صيحة السماء لا الفضاء
فلا تبيعوا أنفسكم للشيطان
تأليف: الشيخ حميد الوائلي
تقديم: مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عليه السلام)
المقدّمة:...................3
المحور الأوَّل: الصيحة سماوية أم فضائية؟...................9
المحور الثاني: الحكم الشرعي في بيع الإنسان الحرّ وشرائه...................18
المحور الثالث: من هو القحطاني حيدر منشد مشتَّت؟ وما حقيقة رجعته الروحية؟...................22
الرجعة الروحية:...................24
اليماني يخرج قبل القائم (عليه السلام):...................28
وقفة قصيرة مع الفيديو الذي نشره المدعو حيدر الجيزاني على صفحته:...................34
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدّمة:
يسعى الإنسان المؤمن لرضا الله سبحانه وتعالى، فيحاول في البداية التشبُّثَ بكلِّ وسيلة يظنُّ أنَّها تُقرِّبه إلى الله زلفاً، وهذا السعي صحيح بشرط أن يكون الساعي قد أمن الانزلاق الفكري والانحراف السلوكي، فلا بدَّ من برنامج ونظام مستقيم يحفظ للإنسان تحقيق هذا الهدف السامي وتلك الغاية العظمى، وهي رضا الله سبحانه وتعالى لئلَّا يكون مادَّة خصبة للانحراف.
لأنَّ الاسترسال من دون ضبط المقدّمات لا ينتج إلَّا الكثير من الأفكار المنحرفة والمنزلقات الخطيرة.
فهي تسيرُ بموازاة الخطّ الإلهي الذي أخذ على عاتقه السير بالإنسان المؤمن إلى جادّة الحقيقة كي يضعه على طريق الاستقامة ليصل من خلاله إلى عبادة حقيقية
لله سبحانه وتعالى، بعيدة عن الزوائد والانحرافات والضلالات، فهنا خطّان متوازيان واضحان للناسِ جميعاً.
والناس مخيَّرون في السير باتّجاه أيّ خطّ منهما؛ فسار السذَّج والحمقى في خطّ صناعة الأديان التي تناسبهم، فخاطوا لأنفسهم بمقاسات ذوقهم البالي أدياناً ألصقوها، اسماً وعنواناً بعبادة الله سبحانه وتعالى، وإن كانت حقيقتها عبادة أنفسهم وإشباع رغباتهم وتحقيق طموحاتهم، وهؤلاء لا يُشكّلون إلَّا خطَّاً ضئيلاً ووجوداً ضعيفاً منحرفاً.
لكن الفتنة في هذا الزمان تبتلع ضعاف النفوس وخائري العقيدة ومجوفي الإيمان، فلا بدَّ إذن أن تنطلقَ الأقلام وتُشمِّر عن سواعدها لتردَّ تلك الأفكار - التي تريد أن تقضم بين الحين والآخر من فئات المؤمنين ولو فتاتاً -، وتضرب حولهم طوقاً حصيناً يدفع عنهم شرّ مكائد هؤلاء وأضاليلهم.
إنَّ الإنسان ليذهل عندما يشاهد مجموعة من الشبّان في بداية أعمارهم يعرضون أنفسهم للبيع عبيداً لمن يشتريهم لأجل وهمٍ علق في أذهانهم، بسبب أفكارٍ ضالَّةٍ أُريد لها أن تصدر الفهم الخاطئ لروايات أهل البيت (عليهم السلام) في الصيحة والظهور، ألم يكن لهؤلاء ومن يساندهم ويجمعوا أموالاً وبطرق مختلفة لشراء فضائية لا يُكلِّف ثمنها الكثير مقابل ما ينفقونه على باطلهم وضلالهم لينشروه بين الناس بدلاً من عرض أنفسهم عبيداً لمن يشتري، ووقف الثمن لشراءِ هذه الفضائية حتَّى يبثّوا من خلالها الصيحة إيذاناً بظهور الإمام (عليه السلام)؟ والعجيب في الأمر أن يغيب عن هؤلاء، ولا ندري لِمَ غاب، أللجهل أم للسذاجة أم للرين الذي على القلوب؟ إنَّ الصيحة أمر السماء بلسانها إيذاناً للإمام بالظهور.
حقَّاً لا نبالغ إذا قلنا: إنَّ الفتن عمياء صمّاء، يحار فيها المؤمنون في هذا الزمان ويقع فيها الكثير، ولا ينجو منها إلَّا من توثَّق من دينه، وتمسَّك بالعروة الوثقى،
وسار على نهج الهدى، وتفطَّن وتبصَّر وترك الاستعجال، وسأل أهل الخبرة والتحقيق والعلم.
أيّها الأحبَّة لا تستعجلوا ولا تُكلِّفوا أنفسكم ما لم يُكلِّفكم الله سبحانه وتعالى به، ألستم تسعون لمرضاة الله، ونيل القرب منه تعالى؟ إنَّه من الواضح جدَّاً أنَّ الطريق إلى نيل ذلك ليس هذا، وأنَّ الوصول لرضاه (عزَّ وجلَّ) ليس سُلَّمه ما ترتقون، فعليكم بالتروّي والتريّث والتعلّم.
