هل يجب الاعتقاد باليماني؟

الردّ الساطع على ابن گاطع 7
هل يجب الاعتقاد باليماني؟

تأليف: الشيخ علي آل محسن
تقديم: مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عليه السلام)

مقدّمة المركز:...................3
هل اليماني إمام مفترض الطاعة؟...................5
بطلان زعمهم أنَّ اليماني يخرج قبل السفياني:...................7
اليماني ليس صاحب دعوة:...................10
لا يضرُّ الجهل باليماني:...................11
ردّ استدلالهم على أنَّ اليماني صاحب دعوة:...................13
الأدلة الدالّة على أنَّ اليماني ليس إماماً مفترض الطاعة:...................18
ردّ استدلال الكاطع على أنَّ اليماني هو المهدي الأوَّل:...................27
هل اليماني هو قائد جيش الإمام المهدي (عليه السلام)؟...................31

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المركز:
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
بعد أن كثر الحديث عن المدعو أحمد إسماعيل گاطع وما جاء به من دعاوى وأكاذيب وصلت إلى أكثر من (50) دعوى باطلة ما أنزل الله بها من سلطان رأى مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عليه السلام) ضرورة التصدّي لبيان زيف هذه الدعاوي والردّ عليها ليس من باب أنَّ ما جاء به أُمور علمية تعتمد الدليل العلمي والبرهان المنطقي فأنت لا تجد في طيّات دعاويه غير الزيف والتدليس والكذب والافتراء والانتقاء في الاعتماد على الروايات - وهذه كتبه وكتب أصحابه خير شاهد على ما نقول -، بل من باب أنَّ الشبهة قد تجد لها مساحة في بعض النفوس الضعيفة أوّلاً فتحتاج إلى

(٣)

بعض التوضيحات وبلورة الأُصول والقيم وبيان الأُسس التي يعتمد عليها المنهج العلمي لدى السير البشري عموماً والطائفة بشكل خاصّ، مضافاً إلى إلقاء الحجَّة على المغترّ به والمتَّبع خطاه لئلَّا يقول أحد: (لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً مُنْذِراً وَأَقَمْتَ لَنا عَلَماً هادِياً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى)(1).
لذا فإنَّ نشر هذا الكرّاس للردّ على ابن گاطع يعتبر حلقة من حلقات التصدّي لأهل البدع والزيغ، مضافاً إلى باقي أنشطة مركز الدراسات في ردّ الشبهات من خلال موقعه في النت وصفحات التواصل الاجتماعي وصحيفة صدى المهدي وغيرها.
نسأله تعالى الثبات على الحقّ (يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك).

مدير المركز
السيّد محمّد القبانچي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إقبال الأعمال 1: 505.

(٤)

هل اليماني إمام مفترض الطاعة؟
المتأمّل في مجموع الروايات لا يجد فيها أيّ إشعار بأنَّ اليماني إمام مفترض الطاعة يجب الإيمان به، أو يجب اتّباعه كما يزعم اﻟﮕﺎطع وأتباعه، بل إنَّ حصر الروايات عدد الأئمَّة الأطهار في اثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام)، أسماؤهم معلومة، وأشخاصهم معيَّنة، يدلُّ على أنَّ اليماني ليس بإمام مفترض الطاعة جزماً.
وكلُّ ما يستفاد من الروايات أنَّ خروجه سيكون علامة حتميَّة من علامات ظهور إمام العصر (عليه السلام)، يَعرف المؤمنون به قرب قيامه (عليه السلام)، وأنَّ رايته راية هدى، وأنَّه ينصر الإمام المهدي (عليه السلام)، ويُمهِّد له، ولم نعثر في الروايات على أكثر من ذلك.
وخروج اليماني علامة كغيرها من علامات الظهور، لها فائدة معيَّنة، هي أنَّها تدلُّ على قرب الظهور

(٥)

المبارك؛ لكي يأخذ المؤمنون أهبّتهم واستعدادهم لنصرة الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام).
كما أنَّه ربَّما يستفاد من تلك الروايات لزوم أخذ الحيطة والحذر؛ كيلا ينخدع المؤمنون بدعاة المهدويَّة وغيرهم من الدعاة الكذّابين الذين يكثرون قُبيل ظهور الإمام المهدي (عليه السلام).
وأمَّا الاعتقاد باليماني بنحو أكثر ممَّا ذكرناه من أنَّه إمام معصوم مفترض الطاعة، أو أنَّه واجب النصرة كوجوب نصرة الإمام المهدي (عليه السلام) أو غير ذلك، فإنَّ هذا لم يثبت بدليل صحيح، ولم تدلّ على ذلك رواية واحدة، صحيحة أو ضعيفة، فكيف يمكن لنا أن نعتقد في اليماني بشيء لم تدلّ عليه الروايات؟! خصوصاً إذا كان المطلوب هو الاعتقاد بإمامة أو عصمة أو ما شاكل ذلك ممَّا يُشتَرط فيه قطعيَّة الدليل الدالّ عليه، أو كان المطلوب تكليفاً شرعيًّا كوجوب النصرة مثلاً.
إلَّا أنَّ أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأتباعه ادَّعوا أنَّ

(٦)

