستور، بل إنَّ في جملة من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(62) الغيبة للنعماني: 285/ باب 14/ ح 58.
(63) بحار الأنوار 52: 244/ ح 121.
(64) الغيبة للنعماني: 299 و300/ باب 16/ ح 2.

(٣٩)

الروايات الأخرى أنَّ العلامات الحتمية أيضاً ممَّا قد يقع فيها البداء، أي وإن وقعت فقد لا تكون علامة موقَّتة لظهوره بخلاف أصل ظهور المهدي (عليه السلام)، فإنَّه لا بداء فيه لأنَّه من الميعاد.
وهذا ممَّا يبطل شعار أدعياء فرسان الظهور، ويحبط دجل المتقمّصين لأسماء مسرح الظهور، إذ التوقيت وضرب الموعد من الأمور المحرجة لمن يدَّعي تلك الأسماء، إذ بتوسّط فخّ التوقيت يصطاد السُذَّج، ويطلي الحيلة على المغفَّلين، وبذلك يوقع المدَّعي نفسه في الفخّ.
منها: ما رواه النعماني بسند معتبر عن محمّد بن مسلم، قال: قال: أبو عبد الله (عليه السلام): «يا محمّد، من أخبرك عنّا توقيتاً فلا تهابنَّ أن تُكذّبه، فإنّا لا نوقّت لأحد وقتاً»(65).
وروي عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليه السلام) أنَّه قال: «أبى الله إلّا أن يُخلف وقت الموقّتين»(66).
وعن ابن أبي بكر الحضرمي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنّا لا نوقّت هذا الأمر»(67).
ومنها: ما رواه أيضاً عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: جُعلت فداك، متى خروج القائم (عليه السلام)؟ فقال: «يا أبا محمّد، إنّا أهل بيت لا نوقّت، وقد قال محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم): كذب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(65) الغيبة للنعماني: 300/ باب 16/ ح 3.
(66) الغيبة للنعماني: 300/ باب 16/ ح 4.
(67) الغيبة للنعماني: 301/ باب 16/ ح 5.

(٤٠)

الوقّاتون، يا أبا محمّد، إنَّ قدّام هذا الأمر خمس علامات: أولاهنَّ النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراساني، وقتل النفس الزكية، وخسف بالبيداء...» إلى أن قال: «ولا يخرج القائم حتَّى ينادى باسمه من جوف السماء في ليلة ثلاث وعشرين في شهر رمضان ليلة جمعة»، قلت: بـِمَ ينادى؟ قال: «باسمه واسم أبيه، ألا إنَّ فلان بن فلان قائم آل محمّد، فاسمعوا له وأطيعوه، فلا يبقى شيء خلق الله فيه الروح إلّا يسمع الصيحة، فتوقظ النائم ويخرج إلى صحن الدار، وتخرج العذراء من خدرها، ويخرج القائم ممَّا يسمع، وهي صيحة جبرئيل (عليه السلام)»(68).
وصريح هذه الرواية كما هو صريح الروايات المستفيضة بأنَّ عدم التوقيت لظهور المهدي (عليه السلام) من الأمور الثابتة في مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وأنَّ تحديد الظهور منحصر بالعلامات الحتمية للظهور فقط، وأبرزها الصيحة السماوية، وخروج السفياني في الشام.
وروى النعماني عن أستاذه الكليني في المعتبر عن عبد الرحمن بن كثير، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه مهزم فقال له: جُعلت فداك، أخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظره متى هو؟ فقال: «يا مهزم، كذب الوقّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلّمون»(69).
وعن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: لهذا الأمر وقت؟ فقال: «كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون، إنَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(68) الغيبة للنعماني: 301/ باب 16/ ح 6.
(69) الغيبة للنعماني: 304/ باب 16/ ح 11، عن الكافي 1: 368/ باب كراهية التوقيت/ ح 2.