إنَّ الروايات الشريفة تحدَّثت عن أمر أهل البيت (عليهم السلام) وقيام قائمهم، وأخبرت أنَّه يكون حين يكون أوضح من الشمس في رابعة النهار، فقد خاف بعض الأصحاب في زمان الأئمَّة (عليهم السلام) عندما تحدَّثوا عن الفتنة، وأنَّ الرايات تختلف، وأنَّه سيقع فيها الكثير؛ فخاطبهم الإمام (عليه السلام) أنَّ أمرهم أبْيَن من الشمس، فعن محمّد بن عصام، قال: حدَّثني المفضَّل بن عمر، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) في مجلسه ومعي غيري...، (ولتُرفَعنَّ اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يُدرى أيّ من أيّ)، قال المفضَّل:
فبكيت؛ فقال (عليه السلام) لي: (ما يُبكيك يا أبا عبد الله؟)، قلت: جُعلت فداك، كيف لا أبكي وأنت تقول: اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يُدرى أيّ من أيّ؟ قال: وفي مجلسه كوَّة تدخل فيها الشمس، فقال (عليه السلام): (أبيِّنة هذه؟)، فقلت: نعم، فقال (عليه السلام): (أمرنا أبين من هذه الشمس)(1)، فإذا كان أمرهم أبين من الشمس فلِمَ ندخل في غرف مظلمة ونتاجر بدينهم من خلف الكواليس؟ أنجني أرباحاً بخسة ستكون وبالاً علينا في أُخرانا، وعاراً يلحقنا في دنيانا؟
أيّها العشّاق الولهون، يا من ذابت قلوبكم، وتحرَّقت أفئدتكم، وجفَّت دموع عيونكم، شوقاً وانتظاراً لصاحب الطلعة البهيَّة؛ لا تكونوا كالشمعة التي تُحرِق نفسها فتهلك ولا يستفيد من ضيائها المؤمنون، لأنَّها أحرقت نفسها في غرف الدخان تحت المطامير، أخرجوا أنفسكم من هذه الظلمة التي حبسكم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 339/ باب في الغيبة/ ح 11.
فيها أهل الزيغ والضلال، لتروا ضياء نور الإمام مشرقاً في قلوب محبّيه، فأنسوا به وسلَّموا، فلا هم من الموقِّتين ولا من المعجِّلين.
أيّها الأحبَّة الكرام لقد استمعتم كما استمعنا إلى مقطع ينشره جماعة المدعو أبو عبد الله الحسين القحطاني وهو صاحب جريدة القائم المقتول، والذين عرضوا أنفسهم للبيع كعبيد من أجل شراء فضائية يبثّون من خلالها دعواهم وظهور صاحبهم، وهذا الكرّاس يمثّل ردَّاً على هذه الدعوة، ويقع ضمن محاور ثلاث:
المحور الأوَّل: الصيحة سماوية أم فضائية؟
المحور الثاني: الحكم الشرعي في بيع الإنسان الحرّ وشرائه.
المحور الثالث: من هو القحطاني حيدر منشد مشتَّت؟ وما حقيقة دعوته؟
* * *
المحور الأوَّل: الصيحة سماوية أم فضائية؟
إنَّ المراجعات البسيطة التي يقوم بها أيّ إنسان مؤمن - يحمل هموم عقيدته ويريد أن يحافظ على إيمانه ولا يريد لنفسه أن تذهب ضحيَّة أفكارٍ ضلالية ظلامية- لبعض المتون المنتشرة في أغلب المكتبات والأسواق كـ (غيبة النعماني والطوسي وبحار الأنوار وكمال الدين) ليقف من خلالها على روايات أهل البيت (عليهم السلام) وهم يتحدَّثون عن الصيحة، إنَّ هذه المراجعة البسيطة تقصم ظهر أهل هذا الادِّعاء وتكشفُ انحرافهم عن مسيرة أهل البيت (عليهم السلام) وترويجهم لخرافةٍ أزال حديث العصمة والطهارة الشكَّ والريب عنها.
فهذه الروايات تُحدِّثنا بوضوح عن صيحة السماء بلسان جبرائيل (عليه السلام) دون غيره، إيذاناً بظهور الإمام،
لتحصّن هذه الصيحة من يد التلاعب من قِبَل الإنسان، فلا يمكن الوصول إليها لأنَّها من الغيب وإلى الغيب، ولا يعلم الغيب إلَّا الله.
هذه هي الصيحة التي أرادها الله سبحانه وتعالى، لتكشف لنا عن ظهور إمام زماننا، فيما يريد هؤلاء أن يجعلوا الصيحة صيحة الأرض، صيحة إبليس، صيحة تتدخَّل فيها الأيدي لتُحرِّفها عن مسارها وتستغلّها في باطلها وضلالها، وإليك جملة من الروايات وهي تتحدَّث بصراحة لتكشف للناس هذه الحقيقة المهمَّة، وهي أنَّ الصيحة لا تمسّها يد الإنسان، أو أنَّها تصدر من الأرض، أو تُحدَّد زمانها ونوعها أو مكان انطلاقها.
قال أبو عبد الله (عليه السلام): (للقائم خمس علامات: ظهور السفياني، واليماني، والصيحة من السماء،
وقتل النفس الزكيَّة، وخسف بالبيداء)(2).
فالإمام هنا يُصرِّح بأنَّ الصيحة من السماء، وليست من الفضاء، وهناك فرق كبير بين أن تأتي صيحة من الفضاء، فهي صيحة أرضية بثَّتها أقمار صناعية، صناعة يدوية بشرية، وبين صيحة صناعتها إلهية سماوية.
وعن الباقر (عليه السلام) يقول: (... الصيحة لا تكون إلَّا في شهر رمضان، لأنَّ شهر رمضان شهر الله، والصيحة فيه هي صيحة جبرائيل إلى الخلق...، ينادي منادٍ من السماء باسم القائم (عليه السلام) فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلَّا استيقظ، ولا قائم إلَّا قعد، ولا قاعد إلَّا قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت...، فلا تشكّوا في ذلك واسمعوا وأطيعوا، وفي آخر النهار صوت الملعون إبليس ينادي: ألَا إنَّ فلاناً قُتِلَ مظلوماً، ليُشكّك الناس ويفتنهم...، لا بدَّ من هذين الصوتين قبل خروج القائم (عليه السلام): صوت من السماء وهو صوت جبرئيل باسم صاحب هذا الأمر واسم أبيه، والصوت الثاني من الأرض هو صوت إبليس اللعين...)(3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) الغيبة للنعماني: 261/ باب 14/ ح 9.