اليماني المعهود ليس مجرَّد قائد عسكري يخرج لنصرة الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، وإنَّما هو صاحب دعوة إلهية يجب الإيمان بها، بل قالوا: إنَّه إمام معصوم مفترض الطاعة، وإنَّه وزير الإمام المهدي (عليه السلام) طيلة مدَّة حكمه، ثمّ يتولّى إمامة المسلمين من بعده، وقالوا: إنَّه أوَّل المهديّين الاثني عشر الذين يقومون بأمر الإمامة واحداً بعد واحد بعد الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، وغير ذلك من الدعاوى الكثيرة الباطلة التي لم تثبت بدليل صحيح، بل قام الدليل القطعي الصحيح على بطلانها.
بطلان زعمهم أنَّ اليماني يخرج قبل السفياني:
قال ناظم العقيلي بعد أن ذكر صحيحة العيص بن القاسم التي ورد فيها نهي الشيعة عن الخروج قبل قيام القائم (عليه السلام):
(إذن فلا يكون اليماني مشمولاً بتلك الروايات، ويمكن أن يكون موجوداً، بل لا بدَّ أن يكون موجوداً

(٧)

قبل خروج السفياني بسنين؛ لأنَّه صاحب دعوة، وقد تقدَّم أنَّ هذه الدعوة تحتاج إلى وقت طويل لإثبات عقيدتها وما تدعو إليه، ولتفنيد الواقع الديني المنحرف؛ لتستقطب أنصارها وإعدادهم الإعداد الذي يؤهّلهم أن يكونوا جنوداً لدولة العدل الإلهي)(2).
والجواب: أنَّ صحيحة عيص بن القاسم واضحة الدلالة في نهي الشيعة عن نصرة من يدعوهم إلى الخروج على سلاطين الجور، وإن كان ظاهر دعوته أنَّها محقَّة، فإنَّ قوله (عليه السلام): (إلَّا مع من اجتمعت بنو فاطمة معه، فوَالله ما صاحبكم إلَّا من اجتمعوا عليه)، يدلُّ بوضوح على نهي الشيعة عن الخروج إلَّا مع الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، ولو كان الشيعة مأمورين بالخروج مع اليماني لبيَّن لهم الإمام الصادق (عليه السلام) ذلك.
وزَعَمَ اﻟﮕﺎطع وأتباعه أنَّه هو المراد بمن اجتمع معه بنو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) دراسة في شخصية اليماني الموعود 3: 46.

(٨)

فاطمة (عليها السلام)، واجتماعهم معه هو تأييدهم له في الرؤى والأحلام، وهذا هذيان واضح؛ لأنَّ المراد باجتماع بني فاطمة (عليها السلام) كما هو معناه اللغوي هو انضمامهم إليه، وخروجهم معه، وأمَّا التأييد في الأحلام التي هي غير حجَّة في دين الله تعالى كما ورد في الأخبار، وأفتى به علماء الشيعة الأبرار، فلا يُسمّى ذلك اجتماعاً، لا لغةً ولا عُرفاً.
وممَّا يدلُّ على ما قلناه من أنَّ الحديث يشير بمن اجتمع معه بنو فاطمة إلى الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) أنَّ اليماني يخرج في رجب، ولو كانت نصرته واجبة لما أذن الإمام الصادق (عليه السلام) للشيعة في أن يتأخَّروا عن اللحاق بمن اجتمع معه بنو فاطمة (عليها السلام) إلى ما بعد شهر رمضان، فإنَّه (عليه السلام) قال كما روى عيص بن القاسم عنه: (إذا كان رجب فأقبلوا على اسم الله (عزَّ وجلَّ)، وإن أحببتم أن تتأخَّروا إلى شعبان فلا ضير، وإن أحببتم أن تصوموا في أهاليكم فلعلَّ ذلك أن يكون أقوى لكم، وكفاكم بالسفياني علامة)(3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) الكافي 8: 219.

(٩)

اليماني ليس صاحب دعوة:
ثمّ إنَّ اليماني وإن كان قائداً عسكريًّا يحتاج إلى جمع السلاح والأنصار والأعوان، وهذا يتطلَّب وقتاً، إلَّا أنَّه ليس بصاحب دعوة يجب الإيمان بها، فإنَّ ذلك لم يدلّ عليه أيّ دليل، ولو كان لبُيِّن ذلك في الروايات التي بيَّنت عدد الأئمَّة الأطهار (عليهم السلام)، ومن غير المعقول أن يتمّ تجاهله لهذه الدرجة، فلا تُروى عن أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) رواية واحدة تدلُّ على إمامته، أو تُبيِّن للشيعة أنَّه صاحب دعوة يجب الإيمان بها.
مع أنَّه من الواضح جدًّا عند جميع المسلمين أنَّه لا دعوة بعد دعوة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وكلّ دعوة مغايرة لها تأتي بعدها فهي باطلة، فإذا كان اليماني صاحب دعوة فدعوته باطلة، وإن كانت دعوته هي دعوة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فهو ليس بصاحب دعوة.
واﻟﮕﺎطع يُصرِّح في كتبه المنسوبة إليه أنَّه صاحب دعوة مغايرة لدعوات الأنبياء السابقين (عليهم السلام) وإن كانت مشابهة لها.