(٤١)

موسى (عليه السلام) لمَّا خرج وافداً إلى ربّه واعدهم ثلاثين يوماً، فلمَّا زاده الله على الثلاثين عشراً قال له قومه: قد أخلفنا موسى، فصنعوا ما صنعوا، فإذا حدَّثناكم بحديث فجاء على ما حدَّثناكم به فقولوا: صدق الله، وإذا حدَّثناكم بحديث فجاء على خلاف ما حدَّثناكم به فقولوا: صدق الله، تؤجروا مرَّتين»(70).
وذيل الرواية ظاهر في إمكان حصول البداء في العلامات الحتمية كوقت للظهور، ونظير هذه الرواية ما رواه النعماني أيضاً في الغيبة بسنده عن داود بن أبي القاسم، قال: كنّا عند أبي جعفر محمّد بن علي الرضا (عليه السلام) فجرى ذكر السفياني وما جاء في الرواية من أنَّ أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر (عليه السلام): هل يبدو لله في المحتوم؟ قال: «نعم»، قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم، قال: «القائم من الميعاد»(71).
التوصية الخامسة:
لزوم الثبات والاستقامة في أدوار التمحيص والامتحان في الغيبة، منها: ما رواه النعماني بسنده عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي (عليهما السلام) يقول: «والله! لتميّزنَّ، والله لتمحّصنَّ، والله لتغربلنَّ كما يغربل الزؤان من القمح»(72)، والزؤان هو الحبّ الذي يشبه الحنطة ويصغر عنه حجماً ينبت بين الحنطة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(70) الغيبة للنعماني: 305/ باب 16/ ح 13، عن الكافي 1: 368/ باب كراهية التوقيت/ ح 5.
(71) الغيبة للنعماني: 314/ باب 18/ ح 10.
(72) الغيبة للنعماني: 213/ باب 12/ ح 8.

(٤٢)

وروى عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه سمعه يقول: «ويل لطغاة العرب من شرًّ قد اقترب»، قلت: جُعلت فداك، كم مع القائم من العرب؟ قال: «شيء يسير»، فقلت: والله إنَّ من يصف هذا الأمر منهم لكثير، فقال: «لا بدَّ للناس من أن يمحّصوا ويميّزوا ويغربلوا، ويخرج من الغربال خلق كثير»(73).
وفي رواية أخرى لمَّا قيل له: إنَّ شيعته كثير، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «أمَا لو كملت العدّة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تريدون، ولكن شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه، ولا شحناؤه بدنه، ولا يمدح بنا معلناً، ولا يخاصم بنا قالياً، ولا يجالس لنا عائباً، ولا يُحدِّث لنا ثالباً، ولا يحبّ لنا مبغضاً، ولا يبغض لنا محبّاً»، فقلت: فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون إنَّهم يتشيَّعون؟ فقال: «فيهم التمييز، وفيهم التمحيص، وفيهم التبديل، يأتي عليهم سنون تفنيهم، وسيف يقتلهم، واختلاف يبدّدهم، إنَّما شيعتنا من لا يهرّ هرير الكلب، ولا يطمع طمع الغراب، ولا يسأل الناس بكفّه، وإن مات جوعاً...» الحديث(74).
وهذه الرواية حاسمة في بيان علامة الاستقامة على ولاية أهل البيت (عليهم السلام)، والرواية تُنبأ عن مروق كثير من الشيعة من التشيّع لتولّيهم المخالفين ومعاداتهم للموالين تحت شعارات خدَّاعة، وعناوين ملتبسة تنطوي على شرائح كثيرة لا تبصر الحقيقة من الدجل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(73) الغيبة للنعماني: 212/ باب 12/ ح 7.
(74) الغيبة للنعماني: 210 و211/ باب 12/ ح 4.

(٤٣)

التوصية السادسة:
التحذير عن الخفَّة والانزلاق وراء أدعياء الإصلاح المواكب للإصلاح الشامل المهدوي.
فقد مرَّت رواية العياشي عن جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) يقول: «ألزم الأرض لا تحرّكنَّ يدك ولا رجلك أبداً حتَّى ترى علامات أذكرها لك في سنة...» ثمّ ذكر العلامات المحتومة مع تفاصيل كلّ منها، وقال: «وإيّاك وشذّاذ من آل محمّد (عليهم السلام)، فإنَّ لآل محمّد وعلي راية ولغيرهم رايات، فألزم الأرض ولا تتَّبع منهم رجلاً أبداً حتَّى ترى رجلاً من ولد الحسين معه عهد نبيّ الله ورايته وسلاحه...».(75)
وروى النعماني بإسناده عن عمرو بن سعد، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا يقوم القائم حتَّى تفقأ عين الدنيا، وتظهر الحمرة في السماء، وتلك دموع حملة العرش على أهل الأرض، حتَّى يظهر فيهم عصابة لا خلاق لهم، يدَّعون لولدي وهم براء من ولدي، تلك عصابة رديئة لا خلاق لهم، على الأشرار مسلَّطة، وللجبابرة مفتنة، وللملوك مبيرة...» الحديث(76).
وروى النعماني أيضاً بسنده عن جابر، قال: قال أبو جعفر محمّد بن علي الباقر (عليه السلام): «يا جابر، ألزم الأرض ولا تحرّك يداً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(75) تفسير العياشي 1: 64 - 66/ ح 117.
(76) الغيبة للنعماني: 149/ باب 10/ ح 5.