(3) الغيبة للنعماني: 262 و263/ باب 14/ ح 13.
فأنت تلاحظ كيف يفصل الإمام الباقر (عليه السلام) بوضوح شديد بين صوت جبرائيل السماوي (عليه السلام)، وبين صوت الأرض الفضائي الإبليسي، ويُشدِّد على الناس أن لا يشكّوا ولا يأخذهم الريب، ويؤكِّد عليهم بالسمع والطاعة.
ثمّ يُسئل الإمام (عليه السلام) إذا كان هناك صوتان فكيف نُميز المحقّ من المبطل، حيث يُخبِرنا هشام بن سالم أنَّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال له: إنَّ الجريري أخا إسحاق يقول لنا: إنَّكم تقولون: هما نداءان، فأيّهما الصادق من الكاذب؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): (قولوا له: إنَّ الذي أخبرنا بذلك - وأنت تنكر أنَّ هذا يكون - هو الصادق)(4).
فالإمام (عليه السلام) أوضح أنَّ الصادق لا يكذب، وأنَّ ذاك واقع لا محالة، وأنَّ من أخبر بكونهما اثنين قد أخبر أيّ الاثنين صادق وأيّهما كاذب ، ولكن السؤال لم ينقطع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) الغيبة للنعماني: 273/ باب 14/ ح 30.
وبقي يتكرَّر على أهل البيت (عليهم السلام) ليسألهم شيعتهم عن هذه القضيَّة المهمَّة، ونِعْمَ ما فعل الشيعة في ذلك الوقت إذ كرَّروا السؤال حتَّى يبين الأمر ويتَّضح، فعن عبد الرحمن بن مسلمة، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يُوبِّخونا ويُكذِّبونا أنّا نقول: إنَّ صيحتين تكونان، يقولون: من أين تُعرَف المحقَّة من المبطلة إذا كانتا؟ قال (عليه السلام): (فماذا تردّون عليهم؟)، قلت: ما نردُّ عليهم شيئاً. قال (عليه السلام): (قولوا: يُصدِّق بها إذا كانت من كان يؤمن بها من قبل...)(5).
فها أنتَ تجد أهل البيت (عليهم السلام) أوضحوا الأمر بما لا لبس فيه، وبيَّنوا أنَّ الصيحة سماوية إلهية لا فضائية.
ومع ذلك كلّه فلم يكتفِ الشيعة وكرَّروا السؤال مرَّة بعد مرَّة ليتوضَّح الأمرُ ويسفر الصبح لكلِّ ذي عينين.
فعن زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا عبد الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) الكافي 8: 208/ ح 252.
(عليه السلام) يقول: (ينادي منادٍ من السماء: إنَّ فلاناً هو الأمير، وينادي منادٍ: إنَّ عليَّاً وشيعته هم الفائزون). قلت: فمن يقاتل المهدي بعد هذا؟ فقال (عليه السلام): (إنَّ الشيطان ينادي: إنَّ فلاناً وشيعته هم الفائزون!)، قلت: فمن يعرف الصادق من الكاذب؟ قال (عليه السلام): (يعرفه الذين كانوا يروون حديثنا ويقولون: إنَّه يكون قبل أن يكون، ويعلمون أنَّهم هم المحقّون الصادقون)(6).
وزيادةً في الإيضاح يُحدِّثنا أبو بصير راوياً عن صادق العترة (عليه السلام) هذه الرواية، وهي غايةٌ في الوضوح والدقَّة في المعنى، ومن يتمسَّك بها ويجعلها سلاحه ضدّ أهل الادِّعاء والضلال، فإنَّها ستكون حتماً منجيةً له، إذ أنَّ كلَّما يجول من مطالب في أذهاننا فإنَّ الرواية تجيب عليها، فعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: جُعلت فداك، متى خروج القائم (عليه السلام)؟
فقال (عليه السلام): (يا أبا محمّد، إنّا أهل بيت لا نوقِّت، وقد قال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) الغيبة للنعماني: 272 و273/ باب 14/ ح 28.
محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم): كذب الوقّاتون. يا أبا محمّد، إنَّ قدّام هذا الأمر خمس علامات: أولاهنَّ النداء في شهر رمضان...، ولا يخرج القائم حتَّى يُنادى باسمه من جوف السماء في ليلة ثلاث وعشرين في شهر رمضان ليلة جمعة).
قلت: بِمَ ينادى؟
قال (عليه السلام): (باسمه واسم أبيه، ألَا إنَّ فلان بن فلان قائم آل محمّد فاسمعوا له وأطيعوه، فلا يبقى شيء من خلق الله فيه الروح إلَّا يسمع الصيحة...)(7).
فها أنت تنظر بعينين أنارت روايات أهل البيت (عليهم السلام) لهم البصيرة، وأوضحت القضيَّة بشكل جليّ بيِّن، فإذا التبس عليك الأمر فارجع إلى رواة الحديث الذين هم الفقهاء الثقات الأُمناء على حلال الله وحرامه، واسألهم عن الصادق وعن الكاذب، ألم يرجع الأُمَّة إليهم (عليهم السلام)؟ ألم يأمرنا الإمام المهدي (عليه السلام) الذي يريد هؤلاء أن يُخرِجوه بالرجوع إلى رواة الحديث بأنَّهم حجَّة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) الغيبة للنعماني: 301 و302/ باب 16/ ح 6.
علينا وهو حجَّة عليهم، وهو الذي أفهمهم وعلَّمهم وجعلهم يُميِّزون؟
فقد ورد في التوقيع عن الإمام المهدي (عليه السلام) أنَّه قال: (وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنَّهم حجَّتي عليكم وأنا حجَّة الله عليهم)(8).