(١٠)

قال في بعض كتبه: (فدعوتي كدعوة نوح (عليه السلام)، وكدعوة إبراهيم (عليه السلام)، وكدعوة موسى (عليه السلام)، وكدعوة عيسى (عليه السلام)، وكدعوة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم))(4).
وكلامه واضح في ادِّعائه أنَّه صاحب دعوة جديدة، مغايرة لدعوات الأنبياء السابقين (عليهم السلام)، إلَّا أنَّها مشابهة لها، ولذلك جاء بكاف التشبيه، فقال: (وكدعوة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم))، ولم يقل: هي دعوة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
وهذا وحده كافٍ في الدلالة على أنَّ دعوة أحمد إسماعيل ﮔﺎطع دعوة باطلة مبتدعة، لا قيمة لها.
لا يضرُّ الجهل باليماني:
وأمَّا على ما قاله علماء الشيعة الإمامية من أنَّ خروج اليماني هو أحد علامات قرب ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، وأنَّ اليماني ليس بصاحب دعوة جديدة كما يزعم اﻟﮕﺎطع، وأنَّ علامات الظهور ليست من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) الجواب المنير عبر الأثير 1 - 3: 9.

(١١)

ضروريات المذهب التي لا يسع الشيعي الجهل بها، فإنَّ المؤمن لو لم يعتقد باليماني لعدم اطّلاعه على الروايات الصحيحة التي دلَّت عليه، فإنَّ ذلك لا يضرُّ بإيمانه، ولا يترتَّب عليه إثم ولا عقاب، وحال الاعتقاد بخروج اليماني حال غيره من الأُمور الكثيرة التي لا يتعلَّق بها تكليف إلزامي، ممَّا روي بطرق صحيحة عن الأئمَّة الأطهار (عليهم السلام)، ولم يطَّلع عليها كثير من عوام الشيعة، فإنَّ الجهل بها لا يضرُّ بإيمانهم.
نعم، لا يجوز للعامّي الجاهل بالتفاصيل الواردة في الروايات حول اليماني أن ينكرها؛ فإنَّ جهله بها لا يُسوِّغ له إنكارها وجحدها؛ لأنَّ إنكار أمثال هذه الأُمور ربَّما يؤدّي إلى إنكار الحقّ من دون قصد، وإلى تكذيب أهل البيت (عليهم السلام)، وكلاهما غير جائز.
وأمَّا إذا اطَّلع العامّي على الروايات الصحيحة التي بيَّنت أنَّ خروج اليماني من علامات الظهور أو نحوه، فإنَّ الواجب عليه أن يُصدِّق بمضمون تلك

(١٢)

الروايات، ولا يجوز له ردّها أو تكذيبها؛ لأنَّ ردّها يستلزم تكذيب أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام)، وهو غير جائز.
ردّ استدلالهم على أنَّ اليماني صاحب دعوة:
قال عبد الرزّاق الديراوي في الاستدلال على أنَّ اليماني صاحب دعوة جديدة:
(الدليل على أنَّ ثمَّة دعوة يباشرها اليماني هو ما نصَّت عليه الرواية الواردة عن الإمام الباقر، وفيها قوله: (لأنَّه يَدْعو إلى صاحبكم) الغيبة للنعماني (ص 264). وعن أبي عبد الله: (يا سدير، الزم بيتك...)، إلى قوله: (فإذا بلغك أنَّ السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو حبواً على رجلك) إلزام الناصب (ج 2/ ص 109 و110).
والراية التي ترافق خروج السفياني هي راية اليماني، والأمر بالرحيل إليها يقتضي وجودها بفترة معتد بها قبل التحرّك المسلَّح (أي قبل الخروج) ليتعرَّف عليها الناس، ويرحلوا إليها).

(١٣)

والجواب: أنَّ الإخبار بأنَّ اليماني يَدْعو إلى صاحب الأمر (عليه السلام) لا يدلُّ على أنَّ اليماني صاحب دعوة جديدة مختلفة عمَّا عليه الشيعة الإمامية، وحاله حال علماء الطائفة قديماً وحديثاً الذين يَدْعون إلى صاحب الأمر (عليه السلام)، ويُثبتون إمامته منذ عصر الغيبة الصغرى إلى يومنا هذا، من دون أن يستلزم ذلك أن يكون كلّ واحد منهم له دعوة جديدة خاصّة به، إلَّا أنَّ اليماني لمَّا كانت دعوته إلى صاحب الأمر (عليه السلام) صادقة وخالصة من شوائب الدنيا بخلاف غيره أصحاب الرايات الأُخرى التي ستكثر في عصر الظهور كانت رايته أهدى من تلك الرايات جميعاً.
وقوله (عليه السلام): (فارحل إلينا ولو حبواً على رجلك) يدلُّ على وجوب الرحيل إلى مكّة المكرَّمة لنصرة الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)؛ لأنَّه ليس بين خروج السفياني وخروج الإمام المهدي (عليه السلام) إلَّا ستَّة أشهر ربَّما تزيد أيّاماً وأسابيع أو تنقص، ولا إشارة في الحديث إلى الأمر

(١٤)

