كمال الدين وتمام النعمة - الجزء الأول

كمال الدين وتمام النعمة

الجزء الأول

تأليف: الشيخ الجليل الأقدم أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي الصدوق (رحمه الله)
المتوفى سنة (381هـ)
تقديم وتحقيق: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)
رقم الإصدار: 257
الطبعة: الأولى 1442هـ

الفهرس

مقدّمة المركز..................3
أهمّيَّة هذا المُصنَّف..................8
عملنا في الكتاب..................10
مقدّمة المؤلِّف..................13
[سبب تأليف الكتاب]..................17
[لخليفة قبل الخليقة]..................18
[وجوب طاعة الخليفة]..................20
[ليس لأحد أنْ يختار الخليفة إلَّا الله (عزَّ وجلَّ)]..................24
[وجوب وحدة الخليفة في كلِّ عصر]..................25
[لزوم وجود الخليفة]..................25
[وجوب عصمة الإمام]..................25
[السرُّ في أمره تعالى الملائكة بالسجود لآدم (عليه السلام)]..................29
[وجوب معرفة المهدي (عجَّل الله فرجه)]..................36
[إثبات الغيبة والحكمة فيها]..................37
[ردُّ إشكال]..................40
[وجه آخر لإثبات المشاكلة]..................42
[ردُّ إشكال]..................46
[الكيسانيَّة]..................50
[إبطال قول الناووسيَّة والواقفة في الغيبة]..................56
[ادِّعاء الواقفة الغيبة على العسكري (عليه السلام)]..................60
[جواب عن اعتراض]..................67
[جواب عن اعتراض آخر]..................70
[اعتراضات لابن بشَّار]..................75
[كلام لأحد المشايخ في الردِّ على الزيديَّة]..................89
[استدلال على وجود إمام غائب من العترة يظهر ويملأ الأرض عدلاً]..................91
[اعتراضات للزيديَّة]..................93
[اعتراض آخر للزيديَّة]..................95
[اعتراض آخر]..................98
[اعتراض آخر]..................103
[اعتراض آخر]..................106
[اعتراض آخر]..................108
[الجواب]..................108
[اعتراض آخر]..................109
[اعتراض آخر لبعضهم]..................111
[شُبُهات من المخالفين ودفعها]..................112
[مناظرة المؤلِّف مع ملحد عند ركن الدولة]..................118
الباب الأوَّل: في غيبة إدريس النبيِّ (عليه السلام) (وفيه حديث واحد طويل)..................165
الباب الثاني: في ذكر ظهور نوح (عليه السلام) بالنبوَّة بعد ذلك (وفيه 4 أحاديث)..................175
الباب الثالث: ذكر غيبة صالح النبيِّ (عليه السلام) (وفيه حديث واحد)..................183
الباب الرابع: في غيبة إبراهيم (عليه السلام) (وفيه حديثان)..................187
الباب الخامس: في غيبة يوسف (عليه السلام) (وفيه 3 أحاديث)..................197
الباب السادس: في غيبة موسى (عليه السلام) (وفيه 5 أحاديث)..................205
الباب السابع: ذكر مضيِّ موسى (عليه السلام) ووقوع الغيبة بالأوصياء والحُجَج من بعده إلى أيَّام المسيح (عليه السلام) (وفيه حديث واحد طويل)..................219
الباب الثامن: بشارة عيسى بن مريم (عليه السلام) بالنبيِّ محمّد المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) (وفيه 3 أحاديث)..................229
الباب التاسع: خبر سلمان الفارسي (رحمة الله عليه) في ذلك (وفيه خبر واحد طويل)..................235
الباب العاشر: في خبر قُسِّ بن ساعدة الأيادي (وفيه 3 أحاديث)..................243
الباب الحادي عشر: في خبر تُبَّع (وفيه 3 أحاديث)..................249
الباب الثاني عشر: في خبر عبد المطَّلب وأبي طالب (وفيه 6 أحاديث)..................253
الباب الثالث عشر: في خبر سيف بن ذي يزن (وفيه حديث واحد)..................263
الباب الرابع عشر: في خبر بحيرى الراهب (وفيه 3 أحاديث)..................271
الباب الخامس عشر: ذكر ما حكاه خالد بن أسيد بن أبي العيص وطليق بن سفيان ابن أُميَّة عن كبير الرهبان في طريق الشام من معرفته بأمر النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) (وفيه حديث واحد)..................281
الباب السادس عشر: في خبر أبي المويهب الراهب (وفيه حديث واحد)..................285
الباب السابع عشر: خبر سطيح الكاهن (وفيه حديث واحد)..................289
الباب الثامن عشر: خبر يوسف اليهودي بالنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وبصفاته وعلاماته (وفيه حديث واحد)..................297
الباب التاسع عشر: خبر [دواس] بن حواش المقبل من الشام (وفيه حديث واحد)..................301
الباب العشرون: خبر زيد بن عمرو بن نفيل (وفيه 5 أحاديث)..................305
الباب الحادي والعشرون: العلَّة التي من أجلها يُحتاج إلى الإمام (عليه السلام) (وفيه 23 حديثاً)..................311
الباب الثاني والعشرون: اتِّصال الوصيَّة من لدن آدم (عليه السلام) وأنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة لله (عزَّ وجلَّ) على خلقه إلى يوم القيامة (وفيه 65 حديثاً)..................329
[معنى العترة والآل والأهل والذرّيَّة والسلالة]..................370
الباب الثالث والعشرون: نصُّ الله تبارك وتعالى على القائم (عليه السلام) وأنَّه الثاني عشر من الأئمَّة (عليهم السلام) (وفيه 4 أحاديث)..................381
الباب الرابع والعشرون: ما روي عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في النصِّ على القائم (عليه السلام) وأنَّه الثاني عشر من الأئمَّة (عليهم السلام) (وفيه 37 حديثاً)..................393
الباب الخامس والعشرون: ما أخبر به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) من وقوع الغيبة بالقائم (عليه السلام) (وفيه 8 أحاديث)..................433
الباب السادس والعشرون: ما أخبر به أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) من وقوع الغيبة بالقائم الثاني عشر من الأئمَّة (عليهم السلام) (وفيه 19 حديثاً)..................439
الباب السابع والعشرون: ما روي عن سيِّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) من حديث الصحيفة وما فيها من أسماء الأئمَّة وأسماء أُمَّهاتهم وأنَّ الثاني عشر منهم القائم (عليه السلام) (وفيه حديث واحد)..................463
الباب الثامن والعشرون: ذكر النصِّ على القائم (عليه السلام) في اللوح الذي أهداه الله (عزَّ وجلَّ) إلى رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ودفعه إلى فاطمة (عليها السلام) فعرضته على جابر بن عبد الله الأنصاري حتَّى قرأه وانتسخه وأخبر به أبا جعفر محمّد بن عليٍّ الباقر (عليهما السلام) بعد ذلك (وفيه 4 أحاديث)..................469
الباب التاسع والعشرون: ما أخبر به الحسن بن عليِّ بن أبي طالب (عليهما السلام) من وقوع الغيبة بالقائم (عليه السلام) وأنَّه الثاني عشر من الأئمَّة (عليهم السلام) (وفيه حديثان)..................479
الباب الثلاثون: ما أخبر به الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهما السلام) من وقوع الغيبة بالقائم (عليه السلام) وأنَّه الثاني عشر من الأئمَّة (عليهم السلام) (وفيه 5 أحاديث)..................485
الباب الحادي والثلاثون: ما أخبر به سيِّد العابدين عليُّ بن الحسين (عليهما السلام) من وقوع الغيبة بالقائم (عليه السلام) وأنَّه الثاني عشر من الأئمَّة (عليهم السلام) (وفيه 9 أحاديث)..................491
الباب الثاني والثلاثون: ما أخبر به أبو جعفر محمّد بن عليٍّ الباقر (عليهما السلام) من وقوع الغيبة بالقائم (عليه السلام) وأنَّه الثاني عشر من الأئمَّة (عليهم السلام) (وفيه 17 حديثاً)..................501

* * *
بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المركز:
لا يختلف اثنان في أنَّ الأُمَم إنَّما تخلد بتراثها الذي يحفظ كيانها، وأُصولها، ويُثبِّت ارتباطها بجذور عميقة بمبادئها، الأمر الذي يحكي عن قوَّة في الحضارة، ورسوخ في المعتقد.
ولذا اهتمَّت جميع الأطياف البشريَّة بتدوين حضارتها، ومنجزاتها، وما يحفظ كيانها، عبر مختلف وسائل التدوين، بدءاً بالعصور الأُولى للتدوين، وانتهاءً بما وصلت إليه أدوات التدوين اليوم من تطوُّر لم يسبق له نظير.
إلَّا أنَّ المفارقة نجدها واضحة في صدر الإسلام، حيث سعى من تسنُّم دفَّة الحكم، إلى منع تدوين تراث الإسلام (من حديث النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وأهل بيته (عليهم السلام))، وعبر مراحل متعدِّدة، كان أوَّلها العمل على جمع حديث النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، ثمّ إحراق الصُّحُف التي حوته، مروراً بمنع رواية أيِّ حديث ما لم يطَّلع عليه الحاكم ويُمضيه، وانتهاءً بإنزال أشدّ أنواع العقوبات على من يخالف الجهاز الحاكم ويروي من دون إذنهم، أو يروي ما لا يستسيغه الحاكم(1).
إلَّا أنَّ ذلك لم يمنع أهل البيت (عليهم السلام) عن القيام بمهمَّتهم، في الحفاظ على الدِّين الإسلامي بالنسخة الأصليَّة التي أرادها الله تبارك وتعالى، ولأجل ذلك عملوا على تأسيس مدرسة علميَّة محكمة، وربّوا الكثير من التلاميذ الذين أخذوا على عاتقهم حفظ التراث الدِّيني، وبذلوا في سبيل ذلك الغالي والنفيس من أموالهم، وجهودهم، وحتَّى أرواحهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر للتفاصيل: منع تدوين الحديث/ تأليف: السيِّد عليٍّ الشهرستاني.

(٣)

يشهد على هذه الحقيقة، وفرة الروايات التي وصلت إلينا عنهم (عليهم السلام)، عبر الأُصول الأربعمائة التي استندت إليه المدوَّنات الحديثيَّة الضخمة، ومنها الكُتُب الأربعة للمحمّدين الثلاثة، والتي استفاد منها الفقهاء والعلماء والمتخصِّصون في مختلف المجالات المرتبطة بالدِّين، ومنها ما يرتبط بالقضيَّة المهدويَّة.
لقد كتب الكثير من العلماء في القضيَّة المهدويَّة، وعملوا على إشباع جميع جوانبها، وملئ جميع الفراغات فيها، والبحث عن النتوءات الحرجة فيها ومعالجتها، فكانت المكتبة المهدويَّة عامرةً بالكثير من الإصدارات.
هذا، ونجد الكثير من العلماء قد كتبوا في هذه القضيَّة قبل الشيخ الصدوق، ومنهم:
1 - أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الأحمري النهاوندي، سمع منه أبو أحمد القاسم بن محمّد الهمداني في تسع وستِّين ومائتين، له كتاب الغيبة(2).
2 - أبو إسحاق إبراهيم بن صالح الأنماطي الكوفي الأسدي، من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، ثقة، له كتاب الغيبة، يرويه عنه جعفر بن قولويه بواسطة واحدة(3).
3 - أبو محمّد الفضل شاذان بن جبرئيل (الخليل) الأزدي النيسابوري، المتوفَّى سنة (260هـ)، لقي عليَّ بن محمّد التقي (عليه السلام)، له كتاب إثبات الرجعة...(4).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) رجال النجاشي (ص 19/ الرقم 21)، الفهرست (ص 10 و11/ الرقم 11)، الذريعة (ج 16/ ص 74/ الرقم 371).
(3) رجال النجاشي (ص 15/ الرقم 13)، الفهرست (ص 14/ الرقم 19)، معالم العلماء (ص 5/ الرقم 5)، الذريعة (ج 16/ ص 75/ الرقم 373).
(4) رجال النجاشي (ص 306 و307/ الرقم 840)، الفهرست (ص 254 و255/ الرقم 559)، معالم العلماء (ص 90 و91/ الرقم 627)، الذريعة (ج 16/ ص 78/ الرقم 395).

(٤)

4 - أبو بكر خيثمة أحمد بن زهير النسائي، المتوفَّى سنة (279هـ)، له جمع الأحاديث الواردة في المهدي(5).
5 - أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة بن صفوان بن مهران الجمَّال، المعروف بالصفواني، الشريك مع النعماني في القراءة على ثقة الإسلام الكليني، له كتاب الغيبة وكشف الحيرة(6).
6 - أبو جعفر محمّد بن عليِّ بن أبي العزاقر الشلمغاني، المتوفَّى سنة (323هـ)، كان متقدِّماً في أصحابنا ومستقيم الطريقة، فحمله الحسد لأبي القاسم الحسين بن روح على ترك المذهب والدخول في المذاهب الرديَّة، فظهرت منه مقالات منكرة، وخرج في لعنه التوقيع من الناحية، له كتاب الغيبة(7).
7 - أبو بكر محمّد بن القاسم البغدادي، معاصر ابن همَّام الذي تُوفِّي سنة (332هـ)، له كتاب الغيبة(8).
8 - أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيَّاش السلمي السمرقندي، المعروف بالعيَّاشي، كان في أوَّل عمره عامّي المذهب وسمع حديث العامَّة فأكثر منه، ثمّ تبصَّر وعاد إلينا، له كتاب الغيبة(9).
9 - أبو الحسن عليُّ بن مهزيار الدورقي الأهوازي، كان أبوه نصرانيًّا، وقيل: إنَّ عليًّا أيضاً أسلم وهو صغير، ومنَّ الله عليه بمعرفة هذا الأمر، وتفقَّه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) مجلَّة تراثنا/ العدد الأوَّل.
(6) الذريعة (ج 16/ ص 37 و84/ الرقم 157 و420).
(7) كتابه الغيبة كتبه قبل ضلاله. راجع: رجال النجاشي (ص 378/ الرقم 1029)، الذريعة (ج 16/ ص 80/ الرقم 401).
(8) الذريعة (ج 16/ ص 80/ الرقم 403).
(9) رجال النجاشي (ص 350 - 353/ الرقم 944)، الفهرست (ص 317 - 320/ الرقم 690)، معالم العلماء (ص 99 و100/ الرقم 668).

(٥)

وروى عن الرضا وأبي جعفر (عليهما السلام)، واختصَّ بأبي جعفر الثاني، له كتاب القائم(10).
10 - أبو الحسن عليُّ بن محمّد بن إبراهيم بن أبان المعروف بعلَّان الرازي الكليني، خال ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني، وأحد العدَّة الذين يروي عنهم عن سهل بن زياد في كتابه الكافي، له كتاب أخبار القائم (عليه السلام)(11).
11 - أبو الفضل عبَّاس بن هشام الناشري الأسدي، من أصحاب الرضا (عليه السلام)، متوفَّى سنة (220هـ)، له كتاب الغيبة(12).
12 - أبو سعيد عبَّاد بن يعقوب الرواجني الأسدي الكوفي، المتوفَّى سنة (250هـ) أو (271هـ)، له كتاب أخبار المهدي ويُسمِّيه المسند(13).
13 - أبو الحسن سلامة بن محمّد بن إسماعيل (أسماء) بن عبد الله بن موسى بن أبي الأكرم الأرذني (الأزوني)، المتوفَّى سنة (339هـ)، له كتاب الغيبة وكشف الحيرة(14).
14 - أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله ابن الحسين بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، المعروف بابن أخي طاهر، المتوفَّى في ربيع الأوَّل سنة (358هـ)، له كتاب الغيبة وذكر القائم (عليه السلام)(15).
15 - أبو محمّد الحسن بن حمزة بن عليِّ بن عبد الله بن محمّد بن الحسن بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(10) رجال النجاشي (ص 253 و254/ الرقم 664).
(11) الذريعة (ج 1/ ص 345/ الرقم 1803).
(12) رجال النجاشي (ص 380/ الرقم 741)، الذريعة (ج 16/ ص 76/ الرقم 386).
(13) الفهرست (ص 176/ الرقم 374)، معالم (ص 88/ الرقم 612)، الذريعة (ج 1/ ص 352/ الرقم 1852).
(14) رجال النجاشي (ص 192/ الرقم 514)، الذريعة (ج 16/ ص 83/ الرقم 419).
(15) رجال النجاشي (ص 64/ الرقم 149)، الذريعة (ج 16/ ص 83/ الرقم 416).

(٦)

الحسين بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، المعروف بالطبري والمرعش، كان من أجلَّاء هذه الطائفة وفقهائها، تُوفِّي سنة (358هـ)، له كتاب الغيبة(16).
وهكذا استمرَّ البحث والتأليف عن هذه القضيَّة، لأهمّيَّتها، وقد نقل (عبد الجبَّار الرفاعي) في كتابه (معجم ما كُتِبَ عن الرسول وأهل البيت (عليهم السلام)/ القسم الرابع عشر: الإمام محمّد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرجه)) ما يقرب من (1145) عنوان كتاب عن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
وهذا لا يعني أنَّه تمَّ إغلاق ملف هذه القضيَّة، كلَّا، بل إنَّها ما زالت كما بدأت، غضَّة، طريَّة، غير آبية عن الكتابة، والتطوير، والبحث والتنقيب، يشهد على ذلك أنَّه صدر في العصر الحديث عن مركزنا فقط ما يقرب من (86) إصداراً متعلِّقاً بهذه القضيَّة العظيمة.

* * *

ثمّ إنَّه لا شكَّ في أنَّ هناك مصادر أساسيَّة يُعتَمد عليها في أيِّ علم من العلوم، تكون هي العين النابعة بالمعرفة لمن يريد الكتابة في تخصُّص ما، وللقضيَّة المهدويَّة مصادرها الأساسيَّة في ذلك، والتي كانت ولا زالت محطّ نظر الباحثين عنها، حيث يجدون فيها ما يروي ظمأهم المعرفي من المعلومات المهدويَّة الرصينة.
ويتصدَّر قائمة المصادر المهدويَّة كتاب (كمال الدِّين وتمام النعمة) للشيخ الصدوق (قدِّس سرّه)، حيث إنَّه يُمثِّل أقدم مصدر حديثي في هذه القضيَّة، بعد كتاب الغيبة للشيخ النعماني.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(16) رجال النجاشي (ص 64/ الرقم 150)، معالم العلماء (ص 36/ الرقم 215)، الذريعة (ج 16/ ص 76/ الرقم 380).