وعن صادق العترة الطاهرة (عليه السلام): (اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنّا، فإنّا لا نعدُّ الفقيه منهم فقيهاً حتَّى يكون محدِّثاً)(9).
وعن الإمام المهدي (عليه السلام) في توقيع شريف له أنَّه قال: (فإنَّه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يؤدّيه عنّا ثقاتنا)(10).
أيّها الأحبَّة، أيّها المؤمنون، يا من تنشدون السلامة لأنفسكم، والعصمة لدينكم، والفوزَ بالجنان مع نبيّكم،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) كمال الدين: 484/ باب 45/ ح 4.
(9) اختيار معرفة الرجال 1: 6/ ح 2.
(10) اختيار معرفة الرجال 2: 816/ ح 1020.
تبصَّروا في هذه الروايات وتأمَّلوا فيها، اقرأوها مرَّة ومرَّتين وثلاث، لا تقولوا: إنَّها تُضيِّع أوقاتنا، فتُضيِّعون أنفسكم وأهلكم.
تدبَّروا كلام أهل البيت (عليهم السلام) تجدون كيف أنَّهم تحدَّثوا بكلام بيِّن فصيح، وأنَّ الصيحة صيحة السماء، صيحة الرحمة، صيحة الهداية، صيحة النجاة؛ الصيحة التي تُخرِجنا من زمن الظلم والجور إلى زمن القسط والعدل، وليست هي صيحة الفضاء والأقمار الاصطناعية والشاشات.
أيّها العشّاق المهدويّون، أيّها الأنصار الموالون، لا تغرَّنَّكم الصيحة الأُموية، صيحة إبليسٍ الفضائية الأرضية، انتظروا.. تروّوا.. لا تستعجلوا إلى أن يأمر الله تعالى جبرائيل (عليه السلام) ليهتف بصيحة سماوية إلهية علوية، توقظنا جميعاً من نومة الغفلة، لتأخذ بأيدينا إلى فسحة الفطنة وبحبوحة النظر إلى صاحب الأمر.
* * *
المحور الثاني: الحكم الشرعي في بيع الإنسان الحرّ وشرائه:
أرسل الله سبحانه وتعالى الأنبياء لتبليغ أحكامه التي ضمنت للمجتمعات كافَّة نظاماً يحفظ مقام إنسانيتهم، فرغم كون الناس جميعاً بمقتضى خلقتهم وفطرة الله لهم وإنشائه لوجودهم هم عبيدٌ حقيقيونَ لمالكهم، إلَّا أنَّ الشريعة المقدَّسة حفظت لما بين الناس قوانين الحرّية، ولم تجعل للأنبياء (عليهم السلام) حقَّ استعباد الناس الأحرار، وهم أسياد الخلق؛ فكيف تجعلها لغيرهم؟
إنَّ الإسلام لم يألُ جهداً في السعي لإلغاء أسباب الاستعباد وتقليصها من خلال الحثّ الشديد على عتق الإماء والعبيد، قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): (من أعتق مسلماً أعتق الله العزيز الجبّار بكلِّ عضوٍ منه عضواً له من النار)(11).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) تهذيب الأحكام 8: 216/ ح (769/2).
وقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): (من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار)(12)، وغيرها من الأحاديث الكثيرة التي حثَّ من خلالها النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فضلاً عن أهل البيت (عليهم السلام) وممارساتهم العملية لتخليص الناس من الرقّية والعبودية.
فكيف بمن هو حرٌّ أساساً، لذا نجد أنَّ القوانين الإسلاميَّة قد حرَّمت أن يتحولَ أو يحوِّل الإنسان نفسهُ من حرٍّ إلى عبد.
وإليك بعض النصوص القانونية الفقهية التي تُجرِّم هذا الفعل:
ففي (الخلاف) للشيخ الطوسي (رحمه الله) وهو شيخ الطائفة وفقيهها أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجلٌ باع حرَّاً فأكل ثمنه...)(13).
وفي (تحرير الأحكام) للعلَّامة الحلّي (رحمه الله) وهو من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أعاظم فقهاء الإمامية، يقول: (بيع الحرّ حرامٌ، وكذا أكل ثمنه...، ولا يصحُّ تملّكه له)(14)، فهو يُصرِّحُ بأنَّ الحرَّ لا يجوز بيعه، بل وأنَّ الثمن الذي يتسلَّمه البائع هو مالٌ اكتُسِبَ بغير وجه حقٍّ فيحرم التصرّف فيه، لأنَّ الحرّ ليس مملوكاً لأحدٍ بل حتَّى لنفسه.
فيما يُحدِّثنا زعيم الطائفة وفقيهها السيِّد الخوئي قدس سره في (مباني تكملة المنهاج)، يقول: (من باع إنساناً حرَّاً صغيراً أو كبيراً ذكراً كان أو أُنثى قُطِعَت يده)(15)، فهو يفتي علاوة على حرمة البيع في هذا النصّ بحكم قطع يد بائع الحرّ، إذ يعتبره سارقاً.
أمَّا عن نصوص المسألة ورواياتها ففي (الكافي) للشيخ الكليني: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (إنَّ الله يغفر كلّ ذنب يوم القيامة إلَّا...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) تحرير الأحكام 2: 261/ الرقم 3021.
(15) مباني تكملة المنهاج 1: 317/ مسألة 259.
من باع حرَّاً)(16)، وروى بنفس السند عن أبي عبد الله (عليه السلام): (أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أُتي برجل قد باع حرَّاً فقطع يده)(17).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(16) الكافي 5: 382/ باب نوادر في المهر/ ح 17.
(17) الكافي 7: 229/ باب حدّ من سرق حرَّاً فباعه/ ح 2.