بالرحيل إلى اليماني؛ لأنَّ اليماني لم يرد له في الحديث أيّ ذِكْر.
ويدلُّ على ما قلناه ما نقلناه قبل قليل عن عيص بن القاسم، فإنَّه واضح الدلالة على أنَّ الذي يجب الرحيل إليه هو الإمام المهدي (عليه السلام)، وزعم أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأتباعه أنَّ المأمور بالرحيل إليه هو اﻟﮕﺎطع نفسه؛ لأنَّه هو الذي يجتمع معه بنو فاطمة في الأحلام التي رآها أتباعه، فمضافاً إلى أنَّ الرؤى الكاذبة لا قيمة لها في دين الله، ولا تُميِّز إمام الحقّ عن إمام الباطل، مع عدم صدق اجتماع بني فاطمة على اﻟﮕﺎطع بالرؤى، فإنَّ عدم وجوب الرحيل إلى اليماني في رجب، الذي هو وقت خروجه، وجواز تأخيره إلى ما بعد شهر رمضان كما دلَّت عليه الرواية، مع أنَّ اليماني سيكون في وقت خروجه بالسيف أحوج ما يكون إلى النصرة، قرينة على أنَّ الذي يجب الرحيل إليه في رجب أو شعبان أو إلى ما بعد شهر رمضان هو الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) دون غيره.
وحصر الديراوي الراية التي ترافق خروج السفياني

(١٥)

براية اليماني غير صحيح؛ لأنَّ راية الخراساني أيضاً ترافق خروج هاتين الرايتين، وإذا كان هناك أمر بالرحيل إلى راية هدى فهو غير منحصر في راية اليماني؛ لأنَّ كلّاً من راية الخراساني واليماني راية هدى، ولاسيّما أنَّ بعض الأحاديث دلَّت على أنَّ نفراً من أصحاب القائم (عليه السلام) سيلتحقون براية الخراساني.
فقد روى النعماني بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) أنَّه قال في حديث طويل: (ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة وعدَّتهم سبعون ألفاً، فيُصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً، فبينا هم كذلك إذ أقبلت رايات من قِبَل خراسان، وتطوي المنازل طيًّا حثيثاً ومعهم نفر من أصحاب القائم)(5).
وقوله: إنَّ (الأمر بالرحيل إليها يقتضي وجودها بفترة معتدّ بها قبل التحرّك المسلَّح (أي قبل الخروج) ليتعرَّف عليها الناس، ويرحلوا إليها) لا يخفى ما فيه، فإنّي لم أجد رواية واحدة صحيحة السند تدلُّ على وجوب الرحيل لنصرة راية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) الغيبة: 289.

(١٦)

اليماني، وأمَّا الروايات الدالّة على نصرة الإمام المهدي (عليه السلام) فهي متواترة عند الشيعة وغيرهم، وهذا مؤيِّد لكون الأمر الوارد بالرحيل إليهم (عليهم السلام) يُراد به الرحيل لنصرة الإمام المهدي (عليه السلام) دون من سواه.
ثمّ إنّا لو سلَّمنا أنَّ هناك أمر بالرحيل إلى اليماني فإنَّ ذلك لا يستلزم كونه صاحب دعوة سابقة على خروجه، ولو سلَّمنا كونه صاحب دعوة فإنَّ الأمر بالرحيل إليه لا يستلزم وجود دعوته قبل خروجه بمدَّة، فإنَّ التعرّف على أيِّ دعوةٍ يمكن أن يتحقَّق بعد الإعلان عنها مباشرةً، وهذا أمر واضح.
ونحن لا ننكر أنَّ اليماني يَدْعو لنصرة صاحب الأمر (عليه السلام) وأنَّه صادق في دعوته، إلَّا أنَّ المراد بدعوته له (عليه السلام) هو الدعوة لنصرته، لا الدعوة إلى مذهب جديد له أربعة وعشرون إماماً، ولا الدعوة إلى إمامة اﻟﮕﺎطع بخصوصه، فإنَّ هذه الدعوة ليست دعوة إلى صاحب الأمر (عليه السلام) كما لا يخفى.

(١٧)

الأدلة الدالّة على أنَّ اليماني ليس إماماً مفترض الطاعة:
يدلُّ على أنَّ اليماني ليس إماماً مفترض الطاعة ولا صاحب دعوة خاصّة به عدَّة أُمور:
1 - أنَّ الروايات المتواترة عند الشيعة الإمامية حصرت الأئمَّة في اثني عشر، لا يزيدون ولا ينقصون، أوَّلهم أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وآخرهم الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، ولو كان اليماني إماماً مفترض الطاعة لزاد عدد الأئمَّة على الاثني عشر، وهو واضح البطلان.
2 - أنَّ اليماني لو كان إماماً مفترض الطاعة لوجب التأكيد على إمامته في الروايات الكثيرة المتواترة التي أَكَّد الأئمَّة الأطهار (عليهم السلام) فيها على إمامة غيره من أئمَّة الهدى (عليهم السلام)، ولَذُكِرَ ذلك على الأقلِّ في رواية واحدة صحيحة، وكلُّ من تتبَّع الروايات لا يجد فيها أيّ إشارة من قريب أو بعيد إلى إمامة اليماني حتَّى في رواية واحدة ضعيفة السند، فكيف تثبت هذه الإمامة التي لا دليل عليها في الروايات؟!

(١٨)

3 - أنَّ الروايات وصفت اليماني بأنَّه يدعو إلى الإمام المهدي (عليه السلام)، ولو كان إماماً مفترض الطاعة لوجب أن يكون صامتاً في زمان الإمام المهدي (عليه السلام)، فإنَّه ما اجتمع إمامان في عصر واحد إلَّا كان أحدهما صامتاً كما دلَّ عليه ما رواه الكليني رحمه الله بسند صحيح عن الحسين بن أبي العلاء، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: (لا). قلت: يكون إمامان؟ قال: (لا، إلَّا وأحدهما صامت)(6).
ردّ دليل الكاطع على أنَّ اليماني إمام مفترض الطاعة:
تجاهل أحمد إسماعيل ﮔﺎطع كلّ الأحاديث المتواترة التي حصرت الأئمَّة في اثني عشر إماماً، وحاول أن يلتفَّ على بعض الأحاديث الضعيفة ليثبت بها أنَّ اليماني إمام مفترض الطاعة، فقال:
(إنَّ اليماني ممهِّد في زمن الظهور المقدَّس ومن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) الكافي 1: 178.

