الردّ الساطع على ابن گاطع 10
أحمد إسماعيل ليس من ذرّية الإمام المهدي (عليه السلام)
تأليف: السيّد ضياء الخبّاز
تقديم: مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عليه السلام)
مقدّمة المركز:...................3
المبحث الأوَّل: أدلَّة الإثبات:...................5
المبحث الثاني: أدلَّة النفي:...................28
المبحث الثالث: امتناع إثبات الذرّية في زمن الغيبة:...................34
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة المركز:
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
بعد أن كثر الحديث عن المدعو أحمد إسماعيل گاطع وما جاء به من دعاوى وأكاذيب وصلت إلى أكثر من (50) دعوى باطلة ما أنزل الله بها من سلطان رأى مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عليه السلام) ضرورة التصدّي لبيان زيف هذه الدعاوي والردّ عليها ليس من باب أنَّ ما جاء به أُمور علمية تعتمد الدليل العلمي والبرهان المنطقي فأنت لا تجد في طيّات دعاويه غير الزيف والتدليس والكذب والافتراء والانتقاء في الاعتماد على الروايات - وهذه كتبه وكتب أصحابه خير شاهد على ما نقول -، بل من باب أنَّ الشبهة قد تجد لها مساحة في بعض النفوس الضعيفة أوّلاً فتحتاج إلى
بعض التوضيحات وبلورة الأُصول والقيم وبيان الأُسس التي يعتمد عليها المنهج العلمي لدى السير البشري عموماً والطائفة بشكل خاصّ، مضافاً إلى إلقاء الحجَّة على المغترّ به والمتَّبع خطاه لئلَّا يقول أحد: (لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً مُنْذِراً وَأَقَمْتَ لَنا عَلَماً هادِياً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى)(1).
لذا فإنَّ نشر هذا الكرّاس(2) للردّ على ابن گاطع يعتبر حلقة من حلقات التصدّي لأهل البدع والزيغ، مضافاً إلى باقي أنشطة مركز الدراسات في ردّ الشبهات من خلال موقعه في النت وصفحات التواصل الاجتماعي وصحيفة صدى المهدي وغيرها.
نسأله تعالى الثبات على الحقّ (يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك).
مدير المركز
السيّد محمّد القبانچي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إقبال الأعمال 1: 505.
(2) مقتبس من كتاب (المهدوية الخاتمة) للمؤلِّف.
يدَّعي المدعو أحمد إسماعيل أنَّه ابن الإمام المهدي (عليه السلام)، والكلام حول هذه الدعوى يقع في ثلاثة مباحث:
المبحث الأوَّل: أدلَّة الإثبات:
ويستدلُّ أصحاب هذه الدعوى على وجود ذرّية لإمامنا المنتظر (عليه السلام) بعدَّة أدلَّة(3)، وسوف نعرض لأهمّها، مع بيان ما يرد عليها:
الدليل الأوَّل: روايات استحباب النكاح:
وتقريبه: بثلاث مقدّمات:
المقدّمة الأُولى: أنَّ الروايات في استحباب النكاح كثيرة جدَّاً، وهي واضحة الدلالة على محبوبية النكاح ومطلوبيته، ففي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): قال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) ذكر هذه الأدلَّة المدعو ناظم العقيلي في كتابه (الردّ الحاسم على منكري ذرّية القائم) فلاحظ.
أمير المؤمنين (عليه السلام): (تزوَّجوا فإنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: من أحبَّ أن يتَّبع سُنَّتي فإنَّ من سُنَّتي التزويج)(4).
المقدّمة الثانية: أنَّ الإمام المعصوم لا يترك مستحبَّاً كما لا يترك واجباً قطعاً.
المقدّمة الثالثة: أنَّ مقتضى الوضع الطبيعي للزواج هو وجود الذرّية.
فالنتيجة: أنَّ الإمام حيث إنَّه لا يترك مستحبَّاً فهو متزوّج، ومقتضى كونه متزوّجاً هو وجود ذرّية له.
مناقشة الدليل الأوَّل:
والجواب عنه ببيان أمرين:
الأمر الأوَّل: عدم إطلاق استحباب الزواج:
وفيه مطالب:
المطلب الأوَّل: بيان الفرق بين الحكم الأوَّلي والثانوي:
وحاصله: أنَّه قد تقرَّر في علم الأُصول أنَّ الأحكام الواقعية تنقسم إلى قسمين:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) الكافي 5: 329.
الأوَّل: الأحكام الأوَّلية.
الثاني: الأحكام الثانوية.
والفرق بينهما:
أنَّ الأحكام الأوَّلية هي الأحكام الثابتة لموضوعاتها أوَّلاً وبالذات، مع صرف النظر عن العناوين الطارئة على الموضوع، كحرمة أكل الميتة، الثابت للميتة بعنوانها هذا.
وأمَّا الأحكام الثانوية فهي الأحكام الثابتة لموضوعاتها نتيجة طروّ العناوين الثانوية عليها، كحلية أكل الميتة عند طروّ عنوان الاضطرار، فإنَّ هذا الحكم ثابت للميتة بما هي مضطرٌّ إليها.
والمقام من هذا القبيل، فإنَّ استحباب الزواج حكم أوَّلي، إلَّا أنَّه قد تُطرأ عليه عناوين إضافية تُبدِّل حكمه، وقد ذكر الفقهاء تطبيقات متعدِّدة لذلك، كما سيتَّضح من خلال المطلب اللاحق.
