الأساليب الإنشائية في التوقيعات المهدوية

الأساليب الإنشائية في التوقيعات المهدوية
(دراسة نحوية / رسالة ماجستير)

تأليف: الشيخ بدر حسين علي المحمّداوي
تقديم: مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عليه السلام)

فهرست الموضوعات

مقدّمة المركز..................3
شكر وعرفان..................7
الإهداء..................9
المقدّمة..................11
التمهيد..................17
المبحث الأوَّل: مفهوم الخبر والإنشاء..................19
توطئة..................19
أ) الخبر..................20
ب) الإنشاء..................22
قسما الإنشاء..................24
القسم الأوَّل: الإنشاء الطلبي..................24
القسم الثاني: الإنشاء غير الطلبي..................24
المبحث الثاني: مفهوم التوقيعات المهدوية..................26
تاريخ التوقيعات..................28
التوقيعات المهدوية..................32
النوّاب الأربعة..................33
الفصل الأوَّل: أُسلوب الاستفهام..................37
مفهوم الاستفهام لغةً واصطلاحاً..................39
أ) الاستفهام لغةً..................39
ب) الاستفهام اصطلاحاً..................40
الاستفهام وموقعه في الجملة..................41
المستفهَم عنه..................43
الأوَّل: الاستفهام عن النسبة..................44
الثاني: الاستفهام عن المفرد..................44
أدوات الاستفهام..................46
الأصل في أدوات الاستفهام..................47
الأُسلوب الأوَّل: الاستفهام بالأحرف..................50
أوَّلاً: الاستفهام بالهمزة..................50
1 - الاستفهام بالهمزة الداخلة على الجملة الاسمية..................50
2 - الاستفهام بالهمزة الداخلة على الجملة المنسوخة..................52
أ) الاستفهام بالهمزة مع الجملة المنسوخة المثبتة..................52
ب) الاستفهام بالهمزة مع الجملة المنسوخة المنفية..................54
3 - الهمزة الداخلة على الجملة الفعلية..................56
القسم الأوَّل: الهمزة الداخلة على الجملة الفعلية المثبتة..................56
القسم الثاني: الهمزة الداخلة على الجملة الفعلية المنفية..................57
حذف همزة الاستفهام..................62
ثانياً: الاستفهام بالأداة (هَلْ)..................64
الأداة (هَلْ) في التوقيعات المهدوية..................66
1 - (هَلْ) مع الجملة الاسمية..................67
2 - (هَلْ) مع الجملة الفعلية..................69
ثالثاً: الاستفهام بـ (أَمْ)..................71
الأُسلوب الثاني: الاستفهام بالأسماء..................71
القسم الأوَّل: الاستفهام بالأسماء غير الظروف..................71
أوَّلاً: الاستفهام بـ (مَنْ)..................71
ثانياً: الاستفهام بـ (ما)..................74
ثالثاً: الاستفهام بـ (أيّ)..................77
القسم الثاني: الاستفهام بالأسماء الظروف..................79
أوَّلاً: الاستفهامُ بـ (أين)..................79
ثانياً: الاستفهام بـ (كيف)..................80
ثالثاً: الاستفهام بـ (متى)..................82
الفصل الثاني: أساليب الأمر والنهي والدعاء..................83
توطئة..................84
أُسلوب الأمر..................86
مفهوم الأمر لغةً واصطلاحاً..................86
أ) الأمر لغةً..................86
ب) الأمر اصطلاحاً..................86
صيغ الأمر..................88
أوَّلاً: الأمر بصيغة (افْعَلْ)..................88
1 - فعل الأمر المسند إلى ضمير المفرد المخاطب..................91
2 - فعل الأمر المسند إلى (ألف الاثنين)..................95
3 - فعل الأمر المسند إلى (واو الجماعة)..................96
ثانياً: الأمر بصيغة (لِيَفْعَلْ)..................98
ثالثاً: الأمر باسم الفعل..................101
رابعاً: الأمر بصيغة الخبر..................104
أُسلوب النهي..................108
مفهوم النهي لغةً واصطلاحاً..................108
أ) النهي لغةً..................108
ب) النهي اصطلاحاً..................108
أوَّلاً: النهي بـ (لا) الناهية..................109
1 - (لا) الناهية مع فعل المخاطب..................109
أ) صيغة (لا تفعل)..................109
ب) صيغة (لا تفعلوا)..................111
2 - (لا) الناهية مع فعل الغائب..................112
أ) صيغة (لا يفعل)..................112

ب) صيغة (لا يفعلوا):..................113
ثانياً: النهي بلفظ الخبر..................113
ثالثاً: النهي بحرف الرّدع (كلَّا)..................115
أُسلوب الدعاء..................117
مفهوم الدعاء لغةً واصطلاحاً..................117
أ) الدعاء لغةً..................117
ب) الدعاء اصطلاحاً..................117
القسم الأوَّل: الدعاء بالجملة الاسمية..................119
1 - الجملة الاسمية المطلقة..................119
2 - الدعاء بالجملة الاسمية المقيَّدة..................120
القسم الثاني: الدعاء بالجملة الفعلية..................121
1 - الدعاء بالجملة الفعلية الطلبية..................121
أ) الدعاء بصيغة الأمر..................121
ب) الدعاء بصيغة الأمر (لتفعل) اللام الداخلة على الفعل المضارع..................124
ت) الدعاء بصيغة النهي..................125
ث) الدعاء بأُسلوبِ الاستفهام..................126
القسم الثاني: الدعاء بالجملة الفعلية الخبرية..................127
القسم الثالث: الدعاء بالمصدر..................128
أ) المصادر التي لها فعل من لفظها..................128
ب) المصادر التي ليس لها فعل من لفظها..................129
القسم الرابع: الدعاء باسم الفعل..................129
أ) مرتجل..................129
ب) منقول عن غيره..................129
ت) قياسي..................130
القسم الخامس: الدعاء باسم المفعول..................130
الفصل الثالث: أُسلوب النداء..................133
النداء لغةً واصطلاحاً..................135
النداء لغةً..................135
النداء اصطلاحاً..................135
أدوات النداء..................136
أداة النداء (يا)..................137
المنادى وعامل النصب فيه..................139
أقسام المنادى..................142
أوَّلاً: المنادى المبني..................142
1 - نداء العَلَم..................143
2 - نداء النكرة المقصودة..................147
3 - نداء لفظ الجلالة (الله)..................151
الحكم في وصف (اللّهمّ)..................157
4 - نداء الاسم الموصول واسم الإشارة..................159
أ) الاسم الموصول..................159
ب) نداء اسم الإشارة..................162
5 - نداء المفرد العَلَم الموصوف بـ (ابن)..................164
ثانياً: المنادى المعرب..................167
1 - نداء المضاف..................167
أ) الإضافة المحضة (المعنوية)..................169
ب) الإضافة غير المحضة (اللفظية)..................169
أ) نداء المضاف المبدوء بصفات الله تعالى..................169
1 - المنادى بصفة (ربّ)..................169
2 - نداء صفات الله بصيغه اسم الفاعل..................171
3 - نداء صفات الله بصيغ المبالغة..................172
4 - نداء صفات الله بصيغة اسم التفضيل..................172
5 - نداء صفات الله بـ (ذو) التي بمعنى صاحب..................174
ب) نداء المضاف المبدوء بصفات الإمام (عليه السلام)..................175
ت) نداء المضاف المبدوء بـ (أب)..................176
ث) نداء المضاف المبدوء بـ (ابن)..................177
ج) نداء المضاف إلى (يا) المتكلِّم..................177
2 - نداء الشبيه بالمضاف..................182
3 - نداء النكرة غير المقصودة..................183
استعمال (أيّ) في النداء..................184
الفصل الرابع: الأساليب الإنشائية غير الطلبية..................188
توطئة..................191
المبحث الأوَّل: أُسلوب القَسَم..................194
مفهوم القَسَم لغةً واصطلاحاً..................194
أ) القَسَم لغةً..................194
ب) القَسَم اصطلاحاً..................195
أوّلاً: جملة القَسَم..................195
حروف القَسَم..................196
حرف الباء..................197
حرف الواو..................198
المقسَم به..................198
ثانياً: جواب القَسَم..................199
جملة القَسَم الفعلية..................200
القسم الأوَّل: جملة القسم التي فعلها صريح بالقَسَم..................200
1 - جملة جواب القَسَم التي فعلها ماضٍ..................201
2 - جملة جواب القَسَم التي فعلها مضارع..................202
القسم الثاني: جملة القَسَم التي فعلها غير صريح بالقَسَم..................203
الضرب الأوَّل: ما يقسَم به في الخبر..................203
الضرب الثاني: ما يقسَم به في الطلب..................204
المبحث الثاني: أُسلوب المدح والذمّ..................207
مفهوم المدح والذمّ لغةً واصطلاحاً..................207
1 - المدح لغةً..................207
2 - الذمّ لغةً..................207
3 - المدح اصطلاحاً..................207
4 - الذمّ اصطلاحاً..................208
أساليب المدح والذمّ وألفاظه..................208
أوَّلاً: المدح والذمّ القياسيان..................208
1 - فعل المدح والذمّ..................208
2 - فاعل (نِعْمَ وبِئْسَ)..................210
3 - المخصوص بالمدح والذمّ..................211
ثانياً: المدح والذمّ غير القياسيين..................214
1 - المدح بأُسلوب الاختصاص..................214
2 - المدح والذمّ بالنعت..................215
3 - المدح والذمّ بالخبر..................217
المبحث الثالث: أُسلوب التعجّب..................220
مفهوم التعجّب لغةً واصطلاحاً..................220
1 - التعجّب لغةً..................220
2 - التعجّب اصطلاحاً..................220
أساليب التعجّب..................221
1 - التعجّب القياسي..................221
2 - التعجّب السماعي..................221
الخاتمة..................223
أُسلوب الاستفهام..................225
أُسلوب الأمر والنهي والدعاء..................226
أُسلوب النداء..................228
أُسلوب العرض والتحضيض والتمنّي والترجّي..................229
أساليب الإنشاء غير الطلبي..................229
أُسلوب القَسَم..................229
أُسلوب المدح والذمّ..................229
أُسلوب التعجّب..................230
المصادر والمراجع..................231

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المركز:
يخطئ البعض عندما يتصوَّر أنَّ القضيّة المهدوية متمحّضة بالغيب والمستقبل بالإضافة إلى شيء قليل من التاريخ، ويخطئ أكثر عندما يجعلها قضيّة جامدة على هذا المحور فقط، والحال أنَّها من أهمّ القضايا الإنسانية الحيوية التي تتَّسع لكلّ مجالات الحياة، فأيّ ناظر فيها يجد فيها مداخل متعدّدة تشمل مجالات ونواحي يمكن أن يستفيد منها الباحث بكثير من الفنون والعلوم، ونظرة سريعة في روايات هذه القضيّة تكشف وبكلّ وضوح عن المشارب المختلفة والمنابع المتكثّرة التي عالجتها.
إنَّك تجد في هذه القضيّة إشارات واضحة للقضايا والقوانين الثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وما يتعلَّق بالتنمية البشرية واللغوية وحتَّى التاريخية وغيرها من العلوم.
وهذا يعني ضرورة التأمّل كثيراً والتدبّر في طوايا هذه القضيّة الإنسانية العامّة حتَّى تنكشف تلك المشارب المختلفة.
وممَّا يدعو إلى الأسف أنَّ كثيراً من الإخوة الجامعيين قد غابت عن أذهانهم هذه الشمولية في هذه القضيّة فراحوا يبحثون عمَّا يثرون به بحوثهم ويسدّون به شغفهم العلمي بعيداً عن المداخل المتعدّدة فيها.
ونحن لا نريد أن نُخطّئهم في بحوثهم، كلَّا، فإنَّ لكلّ علم مرتكزاته ولكلّ بحث أساسياته، ولكنَّنا نريد أن نلفت أنظار الباحثين

(٣)

من جميع الاختصاصات - وخصوصاً المتقدّمين ببحوث تخرّج للماجستير والدكتوراه- إلى الثراء العلمي المختلف في طوايا القضيّة المهدوية.
ممَّا يعني أنَّنا نوصيهم بالبحث عن عناوين لبحوثهم من خلال ما يتعلَّق بالقضيّة المهدوية.
وبين أيدينا رسالة تخرّج لأحد الإخوة من طلبة الماجستير ممَّن التفتوا إلى هذه الشمولية في هذه القضيّة فاعتمد التوقيعات الشريفة منبعاً لبحثه اللغوي، وقد أجاد في تدقيقه وبحثه، فجزاه الله خيراً وجعله في ميزان حسناته.
والمركز إذ أخذ على عاتقه طبع ونشر هذه الرسالة، فإنَّه يدعو جميع الإخوة الباحثين أن يسيروا في مجال البحث المهدوي ضمن اختصاصاتهم ليحظوا بالقبول والرضا من مولاهم المنتظر (عليه السلام)، وليغنوا المكتبة المهدوية ببحوث مستحدثة وليحوزوا قصب السبق في عناوين لم تُبحَث من قبل.
والمركز إذ يدعو لسلوك هذا الطريق يتكفَّل برفد وإغناء الباحثين بالمعلومات التي يحتاجونها في بحوثهم وبتحقيق وطبع ونشر ما يكتبون بعد عرضه على اللّجان العلمية.

مدير المركز
السيّد محمّد القبانچي

(٤)

بسم الله الرحمن الرحيم
(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ). (القصص: 5)

(٥)

شكر وعرفان

الحمد لله تعالى حمداً كثيراً، والشكر له وافراً، والصلاة على محمّد وآله لاسيّما خاتم عترته (عليهم السلام).
في البداية لا بدَّ أن أُنوِّه إلى أنَّ هذا الكتاب عبارة عن رسالة ماجستير تقدَّمت بها إلى قسم اللغة العربية في كلّية التربية جامعة الكوفة، وأشرف عليها الأُستاذ الدكتور عبد الكاظم محسن الياسري، وقد نوقشت بتاريخ (18/6/2013م)، وأُجيزت بدرجة (جيّد جدَّاً عال).
وأودّ أن أُقدِّم فائق امتناني وعرفاني لمركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عليه السلام) لما تفضَّل به عليَّ إذ وضع جُلّ إمكاناته تحت يدي، فرفدني بالمصادر الكثيرة والمتنوّعة، وأسهم في مراحل إعداد هذه الرسالة منذ أن كانت فكرةً تراودني، وشجَّعني عليها فضلاً عن المراجعات الكثيرة والمتكرّرة لفصول هذه الرسالة، فما كنت أخطو خطوةً واحدة إلَّا وكانت استشارات الإخوة في المركز إلى جانبي تنير لي الطريق وتحفّزني على المواصلة وتدفع في نفسي الهمَّة في الإبداع، حتَّى أصبحت هذه الرسالة الأُولى في بابها رغم صعوبة الولوج في مثل موضوعها، حتَّى إذا أثمرت الثمرة بادر المركز إلى تحمّل تكاليفها، بل وإخراجها إلى الناس بحلَّة كتاب يرفد المكتبة المهدوية بهذا الموضوع، فتكفَّل عملية الطباعة كلّها، وهنا يعجز لساني ووجداني عن تقديم شكري وامتناني لهذا الجهد الكبير.

(٧)

ثمّ لا يفوتني في آخر المطاف أن أشكر الإخوة الذين ساهموا بجهود مختلفة معي في إعداد هذه الرسالة أساتذة كانوا أم زملاء وأصدقاء، وأخصّ بالذكر منهم سماحة السيّد الأُستاذ أحمد الإشكوري، والأُستاذ قادر حسين، والشيخ عبّاس السرّاج، والشيخ قاسم الأسدي، والشيخ حميد الوائلي.

الشيخ: بدر حسين علي المحمّداوي

(٨)

الإهداء

إلى سيّدي ومولاي..
الذي يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَتْ جوراً وظلماً..
الإمام المهدي صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه الشريف)..
أُهدي هذا الجهد المتواضع ولاءً له..
وإلى كلّ المؤمنين برسالته والمدافعين عنها في مشارق الأرض ومغاربها..
وإلى من أحبَّهم قلبي بنعمة الإيمان..
أبي وأُمّي..
وزوجتي وأطفالي..
وإخوتي وأخواتي..

* * *

(٩)

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدّمة:
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ السلام على حبيب قلوبنا سيّدنا ونبيّنا نبيّ الرحمة محمّد المصطفى وآله الطيّبين الطاهرين، لاسيّما خاتم الأئمّة ومهدي الأُمَّة الموعود على لسان جدّه الذي يتجدَّد به الإسلام ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً(1).
أمَّا بعد.. فإنَّ حرّية الفكر والانتخاب ونزاهة العرض وعذوبته هي مناشئ التكامل العلمي والوصول إلى القلل وإخراج الدرر والمرجان، وإنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) من أهل بيت عُرُفوا بالفصاحة والبيان، لذا قال الإمام الصادق (عليه السلام): (أعرِبوا حديثنا فإنّا قومٌ فصحاء)(2). ومع تصريحهم هذا بأنَّهم أُمراء الفصاحة والبيان، إلَّا أنَّ كلمتهم ظُلِمَت كما ظُلِمَ أصحابها لأنَّه على طول الخطّ هناك أعداء الحقيقة، ودعاة الظلام يسعون إلى إطفاء ذلك النور لتنسج العناكب بيوتها وتعيش الضلالة أوكارها، فلم تجد تلك الكلمة مجالاً لتشقّ طريقها في الدراسات اللغوية والنحوية والبلاغية، لذا عزمت أن تكون دراستي لبحث الماجستير في كلام أحد أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، وبعد أن عرضت نيَّتي على كثير من أهل الفضل في الحوزة العلمية في النجف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ينظر: كتاب سليم بن قيس الهلالي: 399؛ شرح الأخبار 3: 315.
(2) الكافي 1: 52؛ الفصول المختارة: 91.

(١١)

الأشرف، وقع اختياري على ما صدر من توقيعات الإمام المهدي (عليه السلام) الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل بيت العصمة، وقد تضمَّن كلامه المعاني الإسلاميّة السامية التي جاء بها القرآن الكريم من عقائد ومكارم أخلاق وإرشاد وأدعية وبعض أحكام وغيرها، لأنَّهم عِدْل القرآن، إذ ورد عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): (إنّي مخلَّف فيكم الثقلين ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتَّى يردا عليَّ الحوض)(3)، وتلك المعاني قد صيغت بأساليب نحوية جاءت على سنن العرب في توقيعاته (عليه السلام)، لذا وسمت البحث بـ (الأساليب الإنشائية في التوقيعات المهدوية / دراسة نحوية).
وبعد التوكّل على الله تعالى شرعت أجمع النصوص الخاصّة بالبحث، فكان هنالك كتاب ضمن سلسلة كتب تكفَّلت بجمع النصوص والأحاديث الواردة بحقّ الإمام المهدي (عليه السلام)، استغرق العمل بجمعها حوالي أربع سنوات ومن قِبَل أربعين شخصاً، فدوَّنوا أكثر من ألفي حديث، منها (560) حديثاً عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، والأُخر عن طريق الأئمّة الأحد عشر (عليهم السلام)، ووضعوا في الجزء السادس ما صدر عن الإمام المهدي (عليه السلام) عن طريق التوقيعات والمكاتبات، وقد خرَّجوا تلك الأحاديث والتوقيعات من أُمّهات المصادر الحديثية القديمة، وكان أهمّها: كتاب الكافي للشيخ الكليني (ت 329هـ)، والغيبة لمحمّد بن إبراهيم النعماني (ت 360هـ)، و كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق (ت 381هـ)، والإرشاد للشيخ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(3) الانتصار: 80؛ كمال الدين وتمام النعمة: 279.

(١٢)

المفيد (ت 413هـ)، والفصول المختارة للسيّد الشريف المرتضى (ت 438هـ)، والغيبة للشيخ الطوسي (ت 460هـ)، وإعلام الورى بأعلام الهدى للفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548هـ)، والخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي (ت 573هـ)، والاحتجاج لأحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي من علماء القرن السادس، وفلاح السائل لابن طاووس (ت 664هـ)، و كشف الغمَّة للإربلي (ت 693هـ)، وبحار الأنوار للعلَّامة المجلسي (ت 1111هـ)، وغيرها كثير، وتألَّفت لجنة للتحقيق بالروايات متكوّنة من مجموعة فضلاء وبرعاية وبإشراف الشيخ علي الكوراني فجاء بثمانية أجزاء باسم (معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام)) وبحثنا ارتكز على الجزء السادس منه الذي تناول التوقيعات المهدوية.
واتَّبعت في دراسة الأساليب الإنشائية منهجاً لا يقتصر على بيان الأداة التي ورد بها الأُسلوب، ولا بيان المعنى الذي دلَّ عليه، وإنَّما يشمل منهج السياق الذي ضمَّ الأُسلوب الذي أدرسه، إذ وظَّفت الظواهر النحوية التي تخدم دلالاتها المعنى الذي أراده (عليه السلام).
وقد سار البحث على وفق خطَّةٍ اشتملت على مقدّمة، وتمهيد، وأربعة فصول، وخاتمة، وذلك على النحو الآتي:
التمهيد: وقد اقتضى أن أجعله في مبحثين:
المبحث الأوَّل: عرَّفت فيه الخبر والإنشاء لغةً واصطلاحاً، وأبنت الفرق بينهما وأشرت إلى وقوع أحدهما موقع الآخر لدلالات بلاغية، ثمّ ذكرت قسمي الإنشاء، وهما: الإنشاء الطلبي، والإنشاء غير الطلبي وتعريفهما وبيان أنواعهما.

(١٣)

المبحث الثاني: عرَّفت فيه التوقيعات لغةً واصطلاحاً وتاريخها ونبذة بسيطة عن حياة الإمام المهدي (عليه السلام) وسفرائه الأربعة.
وقد اقتضى البحث أن أجعله في أربعة فصول، وهي:
الفصل الأوَّل: أُسلوب الاستفهام.
الفصل الثاني: أُسلوب الأمر والنهي والدعاء.
الفصل الثالث: أُسلوب النداء.
الفصل الرابع: الأساليب الإنشائية غير الطلبية.
وقد اعتمدت في دراسة الفصول على كتب الكلام المختلفة والمتنوّعة والمتعدّدة، وكان أمراً طبيعياً أن يعتمد هذا البحث على أُمّهات كتب النحو في دراسة كلّ أُسلوب في سبيل الإحاطة بموقف النحاة، ويأتي في مقدّمة هذه المصادر كتاب سيبويه (ت 180هـ) لأنَّه كتاب النحو حيث لم يغادر صغيرة من قضايا النحو ولا كبيرة إلَّا أحصاها، وكذلك (المقتضب) للمبرّد (ت 285هـ)، و(الأُصول في النحو) لابن السرّاج (ت 316هـ)، و(المسائل الشيرازيات) و(المسائل الحلبيات) و(المسائل المنثورة) لأبي علي الفارسي (ت 377هـ)، و(توجيه اللمع) لابن الخبّاز (ت 637هـ)، و(شرح المفصَّل) لابن يعيش (ت 643هـ)، وكان لشرح الرضي الأسترآبادي (ت 686هـ) على الكافية الأثر المتميّز في هذا البحث، لأنَّه كان متميّزاً بين النحاة في تحليل مسائل النحو واتّخاذ المواقف منها.
واحتلَّت مصادر النحو التي اختصَّت بأدوات المعاني مكانة خاصّة في هذه الدراسة، ومنها كتاب (اللامات) للزجّاجي (ت 311هـ)، و(معاني الحروف) للرمّاني (ت 384هـ)، و(رصف المباني في شرح حروف المعاني) للمالقي (ت 703هـ)، و(الجنى الداني في شرح

(١٤)

حروف المعاني) للمرادي، و(مغني اللبيب عن كتب الأعاريب) لابن هشام الأنصاري (ت 761هـ).
وأمَّا المراجع الحديثة فقد اعتمدت على كتب الأُستاذ الدكتور مهدي المخزومي في النحو العربي (نقد وتوجيه) و(دراسة وتطبيق)، والأساليب الإنشائية في النحو العربي لعبد السلام محمّد هارون، وأساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين للدكتور قيس إسماعيل الأوسي، ومعاني النحو للدكتور فاضل السامرائي.
ومن كتب الإعراب والمعاني: (معاني القرآن) للأخفش (ت 215هـ)، و(معاني القرآن) للفرّاء (ت 207هـ)، و(كشف المشكلات وإيضاح المعضلات) للباقولي (ت 543هـ).
ومن كتب التفسير: تفسير السمرقندي (ت 383هـ)، وتفسير الشريف المرتضى (ت 438هـ) المسمّى بـ (نفائس التأويل)، والتبيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي (ت 460هـ)، وتفسير الكشّاف للزمخشري (ت 538هـ)، والبحر المحيط لأبي حيان الأندلسي (ت 745هـ)، وروح المعاني للآلوسي (ت 1270هـ).
ومن كتب البلاغة: أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجراني (ت 471هـ)، ومفتاح العلوم للسكّاكي (ت 626هـ)، والإيضاح في علوم البلاغة للخطيب القزويني (ت 739هـ)، وعروس الأفراح للسبكي (ت 773هـ).
ومن كتب المعاجم: كتاب العين للخليل الفراهيدي (ت175هـ)، ومعجم مقاييس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس(ت 395هـ)، ولسان العرب لابن منظور (ت 711هـ).

(١٥)

وكان لهذا التنوّع بالمصادر أثره في إمداد البحث بمادَّته العلمية.
الخاتمة: ضمَّنتها ما توصَّلت إليه من نتائج، تليها قائمة بأسماء روافد البحث.
وفي الختام أقول: إنَّ ما قدَّمته قربةً لوجه الله تعالى.
(اللّهُمَّ أَرِنِي الطَّلْعَةَ الرَّشِيدَةَ، وَالغُرَّةَ الحَمِيدَةَ، وَاكْحُلْ ناظِرِي بِنَظْرَةٍ مِنِّي إِلَيْهِ، وَعَجِّلْ فَرَجَهُ، وَسَهِّلْ مَخْرَجَهُ، وَأَوْسِعْ مَنْهَجَهُ، وَاسْلُكْ بِي مَحَجَّتَهُ، وَأَنْفِذْ أَمْرَهُ، وَاشْدُدْ أَزْرَهُ، وَاعْمُرِ اللّهُمَّ بِهِ بِلادَكَ، وَأَحْيِ بِه عِبادَكَ...)(4).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(4) مفاتيح الجنان: 527.

(١٦)

التمهيد

وفيه مبحثان:
* المبحث الأوَّل: الخبر والإنشاء.
* المبحث الثاني: مفهوم التوقيعات المهدوية.

(١٧)

المبحث الأوَّل: مفهوم الخبر والإنشاء

توطئة:
إنَّ الكلامَ في اللغة العربيةِ ينقسمُ إلى خبرٍ وإنشاءٍ، قال في المختصر: (إنَّ الكلامَ إمَّا إخبارٌ أو إنشاءٌ)(5)، وجاء في الإيضاح: (ووجه الحصر أنَّ الكلامَ إمَّا خبرٌ أو إنشاءٌ، لأنَّه إمَّا أن يكونَ لنسبتهِ خارجٌ تطابقه أو لا تطابقه، أو لا يكون لها خارجٌ، الأوَّل الخبر والثاني الإنشاء)(6)، ويرى الدكتور عبد السلام محمّد هارون أنَّ وجه الحصرِ في احتمال الكلام للصدق والكذب لذاته أو عدم احتماله إذ جاء: (ووجه الحصر في ذلك: إنَّ الكلامَ إن احتمل الصدق والكذب لذاته، بحيث يصحُّ أن يقال لقائله إنَّه صادقٌ أو كاذبٌ، سُمّيَ كلاماً خبرياً، والمرادُ بالصادقِ ما طابقت نسبةُ الكلام فيه الواقعَ، وبالكاذب ما لم تطابق نسبةُ الكلامَ فيه الواقع، وإن كان الكلامُ بخلاف ذلك، أي لا يحتمل الصدق والكذب لذاته، ولا يصحُّ أن يقال لقائله: إنَّه صادقٌ أو كاذبٌ لعدم تحقّق مدلوله في الخارج وتوقّفه على النطق به سُمّيَ كلاماً إنشائياً)(7).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) مختصر المعاني: 28.
(6) الإيضاح في علوم البلاغة: 16.
(7) الأساليب الإنشائية في النحو العربي: 12.

(١٩)

ولأجل ذلك لا بدَّ من بيان كلّ منهما:
أ) الخبر:
الخبر لغةً: (النبا، ويجمعُ على أخبار، وأخبرته وخبَّرته)(8)، وجاء في لسان العرب: (والخبر بالتحريك: واحد الأخبار، والخبر ما أتاك من نبأ عمَّن تستخبر، والجمع أخبار، وأخابير جمع الجمع، فأمَّا قوله تعالى: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) (الزلزلة: 4)، فمعناه يوم تزلزل تخبر بما عُمِلَ عليها، وخبَّره بكذا وأخبره: نبَّأه، واستخبره: سأله عن الخبر)(9).
الخبر اصطلاحاً: هو (ما جاز على قائله التصديق والتكذيب)(10)، ولذا إنَّ الخبر يحتمل أن يكون صادقاً ويحتمل أن يكون كاذباً، قال الرضي (ت 686هـ): (إنَّ الخبرَ محتملٌ للصدق والكذب)(11)، ولكن اختلف القائلون بانحصارِ الخبر في الصدق والكذب في تفسيرها، فجاء في مختصر المعاني: (فقيل: (صدق الخبر مطابقته) أي مطابقة حكمه (للواقع) وهو الخارج الذي يكون لنسبة الكلام الخبري و(كذبه) أي كذب الخبر (عدمها) أي عدم مطابقته للواقع، وقيل: صدق الخبر مطابقته لاعتقاد المخبر ولو كان ذلك الاعتقاد خطأ غير مطابق للواقع، وكذب الخبر عدمها أي عدم مطابقته لاعتقاد المخبر ولو كان خطا، فقول القائل: (السماءُ تحتنا) معتقداً ذلك صدقٌ، وقوله: (السماء فوقنا) غير معتقد كذب)(12)، ولهذا أنكر الجاحظُ (ت 255هـ) نقلاً عن الشيخ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(8) العين 1: 457/ مادّة (خ ب ر).
(9) لسان العرب 4: 227.
(10) المقتضب 3: 89؛ وينظر: مفتاح العلوم: 252.
(11) شرح الرضي على الكافية 4: 12.
(12) مختصر المعاني: 30.

(٢٠)

أحمد أمين الشيرازي انحصار الخبر في الصدق والكذب وأثبت الواسطة بينهما: (وزعم أنَّ صدق الخبر مطابقته للواقع مع الاعتقاد بأنَّه مطابق، وكذب الخبر عدمها مع اعتقاد أنَّه غير مطابق، وغير هذين ليس صدقاً ولا كذباً وهي المطابقة للواقع مع اعتقاد عدم المطابقة، والمطابقة للواقع بدون الاعتقاد أصلا، وعدم المطابقه للواقع مع اعتقاد المطابقة، وعدم المطابقه للواقع بدون الاعتقاد أصلاً)(13).
والصحيح أنَّ احتمال الصدق والكذب يُنظَر فيه إلى الجملة الخبرية نفسها، فقد جاء في الكافي في علوم البلاغة العربية: (في تمييزنا (الخبر) بأنَّه قول يحتمل الصدق والكذب لا بدَّ من الانتباه إلى أنَّ هذا الاحتمال يُنظَر فيه إلى (الجملة الخبرية نفسها)، بصرف النظر عمَّن قالها وعن الواقع، ولذا يضع البلاغيون قيد (لذاته) عند تعريف الخبر)(14)، لأنَّ أخبار اللهِ تعالى وأخبار رسله والبديهيات صادقة قطعا، وأخبار المتنبّئين في دعوى النبوَّة كاذبة قطعاً.
أمَّا المناطقة فقد أكَّدوا على إضافة كلمة (لذاته) للتعريف حتَّى يكون دقيقاً، وقالوا: لهذا القيد فائدة، فإنَّه قد يوهم غافل فيظنّ أنَّ التعريف الأوَّل للخبر يشمل بعض الإنشاءات فلا يكون مانعا، ويخرج هذا البعض من تعريف الإنشاء فلا يكون جامعا، وسبب هذا الظنّ أنَّ بعض الإنشاءات قد توصف بالصدق والكذب كما لو استفهم شخص عن شيء يعلمه أو سأل الغني سؤال الفقير أو تمنّى إنسان شيئاً هو واجد له، فإنَّ هولاء نرميهم بالكذب وفي عين الوقت نقول للمستفهم الجاهل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(13) البليغ في المعاني والبيان والبديع: 38.
(14) الكافي في علوم البلاغة العربية: 67.

(٢١)

والسائل الفقير والمتمنّي الفاقد البائس إنَّهم صادقون...، ومن المعلوم أنَّ الاستفهام والطلب بالسؤال والتمنّي من أقسام الإنشاء. ولكن إذا دقَّقنا هذه الأمثلة وأشباهها يرتفع هذا الظنّ، فهذه الإنشاءات تدلُّ بالدلالة الالتزامية على الإخبار عن الجهل والحاجة واليأس، فيكون الخبر المدلول عليه بالالتزام هو الموصوف بالصدق والكذب لا ذات الإنشاء)(15).
ب) الإنشاء:
الإنشاء لغةً: الابتداءُ، جاء في كتاب العين: (أنشأتُ حديثاً: ابتدأتُ)(16)، والإنشاء أيضاً: إيجادُ الشيء من غير امتثال، وإيجادُهُ من لا شيء، قال أبو هلال العسكري (ت 400هـ): (الإنشاءُ: (الإحداثُ حالاً بعد حالٍ من غير احتذاءٍ على مثال...، وقال بعضهم: الإنشاء ابتداءُ الإيجاد من غير سبب)(17)، ومنه قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (أَنْشَأَ الْخَلْقَ إِنْشَاءً وَابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً، بِلَا رَوِيَّةٍ أَجَالَهَا، وَلَا تَجْرِبَةٍ اسْتَفَادَهَا، وَلَا حَرَكَةٍ أَحْدَثَهَا، وَلَا هَمَامَةِ نَفْسٍ اضْطَرَبَ فِيهَا)(18)، والإنشاء أيضاً الخَلْقُ، قال ابن منظور: (أنشأهُ الله: خلقه...، وأنشأ اللهُ الخلقَ، أي: ابتدأ خلقهَمُ)(19)، ومنه قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) (الأنعام: 98).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(15) ينظر: المنطق للشيخ المظفَّر: 152 و153.
(16) العين 3: 1798/ مادّة (ن ش أ).
(17) الفروق في اللغة: 127.
(18) نهج البلاغة: 18، والرويّة: التفكّر في الأمر، (لسان العرب 2: 1629/ مادّة (روي))، وأجالها: من الإجالة، وهي الإدارة، يقال: أجالوا الرأي فيما بينهم، (لسان العرب 1: 703/ مادّة (ج و ل))، وهمامة النفس: اهتمامها بالأمر، (كتاب العين 3: 1901/ مادّة (هـ م م)).
(19) لسان العرب 1: 170/ مادّة (ن ش أ).

(٢٢)

إذن فالإنشاء في اللغة بمعنى الابتداء، والابتداع، والخَلْق.
الإنشاء اصطلاحاً: هو الكلام الذي: (لا يقال فيه: صدقتَ ولا كذبتَ)(20)، ولا يدلُّ على أمر حاصل في الخارج(21)، لذا هو (ما لا يحصلُ مضمونه، ولا يتحقَّق إلَّا إذا تلفَّظتَ به، فطلب الفعل في (افعل)، وطلب الكفّ في (لا تفعل)، وطلب المحبوب في (التمنّي)، وطلب الفهم في (الاستفهام)، وطلب الإقبال في (النداء)، كلّ ذلك ما حصل إلَّا بالصيغ نفسها المتلفَّظ بها)(22).
نستنتج من ذلك أنَّ الإنشاءَ بالمعنى الاصطلاحي مقاربٌ له بالمعنى اللغوي، لأنَّه في الاصطلاح إنشاءُ الناظمِ للكلامِ أو خلقِهِ في نفسه أو نفس مخاطبه، من غير أن يكون للكلام واقع خارج يطابقه فيوصف بالصدق، أو لا يطابقه فيوصف بالكذب، وهو في اللغة بمعنى الابتداء والابتداع والخلق. وبعد الذي بيَّناهُ من معنى كلٍّ من الخبر والإنشاء إلَّا أنَّ كلَّاً منهما قد يقع موقع الآخر لدلالات بلاغية، نحو قوله تعالى: (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) (البقرة: 233)، فاللفظ خبر والمعنى إنشاء (أمر)، أي ليرضعنَ أولادهنَّ. ونحو قوله تعالى: (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) (الإنسان: 1)، فاللفظ إنشاء (استفهام) والمعنى خبر، أي: قد أتى(23).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(20) الأُصول في النحو 1: 72.
(21) ينظر: الطراز 3: 280؛ والتعريفات: 42.
(22) جواهر البلاغة: 63.
(23) ينظر: تفسير الكشّاف 1: 275، و4: 653؛ وعروس الأفراح 1: 459 و477.

(٢٣)

قسما الإنشاء:
يقسم الإنشاء إلى قسمين:
القسم الأوَّل: الإنشاء الطلبي:
وهو ما يستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب ليحصل، لأنَّ الحاصلَ لا يُطلَب، كالنداء والأمر والنهي...(24).
وأنواعه: الاستفهام والأمر والنهي والدعاء والنداء والتمنّي والعرض والتحضيض والترجّي(25). وجميع أنواع الطلب تستدعي ذلك المطلوبَ، أمَّا إذا كان المطلوب حاصلاً امتنع إجراؤها على معناها الحقيقي وتولَّد منها بحسب القرائن معانٍ تناسب المقام(26)، كطلب دوام الإيمان والتقوى في قوله تعالى: (يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ) (النساء: 136).
وقد حظي الإنشاء الطلبي بالاهتمام (لاختصاصه بمزيد أبحاث لم تذكر في بحث الخبر)(27).
القسم الثاني: الإنشاء غير الطلبي:
هو ما لا يستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب، وأنواعه هي: القسم، والمدح أو الذمّ، والتعجّب، وصيغ العقود(28)، ويكون برُبَّ ولعلَّ وكم الخبرية(29).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(24) ينظر: عروس الأفراح 1: 420.
(25) ينظر: أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 9.
(26) ينظر: المطوَّل: 402؛ وجواهر البلاغة: 78.
(27) المطوَّل: 402.
(28) ينظر: الإيضاح في علوم البلاغة 1: 227.
(29) ينظر: جواهر البلاغة: 75.

(٢٤)

ويبدو أنَّ اهتمام البلاغيين بهذه المباحث أقلّ من اهتمام النحاة، وذلك أنَّ النحاة اعتدّوا بمباحث الإنشاء غير الطلبي وأولوها عناية فائقة حتَّى غدت أبواباً خاصّة في النحو.

* * *

(٢٥)

المبحث الثاني: مفهوم التوقيعات المهدوية

التوقيع لغةً: (هو الدبر، والتوقيع أثر الرحل على ظهر البعير، والتوقيع في الكتاب إلحاق شيء فيه)(30)، وجاء في معجم مقاييس اللغة: (التوقيع: ما يُلحَق بالكتاب بعد الفراغ منه)(31)، وجاء في الصحاح: (التوقيع ما يوقع في الكتاب، يقال: السرور توقيع جائز، والتوقيع الدبر، وإذا كثر بالبعير الدبر قيل: إنَّهُ موقع الظهر)(32)، وهذا المعنى جاء في لسان العرب: (التوقيع في الكتاب: إلحاق شيء فيه بعد الفراغ منه، وقيل: هو مشتقٌّ من التوقيع الذي هو مخالفة الثاني للأوَّل)(33)، وجاء في تاج العروس: (التوقيع ما يوقع في الكتاب، وهو إلحاق شيء بعد الفراغ منه لمن رفع إليه كالسلطان ونحوه من ولاة الأمر، كما إذا رفعت إلى السلطان أو الوالي شكاة فكتب تحت الكتاب أو على ظهره...، وقال الأزهري: توقيع الكاتب في الكتاب المكتوب أن يجعل بين تضاعيف سطوره مقاصد الحاجة ويحذف الفضول، فكأنَّ الموقِّع في الكتاب يؤثِّر في الأمر الذي كتب الكتاب فيه ما يؤكّده ويوجبه)(34).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(30) العين 3: 1976.
(31) معجم مقاييس اللغة 6: 134.
(32) الصحاح 3: 1303.
(33) لسان العرب 8: 406.
(34) تاج العروس 11: 525.

(٢٦)

التوقيع اصطلاحاً: هو ما كان يكتبه الخليفة أو الملك أو الأمير أو السلطان أو الوزير تعليقاً على كتاب أو رقعة أو ملتمس بتوقيعه بجملة أو عدَّة جمل قصيرة هي جوابات الكتاب، أو الرقعة يذيّلونها باسمهم على صورة توقيع. ويكون الجواب أو التوقيع إمَّا على ظهر الرقاع أو في حاشيته، وقد يكون في هذه الحالة شعراً أو نثراً مسجوعاً أو مثلاً سائراً أو حكمةً بليغةً أو آيةً كريمةً أو حديثاً شريفا(35).
وقد يصدر التوقيع ابتداءً وليس جواباً، فقد جاء في ذيل مرآة الزمان: (التوقيع: هو كتاب السلطان ويكون بمثابة بيان للناس يصدره الملوك أو الأُمراء أو الحكّام أو السلاطين لرعاياهم، يفرضون عليهم فيها ضرائب معيَّنة أو يسقطون عنهم ضرائبَ ورسوماً، ويتلى من فوق المنابر)(36)، (وقد يسمّى التوقيع (فرماناً)، ويقرأ بحضور الأعيان في الجوامع)(37)، وقد ذكر السيّد محمّد محمّد صادق الصدر قدس سره (ت 1419هـ) عند بيانه معنى التوقيع: (يُطلَق التوقيع في لسان روايتنا، مطابقاً مع العرف السائد آنئذٍ على الكلمات القصار التي تمليها أقلام الكبراء في ذيل الرسائل والعرائض ونحوها، لأجل جواب السؤال الذي تتضمَّنه أو حلّ المشكلة التي تحتويها أو التعبير عن وجهة نظر معيَّنة فيها)(38).
والتوقيعات المهدوية: هي (ما كان يذكره الإمام المهدي (عليه السلام)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(35) التوقيعات التدريسية: 7 و8.
(36) ذيل مرآة الزمان 1: 372.
(37) ذيل مرآة الزمان 1: 360.
(38) تاريخ الغيبة الصغرى 1: 434.

(٢٧)

بخطّه في جواب الأسئلة والعرائض بوساطة نوّابه الأربعة في مختلف ميادين المعرفة)(39).
والتوقيع: يعني الكتاب الموقَّع، يُعبَّر عنه بأنَّه توقيع من باب تسمية الكتاب بأهمّ ما فيه أو أبرز ما فيه، أو ما يُختَم به من باب تسمية الشيء بخاتمته فيُعبَّر عنه بأنَّه توقيع، والمقصود ليس خصوص الإمضاء للإمام سلام الله عليه، إنَّما المقصود هو الكتب الصادرة والرسائل الصادرة من الإمام سلام الله عليه كان يُعبَّر عنها بأنَّها توقيعات الناحية المقدَّسة، والناحية المقدَّسة اصطلاح يُراد به خصوص الحضرة المقدَّسة لصاحب الأمر والزمان (عليه السلام) باعتبار ظروف التقيّة(40).
تاريخ التوقيعات:
لقد بدأت التوقيعات في زمن مبكَّر من الحياة العربية الإسلاميّة، حيث كتب الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) والخلفاء من بعده والأئمّة (عليهم السلام) كتبهم وعهودهم لولاتهم وقادتهم الذين كانوا يولّونهم على الولايات التابعة لهم أو لوكلائهم ونوّابهم(41)، ومثال ذلك كتاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) الذي بعث به إلى كسرى ملك الفرس، وكذلك كتابه إلى ملك الروم، وكتابه لأهل نجران، وكتابه لأبي جهل، وكتابه لمعاذ بن جبل، ومنها أيضاً عهده لولاته الذين بعثهم إلى اليمن بعد إسلام أهل اليمن (أن يأخذ الوالي من المغانم خمس الله)، وما ورد في كتاب لقبيلة سعد: (أن يدفعوا الخمس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(39) المصدر السابق.
(40) ينظر: الغيبة الصغرى والسفراء الأربعة: 29.
(41) ينظر: النوّاب الأربعة ومرويّاتهم الفقهية: 213.

(٢٨)

والصدقة لرسوليه)، وغير ذلك من كتبه (صلّى الله عليه وآله وسلم) التي تُعَدُّ بالمئات(42)، وكذلك الخلفاء من بعده فإنَّهم كتبوا لولاتهم على الأمصار كعهد الخليفة عمر بن الخطّاب لأبي موسى الأشعري عامله على الكوفة(43)، وكعهد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لعامله مالك الأشتر عندما ولَّاه مصر(44)، وكذلك كتب وتوقيعات الملوك والسلاطين في الدولة الأُموية والعبّاسية إلى ولاتهم على الأمصار، وكتب وتوقيعات الأئمّة (عليهم السلام) إلى وكلائهم ونوّابهم في الولايات والنواحي، ومنها توقيعات الإمام المهدي (عليه السلام) إلى نوّابه الأربعة (رضوان الله عليهم)(45).
والإمام المهدي (عليه السلام) هو محمّد ابن الإمام الحسن بن علي بن محمّد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي السجّاد بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين(46).
واسم أُمّه: السيّدة نرجس بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وهي من ولد الحواريين تُنسَب إلى شمعون الصفا وصيّ عيسى (عليه السلام)، وكان اسمها عند أبيها مليكة(47).
وكنيته: أبو القاسم، وأبو جعفر، وأبو صالح(48).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(42) ينظر: مكاتيب الرسول 3: 152 و566؛ معالم المدرستين 2: 169.
(43) ينظر: تاريخ المدينة 2: 775 و776.
(44) ينظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 17: 151.
(45) ينظر: الاحتجاج 2: 277 و323؛ بحار الأنوار 33: 552.
(46) ينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 397؛ والإرشاد 2: 339؛ ودلائل الإمامة: 501.
(47) ينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 397؛ والهداية الكبرى: 328؛ والأعلام للزركلي 6: 80.
(48) ينظر: دلائل الإمامة: 501؛ وإلزام الناصب 1: 481.

(٢٩)

اللقب: المهدي، وهو من أشهر ألقابه شيوعاً عند جميع الفِرَق الإسلاميّة(49)، والقائم، والمنتظر.
وقد وُلِدَ (عليه السلام) في سامراء منتصف شهر شعبان عام (255هـ)(50) على المشهور، وبهذا تكون ولادته بعد استشهاد جدّه الإمام الهادي (عليه السلام) بعام واحد (254هـ)(51)، وفي عصر الخليفة العبّاسي محمّد بن الواثق المهتدي الذي تولّى الخلافة لليلة بقيت من رجب عام (255هـ)(52).
ومن الأدلَّة على ولادته شهادة السيّدة حكيمة (رضي الله عنها) بنت الإمام الجواد (عليه السلام) وعمَّة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) التي تولَّت أمرَ أُمّهِ حين الولادة وصرَّحت بما شاهدته بعد الولادة(53)، وأيضاً العقيقة والإطعام، حيث يستحبّ عندما يُرزَق الإنسان بمولود أن يعقَّ عنه بذبيحة، ويصنع من لحمها طعاماً ويدعو الناس إليه، وهذا ما قام به الإمام العسكري (عليه السلام)(54)، وإخبار الإمام الحسن العسكري بولادة ابنه المهدي (عليه السلام)(55)، وأيضاً أقوال علماء السُّنَّة الذين نقلوا ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) حيث ذكر ابن خلّكان (ت 681هـ): (أبو القاسم محمّد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن الإمام محمّد الجواد ثاني عشر الأئمّة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية المعروف بالحجَّة...، كانت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(49) ينظر: الغيبة للنعماني: 243؛ وإعلام الورى 2: 213.
(50) ينظر: الكافي 1: 514؛ ووفيات الأعيان 4: 176؛ وينابيع المودَّة 3: 304.
(51) ينظر: كشف الغمَّة 3: 167.
(52) ينظر: تاريخ الطبري 7: 527.
(53) ينظر: الغيبة للطوسي: 234 و237؛ والخرائج والجرائح 1: 455 و456؛ وأعيان الشيعة 2: 595.
(54) ينظر: مستدرك الوسائل 15: 141؛ ومعجم أحاديث الإمام المهدي 4: 242.
(55) ينظر: النجم الثاقب 1: 135؛ ومعجم أحاديث الإمام المهدي 4: 240.

(٣٠)

ولادته منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين)(56)، وذكر ابن الصبّاغ المالكي (ت 855هـ): (كان الإمام بعد أبي محمّد الحسن ابنه محمّد، ولم يخلف أبوه ولداً غيره)(57)، وذكر ابن حجر الهيثمي الشافعي (ت 974هـ): (ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمّد الحجَّة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين)(58).
ولقد تسلَّم الإمام المهدي (عليه السلام) الإمامة في سنٍّ مبكَّر حيث تسنَّم منصب الإمامة ومهامّها بعد استشهاد أبيه الحسن العسكري (عليه السلام) عام (260هـ)(59). وقد أجمع الإمامية على ذلك، فهم إمامية اثنا عشرية، وقد سبق لأحد عشر إماماً بمنصب الولاية الإلهية، فلا بدَّ لصاحب الأمر (عليه السلام) من القيام بذلك، لأنَّه الإمام الثاني عشر لدى الإمامية إجماعا، ولمَّا ثبتت إمامة آبائه (عليهم السلام) بالنصّ والمؤهِّلات العليا، فقد ثبتت إمامة صاحب الأمر (عليه السلام) بالنصّ عليه أيضا(60).
والإمام هو الذي يؤمر من الله تعالى بالولاية التنفيذية سواء أكان الإمام رسولاً أم نبيَّاً غير رسول، أم لم يكن نبيَّاً ولا رسولا، بل وصيَّاً لنبيّ، بمعنى أنَّه معيَّن من الله لهداية الناس(61).
ولم تكن إمامة المنتظر في سنّه المبكَّر الحدث الوحيد من نوعها، ففي تاريخ الأنبياء والرسل وأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) شواهد على ذلك،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(56) وفيات الأعيان 4: 176.
(57) الفصول المهمَّة: 274.
(58) الصواعق المحرقة: 206.
(59) ينظر: المسائل العشر في الغيبة: 10.
(60) ينظر: الإمام المهدي نصب عينيك كأنَّك تراه: 20.
(61) ينظر: معالم المدرستين 1: 161.

(٣١)

فمثلاً عيسى بن مريم (عليه السلام) كما ينقل القرآن: (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) (مريم: 29 و30)، والإمام الجواد (عليه السلام) تسنَّم مهام الإمامة بعد أبيه الرضا (عليه السلام) وعمره سبع سنين(62).
وإنَّ للإمام المهدي غيبتين - والغيبة هي تواري الإمام المهدي المنتظر الإمام الثاني عشر عن أنظار الناس(63) -: الصغرى: وهي تبدأ من حين استشهاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وتولّي الإمام المهدي (عليه السلام) مهام الإمامة في الثامن من شهر ربيع الأوَّل عام (260هـ)، وتنتهي بوفاة النائب الرابع علي بن محمّد السمري في النصف من شعبان عام (329هـ)، فتكون مدَّتها قرابة (70) عاما(64).
والكبرى: وهي تبدأ من عام (329هـ)، وإلى ما شاء الله تعالى.
التوقيعات المهدوية:
بسبب اختلاف حياة الإمام المهدي (عليه السلام) عن الأئمّة المعصومين قبله لكونه غائباً عن الناس ويتَّصل بهم عن طريق السفراء الأربعة في الغيبة الصغرى التي بدأت بوفاة والده الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) سنة (260هـ)، واستمرَّت إلى وفاة السفير الرابع علي بن محمّد السمري سنة (329هـ)، وهي بداية الغيبة الكبرى للإمام المهدي (عليه السلام)، حيث ورد في آخر توقيع للإمام (عليه السلام) على يد السمري: (بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمّد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنَّك ميّتٌ ما بينك وبين ستَّة أيّام، فاجمع أمرك ولا توصِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(62) ينظر: دلائل الإمامة: 394.
(63) ينظر: معجم ألفاظ الفقه الجعفري: 311.
(64) ينظر: الكافي 1: 503؛ وتاريخ ابن خلدون 4: 29؛ وتاريخ الغيبة الصغرى: 345.

(٣٢)

إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلَّا بعد إذن الله (عزَّ وجلَّ)...)(65).
ولذا جاءت توجيهاته الشريفة والإجابة على أسئلة المؤمنين في الغيبة الصغرى عن طريق التوقيعات، وشملت مختلف ميادين المعرفة، واستوعبت جميع شؤون الحياة سواء المسائل الفقهية أو العقائدية أو الاجتماعية أو الدعائية أو غيرها، أو تكون عبارة عن بيانات تتَّخذ أحياناً شكل بيان ابتدائي حين تقتضي المصلحة ذلك(66)، وقد خرجت هذه التوقيعات من الناحية المقدَّسة عن طريق السفراء أو (النوّاب) الأربعة.
النوّاب الأربعة:
1 - عثمان بن سعيد العَمْري (رضي الله عنه):
هو عثمان بن سعيد(67) بفتح السين، وهو أسديُّ النسب، يقال: الأسدي(68)، لأنَّه ينتمي إلى قبيلة بني أسد، ونُسِبَ إلى جدّه من أُمّه أُمّ كلثوم بنت أبي جعفر الذي ينتهي نسبه إلى عمّار بن ياسر صاحب الإمام علي (عليه السلام)، فقيل: العَمْري(69)، ولم تذكر المصادر التاريخية تاريخ ولادته، وإنَّما يرد اسمه أوَّل ما يرد كبوّاب في خدمة الإمام الهادي (عليه السلام) يوم كان غلاماً في الحادية عشر من عمره(70).
وكان عثمان بن سعيد ثقة جليل القدر(71)، وقد وردت عدَّة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(65) كمال الدين وتمام النعمة: 516/ باب 45/ ح 44؛ والغيبة للطوسي: 395/ ح 365.
(66) ينظر: النوّاب الأربعة ومرويّاتهم الفقهية: 215.
(67) ينظر: رجال الطوسي: 389.
(68) ينظر: خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: 220.
(69) ينظر: مصفى المقام في مصنّفي علم الرجال: 492؛ والذريعة 1: 318.
(70) ينظر: رجال الطوسي: 389.
(71) ينظر: رجال الطوسي: 401.

(٣٣)

روايات في توثيقه، منها: عن محمّد بن يعقوب الكليني (ت 329هـ) بسنده عن الإمام الهادي (عليه السلام): سألته وقلت: من أُعامل وعمَّن آخذ؟ فقال له: (العمري ثقتي فما أدَّى إليك فعنّي يؤدّي...)(72).
استمرَّت مدَّة نيابة العمري عن الإمام المهدي (عليه السلام) قرابة خمس سنوات(73)، وهي من وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) (ت 260هـ)(74) - وهي بداية الغيبة الصغرى - إلى وفاة العمري (264 - 265هـ).
2 - محمّد بن عثمان بن سعيد العَمْري:
وهو ابن النائب الأوَّل، وكنيته أبو جعفر(75)، ويُلقَّب بالخلَّاني نسبة إلى بيعه الخلّ(76)، ولم تذكر كتب التاريخ والتراجم عام ولادته، وأجمع المترجمون لمحمّد بن عثمان على وثاقته، وأنَّ له منزلة جليلة، ومكانة معظَّمة عند الطائفة(77)، وتولّى النيابة بعد أبيه حتَّى لبّى نداء ربّه في جمادى الأُولى سنة (305 أو 304هـ)(78)، وقد عاصر خلال مدَّة نيابته أربعة من الخلفاء العبّاسيين، وهم: المعتمد العبّاسي، وتسلَّط عام (256 - 279هـ)، والمعتضد العبّاسي، وتسلَّط عام (279 - 289هـ)، والمكتفي العبّاسي، وتسلَّط عام (289 - 299هـ)، والمقتدر العبّاسي، وتسلَّط عام (299 - 320هـ)(79).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(72) الكافي 1: 329 و330؛ ومعجم رجال الحديث 11: 121.
(73) ينظر: تاريخ الغيبة الصغرى: 404.
(74) ينظر: رجال السيّد بحر العلوم (الفوائد الرجالية) 4: 128.
(75) ينظر: طبقات أعلام الشيعة: 282.
(76) ينظر: الكنى والألقاب 3: 221 و222.
(77) ينظر: رجال الطوسي: 447.
(78) ينظر: تنقيح المقال 3: 649.
(79) ينظر: تاريخ الطبري 7: 597، و8: 162؛ وتاريخ ابن خلدون 3: 305 - 354.

(٣٤)

3 - الحسين بن روح:
هو الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي نسبة الى بني نوبخت(80) من عوامل فارس(81)، وكنيته أبو القاسم(82)، ولم تذكر المصادر التاريخية ولادته ولا بداية حياته، وإنَّما يلمع نجمه أوَّل لمعانه كوكيل مفضَّل لمحمّد بن عثمان العمري، قبل أن يكون نائباً خاصَّاً للإمام المنتظر (عليه السلام)(83)، وكان أبو القاسم جليل القدر، عظيم المنزلة(84)، واضطلع بمهام النيابة الخاصّة بموت أبي جعفر العمري سنة (305هـ)، واستمرَّت نيابته إلى أن لحق برضوان ربّه في شعبان سنة (326هـ)(85).
4 - علي بن محمّد السمري:
هو علي بن محمّد، وكنيته أبو الحسن(86)، ولُقِّبَ بالسَمَري بفتح السين والميم معا(87)، ولقد أجمع أصحاب التراجم على وثاقته وجلالته(88)، وبعد وفاة النائب الثالث تولّى النيابة عن الإمام المهدي (عليه السلام)، واستمرَّت نيابته حتَّى وفاته في النصف من شعبان سنة (329هـ)(89).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(80) ينظر: الذريعة 1: 69.
(81) ينظر: سير أعلام النبلاء 15: 222؛ ولسان الميزان 2: 283.
(82) ينظر: مجمع الرجال 2: 174.
(83) ينظر: الغيبة للطوسي 2: 372؛ تاريخ الغيبة الصغرى: 406.
(84) ينظر: تهذيب المقال 2: 440.
(85) ينظر: سير أعلام النبلاء 15: 224.
(86) ينظر: فائق المقال: 134.
(87) ينظر: جامع المقال: 163؛ وطبقات أعلام الشيعة: 200.
(88) ينظر: مراقد المعارف 1: 377.
(89) ينظر: إلزام الناصب 1: 427.

