عمر الإمام المهدي (عليه السلام)

عمر الإمام المهدي (عليه السلام)

السيّد علي السبزواري
تقديم وتحقيق: مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عليه السلام)
الطبعة الثالثة: 1433هـ
رقم الإصدار: 132

فهرست الموضوعات

الندوة الأولى: مناشئ الشبهة ونظرية الشيعة في الإمام (عليه السلام)..................3
المقدّمة..................3
مرجع الشبهات..................4
أساس النزاع..................5
منزلة الإمام..................6
الأدلَّة..................6

الوجه الأوّل: القرآن الكريم..................6
شروط الشخصية القائدة..................9
الوجه الثاني: السُنّة الشريفة..................9
حاكمية العقل..................12
الإجابة على أسئلة الندوة الأولى..................14
الندوة الثانية: الإجابة على شبهة طول العمر..................21
تذكير..................21
أجوبة الشبهات..................21

الوجه الأوّل: الإمكان..................21
الإمكان العامّ..................22
الإمكان الخاصّ..................22
جهات الإمكان..................22

الجهة الأولى: قدرة الخالق..................22
الجهة الثانية: المقتضي..................22
أوّلاً: العقل..................23
ثانياً: العلوم والتجارب..................24
ثالثاً: الشرع..................24
الجهة الثالثة: المانع..................24
أوّلاً: الموانع الشرعية..................24

القرآن..................24
السُنّة..................25
ثانياً: الموانع الطبيعية..................27
الوجه الثاني: الولادة..................28
الوجه الثالث: طول العمر..................29
الإجابة على أسئلة الندوة الثانية..................32
الأسئلة..................32
ملحق: لقاء أجرته مجلَّة الانتظار الفصلية..................49
مصادر التحقيق..................60

الندوة الأولى: مناشئ الشبهة ونظرية الشيعة في الإمام (عليه السلام)

المقدّمة:
إنَّ المعروف أنَّ أيّ موضوع عظُم قدره ازداد الكلام حوله, وكثر البحث عن جهاته, وبَعُدَ الوصول إلى حقيقته, والإمام الهمام المهدي الموعود روحي وأرواح العالمين فداه من تلك الموضوعات العظيمة التي عظم شأنها, فلا يمكن الوصول إلى مراتب عظمته وشؤونه, ويستحيل الوصول إلى حقيقته, كما يدلُّ عليه قول نبيّنا الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في وصيّه علي (عليه السلام): «يا علي لم يعرفك أحد إلّا الله وأنا»(1).
ولأجل ذلك كثر الجاهلون به وازداد جهلهم, واختلف الجاهل به عن غيره في الإصرار على الجهل وعناده واستكباره على الحقّ مهما وضحت معالمه, فنراه يثير الشبهات ويزيد في الإشكالات ويكثر من الأسئلة, مع أنَّ موضوع الإمام الموعود والمنتظر المخلّص ليس من مختصّات دين الإسلام, فكلّ الأديان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «يا علي ما عرف الله إلّا أنا وأنت، وما عرفني إلّا الله وأنت، وما عرفك إلّا الله وأنا». (مختصر بصائر الدرجات: 125).

(٣)

السماوية تنادي بالمخلّص الموعود, بل هو قديم يناغي الأرواح, فإنَّه الأمل المنشود للإنسانية المعذَّبة.
فلا بدَّ من البحث حوله بشفّافية خاصّة.
مرجع الشبهات:
في هذه الندوة الموجزة يكون البحث من ناحية عمره الشريف، حيث أنكر طول عمره جمع كبير من المؤمنين بالله تعالى والمقرّين بالوحدانية, وذكروا فيه الشبهات التي يمكن إرجاعها إلى أمور:
الأوّل: أنَّ طول عمر فرد بهذا العمر المديد محال عادةً مطلقاً، أو في أمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالخصوص.
الثاني: أنَّه يخالف الحديث المروي عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي يدلُّ على التحديد، وسيأتي نقله.
الثالث: أنَّه يلزم منه النقض على الشيعة الذين يعتقدون إمامته وطول عمره (عليه السلام), فإنَّه يستلزم منه إمَّا ترك الواجب على الله (عزَّ وجلَّ) في عدم إظهاره وعدم تحبيبه إلى قلوب الناس, أو النقض عليهم بالإغراء بالقبيح من الله تعالى, بتقديم من لا يليق بالملك والسلطة على اللائق بها مع خفائه, ويلزم أيضاً تكليف ما لا يطاق, لأنَّ الله تعالى أمره بالاختفاء وأمر الناس بالأخذ منه, كما أنَّه يلزم منه العبث وهو قبيح منفي عن الباري عند الشيعة.
الرابع: أنَّه لم تثبت ولادته (عليه السلام) حتَّى نسلّم طول عمره.

(٤)

وقد نشأ من بعض هذه الشبهات إشكالات أخرى ربَّما نشير إليها في طيّ البحث.
أساس النزاع:
قبل الخوض في الجواب لا بدَّ من بيان أمر عظيم, من الأهمّية بمكان, وبمعرفته تنحلُّ جميع الشبهات.
فإنَّ أساس النزاع بين الشيعة الإمامية وبين غيرهم إنَّما هو عدم تبيّن مفهوم الإمامة عند الخصم, وعدم وضوح منزلة الإمام ودوره في نظامي التكوين والتشريع, فلو عرفوا ما يعتقده الإمامية من الشيعة في الإمام الذي يترأس الأمّة لإرساء دعائم العدل وهداية الأفراد إلى الصراط المستقيم, الذي أمر الله تعالى بسلوكه, ولا ريب أنَّ مثل ذلك يحتاج إلى فرد له القدرة على التصرّف في نظامي التكوين والتشريع حتَّى يتمكَّن من إيصال الأمّة إلى الهدف المنشود, ليستتبّ العدل الإلهي بين الأفراد, وبدونه لا يكون إلّا ضياعاً مهما بلغ القائد من الكمال.
فإذا أمكننا تصوير ما تعتقده الإمامية في الإمام, وأمكن إقناع الخصم به فلا نزاع, فالجميع يتمنّى ظهوره كما يتمنّى أن يكون من الأسباب في قربه (عليه السلام), وإلّا فيكون النزاع في دوّامة لا يعرف مداها إلّا الله تعالى, ولا يجني منه الفرد المسلم إلّا الشرّ والتخلّف.
فلا بدَّ من وضع الحلول والوقوف عند الحقّ.

(٥)

منزلة الإمام:
واعتقاد الإمامية ينبع من مصادر متينة كالفطرة والعقل والنقل, وهم يقولون: إنَّ الإمام الذي لا بدَّ أن يترأس الأمّة له السلطة التامّة عليهم في جميع ما يرتبط بسعادة الأفراد في الدارين, ويقيم الاجتماع الإنساني على قواعد العدل والإنصاف, ويشيع بين الأفراد المحبَّة والوئام, وينظّم جميع العلاقات على الوجه الأحسن.
ولا يمكن أن تخلو الأرض منه, لأنَّه بدونه يفسد النظام الكوني, والبحث في ذلك طويل.
وما نذكره في المقام إنَّما هو على سبيل الإيجاز بما يقتضي ارتباطه بالموضوع الذي نحن في صدد البحث عنه.
الأدلَّة:
إنَّ الأدلَّة على ثبوت هذه المنزلة العظيمة للإمام ووجوده في كلّ عصر وزمان منذ أن أنزل الله تعالى خليفته على الأرض, فبدأ نزول الإنسان مع الخليفة, وسينتهي وضعه على الأرض بخليفة إلهي, كثيرة ومن وجوه مختلفة:
الوجه الأوّل: القرآن الكريم:
من الكتاب العزيز آيات متعدّدة:
منها: قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ

(٦)

الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ (القدر: 1 - 5).
فإنَّه يدلُّ بوضوح على ارتباط الإمام بليلة القدر, فما دامت الأخيرة في الوجود فلا بدَّ أن يكون الإمام موجوداً.
وأمَّا وجه الارتباط بينهما فإنَّما يظهر في إنزال الملائكة من كلّ أمر يرجع إلى شؤون العباد في ذلك العام, ولا بدَّ أن يكون في الأرض من يتلقّى هذا الفيض الربوبي، بعد عدم صلاحية كلّ فرد أن يتلقّاه بسبب النقص الموجود فيه من جهة أو من جهات.
فالملائكة الموكّلة بذلك إنَّما تنزل على شخص واحد جامع لجميع ما يرتبط بهذا الشأن من الشروط, وهو ينحصر في الإمام, وقد يتَّحد مع النبيّ المرسل فيكون فرداً واحداً هو نبيّ وإمام في آنٍ واحد, كما في إبراهيم الخليل (عليه السلام) وسائر أولي العزم, وأمَّا بعد ارتحال نبيّنا الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وانقطاع النبوّة بعده فلا يكون الإمام نبيّاً, كما في عصرنا الحاضر.
ومنها: قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾ (الرعد: 17).
فإنَّه يرشد إلى أنَّ الأرض لا تخلو من وجود ما ينفع الناس مادّياً ومعنوياً بحسب إطلاقه, وإلّا غلب عليها الفساد.
ومن أظهر مصاديق ما ينفع الناس الإمام الذي يترأس الأمّة ليهديهم إلى الصلاح ويرشدهم إلى السعادة, فلا بدَّ أن يكون موجوداً في جميع الأعصار, ويجب أن يمكث في الأرض ولا تخلو منه.

(٧)

ومنها: قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ﴾ (إبراهيم: 24).
فإنَّ المستفاد منه أنَّ الكلمة الطيّبة كتلك الشجرة التي لها أصل في الأرض وفرع في السماء, ينتفع بها الأرض والسماء كلتاهما, وتصل ثمرتها إليهما معاً, وأنَّها سبب في اجتثاث الكلمة الخبيثة, وأنَّ هذه الكلمة الطيّبة تتمثَّل في الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) على مرّ العصور والدهور.
فلا بدَّ أن تكون هذه الكلمة باقية, لئلاَّ تختلّ وظيفتها في اجتثاث الكلمة الخبيثة.
فترشد الآية الكريمة إلى أمرين:
أحدهما: وجود الكلمة الطيّبة دائماً.
والثاني: أنَّ ثمرتها تعمُّ النظام الكوني من الأرض والسماء, وهما من مقوّمات عقيدة الشيعة في الإمام (عليه السلام).
ومنها: قوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ﴾ (القصص: 5).
فإنَّه يدلُّ على أنَّ المستضعفين الذين قاسوا أشدّ المحن في سبيل الله تعالى وإقامة دينه ونشر أحكامه, هم الذين يمنحهم الله (عزَّ وجلَّ) تلك المنحة الربّانية, فيجعلهم أئمّة ويجعلهم الوارثين.
فهم الذين يقودون الأمّة ليرشدوهم إلى الصراط المستقيم, الذي أمر الله تعالى عباده بسلوكه.
فلا بدَّ من تواجدهم دائماً, لئلاَّ يخل فقدهم بالمطلوب,

(٨)

ليرث كلّ إمام لاحق ما كان عند الإمام السابق, إلى آخر إمام عند قيام الساعة، فلو كانت فاصلة بين المورّث والوارث لا يتلقّى التركة منه مباشرة لم ينطبق عليه هذا العنوان الخاصّ.
هذا موجز ما يمكن أن يستفاد من الآيات الكريمة التي ذكرناها في المقام، وإن كان الأمر لا يخلو من نقض وإبرام, ويحتاج إلى تفصيل من الكلام.
شروط الشخصية القائدة:
والحاصل منها أنَّ الإمام لا بدَّ أن يكون:
أوّلاً: شخصاً له من الصفات الحسنة الكمالية بحيث يكون مؤهّلاً لتلقّي الفيض من الله تعالى في ليلة القدر.
وثانياً: قائداً للأمّة إلى سعادتها التي أعدَّها الله تعالى لها، بحيث ينتفع من فيوضاته جميع أفراد الأمّة.
وثالثاً: مؤثّراً في النظام الكوني, لكون أصله في الأرض وفرعه في السماء.
ورابعاً: أنَّه لا بدَّ أن يكون موجوداً في جميع أدوار الزمان, فلا تخلو الأرض منه, فهو آخر الأفراد من البشر, ليكون الوارث الذي يرث الأرض.
وخامساً: عالماً بجميع ما يرتبط بشؤون الأمّة التي يقودها.
الوجه الثاني: السُنّة الشريفة:
من السُنّة الشريفة، جملة وافرة من الأخبار:

(٩)

منها: حديث الثقلين المتواتر عند الفريقين عن نبيّنا الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(2).
وهو يدلُّ على قيام الكتاب إلى يوم القيامة وقرينه الذي لن يفترق عنه, فأحدهما كتاب الله التدويني الصامت، والآخر كتاب الله الناطق, وهما متطابقان في أنَّ عندهما ما يفي بحاجات الأمّة.
ومنها: ما ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) في بيان منزلة الإمام، وهو من الأحاديث المهمّة التي تشرح ما يرتبط بهذه المنحة الإلهية والموهبة الربّانية, وتبيّن وظائف الإمام وعظيم تأثيره في النظام الكوني والتشريعي.
فقد رواه ثقة الإسلام الكليني (قدّس سرّه) عن عبد العزيز بن مسلم، عن مولانا الرضا (عليه السلام) - والحديث طويل نذكر ما يرتبط بالمقام -، قال (عليه السلام): «هل يعرفون قدر الإمامة ومحلّها من الأمّة فيجوز فيها اختيارهم؟
إنَّ الإمامة أجلُّ قدراً, وأعظم شأناً, وأعلى مكاناً, وأمنع جانباً, وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم, أو ينالوها بآرائهم, أو يقيموا إماماً باختيارهم، إنَّ الإمامة [منزلة] خصَّ الله (عزَّ وجلَّ) بها إبراهيم الخليل (عليه السلام) بعد النبوّة, والخلَّة مرتبة ثالثة وفضيلة شرَّفه الله بها وأشاد بها ذكره, فقال (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً﴾, فقال الخليل (عليه السلام) سروراً بها: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾، قال الله تبارك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) رواه الخاصّة والعامّة بألفاظ مختلفة والمعنى واحد، راجع: بصائر الدرجات: 432 - 434/ باب 17/ ح 1 - 6؛ أمالي الصدوق: 500/ ح (686/15)؛ تحف العقول: 426؛ مسند أحمد 3: 14؛ سنن الدارمي 2: 432؛ فضائل الصحابة للنسائي: 15؛ مستدرك الحاكم 3: 109؛ المعجم الكبير للطبراني 5: 154؛ وغيرها من المصادر.