المطلب الثاني: تطبيقات الحكم الثانوي للزواج في كتب الفقهاء:
حرمة الزواج، وقد طبَّقه صاحب العروة (قدس سره) على ما لو كان طلب العلم الديني متعيِّناً على شخص، وكان الزواج يفسد عليه طلبه للعلم(5).
وجوب الزواج، ومن تطبيقاته: ما لو خاف الإنسان على نفسه من الوقوع في المعصية إن لم يتزوَّج، فإنَّ الزواج في حقِّه يكون واجباً بالاتّفاق.
كراهة الزواج، وقد طبَّقه المحقِّق الكبير سيّد الطائفة الخوئي (قدس سره) على الزواج بالفاطمية لمن كانت تحته فاطمية، وهو المعبَّر عنه في كلماتهم بالجمع بين الفاطميتين(6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) العروة الوثقى مع تعليقات عدَّة من الفقهاء 5: 476، قال (قدس سره): (وقد يحرم كما إذا أفضى إلى الإخلال بواجب من تحصيل علم واجب).
(6) كتاب النكاح 1: 453، قال (قدس سره): (على أنَّ مقتضى قوله (عليه السلام): (من ولد فاطمة) هو حرمة الجمع بين الاثنتين من المنتسبات إلى فاطمة (عليها السلام) ولو من جهة الأُمّ خاصّة، وهو ممَّا لم يلتزم به حتَّى الأخباريين، فإنَّهم قد خصّوا الحكم بالجمع بين الفاطميتين، فإنَّ هذه الأُمور ممَّا يدلُّ على كون الحكم لو تمَّ سند الرواية هو الكراهة دون الحرمة).
فالحاصل: أنَّ استحباب الزواج حكم أوَّلي، ولكنَّه بحسب العناوين الإضافية والطارئة قد ينقلب إلى غيره.
المطلب الثالث: حكم زواج الإمام المنتظر (عليه السلام):
إنَّ ظروف الإمام المنتظر (عليه السلام) غير معلومة ولا مكشوفة لنا، فلا يمكن القول بأنَّ حكم استحباب الزواج ثابت بالنسبة له (عليه السلام)، إذ قد يكون حكم الزواج حراماً بالنسبة له، لاحتمال أنَّ الله تبارك وتعالى قد كلَّفه بعدم الزواج حتَّى يُبقي على نفسه الشريفة المقدَّسة في إطار السرّية والتستّر.
وبعبارة أُخرى: إنَّ إثبات هذا الحكم الأوَّلي للزواج بالنسبة لمولانا الأعظم (عليه السلام) يتوقَّف على معرفة ظروفه، وهذا ممَّا لا يمكن لأحد أن يصل إليه، فيبطل الاستدلال به.
الأمر الثاني: لو سلَّمنا لهم أنَّ حكم الزواج الأوَّلي ثابت بالنسبة لمولانا الأعظم (عليه السلام)، فلا ملازمة بين
الزواج وبين وجود الذرّية، لاحتمال التدخّل الغيبي للحيلولة دون وجود الذرّية، للحفاظ على غيبته التامّة وشخصيته المباركة (عليه السلام)، ومثل هذا الاحتمال المتين كافٍ لإبطال هذا الدليل.
الدليل الثاني: رواية المفضَّل بن عمر:
عن المفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبتين إحداهما تطول حتَّى يقول بعضهم: مات، ويقول بعضهم: قُتِلَ، ويقول بعضهم: ذهب، حتَّى لا يبقى على أمره من أصحابه إلَّا نفر يسير، لا يطَّلع على موضعه أحد من وِلْدِه ولا غيره إلَّا المولى الذي يلي أمره)(7).
وذيل الرواية صريح جدَّاً في وجود ذرّية للإمام المنتظر (عليه السلام).
مناقشة الدليل الثاني:
ويُجاب عنه: بأنَّه ممَّا لا يصحُّ الاستناد والتعويل عليه، لأنَّ الرواية مصحَّفة، ويوجد على التصحيف منبّهان:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) الغيبة للطوسي: 162.
المنبّه الأوَّل: رواية النعماني في كتاب الغيبة:
فالرواية بالنحو المتقدِّم رواها الشيخ الطوسي (رحمه الله) عن المفضَّل في كتاب الغيبة، إلَّا أنَّ الشيخ النعماني - وهو متقدِّم على الشيخ الطوسي - لم يروها بالنحو المذكور، بل بنحو آخر وهو: (إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبتين: إحداهما تطول حتَّى يقول بعضهم: مات، وبعضهم يقول: قُتِلَ، وبعضهم يقول: ذهب، فلا يبقى على أمره من أصحابه إلَّا نفر يسير، لا يطَّلع على موضعه أحد من وليّ ولا غيره إلَّا المولى الذي يلي أمره)(8).
فالمصدر الأسبق - وهو كتاب الغيبة للنعماني - لم ترد فيه كلمة (وِلْد) بل وردت كلمة (وليّ).
المنبّه الثاني: الضمير:
ففي رواية الطوسي: (لا يطَّلع على موضعه أحد من وِلْدِه ولا غيره)، قد جاء الضمير مفرداً، وهو لا يناسب السياق، إذ أنَّ كلمة (وِلْد) جمعٌ، فيلزم أن يكون الضمير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) الغيبة للنعماني: 176.
جمعاً حتَّى يتناسب مع عودته للوِلد فيقال: (ولا يطَّلع على موضعه أحد من ولده ولا غيرهم).