(٣٥)

مفهوم الاستفهام لغةً واصطلاحاً:
أ) الاستفهام لغةً:
يقال: فَهَمْتُ الشيءَ فَهَمَاً وفَهَمْاً: عَرَفْتُهُ وعَقَلْتُهُ، وفَهَّمْتُ فُلاناً وأَفْهَمْتُهُ: عَرَّفْتُهُ، ورَجُلٌ فَهِمٌ: سريع الفهمِ(90)، وجاء في لسان العرب: (واستَفْهَمَهُ: سألَهُ أن يفُهِّمَهُ، وقد استَفْهَمَني الشيءَ فأَفْهَمْتُهُ، وفَهَّمْتُهُ تَفْهِيمَاً)(91).
وأورد ابن فارس (ت 395هـ) أنَّ الاستفهام والاستخبار والاستعلام بمعنى واحد، فالاستفهام طلب الفهم، والاستخبار طلب الخبر، والاستعلام طلب العلم(92).
وكذلك سوّى ابن يعيش (ت 643هـ) بين الاستفهام والاستعلام والاستخبار، وأنَّها تفيد الطلب من خلال السين، فقال: (الاستفهام والاستعلام والاستخبار بمعنى واحد، فالاستفهام مصدر (استفهمتُ) أي طلب الفهم، وهذه (السين) تفيد الطلب، وكذلك الاستعلام والاستخبار مصدر (استعلمتُ) و(استخبرتُ))(93).
ونقل ابن فارسٍ عن ناسٍ أنَّ بينهما أَدنى فَرْقٍ، فالاستخبار سابق للاستفهام، لأنَّك تستخبر فتجاب بشيء فربَّما فهمتَهُ وربَّما لم تفهمْهُ، فإذا سألتَ ثانيةً فأنت مستَفْهِم(94).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(90) ينظر: العين 4: 1422/ مادّة (ف هـ م)؛ ومعجم مقاييس اللغة 5: 260/ مادّة (ف هـ م).
(91) ينظر: لسان العرب 12: 459/ مادّة (ف هـ م).
(92) ينظر: الصاحبي في فقه اللغة: 292.
(93) شرح المفصَّل 8: 76؛ وينظر: أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 307.
(94) ينظر: الصاحبي في فقه اللغة: 292؛ والبرهان في علوم القرآن 2: 203.

(٣٩)

ومن النحاة مَنْ فرَّق بين الاستفهام والاستخبار، لأنَّ الأخير يفيدُ معنى الخبر(95)، وبعضٌ فرَّق بين الاستفهام والسؤال حيث جاء في معجم الفروق اللغوية: (الفرق بين الاستفهام والسؤال: أنَّ الاستفهام لا يكون إلَّا لما يجهله المستفهم أو يشكّ فيه، وذلك أنَّ المستفهم طالب لأن يفهم ويجوز السائل سائل عمَّا يعلم وعمَّا لا يعلم)(96).
ب) الاستفهام اصطلاحاً:
إنَّ مفهوم الاستفهام في الاصطلاح لا يخرج عن معناه اللغوي، فهو يعني طلب الفهم(97)، وعُرِّفَ أيضاً بأنَّه طَلَبُ المتكلِّم من مخاطبه أن يحصل في ذهنه ما لم يكن حاصلاً قبلُ(98)، وأمَّا حقيقة الاستفهام الدلالية التركيبية فهي: (تحويل تركيبٍ إخباري إلى استفسار باستعمال أدوات خاصّة، وتنغيم معيَّن، أو الاكتفاء بالتنغيمِ أحياناً)(99).
والاستفهام ليس فقط طلب فهم المستفهم وإنَّما هناك أيضاً ما هو طلب إفهام المسؤول، قال السيوطي (ت 911هـ): (ولا بِدْعَ في صدور الاستفهام ممَّن يعلمُ المستفهم عنه، لأنَّ طلب الفهم إمَّا طلب فهم المستفهِمِ أو وقوع فهمٍ لمن لم يفهم كائناً من كان)(100).
لذا نجد الاستفهام خرج عن حقيقته التي تقتضي جواباً إلى الاستفهام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(95) ينظر: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1: 13.
(96) ينظر: معجم الفروق اللغوية 1: 48.
(97) ينظر: توجيه اللمع: 580؛ وشرح المفصَّل 8: 76؛ ومغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1: 17؛ وعروس الأفراح 1: 423.
(98) ينظر: التعريفات: 22؛ والأشباه والنظائر 4: 65؛ والأساليب الإنشائية في النحو العربي: 180.
(99) الشرط والاستفهام في أساليب العربية: 98.
(100) الإتقان في علوم القرآن: 665.

(٤٠)

المجازي الذي تتولَّد عنه جملة من المعاني، وهذه المعاني لا تنفي (بقاء معنى الاستفهام في كلّ أمر من الأُمور)(101)، فالاستفهام المجازي ينشأ من دون أن يقصد منشئه إلى طلبِ الإجابة، فتأثيره ينتج من إحساسِ بأنَّ السؤال يتطَّلب إجابة ولا تأتي الإجابة(102)، (ولذا ذهب النحاة إلى أنَّ الاستفهام في القرآن يختلف عن الاستفهام في كلام البشر، وذلك لأنَّ المستفهم غير عالم إنَّما يتوقَّع الجواب فيعلم به، والله (عزَّ وجلَّ) منفي عنه ذلك، لأنَّه تعالى لا يستفهم خلقه عن شيء، فالاستفهام في القرآن غير حقيقي لأنَّه واقع ممَّن يعلم ويستغني عن طلب الإفهام، وإنَّما يخرج الاستفهام مخرج التوبيخ والتقرير، فالله تعالى يستفهم عباده ليقرِّرهم ويذكِّرهم أنَّهم قد علموا من ذلك الشيء)(103).
والطلب في الاستفهام يختلف عنه في أقسام الطلب الأُخر، وهذا ما ذكره السكّاكي (ت 626هـ) قائلاً: (والفرق بين الطلب في الاستفهام وبين الطلب في الأمر والنهي والنداء واضح، فإنَّك في الاستفهام تطلب ما هو في الخارج ليحصل في ذهنك نقش له مطابق، وفيما سواه تنقش في ذهنك ثمّ تطلب أن يحصل له في الخارج مطابق فنقش الذهن في الأوَّل تابع، وفي الثاني متبوع)(104).
الاستفهام وموقعه في الجملة:
لقد ذهب النحاة إلى أنَّ الاستفهام له الصدارة في الكلام ولا يجوز

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(101) المصدر السابق.
(102) ينظر: أساليب الاستفهام في الشعر الجاهلي: 10.
(103) أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 308؛ وينظر: البرهان في علوم القرآن 2: 327؛ والإتقان في علوم القران 2: 79.
(104) مفتاح العلوم: 415 و416؛ وينظر: الطراز 3: 387.

(٤١)

تقدّم شيء ممَّا في حيّزه عليه، لا تقول: (ضربتَ أزيداً؟) وما أشبه ذلك(105)، وإنَّما وجب أن تكون لأدوات الاستفهام الصدارة في الكلام، لأجل أن تفيد فيه معنى الاستفهام، شأنها في ذلك شأن أدوات المعاني الأُخر، لأنَّها إذا تقدَّم عليها شيء من الجملة فقدت الدلالة على معنى الاستفهام(106).
وعلَّل بعض العلماء ذلك أنَّه وجب تصدير الاستفهام لأنَّك إذا أخَّرته يتناقض الكلام: (وإنَّما لزم تصديره لأنَّك لو أخَّرته تناقض كلامك، فلو قلتَ: جلس زيدٌ أين؟ وخرج محمّدٌ متى؟ جعلتَ أوَّل كلامك جملةً خبريةً، ثمّ نقضت الخبر بالاستفهام، فلذلك وجب أن تُقدِّم الاستفهام، فتقول: أين جلس زيدٌ؟ ومتى خرج محمّدٌ؟ لأنَّ مرادكَ أن تستفهم عن مكان جلوس زيد، ومكان خروج محمّد، فزال بتقديم الاستفهام التناقض)(107)، لذا هو في حقيقته جملة خبرية حوّلت بأداة طلبية إلى جملة استخبارية فوجب أن تكون مقدّمة عليها لتفيد ذلك المعنى فيها(108).
وأيضاً إنَّما تصدَّرت أدوات الاستفهام لأنَّها أخرجت الكلام عن الخبرية وأثَّرت في معنى الجملة، يقول رضي الدين الأسترآبادي (ت 686هـ): (وإنَّما وجب تصدّر متضمّن معنى الإنشاء، لأنَّه مؤثِّر في الكلام، مخرج له عن الخبرية، وكلّ ما أثَّر في معنى الجملة من الاستفهام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(105) ينظر: المقتصد في شرح الإيضاح 1: 334 و335.
(106) ينظر: أساليب الطلب عند النحويين والبلاغين: 311.
(107) أمالي ابن الشجري 1: 402؛ وينظر: شرح الرضي على الكافية 4: 446.
(108) ينظر: شرح المفصَّل 8: 76؛ وتوجيه اللمع: 588.

(٤٢)

والعرض والتمنّي والتشبيه ونحو ذلك فحقّها صدر تلك الجملة، خوفاً من أن يحمل السامع تلك الجملة على معناها قبل التغيير)(109)، فتقديم أدوات الاستفهام ووضعها في صدر الكلام هو الذي يعين على إفادة معنى الاستفهام فيها.
ويقول الدكتور قيس الأوسي: (ولا شكَّ أنَّ تفسير النحاة للزوم أدوات الاستفهام صدر الكلام بالمحافظة على تأدية معنى الاستفهام فيه كان قائماً على أساس من الملاحظة الدقيقة والواعية لتعدّد المعنى الوظيفي للأدوات في الكلام)(110).
وهذا ما يراه الباحث من أنَّ الأدوات في اللغة العربية تؤدّي وظائف متعدّدة، ولذا لا بدَّ من استعمال الأداة في الموضع المطلوب حتَّى يحصل غرض المتكلِّم، وأدوات الاستفهام لا بدَّ أن تتصدَّر حتَّى تؤدّي وظيفتها وهي الاستفهام عن الشيء بداية الكلام.
وأمَّا التقديم عند البلاغيين فقد ذهب السكّاكي إلى أنَّ الاستفهام طلب والطلب ممَّا يهمُّ السامع ويعنيه، ولأنَّ أدواته تأتي لإفادة المعاني في الأسماء والأفعال فلا تأتي بعد انقضاء ذكرها(111).
المستفهَم عنه:
هو المسؤول عنه بإحدى أدوات الاستفهام، ويقع بعدها، سواء أكان فعلاً أم اسما(112)، وهو لا يتعدّى أحد أمرين:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(109) شرح الرضي على الكافية 4: 336.
(110) أساليب الطلب عند النحويين والبلاغين: 312.
(111) ينظر: مفتاح العلوم: 427.
(112) ينظر: الكتاب 3: 180؛ والمطوَّل: 405 و406.

(٤٣)

الأوَّل: الاستفهام عن النسبة:
ويكون بالاستفهام عن نسبة المسند إلى المسند إليه، أو عن مضمون الجملة، فإذا استفهمتَ المخاطَب بقولك: (هل جاء زيدٌ؟)، دللت بذلك على أنَّك تشكُّ في مضمون الجملة، فأنت لا تستفهم عن (المجيء) وحده، ولا عن (زيد) وحده، وإنَّما تستفهم عن صحَّة مضمون الجملة، أو عن صحَّة نسبة المسند إلى المسند إليه(113).
وجاء في الكتاب: (تقول: ألقيتَ زيداً أو عمراً أو خالداً؟ وأعندك زيدٌ أو خالدٌ أو عمرٌو؟ كأنَّك قلتَ: أعندك أَحَدٌ من هؤلاء؟ وذلك أنَّك لم تدَّع أنَّ أحداً منهم ثَمَّ. ألَا ترى أنَّه إذا أجابك قال: لا، كما يقول إذا قلتَ: أعندك أحدٌ من هؤلاء؟ واعلم أنَّك إذا أردتَ هذا المعنى فتأخير الاسم أحسن، لأنَّك إنَّما تسأل عن الفعل بمن وقع)(114)، لذا هو طلب معرفة وقوع النسبة أو لا وقوعها(115)، فالذهن متردّد بين ثبوتها وانتفائها(116)، ويكون هذا القسم بالهمزة، و(هَلْ) من أدوات الاستفهام دون غيرهما(117)، ويسمّى بالاستفهام التصديقي(118).
الثاني: الاستفهام عن المفرد:
وهو الاستفهام عن تعيين أحد الطرفين لتردّده فيهما، فالسائل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(113) ينظر: أساليب الطلب عند النحويين والبلاغين: 316.
(114) الكتاب 3: 179.
(115) ينظر: المطوَّل: 405.
(116) ينظر: عروس الأفراح 1: 424.
(117) ينظر: معاني الحروف: 115؛ والجنى الداني: 341؛ ومغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1: 21؛ ومعاني النحو 4: 199.
(118) ينظر: مفتاح العلوم: 418؛ والمطوَّل: 404.

(٤٤)

يعلم بوقوع النسبة بين المسند والمسند إليه، وما يدلُّ على ذلك أنَّ الجواب لا يكون بالإثبات أو النفي، بل بتعيين المسؤول عنه، جاء في الكتاب: (وذلك قولك: أزيدٌ عندكَ أم عمرٌو؟ وأزيداً لقيتَ أم بشراً؟ فأنت الآن مدَّعٍ أنَّ عنده أحدَهما، لأنَّك إذا قلت: أيّهما عندكَ؟ وأيّهما لقيتَ؟ فأنت مُدَّعٍ أنَّ المسؤول قد لَقِيَ أحدَهما أو أنَّ عنده أحدَهما، إلَّا أنَّ عِلْمَك قد استوى فيما لا تدري أيُّهما هو)(119).
وفي هذا المعنى يكون تقديم الاسم على الفعل أحسن، قال سيبويه (ت 180هـ): (واعلم أنَّك إذا أردتَ هذا المعنى فتقديمُ الاسم أحسن، لأنَّك لا تسأله عن اللَّقى وإنَّما تسأله عن أحد الاسمين لا تدري أيُّهما هو، فبدأت بالاسم لأنَّك تقصد قَصْدَ أن يبيِّن لك أيّ الاسمين في هذا الحال، وجعلت الاسم الآخر عديلاً للأوَّل، فصار الذي تسأل عنه بينهما)(120)، ويسمّى الاستفهام التصوّري.
ومن خلال ما تقدَّم يتَّضح الفرق بين الاستفهام عن النسبة والاستفهام عن المفرد، ففي الأوَّل يكون الاستفهام عن نسبة الثبوت بين المسند والمسند إليه أو عدم ثبوتها، بينما الاستفهام عن المفرد نكون قد علمنا ثبوت النسبة ووقوعها بين الطرفين لكن يطلب تعيّن أحد الطرفين بعينه.
واتَّضح أيضاً ممَّا تقدَّم أنَّ الاستفهام يقسَّم إلى تصوّري وتصديقي، وهو التقسيم الذي اعتمده النحاة المتأخّرون تبعاً للبلاغيين.
فالاستفهام التصوّري: هو إدراك المفرد، أي ما يجاب عنه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(119) الكتاب 3: 169؛ وينظر: المقتضب 3: 286؛ وعروس الأفراح 1: 424.
(120) الكتاب 3: 169 و170؛ وينظر: الصاحبي في فقه اللغة: 127.

(٤٥)

بالتعيين، نحو: أعلي مسافر أم سعيد؟ تعتقد أنَّ السفر حصل من أحدهما ولكن تطلب تعيينه(121).
وأمَّا الاستفهام التصديقي: هو إدراك وقوع نسبة تامّة بين المسند والمسند إليه أو عدم وقوعها، بحيث يكون المتكلِّم خالي الذهن ممَّا استفهم عنه، ويجاب عنه بـ (نعم) أو (لا)، نحو: هل أعددت الطعام؟(122).
وإنَّ أدوات الاستفهام منها ما هو يستعمل للتصوّر والتصديق معاً، وهو همزة الاستفهام، نحو: أزيدٌ قائم أم عمرٌو؟ فيطلب بها التصوّر، ونحو: أزيدٌ قائم؟ فيطلب التصديق، ومنها مختصٌّ بالتصديق فقط، وهو (هَلْ)، نحو: هل قام زيدٌ؟ ومنها ما هو يستعمل للتصوّر فقط، وهي الأدوات الأُخرى(123).
أدوات الاستفهام:
للاستفهام أدوات يؤدّى بها، وهي قائمة مقام (أستفهم)(124)، وهذه الأدوات منها ما هو حرف، وهي: (الهمزة)، و(أَمْ)، و(هَلْ). ومنها ما هو اسم، وهو نوعان: ظروف وغير ظروف، فالأسماء الظروف هي: (أَنَّى)، و(أَيْنَ)، و(أَيَّانَ)، و(كَيْفَ)، و(مَتَى). والأسماء غير الظروف هي: (مَنْ)، و(ما)، و(كَمْ)، و(أَيُّ)(125).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(121) ينظر: معاني النحو 4: 232؛ وجواهر البلاغة: 87 و88.
(122) ينظر: المصدر السابق.
(123) ينظر: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1: 15.
(124) ينظر: الخصائص 1: 276 و278؛ وشرح المفصَّل 8: 28.
(125) ينظر: الكتاب 4: 233؛ وكشف المشكل في النحو 4: 483؛ وشرح الرضي على الكافية 3: 202.

(٤٦)

ويرى النحاة أنَّ أسماء الاستفهام إنَّما بنيت لأنَّها تضمَّنت معنى (همزة الاستفهام)، قال ابن عصفور (ت 669هـ): (والأسماء كُلُّها معربةٌ إلَّا ما أشبه الحرف...، أو تضمَّن معناه، كأسماء الشرط فإنَّها تضمَّنت معنى (إِنْ) ، وأسماء الاستفهام فإنَّها تضمَّنت معنى (الهمزة))(126).
ويرى ابن يعيش (ت 643هـ) أنَّ تضمّن أسماء الاستفهام لمعنى (الهمزة) يوجب البناء فيها، يقول: (وليس (الظرف) متضمّناً معنى (في) فيجب بناؤه لذلك كما وجب بناء نحو (مَنْ) و(كَمْ) في الاستفهام...، ولا يجوز ظهور الهمزة مع (مَنْ) و(كمْ) في الاستفهام، فلا يقال: (أَمَنْ) ولا (أَكَمْ )، وذلك من قِبَل أنَّ (مَنْ) و(كَمْ) لمَّا تضمَّنا معنى الهمزة صارا كالمشتملين عليها، فظهور الهمزة حينئذٍ كالتكرار)(127).
ويستثنى من هذه الأدوات (أَيُّ) فإنَّها معربةٌ، لأنَّ تضمّن الاسم معنى الحرف مجوِّز للبناء لا موجبٌ، وينبغي أن تعلم أنَّ الأسماء إذا حصل بينها وبين الحرف مشابهة لم يجب بناؤها، وإنَّما يجوز ذلك لأنَّه يصحُّ أن لا يُعْتَدُّ بالمشابهة ولا يترك على الأصل، ألَا ترى أنَّ (أَيَّاً) منه معنى الاستفهام وهو معرب مع ذلك، فينبغي أن يفصل بين الجواز والوجوب(128).
الأصل في أدوات الاستفهام:
ذكر النحاة أنَّ (الهمزة) هي أُمُّ باب الاستفهام(129)، ويرى أكثرهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(126) المقرَّب: 316؛ وينظر: الأشباه والنظائر 1: 308، و4: 71 و72.
(127) شرح المفصَّل 2: 41؛ وينظر: الأشباه والنظائر 1: 134.
(128) ينظر: المقتصد في شرح الإيضاح 1: 131؛ وينظر: توجيه اللمع: 585؛ وأساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 312 - 322.
(129) ينظر: الكتاب 2: 182؛ وشرح المفصَّل 8: 76.

(٤٧)

أنَّها وحدها الأداة الأصلية في الاستفهام(130)، وقد تضمَّنت معناها أدوات الاستفهام الأُخر، وإنَّما تركوها معها حيث أمنوا الالتباس(131)، ولعراقة الهمزة في الاستفهام فلا يجمع بين استفهاميين(132)، لذا هي أصلها ولأصالتها خُصَّت بأحكامِ: تمام التصدير على حروف العطف: (الفاء) و(الواو) و(ثُمَّ) تنبيهاً وتحقيقاً لأصالتها بوقوعها صدر الجملة(133)، ومنها دخولها على الإثبات والنفي(134)، ومنها عدم مجيئها بعد (أَمْ)، ويجوز ذلك في سائر أدوات الاستفهام(135)، ومنها جواز ذكر المفرد بعدها اعتماداً على كلام يتمّ به ذلك المفرد، نحو قولك مستفهماً: أزيدٌ؟ جواباً لمن قال لك: جاءني زيدٌ(136)، ولا تشارك (الهمزة) في الأصالة عندهم سوى (أَمْ)، ولذلك امتنع في (أَمْ) أن تدخل على الهمزة، وجاز دخولها على أدوات الاستفهام الأُخرى، يقول سيبويه في (باب تبيان (أَمْ) لمَ دخلت على حروف الاستفهام ولم تدخل على الألف؟): (تقول: أَمْ مَنْ تقول؟، وأَمْ هل تقول؟ ولا تقول: أَمْ أتقول؟، وذاك لأنَّ (أَمْ) بمنزلة (الألف))(137).
ويذهب الدكتور قيس الأوسي إلى أنَّ الأداة (هَلْ) أيضاً هي الأُخرى موضوعة أصلاً للاستفهام إذ جاء: (والصحيح أنَّ (هَلْ) أداة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(130) ينظر: أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 319.
(131) ينظر: الكتاب 2: 128.
(132) ينظر: شرح الرضي على الكافية 4: 484.
(133) ينظر: الجنى الداني في حرف المعاني: 31.
(134) ينظر: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1: 21.
(135) ينظر: شرح الرضي على الكافية 4: 484.
(136) ينظر: شرح الرضي على الكافية 4: 450.
(137) الكتاب 3: 189.

(٤٨)

موضوعة هي الأُخرى أصلاً للاستفهام، فهي تشارك الهمزة أصالتها في الاستفهام، وذلك على الرغم من أنَّها قد منعت بعض ما يجوز في (الهمزة)، وأوضح دليل على ذلك أنَّها لا تستعمل إلَّا في الاستفهام)(138).
 ويرى الباحث أنَّ ما ذكره الدكتور الأوسي له وجه، لأنَّ الأداة (هَلْ) هي تشارك (الهمزة) بالحرفية كما كانت (أَمْ)، وكذلك لا تدخل عليها الهمزة، واستعملت في الاستفهام خاصّة، وأمَّا الأدوات الأُخر والتي يسمّونها (أسماء الاستفهام) فالصحيح فيها أنَّها ليست أدوات أصلية للاستفهام، فالاستفهام عارض فيها(139)، (والاستفهام عارض في الأسماء، لأنَّ الاستفهام وما أشبَهَهُ للحروف في الأصل)(140).
وعند دراستنا للاستفهام في التوقيعات المهدوية وجدنا أنَّه جاء بأُسلوبين:
الأُسلوب الأوَّل: الاستفهام بالأحرف:
ويشمل:
أوَّلاً: الاستفهام بالهمزة.
ثانياً: الاستفهام بالأداة (هَلْ).
ثالثاً: الاستفهام بالأداة (أَمْ).
الأُسلوب الثاني: الاستفهام بالأسماء:
ويشمل:
أوَّلاً: الاستفهام بالأداة (مَنْ).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(138) أساليب الطلب عند النحويين والبلاغين: 321.
(139) ينظر: أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 324 .
(140) المقتصد في شرح الإيضاح 1: 335.

(٤٩)

ثانياً: الاستفهام بالأداة (ما).
ثالثاً: الاستفهام بالأداة (كيف).
رابعاً: الاستفهام بالأداة (أين).
خامساً: الاستفهام بالأداة (أيّ).
سادساً: الاستفهام بالأداة (متى).
أمَّا الاستفهام بالأدوات الأُخرى فلم يرد منها في التوقيعات المهدوية.
الأسلوب الأوّل: الاستفهام بالأحرف:
ويشمل:
أوَّلاً: الاستفهام بالهمزة:
إنَّ الهمزة دخلت على تراكيب متعدّدة في التوقيعات المهدوية، وهي كما يلي:
1 - الاستفهام بالهمزة الداخلة على الجملة الاسمية:
إنَّ الأصل في أحرف الاستفهام أن لا يليها إلَّا الفعل، (إلَّا أنَّهم قد توسَّعوا فيها فابتدؤوا بعدها الأسماء، والأصل غير ذلك)(141)، لذا هي تدخل على الجملة الاسمية(142)، ويرى الباحث أنَّ العدول عن الجملة الفعلية هو لنكات بلاغية سوف نذكرها لاحقاً، وقد وردت الجملة الاسمية المستفهم عنها في موضعين، وقد دخلت الهمزة فيها على الجملة الاسمية المثبتة.
أحدهما: ما ورد عنه (عليه السلام) اعتراضاً على عمّه جعفر عندما منع من دفن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(141) الكتاب 1: 98 و99؛ وينظر: المقتضب 2: 74 و75.
(142) ينظر: شرح المفصَّل 8: 76؛ وشرح الرضي على الكافية 4: 446.

(٥٠)

جدّة الإمام في دار الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): (يا جعفرُ، أدارك هي؟)(143). جاء الاستفهام عن الجملة الاسمية: (دارك هي)، وقد سبق بالنداء، وذلك لأهمّية الأمر المستفهم عنه، وهو ثبوت الدار وشرعية الإرث للإمام (عليه السلام) من والده الحسن العسكري (عليه السلام)، وقدَّم كلمة (الدار) التي هي نكرة مضافة إلى الضمير لأنَّ النزاع وقع عليها، وقد خرج الاستفهام من معناه الحقيقي وهو طلب الفهم إلى التنبيه على الباطل(144)، والتعجّب والمبالغة في الإنكار، فإنَّ الإمام (عليه السلام) يريد تنبيه عمّه على بطلان مدَّعاه في أحقّيته بالدار.
وهذا ورد في القرآن الكريم كقوله تعالى: (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الزخرف: 40)، وقد ذكر هذا المعنى كثير من النحاة منهم ابن هشام (ت 761هـ) قال: (قد تخرج الهمزة عن الاستفهام الحقيقي فتردُ ل ... الإنكار الإبطالي، وهذه تقتضي أنَّ ما بعدها غير واقع وأنَّ مدَّعيه كاذب)(145).
ثانيهما: ما جاء عنه (عليه السلام) عندما أرسل إليه أحد الأصحاب كتاباً من عمّه جعفر كان قد أرسله إليه يخبره فيه أنَّه القيّم بعد أخيه، وأنَّ عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه، فخرج الجواب: (وقد ادَّعى هذا المبطل المفتري على الله الكذب بما ادَّعاه، فلا أدري بأيّة حالة هي له رجاء أن يتمّ دعواه، أبفقهٍ في دين الله؟)(146).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(143) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 248. وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 242/ باب 43/ ح 15؛ ومنتخب الأثر: 360/ فصل 4/ باب 1/ ح 6.
(144) ينظر: جواهر البلاغية: 95.
(145) مغني اللبيب 1: 24.
(146) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 246؛ وينظر: الغيبة للطوسي: 287 - 290/ ح 246؛ والاحتجاج 2: 540.

(٥١)

جاء الاستفهام بالهمزة الداخلة على الجملة الاسمية، وقد دخلت الهمزة على الجار والمجرور الذي هو خبر مقدَّم، والمبتدأ محذوف يعود على الكلام المتقدّم وتقديره (هي له)، أي أبفقهٍ في دين الله هي له؟، والاستفهام هنا خرج عن معناه الحقيقي واستعمل في معنى آخر، والذي يفهم من سياقه هو إفادة الاستهزاء والسخرية، وهو الذي يقتضي أنَّ المخاطب فعل فعلاً يستلزم توبيخه عليه وتقريعه(147)، كما ورد بقوله تعالى: (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) (الصافّات: 95)، وقد يفهم من السياق النفي الذي يشوبه الإنكار والتعجّب كقوله تعالى: (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) (ق: 15)، أي نحن لم نع به، والدليل على خروجه عن معنى الاستفهام لأنَّ الإمام (عليه السلام) أخبر بعد الاستفهام أنَّ جعفر لا يفقه شيئاً ولا يعرف الحلال من الحرام(148).
2 - الاستفهام بالهمزة الداخلة على الجملة المنسوخة:
إنَّ الجملة المنسوخة هي الجملة الاسمية التي دخل عليها أحد النواسخ، والنواسخ في اللغة العربية: إمَّا (كان وأخواتها)، أو (أنَّ وأخواتها)، أو (ظنَّ وأخواتها)، والذي ورد منها في التوقيعات المهدوية من الأفعال الناسخة (ظنَّ وأخواتها)، وقد وردت همزة الاستفهام الداخلة على الجملة المنسوخة في سبعة مواضع، بعضها الاستفهام بالهمزة مع الجملة المنسوخة المثبتة، وبعضها مع الجملة المنسوخة المنفية.
أ) الاستفهام بالهمزة مع الجملة المنسوخة المثبتة:
وقد وردت في أربعة مواضع:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(147) معاني النحو 4: 234.
(148) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 246.

(٥٢)

منها: ما ورد عنه (عليه السلام) في جوابه لأحد المؤمنين ومستشهداً بآية قرآنية وهي: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (الأحقاف: 4)(149).
جاء الاستفهام بالآية التي استشهد بها الإمام بالهمزة التي دخلت على الفعل الناسخ (رأيت) بمعنى (أخبرني)، ومذهب سيبويه في (رأيت) بمعنى أخبرني هو أنَّه منقول من (رأى) بمعنى (عَلِمَ)، لذا تعدّى إلى مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر، وثاني المفعولين جملة استفهامية في موضع المفعول الثاني، (لأنَّ دخول هذا المعنى فيه لم يجعله بمنزلة أخبرني في الاستغناء، فعلى هذا أُجريَ وصار الاستفهامُ في موضع المفعول الثاني)(150)، وإنَّ المفعول في جملة الاستفهام (أريتم) هو الاسم الموصول (ما). وهنا خرج الاستفهام عن معناه الحقيقي إلى معنى آخر يفهم من السياق، وهو التقريع للكفّار وإثبات بطلان ما يدعون من دون الله.
ومنها: ما جاء عنه (عليه السلام) يعرِّف نفسه لرجل من همدان: (أتدري من أنا؟ أنا القائم من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، أنا الذي أخرج في آخر الزمان)(151).
جاء الاستفهام بالهمزة الداخلة على الفعل المضارع (تدري)، وهو من أفعال القلوب التي تأخذ مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر، جاء في شرح

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(149) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 246؛ وينظر: الغيبة للطوسي: 287/ ح 246؛ والاحتجاج 2: 540.
(150) الكتاب 1: 239 و240.
(151) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 308؛ وينظر: كمال الدين 2: 453/ باب 43/ ح 20؛ والخرائج والجرائح 2: 788/ باب 15.

(٥٣)

الألفية لابن الناظم: (من الأفعال أفعال واقعة معانيها على مضمون الجمل فتدخل على المبتدأ والخبر بعد أخذها الفاعل فتنصبهما مفعولين)(152)، وأفعال القلوب قيل لها ذلك لأنَّ معانيها قائمة بالقلب(153)، وجاء الفعل القلبي (تدري) بمعنى (تعلم) لأنَّه يستعمل (درى) بمعنى (عَلِمَ) كما في قوله تعالى: (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) (الأحقاف: 9)(154)، والدراية بعد الجهل وفي الغالب تكون بإخبار(155).
وقد خرج الاستفهام عن معناه الحقيقي إلى معنى آخر يفهم من السياق، وهنا أفاد الإفهام والإخبار بأنَّه (عليه السلام) هو القائم والمهدي من آل محمّد الذي كثرت الرواية عن الرسول والأئمّة (عليهم السلام) عنه، وهو الذي يخرج آخر الزمان لكي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا(156)، قد ورد موردان آخران بالأُسلوب نفسه وهو الهمزة الداخلة على الفعل القلبي(157).
ب) الاستفهام بالهمزة مع الجملة المنسوخة المنفية:
وقد وردت الهمزة الداخلة على الجملة المنسوخة المنفية في ثلاثة مواضع، وجميعها كانت الهمزة داخلة على الأفعال القلبية الداخلة على المبتدأ والخبر، والتي تفيد اليقين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(152) شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك: 78؛ وينظر: معاني النحو 3: 5.
(153) ينظر: أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك 1: 77.
(154) ينظر: شرح الرضي على الكافية 1: 335.
(155) ينظر: معاني النحو 2: 10.
(156) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي 1: 111؛ وشرح إحقاق الحقّ 29: 499.
(157) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي 6: 318.
(158) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 119؛ وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 510/ باب 45/ ح 42؛ وبحار الأنوار 53: باب 31/ ح 19.

(٥٤)

فمنها: ما ورد عنه (عليه السلام) في إدانة بعض العقائد الفاسدة: (أوَلم يعلموا انتظام أئمّتهم بعد نبيّهم (صلّى الله عليه وآله وسلم) واحداً بعد واحد...)(158).
جاء الاستفهام بالهمزة الداخلة على الفعل القلبي الذي يفيد اليقين، وهو من أخوات (ظنَّ) الذي يأخذ مفعولين أصلها مبتدأ وخبر، وجاءت الهمزة قبل العاطف، وهذا من خواصّ الهمزة(159)، ودخلت همزة الاستفهام على النفي وهو (لم)، وإذا دخلت الهمزة على النفي أفادت التقرير(160)، وقال النحاة: إنَّ معنى التقرير هو: (حمل المخاطب على أن يقرّ بأمر يعرفه)(161)، أو هو (حملك المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقرَّ عنده ثبوته أو نفيه)(162)، وهذا قد ورد في القرآن كثيراً نحو قوله تعالى: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) (الضحى: 6)، وقوله تعالى: (أَلَمْ نَشرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (الشرح: 1).
والنافي (لم) إذا دخل على الفعل المضارع قلب زمنه إلى الماضي، لأنَّه أداة نفي وجزم وقلب، وهنا أفاد النفي العلم بانتظام الأئمّة (عليهم السلام) بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) منذ الزمن السابق واستقراره عندهم واحداً بعد واحد، وكذلك الاستفهام الذي يفيد التقرير هو في واقعه إخبار وليس باستفهامٍ، لأنَّ الإمام يريد أن يخبرهم بهذا الشيء ولم يكن مستفهما، ومثله قوله تعالى: (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوى لِلْكافِرِينَ) (العنكبوت: 68)(163).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(159) ينظر: معاني النحو 4: 243.
(160) ينظر: الخصائص 3: 274؛ وشرح الرضي على الكافية 4: 447.
(161) شرح الرضي على الكافية 4: 447.
(162) مغني اللبيب 1: 26.
(163) ينظر: أساليب الطلب عند النحويين والبلاغين: 425.

(٥٥)

والتقرير قد يأتي معه معنى التوبيخ، وهذا ما أفاده النصّ، فمن خلال السياق يفهم أنَّه (عليه السلام) يريد أن يقرّ عندهم هذه العقيدة وهي الأئمّة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأيضاً فيه توبيخ لهم لابتعادهم عن هذه العقيدة واتّباع العقائد والملوك باسم خلفاء الرسول.
والتوبيخ مع التقرير أشار إليه في الكتاب: (أنَّك تقول للرجل: أطرباً؟ وأنت تعلم أنَّه قد طَرِبَ، لتوبخّه وتقرّره)(164)، والموردان الآخران جاء مع الفعل القلبي لكن أداة النفي (ما)(165).
3 - الهمزة الداخلة على الجملة الفعلية:
وردت الهمزة مقترنة بالجملة الفعلية في أحد عشر موضعاً في التوقيعات المهدوية، والجملة الفعلية على قسمين:
القسم الأوَّل: الجملة الفعلية المثبتة.
القسم الثاني: الجملة الفعلية المنفية.
القسم الأوَّل: الهمزة الداخلة على الجملة الفعلية المثبتة:
وقد وردت في التوقيعات المهدوية في موضع واحد، وهو ما جاء في إدانة بعض العقائد الفاسدة، حيث ورد عنه (عليه السلام): (فارقوا دينهم أم ارتابوا؟ أم عاندوا الحقّ؟ أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة والأخبار الصحيحة؟)(166).
جاء الاستفهام بالهمزة المحذوفة الداخلة على الفعل الماضي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(164) الكتاب 3: 176؛ وينظر: أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 428.
(165) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 250.
(166) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 119؛ وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 510/ باب 45/ ح 42؛ ومعادن الحكمة 2: 297.

(٥٦)

(فارقوا)، ومن الظواهر التي تطرأ على أُسلوب الاستفهام ظاهرة الحذف، وذلك لأنَّ الاستفهام أُسلوب خطاب يقوم على الاختصار، ولهذا كان الحذف تخفيفاً من خصائصها، فلا يقدر عند الحذف سواها(167)، وإنَّ حذف أداة الاستفهام إنَّما يجوز إذا كان في الكلام ما يدلُّ عليها، والذي يدلُّ عليها في النصّ هو وجود (أَمْ) المعادلة لها، ولذا يشترط أكثر البصريين لجواز حذفها أن يكون في الكلام ما يدلُّ عليها، ولاسيّما وجود (أَمْ) المعادلة لها(168).
وجاء الفعل الماضي بالزمن الماضي المطلق الذي مضى قبل زمن التكلّم قريباً كان أو بعيدا، لأنَّ هذا الفعل يصلح لجميع الأزمنة فإنَّهم فارقوا وتركوا الدين مطلقاً، أو لعلَّه للارتياب وهو حصول الشبهة والشكّ عند الإنسان، أو عنادٌ للحقّ، أو جهلٌ بالروايات والأخبار الصادقة الصحيحة بأنَّ الأئمّة بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) هم الاثنا عشر (عليهم السلام).
وقد خرج الاستفهام عن معناه الحقيقي إلى معنى آخر يفهم من السياق وهو التوبيخ والذمّ وتجهيل بمكان المنفعة، والتوبيخ هنا هو إنكاري الذي يقتضي أنَّ المخاطب فعل فعلاً يستلزم توبيخه عليه وتقريعه، نحو قوله تعالى: (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) (الصافّات: 95)(169).
القسم الثاني: الهمزة الداخلة على الجملة الفعلية المنفية:
جاءت الهمزة الداخلة على الجملة الفعلية المنفية في التوقيعات المهدوية في عشرة مواضع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(167) ينظر: مغني اللبيب 1: 19؛ وهمع الهوامع 2: 482.
(168) ينظر: شرح المفصَّل 8: 154 و155؛ ونحو المعاني: 78؛ وتركيب الجملة الإنشائية: 504.
(169) ينظر: معاني النحو 4: 234.

(٥٧)

منها: ما ورد عنه (عليه السلام) في جوابه لجماعة من الشيعة تشاجروا مع رجل في مسألة أنَّ أبا محمّد (الحسن العسكري) (عليه السلام) مضى ولا خلف له، فجاء: (يا هؤلاء، ما لكم في الريب تتردَّدون، وفي الحيرة تنعكسون؟ أوَما سَمعِتمُ الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (النساء: 59)؟)(170).
دخلت همزة الاستفهام على الفعل الماضي المنفي (سمعتم)، وهنا جاء بزمن (الماضي المطلق وهو الزمن الذي مضى قبل زمن التكلّم قريباً كان أو بعيداً)(171)، أي إنَّ هذا الفعل يصلح لجميع الأزمنة، فإذا قلتَ: جاء زيدٌ، احتمل أن يكون المجيء قريباً أو بعيدا، فجاء الفعل (سمعتم) بهذا الزمن وهو سماع قول الله تعالى بإطاعة الله والرسول وأُولي الأمر، وجاءت الهمزة قبل حرف العطف (الواو)، وهذا من مختصّاتها، وتنبيهاً على أصالتها في الاستفهام، قال الدكتور قيس الأوسي: (ذهب النحاة إلى أنَّ همزة الاستفهام إذا كانت في جملة معطوفة بـ (الفاء)، أو (الواو)، أو (ثُمَّ) فإنَّها تتقدَّم على العاطف تنبيهاً على أصالتها في التصدير، مثال ذلك: (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً) (البقرة: 100))(172)، وجاء بعد الهمزة حرف النفي (ما) والفعل منفي بها.
ومن خصائص الهمزة أنَّها تدخل على الفعل المثبت والمنفي، فمثال النفي في قوله تعالى: (أَلَمْ نَشرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (الشرح: 1)(173)، وإذا دخلت الهمزة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(170) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 249 و250؛ وينظر: الغيبة للطوسي: 285/ ح 245؛ والاحتجاج 2: 536.
(171) معاني النحو 3: 308.
(172) أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 343؛ وينظر: معاني النحو 4: 243.
(173) ينظر: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1: 16.

(٥٨)

على الفعل المنفي خرج الاستفهام عن معناه الحقيقي إلى معنى التقرير والإثبات، لأنَّ الاستفهام إذا دخل على النفي أفاد تحقيقاً وثبوت أصل الحكم(174).
وفي النصّ تقدَّم النداء على هؤلاء الجماعة المشكِّكة حتَّى ينتبهوا للخطاب ويكونوا أكثر تأثّراً بالكلام. ثمّ إنَّ الإمام خاطبهم ووبَّخهم بأُسلوب الاستفهام: كيف يتردَّدون في الريب والحيرة؟ ثمّ استفهم عليهم بالنفي، وأكَّد لهم حقيقة قرآنية، وهي وجوب إطاعة الله والرسول وأُولي الأمر وهم الأئمّة (عليهم السلام).
ومنها: ما جاء عنه (عليه السلام) عندما دفع شخص إلى رجل مالاً لكي يحجّ عن صاحب الزمان (عليه السلام)، فدفع شيئاً من المال إلى ولده الذي كان يشرب الخمر ومعروف بالفسق، فورد: (يا شيخ أَمَا تستحي؟ يُدفَع إليك حجّة عمَّن تعلم فتدفع منها إلى فاسقٍ يشربُ الخَمْرَ)(175).
جاء الاستفهام مسبوقاً بأُسلوب النداء تنبيهاً على أهمّية الاستفهام الداخل على الفعل المنفي الذي أفاد الإنكار والتوبيخ لفعل هذا الرجل الذي قام به، إذ خرج الاستفهام عن معناه الحقيقي لأنَّ الإمام يعلم بما قام به الرجل من دفع المال إلى فاسق شارب الخمر.
وإنَّ معنى الأداة (أَمَا) موضع خلاف بين النحاة، إذ قال عنها الخليل (ت 175هـ) في العين: (أَمَا: استفهام جحد، تقول: أَمَا تستحي من الله؟ أَمَا عندك زيدٌ؟)(176).
ونقل له سيبويه في الكتاب: (أَمَا أنَّك ذاهبٌ؟ بمنزلة: حقَّاً أنَّك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(174) ينظر: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1: 96.
(175) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 276؛ وينظر: الخرائج والجرائح 1: 480/ باب 13/ ح 21؛ ووسائل الشيعة 8: 147/ باب 34/ ح 2.
(176) العين 1: 101/ مادّة (أ م ا).
 

(٥٩)

ذاهبٌ)(177)، وهي عنده بهذا بمنزلة حقَّاً أو أحقَّا، وتابعه على المعنى الثاني ابن فارس(178).
أمَّا ابن الشجري (ت 542هـ) فيرى أنَّها مركَّبة من (ما) المزيدة للتوكيد مع همزة الاستفهام، ومعناها على وجهين: أحدهما تابع فيه الخليل، والآخر كونها حرف تنبيه(179).
وزاد الزمخشري (ت 538هـ) لها معنى آخر - بعد أن وافق ابن الشجري في المعنى الثاني -، وهو الاستفهام الذي يفيد معنى التقرير(180)، لأنَّ الاستفهام إذا دخل على النفي أفاد تحقيقاً وثبوت أصل الحكم(181).
وجاءت (أَمَا) في النصّ مركَّبة من همزة الاستفهام و(ما) النافية والتي أفادت التقرير، أي: حمل المخاطب على أن يُقِرَّ بأمر يعرفه وفعله، وأيضاً أفادت التوبيخ لما فعله من أمر لا يرضى عنه الشارع المقدَّس، وهو دفع المال إلى شارب الخمر.
وإنَّ من خصائص (ما) النافية أنَّها تدخل على الجملة الاسمية والفعلية، وإذا دخلت على الفعلية التي فعلها مضارع خلَّصته للحال في الغالب، وهذا كلّه يعرف من السياق وقرائن الأحوال.
ومنها: ما ورد عنه لشخص يخبره عن العطاس، فجاء: (ألَا أُبشِّرك في العطاس؟... هو أمانٌ من الموت لثلاثة أيّامِ)(182).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(177) الكتاب 3: 193.
(178) ينظر: الصاحبي في فقه اللغة: 181.
(179) ينظر: أمالي ابن الشجري 2: 296 و297.
(180) ينظر: المفصَّل في علم العربية: 312 و313.
(181) ينظر: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1: 96؛ وشرح الرضي على الكافية 1: 447 و448.
(182) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 160؛ وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 430/ باب 42/ ح 5؛ والهداية الكبرى: 86 و87.

(٦٠)

دخلت همزة الاستفهام على الفعل المضارع (أُبشرك)، وقد جاء بين الهمزة والفعل الحرف (لا) النافية، وذكر النحاة عدة معان للأداة (ألَا) وهي: الاستفتاح، والتنبيه، والعرض، والتحضيض، والتوبيخ، والتمنّي، والاستفهام عن النفي، والتقرير، وحرف جواب ك (بلى)(183)، وتتعيَّن هذه المعاني من خلال القرائن السياقية والحالية.
وتكون (ألَا) في الاستفهام عن النفي مركَّبة من كلمتين: إحداهما همزة الاستفهام، والأُخرى (لا) النافية، وهذا ممَّا لا خلاف فيه(184)، واختلف في (ألَا) التي بمعنى العرض والتحضيض والتنبيه والاستفتاح، فقيل: هي مركَّبة من همزه الاستفهام و(لا) النافية، وقيل: بسيطة(185).
والذي يذهب إليه الدرس الحديث أنَّ (ألَا) مركَّبة من همزة الاستفهام و(لا) النافية، لأنَّ قولنا: (ألَا تفعل؟) أي في دخول (لا) النافية على المضارع بعد همزة الاستفهام عرض للقيام بالفعل، ومثله: (ألَا تذهب معي؟)(186). وهذا ما يراه الباحث حيث إنَّ (ألَا) مركَّبة من همزة الاستفهام و(لا) النافية التي دخلت على الفعل بالأمثلة والعرض والتحضيض يستفاد من السياق والمعنى العامّ للكلام، فقد يكون المعنى العرض، نحو قوله تعالى: (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) (النور: 22)، وقد تكون للتحضيض، نحو قوله تعالى: (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) (التوبة: 13)(187).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(183) ينظر: حاشية الدسوقي 1: 184 - 188.
(184) ينظر: الجنى الداني: 383.
(185) ينظر: الجنى الداني: 381 - 383.
(186) ينظر: معاني النحو 4: 209؛ والأساليب الإنشائية في النحو العربي: 60.
(187) ينظر: الكشّاف 3: 431؛ وأساليب الطلب عند النحويين والبلاغين: 545.

(٦١)

وإنَّ الاستفهام في النصّ قد خرج عن الاستفهام الحقيقي إلى التحضيض والإخبار بما في العطاس وهو أمان من الموت لثلاثة أيّام. (إنَّ (لا) النافية ينفى بها المستقبل، فإذا دخلت عليها الألف صار تخصيصاً على فعل ما يستقبل)(188).
حذف همزة الاستفهام:
من الظواهر البارزة في اللغة العربية ظاهرة الحذف والاختصار في الكلام، كما هو الحال في حذف المبتدأ أو الخبر، أو حذف الفاعل من الفعل، أو غيرها كثير، وظاهرة الحذف طرأت على أُسلوب الاستفهام، وذلك لأنَّ الاستفهام أُسلوب خطاب يقوم على الاختصار، فلذا ذهب النحاة إلى أنَّ الهمزة أصل أدوات الاستفهام، فكان الحذف تخفيفاً من خصائصها، فلا يقدر عند الحذف سواها(189)، وأنَّ حذف أداة الاستفهام مرهون بما يدلُّ عليها، ولا تحذف العرب شيئاً إلَّا وفيما أبقوا دليلاً على ما ألقوا(190)، وبعض النحاة اشترط في حذف همزة الاستفهام في الاختيار أمن اللبس، وأنَّه يجوز حذف الهمزة سواء وجد ما يدلُّ عليها ك (أَمْ) المعادلة أم لم يوجد(191)، وقد ارتضى هذا القول الدكتور قيس الأوسي بقوله: (وذلك أنَّ الأداة لا تقف وحدها قرينة في الجملة على إرادة المعنى، وإنَّما تتظافر معها قرائن أُخرى على إفادة ذلك المعنى، فإذا كانت القرائن الأُخرى تغني عن ذكر الأداة فلا تكون بمفردها مناط المعنى)(192).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(188) معاني النحو 4: 110.
(189) ينظر: المتحسب 2: 205؛ ومغني اللبيب 1: 19 و20؛ وهمع الهوامع 2: 482.
(190) ينظر: الأُصول في النحو 2: 254.
(191) ينظر: مغني اللبيب 1: 20.
(192) أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 334.

(٦٢)

وهذا ما يبدو صواباً، فإنَّ الهمزة ليست بمفردها تدلُّ على الاستفهام، بل هي والقرائن والسياق للكلام بمجموعه هو الذي يدلُّ على الاستفهام، والدليل على هذا أنَّ الهمزة تكون موجودة ولكن لا تدلُّ على الاستفهام الحقيقي وهو طلب الفهم، بل قد يخرج الاستفهام إلى معانٍ متعدّدة وكثيرة يفهم من خلال السياق والقرائن وليس من الهمزة.

والبلاغيون يوافقون النحويين في تقدير الهمزة عند الحذف، يقول السكّاكي في خصائص همزة الاستفهام: (وتستعمل ظاهرة مرَّة كما ترى، ومقدَّرة أُخرى)(193).
وذهب النحاة إلى أنَّه لا تحذف من أدوات الاستفهام إلَّا الهمزة، فإذا حذفت بقيّة الأدوات لذهب بالحذف الدلالة على الاستفهام(194)، وهذا ما نراه صحيحاً، لأنَّ الهمزة فيها خصائص مفقودة في غيرها، وهي أوسع استعمالاً وتصرّفاً، وهي أُمّ الباب وأصل أدوات الاستفهام.
وجاء الاستفهام في التوقيعات المهدوية محذوف الهمزة في مورد واحد، وهو ما ورد عنه (عليه السلام) في إدانة بعض العقائد الفاسدة والانحراف عن الحقّ والسقوط في الفتنة، إذ جاء: (كيف يتساقطون في الفتنة، ويتردَّدون في الحيرة، ويأخذون يميناً وشمالاً؟ فارقوا دينهم أم ارتابوا، أم عاندوا الحقّ، أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة والأخبار الصحيحة؟)(195).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(193) مفتاح العلوم: 55.
(194) ينظر: في النحو العربي نقد وتوجيه: 276؛ وأساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 337.
(195) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 119؛ وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 510/ باب 45/ ح 42؛ والخرائج و الجرائح 3: 1109/ باب 20/ ح 26.

(٦٣)

الفعل (فارقوا) يُقدَّر دخول همزة الاستفهام عليه، والأصل (أفارقوا)، وقد حذفت الهمزة لوجود ما يدلُّ عليها وهي (أَمْ) المعادلة لها.
ثانياً: الاستفهام بالأداة (هَلْ):
وهي أداة مختصَّة بطلب التصديق، فلا يستفهم بها إلَّا عن مضمون الجملة، أي عن الإسناد الذي فيها، لذلك لا يكون جوابها إلَّا (نعم) أو (لا).
ويستفهم بها على السواء عن مضمون الجملة الفعليِة نحو: (هَلْ قامَ زيدٌ؟)، وعن مضمون الجملة الاسمية نحو: (هَلْ عمرٌو قاعدٌ؟)، إذا كان المطلوب حصول التصديق بثبوت القيام لزيد والقعود لعمرو(196).
و(هَلْ) من الحروف الهوامل، فهي غير عاملة لعدم اختصاصها بالأسماء أو الأفعال، وما لم يختصّ لم يعمل(197)، والاستفهام بها أشدُّ قوَّةً منه بالهمزة، ودليل ذلك اقترانها بـ (مِنْ) الزائدة المؤكِّدة، وقد ترمز إلى أنَّ السائل يتوقع الجواب بـ (لا)(198).
وقد اختلف النحاة في الاستفهام الذي تدلُّ عليه، فالذي يظهر من كلام سيبويه أنَّها عنده ليست أداة أصلية في الاستفهام، وإنَّما هي بمنزلة (قد)، وأنَّ الاستفهام فيها مستفاد من (همزة) مقدَّرة معها، جاء في الكتاب: (وكذلك (هَلْ) إنَّما تكون بمنزلة (قد)، ولكنَّهم تركوا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(196) ينظر: الجنى الداني: 341؛ ومعاني الحروف: 115؛ وعروس الأفراح 1: 472؛ والمطوَّل: 406.
(197) ينظر: معاني الحروف: 115؛ ورصف المباني: 469.
(198) ينظر: التطوّر النحوي للغة العربية: 166؛ ومعاني النحو 4: 214.

(٦٤)

الألف إذ كانت (هَلْ) لا تقع إلَّا في الاستفهام)(199)، ولكنَّه في موضع آخر يكتفي في (هَلْ) بالقول: (هَلْ: وهي للاستفهام)(200).
وذهب المبرّد إلى أنَّ الاستفهام فيها أصلي، وقد تخرج عنه إلى معانٍ أُخر يدلُّ عليها السياق، جاء في المقتضب: (وهي للاستفهام، نحو قولك: (هَلْ جاء زيدٌ؟)، وتكون بمنزلة (قد) في قوله (عزَّ وجلَّ): (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ)، لأنَّها تخرج عن حدِّ الاستفهام)(201).
وعلى هذا فهم بعض النحاة أنَّ (هَلْ) عند سيبويه في أصلها بمعنى (قد)(202)، ولكن الدكتور قيس الأوسي يرى أنَّ سيبويه لم يكن يقصد أن تكون (هَلْ) في أصلها بمعنى (قد) حيث قال: (وأغلب الظنّ - فيما أرى - أنَّ سيبويه لم يكن يقصد بقوله: (وكذلك (هَلْ) إنَّما تكون بمنزلة (قد) أن تكون (هَلْ) في أصلها بمعنى (قد)، وإنَّما أراد أنَّه إذا اجتمع في الكلام اسم وفعل فتكون (هَلْ) بمنزلة (قد) في اختصاصها بالدخول على الفعل، وفي قبح الدخول على الاسم)(203)، وما ظنَّه الدكتور قيس الأوسي يكون واضحاً بالنسبة للمتتبّع لما ذكره سيبويه في موضع آخر حيث قال: (وحروف الاستفهام كذلك لا يليها إلَّا الفعل، إلَّا أنَّهم قد توسَّعوا فيها فابتدءوا بعدها الأسماء والأصل غير ذلك، ألَا ترى أنَّهم يقولون: (هَلْ زيدٌ منطلق؟)، و(هَلْ زيدٌ في الدار؟)، و(كيف زيدٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(199) الكتاب 3: 289؛ وينظر: شرح الرضي على الكافية: 1194؛ والبحر المحيط 5: 379.
(200) الكتاب 4: 220.
(201) المقتضب 1: 43 و44؛ وينظر: شرح المفصَّل 8: 78 و79.
(202) ينظر: شرح الرضي على الكافية 4: 446.
(203) أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 362.

(٦٥)

آخذٌ؟)، فإن قلت: (هَلْ زيداً رأيتَ؟)، و(هَلْ زيدٌ ذهب؟) قَبُحَ ولم يجز إلَّا في الشعر، لأنَّه لمَّا اجتمع الاسم والفعل حَمَلُوه على الأصل، فإن اضطرَّ شاعر فقدَّم الاسم نصبَ كما كنت فاعلاً ذلك بـ (قد) ونحوها، وهو في هذه أحسن لأنَّه يبتدأ بعدها الأسماء)(204).
الأداة (هَلْ) في التوقيعات المهدوية:
الأصل في كلمة (هَلْ) أن تدخل على جملة فعلية، مثل قوله تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) (النحل: 33)، وجاء في الكتاب: (إذا اجتمع بعد حروف الاستفهام نحو: (هَلْ) و(كيف) و(مَنْ) اسم وفعل كان الفعل بأن يلي حروف الاستفهام أولى، لأنَّها عندهم في الأصل من الحروف التي يذكر بعدها الفعل)(205)، لذا قيل عنها: (إن رأت فعلاً في حيّزها تذكَّرت عهوداً بالحمى وحنَّت إلى الألف المألوف وعانقته، وإن لم ترَه في حيّزها تسلَّت عنه ذاهلةً)(206).
وجاءت (هَلْ) الاستفهامية مع الجملة الفعلية في ستَّة مواضع، مع الجمل التي فعلها ماض، والجمل التي فعلها مضارع، وأيضاً وردت الأداة (هَلْ) مع الجملة الاسمية وهو عدول عن دخولها على الجملة الفعلية وذلك لنكات بلاغية يلاحظها المتكلِّم، وهي مثلاً: جعل ما سيحصل كأنَّه حاصل وموجود فعلاً، للاهتمام بشأنه، أو لتأكيد الرغبة، أو للعرض والشوق واللهفة بتحقيق وقوعه، وقد ورد دخولها على الجملة الاسمية في خمسة مواضع كلّها في الأدعية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(204) الكتاب 1: 98 و99.
(205) الكتاب 3: 115؛ وينظر: الكتاب 1: 98؛ والمقتصد في شرح الإيضاح 1: 87.
(206) شرح الرضي على الكافية 4: 447.