(١٠)

وتعالى: ﴿لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 124]، فأبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة, وصارت في الصفوة, ثمّ أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذرّيته أهل الصفوة والطهارة...».
ثمّ قال (عليه السلام):
«إنَّ الإمامة هي منزلة الأنبياء, وإرث الأوصياء، إنَّ الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)...، إنَّ الإمامة زمام الدين, ونظام المسلمين, وصلاح الدنيا, وعزّ المؤمنين، إنَّ الإمامة أسّ الإسلام النامي, وفرعه السامي...، الإمام يحلُّ حلال الله , ويحرّم حرام الله, ويقيم حدود الله, ويذبُّ عن دين الله...، الإمام كالشمس الطالعة المجلّلة بنورها للعالم, وهي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار، الإمام البدر المنير, والسراج الزاهر, والنور الساطع, والنجم الهادي في غياهب الدجى وأجواز البلدان والقفار ولجج البحار، الإمام الماء العذب على الظماء, و[النور] الدالّ على الهدى, والمنجي من الردى، الإمام النار على اليفاع، الحارّ لمن اصطلى به, والدليل في المهالك, من فارقه فهالك، الإمام السحاب الماطر, والغيث الهاطل, والشمس المضيئة, والسماء الظليلة, والأرض البسيطة, والعين الغزيرة, والغدير والروضة...، الإمام أمين الله في خلقه, وحجَّته على عباده, وخليفته في بلاده, والداعي إلى الله, والذابّ عن حُرَم الله، الإمام المطهّر من الذنوب, والمبرّأ عن العيوب، المخصوص بالعلم, الموسوم بالحلم...، الإمام واحد دهره, لا يدانيه أحد, ولا يعادله عالم, ولا يوجد منه بدل, ولا له مثل ولا نظير, مخصوص

(١١)

بالفضل كلّه, من غير طلب منه له ولا اكتساب, بل اختصاص من المفضّل الوهّاب...» إلى آخر الحديث(3).
فإذا كانت حقيقة الإمامة عند الشيعة الإمامية كذلك, والإمام له من الصفات الواقعية والكمالية ما يجعله فرداً لا نظير له من التأثير في النظام الكوني, لأنَّه قوام الحياة في دار الدنيا وسرّها المكتوم، فلا بدَّ للخصم - بحكم عقله - إذا ألقى العناد واللجاج أن يذعن بلزوم وجوده وترؤّسه لقيادة الأمّة, ووجوب تبعيَّة الناس له, وإلّا كان مكابراً منكراً لحقيقة ناصعة.
فلا يمكن الاستغناء عن هذا الإمام, الذي عظم شأنه بحكم العقل, فلا بدَّ له أن يحكم بوجوده وعدم خلوّ الأرض منه.
ويجب على الخصم أن يذعن بطول عمره, لأنَّه من اللوازم غير المنفكّة عنه, وهو ممَّا يحكم به العقل أيضاً.
حاكمية العقل:
تبيَّن أنَّ النزاع بين الشيعة الإمامية والخصم إنَّما يكون صغروياً, فإنَّ الجميع يعترف باحتياج الأمّة إلى إمام يترأسها لهداية الناس وإرشادهم إلى سبيل الصلاح, وجلب السعادة لأفرادها، إلّا أنَّ الفريق الخصم لا يرى في الإمام المنصوب ما تشترطه الشيعة الإمامية في إمامهم.
فلو كان الحكم هو العقل بين الطرفين, لكان يحكم بأنَّ ما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(3) الكافي 1: 199 - 201/ باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته/ ح 1.

(١٢)

تذهب إليه الشيعة الإمامية هو الأجدر بالقبول, لأنَّ نظريات وأطروحات الخصم في أمر الإمامة باءت كلّها بالفشل, ولم تجلب السعادة للأمّة في أرض الواقع, ولم يبقَ إلّا ممارسة نظرية الإمامية وتطبيقها على الواقع الخارجي.
وحينئذٍ ما ذكره الخصم من الشبهات في أمر الإمام المهدي الموعود (عليه السلام) يظهر زيفها وبطلانها, بل لا بدَّ لهم من الإقرار بوهنها أمام هذا الصرح العظيم الذي تبيَّنت جملة من مظاهر حقيقته ممَّا عرفت.
إلّا أنَّ ظلمة العناد واللجاج تدلي ستارها على نور العقل، فتسلب مشاعر الإنسان وشعوره, فلا يقول إلّا شططاً.
فإذا أراد الخصم تكرار الشبهات, لاسيّما ما يتعلَّق بطول عمر المهدي الموعود (عليه السلام) ممَّا ذكرناها في ابتداء الكلام, فيمكن الجواب عنها بوجوه, نذكرها إن شاء الله تعالى في الندوة الآتية.

* * *

(١٣)

الإجابة على أسئلة الندوة الأولى:
الأسئلة:
السؤال الأوّل: إذا كانت القوانين التكوينية تجري على الإمام الحجّة (عليه السلام), فلا بدَّ من كونه الآن شيخاً كبيراً، وهذا يتنافى مع ما ورد من أنَّه يخرج شاباً؟
الجواب: سأذكر إن شاء الله في الليلة القادمة ما يرتبط بهذه الجهة, إذ أنَّ عمر الإمام الحجّة (عليه السلام) لطف إلهي به صلوات الله وسلامه عليه, حيث إنَّ مسألة شبابه لطف منه (عزَّ وجلَّ).
السؤال الثاني: هناك من يقول بأنَّ ظهور الإمام الحجّة (عليه السلام) قريب, فهل يعتبر هذا توقيتاً وهو المنهي عنه؟
الجواب: إذا كان القرب يرجع إلى تحديد زمان معيَّن فهو من التوقيت، أمَّا إذا كان القرب بالمعنى الأعمّ الذي نتمنّاه إن شاء الله فهو ليس باطلاً.
السؤال الثالث: كيف يمكن التوفيق بين الرواية القائلة بأنَّ من ادّعى أنَّه رأى الإمام (عليه السلام) كذّاب والرواية الأخرى القائلة بأنَّ صاحب النفس الزكية يدَّعي أنَّه من قبل الإمام الحجّة (عليه السلام)؟
الجواب: أوّلاً: لم يظهر صاحب النفس الزكية حتَّى نسأله

(١٤)

أنَّه مأمور من قبل الإمام (عليه السلام) أو لا, ولكن لو أنَّه ظهر وظهرت عليه علامات الصدق نقبله إن شاء الله.
السؤال الرابع: بعد وفاة الإمام (عليه السلام) من هو المغسّل والمصلّي عليه, علماً قد جرت السيرة على هذه القاعدة, فهل هي ثابتة أم لا؟
الجواب: القاعدة هي أنَّه على ما تدلُّ عليه الروايات المتعدّدة أنَّ الإمام (عليه السلام) لا يغسّله ولا يكفّنه إلّا إمام مثله أو معصوم مثله(4), فلا بدَّ أن نقول بالرجعة، وهذه من معتقدات الشيعة، فإنَّ أهل البيت (عليهم السلام) سيرجعون إلى هذه الدنيا قبيل ارتحال الإمام المهدي (عليه السلام)(5).
السؤال الخامس: هل الإمام (عليه السلام) يظهر بالمعجزة بحيث يتمكَّن من معرفة الأمور؟
الجواب: نعم إنَّ الإمام (عليه السلام) له من القرائن الدالّة وقد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(4) راجع: الكافي 1: 384 و385/ باب أنَّ الإمام لا يغسّله إلّا إمام.../ ح 1 - 3.
(5) إنَّ أوَّل من يرجع هو الإمام الحسين (عليه السلام)، وهو الذي يغسّل الإمام المهدي (عليه السلام)، فقد ورد عن أحمد به عقبة، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، سُئل عن الرجعة أحقّ هي؟ قال: «نعم»، فقيل له: من أوّل من يخرج؟ قال: «الحسين (عليه السلام)، يخرج على أثر القائم (عليه السلام)...». (مختصر البصائر: 181/ ح 39).
وورد عن عبد الله بن القاسم البطل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: «... فإذا استقرَّت المعرفة في قلوب المؤمنين أنَّه الحسين (عليه السلام) جاء الحجّة الموت فيكون الذي يغسّله ويكفّنه ويحنّطه ويلحّده في حفرته الحسين بن علي (عليه السلام)». (الكافي 8 : 206/ ح 250).

(١٥)

تسمّى بالمعجزة, فالمعجزة إنَّما تكون في موارد خاصّة، لكن له من الأمور التي تدلُّ على صدق دعواه والروايات في ذلك كثيرة, راجعوا غيبة النعماني يذكر منها الصيحة(6).
السؤال السادس: هل يحصل البداء في الإمام (عليه السلام)؟
الجواب: البداء يحصل في بعض الأمور، ولكن بعض الأمور سلمت عن البداء, وذكر ذلك في بعض الروايات, منها الإمامة فإنَّ أصل الإمامة لا بداء فيها أبداً، ظهور الإمام (عليه السلام) ممكن أن يتحقَّق فيه البداء، وقد وردت روايات متعدّدة في أنَّه كاد الإمام (عليه السلام) أن يظهر, ولكن حصل البداء في ظهوره(7)، أمَّا في الإمامة فلا بداء, وهذا من الأمور المسلَّمة.
السؤال السابع: وهل يحصل البداء في العلامات الكبرى مثل الصيحة؟
الجواب: نعم هذا ممكن.
السؤال الثامن: مذكور في الروايات خروج (16) ألف فقيه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(6) عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: «للقائم خمس علامات: ظهور السفياني، واليماني، والصيحة من السماء، وقتل النفس الزكيّة، والخسف بالبيداء». (الغيبة للنعماني: 261/ باب 14/ ح 9).
(7) عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «... يا ثابت، إنَّ الله تعالى كان وقَّت هذا الأمر في السبعين، فلمَّا قُتل الحسين (عليه السلام) اشتدَّ غضب الله على أهل الأرض، فأخَّره إلى أربعين ومائة سنة، فحدَّثناكم فأذعتم الحديث، وكشفتم قناع السرّ، فأخَّره الله ولم يجعل له بعد ذلك عندنا وقتاً...». (الغيبة للطوسي: 428/ ح 417).