بينما رواية الشيخ النعماني جاء فيها الضمير مفرداً وهو يتناسب مع عوده على الوليّ، وهذا يُوجِبُ ترجيحَ نسخة النعماني على نسخة الطوسي، وعلى هذا فلا تصلح رواية الغيبة للطوسي دليلاً لإثبات وجود ذرّيةٍ للإمام (عليه السلام).
الدليل الثالث: رواية أبي بصير:
عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: (يا أبا محمّد، كأنّي أرى نزول القائم في مسجد السهلة بأهله وعياله)(9)، وهي صريحة أيضاً في أنَّ للإمام أهلاً وذرّيةً، وأنَّه ينزل بهم في مسجد السهلة.
مناقشة الدليل الثالث:
والجواب عنه: أنَّ الرواية الشريفة ناظرة إلى ما بعد الظهور وليست ناظرة إلى ما قبله، وذلك لقرينتين:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) المزار للمشهدي: 134.
القرينة الأُولى: نزوله في مسجد السهلة:
ففي الرواية: (كأنّي أرى نزول القائم في مسجد السهلة)، ومن الواضح أنَّ نزوله (عليه السلام) بعد استلامه زمام الأُمور، أي بعد ظهوره المبارك، حين يختار الكوفة عاصمة لدولته الإلهية.
القرينة الثانية: سؤال أبي بصير:
حيث قال: قلت: فما يكون من أهل الذمَّة عنده؟ قال: (يسالمهم كما سالمهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ويُؤدّون الجزية عن يدٍ وهو صاغرون).
وهذه واضحة أيضاً في أنَّ المرحلة التي تتحدَّث عنها الرواية هي مرحلة ما بعد الظهور، حيث تصبح الحكومة بيده ويتقلَّد الأُمور، بقرينة سؤال أبي بصير عن كيفية معاملته لأهل الذمَّة، وهذا غير مرتبط بزمن غيبته، بل هو مرتبط بزمن ظهوره وحكومته قطعاً.
الدليل الرابع: ما نقله العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في البحار عن الكتاب الغروي العتيق: (السلام على ولاة
عهده، وعلى الأئمَّة من ولده)(10).
مناقشة الدليل الرابع:
ويُجاب عنه: بأنَّ العلَّامة المجلسي (رحمه الله) لم يسنده للمعصوم (عليه السلام)، فلا يصلح للحجّية. على أنَّ الكتاب الغروي العتيق مجهول الهوية حتَّى عند العلَّامة المجلسي نفسه.
الدليل الخامس: ما نقله الشيخ الطوسي (رحمه الله) في الغيبة: (وصلِّ على وليّك وولاة عهده، والأئمَّة من ولده)(11).
ويُجاب عنه: بأنَّه مروي عن يعقوب بن يوسف الضرّاب، وقد نقله عن امرأة زعمت أنَّها خادمة في بيت الإمام العسكري (عليه السلام)، والراوي والمروي عنها مجهولا الحال، وليس لهما ذكر في كتب الرجال، فالتعويل على نقلهما غاية في الإشكال.
أضف إلى ذلك أنَّ هذا الدليل - كما هو سابقه -
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قاصران عن إثبات المدَّعى، إذ المدَّعى أنَّ له (عليه السلام) ذرّية في زماننا هذا، وهذان الدليلان - رغم عدم تماميتهما - إنَّما يثبتان أصل وجود الذرّية، وأمَّا كونها موجودة قبل الظهور فهما قاصران عن إثباته.
ولا يُقال: إنَّ الصلاة على المعدوم لا تصحُّ، فهذا منبّه على وجود الذرّية في زمن الغيبة.
لأنَّه يقال: إنَّ هذه الصلاة من قبيل طلب النبيّ عيسى (عليه السلام) لسلام الله عليه يوم يموت ويوم يبعث حيَّاً، فهو وإن لم يمت حين طلب السلام ولم يُبعَث، إلَّا أنه صحَّ منه طلب ذلك معلّقاً على تحقّق الأمرين.
وكذا يصحُّ طلب الصلاة من الله تعالى على الذرّية معلّقاً على وجودهم، وهذا نظير دعائك لمن لا ذرّية له فعلاً، بقولك: (جعل الله ذرّيتك من الصالحين) قاصداً طلب تحقيق ذلك من الله تعالى حال وجودهم، ومن هذا الباب وردت أدعية كثيرة عن الأئمَّة (عليه السلام) للإمام الحجَّة (عليه السلام) رغم عدم ولادته في زمانهم.
الدليل السادس: قصَّة الجزيرة الخضراء:
ويُجاب عنه: بأنَّها مجرَّد قصَّة وحكاية، ومثلها لا حجّية له.
والعجب من أدعياء المهدوية محاولتهم لتصحيح القصَّة تعويلاً على نقل بعض الأعلام لها(12)، مع أنَّ النقل أعمّ من الاعتقاد بالمعلوم، ويشهد لذلك مثلاً: أنَّ واحداً ممَّن نقلوا نقله للقصَّة هو السيّد بحر العلوم (قدس سره)، مع أنَّه حين ذكرها علَّق عليها بقوله: (لو صحَّ النقل)(13)، ومثله الشيخ الوحيد البهبهاني (قدس سره)، فإنَّه قد ذكرها بعنوان المؤيّد(14)، ومن المعلوم أنَّ الذي يُذكر بعنوان المؤيّد هو ما لا حجّية له في نفسه.
الدليل السابع: ما نقله الشيخ الكفعمي (رحمه الله) في مصباحه: من أنَّ زوجة الإمام (عليه السلام) من بنات أبي لهب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12) لاحظ ما كتبه ناظم العقيلي في (الردّ الحاسم على منكري ذرّية القائم/ ص 24).