(٦٦)

1 - (هَلْ) مع الجملة الاسمية:
وردت (هَلْ) مع الجملة الاسمية في خمسة مواضع، وعلى نمط واحد من التركيب، واجتمعت هذه التراكيب في أحد أدعيته (عليه السلام) حيث جاء: (إلهي أنت الذي تنادي في أنصاف كلّ ليلة: هَلْ من سائلٍِ فأُعطيه؟ أم هَلْ من داعٍ فأُجيبه؟ أم هَلْ من مستغفرٍ فأغفر له؟ أم هَلْ من راجٍ فأبلغه رجاه؟ أم هَلْ من مؤمّلٍ فأبلغه أمله؟)(207).
جاء الاستفهام بالأداة (هَلْ) داخلة على الكلمات (سائل)، و(داع)، و(مستغفر)، و(راج)، و(مؤمّل)، هذه الكلمات كلّها أوصاف على صيغة اسم الفاعل، ومشتقّات من الأفعال الثلاثية، كما في (سائل) و(داع) و(راج)، والأفعال الرباعية كما في (مستغفر) و(مؤمّل).
وجاءت الأوصاف كلّها مسبوقة بحرف الجر (مِنْ)، واختلف في زيادتها وعدمه، فقال بعض: هي زائدة، وهي تفيد الاستغراق والتوكيد، نحو: (ما جاءني من رجل)(208)، وذهب بعضهم إلى أنَّها ليست زائدة لأنَّها تفيد معنى وهو الاستغراق(209).
وعلى كلّ حال فإنَّ الذين يقولون بزيادتها والذين لا يقولون بها متَّفقون على أنَّها تفيد الاستغراق والعموم والشمول، والذي نرجّحه في هذه التراكيب أنَّها زائدة، لأنَّهم يشترطون لزيادتها شروطاً وهي: أن يتقدَّم عليها النفي وما يشبهه، وأن يكون مجرورها نكرة، وأن يكون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(207) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 386؛ وينظر: مهج الدعوات: 278 - 293؛ وتبصره الوليّ: 212/ ح 91.
(208) ينظر: الكتاب 1: 27؛ ومعاني النحو 3: 81؛ ومغني اللبيب 1: 322.
(209) ينظر: المقتضب 1: 45.

(٦٧)

فاعلاً أو مبتدا(210)، وهي متحقّقة في هذا التركيب، وعليه يكون الوصف مبتدأ، والمسوغ له للابتداء هو تقدّم الاستفهام على النكرة(211)، والنكرة أفادت العموم والشمول، والخبر محذوف تقديره (موجود).
وقد خرج الاستفهام في هذه الموارد عن معناه الحقيقي إلى معنى آخر يفهم من السياق والقرائن المقامية، وهنا أفاد العرض فإنَّ في هذه الأساليب من شدَّة التشويق والرحمة بالمؤمنين والعباد والأخذ بأيديهم واللهفة في العرض ما لا يخفى، وقد ورد هذا الخروج عن الاستفهام بالقرآن كثيراً كقوله تعالى: (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ) (فاطر: 3)، وقوله تعالى: (وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ) (الشعراء: 39).
وجاءت (أَمْ) في النصّ قبل أداة الاستفهام (هَلْ)، لأنَّ الأداة (هَلْ) تقع بعد العاطف(212)، وهذه (أَمْ) عاطفة في هذه الموارد وليست المعادلة، لأنَّ (هَلْ) مختصَّة بالتصديق، ولا تأتي (أَمْ) المعادلة معها(213)، وذهب أبو علي الفارسي (ت 377هـ) إلى أنَّ (أَمْ) عاطفة، و(هَلْ) للاستفهام، لأنَّ (أَمْ) تخرج عن المعنى الذي وضعت له فتكون عاطفة ومستفهماً بها(214)، وتابعه على هذا تلميذه ابن جنّي (ت 393هـ) بقوله: (ومحال اجتماع حرفين لمعنى واحد، فلا بدَّ أن يكون إحداهما قد خلعت عنه دلالة الاستفهام، وينبغي أن يكون الحرف (أَمْ))(215).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(210) ينظر: معاني النحو 3: 82.
(211) ينظر: شرح ابن عقيل 1: 197.
(212) ينظر: شرح المفصَّل 8: 77؛ ومغني اللبيب 1: 458؛ وأمالي ابن الشجري 1: 401.
(213) ينظر: معاني النحو 4: 241.
(214) ينظر: المسائل المنثورة: 205 و209.
(215) الخصائص 2: 186.

(٦٨)

2 - (هَلْ) مع الجملة الفعلية:
وهي تدخل على الجملة الفعلية التي فعلها ماضٍ، والجملة الفعلية التي فعلها مضارع، وقد وردت مع الجملة الفعلية في ستَّة مواضع.
فجاءت (هَلْ) مع الفعل الماضي في التوقيعات المهدوية في موضع واحد، وهو عندما شكَّك بعض من أهل مصر بغيبته (عليه السلام)، فورد عنه لأحدهم: (يا عبد ربَّه بن نصير، قل لأهل مصر:ِ هل رأيتم رسول اللهِ حيث آمنتم؟)(216).
ورد الاستفهام بالأداة (هَلْ) الداخلة على الفعل الماضي (رأيت)، وهو من (رأى) البصرية التي تأخذ مفعولاً واحدا، وقد خرج الاستفهام عن معناه الحقيقي إلى معنى آخر يفهم من السياق، وهنا قد أفاد الاستفهام التقرير، والمراد منه حمل المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقرَّ عنده العلم به، أو هو أمر باستطاعته معرفته حسّياً أو فكرياً، كقوله تعالى: (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ) (الشعراء: 72) ، ويرى الزمخشري أنَّ التقرير قد يصحبه معنى (التوبيخ) و(التعجيب)(217).
وهنا في النصّ يريد الإمام (عليه السلام) أن يوصلهم إلى حقيقة، وهي عدم رؤيتهم لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) عندما آمنوا به، لأنَّ رسول الله قد مات منذ زمن بعيد، ولكنَّ على المسلم أن يؤمن به مع عدم رؤيته له، وإنَّما يرى سُنَّته الشريفة، والذي أفاد أنَّ الإمام ينفي رؤيتهم لرسول الله في التركيب هو وجود (هَلْ) التي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(216) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 311؛ وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 491/ باب 45/ ح 15.
(217) ينظر: الكشّاف 1: 277؛ وتفسير البحر المحيط 2: 432.

(٦٩)

تكون هنا بمنزلة حرف النفي، لأنَّ النفي بها ليس نفياً محضاً بل هو استفهام أُشرب معنى النفي(218). ومعنى النفي بالاستفهام هو إشراك المخاطب في الأمر، فهو يريد الجواب منه والإمام (عليه السلام) كان يريد من المخاطب الجواب وإن كان يعلم به هو عدم رؤيتهم لرسول الله عندما آمنوا به.
ووردت (هَلْ) الداخلة على الفعل المضارع في التوقيعات المهدوية في خمسة مواضع، وكانت كلّها في جوابات المسائل التي وردت عن طريق السفير الثاني محمّد بن عثمان العمري، إذ جاء: (وأمَّا ما سألت عنه من أمر المصلّي والنار والصورة والسراج بين يديه هل تجوز صلاته؟)(219).
دخلت الأداة (هَلْ) على الفعل المضارع (يجوز)، وهنا الاستفهام حقيقي لأنَّ السائل يطلب الفهم من الإمام (عليه السلام) عن أمر المصلّي، وأنَّ (هل) إذا دخلت على الفعل المضارع فإنَّها تخصّصه للاستقبال(220).
وورد أيضاً في بعض إجاباته للمسائل الفقهية: (وأمَّا ما سألت عنه من أمر الثمار من أموالنا يمرُّ بها المارُّ فيتناول منه ويأكله هل يجوز ذلك له؟ فإنَّه يحلُّ له أكله، ويحرم عليه حمله)(221).
دخلت أداة الاستفهام (هَلْ) على الفعل المضارع (يجوز)، والاستفهام بالنصّ حقيقي لأنَّ السائل يطلب الفهم، والحكم الشرعي من الإمام (عليه السلام) عن جواز أكل المارّ في الطريق من الثمار في البستان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(218) ينظر: معاني النحو 4: 273.
(219) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 130؛ وينظر: من لا يحضره الفقيه 1: 498/ ح 1427؛ والتهذيب للشيخ الطوسي 2: 175/ باب 9/ ح 155؛ والاستبصار 1: 291/ ح 10.
(220) ينظر: معاني النحو 4: 242.
(221) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 131؛ وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 520/ باب 45/ ح 49.

(٧٠)

وبهذا الأُسلوب وردت المواضع الأُخرى من الاستفهام بـ (هَلْ) مع الفعل المضارع(222).
ثالثاً: الاستفهام بـ (أَمْ):
ولم يرد الاستفهام بـ (أَمْ) في التوقيعات المهدوية.
الأسلوب الثاني: الاستفهام بالأسماء:
تقسم أسماء الاستفهام على قسمين: ظروف وغير ظروف، فغير الظروف أربعة: (مَنْ ، وما، وأيّ، وكم)، والظروف خمسة: (متى، وأيّان، وأين، وأنّى، وكيف)، وهذه الأسماء متضمّنة معنى الهمزة وقائمة مقامها(223)، لأنَّها هي الأصل كما تقدَّم، واستعمالها في الاستفهام كان طلباً للاختصار(224)، (لأنَّها عامّة للأجناس التي وضعت مسؤولاً بها عنها، فكلّ واحد منها في موضعه يغنيك عن تكرير الهمزة وذكر أسماء ذلك الجنس)(225).
وقد وردت أسماء الاستفهام كلّها في التوقيعات المهدوية إلَّا الأسماء (كم، وأيّان، وأنّى)، وسوف يشتمل البحث بها على قسمين:
القسم الأوَّل: الاستفهام بالأسماء غير الظروف:
ويشمل:
أوَّلاً: الاستفهام بـ (مَنْ):
(مَنْ) اسم يُستفهَم به عن العاقل، قال المبرّد: (فأمَّا (مَنْ) فإنَّه لا يُعنى بها في خبر، ولا استفهام، ولا جزاء إلَّا ما يعقل)(226).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(222) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 130 و131.
(223) ينظر: توجيه اللمع: 581.
(224) ينظر: الأُصول في النحو 2: 135؛ الخصائص 1: 83.
(225) توجيه اللمع: 581.
(226) المقتضب 1: 296؛ وينظر: حروف المعاني: 55.

(٧١)

وقد وردت الأداة (مَنْ) الاستفهامية في التوقيعات المهدوية في ستَّة مواضع:
منها: ما ورد عنه (عليه السلام) لشخص أراد الإمام أن يعرّفه بمنزلته، فجاء: (مَنْ أنا؟ أنا خاتم الأوصياء، وبي رَفَعَ اللهُ البلاءَ عن أهلي وشيعتي)(227).
ورد الاستفهام بـ (مَنْ) الاستفهامية، وهنا خرج الاستفهام عن معناه الحقيقي إلى معنى آخر يفهم من السياق، لأنَّ الإمام (عليه السلام) لم يطلب الفهم عن شيء، والذي أفاده الاستفهام هنا هو الإفهام، فأراد الإمام (عليه السلام) أن يُفهِم الرجل ويعرِّفه بمنزلته، وهذا المعنى ورد في القرآن الكريم بقوله تعالى: (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) (طه: 17)، فقد علم الله أنَّ لها أمراً قد خفي على موسى (عليه السلام)، فأعلمه من حالها ما لم يعلمه.
ومنها: ما ورد عنه (عليه السلام) في أحد أدعيته قائلاً: (ربِّ مَنْ ذا الذي دعاك فلم تجبه؟ مَنْ ذا الذي سألك فلم تعطه؟ ومَنْ ذا الذي ناجاك فخيَّبته؟ أو تقرَّب إليك فأبعدته)(228).
جاء الاستفهام بـ (مَنْ) الاستفهامية ثلاث مرَّات في هذا الدعاء، واختلف النحاة في توجيه هذا التركيب (من ذا)، فذهب بعضهم إلى جواز وجهين: إحداهما أن تكون (مَنْ) استفهامية و(ذا) اسماً موصولاً بمعنى (الذي)(229).
وقال الفرّاء: العرب قد تذهب بـ (ذا) إلى معنى (الذي)، فيقولون: ومَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(227) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 235؛ وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 441/ باب 43/ ح 12؛ والغيبة للطوسي: 246/ ح 215.
(228) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 376؛ وينظر: مهج الدعوات: 278 - 293؛ وتبصره الوليّ: 212/ ح 91.
(229) ينظر: الكتاب 2: 416 و417؛ وشرح المفصَّل 4: 169 و170؛ وشرح جمل الزجّاجي 2: 495.

(٧٢)

ذا يقول ذاك؟ في معنى: مَنْ الذي يقول ذاك؟(230)، والآخر أن تكون كلّها اسماً واحداً يدلُّ على الاستفهام(231).
وقد ذكر النحاة الأوجه التي تأتي عليها هذه الكلمة:
أ) أن تكون (مَنْ) استفهامية و(ذا) اسم إشارة، وذلك نحو: من ذا؟
ب) أن تكون (من ذا) كلمة واحدة مركَّبة بمعنى (مَنْ)، نحو: من ذا أكرمت أحمد أم خالداً؟
ج) أن تكون (مَنْ) استفهامية و(ذا) موصولة بمعنى الذي، نحو: من ذا أكرمت أحمد أم خالداً؟(232).
وأغلب الظنّ بحسب سياق النصّ أنَّ (مَنْ) اسم استفهام، و(ذا) اسم إشارة تقديره (هذا)، فيكون الدعاء: (ربِّ من هذا الذي دعاك...) الخ، لأنَّه جاء بعد اسم الإشارة (هذا) اسم الموصول (الذي).
وإنَّ الاستفهام في هذه الكلمة المركَّبة أقوى وأشدّ مبالغةً في الاستفهام من الأداة (مَنْ) بمفردها، ولعلَّ ذلك يعود إلى زيادة حروفها، وقد سبق الاستفهام أُسلوب النداء لأهمّية المستفهم عنه وهو التضرّع والتذلّل والسؤال لله تعالى، ولهذا خرج الاستفهام عن معناه الحقيقي إلى معنى آخر وهو الدعاء في المقام.
وقد ورد هذا التركيب في القرآن كثيراً، مثل قوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) (البقرة: 245)، وقوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (البقرة: 255).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(230) ينظر: معاني القرآن للفرّاء 1: 138.
(231) ينظر: الكتاب 2: 417 و418؛ وشرح المفصَّل 4: 169 و170؛ وشرح جمل الزجّاجي 2: 495.
(232) ينظر: معاني النحو 4: 268.

(٧٣)

ثانياً: الاستفهام بـ (ما):
وهي اسم استفهام مبهم يقع على ما لا يعقل وما يعقل، إلَّا أنَّ استعمالها للعاقل عند العرب قليل، لأنَّ الأصل فيها أن تكون لغير العاقل، ومعناها: أيُّ شيء؟(233)، وتستعمل لصفات العاقل أيضا، جاء في المقتضب: ((ما) إنَّما تكون لذوات غير الآدميين ولصفات الآدميين، تقول: مَنْ عندك؟ فيقول: زيد. فتقول: ما زيدٌ؟ فيقول: جواد أو بخيل أو نحو ذلك، فإنَّما هو لسؤال عن نعت الآدميين)(234).
وتستعمل لسؤال عن حقيقة الشيء، قال تعالى: (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) (الفرقان: 60)، فهذا سؤال عن حقيقة الرحمن(235).
ووردت (ما) الاستفهامية قي التوقيعات المهدوية في ستَّة مواضع كلّها لغير العاقل، وجاءت بتراكيب متعدّدة.
منها: ما ورد عنه (عليه السلام) جواباً لجماعة من الشيعة تشاجروا مع شخص على أنَّ أبا محمّد الحسن العسكري (عليه السلام) مضى ولا خلف له، فكتبوا له، وجاء لهم: (يا هؤلاء، ما لكم في الريب تتردَّدون، وفي الحيرة تنعكسون؟)(236).
ورد الاستفهام بـ (ما) وهي مبتدأ وخبرها شبه الجملة (الجار والمجرور (لكم)، وقد تقدَّم على الاستفهام أُسلوب النداء لأهمّية الأمر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(233) ينظر: معاني القرآن للفرّاء 1: 46 و102؛ ومعاني الحروف: 97.
(234) المقتضب 2: 52؛ وينظر: المقتضب 1: 41 و48؛ وشرح ابن يعيش 4: 5.
(235) ينظر: معاني النحو 4: 261.
(236) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 249؛ وينظر: الغيبة للطوسي: 255/ ح 245؛ والاحتجاج 2: 536.

(٧٤)

المستفهم عنه، وهو وقوعهم في الريب والشكّ والحيرة، وقد خرج الاستفهام عن معناه الحقيقي إلى معنى آخر يفهم من السياق، وهو أفاد معنى التوبيخ والإنكار والتعجّب، أي: ما كان لهم أن يتردَّدوا، ويتكلَّموا بالريب والشكوك بالأُمور المقطوع بها بحسب الروايات، وهي مسألة الإمام المهدي (عليه السلام) وغيبته.
وقد عطف على الاستفهام الأوَّل بجملة أُخرى أيضاً تفيد الاستفهام الذي خرج للتوبيخ والإنكار.
وقد ورد هذا التركيب من (ما) في محلّ مبتدأ والخبر شبه جملة في مواضع أُخرى من التوقيعات المهدوية وكلّها أفادت التوبيخ والإنكار(237).
ومنها: ما ورد عنه (عليه السلام) لرجل كان قد حمل معه شيئاً يوصله للناحية المقدَّسة ونسي سيفاً فأنفذ ما كان معه، فخرج إليه: (ما خبر السيف الذي نسيته؟)(238).
ورد الاستفهام بـ (ما) وهي خبر مقدَّم والمبتدأ معرَّف بالإضافة وهو (خبرُ السيف)، وقد خرج الاستفهام عن معناه الحقيقي وهو طلب الفهم إلى معنى آخر يفهم من السياق والقرائن المقامية، وقد أفاد في النصّ الإرشاد والتنبيه إلى الأمر الذي نساه الرجل وهو السيف، وقد ورد هذا الأمر في القرآن بقوله تعالى: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً) (الضحى: 6).
وورد هذا التركيب في مورد واحد.
ومنها: ما ورد عنه (عليه السلام) في نقله لسؤال سأله شخص له وقد أجاب عن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(237) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 119 و248.
(238) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 297؛ وينظر: الكافي 1: 523/ ح 20؛ والإرشاد: 255.

(٧٥)

هذا السؤال بعد أن ذكره في التوقيع، فجاء: (وسألتَ ما يحلُّ أن يُصلّى فيه من الوبر والسمور والسنجاب والفنك والدلق والحواصل؟)(239).
جاء الاستفهام بالأداة (ما)، وهي مبتدأ وخبرها الجملة الفعلية بعدها (يحلُّ أن يُصلّى)، وقد أفاد الاستفهام معناه الحقيقي لأنَّ السائل كان يستفهم عن جواز الصلاة بهذه الأُمور التي ذكرها.
ومنها: ما ورد عنه (عليه السلام) لشخص من أصحابه يسمّى عيسى بن مهدي الجواهري الجيلاني يبيّن له الإمام (عليه السلام) ما يقوله المكذِّبون عن غيبته: (وما الذي خرج إليكم منه؟)(240)، فجاء الاستفهام بـ (ما) وهو مبتدأ والخبر معرفة وهو (الذي وصلته).
وقد خرج الاستفهام عن معناه الحقيقي إلى معنى آخر يفهم من السياق والقرائن، وهو معنى التعجّب، أي يتعجَّب الإمام (عليه السلام) عمَّا يقوله المكذِّبون، يقول سيبويه: (إنَّك تقول: (سبحان الله مَنْ هو، وما هو!؟) فهذا استفهام فيه معنى التعجّب)(241).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(239) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 135 و136؛ وينظر: الخرائج والجرائح 2: 702/ باب 14/ ح 18؛ ومستدرك الوسائل 2: 587/ باب 35/ ح 1؛ والوبر - بالتسكين -: دويبة على قدر السنّور غبراء أو بيضاء من دواب الصحراء (لسان العرب 5: 272)؛ والسمّور كتنّور: دابّة معروفة تكون ببلاد الروس وراء بلاد الترك (تاج العروس 6: 543)؛ والسنجاب: حيوان على حدِّ اليربوع أكبر من الفأرة، وشعرة في غاية النعومة تتَّخذ من جلده الفراء (تاج العروس 2: 67)؛ والفنك: دابّة يلبس جلدها فرواً (ينظر: لسان العرب 10: 48)؛ والدلق محرَّكة: دوبية كالسنّور (ينظر: القاموس المحيط 3: 232)؛ والحوصلة: طير أعظم من طير الماء، طويل العنق، بحرية، جلودها بيض تلبس، ويجمع حواصل (العين 1: 392).
(240) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 332؛ وينظر: الهداية الكبرى: 92؛ ومنتخب الأثر: 375/ فصل 4/ باب 1/ ح 20.
(241) الكتاب 3: 181.

(٧٦)

ثالثاً: الاستفهام بـ (أيّ):
(أيُّ) اسم استفهامٍ معرَب، بخلاف أسماء الاستفهام الأُخرى، وهي بعض ما تضاف إليه، ويسأل بها عمَّا يميِّز أحد المتشاركين في أمر يعمّهما، لذا تفسر بـ (همزة) الاستفهام و(أَمْ) في طلب التعيين، قال المبرّد: (اعلم أنَّ (أيَّاً) تقع على شيء هي بعضه، لا تكون إلَّا على ذلك في الاستفهام. وذلك قولك: أيُّ إخوتك زيدٌ؟ فقد علمت أنَّ زيداً أحدهما ولم تدر أيُّهما هو...، واعلم أنَّ كلّ ما وقعت عليه (أيُّ) فتفسيره بألف الاستفهام و(أَمْ) لا تكون إلَّا على ذلك، لأنَّك إذا قلتَ: أزيدٌ في الدار أم عمرٌو؟ فعبارته: أيُّهما في الدار؟)(242).
وتستعمل (أيّ) لمن يعقل ولما لا يعقل بحسب ما تضاف إليه، لأنَّها بعض ما تضاف إليه لأنَّها بعض من كلّ، كقولنا: (أيُّ الناس عندك؟)، فإن أُضيفت إلى الزمان فهي زمان، وإن أُضيفت إلى مكان فهي مكان، فأيُّ شيء تضاف إليه كانت منه(243).
وقد وردت (أيُّ) الاستفهامية في التوقيعات المهدوية في ثلاثة مواضع، وجاءت على عدَّة تراكيب، وهي كالآتي:
الأوَّل: ما جاء عنه (عليه السلام) في جواب يبيّن فيه كذب ما ادّعاه عمّه جعفر من أنَّه القيّم بعد أخيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وأنَّ عنده من علم الحلال والحرام، فورد: (وقد ادَّعى هذا المبطل المفتري على الله الكذب بما ادَّعاه، فلا أدري بأيِّة حالةٍ هي له؟)(244).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(242) المقتضب 2: 294؛ وينظر: عروس الأفراح 1: 446.
(243) ينظر: توجيه اللمع: 581؛ والأشباه والنظائر 2: 215.
(244) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 446؛ وينظر: الغيبة للطوسي: 287 - 290/ ح 246؛ الاحتجاج 2: 540.

(٧٧)

ورد الاستفهام بـ (أيّ) الاستفهامية، وجاءت في النصّ مجرورة بحرف الجر، ومضافة إلى نكرة مفردة مؤنَّثة، ولذا لحقتها (التاء)، لأنَّ النحاة أجازوا الوجهين إذا أُضيفت (أيّ) إلى النكرة المؤنَّثة، إلحاقها بالتاء وعدم الإلحاق، يقول سيبويه: (سألت الخليل رحمه الله عن قولهم: (أيُّهنَّ فلانة؟)، و(أيَّتهنَّ فلانة؟)، فقال: إذا قلت: (أيّ) فهي بمنزلة (كلّ)، لأنَّ (كلَّاً) مذكَّر يقع للمذكَّر والمؤنَّث)(245).
و(أيّ) من الأسماء الملازمة للإضافة(246)، وتضاف إلى المعرفة والنكرة، فإذا أُضيفت إلى المعرفة وجب أن تكون المعرفة إمَّا تثنيةً أو جمعا، وإذا أُضيفت إلى النكرة جاز أن تكون مفرداً ومثنّى وجمعا(247).
والذي أجاز هذا كون النكرة اسماً يعمُّ (ويشمل كلّ من يقع عليه ذلك الاسم، فلذلك جازت إضافته إليه)(248).
وقد خرج الاستفهام عن معناه الحقيقي إلى معنى آخر يفهم من السياق، وهنا أفاد الإنكار الشديد والتوبيخ والتعجّب ممَّا يدَّعيه عمّه.
الثاني والثالث: وهو ما ورد عنه (عليه السلام) لشخص من أصحابه ينقل له ما يدَّعيه المكذِّبون لقضيّة الإمام وما يحدث في غيبته: (وبأيِّ شيء نبَّأكم؟ وأيِّ معجزٍ أتاكم؟ أَمَا والله لقد دفعوا أمير المؤمنين مع ما رأوه)(249).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(245) الكتاب 2: 407؛ وينظر: أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 392.
(246) ينظر: كتاب العين 1: 122؛ وشرح قواعد الإعراب: 27.
(247) ينظر: شرح الرضي على الكافية 2: 250؛ وشرح قواعد الإعراب: 27.
(248) شرح المفصَّل 3: 515.
(249) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 332؛ وينظر: الهداية الكبرى: 92؛ ومنتخب الأثر: 375/ فصل 4/ باب 1/ ح 20؛ وبحار الأنوار 52: 68/ باب 18/ ح 54.

(٧٨)

جاء الاستفهام في الجملتين بـ (أيّ)، وقد أُضيفت إلى نكرة مفردة في الحالتين، ولكن في الجملة الأُولى جاءت الأداة مجرورة بحرف جرّ بخلاف الثانية فقد جاءت مبتدأ والجملة الفعلية خبر لها.
وتقديم الجار والمجرور على الجملة الفعلية أفاد الاهتمام بأنَّه يستفهم عن الشيء الذي نبَّأهم به، والاستفهام الذي صدر من المكذِّبين أفاد التهكّم والاستهزاء، وأمَّا الذي نقله وصدر من الإمام (عليه السلام) فإنَّه أفاد الإرشاد والتنبيه، وبيان ما يدَّعيه الكاذبون، والحزن والتوجّع من الإمام (عليه السلام).
من خلال الموارد الثلاثة التي جاءت بها (أيّ) نجد أنَّ في موردين وردت مجرورة بحرف الجرّ، وفي حالة ثالثة جاءت مبتدا، وأيضاً في الحالة الأُولى جاءت مع (التاء) لأنَّ المضاف إليه نكرة مؤنَّثة، وجاءت في جميع الحالات مضافة إلى نكرة مفردة.
القسم الثاني: الاستفهام بالأسماء الظروف:
ويشمل:
أوَّلاً: الاستفهامُ بـ (أين):
وهي اسم يُستفهَم بها عن المكان، قال سيبويه: (أين تستفهِمُ بها عن المكان)(250)، وهي اسم مبهم يقع على الجهات الستّ، وكلّ مكانٍ يُستفهَم بها عنه، نحو: أين زيدٌ؟ أمام المسجد أو خلفه أو فيه، فـ (أين) تنتظم الأماكن كلّها(251)، لذا كان غرضها الإيجاز والاختصار(252).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(250) الكتاب 1: 220؛ وينظر: المقتضب 2: 53؛ وشرح اللمع: 374.
(251) ينظر: مفتاح العلوم: 423؛ وشرح المفصَّل 7: 282 و283.
(252) ينظر: شرح المفصَّل 4: 277.

(٧٩)

وقد وردت الأداة (أين) في التوقيعات المهدوية مستفهماً بها في موردين من كلام واحد صدر عنه (عليه السلام) لشخص يخبره بما يقوله المكذِّبون في قضيّة الإمام (عليه السلام)، من حيث مكانه ووجوده، ومن حيث ولادته، فجاء عنه: (ولولا المكذِّبون القائلون أين هو؟ وأين ولد؟...، أمَا والله لقد دفعوا أمير المؤمنين مع ما رأوه وقدَّموا عليه وكادوه وقتلوه)(253).
جاء الاستفهام بالأداة (أين) في موضعين من الكلام الذي نقله الإمام (عليه السلام):
فالأوَّل: جاء على شكل جملة اسمية متكوِّنه من خبر مقدَّم وهو الأداة (أين)، وإعرابه: اسم استفهام مبني على الفتح في محلّ رفع خبر مقدَّم، وهو لا يقع في الجملة الاسمية إلَّا كذلك(254)، و(هو) ضمير منفصل مبني في محلّ رفع مبتدأ مؤخَّر.
والثاني: جاء على شكل جملة فعلية، وقد تقدَّمت الاداة (أين) على الجملة الفعلية، ولذا تعرب هنا في موضع نصب ظرف مكان متعلّق بالفعل (وَلَدَ).
وقد خرج الاستفهام عن معناه الحقيقي وهو الاستفهام عن المكان إلى معنى آخر يفهم من السياق وهو التهكّم والاستهزاء من المكذِّبين نقله الإمام، فإنَّه دلَّ على الإخبار والتنبيه والتوجّع من الإمام (عليه السلام).
ثانياً: الاستفهام بـ (كيف):
(كيف): اسم يُستفهَم به عن الحال، قال سيبويه: (و(كيف) على أيّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(253) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 332؛ وينظر: إثبات الهداة 3: 700/ باب 33/ ح 138.
(254) ينظر: المقتضب 3: 92.
(255) الكتاب 4: 232؛ وينظر: المقتضب 3: 289؛ وحروف المعاني: 35.

(٨٠)

حال؟)(255)، فهي تُستعمَل للسؤال عن حالٍ ينتظم جميع الأحوال، يقال: كيف أنت؟ فتقول: صالح، وصحيح، وآكل، وشارب، وجالس، والأحوال أكثر من أن يحاط بها، فإذا قلتَ: (كيف) فقد أغنى عن ذكر ذلك كلّه(256).
و(كيف) و(أين): اسمان مبنيّان على الفتح، وأصل البناء عند النحاة أن يكون على السكون، وإنَّما بنيا على الحركة تخلّصاً من التقاء الساكنين، والأصل في التخلّص من التقاء الساكنين أن يكون بالكسر، وإنَّما بنيا على الفتح استخفافا، وفراراً من الجمع بين الياء والكسرة(257).
ووردت (كيف) الاستفهامية في التوقيعات المهدوية في موضع واحد، وذلك ما صدر عنه (عليه السلام) في إدانة بعض العقائد الفاسدة، فجاء: (كيف يتساقطون في الفتنة، ويتردَّدون في الحيرة، ويأخذون يميناً وشمالاً؟)(258).
جاء الاستفهام بـ (كيف) الداخلة على الجملة الفعلية (يتردَّدون)، وإنَّ (كيف) اسم استفهام مبني على الفتح في محلّ نصب حال من (واو) الجماعة في الفعل (يتردَّدون)، وقد خرج الاستفهام عن معناه الحقيقي إلى معنى آخر يفهم من السياق، وهنا أفاد التعجّب والتبوبيخ لما يذهب إليه أصحاب العقائد الفاسدة، وعدم ثباتهم، ولذلك عطف عليه بجمل فعلية أُخرى فيها شدَّة التوبيخ وبيانه، وهو تردّدهم في الحيرة، أي إنَّهم حائرون في عقائدهم، ويذهبون يميناً وشمالا، وهذا كناية على عدم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(256) ينظر: الأُصول في النحو 2: 136.
(257) ينظر: أساليب الطلب عند النحويين والبلاغين: 397 و398.
(258) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 119؛ وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 510/ باب 45/ ح 42؛ والجرائح والخرائج 3: 1109/ باب 20/ ح 26.

(٨١)

الثبات في دينهم، فكان الاستفهام للتوبيخ والتعجّب، وذلك نحو قوله تعالى: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) (البقرة: 28).
ثالثاً: الاستفهام بـ (متى):
(متى): اسم يُستفهَم به عن الزمان، ويغني عن جميع أسماء الزمان، فقولك: متى السفرُ؟ يغني عن قولك: أيوم الجمعة السفر أم يوم السبت؟، أم شهر كذا؟ أم سنة كذا؟(259)، وتستعمل للسؤال عن الزمان ماضياً كان أو مستقبلا(260)، وهي من الأسماء المبنيّة.
وقد ورد الاستفهام بـ (متى) في التوقيعات المهدوية في مورد واحد، وذلك ما ورد لشخص ينقل له الإمام (عليه السلام) ما يدَّعيه ويقوله المكذِّبون بخصوص الإمام المهدي (عليه السلام): (ولولا المكذِّبون القائلون أين هو؟ ومتى كان؟)(261).
ورد الاستفهام بالأداة (متى) التي تستعمل للاستفهام عن الزمان، وجاء بعدها الفعل الناقص (كان)، وقد حُذِفَ اسمه وخبره، وتقديره: متى كان الإمام موجوداً؟، وقد خرج الاستفهام عن معناه الحقيقي وهو الاستفهام عن الزمان بالنسبة لوجود الإمام (عليه السلام)، لأنَّ هؤلاء المكذِّبين لا يريدون التعرّف على الإمام، وإنَّما خرج الاستفهام إلى معانٍ أُخرى تفهم من السياق وقرائن الحال، وهنا أفاد الاستبعاد من المكذِّبين لوجود الإمام (عليه السلام)، وجاء هذا المعنى في القرآن الكريم بقوله تعالى: (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (يونس: 48).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(259) ينظر: الأُصول في النحو 2: 140.
(260) ينظر: شرح الرضي على الكافية 3: 205.
(261) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 332؛ وينظر: منتخب الأثر: 375/ فصل 40/ ح 20؛ وإثبات الهداة 3: 700/ باب 33/ فصل 8/ ح 138.

(٨٢)

توطئة:
اعتاد المؤلِّفون والباحثون أن يجعلوا أُسلوبي الأمر والنهي في فصل واحد، لأنَّهما يشتركان في شيء واحد، وهو الطلب من المخاطب، وإن كانا يفترقان أنَّ الأمر هو (طلب فعل من غير كفّ)(262)، بخلاف النهي هو طلب الكفّ عن الفعل(263)، فلذا أحدهما نقيض الآخر، جاء في العين: (الأمر: نقيض النهي)(264)، وجاء في الكتاب: (لا تضرب نفي لقوله: اضرب)(265)، وقد أضاف الباحث أُسلوباً ثالثاً لهما، وهو أُسلوب الدعاء لأنَّه بمنزلة الأمر والنهي، قال سيبويه: (واعلم أنَّ الدعاء بمنزلة الأمر والنهي، وإنَّما قيل دعاء لأنَّه استعظم أن يقال: أمر ونهي، وذلك قولك: (اللّهمّ زيداً فاغفر له))(266).
وإنَّ الأصل في الدعاء أمر أو نهي إلَّا أنَّ عقيدة المسلمين في تنزيه الله تعالى جعلته قسماً ثالثا، إذ ليس من المعقول أن يأمر العبدُ ربَّه أو ينهاه، وإنَّ صيغتي الأمر والدعاء واحدة، لأنَّ كليهما طلب وإنَّما يتفاوتان في الرتبة(267).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(262) الإتقان في علوم القرآن 3: 666.
(263) ينظر: كشف المشكل في النحو 4: 481؛ مفتاح العلوم: 429.
(264) العين 8: 297/ مادّة (أ م ر).
(265) الكتاب 1: 136.
(266) الكتاب 1: 142.
(267) ينظر: الإحكام في أُصول الأحكام 2: 199 و200؛ وأساليب الطلب في نهج البلاغة: 190؛ وتفسير الكشّاف 1: 25.

(٨٤)

أُسلوب الأمر

مفهوم الأمر لغةً واصطلاحاً:
أ) الأمر لغةً:
(الأمر: نقيض النهي، والأمر واحد من أُمور الناس، وإذا أمرتَ من الأمر قلتَ: أُؤمُرْ يا هذا)(268)، ويأمُرُهُ أمراً، وإماراً فأتمرَ، أي: قَبَلَ أمرَه، قال تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) (طه: 132)(269)، والأمر الذي هو نقيض النهي قولك: افعل كذا، وأمرته وآمرته كلَّهن بمعنى واحد(270).
ب) الأمر اصطلاحاً:
ذكر سيبويه أنَّ الأمر سياق فعلي فلا يكون إلَّا بفعل(271). وهو: (ما إذا لم يفعله المأمورُ به سُمّي المأمور به عاصياً، ويكون بلفظ (افعل) و(ليفعل))(272).
وحدَّه ابن الشجري بأنَّه: (استدعاء الفعل بصيغة مخصوصة مع علوّ الرتبة)(273).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(268) العين 1: 102/ مادّة (أ م ر).
(269) ينظر: لسان العرب 4: 27/ مادّة (أ م ر ).
(270) ينظر: معجم مقاييس اللغة 1: 137.
(271) ينظر: الكتاب 1: 138.
(272) الصاحبي في فقه اللغة: 298.
(273) أمالي ابن الشجري 1: 410.

(٨٦)

وعرَّفه السكّاكي بقوله: (عبارة عن استعمال نحو: لينزل، وانزل، ونزال وصه على سبيل الاستعلاء)(274).
وقال السيوطي: هو (طلب فعل من غير كفّ، وصيغته (افعل) و(ليفعل)، وهي حقيقة في الإيجاب)(275)، وقد تأتي لمعانٍ أُخر على سبيل المجاز، تفهم من المقام(276).
من خلال ما تقدَّم اتَّضح أنَّ الأمر هو طلب الفعل من الفاعل المخاطب بصيغ مخصوصة، وهي التي ذكرها النحاة في تعريفاتهم، واتَّضح أيضاً أنَّ الأمر يدلُّ على الوجوب، ودلالته على المعاني الأُخرى مجازا، وهذا ما صرَّح به ابن فارس إذ قال: (ما إذا لم يفعله المأمور به سُمّيَ المأمور به عاصياً)(277)، والسيوطي بقوله: (وهي حقيقة في الإيجاب)(278)، وهذا ما ذهب إليه مشهور الأُصوليين من أنَّ الأمر ظاهر بالوجوب(279)، وقال الدكتور قيس الأوسي: (والذي أراه أنَّ القول بأنَّ صيغة الأمر موضوعة حقيقة للوجوب، وأنَّ استعمالها في معاني (الندب) و(الإباحة) وغيرها إنَّما هو ممَّا خرجت فيه الصيغة عن حقيقتها، هو الصحيح لأنَّه يقود إلى المحافظة على وحدة تسمية الصيغة، وعلى العكس من ذلك القول بأنَّ الصيغة مشتركة بين الوجوب والندب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(274) مفتاح العلوم: 428؛ وينظر: الطراز 3: 282؛ والمطوَّل: 422.
(275) الإتقان في علوم القرآن 3: 666.
(276) ينظر: مفتاح العلوم: 428؛ والأساليب الإنشائية في النحو العربي: 14.
(277) الصاحبي في فقه اللغة: 298.
(278) الإتقان في علوم القرآن 3: 666.
(279) ينظر: تهذيب الأحكام 1: 109؛ وسبل السلام 1: 60؛ ونهاية الأفكار 1: 22؛ وأُصول الفقه 1: 62.

(٨٧)

والإباحة، فإنَّه يقود إلى تجزئة الصيغة إلى تسميات متعدّدة)(280)، وهذا ما يبدو لنا صحيحاً بأنَّ صيغة الأمر موضوعة حقيقة للوجوب، لأنَّ المتبادر عند الأمر هو الوجوب ولزوم إطاعة أمر المولى الآمر وإلَّا يعدّ عاصياً.
صيغ الأمر:
الأمر يجري بصيغ عدَّة، هي:
أوَّلاً: الأمر بصيغة (افعل).
ثانياً: الأمر بصيغة (ليفعل).
ثالثاً: الأمر باسم فعل الأمر.
رابعاً: الأمر بصيغة الخبر (الجملة الخبرية).
خامساً: الأمر بالمصدر النائب عن فعل الأمر.
أوَّلاً: الأمر بصيغة (افْعَلْ):
يُسمّي النحاة صيغة (افْعَلْ) فعل الأمر، وعلامته التي يُعرَف بها عندهم مركَّبة من مجموع أشياء: وهي دلالته على الطلب، وقبوله ياء المخاطبة ونون التوكيد، فلو لم تدلّ الكلمة على الطلب وقبلت ياء المخاطبة نحو: (تقومين)، أو دلَّت على الطلب ولم تقبل ياء المخاطبة أو نون التوكيد، نحو: (نزال يا هند) فليست بفعل أمر(281).
ووقف النحاة من صيغة الأمر (افْعَلْ) مواقف مختلفة، فذهب البصريّون إلى أنَّ هذه الصيغة أصل قائم بذاته، فيكون الفعل عندهم ثلاثة أقسام:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(280) أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 101.
(281) ينظر: شرح قطر الندى: 30.

(٨٨)

الماضي والمضارع والأمر، جاء في الكتاب: (وأمَّا الفعل فأمثلة أُخذت من لفظ إحداث الأسماء وبنيت لما مضى، ولما يكون ولم يقع، ولما هو كائن لم ينقطع، فأمَّا بناء ما مضى فـ (ذهب) و(سمع) و(مكث) و(حمد)، وأمَّا بناء ما لم يقع فإنَّه قولك آمراً: (اذهب) و(اقتل) و(اضرب)، ومخبراً: (يَقتُل) و(يَذهَب) و(يَضرِب) و(يُقتَل) و(يُضرَب)، وكذلك بناء ما لم ينقطع وهو كائن إذا أخبرت)(282)، فالفعل عندهم ثلاثة، لأنَّ أقسام الزمن ثلاثة، فربطوا كلّ قسمٍ من أقسام الفعل بقسم من أقسام الزمن(283).
أمَّا الكوفيّون فجعلوا الفعل قسمين: ماضياً ومضارعا، وذهبوا إلى أنَّ صيغة الأمر (افعل) ليست مستقلَّة في ذاتها، بل هي منقطعة من المضارع، وأصل (افعل): (لتفعل)، قال الفرّاء (ت 207هـ): (إلَّا أنَّ العرب حذفت اللام من الفعل المأمور المواجه، لكثرة الأمر خاصّة في كلامهم، فحذفوا اللام كما حذفوا التاء من الفعل، وأنت تعلم أنَّ الجازم أو الناصب لا يقعان إلَّا على الفعل الذي أوَّله الياء، والتاء، والنون، والألف، فلمَّا حُذفَت التاء ذهبت باللام وأحدثت الألف في قولك: اضْرِبْ، واُخْرُجْ، لأنَّ الضاد ساكنه فلم يستقم أن يُستأنَف بحرف ساكن، فأدخلوا ألفاً خفيفة يقع بها الابتداء، كما قالوا: ادّاركوا، واثّاقلتم)(284).
وينتهي صاحب الإنصاف بعد عرض حجج كلا الفريقين إلى أنَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(282) الكتاب 1: 12؛ وينظر 1: 138؛ والمقتضب 4: 81 و82.
(283) ينظر: أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 105.
(284) معاني القرآن 1: 469؛ وينظر: أمالي السهيلي: 119.

(٨٩)

(فعل الأمر صيغته مرتجلة قائمة بنفسها باقية في البناء على أصلها)(285)، في حين نجد ابن هشام مختاراً مذهب الكوفيين: (لأنَّ الأمر معنى حقّه أن يودّى بالحرف، ولأنَّه أخو النهي ولم يدلّ عليه إلَّا بالحرف، ولأنَّ الفعل إنَّما وضع لتقييد الحَدَث بالزمان المحصَّل)(286)، أمَّا السيوطي فقد اضطرب موقفه قال في الهمع: (والأمر مقتطع من المضارع على الأصحّ)(287)، وقال في الأشباه والنظائر: (والأمر صيغة مرتجلة على الأصحّ لا مقتطع من المضارع)(288).
وترتَّب على خلافهم في أصل فعل الأمر خلافهم فيه: أمعرب هو أم مبني؟ فذهب البصريون إلى أنَّ فعل الأمر مبني على السكون، لأنَّ الأصل في الأفعال أن تكون مبنيّة، والأصل في البناء أن يكون على السكون، قال سيبويه: (والوقف قولهم: (اضرب) في الأمر...، وكذلك كلّ بناء من الفعل كان معناه افْعَلْ)(289)، وقال المبرّد: (فأمَّا إذا كان المأمور مخاطباً ففعله مبني وغير مجزوم، وذلك قولك: اذهب وانطلق)(290).
وذهب الكوفيّون إلى أنَّه معرب مجزوم(291)، لأنَّ أصل (افْعَلْ) عندهم (لِتَفعْلْ).
ويقول الدكتور قيس الأوسي وفي رأيي أنَّ محاولة الكوفيين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(285) الإنصاف في مسائل الخلاف 2: 549/ مسألة 72.
(286) مغني اللبيب 1: 300.
(287) همع الهوامع 1: 39.
(288) الأشباه والنظائر 2: 131.
(289) الكتاب 1: 17.
(290) المقتضب 2: 131.
(291) ينظر: معاني القرآن (الفرّاء) 1: 469.

(٩٠)

والبصريين الكشف عن أصل فعل الأمر وخلافهم لم يفد الدرس النحوي، وبالتالي كان السبب في تعقيد النحو وتنفير الدارسين منه، والأجدى بدراسة الفعل في حدود واقعه اللغوي والتسليم بأنَّه مبني لتضمّنه معنى الأمر(292)، وهذا ما نراه صواباً.
وجاء أُسلوب الأمر بصيغة (افْعَلْ) في التوقيعات المهدوية في مائة وثمانية وثمانيين موضعاً، وكان استعمالها على النحو الآتي:
1 - فعل الأمر المسند إلى ضمير المفرد المخاطب:
وجاء هذا التركيب في مائة واثنين وسبعين موضعاً:
منها: ما ورد لشخص من اليمن اسمه علي بن الحسين كان مقيماً ببغداد، وتهيَّأت له قافلة لليمانيين، فأراد الخروج معهم، فكتب للإمام (عليه السلام) يلتمس الإذن في ذلك، فخرج له: (لا تخرج معهم، فليس لك في الخروج معهم خيرة، وأَقِمْ بالكوفة)(293).
جاء الأمر بالفعل (أَقِمْ)، وهو فعل أمر مبني على السكون، والفاعل ضمير مستترّ تقديره (أنت)، و(أَقِمْ) من الفعل الماضي (أقام)، وحُذِفَ الألف لالتقاء الساكنين، وهما سكون الميم لأجل الأمر وسكون الألف(294) لأنَّه من حروف العلَّة، واستعمل فعل الأمر في معناه الحقيقي، والذي هو الإلزام والوجوب.
ومن خلال السياق نجد أنَّ الإمام أمر بشدَّة، لأنَّه نهى أوَّلاً عن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(292) ينظر: أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 122.
(293) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 110؛ وينظر: الكافي 1: 519/ ح 12؛ الإرشاد: 352.
(294) ينظر: شرح شافية ابن الحاجب المسمّى بشرح النظّام: 155.

(٩١)

الخروج وبيَّن سبب عدم رضاه بالخروج، وهو ليس له خيرة وصلاح في هذا الخروج، ولذا بعد هذا أمره بالإقامة بالكوفة.
ومنها: ما ورد عنه (عليه السلام) جواباً لشخص كان من وكلاء الوقف الذين يجمعون المال للسلطان من الناس، يدعونه لطعام يأكل معهم وإلَّا عادوه، وعن هدية يقدّمونها له فماذا يفعل؟، فجاء: (إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكُلْ طعامه واقْبَلْ برَّه وإلَّا فلا)(295).
جاء فعلا الأمر (كُلْ) و(اقْبَلْ) مبنيّين على السكون، وفاعلها ضمير مستترّ تقديره (أنت)، والفعل (كُلْ) من (أَكَلَ - يأكل)، فحذفت الهمزة عند بنائه للأمر، جاء في شذا العرف: (وحكم المهموز كحكم السالم إلَّا أنَّ الأمر من أخذ وأكل، تحذف همزته مطلقاً، نحو: خُذْ وكُلْ)(296).
وجاء فعل الأمر (كُلْ) مقترناً بـ (فاء) الجزاء، لتقدّم الشرط عليه، جاء في شرح الرضي: (وتختصُّ بالجمل وتدخل على ما هو جزاء مع تقدّم الشرط)(297)، ويذكر الدكتور فاضل السامرائي المواطن التي يجب فيها اقتران الجواب بالفاء، ومنها: (أن يكون الجواب طلبياً)(298).
وفاء السببية ما بعدها بمنزلة المعلول لما قبلها، فإنَّ الذي بعدها يتحقَّق عند تحقّق ما قبلها، وهذا ما يسمّيه النحاة بالشرط والجزاء، فإنَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(295) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 178؛ وينظر: الغيبة للطوسي: 378 - 384/ ح 346.
(296) شذا العرف في فنّ الصرف: 43؛ وينظر: شرح ابن عقيل 4: 244؛ الصحاح 2: 559.
(297) شرح الرضي على الكافية 4: 387؛ وينظر: الجنى الداني: 67.
(298) معاني النحو 4: 105؛ وينظر: شرح الرضي على الكافية 4: 110.

(٩٢)

الجزاء مترتّب على حصول الشرط، وتقدير الكلام في النصّ أنَّ الرجل وكيل السلطان إذا كان يملك مالاً غير المال الذي يأخذه من الناس فيجوز الأكل من طعامه وقبول هديته، ولذا جاء بعدها بالاستثناء وقال الإمام (عليه السلام): (وإلَّا فلا)، أي إذا لم يكن لديه مال آخر غير الذي يأخذه فلا يجوز الأكل، ولا يجوز قبول هديته.
وقد خرج الأمر عن معناه الحقيقي وهو طلب الفعل إلى معنى آخر يفهم من السياق وهو الإباحة، وهو أحد المعاني المجازية التي يخرج إليها الأمر(299)، أي: إذا كان لديه مال آخر فيجوز لك الأكل ومباح أخذ الهدية منه، وقد ورد في القرآن الكريم بقوله تعالى: (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) (المائدة: 2)، فالله تعالى لم يطلب من الحاج أن يصطاد بعد الإحلال من الإحرام، وإنَّما أباح وجوَّز للحاج ذلك.
ومنها: ما ورد عنه (عليه السلام) في أحد أدعيته: (يا ربّ اغفر لي وارحم، وتجاوز عمَّا تعلم، إنَّك أنت الأعزُّ الأكرم)(300).
تكرَّر فعل الأمر في النصّ ثلاث مرَّات: (اغفر)، و(ارحم)، و(تجاوز)، وقد سبق بالنداء لأهمّية المتوجّه إليه، وقد خرج الأمر في الأفعال الثلاثة إلى الدعاء، وهو أحد المعاني المجازية التي يخرج إليها الأمر، جاء في الكتاب: (واعلم أنَّ الدعاء بمنزلة الأمر والنهي، وإنَّما قيل: دعاء، لأنَّه استعظم أن يقال: أمر ونهي، وذلك قولك: اللّهمّ زيداً فاغفر ذنبه)(301).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(299) ينظر: أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 206؛ ومعاني النحو 4: 30.
(300) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 258؛ وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 470/ باب 43/ ح 24؛ والغيبة للطوسي: 259/ ح 227.
(301) الكتاب 1: 142.

(٩٣)

سبب خروج الفعل من الأمر إلى الدعاء، لأنَّ الطلب في الأفعال الثلاثة هو من الداني إلى العالي، ولا يصحُّ أنَّ الداني يأمر العالي، لأخذ النحاة شرط الاستعلاء من الآمر، وأفاد تكرار الأفعال في الدعاء لشدَّة الاحتياج والرغبة من الداعي إلى الله تعالى، لأنَّ جميع الناس فقراء ومحتاجون إلى رحمته وعفوه وغفرانه، وهذه الحقيقة يتحدَّث عنها القرآن الكريم: (يا أَيهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر: 15).
ومنها: كتب له (عليه السلام) شخص يسأله أن يدعو الله أن يرزقه ولدا، فأجابه (عليه السلام)، فورد إليه: (اللّهمّ ارزقه ولداً ذكراً تُقِرُّ به عينه، واجْعَلْ هذا الحمل الذي له وارثاً)(302).
ورد فعل الأمر (ارزقه)، و(اجْعَلْ)، من الداني إلى العالي، ولذا خرج الأمر عن المعنى الحقيقي وهو طلب الفعل إلى المعنى المجازي وهو الدعاء، وقد سبق فعل الأمر بالنداء (اللّهمّ) لأنَّها مستجمعة لصفات الله تعالى، وكأنَّ الداعي يمدح ويثني على الله تعالى قبل طلب المسألة، وهذا من آداب الداعي. وطلب الرجل من الإمام بأن يدعو الله له، لأنَّ الإمام هو الوسيلة والواسطة بين الخلق والله تعالى لقوله (عزَّ وجلَّ): (يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) (المائدة: 35).
فلم يطلب الرجل من الإمام رزق الولد، بل طلب منه أن يدعو له الله تعالى أن يرزقه ولداً.
وجاءت المواطن الأُخرى من التراكيب في التوقيعات المهدوية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(302) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 323؛ وينظر: الإرشاد: 352؛ وفرج المهموم: 244؛ والمستجاد من كتاب الإرشاد: 265.

(٩٤)

بهذين المعنيين(303)، أعني الأمر الحقيقي وهو طلب الفعل، وقد ورد في سبعة وثلاثين موضعاً، وما تبقّى منها خرجت للمعنى المجازي الذي أفاد الدعاء، وكثرة الأوامر التي خرجت للدعاء تدلُّ على مدى ارتباط الإمام (عليه السلام) وخضوعه لله تعالى.
2 - فعل الأمر المسند إلى (ألف الاثنين):
ورد فعل الأمر المسند إلى ألف الاثنين في ثلاثة مواضع من التوقيعات:
منها: ما ورد في دعائه (عليه السلام): (اللّهمّ إنّي أسألك باسمك الذي عزمت به على السموات والأرض، فقلتَ لهما: (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (فصّلت: 11))(304).
جاء فعل الأمر (ائتيا) مسنداً إلى ألف الاثنين الذي يعود على السماوات والأرض، وقد دلَّ الفعل على معناه الحقيقي، وهو الإلزام ووجوب الإتيان والامتثال لأمر الله تعالى، ولم يكن المقصود هو حضور السماوات والأرض، بل المقصود بالإتيان هو الامتثال، جاء في المستدرك: (عن ابن عبّاس: فقال لها وللأرض: (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً)، قال للسماء: أخرجي شمسك وقمرك ونجومك، وقال للأرض: شقّي أنهارك وأخرجي ثمارك، فقالتا: أتينا طاعين)(305)، وقد أكَّد هذا المعنى المفسّرون(306).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(303) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 124 و130 و163 و247 و367 و392.
(304) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 280؛ وينظر: بحار الأنوار 91: 275/ باب 7/ ح 25؛ ومحلّ الشاهد هو من القرآن الكريم.
(305) المستدرك للحاكم النيسابوري 1: 27.
(306) ينظر: التفسير الصافي 4: 354؛ وتفسير السمرقندي 3: 210.

(٩٥)

ومنها: ما ورد في دعائه (عليه السلام) المعروف بدعاء الفرج: (يا محمّدُ يا عليُّ، يا عليُّ يا محمّد، اكفياني وانصراني فإنَّكما ناصراي)(307).
جاء الأمر بالفعلين (اكفياني) و(انصراني)، وقد أسندهما إلى الألف الذي يعود على الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) والإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد خرج الأمر عن الطلب بالفعل إلى معنى آخر وهو الدعاء، فإنَّ الإمام (عليه السلام) يدعو الرسول والإمام علي بأن يكفياه الأعداء، وينصرانه، وأكَّد بأنَّهما ناصراه، لأنَّه يسير على نهجهما، وهو امتداد لهما ومكمّل لدورهما في نشر الرسالة الإسلاميّة، ونادى الرسول والإمام علي لأنَّ الإمام علي هو نفس الرسول لقوله تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) (آل عمران: 61).
3 - فعل الأمر المسند إلى (واو الجماعة):
ورد فعل الأمر مسنداً إلى (واو الجماعة) في ثلاثة عشر موضعاً:
منها: ما ورد عنه (عليه السلام) بإرجاع الناس في زمان وقوع الغيبة إلى رواة الحديث وهم العلماء، فإنَّهم الحجَّة على الناس في زمان الغيبة، إذ جاء التوقيع: (وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنَّهم حجَّتي عليكم وأنا حجَّة الله عليهم)(308).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(307) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 350؛ وينظر: فرج المهموم: 245؛ وبحار الأنوار 51: 304/ باب 15.
(308) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 126؛ وينظر: الغيبة للطوسي: 290/ ح 247؛ وهداية الأُمَّة إلى أحكام الأئمّة 1: 33/ ح 16؛ ومستدرك الوسائل 12: 316/ باب 36/ ح 23.

(٩٦)

جاء فعل الأمر (ارجعوا) مسنداً إلى (واو الجماعة)، وجاء الفعل مقترناً بالفاء، وهي فاء السببية التي تفيد أنَّ ما بعدها متعلِّقاً بما قبلها، وهو سبب لما بعدها، وهنا لم يتقدَّم شرط على (الفاء)، لكنَّه تقدَّم ما يصلح أن يكون شرطاً، جاء في شرح الرضي: (وتختصُّ بالجمل، وتدخل على ما هو جزاء مع تقدّم الشرط... وبدونها، نحو: زيدٌ فاضلٌ فأَكْرِمْهُ، وتعريفه بأن يصلح تقدير (إذا) الشرطية قبل الفاء، وجعل مضمون الكلام السابق شرطها)(309).
وتقدير الكلام في النصّ: إذا وقعت لكم الحوادث فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا.
وقد دلَّ الأمر على معناه الحقيقي وهو الوجوب والإلزام بالرجوع إلى رواة الأحاديث، وهم العلماء في المسائل والأحكام التي تعرض على الإنسان، وهذا ما يسمّى عند الشيعة الإمامية بالتقليد لعلماء الدين وفق شروط خاصّة(310)، ولذا عمل الإنسان بدون تقليد باطل، جاء في منهاج الصالحين: (عمل غير المجتهد بلا تقليد ولا احتياط باطل، بمعنى أنَّه لا يجوز له الاجتزاء به)(311).
وجاءت أفعال الأمر الأُخرى المسندة إلى (واو الجماعة) كلّها تدلُّ على المعنى الحقيقي للأمر، وهو طلب الفعل على نحو الوجوب والإلزام(312).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(309) شرح الرضي على الكافية 4: 387.
(310) البلوغ والعقل والإيمان والذكورة والاجتهاد والعدالة وطهارة المولد والضبط بالمقدار المتعارف والحياة، فلا يجوز تقليد الميّت ابتداءً. (ينظر: منهاج الصالحين للسيّد السيستاني 1: 10).
(311) منهاج الصالحين للسيّد السيستاني 1: 9/ مسألة 2.
(312) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 127 و128 و150 و250 و353.