(١٦)

على الإمام (عليه السلام), يقولون له: يا ابن فاطمة (عليها السلام) لا حاجة لنا بك(8), ما هو سبب هذا التصرّف والعداء؟
الجواب: لبعدهم وانخراطهم بالمادّيات, ولبعدهم عن روح الشريعة, نحن نرى أنَّ كلّ عالم إذا انخرط في المادّيات استأنس بها وبعد عن المعنويات والروحانيات, والإمام من جملة المعنويات والروحانيات, هذا شيء طبيعي قبل ظهوره وحتَّى في زماننا هذا.
السؤال التاسع: إذا كانت النبوّة والإمامة قد اجتمعت في الأنبياء (عليهم السلام) ذوي العزم, فما هو دور أوصيائهم؟ وهل أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) أوصياء أم هم جزء من النبوّة؟
الجواب: أمَّا بالنسبة لأوصياء الأنبياء (عليهم السلام) فقد يكون أحدهم إماماً أيضاً إذا كان له دور في تكميل التشريع الذي أرسل به نبيّه، أمَّا إذا لم يكن كذلك فهو مجرَّد شارح للتشريع الذي أنزله الله تعالى على النبيّ من أولي العزم, فتكون منزلته منزلة العلماء عندنا في عصر الغيبة الكبرى، وأمَّا أئمّتنا سلام الله عليهم فهم الأوصياء وهم الأئمّة أيضاً.
السؤال العاشر: إذا كانت الإمامة اختيار إلهي, فكيف يمكن للمجتمع أن يحدّد ظلم أو عدم ظلم الإمام (عليه السلام) لأنَّ هذا سوف يكون مسلوباً منهم؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(8) هؤلاء الفقهاء ليسوا من الشيعة بل هم من البترية، وهم فرقة من الزيدية دعوا إلى ولاية علي (عليه السلام) وخلطوها بولاية أبي بكر وعمر وأثبتوا لهما الإمامة، راجع: دلائل الإمامة: 456/ ح (435/39).

(١٧)

الجواب: أمَّا الظلم فهذا أمر وجداني, وهذا يعني أنَّه لمَّا يكون الله تبارك وتعالى قد جعل حقّاً معيَّناً للإمام المعصوم (عليه السلام) فإنَّ صرف الإمام المعصوم عن ذلك الحقّ هو ظلم عليه, فالظلم هو أمر وجداني محسوس في الخارج, يعني لمَّا يأتي الظالم ويقتل الإمام (عليه السلام) ويفعل كذا وكذا بالنسبة للإمام من الإهانة، هذا أمر وجداني يحكم به كلّ عاقل.
السؤال الحادي عشر: ما قولكم بمن يدَّعي بأنَّه نائب الإمام الخاصّ أو أنَّه يتكلَّم باسم الناحية المقدَّسة؟
الجواب: هذا هو الأمر الذي ورد «فكذّبوه»(9) مهما بلغ من العلم, فقد أمرنا بتكذيب هؤلاء، ليس عندنا في عصر الغيبة الكبرى من ادّعى الاتّصال به مباشرةً، وإنَّما أنتم تسمعون أنَّ شخصاً ما وصل بخدمة الإمام (عليه السلام) وليس هو الذي بيَّن ذلك، إنَّما كان أمراً عند خواصّ أصحابه معلوماً ثمّ بعد ذلك - أي بعد مماته - نقل ذلك الشيء.
السؤال الثاني عشر: هل أنَّ علامات الظهور يتحكَّم بها البداء, بحيث أنَّ بعض العلامات قابلة للتقديم والتأخير أو الحذف نهائياً؟
الجواب: إنَّها - أي العلامات - ليست من العلل التامّة بحيث لا يمكن التخلّف بينها وبين المعلول, بل هي من المقتضيات, ويمكن للمقتضي أن لا يؤثّر لوجود بعض الموانع, أو أنَّ الإمام (عليه السلام) يظهر من دون أن يتحقَّق هذا المقتضي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(9) إشارة إلى توقيع الإمام المهدي (عليه السلام) للسفير الرابع: «... ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر». (أنظر: كمال الدين: 516/ باب45/ ح 44).

(١٨)

السؤال الثالث عشر: ما هو الواجب الشرعي والأخلاقي للمكلَّف في عصر الغيبة للإمام المعصوم، وكيف ينصر الإمام (عليه السلام)؟
الجواب: أمَّا بالنسبة للمكلَّف فيجب عليه اتّباع شريعة جدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والامتثال للتكاليف وطلب القرب وتعجيل أمره.
السؤال الرابع عشر: ما هي الآلية للمسيرة العامّة للناس لإدراك فيض بركة الإمام الحجّة (عليه السلام)؟
الجواب: إنَّما هو امتثال أوامره والانتظار لوجوده ولمقدمه الشريف (عليه السلام), فإذا قدم الإمام (عليه السلام) وظهر ورأى أصحابه ممتثلين لأحكام الشريعة فإنَّه يفرح لذلك جدّاً، كما أنَّه قد ورد في الروايات المتعدّدة أنَّ من المؤمنين من يطيع الله تعالى فتطرح الأعمال عليه (عليه السلام) فيفرح, فإذا عصوا لا يسرّه ذلك(10).
السؤال الخامس عشر: كيف يتدخَّل الإمام (عليه السلام) في الحفاظ على خطّ أهل البيت (عليهم السلام) الصحيح؟
الجواب: هذا مذكور حتَّى في الأصول, إمَّا مباشرةً يدخل ونحن لا نعلم شخصه صلوات الله وسلامه عليه، أو يلقي إلى أحد العلماء ما هو الحقّ فيدحض أو يدفع الباطل الموجود.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(10) راجع: بصائر الدرجات: 444 - 446/ باب الأعمال تعرض على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمّة صلوات الله عليهم/ ح 1 - 17.

(١٩)

الندوة الثانية: الإجابة على شبهة طول العمر

تذكير:
مرَّ سابقاً أنَّ من جملة الأسئلة والإشكالات المطروحة في القضيّة المهدوية موضوع طول عمره الشريف، الذي أنكره جمع كثير من أبناء العامّة وإن أثبته آخرون.
وأنَّ أساس تلك الشبهات يرجع إلى أمور أربعة ذكرناها في الندوة الأولى فراجع.
أجوبة الشبهات:
ويمكن الجواب عنها بوجوه:
الوجه الأوّل: الإمكان:
إنَّ طول عمر فرد من أفراد الإنسان تارةً يبحث عنه من حيث الإمكان العامّ - وهو الذي يقع في مقابل الواجب والممتنع -، وأخرى من حيث الإمكان الخاصّ - وهو الذي يكون بالنسبة لموضوع خاصّ، كعمر إنسان معيَّن -، فإنَّ غير الممتنعات إنَّما يقع البحث عن إمكانها بأحد هذين الوجهين على سبيل منع الخلو.

(٢٠)

الإمكان العامّ:
أمَّا البحث عن الإمكان العامّ في طول الأعمار فلم ينكره أحد، إذ لم يقل فرد بأنَّه من الممتنعات الذاتية - كاجتماع النقيضين واجتماع الضدّين -، وبذلك يعترف الخصم أيضاً، فلا جدوى في البحث عن هذه الجهة.
الإمكان الخاصّ:
أمَّا الإمكان الخاصّ، فتارةً نبحث فيه من حيث قدرة الخالق البارئ العظيم جلَّ وعلا، وأخرى من حيث استعداد المخلوق وقابليته لإطالة العمر - أي وجود المقتضي لطول العمر -، وثالثة من حيث وجود المانع بعد التسليم بتمامية المقتضي، فإذا بحثنا عن هذه الجهات وتمَّ الكلام فيها فلا بدَّ للخصم من الاعتراف.
جهات الإمكان:
ويمكن بحث هذه الجهات كما يلي:
الجهة الأولى: قدرة الخالق:
لا ريب أنَّ البحث فيها من المسلمين، بل المعترفين بالخالق من جميع الملّيين غير صحيح، لأنَّ إنكاره يستلزم نسبة العجز إليه سبحانه وتعالى، وبطلانه عند الجميع من الواضحات.
أمَّا المنكرين للخالق من الدهريين والمادّيين وغيرهم، فلنا معهم كلام آخر ليس المقام موضع ذكره.
الجهة الثانية: المقتضي:

(٢١)

والصحيح أنَّ كلّ إنسان بحسب استعداده له القابلية للبقاء وطول العمر، وذلك لأنَّ الذي يحكم بهذا الأمر إمَّا العقل، أو العلوم والتجارب وأهل الخبرة، أو الشرع.
أوّلاً: العقل:
إنَّ العقل إمَّا أن يحكم في هذا الموضوع الذي نبحث فيه بالتحديد وأنَّ أعمار الإنسان مؤقَّتة ومحدودة بوقت خاصّ، أو يحكم بالإطلاق فيه، أو يتوقَّف ولا يحكم بأحد الأمرين.
وفي الأوّل لا بدَّ من التوقّف عند ذلك الحدّ والقيد، فإذا تعدّى فرد من أفراد الإنسان ذلك العمر المحدود إنَّما يكون من خرق العادة، وحينئذٍ لا تكون قاعدة مطَّردة باعتراف الجميع.
وفي الثاني لا قيد ولا تحديد في الأعمار وإن كان خلاف الطبع، وهو يحتاج إلى برهان.
وفي الثالث يتوقَّف العقل في الحكم لا سلباً ولا إيجابياً.
ولا ريب أنَّ حكم العقل بأحد الأمرين إنَّما يكون من جهة إدراك الحسن والقبح ونحو ذلك ممَّا له دخل في هذا الموضوع، أو يرجع إلى الحجّة والبرهان ممَّا يقع تحت دائرة الحسن من التجربة والاختبار ونحوهما. ومسألة عمر الإنسان من الأخير دون الأوّل، والظاهر أنَّه لم يختلف فيه اثنان، فإنَّ موضوع البحث من الأمور العادية التي يدركها الإنسان من تلك النواحي التي ذكرناها آنفاً.
ومن المعروف أنَّ أدلّ دليل على إمكان الشيء وقوعه في الخارج، وقد تحقَّق العمر الطويل في بعض أفراد الإنسان، وأخبر

(٢٢)

بذلك الكتاب العزيز كما في نوح (عليه السلام) وغيره، وأثبته التأريخ المعتبر بما لا يصحُّ إنكاره أبداً.
ثانياً: العلوم والتجارب:
إنَّ التجارب الحديثة والعلوم الحياتية أقرَّت بأنَّ الإنسان لو خلّي وطبعه له قابلية البقاء وطول العمر إلى ما يشاء الله تعالى.
وقد ألَّف العلماء في هذا الأمر كتباً ورسائل، ونشروا بحوثهم في المجلاّت العلمية المعتبرة، شأنه شأن غيره من الموضوعات التي كشفتها العلوم الحديثة وأقرَّ بها الجميع.
ثالثاً: الشرع:
وسيأتي بيانه في موضوع (المانع).
إذن، قد ثبت أنَّ الإنسان له اقتضاء البقاء في الحياة وطول العمر ما لم يكن هناك مانع يرفع أو يمنع من تأثيره كما هو ثابت في علمي المنطق والفلسفة، فلا بدَّ من البحث في المانع.
الجهة الثالثة: المانع:
إنَّ ما يمكن تصويره في المانع إمَّا أمور طبيعية خارجية، أو أمر إلهي تكويني دلَّ الدليل عليه من الشرع، فيستفاد منه أنَّ عمر الإنسان محدود بفترة زمنية معيَّنة لا يتجاوزها، وذلك لإرادة إلهية قاهرة تقهر العباد على الموت. وهذا ما يدَّعيه بعضهم حيث تمسَّك ببعض الأخبار.
أوّلاً: الموانع الشرعية:
القرآن:
إنَّ من أمعن النظر في آيات الكتاب العزيز يرى خلاف

(٢٣)

ذلك، فإنَّها بيَّنت كثيراً من شؤون الإنسان، كخلقه وأدوار تكوينه وعمره في دار الدنيا وغير ذلك، ولكنَّها لم تتطرَّق إلى مسألة تحديد العمر أبداً، لا من قريب ولا من بعيد.
فمثلاً إنَّ قوله تعالى: ﴿وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ (النحل: 70).
يبيّن الخلق وعمر الإنسان ووفاته، ولكنَّه لم يشر إلى المدَّة التي يعيش فيها، بل الإشارة إلى طول عمره حتَّى يصل إلى مرحلة متأخّرة تؤثّر في بعض أحاسيسه وعلومه.
وكذا غيره ممَّا ورد في حياة الإنسان في هذه الدار الفانية، فلم يرد فيها ما يرشد إليه، ولو على سبيل الإشارة والإيماء.
ولم يقدر الخصم أن يتمسَّك بالكتاب العزيز لإثبات مطلوبه، إلّا إذا كان على سبيل التفسير بالرأي، الذي هو مرفوض عند الجميع.
السُنّة:
وأمَّا الاستدلال بالأخبار، فإنَّ أقصى ما أمكن للخصم الاستدلال به الحديث المروي عن نبيّنا الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال في آخر عمره: «أرأيتم ليلتكم هذه فإنَّه على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممَّن هو اليوم عليها أحد»(11).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(11) مسند أحمد 2: 88 و131؛ صحيح البخاري 1: 141؛ صحيح مسلم 7: 187؛ قال السيوطي في الديباج على مسلم (ج 5/ ص 483): (المراد أنَّ كلّ نفس كانت تلك الليلة على الأرض لا تعيش بعدها أكثر من مائة سنة سواء قلَّ عمرها أم لا، وليس فيه نفي عيش أحد يوجد بعد تلك الليلة فوق مائة سنة).
وقال النووي في شرح مسلم (ج 16/ ص 90): (وقد احتجَّ بهذه الأحاديث من شذَّ من المحدّثين فقال الخضر (عليه السلام) ميّت، والجمهور على حياته).