(13) الفوائد الرجالية 3: 137.
(14) الحاشية على مدارك الأحكام 3: 187.
ويُسجَّل على هذا الاستدلال:
أوَّلاً: أنَّ ثبوت الزوجية لا يلازم ثبوت الذرّية.
ولا يُتوهَم: أنَّ الشيخ النوري (قدس سره) قد استدلَّ بهذا الدليل على ثبوت الذرّية، كما توهَّم ذلك المدعو ناظم العقيلي، حين قال: (ذكر الميرزا النوري في النجم الثاقب اثني عشر دليلاً على وجود الذرّية للإمام المهدي (عليه السلام)، وسوف نذكرها جميعاً)(15)، ثمّ نقل عنه الدليل المذكور(16).
فإنَّ المحدِّث النوري (قدس سره) أجلُّ من هذا التوهّم الفاتر، بل الحقّ أنَّه قد ذكر الدليل المذكور للاستدلال به على وجود زوجة للإمام (عليه السلام)، ويشهد لذلك تحريره لمحلِّ الاستدلال، حيث قال: (الشبهة الأُولى: أنَّه لم يُعهَد للحجَّة (عليه السلام) الأولاد والعيال والزوجات...)، ثمّ قال: ولم يعدّ لحدِّ الآن أحدٌ ترك ذلك من خصائصه، ونحن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15) الردّ الحاسم على منكري ذرّية القائم: 10.
(16) الردّ الحاسم على منكري ذرّية القائم: 12.
نقتنع بذكر اثني عشر خبراً)(17)، وكلامه (قدس سره) صريح في أنَّ الأخبار التي ذكرها لم يرد بها إثبات الذرّية فحسب، بل أراد إثبات الزوجية أيضاً، وهذا الدليل ممَّا يُثبت الثاني لا الأوَّل، كما لا يخفى على أقلِّ الناظرين.
وثانياً: أنَّ النقل المذكور لا أثر له في مصباح الشيخ الكفعمي (رحمه الله)، فلعلَّ المحدِّث النوري (قدس سره) قد اشتبه عليه النقل، أو سقط ذلك من النسخ المتداولة للمصباح، وبالجملة: فلا يُعلَم مصدر النقل المذكور ليُعلَم مقداره من الحجّية.
الدليل الثامن: قول الإمام الباقر (عليه السلام): (والقائم يومئذٍ بمكّة، قد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيراً به، فينادي: يا أيّها الناس، إنّا نستنصر الله، فمن أجابنا من الناس فإنّا أهل بيت نبيّكم محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأسألكم بحقِّ الله وبحقِّ رسوله وبحقِّي، فإنَّ لي عليكم حقّ القربى من رسول الله، إلَّا أعنتمونا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(17) النجم الثاقب 2: 68.
ومنعتمونا ممَّن يظلمنا، فقد أُخفنا وظُلمنا وطُردنا من ديارنا وأبنائنا، وبُغي علينا، ودُفعنا عن حقِّنا، وافترى أهل الباطل علينا، فالله الله فينا لا تخذلونا وانصرونا ينصركم الله تعالى).
ويُجاب عنه: بأنَّ الإمام (عليه السلام) لو قال بلسان المفرد: (وطردت من دياري أنا وأبنائي) لكان لاستظهار دلالة النصّ على وجود الذرّية مجال، ولكنَّه تكلَّم بلسان الجمع، ومثله - بما هو إمام وقائد وسيّد بني هاشم - يصحُّ منه استخدام اللفظ المذكور بما له من الصيغة للتعبير عن الهاشميين، أو غيرهم ممَّن يدين بإمامته من شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، فلا يبقى للفظ المذكور ظهور في وجود ذرّية للإمام المهدي (عليه السلام).
ويؤيّد ما استظهرناه - بل يشهد له - ما رواه الشيخ الكليني (رحمه الله) عن يعقوب السرّاج، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: (فيظهر عند ذلك صاحب هذا الأمر، فيبايعه الناس ويتَّبعونه، ويبعث الشامي عند ذلك جيشاً إلى المدينة، فيهلكهم الله تعالى دونها، فيهرب يومئذٍ من كان بالمدينة من ولد علي (عليه السلام) إلى
مكّة، فيلحقون بصاحب هذا الأمر، ويُقبل صاحب هذا الأمر نحو العراق، ويبعث جيشاً إلى المدينة فيأمن أهلها ويرجعون إليها)(18).
وكما ترى فإنَّ هذه الرواية صريحة جدَّاً في أنَّ المتواجدين في المدينة المنوَّرة من ذرّية أمير المؤمنين (عليه السلام) يهربون منها خوفاً من فتك السفياني وجيشه، وبما أنَّ خطاب الإمام المهدي (عليه السلام) المذكور يكون في مكّة بعد هذه الحادثة، فالظاهر أنَّه يشير إليها بكلامه المتقدِّم.
الدليل التاسع: ما نقله المحدِّث النوري (قدس سره) عن آخر كتاب (مزار) بحار الأنوار عن كتاب (مجموع الدعوات) لهارون بن موسى التلعكبري؛ فإنَّه بعد أن ذكر سلاماً وصلاةً على الحجَّة (عليه السلام) ذكر سلاماً وصلاةً على ولاة عهد الحجَّة (عليه السلام) وعلى الأئمَّة من ولده ودعا لهم بقول: (السلام على ولاة عهده، والأئمَّة من ولده)(19).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويُجاب عنه: بأنَّ السلام المذكور لا أثر له في مزار بحار العلَّامة المجلسي (رحمه الله)، كما أنَّه غير مسند للمعصوم (عليه السلام)، فلا حجّية له.