(٩٧)

ثانياً: الأمر بصيغة (لِيَفْعَلْ):
هذه الصيغة مركَّبة من الفعل المضارع المسبوق بـ (لام) الأمر(313)، وتُسمّى أيضاً بـ (لام) الطلب والجزم(314)، فهي تجزم المضارع وتنقله من الحال إلى الاستقبال(315).
وهذه الصيغة تُستَعمل في أمر غير المخاطب، وهي بمنزلة (افْعَلْ) في أمر المخاطب(316)، وغير المخاطب كأمر المتكلّم لنفسه، نحو: لأذهبْ إليه، ومنه قوله تعالى: (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) (العنكبوت: 12)، وأمر الغائب، كقوله تعالى: (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) (النساء: 102)(317)، ودخولها على الفعل الغائب كثير ومطَّرد، وهو ما أجمع عليه النحاة(318)، وإنَّ (لام) الأمر من الأدوات العاملة الجازمة للفعل عند النحاة، يقول سيبويه في: (باب ما يعمل في الأفعال فيجزمها، وذلك (لم) و(لما) و(اللام) التي في الأمر، وذلك قولك: ليفعل، و(لا) في النهي، وذلك قولك: لا تفعل)(319)، وهم يعدّون الجزم حالة إعرابية يختصُّ بها الفعل المضارع(320)، وخالف ذلك الدكتور قيس الأوسي إذ قال: (والجزم في صيغة (ليفعل) ليس حالة إعرابية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(313) ينظر: الكتاب 3: 8.
(314) ينظر: الجنى الداني: 110.
(315) ينظر: اللامات: 88.
(316) ينظر: الكتاب 1: 138.
(317) ينظر: معاني النحو 4: 7.
(318) ينظر: شرح الرضي الكافية 4: 84؛ ومغني اللبيب 1: 294؛ همع الهوامع 2: 443.
(319) الكتاب 3: 8.
(320) ينظر: الكتاب 3: 9.

(٩٨)

يسبّبها العامل - كما زعم النحاة - وإنَّما هو قد أُلتزم فيها علامة على الأمر، فجُعلت صيغة (ليفعل) مثل صيغة (افْعَلْ) ساكنة الآخر، وذلك لأنَّها تلتقي معها في الدلالة على الأمر)(321).
ويرى الباحث بأنَّ ما ذهب إليه الدكتور قيس الأوسي ليس بعيداً عن الصواب لما ذكر، وهو دلالة الصيغتين على الأمر، ومثلما جعلوا الجزم في (افْعَلْ) فليكن في صيغة (ليفعل).
وقد ورد الأمر بصيغة (ليفعل) في التوقيعات المهدوية في ثمانية مواضع، وبأساليب متعدّدة:
فجاء في أربعة مواضع الأمر للغائب والفعل مسنداً إلى (واو الجماعة) ومقترناً بالعاطف، وذلك ما ورد عنه (عليه السلام) في إدانة بعض أهل العقائد الفاسدة، والنصح والإرشاد لهم، بقوله: (فليدعوا عنهم اتّباع الهوى، وليقيموا على أصلهم الذي كانوا عليه...، وليعلموا أنَّ الحقَّ معنا وفينا، لا يقول ذلك سوانا إلَّا كذّاب مفتر، ولا يدَّعيه غيرنا إلَّا ضالّ غوى، فليقتصروا منّا على هذه الجملة دون التفسير)(322).
ورد الأمر بصيغه (ليفعل) في النصّ في أربعة أفعال، (فليدعوا) و(وليقيموا) و(وليعملوا) و(فليقتصروا)، وقد سبق هذه الأفعال حرف العطف، ففي فعلين منهما سبقا بالواو، وفي فعلين سبقا بالفاء، ولذلك سُكِّنَتْ اللام في الفعل بعد أن كان الأصل فيها الكسرة، قال الفرّاء: (وكلّ لام إذا استؤنفت ولم يكن قبلها (واو)، ولا (فاء)، و(لا)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(321) ينظر: أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 148.
(322) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 120؛ وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 510/ باب 45/ ح 43؛ والخرائج والجرائح 3: 1109/ باب 20/ ح 26.

(٩٩)

ثمّ كسرت، فإذا كان معها شيء من هذه الحروف سُكِّنَتْ)(323)، ويجوز في هذه الحالة إبقاء (اللام) على الكسر إلَّا أنَّ إسكانها تخفيفاً وهو الأكثر على الألسن(324).
وجاءت الأفعال كلّها متَّصلة بـ (واو الجماعة)، وهي ضمير متَّصل مبني على الضمّ في محلّ رفع فاعل، وجاء الخطاب في الجميع للغائب، وهو الأكثر وروداً في هذه الصيغة في كلام العرب، وجاء الأمر في الأفعال على معناه الحقيقي، وهو الإلزام والوجوب، فأمرهم الإمام (عليه السلام) بترك اتّباع الهوى، ويجب عليهم الإقامة والثبات على أصلهم، وهو اتّباع أهل البيت (عليهم السلام)، وأمرهم بأن يعملوا ويتيقَّنوا بأنَّ الحقَّ معهم وفيهم، ولا يدَّعيه غيرهم إلَّا كاذباً ومفترياً وضالَّا، وقد يكون الأمر في هذه الأفعال للإرشاد.
ومنها: كتب له (عليه السلام) رجل أنَّه ينوي إخراج شيء من ماله، وأن يدفعه إلى رجل من إخوانه، ثمّ يجد في أقربائه محتاجا، أيصرف ذلك عمَّن نواه له أو إلى قرابته؟، فورد له الجواب من الإمام (عليه السلام): (فليقسِّم بين القرابة وبين الذي نوى حتَّى يكون قد أخذ بالفضل كُلِّه)(325).
ورد الأمر بصيغة (ليفعل) في الفعل (فليقسم)، وجاءت (لام) الأمر بالفعل ساكنةً لسبقها بحرف العطف (الفاء)، وإسكانها هو الأكثر في كلام العرب بعد أن كان الأصل فيها الكسر، واستعمل فعل الأمر للغائب وهو الأكثر وروداً في اللغة لهذه الصيغة، وجاء الفاعل ضميراً مستتراً يدلُّ على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(323) معاني القرآن 1: 285.
(324) ينظر: أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 148.
(325) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 193؛ وينظر: الاحتجاج: 587 و588.

(١٠٠)

الغائب، وقد خرج الأمر عن معناه الحقيقي وهو الإلزام إلى معنى آخر يفهم من السياق، وقد أفاد بالنصّ من خلال القرائن والسياق، وأنَّ الأمر قد خرج للندب، أي الاستحباب والأفضل في التقسيم، وقد ورد هذا في القرآن الكريم بقوله تعالى: (فَانْتَشرُوا فِي الْأَرضِ) (الجمعة: 10)، وهناك موضعان آخران وردا بهذا التركيب نفسه(326).
ومنها: ما ورد للشيخ المفيد من رسالة طويلة من صاحب الأمر (عليه السلام) يبيّن له فيها كثيراً من الأُمور، فجاء فيها: (فليعمل كُلُّ امْرءٍ منكم بما يقرِّب به محبّتنا، ويتجنَّب ما يُدنيه من كراهتنا وسخطنا)(327).
ورد الأمر بصيغة (ليفعل) في الفعل (فليعمل)، وجاءت (لام الأمر) ساكنة لكونها مسبوقة بحرف العطف (الفاء)، فلذا لم تكسر كما هو أصلها، واستعمل فعل الأمر للغائب، وجاء الفاعل ظاهراً وهو (كلُّ امرءٍ)، واستعمل الفعل في معناه الأصلي الذي يدلُّ على الوجوب والإلزام بالعمل بما يقرِّب من أهل البيت، ويتجنَّب الأُمور التي تؤدّي إلى كراهتهم وسخطهم.
ومن خلال ما تقدَّم نجد أنَّ استعمال هذه الصيغة في الموارد جاء لأمر الغائب.
ثالثاً: الأمر باسم الفعل:
عُرِّفت أسماء الأفعال بأنَّها أسماء تدلُّ على معنى الفعل، فأُجريت مجراه من حيث العمل، إلَّا أنَّها لا تقبل علامته(328)، وقد عقد سيبويه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(326) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 185 و321.
(327) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 354؛ وينظر: الاحتجاج 2: 599.
(328) ينظر: المقتضب 3: 202؛ وشرح المفصَّل 1: 172.

(١٠١)

لاسم فعل الأمر باباً تحت عنوان: (هذا باب من الفعل سُمّي الفعلُ فيه بأسماء لم تؤخذ من أمثلة الفعل الحادث)(329)، وأكثر أسماء الأفعال هي ما كانت بمعنى الأمر(330)، ومصطلح (اسم فعل الأمر) مصطلح بصري(331).
والكوفيّون يعدّون أسماء الأفعال أفعالاً حقيقية لدلالتها على الحدث والزمان(332)، ومن النحاة المتأخّرين من عدَّ أسماء الأفعال قسماً رابعاً من أقسام الكلام أطلق عليه مصطلح (الخالفة)، قال أبو حيّان الأندلسي (ت 745هـ): (ذهب بعض المتأخّرين إلى أنَّها ليست أسماءً ولا أفعالاً ولا حروفا، فإنَّها خارجة عن قسمة الكلمة المشهورة، ويُسمّيها خالفة، فهي قسم رابع من قسمة الكلمة)(333).
أمَّا ما ذهب إليه علماء الدرس الحديث فإنَّهم وافقوا الكوفيين في أنَّها أفعال، والدكتور المخزومي يسمّيها الأفعال المتخلّفة، ويرى أنَّ (هذه الكلمات الشاذّة أفعال حقيقية كما قال الكوفيّون، ولكنَّها تخلَّفت عن سائر الأفعال، فلم تسلك سبيل الأفعال في تصرّفها، ولا في صياغتها، ولا في اتّصالها باللواحق)(334). وقال الدكتور قيس الأوسي: (والصحيح في أسماء الأفعال هذه التي أسموها بالموضوعة والمرتجلة أنَّها أفعال، وذلك لأنَّها تستخدم استخدام الأفعال، وتدلُّ على ما تدلُّ عليه سائر الأفعال من الحدث والزمن، ولكنَّها أفعال قديمة متخلّفة جمدت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(329) الكتاب 1: 241.
(330) ينظر: المقتصد في شرح الإيضاح 1: 569.
(331) ينظر: مدرسة الكوفة: 308.
(332) ينظر: حاشية الصبّان على شرح الأشموني 3: 288.
(333) ارتشاف الضرب 5: 2289.
(334) في النحو العربي (قواعد وتطبيق): 140 و141.

(١٠٢)

على حال واحدة ولم تتصرَّف تصرّف الأفعال)(335)، وهذا ليس بعيداً عن الصواب.
وإنَّ أسماء الأفعال مبنيّة، وعلَّة البناء شبهها بالحرف، أو تضمّن معناه، قال ابن جنّي (ت 393هـ): (ألَا ترى أنَّ (صَهْ) بمعنى (اسكت) وأنَّ أصل اسكت: لِتَسْكُتْ...، فلمَّا ضُمِّنت هذه الأسماء معنى لام الأمر شابهت الحروف فبنيت)(336).
وفائدة أسماء الأفعال هي السعة في اللغة، والتفنّن في التعابير، والمبالغة، والإيجاز والاختصار طلباً للخفَّة(337)، وحكمها في العمل حكم الأفعال التي بمعناها، فبعضها يكون لازما، وبعضها يكون متعدّيا(338)، وتقسَّم أسماء الأفعال من حيث دلالتها على الزمن إلى ماضٍ ومضارعٍ وأمرٍ(339).
 وقد ورد الأمر باسم فعل الأمر في التوقيعات المهدوية في موضع واحد، وذلك في دعائه (عليه السلام) عقيب زيارة (آل يس)، حيث جاء: (وأرني في آل محمّد ما يأملون، وفي عدوّهم ما يحذرون، إله الحقّ آمين، يا ذا الجلال والإكرام، يا أرحم الراحمين)(340).
جاء الأمر باسم الفعل (آمين)، وقد تعدَّدت الأقوال في معنى (آمين)، فعن ابن عبّاس (ت 68هـ) أنَّ معناه: (فليكن كذلك، ويقال:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(335) أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 188.
(336) الخصائص 3: 49.
(337) ينظر: الخصائص 3: 48 و49؛ والمرتجل: 249.
(338) ينظر: اللباب في علل البناء والإعراب: 299؛ شرح الرضي على الكافية 3: 88.
(339) ينظر: شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك: 435 و436.
(340) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 203؛ وينظر: الاحتجاج 2: 595.

(١٠٣)

ربّنا افعل بنا كما سألناك)(341)، وعن الإمام الصادق (عليه السلام) (ت 148هـ): (إنَّ تفسير قولك: (آمين) ربّ افعل)(342)، وروي عنه (عليه السلام) في حديث آخر أنَّ (آمين) اسم من أسماء الله (عزَّ وجلَّ)، وهو ما قال به الخليل وثعلب (ت 291هـ)(343)، وفسره الزجّاجي (ت 311هـ) بـ (اللّهمّ استجب)(344).
ويجوز في (آمين) القصر والمدّ (أمين، آمين)، وأصله القصر ليكون على وزن (فعيل)، وإنَّما مُدَّ ليرتفع الصوت بالدعاء، وأمَّا (آمين) فوزنه (فاعيل) أشبع فتحة الهمزة فتولَّدت منه ألف، وليس هذا البناء من أبنية العرب(345).
وقد استعمل اسم الفعل في النصّ وأفاد الدعاء والتضرّع لله تعالى.
رابعاً: الأمر بصيغة الخبر:
الأمر بصغية الخبر هو أُسلوب من أساليب الأمر في اللغة العربية، وهو ما كان لفظه وإعرابه لفظ الخبر وإعرابه، ومعناه معنى الأمر(346)، ومن (ذلك اتَّقى الله امرؤ وفعل خيراً يُثَبْ عليه، لأنَّ فيه معنى: ليتَّق الله امرؤ وليفعل خيراً، وكذلك ما أشبه هذا)(347)، ومنه (قولك: غفر الله لزيد، ورَحِمَ الله زيداً، ونحو ذلك، فإنَّ لفظه الخبر ومعناه الطلب، وإنَّما كان كذلك لعلم السامع أنَّك لا تخبر عن الله (عزَّ وجلَّ) وإنَّما تسأله)(348).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(341) تنوير المقباس من تفسير ابن عبّاس: 3.
(342) معاني الأخبار: 349.
(343) ينظر: معاني الأخبار: 349؛ وكتاب العين 1: 108/ مادّة (أ م ن)؛ ومجالس ثعلب 1: 126.
(344) ينظر: معاني القرآن وإعرابه 1: 58.
(345) ينظر: إعراب ثلاثين سورة من القرآن: 47؛ وكشف المشكلات وإيضاح المعضلات 1: 11.
(346) ينظر: أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 201.
(347) الكتاب 3: 100؛ وينظر: الصاحبي في فقه اللغة: 290.
(348) المقتضب 2: 32؛ وينظر: المقتصد في شرح الإيضاح 1: 377.

(١٠٤)

وقد ورد في القرآن الأمر بصيغة الخبر، كقوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (البقرة: 228)، فالذي يدلُّ عليه الكلام على أنَّ الخبر مستعمل في معنى الأمر والإلزام، والتقدير: (ليتربَّص المطلّقات بأنفسهنَّ ثلاثة قروء)، وهي عدَّة المطلَّقة يجب عليها الانتظار ثلاثة قروء.
ويأتي الأمر بصيغة الخبر مفيداً الأمر الحقيقي والدعاء، وهذا ما جاءت به الموارد في التوقيعات المهدوية، يقول سيبويه: (واعلم أنَّ الدعاء بمنزلة الأمر والنهي، وإنَّما قيل: دعاء لأنَّه استعظم أن يقال: أمر ونهي...، تقول: (زيد قطع الله يده)...، لأنَّ معناه (زيداً ليقطع الله يده))(349).
وقد ورد الأمر بصيغة الخبر في التوقيعات المهدوية في مائة وستَّة وثلاثين موضعا، منها سبعة وعشرون مورداً في الخبر الذي أفاد الأمر الحقيقي، والموارد الأُخرى من صيغ الخبر دلَّت على الأمر، وقد خرج إلى الدعاء.
ومن هذه الموارد: كتبت إليه (عليه السلام) امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أوَّل يوم من شهر رمضان، ثمّ استحاضت فصلَّت وصامت شهر رمضان كلّه، ومن غير أن تعمل ما تعمل المستحاضه من الغُسل لكلّ صلاتين، فهل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فكتب (عليه السلام): (تقضي صومها، ولا تقضي صلاتها)(350).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(349) الكتاب 1: 142.
(350) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 273؛ وينظر: علل الشرائع 1: 293/ باب 224/ ح 1.

(١٠٥)

تمثَّل الأمر بقوله (عليه السلام): (تقضي صومها)، فإنَّها جملة خبرية دلَّت على الأمر الحقيقي من الإمام للمرأة، لأنَّها تسأل وتطلب الحكم الشرعي لتعمل به، وتقدير الكلام: (لتقض صومها)، وإخراج الأمر في صورة الخبر أبلغ من صريح الأمر، لأنَّه يفيد تأكيد الأمر والمبالغة في الحثّ عليه حتَّى كأنَّه سورع فيه إلى الامتثال والانتهاء فهو يخبر عنه(351)، ومعنى الأمر في النصّ هو الإرشاد وتعريف المرأة بالحكم الشرعي.
ومنها: ما ورد في إجاباته (عليه السلام) عن أسئلة فقهية متعدّدة، فجاء: (وأمَّا ما سألت عنه من أمر المولود الذي تنبت غلفته بعد ما يُخْتَنُ هل يُخْتَنْ مرَّة أُخرى؟ فإنَّه يجب أن تُقطَع غلفته، فإنَّ الأرض تضجُّ إلى الله من بول الأغلف أربعين صباحاً)(352).
تمثَّل الأمر بقوله (عليه السلام): (يجب أن تُقطَع غلفته)، فإنَّها جملة خبرية دلَّت على الأمر، والتقدير: ليقطع غلفته، وهنا جاء الأمر في معناه الحقيقي في معنى الإلزام والوجوب.
وقد وردت الموارد الأُخرى بصيغة الخبر الدالّة على الأمر الحقيقي بهذه الأساليب(353).
ومنها: كتب له (عليه السلام) أحد الأصحاب بأن يتفضَّل عليه بدعاء جامع له ولإخوانه للدنيا والآخرة، فجاء منه (عليه السلام): (جَمَعَ اللهُ لك ولإخوانك خير الدنيا والآخرة)(354).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(351) ينظر: تفسير الكشّاف 1: 267.
(352) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 130؛ وينظر: من لا يحضره الفقيه 1: 498/ ح 1427.
(353) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 151 و160 و176 و188 و194.
(354) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 154؛ وينظر: الغيبة للطوسي: 373 - 378/ ح 345.

(١٠٦)

تمثَّل الأمر بقوله (عليه السلام): (جمع الله لك)، أي: ليجمع الله لك، وهنا دلَّ الأمر على الدعاء، واستعمل بصيغة الخبر للتفاؤل بالوقوع، وعدّها من الأُمور الحاصلة.
ومنها: ما ورد عنه (عليه السلام) في الأدعية إذ جاء: (اللّهمّ إنّي أسألك أن تُصلّي على محمّد نبيّ رحمتك وكلمة نورك)(355).
جاء الأمر بالجملة: (أسألك أن تُصلّي)، أي: الأمر بالصلاة على محمّد، والأمر يدلُّ على الدعاء.
وجاءت الموارد الأُخرى بهذه الأساليب(356).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(355) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات 6: 202؛ وينظر: الاحتجاج 2: 594.
(356) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 151 و176 و247 و379 و380 و384 و385 و388.

(١٠٧)

أُسلوب النهي

مفهوم النهي لغةً واصطلاحاً:
أ) النهي لغةً:
(النَّهْيُ خلاف الأمر، تقول: نَهَيْتُهُ، وفي لُغَةٍ نَهَوْتُهُ عنه، وما تَنْهاهُ عنّا ناهية، أي: ما تكفُّهُ عنَّا كافَّة)(357)، (والنون، والهاء، والياء، أصلٌ صحيحُ يدلُّ على الغاية والنهاية، ونهيته عنه وذلك لأمر يفعله)(358)، والنهي معناه في أصل اللغة طلب الكفّ عن الفعل، ونهاه ينهاه نهياً فانتهى وتناهى كفَّ(359).
ب) النهي اصطلاحاً:
النهي هو نفيُ القيامِ بالفعل، جاء في الكتاب: (لا تَضرِبْ نَفْيٌ لقوله: اضْرِبْ)(360)، فلذا هو طلب الكفّ عن الفعل على جهة الاستعلاء والإلزام(361).
وللنهي صيغةٌ واحدةٌ، وهي المضارع المقرون بـ (لا) الناهية الجازمة(362)، التي تُخَلِّصُهُ للاستقبال(363)، وإنَّما جزمت المضارع، لأنَّها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(357) كتاب العين 3: 1850/ مادّة (ن هـ ي).
(358) معجم مقاييس اللغة 5: 359.
(359) ينظر: لسان العرب 15: 344.
(360) الكتاب 1: 136.
(361) ينظر: كشف المشكل في النحو 4: 481؛ ومفتاح العلوم: 429.
(362) ينظر: حروف المعاني: 32؛ ومعاني الحروف: 94.
(363) ينظر: رصف المباني: 339؛ والجنى الداني: 300.

(١٠٨)

اختصَّت به، ولم تكن كجزء منه، نحو: السين وسوف، وكلُّ ما اختصَّ بالفعل ولم يكن كجزء منه فبابه الجزم المختصّ بالفعل(364).
و(لا) الناهية تدخل على الفعل المضارع للشاهد المخاطَب، كقوله تعالى: (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) (الممتحنة: 1)، والغائب كقوله تعالى: (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران: 28).
جاء في المقتضب: (فأمَّا حرف النهي فهو (لا)، وهو يقع على فعل الشاهد والغائب، وذلك نحو قولك: لا تَقُمْ يا رجلُ، لا يَقُمْ زيدٌ، لا تَقُومي يا امرأة، فالفعل بعده مجزومٌ به)(365)، وذكروا أنَّ نهي فعل الحاضر بـ (لا) أكثر من الغائب، وقيل: على السواء(366)، وزاد ابن هشام وقوعها على فعل المتكلِّم(367).
وقد ورد النهي في التوقيعات المهدوية بأساليب مختلفة، وهي على النحو الآتي:
أوَّلاً: النهي بـ (لا) الناهية:
وجاء في تسعة وعشرين موضعاً، وذلك على النحو الآتي:
1 - (لا) الناهية مع فعل المخاطب:
وجاءت بعدَّة صيغ:
أ) صيغة (لا تفعل):
وجاءت في عشرين موضعاً، وهي أكثر الموارد وروداً، لأنَّ النهي يكون للمخاطَب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(364) ينظر: رصف المباني: 339.
(365) المقتضب 2: 134؛ وينظر: كشف المشكل في النحو 4: 482.
(366) ينظر: شرح الرضي على الكافية 4: 86؛ وارتشاف الضرب 2: 1858.
(367) ينظر: مغني اللبيب 1: 324.

(١٠٩)

فمنها: عن رجل من اليمن، قال: كنت ببغداد، فتهيَّأت قافلة لليمانيين، فأردت الخروج معها، فكتبت للإمام (عليه السلام) ألتمس الإذن في ذلك، فخرج إليَّ: (لا تَخْرُجْ معهم فليس لك في الخروج معهم خيرة)(368).
جاء النهي بالفعل (تخرج) الداخلة عليه (لا) الناهية، فلذا الفعل مجزوم بها، وقد دلَّ النهي على الكراهة، إذ أنَّه ليس في خروجه معهم خيرة، فلذا هو إرشاد منه (عليه السلام) لهذا الرجل.
وقد ورد هذا المعنى في القرآن الكريم بقوله تعالى: (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرضِ مَرَحاً) (الإسراء: 37)، (لقمان: 18).
ومنها: ما ورد عنه (عليه السلام) جواباً لبعض الأصحاب: (وأمَّا أبو الخطّاب محمّد بن أبي زينب الأجدع، فملعونٌ وأصحابه ملعونون، فلا تجالس أهل مقالتهم)(369).
ورد النهي بالفعل (تجالس) المسبوق بـ (لا) الناهية، فلذا جزم الفعل، وقد اقترنت الأداة (لا) بالعاطف (فاء) السببية، وهي أفادت أنَّ سبب عدم مجالسة هؤلاء لأنَّهم ملعونون من الإمام (عليه السلام)، وهنا جاء النهي بمعناه الحقيقي، وهو لزوم الترك ووجوبه.
ومنها: ما ورد عنه (عليه السلام) في أحد أدعيته: (يا من لا يُخْلِفُ الميعاد، أنجز لي ما وعدتني، واجمع لي أصحابي، وصبِّرهُمْ، وانصرني على أعدائك وأعداء رسولك، ولا تُخَيِّبْ دعوتي، فإنّي عبدُكَ وابنُ أَمَتِكَ)(370).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(368) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 110؛ وينظر: الكافي 1: 519/ ح 12؛ والإرشاد: 352؛ وكمال الدين وتمام النعمة: 419/ باب 45/ ح 14.
(369) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 127؛ وكمال الدين وتمام النعمة: 483/ باب 45/ ح 4؛ والغيبة للطوسي: 290/ ح 247؛ وإعلام الورى: 423.
(370) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 376؛ وينظر: منهج الدعوات: 68.

(١١٠)

جاء النهي بالفعل (تُخَيِّبْ) الداخلة عليه (لا) الناهية، فلذا جزم الفعل، وقد خرج النهي بحسب السياق والقرائن إلى الدعاء والتضرّع، وذكر سيبويه أنَّ (لا) الناهية قد تستعمل في معنى الدعاء(371).
وجاءت الموارد الأُخرى من النهي للمخاطب بصيغة (لا تفعل) بهذه المعاني الثلاث، وهي الدعاء والإرشاد، أو الكراهة، أو المنع وطلب الترك للفعل(372).
ب) صيغة (لا تفعلوا):
وجاءت في خمسة مواضع من التوقيعات:
فمنها: ما ورد عنه (عليه السلام) في إجابته لبعض المسائل التي أشكلت على أحد الأصحاب، فجاء: (وأمَّا علَّة ما وقع من الغيبة فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) (المائدة: 101). إنَّه لم يكن أحد من آبائي (عليهم السلام) إلَّا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي)، وفي مواضع أُخر: (فأَغْلِقُوا بابَ السؤال عمَّا لا يعنيكم، ولا تتكلَّفوا عِلْمَ ما قد كفيتم)(373).
جاء النهي بموضعين في النصّ بصيغة (لا تفعلوا)، وهما (لا تسألوا) و(لا تتكلَّفوا)، وقد خرج النهي إلى الإرشاد والكراهة من الإمام (عليه السلام) لهذه الأفعال التي يقومون بها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(371) ينظر: الكتاب 1: 142.
(372) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 158 و266 و284 و390.
(373) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 127؛ والفعل (لا تسألوا) هو من سورة (المائدة: 101)، واستشهد بها الإمام (عليه السلام)، وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 483/ باب 45/ ح 4؛ الأنوار البهيّة في تواريخ الحجج الإلهية: 373.

(١١١)

وجاءت الموارد الأُخرى لهذه الصيغ بنفس المعنى، وهو النهي الإرشادي الكراهتي(374).
2 - (لا) الناهية مع فعل الغائب:
وجاءت بعدَّة صيغ:
أ) صيغة (لا يفعل):
جاءت هذه الصيغة في موردين:
منها: ما ورد عن بعض الأصحاب، يقول: تهيَّأت للحجّ وودَّعت الناس، فورد عليَّ من الإمام (عليه السلام): (نحن لذلك كارهون)، فضاق صدري، واغتممت، وكتبت: أنا مقيم على السمع والطاعة، فورد إليَّ توقيعه: (لا يضيقنَّ صدرُكَ فإنَّك ستحجّ من قابل إن شاء الله)(375).
جاء النهي بالجملة (لا يضيقنَّ صدرك)، وقد خرج النهي عن معناه الحقيقي إلى معنى آخر يفهم من السياق وهو التسلية، وأنَّ الإمام (عليه السلام) أخبره بعد أن ضاق صدره بأنَّه سوف يحجّ من قابل، أي في السنة القادمة إن شاء الله.
ومنها: ما ورد في أحد أدعيته (عليه السلام): (واحجبني عن أعين الباغضين، الناصبين العداوة لأهل بيت نبيّك، ولا يَصِلْ منهُمْ إليَّ أحد بسوء)(376).
جاء النهي بصيغة (لا يفعل) بالنصّ متمثّلاً بالجملة (ولا يَصِلْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(374) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 250.
(375) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 324؛ وينظر: الكافي 1: 522/ ح 17؛ والخرائج والجرائح 2: 704/ باب 14/ ح 21.
(376) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 368؛ وينظر: مهج الدعوات: 302؛ وبحار الأنوار 94: 378/ باب 42/ ح 1.

(١١٢)

منهم)، حيث دلَّت على الغائب، وهم الأعداء النواصب. وقد خرج النهي عن معناه الحقيقي إلى الدعاء واللجوء إلى الله تعالى.
ب) صيغة (لا يفعلوا):
وجاءت هذه الصيغة في موردين:
منها: ما ورد عنه (عليه السلام) في إدانة بعض العقائد الفاسدة وتوجيه النصح والإرشاد، إذ جاء: (ولا يبحثوا عمَّا سُتِرَ عنهم فيأثموا، ولا يكشفوا ستر الله فيندموا)(377).
جاء النهي في الفعلين (لا يبحثوا) و(لا يكشفوا) للغائبين، وهم أهل العقائد الفاسدة، وقد خرج النهي عن معناه الحقيقي إلى الإرشاد والكراهة بأنَّ الإمام (عليه السلام) يرشدهم إلى عدم البحث عن المستور، ولا يكشفوا بهذا البحث عن الشيء الذي أراد الله ستره.
ثانياً: النهي بلفظ الخبر:
وقد ورد النهي بلفظ الخبر في التوقيعات المهدوية في ستَّة عشر موضعاً:
منها: كتب إليه (عليه السلام) شخص يسأل عن القنوت في صلاة الفريضة إذا فرغ من دعائه أيجوز أن يرد يديه على وجهه وصدره؟ فأجاب (عليه السلام) بتوقيع: (ردُّ اليدين من القنوت على الرأس والوَجْهِ غيرُ جايز في الفرائض)(378).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(377) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 120؛ وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 510/ باب 45/ ح 42؛ والخرائج والجرائح 3: 1109/ باب 20/ ح 26.
(378) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 183؛ وينظر: الاحتجاج 2: 577؛ وسائل الشيعة 3: 724/ باب 8/ ح 3.

(١١٣)

جاء النهي بالجملة الخبرية: (ردُّ اليدين... غيرُ جايز)، وهي متكوّنة من المبتدأ والخبر، والجملة الخبرية أفادت النهي الكراهتي، وأنَّ عدم الجواز هنا بمعنى الكراهة لهذا الفعل، والنهي بالجملة الخبرية أبلغ من النهي الطلبي الإنشائي.
ومنها: كتب إليه (عليه السلام) شخص يسأله أنَّ للسلطان ضيعةً جاءته من الوقف بجنب ضيعتي، فهل يجوز لي شراؤها منه؟ فخرج إليه التوقيع: (الضيعة لا يجوز ابتياعها إلَّا من مالكها، أو بأمره، أو رضاء منه)(379).
جاء النهي بالجملة الخبرية: (الضيعة لا يجوز...)، فإنَّه بتقدير: (لا يجوز)، أي: النهي عن شراء الضيعة، لأنَّ السلطان غاصب لها، وليس مالكها والشراء لا بدَّ أن يكون من المالك، وقد دلَّ النهي على الإلزام والمنع.
ومنها: ما ورد عنه يجيب عن بعض الأسئلة: (أمَّا الفقّاع فشربه حرام)(380).
جاء النهي بالجملة الخبرية: (فشربه حرام)، وقد دلَّت على المنع والحرمة عند شرب الفقّاع، لأنَّه من المسكرات.
وجاءت الموارد الأُخرى من النهي بالخبر لنفس الاستعمالين المتقدّمين، وهما الحرمة والمنع، أو الكراهة والإرشاد(381).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(379) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 184؛ وينظر: الاحتجاج 2: 577.
(380) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 128؛ وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 483/ باب 45/ ح 4؛ والغيبة للطوسي: 290/ ح 247.
(381) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 136 و182 و189 و190 و191 و324.

(١١٤)

ثالثاً: النهي بحرف الرّدع (كلَّا):
كلَّا: حرف نَفْي(382)، ورَدْع وزَجْرِ(383)، وبابها هو النفي والنهي(384).
وذكر بعض النحاة أنَّ هذا المعنى (الرَّدع والزَّجر) هو مذهب الخليل وسيبويه وعامَّة البصريّين، ولا معنى لها عندهم إلَّا ذلك(385)، وما ذهبوا إليه خلاف الواقع، فقد ذكر الخليل في معجمه أنَّ: (كلَّا على وجهين: تكون (حقَّاً) وتكون (نفياً))(386)، وقد ذهب بعضهم إلى نسبة الوجه الأوَّل للكسائي (ت 189هـ)(387)، ويظهر أنَّ الكسائي متابع للخليل، كما هو واضح من نصّ الخليل.
وزاد بعضهم على هذين المعنيين معاني أُخر أهمّها أن تكون بمنزلة (أي) معنىً واستعمالا، وهو مذهب النضر بن شُميل (ت 203هـ)، وأن تكون بمعنى (ألَا) الاستفتاحية، وهو مذهب أبي حاتم السجستاني (ت 248هـ)(388)، وذكروا أنَّ (كلَّا) إذا كانت بمعنى (الردع والزجر) يجوز الوقف عليها، وما بعدها استئناف، (لأنَّها ليست من تمام ما بعدها، وكأنَّ الفعلَ الذي هو من تمامه محذوف، لأنَّ الحرف لا يستقلّ، أي: كلَّا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(382) ينظر: كتاب العين 3: 1588/ مادّة (ك ل ل ا).
(383) ينظر: الكتاب 4: 225.
(384) ينظر: الصاحبي في فقه اللغة: 250؛ و شرح الرضي على الكافية 4: 479؛ وشرح قواعد الإعراب: 106.
(385) ينظر: الجنى الداني: 577؛ ومغني اللبيب 1: 249؛ والأساليب الإنشائية في النحو العربي: 160.
(386) كتاب العين 3: 1588/ مادّة (ك ل ل ا).
(387) ينظر: الجنى الداني: 577؛ ومغني اللبيب 1: 250؛ وشرح قواعد الإعراب: 107؛ والأساليب الإنشائية في النحو العربي: 160.
(388) ينظر: مغني اللبيب 1: 250؛ وشرح التسهيل (ناظر الجيش) 9: 4504.

(١١٥)

لا تقل)(389)، ولا يجوز الوقف عليها إذا كانت بمعنى (ألَا) و(حقَّاً)، لأنَّها من تمام ما بعدها(390).
وقد جاءت (كلَّا) بمعنى الزجر والنفي في التوقيعات المهدوية في موضع واحد، وهو عندما تشاجر شخص مع جماعه من الشيعة في الخلف فذكر الشخص بأنَّ أبا محمّد (الحسن العسكري) مضى ولا خلف له، ثمّ إنَّهم كتبوا في ذلك كتاباً للإمام (عليه السلام) فورد الجواب: (... فلمَّا قبضَهُ الله إليه ظننتم أنَّ الله تعالى أبطل دينَهُ، وقطعَ السبب بينه وبين خلقه! كلَّا ما كان ذلك ولا يكون حتَّى تقوم الساعة، ويظهر أمر الله سبحانه وهم كارهون)(391).
جاءت الأداة (كلَّا) بمعنى النفي والزجر والردع، فإنَّ الإمام (عليه السلام) نفى وزجر ما يدَّعيه الشخص بأنَّ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) استشهد ولم يبقَ له خلف من الأولاد، لأنَّ المعصوم هو حافظ الدين، ومبلِّغ الرسالة، وهو السبب والاتّصال بين الله تعالى وبين مخلوقاته، فلذا الإمام (عليه السلام) نفى ما ادَّعاه الشخص وزجر وردع مقالته، ثمّ إنَّ الإمام (عليه السلام) قال: ذلك لم يكن سابقاً في زمان، ولا يكون في المستقبل، حتَّى تقوم الساعة وهو يوم القيامة، وسوف يظهر أمر الله وهو ظهور الإمام (عليه السلام) من غيبته الكبرى وهم كارهون، أي المخالفين والمنكرين مع كراهتهم لهذا الأمرِ الذي سوف يظهره الله تعالى حتَّى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، قال تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (التوبة: 32).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(389) شرح الرضي على الكافية 4: 479؛ وينظر: شرح قواعد الإعراب: 106.
(390) ينظر: شرح الرضي على الكافية 4: 479.
(391) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 250؛ وينظر: الغيبة للطوسي: 285/ ح 245؛ الاحتجاج 2: 536.

(١١٦)

أُسلوب الدعاء

مفهوم الدعاء لغةً واصطلاحاً:
أ) الدعاء لغةً:
الدعاء هو (أن تميلَ الشيءَ إليكَ بصوتٍ وكلامٍ يكونُ منكَ)(392)، وجاء في لسان العرب أنَّ الدعاء هو الاستغاثة والرغبة إلى الله (عزَّ وجلَّ)، يقال: دَعَاهُ دُعَاءً ودَعوى، ودُعَاؤُهُ سبحانَهُ يكون على ثلاثة أوجه: فوجه منها: توحيده والثناء عليه، كقولكَ: يا اللهُ، لا إله إلَّا أنت، وكقولكَ: ربّنا لك الحمد، والوجه الثاني: مسألة العفو والرحمة وما يُقرِّب منه، كقولك: اللّهُمَّ اغْفِرْ لنا، والوجه الثالث: مسألة الحظّ من الدنيا، كقولك: اللّهُمَّ ارزقني مالاً وولدا(393).
ب) الدعاء اصطلاحاً:
الدعاء هو طلب الفعل من المدعوِّ على سبيل التضرّع، وجاء في تفسير الرازي (ت 606هـ): (الدعاء المقصود منه إظهار الخضوع والذلَّة والعبودية، وقد أمرنا الله في أشياء نعلم قطعاً أنَّها توجد لا محالة، كقوله: (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) (الأنبياء: 112))(394).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(392) معجم مقاييس اللغة 2: 279/ مادّة (د ع و).
(393) ينظر: لسان العرب 14: 257/ مادّة (د ع ا).
(394) تفسير الرازي (مفاتيح الغيب) 9: 147.

(١١٧)

وإنَّ الله يريد من العبد أن يطلب منه، جاء في رسائل الشريف المرتضى (ت 438هـ): (الدعاء: طلب أمر بالقول من الله تعالى)(395)، وهو بمنزلة الأمر والنهي، قال سيبويه: (واعلم أنَّ الدعاء بمنزله الأمر والنهي، وإنَّما قيل: (دعاء) لأنَّه استعظم أن يقال: أمر ونهي، وذلك قولك: (اللّهمّ زيداً فاغفر ذنبه))(396)، وإنَّما قيلِ: دعاءٌ وطلبٌ لأجل معناه، لأنَّك تطلب إلى من أنت دونه(397).
وعُرِّفَ أيضاً بأنَّه: (كلام إنشائي، دالٌّ على الطلب مع خضوع، ويُسمّى سؤالاً أيضاً)(398).
والدعاء في لغة العرب من الأساليب الإنشائية الطلبية، وليس له صِيَغٌ قياسية عند النحاة، وإنَّما ألفاظ سماعية، لهم: غَفَرَ اللهُ لزيدٍ... إلى غير ذلك(399)، وهناك فرق بين النداء والدعاء، يقول أبو هلال العسكري (ت 400هـ): (إنَّ النداء هو رفع الصوت بما له معنى، والعربي يقول لصاحبه: ناد معي ليكون أندى لصوتنا، أي أبعد له، والدعاء يكون برفع الصوت وخفضه، يقال: دعوته من بعيد، ودعوت الله في نفسي، ولا يقال: ناديته في نفسي، وأصل الدعاء طلب الفعل)(400)، ونقل في موضع آخر أنَّ النداء قد يكون بالإشارة من غير صوت ولا كلام، حيث قال: (النداء قد يكون بعلامة من غير صوت ولا كلام، ولكن بإشارة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(395) رسائل الشريف المرتضى 2: 270.
(396) الكتاب 1: 142؛ وينظر: أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 207.
(397) ينظر: المقتضب 2: 132؛ وعروس الأفراح 1: 466.
(398) كشّاف اصطلاحات الفنون 2: 142.
(399) ينظر: المقتضب 2: 132؛ الأُصول في النحو 2: 170.
(400) معجم الفروق اللغوية: 534.

(١١٨)

تنبئ عن معنى: تعالَ، ولذا لا يسند النداء إلى الله سبحانه بخلاف الدعاء، قال تعالى: (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) (يونس: 25))(401).
وإنَّ أُسلوب الدعاء في التوقيعات المهدوية تضمَّن ثلاثة عناصر: الداعي، والمدعوّ الذي هو الله سبحانه، والمدعوّ له أو عليه، وغالباً ما يكون الداعي هو المدعو له.
وإنَّ أُسلوب الدعاء جاء مع الجملة الاسمية، والجملة الفعلية، والمصدر، واسم الفعل، واسم المفعول:
القسم الأوَّل: الدعاء بالجملة الاسمية:
وقد ورد الدعاء مع الجملة الاسمية في اثنين وأربعين مورداً، وجاء بالجملة الاسمية المطلقة، والجملة الاسمية المقيَّدة:
1 - الجملة الاسمية المطلقة:
وهي الجملة العارية من النواسخ(402)، وجاءت في التوقيعات المهدوية في أربعة وعشرين موضعاً:
منها: ما جاء في أحد أدعيته (عليه السلام): (بسم الله الرحم الرحيم، أنت الله الذي لا إله إلَّا أنت، مبدئ الخلق ومعيدهم، وأنت الله الذي لا إله إلَّا أنت مدبِّر الأُمور، وباعث من في القبور)(403).
جاءت الجملة الاسمية المؤلَّفة من المبتدأ والخبر: (أنت الله الذي لا إله إلَّا أنت) في موضعين من النصّ، ودلَّتا بحسب السياق على الدعاء، وتدلُّ على التضرّع والمدح وذكر صفات الله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(401) معجم الفروق اللغوية: 535.
(402) ينظر: الجملة الاسمية: 22.
(403) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 375؛ وينظر: منتخب الأثر: 521/ فصل 10/ باب 7/ ح 5.

(١١٩)

ومنها: ما جاء في أحد أدعيته (عليه السلام): (إلهي وأنا عبَدُكَ وابنُ عبَدِكَ وابنُ أَمَتِكَ، معترفٌ لكَ بالعبوديةِ، مقرٌّ بأنَّكَ أنت خالقي)(404).
جاء الدعاء بالجملة الاسمية المؤلَّفة من المبتدأ والخبر، يدلُّ على التضرّع والاستكانة للهِ تعالى، والاعتراف بالعبودية، وأنَّه مخلوق لله تعالى، وهذه الأدعية خير دليل على أنَّ الأئمّة (عليهم السلام) يعترفون بأنَّهم عبيد لله تعالى، ولم يدَّعوا منزلةً أُخرى كما يقول أعداؤهم.
2 - الدعاء بالجملة الاسمية المقيَّدة:
هي الجملة الاسمية التي دخل عليها أحد النواسخ، فيحدث فيها تغيير في اللفظ والمعنى(405)، وجاء الدعاء بالجملة الاسمية المقيَّدة في التوقيعات المهدوية في ثمانية عشر موضعاً:
منها: ما جاء في دعائه (عليه السلام) في الاستخارات: (اللّهُمَّ إنّي أسألك باسمك الذي عزمت به على السموات والأرض، فقلت لهما: (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ)، وباسمك الذي عزمت به على عصى موسى، فإذا هي تلقف ما يأفكون، وأسألك باسمك الذي صرفت به قلوب السحرة إليك حتَّى قالوا: آمنا بربّ العالمين، ربِّ موسى وهارون، أنت الله ربُّ العالمين، وأسألك بالقدرة التي تُبلي بها كلَّ جديد، وتجدِّد كلّ بالٍ، وأسألك بكلّ حقٍّ هو لك، وبكلّ حقٍّ جعلته عليك، إن كان هذا الأمرُ خيراً لي في ديني ودنياي وآخرتي، أن تُصلّي على محمّد وآل محمّد، وتسلِّم عليهم تسليما، وتُهيّنه وتُسَهِّلهُ عليَّ)(406).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(404) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 376؛ وينظر: مهج الدعوات: 278 - 293؛ وتبصره الوليّ: 212/ ح 91.
(405) ينظر: الجملة الاسمية: 133.
(406) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 280؛ وينظر: بحار الأنوار 91: 275/ باب 7/ ح 35.

(١٢٠)

إنَّ الناسخ الذي جاء في الدعاء هو الأداة (إنَّ) التي تفيد التحقيق وتوكيد النسبة بين طرفي الجملة الاسمية(407)، وجاء الخبر بالفعل (أسألُ) دليل على عظمة المدعوّ ورفعته، لأنَّ السؤال يستعمل في الداني بالنسبة إلى العالي(408)، وتكرار فعل السؤال في الدعاء يدلُّ على شدَّة التضرّع والاستكانة للمدعوّ في استجابة الدعاء، ويدلُّ أيضاً على أنَّ المسؤول هو أهلٌ للسؤال، وهو محطّ الأمل في الإجابة.
وهناك مواضع أُخر من الدعاء بالجملة الاسمية(409).
القسم الثاني: الدعاء بالجملة الفعلية:
ورد الدعاء بالجملة الفعلية الطلبيه، والجملة الفعلية الخبرية:
1 - الدعاء بالجملة الفعلية الطلبية:
وتشمل:
أ) الدعاء بصيغة الأمر:
إنَّ الدعاء بالفعل أولى وأكثر، لأنَّه في الأصل أمر أو نهي، إلَّا أنَّ عقيدة المسلمين في تنزيه الله تعالى جعلته قسماً ثالثاً لهما، إذ ليس من المعقول أن يأمر العبد ربَّه أو ينهاه(410)، وأنَّ صيغة الأمر والدعاء واحدة، لأنَّ كلَّاً منهما طلب، وإنَّما يتفاوتان في الرتبة(411).
وجاء الدعاء بصيغة الأمر في التوقيعات المهدوية في مائة وثمانية وعشرين موضعاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(407) ينظر: حروف المعاني: 30؛ معاني الحروف: 123.
(408) ينظر: معجم الفروق اللغوية: 175.
(409) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 258 و279 و377 و389 و391 و392.
(410) ينظر: الأحكام في أُصول الأحكام 2: 199 و200؛ وأساليب الطلب في نهج البلاغة: 190.
(411) ينظر: تفسير الكشّاف 1: 25.

(١٢١)

منها: كتب له (عليه السلام) شخص وسأله أن يدعو الله له ليرزقه ولداً، فخرج له التوقيع: (اللّهمّ أُرزقه ولداً ذكراً تقرُّ به عينه، واجعل هذا الحمل الذي له وارثاً)(412).
جاء الدعاء بصيغة (افْعَلْ) الدالّة على الأمر المتمثّلة بالفعل (أُرزقه) و(اجعل)، وقد خرج الأمر عن معناه الحقيقي الدالّ على طلب الفعل إلى معنى آخر يفهم من السياق وهو الدعاء، لأنَّه طلب من الداني إلى العالي، وسبق بالنداء (اللّهمّ)، إذ هي لفظة تجمع الدعاء، فمن قال: (اللّهمّ) فقد دعا الله بجميع أسمائه الحسنى(413).
وأراد الإمام (عليه السلام) بدعائه لرزق الولد للرجل بأن يكون قارَّاً لعينه، لأنَّ بعض الناس يرزقها الله الولد لكنَّه يكون عاقَّاً لوالديه وليس بارَّاً بهما، لذا أكَّد الإمام (عليه السلام) على هذا المعنى في الدعاء، وأيضاً عطف الإمام (عليه السلام) على الفعل الأوَّل (أُرزقه) بفعل الدعاء الثاني (اجعل) الذي أفاد الدعاء أيضاً بأن يجعل الولد وارثاً للرجل، لأنَّ السائل كان يولد له أولاد لكن يموتون وهم صغار، فلذا كرَّر الطلب للتأكيد على كون الولد وارثاً لأبيه.
وقد تضمَّن الدعاء ثلاثة عناصر، وهما المدعوّ وهو الله تعالى، والداعي وهو الإمام (عليه السلام)، والمدعوّ له وهو الرجل صاحب المسألة.
ومنها: ما ورد في أحد أدعيته (عليه السلام): (يا من لا تُغيِّره الأيّام والليالي...، أسألك أن تُصلّي على محمّد وآل محمّد خيرتك من خلقك، فَصَلِّ عليهم بأفضل صلواتك، وَصَلِّ على جميع النبيّين والمرسلين)(414).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(412) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 323؛ وينظر: الإرشاد: 352؛ والمستجاد: 265؛ دلائل الإمامة: 286.
(413) ينظر: معترك الأقران 2: 62.
(414) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 367؛ وينظر: مهج الدعوات: 68.

(١٢٢)

جاء الدعاء بفعل الأمر (فَصَلِّ)، وفعل الأمر (وَصَلِّ)، ومن خلال السياق فإنَّ فعلي الأمر دلَّا على الدعاء، لأنَّه طلب من الداني إلى العالي، وجاء الفعل الأوَّل مقترناً بفاء السببية التي تختصُّ بدخولها على الجمل، فتدخل على ما هو جزاء مع تقدّم كلمة الشرط وبدونها، كما في موضع النصّ، وعلامته بأن يصلح تقدير (إذا) الشرطية قبل الفاء وجعل مضمون السابق شرطها(415)، فلذا يكون المعنى هو أسألك إذا صلَّيت على محمّد وآل محمّد خيرتك من خلقك فصلِّ عليهم بأفضل صلواتك، وكان السبب في طلب الإمام من الله تعالى أن يُصلّي بأفضل الصلوات لأنَّهم أفضل المخلوقات وأكملهم، ولذا إنَّه (عليه السلام) طلب من الله تعالى أيضاً الصلاة على جميع الأنبياء والمرسلين، إلَّا أنَّهم لم يكونوا بأفضل من الرسول محمّد وآله، فكانت أفضل الصلوات مختصَّة بأفضل المخلوقات وهم محمّد وآل محمّد، وأيضاً نجد أنَّ الإمام (عليه السلام) كانت الصفة المميزة في أدعيته هي كثرة الصلاة على محمّد وآل محمّد استجابةً لقوله تعالى: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب: 56)، إذ أنَّ الصلاة عليه وآله أحد شروط استجابة الدعاء، لذا قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (الدعاء محجوب حتَّى يُصلّى على محمّد وأهل بيته، اللّهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد)(416).
وقد تضمَّن الدعاء عناصره الثلاثة، وهي المدعوّ وهو الله تعالى، والداعي وهو الإمام (عليه السلام)، والمدعوّ له وهم محمّد وآله، وجميع الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(415) ينظر: شرح الرضي على الكافية 4: 387.
(416) الصواعق المحرقة: 148؛ وكنز العمّال 2: 880.

(١٢٣)

ومنها: ما ورد عنه (عليه السلام) في أحد أدعيته: (يا ربِّ اغْفِرْ لي وارْحَمْ وتجاوز عمَّا تعلم، إنَّك أنت الأعزُّ الأكرم)(417).
جاء الأمر في ثلاثة أفعال في هذا النصّ، وهي: (اغْفِرْ) و(ارْحَمْ) و(تجاوز)، وبحسب السياق دلَّت على الدعاء، لأنَّه طلب من الداني إلى العالي، وفي هذا النصّ تضمَّن الدعاء عنصرين من عناصر الدعاء، وهما المدعوّ وهو الله تعالى، والداعي وهو الإمام (عليه السلام)، وقد تكرَّر الفعل بالدعاء، وهذا دليل على التضرّع والخضوع لله تعالى.
وفي كثير من الأدعية نجد الإمام (عليه السلام) يطلب المغفرة والعفو وأن يتجاوز الله عنه مع علمنا بأنَّه معصوم، وهذا هو ديدن أهل البيت (عليهم السلام) في الأدعية، فذلك من باب تنزيل النفس منزلة المقصر في حقّ الله تعالى، وذلك يكون أقوى في حثِّ الناس وتعليمهم على السعي في طاعة الله (عزَّ وجلَّ).
وجاءت الموارد الأُخرى بنفس التراكيب المتقدّمة من الدعاء(418).
ب) الدعاء بصيغة الأمر (لتفعل) اللام الداخلة على الفعل المضارع:
وجاءت اللام الداخلة على الفعل المضارع في موضعين فقط، وإنَّ اللام المطلوب بها الفعل يدخل فيها لام الدعاء، قال رضي الدين الأسترآبادي: (قوله: (ولام الأمر)، اللام المطلوب بها الفعل، يدخل فيها لام الدعاء، نحو: لِيغفر لنا الله، وهي مكسورة، وفتحتها لغة، وقد تسكن بعد الواو والفاء وثُمَّ)(419).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(417) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 258؛ وينظر: الغيبة للطوسي: 259/ ح 277؛ وكمال الدين وتمام النعمة: 470/ ح 24؛ وفلاح السائل: 179.
(418) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 367 و370 و380 و381 و382 و383 و387.
(419) شرح الرضي على الكافية 4: 84.

(١٢٤)

وجاء الدعاء بهذه الصيغة في الموردين، وهو ما جاء في دعائه (عليه السلام) عقيب الزيارة المعروفة بزيارة (آل يس)، وهو قوله: (اللّهمّ إنّي أسألك أن تُصلّي على محمّد وآل محمّد حتَّى ألقاك وقد وفيت بعهدك وميثاقك، فلْتَسَعْني رحمتك يا وليُّ يا حميدٌ)(420).
فجاء الدعاء بلام الأمر الداخلة على الفعل المضارع (فلتسعني)، وجاءت اللام ساكنة مع كونها بالأصل مكسورة، وذلك لأنَّها جاءت بعد (الفاء)، والتسكين فيها أكثر، قال رضي الدين: (وقد تسكن بعد الواو، والفاء، وثُمَّ...، وهو بعد الواو والفاء أكثر، لكون اتّصالهما أشدّ، ولكونهما على حرف واحد، فصار الواو والفاء مع اللام بعدهما وحرف المضارعة ككلمة على وزن فخذ وكتف فتخفَّف بحذف الكسر)(421)، والفاء في فعل الدعاء (فليسعني) فاء السببية وتختصُّ بالجمل، فتدخل على ما هو جزاء مع تقدّم الشرط وبدونها كما في موضع النصّ، وعلامته بأن يصلح تقدير (إذا) الشرطية قبل (الفاء) وجعل مضمون السابق شرطها(422)، فلذا يكون المعنى هو: إذا وفيت بعهدك وميثاقك فلتسعني رحمتك يا وليُّ يا حميدُ.
وجاء المورد الآخر من هذه الصيغة بهذا التركيب نفسه(423).
ت) الدعاء بصيغة النهي:
ورد الدعاء بصيغة النهي (لا تفعل) في التوقيعات المهدوية في سبعة مواضع:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(420) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 202؛ وينظر: الاحتجاج 2: 594؛ والإيقاظ من الهجعة: 351/ باب 10/ ح 94.
(421) شرح الرضي على الكافية 4: 84.
(422) ينظر: شرح الرضي على الكافية 4: 387.
(423) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 390.

(١٢٥)

منها: ما جاء في أحد أدعيته (عليه السلام): (يا رحمانُ، يا رحيمُ، يا أرحمَ الراحمين، لا تمتحنّي في هذه الدنيا بشيء من المِحَنِ، ولا تُسَلِّطْ عليَّ من لا يرحمني، ولا تهلكني بذنوبي)(424).
جاء النهي بلا الناهية الداخلة على الأفعال (تمتحنّي) و(تسلّط) و(تهلكني)، وقد أفادت معنى الدعاء، وقال سيبويه في حديثه عن (لا): (واعلم أنَّ (لا) في الدعاء بمنزلتها في النهي إذ تعمل عملها)(425)، فالأفعال الثلاثة جاءت مجزومه بـ (لا) الناهية التي أفادت الدعاء بحسب السياق والقرائن، حيث يدعو الإمام (عليه السلام) وقد قدَّم عدَّة نداءات وهي: (يا رحمانُ) و(يا رحيمُ) و(يا أرحمَ الراحمين)، لشدَّة احتياجه للمدعوّ بأن يستجيب دعائه.
وجاءت الموارد الأُخرى من الدعاء بصيغة النهي بالتركيب المتقدّم نفسه(426).
ث) الدعاء بأُسلوبِ الاستفهام:
حقيقة الاستفهام هي طلب الفهم، ولكن الاستفهام قد يخرج عن حقيقته بأن يقع ممَّن يعلم، ويستغني عن طلب الإفهام، وذلك لأغراض ومعاني تدفع المتكلِّم إلى استعمال الاستفهام في غير معناه الحقيقي، ومن هذه المعاني الدعاء بأُسلوب الاستفهام.
وقد جاء الدعاء المباشر بأُسلوب الاستفهام في ثلاثة مواضع في التوقيعات المهدوية، إذ جاء في أدعيته (عليه السلام): (رَبِّ مَنْ ذا الذي ناجاك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(424) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 390؛ وينظر: مهج الدعوات: 278 و293.
(425) ينظر: الكتاب 3: 8؛ وارتشاف الضرب 4: 1857.
(426) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 367 و384 و391.