(٢٤)

أو الحديث الآخر المروي عنه: «أعمار أمّتي ما بين الستّين إلى السبعين»(12).
ولكن الكلام في إخباره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في مثل تلك الروايات هل هو إخبار عن إرادة تكوينية إلهية تعلَّقت بالتحديد؟ أم إرادة تشريعية؟
لا ريب في انتفاء الثاني، ولا سبيل إليه بوجه من الوجوه المعروفة، ولم يختلف اثنان في أنَّ الأعمار من الأمور التكوينية التي ترجع إلى إرادة الباري تبارك وتعالى.
فإن كان إخباره صلوات الله عليه عن أمر طبيعي، وقد عرفت آنفاً عدم التحديد، إلّا أن يكون المراد من إخباره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لبيان كثرة الموانع، فيكون من قبيل الإخبار بالملزوم وإرادة اللازم، فهو (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يخبر عن أمر طبيعي في أنَّ الأعمار - لاسيّما في أمّته - في تناقص لأسباب عديدة منها كثرة الحروب، وزيادة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(12) سنن ابن ماجة 2: 1415/ ح 4236؛ سنن الترمذي 5: 213/ ح 3620؛ مستدرك الحاكم 2: 427؛ سنن البيهقي 3: 370. قال المباركفوري في تحفة الأحوذي (ج 9/ ص 376 و377) عند شرح الحديث: (أي نهاية أكثر أعمار أمّتي غالباً ما بينهما وأقلّهم من يجوز ذلك أي يتجاوز السبعين فيصل إلى المائة فما فوقها، قال القاري: وأكثر ما اطَّلعنا على طول العمر في هذه الأمّة من المعمّرين في الصحابة والأئمّة سن أنس بن مالك فإنَّه مات وله من العمر مائة وثلاث سنين، وأسماء بنت أبي بكر ماتت ولها مائة سنة ولم يقع لها سنّ ولم ينكر في عقلها شيء، وأزيد منهما عمر حسّان بن ثابت مات وله مائة وعشرون سنة عاش منها ستّين في الجاهلية وستّين في الإسلام، وأكثر منه عمراً سلمان الفارسي فقيل: عاش مائتين وخمسين سنة، وقيل: ثلاثمائة وخمسين سنة).

(٢٥)

الهموم والغموم، ومنها الاعتماد على المادّيات والإعراض عن المعنويات وغير ذلك.
وهذا صحيح، ويعدُّ من معجزاته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حيث أخبر عن أمر غيبي، وذلك لما منحه الله (عزَّ وجلَّ) من العناية واللطف، أو استفاد ذلك بذهنه الثاقب من القرآن الكريم الذي فيه تفصيل كلّ شيء.
ولكن ذلك لا يتنافى مع كون بعض أفراد أمّته ممَّن لا تعتريهم تلك الموانع، فتطول أعمارهم، كما هو المنقول والمشاهد والمحسوس، أو تكون هناك جهوداً جبّارة من العلماء لإزالة تلك الموانع وتشخيص أمور ترجع إلى إطالة عمر الإنسان.
فيكون شأن هذه الأخبار شأن تلك التي وردت في بيان خواصّ الأعشاب والأدوية، فإنَّه لا تعبّد فيها بوجه.
هذا مع قطع النظر عن أسانيد مثل تلك الأخبار، فراجع.
هذا كلّه بحسب ما يمكن استفادته من الموانع الشرعية التي أخبر بها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ثانياً: الموانع الطبيعية:
أمَّا الموانع الطبيعية، فلا يمكن لأحد إنكارها، وهي كثيرة وأسبابها متعدّدة، وتختلف بحسب الأعصار والأمصار بحيث لا يمكن حصرها تحت ضابطة عامّة أو قاعدة كلّية، وكلَّما مرَّ زمان ظهر مانع جديد.
إلّا أنَّها مع كثرتها وتعدّدها قد تصدّى لها العلماء والباحثون لكشف أسبابها وعلاجها أو القضاء عليها، كما لا يخفى على المتتبّع الخبير.

(٢٦)

فإذا أمكن السيطرة عليها فلا ريب في أنَّ في حالة إزالة المانع يؤثّر المقتضي أثره، وقد عرفت أنَّه يفيد الدوام والاستمرار.
بل يمكن أن يتصدّى الشخص نفسه لإزالة الموانع التي تخصّه، إمَّا بفضل علمه وجهوده العلمية، كما نراه عند بعض الأفراد لاسيّما الأطبّاء والمهتمّين بصحَّتهم، أو بفضل ما يمنحه الله تعالى من الإلهام، كما بالنسبة إلى الأولياء الصالحين، فتطول أعمارهم.
فليكن الإمام المهدي صلوات الله عليه من كلتا الطائفتين أو من أحدهما، ولا مانع يُتصوَّر في ذلك، كيف وهو سليل خليل الرحمن (عليه السلام) الذي حكى عنه الله (عزَّ وجلَّ) قوله: ﴿وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ (الشعراء: 80).
والحاصل أنَّه لا استحالة في طول العمر مطلقاً، ولاسيّما في خصوص الإمام (عليه السلام) الذي هو من أولياء الله تعالى الذي يرعاه بلطفه وعنايته الخاصّة.
هذا كلّه بالنسبة إلى الشبهة الأولى من الشبهات الأربع التي تقدَّم ذكرها في الندوة الأولى.
الوجه الثاني: الولادة:
إنَّهم قالوا: لم تثبت ولادته حتَّى نسلّم طول عمره.
ولكن الجواب عن ذلك ظاهر، فإنَّه لم يختلف (عليه السلام) عن سائر الناس في هذا الأمر، فإنَّه كما ثبتت ولادة سائر الأفراد بالأمور المعروفة في الشرع الحنيف من البيّنة والشياع والإقرار، كذلك الأمر بالنسبة إليه (عليه السلام)، فهل اختصَّ بأمر خاصّ لم يوجد عند غيره من هذه الجهة؟!

(٢٧)

وهل كنّا نطالبهم بإثبات ولادة المعروفين من الصحابة حتَّى يطالبونا بإثبات ولادته (عليه السلام)؟
مع أنَّ الإثباتات التي تدلُّ على ولادته (عليه السلام) مثل غيرها في سائر الأفراد، إن لم تكن أتمّ وأكمل، وقد اجتمعت في إثبات ولادته (عليه السلام) جميع الأدلَّة التي ذكرها الفقهاء في كتبهم الفقهية من البيّنة والشياع والإقرار، بحيث لا يبقى مجال للشكّ.
اللّهمّ إلّا أن يُتمسَّك بأحاديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تدلُّ على عدم ولادته، وهي على فرض صحَّتها معارضة بجملة من الأحاديث التي هي أكثر عدداً وأصحُّ سنداً تدلُّ على اسمه الشريف ونسبه المنيف(13)، فهو محمّد بن الحسن العسكري المنتهي نسبه إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقد ولد أبوه واستشهد، وأقرَّ بولادة ابنه محمّد المهدي (عليه السلام)(14).
ولا يسع الخصم إنكار تلك الأحاديث، أو يتمسَّك بالعناد واللجاج، وهذا يوقفنا عن المحاجّة معه، فإنَّه قد نهينا عن الجدال والخصام.
الوجه الثالث: طول العمر:
إنَّهم قالوا: إنَّ الاعتقاد بطول عمر الإمام (عليه السلام) مع كونه مستتراً وغائباً يستلزم إشكالات متعدّدة، وقد ذكرنا جملة منها في ابتداء الكلام.
ويمكن الجواب عنها ابتداءً بالنقض عليها بحياة الرسل مع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(13) راجع: بحار الأنوار 51: 65/ باب ما ورد من إخبار الله والنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالقائم (عليه السلام) من طرق الخاصّة والعامّة.
(14) راجع: كمال الدين: 408 و409/ ح 7 - 9.

(٢٨)

أممهم, فإنَّ كثيراً منهم غابوا عن أممهم، كما بالنسبة إلى يونس (عليه السلام) حيث حكى سبحانه وتعالى عنه: ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ (الصافّات: 139 - 144).
فغاب عن قومه مدَّة ثمّ رجع إليهم، فما يجاب به هنا نقول به أيضاً في غيبة الإمام، وهذا المثال يلقى في النقض عليهم.
مع أنَّ الأمثلة كثيرة، ومنها غياب خاتم الأنبياء والمرسلين (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في شعب أبي طالب مدَّة ثلاث سنين(15)، ولا يضرُّ قصر المدَّة وكثرتها بالمقصود.
وأمَّا الجواب الحلّي، فإنَّ الواجب على الله تعالى إرسال الرسل وإنزال الكتب. وقد حصل من جانبه سبحانه، ولكن الذي يأتي من ناحية البشر في دفع ذلك فهم مسؤولون عن أفعالهم وليس على الله شيء.
فإنَّ سبب غيبة الإمام هو ظلم الظالمين، وأفعال المستكبرين المعاندين، وغصب حقوق الأنبياء والأوصياء وإزاحتهم عن المراتب التي رتَّبها الله تعالى لهم إنَّما هو من عمل الإنسان الظالم.
فقد تحقَّق الواجب من قِبَل الله (عزَّ وجلَّ) ولكن المانع حاصل من قبل الناس.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(15) راجع: سنن البيهقي 6: 366؛ طبقات ابن سعد 1: 209؛ وغيرها من المصادر.

(٢٩)

ولا يستلزم منه تكليف ما لا يطاق بعد أمر الله تعالى لهم بالرجوع إليهم، فقال: ﴿فَسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ (النحل: 43)، وإعراض الناس عنهم.
كما لا يستلزم العبث أيضاً كما هو واضح.
هذا ما أردنا ذكره بإيجاز(16).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(16) مضافاً إلى عدم انحصار فائدة الإمام (عليه السلام) بتعليم الشرع والحكم بين الناس حتَّى يقال بالعبثية وخلف الغرض في حال استتاره، فإنَّ لموقع الإمامة بحسب النظرية الشيعية منزلة خاصّة تتَّسع للتحكّم في عالم التكوين والتشريع كما ذكر في الندوة الأولى.

(٣٠)

الإجابة على أسئلة الندوة الثانية

الأسئلة:
السؤال الأوّل: يقول السائل: قلتم سماحتكم في بداية البحث: إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) أمره (عليه السلام) بالاختفاء، فكيف يكون ذلك الأمر؟ على أنَّنا نعتقد أنَّه لا وساطة بين السماء والأرض سوى جبرائيل (عليه السلام) بوجود الخاتم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعليه فكيف يكون أمره تعالى إلى مولانا صاحب الزمان بالاختفاء؟ وكيف بعد ذلك أمره (عزَّ وجلَّ) إلى مولانا صاحب الزمان بالفرج والظهور؟
الجواب: أمَّا بالنسبة لأمره بالاختفاء فإمَّا يكون بالإلهام في قلبه الشريف، أو يكون ما كتبه الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أو أملى به على أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان عندهم الجفر والجامعة، حيث إنَّ جميع الأمور الغيبية المستقبلية مكتوبة في هذين الكتابين، فهو يعلم بذلك من هذه الأمور.
السؤال الثاني: هل يوجد في الإنجيل ذكر أو إشارة للإمام المهدي (عليه السلام)؟
الجواب: أمَّا الإنجيل الموجود عندنا ففيه بعض الجمل والكلمات يمكن حملها على إرادة مهدي آخر الزمان، وأمَّا الإنجيل الذي هو عند

(٣١)

الإمام (عليه السلام) نعم فيه إشارات وتلميحات، بل في بعض آياته تصريح بذلك، وقد كتبوا في هذا الأمر كتباً ورسائل، حيث أثبتوا بشارة الإنجيل لنبيّنا الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعترته الطاهرة (عليهم السلام) والأئمّة المعصومين.
السؤال الثالث: ما مقدار صحَّة إطلاق لفظ الكذّاب على جعفر عمّ الإمام الحجّة؟
الجواب: أمَّا نسبة الكذب فهذا أمر يختصُّ بالإمام نفسه، إذ أنَّ الإمام زين العابدين (عليه السلام) هو أخبر بذلك، ونحن نتحفَّظ عن إطلاق هذه الأسماء أو الأوصاف على مثل أولاد الأئمّة تأدّباً، نعم هو وارد في الروايات، وقد أخبر الإمام السجّاد (عليه السلام)، كما ذكرت لكم بأنَّه سيظهر من ولدي رجل كذّاب يدَّعي الإمامة وهو ليس كذلك(17)، ولكن نحن بعد مرور ألف سنة لا بدَّ من التحفّظ في إطلاق مثل هذه العبارات على أولاد الأئمّة (عليهم السلام).
السؤال الرابع: المدَّة التي يحكم فيها الإمام (عليه السلام) هي أربع سنوات أليست مدَّة قليلة؟
الجواب: ليس الكلام كذلك، ففي بعض الروايات (15) سنة، وفي البعض الآخر (17) سنة، [وفي بعض منها (309) سنة](18).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(17) راجع: كمال الدين: 319/ باب 31/ ح 2.
(18) إنَّ الروايات في مدَّة حكم القائم (عليه السلام) مختلفة، فقد ورد عن عبد الكريم الخثعمي، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كم يملك القائم (عليه السلام)؟ قال: «سبع سنين، تطول له الأيّام والليالي حتَّى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سينكم، فيكون سنو ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه...». (الإرشاد 2: 381).
وعن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: «يملك القائم (عليه السلام) تسع عشرة سنة وأشهراً». (الغيبة للنعماني: 353/ باب 26/ ح 1).
وعن أبي الجارود، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إنَّ القائم يملك ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أهل الكهف في كهفهم...». (الغيبة للطوسي: 474/ ح 496).