الدليل العاشر: قول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): (ثمّ يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليُسلِّمها إلى ابنه أوَّل المقرَّبين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أوَّل المؤمنين)(20).
ويُجاب عنه: بأنَّ مدَّعى القوم هو إثبات الذرّية للإمام (عليه السلام) في زمن الغيبة، ليترتَّب على ذلك إمكان إثبات أنَّ أحمد إسماعيل من ذرّيته المباركة(21)، والحال أنَّ أقصى ما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(20) الغيبة للطوسي: 151.
(21) يقول ناظم العقيلي في (الردّ الحاسم على منكري ذرّية القائم/ ص 8): (فإذا ثبت وجود الذرّية للإمام المهدي (عليه السلام) يندفع الإشكال الذي وجّه إلى السيّد أحمد الحسن رسول الإمام المهدي؛ لتصريحه بالانتساب إلى الإمام المهدي (عليه السلام)).
يُثبته هذا الدليل هو وجود ولد له بعد ظهوره وقبيل وفاته، فلا يتمُّ مدَّعاهم.
ولا يُقال: إنَّ توصيف الرواية لولد الإمام (عليه السلام) بأنَّه (أوَّل المؤمنين) يقتضي أن يكون موجوداً قبل ظهور والده (عليه السلام) ليصدق عليه أنَّه أوَّلُ المؤمنين بدعوته المباركة(22).
فإنَّه يُقال: إنَّ وصف (الإيمان) من الأوصاف التعلقية التي لا يمكن أن تتحقَّق إلَّا مع متعلقٍّ مذكور في الكلام أو مقدَّر، وبما أنَّ المتعلّق - كما هو ظاهر - غير مذكور في الرواية؛ إذ لم تذكر أنَّه أوَّل المؤمنين بماذا؟ فهذا يعني أنَّ ما زعمه أدعياء المهدوية من أنَّ متعلّق الإيمان هو الدعوة لا يعدو كونه احتمالاً بلا قرينة ولا شاهد؛ إذ من المحتمل جدَّاً - وهو ما تؤيّده مناسبات الحكم والموضوع - أن يكون المتعلّق هو الوصيَّة والقيام بعده، فيكون أوَّل المهديّين هو أوَّل من يؤمن بكونه بوصيَّة أبيه، وبالتالي فإنَّ الرواية بمنأى عمَّا يدَّعيه القوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(22) راجع: الوصيّ والوصيّة لناظم العقيلي: 119.
الدليل الحادي عشر: ما عن يونس بن عبد الرحمن، عن الإمام الرضا (عليه السلام) في الدعاء لصاحب الأمر (عليه السلام): (اللّهمّ صلِّ على ولاة عهده، والأئمَّة من بعده).
ويُجاب عنه: بأنه لا يفيد أكثر من وجود ولاة عهد للإمام المهدي (عليه السلام)، ووجود أئمَّة بعده، وأمَّا كونهم من ذرّيته، فالدعاء قاصر عن إثباته، ويبقى محتملاً للحمل على عقيدة الرجعة.
الدليل الثاني عشر: ما نقله العلَّامة المجلسي (رحمه الله) عن أصل قديم من مؤلَّفات قدمائنا، ضمن أدعية تعقيبات صلاة الفجر، أن يُقال: (اللّهمّ كن لوليك في خلقك وليَّاً وحافظاً وقائداً وناصراً، حتَّى تُسكِنه أرضك طوعاً، وتمتّعه منها طولاً، وتجعله وذرّيته فيها الأئمَّة الوارثين)(23).
ويُجاب عنه: بعدم ثبوت نسبته لأحد المعصومين (عليهم السلام)، فلا يكون مشمولاً لأدلَّة الحجّية، ولا يصحُّ التمسّك به في مقام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(23) بحار الأنوار 86: 340.
الإسناد والاستناد. على أنَّ الكتاب المنقول عنه لم يُعلَم عنه سوى كونه من كتب قدماء الأصحاب.
الدليل الثالث عشر: الدعاء الذي نقله المحدِّث الشيخ القمّي (قدس سره) في (مفاتيح الجنان)، حيث جاء فيه: (اللّهُمَّ أَعْطِهِ فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَذرِّيَّتِهِ وَأُمَّتِهِ وَجَمِيعِ رَعِيَّتِهِ ما تُقِرُّ بِهِ عَيْنَهُ وَتَسُرُّ بِهِ نَفْسَهُ).
ويُجاب عنه: بما تقدَّم من أنَّ مدَّعى القوم هو إثبات الذرّية للإمام (عليه السلام) في زمن الغيبة، ليترتَّب على ذلك إمكان إثبات أنَّ أحمد إسماعيل من ذرّيته المباركة، والحال أنَّ أقصى ما يثبته هذا الدليل هو وجود وُلد وذرّية له في الجملة، ولا دلالة له على وجودهم في زمن الغيبة، فلا يتمُّ مدَّعاهم. على أنَّ الدعاء معلول بالإرسال.
الدليل الرابع عشر: ما نقله صاحب (بشارة الإسلام) عن بحار الأنوار عن سطيح الكاهن في خبر طويل جاء في أحد فقراته بعدما يذكر بعض الوقائع التي تسبق قيام الإمام المهدي (عليه السلام): (فعندها يظهر ابن
المهدي)، وهذا يدلُّ صراحةً على أنَّ قبل قيام الإمام المهدي (عليه السلام) يظهر ابن الإمام المهدي (عليه السلام)(24).