(١٢٦)

فلم تُجِبْهُ ؟ ومَنْ ذا الذي سألك فلم تُعْطِهِ؟ ومَنْ ذا الذي ناجاك فخيَّبته؟)(427).
وهنا خرج الاستفهام إلى معنى الدعاء في التضرّع والاستكانة إلى الله تعالى، لأنَّ الإمام (عليه السلام) لم يطلب الفهم والاستعلام عن الذي دعا الله ولم يجبه، أو الذي سأله ولم يعطه، أو الذي ناجاه فخيَّبه، وهو عالم بأنَّ الله لم يدعه أحد وخيَّبه أو ردَّه فإنَّه الكريم المتفضِّل على العباد.
القسم الثاني: الدعاء بالجملة الفعلية الخبرية:
ورد الدعاء بالجملة الفعلية الخبرية في التوقيعات المهدوية في تسعة وثلاثين موردا، كلّها أفادت الدعاء والخضوع والتذلّل والتسليم لله تعالى.
منها: ما ورد عنه (عليه السلام) في أحد الأدعية: (اللّهمّ إليك رُفِعَت الأصوات، ولك عَنَت الوجوه، ولك خضعت الرقاب، وإليك التحاكم في الأعمال)(428).
الجمل الخبرية (إليك رُفِعَت الأصوات)، و(ولك عَنَت الوجوه)، و(لك خضعت الرقاب) دلَّت على الدعاء، وفي تقديم المعمول في الجمل على العامل أفاد تخصيص الدعاء بالله تعالى من رفع الأصوات إليه، وعنَّت الوجوه وخضوع الرقاب والتحاكم في الأعمال، وهو التسليم لله تعالى.
وجاءت الموارد الأُخرى من الدعاء بالجملة الفعلية الخبرية بهذا التركيب، وقد أفادت الخضوع والتذلّل والتسليم(429).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(427) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 376؛ وينظر: مهج الدعوات: 278 - 293؛ والصحيفة المهدوية: 3؛ وبحار الأنوار 95: 266 - 279/ باب 107/ ح 34.
(428) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 257؛ وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 470/ باب 43/ ح 24؛ والغيبة للطوسي: 259/ ح 227؛ ومصباح المتهجّد: 51؛ ومصباح الكفعمي: 24.
(429) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 365 و366 و377 و390 و391.

(١٢٧)

القسم الثالث: الدعاء بالمصدر:
المصدر: هو اسم للحدث الذي يحدثه الفاعل، وهو نوعان: مبهم ومختصّ، فالمبهم: ما لا يدلُّ على معنى زائد على معنى فعله، نحو قولك: ضربت ضرباً. والمختصّ: ما يدلُّ على معنى زائد على فعله، وهو نوعان: مبيِّن للنوع، ومبيِّن للعدد، فالأوَّل: نحو قولك: أكرمت زيداً إكراماً جميلا، والثاني نحو قولك: ضربته ضربتين(430).
وهناك كثير من المصادر في اللغة العربية تؤدّي معنى الدعاء(431)، وهي على قسمين:
أ) المصادر التي لها فعل من لفظها:
من المصادر ما تدلُّ على أفعالها، إذ تضمر هذه الأفعال فتصير تلك المصادر بدلاً من اللفظ بالفعل، ومثاله: سقياً ورعياً وحمدا، ومقصود بها الدعاء، فهذه المصادر عاملها محذوف وجوباً، ولها فعل من لفظها، وهو: سقى، ورعى، وحمد(432)، وقال سيبويه: (إذا ذُكِرَ مذكور فدعوت له أو عليه على إضمار الفعل)(433).
وجاء في التوقيعات المهدوية مورد واحد وهو الدعاء له، وهو ما جاء في توقيعه (عليه السلام) مُعَزِّياً السفير الثاني بوفاة والده: (تسليماً لأمرِه ورضاءً بقضائه، عاش أبوك سعيداً ومات حميداً)(434).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(430) ينظر: الأساليب الإنشائية في النحو العربي: 74 و75.
(431) ينظر: الكتاب 1: 142 و310 و311؛ والأساليب الإنشائية في النحو العربي: 77.
(432) ينظر: الأساليب الإنشائية في النحو العربي: 75 و76.
(433) الكتاب 1: 311 و312.
(434) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 121؛ وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 510/ باب 45/ ح 41؛ والغيبة للطوسي: 361/ ح 323.

(١٢٨)

جاء الدعاء بالمصادر (تسليماً) و(رضاءً)، وهما يدلَّان على الدعاء لصاحب العزاء، لأنَّ المدعوّ له كان صالحا، والمصادر حذفت أفعالها، وهي منصوبة، والنصب فيها بفعل مضمر متروك إظهاره، لأنَّها صارت بدلاً من الفعل، قال سيبويه: (إذا ذُكِرَ مذكور فدعوت له أو عليه على إضمار الفعل)(435)، (فهذه المصادر كلّها منصوبة بفعل محذوف قُصِدَ به الدعاء)(436).
ب) المصادر التي ليس لها فعل من لفظها:
 ولم يأتِ منها في التوقيعات المهدوية.
القسم الرابع: الدعاء باسم الفعل:
اسم الفعل (ضربِ من الكلمات تنوب عن الفعل في العمل، ولا تتأثَّر بالعوامل، وليست من الفضلات)(437)، وتُقسَّم أسماء الأفعال إلى ثلاثة ضروب:
أ) مرتجل:
وهو ما وُضِعَ من أوَّل الأمر اسماً للفعل، نحو: هيهاتَ بمعنى بَعُدَ، وأُف بمعنى أتضجَّر، وآمين بمعنى اسْتَجِبْ.
ب) منقول عن غيره:
وهو ثلاثة أنواع:
1 - منقول عن ظرف أو جار ومجرور، نحو: عليك بمعنى الزم، ومكانك بمعنى اثبتْ.
2 - منقول عن مصدر، وهو قسمان: قسم استعمل فعله، نحو: رويد، وقسم أُميتَ فعله، نحو: بله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(435) الكتاب 1: 311؛ وينظر: شرح المفصَّل 1: 222.
(436) الأساليب الإنشائية في النحو العربي: 77.
(437) الأساليب الإنشائية في النحو العربي: 153.

(١٢٩)

3 - منقول عن كلمتين رُكِّبا تركيباً مزجياً: كحيهل، بمعنى أقبل مسرعا، من (حيّ) بمعنى أقبل، (وهلَّا) بمعنى أسرع، فلمَّا رُكِّبَت حُذِفَ ألفها(438).
ت) قياسي:
يقاس في كلّ فعل ثلاثي تامّ متصرّف يأتون به على وزن (فَعَالِ) مبنيَّاً على الكسر، نحو: نزال.
وجاء الدعاء باسم الفعل في التوقيعات المهدوية في موضعين، وجاءت باسم الفعل المرتجل (آمين) بمعنى استجب، حيث جاء في الدعاء عقيب زيارة آل يس: (إله الحقّ آمين، يا ذا الجلال والإكرام، يا أرحم الراحمين)(439).
القسم الخامس: الدعاء باسم المفعول:
اسم المفعول اسم مشتقّ، يدلُّ على معنى مجرَّد، غير دائم، وعلى الذي وقع عليه هذا المعنى، فلا بدَّ أن يدلَّ على الأمرين معاً، مثل كلمة: (محفوظ)(440)، ويعمل اسم المفعول عمل فعله، وبناؤه من الثلاثي على زنة مفعول، ومن غيره على زنة اسم فاعله، مفتوحاً ما قبل آخره(441).
وجاء الدعاء في التوقيعات المهدوية باسم المفعول في أربعة مواضع، وجاء على وزن مفعول وبمعنى واحد، وهو (ملعون)، حيث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(438) ينظر: الأساليب الإنشائية في النحو العربي: 153 - 155.
(439) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 203؛ وينظر: الاحتجاج 2: 595؛ وبحار الأنوار 53: 171/ باب 31/ ح 5.
(440) ينظر: النحو الوافي 3: 271.
(441) ينظر: شرح التسهيل (ابن مالك) 3: 87.

(١٣٠)

ورد عنه (عليه السلام) في ذمّ ولعن المنحرفين: (وأمَّا أبو الخطّاب محمّد بن أبي زينب الأجدع فملعون، وأصحابه ملعونون، فلا تجالس أهل مقالتهم)(442).
جاء الدعاء على المنحرفين باسم المفعول (ملعون)، وهو أفاد معنى الدعاء عليه، لأنَّ اللعن معناه الدعاء عليه(443)، والطرد من رحمة الله تعالى.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(442) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 127؛ وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 483/ باب 45/ ح 4؛ ومستدرك الوسائل 12: 316/ باب 36/ ح 23؛ و إعلام الورى: 423/ فصل 3؛ وكشف الغمَّة 3: 321.
(443) ينظر: العين 3: 1642.

(١٣١)

النداء لغةً واصطلاحاً:
النداء لغةً:
النداء في أصل اللغة: الدعاء، وناداه: دعاه بِرفع صوته، واشتقاقه من (ندى الصوت) وهو بُعْدُهُ، يقال: فلان أندى صوتاً من فلان إذا كان أبعد صوتاً منه(444)، والنداء أيضاً الصوت، جاء في لسان العرب: (النداء الصوت...، وقد ناداه ونادى به، وناداه مناداةً ونداءً، أي: صاح به)(445).
النداء اصطلاحاً:
هو تنبيه المدعوّ بأحرف موضوعة لذلك(446)، وأوضح ابن السرّاج (ت 316هـ) أنَّ التنبيه هو لأجل الإقبال بقوله: (النداء: تنبيه المدعوِّ ليُقْبِلَ عليك)(447).

وقد وافق المحدِّثون القدامى بأنَّ النداء هو طلب المنادى للإقبال، فقد جاء في كتاب الأساليب الإنشائية في النحو العربي: (النداء: هو طلب المنادى بأحد حروف النداء الثمانية)(448)، وهذا المعنى جاء عند الدكتور قيس الأوسي في بيانه للنداء بقوله: (النداء خطاب بلا شبهة،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(444) ينظر: كتاب العين 3: 1776 و1777/ مادّة (ن د ى).
(445) لسان العرب 6: 165/ مادّة (ن د ى).
(446) ينظر: الكتاب 2: 229؛ وشرح اللمع في النحو للباقولي: 287؛ والمحصول في شرح الفصول 2: 663.
(447) الأُصول في النحو 1: 329؛ وينظر: الإيضاح في شرح المفصَّل 1: 249.
(448) الأساليب الإنشائية في النحو العربي: 136.

(١٣٥)

وهو كثير الدوران في كلام العرب، إذ يستعمل في أوَّل كلّ كلام لعطف المخاطب على المتكلِّم)(449)، وقال في موضع آخر: (ومع كثرة (النداء) في الكلام فهو ليس مقصوداً بالذات، بل هو لتنبيه المخاطب ليصغي إلى ما يجيء بعده من الكلام المنادى له، فأنت تلجأ إلى النداء لتنبيه المخاطب وعطفه عليك حتَّى تخصّه من بين الناس بأمرك أو نهيك أو استفهامك أو خبرك)(450).
والنداء مَدُّ الصوت لنداء البعيد، فقد روي أنَّ أعرابياً قال لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (أقريب ربّنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟)، فنزلت الآية الكريمة: (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) (البقرة: 186)، فـ (النداء): مخاطبة الأبعد، و(المناجاة): مخاطبة الأقرب(451).
فاتَّضح ممَّا تقدَّم أنَّ النداء يستعمله المنادي إذا كان يريد أن يخبر أو يأمر أو ينهى أو يستفهم أو غير ذلك، وكان المنادى عليه غافلاً أو غير ملتفت، فيناديه حتَّى يصغي إليه ويقبل عليه.
أدوات النداء:
يؤُدَّى النداء بأدوات هي في حقيقتها أصواتٌ يمتدُّ بها الصوت، لتنبيه المدعوّ(452)، وهذه الأدوات هي: (الهمزة، أيّ، يا، هيَّا، أيا، وا، آي، وا)(453)، منها ما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(449) أساليب الطلب عند النحويين والبلاغين: 218.
(450) المصدر السابق.
(451) ينظر: الكشّاف 1: 337؛ والبرهان في تفسير القرآن 2: 324.
(452) ينظر: شرح المفصَّل 2: 290.
(453) ينظر: همع الهوامع 2: 25؛ وينظر: شرح جمل الزجّاجي 2: 80؛ وكشف المشكل في النحو 3: 330.

(١٣٦)

يستعمل لنداء القريب، وهي: (الهمزة، أيّ)(454)، ومنها ما يستعمل لنداء البعيد ومن بحكمه، وهي: (يا، أيا، هيَّا، وا، آي)، (لأنَّ البعيد يحتاج لمدِّ الصوت ليستمع، وهذه الأدوات مشتملة على حرف المدِّ)(455).
وقد يستعملون ما للقريب للبعيد وبالعكس لأغراض مجازية(456)، وأمَّا الأداة (وا) فتستعمل في الندبة، وقد تخرج عنها إلى النداء والاستغاثة والتعجّب(457).
ولم يأتِ في التوقيعات المهدوية إلَّا النداء بـ ( يا)، وسأقصر حديثي عنها.
أداة النداء (يا):
تُعَدُّ أداة النداء (يا) أشهر الأدوات وأكثرها استعمالا، وإنَّ هذه الكثرة في الاستعمال متأتّية من كونها تدور في جميع وجوه النداء، وتستعمل في نداء القريب والبعيد وما هو بحكمه من نائم وغافل وغير مقبل، كما تستعمل في الاستغاثة والتعجّب، وتستعمل في الندبة إذا أُمِنَ اللبس بدلاً من (وا)، وتستعمل خاصّة في نداء لفظ الجلالة (الله)، فلمَّا كانت كذلك عدَّها النحاة أُمَّ الباب أو أُمَّ أحرف النداء وأصلها(458)، (ولهذا لا يقدر عند الحذف سواها)(459).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(454) ينظر: شرح المفصَّل 8: 26.
(455) حاشية الخضري على شرح ابن عقيل 2: 167.
(456) ينظر: الكتاب 2: 230؛ والأُصول في النحو 1: 329.
(457) ينظر: شرح الكافية الشافية 2: 32؛ والجنى الداني في شرح حروف المعاني: 351.
(458) ينظر: معاني الحروف: 104 ، والمقرب: 320 ، وتوجيه اللمع (ابن الخباز ): 320 .
(459) مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1: 488؛ وينظر: دراسات لأُسلوب القرآن الكريم 3: 520.

(١٣٧)

وذكر ابن جنّي (ت 392هـ) أنَّ الأداة (يا) تكون للتنبيه والنداء، وقد تُجرَّد للتنبيه فقط(460)، ولذا اختلف النحاة في معناها إن وَلِيَها أمر أو دعاء أو ليت أو رُبَّ أو حبَّذا، فهي حرف تنبيه عند من لا يجيز حذف المنادى، وحرف نداء والمنادى محذوف عند آخرين(461). ومن المحدِّثين من ذهب إلى أنَّ كلا الرأيين مقبول، ولكن الأوَّل أولى لصلاحيته لكلّ الاحتمالات(462).
واختلف النحاة في أصل الأداة (يا) أنَّها تستعمل للقريب والبعيد على السواء أو للبعيد حقيقةً أو حكما، وأنَّ استعمالها في نداء القريب الفطن إنَّما هو من المجاز الذي يراد به التأكيد، يقول الزمخشري: ((يا) حرف وُضِعَ في أصله لنداء البعيد، صوت يهتف به الرجل بمن يناديه...، فإذا نودي به القريب المفاطن فذلك للتأكيد المؤِذن بأنَّ الخطاب الذي يتلوه معنيٌّ به جدَّاً)(463).
وقد ذكر السيوطي (ت 911هـ) أنَّ استعمال (يا) في نداء القريب لنكت تفيد معاني مجازية، يقول: (أصل النداء بـ (يا) أن تكون للبعيد حقيقةً أو حكما، وقد ينادى بها القريب لنكت)(464).
وذهبت طائفة أُخرى من النحاة إلى أنَّ (يا) موضوعة لنداء القريب والبعيد على السواء، يقول المبرّد (ت 285هـ): (إذا كان صاحبها قريباً منك أو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(460) ينظر: الخصائص 2: 198.
(461) ينظر: الجنى الداني في شرح حروف المعاني: 355 - 357؛ ومغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1: 488؛ وهمع الهوامع 1: 25.
(462) ينظر: النحو الوافي 4: 7.
(463) الكشّاف 1: 337؛ وينظر: الجنى الداني في شرح حروف المعاني: 354 - 358.
(464) الإتقان في علوم القرآن 2: 83؛ وينظر: معترك الأقران 1: 339.

(١٣٨)

بعيداً ناديته بـ (يا))(465)، وهذا ما ذهب إليه الدكتور مهدي المخزومي، فقال: (وينادى بها القريب والبعيد، لأنَّها تنتهي بصوت مدّ، يعين على مدِّ الصوت وإيصاله إلى المنادى البعيد)(466)، ولكن الدكتور قيس الأوسي يرى بأنَّ الأداة (يا) لا تستعمل للقريب والبعيد على السواء، فقال: (والذي أراه أنَّ استعمال (يا) في نداء البعيد والقريب ليس على السواء، وإنَّما الأصل فيها أن تستعمل لنداء البعيد، يؤيّد ذلك أنَّها تنتهي بـ (الألف) الملازمه لمدّ الصوت، وأنَّ استعمالها في نداء القريب إنَّما لإفادة معنى التوكيد في تنبيه المخاطب)(467).
ويرى الباحث بأنَّ الأداة (يا) تستعمل للقريب والبعيد على السواء، واستعمالها فيهما استعمال حقيقي، لأنَّ الفائدة من النداء هو الإقبال وتنبيه المدعوّ غير الملتفت والغافل سواء أكان بعيداً أم قريبا، وربَّما استعملت (يا) لنداء القريب مجازاً، وهو شائع في كلام العرب، مثلما يستعملون الهمزة لنداء البعيد مجازاً، وذلك لتنزيله منزلة القريب، كما في نداء الموتى مثلاً.
المنادى وعامل النصب فيه:
المنادى: (هو المطلوب إقباله بحرف نائبٍ مناب (أدعو) لفظاً أو تقديراً)(468)، وهو عند النحاة نوع من المفعول به، وهو منصوب لفظاً أو محلَّا(469) بعامل هو موضع خلاف بين النحويين، ولهم في ذلك آراء ومذاهب أهمّها:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(465) المقتضب 4: 235.
(466) في النحو العربي (قواعد التطبيق): 217.
(467) أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 224.
(468) التعريفات: 288؛ ومعترك الأقران 1: 339؛ وشرح الرضي على الكافية 1: 344.
(469) ينظر: شرح المفصَّل 2: 250.

(١٣٩)

أوَّلاً: العامل في المنادى فعل مضمر وجوبا، قال سيبويه: (وممَّا ينتصب في غير الأمر والنهي على الفعل المتروك إظهارُهُ قولك: يا عبدَ اللهِ، والنداء كلُّهُ...، حذفوا الفعل لكثرة استعمالهم هذا في الكلام، وصار (يا) بدلاً من اللفظ بالفعل، كأنَّه قال: (يا)، أُريد عبدَ اللهِ، فحُذِفَ (أُريد) وصارت (يا) بدلاً منها)(470)، وعُلِّلَ سَبَبُ الإضمار بما يأتي(471):
1 - ظهور معنى الفعل المضمر.
2 - النداء يفيد الإنشاء، وإظهار الفعل يوهم الإخبار، فتحاشوا إظهارَهُ.
3 - طلب الخفَّة، لأنَّ كثرة الاستعمال مظنَّة التخفيف.
4 - حرف النداء عوض عن الفعل، فلا يُجْمَعُ بين العوض والعوض منه.
ثانياً: العامل فيه معنوي وهو القصد، ورُدَّ هذا لعدم وروده في عوامل النصب(472).
ثالثاً: العامل فيه حرف النداء النائب مناب الفعل، فسدَّ مسدَّه في اللفظ والعمل(473).
رابعاً: إنَّ أدوات النداء أسماء أفعالٍ بمعنى أدعو، لذا لا حذف ولا تقدير ولا نيابة(474).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(470) الكتاب 1: 291؛ وينظر: المقتضب 4: 204؛ الأُصول في النحو 1: 333.
(471) ينظر: همع الهوامع 2: 25 و26.
(472) ينظر: المصدر السابق.
(473) ينظر: المقتصد في شرح الإيضاح 2: 753 و754؛ وأسرار العربية: 207؛ واللباب في علل البناء والإعراب: 222 و223.
(474) ينظر: شرح الرضي على الكافية 1: 346؛ حاشية الصبّان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك 3: 197؛ وحاشية الخضري على شرح ابن عقيل 2: 167.

(١٤٠)

ووافق الدكتور المخزومي النحاة في نصب المنادى، لكنَّه اختلف في الناصب له، فجاء: (وحقّ المنادى أن يُنصَب، لا لأنَّه مفعول (أدعو) أو (أدعوا) التي نابت (يا) عنها كما زعموا، ولا لأنَّ هنالك عاملاً يقتضي نصبه، بل يُنصَب لأنَّه لم يدخل في إسناد، ولا إضافة، وكلّ ما كان كذلك نُصِبَ في وصل الكلام)(475).
وأمَّا الدكتور قيس الأوسي فقد ذهب مذهباً يغاير النحاة، إذ يرى أنَّ الرفع هو الأصل في حركة المنادى، فقد جاء: (والذي أراه في موضوع (النداء) أنَّ العلامات الإعرابية قد وُجِدَت في العربية للدلالة على المعاني الوظيفية لأجزاء العبارة، وأنَّ (الرفع) هو (علم كون الاسم عمدة الكلام)، والمرفوع هو عمدة الكلام كالفاعل والمبتدأ والخبر، والبواقي محمولة عليها، وعلى هذا الأساس نستطيع أن نقول: إنَّ الرفع هو الأصل في حركة المنادى، وأنَّ المنادى محمول في رفعه على عمد الكلام)(476).
وخلاصة الأمر يمكن أن نقول: إنَّ تقدير القدامى لفعل محذوف ثابت عنه الأداة (يا) لا وجه له من الصواب، ذلك أنَّ أُسلوب النداء أُسلوب إنشائي لا يحتمل صدقاً ولا كذبا، وحين تقدّر فعلاً يتحوَّل هذا إلى أُسلوب خبري وهو غير المقصود، لذا يمكن القول إنَّ ما ذهب إليه الدكتور مهدي المخزومي يُمَثِّلُ وجهاً مقبولا، لأنَّ المنادى ليس طرفاً في الإسناد فيرفع، ولا طرفاً في الإضافة فيجرّ، فلم يبقَ إلَّا النصب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(475) في النحو العربي (قواعد وتطبق ): 218.
(476) أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 245.

(١٤١)

أقسام المنادى:
المنادى: هو اسمٌ منصوبٌ يُذْكَرُ بعد (يا) أو إحدى أخواتها، ليِشدَّ انتباه السامعِ لأمرٍ يريده المتكلِّم.
والاسم المنادى قسمان، هما:
أوَّلاً: المنادى المبني:
ويشمل:
1 - نداء العَلَم.
2 - نداء النكرة المقصودة.
3 - نداء لفظة الجلالة.
4 - نداء الاسم الموصول والإشارة.
5 - نداء العَلَم الموصوف بـ (ابن).
ثانياً: المنادى المعرب:
ويشمل:
1 - نداء المضاف.
2 - نداء الشبيه بالمضاف.
3 - نداء النكرة غير المقصودة.
ويلحق بهما:
1 - استعمال (أيّ) بالنداء.
2 - الندبة والاستغاثة.
3 - التعجّب الشبيه بالاستغاثة.
أوَّلاً: المنادى المبني:
ويشمل:

(١٤٢)

1 - نداء العَلَم:
وهو ما كان التعريف فيه سابقاً على النداء، نحو: يا محمّدُ، وقد اختلف النحاة في حكم المنادى المفرد المعرفة، فذهب الكسائي (ت 189هـ) من الكوفيين إلى أنَّه معربٌ، إذ قال: (المنادى المفرد المعرفة مرفوع لتجرّده من العوامل اللفظية، ولا يعني أنَّ التجرَّد فيه عامل الرفع كما قال بعضهم في المبتدا، بل المراد به أنَّه لم يكن فيه سبب البناء حتَّى يبنى، فلا بدَّ فيه من الإعراب)(477).
أمَّا البصريّون فذهبوا إلى أنَّ المنادى المفرد مبنيٌّ في محلّ نصب، لأنَّه مفعول وسبب بنائه لإجرائه مجرى الأصوات(478)، وقيل: لوقوعه موقع ضمير المخاطب المبني(479).
وجاء في همع الهوامع: (ويبنى على ما يرفع به وهو الضمَّة في المفرد...، وعلَّة البناء الوقوع موقع كاف الخطاب، وقيل: شبهه بالضمير، وخُصَّ بالضمِّ لئلَّا يلتبس بغير المنصرف لو فتح، وبالمضاف للياء لو كسر)(480).
وقد وافق الدكتور مهدي المخزومي البصريين في بناء المنادى المعرفه ومحلّه النصب، حيث يقول: (المنادى مركَّب لفظي، يستخدم لتأدية غرض لغوي خاصّ، وليس فيه إسناد ولا إضافة ولا مفعولية،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(477) ينظر: شرح الرضي على الكافية 1: 349؛ وهمع الهوامع 2: 29؛ الإنصاف في مسائل الخلاف 1: 323/ مسألة 45.
(478) ينظر: الكتاب 2: 185؛ الإنصاف في مسائل الخلاف 1: 323/ مسألة 45؛ وأمالي الزجّاجي: 83.
(479) ينظر: اللباب في علل البناء والأعراب: 323 و324.
(480) همع الهوامع 2: 29.

(١٤٣)

 فحقّه النصب، وإذا كان المنادى معرفة لم ينوَّن، لأنَّ التنوين علم التنكير، فلو أُريد إلى نصبه غير منوَّن، ولا مضاف لاشتبه بالمنادى المضاف إلى ياء المتكلِّم في بعض حالاته...، فلزم (الضمّ) إتّقاءً لمثل هذه الشبه)(481).
وقد تقدَّم رأي الدكتور قيس الأوسي بأنَّ الرفع هو الأصل في حركة المنادى(482)، ويرى الباحث أنَّ ما ذهب إليه الدكتور المخزومي متابعاً للبصريين له وجه من الصواب، لأنَّه بعد توجيه حالة النصب في المنادى فإنَّ المفرد المعرفة لا ينوَّن لأنَّ التنوين علامة للتنكير، فلو أُريد ترك الفتحة عليه من دون تنوين لاشتبه بالمنادى المضاف إلى ياء المتكلِّم عند قلبها ألفاً وحذف الألف وإبقاء فتحة دليلاً على الألف.
وقد ورد نداء العَلَم في التوقيعات المهدوية في ثلاثة عشر موضعاً، ومن ذلك:
1 - قوله (عليه السلام) لعمّه جعفر بن محمّد الهادي (عليه السلام) عندما نازع الإمام (عليه السلام) في الميراث بعد استشهاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): (يا جعفرُ، ما لك تعرض في حقوقي؟)(483).
المنادى (جعفر) مبني على الضمّ، لأنَّه اسم معرفة علم وقد سبق بأداة النداء (يا) زجراً وتنبيهاً على أمر مهمّ(484)، وهو إنكار جعفر أن يكون للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وارث غيره، وأنَّ الميراث يقسَّم على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(481) في النحو العربي (قواعد وتطبيق): 30؛ وينظر: 218 و219؛ وينظر: إحياء النحو: 61 - 63.
(482) ينظر: أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 245.
(483) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 248؛ وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 442/ باب 43/ ح 15.
(484) ينظر: جواهر البلاغة: 89؛ الإتقان في علوم القرآن 2: 446.

(١٤٤)

طبقات، فالطبقة الأُولى هم الآباء والأبناء، والطبقة الثانية هم الإخوة والأجداد، والطبقة الثالثة هم الأعمام والأخوال، ولا ترث الطبقة اللاحقة إلَّا عند عدم وجود أفراد من الطبقة السابقة، وإنَّ جعفر ابن الإمام (عليه السلام) الهادي هو أخ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، فهو من الطبقة الثانية، ولا ترث هذه الطبقة إلَّا إذا لم يكن للميّت ولد(485).
وجاء بعد النداء استفهام بالأداة (ما)، وهنا خرجت عن أُسلوب الاستفهام وأفادت معنى التعجّب، كما ورد في القرآن حكاية عن سليمان (عليه السلام): (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) (النمل: 20)(486).
2 - وقوله (عليه السلام) لعمّه جعفر ابن الإمام الهادي (عليه السلام) عندما توفّيت جدَّة الإمام المهدي (عليه السلام) أُمّ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وأوصت أن تُدفَن في الدار، فنازعهم جعفر، وقال: هي داري لا تدفن فيها، فجاء عن الإمام (عليه السلام): (يا جعفرُ، أدارك هي؟)(487).
المنادى (جعفر) مبني على الضمّ لأنَّه اسم معرفة علم، وقد سبق بالأداة (يا) لكون الخطاب المتلوّ معني به، كما جاء في قوله تعالى: (يا أَيهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) (النساء: 1)(488)، وجاء بعد المنادى استفهام بالهمزة، وهنا خرج عن الاستفهام الحقيقي إلى المجازي الذي يُفهَم من السياق، والمعنى العامّ، وهنا دلَّ على التنبيه على الباطل، وإنَّ دعواه بغير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(485) ينظر: منهاج الصالحين للسيّد الخوئي: 357 - 362.
(486) ينظر: مفتاح العلوم 1: 141.
(487) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 248؛ وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 442/ باب 43/ ح 15.
(488) ينظر: البرهان في علوم القرآن 4: 455؛ ومعترك الأقران: 448.

(١٤٥)

حقّ، كما ورد في قوله تعالى: (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ) (يونس: 42)(489)، وأيضاً يفيد الاستفهام هنا تقوية الإنكار.
3 - كتب له (عليه السلام) رجلان في دعاء لحمل لهما، فخرج التوقيع بالدعاء لواحد منهما، وخرج للآخر: (يا حمدانُ، آجرك الله)، فأسقطت امرأته وولد للآخر ولد(490).
والمنادى (حمدان) وهو مبني على الضمّ لأنَّه اسم علم وقد سبق بأداة النداء (يا) لكون الخطاب المتلوّ معني به، وهو (آجرك الله) جمله فعلية وفعلها ماض، وتدلُّ على الدعاء، لأنَّ أصله (ليأجرك الله)، وعدل به للإخبار بالماضي تحقيقاً بوقوعه أنَّ هذا ثابت بإذن الله تعالى(491).
4 - توفّي شخص وأوصى إلى ابنه بأن يسلِّم المال إلى صاحب الزمان (عليه السلام)، وقال له: اتَّق الله في هذا المال، فجاء توقيع إلى الابن: (يا محمّد، كذا وكذا في جوف كذا وكذا) حتَّى قصَّ عليَّ جميع ما معي ممَّا لم أحط به علماً، فسلَّمته إلى الرسول، وبقيت أيّاماً لا يرفع لي رأس واغتممت، فخرج إليَّ: (قد أقمناك مكان أبيك فاحمد الله)(492).
المنادى (محمّد) مبني على الضمّ لأنَّه اسم معرفة علم وقد سبق بالأداء (يا)، وقد جاء بعد النداء إخبار وهو للتنبيه وبيان عظم المنادي وعلمه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(489) ينظر: جواهر البلاغة : 95.
(490) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 328؛ وينظر: الهدية الكبرى: 91؛ عيون المعجزات: 145.
(491) ينظر الخصائص 3: 335؛ أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 205.
(492) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 290؛ وينظر: الكافي 1: 518/ ح 5؛ والإرشاد: 315.

(١٤٦)

وجاءت الموارد الأُخرى لنداء العَلَم بهذه الأساليب، وهي الدعاء والإخبار والاستفهام، وعليه إنَّ جميع ما جاء من نداء العَلَم في التوقيعات المهدوية كانت لأجل موضوعات مهمّة، وهي إمَّا الاستفهام أو للدعاء أو الإخبار عن شيء(493).
2 - نداء النكرة المقصودة:
وهو ما كان التعريف فيه عارضاً في النداء بسبب الإقبال والقصد نحو: (يا رجل)، وجاء في المقتضب: (والفصل بين قولك: (يا رجلُ أَقْبِلْ) إن أردت به المعرفة، وبين قولك: (يا رجلاً أَقْبِلْ) إذا أردت النكرة أنَّك إذا ضممت فإنَّما تريد رجلاً بعينه تشير إليه دون سائر أُمَّته)(494).
وعليه يكون الاسم النكرة معرفة بسبب الإقبال عليه بالنداء، وجاء في جامع الدروس العربية: (النكرة المقصودة: هي كلّ اسم نكرة وقع بعد حرف من أحرف النداء وقُصِدَ تعيينه، وبذلك يصير معرفة لدلالته حينئذٍ على معيَّن)(495).
وذكر الدكتور مهدي المخزومي: (إذا نودي إنسان بعينه فقد صار معرفة لأنَّك إنَّما تشير إليه وتقصد قصده، وإذا صار المنادى معرفة ذهب منه التنوين لأنَّ التنوين دليل التنكير، فإذا ناديت إنساناً لا تعرفه ولا تعرف اسمه فقلت: يا رجلُ، فقد شخَّصته وعرَّفته)(496).
نستنتج ممَّا تقدَّم أنَّ الاسم النكرة وإن كان هو (اسم شائع في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(493) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 318 و332 و350.
(494) المقتضب: 4/ 206.
(495) جامع الدروس العربية: 488.
(496) في النحو العربي (قواعد وتطبيق): 220.

(١٤٧)

جنسه ولا تخصُّ به واحداً دون آخر)(497)، لكنَّ إذا دخل عليه أحد أحرف النداء وقصد بعينه للمنادي فإنَّه سوف يتعرَّف ويصبح من المعارف بسبب النداء والإقبال عليه، ولذا فهو يبنى كما يبنى العلم والمعارف الأُخرى وبعض النحاة (سوى بين العلم والنكرة في أنَّ كلّ واحد منهما قد تعرَّف بوقوعه موقع أسماء الخطاب وبني لذلك)(498).
وقد ورد نداء النكرة المقصودة في التوقيعات المهدوية في خمسة وثلاثين موضعا، أربعة وثلاثين موضعاً في نداء صفات الله تعالى التي يدلُّ بالإقبال والقصد على فرد معروف وهو الله سبحانه وتعالى بعد أن كانت يوصف بها الله تعالى وغيره(499)، (المنادى (كريم) مبني على الضمّ لأنَّه نكرة مقصودة مقبلاً عليها إذ دلَّت بالإقبال والقصد على الله سبحانه)(500).
ومن المواضع التي ورد فيها النداء النكرة المقصودة في التوقيعات المهدوية:
أ) عندما دفع بعض المؤمنين مالاً إلى شخص لكي يحجّ حجَّاً مندوباً عن صاحب الزمان (عليه السلام)، فأعطى قسماً منها إلى أحد أولاده الذي كان فاسقاً، وذهب هو للحجّ، فخرج إليه: (يا شيخ، أمَا تستحي؟ يُدفَع إليك حجَّة عمَّن تعلم، فتدفع منها إلى فاسق شارب للخمر)(501).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(497) الجمل في النحو: 178.
(498) المقتصد في شرح الإيضاح 2: 768.
(499) ينظر: نفحات القرآن 4: 219 و238 و239؛ وتفسير الأمثل 1: 27؛ وتفسير الميزان 1: 21؛ والتفسير الكبير 1: 131 - 137؛ ومفاهيم القرآن 6: 408.
(500) أساليب الإنشاء في كلام الزهراء: 14.
(501) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 276؛ وينظر: وسائل الشيعة 8: 147/ باب 34؛ والخرائج والجرائح 1: 480/ باب 13/ ح 21.

(١٤٨)

المنادى (شيخ) نكرة مقصودة، إذ دلَّ بالقصد على فرد معروف معيَّن، وهو مبني على الضمّ، وقد سبق بأداة النداء (يا)، وخرج لفظ النداء عن معناه الأصلي إلى معنى آخر يفهم من السياق وهو الزجر(502) واللوم والتقريع، ومجيء الاستفهام بعد النداء في هذا السياق أفاد الاستفهام الإنكاري والتوبيخي. وقال ابن هشام: إنَّ مثل هذا الاستفهام يفيد الإنكار التوبيخي ويقتضي أنَّ ما بعد الاستفهام واقع وأنَّ فاعله ملوم(503).
ب) نداء النكرة المقصودة وهي صفات الله تعالى، وجاءت في الأدعية المهدوية:
منها: قوله (عليه السلام): (يا ماجد، يا جواد، يا ذا الجلال والإكرام، يا بطّاش، يا ذا البطش الشديد، يا فعَّالاً لما يريد، يا ذا القوَّة المتين، يا روؤف، يا رحيم، يا حيّ حين لا حيّ)(504).
جاءت عدَّة نكرات مقصودة بالنداء، وهي: (يا ماجد، يا بطّاش، يا روؤف، يا رحيم، يا حيّ)، وهي نكرة مقصودة مبنيّة على الضمّ، إذ دلَّ بالإقبال والقصد على الله سبحانه وتعالى، وأفادت معنى الدعاء.
من خلال السياق في هذا النداء نجد أنَّ الإمام (عليه السلام) قد كرَّر النداء في دعائه، وتكرار النداء يدلُّ على تمسّك الداعي بمن يدعوه، جاء في تفسير الكشّاف: (والدعاء المكرَّر دليل على التضرّع واللجأ إلى الله تعالى)(505)، وتكرار حرف النداء يدلُّ على أنَّ كلّ صفة من الصفات تمثِّل نداءً مستقلَّاً ولها أثر يختلف عن الأُخريات في هذا الدعاء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(502) ينظر: جواهر البلاغة: 107.
(503) ينظر: مغني اللبيب 1: 17 و18.
(504) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 366؛ ينظر: مهج الدعوات: 68.
(505) تفسير الكشّاف 2: 538.

(١٤٩)

ومنها: ما ورد أيضاً في الأدعية المهدوية: (إلهي وأسألك باسمك الذي سألك به يعقوب...، وكنت منه قريباً يا قريبُ أن تصلّي على محمّد وآل محمّد)(506).
المنادى (قريب) مبني على الضمّ لأنَّه نكرة مقصودة مقبلاً عليها، دلَّ بالإقبال والقصد على الله سبحانه، وأفادت معنى الدعاء والمدح من خلال ذكر صفات الله تعالى الكمالية.
وممَّا تقدَّم نجد أنَّ معظم نداء النكرات المقصودة هي جاءت بصفات الله تعالى وهي صفات فعل، ويقصد بها الصفات التي لها علاقة بأفعال الله، أي لا تطلق عليه قبل صدور الفعل منه، فجاء في نفحات القرآن: (صفات الفعل: وهي الصفات التي تطلق عليه بملاحظة صدور فعل معيَّن من ذاته المقدَّسة كالخالق والرازق، فمن المسلَّم أنَّ هذه الصفة لم تكن لتطلق عليه قبل أن يخلق مخلوقاً ويرزقه، وعليه فصفات الفعل حادثة وهي ليست نفس ذات الله)(507).
وهذه الصفات تنسب لله تعالى والعباد، فجاءت بالقرآن الكريم وصف لغير الله تعالى، فمثلاً صفة (رحيم) وصف بها الرسول الأكرم حيث جاء: (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة: 128)، وكذلك صفة الرزق، مثل قوله: (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (الأنفال: 4)، وأحياناً صفة للملائكة، مثل قوله: (مَلَكٌ كَرِيمٌ) (يوسف: 31)، وأحياناً صفه القرآن، مثل قوله: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) (الواقعة: 77).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(506) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 381؛ ينظر: مهج الدعوات: 278 - 293؛ والصحيفة المهدوية: 3؛ وبحار الأنوار 95: 266 - 279/ باب 107/ ح 34.
(507) نفحات القرآن 4: 219.

(١٥٠)

وجاءت بقيّة النكرات المقصودة بنداء صفات الله تعالى، وقد أفادت المدح والثناء والدعاء(508).
3 - نداء لفظ الجلالة (الله):
إنَّ لفظ الجلالة (الله) هو أعرف المعارف على الإطلاق، لذلك يدخل ضمن نداء المفرد، ولندائه أُسلوبان:
إحداهما: يا ألله، بقطع الهمزة، وهذا أحد خصائص هذا الاسم الشريف، قال سيبويه: (واعلم أنَّه لا يجوز لك أن تنادي اسماً فيه الألف واللام البتة، إلَّا أنَّهم قد قالوا: يا ألله اغفر لنا)(509)، وذلك لأنَّ لفظه كثير الدوران في الاستعمال، وهما عوض محض من همزة (إله)، الذي هو أصل لفظ الجلالة، وإنَّ نداءه ضرورة لأنَّه منتهى كلّ رغبة. ومن العرب من يقول: يا ألله بقطع الهمزة، وهذا في التقدير كالواقف على (يا) والمبتدى باسم الله فكأنَّه لم يدخلها عليه(510).
أمَّا الكوفيّون فقد أجازوا إيلاء أداة النداء المنادى المعرَّف بـ (أل) مطلقاً في السعة، فنقول: (يا الرجل) و(يا الغلام)، واستدلّوا على جواز ذلك ببعض الشواهد التي باشرت فيها أداة النداء المنادى المعرَّف بـ (أل)(511).
ويرى الدكتور قيس الأوسي أنَّ رأي البصريين هو الصحيح من منع الجمع بين (يا) و(أل) التعريف إلَّا في بعض الموارد، ومنها لفظة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(508) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 275 و380 و384 و390 و395.
(509) الكتاب 2: 195؛ وينظر: شرح الرضي على الكافية 1: 383؛ وشرح التسهيل/ القسم النحوي (المرادي): 833.
(510) ينظر: المقتصد في شرح الإيضاح 2: 578 و579؛ وتوجيه اللمع: 328.
(511) شرح الرضي على الكافية 1: 382؛ وهمع الهوامع 2: 45؛ وينظر الإنصاف في مسائل الخلاف: 235.

(١٥١)

الجلالة (الله) حيث قال: (وأرى أنَّ ما ذهب إليه البصريّون من منع الجمع بين (يا) و(أل) التعريف هو الصحيح، ويؤيّدهم في ذلك الاستخدام اللغوي، فلا يقال: (يا الرجل) حيث يلتقي فيه ساكنان: ألف (يا) ولام (أل)، فكان يلزم حذف الألف من (يا) لالتقاء الساكنين، وإذا حذفت الألف لم يعد في (يا) ما يعينها على تأدية وظيفتها في مدِّ الصوت ورفعه، ولم يمتنع عندهم (يا ألله) لأنَّ الأكثر فيه قطع همزة (ألله)، وعلى هذا لا يلتقي فيه ساكنان، ومن ثَمَّ لا إشكال في اجتماع (يا) و(أل) فيه، بعكس (يا الرجل) وسائر المناديات المعرَّفة بـ (أل) فإنَّ الهمزة في (أل) التعريف همزة وصل وتسقط في درج الكلام)(512).
ويرى الباحث بأنَّ ما ذهب إليه البصريّون والدكتور الأوسي هو الصواب، لأنَّ النداء يفيد التعريف والإقبال على شخص المنادى عليه، و(أل) للتعريف، فلا يجتمع على الاسم الواحد تعريفان، وأمَّا لفظ الجلالة (ألله) فإنَّه يجوز نداءه لأنَّ الألف واللام ليست للتعريف.
وقد ورد نداء لفظ الجلالة بهذا الأُسلوب في التوقيعات المهدوية في موضع واحد، وهو ما ورد عنه (عليه السلام) في الأدعية المهدوية: (يا ألله، افْعَلْ بي ما أنت أهله)(513).
المنادى لفظ الجلالة (ألله) جاء مبنيَّاً على الضمّ، وأداة النداء (يا) تجرَّدت من التنبيه إلى النداء المقصود به الدعاء والتضرّع والخضوع لله (عزَّ وجلَّ)(514)، لأنَّه لا يمكن تنبيه الله (عزَّ وجلَّ).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(512) أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 263.
(513) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 285؛ وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 470/ باب 43/ ح 24؛ والغيبة للطوسي: 259/ ح 227؛ وفلاح السائل: 179.
(514) ينظر: أمالي ابن الشجري 1: 418؛ شرح المفصَّل 8: 30.

(١٥٢)

ومن الملاحظ أنَّ النداء بهذا الأُسلوب جاء مرَّة واحدة، بينما نجد أنَّ الدعاء بأُسلوب (اللّهمّ) و(إلهي) و(ربّ) جاء عشرات المرَّات في الأدعية، وذلك لأنَّ في هذه الأساليب جرساً خاصَّاً وفخامةً وروعةً لا يحسُّ بها في (يا ألله)(515).
ثانيهما: أمَّا الأُسلوب الآخر لنداء لفظ الجلالة فهو (اللّهمّ)، وهو لفظ خاصّ في نداء الله سبحانه وتعالى، واختلف في تركيبه، فذهب البصريّون إلى أنَّ الميم المشدَّدة في (اللّهمّ) عوض عن (يا) في (يا الله)، قال الخليل (ت 175هـ): (اللّهمّ نداء، والميم ها هنا بدل من يا)(516)، أُخِّرَ تبرّكاً بالابتداء باسم الله تعالى(517)، لذا (لا يجوز الجمع بينهما)(518)، وتسمّى هذه الميم (ميم الجمعِ بين الأسماء الحسنى والصفات العُلا)(519).
أمَّا الكوفيّون فذهبوا خلاف ذلك، وأصله عندهم (يا ألله أُمّنا بخير)، قال الفرّاء (ت 207هـ): (اللّهمّ كلمة نصبها العرب...، ونرى أنَّها كانت كلمة ضمّ إليها أُمّ تريد: يا ألله أُمّنا بخير، فكثرت في الكلام فاختلطت، فالرفعة التي في الهاء من همزة أُمّ لمَّا تركت انتقلت إلى ما قبلها)(520).
وقد ردَّ الزجّاج (ت 311هـ) رأي الفرّاء قائلاً: (وزعم أنَّ الضمَّة التي في الهاء ضمَّة الهمزة التي كانت في أُمّ، وهذا محال أن يُترَك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(515) ينظر: شرح التصريح 3: 565؛ وحاشية الصبّان 3: 217 و218.
(516) الكتاب 1: 196؛ وينظر: الأُصول في النحو 1: 388؛ والإنصاف 1: 341/ مسألة 47.
(517) ينظر: شرح الرضي على الكافية 1: 383.
(518) اللامات: 85.
(519) تنبيه الطلب على معاني الألفية 2: 896.
(520) معاني القرآن 1: 203؛ وينظر: اللامات: 85.

(١٥٣)

الضمّ الذي هو دليل على النداء للمفرد، وأن يُجعَل في الله ضمَّة (أُمّ) هذا إلحادُ في (اسم الله (عزَّ وجلَّ)))(521)، وكذلك رُدَّ رأيه لأنَّك تقول: اللّهمَّ لا تؤمَهُم بخير(522).
ويرى الدكتور قيس الأوسي أنَّ الخوض والاختلاف في أصل (اللّهمّ) لن ينفع في شيء، فقال: (وأرى أنَّ الخوض والاختلاف في أصل (اللّهمّ) في الدراسات النحوية المعاصرة لن ينفع في شيء، ويكفي في (اللّهمّ) القول: إنَّه من الأسماء المختصَّة بالنداء، ودلالته على النداء واضحة، وهو لا يحتاج في ذلك إلى استعمال أداة معه)(523)، وهذا هو ما نراه صواباً.
وهنالك دراسات حديثة دلَّت على أنَّ أصل (اللّهمّ) عبري وهو (ألوهيم) وتعني (الآلهة)، والمراد به الواحد، وإنَّما جمعوه للتعظيم(524)، وهذا يدلُّ على أنَّ الميم ليست بقايا كلمة أُمّ كما زعم الفرّاء(525).
وتحمل لفظة (اللّهمّ) جرساً خاصَّاً (فخامةً وروعةً لا تحسُّ بها في يا الله)(526).
وقد ورد النداء بـ (اللّهمّ) في التوقيعات المهدوية في ثمانية وعشرين موضعا، وردت في عدَّة سياقات، وهي:
1 - النداء بـ (اللّهمّ) وبعدها فعل أمر: وقد وردت في ستَّة عشر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(521) معاني القرآن وإعرابه 1: 332؛ وينظر: إعراب القرآن: 196.
(522) ينظر: شرح الرضي على الكافية 1: 384.
(523) أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 275.
(524) ينظر: معاني النحو 4: 326.
(525) أساليب الإنشاء في كلام الزهراء (عليها السلام): 22.
(526) ينظر: شرح التصريح 3: 565؛ وحاشية الصبّان 3: 217 و218.

(١٥٤)

موضعاً، منها: ما جاء في جوابه (عليه السلام) لمن سأله عن كيفية التوجه للصلاة: (وجهت وجهي للذي فطر...، اللّهمّ اجعلني من المسلمين)(527).
جاء النداء بـ (اللّهمّ) وبعدها فعل أمر، وهنا خرج النداء للدعاء بفعل الأمر (اجعلني)، وهو طلب من الداني إلى العالي، وإنَّ صيغه الأمر والدعاء واحدة، لأنَّ كلَّاً منهما طلب وإنَّما يتفاوتان بالرتبة(528).
ومن خلال تتبّع النصوص الواردة في هذا السياق نجد أنَّه أكثر السياقات وروداً في التوقيعات المهدوية، ويلاحظ أيضاً أنَّه قد عطف كثيراً على فعل الأمر بأفعال الأمر كذلك التي تفيد الدعاء، فمثلاً ما ورد عنه (عليه السلام) في دعاءه: (اللّهمّ أحجبني عن عيون أعدائي، واجمع بيني وبين أوليائي، وأنجز لي ما وعدتني، واحفظني في غيبتي إلى أن تأذن لي في ظهوري، وأحي بي ما درس من فروضك وسُنَّتك، وعجِّل فرجي، وسهِّل مخرجي...)(529).
2 - النداء بـ (اللّهمّ) وبعدها فعل ماضي: وقد ورد بهذا الأُسلوب في موضع واحد، وذلك في دعائه (عليه السلام): (اللّهمّ إليك رُفِعَت الأصوات، ولك عنَّت الوجوه، ولك خضعت الرقاب، وإليك التحاكم في الأعمال...)(530).
لفظ الجلالة (الله) من (اللّهمّ) مبني على الضمّ في محلّ نصب منادى، وجاءت بعدها جملة فعلية فعلها ماض أفادت الدعاء، وقد تقدَّم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(527) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 183؛ ينظر: الاحتجاج 2: 575؛ ووسائل الشيعة 3: 724/ باب 8/ ح 3.
(528) ينظر: تفسير الكشّاف 1: 25.
(529) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 8: 368؛ وينظر: مهج الدعوات: 320.
(530) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 257؛ وينظر: الغيبة للطوسي: 259/ ح 227.

(١٥٥)

معمول الفعل الماضي عليه، وقد أفاد معنى التخصيص والحصر، أي تخصيص رفع الأصوات إلى الله سبحانه وتعالى. وأيضاً يلاحظ قد تكرَّر العطف على الجملة الفعلية الأُولى بجملٍ فعلية عديدة وكلّها تفيد الدعاء، وهذا يعطي فائدة التأكيد والإلحاح على الله تعالى.
3 - النداء بـ (اللّهمّ) وبعدها فعل مضارع: وقد ورد النداء بهذا الأُسلوب في موضع واحد، وذلك في دعائه (عليه السلام): (اللّهمّ بك أعوذُ، وبك ألوذُ، ولك أعبدُ، وإيّاك أرجو، وبك أستعينُ، وبك أستكفي، وبك أستغيثُ، وبك أستنقذُ، ومنك أسألُ)(531).
جاء النداء بصيغة (اللّهمّ) وبعده فعل مضارع (أعوذ)، وقد تقدَّم عليه المعمول (بك)، وهذا يدلُّ على الاختصاص والحصر، أي العوذ والالتجاء محصوراً بالله تعالى، وأيضاً قد عطف على الفعل جمل فعلية متعدّدة وأفعالها مضارعة وتفيد الدعاء والتضرّع إلى الله سبحانه.
4 - جملة فعلية فعلها أمر يفيد الدعاء وبعدها النداء بصيغة (اللّهمّ): وجاءت في مورد واحد، وهو ما جاء في تعليمه (عليه السلام) للأصحاب كيفية الزيارة، وهي المعروفة زيارة (آل ياسين): (واجعلني اللّهمّ من أنصاره وأعوانه وأتباعه وشيعته)(532).
تقدَّم فعل الأمر (اجعلني) الذي يفيد الدعاء لأنَّه أمر من الداني إلى العالي على صيغة (اللّهمّ) يدلُّ على تأكيد الجعل والكون من الأنصار والأعوان والأتباع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(531) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 391؛ وينظر: مهج الدعوات: 278 - 293؛ والصحيفة المهدوية: 3؛ بحار الأنوار 95: 266 - 279.
(532) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 203؛ وينظر: الاحتجاج 2: 595؛ وبحار الأنوار 53: 171/ باب 31/ ح 5.

(١٥٦)

5 - النداء بـ (اللّهمّ) وبعدها جملة اسمية: وجاءت في تسعة مواضع في التوقيعات المهدوية، منها ما جاء في الدعاء عندما يريد الاستخارة: (اللّهمّ إنّي أستخيرك برحمتك خيرة في عافية)(533).
جاءت بعد (اللّهمّ) جملة اسمية مقيَّدة بالناسخ (إنَّ) الذي يفيد التوكيد وتحقيق النسبة بين طرفي الجملة الاسمية(534)، وقد جاء النداء بهذا التركيب في جميع المواضع التسعة وهو النداء بـ (اللّهمّ)، وجملة اسمية مقيَّدة بالناسخ (إنَّ)، وخبرها فعل مضارع يفيد الدعاء.
الحكم في وصف (اللّهمّ):
ذهب سيبويه إلى عدم جواز وصف (اللّهمّ) كما لا تُوصَف أخواته من الأسماء الخاصّة بالنداء نحو: يا هناه، ويا نومان، جاء في الكتاب: (وإذا ألحقتَ الميم لم تصف الاسم، من قِبَلِ أنَّه صار مع الميم عندهم بمنزلة صوت كقولك: يا هناه. وأمَّا قوله (عزَّ وجلَّ): (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (الزمر: 46) فعلى يا)(535)، أي يا فاطر.
وذهب الفرّاء (ت 207هـ)(536)، والمبرّد (ت 285هـ) إلى جواز وصفه مستدلّين بالآية السابقة لأنَّه بمنزلة: يا أللهُ الكريمُ، فكذلك تقول: اللّهمُّ الكريمُ(537).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(533) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 279؛ وبحار الأنوار 91: 248/ باب 5/ ح 2.
(534) ينظر: حروف المعاني: 30؛ معاني الحروف: 123.
(535) الكتاب 2: 196؛ :2 / 196؛ وينظر: البيان في غريب إعراب القرآن 1: 197.
(536) ينظر: شرح التسهيل (ناظر الجيش) 7: 3566.
(537) ينظر: المقتضب 4: 239؛ وشرح المفصَّل 2: 294.

(١٥٧)

وأمَّا الزجّاج (ت 311هـ) فقد جزم بأنَّ (فاطر) صفة (اللّهمّ)(538).
وقد حقّق أبو علي الفارسي (ت 377هـ) ذلك بقوله: (إنَّ النداء أصله ألَّا يوصف، لأنَّه واقع موقع المضمر، والمضمر لا يوصف، فكان حكمه ذلك، إلَّا أنَّهم وصفوه، لأنَّ فيه شبهاً واحداً بالمضمر، لمَّا انضمَّت (الميم) إلى (اللّهمّ) كانت هذه الياء أيضاً شبهاً آخر، لأنَّه ضُمَّ إلى الصوت، فصار فيها شبهاً فامتنع)(539).
وذكر الرضي أنَّه لا يرى في الأسماء المختصَّة بالنداء مانعاً من الوصف إلَّا أنَّ السماع مفقود فيها(540).
وقد ورد هذا في التوقيعات المهدوية في أدعية الإمام (عليه السلام) بقوله: (اللّهمّ مالِكَ الملك، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممَّن تشاء، وتعزُّ من تشاء، وتذلُّ من تشاء بيدك الخير...)(541).
لفظ الجلالة (الله) من (اللّهمّ) مبني على الضمّ في محلّ نصب منادى (لأنَّه وقع عليه الإعراب)(542)، و(مالك الملك) نداءٌ ثانٍ، وهو منصوبٌ لأنَّه منادى مضاف، هذا على مذهب سيبويه، ولا يجوز أن يكون صفة (اللّهمّ) لأنَّه أشبه الأصوات من أجل ما لحقه(543).
ويجوز على رأي المبرّد (ت 285هـ) أن تكون صفات منصوبة على محلّ (اللّهمّ).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(538) ينظر: معاني القرآن وإعرابه 1: 333؛ وارتشاف الضرب 4: 2192.
(539) المسائل المنثورة: 298 و299؛ وينظر: المحصول في شرح الفصول 2: 683.
(540) ينظر: شرح الرضي على الكافية 1: 384.
(541) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 365؛ وينظر: مهج الدعوات: 68.
(542) الكتاب 1: 362.
(543) ينظر: الكتاب 2: 196.

(١٥٨)

أمَّا على رأي الزجّاج (ت 311هـ) فهي صفات: (وذلك أنَّ الاسم ومعه الميم بمنزلته ومعه (يا)، فلا تُمنَع الصفة مع الميم كما لا تُمنَع مع (يا))(544).
4 - نداء الاسم الموصول واسم الإشارة:
أ) الاسم الموصول:
الاسم الموصول (هو اسم دلَّ على معيَّن بواسطة كلام يذكر بعده)(545)، ويشترط في ندائه أن يكون مجرَّداً من (أل)(546)، يقول الدكتور المخزومي إنَّه يجوز نداء ما فيه (أل) لكنَّه يذهب بالفائدة من النداء حيث جاء: (الواقع أنَّه لا مانع من نداء ما فيه (أل)، ولكن وجود (أل) في المنادى قد يذهب بالفائدة من النداء، فإنَّ النداء يقوم على أساس مدّ الصوت ليتنبَّه المنادى فيستجيب للنداء، ومدّ الصوت يقوم على وجود الألف في (يا) أداة النداء الواسعة الاستعمال، فإذا أُريد نداء ما فيه (أل) كالرجل فقيل: يا الرجل، التقى ساكنان: ألف (يا) ولام (أل) ولا ينطق اللسان بالساكنين، فحذف الألف من (يا) لم يعد ما يعينها على تأدية وظيفتها أعني: مدّ الصوت ورفعه)(547).
وجاء نداء الاسم الموصول في التوقيعات المهدوية في أربعة عشر موضعاً، كلّها في نداء الله سبحانه وتعالى، وجاءت بعدَّة أساليب:
1- النداء باسم الموصول وبعده فعل ماضي يدلُّ على الدعاء:
وجاء في ستَّة مواضع، منها: ما ورد في قوله (عليه السلام) في دعاء الفرج: (يا مَنْ أظهر الجميل، وستر القبيح، يا مَنْ لم يؤاخذ بالجريرة، ولم يهتك الستر)(548).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(544) معاني القرآن وإعرابه 1: 333.
(545) شرح المفصَّل 3: 101.
(546) ينظر: شرح الرضي على الكافية 1: 383؛ واللامات: 33؛ والنحو الوافي 4: 12.
(547) في النحو العربي (قواعد وتطبيق): 220 و221.
(548) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 350؛ وينظر: دلائل الإمامة: 298؛ ومصباح الكفعمي: 34 .