(٧)

أهمّيَّة هذا المُصنَّف:
إنَّ لكتاب (كمال الدِّين وتمام النعمة) خصائص عديدة، جعلته من أهمّ المصادر المعتمدة في القضيَّة المهدويَّة، وحتَّى تتبيَّن هذه الحقيقة نذكر الأُمور التالية:
الأمر الأوَّل:
إنَّ مؤلِّفه هو الشيخ الجليل الأقدم الصدوق أبو جعفر محمّد بن عليِّ بن الحسين بن بابويه القمِّي المتوفَّى سنه (381هـ)، وهو من الجلالة والوثاقة والعلم ما عرفه القاصي والداني، وإنَّه لأشهر من نار على علم.
وُلِدَ بدعاء صاحب الأمر (عجَّل الله فرجه)، حيث نقل الشيخ الطوسي (رحمه الله) في غيبته قال: قال ابن نوح: وحدَّثني أبو عبد الله الحسين محمّد بن سورة القمِّي (رحمه الله) حين قَدِمَ علينا حاجًّا، قال: حدَّثني عليُّ بن الحسن بن يوسف الصائغ القمِّي ومحمّد ابن أحمد بن محمّد الصيرفي المعروف بابن الدلَّال وغيرهما من مشايخ أهل قم أنَّ عليَّ بن الحسين بن موسى بن بابويه كانت تحته بنت عمِّه محمّد بن موسى بن بابويه فلم يُرزَق منها ولداً، فكتب إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) أنْ يسأل الحضرة أنْ يدعو الله أنْ يرزقه أولاداً فقهاء، فجاء الجواب: «إنَّك لا تُرزَق من هذه، وستملك جارية ديلميَّة وتُرزَق منها ولدين فقيهين»(17).
بل إنَّ الشيخ الصدوق (رحمه الله) نفسه في كتابه كمال الدِّين قال ما نصه:
وَحَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الأَسْوَدُ (رحمه الله)، قَالَ: سَأَلَنِي عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ ابْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ (رحمه الله) بَعْدَ مَوْتِ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ العَمْرِيِّ (رحمه الله) أَنْ أَسْأَلَ أَبَا القَاسِمِ الرَّوْحِيَّ أَنْ يَسْأَلَ مَوْلَانَا صَاحِبَ الزَّمَانِ (عليه السلام) أَنْ يَدْعُوَ اللهَ (عزَّ وجلَّ) أَنْ يَرْزُقَهُ وَلَداً ذَكَراً، قَالَ: فَسَألتُهُ، فَأَنْهَى ذَلِكَ، ثُمَّ أَخْبَرَنِي بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَنَّهُ قَدْ دَعَا لِعَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، وَأَنَّهُ سَيُولَدُ لَهُ وَلَدٌ مُبَارَكٌ يَنْفَعُ [اللهُ] بِهِ وَبَعْدَهُ أَوْلَادٌ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(17) الغيبة للطوسي (ص 309 و310/ ح 261).

(٨)

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الأَسْوَدُ (رحمه الله): وَسَالتُهُ فِي أَمْرِ نَفْسِي أَنْ يَدْعُوَ اللهَ لِي أَنْ يَرْزُقَنِي وَلَداً ذَكَراً، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَيْهِ، وَقَالَ: لَيْسَ إِلَى هَذَا سَبِيلٌ، قَالَ: فَوُلِدَ لِعَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ (رحمه الله) مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَبَعْدَهُ أَوْلَادٌ، وَلَمْ يُولَدْ لِي شَيْءٌ.
الأمر الثاني:
إنَّ الشيخ الصدوق (رحمه الله) كان قد ألَّف هذا الكتاب سنة (354 هـ/ 965م)، أي بعد انتهاء الغيبة الصغرى وبدء الكبرى بخمسة وعشرين عاماً تقريباً، ومن هنا، فهو من أقدم المصادر الروائية المستقلَّة في مجال القضيَّة المهدويَّة، ولم يسبقه في ذلك سوى النعماني في كتابه: الغيبة، والذي ألَّفه عام (342 هـ/953م).
وبذلك يكون هذا الكتاب مرجعاً للبحث في هذه القضيَّة، ولا يستغني عنه أحد في هذا المجال.
الأمر الثالث:
جاء في سبب تأليف الشيخ الصدوق لهذا الكتاب أنَّ الشيخ كان يُقلقه حيرة المؤمنين بالغيبة، وأنَّه كان يبذل قصارى جهده في إرشادهم إلى الحقِّ وردِّهم إلى الصواب بالأخبار الواردة في ذلك عن النبيِّ والأئمَّة (صلوات الله عليهم)، ثمّ إنَّه رأى الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في الرؤيا... يقول الشيخ في مقدّمة كتابه كمال الدِّين:... فأرى مولانا القائم صاحب الزمان (صلوات الله عليه) واقفاً بباب الكعبة، فأدنو منه على شغل قلب وتقسُّم فكر، فعلم (عليه السلام) ما في نفسي بتفرُّسه في وجهي، فسلَّمت عليه، فردَّ عليَّ السلام، ثمّ قال لي: «لِـمَ لَا تُصَنِّفُ كِتَاباً فِي الغَيْبَةِ حَتَّى تُكْفَى مَا قَدْ هَمَّكَ؟»، فقلت له: يا ابن رسول الله، قد صنَّفت في الغيبة أشياء، فقال (عليه السلام): «لَيْسَ عَلَى ذَلِكَ السَّبِيلِ، آمُرُكَ أَنْ تُصَنِّفَ الآنَ كِتَاباً فِي الغَيْبَةِ واذْكُرْ فِيهِ غَيْبَاتِ الأَنْبِيَاءِ (عليهم السلام)»، ثمّ مضى (صلوات الله عليه)، فانتبهت

(٩)

فزعاً إلى الدعاء والبكاء والبثِّ والشكوى إلى وقت طلوع الفجر، فلمَّا أصبحت ابتدأت في تأليف هذا الكتاب ممتثلاً لأمر وليِّ الله وحجَّته، مستعيناً بالله ومتوكِّلاً عليه ومستغفراً من التقصير، ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: 88].
الأمر الرابع:
ابتدأ المصنِّف كتابه بمقدّمة طويلة، ذكر فيها الكثير من الاستدلالات التي ردَّ بها مزاعم المدَّعين من الكيسانيَّة والناووسيَّة والواقفة والزيديَّة وغيرهم، بالإضافة إلى أنَّه أجاب عن الشُّبُهات المطروحة حول الغيبة، فضلاً عن مناظراته مع بعض الملحدين، وهي مقدّمة غنيَّة بالمعلومات ثريَّة بالاستدلالات العلميَّة والمنطقيَّة الرصينة، حريٌّ بها أنْ تكون كتاباً مستقلّاً، وحريٌّ بالباحثين أنْ يولوها جُلَّ اهتمامهم بالتحقيق والتعليق والشرح.
ثمّ بدأ بفصول كتابه وسرد الروايات المهدوية، والتي بلغ عددها الكلِّي (572) رواية، توزَّعت على (58) باباً، تجدها بالتفصيل في فهرست الكتاب.
من كلِّ ما تقدَّم، تتبيَّن أهمّيَّة هذا الكتاب، من جهة جلالة مؤلِّفه، وقِدَم كتابته، وبركة تأليفه، وشموليَّة عناوينه ومضامينه.
من هنا، ارتأى مركزنا أنْ يقوم بإعادة طباعة هذا الكتاب، بحُلَّة جديدة.
عملنا في الكتاب:
1 - اعتمادنا على نسخة الكتاب الموجودة في مكتبة أهل البيت (عليهم السلام)/ تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري/ طبع ونشر مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المقدَّسة/ محرَّم الحرام 1405هـ.
2 - أتينا بالأحاديث محرَّكة لتسهيل القراءة على القارئ الكريم.

(١٠)

3 - أضفنا إلى الكتاب بعض الشروحات من الكُتُب التالية:
أ) شرح أُصول الكافي لمولى محمّد صالح المازندراني/ ضبط وتصحيح: السيِّد عليّ عاشور/ طبع ونشر دار إحياء التراث العربي/ ط 1/ 1421هـ.
ب) روضة المتَّقين في شرح من لا يحضره الفقيه لمحمّد تقي المجلسي (الأوَّل)/ تصحيح وتحقيق: السيِّد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي بناه الاشتهاردي/ طبع ونشر مؤسَّسة فرهنگي إسلامي كوشانبور/ قم/ ط 2/ 1406هـ.
ج) مرآة العقول في شرح أخبار الرسول للعلَّامة المجلسي/ نشر دار الكُتُب الإسلاميَّة/ ط 2/ 1404هـ.
د) بحار الأنوار الجامعة لدُرَر أخبار الأئمَّة الأطهار للعلَّامة المجلسي/ نشر مؤسَّسة الوفاء/ ط 2/ 1403هـ/ بيروت.
4 - قمنا بتغيير أرقام صفحات جميع مصادر التحقيق وأتينا بها من مكتبة أهل البيت (عليهم السلام).
نسأل الله تعالى أنْ يُوفِّق جميع المؤمنين لخدمة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) والقضيَّة المهدويَّة، وأنْ يجعل عملنا هذا في عينه، وأنْ يبارك فيه ليكون ومضة نور في طريق التمهيد لظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).

مركز الدراسات التخصَّصيَّة في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)

(١١)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الحيِّ القادر العليم الحكيم، تقدَّس وتعالى عن صفة المخلوقين، ذي الجلال والإكرام، والإفضال والإنعام، والمشيئة النافذة والإرادة الكاملة، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: 11]، ﴿لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ﴾ [الأنعام: 103].
وأشهد أنْ لا إِله إِلَّا الله وحده لا شريك له، خالق كلِّ شيء، ومالك كلِّ شيء، وجاعل كلِّ شيء، ومحدِث كلِّ شيء، وربُّ كلِّ شيء، وأنَّه يقضي بالحقِّ، ويعدل في الحكم، ويحكم بالقسط، ويأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، ولا يُكلِّف نفساً إلَّا وسعها، ولا يُحمِّلها فوق طاقتها، وله الحجَّة البالغة، ولو شاء لهدى الناس أجمعين، يدعو إِلى دارِ السلامِ ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. لا يعجل بالعقوبة، ولا يُعذِّب إلَّا بعد إيضاح الحجَّة وتقديم الآيات والنذارة، لم يستعبد عباده بما لم يُبيِّنه لهم، ولم يأمرهم إطاعة من لم ينصبه لهم، ولم يكلهم إلى أنفسهم واختيارهم وآرائهم بطاعته واختراعهم في خلافته(18)، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيراً.
وأشهد أنَّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عبده ورسوله وأمينه، وأنَّه بلَّغ عن ربِّه، ودعا إلى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(18) في بعض النُّسَخ: (في دينه).

(١٥)

سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، وعمل بالكتاب وأمر باتِّباعه، وأوصى بالتمسُّك به وبعترته الأئمَّة بعده(19) (صلوات الله عليهم)، وأنَّهما لن يفترقا حتَّى يردا عليه حوضه، وأنَّ اعتصام المسلمين بهما على المحجَّة الواضحة(20)، والطريقة المستقيمة، والحنيفيَّة البيضاء التي ليلها كنهارها وباطنها كظاهرها، ولم يدع أُمَّته في شبهة ولا عمى من أمره، ولم يدَّخر عنهم دلالة ولا نصيحة ولا هداية، ولم يدع برهاناً ولا حجَّةً إلَّا أوضح سبيلها وأقام لهم دليلها، ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: 165]، و﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ [الأنفال: 42].
وأشهد أنَّه ليس بـ ﴿مُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: 36]، وأنَّ الله يخلق من ﴿يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ [القَصص: 68]، وأنَّهم لا يؤمنون حتَّى يُحكِّموه ﴿فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا﴾ قضاه ﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [النساء: 65].
وأنَّ من حرَّم حلالاً ومن حلَّل حراماً، أو غيَّر سُنَّةً، أو نقَّص فريضةً، أو بدَّل شريعةً، أو أحدث بدعةً، يريد أنْ يُتَّبع عليها ويصرف وجوه الناس إليها، فقد أقام نفسه لله شريكاً، ومن أطاعه فقد ادَّعى مع الله ربًّا، و﴿بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ﴾ [الأنفال: 16]، و﴿مَأْوَاهُ النَّارُ﴾ [المائدة: 72]، و﴿بِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: 151]، و﴿حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ﴾ [المائدة: 5]، وصلَّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(19) في نسخة: (بعد وفاته).
(20) في بعض النُّسَخ: (وأنَّه يدلُّ المسلمين بهما على المحجَّة الواضحة).

(١٦)

[سبب تأليف الكتاب]:
قال الشيخ الفقيه أبو جعفر محمّد بن عليِّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمِّي مصنِّف هذا الكتاب (أعانه الله على طاعته):
إنَّ الذي دعاني إلى تأليف كتابي هذا، أنِّي لـمَّا قضيت وطري من زيارة عليِّ ابن موسى الرضا (صلوات الله عليه) رجعت إلى نيسابور وأقمت بها، فوجدت أكثر المختلفين إليَّ(21) من الشيعة قد حيَّرتهم الغيبة، ودخلت عليهم في أمر القائم (عليه السلام) الشبهة، وعدلوا عن طريق التسليم إلى الآراء والمقائيس، فجعلت أبذل مجهودي في إرشادهم إلى الحقِّ وردِّهم إلى الصواب بالأخبار الواردة في ذلك عن النبيِّ والأئمَّة (صلوات الله عليهم)، حتَّى ورد إلينا من بخارا شيخ من أهل الفضل والعلم والنباهة ببلد قم، طالما تمنَّيت لقاءه واشتقت إلى مشاهدته لدينه وسديد رأيه واستقامة طريقته، وهو الشيخ نجم الدِّين أبو سعيد محمّد بن الحسن بن محمّد بن أحمد بن عليِّ بن الصلت القمِّي (أدام الله توفيقه)، وكان أبي يروي عن جدِّه محمّد بن أحمد بن عليِّ بن الصلت (قدَّس الله روحه)، ويصف علمه وعمله وزهده وفضله وعبادته، وكان أحمد بن محمّد بن عيسى في فضله وجلالته يروي عن أبي طالب عبد الله بن الصلت القمِّي (رضي الله عنه)، وبقي(22) حتَّى لقيه محمّد بن الحسن الصفَّار وروى عنه، فلمَّا أظفرني الله (تعالى ذكره) بهذا الشيخ الذي هو من أهل هذا البيت الرفيع شكرت الله (تعالى ذكره) على ما يسَّر لي من لقائه وأكرمني به من إخائه وحباني به من ودِّه وصفائه، فبينا هو يُحدِّثني ذات يوم إذ ذكر لي عن رجل قد لقيه ببخارا من كبار الفلاسفة والمنطقيِّين كلاماً في القائم (عليه السلام) قد حيَّره وشكَّكه في أمره لطول غيبته وانقطاع أخباره، فذكرت له

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(21) الاختلاف بمعنى التردُّد، أي الذهاب والمجيء.
(22) يعني عبد الله بن الصلت.

(١٧)

فصولاً في إثبات كونه (عليه السلام)، ورويت له أخباراً في غيبته عن النبيِّ والأئمَّة (عليهم السلام) سكنت إليها نفسه، وزال بها عن قلبه ما كان دخل عليه من الشكِّ والارتياب والشبهة، وتلقَّى ما سمعه من الآثار الصحيحة بالسمع والطاعة والقبول والتسليم، وسألني أنْ أُصنِّف [له] في هذا المعنى كتاباً، فأجبته إلى ملتمسه ووعدته جمع ما ابتغى إذا سهَّل الله لي العود إلى مستقرِّي ووطني بالريِّ.
فبينا أنا ذات ليلة أُفكِّر فيما خلَّفت ورائي من أهل وولد وإخوان ونعمة إذ غلبني النوم، فرأيت كأنِّي بمكَّة أطوف حول بيت الله الحرام وأنا في الشوط السابع عند الحجر الأسود أستلمه وأُقبِّله، وأقول: أمانتي أدَّيتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، فأرى مولانا القائم صاحب الزمان (صلوات الله عليه) واقفاً بباب الكعبة، فأدنو منه على شغل قلب وتقسُّم فكر، فعلم (عليه السلام) ما في نفسي بتفرُّسه في وجهي، فسلَّمت عليه، فردَّ عليَّ السلام، ثمّ قال لي: «لِـمَ لَا تُصَنِّفُ كِتَاباً فِي الغَيْبَةِ حَتَّى تُكْفَى مَا قَدْ هَمَّكَ؟»، فقلت له: يا ابن رسول الله، قد صنَّفت في الغيبة أشياء، فقال (عليه السلام): «لَيْسَ عَلَى ذَلِكَ السَّبِيلِ، آمُرُكَ أَنْ تُصَنِّفَ [وَلَكِنْ صَنِّفِ](23) الآنَ كِتَاباً فِي الغَيْبَةِ واذْكُرْ فِيهِ غَيْبَاتِ الأَنْبِيَاءِ (عليهم السلام)»، ثمّ مضى (صلوات الله عليه)، فانتبهت فزعاً إلى الدعاء والبكاء والبثِّ والشكوى إلى وقت طلوع الفجر، فلمَّا أصبحت ابتدأت في تأليف هذا الكتاب ممتثلاً لأمر وليِّ الله وحجَّته، مستعيناً بالله ومتوكِّلاً عليه ومستغفراً من التقصير، ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: 88].
[الخليفة قبل الخليقة]:
أمَّا بعد، فإنَّ الله تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً...﴾ الآية [البقرة: 30]، فبدأ (عزَّ وجلَّ)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(23) كذا في النُّسَخ.

(١٨)

بالخليفة قبل الخليقة، فدلَّ ذلك على أنَّ الحكمة في الخليفة أبلغ من الحكمة في الخليقة، فلذلك ابتدأ به، لأنَّه سبحانه حكيم، والحكيم من يبدأ بالأهمّ دون الأعمّ، وذلك تصديق قول الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) حيث يقول: «الحُجَّةُ قَبْلَ الخَلْقِ، وَمَعَ الخَلْقِ، وَبَعْدَ الخَلْقِ»(24)، ولو خلق الله (عزَّ وجلَّ) الخليقة خلوا من الخليفة لكان قد عرَّضهم للتلف، ولم يردع السفيه عن سفهه بالنوع الذي توجب حكمته من إقامة الحدود وتقويم المفسد. واللحظة الواحدة لا تُسوِّغ الحكمة ضرب صفح عنها(25)، إنَّ الحكمة تعمُّ كما أنَّ الطاعة تعمُّ، ومن زعم أنَّ الدنيا تخلو ساعة من إمام لزمه أنْ يُصحِّح مذهب البراهمة في إبطالهم الرسالة، ولولا أنَّ القرآن نزل بأنَّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) خاتم الأنبياء لوجب كون رسول في كلِّ وقت، فلمَّا صحَّ ذلك لارتفع معنى كون الرسول بعده وبقيت الصورة المستدعية للخليفة في العقل، وذلك أنَّ الله (تقدَّس ذكره) لا يدعو إلى سبب إلَّا بعد أنْ يُصوِّر في العقول حقائقه، وإذا لم يُصوِّر ذلك لم تتَّسق الدعوة ولم تثبت الحجَّة، وذلك أنَّ الأشياء تألف أشكالها، وتنبو عن أضدادها، فلو كان في العقل إنكار الرُّسُل لما بعث الله (عزَّ وجلَّ) نبيًّا قطُّ.
مثال ذلك: الطبيب يعالج المريض بما يوافق طباعه، ولو عالجه بدواء يخالف طباعه أدَّى ذلك إلى تلفه، فثبت أنَّ الله أحكم الحاكمين لا يدعو إلى سبب إلَّا وله في العقول صورة ثابتة، وبالخليفة يُستَدلُّ على المستخلِف كما جرت به العادة في العامَّة والخاصَّة، وفي المتعارف متى استخلف مَلِك ظالماً استُدِلَّ بظلم خليفته على ظلم مستخلِفه، وإذا كان عادلاً استُدِلَّ بعدله على عدل مستخلِفه، فثبت أنَّ خلافة الله توجب العصمة، ولا يكون الخليفة إلَّا معصوماً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(24) سيأتي مسنداً تحت الرقم (75/5)، فانتظر.
(25) يعني عن إقامة الحدود.