(٣٢)

السؤال الخامس: كم المدَّة ما بين حكم الإمام (عليه السلام) ويوم القيامة؟
الجواب: أوّلاً العلم عند الله تعالى، لكن لو فرضنا أنَّ مدَّة إمامته (عليه السلام) هي أربع سنوات فإنَّ الرجعة التي نقول بها هي تتمَّة لهذه المدَّة.
السؤال السادس: وهل يرجع الأئمّة (عليهم السلام) لحكم الناس؟
الجواب: الأئمّة (عليهم السلام) يرجعون، والرجعة من أهمّ عقائد الإمامية.
السؤال السابع: بعد هذا الغياب الطويل، هل يكون ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) على هيأة الشاب أو الكهل أو الشيخ؟
الجواب: بحسب بعض الروايات رجل كهل(19).
السؤال الثامن: وكم يدوم عمره بعد الظهور على ما هو وارد؟ وهل عمره ثابت بحيث لا يتأثَّر بطول سنوات الغيبة؟
الجواب: ليس الأمر كذلك، إنَّما هو أمر يختصُّ العلم به عند الله تبارك وتعالى.
السؤال التاسع: نعرف أنَّ هناك بعض علامات ظهور الإمام الحجّة غير حتمية الوقوع، ترى ما هي تلك العلامات؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(19) راجع: كمال الدين: 652/ باب 57/ ح 12.

(٣٣)

الجواب: العلامات كلّها - سواء كانت حتمية أو غير حتمية كما ذكرت البارحة - هي ليست من العلل التامّة التي لا يتخلَّف المعلول عنها، بل يتدخَّل فيها البداء أيضاً، فربَّما لا تتحقَّق علامة ويظهر الإمام (عليه السلام)، وربَّما تتحقَّق العلامات مرّات ومرّات عديدة ويطول عمر الإمام (عليه السلام) أو يتأخَّر ظهوره.
السؤال العاشر: لماذا يُكره ذكر اسم الحجّة؟
الجواب: كان في وقت من الأوقات عدم ذكر اسم الإمام المهدي (عليه السلام) لأجل التقيّة، وربَّما زالت التقيّة، ولكن نحن نأخذ بظاهر الأمر وإطلاقه.
السؤال الحادي عشر: لماذا نضع اليد على الرأس عند ذكر الإمام الحجّة؟
الجواب: كما فعل الإمام الرضا (عليه السلام) لمَّا دخل عليه دعبل الخزاعي وقرأ أبياته المعروفة، ثمّ قام الإمام الرضا (عليه السلام) لمَّا وصل إلى اسم القائم(20)، نحن نتأسى بفعله (عليه السلام).
السؤال الثاني عشر: ما معنى الصيحة؟ وهل هي عبارة عن إعلان الإمام لشخصيته الحقيقية إذا قلنا بأنَّه مخفي بعنوانه لا بشخصه؟
الجواب: إنَّما الإمام المهدي يظهر بشخصه الشريف، وتكون الصيحة لإثبات ظهوره حينئذٍ، فالمؤمن ينتفع من هذه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(20) راجع: الغدير 2: 361.

(٣٤)

الصيحة ويستعدُّ للقائه، وأمَّا المنافق والكافر فلا يستفيد من هذه الصيحة ويبقى على غيّه ويصرُّ على استكباره.
السؤال الثالث عشر: بعد انتهاء عصر الغيبة وظهور الإمام (عليه السلام) هل يبقى باب التوبة مفتوحاً؟
الجواب: نعم، مفتوح إلى آخر يوم من أيّام الدنيا.
السؤال الرابع عشر: كيف يكون الإلهام مرتبطاً بصحَّة الإمام وطول العمر؟
الجواب: يلهمه الله تبارك وتعالى باستعمال أمور، أو بأشياء تفيد صحَّته، أو يلهمه رفع الموانع عنه حتَّى يطول عمره الشريف.
السؤال الخامس عشر: الإنسان الذي يولد في الدول الغربية ولم يطَّلع إلّا على الحياة المترفة التي يعيشها والداه ولم يبلغه أنَّ هناك قوانين تشريعية، ولم يكن واضح لديه أنَّ الله تبارك وتعالى سوف يفرّج عن الأمّة بالإمام المصلح القائم (عليه السلام) ما هي الحجّة عليه؟ وهل أنَّ الرحمة الإلهية التي سوف تكون متمثّلة بفرج إمامنا ومولانا (عليه السلام) هل سوف تكون رحمة وتفريجاً عن كلّ المظلومين حتَّى غير المسلمين أم لا؟
الجواب: حسب الروايات أنَّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً(21)، وهو رحمة على العالمين كجدّه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(21) لا خلاف بين المسلمين أنَّ المهدي (عليه السلام) هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، راجع: الإمامة والتبصرة: 120/ ح 114؛ أمالي الصدوق: 78/ ح (45/3)؛ الغيبة للنعماني: 83 و84/ باب 4/ ح 10؛ مسند أحمد 3: 27؛ سنن أبي داود 2: 310/ ح 4285؛ مستدرك الحاكم 4: 464؛ وغيرها من المصادر.

(٣٥)

المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(22)، وأمَّا كيف يصل الخبر إلى الإنسان الذي في الدول الغربية في هذه الأعصار التي انتشرت هذه الطرق الحديثة فإنَّه سؤال غريب حينئذٍ لأنَّه إذا حدث شيء ففي آنٍ واحد ينتشر الخبر في كلّ أرجاء المعمورة.
السؤال السادس عشر: نجد في دعاء زمن الغيبة عبارة تطلب طول عمر الإمام المهدي (عليه السلام)(23)، وهذه تدلُّ على أنَّ المراد منها طول غيبته وطول عمره قبل ظهوره، وذلك لأنَّنا نسمع بعض الروايات التي تدلُّ على عدم بقائه مدَّة طويلة بعد ظهوره وأنَّه يقتل، فكيف ندعو للإمام (عليه السلام) بطول الغيبة؟
الجواب: هذا مثل قولنا لبعض الناس: (الله يطوّل عمرك)، مع أنَّنا نعلم أنَّ للعمر مدَّة معيَّنة، هذا إطلاق الملزوم وإرادة اللازم، أي إرادة صحَّته (عليه السلام) أن لا يعتريه مرض أو أمثال ذلك.
السؤال السابع عشر: إنَّ المصائب والنوائب التي يمرُّ بها الإمام (عليه السلام) شخصياً أو تمرُّ بها الأمّة جميعاً وهو أوّل المهتمّين بأمور المسلمين، وخاصَّة أنَّ ما تقول به بعض الروايات من أنَّه يسكن العراق، فكيف يستطيع أن لا يتمرَّض أو يشيب ويمرض في زمن صدام مثلاً، وهذا بحدّ ذاته كفيل في موته لا مرضه؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(22) هذا، ولكن قد ورد عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا تمنّى أحدكم القائم فليتمنه في عافية فإنَّ الله بعث محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) رحمة، ويبعث القائم نقمة». (الكافي 8 : 233/ ح 306).
(23) ورد في الدعاء: «اللّهُمَّ أعِزَّ نَصْرَهُ، وَمُدَّ فِي عُمْرهِ، وَزَيَّن الأرْضَ بـِطُولِ بَقائِهِ». (مصباح المتهجّد: 408/ ح 534/144).

(٣٦)

الجواب: صحيح أنَّ الهموم والغموم التي تعتري الإنسان تؤثّر في بنيته، وأمَّا الهموم والغموم التي تعتري الإمام (عليه السلام) لا تؤثّر في بنيته، فإنَّما هو مأمور بالصبر ويطلب الفرج منها، فالهموم تعتري كلا الفردين، أي إنَّ الإمام وغير الإمام تعتريهما الهموم والغموم، إلّا أنَّ الهموم والغموم عند سائر الناس تؤثّر في كيانهم وذاك الإمام المعصوم (عليه السلام) لا تؤثّر في كيانه.
السؤال الثامن عشر: هل يعتبر هذا العصر أو هذه الفترة هي عصر الظهور؟ وما هي العلامات التي تحقّقه؟
الجواب: بعض العرفاء يقولون كما أنَّ للإمام (عليه السلام) غيبتين غيبة صغرى وغيبة كبرى، يقول هذا العارف بالله أنَّ للإمام (عليه السلام) ظهورين ظهور صغير وظهور كبير، والمراد من الظهور الصغير هو إقبال الناس على متابعة شريعة جدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أليس الناس الآن مقبلين على زيارة الإمام المعصوم (عليه السلام) إقبالهم على أداء خمسه وهو حقّه، إقبالهم على دعاء الندبة في يوم الجمعة، وأمثال ذلك لم تكن في السابق...، قبل خمسين عاماً ما كان يقرأ بهذا العدد، هذا هو الظهور الصغير وسيتبعه ظهور كبير إن شاء الله.
السؤال التاسع عشر: قلتم: إنَّ سبب الغيبة هو ظلم الظالمين، سيّدنا الأجل الظالمون أيضاً كانوا موجودين أيّام الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) وربَّما ظلموا وزادوا في غيّهم، فلماذا اقتصرت الغيبة على مولانا صاحب الزمان (عليه السلام)؟
الجواب: الأئمّة (عليهم السلام) كما تحمَّلوا الظالم وكانوا ظاهرين، وكان

(٣٧)

مكتوب عليهم أن يقتلوا أو يستشهدوا مضافاً إلى وجود خلفٍ لهم، أمَّا الإمام المعصوم (عليه السلام) الإمام المهدي الموعود لم يكتب القتل عليه بهذا فلذلك طال عمره، وقد ذكرنا أنَّ الأرض لا بدَّ أن لا تخلو من إمام معصوم هو قطب رحى الوجود، فكيف يمكن أن يظهر فيقتل فتخلو الأرض من الحجّة؟ حينئذٍ فلا بدَّ أن يطول عمره الشريف.
السؤال العشرون: ما هي أوجه الاختلاف بينكم وبين بقيّة المسلمين في قضيّة عمر الإمام (عليه السلام)؟ وما المقصود بامتلاء الأرض ظلما وجوراً، هل هو نسبة الكلّ؟ وهل الاعتقاد بقضيّة المهدي (عليه السلام) من الضروريات؟
الجواب: أمَّا بالنسبة إلى الاعتقاد، نعم من الضروريات، مذهبنا أنَّه هناك إمام مهدي في غيبة الاستتار وسيظهره الله تبارك وتعالى، نعم من الضروريات، كما أنَّ ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكونه المعصوم الأوّل من ضروريات مذهبنا، كذلك غيبة الإمام ووجود الإمام (عليه السلام).
وأمَّا بالنسبة لعمر الإمام (عليه السلام) فإنَّ غير الإمامية إنَّما يقولون لا يمكن تصوير طول عمر فرد من أفراد الإنسان بهذه المدَّة الطويلة (1100) سنة تقريباً، ونحن حسب اعتقادنا يمكن وأثبتنا ذلك في هذه الندوة.
السؤال الحادي والعشرون: هل يجوز أن نسلّم بما أخبر به النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمّة الأطهار (عليهم السلام) عن الإمام (عليه السلام) لأنَّه من الأمور الغيبية؟
الجواب: نفس الإمام (عليه السلام) بشخصه الشخيص من الأمور

(٣٨)