(١٥٩)

المنادى (مَنْ) وهو اسم موصول بمعنى (الذي) مبني على الضمّ المقدَّر، منع من ظهوره علامة البناء الأصلية، والمنادى المبني قبل النداء ومنه الاسم الموصول (مَنْ) يكون بعد حرف النداء مبنياً على ضمّ مقدَّر منع من ظهوره علامة البناء الأصلي(549).
وجاء النداء بالأداة (يا) مع قرب المنادى تعظيماً لشأن المدعوّ(550)، وقد تعيَّن المنادى من خلال الجملة بعده وهو الله سبحانه وتعالى.
ومن خلال السياق الذي ورد فيه النداء في هذا التركيب نجد أنَّ الإمام (عليه السلام) قد كرَّر النداء في دعائه، و(الدعاء المكرَّر دليل على التضرّع واللجأ إلى الله تعالى)(551)، ولم يستعمل العطف عند تكرار النداء، ولا شكَّ فيه نوع من الإلحاح في الدعاء وزيادة في التضرّع، كما أنَّ كلّ فقرة فيه تمثِّل نداءً مستقلَّاً يمثِّل نوعاً من الطلب، ففي النداء الأوَّل نلمح قدرة الله تعالى في إظهار الأعمال الصالحة لعباده، وفي ستر الأعمال غير الصالحة، أمَّا النداء الثاني فنجد فيه شيئاً مختلفاً فالمنادى وهو الله سبحانه لم يؤاخذ الناس بكلّ ما ارتكبوه من ذنوب وخطايا، فهو واسع الحلم رحيم بعباده.
2 - نداء الاسم الموصول وبعده جملة فعلية مسبوقة بنفي:
وجاء في ثلاثة مواضع، منها: ما ورد في أحد الأدعية: (يا مَنْ لا تغيّره الأيّام والليالي، أدعوك بما دعاك به نوح، حين ناداك فأنجيته ومن معه، وأهلكت قومَه)(552).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(549) ينظر: شرح الرضي على الكافية 1: 350.
(550) ينظر: معترك الأقران 1: 340.
(551) تفسير الكشّاف 2: 538.
(552) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 366؛ ينظر: مهج الدعوات: 68.

(١٦٠)

المنادى (مَنْ) اسم موصول بمعنى (الذي) مبني على الضمّ المقدَّر منع من ظهوره علامة البناء الأصلي، وقد تعيَّن المنادى من خلال الجملة الفعلية بعده وهو الله تعالى، وهنا جاء بعد الاسم الموصول جملة فعلية مسبوقة بنفي، والنفي عند دخوله على الفعل المضارع يخلّصه للاستقبال(553).
وهنا دلَّت الجملة الفعلية على الدعاء، وذكر ثبات أوصاف الله تعالى، وعدم التغيّر بمرور الأيّام والليالي، وهذا الثبات يكون مستمرَّاً بالمستقبل، والإمام (عليه السلام) يدعو الله تعالى بشيء قد حصل في التاريخ وهو نجاة نبيّ الله نوح (عليه السلام)، وهلاك أعدائه.
وجدير بالذكر أنَّ الأداة (لا) النافية التي وردت بالسياق هي التي خلَّصت الفعل المضارع للاستقبال، بخلاف بعض الأدوات النافية الأُخرى فقد تخلّصه للماضي كما هو الحال في الأداة (لم) عند دخولها على الفعل المضارع.
3 - نداء الاسم الموصول وبعده جملة اسمية:
وجاء في خمسة مواضع في التوقيعات المهدوية، منها: ما جاء في أحد أدعيته (عليه السلام): (يا مَنْ له خزائن السماوات والأرض، يا من له خزائن ما دقَّ وجلَّ، لا تمنعك إساءتي من إحسانك إليَّ)(554).
المنادى الاسم الموصول (مَنْ) بمعنى (الذي) مبني على الضمّ المقدَّر منع من ظهوره علامة البناء الأصلي، وقد تعيَّن المنادى من خلال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(553) ينظر: مغني اللبيب 1: 244.
(554) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 258؛ وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 470/ باب 43/ ح 24؛ والغيبة للطوسي: 259/ ح 227.

(١٦١)

الجملة الاسمية بعده وهو الله سبحانه وتعالى، وقد خرج النداء إلى معنى آخر وهو الدعاء.
وجاءت الجملة الاسمية من الخبر المقدَّم وهو الجار والمجرور والمبتدأ المؤخَّر، وتقدّم الخبر على المبتدأ يفيد الاختصاص والحصر، وأنَّ الله تعالى له خزائن السماوات والأرض.
وقد تكرَّر النداء وبدون عطف، وهذا يدلُّ على شدَّة التضرّع لله تعالى وهو الذي يملك كلّ شيء في السماوات والأرض وخزائن الدقيق والجليل، ومع ذلك لا يقطع الإحسان بمجرَّد صدور الإساءة من عبده.
ب) نداء اسم الإشارة:
اسم الإشارة (هو ما وضع لمشار إليه محسوس بالبصر أو بغيره)(555).
من الأسماء المبنيّة التي يدخل عليها حرف النداء هو اسم الإشارة، ويستعملون اسم الإشارة في النداء لإبهام الاسم وعدم معرفته، وجاء في شرح الرضي على الكافية: (أيّ واسم الاشارة: فإنَّهما وضعا مبهمين مشروطاً إزالة إبهامهما بشيء، أمَّا اسم الإشارة فبالإشارة الحسّية أو الوصف، وأمَّا (أيّ) فباسم آخر بعده)(556).
وذكر ابن يعيش (ت 643هـ) أنَّ اسم الإشارة (هذا) فيه مذهبان: (إحداهما: أن تكون وصلة لنداء الرجل، فيكون حكمها حكم (يا أيّها الرجل)، والآخر: تكون مكتفية لأنَّه يجوز أن تقول: يا هذا أقبل، ولا تصف)(557).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(555) شرح الرضي على الكافية 1: 375؛ وينظر: حاشية الخضري 1: 140.
(556) شرح الرضي على الكافية 1: 375.
(557) شرح المفصَّل 2: 273.

(١٦٢)

وقد ورد نداء اسم الإشارة في التوقيعات المهدوية في موضعين فقط:
الموضع الأوَّل: لمَّا كتب جعفر ابن الإمام الهادي (عليه السلام) إلى أحد الأصحاب يُعرِّفه فيه نفسه، ويعلمه أنَّه القيّم بعد أخيه، وأنَّ عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه، فكتب كتاباً إلى صاحب الزمان (عليه السلام) ووضع كتاب جعفر في درجه، فخرج جواباً بتوقع من الإمام (عليه السلام): (يا هذا، يرحمك الله، إنَّ الله تعالى لم يخلق الخلق عبثاً...)(558).
جاء نداء اسم الإشارة (هذا) بأداة النداء (يا)، وهو مبني على الضمّ المقدَّر منع من ظهور علامة البناء الأصلي، وقد استعمل اسم الإشارة في هذه المورد بحسب السياق للتذكير(559)، ففيه تذكير للسائل بخلق الله تعالى، وأنَّ هذا الخلق ليس عبثاً بل لحكمة وهو متناه في الدقَّة، وجاء بعد اسم الإشارة جملة فعلية فعلها مضارع تفيد الدعاء، لأنَّ تقدير (يرحمك الله) ليرحمك الله، وقد دلَّ هذا النداء باسم الإشارة وبعده الجملة التي تفيد الدعاء للمشار إليه على التعظيم، ومكانة الشخص المشار إليه، واستحضار عظمة المشار إليه أمام القلوب والعيون، كما ورد في قوله تعالى: (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة: 157)(560).
والموضع الثاني: الذي ورد فيه النداء لاسم الإشارة فكان جواباً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(558) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 245؛ وينظر: معادن الحكمة 2: 275؛ والغيبة للطوسي: 287 - 290/ ح 246؛ وتفسير نور الثقلين 5: 7/ ح 4.
(559) ينظر: جواهر البلاغة : 107.
(560) ينظر: معاني النحو 1: 89.

(١٦٣)

لجماعة من الشيعة تشاجروا مع شخص بأنَّ أبا محمّد (الحسن العسكري (عليه السلام)) مضى ولا خلف له، فكتبوا للإمام (عليه السلام)، فخرج التوقيع: (يا هؤلاء، ما لكم في الريب تتردَّدون، وفي الحيرة تنعكسون...)(561).
المنادى (هؤلاء) وهو اسم إشارة مبني على الضمّ المقدَّر منع من ظهوره علامة البناء الأصلي، وجاء بعد اسم الإشارة استفهام بـ (ما) الاستفهامية، وبحسب ما يفهم من السياق فإنَّه يدلُّ على التحسر والتوجّع على المشار إليهم، وأيضاً يدلُّ على اللوم والتقريع والتوبيخ لهؤلاء.
ومن الملاحظ ورود النداء باسم الإشارة جاء قليلاً في التوقيعات المهدوية، وذلك لأنَّ الأصل في أسماء الإشارة أن يشار بها إلى الأشياء المشاهدة المحسوسة، لأنَّ الإمام (عليه السلام) غائب عن الأنظار فلم يستعمل اسم الإشارة إلَّا قليلاً.
5 - نداء المفرد العَلَم الموصوف بـ (ابن):
إذا كان المنادى مفرداً عَلَماً ووصف بـ (ابن) كان هو وصفته بمنزلة اسم واحد، جاء في الكتاب: (هذا باب ما يكون الاسم والصفة فيه بمنزلة اسم واحد...، ومثل ذلك قولك: يا زيد بن عمرو)(562)، فإذا كان المنادى مفرداً عَلَماً ووصف بـ (ابن) مضافاً إلى عَلَم، ولم يفصل بين المنادى وصفته جاز فيه وجهان: الضمّ وهو الأصل، والفتح نصباً على الاتّباع لحركة كلمة (ابن)، وهو الأكثر في كلام العرب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(561) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 149؛ وينظر: الغيبة للطوسي: 285/ ح 245؛ الصراط المستقيم 2: 235/ باب 11/ فصل 3.
(562) الكتاب 2: 203.

(١٦٤)

والمختار عند البصريين الفتح، فقولك: (يا زيدَ بنَ عمرو) أنزلوا الرفعة التي في قولك: (زيد) بمنزلة الرفعة في راء (امرئ)، والجرّ بمنزلة الكسر في الراء، والنصب كفتحة الراء، وجعلوه تابعاً ل (ابن)، ألَا تراهم يقولون: (هذا زيدُ بنُ عبد الله)، فتركوا التنوين هاهنا لأنَّهم جعلوه بمنزلة اسم واحد لمَّا كثر في كلامهم، فكذلك جعلوه في النداء تابعاً ل (ابن)(563)، ولا يجوز في (ابن) إلَّا النصب(564).
واختلف في أيّهما الأجود، فقال المبرّد (ت 285هـ): الضمّ لأنَّه الأصل، وقال ابن كيسان (ت 299هـ): الفتح لأنَّه الأكثر في كلام العرب ولخفَّته(565).
وجاء في شرح الألفية:

(ونحو (زيدٍ) ضمَّ وافتحن * * * من نحو (أزيدُ بنَ سعيد لا تهَن)

أي إذا كان المنادى مفرداً عَلَماً ووُصِفَ بـ (ابن) مضافاً إلى عَلَم ولم يفصل بين المنادى وبين (ابن) جاز لك في المنادى وجهان: البناء على الضمّ نحو: (يا زيدُ بنَ عمر)، والفتح اتّباعاً نحو: (يا زيدَ بنَ عمر))(566).
وقد علَّلوا اتّباع الفتح لحركة (ابن) بأنَّ بينهما ساكناً، وهو حاجز غير حصين، جاء في همع الهوامع: (إذا كان المنادى عَلَماً موصوفاً بـ (ابن) متَّصلاً مضافاً إلى عَلَم نحو: يا زيد بن عمر، جاز في المنادى مع الضمّ الفتح اتّباعاً لحركة (ابن)، إذ بينهما ساكن وهو حاجز غير حصين)(567).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(563) ينظر: الكتاب 2: 206 و207.
(564) ينظر: المقتضب 4: 231؛ الإيضاح في شرح المفصَّل 1: 267 و268.
(565) ينظر المقتضب: 4: 231؛ وشرح التصريح 3: 555؛ وهمع الهوامع 2: 41.
(566) شرح ابن عقيل 3: 215.
(567) همع الهوامع 2: 40.

(١٦٥)

ويميل الباحث إلى ما ذهب إليه البصريون من اختيار الفتح لاتّباع حركة الفتح الموجودة على الكلمة (ابن)، وذلك لسهولة النطق، ولكونه هو الأكثر وروداً في كلام العرب، والقواعد النحوية وُضِعَت على ما ورد من السماع.
وجاء نداء العَلَم المفرد الموصوف بـ (ابن) في التوقيعات المهدوية في خمسة مواضع:
منها: ما ورد بعد بيان مسائل أشكلت على إسحاق بن يعقوب، فجاء في التوقيع: (والسلام عليك يا إسحاقَ بنَ يعقوبَ وعلى من اتَّبع الهدى)(568).
المنادى (إسحاق) منادى مفرد عَلَم، والأصل أن يبنى على الضمّ ولكنَّه بني على الفتح اتّباعاً لحركة الصفة (ابن)، وهي صفة منصوبة بالفتحة، و(يعقوب) مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنَّه غير منصرف، وهنا لم يفصل فاصل بين الاسم وصفته، وجاء سياق النداء بعد جملة اسمية تدلُّ على الدعاء للمنادى بالسلام والرحمة عليه وعلى كلّ من اتَّبع الهدى.
وجاء نداء العَلَم المفرد الموصوف بـ (ابن) وبعده جملة فعلية في ثلاثة مواضع:
منها: ما خرج في آخر توقيع على يد السفير الرابع علي بن محمّد السمري، والذي جاء فيه الإخبار عن نهاية الغيبة الصغرى وبداية الغيبة الكبرى، وأنَّ النيابة الخاصّة تنتهي بموته بعد ستَّة أيّام، فقال (عليه السلام): (بسم الله الرحمن الرحيم، يا عليَّ بنَ محمّد السمري، أعظم الله أجر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(568) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 128؛ وينظر: إعلام الورى: 423؛ وكمال الدين وتمام النعمة: 48/ باب 45/ ح 4؛ والغيبة للطوسي: 290/ ح 247.

(١٦٦)

إخوانك فيك، فإنَّك ميّتٌ ما بينك وبين ستَّة أيّام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحدٍ يقوم مقامك)(569).
المنادى (عليّ) منادى مفرد عَلَم، والأصل أن يبنى على الضمّ ولكنَّه بني على الفتح اتّباعاً لحركة الصفة (ابن) المنصوبة بالفتحة، وهنا لم يفصل بين الاسم وصفته بفاصل، وجاء بعد المنادى جملة فعلية فعلها ماض تفيد الدعاء، وتقديرها: (ليعظم الله أجر إخوانك فيك)، وهي تفيد الدعاء، وعدل بالجملة إلى الفعل الماضي يدلُّ على التحقّق وثبوت الأجر من الله تعالى لإخوانه المؤمنين بوفاته، وهذا الدعاء فيه نوع من التسلية والمواساة من الإمام (عليه السلام) لفقد السفير الرابع.
والمورد الآخر جاء نداء العَلَم المفرد الموصوف بـ (ابن) وبعده جملة اسمية: وهو ما ورد عنه (عليه السلام) يخبر أحد الأصحاب بالمال الذي عنده: (يا أحمدَ بنَ الحسن، الألف دينار التي لنا عندك ثمن النصل والفرس، سلِّمها إلى أبي الحسن الأسدي)(570).
المنادى (أحمد) وهو مفرد عَلَم وُصِفَ بـ (ابن) ولم يفصل بينهما فاصل، فلذلك بني على الفتح اتّباعاً لحركة الصفة المنصوبة، وجاء بعد المنادى جملة اسمية أفادت الإخبار عن أمر مهمّ لدى المنادى.
ثانياً: المنادى المعرب:
ويشمل:
1 - نداء المضاف:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(569) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 158؛ وينظر: معادن الحكمة 2: 288؛ وكمال الدين وتمام النعمة: 516/ باب 45/ ح 44؛ والغيبة للطوسي: 395/ ح 360.
(570) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 143؛ وينظر: فرج المهموم: 239.

(١٦٧)

الإضافة لغةً: الإمالة إلى الشيء، جاء في العين: (ضفت فلاناً أي نزلت به، وأضفته أنزلته، وتقول: أنا أُضيّفه إذا أملته إليك، يقال: هو مضاف إلى كذا أي: ممال إليه)(571)، وبهذا المعنى جاء في مقاييس اللغة حيث ذكر: (يقال: أضفت الشيء إلى الشيء أملته، وضافت الشمس تضيف مالت)(572)، وذكر بعضهم: أضَفْتُهُ وضَيَّفْتُهُ: أنزلتُهُ عليَّ ضيفاً وقرَّبتُهُ(573).
الإضافة اصطلاحاً: نسبة أو إسناد اسم إلى آخر على تنزيل الثاني من الأوَّل منزلة تنوينه، نحو: كتابُ زيدٍ، أو ما يقوم مقام تنوينه، نحو: كتابا زيدٍ(574).
وعرَّف الإضافة الدكتور فاضل السامرائي بأنَّها: (نسبة اسم إلى اسم آخر وإسناده إليه، نحو: غلامُ هندٍ، كتابُ خالدٍ)(575).
وقد استقرَّ مؤخَّراً عند النحاة على أنَّ الإضافة إمَّا أن تكون بمعنى اللام، أو تكون بمعنى (من)، أو تكون بمعنى (في)(576)، ولا تخرج الإضافة عن هذا عندهم، وذهب بعض النحاة إلى أنَّ الإضافة ليست على تقدير حرف أصلاً، ويرى الدكتور فاضل السامرائي: (أنَّ الإضافة تعبير آخر ليس على تقدير حرف، فقد يصحُّ تقدير حرف في تعبير، وقد يمتنع تقدير أيّ حرف في تعبير آخر)(577).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(571) العين 2: 1060/ مادّة (ض ي ف).
(572) معجم مقاييس اللغة 3: 380 و381/ مادّة (ض ي ف).
(573) ينظر: لسان العرب 3: 2346/ مادّة (ض ي ف).
(574) ينظر: شرح شذور الذهب لابن هشام: 343؛ وحاشية الصبّان 2: 356.
(575) معاني النحو: 117.
(576) ينظر: شرح ابن عقيل: 3: 36؛ ومعاني النحو: 118.
(577) معاني النحو: 118.

(١٦٨)

وهذا ما يراه الباحث صواباً، لأنَّ بعض التعبيرات الواردة عن العرب والقرآن يمتنع تقدير أيّ حرف لها.
وتقسَّم الإضافة إلى قسمين:
أ) الإضافة المحضة (المعنوية):
وهي الخالصة من معنى الانفصال، نحو: (ربَّنا ارحمنا)، أو هي إضافة غير الوصف، نحو: (كتابُ محمّدٍ)، أو إضافة الوصف إلى غير معموله، نحو: (كريمُ مصرٍ)، وتفيد تعريفاً أو تخصيصاً بحسب المضاف إليه.
ب) الإضافة غير المحضة (اللفظية):
وهي إضافة الصفة إلى معمولها، نحو: (يا عظيمَ الرجاءِ)(578)، وهي لا تفيد تعريفاً ولا تخصيصاً، وهي لمجرَّد التخفيف.
وإنَّ حكم المنادى المضاف هو النصب، وعَلَّلَ الخليلُ النصبَ فيه لطول الكلام(579).
وقد ورد نداء المضاف في التوقيعات المهدوية على عدَّة أنحاء:
أ) نداء المضاف المبدوء بصفات الله تعالى:
كَثُرَ نداء صفات الله تعالى في كلام الإمام المهدي (عليه السلام)، وخاصّة في الأدعية الواردة عنه، وهذا يتناسب مع سيرته الدينية وحياته العبادية، وقد ورد نداء صفات الله تعالى في ستَّة وأربعين مورداً، وجاءت في عدَّة صيغ، وهي:
1 - المنادى بصفة (ربّ):

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(578) ينظر: شرح ابن الناظم: 274؛ والإيضاح في شرح المفصَّل 1: 402؛ ومعاني النحو 3: 123.
(579) ينظر: الكتاب 2: 182.

(١٦٩)

وقد وردت هذه الصيغة في أحد عشر موضعاً، منها: ما ورد عنه (عليه السلام) في أحد أدعيته: (ربِّ من ذا الذي دعاك فلم تجبه)(580).
فجاء المنادى المضاف إلى (ياء المتكلِّم المحذوفة)، وهو صفة (الربّ)، وقد كَثُرَ حذف حرف النداء مع المنادى المضاف، فإنَّها تُحذَف عند قوَّة الدلالة عليها، فتصير مع القرائن الدالّة عليها كالمتلفَّظ بها(581).
وتُحذَف الأداة من الكلام تخفيفاً إذا كان المنادى مقبلاً عليك متنبّهاً لما تقوله، جاء في الكتاب: (وإن شئتَ حذفتهنَّ كلّهنَّ استغناءً كقولك: (حارِ بنَ كعبٍ)، وذلك أنَّه جَعَلَهُ بمنزلة مَنْ هو مقبل عليه بحضرته يخاطبه)(582)، ولذا كَثُرَ حذفُ الأداة مع النداء بصفة (الربّ)، (لأنَّ المعنى معلوم بدليل الحال)(583)، وإنَّ الله تعالى قريب ممَّن يدعوه، فهو سبحانه أقرب إلينا من حبل الوريد(584)، ولقوله تعالى: (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) (البقرة: 185).
وقال الشيخ الطوسي (ت 460هـ): (وإنَّما حذف حرف النداء لما كان أصله تنبيه المنادى ليقبل عليك، وكأنَّ الله (عزَّ وجلَّ) لا يغيب عنه شيء تعالى عن ذلك سقط حرف النداء للاستغناء عنه)(585).
وذكر آخرون أنَّ العلَّة من حذفه هو للدلالة على التعظيم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(580) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 376؛ وينظر: الصحيفة المهدوية: 3؛ ومهج الدعوات: 278 - 293.
(581) ينظر: الخصائص 2: 273 و274؛ وشرح المفصَّل 2: 15.
(582) الكتاب 2: 230.
(583) توجيه اللمع: 322.
(584) ينظر: علل النحو: 378؛ والبرهان في علوم القرآن 1: 280.
(585) التبيان في تفسير القرآن 2: 171.

(١٧٠)

والتنزيه، لأنَّ النداء مشرب معنى الأمر، فحذفت (يا) من نداء الربّ ليزول معنى الأمر ليخلص للتعظيم والتفخيم(586).
ويرى الباحث عند تتبّعه للموارد التي ورد فيها نداء (الربّ) أنَّه جاء محذوف الأداة في سبعة مواضع من الأحد عشر، وهذا يدلُّ على أنَّ المنادى لقربه من العبد ومتلطِّفاً به فلذا يستغنى عن الأداة.
2 - نداء صفات الله بصيغه اسم الفاعل:
اسم الفاعل (ما اشتقَّ من فعل لمن قام به بمعنى الحدوث، وصيغته من الثلاثي على فاعل، ومن غير الثلاثي على صيغة المضارع بميم مضمومة وكسر ما قبل الآخر)(587).
وقد ورد النداء بهذه الصيغة في تسعة مواضع في التوقيعات المهدوية، منها: ما ورد في بيان دعاء الفرج لأحد أصحابه (عليه السلام): (يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة)(588).
المنادى (واسع) و(باسط)، منادى مضاف إلى (المغفرة) و(اليدين)، وهو اسم فاعل من فعل ثلاثي (وَسَعَ) و(بَسَطَ)، وقد نُصِبَ المنادى لأنَّه مضاف، وقد خرج النداء في هذا السياق للدعاء إذ أنَّ الله تعالى مغفرته واسعة للعباد، وأيضاً أنَّه باسط اليدين بالرحمة، وهذه اليدين كناية عن أنَّ العطاء يكون باليد، وأنَّ رحمته مبسوطة للخلائق، وقد تكرَّر النداء وبدون حرف عطف، وهذه يدلُّ على الإلحاح والتضرّع الشديد بطلب الرحمة والمغفرة الإلهية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(586) ينظر: الإتقان في علوم القرآن 3: 627؛ معترك الأقران 1: 249.
(587) شرح الرضي على الكافية 3: 413.
(588) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 350؛ وينظر: دلائل الإمامة: 304؛ بحار الأنوار 51: 340/ باب 15.

(١٧١)

وقد ورد النداء بصيغة اسم الفاعل من الرباعي أيضاً، وهو يفيد الدعاء(589).
وإنَّ اسم الفاعل يدلُّ على ثبوت المصدر في الفاعل ورسوخه فيه بخلاف الفعل فإنَّه لا يفهم من صيغة الفعل التكرار والرسوخ ولكن من اسم الفاعل يفهم ذلك(590).
3 - نداء صفات الله بصيغ المبالغة:
ورد نداء صفات الله في التوقيعات المهدوية بصيغ المبالغة في أربعة مواضع، منها: ما ورد في دعاء الفرج: (يا عظيم المنّ، يا كريم الصفح)(591).
المنادى (عظيم) و(كريم)، منادى مضاف إلى (المنّ) و(الصفح)، وهما منصوبان لأنَّهما مضافان، وجاءت جميع الموارد بصيغة (فعيل) من صيغ المبالغة الخمس(592)، وجاء النداء مكرَّراً بدون حرف عطف وقد أفاد الدعاء وشدَّة التضرّع لله تعالى، وأنَّه عظيم المنّ على عباده، وكريم الصفح والتجاوز عن سيّئات المخلوقات.
4 - نداء صفات الله بصيغة اسم التفضيل:
اسم التفضيل (ما اشتقَّ من فعل، لموصوف بزيادة على غيره، وهو أفعل)(593).
وقد ورد النداء بهذه الصيغة في التوقيعات المهدوية في أحد عشر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(589) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 375 و382.
(590) ينظر: التفسير الكبير للرازي 25: 29؛ ومعاني النحو 3: 176.
(591) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 350؛ ينظر: دلائل الإمامة: 304؛ بحار الأنوار 51: 340/ باب 15.
(592) صيغ المبالغة هي: فعّال، فعول، ومفعال، وفعيل، وفَعِلْ، ينظر: شرح ابن عقيل 3: 92.
(593) شرح الرضي على الكافية 3: 447.

(١٧٢)

موضعاً، فمنها: ما ورد في دعاء عقيب زيارة (آل ياسين): (يا أرحمَ الراحمين)(594).
المنادى (أرحمَ) منصوب بالفتحة لأنَّه منادى مضاف إلى (الراحمين)، وهو مضاف إليه مجرور بالياء لأنَّه جمع مذكر سالم، واستعملت أداة النداء (يا) في النداء، وكلمة (أرحم) اسم تفضيل من الفعل (رحم)، وجاء هنا كصفة لله تعالى بأنَّه أرحم من كلّ رحيم غيره، لأنَّ هذه الصيغة قياسها أن تكون لتفضيل الفاعل على غيره في الفعل(595)، فـ (أرحمَ) تكون بمعنى أنَّ الله تعالى أكثر رحمةً من سائر الراحمين.
وجاء النداء بهذه العبارة (يا أرحم الراحمين) في ستَّة مواضع من نداء صفات الله تعالى بصيغة اسم التفضيل، وهذا يدلُّ على شدَّة طلب الرحمة من الداعي، لأنَّ النداء هنا يفيد الدعاء.
وجاءت الموارد الأُخرى باسم التفضيل (خير)، والذي حذفت منه الألف تخفيفاً لكثرة الاستعمال(596).
وممَّا ورد منه في التوقيعات المهدوية ما جاء في دعائه (عليه السلام): (يا خيرَ مسؤول وخيرَ من أعطى)(597).
المنادى (خيرَ) منادى منصوب بالفتحة لأنَّه مضاف، وقد استعمل أداة النداء (يا)، وقد عطف عليه منادى آخر مع حذف أداة النداء، و(خير) أصلها (أخير) حذف منها الألف تخفيفاً لكثرة الاستعمال، وهنا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(594) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 203؛ وينظر: الاحتجاج 2: 595.
(595) ينظر: شرح الرضي على الكافية 3: 451.
(596) ينظر: المصدر السابق.
(597) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 257؛ وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 470/ باب 43/ ح 24؛ و فلاح السائل: 179.

(١٧٣)

خرج النداء من التنبيه إلى الدعاء وأنَّ الله هو خير وأفضل مسؤول يتوجَّه له العبد في حوائجه ومسألته، وأيضاً أنَّه خير من يعطي للعباد لأنَّه يعطي بدون منَّةٍ وبدون مقابل.
5 - نداء صفات الله بـ (ذو) التي بمعنى صاحب:
إنَّ (ذو) التي بمعنى صاحب هي من الأسماء الستَّة، جاء في شرح بن عقيل: (من ذاك (ذو) إن صُحْبَةً أبانا. أي من الأسماء التي تُرفَع بالواو وتُنصَب بالإلف وتُجَرُّ بالياء: ذو، ولكن يشترط فيها أن تكون بمعنى صاحب، نحو: جاءني ذو مالٍ، أي: صاحبُ مالٍ)(598)، وقال في موضع آخر: (واعلم أنَّ (ذو) لا تستعمل إلَّا مضافة)(599).
وقد ورد النداء بهذه الصيغة في التوقيعات المهدوية في تسعة مواضع، منها: ما ورد عنه في دعائه (عليه السلام) عقيب زيارة (آل ياسين): (إله الحقّ آمين، يا ذا الجلال والإكرام)(600).
المنادى (ذا) التي بمعنى صاحب، وهي منصوبة بالألف لأنَّها مضافة إلى صفات الله تعالى (الجلال والإكرام)، وقد استعملت أداة النداء (يا) في هذا المورد، وقد خرج النداء من التنبيه إلى الدعاء.
وقد جاءت هذه الفقرة من الدعاء في ستَّة مواضع من المواضع التسعة التي ورد فيها نداء المضاف بوساطة (ذو) التي بمعنى صاحب إلى صفات الله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(598) ينظر: شرح ابن عقيل 1: 45.
(599) شرح ابن عقيل 1: 53.
(600) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 203؛ وينظر: الاحتجاج 2: 595؛ وبحار الأنوار 53: 171/ باب 31/ ح 5.

(١٧٤)

وقد وردت هذه الفقرة في القرآن الكريم في آيتين كريمتين من سورة الرحمن، إحداهما: قوله تعالى: (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإكْرامِ) (الرحمن: 27)، والأُخرى: قوله تعالى: (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإَكْرامِ) (الرحمن: 78).
وأمَّا معنى الجلال فهو من جلّ الشيء إذا عظم، وجلال الله عظمته، والجلل الأمر العظيم(601). وأمَّا (الأكرم فهو الشرف في الشيء)(602).
وإنَّ هذه الصفات هي تمثّل الصفات السلبية والثبوتية لله تعالى، فقد جاء في مفاهيم القرآن: ((ذو الجلال) يناسب الصفات السلبية لأنَّه سبحانه أجلّ وأعظم من أن يكون جسماً أو جسمانياً أو حالَّاً في محلّ، كما أنَّ قوله: (ذي الإكرام) يناسب الصفات الثبوتية)(603).
وجاء في نفحات القرآن: ((الإكرام) إشارة إلى الصفات المظهرة لكمال الشيء وهي الصفات الإلهيّة الثبوتية كعلم الله وقدرته)(604).
وجاءت النداءات الأُخرى بالصفات: (يا ذا المعالي)، و(يا ذا البطش)، و(يا ذا القوَّة المتين)(605).
ب) نداء المضاف المبدوء بصفات الإمام (عليه السلام):
ورد نداء المضاف المبدوء بصفات الإمام (عليه السلام) في التوقيعات المهدوية في ثمانية مواضع، وذلك في كيفية التوجّه بهم إلى الله تعالى، وهي الزيارة المشهورة بزيارة (آل ياسين)، حيث جاء فيها: (السلام عليك يا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(601) ينظر: معجم مقاييس اللغة 1: 417.
(602) ينظر: المصدر السابق.
(603) مفاهيم القرآن 6: 247.
(604) نفحات القران 4: 141.
(605) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 381 و395.

(١٧٥)

داعي الله وربّاني آياته، السلام عليك يا باب الله وديّان دينه، السلام عليك يا خليفة الله وناصر خلقه...)(606).
جاء نداء المضاف المبدوء بصفات الإمام (عليه السلام) كلّها في هذه الزيارة وهي مضافة، فلذا نُصِبَتْ، وجاءت تلك الصفات كلّها مضافة إلى لفظ الجلالة تكريماً للمخاطَب وتشريفاً لمحلّه وتنويهاً بفضله(607).
وجاءت النداءات بصفات متعدّدة، وكلّها تحمل مدحاً له وتعظيماً لأمره (عليه السلام)(608).
ت) نداء المضاف المبدوء بـ (أب):
ورد نداء المضاف الذي يبدأ بـ (أ ب) في ستَّة مواضع في التوقيعات المهدوية.
والاسم الذي يبدأ بـ (أ ب) أو (أُمّ) يُسمّى كنية، وهو من أقسام العَلَم، وقد جاء في أوضح المسالك: (وينقسم أيضاً إلى اسم وكنية ولقب. فالكنية كلّ مركَّب إضافي في صدره أب أو أُمّ، كأبي بكر وأُمّ كلثوم)(609).
وممَّا جاء في التوقيعات وذلك لأحد المؤمنين عندما أراد أن يخرج إلى الكوفة: (يا أبا سورة أين تريد؟)(610).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(606) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 200؛ وينظر: الاحتجاج 2: 592؛ الإيقاظ من الهجعة: 351/ باب 10/ ح 94.
(607) ينظر: البرهان في علوم القرآن 2: 143؛ والإتقان في علوم القرآن 3: 563.
(608) ينظر: الأُصول في النحو 1: 329؛ وأمالي ابن الشجري 1: 418.
(609) أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك: 26.
(610) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 302؛ وينظر: الغيبة للطوسي: 269/ ح 224؛ والخرائج والجرائح 1: 470/ باب 13/ ح 15.

(١٧٦)

فهنا جاء المنادى مضاف وهو مبدوء بـ (أ ب) منصوباً، وعلامة نصبه الألف لأنَّه من الأسماء الستَّة.
ث) نداء المضاف المبدوء بـ (ابن):
ورد نداء المضاف الذي يبدأ بـ (ابن) في ثلاثة مواضع في التوقيعات المهدوية، منها: ما ورد لأحد المؤمنين كان يحمل أمانة من امرأة اشترطت عليه أن يؤدّيها إلى من يخبره بما فيه، فخرج له توقيع جاء فيه: (يا بنَ أبي روح أودعتك عاتكة بنت الديراني كيساً فيه ألف درهم...)(611).
المنادى (ابن أبي روح)، فجاء نداء المضاف إلى (أبي روح)، وهو منصوب لأنَّه مضاف، وجاء النداء وأفاد الإخبار بلازم الفائدة لأنَّه أخبر بمن يعلم بالخبر.
ج) نداء المضاف إلى (يا) المتكلِّم:
ذهب الزمخشري إلى أنَّ إضافة المنادى إلى ياء المتكلِّم دليل المجاملة واللطف والرفق واللين والأدب الجميل والخلق الحسن(612)، كما أنَّها تفيد التوسّل إلى المخاطَب واستعطافه والتحنّن عليه، و(إنَّ إضافة المخاطَب بالنداء إلى نفسك يشعره بالتحنّن عليه وأنَّك منه وهو منك، فيكون ذلك سبباً لقبول ما يلقى إليه، كقولك: (يا أخي، ويا صديقي))(613).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(611) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 320؛ وينظر: الخرائج والجرائح 2: 699/ باب 14/ ح 17؛ والثاقب في المناقب: 594/ ح 537.
(612) ينظر: تفسير الكشّاف 3: 18.
(613) البحر المحيط 1: 205.

(١٧٧)

وإذا أضيف المنادى إلى (يا المتكلِّم)، ففيه اللغات الآتية:
اللغة الأُولى: حذف (الياء)، (تخفيفاً لكثرة الاستعمال)(614)، وإبقاء الكسرة دليلاً عليها، نحو قوله تعالى: (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) (الزمر: 16).
وقد عدَّ النحاة حذف الياء هو الوجه الأكثر والأجود والمختار فيها، وذلك لأنَّ النداء باب حذف وتغيير وياء الإضافة في الاسم بمنزلة التنوين في الضعف والاتّصال، فكما لم يثبتوا التنوين في المنادى المفرد (يا زيد) لم يثبتوا الياء هنا ولا يخلّ حذفها بالمقصود إذ يبقى في اللفظ ما يدلُّ عليها وهو الكسرة قبلها(615)، ويرى رضي الدين الأسترآبادي (ت 686هـ) أنَّ هذه اللغة لا تجوز في كلّ منادى مضاف إلى ياء المتكلِّم، وإنَّما تكون في الأسماء التي غلبت عليها الإضافة إلى (الياء) واشتهرت بها لتدلّ الشهرة على (الياء) المغيّرة بالحذف(616).
ويرى الباحث أنَّ في لغة العرب باب الحذف كثير، وإذا وجد ما يدلُّ عليه وهو الكسرة هاهنا فهو الأجود، لأنَّ المعنى يؤدّى باختصار وأيضاً لخفَّة الكلام وعدم إطالته، لأنَّ إثبات الياء في المنادى المضاف إليه يكون ثقيلاً باللفظ وطويلاً لزمن الكلام.
وقد وردت هذه اللغة في التوقيعات المهدوية في أحد عشر موضعاً جاءت في الأدعية، وكلّها في نداء ال (ربّ) أحد صفات الله تعالى، فقد جاء: (ربّ من ذا الذي دعاك فلم تجبه، ومن ذا الذي سألك فلم تعطه...)(617).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(614) أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 246.
(615) ينظر: الكتاب 2: 209؛ والمقتضب 4: 264.
(616) ينظر: شرح الرضي على الكافية 1: 390.
(617) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 376؛ و ينظر: مهج الدعوات: 278؛ تبصرة الوليّ: 212/ ح 91.

(١٧٨)

المنادى (ربّ) مضاف إلى (يا المتكلِّم) المحذوفة، وأفاد معنى التوسّل إلى المخاطَب واستعطافه، وقد كثر حذف الياء في نداء ال (ربّ) سبحانه (لعدم الإحاطة به عند التوجّه إلى الله تعالى، لغيبتنا نحن عن الإدراك)(618).
وجاءت جميع الموارد محذوفة (الياء)، وهي اللغة الأجود والأكثر في كلام العرب، وأيضاً يكثر معها حذف أداة النداء (يا) لأجل التعظيم والتنزيه، لأنَّ النداء يقرب من معنى الأمر، فحذف الأداة من ال (ربّ) ليزول معنى الأمر من النداء، ويخلص للتعظيم والإجلال.
وقد جاءت سبعة مواضع محذوفة الأداة.
اللغة الثانية: إثبات الياء الساكنة في الوقف والوصل، جاء في الكتاب: (واعلم أنَّ بقيان الياء لغة في النداء في الوقف والوصل، تقول: يا غلامي أقبل، وكذلك إذا وقفوا. وكان أبو عمرو يقول: (يَا عِبَادِي فاتَّقُونِ) (الزمر: 16))(619)، وإثبات الياء في هذه اللغة إنَّما هو لمنع التباس المنادى المضاف بالمنادى المفرد، وذلك لأنَّك إذا حذفت (الياء) تقول في الوصل: يا غلامِ أقبل، فتكون الكسرة دليلاً عليها، ولكنَّك إذا وقفت على (الميم) فإنَّما تقف عليها ساكنة فيلتبس المنادى المضاف بالمفرد، فكان إثبات الياء لمنع ذلك(620).
وقد وردت هذه اللغة في التوقيعات المهدوية في أربعة وثلاثين مورداً، فمنها: ما جاء في أحد أدعيته (عليه السلام): (وأسألك يا إلهي وإله كلّ شيء، وربّي وربّ كلّ شيء)(621).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(618) البرهان في علوم القرآن 1: 280.
(619) الكتاب 2: 210.
(620) ينظر: المقتضب 4: 265؛ أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 247.
(621) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 388؛ وينظر: مهج الدعوات: 278 - 293.

(١٧٩)

فجاء المنادى (إلهي) مع إثبات ياء المتكلِّم، وقد استعملت أداة النداء (يا) تعظيماً له سبحانه(622).
وقد وردت هذه اللغة في أكثر التوقيعات المهدوية محذوفة حرف النداء تضرّعاً وشعوراً بالقرب منه سبحانه(623)، فلم يحتج الداعي إلى استعمال أداة النداء بل كأنَّه في محضر الخالق، ولذا لم يرد باستعمال أداة النداء إلَّا في ثلاثة موارد فقط.
وأيضاً أنَّ مورداً واحداً من هذه النداءات جاءت بصيغة مخالفة للموارد الأُخرى، لأنَّه جميع الموارد جاءت بنداء ودعاء الإله(624)، عدا مورداً واحداً جاء بنداء المولى (يا مولاي).
وهذه اللغة أكثر اللغات وروداً بالنداء، لأنَّ المتكلِّم الذي يعشق ويرغب بالشيء ينسبه إلى نفسه عند الحديث فيقول: مالي وداري وأولادي...، لشدَّة تعلّقه بها، وهكذا الداعي لعشقه لله تعالى ورغبته فيدعوه هكذا.
اللغة الثالثة: قلب (الياء) ألفاً لغرض الخفَّة، قال سيبويه: (وقد يبدّلون مكان الياء الألفَ لأنَّها أخفُّ...، وذلك قولك: يا ربّا تجاوز عنّا، ويا غلاما لا تفعل)(625)، وذلك لأنَّهم استثقلوا الياء وقبلها كسرة فيما كثر استعماله وهو النداء، فأبدلوا من الكسرة فتحة، وكانت الياء متحرّكة فانقلبت الياء ألفاً لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، فقالوا: (يا غلاما)(626)، فإذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(622) ينظر: معترك الأقران 1: 340.
(623) ينظر: التبيان في تفسير القرآن 2: 538.
(624) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 201 و350 و367 و377 و390.
(625) الكتاب 2: 210؛ وينظر: المقتضب 4: 252؛ وتوجيه اللمع: 328.
(626) ينظر: المقتضب 4: 252؛ شرح المفصَّل 2: 282.

(١٨٠)

وقفوا قالوا: يا غلاماه، فيلحقونه هاء السكت ليكون أوضح للألف لأنَّها خفيّة(627).
وقال الرضي (ت 686هـ): (فخفّف: يا غلامي بوجهين: حذف الياء وإبقاء الكسرة دليلاً عليها، وقلب الياء ألفا، لأنَّ الألف والفتحة أخفُّ من الياء والكسرة)(628).
وقد وردت هذه اللغة في التوقيعات المهدوية في سبعة مواضع، منها: ما جاء في أحد أدعيته (عليه السلام): (وأنت أهل الجود والكرم والعفو، يا ربّاه، يا الله، افعل بي ما أنت أهله)(629).
المنادى (يا ربّاه)، الألف فيه منقلبة عن ياء المتكلِّم تخفيفاً، وأصله (يا ربّي)، وأُلحقت به هاء السكت مضمومة في الوصل لمدّ الصوت، وهو مذهب الكوفيين(630)، ومجيء النداء بـ ( يا) تعظيم للمخاطَب، وقد مَهَّدَ بذكر صفات الله تعالى ومدحاً له قبل النداء، وهذا من أدب الكلام والدعاء والاستغاثة بالله في أن يفعل بالإنسان الداعي ما هو أهله ومن عنده تعالى.
وجاءت الموارد الأُخرى كلّها نداءات لله تعالى بصفاته(631)، وكلّها أفادت الدعاء والتعلّق به.
اللغة الرابعة: قلب الياء ألفاً تخفيفاً، ثمّ حذفها والاجتزاء عنها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(627) ينظر: الكتاب 2: 210؛ وشرح المفصَّل 2: 282.
(628) شر ح الرضي على الكافية 1: 390.
(629) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 285؛ وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 470/ باب 43/ ح 24؛ ومصباح المتهجّد: 51.
(630) ينظر: معاني القرآن للفرّاء 2: 422.
(631) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 350 و375.

(١٨١)

بالفتحة، مبالغةً في التخفيف، وهذه اللغة لم يذكرها سيبويه، وذكرها أبو علي الفارسي(632)، وهذه اللغة لم ترد في التوقيعات المهدوية.
اللغة الخامسة: حذف الياء وبناء المنادى على الضمّ، نحو: يا ربُّ اغفر لي، وهذه اللغة لم ترد في التوقيعات المهدوية.
اللغة السادسة: حذف الياء والتعويض عنها بـ (تاء التأنيث)، وهذا خاصّ في نداء الأبِ والأُمّ. وهذه اللغة لم ترد في التوقيعات المهدوية.
2 - نداء الشبيه بالمضاف:
الشبه بالمضاف: هو الاسم الذي يأتي بعده شيء من تمام معناه، وسُمّي مطوَّلاً أيضا، لأنَّه قد طال أيضاً بمعموله كالمضاف، سواء أكان هذا المعمول مرفوعاً بالمنادى، نحو: يا حسناً وجهُهُ، أم منصوباً به، نحو: يا مكرماً ضيفَهُ، أم مجروراً بحرف الجرّ، نحو: يا رفيقاً بالعبادِ، أم نعتاً له قبل النداء، نحو: يا رجلاً كريما(633).
وسُمّي شبهاً بالمضاف من ثلاثة أوجه:
الوجه الأوَّل: أنَّ الأوَّل عامل في الثاني، كما أنَّ المضاف عامل في المضاف إليه.
الوجه الثاني: أنَّ الثاني من تمام معنى الأوَّل ومتَّصل به، كما أنَّ المضاف إليه تمام معنى المضاف.
الوجه الثالث: أنَّ الثاني يفيد الأوَّل تخصيصاً، كما أنَّ المضاف يتخصَّص بالمضاف إليه(634).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(632) ينظر: المسائل الشيرازيات 1: 168؛ شرح الرضي على الكافية 1: 390.
(633) ينظر: توجيه اللمع: 319؛ وشرح الرضي على الكافية 1: 354؛ وحاشية الخضري 2: 171؛ والنحو الوافي 4: 29.
(634) ينظر: المقتصد في شرح الإيضاح 2: 781 و782؛ وشرح المفصَّل 2: 250.

(١٨٢)

أمَّا حكم المنادى الشبيه بالمضاف فهو النصب كالمضاف، فإذا ناديت اسماً موصولاً بشيء هو كالتمام له فحكمه حكم المضاف(635).
وقد ورد نداء الشبيه بالمضاف في التوقيعات المهدوية في مورد واحد، وذلك في أحد أدعيته (عليه السلام) والمعروف بدعاء الفرج، حيث ورد: (يا مُبْتَدِئاً بالنعمِ قبل استحقاقها)(636).
المنادى (مبتدئاً بالنعم) شبيه بالمضاف، لتعلّق الجار (بالنعم) بالصفة (مبتدئاً)، فهو من تمام معناه فلذا نصب، وقد سبق بأداة النداء (يا)، ويجوز فيه البناء على الضمّ، فيكون من المنادى النكرة المقصودة الموصوفة إلَّا أنَّ العرب تؤثر النصب إذا نادت نكرةً موصولة بشيء(637).
وخرج النداء من خلال السياق من التنبيه إلى الدعاء حيث إنَّ الله تعالى يبدأ العباد بالنعم والرحمة والرزق قبل أن يستحقّها الإنسان، وأنَّ نِعَم الله تعالى لا تُعَدُّ ولا تُحصى لقوله تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل: 18).
وجاء النداء بالوصف ولم يأتِ بالفعل، لأنَّ الوصف يدلُّ على الثبات والاستمرار بأنَّ الله ثابت ومستمرّ في ابتداء النِعَمِ على الخلائق قبل استحقاقها.
3 - نداء النكرة غير المقصودة:
وهو ما بقي على نكرته كما كان قبل النداء.
ولم يأتِ نداء النكرة غير المقصودة في التوقيعات المهدوية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(635) ينظر: الأُصول في النحو 1: 344؛ وكشف المشكل في النحو 3: 330.
(636) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 350؛ وينظر: دلائل الإمامة: 304.
(637) ينظر: معاني القرآن للفرّاء 2: 375؛ وإعراب القرآن: 716؛ وهمع الهوامع 2: 30.

(١٨٣)

استعمال (أيّ) في النداء:
(أيّ) اسم مبهم يتوصَّل به إلى النداء المعرَّف بـ (أل)، نحو قوله تعالى: (يا أَيهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) (البقرة: 21)، قال الرضي: (ولمَّا قصدوا الفصل بين حرف النداء واللام بشيء طلبوا اسماً مبهماً غير دالّ على ماهيّة معيَّنة، محتاجاً بالوضع في الدلالة عليها إلى شيء آخر، يقع النداء في الظاهر على هذا الاسم المبهم، لشدَّة احتياجه إلى مخصّصه الذي هو ذو اللام)(638).
وذهب النحاة إلى أنَّ المنادى بوساطتها، والنكرة المقصودة كلاهما بمعنى واحد، جاء في الكتاب: (إذا قال: يا رجلُ ويا فاسقُ، فمعناه كمعنى: يا أيُّها الفاسقُ، ويا أيُّها الرجلُ)(639).
وجاء في المقتضب: (ألَا ترى أنَّك تقول إذا أردت المعرفة: (يا رجلُ أقبل)، فإنَّما تقديره: يا أيُّها الرجلُ أقبل، وليس على معنى معهود، ولكن حدثت فيه إشارة النداء)(640).
و(أيّ) اسم مفتقر إلى ما يوضِّحه ويزيل إبهامه، فلا بدَّ أن يردف بذي (أل) الجنسية، أو بموصول مصدَّر بـ (أل)، أو باسم إشارة حتَّى يتَّضح المقصود بالنداء، وهذا التدرّج من الإبهام إلى التوضيح ضرب من التوكيد والتشديد، وحرف التنبيه (ها) المقحم بين الصفة وموصوفها جاء لمعاضدة حرف النداء بتأكيد معناه، وللعوض ممَّا يستحقّه من الإضافة(641)، جاء في شرح الرضي: (وأُبدل (ها) التنبيه من المضاف إليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(638) شرح الرضي على الكافية 1: 374.
(639) الكتاب 2: 197.
(640) المقتضب 4: 206.
(641) ينظر: تفسير الكشّاف 1: 96؛ ومعترك الأقران 1: 340؛ وهمع الهوامع 2: 38.

(١٨٤)

لأنَّه لم يكن يخلو من مضاف إليه أو تنوين قائمٍ مقامه، نحو: (أَيًّا ما تَدْعُوا)، وليس هذا موضع تنوين...، (ها) التنبيه أيضاً مناسب للنداء، إذ النداء أيضاً تنبيه)(642).
ونقل الرضي بأنَّ الأخفش يرى في: (يا أيُّها الرجلُ): (أيّ) موصول، وذو اللام بعده خبر مبتدأه محذوف، والجملة صلة (أيّ)، وإنَّما وجب حذف هذا المبتدأ لمناسبة التخفيف للمنادى(643)، والأكثرون على أنَّ (ذا اللام) وصف، جاء في الكتاب: (وذلك قولك: يا أيُّها الرجلُ، فـ (أيّ) هاهنا فيما زعم الخليل رحمه الله كقولك: (يا هذا)، والرجل وصف له، كما يكون وصفاً ل (هذا))(644).
وجاء في شرح الرضي: (والأكثرون على أنَّ ذا اللام وصف لاسم الإشارة في النداء وغيره، لأنَّه اسم دالٌّ على معنى في تلك الذات المبهمة وهو الرجولية، وهذا حدِّ النعت، أي ما دلَّ على معنى في متبوعه)(645).
وهذا ما نراه صواباً، لأنَّ قولنا: (يا أيُّها الرجلُ)، فالنداء وقع على شيء مبهم يحتاج إلى وصف حتَّى يتخصَّص ويتوضَّح المراد، فكلمة (الرجل) هي لبيان معنى (أيّها) وتفسيراً ووصفاً له.
أمَّا الحركة الإعرابية لهذا الوصف، فالمشهور أنَّ الصفة ل (أيّ) واجبة الرفع(646)، وأجاز المازني (ت 249هـ)، والزجّاج (ت 311هـ) النصب في وصف (أيّ)، ورُدَّ لأنَّ الحمل على الموضع يكون بعد تمام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(642) شرح الرضي على الكافية 1: 375 و376.
(643) ينظر: شرح الرضي على الكافية 1: 376.
(644) الكتاب 2: 190.
(645) شرح الرضي على الكافية 1: 376 و377.
(646) ينظر: همع الهوامع 2: 38.

(١٨٥)

الكلام، والنداء لم يتمّ بـ (أيّها)، لأنَّ المقصود بـ (يا أيّها الناس) بالنداء هو (الناس)(647).
ويرى الباحثُ أنَّ ما ذهب إليه المشهور من وجوب الرفع هو الصواب، لأنَّ قولنا: (يا أيُّها الرجلُ) هو بمعنى (يا رجلُ)، أي قاصد الرجل، ويصبح كالنكرة المقصودة، وكالمشار إليه بقولنا: (يا هذا)، فلذا يكون الرفع به واجباً.
وورد النداء باستعمال (أيّ) في التوقيعات المهدوية في خمسة مواضع، منها: ما جاء في تعليمه (عليه السلام) لكيفية الزيارة، وهي المعروفة بزيارة (آل ياسين)، وهو قوله (عليه السلام): (السلام عليك أيُّها العَلَمُ المنصوب، والعِلْمُ المصبوب، والغوثُ والرحمةُ الواسعة، وعداً غير مكذوب)(648).
(أيّ) من (أيُّها العَلَمُ المنصوب) اسم مبني على الضمّ في محلّ نصب منادى بأداة نداء محذوفة تخفيفاً لإقبال المنادى على ما يقوله المتكلِّم ولقربه منه، فإنَّه (عليه السلام) قريب من الناس وإن كان مخفي العنوان، حيث يقول في رسالة للشيخ المفيد رحمه الله (ت 413هـ): (فإنّا نحيط علماً بأنبائكم، ولا يَعْزُبُ عنّا شيء من أخباركم)(649).
وقال سيبويه: (وإن شئت حذفتهنَّ كلّهنَّ استغناءً، كقولك: (حار بن كعب)، وذلك أنَّه جعله بمنزلة مَنْ هو مقبل عليه بحضرته يخاطبُهُ)(650)، وقد توصّل بـ (أيّ) إلى نداء ما فيه أل (العلم)، وهو صفة ل (أيّ)، واجبة الرفع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(647) ينظر: شرح الرضي على الكافية 1: 375؛ وهمع الهوامع 2: 38.
(648) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 200؛ وينظر: الاحتجاج 2: 592.
(649) الاحتجاج 2: 495؛ وبحار الأنوار 53: 174/ باب 31/ ح 7؛ ومستدرك الوسائل 3: 518.
(650) الكتاب 2: 230؛ وينظر: شرح الرضي على الكافية 1: 425.

(١٨٦)

وفي هذا النداء إلتفات إلى حقيقة توجب للمنادى وقعاً أكبر في نفسه، وعاطفة أقوى، وقد عطف على النداء الصفات الأُخرى، وهو ندائه بأنَّه (عليه السلام) العلم المصبوب، تعريفاً بمنزلته العلمية، وأنَّه (عليه السلام) الغوث للناس والرحمة الواسعة حيث يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وهذا وعدٌ غير مكذوب لأنَّه من الله تعالى.
ومن تلك المواضع ما ورد عنه (عليه السلام) في رسالته للشيخ المفيد رحمه الله (ت 413هـ)، فقد ورد فيها نداء بهذه الصيغة: (أمَّا بَعْدُ: سلام عليك أيُّها الوليُ المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين)(651)، وقوله (عليه السلام): (هذا كتابنا إليك أيُّها الأخُ الوليّ، والمخلص في ودّنا الصفيّ)(652).
جاء النداء في الموردين بحذف أداة النداء (يا) لضيق الوقت والاهتمام بالمطلب، لأنَّ المقام يقتضي الإيجاز والاختصار والإفضاء إلى المطلوب(653)، وهذا ما ذكره في توقيع آخر لمجموعة من المؤمنين حيث جاء: (ولولا ما عندنا من محبَّة صلاحكم ورحمتكم والإشفاق عليكم، لكنّا عن مخاطبتكم في شغل فيما قد امتحنّا به)(654).
وجاء استعمال النداء لصيغة (أيّها) تنبيهاً للمخاطَب على تهئية وتركيز فكره، فيكون الكلام أقوى في التأثير، وأيضاً إنَّ ذكر الصفات في النداء (الإخلاص واليقين في الدين) دلَّ على المبالغة في المدح.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(651) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 352؛ وينظر: الاحتجاج 2: 597.
(652) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 354؛ وينظر: الاحتجاج 2: 600؛ ومعادن الحكمة 2: 303.
(653) ينظر: معاني النحو 4: 277.
(654) الغيبة للطوسي: 285/ ح 245؛ الصراط المستقيم 2: 235/ باب 11/ فصل 3.