(١٩)

[وجوب طاعة الخليفة]:
ولـمَّا استخلف الله (عزَّ وجلَّ) آدم في الأرض أوجب على أهل السماوات الطاعة له، فكيف الظنُّ بأهل الأرض؟ ولـمَّا أوجب الله (عزَّ وجلَّ) على الخلق الإيمان بملائكة الله، وأوجب على الملائكة السجود لخليفة الله، ثمّ لـمَّا امتنع ممتنع من الجنِّ عن السجود له أحلَّ الله به الذلُّ والصغار والدمار، وأخزاه ولعنه إلى يوم القيامة، علمنا بذلك رتبة الإمام وفضله، وأنَّ الله تبارك وتعالى لـمَّا أعلم الملائكة أنَّه جاعل في الأرض خليفة أشهدهم على ذلك، لأنَّ العلم شهادة، فلزم من ادَّعى أنَّ الخلق يختار الخليفة أنْ تشهد ملائكة الله كلُّهم عن آخرهم عليه، والشهادة العظيمة تدلُّ على الخطب العظيم كما جرت به العادة في الشاهد، فكيف وأنَّى ينجو صاحب الاختيار من عذاب الله وقد شهدت عليه ملائكة الله أوَّلهم وآخرهم؟ وكيف وأنَّى يُعذَّب صاحب النصِّ وقد شهدت له ملائكة الله كلُّهم؟
وله وجه آخر، وهو: أنَّ القضيَّة في الخليفة باقية إلى يوم القيامة، ومن زعم أنَّ الخليفة أراد به النبوَّة فقد أخطأ من وجه، وذلك أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) وعد أنْ يستخلف من هذه الأُمَّة (الفاضلة) خلفاء راشدين كما قال (جلَّ وتقدَّس): ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ [النور: 55]، ولو كانت قضيَّة الخلافة قضيَّة النبوَّة أوجب حكم الآية أنْ يبعث الله (عزَّ وجلَّ) نبيًّا بعد محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وما صحَّ قوله: ﴿وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب: 40]، فثبت أنَّ الوعد من الله (عزَّ وجلَّ) ثابت من غير النبوَّة، وثبت أنَّ الخلافة تخالف النبوَّة بوجه، وقد يكون الخليفة غير نبيٍّ، ولا يكون النبيُّ إلَّا خليفة.
وآخر، هو: أنَّه (عزَّ وجلَّ) أراد أنْ يُظهِر باستعباده الخلق بالسجود لآدم (عليه السلام)

(٢٠)

نفاق المنافق وإخلاص المخلص، كما كشفت الأيَّام والخبر عن قناعيهما أعني ملائكة الله والشيطان، ولو وكَّل ذلك المعنى - من اختيار الإمام - إلى من أضمر سوءاً لما كشفت الأيَّام عنه بالتعرُّض، وذلك أنَّه يختار المنافق من سمحت نفسه بطاعته والسجود له، فكيف وأنَّى يُوصَل إلى ما في الضمائر من النفاق والإخلاص والحسد والداء الدفين؟
ووجه آخر، وهو: أنَّ الكلمة تتفاضل على أقدار المخاطِب والمخاطَب، فخطاب الرجل عبده يخالف خطاب سيِّده، والمخاطِب كان الله (عزَّ وجلَّ)، والمخاطَبون ملائكة الله أوَّلهم وآخرهم، والكلمة العموم لها مصلحة عموم كما أنَّ الكلمة الخصوص لها مصلحة خصوص، والمثوبة في العموم أجلُّ من المثوبة في الخصوص، كالتوحيد الذي هو عموم على عامَّة خلق الله يخالف الحجَّ والزكاة وسائر أبواب الشرع الذي هو خصوص، فقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً﴾ دلَّ على أنَّ فيه معنى من معاني التوحيد لما أخرجه مخرج العموم، والكلمة إذا جاورت الكلمة في معنى لزمها ما لزم أُختها إذا جمعهما معنى واحد، ووجه ذلك أنَّ الله سبحانه علم أنَّ من خلقه من يُوحِّده ويأتمر لأمره، وأنَّ لهم أعداء يعيبونهم ويستبيحوا حريمهم، ولو أنَّه (عزَّ وجلَّ) قصَّر الأيدي عنهم جبراً وقهراً لبطلت الحكمة وثبت الإجبار رأساً(26)، وبطل الثواب والعقاب والعبادات، ولـمَّا استحال ذلك وجب أنْ يدفع عن أوليائه بضرب من الضروب لا تبطل به ومعه العبادات والمثوبات، فكان الوجه في ذلك إقامة الحدود كالقطع والصلب والقتل والحبس وتحصيل الحقوق، كما قيل: (ما يزع السلطان أكثر ممَّا يزع القرآن)(27)، وقد نطق بمثله قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(26) في بعض النُّسَخ: (لبطلت الحكمة وتنيه الاختيار)، وفى بعضها: (وفائدة الاختيار)، وفى بعضها: (وتب الاختيار).
(27) أي ما يمنع الحاكم أكثر ممَّا يمنع القرآن.

(٢١)

صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ﴾ [الحشر: 13]، فوجب أنْ ينصب (عزَّ وجلَّ) خليفة يقصر من أيدي أعدائه عن أوليائه ما تصحُّ به ومعه الولاية، لأنَّه لا ولاية مع من أغفل الحقوق وضيَّع الواجبات ووجب خلعه في العقول، جلَّ الله تعالى عن ذلك.
و(الخليفة) اسم مشترك لأنَّه لو أنَّ رجلاً بنى مسجداً ولم يُؤذِّن فيه ونصب فيه مؤذِّناً كان مؤذِّنه، فأمَّا إذا أذَّن فيه أيَّاماً ثمّ نصب فيه مؤذِّناً كان خليفته، وكذلك الصورة في العقول والمعارف متى قال البندار(28): (هذا خليفتي)، كان خليفته على البندرة لا على البريد والمظالم، فكذلك القول في صاحبي البريد والمظالم، فثبت أنَّ الخليفة من الأسماء المشتركة، فكان من صفة الله (تعالى ذكره) الانتصاف لأوليائه من أعدائه، فوكَّل من ذلك معنى إلى خليفته، فلهذا الشأن استحقَّ معنى الخليفة دون معنى أنْ يتَّخذ شريكاً معبوداً مع الله سبحانه، ولهذا من الشأن قال الله تبارك وتعالى لإبليس: ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ﴾، ثمّ قال (عزَّ وجلَّ): ﴿بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ﴾ [ص: 75]، وذلك أنَّه يقطع العذر ولا يُوهِم أنَّه خليفة شارك الله في وحدته، فقال - بعد ما عرفت أنَّه خلق الله -: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ﴾، ثمّ قال: ﴿بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ(29)، واليد في اللغة قد تكون بمعنى النعمة، وقد كان لله (عزَّ وجلَّ) عليه نعمتان حوتا نِعَماً(30)، كقوله (عزَّ وجلَّ):

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(28) البندار - بضمِّ الميم -: من بيده ديوان الخراج، ويقال لمحمّد بن بشَّار البصري: (بندار) لأنَّه جمع حديث أهل بلده.
(29) يعنى الباء في قوله: ﴿بِيَدَيَّ﴾ ليست متعلِّقة بـ ﴿خَلَقْتُ﴾ حتَّى تكون اليد بمعنى القدرة، بل متعلِّقة بفعل متأخِّر هو قوله: ﴿أَسْتَكْبَرْتَ﴾. أقول: وفيه ما لا يخفى، لأنَّ الهمزة للاستفهام بقرينة ﴿أَمْ﴾، وشأنها الصدر، وعليه فلا يصحُّ أنْ يكون ما قبلها معمولاً لما بعدها كما حُقِّق في محلِّه، وفى حديث عن الرضا (عليه السلام)، قال: «يعنى بقدرتي وقوَّتي» (عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1/ ص 110/ ح 13).
(30) في بعض النُّسَخ: (جرَّتا نِعَماً)، وكذا ما يأتي.

(٢٢)

﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان: 20]، وهما نعمتان حوتا نِعَماً لا تُحصى، ثمّ غلَّظ عليه القول بقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ﴾، كقول القائل: (بسيفي تقاتلني؟ وبرمحي تطاعنني؟)، وهذا أبلغ في القبح وأشنع، فقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً﴾ كانت كلمة متشابهة أحد وجوهها أنَّه يُتصوَّر عند الجاهل أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يستشير خلقه في معنى التبس عليه، ويُتصوَّر عند المستدلِّ إذا استدلَّ على الله (عزَّ وجلَّ) بأفعاله المحكمة وجلالته الجليلة أنَّه جلَّ عن أنْ يلتبس عليه معنى أو يستعجم عليه حال فإنَّه لا يعجزه شيء في السماوات والأرض، والسبيل في هذه الآية المتشابهة كالسبيل في أخواتها من الآيات المتشابهات أنَّها تُرَدُّ إلى المحكمات ممَّا يُقطَع به ومعه العذر للمتطرِّق إلى السفه والإلحاد.
فقوله: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً﴾ يدلُّ على معنى هدايتهم لطاعة جليلة مقترنة بالتوحيد، نافية عن الله (عزَّ وجلَّ) الخلع والظلم وتضييع الحقوق وما تصحُّ به ومعه الولاية، فتكمل معه الحجَّة، ولا يبقى لأحد عذر في إغفال حقٍّ.
وأُخرى، أنَّه (عزَّ وجلَّ) إذا علم استقلال أحد من عباده لمعنى من معاني الطاعات ندبه له حتَّى تحصل له به عبادة ويستحقُّ معها مثوبة على قدرها ما لو أغفل ذلك جاز أنْ يغفل جميع معاني حقوق خلقه أوَّلهم وآخرهم، جلَّ الله عن ذلك. فللقوام بحقوق الله وحقوق خلقه مثوبة جليلة متى فكَّر فيها مفكِّر عرف أجزاءها، إذ لا وصول إلى كلِّها لجلالتها وعظم قدرها، وأحد معانيها وهو جزء من أجزائها أنَّه يسعد بالإمام العادل النملة والبعوضة والحيوان أوَّلهم وآخرهم، بدلالة قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، ويدلُّ على صحَّة ذلك قوله (عزَّ وجلَّ) في قصَّة نوح (عليه السلام): ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ

(٢٣)

إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً...﴾ الآية [نوح: 10 و11]. ثمّ من المدرار ما ينتفع به الإنسان وسائر الحيوان، وسبب ذلك الدعاة إلى دين الله والهداة إلى حقِّ الله، فمثوبته على أقداره، وعقوبته على من عانده بحسابه. ولهذا نقول: إنَّ الإمام يُحتاج إليه لبقاء العالم على صلاحه.
وقد أخرجت الأخبار التي رويتها في هذا المعنى في هذا الكتاب في باب العلَّة التي يُحتاج من أجلها إلى الإمام.
[ليس لأحد أنْ يـختار الخليفة إلا الله (عزَّ وجلَّ)]:
وقول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً﴾، ﴿جَاعِلٌ﴾ منوَّن(31) صفة الله التي وصف بها نفسه، وميزانه قوله: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ﴾ [ص: 71]، فنوَّنه ووصف به نفسه، فمن ادَّعى أنَّه يختار الإمام وجب أنْ يخلق بشراً من طين، فلمَّا بطل هذا المعنى بطل الآخر، إذ هما في حيِّز واحد.
ووجه آخر، وهو: أنَّ الملائكة في فضلهم وعصمتهم لم يصلحوا لاختيار الإمام حتَّى تولَّى الله ذلك بنفسه دونهم، واحتجَّ به على عامَّة خلقه أنَّه لا سبيل لهم إلى اختياره لـمَّا لم يكن للملائكة سبيل إليه مع صفائهم ووفائهم وعصمتهم، ومدح الله إيَّاهم في آيات كثيرة، مثل قوله سبحانه: ﴿بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ [الأنبياء: 26 و27]، وكقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6].
ثمّ إنَّ الإنسان بما فيه من السفه والجهل كيف وأنَّى يستتبُّ له(32) ذلك؟ فهذا والأحكام دون الإمامة مثل الصلاة والزكاة والحجِّ وغير ذلك لم يكل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(31) يعني قوله تعالى: ﴿جَاعِلٌ﴾ بالتنوين يفيد الحصر.
(32) أي يُهيِّؤ ويستقيم له. وفى بعض النُّسَخ: (يستثبت له).

(٢٤)

الله (عزَّ وجلَّ) شيئاً من ذلك إلى خلقه، فكيف وكَّل إليهم الأهمَّ الجامع للأحكام كلِّها والحقائق بأسرها؟
[وجوب وحدة الخليفة في كلِّ عصر]:
وفي قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿خَلِيفَةً﴾ إشارة إلى خليفة واحدة ثبت به ومعه إبطال قول من زعم أنَّه يجوز أنْ تكون في وقت واحد أئمَّة كثيرة، وقد اقتصر الله (عزَّ وجلَّ) على الواحد، ولو كانت الحكمة ما قالوه وعبَّروا عنه لم يقتصر الله (عزَّ وجلَّ) على الواحد، ودعوانا مُحاذٍ لدعواهم. ثمّ إنَّ القرآن يُرجِّح قولنا دون قولهم، والكلمتان إذا تقابلتا ثمّ رُجِّح إحداهما على الأُخرى بالقرآن، كان الرجحان أولى.
[لزوم وجود الخليفة]:
ولقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ...﴾ الآية في الخطاب الذي خاطب الله (عزَّ وجلَّ) به نبيَّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لـمَّا قال: ﴿رَبُّكَ﴾ من أصحّ الدليل على أنَّه سبحانه يستعمل هذا المعنى في أُمَّته إلى يوم القيامة، فإنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة له عليهم، ولولا ذلك لما كان لقوله: ﴿رَبُّكَ﴾ حكمة، وكان يجب أنْ يقول: (ربُّهم)، وحكمة الله في السلف كحكمته في الخلف لا يختلف في مرِّ الأيَّام وكرِّ الأعوام، وذلك أنَّه (عزَّ وجلَّ) عدل حكيم لا يجمعه وأحد من خلقه نسب، جلَّ الله عن ذلك.
[وجوب عصمة الإمام]:
ولقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً...﴾ الآية [البقرة: 30] معنى، وهو أنَّه (عزَّ وجلَّ) لا يستخلف إلَّا من له نقاء السريرة ليبعد عن الخيانة، لأنَّه لو اختار من لا نقاء له في السريرة كان قد خان خلقه، لأنَّه لو أنَّ دلَّالاً قدَّم حمَّالاً خائناً إلى تاجر فحمل له حملاً فخان فيه كان

(٢٥)

الدلَّال خائناً، فكيف تجوز الخيانة على الله (عزَّ وجلَّ) وهو يقول - وقوله الحقُّ -: ﴿أَنَّ اللهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الخَائِنِينَ﴾ [يوسف: 52]، وأدَّب محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً﴾ [النساء: 105]؟ فكيف وأنَّى يجوز أنْ يأتي ما ينهى عنه، وقد عيَّر اليهود بسمة النفاق وقال: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 44]؟
وفي قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً﴾، حجَّة قويَّة في غيبة الإمام (عليه السلام)، وذلك أنَّه (عزَّ وجلَّ) لـمَّا قال: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً﴾ أوجب بهذا اللفظ معنى وهو أنْ يعتقدوا طاعته، فاعتقد عدوُّ الله إبليس بهذه الكلمة نفاقاً وأضمره حتَّى صار به منافقاً، وذلك أنَّه أضمر أنَّه يخالفه متى استُعبِدَ بالطاعة له، فكان نفاقه أنكر النفاق لأنَّه نفاق بظهر الغيب، ولهذا من الشأن صار أخزى المنافقين كلِّهم. ولـمَّا عرَّف الله (عزَّ وجلَّ) ملائكته ذلك أضمروا الطاعة له واشتاقوا إليه، فأضمروا نقيض ما أضمره الشيطان فصار لهم من الرتبة عشرة أضعاف ما استحقَّ عدوُّ الله من الخزي والخسار. فالطاعة والموالاة بظهر الغيب أبلغ في الثواب والمدح، لأنَّه أبعد من الشبهة والمغالطة، ولهذا روي عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أنَّه قال: «مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ نَادَاهُ مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ: ولَكَ مِثْلَاهُ»(33).
وإنَّ الله تبارك وتعالى أكَّد دينه بالإيمان بالغيب، فقال: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ...﴾ الآية [البقرة: 2 و3]، فالإيمان بالغيب أعظم مثوبةً لصاحبه، لأنَّه خلوٌ من كلِّ عيب وريب، لأنَّ بيعة الخليفة وقت المشاهدة قد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(33) روى قريباً منه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 2/ ص 507/ باب الدعاء للإخوان بظهر الغيب/ ح 4، وج 4/ ص 465 و466/ باب الوقوف بعرفة وحدِّ الموقف/ ح 9)، والمفيد (رحمه الله) في الاختصاص (ص 84)، والطوسي (رحمه الله) في تهذيب الأحكام (ج 5/ ص 185/ ح 617/21).