(٤٤)

ولا رجلاً حتَّى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها...»، ثمّ ذكر (عليه السلام) العلامات الحتمية للظهور(77).
وروى النعماني بسنده عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنَّه قال: «كأنّي بقوم قد خرجوا بالمشرق، يطلبون الحقّ فلا يعطونه، ثمّ يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتَّى يقوموا، ولا يدفعونها إلّا إلى صاحبكم، قتلاهم شهداء، أمَا إنّي لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر»(78).
والظاهر من هذه الرواية انطباقها على خروج الحسني الخراساني حيث إنَّه يظهر من المشرق من خراسان أو الديلم، كما في ألسنة الروايات المختلفة، وهو الذي يسلّم الراية، أي راية وقيادة جيشه إلى المهدي (عليه السلام) في الكوفة، كما في روايات أخرى، وأنَّ في جيش الخراساني بعض أصحاب القائم في بعض الروايات، وأنَّه يصفّي الأرض التي يمرُّ بها من الظلم إلى أن يصل إلى الكوفة، كما في روايات أخرى مرَّت الإشارة إليها، لكن مع ذلك يوصي (عليه السلام) بالإبقاء على النفس والمحافظة عليها لنصرة المهدي (عليه السلام) نفسه، أي تجنّب المشاركة في جيش الحسني الخراساني، وقد بيَّنت بعض الروايات الأخرى أنَّ في جيشه شريحة من الزيدية وصفاً وسلوكاً لا اسماً، يستعصون عليه في التسليم والانقياد للمهدي (عليه السلام) ممَّا يدلّل على أنَّ المسار العامّ لجيش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(77) الغيبة للنعماني: 288 - 291/ باب 14/ ح 67.
(78) الغيبة للنعماني: 281 و282/ باب 14/ ح 50.

(٤٥)

الحسني هو تبنّي الإمامة لمن يتصدّى علناً لتدبير الأمور وإصلاحها، ويدلُّ على ذلك أيضاً ما مرَّ في بعض الروايات أنَّ راية اليماني أهدى، لأنَّ اليماني يدعو إلى صاحبكم، أي المهدي (عليه السلام)، أي إنَّ اليماني تبنّى أنَّ الإمامة بالنصّ المحدودة بالاثنى عشر، بخلاف مسار ومرام الحسني فإنَّه يتبنّى أنَّ الإمامة بالتصدّي لإصلاح الأمور والوضع العامّ، ومن ثَمَّ كنّي عن ذلك بوجود الزيدية في جيشه، أي مرام وسلوك الزيدية لا التسمّي بذلك الاسم.
وروى النعماني بسنده عن يونس بن أبي يعفور، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إذا خرج السفياني يبعث جيشاً إلينا وجيشاً إليكم، فإذا كان كذلك فائتونا على صعب وذلول»(79)، ومفاد الرواية كالتي سبقت في حصر النهوض المسلَّح وادّخار النصرة العسكرية لشخص المهدي (عليه السلام).
ومثل الروايتين ما رواه أيضاً عن خلاَّد الصائغ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: «السفياني لا بدَّ منه، ولا يخرج إلّا في رجب»، فقال له رجل: يا أبا عبد الله، إذا خرج فما حالنا؟ قال: «إذا كان ذلك فإلينا»(80).
وروي في البحار عن كتاب سرور أهل الإيمان بإسناده عن أحمد بن محمّد الأيادي، رفعه إلى بريد، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «يا بريد، اتَّق جمع الأصهب»، قلت: وما الأصهب؟ قال: «الأبقع»، قلت: وما الأبقع؟ قال: «الأبرص، واتَّق السفياني، واتَّق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(79) الغيبة للنعماني: 318/ باب 18/ ح 17.
(80) الغيبة للنعماني: 313/ باب 18/ ح 7.