(١٨٧)

توطئة:
إنَّ القسم الثاني من أقسام الإنشاء هو الإنشاء غير الطلبي، فالجملة الإنشائية قد لا تكون طلبية، كقولنا: نِعْمَ الرجلُ زيدُ، وبِئْسَ الصاحبُ عمرُو، فإنَّ هذه إنشائية وليس شيء منها بطلبي(655).
والإنشاء غير الطلبي: هو ما لا يستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب(656). والبلاغيون لا يكادون يلقون بالاً إلى هذا القسم لقلَّة المباحث المتعلِّقة به من الأغراض البلاغية، ولأنَّ أكثره في الأصل أخبار نُقِلَت إلى معنى الإنشاء(657).
وأمَّا النحويون فيوجِّهون عناية خاصّة إلى معظم أنواع هذا القسم، في مختلف أبواب النحو، بل عقدوا لبعضه أبواباً خاصّة.
والإنشاء غير الطلبي يضمّ مجموعة من الأساليب، وهي القَسَم وهو ضرب من ضروب الإنشاء غير الطلبي(658)، ويكون بالواو والباء والتاء وبغيرها، كقوله تعالى: (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (القيامة: 1)، وقوله تعالى: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (الحجر: 72).
وأُسلوب المدح والذمّ، لأنَّك إذا قلتَ: نِعْمَ الرجلُ زيدُ، فإنَّما تنشئ المدح وتحدثه بهذا اللفظ، وليس المدح موجوداً في الخارج في أحد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(655) ينظر: الإيضاح في علوم البلاغة 1: 16.
(656) ينظر: الكافي في علوم البلاغة العربية: 249؛ الأساليب الإنشائية في النحو العربي: 13.
(657) ينظر: الكافي في علوم البلاغة العربية: 249؛ الأساليب الإنشائية في النحو العربي: 13 و14.
(658) ينظر: الأساليب الإنشائية في النحو العربي: 161.

(١٩١)

الأزمنة مقصوداً مطابقته هذا الكلام إيّاه حتَّى يكون خبرا، بل تقصد بهذا الكلام مدحه على جودته الحاصلة خارجا(659)، ويكون المدح والذمّ (نعم)، و(بئس)، و(ساء)، و(حبَّذا) وغيرها.
وأُسلوب التعجّب، لأنَّ صيغة التعجّب المقصود منها التعجّب وإحداثه، وذلك ممَّا لا يتطرَّق إليه صدق ولا كذب، وأمَّا كون المتعجّب منه كحُسْنِ زيدٍ مثلاً حاصلاً في الواقع فهو لازم عرفي للمعنى المقصود، وليس مقصوداً من الصيغة فلا يلزم كونها خبرا(660).
ويكون التعجّب قياسياً بصيغتين معروفتين: (ما أفعله)، و(أفعل به)، ويكون سماعياً بغيرهما، نحو: (لله درّه فارساً)، وقوله تعالى: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) (البقرة: 28).
وأُسلوب العقود، وهي العقود بين الطرفين كالبيع والشراء والنكاح، وتكثر في الماضي، نحو: (بعتُ، اشتريتُ، وقبلتُ) على معنى إنشاء البيع والشراء والقبول، وقد تجيء بغير الماضي، نحو: (أنا بائع)(661).
وقد ورد الإنشاء غير الطلبي في التوقيعات المهدوية قليلا، وذلك لأنَّ الإمام (عليه السلام) لم يستعمل القَسَم بكثرة، لأنَّ كلامه صادقاً لا يحتاج إلى قَسَم، لأنَّه من أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً.
وكذلك جاء عنه (عليه السلام) المدح والذمّ قليلاً، لأنَّ الإمام لا يمدح إلَّا من كان ممدوحاً ومقبولاً عند الله تعالى والإنسان عادةً يتغيَّر بأحواله، وكذلك الذمّ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(659) ينظر: الأساليب الإنشائية في النحو العربي: 100.
(660) ينظر: المصدر السابق.
(661) ينظر: الكافي في علوم البلاغة العربية: 249.

(١٩٢)

وأمَّا التعجّب فورد عنه بالأساليب الطلبية المتقدّمة التي خرجت للتعجّب، كالاستفهام والنداء.
وأمَّا العقود فلم يأتِ منها في التوقيعات المهدوية، لأنَّ الإمام غالباً توقيعاته للإرشاد والهداية وبيان الانحراف بالأُمّة والأدعية.
فلذا سوف يقتصر البحث في هذا الفصل على ثلاثة مباحث: القَسَم، والمدح والذمّ، والتعجّب.

* * *

(١٩٣)

المبحث الأوّل: أُسلوب القَسَم

مفهوم القَسَم لغةً واصطلاحاً:
أ) القَسَم لغةً:
جاء في كتاب العين: (القسم: اليمين، ويُجمَع على أقسام، والفعل أقسم)(662)، فالقسم هو اليمين عند الخليل، والقسم اسم للمصدر وليس بمصدر، لأنَّ قياسه أقسم إقساماً، وقد استعمل في موضوعه. ويرادف القَسَم ثلاث كلمات: وهي (الحلف، والإيلاء، واليمين).
أمَّا الحلف والإيلاء فاستعمل منها فعل، يقال: حَلَفَ، آلى. وأمَّا اليمين فلم يستعمل منه فعل، لأنَّه ليس بمصدر في الأصل فيشتقّ منه، وإنَّما هو اسم للجارحة.
وأصل القَسَم من القسامة، وهي الأيمان تُقسَم على أولياء المقتول، إذا ادّعوا دم مقتولهم على شخص اتَّهموه به، فيحلفون على حقِّهم ويأخذونه. وسُمّي القَسَم يميناً لأنَّهم كانوا إذا تحالفوا أكَّدوا بأيمانهم، فيضرِب كلُّ واحد منهم بيمينه على يمين صاحبه تأكيداً للعقد حتَّى سُمّي الحلف يمينا(663).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(662) العين 3: 1476/ مادّة (ق س م).
(663) ينظر: لسان العرب 12: 481.

(١٩٤)

ب) القَسَم اصطلاحاً:
القَسَم ضرب من ضروب الإنشاء غير الطلبي(664)، هو (جملة إنشائية يؤكَّد بها جملة أُخرى، فإن كانت خبرية فهو القَسَم غير الاستعطافي، وإن كانت طلبية فهو الاستعطافي)(665)، أمَّا القَسَم غير الاستعطافي (القَسَم الخبري)، فنحو قولك: واللهِ العلمُ نافعٌ. وأمَّا القَسَم الاستعطافي (القَسَم الطلبي)، فنحو قولك: باللهِ عليكَ اتَّقِ اللهَ.
والغرض من القَسَم توكيد ما يقسم عليه إثباتاً أو نفيا، قال سيبويه: (اعلم أنَّ القَسَم توكيد لكلامك)(666).
اتَّضح من خلال ما تقدَّم أنَّ القَسَم يأتي به المتكلِّم لتأكيد الكلام وتقويته، فإذا أقسم على شيء فقد أكَّده وصار معناه مؤكَّداً وقويَّاً عند السامع، فلذا هو من الأساليب التوكيديه التي يستعملها المتكلِّم لإثبات كلامه أو نفيه.
وللقَسَم جملتان صارتا بمنزلة جملة واحدة بقرينة القَسَم، كما أنَّ جملتي الشرط والجزاء بمثابة جملة واحدة، فللقَسَم: جملة قَسَم، وجملة جواب(667)، فالكلام تارةً يقع في جملة القَسَم، وأُخرى في جواب القَسَم.
أوّلاً: جملة القَسَم:
تأتي جملة القَسَم اسمية، وتأتي فعلية، وكلّ منهما إمَّا صريحة، وإمَّا غير صريحة(668)، فالأقسام أربعة، وهي:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(664) ينظر: الأساليب الإنشائية في النحو العربي: 161.
(665) حاشية الصبّان على شرح الأشموني 4: 4.
(666) الكتاب 3: 104؛ وينظر: شرح المفصَّل 9: 218.
(667) ينظر: شرح الرضي على الكافية 4: 304؛ الأساليب الإنشائية في النحو العربي 1: 166.
(668) ينظر: مغني اللبيب 1: 372؛ معاني النحو 4: 160.

(١٩٥)

1 - جملة القَسَم الاسمية الصريحة: وهي ما صُدِّرَتْ بلفظ خاصّ بالقَسَم لا يكون في غيره، نحو: (لَعَمري)، و(أيمُنُ اللهِ)، ويلزمان الابتداء، كقوله تعالى: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (الحجر: 72)، وقولك: أيمُنُ اللهِ لأزورنَّك.
2 - جملة القَسَم الاسمية غير الصريحة: وهي ما صُدِّرَتْ بلفظ غير خاصّ بالقَسَم، نحو: (في ذمَّتي)، و(أمانةُ اللهِ)، وقد حُذِفَ في الأوَّل المبتدأ، وفي الثاني الخبر، والحذف فيهما جائز لا واجب(669).
3 - جملة القَسَم الفعلية الصريحة: وهي ما جاءت بأفعال القَسَم، وهي: (أَقْسَمَ، وحَلَفَ، وآلى)، وما يتصرَّف منهما، فبمجرَّد النطق بها يُعْلَمُ أنَّ المتكلِّم مُقْسِمٌ، وهذه الأفعال غير متعدّية بنفسها، فيدخل عليها حرف جرّ ليوصلها للاسم المقسَم به.
4 - جملة القَسَم الفعلية غير الصريحة: وهي الأفعال المتضمّنة للقَسَم وهي كثيرة، منها: (شهد، ونشد، وسأل، ذكَّر، وعَلِمَ)، وما يتصرَّف منها ولا يستدلُّ بمجرَّد النطق بها على القَسَم، وإنَّما من خلال القرينة الدالّة عليه(670).
حروف القَسَم:
وهي الحروف التي وُضِعَتْ لإيصال فعل القَسَم وإضافته إلى المقسَم به(671)، وهي من حروف الجرّ، قال سيبويه: (للقَسَم والمقسَم به

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(669) ينظر: شرح اللمع: 344؛ والأساليب الإنشائية في النحو العربي 1: 166.
(670) ينظر: شرح التسهيل (ناظر الجيش) 6: 3070؛ أساليب القَسَم في اللغة العربية: 69 و75 و77.
(671) ينظر: المقتضب 3: 318؛ وتوجيه اللمع: 475.

(١٩٦)

أدوات في حروف الجرّ)(672)، وقد اختلف في عددها، فذهب أكثر النحاة إلى أنَّها خمسة أحرف، هي: (الباء، الواو، والتاء، واللام، ومن بضمّ الميم وكسرها)(673)، والأخيرة (لا يُدخِلونَها في غير ربّي)(674).
وذهب آخرون منهم الزجّاجي إلى أنَّها أربعة أحرف، إذا أُسقط منها (من)(675)، والحريري (ت 516هـ) أسقط (اللام ومن)، لكنَّه أضاف (ها) التنبيه(676)، وعدَّها ابن جنّي ثلاثة: الباء، والواو، والتاء(677).
ولم يأتِ من أحرف القَسَم في التوقيعات المهدوية إلَّا الباء والواو، لذا يكون الحديث عنهما:
حرف الباء:
حرف الباء من حروف الإضافة والجرّ، وهي الأصل في أحرف القَسَم، (لأنَّ القَسَم بالحقيقة هو حلفتُ وأقسمتُ وآليتُ، والباء تعدّي هذه الأفعال إلى اسم المحلوف به)(678)، و(لدخولها على كلّ مقسَمِ به، كقولك: أقسمُ باللهِ، ومضمر، كقولك: أقسمُ بكَ لأفعلنَّ)(679)، ولظهور فعل القَسَم معها كما مُثِّل(680)، واستعمالها في قَسَم الطلب (الاستعطافي)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(672) الكتاب 3: 496؛ وينظر: المقتضب 2: 318.
(673) ينظر: الكتاب 3: 496 و499؛ المقتضب 2: 318 - 322؛ الأُصول في النحو 1: 430.
(674) الكتاب 3: 499؛ وينظر: الحلل في إصلاح الخلل: 207.
(675) ينظر: اللامات: 75.
(676) ينظر: شرح ملحَّة الإعراب: 135.
(677) ينظر: اللمع في العربية: 241.
(678) شرح الجمل في النحو: 226.
(679) شرح ملحَّة الإعراب: 135؛ توجيه اللمع: 475.
(680) ينظر: المصدرين السابقين.

(١٩٧)

كقولك: باللهِ عليك هل تذهب؟(681)، ولأنَّ أصلها الإلصاق فهي تلصق فعل القَسَم بالمقسَم به(682).
حرف الواو:
يُعَدُّ (واو) القَسَم أكثر أحرف القَسَم استعمالا(683)، ولكثرة استعمالها حُذِفَ فعل القَسَم معه وجوبا، فلا يقال: أُقْسِمُ واللهِ، خلافاً لابن كيسان في تجويز ذلك. ولا تستعمل في قَسَم الطلب، فلا يقال: واللهِ أخبرني(684)، و(واو) القَسَم بدل من بائه، وإنَّما أُقيمت مقامها لمشابهتها في أمرين: لفظي إذ كلّ منهما حرف شفوي(685)، ومعنوي، فمعنى الباء الإلصاق ومعنى الواو الجمع، فلمَّا تقارب معناهما وقع الإبدال بينهما(686).
واختصَّت الواو بدخولها على الظاهر دون المضمر، (لأنَّها لمَّا كانت فرعاً على الباء، والباء تدخلُ على المظهَرِ والمضمر انحطَّت عن درجة الباء التي هي الأصل، فاختصَّت بالمظهَر دون المضمر، لأنَّ الفروع أبداً تنحطّ عن درجة الأُصول)(687).
المقسَم به:
وهو كلّ اسم معظَّم إمَّا لعظمته في ذاته، وإمَّا لكونه عند المقسَمِ عظيما،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(681) ينظر: توجيه اللمع: 475؛ شرح الرضي على الكافية 4: 300.
(682) ينظر: شرح الرضي على الكافية 4: 300.
(683) ينظر: الكتاب 4: 496.
(684) ينظر: شرح الرضي على الكافية 4: 300؛ وهمع الهوامع 2: 393.
(685) ينظر: الكتاب 4: 433؛ ومعاني الحروف: 50 و51؛ شرح المفصَّل 9: 230.
(686) ينظر: معاني الحروف: 50 و51؛ وشرح الرضي على الكافية 4: 300.
(687) أسرار العربية: 248.

(١٩٨)

وقد اجتمعت في لفظ الجلالة (الله) وأسمائه الحسنى(688)، إذ إنَّ العرب تقسم بالأشياء الكريمة عندهم، العزيزة عليهم، يريدون بذلك تأكيد أخبارهم، وأن يبلغَ كلامُهم من المخاطَبين كلّ مبلغٍ(689).
ثانياً: جواب القَسَم:
ذكر الزجّاجي أنَّه (لا بدَّ للقَسَم من جواب، لأنَّه به تقعُ الفائدة ويتمُّ الكلام، ولأنَّه هو المحلوف عليه ومحال ذكر حلف بغير محلوف عليه)(690)، وجملة الجواب تكون على ضربين:
الضرب الأوَّل: جملة جواب القَسَم الخبرية:
وهي الجملة التي قصد المتكلِّم أن يقرّرها ويزيدها ثبوتاً وتأكيداً بالقَسَم، لأنَّ مضمونها موضع اهتمامه(691)، وهي تقسم على قسمين:
القسم الأوَّل: جملة جواب القَسَم الاسمية:
وهي إمَّا مثبته أو منفية، فإن كانت مثبتة أُجيب القَسَمُ باللام المفتوحة، أو بـ (إنَّ واللام)، أو بـ (إنَّ) وحدَها مشدَّدة أو مخفَّفة، وإن كانت منفية فيجاب القَسَم بـ (ما)، أو (لا)، أو (إنْ)(692).
القسم الثاني: جملة جواب القَسَم الفعلية:
وهي إمَّا أن يكون فعلها ماضياً أو مضارعا، والفعل الماضي إمَّا أن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(688) ينظر: شرح المفصَّل 9: 222؛ وشرح جمل الزجّاجي 1: 534.
(689) ينظر: دُرُج الدرر في تفسير القرآن العظيم 2: 509.
(690) اللامات: 78؛ وينظر: الإيضاح في شرح المفصَّل 2: 322؛ وتوجيه اللمع: 480.
(691) ينظر: القَسَم في اللغة وفي القرآن: 67.
(692) ينظر: شرح جمل الزجّاجي 1: 537 - 539؛ وشرح الرضي على الكافية 4: 308 - 311؛ ومعاني النحو 4: 175.

(١٩٩)

يكون مثبتاً أو منفياً، فإن كان مثبتاً فالأولى يكون الجواب بـ (اللام وقد) ويجوز (اللام) أو (قد) وحدها، وإن كان منفياً يكون الجواب بـ (ما)، أو (لا)، أو (إنْ)(693).
والفعل المضارع إمَّا أن يكون مثبتاً أو منفيا، فإن كان مثبتاً فالأكثر تصديره بـ (اللام ونون التوكيد)، أو بـ (اللام) وحدها، أو بـ (النون) وحدها، وإن كان منفياً فنفيه بـ (ما)، أو (إنْ)، أو (لا)، وقد يكون بـ (لم) و(لن)(694).
الضرب الثاني: جملة جواب القَسَم الطلبية:
وهي كون المقسَم عليه مطلوباً لدى المقسِم، وهذا لا يكون إلَّا في قَسَم السؤال(695)، أو القَسَم الاستعطافي(696)، الذي يُجاب بالاستفهام، أو الأمر أو النهي، أو إلَّا، أو لمَّا، أو أنْ(697).
هذا ولم ترد جملة القَسَم اسمية في التوقيعات المهدوية، وإنَّما الذي ورد هو القَسَم بالجملة الفعلية، لذا سوف أقصر البحث عليها.
جملة القَسَم الفعلية:
وتقسم بحسب فعل القَسَم على قسمين:
القسم الأوَّل: جملة القسم التي فعلها صريح بالقَسَم:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(693) ينظر: اللامات: 79؛ وشرح الكافية الشافية 1: 208؛ و شرح الرضي على الكافية 4: 313.
(694) ينظر: شرح الرضي على الكافية 4: 312؛ ومغني اللبيب 1: 375.
(695) ينظر: المسائل الشيرازيات 1: 256؛ وشرح الرضي على الكافية 4: 308؛ وارتشاف الضرب 4: 1793.
(696) ينظر: مغني اللبيب 1: 143.
(697) ينظر: شرح الكافية الشافية 1: 217؛ والتذييل والتكميل 7: 116.

(٢٠٠)

وهذا القسم يكون على ضربين بحسب نوع جملة جواب القسم:
الضرب الأوَّل: جملة القَسَم التي فعلها صريح بالقسم وجوابها جملة اسمية، وهذا الضرب لم يرد في التوقيعات المهدوية.
الضرب الثاني: جملة القَسَم التي فعلها صريح بالقسم وجوابها جملة فعلية، وجملة جواب القَسَم إمَّا أن يكون فعلها ماضياً أو مضارعاً.
1 - جملة جواب القَسَم التي فعلها ماضٍ:
والفعل الماضي قد يكون مثبتاً وقد يكون منفيا، والذي ورد في التوقيعات هو الفعل الماضي المثبت، وفي موضع واحد، وهو ما ورد عنه (عليه السلام) في إخباره عمَّا فعله المكذِّبون والمنافقون في الإمام علي (عليه السلام) وأبنائه (عليهم السلام)، فجاء: (أمَا واللهِ لقد دفعوا أمير المؤمنين مع ما رأوه، وقدَّموا عليه وكادوه، وقتلوه، وكذلك فعلوا بآبائي (عليهم السلام) ولم يصدّقوهم)(698).
(أمَا): حرف افتتح به القَسَم توكيداً له في وقوع الخبر(699)، وتنبيهاً للمخاطَب لما يلقى إليه(700)، وجاء القَسَم بلفظ الجلالة مقترناً بحرف القسم (الواو)، فلذا حُذِفَ فعل القَسَم وهو (أُقْسِمُ).
وإنَّ القَسَم الصادر من الإمام (عليه السلام) وهو يخاطِب من يعتقد بإمامته وعصمته، ولاسيّما إذا كان المقسَم به لفظ الجلالة (الله)، فهذا يدلُّ على أنَّ هناك أمراً عظيماً جاء القَسَم لأجله، ولذا اقترن جواب القَسَم (لقد دفعوا) بـ (اللام) و(قد) تأكيداً للمعنى، فإنَّ ما فعلوه بأمير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(698) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 332؛ وينظر: إثبات الهداة 3: 700/ باب 33/ فصل 8/ ح 138؛ ومنتخب الأثر: 375/ فصل 40/ باب 1/ ح 20.
(699) ينظر: كتاب العين 1: 101/ مادّة (أ م ا).
(700) ينظر: شرح الدماميني 1: 219.

(٢٠١)

المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ودفعوه عن الخلافة التي قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في حقّه عند غدير خُمّ: (مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَليٌّ مَوْلاهُ)(701)، فجعل الإمام (عليه السلام) يقسمُ تثبيتاً وتقريراً لذلك في نفوس الناس.
2 - جملة جواب القَسَم التي فعلها مضارع:
وقد يكون الفعل المضارع مثبتاً وقد يكون منفيا، وقد ورد في التوقيعات الفعل المضارع المنفي فقط، وفي موضع واحد، وذلك ما ورد عنه (عليه السلام) ردَّاً على عمّه جعفر عندما ادَّعى أنَّه القيّم بعد أخيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وأنَّ عنده من علم الحلال والحرام وغيرها من العلوم، فجاء توقيع من الإمام (عليه السلام): (وقد ادَّعى هذا المبطل المفتري على الله الكذبَ بما ادَّعاهُ، فلا أدري بأيّة حالة هي له رجاء أن يتمّ دعواه، أبفقهٍ في دين الله؟ فوَاللهِ ما يعرف حلالاً من حرام، ولا يفرِّقُ بين خطأٍ وصوابٍ)(702).
جاء القَسَم بلفظ الجلالة (الله) المقترن بـ (واو) القَسَم، وقد حُذِفَ فعل القَسَم لاقتران لفظ الجلالة بالواو، وجاءت جملة جواب القَسَم (ما يعرف) فعلها مضارع مسبوق بحرف النفي (ما)، ولذا لم يقترن الفعل بـ (نون التوكيد)، وقد ورد في القرآن الكريم بهذا، كقوله تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) (النحل: 38)، وقوله تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) (النساء: 65).
وممَّا تقدَّم تبيَّن أنَّ الإمام (عليه السلام) استعمل في الموردين حرف القَسَم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(701) سنن ابن ماجه 1: 45.
(702) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 246؛ وينظر: الغيبة للطوسي: 287 - 290/ ح 246؛ الاحتجاج 2: 540.

(٢٠٢)

(الواو) المبدلة من (الباء) (توسّعاً في اللغة، ولأنَّها أخفُّ، لأنَّ الواو أخفُّ من الباء، وحركتها أخفُّ من حركة الباء)(703)، وأيضاً أنَّ المقسَم به هو لفظ الجلالة (الله) تعظيماً له سبحانه، وهذا يدلُّ على قوَّة التأكّد وأهمّية المقسَمِ عليه.
القسم الثاني: جملة القَسَم التي فعلها غير صريح بالقَسَم:
وردت أفعال في اللغة العربية غير صريحة بالقَسَم، ولكنَّها تتضمَّن معنى القَسَم لذا أُجريت مجراه، ومن هذه الأفعال: (شَهِدَ، ونشد، وسأل، وذكَّر) وما يتصرَّف منها، فـ (نشد وسأل) في القَسَم بمعنى واحد، إذ قال الخليل: (نشد ينشد فلانٌ فلانا، إذا قال: نشدتك باللهِ والرحم، أي: سألتك باللهِ وبالرحمِ. وناشدتك الله نشدةً ونشدانا، أي: سألتك باللهِ)(704)، وكذلك يأتي (ذكَّر) بمعنى نشد(705).
وتقسم هذه الأفعال باعتبار ما يقسَم به إلى ضربين:
الضرب الأوَّل: ما يقسَم به في الخبر:
ومعناه ألَّا يكون المقسَم عليه مطلوباً كما في الفعل (شهد)، وقد ورد في القرآن بقوله تعالى: (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (المنافقون: 1).
وقد ورد هذا النوع من القَسَم في التوقيعات المهدوية في موضع واحد، وهو ردّه (عليه السلام) على عقائد المغالين في أهل البيت (عليهم السلام)، فجاء عنه:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(703) شرح المفصَّل 8: 520؛ وينظر: المحصول في شرح الفصول 2: 700.
(704) كتاب العين 3: 1790/ مادّة (ن ش د)؛ وينظر: الكتاب 3: 104.
(705) ينظر: المسائل الشيرازيات 1: 52؛ وشرح الرضي على الكافية 2: 140.

(٢٠٣)

(فأُشْهِدُ اللهَ الذي لا إله إلَّا هو وكفى به شهيدا، ورسولَهُ محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) وملائكتَهُ وأنبياءَهُ وأولياءَهُ (عليهم السلام)، وأُشْهِدُكَ وأُشْهِدُ كُلَّ من سَمِعَ كتابي هذا أنّي بريء إلى الله وإلى رسولِهِ ممَّن يقول إنَّا نعلم الغيبَ ونشاركُهُ في ملكِهِ...)(706).
فعل القَسَم (أُشْهِدُ) جاء بصيغة المضارع المزيد، وجاءت جملة جواب القَسَم بالجملة الاسمية (أنّي بريء) وهي مؤكّدة أيضا، إشارة إلى استمرار براءة الإمام من كلّ إنسان يدَّعي بأنَّ الأئمّة (عليهم السلام) يعلمون الغيب، أو يشاركون الله في ملكه، والإمام (عليه السلام) لشدَّة حرصه على نفي هذه المسألة عنه فأشهد الله أوَّلا، ثمّ الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) والملائكة والأنبياء والأولياء وأشهد الشخص الذي ورد إليه التوقيع، وكذلك كلّ من سمع وعلم بهذا التوقيع.
الضرب الثاني: ما يقسَم به في الطلب:
ومعناه أن يكون المقسَم عليه مطلوبا، كما في الأفعال: (نشد، وسأل، وذكَّر)، وهذا ما يسمّى بقَسَم السؤال، أو القَسَم الاستعطافي، أو يمين المناشدة، وليس النطق بها مجرَّدة دليلاً على القَسَم، وإنَّما يعلم ذلك بإيلائها لفظ الجلالة (الله)(707).
وقد ورد هذا النوع من القَسَم في التوقيعات المهدوية في تسعة وثلاثين موردا، وردت جميعها في الأدعية.
فمنها: ما ورد عنه (عليه السلام) في دعائه: (اللّهمّ إنّي أسألك باسمك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(706) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 173؛ وينظر: الاحتجاج 2: 550؛ وبحار الأنوار 25: 266/ باب 9/ ح 9.
(707) ينظر: المسائل الشيرازيات 1: 256؛ وشرح التسهيل (ناظر الجيش) 6: 3067.

(٢٠٤)

الذي به تقوم السماء، وبه تقوم الأرض، وبه تفرِّق بين الحقّ والباطل، وبه تجمع بين المتفرِّق، وبه تفرِّق بين المجتمِع، وبه أحصيت عدد الرمال، وزنة الجبال، وكَيْلَ البحار، أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تجعلَ لي من أمري فرجاً ومخرجاً)(708).
ورد القَسَم على الله تعالى بالفعل (أسأل) بصيغة المضارع، وهو ما ورد في جميع الموارد بهذه الصيغة. وقد سُبِقَ بالنداء والتوكيد، وهذا ما يزيد أُسلوب القَسَم تحسيناً وتوكيدا، والمقسَم به هنا هو (اسم الله الذي جاءت بعده صفاته لهذا الاسم)، والمقسَم عليه هو جملتا: (أن تصلّي على محمّد وآل محمّد)، و(أن تجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً)، فجاءتا خبراً ومعناهما الطلب، أي: صلّ، واجْعَلْ، والغرض منه الدعاء. وقد قرن الإمام (عليه السلام) بطلبه (اجْعَلْ لي) طلب لغيره وهو (الصلاة على محمّد وآل محمّد) حتَّى يكون أسرع في الاستجابة لطلبه، لأنَّ طلب الصلاة دعاء مستجاب عند الله تعالى.
وقد ورد هذا الأُسلوب من القَسَم بالفعل المضارع (أسأل) في سبعة وثلاثين موردا(709).
ومنها: ما ورد في أحد أدعيته (عليه السلام): (إلهي بحقّ من ناجاك، وبحقّ من دعاك في البرّ والبحر، تفضَّل على فقراء المؤمنين والمؤمنات بالغناء والثروة، وعلى مرضى المؤمنين والمؤمنات بالشفاء والصحَّة)(710).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(708) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 257؛ وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 470/ باب 43/ ح 24؛ والغيبة للطوسي: 459/ ح 277.
(709) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 280 و365 و375 و379 و381.
(710) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 367؛ وينظر: مهج الدعوات: 295؛ ومصباح الكفعمي: 306؛ والصحيفة المهدوية: 112.

(٢٠٥)

جاء القَسَم مكرَّراً مرَّتين في النصّ: (بحقّ من ناجاك)، و(بحقّ من دعاك)، وفعل القَسَم محذوف في كلا الموضعين، والتقدير: إلهي أسألك بحقّ من ناجاك، وأسألك بحقّ من دعاك. وتكرار القَسَم يدلُّ على الإلحاح على الله تعالى في إستجابة ما يطلبه ويريده الإمام (عليه السلام)، وأيضاً تعظيماً للمدعوّ وهو الله تعالى. وجاءت جملة جواب القَسَم بصيغة الطلب (تفضَّل).

* * *

(٢٠٦)

المبحث الثاني: أُسلوب المدح والذمّ

مفهوم المدح والذمّ لغةً واصطلاحاً:
1 - المدح لغةً:
المدح (نقيض الهجاء، وهو حُسْنُ الثناء)(711)، عن طريق (وصف محاسن بكلام جميل)(712)، (المدح المصدر، والمدحة الاسم، والجمع مِدَحٌ، وهو المديح، والجمع المدائح والأماديح، والأخيرة على غير قياس)(713).
2 - الذمّ لغةً:
الذمّ هو (اللّوم في الإساءة)(714)، وهو (نقيضِ المدح، ذَمَّهُ يُذُمَّهُ ذَمَّاً ومَذَمَّةً، فهو مذمومٌ وذَمٌّ. وأذمَّهُ: وَجَدَهُ ذميماً)(715).
3 - المدح اصطلاحاً:
المدح (هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري قصداً)(716)، وعُرِّفَ أيضاً بأنَّه: (الثناء باللسان على الجميل مطلقاً، سواء أكان من الفواضل أو الفضائل...، ولا يكون إلَّا قبل النعمة، ولهذا لا يقال:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(711) كتاب العين 3: 1684/ مادّة (م د ح).
(712) معجم مقاييس اللغة 5: 308/ مادّة (م د ح).
(713) لسان العرب 2: 589/ مادّة (م د ح).
(714) كتاب العين 2: 628/ مادّة (ذ م م).
(715) لسان العرب 12: 220/ مادّة (ذ م م).
(716) التعريفات: 206.

(٢٠٧)

مدحتُ اللهَ، إذ لا يُتصوَّر تقدّم وصف الإنسان على نعمة الله بوجهٍ من الوجوه، لأنَّ نفس الوجوه نعمة من الله)(717).
4 - الذمّ اصطلاحاً:
الذمّ هو إظهار سوء بقصد التعيُّبِ، لأنَّ الصفات الذميمة عند المخاطَب مؤثِّرةٌ فيه، ظاهرة على لسانه، مُدْعَاةٌ للعيب وذمّ صاحبها(718).
أساليب المدح والذمّ وألفاظه:
هناك أساليب وألفاظ وصيغ يستطيع المتكلِّم العربي بوساطتها أن يعبِّر عن معنى المدح والذمّ، وتلك الأساليب على قسمين:
أوَّلاً: المدح والذمّ القياسيان.
ثانياً: المدح والذمّ غير القياسيين.
أوَّلاً: المدح والذمّ القياسيان:
إنَّ أُسلوب المدح والذمّ القياسيين يؤدّيان عن طريق ثلاثة عناصر، هي: فعل المدح أو الذمّ، والفاعل، والمخصوص بالمدح أو الذمّ.
1 - فعل المدح والذمّ:
إنَّ العرب استعملت من الأفعال لإنشاء المدح والذمِّ الفعلين: (نِعْمَ وبِئْسَ)، قال سيبويه: (وأصل نِعْمَ وبِئْسَ، نَعِمَ وبَئِسَ، وهما الأصلان اللذان وضعا في الرداءة والصلاح، ولا يكون منهما فعل لغير هذا المعنى)(719)، فكلّ صفة مدح تدخل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(717) الكلّيات: 857.
(718) ينظر: الكلّيات: 454.
(719) الكتاب 2: 179.

(٢٠٨)

تحت نِعْمَ، وكلّ صفة ذمّ تدخل تحت بِئْسَ(720)، أي إنَّ (نِعْمَ وبِئْسَ) وضعا للمدح العامّ والذمّ العامّ(721).
ونلفت النظر إلى أنَّ في (نِعْمَ وبِئْسَ) خلافاً بين البصريين - ومعهم الكسائي من الكوفيين - وبين الكوفيين، من حيث كونهما فعلين أو اسمين، فذهب البصريون إلى أنَّهما فعلان ماضيان لا يتصرَّفان، وذكروا حججاً لذلك.
وأمَّا الكوفيّون فذهبوا إلى أنَّهما اسمان مبتدآن، وذكروا حججاً لذلك أيضا(722).
وخَلُصَ الأنباري بعد عرضه حجَّة كلّ من المذهبين إلى القول بمذهب البصريين(723)، والذي يبدو أنَّ أدلَّة البصريين أقوى وأشدّ(724)، وهذا ما يراه الباحث قريباً من الصواب، حيث إنَّ أدلَّة الكوفيين قابلة للتأويل.
وإنَّ ل (نِعْمَ وبِئْسَ) استعمالين:
إحداهما: أن يجريا مجرى سائر الأفعال في التصرّف، فيكون لهما مضارع وأمر واسم فاعل وغيرها، وهما هنا للإخبار بالنعمة والبؤس، نحو: نَعِمَ زيدٌ، وهكذا بَئِسَ.
ثانيهما: أن يستعملا لإنشاء المدح والذمّ، وهما هنا لا يتصرَّفان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(720) ينظر: معاني القرآن وإعرابه 1: 152؛ شرح التسهيل (ناظر الجيش) 5: 2530.
(721) ينظر: المفصَّل في علوم العربية: 274.
(722) ينظر: الانصاف في مسائل الخلاف 1: 97 - 104/ مسألة 14.
(723) ينظر: الانصاف في مسائل الخلاف 1: 126/ مسألة 14.
(724) ينظر: الأساليب الإنشائية في النحو العربي: 100.

(٢٠٩)

لخروجهما عن الأصل في الأفعال من الدلالة على الحَدَث والزمان، فأشبها الحرف(725).
وتجري في (نِعْمَ وبِئْسَ) أربع لغات، لأنَّ أصلهما (نَعِمَ وبَئِسَ)، وما كان على (فَعِلَ) فعلاً كان أو اسماً ووسطه حرف حلق جاز فيه اللغات الأربع الأتيه:
أ) (نَعمَ وبَئِسَ)، وهي اللغة الأصلية.
ب) (نَعْمَ ، بَأْسَ).
ث) (نِعِمَ ، بِئِسَ) بالإتباع، أي كسرة الأوَّل لكسرة الثاني، وهي لغة هذيل.
ت) (نِعْمَ وبِئْسَ)، وهذه اللغة أبعد من الأصل، وأكثر استعمالا(726)، وهي أفصح اللغات، إذ هي لغة القرآن الكريم(727).
ويلحق بـ (نِعْمَ وبِئْسَ) (حبَّذا) في المدح، و(ساء) في الذمّ، والفعل المستعمل على صيغة (فَعُلَ) أصالةً أو محوَّلا(728). وهنا الفعل يكون للمدح الخاصّ أو الذمّ الخاصّ بخلاف (نِعْمَ وبِئْسَ)(729).
2 - فاعل (نِعْمَ وبِئْسَ):
إنَّ (نِعْمَ وبِئْسَ) من حيث كونهما فعلين لا بدَّ لها من فاعل كسائر الأفعال، لكن لا يرفعان كلّ اسم على الفاعلية، لقصورهما بعدم التصرّف عن جريانهما مجرى الأفعال المتصرّفة(730)، وفاعلهما على ثلاثة أقسام:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(725) ينظر: المقاصد الشافية 4: 506؛ وحاشية الصبّان على شرح الأشموني 3: 38.
(726) ينظر: الكتاب 4: 16 و439 و440؛ والمقتضب 1: 117 و260.
(727) ينظر: شرح التسهيل/ القسم النحوي (المرادي): 620.
(728) ينظر: شرح التصريح 3: 327.
(729) ينظر: حاشية الخضري 2: 104.
(730) ينظر: المقاصد الشافية 4: 511.

(٢١٠)

القسم الأوَّل: أن يكون الفاعل اسماً ظاهراً، وهذا على ثلاثة أضرب:
الضرب الأوَّل: أن يكون معرَّفاً بالألف واللام.
الضرب الثاني: أن يكون مضافاً إلى المعرَّف بالألف واللام.
الضرب الثالث: أن يكون الفاعل مضافاً إلى المضاف إلى المعرَّف بالألف واللام.
القسم الثاني: أن يكون الفاعل ضميراً مستتراً مفسراً بنكرة منصوبة على التمييز، نحو: نِعْمَ سيِّداً علي، أي: نِعْمَ السيّد علي(731).
القسم الثالث: أن يكون فاعل (نِعْمَ وبِئْسَ) (ما) في بعض الوجوه من مذاهب النحاة، وقد تأتي (ما) مفردة، وقد تكون متلوَّةً بمفرد، وقد تكون متلوَّةً بجملة فعلية.
وإنَّ ما ذكرنا من الفاعل إنَّما هو أشهر اللغات، وهو الغالب، وقد يكون غير ذلك(732).
3 - المخصوص بالمدح والذمّ:
وهو المقصود بالمدح بعد (نِعْمَ) وبالذمّ بعد (بِئْسَ)، نحو: نِعْمَ الرجلُ زيدٌ، وبِئْسَ الرجلُ معاويةٌ، فـ (زيد) مخصوص بالمدح، و(معاوية) مخصوص بالذمّ، وإنَّما سُمّي مخصوصاً لأنَّه قد ذكر أوَّلاً جنسه ثمّ خُصَّ بعد ذلك بذكر شخصه، لأنَّ ذكر جنسه لا يعيِّنُهُ فافتقر إلى تعيينه، إذ يذكر المخصوص مرفوعاً بعد الفعل والفاعل، وقد يحذف لوجود ما يدلُّ عليه(733).
ويشترط في المخصوص بالمدح والذمّ أن يكون مطابقاً للفاعل،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(731) ينظر: المنهاج في شرح جمل الزجّاجي 1: 421؛ وأوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك 2: 285.
(732) ينظر: شرح التسهيل (ناظر الجيش) 5: 2534.
(733) ينظر: شرح التسهيل (ابن مالك) 2: 348؛ والمقاصد الشافية 4: 534 و535.

(٢١١)

أي ينبغي أن يصحَّ إطلاقه عليه، وأن يكون مختصَّا، لأنَّ الغاية منه التخصيص بعد الإبهام(734).
وقد ورد المدح بالفعل (نِعْمَ) في التوقيعات المهدوية في سبعة مواضع، منها: ما ورد عنه (عليه السلام) في توقيع وهو يتحدَّث عن الثقات من أصحابه، فجاء: (والله تقدَّست أسماؤه وجلَّ ثناؤه وليّ توفيقكم، وحسبنا في أُمورنا كلِّها ونِعْمَِ الوكيلُ)(735).
جاء أُسلوب المدح في النصّ بقوله (عليه السلام): (نِعْمَ الوكيلُ)، و(نِعْمَ) فعل وضع للمبالغة في المدح(736)، و(الوكيلُ) فاعل جاء اسماً معرَّفاً بـ (أل) على إحدى اللغات المشهورة، وجاء المخصوص بالمدح محذوفا، والأصل أن يذكر للبيان إلَّا أنَّه حُذِفَ لتقدّم ذكره، فإذا كان في الكلام ما يدلُّ على المخصوص بالمدح والذمّ جاز لك أن تستغني عن ذكره(737)، وذلك كقوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحجّ: 78).
وقد اختلف النحاة في (أل) الداخلة على فاعل فعلي المدح والذمّ: أهي جنسية أم عهدية؟ فقال الجمهور: هي للجنس، ولكنَّهم اختلفوا على رأيين: هل الجنس حقيقةً أو مجازاً؟(738)، فإذا كانت للجنس حقيقةً فقولنا: (نِعْمَ الرجلُ زيدٌ) كان الجنس كلّه ممدوحاً ثمّ خصصت زيداً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(734) ينظر: شرح جمل الزجّاجي 1: 615؛ شرح الرضي على الكافية 4: 254.
(735) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 150؛ وينظر: الغيبة للطوسي 2: 373 - 378/ ح 345.
(736) ينظر: اللمع في العربية: 200؛ وشرح التصريح 3: 314.
(737) ينظر: معاني النحو 4: 297.
(738) ينظر: شرح التسهيل (ناظر الجيش) 5: 2545؛ ومعاني النحو 4: 299.

(٢١٢)

بالذكر، فتكون مدحته مرَّتين مرَّة مع عموم جنسه، ومرَّة أفردته بالذكر وحده، جاء في الكتاب: (إذا قلت: (عبد الله نِعْمَ الرجلُ) فإنَّما تريد أن تجعله من أُمّة كلّهم صالح، ولم ترد أن تعرف شيئاً بعينه بالصلاح بعد نِعْمَ)(739)، وإذا كانت للجنس مجازاً فقولنا: (نِعْمَ الرجلُ زيدٌ) لم تقصد إلَّا مدح معيَّن، ولكنَّك جعلته جميع الجنس مبالغةً، ومعناه أنَّ زيداً هو الجنس كلّه، أي هو المتَّصف بصفات الرجولة الكاملة، أو اجتمع فيه ما تفرَّق في غيره من صفات الرجولة.
وقال البعض: إنَّها عهدية، وأيضاً اختلفوا على رأيين: فهل هي للعهد الذهني، أي تشير بها إلى شيء معهود في الذهن، فقولنا: (نِعْمَ الرجلُ زيدٌ) فـ (الرجلُ) معهود ذهني ولا يقصد به شخص تقدَّم ذكره، أو هي للعهد الشخصي، والمعهود هو الشخص الممدوح، فقولنا: (نِعْمَ الرجلُ زيدٌ) فكأنَّنا قلنا: (نِعْمَ هو)؟
وقد رجَّح الدكتور فاضل السامرائي بأنَّ (أل) تفيد الجنس، وذلك أنَّك تقول: (نِعْمَ الفاكهةُ التفاحُ)، فـ (الفاكهة) جنس عامّ، (التفاحُ) خاصٌّ منه. وممَّا يدلُّ على أنَّها للجنس، أنَّك لا تمدح الشيء بـ (نِعْمَ) إذا لم يكن معه فرد من جنسه(740).
والذي يبدو للباحث أنَّ (أل) تفيد الجنس، وتكون مجازية لا حقيقية، (لأنَّ نِعْمَ مستوفية لجميع المدح...، فإذا قلت: نِعْمَ الرجلُ زيدٌ فقد استحقَّ زيد المدح الذي يكون في سائر جنسه)(741)، أي أنت لم تقصد مدح الجنس وإنَّما كلّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(739) الكتاب 1: 301.
(740) ينظر: معاني النحو 4: 300.
(741) معاني النحو وإعرابه 1: 152 و153.

(٢١٣)

صفة مدحٍ في الجنس قد اجتمعت في زيد، فزيد قد اجتمعت فيه كلّ صفات الرجولة، وكذلك في النصّ (نِعْمَ الوكيلُ) فالإمام (عليه السلام) لا يريد مدح الجنس (الوكيل) وإنَّما أراد مدح (الله) (عزَّ وجلَّ) بكلّ صفات الوكيل في تدبير أُمور الانسان، وقد جَعَلَ فاعل (نِعْمَ) جنس الممدوح مجازا، لأنَّ الإبهام أوَّلاً والبيان ثانياً يُعطي تفخيماً وتعظيماً للأمر(742).
ومنها: كتب إليه شخص: إنّي عادلت محمّد بن العبّاس، وأنا واثق بديانته وصيانته، فورد إليه التوقيع من الإمام (عليه السلام): (الأسدي نِعْمَ العديلُ، فإن قدم فلا تختر عليه)(743).
جاء أُسلوب المدح بجملة (نِعْمَ العديلُ)، فـ (نِعْمَ) فعل المدح و(العديلُ) هو فاعل مرفوع بالضمَّة، وجاء المخصوص بالمدح (الأسدي) مبتدأ، والجملة الفعلية بعده خبر.
ومن خلال ما تقدَّم نجد أنَّ بعض الموارد جاء المخصوص بالمدح محذوفاً، وهي الموارد التي تخصُّ مدح الله سبحانه وتعالى، وقد وردت بخمسة مواضع، وجاء البعض الآخر مذكوراً، وهما موردان فقط، وهما اللذان وردا في موضع المدح غير الله تعالى(744).
ولم يرد في التوقيعات المهدوية الذمّ بالفعل (بِئْسَ).
ثانياً: المدح والذمّ غير القياسيين:
1 - المدح بأُسلوب الاختصاص:
الاختصاص: (إنَّه اسم ظاهر معرفة، قُصِدَ تخصيصه بحكم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(742) ينظر: المقاصد الشافية 4: 512.
(743) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 324؛ وينظر: الغيبة للطوسي: 383/ ح 242.
(744) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 187 و247 و393.

(٢١٤)

ضمير قبلَهُ، والغالب على ذلك الضمير كونه متكلِّماً، نحو: أنا ونحن، ويقلّ كونه لمخاطَب، ويمتنع كونه لغائب)(745)، وهذا الاسم منصوب بفعل محذوف وجوباً تقديره (أَخُصُّ)(746)، (والمنصوب على الاختصاص لا يكون إلَّا لمدح أو ذمّ، لكن لفظه لا يتضمَّن بوصفه المدح والذمّ)(747).
وجاء المدح بأُسلوب الاختصاص في التوقيعات المهدوية في مورد واحد، وهو عندما سأله (عليه السلام) أحد الأصحاب عن محمّد بن شاذان بن نعيم، فورد له توقيع: (وأمَّا محمّد بن شاذان بن نعيم، فهو رجل من شيعتنا أهل البيت)(748).
فورد المدح لمحمّد بن شاذان بأُسلوب الاختصاص، وهو هنا (أهلَ البيت)، وهذا الاسم هو أكثر الأسماء دخولاً في باب الاختصاص، قال سيبويه: (وأكثر الأسماء دخولاً في هذا الباب: بنو فلان، ومعشر مضافةً، وأهلَ البيت، آلُ فلان)(749)، فـ (أهلَ البيت) مفعول به منصوب على الاختصاص بفعل محذوف وجوباً للدلالة على المدح والتعظيم، وقد سبق بضمير المتكلِّم (من شيعتنا)، وهو الغالب.
2 - المدح والذمّ بالنعت:
النعت: (هو التابع المكمِّل متبوعه ببيان صفة من صفاته، نحو:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(745) شرح شذور الذهب (ابن هشام): 244.
(746) ينظر: حاشية الخضري 2: 202.
(747) البحر المحيط 5: 245.
(748) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 127؛ وينظر: كشف الغمَّة 3: 321؛ وكمال الدين وتمام النعمة: 483/ باب 45/ ح 4.
(749) الكتاب 2: 236؛ وينظر: توضيح المقاصد والمسالك 2: 231.

(٢١٥)

(مررت برجلٍ كريمٍ)، أو ببيان صفة من صفات ما تعلَّق به، وهو ما يسمّى بالنعت السببي، نحو: (مررت برجلٍ كريمٍ أبوه))(750).
وقد يخرج النعت عن معناه الأصلي إلى المدح والثناء، وذلك إذا كان الموصوف معلوماً عند المخاطَب لا يحتاج إلى توضيح، وذلك كقوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (الأعلى: 1)، فإنَّه ليس ثَمَّة ربّ أسفل فتميّزه بكلمة الأعلى، فهو لا يحتاج إلى توضيح.
وقد ورد المدح بالنعت في التوقيعات المهدوية في مورد واحد في أحد أدعيته (عليه السلام)، إذ جاء: (اللّهمّ صلّ على محمّد سيّد المرسلين، وخاتم النبيّين، وحجَّة ربّ العالمين، المنتخب في الميثاق، المصطفى في الظلال، المطهَّر من كلّ آفة، البريء من كلّ عيب، المؤمَّل للنجاة، المرتجى للشفاعة، المفوَّض إليه في دين الله)(751).
جاء المدح بصفات متعدّدة في النصّ للرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وذلك لأنَّ الموصوف معلوم لدى المخاطَب، فلذا جاءت الصفات للمدح، وجاءت الصفات مشتقّة، وهو الأصل في النعت، وقد ورد بعضها معطوفاً على البعض الآخر وهو للاهتمام، فإنَّ العطف بالواو قد يؤتى به لتحقيق اجتماع الصفات في الموصوف، وهذا يتضمَّن نوعاً من التأكيد ومزيداً من التقدير(752).
وقد يخرج النعت عن معناه الحقيقي إلى الذمّ والتحقير، وذلك إذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(750) معاني النحو 3: 181.
(751) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 369؛ وينظر: الغيبة للطوسي: 273/ ح 238؛ وجمال الأُسبوع: 494؛ والخرائج والجرائح 1: 461/ باب 13/ ح 6.
(752) ينظر: بدائع الفوائد 1: 191؛ معاني النحو 3: 201.

(٢١٦)

كان الموصوف معلوماً عند المخاطَب، ولا تقصد تميّزه عن شخص آخر، نحو: أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ.
وقد ورد الذمّ بالنعت في توقيعات المهدوية في مورد واحد، وذلك عندما وردت بعض المسائل الفقهية عن الإمام (عليه السلام) فادَّعى أحد المنحرفين المعروف بالعزاقري (هو محمّد بن علي الشلمغاني) أنَّ هذه المسائل هو الذي أجاب عنها، فكتب جماعة للإمام (عليه السلام)، فخرج التوقيع منه (عليه السلام): (بسم الله الرحمن الرحيم، قد وقفنا على هذه الرقعة، وما تضمَّنته فجميعه جوابنا، ولا مدخل للمخذول الضالّ المضلّ المعروف بالعزاقري لعنه الله في حرف منه)(753).
جاء الذمّ من الإمام (عليه السلام) للعزاقري بعدَّة صفات (المخذول)، و(الضالّ)، و(المضلّ)، وجاءت الصفات مشتقّة، وهو الأصل بالنعت. و(المخذول) صفة ذمّ جاءت باسم المفعول، جاء في لسان العرب: (وخذل عنه يخذله وخذلاً: ترك نصرته وعونه)(754)، وهنا المخذول أي الذي لم ينصره الله تعالى. وصفة الذمّ (ضالّ) من ضلَّ الشيء يضلُّ ضلالاً: أي ضاع وهلك، ورجل ضليل ومضلّل: أي ضالّ جدَّا، والضلال والضلالة: ضدّ الرشاد(755).
3 - المدح والذمّ بالخبر:
الخبر: هو الاسم المجرَّد المسند المتمِّم للفائدة(756)، وإنَّ الأصل في الخبر أن يُؤتى به لأحد غرضين: إمَّا إفادة المخاطَب الحكم الذي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(753) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 150؛ وينظر: الغيبة للطوسي: 373 - 378/ ح 345.
(754) لسان العرب 11: 202.
(755) ينظر: الصحاح 5: 1748؛ ومعجم مقاييس اللغة 3: 356.
(756) ينظر: شرح الرضي على الكافية 1: 266؛ وشرح ابن عقيل 1: 201.

(٢١٧)

تضمَّنته الجملة إذا كان جاهلاً به، ويسمّى هذا فائدة الخبر، وإمَّا إفادة المخاطَب أنَّ المتكلِّم عالم أيضاً بأنَّه يعلم الخبر، ويسمّى هذا لازم الفائدة.
وقد يخرج الخبر عن الغرضين السابقين إلى أغراض تستفاد بالقرائن وسياق الكلام(757)، ومنها المدح والذمّ، وقد ورد المدح بالخبر في التوقيعات المهدوية في أربعة مواضع، منها: كتب له (عليه السلام) أحد الأصحاب: من أُعامل أو عمَّن آخذ وقول من أقبل؟ فورد له: (العَمْري ثقتي، فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك فعنّي يقول، فاسْمَعْ له وأَطِعْ، فإنَّه الثقة المأمون)(758).
جاء أُسلوب المدح بوساطة الخبر في النصّ بموردين: إحداهما بالجملة الاسمية (العمري ثقتي)، فإنَّه جاء المدح بالخبر بأنَّ العمري ثقة، جاء في العين: (وثق: وثقت بفلان، أثق به ثقةً، وأنا واثق به وهو موثوق به)(759)، وجاء في القاموس: (وثق به كوَرَثَ، ثقةً وموثقاً: ائتمنته)(760). والمورد الثاني ورد خبراً للناسخ (فإنَّه الثقة المأمون)، فهنا ورد المدح بالخبر (الثقة)، وأيضاً بمدح آخر و(المأمون) وهو الأمين.
وقد جاء الموردان الآخران للمدح بالخبر بهذا الأُسلوب(761).
وقد ورد الذمّ بالخبر في التوقيعات المهدوية في أربعة مواضع، جاءت جميعها بلفظ واحد، فمنها: ما ورد عنه (عليه السلام) في بعض إجاباته:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(757) ينظر: مختصر المعاني 1: 28 و41؛ وجواهر البلاغة: 57 و58.
(758) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 115؛ وينظر: الكافي 1: 329/ ح 1.
(759) كتاب العين 3: 1925.
(760) القاموس المحيط 3: 14.
(761) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 116.

(٢١٨)

(وأمَّا أبو الخطّاب محمّد بن أبي زينب الأجدع فملعون، وأصحابه ملعونون)(762).
جاء الذمّ بالخبر في النصّ في موضعين، وهما: (ملعون) و(ملعونون)، واللعن هو الطرد والإبعاد، جاء في معجم مقاييس اللغة: ((لعن) اللام والعين والنون أصل صحيح يدلُّ على إبعاد وإطراد، ولعن الله الشيطان: أبعده عن الخير والجنَّة)(763)، وقد ذمَّ الإمام أبا الخطّاب وأصحابه بأنَّهم ملعونون.
وقد وردت الموارد الأُخرى من الذمّ بالخبر بنفس الألفاظ(764).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(762) معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 127؛ وينظر: كمال الدين وتمام النعمة: 483/ باب 45/ ح 4؛ الغيبة للطوسي: 290/ ح 247.
(763) معجم مقاييس اللغة 5: 252.
(764) ينظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (التوقيعات) 6: 130 و137.

(٢١٩)

المبحث الثالث: أُسلوب التعجّب

مفهوم التعجّب لغةً واصطلاحاً:
1 - التعجّب لغةً:
عجب عجبا، وأمر عجيب عجب عُجاب، والعجيب والعجب بمعنى، وأمَّا العُجاب فهو الذي جاوز حدّ العجب، مثل: الطويل والطوال، والعجب العاجب: العجيب، والاستعجاب: شدَّة التعجّب وهو مستعجب ومتعجّب ممَّا يرى(765).
2 - التعجّب اصطلاحاً:
قال ابن عصفور: (التعجّب: استعظام زيادة في وصف الفاعل، خفي سببها، وخرج بها المتعجّب منه عن نظائره أو قلَّ نظيره)(766)، وقال الرضي: التعجّب (هو انفعال يعرض للنفس عند الشعور بأمر يخفى سببه، ولهذا قيل: إذا ظهر السبب بطل العجب)(767). وكلَّما خفي السبب كان أفخم في النفوس وأعظم(768). والتعجّب لا يكون إلَّا ممَّن يجوز في حقّه الاستعظام، لهذا لا يقال: إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) متعجّب، إذ لا يخفى عليه شيء، وما جاء في القرآن الكريم ظاهره ذلك فمصروف للمخاطَب(769).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(765) ينظر: كتاب العين 2: 1140/ مادّة (ع ج ب).
(766) المقرّب: 76.
(767) شرح الرضي على الكافية 4: 288.
(768) ينظر: المقتصد في شرح الإيضاح 1: 373.
(769) ينظر: المحصول في شرح الفصول 1: 374؛ شرح التصريح 3: 291 و292.

(٢٢٠)

أساليب التعجّب:
هنالك أساليب مختلفة تؤدّي معنى التعجّب، منها ما هو قياسي، ومنها سماعي.
1 - التعجّب القياسي:
ويتضمَّن صيغتين، هما: (ما أفعله)، و(أفعل به)، وهما المشهورتان عند النحاة(770)، ولم يرد التعجّب بالصيغتين في التوقيعات المهدوية.
2 - التعجّب السماعي:
وهو ما دلَّت عليه القرائن في الكلام.
أ) التعجّب بالنداء(771).
ب) التعجّب بالاستفهام(772).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(770) ينظر: شرح شذور الذهب (الجوجري) 2: 729 - 731؛ شرح التصريح 3: 292.
(771) سبق تخريج مواضعه والتعليق عليها في أُسلوب النداء.
(772) سبق تخريج مواضعه والتعليق عليها في أُسلوب الاستفهام.

(٢٢١)
(٢٢٣)

الحمد لله ربّ العالمين بارئ الخلائق أجمعين، والصلاة وأتمّ التسيلم على محمّد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين أن وفقني لإنجاز هذا البحث، وكانت نتائجه منها عامّ يشمل أُسلوب الإنشاء، ومنها خاصّ بكلّ أُسلوب من أساليبه.
أمَّا أهمّ النتائج العامّة فهي أنَّ الأساليب الإنشائية وردت أغلبها عن الإمام (عليه السلام) في التوجيه والنصيحة والإرشاد والهداية وبيان الطريق الحقّ الموصل لله تعالى وضمان سعادة الإنسان، وهذا ما يتناسب مع مهمَّة الإمام وهي الخلافة لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في هداية الناس وقيادة الأُمّة نحو الصلاح والاستقامة، لأنَّه أحد الأئمّة (عليهم السلام) الذين هم عدل القرآن لقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي، طرفه بيدي وطرفه بأيديكم، فاسألوهم ولا تسألوا غيرهم)(773).
وأيضاً كثرة ورود أُسلوب الدعاء في الأساليب الإنشائية الأُخرى، فورد في أُسلوب النداء والاستفهام والأمر والنهي.
أمَّا أهمّ النتائج الخاصّة بكلّ أُسلوب من أساليب الإنشاء في التوقيعات المهدوية فهي على النحو الآتي:
أُسلوب الاستفهام:
1 - إنَّ همزة الاستفهام كانت الأكثر وروداً من أدوات الاستفهام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(773) جامع أحاديث الشيعة 26: 103؛ وينظر: تفسير الميزان 5: 274؛ كتاب الفتوح 4: 326.