(١٩)

الثلاث مائة وثلاث عشر (كذا)، ويُسلِّم الراية للإمام المهدي، والمهدي الأوَّل أيضاً موجود في زمن الظهور المقدَّس، وأوَّل مؤمن بالإمام المهدي (عليه السلام) في بداية ظهوره وقبل قيامه، فلا بدَّ أن يكون أحدهما حجَّة على الآخر، وبما أنَّ الأئمَّة والمهديّين حجج الله على جميع الخلق، والمهدي الأوَّل منهم، فهو حجَّة على اليماني إذا لم يكونا شخصاً واحداً، وبالتالي يكون المهدي الأوَّل هو قائد ثورة التمهيد، فيصبح دور اليماني ثانوياً، بل مساعداً للقائد، وهذا غير صحيح؛ لأنَّ اليماني هو الممهِّد الرئيسي وقائد حركة الظهور المقدَّس، فتحتَّم أن يكون المهدي الأوَّل هو اليماني، واليماني هو المهدي الأوَّل)(7).
ولا يخفى على القارئ العزيز ما في هذا الكلام من الأكاذيب الفاضحة المخالفة للأدلَّة الواضحة؛ فإنَّه لا توجد رواية واحدة تدلُّ على أنَّ اليماني من ضمن أنصار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) المتشابهات 4: 46.

(٢٠)

الإمام الثلاثمائة والثلاثة عشر، والرواية التي ذكرت أسماء أنصار الإمام المهدي (عليه السلام) ذكرت من اليمن جماعة لا يُعلَم أنَّ اليماني المعهود واحد منهم أو لا؛ لأنَّ الروايات الأُخرى لم تذكر اسم اليماني حتَّى يُعرَف أنَّه أحد هؤلاء المذكورين. وأمَّا ادِّعاء أحمد إسماعيل ﮔﺎطع أنَّ اليماني من البصرة واسمه أحمد، أي أنَّه هو نفس أحمد إسماعيل ﮔﺎطع، فإنَّ الرواية تُكذِّبه؛ لأنَّ الرواية التي رواها المرندي في (مجمع النورين) ورد فيها أنَّ أنصار الإمام (عليه السلام) من البصرة: (علي، (و)محارب، وطليق)(8).
والرواية التي ذكرها اليزدي الحائري في (إلزام الناصب) ورد فيها أنَّ أنصاره (عليه السلام) من البصرة رجلان: (علي ومحارب)(9).
وأمَّا محمّد بن جرير الطبري الشيعي فإنَّه ذكر في (دلائل الإمامة) أنَّ أنصاره (عليه السلام) من البصرة ثلاثة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) مجمع النورين: 331.
(9) إلزام الناصب 2: 174.

(٢١)

رجال: (عبد الرحمن بن الأعطف بن سعد، وأحمد بن مليح، وحمّاد بن جابر)(10).
وهذه الروايات بأجمعها لا دلالة فيها على أنَّ اليماني من أنصار الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، بل إنَّها تدلُّ على خلاف ما يزعمه أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأتباعه من دلالة الروايات على أنَّ اليماني من البصرة، واسمه أحمد، وأنَّه من الثلاثمائة والثلاثة عشر، فإنَّ (أحمد) المذكور في رواية (دلائل الإمامة) هو أحمد بن مليح، لا أحمد بن إسماعيل ﮔﺎطع كما حاولوا أن يُموِّهوا على الناس في ذلك، ويوهموهم بأنَّ أحد أنصار الإمام (عليه السلام) من البصرة اسمه (أحمد)، ولهذا تركوا النقل عن المصدر الأساس وهو (دلائل الإمامة)، ونقلوا عن كتاب (بشارة الإسلام)، الذي نقل هذه الرواية عن نسخة كثيرة الخطأ والتصحيف من كتاب (غاية المرام) الذي ينقل الرواية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) دلائل الإمامة: 313.

(٢٢)

عن كتاب (دلائل الإمامة)، حيث جاء في الكتاب المذكور قوله: (ومن البصرة: عبد الرحمن بن الأعطف بن سعد، وأحمد، ومليح، وحمّاد بن جابر)(11).
مع أنَّ مؤلِّف كتاب (بشارة الإسلام) اعترف بعد نقل هذه الرواية أنَّ النسخة التي نقل عنها نسخةٌ كثيرة الأغلاط، فقال: (هذه النسخة كثيرة الغلط، وقد سقط منها بعض الحروف وبُدِّل البعض، وقد صحَّحت بعضها بنظري القاصر بواسطة بعض الأخبار).
ومع ذلك فإنَّ أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأنصاره نقلوا هذه الرواية عن هذا الكتاب الذي هو متأخّر، حيث توفّي مؤلِّفه سنة (1336هـ)، ولم ينقلوها عن المصدر الأصل وهو (دلائل الإمامة) لمؤلِّفه محمّد بن جرير بن رستم الطبري المتوفّى في أوائل القرن الثالث الهجري؛ وسبب ذلك واضح، وهو أنَّ ما في المصدر الأصلي يُبطِل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) بشارة الإسلام: 295.