المحور الثالث: من هو القحطاني حيدر منشد مشتَّت؟ وما حقيقة رجعته الروحية؟
ادَّعى شخصٌ في بدايات سنة (2000م) أنَّه اليماني، وأنَّه يُمِثِّلُ النائب الخاصّ للإمام المهدي (عليه السلام)، وأنَّه وزير الإمام المهدي (عليه السلام)، وهذا الشخص اسمه حيدر منشد مشتَّت، أُصوله من مدينة العمارة، ودخل الحوزة العلمية في النجف الأشرف لأشهر معدودة، ثمّ ادَّعى دعوته هذه، فتلقَّفتها أيدي المخابرات بعد أن التفَّ حولهُ أنفارٌ من السذَّج والجهلة، فأُودعَ السجنَ في الظاهر لضرب مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في الباطن.
وما لبث أن خرج من السجن وبدأ يُروِّج في بداية خروجه لدعوة أنَّه وزير الإمام المهدي (عليه السلام)، وأنَّه اليماني الموعود، وبعد السقوط أنشأ صحيفة باسم (القائم)،
واستحدث له اسماً جديداً إذ سمّى نفسه (أبو عبد الله الحسين القحطاني)، وألَّف مجموعة من الكتب كان محورها ليِّ عنق الروايات وتحريفها عن مسارها لكي تنطبق عليه، ومن أبرز دعاواه أنَّه يعتقد بالرجعة الروحية، وأنَّ الصيحة ليست من السماء، وإنَّما هي صيحة فضائية.
وقد تعرَّض له مجهولون يُعتَقد أنَّهم من أتباع أحمد السلمي (ابن گاطع) فقتلوه في شارع فلسطين، فاندثرت حركته لسنين، وما لبثت أن عادت حركته ولكن هذه المرَّة على لسان أصحابه حيث قالوا: إنَّما يرجع القحطاني برجعة روحية، وهذا لا يعني أنَّه ليس اليماني ووزير الإمام المهدي، بل يبقى على وزارته وعلى يمانيته.
والغريب جدَّاً أنَّ هناك من يُصدِّق هذه الدعوى، وعلى كلِّ حال هي ليست أوَّل قارورة تُكسَر، فالنصارى بغالبيتهم يؤمنون أنَّ عيسى (عليه السلام) ابن الله، مع أنَّ الله واحد أحد فرد صمد.
فإيمان هؤلاء بموت القحطاني (حيدر مشتَّت)، لم يمنعهم من الاعتقاد بأنَّه اليماني الموعود الذي يخرج قبل القائم (عليه السلام)، ومع ذلك هو سيبقى بعد ظهور القائم (عليه السلام) ويكون وزيراً له.
حيث يقول أصحابه ما نصّه: (ونُعلِن بعالي الصوت بأنَّ السيِّد أبي عبد الله الحسين القحطاني هو اليماني الموعود الذي على جميع الناس تصديق دعوته والسير وفق العلم الذي جاء به من مولانا أبا (كذا) صالح المهدي (عليه السلام))، ثمّ يسألون أنفسهم ويقولون: ولكن أين الداعي؟ لأنَّهم يعلمون جيِّداً أنَّ القحطاني حيدر منشد قد قُتِلَ، فيسألون هذا السؤال ويُجيب بعضهم بهذا الجواب: إنَّ السيِّد القحطاني اليماني غائب وسيرجعُ بالرجعة الروحية بعد ذلك.
والرجعة الروحية التي يعتقدونها هي:
الرجعة الروحية:
يدَّعي القحطاني حيدر منشد بالرجعة الروحية، وأنَّ من يرجعون لا ترجع أبدانهم إنَّما أرواحهم، وأنَّ معناها هو رجوع
أرواح ممحضي الإيمان لتسديد أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) - حيث إنَّ القحطاني حيدر منشد قد قُتِلَ ومات، فعلى زعمهم أنَّ روحه سترجع لتُسدِّد أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) - ويستدلّون على هذا المعنى من الرجعة بأنَّ هناك روايات تنصُّ على ظهور مجموعة من خُلَّص أصحاب الأئمَّة (عليهم السلام) في دولته وعند ظهوره كما في نصِّ الإمام الصادق (عليه السلام) مع المفضَّل حيث يقول له: (يا مفضَّل، أنت وأربعة وأربعون رجلاً تُحشَرون مع القائم...)(18)، حيث يقولون: إنَّها تدلُّ على الرجعة الروحية، لأنَّ المفضَّل قد مات فكيف يرجع؟
إذن الرجعة روحية عندهم.
وعلى ذلك فصاحبهم القحطاني الذي قُتِلَ وهلك سيرجع كما أنَّ المفضَّل سيرجع.
ونحن نجيب عن دعواهم هذه بشكل مختصر وما يناسب المقال وعلى شكل نقاط..
النقطة الأُولى: أنَّ الأدلَّة التي دلَّت على ثبوت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(18) دلائل الإمامة: 464/ ح (447/51).
الرجعة إنَّما دلَّت عليها على نحو الرجعات التي وقعت سابقاً، كما نُصَّ على ذلك من قِبَل النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) في حديث: (لتركبنَّ سنن من كان قبلكم ذراعاً بذراع وباعاً بباع...)(19)، وهذه القاعدة العامَّة يستفاد منها تطبيقاً في المقام، فإنِّ الرجعات التي وقعت سابقاً هي رجعة للبدن وهي بعينها ما ستقع مستقبلاً.
النقطة الثانية: أنَّ القول بالرجعة الروحية يلزم منها التناسخ أو ما ينتهي إلى التناسخ، وهو باطل بالبديهة، فلا بدَّ من ثبوت الرجعة البدنية دون غيرها.
وهذا الدليل مبسوط في محلِّه من كتب الفلسفة، والخوض في تفصيلاته يُخرِجنا عن صلب البحث.