(٢٢٥)

الأُخرى، إذ جاءت في عشرين موضعاً، ودخلت على الجملة الاسمية والفعلية، مثبتة ومنفية، وهذا يناسب قول النحويين: إنَّ الهمزة أُمّ الباب.
2 - أكثر مواضع الاستفهام خرجت إلى معانٍ مجازية، والذي جاء منها حقيقي هو ما نقله الإمام (عليه السلام) كاستفهام من غيره.
3 - جاء الاستفهام بالأداة (أَمْ) مقترناً بالهمزة وهَلْ.
4 - ورود الاستفهام مع الجمل المنسوخة بالهمزة و(هَلْ).
5 - ورود الاستفهام بالحروف الثلاثة: (الهمزة)، و(هَلْ)، و(أَمْ)، والأسماء: (مَنْ)، و(ما)، و(أيّ)، و(أين)، و(كيف)، و(متى).
أُسلوب الأمر والنهي والدعاء:
1 - تنوّع ورود صيغ الأمر (افْعَلْ)، و(ليفعل)، و(اسم فعل الأمر)، وبالجملة الخبرية.
2 - الخلاف بين البصريين والكوفيين عن أصل فعل الأمر لم يفد الدرس النحوي.
3 - أكثر صيغ الأمر وروداً صيغة (افْعَلْ)، إذ وردت في مائة وثمانية وثمانين موضعاً.
4 - ورود بعض الأمر بمعناه الحقيقي وهو الإلزام، وبعضه خرج إلى معانٍ مجازية أغلبها أفادت الدعاء، وهذا يدلُّ على مدى ارتباط الإمام (عليه السلام) بالله تعالى.
5 - ورود فعل الأمر مسبوقاً بالنداء كثيراً، وهو يدلُّ على أهمّية المتوجَّه إليه.
6 - ورد الأمر بصيغة (افْعَلْ) مسنداً للضمير المفرد، وألف الاثنين، و(واو الجماعة).

(٢٢٦)

7 - جاءت أفعال الأمر بصيغة (افْعَلْ) المسند إلى (واو) الجماعة كلّها تدلُّ على المعنى الحقيقي للأمر، وهو الوجوب والإلزام.
8 - جاء الأمر بصيغة (ليفعل) كلّها للغائب، وهو الكثير عند النحاة.
9 - ورد الأمر باسم الفعل (آمين)، وفي مورد واحد.
10 - ورد الأمر بالجملة الخبرية كثيراً، وهي مائة وستَّة وثلاثين موضعاً، وأغلبها قد أفاد الدعاء.
11 - صيغة (لا تفعل) أكثر موارد النهي وروداً، إذ جاءت في عشرين مورداً.
12 - خرجت أغلب موارد النهي إلى الدعاء والإرشاد والكراهة.
13 - جاء النهي للغائب والحاضر.
14 - ورود النهي بلفظ الخبر كثيراً أيضاً، إذ جاء في ستَّة عشر مورداً.
15 - ورود النهي بحرف الردع (كلَّا) في موضع واحد.
16 - ورود الدعاء بصيغة الخطاب المباشر وغير المباشر.
17 - أكثر وروداً الدعاء بالأُسلوب المباشر وبالجملة الفعلية الطلبية (افْعَلْ)، إذ ورد في مائة وثمانية وعشرين مورداً.
18 - أكثر الأساليب الإنشائية وروداً الدعاء، إذ ورد في مائتين وإحدى وتسعين موضعاً، وذلك يدلُّ على ارتباط وتمسّك الإمام بالله تعالى وتوجّهه الدائم نحوه.
19 - ورود الدعاء بالمصدر واسم المفعول.

(٢٢٧)

20 - إنَّ (حول) و(قوَّة) من (لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله) لا يجوز فيها إلَّا البناء على الفتح كي تدلّ (لا) على نفي العموم مراعاةً للعقيدة الإسلاميّة.
21 - جاء الدعاء المباشر مع الجملة الاسمية والفعلية.
أُسلوب النداء:
1 - لم يستعمل في هذا الأُسلوب من أدوات النداء إلَّا (يا)، وقد كشف البحث عن كثرة استعمال الأداة (يا)، وهو الشائع في اللغة العربية وأكثرها استعمالاً.
2 - وردت أغلب الموارد لنداء النكرة المقصودة بنداء صفات الله تعالى، إذ جاء أربعة وثلاثين مورداً لنداء صفات الله، ومورداً واحدة في غيرها.
3 - أثبت البحث بأنَّ صفات الله تعالى في النداء من النكرات المقصودة.
4 - جاءت أغلب موارد نداء لفظ الجلالة بأُسلوب (اللّهمّ) (إلهي)، إذ جاءت في ثمانية وعشرين موضعاً، لأنَّ فيها جرساً خاصّاً وفخامةً وروعةً لا يحسُّ بها في (يا الله) الذي ورد في مورد واحد.
5 - ورود نداء الاسم الموصول أكثر من نداء اسم الإشارة، إذ جاء في أربعة وعشرين بينما اسم الإشارة جاء في موردين فقط.
6 - إنَّ أكثر أُسلوب في النداء هو المنادى المضاف، إذ ورد في مائة وخمسة مواضع.
7 - ورد حذف أداة النداء (يا) من المنادى المضاف تخفيفاً.

(٢٢٨)

8 - إنَّ أغلب مواضع النداء خرجت إلى معانٍ مجازية كالدعاء والمدح والذمّ والإنكار والتوبيخ والتعجّب.
9 - ورد المنادى المضاف إلى ياء المتكلِّم على ثلاث لغات: الأُولى: حذف الياء تخفيفاً، والثانية: إثبات الياء الساكنة وهي الأكثر وروداً إذ وردت في أربع وثلاثين موضعاً، والثالثة: قلب الياء ألفاً لأجل الخفَّة.
10 - وردت (أيّ) في النداء قليلة، إذ جاءت في خمسة موارد فقط.
11 - لم يأتِ نداء الندبة أو الاستغاثة في التوقيعات المهدوية.
أُسلوب العرض والتحضيض والتمنّي والترجّي:
1 - لم يأتِ أُسلوب العرض والتحضيض.
2 - لم يأتِ أُسلوب التمنّي.
3 - جاء أُسلوب الترجّي بمورد واحد مع الأداة (لعلَّ).
أساليب الإنشاء غير الطلبي:
أُسلوب القَسَم:
1 - لم يأتِ القَسَم بالجملة الاسمية.
2 - جاء القَسَم بالجملة الفعلية بالفعل الصريح في القسم، وغير الصريح.
3 - إنَّ المستعمل من أحرف القَسَم هو حرفا (الواو) و(الباء)، وكانت الواو أكثر استعمالاً، ولم ترد الباء إلَّا في قَسَم السؤال.
4 - هناك مواضع حُذِفَت فيها جملة القَسَم لقيام ما يدلُّ عليها.
أُسلوب المدح والذمّ:
1 - ورد المدح والذمّ بقسميه: القياسي وغير القياسي. أمَّا القياسي

(٢٢٩)

فجاء بفعل المدح (نِعْمَ)، وأمَّا غير القياسي فقد ورد بالاختصاص وبالنعت والخبر.
2 - لم يأتِ الذمّ من الإمام (عليه السلام) بالفعل (بِئْسَ).
أُسلوب التعجّب:
1 - لم يأتِ التعجّب القياسي في التوقيعات المهدوية.
2 - ورد التعجّب غير القياسي بالنداء والاستفهام.

* * *

(٢٣٠)

المصادر والمراجع

القرآن الكريم.
(أ)
1 - الإتقان في علوم القرآن: جلال الدين السيوطي (ت 911هـ)/ تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم/ المكتبة العصرية/ صيدا/ بيروت/ (2008م/ 1429هـ).
2 - إثبات الهداة: محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (ت 1104هـ)/ المطبعة العلمية/ إيران/ قم.
3 - الاحتجاج: أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي (ت 620هـ)/ تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري والشيخ محمّد هادي وبإشراف العلَّامة جعفر السبحاني/ انتشارات وطبع أُسوة/ إيران/ قم/ ط3/ 1422هـ.
4 - الإحكام في أُصول الأحكام: سيف الدين أبو الحسن الآمدي (ت 631هـ)/ مكتبة ومطبعة محمّد علي/ القاهرة/ (1387هـ/ 1968م).
5 - ارتشاف الضرب: أبو حيّان الأندلسي (ت 745هـ)/ تحقيق رجب عثمان محمّد/ مراجعة رمضان عبد التوّاب/ الناشر مكتبة الخانجي/ مط المدني/ القاهرة/ ط1/ (1418هـ/ 1998م).

(٢٣١)

6 - الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: أبو عبد الله بن محمّد بن النعمان المفيد (ت 413هـ)/ تحقيق مؤسّسة آل البيت لتحقيق التراث/ دار المفيد للطباعة والنشر/ د ط ب ت.
7 - الأساليب الإنشائية في النحو العربي: عبد السلام محمّد هارون/ دار الجيل/ بيروت/ ط2/ (1399هـ/ 1979م).
8 - أساليب التأكيد في اللغة العربية: إلياس ديب/ دار الفكر العربي/ بيروت/ لبنان/ 1993م.
9 - أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: قيس الأوسي/ بيت الحكمة/ بغداد/ 1988م.
10 - أساليب القَسَم في اللغة العربية: كاظم فتحي الراوي/ مط الجامعة/ بغداد/ ط1/ (1397هـ/ 1977م).
11 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: شيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460هـ)/ تحقيق السيّد حسن الموسوي/ دار الكتب الإسلاميّة/ طهران/ ط4/ 1390هـ.
12 - أسرار العربية: أبو البركات الأنباري (ت 577هـ)/ تحقيق فخر صالح قداره/ دار الجيل/ بيروت/ ط1/ (1415هـ/ 1995م).
13 - الأشباه والنظائر في النحو: جلال الدين السيوطي/ راجعه وقدَّم له فايز ترحيني/ دار الكتاب العربي/ بيروت/ لبنان/ ط1/ 1984م.
14 - أُصول الفقه: العلَّامة محمّد رضا المظفَّر/ انتشارات إسماعيليان/ إيران/ قم/ ط11/ 1424هـ.
15 - الأُصول في النحو: ابن السرّاج (ت 316هـ)/ تحقيق عبد

(٢٣٢)

الحسين الفتلي/ مؤسّسة الرسالة/ بيروت/ لبنان/ ط4/ (1420هـ/ 1999م).
16 - إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم: أبو عبد الله الحسين بن أحمد المعروف بابن خالويه (ت 373هـ)/ دار التربية/ بغداد/ شارع المتنبّي.
17 - إعراب القرآن: أبو جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس (ت 338هـ)/ تحقيق زهير غازي زاهد/ عالم الكتب/ بيروت/ لبنان/ ط1/ (1426هـ/ 2005م).
18 - إعراب القرآن المنسوب إلى الزجّاج: أبو إسحاق إبراهيم بن سري بن سهل النحوي (ت 311هـ)/ تحقيق إبراهيم الأبياري/ مط إسماعيليان/ قم/ إيران/ ط3/ 1416هـ.
19 - الأعلام: خير الدين الزركلي (ت 1410هـ)/ دار العلم للملايين/ بيروت/ لبنان/ ط5/ 1980م.
20 - إعلام الورى بأعلام الهدى: أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي/ تحقيق مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/ مطبعة ستارة/ إيران/ قم/ ط1/ 1417هـ.
21 - أعيان الشيعة: السيّد محسن الأمين العاملي (ت 1377هـ)/ تحقيق حسن الأمين/ دار التعارف للمطبوعات/ ط5/ (1420هـ/ 2000م).
22 - إلزام الناصب في إثبات الحجَّة الغائب: الشيخ علي اليزدي (ت 1333هـ)/ مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات/ لبنان/ بيروت/ ط5/ (1404هـ/ 1984م).

(٢٣٣)

23 - أمالي ابن الشجري: هبة اللهِ بن علي بن محمّد بن حمزة الحسني العلوي (ت 542هـ)/ تحقيق ودراسة محمود محمّد الطناحي/ الناشر مكتبة الخانجي/ القاهرة/ ط2/ (1427هـ/ 2006م).
24 - أمالي السهيلي في النحو واللغة والحديث والفقه: أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله الأندلسي (ت 581هـ)/ تحقيق محمّد إبراهيم البنّا/ مط السعادة/ القاهرة/ ط1/ 1970م.
25 - الإمام المهدي المنتظر نصب عينيك كأنَّك تراه: الدكتور محمّد حسين الصغير/ مؤسّسة البلاغة للطباعة والنشر/ لبنان/ بيروت/ ط1/ (1430هـ/ 2009م).
26 - الانتصار: الشريف المرتضى (ت 436هـ)/ تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي/ مطبعة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدَّسة/ إيران/ قم/ ذ ط 1415هـ.
27 - الإنصاف في مسائل الخلاف: أبو البركات الأنباري/ تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد/ دار إحياء التراث العربي/ د. ت.
28 - الأنوار البهيّة في تاريخ الحجَّة الإلهية: الشيخ عبّاس القمّي (ت 1359هـ)/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم/ إيران/ ط1/ 1417هـ.
29 - أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك: ابن هشام الأنصاري (ت 761هـ)/ تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد/ دار الندوة الجديدة/ بيروت/ ط6/ 1966م.
30 - الإيضاح في شرح المفصَّل: الشيخ ابن الحاجب النحوي/ تحقيق وتقديم موسى بنّاي العليلي/ إحياء التراث الإسلامي/ جمهورية العراق/ د. ط، د. ت.

(٢٣٤)

31 - الإيضاح في علوم البلاغة: الخطيب القزويني (ت 739هـ)/ شرح وتعليق محمّد عبد المنعم خفاجي/ الشركة العالمية للكتاب/ بيروت/ لبنان/ 1989م.
32 - الإيقاظ من الهجعة: الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (ت 1104هـ)/ دار الكتب العلمية/ إيران/ قم/ د. ط، د. ت.
(ب)
33 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار: محمّد باقر تقي المجلسي (ت 1111هـ)/ مؤسّسة الوفاء/ لبنان/ بيروت/ ط2/ (1403هـ/ 1983م).
34 - البحر المحيط: أبو حيّان الأندلسي/ دراسة وتحقيق وتعليق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، والشيخ علي محمّد معوّض، شارك في تحقيقه زكريا عبد المجيد النتوني، أحمد النجوني الجمل/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ لبنان/ ط1/ (1422هـ/2001م).
35 - بدائع الفوائد: محمّد بن أبي بكر أيّوب الزرعي/ تحقيق هشام عبد العزيز عطا، عادل عبد الحميد الحصروي/ مكتبة نزار مصطفى الباز/ مكّة المكرَّمة/ ط1/ (1416هـ/ 1996م).
36 - البرهان في علوم القرآن: بدر الدين محمّد بن عبد الله الزركشي (ت 749هـ)/ تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم/ المكتبة العصرية/ صيدا/ بيروت/ (1427هـ/ 2006م).
37 - البليغ في المعاني والبيان والبديع: الشيخ أحمد أمين الشيرازي/ انتشارات فروع القرآن/ إيران/ قم/ ط1/ 1422هـ.

(٢٣٥)

38 - البيان في غريب إعراب القرآن: أبو البركات ابن الأنباري/ تحقيق طه عبد الحميد طه/ مراجعة مصطفى السقّا/ د. ط، د. ت.
(ت)
39 - تاج العروس من جواهر القاموس: محبّ الدين أبو الفيض محمّد بن محمّد الواسطي الزبيدي الحنفي (ت 1205هـ)/ منشورات مكتبة الحياة/ بيروت/ لبنان/ د. ط، د. ت.
40 - تاريخ ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمّد الحضرمي المغربي (ت 808هـ)/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ لبنان/ ط4/ د ت.
41 - تاريخ الطبري: أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (ت 310هـ)/ تحقيق نخبة من العلماء الأجلَّاء/ منشورات مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات/ بيروت/ لبنان/ ط4/ (1403هـ/ 1983م).
42 - تاريخ الغيبة الصغرى: محمّد محمّد صادق الصدر (ت 1419هـ)/ مطبعة أُسوة/ ط1/ (1424هـ/ 2003م).
43 - تاريخ المدينة المنوَّرة: أبو زيد عمر بن شبة البصري النمييري (ت 262هـ)/ تحقيق فهيم محمّد شتلتوت/ دار الفكر/ إيران/ قم/ د. ط، د. ت.
44 - تبصرة الوليّ فيمن رأى القائم المهدي (عليه السلام): هاشم بن سليمان البحراني/ مؤسّسة المعارف الإلهية/ إيران/ قم/ ط1/ 1411هـ.
45 - التبيان في تفسير القرآن: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي/ تحقيق أحمد حبيب قصير العاملي/ تصحيح وتدقيق

(٢٣٦)

مركز الإمام الحسن المجتبى للتحقيق والدراسات/ مط الأميرة/ بيروت/ لبنان/ ط1/ (1431هـ/ 2010م).
46 - التذييل والتكميل في شرح التسهيل: أبو حيّان الأندلسي/ تحقيق حسن هنداوي/ دار القلم/ دمشق/ (1420هـ/ 2000م).
47 - تركيب الجملة الإنشائية في غريب الحديث: عاطف فضل/ عالم الكتب الحديث/ إربد/ الأُردن/ ط1/ (1425هـ/ 2004م).
48 - التطوّر النحوي للغة العربية: الأستاذ برجشتراسر/ أخرجه وصحَّحه وعلَّق عليه رمضان عبد التوّاب/ مكتبة الخانجي/ القاهرة/ ط3/ (1417هـ/ 1997م).
49 - التعريفات: السيّد الشريف أبو الحسن علي بن محمّد بن علي الحسيني الجرجاني الحنفي (ت 816هـ)/ تحقيق محمّد باسل عيون السود/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ لبنان/ ط2/ (1424هـ/ 2003م).
50 - تفسير السمرقندي: أبو الليث السمقرندي (ت 383هـ)/ تحقيق الدكتور محمّد المطرجي/ دار الفكر/ لبنان/ بيروت/ د. ط. د. ت.
51 - تفسير الشريف المرتضى المسمّى بـ (نفائس التأويل): جمعه لجنة من العلماء والمحقِّقين/ إشراف السيّد مجتبى أحمد الموسوي/ مؤسّسة الأعلمي/ بيروت/ لبنان/ ط1/ (1431هـ/ 2001م).
52 - التفسير الصافي: الفيض الكاشاني (ت 1091هـ)/ مؤسّسة الهادي/ إيران/ قم/ ط2/ 1416هـ.
53 - تفسير الطبري (جامع البيان في تأويل القرآن): أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ لبنان/ ط1/ (1420هـ/ 1999م).

(٢٣٧)

54 - التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب: فخر الدين محمّد بن عمر الرازي ت (606هـ)/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ لبنان/ ط2/ (2004م/ 1425هـ).
55 - تفسير الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: أبو القاسم جار الله محمود بن عمر بن محمّد الزمخشري/ وبحواشيه أربعة كتب: الأوَّل: الانتصاف للإمام أحمد بن منير الإسكندري، الثاني: الكافي الشافي في تخريج أحاديث الكشّاف للحافظ ابن حجر، الثالث: حاشية الشيخ محمّد عليان المرزوقي على تفسير الكشّاف، الرابع: مشاهد الإنصاف على شواهد الكشّاف للشيخ محمّد عليان/ رتَّبه وضبطه وصحَّحه محمَّد عبد السلام شاهين/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ لبنان/ ط4/ (1427هـ/ 2006م).
56 - تفسير نور الثقلين: عبد علي جمعة الحويزي (ت 1112هـ)/ المطبعة العلمية/ إيران/ قم/ د. ت. د. ط.
57 - تنبيه الطلبة على معاني الألفية: سعيد بن سليمان الكرَّامي السِّملالي السوسي (ت 882هـ)/ تحقيق خالد بن سعود بن فارس العُصيمي/ دار التدمرية/ الرياض/ ط1/ (1429هـ/ 2008م).
58 - تنقيح المقال في علم الرجال: عبد الله بن محمّد حسن المامقاني (ت 1351هـ)/ المطبعة المرتضوية/ النجف الأشرف/ د. ط/ 1350هـ.
59 - تنوير المقباس من تفسير ابن عبّاس(ت 68هـ): جمعه محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي صاحب القاموس المحيط (ت817هـ)/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ لبنان/ ط3/ (1429هـ/ 2008م).
60 - تهذيب الأحكام: الشيخ الطوسي (ت 460هـ)/ تحقيق السيّد حسن الموسوي/ دار الكتب الإسلاميّة/ إيران/ طهران/ ط3/ 1401هـ.

(٢٣٨)

61 - تهذيب المقال في تنقيح كتب الرجال: الشيخ أبي العبّاس أحمد بن علي النجاشي/ تحقيق محمّد علي الأبطحي/ مطبعة سيّد الشهداء/ إيران/ قم/ ط2/ 1417هـ.
62 - توجيه اللمع: أحمد بن الحسين بن الخبّاز (ت 637هـ)/ تحقيق فايز زكي محمّد دياب/ دار السلام/ القاهرة/ ط2/ (1428هـ/ 2007م).
63 - توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك: بدر الدين الحسن بن قاسم المرادي (ت 749هـ)/ تحقيق أحمد محمّد عزّوز/ المكتبة العصرية/ بيروت/ لبنان/ ط1/ (1426هـ/ 2005م).
(ج)
64 - جامع أحاديث الشيعة: السيّد حسين البروجردي (ت 1383هـ)/ إيران/ قم/ د. ط/ 1415هـ.
65 - جامع الدروس العربية: الشيخ مصطفى الغلاييني/ المكتبة العصرية/ صيدا/ بيروت/ ط12/ (1393هـ/ 1973م).
66 - جمال الأُسبوع بكمال العمل المشروع: رضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن بن محمّد بن طاووس (ت664هـ)/ مؤسّسة الآفاق/ إيران/ قم/ ط1/ 1371هـ.
67 - الجمل في النحو: الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175هـ)/ تحقيق فخر الدين قباوة/ دار الفكر/ دمشق/ ط6/ (1430هـ/ 2009م).
68 - الجملة الاسمية: علي أبو المكارم/ مؤسّسة المختار/ القاهرة/ ط1/ (1428هـ/ 2007م).

(٢٣٩)

69 - الجملة الفعلية: علي أبو المكارم/ مؤسّسة المختار/ القاهرة/ ط1/ (1428هـ/ 2007م).
70 - الجنى الداني في شرح حروف المعاني: الحسن بن قاسم المرادي/ تحقيق فخر الدين قباوة والأستاذ محمّد نديم فاضل/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ لبنان/ ط1/ (1413هـ/ 1992م).
71 - جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع: الشيخ أحمد الهاشمي/ منشورات إسماعيليان/ إيران/ قم/ ط7/ 1431هـ.
(ح)
72 - حاشية الخضري على شرح ابن عقيل: الشيخ محمّد الخضري (ت 1388هـ)/ شرحها وعلَّق عليها تركي فرحان المصطفى/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ لبنان/ ط2/ (1426هـ/ 2005م).
73 - حاشية الدسوقي على مغني اللبيب: شمس الدين محمّد عرفة الدسوقي/ تحقيق الشيخ أحمد عزو عناية/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ لبنان/ ط1/ (1430هـ/ 2009م).
74 - حاشية الصبّان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك: محمّد بن علي الصبّان (ت 1206هـ)/ تحقيق محمود بن الجميل/ مكتبة الصفا/ ط1/ (1423هـ/ 2002م).
75 - حروف المعاني: أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجّاجي/ تحقيق علي توفيق الحمد/ مؤسّسة الرسالة/ إربد/ الأُردن/ ط1/ (1404هـ/ 1984م).

(٢٤٠)

76 - الحلل في إصلاح الخلل من كتاب الجمل: أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن السيّد البطليوسي (ت 521هـ)/ تحقيق سعيد عبد الكريم سعّودي/ دار الرشيد للنشر/ وزارة الثقافة والإعلام/ جمهورية العراق/ 1980م.
(خ)
77 - الخرائح والجرائح: أبو الحسن قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي (ت 573هـ)/ تحقيق مؤسّسة الإمام المهدي (عليه السلام)/ دار الكتب الإسلاميّة/ إيران/ قم المقدَّسة/ ط1/ 1409هـ.
78 - الخصائص: أبو الفتح عثمان بن جنّي (ت 393هـ)/ تحقيق محمّد علي النجّار/ الهيئة المصرية العامّة للكتاب/ 1999م/ د.ط.
79 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف المطهّر العلَّامة الحلّي (ت 726هـ)/ تحقيق الشيخ جواد القيّومي/ مطبعة باقري/ ط2/ 1422هـ.
(د)
80 - دراسات لأُسلوب القرآن الكريم: محمّد عبد الخالق عضيمة/ دار الحديث/ القاهرة/ (1425هـ/ 2004م).
81 - دُرْجُ الدُرر في تفسير القرآن العظيم: المنسوب إلى عبد القاهر الجرجاني (ت 471هـ أو 474هـ)/ دراسة وتحقيق طَلْعَت صلاح الفرحان ومحمّد أديب شكور/ دار الفكر/ بيروت/ لبنان/ ط1/ (1430هـ/ 2009م).

(٢٤١)

82 - دعوى السفارة في الغيبة الكبرى: الشيخ محمّد السند/ تحقيق مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي/ دار النشر بقيّة العترة/ العراق/ النجف الأشرف/ ط1/ 1429هـ.
83 - دلائل الإمامة: أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (310هـ)/ تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة/ مؤسّسة البعثة/ إيران/ قم/ ط1/ 1413هـ.
(ذ)
84 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة: محمّد حسن الطهراني (أغا بزرك) (ت 1389هـ)/ مطبعة دار الأضواء/ لبنان/ بيروت/ ط2/ (1403هـ / 1983م).
85 - ذيل مرآة الزمان: الشيخ قطب الدين اليونيني (ت 726هـ)/ دائرة المعارف العثمانية/ حيدر آباد الدكن/ الهند/ د. ط/ (1380هـ/ 1960م).
(ر)
86 - رجال السيّد بحر العلوم (الفوائد الرجالية): محمّد مهدي بحر العلوم (ت 1212هـ)/ تحقيق محمّد صادق بحر العلوم وحسين بحر العلوم/ مطبعة الآداب/ النجف الأشرف/ ط1/ (1386هـ/ 1967م).
87 - رجال الطوسي: أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (460هـ)/ تحقيق القيّومي الأصفهاني/ مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين/ إيران/ قم/ ط2/ 1420هـ.

(٢٤٢)

88 - رسائل المرتضى: الشريف المرتضى (ت 436هـ)/ تحقيق السيّد أحمد الحسيني/ دار القرآن الكريم/ إيران/ قم/ د. ط/ 1405هـ.
89 - رصف المباني في شرح حروف المعاني: أحمد عبد النور المالقي (ت 703هـ)/ تحقيق أحمد محمّد الخرّاط/ دار القلم/ دمشق/ ط3/ (1423هـ/ 2002م).
90 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني: أبو الفضل شهاب الدين السيّد محمود الآلوسي البغدادي (ت 1270هـ)/ قابلها على المطبوعة المنيرية وعلَّق عليها محمّد أحمد الأمد وعمر عبد السلام السلامي/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ لبنان/ ط1/ (1420هـ/ 1999م).
(س)
91 - سبل السلام: محمّد بن إسماعيل الكحلاني (ت 1182هـ)/ مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي/ مصر/ القاهرة/ ط4/ (1379هـ/ 1960م).
92 - سنن ابن ماجة: الحافظ أبو عبد الله محمّد بن يزيد القزويني (ت 275هـ)/ تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي/ دار الفكر/ د. ت.
93 - سير أعلام النبلاء: شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748هـ)/ تحقيق شعيب الأرنؤوط وحسين الأسد/ مؤسّسة الرسالة/ لبنان/ بيروت/ ط9/ 1413هـ.
(ش)
94 - شذا العرف في فنّ الصرف: الأُستاذ أحمد الحملاوي (ت

(٢٤٣)

 1351هـ)/ مؤسّسة أنوار الهدى/ إيران/ قم/ ط2/ (1424هـ/ 2003م).
95 - شرح ابن عقيل: ابن عقيل الهمداني (ت 769هـ)/ دار الغدير/ إيران/ قم/ ط3/ 1432هـ.
96 - شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك: بدر الدين محمّد بن الإمام جمال الدين محمّد بن مالك (ت 686هـ)/ تحقيق محمّد باسل عيون السود/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ لبنان/ ط1/ (1420هـ/ 2000م).
97 - شرح إحقاق الحقّ: السيّد المرعشي/ تحقيق السيّد محمود المرعشي/ منشورات مكتبة آية الله المرعشي النجفي/ إيران/ قم/ ط1/ 1415هـ.
98 - شرح الأخبار: القاضي النعماني المغربي (ت 363هـ)/ تحقيق محمّد الحسيني الجلالي/ مطبعة مؤسّسة النشر الإسلامي/ د. ط. د. ت.
99 - شرح التسهيل (تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد): جمال الدين محمّد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني الأندلسي (ت 672هـ)/ تحقيق محمّد عبد القادر عطا وطارق فتحي السيّد/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ لبنان/ ط1/ (1422هـ/ 2001م).
100 - شرح التسهيل/ القسم النحوي: الحسن بن قاسم المرادي/ تحقيق ودراسة محمّد عبد النبيّ محمّد أحمد عبيد/ مكتبة الإيمان/ المنصورة/ مصر/ ط1/ (1427هـ/ 2006م).
101 - شرح التسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد: محبّ الدين محمّد بن يوسف بن أحمد المعروف بناظر الجيش (ت 778هـ)/ دراسة

(٢٤٤)

وتحقيق علي محمّد فاخر، وجابر محمّد البرّاجة، وإبراهيم جمعة العجمي، وجابر السيّد مبارك، وعلي السنوسي محمّد، ومحمّد راغب نزّال/ دار السلام/ القاهرة/ ط1/ (1428هـ/ 2007م).
102 - شرح التصريح على التوضيح: الشيخ خالد بن عبد الله الأزهري (ت 905هـ)/ وبهامشه حاشية الشيخ يس بن زين الدين العليمي الحمصي/ راجعه إسماعيل عبد الجواد عبد الغني/ حقَّقه وشرح شواهده أحمد السيّد سيّد أحمد/ المكتبة التوفيقية/ القاهرة/ د. ط، د. ت.
103 - شرح جمل الزجَّاجي (الشرح الكبير): ابن عصفور الإشبيلي (ت 669هـ)/ تحقيق صاحب أبو جناح/ عالم الكتب/ بيروت/ لبنان/ ط1/ (1419هـ/ 1999م).
104 - شرح الجمل في النحو: عبد القاهر الجرجاني/ تحقيق ودراسة خليل عبد القادر عيسى/ دار ابن حزم/ بيروت/ لبنان/ ط10/ (1432هـ/ 2011م).
105 - شرح الدماميني على مغني اللبيب: محمّد بن أبي بكر الدماميني (ت 828هـ)/ صحَّحه وعلَّق عليه أحمد عزو عناية/ مؤسّسة التاريخ العربي/ لبنان/ بيروت/ ط1/ (1428هـ/ 2007م).
106 - شرح الرضي على الكافية: محمّد بن الحسن الرضي الأسترآبادي (ت 686هـ)/ تصحيح وتعليق يوسف حسن عمر/ مؤسّسة الصادق/ طهران/ ط2/ 1384هـ.
107 - شرح شافية ابن حاجب المسمّى بشرح النظّام: الحسن بن محمّد النيسابوري من أعلام القرن التاسع الهجري/ إخراج وتعليق علي الشملاوي/ منشورات مكتبة الغريري/ إيران/ قم/ ط6/ 1427هـ.

(٢٤٥)

108 - شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب: محمّد بن عبد المنعم الجوجري (ت 889هـ)/ دراسة وتحقيق نوّاف بن جزاء الحارثي/ مكتبة الملك فهد/ السعودية/ ط2/ (1429هـ/ 2008م).
109 - شرح قطر الندى وبلّ الصدى: ابن هشام الأنصاري/ تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد/ ذوي القربى/ قم/ ط3/ 1426هـ.
110 - شرح قواعد الإعراب لابن هشام: محمّد بن مصطفى القوجوي (ت 950هـ)/ دراسة وتحقيق إسماعيل إسماعيل مَروة/ دار الفكر/ دمشق/ ط3/ (1429هـ/ 2008م).
111 - شرح كافية ابن الحاجب: يعقوب بن أحمد بن حاجي عوض (ت 845هـ)/ تحقيق ودراسة سعد محمّد عبد الرزّاق/ مراجعة علي المتولّي الأشرم/ مكتبة الإيمان/ مصر المنصورة/ د. ط.
112 - شرح الكافية الشافية: جمال الدين بن محمّد بن مالك بن عبد الله الطائي/ تحقيق أحمد بن يوسف القادري/ دار صادر/ بيروت/ ط1/ (1427هـ/ 2006م).
113 - شرح اللمع في النحو: أبو الحسن علي بن الحسين الباقولي الأصبهاني المعروف بجامع العلوم (ت 543هـ)/ دراسة وتحقيق محمّد خليل مراد الحربي/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ لبنان/ ط1/ (1428هـ/ 2007م).
114 - شرح المفصَّل: موفّق الدين يعيش بن علي بن يعيش (ت 643هـ)/ تحقيق أحمد السيّد سيّد أحمد/ راجعه إسماعيل عبد الجواد عبد الغني/ المكتبة التوفيقية/ القاهرة/ مصر/ د. ت.

(٢٤٦)

115 - شرح ملحَّة الإعراب: أبو محمّد القاسم بن علي بن محمّد الحريري البصري (ت 516هـ)/ تحقيق وتعليق بركات يوسف هبّود/ المكتبة العصرية/ صيدا/ بيروت/ (1426هـ/ 2005م).
116 - شرح نهج البلاغة: عزّ الدين أبو حامد المدائني ابن أبي الحديد (ت 656هـ)/ تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم/ مؤسّسة دار إحياء الكتب العربية/ عيسى البابي الحلبي وشركاؤه/ ط1/ (1378هـ/ 1959م).
117 - الشرط والاستفهام في النحو العربي: سمير شريف/ 2000م/ د. م. ط.
(ص)
118 - الصاحبي في فقه اللغة: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت 395هـ)/ تحقيق السيّد أحمد صقر/ دار إحياء التراث العربي/ القاهرة/ د. ت.
119 - الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: إسماعيل بن حماد الجوهري (ت393هـ)/ تحقيق أحمد عبد الغفور/ دار الملايين/ لبنان/ بيروت/ ط4/ 1987م.
120 - الصحيفة المهدوية: محمّد باقر مرتضى الموحّد الأبطحي الأصفهاني/ مؤسّسة الإمام المهدي (عليه السلام)/ قم المقدَّسة/ ط 1420هـ/ مطبوعة ضمن كتاب الصحيفة الرضوية الجامعة.
121 - الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم: زين الدين أبو محمّد علي بن يونس العاملي النباطي (ت 877هـ)/ المكتبة المرتضوية/ طهران.

(٢٤٧)

122 - الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البدع والزندقة: أحمد بن حجر المكّي الهيثي (ت 974هـ)/ تحقيق عبد الوهّاب عبد اللطيف/ دار الطباعة المحمّدية/ مصر/ القاهرة/ ط2/ 1385هـ.
(ط)
123 - طبقات أعلام الشيعة (القرن الرابع): محمّد محسن الطهراني (أغا بزرك) (ت 1389هـ)/ تحقيق ولده علي تقي منزوي/ دار الكتاب العربي/ لبنان/ بيروت/ ط1/ (1390هـ/1971م).
124 - الطراز المتضمّن لأسرار البلاغة: يحيى بن حمزة العلوي (ت 749هـ)/ مط المقتطف/ مصر/ 1914م.
(ع)
125 - عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح: بهاء الدين السبكي (ت 773هـ)/ تحقيق عبد الحميد هنداوي/ المكتبة العصرية/ صيدا/ بيروت/ ط1/ (1423هـ/ 2003م).
126 - علل الشرائع: الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن بابويه القمّي (ت 381هـ)/ المكتبة الحيدرية/ النجف الأشرف/ د. ط. د. ت.
127 - علل النحو: أبو الحسن محمّد بن عبد الله الورّاق (ت 381هـ)/ تحقيق محمود محمّد محمود نصّار/ دار الكتب العلمية/ لبنان/ بيروت/ ط1/ (1422هـ/ 2002م).
128 - عيون المعجزات: الشيخ حسين بن عبد الوهّاب من علماء القرن الخامس/ منشورات مكتبة الداوري/ إيران/ قم/ د. ط، د. ت.

(٢٤٨)

(غ)
129 - الغيبة: أبو جعفر الطوسي (ت 460هـ)/ تحقيق الشيخ عبد الله الطهراني والشيخ علي أحمد ناصح/ مؤسّسة المعارف الإسلاميّة/ إيران/ قم/ ط1/ 1411هـ.
130 - الغيبة: أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم الكاتب النعماني (ت 360هـ)/ تحقيق فارس حسّون كريم/ مط النهضة/ إيران/ قم/ ط1/ 1426هـ.
131 - الغيبة الصغرى والسفراء الأربعة: الشيخ فاضل المالكي/ مركز الأبحاث العقائدية/ إيران/ قم/ ط1/ 1420هـ.
(ف)
132 - فائق المقال في الحديث والرجال: مهذَّب الدين أحمد بن عبد الرضا البصري (1085هـ)/ تحقيق غلام حسين قيصيرية/ مطبعة ستاره/ إيران/ قم/ ط1/ 1422هـ.
133 - فرج المهموم في تأريخ علماء النجوم: أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني (ت 664هـ)/ منشورات الرضي/ قم.
134 - الفروق في اللغة: أبو هلال العسكري (ت 400هـ)/ دار الآفاق الجديدة/ بيروت/ ط1/ (1393هـ/ 1973م).
135 - الفصول المختارة: الشريف المرتضى (ت 433هـ)/ تحقيق السيّد نور الدين جعفر جعفريات الأصفهاني والشيخ يعقوب الجعفري/ دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع/ لبنان/ بيروت/ ط2/ (1414هـ/ 1993م).

(٢٤٩)

136 - الفصول المهمّة في أُصول الأئمّة: محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (ت 1104هـ)/ تحقيق محمّد بن محمّد حسين القائيني/ مطبعة نگين/ مؤسّسة المعارف الإسلامي/ إيران/ قم/ ط 1/ 1418هـ.
137 - فلاح السائل ونجاح المسائل في عمل اليوم والليلة: السيّد ابن طاووس أبو القاسم على بن موسى بن جعفر/ مركز انتشارات وتبليغات إسلامي/ إيران/ قم/ ط1/ 1419هـ.
138 - في النحو العربي (قواعد وتطبيق) على المنهج العلمي الحديث: الدكتور مهدي المخزومي/ مطبعة البابي/ مصر/ ط1/ 1966م.
139 - في النحو العربي (نقد وتوجيه): مهدي المخزومي/ المكتبة العصرية/ صيدا/ بيروت/ 1964م.
(ق)
140 - القاموس المحيط: مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت 817هـ)/ تحقيق السيّد مرتضى وغيره/ دار العلم للجميع/ لبنان/ بيروت/ د. ط، د. ت.
141 - القَسَم في اللغة وفي القرآن: محمّد المختار السلامي/ دار الغرب الإسلامي/ بيروت/ ط1/ 1999م.
(ك)
142 - الكافي: أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني (ت 329هـ)/ تحقيق علي أكبر الغفاري/ دار الكتب الإسلاميّة/ مرتضى آخوندي/ مطبعة حيدري/ إيران/ طهران/ ط3/ 1388هـ.

(٢٥٠)

143 - الكافي في علوم البلاغة العربية: الدكتور عيسى علي عاكوب وعلي سعد الشتوي/ منشورات الجامعة المفتوحة/ د. ط/ 1993م.
144 - الكتاب: سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر (ت 180هـ)/ تحقيق وشرح عبد السلام محمّد هارون/ مكتبة الخانجي/ القاهرة/ ط3/ (1408هـ/ 1988م).
145 - كتاب سليم بن قيس الهلالي: سليم بن قيس الكوفي الهلالي العامري (ت 90هـ)/ تحقيق محمّد باقر الأنصاري/ دار الفنون/ بيروت.
146 - كتاب العين: الخليل بن أحمد الفراهيدي/ تحقيق مهدي المخزومي، وإبراهيم السامرائي/ تصحيح الأُستاذ أسعد الطيّب/ مط أُسوة/ طهران/ ط2/ 1425هـ.
147 - كتاب الفتوح: أحمد بن أعثم الكوفي (ت 314هـ)/ تحقيق علي شيري/ دار الأضواء للطباعة والنشر/ لبنان/ بيروت/ ط1/ 1411هـ.
148 - كشّاف اصطلاحات الفنون: الشيخ محمّد بن علي التهانوي الحنفي (ت 1158هـ)/ وضع حواشيه أحمد حسن بسج/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ ط1/ 1998م.
149 - كشف المشكل في النحو: علي بن سليمان الحيدرة اليمني (ت 599هـ)/ تحقيق هادي عطيّة مطر الهلالي/ دار عمّار/ عمّان/ ط1/ (1423هـ/ 2002م).
150 - كشف المشكلات وإيضاح المعضلات: جامع العلوم أبو

(٢٥١)

الحسن علي بن الحسين الأصفهاني الباقولي/ تحقيق محمّد أحمد الدالي/ مط الصباح/ دمشق/ ط1/ (1415هـ/ 1995م).
151 - الكلّيات (معجم في المصطلحات والفروق اللغوية): أبو البقاء أيّوب بن موسى الكفوي (ت 1094هـ)/ ترتيب عدنان درويش، ومحمّد المصري/ مؤسّسة الرسالة/ بيروت/ ط4/ (1403هـ/ 1998م).
152 - كمال الدين وتمام النعمة: أبو جعفر محمّد بن علي بن موسى الصدوق (ت 381هـ)/ تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ إيران/ قم/ د. ط/ 1405هـ.
153 - الكنى والألقاب: الشيخ عبّاس القمّي (ت 1359هـ)/ مطبعة العرفان/ لبنان/ صيدا/ د. ط/ 1385هـ.
154 - كنز العمّال في سنن الأفعال والأقوال: علاء الدين علي المتَّقي بن حسام الدين الهندي (ت 975هـ)/ ضبطه بكري حيّاني، وصفوت السقّا/ مؤسّسة الرسالة/ بيروت/ ط5/ 1985م.
(ل)
155 - اللامات: أبو القاسم الزجّاجي/ تحقيق مازن المبارك/ دار صادر/ بيروت/ ط2/ (1412هـ/ 1992م).
156 - اللباب في علل البناء والإعراب: أبو البقاء العكبري/ تحقيق محمّد عثمان/ مكتبة الثقافة الدينية/ القاهرة/ ط1/ (1430هـ/ 2009م).
157 - لسان العرب: أبو الفضل جمال الدين ابن منظور (ت 711هـ)/ دار إحياء التراث العربي/ نشر أدب الحوزة/ د. ط/ 1405هـ.

(٢٥٢)

158 - لسان الميزان: العسقلاني (ت 852هـ)/ مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية/ حيدر آباد الدكن/ الهند/ ط1/ 1330هـ.
159 - اللمع في العربية: أبو الفتح عثمان بن جنّي/ تحقيق حامد المؤمن/ عالم الكتب/ بيروت/ ط2/ (1405هـ/ 1985م).
(م)
160 - مجاز القرآن: عمر بن المثنّى التيمي/ تحقيق محمّد فؤاد/ بيروت/ لبنان/ ط2/ 1981م.
161 - مجالس ثعلب: أبو العبّاس أحمد بن يحيى ثعلب (ت 291هـ)/ شرح وتحقيق عبد السلام محمّد هارون/ دار المعارف/ القاهرة/ ط6/ 2006م.
162 - مجمع الرجال: زكي الدين عناية علي القهبائي (ت 1126هـ)/ تحقيق السيّد ضياء الدين الشهير بالعلَّامة الأصفهاني/ طبع أصفهان/ 1384هـ.
163 - المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها: ابن جنّي/ تحقيق علي النجدي ناصيف، وعبد الحليم النجّار، وعبد الفتّاح شلبي/ المجلس الأعلى للشؤون الإسلاميّة/ لجنة إحياء التراث الإسلامي/ القاهرة/ (1389هـ/ 1969م).
164 - المحصول في شرح الفصول (شرح فصول ابنِ معطٍ في النحو): ابن إياز البغدادي (ت 681هـ)/ تحقيق شريف عبد الكريم النجّار/ دار عمّار/ عمّان/ ط1/ (1431هـ/ 2010م).
165 - مختصر المعاني: سعد الدين التفتازاني/ منشورات دار الفكر/ إيران/ قم/ ط1/ 1411هـ.

(٢٥٣)

166 - مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة اللغة والنحو: مهدي المخزومي/ مط مصطفى البابي الحلبي/ مصر/ ط2/ 1958م.
167 - المرتجل: ابن الخشّاب (ت 567هـ)/ تحقيق علي حيدر/ دمشق/ 1972م.
168 - مراقد المعارف: الشيخ محمّد حرز الدين/ تحقيق محمّد حسين حرز الدين/ مطبعة الآداب/ النجف الأشرف/ ط1/ (1389هـ/ 1969م).
169 - المسائل الحلبيات: أبو علي الفارسي/ تقديم وتحقيق حسن هنداوي/ دار القلم/ دمشق/ سورية/ ط1/ (1407هـ/ 1987م).
170 - المسائل الشيرازيات: أبو علي الفارسي/ تحقيق حسن هنداوي/ كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع/ الرياض/ ط1/ (1424هـ/ 2004م).
171 - المسائل العشر في الغيبة: أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد (ت 413هـ)/ تحقيق فارس تبرزيان الحسّون/ مركز الإيمان العقائدية/ د. ط. د. ت.
172 - المسائل المنثورة: أبو علي الفارسي/ تحقيق وتعليق شريف عبد الكريم النجّار/ دار عمّار/ الأُردن/ عمّان/ ط1/ (1424هـ/ 2004م).
173 - المستجاد من كتاب الإرشاد: العلَّامة الحسن بن المطهّر الحلّي (ت 726هـ)/ منشورات مكتبة آية الله المرعشي النجفي/ قم/ إيران.
174 - المستدرك على الصحيحين في الحديث: الحاكم النيسابوري (ت 405هـ)/ تحقيق يوسف عبد الرحمن المرعشي/ دار الفكر/ لبنان/ بيروت.
175 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: الميرزا محمّد حسين

(٢٥٤)

الطبرسي النوري (ت 1320هـ)/ تحقيق مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.
176 - المصباح: تقي الدين إبراهيم بن علي بن الحسين بن محمّد العاملي الكفعمي (ت900هـ)/ منشورات مؤسّسة الأعلمي/ بيروت/ ط1/ 1414هـ.
177 - مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد: أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460هـ)/ مؤسّسة فقه الشيعة/ لبنان/ بيروت/ ط1/ 1411هـ.
178 - مصطفى المقال في مصنّفي علم الرجال: محمّد حسن الطهراني (أغا بزرك) (ت 1389هـ)/ تحقيق أحمد منزوي/ طبع إيران/ ط1/ (1387هـ/ 1959م).
179 - المطوَّل (شرح تلخيص المفتاح): سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني (ت 792هـ)/ ومعه حاشية السيّد الشريف الجرجاني (ت 816هـ)/ صحَّحه وعلَّق عليه أحمد عزو عناية/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ لبنان/ ط1/ د.ت.
180 - معادن الحكمة في مكاتيب الأئمّة: علم الهدى محمّد بن المحسن بن المرتضى الكاشاني (ت 1115هـ)/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ إيران/ قم/ 1407هـ.
181 - معالم المدرستين: السيّد المرتضى العسكري/ مؤسّسة النعمان للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت/ لبنان/ د. ط/ (1410هـ/ 1990م).
182 - معاني الأخبار: أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن

(٢٥٥)

بابويه القمّي المعروف بالصدوق/ تحقيق علي أكبر الغفاري/ مؤسّسة الأعلمي/ بيروت/ لبنان/ ط1/ (1410هـ/ 1990م).
183 - معاني الحروف: أبو الحسن علي بن عيسى الرمّاني (ت 384 هـ)/ تحقيق عبد الفتّاح إسماعيل شبلي/ دار مكتبة الهلال/ لبنان/ بيروت/ 2008م.
184 - معاني القرآن: أبو زكريا يحيى بن زياد الفرّاء (ت 207هـ)/ تحقيق أحمد يوسف نجاتي، ومحمّد علي النجّار/ دار السرور/ د. ت.
185 - معاني القرآن: سعيد بن مسعدة الأخفش (ت 215هـ)/ تحقيق عبد الأمير محمّد أمين الورد/ دار الفكر/ دمشق/ 1980م.
186 - معاني القرآن وإعرابه: أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجّاج (ت 311هـ)/ تحقيق عبد الجليل عبده شلبي/ خرَّج أحاديثه الأُستاذ علي جمال الدين محمّد/ دار الحديث/ القاهرة/ (1426هـ/ 2005م).
187 - معاني النحو: الدكتور فاضل صالح السامرائي/ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع/ عمان/ الأُردن/ ط1/ (1420هـ/ 2000م).
188 - معترك الأقران في إعجاز القرآن: جلال الدين السيوطي/ ضبطه وصحَّحه وكتب فهارسه أحمد شمس الدين/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ لبنان/ ط1/(1408هـ/ 1988م).
189 - معجم أحاديث الإمام المهدي: الهيئة العلمية في مؤسّسة المعارف العلمية/ الشيخ علي الكوراني/ مؤسّسة المعارف الإسلاميّة/ إيران/ قم/ ط2/ 1428هـ.

(٢٥٦)

190 - معجم ألفاظ الفقه الجعفري: الدكتور أحمد فتح الله/ طبع بمطابع المدخول/ الدوام/ ط1/ (1415هـ/ 1995م).
191 - معجم الفروق اللغوية (الحاوي لكتاب أبي هلال العسكري وجزءاً من كتاب السيّد نور الدين الجزائري): تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي/ إيران/ قم/ ط3/ 1426هـ.
192 - معجم مقاييس اللغة: أبو الحسين أحمد بن فارس زكريا/ تحقيق عبد السلام محمّد هارون/ مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي/ إيران/ قم/ 1404هـ.
193 - مغني اللبيب عن كتب الأعاريب: ابن هشام الأنصاري/ تحقيق مازن المبارك، ومحمّد علي حمد الله/ راجعه سعيد الأفغاني/ مؤسّسة الصادق/ طهران/ ط1/ 1378هـ.
194 - مفاتيح الجنان: الشيخ عبّاس القمّي/ الأميره للطباعة والنشر والتوزيع/ لبنان/ بيروت/ ط2/ (1432هـ/ 2011م).
195 - مفاهيم القرآن: الفقيه المحقّق الشيخ جعفر السجاني/ مؤسّسة الإمام الصادق/ إيران/ قم/ ط2/ 1426هـ.
196 - مفتاح العلوم: يوسف بن محمّد بن علي السكّاكي (ت 626هـ)/ تحقيق عبد الحميد هنداوي/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ لبنان/ ط1/ (1420هـ/ 2000م).
197 - المفصَّل في علم العربية: أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري/ دراسة وتحقيق فخر صالح قدارة/ دار عمّار/ ط1/ (1425هـ/ 2004م).
198 - المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية: أبو إسحاق

(٢٥٧)

إبراهيم بن موسى الشاطبي (ت 790هـ)/ تحقيق مجموعة من الأساتيذ/ مكتبة الملك فهد/ مكّة المكرَّمة/ ط1/ (1428هـ/ 2007م).
199 - المقتصد في شرح الإيضاح: عبد القاهر الجرجاني/ تحقيق كاظم بحر المرجان/ دار الرشيد للنشر/ جمهورية العراق/ 1982م.
200 - المقتضب: أبو العبّاس محمّد بن يزيد المبرّد/ تحقيق محمّد عبد الخالق عضيمة/ عالم الكتب/ بيروت/ لبنان/ (1431هـ/ 2010م).
201 - المقرَّب: علي بن مؤمن المعروف بابن عصفور/ تحقيق أحمد عبد الستّار الجواري، وعبد الله الجبوري/ مط العاني/ بغداد/ د. ت.
202 - مكاتيب الرسول: الشيخ علي الأحمدي الميانجي/ دار الحديث/ ط1/ (1419هـ/ 1998م).
203 - منتجب الأثر في الإمام الثاني عشر: لطف الله الصافي/ مكتبة الصدر/ طهران.
204 - منتجب الأنوار المضيئة في ذكر القائم الحجَّة (عليه السلام): السيّد بهاء الدين علي عبد الكريم بن عبد الحميد النيلي النجفي/ مؤسّسة الإمام الهادي (عليه السلام)/ إيران/ قم/ ط1/ 1420هـ.
205 - المنطق: الشيخ محمّد رضا المظفَّر/ مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين/ إيران/ قم/ د. ط، د. ت.
206 - من لا يحضره الفقيه: الشيخ الصدوق محمّد بن علي القمّي (ت 381هـ)/ منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية/ إيران/ قم.

(٢٥٨)

207 - منهاج الصالحين (العبادات): السيّد علي السيستاني/ دار المؤرّخ العربي/ بيروت/ لبنان/ ط4/ (1425هـ/ 2004م).
208 - منهاج الصالحين (المعاملات): السيّد أبو القاسم الخوئي/ مؤسّسة إحياء آثار الإمام الخوئي/ العراق/ النجف الأشرف/ ط32/ (1424هـ/ 2004م).
209 - المنهاج في شرح جمل الزجّاجي: يحيى بن حمزة العلوي/ دراسة وتحقيق هادي عبد الله ناجي/ إشراف حاتم صالح الضامن/ مكتبة الرشيد/ الرياض/ ط1/ (1430هـ/ 2009م).
210 - مهج الدعوات ومنهج العبادات: رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسيني (ت 664هـ)/ مؤسّسة الأعلمي/ بيروت/ ط1/ 1414هـ.
211 - الميزان في تفسير القرآن: العلَّامة السيّد محمّد حسين الطباطبائي/ صحَّحه الشيخ حسين الأعلمي/ منشورات مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات/ بيروت/ لبنان/ ط1/ (1417هـ/ 1997م).
(ن)
212 - النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجَّة الغائب: الميرزا محمّد حسين الطبرسي النوري/ تحقيق السيّد ياسين الموسوي/ مطبعة مهر/ إيران/ قم المقدَّسة/ ط1/ 1415هـ.
213 - نحو المعاني: أحمد عبد الستار الجواري/ مطبعة المجمع العلمي العراقي/ 1987م.
214 - النحو الوافي: عبّاس حسن/ مكتبة المحمّدي/ بيروت/ لبنان/ ط1/ (1428هـ/ 2007م).

(٢٥٩)

215 - نفحات القرآن: آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي/ انتشارات مدرسة الإمام علي/ إيران/ قم/ ط1/ 1426هـ.
216 - نهاية الأفكار: آقا ضياء الدين العراقي/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ إيران/ قم/ د. ط/ 1405هـ.
217 - نهج البلاغة: (وهو مجموع ما اختاره الشريف أبو الحسن محمّد الرضي بن الحسن الموسوي من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام))/ ضبط نصَّه وابتكر فهارسه العلمية صبحي الصالح/ مط الوفا/ قم/ ط3/ 1429هـ.
(هـ)
218 - هداية الأُمَّة إلى أحكام الأئمّة (عليهم السلام): العلَّامة محمّد بن الحسن الحرّ العاملي ( ت 1104هـ)/ مجمع البحوث الإسلاميّة/ إيران/ مشهد/ ط1/ 1412هـ.
219 - الهداية الكبرى: أبو عبد الله حمدان الخصيبي (ت 334هـ)/ مؤسّسة البلاغ للطباعة والنشر/ بيروت/ لبنان/ ط 1426هـ.
220 - همع الهوامع في شرح جمع الجوامع: جلال الدين السيوطي/ تحقيق أحمد شمس الدين/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ لبنان/ ط2/ (1427هـ/ 2006م).
(و)
221 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (ت 1104هـ)/ دار إحياء التراث العربي/ د. ط.

(٢٦٠)

222 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: شمس الدين أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن أبي بكر (ابن خلّكان) (ت 681هـ)/ تحقيق إحسان عبّاس/ دار الثقافة/ لبنان/ بيروت/ د. ط، د. ت.
(ي)
223 - ينابيع المودَّة لذوي القربى: سليمان بن إبراهيم الحنفي القندوري (ت 1294هـ)/ تحقيق سيّد علي جمال أشرف الحسيني/ مطبعة دار الأُسوة/ ط1/ 1416هـ.
(الدوريات)
224 - التوقيعات التدريسية: ناجي معروف/ مجلَّة كلّية الآداب/ تصدّرها كلّية الآداب في جامعة بغداد/ العدد السادس/ مطبعة العاني/ بغداد/ العراق/ 1963م.
(الرسائل الجامعية)
225 - أساليب الإنشاء في كلام السيّدة الزهراء (عليها السلام) (ت 11هـ) دراسة نحوية بلاغية: عامر سعيد نجم عبد الله الدليمي/ كلّية التربية (صفي الدين الحلّي)/ جامعة بابل/ (1432هـ/ 2011م).
226 - أساليب الطلب في نهج البلاغة: عدويّة عبد الجبّار كريم الشرع/ كلّية التربية/ جامعة بابل/ (1421هـ/ 2000م).
227 - النوّاب الأربعة ومرويّاتهم الفقهية: ندى سهيل عبد محمّد/ كلّية الفقه/ جامعة الكوفة/ (1428هـ/ 2007م).

* * *

(٢٦١)