(٢٣)

ما يدَّعيه اﻟﮕﺎطع وأنصاره من أنَّه هو اليماني، وأنَّه أحد الثلاثمائة والثلاثة عشر، بخلاف النقل عن كتاب (بشارة الإسلام) الذي ورد فيه أنَّ اسم أحد أنصار الإمام (عليه السلام) من البصرة اسمه أحمد، فإنَّه يمكن لهم أن يدَّعوا أنَّ المراد به هو اﻟﮕﺎطع نفسه، رغم ما قاله مؤلِّف الكتاب عن نسخته التي نقل عنها، وهذا دليل واضح على أنَّهم لا أمانة لهم في نقلهم عن المصادر، فإنَّهم كثيراً ما يبترون الرواية، فينقلون جزءاً منها، ويتركون نقل الباقي؛ لأنَّ باقي الرواية يُبطِل مزاعمهم الكاذبة، ويدلُّ على خلاف ما يدَّعونه.
وقد ذكر حيدر الزيادي وهو من المروِّجين لأحمد إسماعيل ﮔﺎطع أنَّ (علي محارب) المذكور في بعض الروايات أنَّه من أنصار الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) هو نفس أحمد إسماعيل ﮔﺎطع، حيث قال:
(أوَّل أنصار الإمام المهدي (عليه السلام) من البصرة،

(٢٤)

واسمه أحمد، وفي رواية سُمّي علي محارب، فأمَّا علي فكونه الوصيّ في زمن الظهور كما أنَّ علي بن أبي طالب وصيّ رسول الله، فسُمّي علي (كذا) للمشابهة، ومحارب أي مقاتل؛ لكونه يقود معارك جيش الإمام (عليه السلام) العقائدية والعسكرية)(12).
ولا يخفى أنَّ هذا الكلام هذيان يُضحِك الثكلى، وهو يدلُّ على ما وصل إليه هؤلاء القوم من تحريف معاني الروايات والعبث بها، ويُبيِّن مدى خواء صاحبهم اﻟﮕﺎطع عن كلِّ فضيلة، ولذا سعى أنصاره هذه المساعي المُخجِلة لكي ينسبوا له بعض الفضائل التي ليست له.
وهذا أُنموذج ممَّا دأب عليه أتباع اﻟﮕﺎطع الذين ينتقون من الروايات ما يظنّون أنَّهم قادرون على تحريف معانيها، فمع أنَّ كلّ مصادر الحديث التي ذكرناها لم يُذكر فيها ما يحتمل أنَّه إشارة إلى أحمد إسماعيل ﮔﺎطع، إلَّا أنَّهم اختاروا اسماً فحرَّفوا معناه بالنحو الذي نقلناه عن حيدر الزيادي، مع أنَّه من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12) اليماني الموعود حجَّة الله: 156.

(٢٥)

الواضح أنَّ المراد بـ (علي محارب) كما في رواية (مجمع النورين)، أو (علي ومحارب) كما في رواية (إلزام الناصب)، رجل مسمّى بذلك، أو رجلان لهما هذان الاسمان، كما هو حال بقيَّة الأسماء التي وردت في نفس الرواية للأنصار الباقين للإمام المهدي (عليه السلام)، فإنَّ الإمام (عليه السلام) كان في صدد بيان أسماء هؤلاء الأنصار، من دون الإشارة إلى أيّ صفة يتَّصف بها كلّ واحد منهم.
وأمَّا زعم أحمد إسماعيل ﮔﺎطع أنَّ اليماني يُسلِّم الراية للإمام المهدي (عليه السلام) فلم تدلّ عليه الروايات لا من قريب ولا من بعيد، والذي دلَّت عليه الروايات التي ذكرناها فيما تقدَّم هو أنَّ اليماني يَدْعو إلى الإمام المهدي (عليه السلام)، وأنَّه من الموالين له، ويقوم بنصرته، وزعمهم أنَّه هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، أو يُوطِّئ للإمام المهدي سلطانه، لا أثر له في الروايات، وكلُّ ما ذكره أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأنصاره في ذلك فهو من أكاذيبهم وتمويهاتهم الكثيرة التي دلَّ الدليل على بطلانها.

(٢٦)

وأمَّا الاعتقاد بإمامة المهدي الأوَّل الذي هو أحمد إسماعيل ﮔﺎطع، وبإمامة المهديّين الأحد عشر من أولاد هذا اﻟﮕﺎطع، فهو من العقائد الشيطانية الباطلة التي خالفوا فيها جميع المسلمين منذ عصر الرسالة إلى يومنا هذا، وخالفوا بها الروايات المتواترة التي حصرت الأئمَّة المعصومين في اثني عشر، أوَّلهم أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وآخرهم الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، ويكفي هذا في الدلالة على بطلان هذه العقيدة الفاسدة.
ردّ استدلال الكاطع على أنَّ اليماني هو المهدي الأوَّل:
قد ظهر ممَّا قلناه بطلان استدلال أحمد إسماعيل ﮔﺎطع على أنَّ المهدي الأوَّل هو اليماني المذكور في الروايات، حيث زعم أنَّه لو لم يكن المهدي الأوَّل واليماني شخصاً واحداً للزم (أن يكون أحدهما حجَّة على الآخر، وبما أنَّ الأئمَّة والمهديّين حُجج الله على جميع

(٢٧)