النقطة الثالثة: صرَّحت الكثير من الروايات أنَّ من يرجع يرجع من قبره أو تنشقُّ عنه الأرض؛ فعن الصادق (عليه السلام): (أوَّل من تنشقُّ الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي (عليهما السلام)، وإنَّ الرجعة ليست بعامَّة وهي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(19) مجمع الزوائد 7: 261.
خاصَّة، لا يرجع إلَّا من محض الإيمان محضاً أو محض الشرك محضاً)(20).
فزعمهم أنَّ الرجعة روحية لا بدنية لا أساس له من الصحَّة، وهو ليس سوى أوهاماً وتصوّرات واهيةً أُريد لها أن تصدر على لسانهم لتُحْرِفَ بعضاً ممَّن أخذت بهم السذاجة والجهل إلى طريقٍ معوجٍ، فمالوا عن سبيل الهداية والاستقامة.
ويبقى شيء آخر لا بدَّ أن نقف معه وقفة علمية فاحصةً، ليتهدَّم الركن الثاني من أركان هذه الدعوة الضالّة، وهو أنَّ المدعو القحطاني هو وزير الإمام ويمانيُّهُ الذي سينادى باسمه في الصيحة الفضائية وسيقوم بتسديد أصحاب الأئمَّة (عليهم السلام) عند ظهوره حسب زعمهم.
وقبل ذلك لا بدَّ أن تلتفت أخي الكريم إلى أنَّنا قد أثبتنا وبما لا مجال معه للشكِّ أنَّ الصيحة هي صيحة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(20) مختصر بصائر الدرجات: 24.
جبرائيل (عليه السلام) من السماء وليست صيحة الشيطان إبليس وأتباعه المنحرفين من الفضاء للإغواء.
وقد ثبت لديك أيّها العزيز أنَّ الصيحة هي أوَّل العلامات رتبةً وأهمّيةً، وأنَّ أيَّة علامة ممَّا ذكرته الكتب والروايات الشريفة يمكن أن تُزيَّف ويُؤخَذ بها إلى غير ما أُريد منها كاليماني والخراساني إلَّا هذه الصيحة الذي حاول هؤلاء الضلَّال أن يرسموها بشكلٍ منحرفٍ ويُصوِّروها على أنَّها صيحة الفضاء، فكانت روايات أهل البيت (عليهم السلام) لهم بالمرصاد.
اليماني يخرج قبل القائم (عليه السلام):
تحدَّثت روايات أهل البيت (عليهم السلام) عن علامات ظهور الإمام (عليه السلام)، وذكرت أنَّ هناك مجموعة من العلامات يُستَدلُّ بها على ظهوره (عليه السلام)، ومن بين هذه العلامات اليماني، وقد حاول الكثيرُ ممَّن انحرف بهم الفكر أو السلوك تطبيقه على أشخاصٍ لم يكن لهم أيّ ارتباط باليمن تارةً، ولم يكن لهم أيّ ارتباط بفكر أهل البيت (عليهم السلام) وسلوكهم تارةً أُخرى.
وفي روايات أهل البيت (عليهم السلام) ما يدحض ادِّعاءات هؤلاء المدَّعين بأجمعهم، ومن بين هذه الدعاوى الباطلة دعوى القحطاني أنَّه هو اليماني، وقول جماعته أنَّه سيرجعُ بعد الظهور بعد أن قُتِلَ وهلك، وفي روايات أهل البيت (عليهم السلام) ما يُؤكّد أنَّ اليماني يكون قبيل ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وقيامه، وأنَّ هذه الراية لا يرجع صاحبها بعد أن مات، وإنَّما هو شخصٌ يولَدُ ويعيش بين الناس ثمّ يتأهَّلُ لأن يكونَ بهذه المكانة، إذ لو كان اليماني شخصاً يموت ثمّ يرجع لنبَّه إلى ذلك أهل البيت (عليهم السلام) بوضوح كما نبَّهوا إلى رجعة الكثير من الأولياء والصلحاء، وقد مرَّت عليك رواية المفضَّل آنفاً.
والروايات الدالّة على كون ظهور اليماني قبيل ظهور الإمام (عليه السلام) وقيامه هي:
1 - عن عمر بن حنظلة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (خمس علامات قبل قيام القائم: الصيحة، والسفياني، والخسف، وقتل النفس الزكيَّة، واليماني)،
فقلت: جُعلت فداك، إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أنخرج معه؟ قال (عليه السلام): لا)(21).
2 - عن محمّد بن مسلم، قال: دخلت على أبي جعفر محمّد بن علي الباقر (عليهما السلام) وأنا أُريد أن أسأله عن القائم من آل محمّد صلَّى الله عليه وعليهم، فقال لي مبتدئاً: (... وإنَّ من علامات خروجه: خروج السفياني من الشام، وخروج اليماني من اليمن، وصيحة من السماء في شهر رمضان، ومنادٍ ينادي من السماء باسمه واسم أبيه)(22).
فها أنت تلاحظ هذه الأحاديث الشريفة تُصرِّح بأنَّ هذه العلامات تكون قبيل ظهور الإمام المهدي قائم آل محمّد (عليه السلام)، أمَّا أنَّ اليماني يكون علامةً للإمام فيظهر ثمّ يُقتَل والناس لا يعرفون ذلك أو يعرفه البعض ويشكُّ فيه البعض الآخر، فهذا يخالفُ أن تكون العلامةُ علامة، ويخالف أن يضعها أهل البيت (عليهم السلام) دلالةً للناس على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(21) الكافي 8: 310/ ح 483.
(22) كمال الدين: 327 و328/ باب 32/ ح 7.