(٤٦)

الشريدين من ولد فلان يأتيان مكّة، يقسّمان بها الأموال، يتشبّهان بالقائم (عليه السلام)، واتَّق الشذّاذ من آل محمّد».
قال المجلسي في ذيلها: (قلت: ويريد بالشذّاذ الزيدية، لضعف مقالتهم، وأمَّا كونهم من آل محمّد لأنَّهم من بني فاطمة)(81).
وعلى أيّ تقدير، فيظهر من الروايات أنَّ الحركات التي تقوم بالشام من الأصهب والأبقع والأبرص والسفياني تحمل وترفع شعارات برّاقة منادية للإصلاح والرشاد في ظاهر حالها ممَّا يوجب الانخداع والاغترار بها، هذا فضلاً عمَّن يقوم بالحركات الأخرى التي تضمّن في شعاراتها مزاعم الصلة بحركة المهدي(عليه السلام) الإصلاحية.
وروى أيضاً بإسناده عن سدير، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «يا سدير، ألزم بيتك، وكن حلساً من أحلاسه، واسكن ما سكن الليل والنهار، فإذا بلغ أنَّ السفياني قد خرج فارحل لينا ولو على رجلك...»(82).
ومثلها ما رواه عن الحضرمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) - وفي ذيله -: «فإذا ظهر على الأكوار الخمس - أي السفياني - يعني كور الشام، فانفروا إلى صاحبكم»(83).
وروى الكليني بسنده عن الفضل الكاتب، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فأتاه كتاب أبي مسلم، فقال: «ليس لكتابك جواب، أُخرج عنّا»، فجعلنا يسارّ بعضنا بعضاً، فقال: «أيّ شيء تسارّون يا فضل؟ إنَّ الله عزَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(81) بحار الأنوار 52: 269 و270/ ح 160.
(82) بحار الأنوار 52: 270 و271/ ذيل الحديث 161.
(83) بحار الأنوار 52: 272/ ح 166.

(٤٧)

ذكره لا يعجل لعجلة العباد، ولإزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال ملك لم ينقض أجله»، ثمّ قال: «إنَّ فلان بن فلان» حتَّى بلغ السابع من ولد فلان، قلت: فما العلامة فيما بيننا وبينه جُعلت فداك؟ قال: «لا تبرح الأرض يا فضل حتَّى يخرج السفياني، فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا - يقولها ثلاثاً - وهو من المحتوم»(84)، والرواية تستعرض مسرح أحداث حركة أبي مسلم الخراساني المروزي الذي قاد الثورة على الأمويّين وتوافق مع العبّاسيين بعد أن راسل الصادق (عليه السلام) وبني الحسن، فآيس من إجابتهم لدعوته.
وروى النعماني بسنده عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له (عليه السلام): أوصني؟ فقال: «أُوصيك بتقوى الله، وأن تلزم بيتك، وتقعد في دهماء هؤلاء الناس، وإيّاك والخوارج منّا، فإنَّهم ليسوا على شيء ولا إلى شيء، واعلم أنَّ لبني أميّة ملكاً لا يستطيع الناس أن تردعه، وأنَّ لأهل الحقّ دولة إذا جاءت ولاَّها الله لمن يشاء منّا أهل البيت، فمن أدركها منكم كان عندنا في السنام الأعلى، وإن قبضه الله قبل ذلك خار له. واعلم أنَّه لا تقوم عصابة تدفع ضيماً أو تعزّ ديناً إلّا صرعتهم المنيّة والبليّة حتَّى تقوم عصابة شهدوا بدراً مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يوارى قتيلهم، ولا يرفع صريعهم، ولا يداوى جريحهم»، قلت: مَنْ هم؟ قال: «الملائكة»(85).
وروى النعماني بسنده عن جابر، عن أبي جعفر محمّد بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(84) الكافي 8 : 274/ ح 412.
(85) الغيبة للنعماني: 201/ باب 11/ ح 2.