الغيبية، أمَّا مسألة غيبته وخصوصياته فهذه من الأمور المنقولة بالتأريخ، وثبتت لنا بالحسّ والتجربة، وهذا هو الموجود عندنا ونؤمن بصدقه، أمَّا نفس الإمام (عليه السلام) نعم هو أمر غيبي.
السؤال الثاني والعشرون: هل السفياني شخصية أم فكرة مضادّة للإمام (عليه السلام)؟
الجواب: تارةً نفسّر بأنَّ السفياني هو من ولد بني سفيان، أو أنَّ هذه الشخصية التي تتمثَّل بها صفات بني أميّة وسُمّيت بالسفياني بهذا المعنى.
السؤال الثالث والعشرون: كيف نوفّق بين روايات تكذيب من ادّعى الرؤية ومن حصلت له الرؤية للإمام (عليه السلام)؟ أقصد بها المقابلة لا في المنام؟
الجواب: أمَّا بالنسبة إلى المقابلة فليس كلّ أحد يصل بخدمة الإمام (عليه السلام) حتَّى يكون بهذا الانتشار الكبير، بل هم أفراد معدودون، وهؤلاء الأفراد إذا وصلوا إلى هذه المرتبة من الكمال والصدق والوفاء لا بأس بتصديقهم، إلّا أنَّهم لم يقولوا ذلك، فإنَّ من وصل بخدمة الإمام (عليه السلام) مأمور بالكتمان، فلو أظهر هذا خرج عن صفة العدالة، وأمَّا الذي علمناه فإنَّما علمناه بقرائن خارجية من حواشيه المختصّين به وأمثال ذلك.
السؤال الرابع والعشرون: بالنسبة إلى غياب بعض الأنبياء (عليهم السلام) في أممهم كان ذلك بعد معايشتهم، أمَّا بالنسبة لنا فلم نشاهده؟
الجواب: أمَّا معايشته، فكان معايشاً لخواصّ الشيعة، وآباؤه

(٣٩)

الطاهرون (عليهم السلام) كانوا أيضاً معايشين للناس، وهو قد عايش الناس مدَّة من الزمن ثمّ غاب، والغيبة الصغرى هي مرحلة تمهيدية لأن لا يقع هذا السؤال أيضاً.
السؤال الخامس والعشرون: ما حكم من ادّعى الرؤية للإمام المهدي (عليه السلام) في هذا الزمان؟
الجواب: ذكرت لكم أنَّ من يدَّعي الرؤية لا بدَّ أن يصل من الكمال بحيث يتَّفق الكلّ عليه، مثل السيّد مهدي بحر العلوم (قدّس سرّه)، ومثل المقدَّس الأردبيلي (قدّس سرّه), وذكرت لكم أنَّهما وغيرهما ممَّن وصل إلى خدمة الإمام (عليه السلام) لم يقولوا ولم يذكروا شيئاً عن نفسيهما، وإنَّما علم الأقران به ثمّ بعد الممات انتشر الخبر.
السؤال السادس والعشرون: هل أنَّ هناك رواية تشير إلى قيام دولة إسلاميّة في العراق قبل ظهور الإمام (عليه السلام)؟
الجواب: في الروايات لا أعلم بهذا المعنى الموجود، ولكن ذكرت لكم أنَّه قد تكون دول إسلاميّة تأتي وتذهب، وثمّ بعد ذلك أيّ واحدة منها تكون من علامات الظهور الله أعلم بها.
السؤال السابع والعشرون: ما هي فلسفتنا في التأريخ في ظلّ فكرة عودة الإمام (عليه السلام) وقيادته للدولة العالمية؟
الجواب: إنَّما يظهر ذلك من الغيبة، فإذا علمنا بحكمة الغيبة نعلم بظهوره، ما هو وما المراد من ظهوره، فالغيبة بالنسبة إلى المؤمن تكون أمراً تربوياً، وأمَّا بالنسبة إلى الكافر الظالم تكون استدراجاً وإمهالاً له، فأمَّا بالنسبة للمؤمن فيتعلَّم الصبر ويتعلَّم ويكتسب الكمالات انتظاراً

(٤٠)

لظهور إمامه، فإنَّ الإمام إذا ظهر وأراد لجيشه - مثلاً - أن يكون من أفراد هذه الأمّة لا بدَّ أن يكونوا مستعدّين ولا يكون مثل جيوش الظلمة، فلا بدَّ من الاستعداد الخلقي والنفسي لهذه المهمّة. وأمَّا بالنسبة إلى الكافر فهو مستدرج في هذه المدَّة فيزداد غيّه واستكباره إلى أن يظهر الإمام (عليه السلام) فلا يستفيد من ظهوره شيئاً.
السؤال الثامن والعشرون: هل تمثّل العقيدة بوجود الإمام المهدي (عليه السلام) ضرورة من ضرورات الدين؟ وإذا كان الأمر كذلك فما حكم منكرها؟
الجواب: أمَّا بالنسبة إلى كونها ضرورة من ضرورات المذهب فلا ريب ولا إشكال فيه، وأمَّا بالنسبة إلى الدين، فإنَّها مثل الإمامة فالإمامة نفسها لم تعدّ من أصول الدين، فنقول بأنَّ منكر الغيبة كمنكر الإمامة وكذا منكر خصوصيات الإمام (عليه السلام).
السؤال التاسع والعشرون: هل يشترط في ظهور الإمام الحجّة (عليه السلام) إتمام جميع العلامات والشروط أم لا؟
الجواب: ليس الأمر كذلك، ذكرت لكم أنَّها ليست هي من العلل التامّة التي لا بدَّ من تحقّقها.
السؤال الثلاثون: هل يعتبر ذو النفس الزكية سفيراً خامساً؟
الجواب: ذو النفس الزكية هو موضع اختلاف وأنَّه من هو، فكم من نفس زكية استشهد أو مات، وكم سيظهر بعد ذلك، هذا رجل مبهم لا نعلم بذلك قبل ظهوره، يظهر مدَّة معيَّنة لأجل إعداد الظهور هذا شيء آخر، أمَّا لحدّ الآن كم من نفس زكية

(٤١)

خرج وقتل أو لم يقتل ومات، ولكن لا نعلم أيّ واحد هو المطلوب والمراد منه.
السؤال الحادي والثلاثون: ما مدى صحَّة النيابة التي يدَّعيها البعض في الوقت الحاضر؟ وما مدى صحَّة أقوال القائلين بمشاهدة الإمام (عليه السلام)؟
الجواب: أمَّا النيابة العامّة - كنيابة الفقهاء - فقد أذن الإمام (عليه السلام) نفسه: «فللعوام أن يقلّدوه...» هذا التوقيع الرفيع الذي ورد آخر توقيع عن الإمام الحجّة (عليه السلام)(24)، لذا أثبت النيابة العامّة لسائر الفقهاء والمجتهدين، وأمَّا النيابة الخاصّة فقد انتهت بموت آخر سفير من السفراء الأربعة: «لا توص إلى أحد فقد وقعت الغيبة الكبرى»(25)، فمعناه أنَّه لا نيابة خاصّة أبداً، فمدَّعي النيابة الخاصّة كذّاب.
السؤال الثاني والثلاثون: هل هناك تعارض بين رجعة الأئمّة (عليهم السلام) في زمن الإمام المهدي (عليه السلام) بسبب وجود أكثر من معصوم متصدّ للأمر؟
الجواب: عندنا عقيدة أنَّ إمامين لا يجتمعان في زمان واحد، فإذا رجعوا ولم يكونوا أئمّة فما فائدة رجوعهم، وإن رجعوا وكانوا أئمّة مع وجود الإمام المعصوم (عليه السلام) فهذا خلاف الأدلَّة التي عندنا، فلا بدَّ أن يكون في رجوعهم نفع للمؤمنين، إنَّما رجوعهم بالتعاقب والتتابع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(24) الاحتجاج 2: 263، عن الإمام العسكري (عليه السلام).
(25) أنظر: كمال الدين: 516/ باب 45/ ح 44.

(٤٢)

السؤال الثالث والثلاثون: ما هو موقف الأديان الأخرى من الإمام الحجّة (عليه السلام) حيث إنَّ بعضاً منهم يؤمن بخروج رجل مصلح في آخر الزمان؟
الجواب: أمَّا فكرة الإمام المهدي (عليه السلام) فقد ذكرت البارحة بأنَّه لم تكن من أفكار الإسلام أو المسلمين، بل هذه الفكرة كانت قبل الإسلام، فكلّ من أفراد الإنسان لمَّا يصل إلى مرحلة من مراحل عمره يطلب النجاة والذي ينجيه من الورطة، هذه فكرة متَّبعة، وجميع الناس وكلّ الأديان تقرُّ بذلك سواء كانت أديان إلهية أو وضعية.
السؤال الرابع والثلاثون: بعد ظهور الإمام (عليه السلام) وتأييده بالصيحة إذا استطاعت بعض الجهات تزوير شخصية الإمام (عليه السلام) شكلاً فكيف نميّز بين الإمام (عليه السلام) والشخص المزوَّر؟
الجواب: الإمام (عليه السلام) لمَّا يظهر لا يصل إلى مرحلة بحيث يزوَّر في شخصيته، لأنَّ له من العلامات والكرامات بحيث يبيّن صدقه، حينئذٍ ما عندنا تزوير هنا، التزوير كان في النظام البائد.
السؤال الخامس والثلاثون: هل كان طول عمر الإمام (عليه السلام) بقانون كن فيكون، أم بقانون السبب والمسبَّب، أم الاثنين معاً؟
الجواب: أبى الله أن يجري الأمور إلّا بأسبابها، وأنَّ المعاجز كما يرتئي بعض المفسّرين والفلاسفة من أنَّ المعجزة أيضاً لم تخرج عن قانون الأسباب والمسبَّبات، قانون (كن فيكون) موجود ولكن لا ينافي أن يكون مع قانون الأسباب والمسبَّبات.

(٤٣)

السؤال السادس والثلاثون: ما المانع أن يكون طول عمر الإمام (عليه السلام) كنبيّ الله نوح (عليه السلام) دون وجود الغيبة أي يكون موجوداً مثل النبيّ نوح (عليه السلام)؟
الجواب: مع وجود الموانع التي أثبتها نفس الإنسان، لا فائدة في وجوده، أي إنَّه إذا كان الظلمة هم مسيطرون على مقاليد الحكم ويعيثون في الأرض فساداً، فكيف يستفاد من وجوده الشريف؟ بل يكون في معرض الخطر حينئذٍ.
السؤال السابع والثلاثون: ما هي الوسيلة المباشرة بين الإمام (عليه السلام) والله (عزَّ وجلَّ)، خصوصاً بعد انقطاع الوحي بعد عصر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
الجواب: الوسيلة المباشرة ليس المعنى الذي تذهبون إليه من أنَّه الوحي جبرائيل، فإنَّ جبرائيل لم ينزل بعد وفاة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لإنزال الوحي، وإنَّما قلت لكم: إنَّ مصادر علم الإمام (عليه السلام) إنَّما هي إمَّا الجفر والجامعة وأمثال ذلك أو الإلهام في قلب الإمام (عليه السلام) كما أوحى الله (عزَّ وجلَّ) إلى النحل أو إلى أشخاص مثل أُمّ موسى (عليه السلام)، فالوسيلة إذن هي بهذا المعنى، أي الإلهام في قلب الإمام (عليه السلام).
السؤال الثامن والثلاثون: ورد في دعاء الافتتاح: «يَعْبُدُكَ لاَ يُشْركُ بـكَ شَيْئاً»(26)، ما معنى الشرك؟
الجواب: يعني أنَّه يبسط نظرية العدل والتوحيد عند الأمم فيذهب مظاهر الشرك حينئذٍ، أليس الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لمَّا بسط سلطانه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(26) مصباح المتهجّد: 581/ ح (690/66).

(٤٤)

على مكّة المكرَّمة أذهب مظاهر الشرك من مكّة المكرَّمة؟ فكذلك الإمام (عليه السلام).
السؤال التاسع والثلاثون: هناك قصص تدلُّ على أنَّ الإمام الحجّة (عليه السلام) موجود في الجزيرة الخضراء (مثلث برمودا)، فما مصداقية ذلك؟
الجواب: هذه مجرَّد أخبار، أمَّا كونها بدرجة من الصحَّة بحيث يوثق بها، فليس الأمر كذلك.
السؤال الأربعون: هل وجود القاعدة ووجود القادة يشكّلان شرطين أساسيين للظهور؟
الجواب: نعم، لا بدَّ أن يكون هناك استعداد كما ذكرت لكم، فالغيبة عملية تربوية للمؤمن وهي بمثابة إمهال للكافر الظالم واستدراج له، أمَا سمعتم قول الإمام الصادق (عليه السلام) لأحد الأشخاص لمَّا أتاه وقال له: لِمَ لم تظهر وأنّ شيعتك مئة ألف سيف، فأمره أن يدخل في ذلك التنّور وقال: لو كان هناك عشر من هؤلاء بالمواصفات التي يريدها الإمام لظهر(27)، هكذا يحتاج استعداداً في النفوس.
السؤال الحادي والأربعون: ما شكل الأطروحة التي يتمثّلها القائد الممهّد للإمام (عليه السلام)؟
الجواب: هو الاستعداد النفسي والبدني، ليس أكثر من ذلك، بمعنى هل يتقبَّل المؤمن إذا ظهر الإمام (عليه السلام) أن يكون من أصحابه ويتحمَّل ما يتحمَّل من الصعاب، أم أنَّه مجرَّد كلام يصدر منه ولا يصل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(27) راجع: مناقب آل أبي طالب 3: 362 و363.