(٢٦)

يُتوهَّم على المبايَع أنَّه إنَّما يطيع رغبةً في خير أو مال، أو رهبةً من قتل، أو غير ذلك ممَّا هو عادات أبناء الدنيا في طاعة ملوكهم، وإيمان الغيب مأمون من ذلك كلِّه، ومحروس من معايبه بأصله، يدلُّ على ذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ [غافر: 84 و85].
ولـمَّا حصل للمتعبِّد ما حصل من الإيمان بالغيب لم يحرم الله (عزَّ وجلَّ) ذلك ملائكته، فقد جاء في الخبر أنَّ الله سبحانه قال هذه المقالة للملائكة قبل خلق آدم بسبعمائة عام، وكان يحصل في هذه المدَّة الطاعة لملائكة الله على قدرها. ولو أنكر منكر هذا الخبر والوقت والأعوام لم يجد بُدًّا من القول بالغيبة ولو ساعة واحدة، والساعة الواحدة لا تتعرَّى من حكمة ما، وما حصل من الحكمة في الساعة حصل في الساعتين حكمتان، وفي الساعات حِكَم، وما زاد في الوقت إلَّا زاد في المثوبة، وما زاد في المثوبة إلَّا كشف عن الرحمة، ودلَّ على الجلالة، فصحَّ الخبر أنَّ فيه تأييد الحكمة وتبليغ الحجَّة.
وفي قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً﴾ حجَّة في غيبة الإمام (عليه السلام) من أوجه كثيرة:
أحدها: أنَّ الغيبة قبل الوجود أبلغ الغيبات كلِّها، وذلك أنَّ الملائكة ما شهدوا(34) قبل ذلك خليفة قطُّ، وأمَّا نحن فقد شاهدنا خلفاء كثيرين غير واحد قد نطق به القرآن وتواترت به الأخبار حتَّى صارت كالمشاهدة، والملائكة لم يشهدوا(35) واحداً منهم، فكانت تلك الغيبة أبلغ.
وآخر: أنَّها كانت غيبة من الله (عزَّ وجلَّ)، وهذه الغيبة التي للإمام (عليه السلام) هي من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(34) في بعض النُّسَخ: (ما شاهدوا).
(35) في بعض النُّسَخ: (لم يعهدوا).

(٢٧)

قِبَل أعداء الله تعالى، فإذا كان في الغيبة التي هي من الله (عزَّ وجلَّ) عبادة لملائكته فما الظنُّ بالغيبة التي هي من أعداء الله؟ وفي غيبة الإمام (عليه السلام) عبادة مخلصة(36) لم تكن في تلك الغيبة، وذلك أنَّ الإمام الغائب (عليه السلام) مقموع مقهور مزاحَم في حقِّه، قد غُلِبَ قهراً، و[جرى] على شيعته [قسراً] من أعداء الله ما جرى من سفك الدماء ونهب الأموال وإبطال الأحكام والجور على الأيتام وتبديل الصدقات وغير ذلك ممَّا لا خفاء به، ومن اعتقد موالاته شاركه في أجره وجهاده وتبرَّأ من أعدائه، وكان له في براءة مواليه من أعدائه أجر، وفي ولاية أوليائه أجر يربو على أجر ملائكة الله (عزَّ وجلَّ) على الإيمان بالإمام المغيَّب في العدم، وإنَّما قصَّ الله (عزَّ وجلَّ) نبأه قبل وجوده توقيراً وتعظيماً له ليستعبد له الملائكة ويتشمَّروا لطاعته.
وإنَّما مثال ذلك تقديم المَلِك فيما بيننا بكتاب أو رسول إلى أوليائه أنَّه قادم عليهم حتَّى يتهيَّئوا لاستقباله وارتياد الهدايا له ما يقطع به ومعه عذرهم في تقصير إنْ قصَّروا في خدمته، كذلك بدأ الله (عزَّ وجلَّ) بذكر نبئه إبانةً عن جلالته ورتبته، وكذلك قضيَّته في السلف والخلف، فما قبض خليفة إلَّا عرَّف خلقه الخليفة الذي يتلوه، وتصديق ذلك قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ...﴾ الآية [هود: 17]، والذي على بيِّنة من ربِّه محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، والشاهد الذي يتلوه عليُّ بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام)، دلالته قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً﴾، والكلمة من كتاب موسى المحاذية لهذا المعنى حذو النعل بالنعل والقذَّة بالقذَّة، قوله: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: 142].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(36) في بعض النُّسَخ: (عبادة محصَّلة).

(٢٨)

[السرُّ في أمره تعالى الملائكة بالسجود لآدم (عليه السلام)]:
واستعبد الله (عزَّ وجلَّ) الملائكة بالسجود لآدم تعظيماً له لما غيَّبه عن أبصارهم، وذلك أنَّه (عزَّ وجلَّ) إنَّما أمرهم بالسجود لآدم لما أودع صلبه من أرواح حُجَج الله (تعالى ذكره)، فكان ذلك السجود لله (عزَّ وجلَّ) عبوديَّة، ولآدم طاعة، ولما في صلبه تعظيماً، فأبى إبليس أنْ يسجد لآدم حسداً له، إذ جُعِلَ صلبه مستودع أرواح حُجَج الله دون صلبه، فكفر بحسده وتأبِّيه، وفسق عن أمر ربِّه، وطُرِدَ عن جواره، ولُعِنَ وسُمّي رجيماً لأجل إنكاره للغيبة، لأنَّه احتجَّ في امتناعه من السجود لآدم بأنْ قال: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [الأعراف: 12]، فجحد ما غُيِّب عن بصره ولم يُوقِع التصديق به، واحتجَّ بالظاهر الذي شاهده وهو جسد آدم (عليه السلام)، وأنكر أنْ يكون يعلم لما في صلبه وجوداً، ولم يؤمن بأنَّ آدم إنَّما جُعِلَ قبلةً للملائكة وأُمروا بالسجود له لتعظيم ما في صلبه. فمَثَل من آمن بالقائم (عليه السلام) في غيبته مَثَل الملائكة الذين أطاعوا الله (عزَّ وجلَّ) في السجود لآدم، ومَثَل من أنكر القائم (عليه السلام) في غيبته مَثَل إبليس في امتناعه من السجود لآدم، كذلك روي عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام).
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ المُتَوَكِّلِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الله الكُوفِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ البَرْمَكِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الله الكُوفِيِّ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَيْمَنَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) «أَنَّ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى عَلَّمَ آدَمَ (عليه السلام) أَسْمَاءَ حُجَجِ الله كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ - وهُمْ أَرْوَاحٌ - عَلَى المَلَائِكَةِ، فَقالَ: ﴿أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ بِأَنَّكُمْ أَحَقُّ بِالخِلَافَةِ فِي الأَرْضِ لِتَسْبِيحِكُمْ وتَقْدِيسِكُمْ مِنْ آدَمَ (عليه السلام)، ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ﴾، قَالَ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى: ﴿يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ

(٢٩)

فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ﴾ وَقَفُوا عَلَى عَظِيمِ مَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِأَنْ يَكُونُوا خُلَفَاءَ اللهِ فِي أَرْضِهِ وحُجَجَهُ عَلَى بَرِيَّتِهِ، ثُمَّ غَيَّبَهُمْ عَنْ أَبْصَارِهِمْ واسْتَعْبَدَهُمْ بِوَلَايَتِهِمْ ومَحَبَّتِهِمْ، وقَالَ لَهُمْ: ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ [البقرة: 31 - 33]».
حدَّثنا بذلك أحمد بن الحسن القطَّان، قال: حدَّثنا الحسين بن عليٍّ السكّري، قال: حدَّثنا محمّد بن زكريَّا الجوهري، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن عمارة، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام).
وهذا استعباد الله (عزَّ وجلَّ) للملائكة بالغيبة والآية أوَّلها في قصَّة الخليفة، وإذا كان آخرها مثلها كان للكلام نظم، وفي النظم حجَّة، ومنه يُؤخَذ وجه الإجماع لأُمَّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أوَّلهم وآخرهم، وذلك أنَّه سبحانه وتعالى إذا علَّم آدم الأسماء كلَّها على ما قاله المخالفون، فلا محالة أنَّ أسماء الأئمَّة (عليهم السلام) داخلة في تلك الجملة، فصار ما قلناه في ذلك بإجماع الأُمَّة. ومن أصحّ الدليل عليه أنَّه لا محالة لـمَّا دلَّ الملائكة على السجود لآدم فإنَّه حصل لهم عبادة، فلمَّا حصل لهم عبادة أوجب باب الحكمة أنْ يحصل لهم ما هو في حيِّزه، سواء كان في وقت أو في غير وقت فإنَّ الأوقات ما تُغيِّر الحكمة ولا تُبدِّل الحجَّة، أوَّلها كآخرها وآخرها كأوَّلها، لا يجوز في حكمة الله أنْ يحرمهم معنًى من معاني المثوبة، ولا أنْ يبخل بفضل من فضائل الأئمَّة، لأنَّهم كلُّهم شرع واحد.
دليل ذلك أنَّ الرُّسُل متى آمن مؤمن بواحد منهم أو بجماعة وأنكر واحداً منهم، لم يقبل منه إيمانه، كذلك القضيَّة في الأئمَّة (عليهم السلام) أوَّلهم وآخرهم واحد، وقد قال الصادق (عليه السلام): «المُنْكِرُ لِآخِرِنَا كَالمُنْكِرِ لِأَوَّلِنَا»(37)، وَقَالَ (عليه السلام): «مَنْ أَنْكَرَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(37) رواه المصنِّف (رحمه الله) في الاعتقادات (ص 104).

(٣٠)

وَاحِداً مِنَ الأَحْيَاءِ فَقَدْ أَنْكَرَ الأَمْوَاتَ»(38)، وسأُخرِّج ذلك في هذا الكتاب مسنداً في موضعه إنْ شاء الله.
فصحَّ أنَّ قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّها﴾ [البقرة: 31]، أراد به أسماء الأئمَّة (عليهم السلام)، وللأسماء معانٍ كثيرة وليس أحد معانيها بأولى من الآخر، وللأسماء أوصاف وليس أحد الأوصاف بأولى من الآخر.
فمعنى الأسماء أنَّه سبحانه علَّم آدم (عليه السلام) أوصاف الأئمَّة كلَّها أوَّلها وآخرها، ومن أوصافهم العلم والحلم والتقوى والشجاعة والعصمة والسخاء والوفاء، وقد نطق بمثله كتاب الله (عزَّ وجلَّ) في أسماء الأنبياء (عليهم السلام)، كقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا﴾ [مريم: 41]، ﴿وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا * وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكاناً عَلِيًّا﴾ [مريم: 54 - 57]، وكقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا * وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾ [مريم: 51 - 53]، فوصف الرُّسُل (عليهم السلام) وحمدهم بما كان فيهم من الشِّيَم المرضيَّة والأخلاق الزكيَّة، وكان ذلك أوصافهم وأسماءهم كذلك علَّم الله (عزَّ وجلَّ) آدم الأسماء كلَّها.
والحكمة في ذلك أيضاً أنَّه لا وصول إلى الأسماء ووجوه الاستعبادات إلَّا من طريق السماع، والعقل غير متوجِّه إلى ذلك، لأنَّه لو أبصر عاقلٌ شخصاً من بعيد أو قريب لما توصَّل إلى استخراج اسمه، ولا سبيل إليه إلَّا من طريق السماع، فجعل الله (عزَّ وجلَّ) العمدة في باب الخليفة السماع، ولـمَّا كان كذلك أبطل به باب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(38) سيأتي مسنداً تحت الرقم (344/1)، فانتظر.

(٣١)

الاختيار، إذ الاختيار من طريق الآراء، وقضيَّة الخليفة موضوعة على الأسماء، والأسماء موضوعة على السماع، فصحَّ به ومعه مذهبنا في الإمام أنَّه يصحُّ بالنصِّ والإشارة، فأمَّا باب الإشارة فمضمر في قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلَائِكَةِ﴾ [البقرة: 31]، فباب العرض مبنيٌّ على الشخص والإشارة، وباب الاسم مبنيٌّ على السمع، فصحَّ معنى الإشارة والنصِّ جميعاً.
وللعرض الذي قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلَائِكَةِ﴾ معنيان:
أحدهما: عرض أشخاصهم وهيئاتهم كما رويناه في باب أخبار أخذ الميثاق والذرِّ.
والوجه الآخر: أنْ يكون (عزَّ وجلَّ) عرضهم على الملائكة من طريق الصفة والنسبة كما يقوله قوم من مخالفينا.
فمن كلا المعنيين يحصل استعباد الله (عزَّ وجلَّ) الملائكة بالإيمان بالغيبة.
وفي قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ حِكَم كثيرة:
أحدها: أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) أهَّل آدم (عليه السلام) لتعليم الملائكة أسماء الأئمَّة عن الله (تعالى ذكره)، وأهَّل الملائكة لتعلُّم أسمائهم عن آدم (عليه السلام)، فالله (عزَّ وجلَّ) علَّم آدم وآدم علَّم الملائكة، فكان آدم في حيِّز المعلِّم وكانوا في حيِّز المتعلِّمين، هذا ما نصَّ عليه القرآن.
وقول الملائكة: ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ﴾ فيه أصحُّ دليل وأبين حجَّة لنا أنَّه لا يجوز لأحد أنْ يقول في أسماء الأئمَّة وأوصافهم (عليهم السلام) إلَّا عن تعليم الله (جلّ جلاله)، ولو جاز لأحد ذلك كان للملائكة أجوز، ولـمَّا سبَّحوا الله دلَّ تسبيحهم على أنَّ الشرع فيه ممَّا ينافي التوحيد، وذلك أنَّ التسبيح تنزيه الله (عزَّ وجلَّ)، وباب التنزيه لا يوجد في القرآن إلَّا

(٣٢)

عند قول جاحد أو ملحد أو متعرِّض لإبطال التوحيد والقدح فيه، فلم يستنكفوا إذ لم يعلموا أنْ يقولوا: ﴿لَا عِلْمَ لَنَا﴾، فمن تكلَّف علم ما لا يعلم احتجَّ الله عليه بملائكته، وكانوا شهداء الله عليه في الدنيا والآخرة، وإنَّما أهَّل اللهُ الملائكةَ لإعلامهم على لسان آدم عند اعترافهم بالعجز وأنَّهم لا يعلمون، فقال (عزَّ وجلَّ): ﴿يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ﴾.
ولقد كلَّمني رجل بمدينة السلام(39)، فقال لي: إنَّ الغيبة قد طالت، والحيرة قد اشتدَّت، وقد رجع كثير عن القول بالإمامة لطول الأمد، فكيف هذا؟
فقلت له: إنَّ سُنَّة الأوَّلين في هذه الأُمَّة جارية حذو النعل بالنعل كما روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في غير خبر، وإنَّ موسى (عليه السلام) ذهب إلى ميقات ربِّه على أنْ يرجع إلى قومه بعد ثلاثين ليلة فأتمَّها الله (عزَّ وجلَّ) بعشرة، ﴿فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ [الأعراف: 142]، ولتأخُّره عنهم فضل عشرة أيَّام على ما واعدهم استطالوا المدَّة القصيرة وقست قلوبهم وفسقوا عن أمر ربِّهم (عزَّ وجلَّ) وعن أمر موسى (عليه السلام) وعصوا خليفته هارون واستضعفوه وكادوا يقتلونه، وعبدوا عجلاً جسداً له خوار من دون الله (عزَّ وجلَّ)، وقال السامري لهم: ﴿هَذَا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسَى﴾ [طه: 88]، وهارون يعظهم وينهاهم عن عبادة العجل، ويقول: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى﴾ [طه: 90 و 91]، ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَالقَى الألوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾ [الأعراف: 150]، والقصَّة في ذلك مشهورة، فليس بعجيب أنْ يستطيل الجُهَّال من هذه الأُمَّة مدَّة غيبة صاحب زماننا (عليه السلام)، ويرجع كثير منهم عمَّا كانوا دخلوا فيه بغير أصل وبصيرة،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(39) يعني بغداد.

(٣٣)

ثمّ لا يعتبرون بقول الله (تعالى ذكره) حيث يقول: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: 16].
فقال(40): وما أنزل الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه في هذا المعنى؟
قلت: قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿الم * ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ﴾ [البقرة: 1 - 3]، يعني بالقائم (عليه السلام) وغيبته.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ المُتَوَكِّلِ (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى العَطَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ كَثِيرٍ الرَّقِّيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فِي قَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ﴾، قَالَ: «مَنْ أَقَرَّ بِقِيَامِ القَائِمِ (عليه السلام) أَنَّهُ حَقٌّ»(41).
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ الكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ النَّخَعِيُّ، عَنْ عَمِّهِ الحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي القَاسِمِ، قَالَ: سَالتُ الصَّادِقَ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) عَنْ قَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿الم * ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ﴾، فَقَالَ: «المُتَّقُونَ شِيعَةُ عَلِيٍّ (عليه السلام)، وَالغَيْبُ فَهُوَ الحُجَّةُ الغَائِبُ»(42)، وشاهد ذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَيَقُولُونَ لَوْ لَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الغَيْبُ للهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ المُنْتَظِرِينَ﴾ [يونس: 20]، فأخبر (عزَّ وجلَّ) أنَّ الآية هي الغيب، والغيب هو الحجَّة، وتصديق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(40) يعني الرجل الذي كلَّمه بمدينة السلام.
(41) سيأتي تحت الرقم (260/19)، فانتظر.
(42) سيأتي تحت الرقم (261/20)، فانتظر.

(٣٤)

ذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾ [المؤمنون: 50]، يعني حجَّة.
حَدَّثَنَا أَبِي (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ ابْنِ أَبِي الخَطَّابِ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ﴾ [الأنعام: 158]، فَقَالَ: «الآيَاتُ هُمُ الأَئِمَّةُ، وَالآيَةُ المُنْتَظَرَةُ هُوَ القَائِمُ (عليه السلام)، فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلِ قِيَامِهِ بِالسَّيْفِ وَإِنْ آمَنَتْ بِمَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)»(43).
وقد سمَّى اللهُ (عزَّ وجلَّ) يوسفَ (عليه السلام) غيباً حين قصَّ قصَّته على نبيِّه محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فقال (عزَّ وجلَّ): ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾ [يوسف: 102]، فسمَّى يوسف (عليه السلام) غيباً لأنَّ الأنباء التي قصَّها كانت أنباء يوسف فيما أخبر به من قصَّته وحاله وما آلت إليه أُموره.
ولقد كلَّمني بعض المخالفين في هذه الآية، فقال: معنى قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ﴾ أي بالبعث والنشور وأحوال القيامة، فقلت له: لقد جهلت في تأويلك وضللت في قولك، فإنَّ اليهود والنصارى وكثيراً من فِرَق المشركين والمخالفين لدين الإسلام يؤمنون بالبعث والنشور والحساب والثواب والعقاب، فلم يكن الله تبارك وتعالى ليمدح المؤمنين بمدحة قد شركهم فيها فِرَق الكفر والجحود، بل وصفهم الله (عزَّ وجلَّ) ومدحهم بما هو لهم خاصَّةً، لم يشركهم فيه أحد غيرهم(44).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(43) سيأتي ذكر مصادره تحت الرقم (249/8)، فانتظر.
(44) هذا النكير من المصنِّف (رحمه الله) في غير مورده، ومخالف لما روي من طريق جابر عن الباقر (عليه السلام) في معنى الغيب في الآية «أنَّه البعث والنشور وقيام القائم والرجعة» (تأويل الآيات الظاهرة: ج 1/ ص 31 و32/ ح 1)، وما روي عن الصادق (عليه السلام) أنَّ المراد بالغيب هنا ثلاثة أشياء: «قيام القائم، والكرَّة، ويوم القيامة».