ويُجاب عنه: بأنَّه لا يكاد ينقضي العجب ممَّن يبني عقيدته على حديث لم يُكلِّف نفسه عناء التأكّد من صحَّة ألفاظه عن طريق الرجوع إلى مصدره الأُمّ، وإلَّا فبالرجوع إلى المصدر الأُمّ نجد خبر سطيح قد روي بالنحو التالي: (فعندها يظهر ابن النبيّ المهدي)(25). على أنَّ الخبر إنَّما هو مروي عن أحد الكهنة، فكيف صحَّ لهؤلاء أن يثبتوا عقيدتهم به؟!
وممَّا يجدر ذكره: أنَّ كتاب (بشارة الإسلام) في بعض طبعاته قد تعرَّض لتحريف شديد جدَّاً بالزيادة والنقيصة، ولعلَّ هذا هو سرّ اعتماد القوم عليه وعدم رجوعهم إلى أُمّهات المصادر.
الدليل الخامس عشر: ما عن داود بن كثير الرقّي،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(24) راجع: الردّ الحاسم على منكري ذرّية القائم: 15.
(25) مشارق أنوار اليقين: 196، وعنه بحار الأنوار 51: 163.
قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن صاحب هذا الأمر، قال: (هو الطريد الوحيد الغريب الغائب عن أهله، الموتور بأبيه (عليه السلام))(26).
ويُسجَّل عليه:
أوَّلاً: أنَّ الرواية لا ظهور لها في الحديث عن الإمام المهدي (عليه السلام)؛ لإمكان تطبيقها على الإمام الرضا (عليه السلام) من غير تكلّف.
وثانياً: على فرض أنَّ المقصود بها هو الإمام المهدي (عليه السلام) فإنَّ أقصى ما تُثبته هو وجود الأهل له، ومن الواضح أنَّ عنوان الأهل لا يساوق عنوان الأولاد، لانطباقه لغةً وعرفاً على عشيرة الإنسان وأقاربه وأرحامه.
الدليل السادس عشر: ما عن معمّر بن خلَّاد، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: (كأنّي برايات من مصر مقبلات، خضر مصبغات، حتَّى تأتي الشامات، فتهدى إلى ابن صاحب الوصيّات).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(26) كمال الدين: 361.
وقد علَّق عليها بعض أدعياء المهدوية بقوله: (فدلالة هذه الرواية واضحة على أنَّ قبل قيام القائم تهدى الرايات (أي تبايع) إلى ابن صاحب الوصيّات، وصاحب الوصيّات هو وارث الأئمَّة المعصومين وخاتمهم ومن انتهت إليه الوصيَّة، وهو الإمام محمّد ابن الحسن العسكري صاحب الزمان (عليه السلام)، وهو المستحفظ من آل محمّد (عليهم السلام).
والرواية تنصّ على أنَّ الرايات تهدى إلى ابن صاحب الوصيّات أي ابن الإمام المهدي (عليه السلام)، فيتحصَّل لدينا أنَّ هناك ابن للإمام المهدي (عليه السلام) موجود قبل قيامه (عليه السلام)، ويقوم بدور التمهيد لوالده الإمام المهدي (عليه السلام))(27).
ويُجاب عنه: بأنَّ عنوان (صاحب الوصيّات) لا سبيل للجزم بالمقصود منه؛ إذ يحتمل أن يكون هو الإمام المهدي (عليه السلام)؛ ويطلق عليه (ابن صاحب الوصيّات) أي: ابن أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويُحتَمل أن يكون المقصود به
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(27) الردّ الحاسم على منكري ذرّية القائم: 18.
شخصاً آخر يكون له دور في عصر الظهور، ويُعبَّر عنه بالعنوان المذكور لاعتبارٍ من الاعتبارات.
المحصَّلة الأخيرة:
فتحصَّل: أنَّ ما ذُكِرَ من أدلَّة على وجود ذرّية للقائم (عليه السلام) ساقط عن الاعتبار، فإنَّ أكثرها منها غير مسندة إلى المعصوم (عليه السلام)، والبقيَّة بتمامها معلولة الأسانيد. على أنَّ أكثرها قاصر الدلالة، كما اتَّضح.
وبما ذكرناه يتَّضح وجه الزيف في كلام العقيلي، حيث قال: (إنّي قد أثبتُّ في هذا البحث أنَّ روايات الذرّية متعدِّدة وصحيحة السند، وتفيد الاعتقاد بحكمهم بعد الإمام المهدي (عليه السلام))(28).
المبحث الثاني: أدلَّة النفي:
وزيادةً على النتيجة المتقدّمة، وهي عدم وجود دليل ناهض - على وجود الذرّية - يُمكن الركون إليه من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(28) المصدر السابق.
الناحية العلمية، فإنَّنا نرتقي بهذه النتيجة في هذا المبحث فنقول: إنَّ الأدلَّة قائمة على عدم وجود الذرّية له (عليه السلام)، ويُمكن بيان ذلك من خلال إحدى ثلاث روايات:
الرواية الأُولى:
عن الحسن بن علي الخزّاز، قال: دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال له: أنت إمام؟ قال: (نعم)، فقال له: إنّي سمعت جدّك جعفر بن محمّد (عليهما السلام) يقول: (لا يكون الإمام إلَّا وله عقب). فقال: (أنسيت يا شيخ أو تناسيت؟ ليس هكذا قال جعفر (عليه السلام)، إنَّما قال جعفر (عليه السلام): لا يكون الإمام إلَّا وله عقب، إلَّا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنَّه لا عقب له)، فقال له: صدقت جُعلت فداك، هكذا سمعت جدّك يقول(29).