الخلق، والمهدي الأوَّل منهم، فهو حجَّة على اليماني إذا لم يكونا شخصاً واحداً، وبالتالي يكون المهدي الأوَّل هو قائد ثورة التمهيد، فيصبح دور اليماني ثانوياً، بل مساعداً للقائد، وهذا غير صحيح؛ لأنَّ اليماني هو الممهِّد الرئيسي وقائد حركة الظهور المقدَّس، فتحتَّم أن يكون المهدي الأوَّل هو اليماني، واليماني هو المهدي الأوَّل).
وهذا الكلام أوهن من بيت العنكبوت، فإنَّ الشيعة كما قلنا منذ عصور الأئمَّة الأطهار (عليهم السلام) إلى يومنا هذا لا يقولون: (إنَّ بعد الأئمَّة المعصومين الاثني عشر (عليهم السلام) اثني عشر مهديًّا من ولد الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام))؛ لأنَّ ذلك مضافاً إلى أنَّه مخالف للأحاديث الصحيحة المتواترة التي حصرت الأئمَّة المعصومين في اثني عشر فقط، أوَّلهم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وآخرهم المهدي المنتظر (عليه السلام).
وعلى ما قلناه، فإنَّ المهدي الأوَّل لن يكون له وجود في عصر الظهور ولا في غيره حتَّى نتردَّد في أنَّه هل هو نفس اليماني، أو أنَّه رجل آخر غيره؟

(٢٨)

ولو أغمضنا عن جميع الروايات التي حصرت الأئمَّة في اثني عشر، وسلَّمنا جدلاً أنَّ اثني عشر مهديًّا سيتولّون الإمامة بعد الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، أوَّلهم هو المهدي الأوَّل، فإنَّ ذلك لا يستلزم وجوده في عصر الظهور؛ لأنَّه ربَّما يُولَد بعد ذلك بعشر سنين أو عشرين سنة. وزعم أحمد إسماعيل ﮔﺎطع أنَّه هو المهدي الأوَّل لا قيمة له؛ لأنَّه ادِّعاء مجرَّد لا دليل عليه، بل قام الدليل الصحيح على خلافه؛ فإنَّ أحمد إسماعيل ﮔﺎطع مضافاً إلى أنَّه لا ينتسب إلى الإمام المهدي (عليه السلام) لا من قريب ولا بعيد، والمهدي الأوَّل إن كان سيوجد فهو من أولاد الإمام المهدي (عليه السلام) المباشرين، لا من أحفاد أحفاده كما هو حال أحمد إسماعيل ﮔﺎطع بحسب زعمه، حيث يزعم كذباً وزوراً أنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) هو جدّه الرابع، فإنَّ هذا اﻟﮕﺎطع لا يصلح لإمامة الصلاة؛ لأنَّه عامّي صرف، وأخطاؤه في قراءة آيات القرآن كثيرة وفاضحة، لا يقع فيها كثير من صبيان المسلمين، فكيف يكون إماماً مفترض الطاعة؟!
ولو تنزَّلنا وسلَّمنا أنَّ المهدي الأوَّل سيكون

(٢٩)

معاصراً لعصر الظهور، فإنَّ ذلك لا يستلزم أن يكون هو نفس اليماني؛ إذ لا محذور في أن يكونا شخصين مختلفين، أمَّا المهدي الأوَّل فهو أحد أولاد الإمام المهدي (عليه السلام)، وأمَّا اليماني فهو أحد القادة الذين يقومون بنصرة الإمام المهدي (عليه السلام)، فأين التنافي؟!
وما زعمه هذا اﻟﮕﺎطع من أنَّ عدم اتّحاد شخصيتي الرجلين يستلزم أن يكون المهدي الأوَّل قائد ثورة التمهيد، فيصبح دور اليماني ثانويًّا، ويكون اليماني مساعداً للقائد، وهو غير صحيح؛ لأنَّ اليماني هو الممهِّد الرئيسي وقائد حركة الظهور المقدَّس، كلّه تخبيص فاضح وهذيان واضح؛ لأنَّ قائد حركة الظهور المقدَّس هو الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) نفسه، لا المهدي الأوَّل الذي لا وجود له إلَّا في خيال أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأتباعه، ولا اليماني الذي جعله هذا اﻟﮕﺎطع وأنصاره ممهِّداً رئيساً وقائد حركة الظهور المقدَّس من دون أيّ دليل على ذلك.
مع أنّا لو سلَّمنا بوجود المهدي الأوَّل في عصر

(٣٠)

الظهور فلا مانع أيضاً من جهة ثانية أن يكون المهدي الأوَّل مغايراً لليماني، ويكون المهدي الأوَّل صامتاً وقت الظهور، وأمَّا اليماني فهو من علامات ظهور الإمام (عليه السلام)، ومن الداعين إليه، وأمَّا قائد حركة الظهور المقدَّس فهو الإمام المهدي (عليه السلام) نفسه كما قلنا.
هل اليماني هو قائد جيش الإمام المهدي (عليه السلام)؟
إنَّ المتتبِّع لروايات آخر الزمان التي تحدَّثت عن الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، لا يجد فيها أيّ إشارة إلى أنَّ اليماني سيكون قائداً في جيش الإمام المهدي (عليه السلام)، أو أنَّ له دوراً في ملء الأرض قسطاً وعدلاً.
ولا ينقضي العجب من اﻟﮕﺎطع وأنصاره الذين جرَّدوا الإمام المهدي (عليه السلام) من كلِّ فضيلة، فزعموا أنَّ اليماني هو الذي يُمهِّد للإمام المهدي (عليه السلام)، ويقوم بفتح الفتوحات، وأنَّه في حقيقة الأمر هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وأنَّ نسبة ذلك إلى الإمام المهدي المنتظر