(٣٥)

[وجوب معرفة المهدي (عجَّل الله فرجه)]:
ولا يكون الإيمان صحيحاً من مؤمن إلَّا من بعد علمه بحال من يؤمن به، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [الزخرف: 86]، فلم يوجب لهم صحَّة ما يشهدون به إلَّا من بعد علمهم، ثمّ كذلك لن ينفع إيمان من آمن بالمهدي القائم (عليه السلام) حتَّى يكون عارفاً بشأنه في حال غيبته، وذلك أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) قد أخبروا بغيبته (عليه السلام)، ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نُقِلَ عنهم واستُحفِظَ في الصُّحُف ودُوِّن في الكُتُب المؤلَّفة من قبل أنْ تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقلّ أو أكثر، فليس أحد من أتباع الأئمَّة (عليهم السلام) إلَّا وقد ذكر ذلك في كثير من كُتُبه ورواياته ودوَّنه في مصنَّفاته، وهي الكُتُب التي تُعرَف بالأُصول مدوَّنة مستحفَظة عند شيعة آل محمّد (عليهم السلام) من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين، وقد أخرجت ما حضرني من الأخبار المسندة في الغيبة في هذا الكتاب في مواضعها، فلا يخلو حال هؤلاء الأتباع المؤلِّفين للكُتُب أنْ يكونوا علموا الغيب بما وقع الآن من الغيبة، فألَّفوا ذلك في كُتُبهم ودوَّنوه في مصنَّفاتهم من قبل كونها، وهذا محال عند أهل اللُّبِّ والتحصيل، أو أنْ يكونوا [قد] أسَّسوا في كُتُبهم الكذب فاتَّفق الأمر لهم كما ذكروا وتحقَّق كما وضعوا من كذبهم على بُعد ديارهم واختلاف آرائهم وتباين أقطارهم ومحالِّهم، وهذا أيضاً محال كسبيل الوجه الأوَّل، فلم يبقَ في ذلك إلَّا أنَّهم حفظوا عن أئمَّتهم المستحفظين للوصيَّة (عليهم السلام) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) من ذكر الغيبة وصفة كونها في مقام بعد مقام إلى آخر المقامات ما دوَّنوه في كُتُبهم وألَّفوه في أُصولهم، وبذلك وشبهه فلج الحقُّ ﴿وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾ [الإسراء: 81].
وإنَّ خصومنا ومخالفينا من أهل الأهواء المضلَّة قصدوا(45) لدفع الحقِّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(45) في بعض النُّسَخ: (تصدَّوا).

(٣٦)

وعناده بما وقع من غيبة صاحب زماننا القائم (عليه السلام) واحتجابه عن أبصار المشاهدين ليُلبِّسوا بذلك على من لم تكن معرفته متقنة(46) ولا بصيرته مستحكمة.
[إثبات الغيبة والحكمة فيها]:
فأقول - وبالله التوفيق -: إنَّ الغيبة التي وقعت لصاحب زماننا (عليه السلام) قد لزمت حكمتها وبان حقُّها وفلجت حجَّتها للذي شاهدناه وعرفناه من آثار حكمة الله (عزَّ وجلَّ) واستقامة تدبيره في حُجَجه المتقدِّمة في الأعصار السالفة مع أئمَّة الضلال وتظاهر الطواغيت واستعلاء الفراعنة في الحُقَب الخالية وما نحن بسبيله في زماننا هذا من تظاهر أئمَّة الكفر بمعونة أهل الإفك والعدوان والبهتان.
وذلك أنَّ خصومنا طالبونا بوجود صاحب زماننا (عليه السلام) كوجود من تقدَّمه من الأئمَّة (عليهم السلام)، فقالوا: إنَّه قد مضى على قولكم من عصر وفاة نبيِّنا (عليه السلام) أحد عشر إماماً كلٌّ منهم كان موجوداً معروفاً باسمه وشخصه بين الخاصِّ والعامِّ، فإنْ لم يوجد كذلك فقد فسد عليكم أمر من تقدَّم من أئمَّتكم كفساد أمر صاحب زمانكم هذا في عدمه وتعذُّر وجوده.
فأقول - وبالله التوفيق -: إنَّ خصومنا قد جهلوا آثار حكمة الله تعالى وأغفلوا مواقع الحقِّ ومناهج السبيل في مقامات حُجَج الله تعالى مع أئمَّة الضلال في دُوَل الباطل في كلِّ عصر وزمان، إذ قد ثبت أنَّ ظهور حُجَج الله تعالى في مقاماتهم في دُوَل الباطل على سبيل الإمكان والتدبير لأهل الزمان، فإنْ كانت الحال ممكنة في استقامة تدبير الأولياء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(46) في بعض النُّسَخ: (مستقيمة).

(٣٧)

لوجود الحجَّة بين الخاصِّ والعامِّ كان ظهور الحجَّة كذلك، وإنْ كانت الحال غير ممكنة من استقامة تدبير الأولياء لوجود الحجَّة بين الخاصِّ والعامِّ وكان استتاره ممَّا توجبه الحكمة ويقتضيه التدبير حَجَبَه اللهُ وستره إلى وقت بلوغ الكتاب أجله، كما قد وجدنا من ذلك في حُجَج الله المتقدِّمة من عصر وفاة آدم (عليه السلام) إلى حين زماننا هذا، منهم المستخفون ومنهم المستعلنون، بذلك جاءت الآثار ونطق الكتاب.
فمن ذلك ما:
حَدَّثَنَا بِهِ أَبِي (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ خَالِدٍ البَرْقِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ أَبِي الدَّيْلَمِ، قَالَ: قَالَ الصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام): «يَا عَبْدَ الحَمِيدِ، إِنَّ لِلهِ رُسُلاً مُسْتَعْلِنِينَ وَرُسُلاً مُسْتَخْفِينَ، فَإِذَا سَالتَهُ بِحَقِّ المُسْتَعْلِنِينَ فَسَلْهُ بِحَقِّ المُسْتَخْفِينَ»(47).
وتصديق ذلك من الكتاب قوله تعالى: ﴿وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً﴾ [النساء: 164]، فكانت حُجَج الله تعالى كذلك من وقت وفاة آدم (عليه السلام) إلى وقت ظهور إبراهيم (عليه السلام) أوصياء مستعلنين ومستخفين، فلمَّا كان وقت كون إبراهيم (عليه السلام) ستر الله شخصه وأخفى ولادته، لأنَّ الإمكان في ظهور الحجَّة كان متعذِّراً في زمانه، وكان إبراهيم (عليه السلام) في سلطان نمرود مستتراً لأمره وكان غير مظهر نفسه، ونمرود يقتل أولاد رعيَّته وأهل مملكته في طلبه إلى أنْ دلَّهم إبراهيم (عليه السلام) على نفسه، وأظهر لهم أمره بعد أنْ بلغت الغيبة أمدها ووجب إظهار ما أظهره للذي أراده الله في إثبات حجَّته وإكمال دينه، فلمَّا كان وقت وفاة إبراهيم (عليه السلام) كان له أوصياء حُجَجاً لله (عزَّ وجلَّ) في أرضه يتوارثون الوصيَّة كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت كون موسى (عليه السلام)، فكان فرعون يقتل أولاد بني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(47) سيأتي بسند آخر تحت الرقم (268/27)، فانتظر.

(٣٨)

إسرائيل في طلب موسى (عليه السلام) الذي قد شاع من ذكره وخبر كونه، فستر الله ولادته، ثمّ قذفت به أُمُّه في اليمِّ كما أخبر الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه، ﴿فَالتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ﴾ [القَصص: 8]، وكان موسى (عليه السلام) في حجر فرعون يُربِّيه وهو لا يعرفه، وفرعون يقتل أولاد بني إسرائيل في طلبه، ثمّ كان من أمره بعد أنْ أظهر دعوته ودلَّهم على نفسه ما قد قصَّه الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه، فلمَّا كان وقت وفاة موسى (عليه السلام) كان له أوصياء حُجَجاً لله كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت ظهور عيسى (عليه السلام).
فظهر عيسى (عليه السلام) في ولادته، معلناً لدلائله، مظهراً لشخصه، شاهراً لبراهينه، غير مخفٍ لنفسه، لأنَّ زمانه كان زمان إمكان ظهور الحجَّة كذلك.
ثمّ كان له من بعده أوصياء حُجَجاً لله (عزَّ وجلَّ) كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت ظهور نبيِّنا (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فقال الله (عزَّ وجلَّ) له في الكتاب: ﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [فُصِّلت: 43]، ثمّ قال (عزَّ وجلَّ): ﴿سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا﴾ [الإسراء: 77]، فكان ممَّا قيل له ولزم من سُنَّته على إيجاب سُنَن من تقدَّمه من الرُّسُل إقامة الأوصياء له كإقامة من تقدَّمه لأوصيائهم، فأقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أوصياء كذلك، وأخبر بكون المهدي خاتم الأئمَّة (عليهم السلام)، وأنَّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً، نقلت الأُمَّة ذلك بأجمعها عنه، وأنَّ عيسى (عليه السلام) ينزل في وقت ظهوره فيُصلِّي خلفه، فحُفِظَت ولادات الأوصياء ومقاماتهم في مقام بعد مقام إلى وقت ولادة صاحب زماننا (عليه السلام) المنتظر للقسط والعدل، كما أوجبت الحكمة باستقامة التدبير غيبة من ذكرنا من الحُجَج المتقدِّمة بالوجود.
وذلك أنَّ المعروف المتسالم بين الخاصِّ والعامِّ من أهل هذه الملَّة أنَّ الحسن ابن عليٍّ والد صاحب زماننا (عليهما السلام) قد كان وكَّل به طاغية زمانه إلى وقت وفاته، فلمَّا تُوفّي (عليه السلام) وكَّل بحاشيته وأهله، وحُبِسَت جواريه وطُلِبَ مولوده هذا أشدَّ

(٣٩)

الطلب، وكان أحد المتولِّيين عليه عمُّه جعفر أخو(48) الحسن بن عليٍّ بما ادِّعاده لنفسه من الإمامة ورجا أنْ يتمَّ له ذلك بوجود ابن أخيه صاحب الزمان (عليه السلام)، فجرت السُّنَّة في غيبته بما جرى من سُنَن غيبة من ذكرنا من الحُجَج المتقدِّمة، ولزم من حكمة غيبته (عليه السلام) ما لزم من حكمة غيبتهم.
[ردُّ إشكال]:
وكان من معارضة خصومنا أنْ قالوا: ولِـمَ أوجبتم في الأئمَّة ما كان واجباً في الأنبياء؟ فما أنكرتم أنَّ ذلك كان جائزاً في الأنبياء وغير جائز في الأئمَّة؟ فإنَّ الأئمَّة ليسوا كالأنبياء، فغير جائز أنْ يشبه حال الأئمَّة بحال الأنبياء، فأوجدونا دليلاً مقنعاً على أنَّه جائز في الأئمَّة ما كان جائزاً في الأنبياء والرُّسُل فيما شبَّهتم من حال الأئمَّة الذين ليسوا بأشباه الأنبياء والرُّسُل، وإنَّما يقاس الشكل بالشكل والمثل بالمثل، فلن تثبت دعواكم في ذلك، ولن يستقيم لكم قياسكم في تشبيهكم حال الأئمَّة بحال الأنبياء (عليهم السلام) إلَّا بدليل مقنع.
فأقول - وبالله أهتدي -: إنَّ خصومنا قد جهلوا فيما عارضونا به من ذلك، ولو أنَّهم كانوا من أهل التمييز والنظر والتفكُّر والتدبُّر بإطراح العناد وإزالة العصبيَّة لرؤسائهم ومن تقدَّم من أسلافهم، لعلموا أنَّ كلَّ ما كان جائزاً في الأنبياء فهو واجب لازم في الأئمَّة حذو النعل بالنعل والقذَّة بالقذَّة، وذلك أنَّ الأنبياء هم أُصول الأئمَّة ومغيضهم(49)، والأئمَّة هم خلفاء الأنبياء وأوصياؤهم والقائمون بحجَّة الله تعالى على من يكون بعدهم كيلا تبطل حُجَج الله وحدود[ه و]شرائعه ما دام التكليف على العباد قائماً والأمر لهم لازماً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(48) كذا.
(49) المغيض: مجتمع الماء ومدخله في الأرض، والمراد بالفارسيَّة: (أنبياء نسخه ى أصل وسرچشمه ى امامانند). وفى بعض النُّسَخ: (ومفيضهم) من الإفاضة.

(٤٠)

ولو وجبت المعارضة لجاز لقائل أنْ يقول: إنَّ الأنبياء هم حُجَج الله، فغير جائز أنْ يكون الأئمَّة حُجَج الله، إذ ليسوا بالأنبياء ولا كالأنبياء.
وله أنْ يقول أيضاً: فغير جائز أنْ يُسَمُّوا أئمَّة، لأنَّ الأنبياء كانوا أئمَّة وهؤلاء ليسوا بأنبياء فيكونوا أئمَّة كالأنبياء. وغير جائز أيضاً أنْ يقوموا بما كان يقوم به الرسول من الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى غير ذلك من أبواب الشريعة، إذ ليسوا كالرسول ولا هم برُسُل.
ثمّ يأتي بمثل هذا من المحال ممَّا يكثر تعداده ويطول الكتاب بذكره، فلمَّا فسد هذا كلُّه كانت هذه المعارضة من خصومنا فاسدة كفساده.
ثمّ نحن نُبيِّن الآن ونُوضِّح بعد هذا كلِّه أنَّ التشاكل بين الأنبياء والأئمَّة بيِّن واضح، فيلزمهم أنَّهم حُجَج الله على الخلق كما كانت الأنبياء حُجَجه على العباد، وفرض طاعتهم لازم كلزوم فرض طاعة الأنبياء، وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 83]، فولاة الأمر هم الأوصياء والأئمَّة بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وقد قرن الله طاعتهم بطاعة الرسول، وأوجب على العباد من فرضهم ما أوجبه من فرض الرسول، كما أوجب على العباد من طاعة الرسول ما أوجبه عليهم من طاعته (عزَّ وجلَّ) في قوله: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾، ثمّ قال: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾ [النساء: 80]، وإذا كانت الأئمَّة (عليهم السلام) حُجَج الله على من لم يلحق بالرسول ولم يشاهده وعلى من خلفه من بعده، كما كان الرسول حجَّة على من لم يشاهده في عصره، لزم من طاعة الأئمَّة ما لزم من طاعة الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فقد تشاكلوا واستقام القياس فيهم، وإنْ كان الرسول أفضل من

(٤١)

الأئمَّة، فقد تشاكلوا في الحجَّة والاسم والفعل(50) والفرض، إذ كان الله (جلَّ ثناؤه) قد سمَّى الرُّسُل أئمَّة بقوله لإبراهيم: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾ [البقرة: 124]، وقد أخبرنا الله تبارك وتعالى أنَّه قد فضَّل الأنبياء والرُّسُل بعضهم على بعض، فقال تبارك وتعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ...﴾ الآية [البقرة: 253]، وقال: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ...﴾ الآية [الإسراء: 55]، فتشاكل الأنبياء في النبوَّة وإنْ كان بعضهم أفضل من بعض، وكذلك تشاكل الأنبياء والأوصياء، فمن قاس حال الأئمَّة بحال الأنبياء واستشهد بفعل الأنبياء على فعل الأئمَّة فقد أصاب في قياسه واستقام له استشهاده بالذي وصفناه من تشاكل الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام).
[وجه آخر لإثبات المشاكلة]:
ووجه آخر من الدليل على حقيقة ما شرحنا من تشاكل الأئمَّة والأنبياء (عليهم السلام) أنَّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: 21]، وقال تعالى: ﴿مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: 7]، فأمرنا الله (عزَّ وجلَّ) أنْ نهتدي بهدى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ونُجري الأُمور [الجارية] على حدِّ ما أجراها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) من قول أو فعل، فكان من قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) المحقِّق لما ذكرنا من تشاكل الأنبياء والأئمَّة أنْ قال: «مَنْزِلَةُ عَلِيٍّ (عليه السلام) مِنِّي كَمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي»(51)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(50) في بعض النُّسَخ: (والعقل).
(51) حديث متواتر رواه الخاصَّة والعامَّة بألفاظ مختلفة، راجع على سبيل المثال: الكافي (ج 8/ ص 106 و107/ ح 80)، وصحيح مسلم (ج 7/ ص 120).

(٤٢)

فأعلمنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أنَّ عليًّا ليس بنبيٍّ وقد شبَّهه بهارون، وكان هارون نبيًّا ورسولاً، [و]كذلك شبَّهه بجماعة من الأنبياء (عليهم السلام).
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ المُتَوَكِّلِ (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ السَّعْدَآبَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ البَرْقِيُّ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ(52)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فَقَالَ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى آدَمَ فِي عِلْمِهِ، وَإِلَى نُوحٍ فِي سِلْمِهِ، وَإِلَى إِبْرَاهِيمَ فِي حِلْمِهِ، وَإِلَى مُوسَى فِي فِطَانَتِهِ، وَإِلَى دَاوُدَ فِي زُهْدِهِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا»، قَالَ: فَنَظَرْنَا فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَدْ أَقْبَلَ كَأَنَّمَا يَنْحَدِرُ مِنْ صَبَبٍ(53)،(54).
فإذا استقام أنْ يُشبِّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أحداً من الأئمَّة (عليهم السلام) بالأنبياء والرُّسُل استقام لنا أنْ نُشبِّه جميع الأئمَّة بجميع الأنبياء والرُّسُل. وهذا دليل مقنع، وقد ثبت شكل صاحب زماننا (عليه السلام) في غيبته بغيبة موسى (عليه السلام) وغيره

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(52) هارون بن عنترة بن عبد الرحمن الشيباني عامّي ذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال ابن سعد: ثقة، وقال أبو زرعة: لا بأس به، مستقيم الحديث. وابنه عبد المَلِك عنونه النجاشي وقال: كوفي ثقة، عين، روى عن أصحابنا ورووا عنه، ولم يكن متحقِّقاً بأمرنا، له كتاب يرويه محمّد بن خالد. وأمَّا أبوه عنترة بن عبد الرحمن فعنونه العسقلاني في التقريب والتهذيب وقال: ذكره ابن حبَّان في الثقات، وذكر ابن أبي حاتم عن أبي زرعة: أنَّه كوفي ثقة.
(53) أي يرفع رجله رفعاً بيِّناً بقوَّة دون احتشام وتبختر. والصبب: ما انحدر من الأرض أو الطريق.
(54) رواه محمّد بن أبي القاسم الطبري (رحمه الله) في بشارة المصطفى (ص 428/ ح 8)، وروى قريباً منه محمّد بن جرير الطبري الشيعي (رحمه الله) بسند آخر في المسترشد (ص 287/ ح 101)؛ وراجع ما رواه الطوسي (رحمه الله) في أماليه (ص 416 و417/ ح 938/86)، والعاصمي في العسل المصفَّى (ج 1/ ص 124 - 126/ ح 30 - 32، وج 2/ ص 362 و363/ ح 498)، والخركوشي في مناحل الشفاء (ج 5/ ص 517/ ح 2499)، وابن مردويه في مناقب عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) (ص 147/ ح 179)، والحسكاني في شواهد التنزيل (ج 1/ ص 100 و103/ ح 116 و117).