معرفة الإمام (عليه السلام)، بل إنَّ محمّد بن الصامت يسأل وبوضوحٍ أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) فيقول له: ما من علامة بين يدي هذا الأمر؟ فقال (عليه السلام): (بلى)، قلت: وما هي؟ قال: (هلاك العبّاسي، وخروج السفياني، وقتل النفس الزكيَّة، والخسف بالبيداء، والصوت من السماء)، فقلت: جُعلت فداك، أخاف أن يطول هذا الأمر. فقال (عليه السلام): (لا، إنَّما هو كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً)(23)، فأيَّة دلالةٍ أوضح من كلام الإمام (عليه السلام)؟ وأيُّ تصريحٍ يُطلَب بعد هذا البيان؟ فهو (عليه السلام) يُصرِّح للسائل عن ظهور الإمام (عليه السلام) بأنَّ هذه العلامات واحدة تتبع الأُخرى ولا تطول، بل هي أشبه بالخرز التي تعقب إحداها الأُخرى وبسرعة كبيرة، فلا يكون بين بعضها والبعض الآخر فاصلٌ كبير.
بل إنَّ الإمام الباقر (عليه السلام) يُصرِّح بأكثر من ذلك إذ يروي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(23) الغيبة للنعماني: 269 و270/ باب 14/ ح 21.
النعماني في (الغيبة) بسنده عن أبي بصير، عنه (عليه السلام): (خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يومٍ واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً)(24).
فكيف يأتي بعد ذلك من يدَّعي أنَّ اليماني يظهر قبل الإمام (عليه السلام)، ثمّ يُقتَل وتُبلى عظامه، ثمّ بعد ذلك يخرج الإمام (عليه السلام)؟ أهكذا تكون العلامة؟ أم هكذا يُفهَم كلام أهل البيت (عليهم السلام)؟
فإذا كان السفياني من المحتوم، وأنَّه لا بد منه، ولا قائم إلَّا بسفياني، ولا ظهور قبل ظهور السفياني، ثمّ يأتي الإمام الصادق (عليه السلام) ليقول لنا: (اليماني والسفياني كفرسي رهان)(25)، فهل يُعقَل أن نُصدِّق شخصاً يقول: إنَّ اليماني قُتِلَ وسيرجع عند ظهور الإمام (عليه السلام) لتُسدِّد روحه أصحاب الإمام (عليه السلام)؟ فإذا كانت العلامة هكذا فلِمَ لم يُنبِّه أهل البيت (عليهم السلام) أنَّ المقصود باليماني هو رجوع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(24) الغيبة للنعماني: 264/ باب 14/ ح 13.
(25) الغيبة للنعماني: 317/ باب 18/ ح 15.
روحه لتُسدِّد أنصار الإمام (عليه السلام)؟ ولِمَ كانت روحه هي التي تُسدِّد؟ لِمَ لم تكن روح النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أو روح أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ لِمَ لا يكون نفسه من أنصار الإمام (عليه السلام)؟ فهل هناك قحطٌ في الرجال؟
حقَّاً أنَّها فتنة إذا جاءت وزوقت بألفاظ، ظاهرها أنيق وباطنها ضلال عميق، حرفت الناس عن مسارهم وأهلكت من لم يكن له بصيرةٌ بحيل هؤلاء وأفعالهم.
* * *
وقفة قصيرة مع الفيديو الذي نشره المدعو حيدر الجيزاني على صفحته:
حيث يبدأ الفيديو بتعريف خمسة أشخاص على أنَّهم يعرضون أنفسهم للبيع، وهم (فؤاد سليم من أهالي الكاظمية، صباح الكناني وعلي الزبيدي الصفّار وخضير البياتي وعلي الخزعلي)، حيث يُقدِّمهم على أنَّهم بعد أن ضاقت بهم السبل لإظهار الإمام (عليه السلام) فلم يجدوا إلَّا بيع أنفسهم عبيداً وأرقّاءَ لمن يشتريهم على أن يدفع الثمن لحساب إنشاء فضائية يُبَثُّ من خلالها الصيحة.
وممَّا قالوهُ الكلام التالي:
حيث يقول صباح الكناني: قضيَّة الصيحة من الأُمور التي أشار إليها السيِّد القحطاني، وأثبت أنَّ الصيحة تكون من خلال القنوات الفضائية، وأنَّها شرط لقيام الإمام المهدي (عليه السلام)، ثمّ يقول: وأعتقد جازماً أنَّ كلام السيِّد (القحطاني) هو
كلام أهل البيت (عليهم السلام)، ثمّ يقول: إنّي هيَّأت نفسي أن أبذل كلَّ ما عندي من أجل هذا الشرط...، ومستعدٌّ أن أكون عبداً لأجل هذه القضيَّة.
فيما يقول الصفّار: بشَّرني الإمام المهدي (عليه السلام) في عالم الرؤيا، وقال: إنَّك أوَّل من سيباع...، سررتُ كثيراً لأنّي سأكون سبباً في قضاء حاجة الإمام (عليه السلام)، وسأكون من المؤسّسين للمنبر الأعظم الذي ذكره أهل البيت (عليهم السلام). ويقصد به الفضائية التي يُبَثُّ من خلالها الصيحة.
فيما يقول خضير البياتي: عندي يقين أنَّ الصيحة تكون من خلال منبر الفضائية.
هذه مقاطع من كلامهم، وهو يتركَّزُ على عدَّة نقاطٍ، هي:
أوَّلاً: أنَّ الصيحة فضائية لا سماوية، وقد أجبنا عنه في هذا الكرّاس مفصَّلاً(26).
ثانياً: أنَّ القحطاني كلامه كلام أهل البيت (عليهم السلام)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(26) راجع (ص 9).
لأنَّه اليماني ووزير الإمام المهدي (عليه السلام)، وقد أثبتوا هم قبل غيرهم أنَّه قُتِلَ ومات، وأثبتنا أيضاً أنَّ وزير الإمام ويمانيّه - إن صحَّ أنَّ اليماني وزير للإمام (عليه السلام) - سيكون عند ظهوره لا قبله بسنين طويلة.