والرواية تثبت بدلالة واضحة أنَّ الإمام المنتظر (عليه السلام) - الذي يخرج عليه الحسين (عليه السلام) - ليس له عقب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(29) الغيبة للطوسي: 224.
إشكال ودفعه:
قد يُقال: ليس المقصود من الإمام الذي ليس له عقب في الرواية هو إمامنا المنتظر (عليه السلام)، وإنَّما المقصود به هو آخر المهديّين(30).
ويمكن دفعه ببيان أمرين:
الأوَّل: أنَّ الرواية قد نفت العقب عن (الإمام) وليس عن (المهدي) الذي يكون آخر المهديّين، ومن الواضح أنَّ الإمامةَ منفيةٌ عن المهديّين كما في الروايات الشريفة، ومنها رواية أبي بصير قال: قلت للصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام): يا ابن رسول الله، إنّي سمعت من أبيك (عليه السلام) أنَّه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(30) قال المدعو ناظم العقيلي في (الردّ الحاسم على منكري ذرّية القائم/ ص 25): (وقد توهَّم البعض أنَّ هذه الرواية تنفي الذرّية عن الإمام المهدي (عليه السلام) لتوهّمهم أنَّ المقصود من الإمام الذي ليس له عقب المذكور في الرواية هو الإمام المهدي (عليه السلام)، وهذا فهم سقيم وغير صائب. فالإمام الذي ليس له عقب والذي يخرج عليه الحسين (عليه السلام) هو آخر المهديّين الذي يحكمون بعد الإمام المهدي (عليه السلام) والذين هم من ذرّيته (عليه السلام)).
قال: (يكون بعد القائم اثنا عشر مهدياً). فقال: (إنَّما قال: اثنا عشر مهدياً، ولم يقل: اثنا عشر إماماً، ولكنَّهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقّنا)(31)، فيستفاد من هذه الرواية - على القول بوجود المهديّين - أنَّهم ليسوا أئمَّة، فلا يمكن على هذه حمل عبارة (الإمام الذي يخرج عليه الحسين) على آخرهم.
الثاني: إنَّ هذا القيل الباطل فيه مخالفة صريحة للروايات الصحيحة عن المعصومين (عليهم السلام)، ومنها معتبرة أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام)،قال: (قال الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) لأصحابه قبل أن يُقتَل بليلة واحدة: إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال لي: يا بني، إنَّك ستُساق إلى العراق، وتنزل في أرض يقال لها: (عموراء) و(كربلاء)، وإنَّك تُستَشهد بها، ويستشهد معك جماعة. وقد قرب ما عهد إليَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وإنّي راحل إليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(31) كمال الدين: 358.
غداً، فمن أحبَّ منكم الانصراف فلينصرف في هذه الليلة، فإنّي قد أذنت له، وهو منّي في حلٍّ. وأكَّد فيما قاله تأكيداً بليغاً، وقالوا: والله ما نفارقك أبداً حتَّى نرد موردك. فلمَّا رأى ذلك، قال: فأبشروا بالجنَّة، فوَالله إنَّما نمكث ما شاء الله تعالى بعد ما يجري علينا، ثمّ يُخرِجنا الله وإيّاكم حين يظهر قائمنا، فينتقم من الظالمين، وأنا وأنتم نشاهدهم في السلاسل والأغلال، وأنواع العذاب والنكال. فقيل له: مَنْ قائمكم يا ابن رسول الله؟ قال: السابع من ولد ابني محمّد بن علي الباقر، وهو الحجَّة بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي ابني، وهو الذي يغيب مدَّة طويلة، ثمّ يظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً)(32).
وكما ترى فإنَّ هذه الرواية المعتبرة في غاية الصراحة في أنَّ رجعة سيّد الشهداء الحسين (عليه السلام) إنَّما تكون في عهد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(32) إثبات الرجعة: 36.
الحجَّة ابن الحسن المهدي (عليه السلام)، وبهذا ينسدُّ باب التلاعب والتدليس في وجه أدعياء المهدوية.
الرواية الثانية:
أنَّ رؤساء الواقفة وأقطابها دخلوا على الإمام الرضا (عليه السلام) لزعزعة إمامته والتشكيك بها، فقال له البطائني: فإنّا روينا أنَّ الإمام لا يمضي حتَّى يُرى عقبه؟ فقال له الرضا: (أمَا رويتم في هذا الحديث بعينه: إلَّا القائم؟). قالوا: لا. قال الرضا: (بلى قد رويتموه، وأنتم لا تدرون لِمَ قيل، ولا ما معناه)(33).
الرواية الثالثة:
ما ورد عن المفضَّل بن عمر، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: (وليقال المهدي في غيبته: مات، ويقولون بالولد منه، وأكثرهم يجحد ولادته وكونه وظهوره، أُولئك عليهم لعنة الله والملائكة والرسل والناس أجمعين)(34). والمثير في الرواية أنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(33) إثبات الوصيّة للمسعودي: 201.
(34) الهداية الكبرى للخصيبي: 361.
الإمام (عليه السلام) ليس ينفي الولد فحسب، بل يلعن القائلين بالولد للمهدي (عليه السلام) في زمن غيبته.