(٤٨)

علي الباقر (عليه السلام)، قال: «مثل خروج القائم منّا أهل البيت كخروج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومثل مَنْ خرج منّا أهل البيت قبل قيام القائم مثل فرخ طار فوقع من وكره فتلاعبت به الصبيان»(86).
ومن مجموع هذه الوصايا التي أمروا (عليهم السلام) بها، يتبيَّن تأكيدهم (عليهم السلام) على عدم الاغترار وراء الحركات والنهضات المتشدّقة بشعارات الإصلاح التي هي شعار الإصلاح المهدوي عند ظهوره، وأنَّه لا نيابة خاصّة للأسماء اللامعة في سنة الظهور.
وأنَّ العلامة الأكيدة الحتمية لانقطاع الغيبة ولمبدأ ظهوره في المدينة المنوَّرة، ومن ثَمَّ ظهوره الأكبر العلني العالمي في مكّة المكرَّمة هو الصيحة السماوية لجبرئيل، وهو النداء من السماء، وقد حدّد في الروايات في شهر رجب وفي بعضها في شهر رمضان، وأنَّه بعبارات متعدّدة.
والعلامة الثانية المحتَّمة هي تحرّك السفياني في بلاد الشام واستيلائه عليها، وإرساله سريّة من جيشه إلى العراق، وأخرى إلى المدينة المنوَّرة لمواجهة المهدي (عليه السلام)، فيخسف بذلك الجيش في بيداء المدينة.
وأنَّ توقيت ظهور المهدي (عليه السلام) بغير ذلك من التحديد الزماني ما هو إلّا خداع وتحايل على السُذَّج والبسطاء تغريراً بهم لاستمالتهم ولتسخيرهم حطباً ووقوداً لإنجاز مآرب الأدعياء المتقمّصين يصلون بهم إلى رئاستهم الباطلة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(86) الغيبة للنعماني: 206/ باب 11/ ح 14.

(٤٩)

وأنَّ اللازم على الموالين المؤمنين في عصر الغيبة المتطاولة حتَّى الظهور هو الثبات على الاعتقاد بإمامة الأئمّة الاثني عشر، أي إمامة المهدي الحيّ الحاضر الشاهد لأحداث البشرية والتديّن بولايته الفعلية وتولّي الموالين لأهل البيت (عليهم السلام)، والتبرّي في القلب، وفي النموذج السلوكي العملي من أعداءهم، والتمسّك بالثوابت من أحكام أهل البيت (عليهم السلام)، وعدم الافتتان بالشعارات البرّاقة الخدّاعة المؤدّية إلى التخلّي عن التولّي والتبرّي وللمروق من معالم أحكام فقه أهل البيت (عليهم السلام) ومعارفهم.

* * *

(٥٠)

مصادر التحقيق

القرآن الكريم.
إكمال الدين: الشيخ الصدوق/ 1405هـ/ مؤسسة النشر الإسلامي/ قم.
الغيبة: النعماني/ ت فارس حسّون كريم/ ط1/ 1422هـ/ أنوار الهدى.
الغيبة: الشيخ الطوسي/ ط1/ 1411هـ/ مؤسسة المعارف الإسلاميّة/ قم.
الاحتجاج: الطبرسي/ ت محمّد باقر الخرسان/ دار النعمان/ 1386هـ.
الخرائج والجرائح: الراوندي/ ط1/ 1409هـ/ مؤسسة الإمام المهدي/ قم.
بحار الأنوار: العلاَّمة المجلسي/ ط2/ 1403هـ/ مؤسسة الوفاء/ بيروت.
فرق الشيعة: الحسن بن موسى النوبختي/ 1404هـ/ دار الأضواء/ بيروت.
الإرشاد: الشيخ المفيد/ ت مؤسسة آل البيت/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد.
الأمالي: الشيخ الطوسي/ ت مؤسسة البعثة/ ط 1/ 1414هـ/ دار الثقافة.
الدعوات: الراوندي/ ط1/ 1407هـ/ مط أمير/ مؤسسة الإمام المهدي/ قم.
الكافي: الشيخ الكليني/ ط5/ 1363ش/ دار الكتب الإسلاميّة/ طهران.
تفسير العياشي: العياشي/ المكتبة العلمية الإسلاميّة/ طهران.
مختصر بصائر الدرجات: الحسن بن سليمان الحلّي/ ط1/ 1370هـ/ منشورات المطبعة الحيدرية/ النجف الأشرف.

* * *

(٥١)