(٤٣)

ممَّن وقعت بهم الغيبة، وذلك أنَّ غيبة صاحب زماننا وقعت من جهة الطواغيت لعلَّة التدبير من الذي قدَّمنا ذكره في الفصل الأوَّل.
وممَّا يُفسِد معارضة خصومنا في نفي تشاكل الأئمَّة والأنبياء، أنَّ الرُّسُل الذين تقدَّموا قبل عصر نبيِّنا (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كان أوصياؤهم أنبياء، فكلُّ وصيٍّ قام بوصيَّة حجَّة تقدَّمه من وقت وفاة آدم (عليه السلام) إلى عصر نبيِّنا (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كان نبيًّا، وذلك مثل وصيِّ آدم كان شيث ابنه، وهو هبة الله في علم آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وكان نبيًّا، ومثل وصيِّ نوح (عليه السلام) كان سام ابنه وكان نبيًّا، ومثل إبراهيم (عليه السلام) كان وصيُّه إسماعيل(55) ابنه وكان نبيًّا، ومثل موسى (عليه السلام) كان وصيُّه يوشع بن نون وكان نبيًّا، ومثل عيسى (عليه السلام) كان وصيُّه شمعون الصفا وكان نبيًّا، ومثل داود (عليه السلام) كان وصيُّه سليمان (عليه السلام) ابنه وكان نبيًّا. وأوصياء نبيِّنا (عليهم السلام) لم يكونوا أنبياء، لأنَّ الله (عزَّ وجلَّ) جعل محمّداً خاتماً لهذه الأُمَم(56)، كرامةً له وتفضيلاً، فقد تشاكلت الأئمَّة والأنبياء بالوصيَّة كما تشاكلوا فيما قدَّمنا ذكره من تشاكلهم، فالنبيُّ وصيٌّ والإمام وصيٌّ، والوصيُّ إمام والنبيُّ إمام، والنبيُّ حجَّة والإمام حجَّة(57)، فليس في الأشكال أشبه من تشاكل الأئمَّة والأنبياء.
وكذلك أخبرنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بتشاكل أفعال الأوصياء فيمن تقدَّم وتأخَّر من قصَّة يوشع بن نون وصيِّ موسى (عليه السلام) مع صفراء بنت شعيب زوجة موسى، وقصَّة أمير المؤمنين (عليه السلام) وصيِّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) مع عائشة بنت أبي بكر. وإيجاب غسل الأنبياء أوصياءهم بعد وفاتهم.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ القَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(55) في بعض النُّسَخ: (إسحاق).
(56) في بعض النُّسَخ: (لهذا الاسم)، أي النبوَّة.
(57) في بعض النُّسَخ: (والوصيُّ حجَّة).

(٤٤)

أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الجُنَيْدِ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ(58)، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مِينَا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ (عليه السلام): يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ يُغَسِّلُكَ إِذَا مِتَّ؟ قَالَ: «يُغْسِّلُ كُلَّ نَبِيٍّ وَصِيُّهُ»، قُلْتُ: فَمَنْ وَصِيُّكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ»، قُلْتُ: كَمْ يَعِيشُ بَعْدَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «ثَلَاثِينَ سَنَةً، فَإِنَّ يُوشَعَ بْنَ نُونٍ وَصِيَّ مُوسَى عَاشَ بَعْدَ مُوسَى ثَلَاثِينَ سَنَةً، وخَرَجَتْ عَلَيْهِ صَفْرَاءُ بِنْتُ شُعَيْبٍ زَوْجَةُ مُوسَى (عليه السلام)، فَقَالَتْ: أَنَا أَحَقُّ مِنْكَ بِالأَمْرِ، فَقَاتَلَهَا، فَقَتَلَ مُقَاتِلِيهَا وَأَسَرَهَا فَأَحْسَنَ أَسْرَهَا، وَإِنَّ ابْنَةَ أَبِي بَكْرٍ سَتَخْرُجُ عَلَى عَلِيٍّ فِي كَذَا وَكَذَا الفاً مِنْ أُمَّتِي، فَتُقَاتِلُهُ، فَيَقْتُلُ مُقَاتِلِيهَا وَيَأْسِرُهَا فَيُحْسِنُ أَسْرَهَا، وَفِيهَا أَنْزَلَ اللهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى﴾ [الأحزاب: 33]، يَعْنِي صَفْرَاءَ بِنْتَ شُعَيْبٍ»(59).
فهذا الشكل قد ثبت بين الأئمَّة والأنبياء بالاسم والصفة والنعت والفعل، وكلُّ ما كان جائزاً في الأنبياء فهو جائز يجري في الأئمَّة حذو النعل بالنعل والقذَّة بالقذَّة، ولو جاز أنْ تُجحَد إمامة صاحب زماننا هذا لغيبته بعد وجود من تقدَّمه من الأئمَّة (عليهم السلام) لوجب أنْ تُدفَع نبوَّة موسى بن عمران (عليه السلام) لغيبته، إذ لم يكن كلُّ الأنبياء كذلك، فلمَّا لم تسقط نبوَّة موسى لغيبته وصحَّت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(58) هو الحسن بن عليٍّ الخلال أبو عليٍّ - وقيل: أبو محمّد - الحلواني، نزيل مكَّة، ثقة ثبت، يروي عن عبد الرزَّاق بن همَّام بن نافع الحميري، مولاهم أبى بكر الصنعاني، قال أحمد بن صالح المصري: قلت لأحمد بن حنبل: رأيت أحداً أحسن حديثاً من عبد الرزَّاق؟ قال: لا. ويرموه القوم بالتشيُّع. يروي عن أبيه همَّام، وهو ثقة يروي عن مينا بن أبي مينا الزهري الخزَّاز مولى عبد الرحمن بن عوف، وهو شيعي، جرحه العامَّة لتشيُّعه. وما في النُّسَخ من (الحسين بن عليِّ بن عبد الرزَّاق)، فهو تصحيف.
(59) رواه محمّد بن أبي القاسم الطبري (رحمه الله) في بشارة المصطفى (ص 428 و429/ ح 9).

(٤٥)

نبوَّته مع الغيبة كما صحَّت نبوَّة الأنبياء الذين لم تقع بهم الغيبة، فكذلك صحَّت إمامة صاحب زماننا هذا مع غيبته كما صحَّت إمامة من تقدَّمه من الأئمَّة الذين لم تقع بهم الغيبة.
وكما جاز أنْ يكون موسى (عليه السلام) في حجر فرعون يُربِّيه وهو لا يعرفه ويقتل أولاد بني إسرائيل في طلبه، فكذلك جائز أنْ يكون صاحب زماننا موجوداً بشخصه بين الناس، يدخل مجالسهم، ويطأ بُسُطهم، ويمشي في أسواقهم، وهم لا يعرفونه إلى أنْ يبلغ الكتاب أجله.
فَقَدْ رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «فِي القَائِمِ سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ، وَسُنَّةٌ مِنْ عِيسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فَأَمَّا سُنَّةُ مُوسَى فَخَائِفٌ يَتَرَقَّبُ، وَأَمَّا سُنَّةُ يُوسُفَ فَإِنَّ إِخْوَتَهُ كَانُوا يُبَايِعُونَهُ وَيُخَاطِبُونَهُ وَلَا يَعْرِفُونَهُ، وَأَمَّا سُنَّةُ عِيسَى فَالسِّيَاحَةُ، وَأَمَّا سُنَّةُ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فَالسَّيْفُ»(60).
[ردُّ إشكال]:
فكان من الزيادة لخصومنا أنْ قالوا: ما أنكرتم إذ قد ثبت لكم ما ادَّعيتم من الغيبة كغيبة موسى (عليه السلام) ومن حلَّ محلَّه من الأئمَّة(61) الذين وقعت بهم الغيبة أنْ تكون حجَّة موسى لم تلزم أحداً إلَّا من بعد أنْ أظهر دعوته ودلَّ على نفسه، وكذلك لا تلزم حجَّة إمامكم هذا لخفاء مكانه وشخصه حتَّى يُظهر دعوته ويدلَّ على نفسه [كذلك]، فحينئذٍ تلزم حجَّته وتجب طاعته، وما بقي في الغيبة فلا تلزم حجَّته، ولا تجب طاعته.
فأقول - وبالله أستعين -: إنَّ خصومنا غفلوا عمَّا يلزم من حجَّة حُجَج الله في ظهورهم واستتارهم، وقد ألزمهم الله تعالى الحجَّة البالغة في كتابه، ولم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(60) روى قريباً منه الطبري (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 532/ ح 511/115).
(61) في بعض النُّسَخ: (من الأنبياء).

(٤٦)

يتركهم سدًى في جهلهم وتخبُّطهم، ولكنَّهم كما قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمّد: 24]. إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد أخبرنا في قصَّة موسى (عليه السلام) أنَّه كان له شيعة، وهم بأمره عارفون، وبولايته متمسِّكون، ولدعوته منتظرون قبل إظهار دعوته، ومن قبل دلالته على نفسه، حيث يقول: ﴿وَدَخَلَ المَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾ [القَصص: 15]، وقال (عزَّ وجلَّ) حكايةً عن شيعته: ﴿قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا...﴾ الآية [الأعراف: 129]، فأعلمنا الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه أنَّه قد كان لموسى (عليه السلام) شيعة من قبل أنْ يُظهر من نفسه نبوَّة، وقبل أنْ يُظهر له دعوة، يعرفونه ويعرفهم بموالاة موسى صاحب الدعوة، ولم يكونوا يعرفون أنَّ ذلك الشخص هو موسى بعينه، وذلك أنَّ نبوَّة موسى إنَّما ظهرت من بعد رجوعه من عند شعيب حين سار بأهله من بعد السنين التي رعى فيها لشعيب حتَّى استوجب بها أهله، فكان دخوله المدينة حين وجد فيها الرجلين قبل مسيره إلى شعيب.
وكذلك وجدنا مثل نبيِّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قد عرف أقوام أمره قبل ولادته وبعد ولادته، وعرفوا مكان خروجه ودار هجرته من قبل أنْ يُظهر من نفسه نبوَّة ومن قبل ظهور دعوته، وذلك مثل سلمان الفارسي (رحمه الله)، ومثل قُسِّ بن ساعدة الأيادي، ومثل تُبَّع المَلِك، ومثل عبد المطَّلب، وأبي طالب، ومثل سيف بن ذي يزن، ومثل بحيرى الراهب، ومثل كبير الرهبان في طريق الشام، ومثل أبي مويهب الراهب، ومثل سطيح الكاهن، ومثل يوسف اليهودي، ومثل ابن حوَّاش الحبر المقبل من الشام، ومثل زيد بن عمرو بن نفيل، ومثل هؤلاء كثير ممَّن قد عرف النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بصفته ونعته واسمه ونسبه قبل مولده وبعد مولده،

(٤٧)

والأخبار في ذلك موجودة عند الخاصِّ والعامِّ، وقد أخرجتها مسندة في هذا الكتاب في مواضعها، فليس من حجَّة الله (عزَّ وجلَّ) نبيٌّ ولا وصيٌّ إلَّا وقد حفظ المؤمنون وقت كونه وولادته وعرفوا أبويه ونسبه في كلِّ عصر وزمان حتَّى لم يشتبه عليهم شيء من أمر حُجَج الله (عزَّ وجلَّ) في ظهورهم وحين استتارهم، وأغفل ذلك أهل الجحود والضلال والكنود، فلم يكن عندهم [علم] شيء من أمرهم.
وكذلك سبيل صاحب زماننا (عليه السلام) حفظ أولياؤه المؤمنون من أهل المعرفة والعلم وقته وزمانه وعرفوا علاماته وشواهد أيَّامه(62) وكونه ووقت ولادته ونسبه، فهم على يقين من أمره في حين غيبته ومشهده، وأغفل ذلك أهل الجحود والإنكار والعنود، وفي صاحب زماننا (عليه السلام) قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ﴾ [الأنعام: 158].
وَسُئِلَ الصَّادِقُ (عليه السلام) عَنْ هَذِهِ الآيَةِ، فَقَالَ: «الآيَاتُ هُمُ الأَئِمَّةُ، والآيَةُ المُنْتَظَرَةُ هُوَ القَائِمُ المَهْدِيُّ (عليه السلام)، فَإِذَا قَامَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلِ قِيَامِهِ بِالسَّيْفِ، وإِنْ آمَنَتْ بِمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)»(63).
حدَّثنا بذلك أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير. والحسن بن محبوب، عن عليِّ بن رئاب وغيره، عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام).
وتصديق ذلك (أنَّ الآيات هم الحُجَج) من كتاب الله (عزَّ وجلَّ) قول الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾ [المؤمنون: 50]، يعني حجَّة. وقوله (عزَّ وجلَّ) لعُزَير(64) حين أحياه الله من بعد أنْ أماته مائة سنة: ﴿وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(62) في بعض النُّسَخ: (وشواهد آياته).
(63) سيأتي ذكر مصادره تحت الرقم (249/8)، فانتظر.
(64) في بعض النُّسَخ: (لارميا).

(٤٨)

آيَةً لِلنَّاسِ﴾ [البقرة: 259]، يعني حجَّة، فجعله (عزَّ وجلَّ) حجَّة على الخلق وسمَّاه آية. وإنَّ الناس لـمَّا صحَّ لهم عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أمر الغيبة الواقعة بحجَّة الله (تعالى ذكره) على خلقه وضع كثير منهم الغيبة غير موضعها أوَّلهم عمر بن الخطَّاب، فإنَّه قال لـمَّا قُبِضَ النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): (والله ما مات محمّد وإنَّما غاب كغيبة موسى (عليه السلام) عن قومه، وإنَّه سيظهر لكم بعد غيبته).
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّقْرِ الصَّائِغُ العَدْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ العَبَّاسِ بْنِ بَسَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَزْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ سَيَّارِ بْنِ دَاوُدَ الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ(65) وَعَبْدُ اللهِ بْنُ خَالِدٍ السَّلُولِيُّ أَنَّهُمَا قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ نَجِيحٌ المَدَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ وَعُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيُّ(66) وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي مَلِيكَةَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ مَشِيخَةِ أَهْلِ المَدِينَةِ، قَالُوا:
لَـمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أَقْبَلَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ يَقُولُ: وَاللهِ مَا مَاتَ مُحَمَّدٌ وَإِنَّمَا غَابَ كَغَيْبَةِ مُوسَى عَنْ قَوْمِهِ، وَإِنَّهُ سَيَظْهَرُ بَعْدَ غَيْبَتِهِ، فَمَا زَالَ يُرَدِّدُ هَذَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(65) محمّد بن يزداد الرازي، قال أبو النضر العيَّاشي: لا بأس به. ونصر بن سيَّار لم أجد من ذكره، وليس هو بنصر بن سيَّار والي خراسان من قِبَل هشام بن عبد المَلِك، ومحمّد بن عبد ربِّه الأنصاري أجاز التلعكبري جميع حديثه، وكان يروي عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري ونظرائهما كما في منهج المقال. وأمَّا عبد الله بن خالد فلم أعرفه.
(66) أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي - بكسر المهملة وسكون النون - المدني مولى بني هاشم مشهور بكنيته، وليس بقويٍّ في الحديث، ومحمّد بن قيس شيخه ضعيف كما في التقريب. وأمَّا محمّد بن كعب القرظي فثقة عالم وُلِدَ سنة أربعين على الصحيح ومات سنة (120هـ)، وقيل: قبل ذلك. وأمَّا عمارة بن غزية المدني فوثَّقه أحمد وأبو زرعة، وقال يحيى بن معين: صالح، وقال أبو حاتم: ما بحديثه بأس، وكان صدوقاً. وأمَّا سعيد بن أبي سعيد فاسمه كيسان المقبري أبو سعد المدني، والمقبري نسبة إلى مقبرة بالمدينة كان مجاوراً لها، فهو ثقة صدوق كما في التهذيب. وأمَّا عبد الله بن أبي مليكة فهو عبد الله بن عبيد الله، وأبو مليكة بالتصغير ثقة فقيه.

(٤٩)

القَوْلَ وَيُكَرِّرُهُ حَتَّى ظَنَّ النَّاسُ أَنَّ عَقْلَهُ قَدْ ذَهَبَ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ قَوْلِهِ، فَقَالَ: ارْبَعْ عَلَى نَفْسِكَ يَا عُمَرُ(67) مِنْ يَمِينِكَ الَّتِي تَحْلِفُ بِهَا، فَقَدْ أَخْبَرَنَا اللهُ (عزَّ وجلَّ) فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ [الزمر: 30]، فَقَالَ عُمَرُ: وإِنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَفِي كِتَابِ اللهِ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، أَشْهَدُ بِاللهِ لَقَدْ ذَاقَ مُحَمَّدٌ المَوْتَ. ولم يكن عمر جمع القرآن(68).
[الكيسانيَّة]:
ثمّ غلطت الكيسانيَّة بعد ذلك حتَّى ادَّعت هذه الغيبة لمحمّد بن الحنفيَّة (قدَّس الله روحه)، حتَّى إنَّ السيِّد بن محمّد الحميري (رضي الله عنه)(69) اعتقد ذلك وقال فيه:

ألَا إنَّ الأئمَّة من قريش * * * ولاة الأمر أربعة سواءُ
عليٌّ والثلاثة من بنيه * * * هم أسباطنا والأوصياءُ(70)
فسبط سبط إيمان وبرٍّ * * * وسبط قد حوته كربلاءُ(71)
وسبط لا يذوق الموت حتَّى * * * يقود الجيش يقدمه اللواءُ(72)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(67) أي ارفق بنفسك وكفَّ عن هذا القول واليمين.
(68) أي لم يقرأ أو يحفظ جميع القرآن.
(69) هو إسماعيل بن محمّد الحميري، سيِّد الشعراء، كان يقول أوَّلاً بإمامة محمّد بن الحنفيَّة، ثمّ رجع إلى الحقِّ، وأمره في الجلالة والمجد ظاهر لمن تتبَّع كُتُب التراجم. قيل: تُوفّي ببغداد سنة (179هـ) فبعثت الأكابر والشرفاء من الشيعة سبعين كفناً له، فكفَّنه الرشيد من ماله وردَّ الأكفان إلى أهلها.
(70) في الفَرْق بين الفِرَق: (هم الأسباط ليس بهم خفاء)، وكذا في المِلَل والنِّحَل.
(71) في الفَرْق بين الفِرَق: (وسبط غيَّبته كربلاء)، وكذا في إعلام الورى المنقول من كمال الدِّين.
(72) في الفَرْق بين الفِرَق والمِلَل والنحل: (يقود الخيل يقدمها اللواء).