المبحث الثالث: امتناع إثبات الذرّية في زمن الغيبة:
ومحصَّل الكلام في هذا المبحث: أنَّنا حتَّى لو سلَّمنا جدلاً بوجود الذرّية للإمام (عليه السلام)، إلَّا أنَّه يمتنع إثبات ذلك لأحد الأشخاص في زمن الغيبة، ويمكن فهم ذلك من خلال مقدّمتين:
المقدّمة الأُولى: المقدّمة الكبروية:
من المقرَّر في فقه أهل البيت (عليهم السلام) أنَّ إثبات انتساب شخص لشخص يتوقَّف على ضوابط مسلَّمة بين الفقهاء العظام، وهي:
الضابط الأوَّل: الإقرار:
والمراد منه: إقرار الأب أو الأخ أنَّ فلاناً ولده أو أخوه، فتترتَّب على ذلك سائر الأحكام الشرعية المختصَّة بالبنوَّة كالوراثة وحرمة الزواج من المحارم وغير ذلك.
ولهذه الضابطة تفصيل يُطلَب في محلِّه من كتاب الإقرار.
الضابط الثاني: الاستفاضة المفيدة للعلم:
والمراد منه: وجود شهرة بين الناس بأنَّ فلاناً ابنُ فلان، أو بأنَّه ينتسب إلى العشيرة الكذائية، ويكفي في ذلك تحقّق الاستفاضة في بلد المنتسب ولا يشترط تحقّقها عند كافّة الناس.
الضابط الثالث: شهادة العدلين الذكرين:
وهو واضح، إلَّا أنَّ الفقهاء قد اشترطوا شروطاً في شهادة العدلية - بل في الإقرار والاستفاضة أيضاً - والذي يهمّنا في المقام شرطان:
الشرط الأوَّل: أن يكون الانتساب ممكناً، أي: لا يوجد مانع شرعي أو عقلي يمنع منه، كأن يكون عندنا شخصان والفارق العمري بينهما خمس سنوات فقط، ويأتي عدلان ويقولان: هذا ابنٌ لذاك، فهذا غير ممكن عادةً، إذ ابن الخمس سنوات لا يُمكن أن يُنجب.
الشرط الثاني: أن يكون المنتسبُ مجهولَ النسب، أي: لا يُعلَم هل هو من أولاد فلان أو غيره، فإذا جاء العدلان وشهدا للولد بأنَّه ابنٌ لفلان - في حال كونه مجهول النسب - فتكون شهادتهما مقبولة وتترتَّب عليها الآثار الشرعية للانتساب، وأمَّا إذا شهدا لمعلوم النسب فلا تُقبَل.
المقدّمة الثانية: المقدّمة الصغروية:
ويدور الكلام في هذه المقدّمة حول إمكان تطبيق الضوابط المذكورة على المدعو أحمد إسماعيل، وإثبات انتسابه لبقيَّة الله الأعظم (عليه السلام)، أم لا؟
والجواب بالنفي، وبيانه: أنَّ الإقرار لا يمكن الاستفادة منه في المقام، إذ ليس هناك أبٌ يشهد له، باعتبار أنَّ الإمام المنتظر (عليه السلام) غائب عن الأنظار فلا يمكن أن يشهد، كما أنَّه ليس له أخٌ يقرُّ له، فانسدَّ هذا الباب.
وأمَّا الاستفاضة المفيدة للعلم، فإنَّها تُثْبِتُ خلافَ مدَّعاه؛ لأنَّه معروفٌ في البصرة ومعلومٌ انتماؤه إلى أيّ
عشيرةٍ وأُسرةٍ، وجميع أهل البصرة بحسب الاستفاضة عندهم يعلمون أنَّه ليس مِنْ ذرّية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ولتعذرنا عشيرة (آل بو سويلم) من الصيامرة - القاطنين في قرية الهمبوش من قضاء البصرة - إن صرَّحنا بانتماء هذا الرجل إليهم، فهو أحمد بن إسماعيل بن صالح من العشيرة المذكورة، ولا نظنّنا قد أذعنا سرَّاً، فالرجل معروف بذلك، وهذا ما جعله يُسمّي نفسه (أحمد الحسن) تعتيماً على نسبه.
والعجيب ادِّعاء الرجل انتماءه للعترة الطاهرة، رغم أنَّ عشيرته لم يُعرَفوا بذلك، ولم يدّع أحد منهم السيادة.
وأمَّا شهادة العدلين، فبناءً على الشرطين المذكورين، فإنَّ هذا الضابط لا يخدمه أيضاً، إذ بناءً على وجود العدلين - ولسنا نعرف من يُوصَف بالعدالة ممَّن سانده في دعواه الانتساب - فالشرطان المذكوران غير محقّقين، أمَّا الأوَّل فلوجود المانع الشرعي من الانتساب - كما تقدَّم -، وأمَّا الثاني فلمعلومية نسبه لدى أهل البصرة.
وعلى ذلك فالحاصل من الناحية الفقهية: أنَّه لا يمكن ثبوت انتساب المدعو أحمد إسماعيل إلى إمامنا المنتظر (عليه السلام)، لعدم انطباق شيء من الضوابط عليه.
ومن المناسب أن نختم بحثنا هذا بكلام مهمّ لشيخ الطائفة الطوسي (رحمه الله)، يقول فيه: (فأمَّا من قال: إنَّ للخلف ولداً وأنَّ الأئمّة ثلاثة عشر، فقولهم يفسد بما دلَّلنا عليه من أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) اثنا عشر، فهذا القول يجب إطراحه. على أنَّ هذه الفِرَق كلّها قد انقرضت بحمد الله ولم يبقَ قائل يقول بقولها، وذلك دليل على بطلان هذه الأقاويل)(35).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(35) الغيبة للطوسي: 228.