(٣١)

عليه السلام لأجل كونه آمراً لا فاعلاً، كالملك الذي يُجهِّز جيشاً، فيُنسَب إليه كلّ ما يقوم به هذا الجيش من الفتوحات، وإن كان الملك لم يحارب، ولم يُخطِّط، ولم يقم بأيِّ مجهودٍ يُذكر.
قال ناظم العقيلي:
(يمكن لنا أن ننسب كلّ الحروب والملاحم التي يقوم بها اليماني الموعود إلى الإمام المهدي (عليه السلام)، من باب أنَّها بأمره وإرشاده، كما نقول: (فتح الملك الفلاني المدينة الفلانية)، في حين أنَّ قائد جيشه هو الذي فتحها، وليس الملك نفسه، ولكن لا نستطيع أن نعكس المسألة، أي لا نستطيع أن ننسب الملاحم التي يقودها الإمام المهدي (عليه السلام) بنفسه بالمباشرة إلى اليماني الموعود؛ لأنَّ اليماني الموعود حينئذٍ لا يكون سوى جندي كبقيَّة الجنود والقادة، فلا قيادة مباشرة له، ولا أمر أو نهي أو تخطيط)(13).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) دراسة في شخصية اليماني الموعود 1: 64.

(٣٢)

إلى أن قال:
(وبعد أن ثبت فيما سبق أنَّ اليماني الموعود من ذرّيَّة الإمام المهدي (عليه السلام)، فقد تنصّ الروايات على أُمور كثيرة يقوم بها الإمام المهدي (عليه السلام)، ولكن في الحقيقة سيقوم بها ابنه ويمانيّه أحمد الوصيّ، ومنها مسألة مباشرة الملاحم، وحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، وقد تكون هناك أُمور أُخرى لم تخطر على البال)(14).
والنتيجة التي يريد أن يخلص إليها ناظم العقيلي أنَّه لا مانع من أن يقوم اليماني الذي فَرَضَه العقيلي أنَّه من أبناء الإمام المهدي (عليه السلام) بكلِّ ما ذُكِرَ في الروايات أنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) سيقوم به حتَّى ملء الأرض قسطاً وعدلاً، (وهذا من الأُمور الأُخرى التي لم تخطر على البال) وغير ذلك، وهذا لا يكون فيه تكذيب للروايات؛ لأنَّ ما يفعله الابن أو الحفيد يصحُّ نسبته إلى الأب أو الجدّ ولو بنحو المجاز لا الحقيقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) المصدر السابق 1: 67.

(٣٣)

وبهذا يخرج الإمام المهدي (عليه السلام) عن أن يكون هو المصلح العالمي الحقيقي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، ويكون المصلح العالمي الحقيقي بزعمهم هو أحمد إسماعيل ﮔﺎطع الذي نسبوا إليه كلّ فضائل الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام).
ولا يخفى أنَّ هذا الكلام مخالف لإجماع المسلمين، فإنَّهم أجمعوا على أنَّ الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً حقيقة هو الإمام المهدي (عليه السلام) نفسه، والروايات نسبت هذا الفعل إليه (عليه السلام)، ومقتضى ذلك هو حمل الكلام على معناه الحقيقي، الذي يدلُّ على أنَّه (عليه السلام) هو الفاعل الحقيقي لا المجازي، ولا يمكن حمل الكلام على المجاز إلَّا بقرينة، ولا قرينة في البين تدلُّ على أنَّ الذي يملأ الأرض عدلاً هو رجل من ولده (عليه السلام).
ثمّ إنَّه إذا كان الذي سيملأ الأرض عدلاً من ولد الإمام المهدي (عليه السلام)، وهو اﻟﮕﺎطع نفسه الذي يدَّعي بلا حياء أنَّه حفيد حفيد الإمام المهدي (عليه السلام)، فلا وجه حينئذٍ

(٣٤)

لتخصيص الإمام المهدي (عليه السلام) في الروايات بأنَّه يملأ الأرض، ولا معنى للتأكيد على ذلك في جميع الروايات، واللازم حينئذٍ نسبة هذا الفعل إلى اﻟﮕﺎطع نفسه بنحو الحقيقة ولو في بعض الروايات على الأقلّ، ولا حاجة إلى استعمال المجاز في جميع الروايات من دون استثناء، فإنَّ ذلك يوقع الناس في اللبس، بل في الضلال المبين.
ولو سلَّمنا جدلاً بأنَّ هناك ضرورة شرعية ملحَّة يعلمها الأئمَّة الأطهار (عليهم السلام)، اقتضت منهم أن ينسبوا ملء الأرض إلى رجل آخر غير اﻟﮕﺎطع، فإنَّ نسبته إلى أقرب الآباء وهو الحاج إسماعيل ﮔﺎطع (والد مُدَّعي اليمانية)، أو نسبته إلى خير الآباء من جهة الأُمّ وهو رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، أو خير الآباء من جهة الأب وهو أمير المؤمنين (عليه السلام) أولى من نسبته إلى الجدّ الرابع - وهو الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) - كما يدَّعي.

(٣٥)