(٤٥)

إلى مرحلة العمل ولا يتجاوز القول، أي إنَّه لا بدَّ لهذا القائد الذي يظهر قبل ظهور المهدي (عليه السلام) أن يكون هكذا.
السؤال الثاني والأربعون: ما هو تحليل الرواية الواردة في أنَّ الإمام (عليه السلام) مطَّلع على أعمال المؤمنين؟ وكيف يتمُّ ذلك؟
الجواب: إنَّ الملائكة هي الموكّلة بإيصال الأعمال إليه، فتوصل أعمال المؤمنين وغير المؤمنين إليه، فيفرح بما يصدر من الأعمال الصالحة من المؤمنين، ويغضب من الأعمال الطالحة التي تصدر منهم ومن غيرهم.
نفس الملائكة هي الموكّلة في ذلك، ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ...﴾ (التوبة: 105)، المؤمنون مفسّرة بالأئمّة (عليهم السلام).
السؤال الثالث والأربعون: حسب الروايات الواردة إنَّ أكثر العلماء اتَّصلوا بالإمام (عليه السلام)، فهل سماحة السيّد الوالد (قدّس سرّه)(28) اتَّصل بالإمام (عليه السلام)؟
الجواب: أوّلاً: إنَّ هذه الأكثرية لم تثبت، أي إنَّ قول: أكثر العلماء اتّصلوا بالإمام (عليه السلام) لم تثبت فيه هذه الأكثرية.
ثانياً: على فرض أنَّه موجود، قلت لكم بأنَّه مشروط بعدم الإظهار، فإذا أظهره سقط عن مرتبة الخلَّصية حينئذٍ.
السؤال الرابع والأربعون: نطلب نصيحة تفيد المؤمن في هذه الأيّام المباركة؟ أيّام شهر رمضان [عام 1424ه].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(28) المراد هو المرجع الكبير آية الله العظمى المرحوم السيّد عبد الأعلى السبزواري (قدّس سرّه).

(٤٦)

الجواب: كما ذكرت لكم: إنَّ في عصر الغيبة ليس هناك إهمال للأحكام الشرعية، فلا بدَّ للمؤمن أن يستعدَّ لفكرة الظهور وقدوم الإمام المهدي (عليه السلام)، كما أنَّ كل شخص حينما يسمع بأنَّه سوف يقدم عليه عزيز يتهيَّأ لاستقباله، فكذلك المؤمن في عصر الغيبة لا بدَّ أن يكون مستعدّاً لتلقّيه.
والاستعداد تارةً يكون بالعمل الصالح وتارةً يكون استعداداً نفسياً، فيكون متخلّقاً بالأخلاق الفاضلة حتَّى يتقبَّله الإمام (عليه السلام) ويجعله من جنده إن شاء الله.

* * *

(٤٧)

ملحق: لقاء أجرته مجلَّة الانتظار الفصلية(29)

مع سماحة العلاَّمة السيّد علي السبزواري (حفظه الله)، وكان معه هذا الحوار حيث أجاب عن الأسئلة مشكوراً.
السؤال الأوّل: سيّدنا الأجلّ بعد تعريفكم لمفهوم الانتظار... قد يتداعى إلى الذهن أنَّ الانتظار بحالته السلبية هو ما تعنيه المفاهيم المطروحة، وبحالته الإيجابية هو ما لم تحدّده رؤيتنا الفعلية للانتظار، إذن كيف تنظرون للانتظار بمفهومه السلبي المتعارف والإيجابي الوارد في الروايات والواقع الفعلي المعاش والحالة النفسية التي يعيشها الفرد المنتظر؟
الجواب: الانتظار حالة ترقّب لنبأ عظيم له الأثر في نظام العالم وهو في حدّ نفسه من الأمور الإيجابية، فإنَّ فيه جمع كلمة المؤمنين وشدّ أواصرهم وجعلهم مستعدّين لاستقبال قائد عظيم ينجّي الإنسانية المعذَّبة من الضياع ويُنقذ الناس من الهلاك، كما أنَّ له الأثر في النفوس فيخرجها من الإحباط الذي يصيبها عند تراكم الظلم الذي هو ظلمات، كما يبعث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(29) أنظر: مجلَّة الانتظار/ العدد التجريبي/ السنة الأولى/ جمادى الأوّل 1426هـ/ ص 30 - 35.

(٤٨)

الأمل فيها بالتغيير النوعي من جميع الوجوه والأنحاء، فهو عملية تربوية هادفة يحصل بها ارتباط خاصّ بين المؤمنين والمهدي الموعود (عليه السلام)، فيترقَّبون خروجه ويأملون أن يدخلوا تحت لوائه، فيعمل المؤمن عندئذٍ بما يرتضيه ليحظى بقبوله ويدخل في رفقته وينطوي تحت لوائه، فليس الانتظار مجرَّد بارقة أمل عند اليائسين أو إنقاذ المعرضين عن الدين وتعاليم سيّد المرسلين (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فإذا كان المقصود من الانتظار هذا المعنى كانت سلبياته أكثر من إيجابياته، فيكون الواقع العملي حينئذٍ يدور بين اليأس والأمل وكلاهما بعيدان عن الواقع. فلا بدَّ أن يكون الانتظار الذي أمر الأئمّة الهداة (عليهم السلام) به شيعتهم من الأمور الإيجابية وهو الذي ذكرناه آنفاً، فيكون من أهمّ المقتضيات لخروج المنقذ العظيم (عليه السلام) وله الأثر في اقتراب موعد ظهوره، بل هو نوع ظهور، فلنسمّه الظهور الأصغر مقابل الغيبة الصغرى. وإلّا كان سبباً في تعاسة الإنسان، ويزيد في إحباطه، وإلى ما ذكرنا تشير الممهّدات التي وردت في جملة من الأخبار، وهي تبيّن حالة الانتظار الذي يعيش معه المؤمن المكابد ويتحلّى بالصبر الذي لا بدَّ منه في تحمّل المهمّة.
السؤال الثاني: هل تعني حالة الانتظار طقوساً تمارس من قبل المكلَّفين فحسب؟ أم الانتظار يعني ديناميكية العمل، الفكر، الرؤية، الموقف؟
الجواب: الانتظار ليس مجرَّد طقوس، بل عمل ورؤية وتربية، وموقف يتَّخذه المؤمن ليكون مستعدّاً لتلقّي الفيض الربوبي بظهوره الشريف، وبذلك يدخل المنتظر في زمرة

(٤٩)

المؤمنين به (عليه السلام) والراضين بفعله السالكين على نهجه والعاملين بتوجيهاته لكونه (عليه السلام) إمامهم وقائدهم، فإن كانت الطقوس من دعاء ونجوى من روافد هذه العملية التربوية للانتظار فلا بأس بها، وإلّا لم يكن لها التأثير المطلوب.
السؤال الثالث: ماذا تعني علامات الظهور في نظركم؟ إنذار، بشارة، تأسيس رؤية مستقبلية جديدة؟ أم لا هذا ولا ذاك، إنَّما هو سرد لتكهّنات أو احتمالات لمستقبل؟
الجواب: ما ذكرناه آنفاً يُظهر أنَّ العلامات التي تكون قبل ظهوره (عليه السلام) إنَّما هي إنذار للعاقلين لكي يرجعوا إلى رشدهم وتحضير أنفسهم للمسائلة أو الخروج من زمرة المنافقين والدخول في رفقة الصالحين المؤمنين، كما أنَّها بشارة للمؤمنين وزيادة الثقة في نفوسهم، وبعث الأمل فيها، وجعل الصبر شعارهم ودثارهم لأنَّه العماد في كفاحهم، وليست علامات الظهور مجرَّد احتمالات لمستقبل منظور أو سرد تكهّنات، بل هي حوادث تمهيدية تحقّق وفق ضوابط دقيقة يبتلى بها المؤمن وغيره على حدًّ سواء فتكون بلاءً حسنا للمؤمنين وفتنة وشقاءً للمنافقين المعاندين.
السؤال الرابع: إذا كنّا نلمس منكم الاهتمام بمعرفة علامات الظهور إذن كيف نتعامل سندياً مع تلك الروايات، التسامح السندي أم التشدّد السندي أم الحالة الوسطية التي تحفظ الإطار العامّ لعلامات الظهور؟
الجواب: الروايات التي تضمَّنت الملاحم والفتن والحوادث

(٥٠)

المستقبلية لا نحتاج إلى إعمال قواعد الحديث فيها فإنَّها تشتمل على التنبّؤات وحوادث تحقّق في المستقبل فإن وقعت دلَّ هذا الوقوع الخارجي على صدق ما تضمَّنته وصدورها عن منبع الحكمة والعصمة الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، وإلّا فيردّ علمها إلى أهله.
السؤال الخامس: المتعارف في روايات علامات الظهور أنَّها تعالج في حالة التعارض كعلاج الروايات الفقهية، أم لديكم مبنى آخر تختصّون به؟
الجواب: لا تعارض بين الروايات لأنَّها لم تنظر إلى واقعة معيَّنة وفي زمان خاصّ ومكان محدَّد، والمفروض في التعارض توفّر هذه الوحدة فيه، ويمكن أن تكون رواية تدلُّ على حادثة على إبهام وإجمال فيها لاقتضاء المقام ذلك ورواية أخرى تشمل على شيء آخر أو شرط وغير ذلك ممَّا يرفع التعارض، مع أنَّه إنَّما نرجع إلى التعارض وأحكامه في باب التكاليف الشرعية دون غيرها.
السؤال السادس: دعاء الندبة ماذا يعني لكم؟ تلاوته كإحدى الطقوس العبادية أم هو حالة معايشة يعيشها المكلَّف مع الإمام (عليه السلام)؟
الجواب: ذكرت في الجواب الثاني أنَّ الطقوس العبادية كدعاء الندبة، ودعاء التوسّل، والصلوات الخاصّة، والرقع المرقومة وغيرها هي معايشة مع الإمام (عليه السلام) فيما إذا كان الممارس لها عنده الاستعداد الكافي للدخول في حزب الإمام (عليه السلام) ويكون من جنده إذا ظهر، فتكون تلك الطقوس من السبل المحمودة التي تقرّب المؤمن إلى إمامه، ويكون سعيداً بقربه إليه،

(٥١)

ويحسُّ بها اقتراب ظهوره لأنَّها تحدث حالة روحانية شفّافة عنده، وفي غير ذلك لا تؤثّر تلك الطقوس التأثير المطلوب.
السؤال السابع: إذا كانت هذه أهمّية دعاء الندبة هل ترون أنَّ الفرد العراقي إبّان العهد الجديد وقد رفعت محاذير الرقيب من قبل السلطة قد أدّى دوره في إحياء دعاء الندبة على مستوى: المجالس الخاصّة المنعقدة في البيوت، الحسينيات والمساجد، المراقد المقدَّسة؟ وما هي مسؤولية الفرد فضلاً عن رجال الدين عندئذٍ؟
الجواب: الفرد العراقي بعدما قاساه من الظلم والطغيان والحرمان من كثير من الأمور التي كانت تعيقه في الرقى في مجالات الفكر والثقافة والعلم والدين والأخلاق فهو يحتاج إلى ثقافة معيَّنة وجهاد مضاعف في سبيل إعداده إعداداً جيّداً دينياً وثقافياً وأخلاقياً وفكرياً بعيداً عن المهاترات والنوازع الفردية ليصبح فرداً منتظراً بالمعنى المنظور كما عرفت، وتكون الممارسة لها أكثر واقعية من كونها عواطف جيّاشة يستغلّها ذوو النفوس المريضة.
السؤال الثامن: نعرف أنَّ التواتر في القول أو الرواية دليل قطعي على المدَّعى، ولكنَّنا نجد في الواقع مشكلة يمكن أن نصطلح عليها أزمة حقيقية، وهي كيفية معالجة ادّعاء أهل السُنّة بعدم ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) ودعوى تواتره، هل هذه حجّة قطعية لديهم؟
الجواب: من الشروط المعروفة في الاعتماد على الخبر المتواتر أن لا يتواطأ طبقة من الرواة على الكذب، وهذا الشرط غير متوفّر في ادّعاء تواترهم على عدم ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)، وأقصى ما يمكن توجيه

(٥٢)

ادّعائهم هو عدم العلم بولادته (عليه السلام)، وهو يرتفع بالرجوع إلى أهل البيت الذين هم المرجع في هذا الأمر المهمّ، وكيف كان فبطلان دعواهم ظاهر، وعلى المدَّعين نبذ التعصّب والتفحّص في الأدلَّة والحكم بعده، والله الهادي إلى الصواب.
السؤال التاسع: ربَّما يكون من أهمّ الأدلَّة العقلية على وجود الإمام الحجّة (عليه السلام) هو قاعدة اللطف، وذلك باعتبار أنَّ الوصول إلى الكمال لا يحصل إلّا بالنظام، وذلك لا يتمّ إلّا بوجود الإمام، فوجوده لطف مقرّب إلى الطريق المفضي إلى الكمال. ولكن هذه القاعدة العقلية لا ترتضيها مدرسة الإمام الخوئي (قدّس سرّه) حسب علمنا حيث أخذت عليها بعض الإيرادات وربَّما غيرها من المدارس الفكرية.
وعلى هذا الأساس ما هي أهمّية قاعدة اللطف في الاستدلال على الإمام المهدي (عليه السلام)؟ وهل يوجد لدينا دليل آخر عقلي غير قاعدة اللطف يفيدنا في هذا الباب؟
الجواب: لا يختلف أحد من العلماء في حجّية قاعدة اللطف، وإنَّما الاختلاف في سعة تطبيقها، فبعضهم يعمّمونها حتَّى في اختفاء الإمام (عليه السلام)، والبعض الآخر ومنهم السيّد الخوئي (قدّس سرّه)، حيث يقتصرون في تطبيقها على أصل بعث الأنبياء والرسل وإنزال الكتب والشريعة. وكيف كان فإن أعرضنا عن قاعدة اللطف، فإنَّ هناك أدلَّة أخرى على وجود الإمام وغيبته، فإنَّ الأدلَّة العقلية التي استدلَّ بها على خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) وولايته تجري في إمامة القائم المنتظر (عليه السلام) وغيبته، فراجع.