ثالثاً: أنَّهم يعتقدون بحجّية الأحلام والرؤى، ونحن نقول بكلِّ وضوح: إنَّ الأحلام والرؤى والمنامات إن كانت حجَّة يثبت فيها الشرع لأشار إليها الأئمَّة (عليهم السلام) في رواياتهم، ولكنَّنا لا نجد شيئاً من ذلك.
ثمّ لو كانت الرؤى والمنامات حجَّةً في أُمور الدين والشريعة فلِمَ بعث الله الأنبياء والرسل؟ فكلّ شخص يريد الله سبحانه وتعالى هدايته يريه مناماً، فلا نحتاج بعد ذلك إلى مائة وأربعة وعشرين ألف نبيّ أُرسلوا لهداية الناس.
الوجبة الأولى بيع الشبّان فهل الثانية للشابّات؟
شاهدتم كما شاهدنا أنَّ الوجبة الأُولى التي عرضت للبيع هم مجموعةٌ من الشبّان، عرضهم من يُمثِّلُ
القحطاني حيدر منشد مشتَّت للبيع لأجل إنشاء الفضائية حتَّى يعلن من خلالها الصيحة، ووضع من ضمن الشروط أنَّ من يشتري هؤلاء الشبّان ويجعلهم عبيداً له يجب أن لا يكون استخدامه لهم إلَّا شرعياً، وقال فيما قال: إنَّه يجوز للعجائز والعوانس أن يشترينَ هؤلاء الشبّان، ويجري الشرط هنا في أنَّ الاستخدامَ لا بدَّ أن يكونَ فيما ليس فيه سخط الله، ونسألهم هنا مجموعة من الأسئلة، وهي:
أوَّلاً: إذا كانت الوجبة الأُولى للشبّان فهل الثانية أو غيرها تكون للشابّات..؟
ثانياً: في الوجبة التي ستُباع فيها الشابّات، فهل هنَّ متزوِّجات وحصلن على إذن أزواجهنَّ كما كان الشبّان؟ أو هنَّ أبكاراً، وهل وافق آباؤهنَّ، أو سيُشتَرط كونهنَّ من الأرامل والمطلَّقات؟
* * *
شيءٌ في قلبي أُريد أن أقوله للذين يقرأون هذه الرسالة، ألَا تشمّون أيّها الأعزّاء من فعال هؤلاء رائحةً تقودكم إلى مطبخٍ عملاقٍ يُصنَع فيهِ ألوانٌ وألوانٌ من أجل إسقاط مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وكلَّما بهت لونٌ عرضوا لوناً آخر للناظرين.
أيّها الموالون، يا أحباب أهل البيت (عليهم السلام)، كونوا على حذرٍ من فتنة هؤلاء، وتأمَّلوا في فعالهم، وانسبوها لأهل البيت (عليهم السلام)، هل ترونها تناسبهم أو أنَّها عيبٌ وشذوذٌ وانحراف؟
أين النجاة؟ في الانتظار أم الاستعجال؟
يضع أهل البيت (عليهم السلام) لنجاتنا طريقاً، ويضع غيرهم طريقاً آخر يزعمون أنَّه ينجينا، فيقول أهل البيت (عليهم السلام) انتظروا، تأنّوا، لا تستعجلوا، بينما يقول الآخرون: فلنعجل فلنبع أنفسنا ليظهر الإمام (عليه السلام)، فيخسروا مالهم وأنفسهم ويكسبوا مذمَّة أهل البيت (عليهم السلام).
يحقُّ لنا أن نسأل أيَّ الطريقين نتَّبع؟ فتُجيبنا روايات أهل البيت (عليهم السلام)..
فعن عبد الرحمن بن كثير، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده مهزم الأسدي، فقال: جعلني الله فداك، متى هذا الأمر تنتظرونه فقد طال علينا؟ فقال (عليه السلام): (يا مهزم، كذب المتمنّون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلِّمون، وإلينا يصيرون)(27).
وسأل عبد الرحمن بن كثير أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) (النحل: 1)، فقال (عليه السلام): (هو أمرنا، أمر الله (عزَّ وجلَّ) أن لا تستعجل به...)(28).
وفي رواية عن جابر بن يزيد، عن الباقر (عليه السلام): (أُسكنوا ما سكنت السماوات والأرض، أي لا تخرجوا على إحدٍ، فإنَّ أمركم ليس به خفاء، ألَا إنَّها آية من الله (عزَّ وجلَّ) ليست من الناس، ألَا إنَّها أضوء من الشمس لا تخفى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(27) الغيبة للنعماني: 204/ باب 11/ ح 8.
(28) الغيبة للنعماني: 204/ باب 11/ ح 9.
على برٍّ ولا فاجر، أتعرفون الصبح!؟ فإنَّها كالصبح ليس به خفاء)(29).
فها أنت ترى كيف أنَّ الإمام (عليه السلام) أمرنا بالسكون ما سكنت السماوات، فليس الأمر بيدنا إنَّما هو أمر الله سبحانه وتعالى، أمرنا أن لا نستعجل به.
وقد يقول قائل: كيف نعرف هذا الأمر؟ فيجيب الإمام (عليه السلام) أنَّه ليس به خفاء، وأنَّه أضوء من الشمس، وأنَّه كالصبح، ولا يخفى على برٍّ ولا فاجر. ثمّ يقول الإمام (عليه السلام): إنَّ هذا الأمر الإلهي هو آية من الله وليس من الناس، لا نحتاج أن نبيع أنفسنا لنشتري فضائيات، نحتاج فقط أن نُذعِن، وأن نسمع ونطيع، هذه هي الموالاة، وليس أن نرتكب مخالفات شرعية وبدعاً في الدين.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(29) الغيبة للنعماني: 207 و208/ باب 11/ ح 17.