(٥٠)

يغيب فلا يُرى عنَّا زماناً(73) * * * برضوى عنده عسل وماءُ(74)

وقال فيه السيِّد (رحمة الله عليه) أيضاً:

أيا شعب رضوى ما لمن بك لا يُرى * * * فحتَّى متى يخفى وأنت قريبُ
فلو غاب عنَّا عمر نوح لأيقنت * * * منَّا النفوس بأنَّه سيؤوبُ(75)،(76)

وقال فيه السيِّد أيضاً:

ألَا حيِّ المقيم بشعب رضوى * * * واهد له بمنزله السلاما
وقل يا ابن الوصيِّ فدتك نفسي * * * أطلت بذلك الجبل المقاما
فمرَّ بمعشر والوك منَّا * * * وسمُّوك الخليفة والإماما
فما ذاق ابن خولة طعم موتٍ * * * ولا وارت له أرض عظاما(77)

فلم يزل السيِّد ضالًّا في أمر الغيبة يعتقدها في محمّد بن الحنفيَّة حتَّى لقي الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) ورأى منه علامات الإمامة وشاهد فيه دلالات الوصيَّة، فسأله عن الغيبة، فذكر له أنَّها حقٌّ ولكنَّها تقع في الثاني عشر من الأئمَّة (عليهم السلام)، وأخبره بموت محمّد بن الحنفيَّة، وأنَّ أباه شاهد دفنه، فرجع السيِّد عن مقالته واستغفر من اعتقاده ورجع إلى الحقِّ عند اتِّضاحه له، ودان بالإمامة.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدٍ العَطَّارُ النَّيْسَابُورِيُّ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(73) في الفَرْق بين الفِرَق: (تغيب لا يُرى فيهم زماناً).
(74) راجع: ديوان السيِّد الحميري (ص 20 و21)، والفَرْق بين الفِرَق لعبد القاهر بن طاهر البغدادي الأسفراييني (ص 49)، والمِلَل والنِّحَل للشهرستاني (ج 1/ ص 150)، وإعلام الورى (ج 1/ ص 541).
(75) هذا المصراع في بعض النُّسَخ هكذا: (نفوس البرايا أنَّه سيؤوب).
(76) ديوان السيِّد الحميري (ص 31)، وقبل هذا البيت قوله:

يا ابن الوصيِّ ويا سميَّ محمّد * * * وكنيِّه نفسي عليك تذوبُ

(77) راجع: ديوان السيِّد الحميري (ص 177 و178).

(٥١)

مُحَمَّدِ [بْنِ] قُتَيْبَةَ النَّيْسَابُورِيُّ، عَنْ حَمْدَانَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ حَيَّانَ السَّرَّاجِ، قَالَ: سَمِعْتُ السَّيِّدَ بْنَ مُحَمَّدٍ الحِمْيَرِيَّ يَقُولُ: كُنْتُ أَقُولُ بِالغُلُوِّ وأَعْتَقِدُ غَيْبَةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ - ابْنِ الحَنَفِيَّةِ -، قَدْ ضَلَلْتُ فِي ذَلِكَ زَمَاناً، فَمَنَّ اللهُ عَلَيَّ بِالصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) وَأَنْقَذَنِي بِهِ مِنَ النَّارِ، وَهَدَانِي إِلى سَوَاءِ الصِّراطِ، فَسَألتُهُ بَعْدَ مَا صَحَّ عِنْدِي بِالدَّلَائِلِ الَّتِي شَاهَدْتُهَا مِنْهُ أَنَّهُ حُجَّةُ اللهِ عَلَيَّ وَعَلَى جَمِيعِ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَأَنَّهُ الإِمَامُ الَّذِي فَرَضَ اللهُ طَاعَتَهُ وَأَوْجَبَ الاِقْتِدَاءَ بِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، قَدْ رُوِيَ لَنَا أَخْبَارٌ عَنْ آبَائِكَ (عليهم السلام) فِي الغَيْبَةِ وَصِحَّةِ كَوْنِهَا، فَأَخْبِرْنِي بِمَنْ تَقَعُ؟ فَقَالَ (عليه السلام): «إِنَّ الغَيْبَةَ سَتَقَعُ بِالسَّادِسِ مِنْ وُلْدِي، وَهُوَ الثَّانِي عَشَرَ مِنَ الأَئِمَّةِ الهُدَاةِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، أَوَّلُهُمْ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَآخِرُهُمُ القَائِمُ بِالحَقِّ بَقِيَّةُ اللهِ فِي الأَرْضِ وَصَاحِبُ الزَّمَانِ، وَاللهِ لَوْ بَقِيَ فِي غَيْبَتِهِ مَا بَقِيَ نُوحٌ فِي قَوْمِهِ(78) لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَظْهَرَ فَيَمْلَأَ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً»، قَالَ السَّيِّدُ: فَلَمَّا سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ مَوْلَايَ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) تُبْتُ إِلَى اللهِ (تَعَالَى ذِكْرُهُ) عَلَى يَدَيْهِ، وَقُلْتُ قَصِيدَتِيَ الَّتِي أَوَّلُهَا:

فَلَمَّا رَأَيْتُ النَّاسَ فِي الدِّينِ قَدْ غَوُوا * * * تَجَعْفَرْتُ بِاسْمِ اللهِ فِيمَنْ تَجَعْفَرُوا(79)
وَنَادَيْتُ بِاسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ * * * وَأَيْقَنْتُ أَنَّ اللهَ يَعْفُو وَيَغْفِرُ
وَدِنْتُ بِدِينِ اللهِ مَا كُنْتُ دَيِّناً(80) * * * بِهِ وَنَهَانِي سَيِّدُ النَّاسِ جَعْفَرُ
فَقُلْتُ فَهَبْنِي قَدْ تَهَوَّدْتُ بُرْهَةً * * * وَإِلَّا فَدِينِي دِيْنُ مَنْ يَتَنَصَّرُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(78) في بعض النُّسَخ: (في الأرض).
(79) في بعض النُّسَخ: (باسم الله والله أكبر).
(80) في بعض النُّسَخ: (ودنت بدين غير ما كنت ديِّناً).

(٥٢)

وَإِنِّي إِلَى الرَّحْمَنِ مِنْ ذَاكَ تَائِبٌ * * * وَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَاللهُ أَكْبَرُ
فَلَسْتُ بِغَالٍ مَا حَيِيتُ وَرَاجِعٍ * * * إِلَى مَا عَلَيْهِ كُنْتُ أُخْفِي وَأُظْهِرُ
وَلَا قَائِلٍ حَيٌّ بِرَضْوَى مُحَمَّدٌ * * * وَإِنْ عَابَ جُهَّالٌ مَقَالِي وَأَكْثَرُوا
وَلَكِنَّهُ مِمَّنْ مَضَى لِسَبِيلِهِ * * * عَلَى أَفْضَلِ الحَالَاتِ يُقْفَى وَيُخْبَرُ
مَعَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ الأُولَى لَهُمْ * * * مِنَ المُصْطَفَى فَرْعٌ زَكِيٌّ وَعُنْصُرٌ(81)

إِلَى آخِرِ القَصِيدَةِ، [وهِيَ طَوِيلَةٌ]، وقُلْتُ بَعْدَ ذَلِكَ قَصِيدَةً أُخْرَى:

أَيَا رَاكِباً نَحْوَ المَدِينَةِ جَسْرَةً * * * عُذَافِرَةً يَطْوِي بِهَا كُلَّ سَبْسَبِ(82)
إِذَا مَا هَدَاكَ اللهُ عَايَنْتَ جَعْفَراً * * * فَقُلْ لِوَلِيِّ اللهِ وَابْنِ المُهَذَّبِ
أَلَا يَا أَمِينَ اللهِ وَابْنَ أَمِينِهِ * * * أَتُوبُ إِلَى الرَّحْمَنِ ثُمَّ تَأَوُّبِي
إِلَيْكَ مِنَ الأَمْرِ الَّذِي كُنْتُ مُطْنِباً(83) * * * أُحَارِبُ فِيهِ جَاهِداً كُلَّ مُعْرِبٍ
وَمَا كَانَ قَوْلِي فِي ابْنِ خَوْلَةَ مُطْنَباً * * * مُعَانَدَةً مِنِّي لِنَسْلِ المُطَيَّبِ
وَلَكِنْ رُوِينَا عَنْ وَصِيِّ مُحَمَّدٍ * * * وَمَا كَانَ فِيمَا قَالَ بِالمُتَكَذِّبِ
بِأَنَّ وَلِيَّ الأَمْرِ يُفْقَدُ لَا يُرَى * * * سَتِيراً(84) كَفِعْلِ الخَائِفِ(85) المُتَرَقِّبِ
فَتُقْسَمُ أَمْوَالُ الفَقِيدِ كَأَنَّمَا * * * تَغَيَّبَهُ بَيْنَ الصَّفِيحِ المُنَصَّبِ(86)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(81) الجسرة: البعير الذي أعيا وغلظ من السير. والعذافرة: العظمة الشديدة من الإبل، والناقة الصلبة القويَّة. والسبسب: المفازة، أو الأرض المستوية البعيدة.
(82) راجع: ديوان السيِّد الحميري (ص 95 و96).
(83) في بعض النُّسَخ: (كنت مبطناً).
(84) في بعض النُّسَخ: (سنين).
(85) في بعض النُّسَخ: (كمثل الخائف).
(86) الصفيح: من أسماء السماء، ووجه كلِّ شيء عريض. والمنصَّب المرتفع. ولعلَّ المراد بالصفيح هنا موضع بين حنين وأنصاب الحرم، كما يظهر من بعض اللغات.

(٥٣)

فَيَمْكُثُ حِيناً ثُمَّ يَنْبَعُ نَبْعَةً * * * كَنَبْعَةِ جَدْيٍ مِنَ الأُفُقِ كَوْكَبٍ(87)
يَسِيرُ بِنَصْرِ اللهِ مِنْ بَيْتِ رَبِّهِ * * * عَلَى سُؤْدَدٍ مِنْهُ وَأَمْرٍ مُسَبَّبٍ(88)
يَسِيرُ إِلَى أَعْدَائِهِ بِلِوَائِهِ * * * فَيَقْتُلُهُمْ قَتْلاً كَحَرَّانَ مُغْضَبٍ(89)
فَلَمَّا رَوَى أَنَّ ابْنَ خَوْلَةَ غَائِبٌ * * * صَرَفْنَا إِلَيْهِ قَوْلَنَا لَمْ نُكَذَّبِ
وَقُلْنَا هُوَ المَهْدِيُّ وَالقَائِمُ الَّذِي * * * يَعِيشُ بِهِ مِنْ عَدْلِهِ كُلُّ مُجْدِبٍ
فَإِنْ قُلْتَ لَا فَالحَقُّ قَوْلُكَ وَالَّذِي * * * أُمِرْتَ(90) فَحَتْمٌ غَيْرَ مَا مُتَعَصِّبٍ
وَأُشْهِدُ رَبِّي أَنَّ قَوْلَكَ حُجَّةٌ * * * عَلَى النَّاسِ طُرًّا مِنْ مُطِيعٍ وَمُذْنِبٍ
بِأَنَّ وَلِيَّ الأَمْرِ وَالقَائِمَ الَّذِي * * * تَطَلَّعُ نَفْسِي نَحْوَهُ بِتَطَرُّبٍ
لَهُ غَيْبَةٌ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَغِيبَهَا * * * فَصَلَّى عَلَيْهِ اللهُ مِنْ مُتَغَيَّبٍ
فَيَمْكُثُ حِيناً ثُمَّ يَظْهَرُ حِينَهُ(91) * * * فَيَمْلِكُ مَنْ فِي شَرْقِهَا وَالمُغَرَّب(92)
بِذَاكَ أَدِينُ اللهَ سِرًّا وَجَهْرَةً * * * وَلَسْتُ وَإِنْ عُوتِبْتُ فِيهِ بِمُعْتِبٍ(93)،(94)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(87) كذا، وفى بعض نُسَخ الحديث:

فيمكث حيناً ثمّ يشرق شخصه * * * مضيئاً بنور العدل إشراق كوكب

وهكذا في إعلام الورى (ج 1/ ص 540) المنقول من (كمال الدِّين).
وليس هذا البيت في إرشاد المفيد ولا كشف الغمَّة للإربلي.
(88) في بعض النُّسَخ: (وأمر مسيب).
(89) فرس حرون: الذي لا ينقاد، والاسم الحرَّان.
(90) في الإرشاد وكشف الغمَّة: (تقول فحتم).
(91) في الإرشاد: (يظهر أمره)، ولعلَّه هو الصواب.
(92) في إعلام الورى: (فيملأ عدلاَّ كلَّ شرق ومغرب).
(93) (بمعتب) خبر (لست)، يعنى عتابهم إيَّاي ليس بموقع.
(94) راجع: ديوان السيِّد الحميري (ص 48 و49)، والإرشاد (ج 2/ ص 207)، وكشف الغمَّة (ج 2/ ص 394)، وإعلام الورى (ج 1/ ص 540).

(٥٤)

وكان حيَّان السرَّاج الراوي لهذا الحديث من الكيسانيَّة، ومتى صحَّ موت محمّد بن عليٍّ ابن الحنفيَّة بطل أنْ تكون الغيبة التي رُويت في الأخبار واقعة به.
فممَّا روي في وفاة محمّد بن الحنفيَّة (رضي الله عنه)(95):
مَا حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عِصَامٍ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الكُلَيْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بْنُ العَلَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ القَزْوِينِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ المُخْتَارِ(96)، قَالَ: دَخَلَ حَيَّانُ السَّرَّاجُ عَلَى الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام)، فَقَالَ لَهُ: «يَا حَيَّانُ، مَا يَقُولُ أَصْحَابُكَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ الحَنَفِيَّةِ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: إِنَّهُ حَيٌّ يُرْزَقُ، فَقَالَ الصَّادِقُ (عليه السلام): «حَدَّثَنِي أَبِي (عليه السلام) أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ عَادَهُ فِي مَرَضِهِ وَفِيمَنْ غَمَّضَهُ وَأَدْخَلَهُ حُفْرَتَهُ وَزَوَّجَ نِسَاءَهُ وَقَسَّمَ مِيرَاثَهُ»، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّمَا مَثَلُ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ كَمَثَلِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ شُبِّهَ أَمْرُهُ لِلنَّاسِ، فَقَالَ الصَّادِقُ (عليه السلام): «شُبِّهَ أَمْرُهُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ أَوْ عَلَى أَعْدَائِهِ؟»، قَالَ: بَلْ عَلَى أَعْدَائِهِ، فَقَالَ: «أَتَزْعُمُ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ البَاقِرَ (عليه السلام) عَدُوُّ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الحَنَفِيَّةِ؟»، فَقَالَ: لَا، فَقَالَ الصَّادِقُ (عليه السلام): «يَا حَيَّانُ، إِنَّكُمْ صَدَفْتُمْ عَنْ آيَاتِ اللهِ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ(97)﴾ [الأنعام: 157]».
وقَالَ الصَّادِقُ (عليه السلام): «مَا مَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ الحَنَفِيَّةِ حَتَّى أَقَرَّ لِعَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ (عليه السلام)».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(95) هذا العنوان للمصنِّف (رحمه الله)، وموجود في جميع النُّسَخ.
(96) هو الحسين بن المختار القلانسي الكوفي، ثقة، واقفي، من أصحاب الكاظم (عليه السلام). وما في بعض النُّسَخ من (جعفر بن مختار) فهو تصحيف. وعليُّ بن إسماعيل الظاهر هو عليُّ بن السندي الثقة. وأمَّا حيَّان السرَّاج فهو كيساني متعصِّب.
(97) الصدف: الرجوع عن الشيء.

(٥٥)

وكانت وفاة محمّد بن الحنفيَّة سنة أربع وثمانين من الهجرة.
حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الحَنَفِيَّةِ وَقَدِ اعْتُقِلَ لِسَانُهُ، فَأَمَرْتُهُ بِالوَصِيَّةِ، فَلَمْ يُجِبْ»، قَالَ: «فَأَمَرْتُ بِطَسْتٍ فَجُعِلَ فِيهِ الرَّمْلُ، فَوُضِعَ، فَقُلْتُ لَهُ: خُطَّ بِيَدِكَ، قَالَ: فَخَطَّ وَصِيَّتَهُ بِيَدِهِ فِي الرَّمْلِ، وَنَسَخْتُ أَنَا فِي صَحِيفَةٍ»(98)،(99).
[إبطال قول الناووسيَّة والواقفة في الغيبة]:
ثمّ غلطت الناووسيَّة بعد ذلك في أمر الغيبة بعد ما صحَّ وقوعها عندهم بحجَّة الله على عباده، فاعتقدوها جهلاً منهم بموضعها في الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) حتَّى أبطل الله قولهم بوفاته (عليه السلام) وبقيام كاظم الغيظ الأوَّاه الحليم الإمام أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليهما السلام) بالأمر مقام الصادق (عليه السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(98) رواه المصنِّف (رحمه الله) في من لا يحضره الفقيه (ج 4/ ص 197/ ح 5454)، والطوسي (رحمه الله) في تهذيب الأحكام (ج 9/ ص 241/ ح 934/27).
(99) قال المجلسي الأوَّل (رحمه الله) في روضة المتَّقين (ج 11/ ص 67): (يدلُّ الخبر على أنَّ ما افتراه الكيسانيَّة من أنَّ محمّد بن الحنفيَّة ذهب من خوف ابن الزبير إلى اليمن وغاب في جبل رضوى وهو حيٌّ يخرج في آخر الزمان باطل، وكان أنشد السيِّد الحميري في ذلك أبياتاً، ولـمَّا رأى المعجزات من الصادق (عليه السلام) تاب ورجع إلى الحقِّ وأنشد أبياتاً في بطلان ما اعتقده أوَّلاً...، وأمثال هذه ليس ببعيد كما ذهب جماعة كثيرة إلى أنَّ أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) لم يمت مع أنَّه (عليه السلام) استُشهِدَ في حبس السندي بن شاهك على يده (لعنة الله عليه)، وكان في جنازته (عليه السلام) جميع أهل بغداد، ومع هذا قالوا ما قالوا. ورأيت أنا في الكوفة مزاراً عتيقاً وكان عليه لوحاً مكتوباً عليه اسم محمّد بن الحنفيَّة، فيمكن أنْ يكون أبو جعفر (عليه السلام) حال فوته هناك أو يكون جاء إليه بطيِّ الأرض كما روي متواتراً أنَّهم (عليهم السلام) كان لهم طيُّ الأرض وكانوا يذهبون إلى ما أرادوه به).