(٥٣)

السؤال العاشر: قد يشكل البعض ويلقي شبهة مفادها ضعف الروايات الدالّة على ولادة الإمام (عليه السلام) من الناحية السندية، والسؤال هو كيف نتعاطى مع الروايات التاريخية والعقائدية إن أُصيبت بمثل هذا الخلل السندي؟ وهل نحكم عليها كما هو العمل في روايات الأحكام حيث تصنَّف إلى الصحيح والموثَّق والحسن والضعيف؟
الجواب: لا يتعامل مع الروايات التي وردت في ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) كما يتعامل مع الأحاديث الواردة في الأحكام التكليفية، فإنَّ وجود رواية واحدة فيها شروط الحجّية تدلُّ على ولادة المهدي الموعود (عليه السلام) يؤخذ بها وتكون بقيّة الروايات شاهدة على ذلك إن اتَّفقت في المضمون، وإن عارضتها يعمل حسب المرجّحات المعروفة، والترجيح مع الولادة للإجماع.
السؤال الحادي عشر: هنالك روايات مستفيضة تفيد حرمة التصريح باسم الإمام المهدي (عليه السلام)، وتعلّل ذلك بوقوع الطلب حين ذكر الاسم وملاحقته من قبل الظالمين، وهنا نتساءل: ما قيمة هذه الروايات من الناحية السندية؟ هل يعني التعليل في الروايات بوقوع الطلب عدم الحرمة فيما لو ارتفع المحذور المفترض، أو أنَّ عدم ذكر الاسم أمرٌ تعبّدي لا علاقة له بزمان دون زمان؟ كيف نفهم نهي الأئمّة (عليهم السلام) عن ذكر الاسم والحال أنَّه معلوم وواضح لكلّ أحد حتَّى لأعدائه، فإنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بشَّر به وقال: «اسمه اسمي وكنيته كنيتي»(30)، فعلى هذا الأساس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(30) أنظر: كمال الدين: 286/ باب 25/ ح 1.

(٥٤)

ما هي الثمرة من إخفاء الاسم مع أنَّه معلوم لكلّ أحد؟ وأخيراً ما هو رأي سماحتكم من الناحية الشرعية والفتوائية في ذكر الاسم فهل هو حرام أو مكروه؟
الجواب: الروايات التي تفيد حرمة التصريح باسم الإمام المهدي (عليه السلام) هي معتبرة، ولكنَّها صدرت في ظروف قاهرة استدعت استعمال التقيّة في التصريح باسمه الشريف، وبعد ارتفاعها اختلف الفقهاء فبعضهم ذهب إلى جواز ذكر اسمه المبارك واحتاط آخرون في الترك وهو الأولى، لاحتمال التعبّد الخاصّ، وممَّا ذكر يظهر أنَّ السلطة الظالمة كانت مصمّمة على القضاء عليه.
السؤال الثاني عشر: نجد في هذا الوقت من ينتحل زوراً أنَّه وكيل الإمام الخاصّ وأنَّ هناك اتّصال يحدث بينه وبين الإمام صاحب العصر، ونجد بعضاً من أصحاب النفوس الضعيفة والمغرر بهم يلتفّون حوله فما هي نصيحتكم لهؤلاء؟
الجواب: انتحال صفة الوكالة الخاصّة والنيابة كذلك من الأمور التي اتَّفق علماؤنا على بطلانها، وكذب المنتحل بها مهما بلغ من الدرجة في العلم، ويجب على الناس ردّ هؤلاء المنتحلين والتشنيع عليهم، كما يجب على الجميع نبذ العاطفة والرجوع إلى العقل والحكمة وإلّا وقعوا في المساءلة والعقاب يوم القيامة.
السؤال الثالث عشر: كيف يرتبط الإنسان من الناحية العملية بالإمام المهدي (عليه السلام)؟
الجواب: ذكرنا سابقاً أنَّ الارتباط يحصل باتّباع أحكام

(٥٥)

القرآن وشريعة سيّد الأنام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والسير على منهجهم حتَّى يكون مؤمناً مصدّقاً لما ورد عنهم موالياً لهم ومعادياً لأعدائهم، ويتميَّز هذا الارتباط بالدعاء لظهوره والتعجيل في فرجه الشريف، وطلب العون منه (عزَّ وجلَّ) في جعل القابلية والاستعداد للقائه والدخول تحت لواءه (عليه السلام)، فإنَّه ليس لكلّ مؤمن القابلية لهذا الأمر.
السؤال الرابع عشر: كما هو واضح لدى سماحتكم من تواتر الروايات وإجماع المسلمين واتّفاق الفِرَق الإسلاميّة جميعاً على أنَّ عيسى بن مريم يُصلّي خلف الإمام المهدي (عليه السلام) حين ظهوره، السؤال هو: ما هي الدلالات والمعطيات العلمية والعقائدية التي يمكن أن نستفيدها من خلال هذه الظاهرة؟
الجواب: المستفاد من ظاهرة صلاة عيسى بن مريم (عليه السلام) خلف الإمام الحجّة (عليه السلام) أمور:
الأوّل: بيان كون الإمام هو الحجّة على وجه الأرض لا غيره، فيجب على غيره مهما بلغ من المنزلة عند الله تعالى أن يتَّبعه ويشايعه.
الثاني: كذب المنتحلين وظهور زيفهم وبطلان دعاويهم.
الثالث: كشف القناع عن المعاندين والمنكرين لإمامته (عليه السلام)، فإنَّه بعد ائتمام نبيّ من أنبياء الله تعالى وكونه من أولي العزم خلف الإمام (عليه السلام) يكون من أقوى الحجج والبراهين على إمامة المهدي، إذ لا يصحُّ عقلاً ونقلاً ائتمام نبيّ خلف أحد من أمّته.
الرابع: إتمام الحجّة على أهل الكتاب على صدق إمامة المهدي وواقعيته (عليه السلام).

(٥٦)

السؤال الخامس عشر: نلاحظ في بعض الروايات الصادرة عن صادق العترة (عليه السلام) وغيره التعبير عن الإمام المهدي (عليه السلام) بـ«الخامس من ولد السابع»(31)، السؤال هو: لماذا هذا التعبير؟ ألم يكن بالإمكان قوله (عليه السلام): السادس من ولدي مثلاً أو الثاني عشر منّا أهل البيت كما استفاض التعبير بهذا عن الأئمّة (عليهم السلام)، أم أنَّ هنالك إشارة إلى أوجه شبه وروابط بين الإمام الكاظم وبين المهدي أراد الإمام الصادق (عليه السلام) التلميح إليها من خلال هذا التعبير؟
الجواب: يمكن أن يكون المراد التنويه بإمامة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) وتثبيت شخصيته ودفع الشبهات عنه، أو يكون إشارة إلى أنَّه كان بالإمكان أن يكون هو المهدي الموعود لولا حصول البداء، أو إشارة إلى ما قاساه الإمام الكاظم (عليه السلام) كما يقاسيه الإمام المنتظر، أو يكون إشارة إلى أنَّه مغيَّب كما كان جدّه الكاظم (عليه السلام) مغيَّباً في السجون، أو إشارة إلى تثبيت عدد الأئمّة الاثني عشر بالتأكيد سبعة وخمسة، والله العالم.
في ختام لقاءنا نتقدَّم باسم أسرة التحرير لسماحة حجّة الإسلام والمسلمين السيّد علي السبزواري بالشكر الجزيل والثناء الجميل لما أتاحه سماحته من إجاباتٍ قيّمةٍ ردّاً على ما قدَّمته المجلَّة من استيضاحات راجين العلي القدير أن يحشرنا مع الداعين والمساهمين في نهضة الإمام المهدي (عليه السلام) لتحقيق اليوم الموعود، وشكراً.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(31) راجع: الكافي 1: 336/ باب في الغيبة/ ح 2.

(٥٧)

مصادر التحقيق

القرآن الكريم.
مختصر البصائر: الحسن بن سليمان الحلّي/ ت مشتاق المظفّر.
مختصر بصائر الدرجات: الحسن بن سليمان الحلّي/ ط1/ 1370هـ/ منشورات المطبعة الحيدرية/ النجف الأشرف.
بصائر الدرجات: الصفّار/ 1404هـ/ منشورات الأعلمي/ طهران.
الأمالي: الصدوق/ ت قسم الدراسات/ ط1/ 1417هـ/ مؤسسة البعثة.
تحف العقول: ابن شعبة الحرّاني/ ت علي أكبر الغفاري/ ط 2/ 1404هـ/ مؤسسة النشر الإسلامي/ قم.
مسند أحمد: أحمد بن حنبل/ دار الصادر/ بيروت.
سنن الدارمي: عبد الله بن بهرام الدارمي/ 1349هـ/ مط الاعتدال/ دمشق.
السنن الكبرى: البيهقي/ دار الفكر/ بيروت.
فضائل الصحابة: النسائي/ دار الكتب العلمية/ بيروت.
المستدرك: الحاكم النيسابوري/ إشراف يوسف عبد الرحمن المرعشلي.
المعجم الكبير: الطبراني/ ط2 مزيَّدة ومنقَّحة/ دار إحياء التراث العربي.
الكافي: الكليني/ ط5/ 1363ش/ دار الكتب الإسلاميّة/ طهران.
الغيبة: النعماني/ ت فارس حسّون كريم/ ط1/ 1422هـ/ أنوار الهدى.

(٥٨)

الغيبة: الشيخ الطوسي/ ط1/ 1411هـ/ مؤسسة المعارف الإسلاميّة/ قم.
دلائل الإمامة: الطبري (الشيعي)/ ط1/ 1413هـ/ مؤسسة البعثة/ قم.
كمال الدين: الشيخ الصدوق/ 1405هـ/ مؤسسة النشر الإسلامي/ قم.
صحيح البخاري: البخاري/ 1401هـ/ دار الفكر/ بيروت.
صحيح مسلم: مسلم النيسابوري/ دار الفكر/ بيروت.
الديباج على مسلم: السيوطي/ ط1/ 1416هـ/ دار ابن عفّان/ السعودية.
شرح مسلم: النووي/ 1407هـ/ دار الكتاب العربي/ بيروت.
سنن ابن ماجة: ابن ماجة القزويني/ دار الفكر/ بيروت.
سنن أبي داود: ابن الأشعث السجستاني/ ط1/ 1410هـ/ دار الفكر.
سنن الترمذي: الترمذي/ ط2/ 1403هـ/ دار الفكر/ بيروت.
تحفة الأحوذي: المباركفوري/ ط1/ 1410هـ/ دار الكتب العلمية.
بحار الأنوار: العلاَّمة المجلسي/ ط 2/ 1403هـ/ مؤسسة الوفاء/ بيروت.
الطبقات الكبرى: محمّد بن سعد/ دار صادر/ بيروت.
الإرشاد: الشيخ المفيد/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
الغدير: الشيخ الأميني/ ط4/ 1397هـ/ دار الكتاب العربي/ بيروت.
الإمامة والتبصرة: ابن بابويه/ ط1/ 1404هـ/ مدرسة الإمام الهادي/ قم.
مصباح المتهجّد: الطوسي/ ط1/ 1411هـ/ مؤسسة فقه الشيعة/ بيروت.
الاحتجاج: الطبرسي/ ت محمّد باقر الخرسان/ دار النعمان/ 1386هـ.
مناقب آل أبي طالب: ابن شهر آشوب/ ت لجنة من أساتذة النجف/ 1376هـ/ المكتبة الحيدرية/ النجف.

* * *

(٥٩)