(٥٦)

وكذلك ادَّعت الواقفيَّة ذلك في موسى بن جعفر (عليهما السلام)، فأبطل الله قولهم بإظهار موته وموضع قبره، ثمّ بقيام الرضا عليِّ بن موسى (عليهما السلام) بالأمر بعده، وظهور علامات الإمامة فيه مع ورود النصوص عليه من آبائه (عليهم السلام).
فممَّا روي في وفاة موسى بن جعفر (عليهما السلام)(100):
مَا حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ القِطَعِيُّ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ النَّخَّاسِ العَدْلِ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الخَزَّازِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عُمَرَ ابْنِ وَاقِدٍ، قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ السِّنْدِيُّ بْنُ شَاهَكَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ وَأَنَا بِبَغْدَادَ، فَاسْتَحْضَرَنِي، فَخَشِيتُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِسُوءٍ يُرِيدُهُ بِي، فَأَوْصَيْتُ عِيَالِي بِمَا احْتَجْتُ إِلَيْهِ، وَقُلْتُ: إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، ثُمَّ رَكِبْتُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَآنِي مُقْبِلاً قَالَ: يَا أَبَا حَفْصٍ، لَعَلَّنَا أَرْعَبْنَاكَ وَأَفْزَعْنَاكَ، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ فَلَيْسَ هَاهُنَا إِلَّا خَيْرٌ، قُلْتُ: فَرَسُولٌ تَبْعَثُهُ إِلَى مَنْزِلِي يُخْبِرُهُمْ خَبَرِي؟ فَقَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا حَفْصٍ، أَتَدْرِي لِـمَ أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ؟ فَقُلْتُ: لَا، فَقَالَ: أَتَعْرِفُ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ؟ فَقُلْتُ: إِي وَاللهِ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ صَدَاقَةٌ مُنْذُ دَهْرٍ، فَقَالَ: مَنْ هَاهُنَا بِبَغْدَادَ يَعْرِفُهُ مِمَّنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ فَسَمَّيْتُ لَهُ أَقْوَاماً، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهُ (عليه السلام) قَدْ مَاتَ، قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ، وَجَاءَ بِهِمْ كَمَا جَاءَ بِي، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ قَوْماً يَعْرِفُونَ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ فَسَمَّوْا لَهُ قَوْماً، فَجَاءَ بِهِمْ، فَأَصْبَحْنَا وَنَحْنُ فِي الدَّارِ نَيِّفٌ وَخَمْسُونَ رَجُلاً مِمَّنْ يَعْرِفُ مُوسَى وَقَدْ صَحِبَهُ، قَالَ: ثُمَّ قَامَ وَدَخَلَ وَصَلَّيْنَا، فَخَرَجَ كَاتِبُهُ وَمَعَهُ طُومَارٌ، فَكَتَبَ أَسْمَاءَنَا وَمَنَازِلَنَا وَأَعْمَالَنَا وَخَلَّانَا، ثُمَّ دَخَلَ إِلَى السِّنْدِيِّ، قَالَ: فَخَرَجَ السِّنْدِيُّ، فَضَرَبَ يَدَهُ إِلَيَّ، فَقَالَ: قُمْ يَا أَبَا حَفْصٍ، فَنَهَضْتُ وَنَهَضَ أَصْحَابُنَا وَدَخَلْنَا، وَقَالَ لِي: يَا أَبَا حَفْصٍ، اكْشِفِ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِ مُوسَى بْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(100) العنوان من المصنِّف (رحمه الله).

(٥٧)

جَعْفَرٍ، فَكَشَفْتُهُ، فَرَأَيْتُهُ مَيِّتاً، فَبَكَيْتُ وَاسْتَرْجَعْتُ، ثُمَّ قَالَ لِلْقَوْمِ: انْظُرُوا إِلَيْهِ، فَدَنَا وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: تَشْهَدُونَ كُلُّكُمْ أَنَّ هَذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ نَشْهَدُ أَنَّهُ مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ قَالَ: يَا غُلَامُ، اطْرَحْ عَلَى عَوْرَتِهِ مِنْدِيلاً وَاكْشِفْهُ، قَالَ: فَفَعَلَ، فَقَالَ: أَتَرَوْنَ بِهِ أَثَراً تُنْكِرُونَهُ؟ فَقُلْنَا: لَا مَا نَرَى بِهِ شَيْئاً، وَلَا نَرَاهُ إِلَّا مَيِّتاً، قَالَ: لَا تَبْرَحُوا حَتَّى تُغَسِّلُوهُ وَأُكَفِّنَهُ وَأَدْفِنَهُ، قَالَ: فَلَمْ نَبْرَحْ حَتَّى غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَحُمِلَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ السِّنْدِيُّ بْنُ شَاهَكَ، وَدَفَنَّاهُ وَرَجَعْنَا، فَكَانَ عُمَرُ بْنُ وَاقِدٍ يَقُولُ: مَا أَحَدٌ هُوَ أَعْلَمُ بِمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليهما السلام) مِنِّي، كَيْفَ تَقُولُونَ: إِنَّهُ حَيٌّ وَأَنَا دَفَنْتُهُ(101)؟
حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدٍ العَطَّارُ (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنْ حَمْدَانَ بْنِ سُلَيْمَانَ النَّيْسَابُورِيِّ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الصَّيْرَفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: تُوُفِّيَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عليهما السلام) فِي يَدِ السِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ، فَحُمِلَ عَلَى نَعْشٍ، وَنُودِيَ عَلَيْهِ: هَذَا إِمَامُ الرَّافِضَةِ فَاعْرِفُوهُ، فَلَمَّا أُتِيَ بِهِ مَجْلِسَ الشُّرْطَةِ أَقَامَ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ، فَنَادَوْا: أَلَا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الخَبِيثِ بْنِ الخَبِيثِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ فَلْيَخْرُجْ، فَخَرَجَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ(102) مِنْ قَصْرِهِ إِلَى الشَّطِّ، فَسَمِعَ الصِّيَاحَ وَالضَّوْضَاءَ(103)، فَقَالَ لِوُلْدِهِ وَغِلْمَانِهِ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: السِّنْدِيُّ بْنُ شَاهَكَ يُنَادِي عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَلَى نَعْشٍ، فَقَالَ لِوُلْدِهِ وَغِلْمَانِهِ: يُوشِكُ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ هَذَا فِي الجَانِبِ الغَرْبِيِّ، فَإِذَا عُبِرَ بِهِ فَانْزِلُوا مَعَ غِلْمَانِكُمْ، فَخُذُوهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ، فَإِنْ مَانَعُوكُمْ فَاضْرِبُوهُمْ وَاخْرِقُوا مَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّوَادِ، قَالَ: فَلَمَّا عَبَرُوا بِهِ نَزَلُوا إِلَيْهِمْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(101) رواه المصنِّف (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 91 و92 / ح 3).
(102) هم عمُّ الرشيد أحد أركان الدولة العبَّاسيَّة.
(103) الضوضاء: الغوغاء - وزناً ومعنًى -، وأصوات الناس في الحرب.

(٥٨)

فَأَخَذُوهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَضَرَبُوهُمْ وَخَرَقُوا عَلَيْهِمْ سَوَادَهُمْ وَوَضَعُوهُ فِي مَفْرَقِ أَرْبَعِ طُرُقٍ(104) وَأَقَامَ المُنَادِينَ يُنَادُونَ: أَلَا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الطَّيِّبِ بْنِ الطَّيِّبِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ فَلْيَخْرُجْ، وَحَضَرَ الخَلْقُ وَغَسَّلَهُ وَحَنَّطَهُ بِحَنُوطٍ وَكَفَّنَهُ بِكَفَنٍ فِيهِ حِبَرَةٌ اسْتُعْمِلَتْ لَهُ بِالفَيْ وَخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ مَكْتُوباً عَلَيْهَا القُرْآنُ كُلُّهُ، وَاحْتَفَى(105) وَمَشَى فِي جَنَازَتِهِ، مُتَسَلِّباً مَشْقُوقَ الجَيْبِ إِلَى مَقَابِرِ قُرَيْشٍ، فَدَفَنَهُ (عليه السلام) هُنَاكَ، وَكَتَبَ بِخَبَرِهِ إِلَى الرَّشِيدِ، فَكَتَبَ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ: وَصَلْتَ رَحِمَكَ يَا عَمِّ وَأَحْسَنَ اللهُ جَزَاكَ، وَاللهِ مَا فَعَلَ السِّنْدِيُّ بْنُ شَاهَكَ (لَعَنَهُ اللهُ) مَا فَعَلَهُ عَنْ أَمْرِنَا(106)،(107).
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زِيَادٍ الهَمَدَانِيُّ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ العَنْبَرِيِّ، قَالَ: لَـمَّا تُوُفِّيَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عليهما السلام) جَمَعَ هَارُونُ الرَّشِيدُ شُيُوخَ الطَّالِبِيَّةِ وَبَنِي العَبَّاسِ وَسَائِرَ أَهْلِ المَمْلَكَةِ وَالحُكَّامَ، وَأَحْضَرَ أَبَا إِبْرَاهِيمَ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (عليهما السلام)، فَقَالَ: هَذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ قَدْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ(108) وَمَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْهُ فِي أَمْرِهِ - يَعْنِي فِي قَتْلِهِ -، فَانْظُرُوا إِلَيْهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَبْعُونَ رَجُلاً مِنْ شِيعَتِهِ، فَنَظَرُوا إِلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليهما السلام) وَلَيْسَ بِهِ أَثَرُ جِرَاحَةٍ وَلَا سَمٍّ وَلَا خَنْقٍ، وَكَانَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(104) يعني الموضع الذي يتشعَّب منه الطُّرُق، ويقال له بالفارسيَّة: (چهار راه).
(105) أي مشى حافياً بلا نعل. وقوله: (متسلِّباً) أي بلا رداء ولا زينة.
(106) رواه المصنِّف (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 93/ ح 5).
(107) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 48/ ص 228): (بيان: شُرَط السلطان نخبة أصحابه الذين يُقدِّمهم على غيرهم من جنده. والضوضاء أصوات الناس وغلبتهم. والسلب خلع لباس الزينة ولبس أثواب المصيبة).
(108) أي مات من غير قتل ولا ضرب، بل مات بأجله.

(٥٩)

فِي رِجْلِهِ أَثَرُ الحِنَّاءِ، فَأَخَذَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ وَتَوَلَّى غُسْلَهُ وَتَكْفِينَهُ وَاحْتَفَى وَتَحَسَّرَ فِي جَنَازَتِهِ(109)،(110)،(111).
حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرُورٍ (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ المُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ البَصْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ رِبَاطٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيِّ ابْنِ مُوسَى الرِّضَا (عليهما السلام): إِنَّ عِنْدَنَا رَجُلاً يَذْكُرُ أَنَّ أَبَاكَ (عليه السلام) حَيٌّ، وَأَنَّكَ تَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ مَا تَعْلَمُ، فَقَالَ (عليه السلام): «سُبْحَانَ اللهِ مَاتَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وَلَمْ يَمُتْ مُوسَى ابْنُ جَعْفَرٍ؟! بَلَى وَاللهِ لَقَدْ مَاتَ وَقُسِمَتْ أَمْوَالُهُ وَنُكِحَتْ جَوَارِيهِ»(112).
[ادِّعاء الواقفة الغيبة على العسكري (عليه السلام)]:
ثمّ ادَّعت الواقفة على الحسن بن عليِّ بن محمّد (عليهم السلام) أنَّ الغيبة وقعت به، لصحَّة أمر الغيبة عندهم وجهلهم بموضعها وأنَّه القائم المهديُّ، فلمَّا صحَّت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(109) تحسَّر، أي تلهَّف أو مشى بلا رداء وعمامة.
(110) رواه المصنِّف (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 97/ ح 8).
(111) قال المصنِّف (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 97 و98): (إنَّما أوردت هذه الأخبار في هذا الكتاب ردًّا على الواقفيَّة على موسى بن جعفر (عليهما السلام) فإنَّهم يزعمون أنَّه حيٌّ ويُنكِرون إمامة الرضا (عليه السلام) وإمامة من بعده من الأئمَّة (عليهم السلام)، وفي صحَّة وفاة موسى بن جعفر إبطال مذهبهم. ولهم [في] هذه الأخبار كلام يقولون: إنَّ الصادق (عليه السلام) قال: الإمام لا يُغسِّله إلَّا الإمام، ولو كان الرضا (عليه السلام) إماماً كما ذكرتم لغسَّله، وفي هذه الأخبار أنَّ موسى (عليه السلام) غسَّله غيره. ولا حجَّة لهم علينا في ذلك، لأنَّ الصادق (عليه السلام) إنَّما نهى أنْ يُغسِّل الإمام إلَّا من يكون إماماً، فإنْ دخل من يُغسِّل الإمام في نهيه فغسَّله لم يبطل بذلك إمامة الإمام بعده، ولم يقل (عليه السلام): إنَّ الإمام لا يكون إلَّا الذي يُغسِّل من قبله من الأئمَّة (عليهم السلام)، فبطل تعلُّقهم علينا بذلك. على أنَّا قد روينا في بعض هذه الأخبار أنَّ الرضا (عليه السلام) قد غسَّل أباه موسى بن جعفر (عليهما السلام) من حيث خفى على الحاضرين لغسله غير من اطَّلع عليه، ولا تُنكِر الواقفيَّة أنَّ الإمام يجوز أنْ يطوي الله تعالى له البعد حتَّى يقطع المسافة البعيدة في المدَّة اليسيرة).
(112) رواه المصنِّف (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 98/ ح 9).

(٦٠)

وفاته (عليه السلام) بطل قولهم فيه، وثبت بالأخبار الصحيحة التي قد ذكرناها في هذا الكتاب أنَّ الغيبة واقعة بابنه (عليه السلام) دونه.
فممَّا روي في صحَّة وفاة الحسن بن عليِّ بن محمّد العسكري (عليه السلام)(113):
مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْ حَضَرَ مَوْتَ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ العَسْكَرِيِّ (عليهم السلام) وَدَفْنَهُ مِمَّنْ لَا يُوقَفُ عَلَى إِحْصَاءِ عَدَدِهِمْ وَلَا يَجُوزُ عَلَى مِثْلِهِمُ التَّوَاطُؤُ بِالكَذِبِ. وَبَعْدُ فَقَدْ حَضَرْنَا فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ العَسْكَرِيِّ (عليهما السلام) بِثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ مَجْلِسَ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَاقَانَ(114) وَهُوَ عَامِلُ السُّلْطَانِ يَوْمَئِذٍ عَلَى الخَرَاجِ وَالضِّيَاعِ بِكُورَةِ قُمَّ، وَكَانَ مِنْ أَنْصَبِ خَلْقِ اللهِ وَأَشَدِّهِمْ عَدَاوَةً لَهُمْ، فَجَرَى ذِكْرُ المُقِيمِينَ مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ بِسُرَّ مَنْ رَأَى وَمَذَاهِبِهِمْ وَصَلَاحِهِمْ وَأَقْدَارِهِمْ عِنْدَ السُّلْطَانِ، فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ: مَا رَأَيْتُ وَلَا عَرَفْتُ بِسُرَّ مَنْ رَأَى رَجُلاً مِنَ العَلَوِيَّةِ مِثْلَ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرِّضَا (عليهم السلام)، وَلَا سَمِعْتُ بِهِ فِي هَدْيِهِ وَسُكُونِهِ وَعَفَافِهِ وَنُبْلِهِ وَكَرَمِهِ عِنْدَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَالسُّلْطَانِ وَجَمِيعِ بَنِي هَاشِمٍ، وَتَقْدِيمِهِمْ إِيَّاهُ عَلَى ذَوِي السِّنِّ مِنْهُمْ وَالخَطَرِ، وَكَذَلِكَ القُوَّادُ وَالوُزَرَاءُ وَالكُتَّابُ وَعَوَامُّ النَّاسِ، فَإِنِّي كُنْتُ قَائِماً ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى رَأْسِ أَبِي وَهُوَ يَوْمُ مَجْلِسِهِ لِلنَّاسِ، إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ حُجَّابُهُ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ ابْنَ الرِّضَا عَلَى البَابِ، فَقَالَ بِصَوْتٍ عَالٍ: ائْذَنُوا لَهُ(115)، فَدَخَلَ رَجُلٌ أَسْمَرُ أَعْيَنُ حَسَنُ القَامَةِ، جَمِيلُ الوَجْهِ، جَيِّدُ البَدَنِ، حَدَثُ السِّنِّ، لَهُ جَلَالَةٌ وَهَيْبَةٌ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ أَبِي قَامَ، فَمَشَى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(113) العنوان من المصنِّف (رحمه الله).
(114) في إعلام الورى: (أحمد بن عبد الله بن يحيى بن خاقان).
(115) زاد في الكافي (ج 1/ ص 503): (فتعجَّبت ممَّا سمعت منهم أنَّهم جسروا يُكَنُّون رجلاً على أبي بحضرته، ولم يُكَنَّ عنده إلَّا خليفة أو وليَّ عهد أو من أمر السلطان أنْ يُكَنَّى).

(٦١)

إِلَيْهِ خُطًى، وَلَا أَعْلَمُهُ فَعَلَ هَذَا بِأَحَدٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَلَا بِالقُوَّادِ وَلَا بِأَوْلِيَاءِ العَهْدِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ عَانَقَهُ وَقَبَّلَ وَجْهَهُ وَمَنْكِبَيْهِ وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَجْلَسَهُ عَلَى مُصَلَّاهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، وَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ مُقْبِلاً عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، وَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ وَيُكَنِّيهِ، وَيَفْدِيهِ بِنَفْسِهِ وَبِأَبَوَيْهِ، وَأَنَا مُتَعَجِّبٌ مِمَّا أَرَى مِنْهُ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ الحُجَّابُ، فَقَالُوا: المُوَفَّقُ قَدْ جَاءَ(116)، وَكَانَ المُوَفَّقُ إِذَا جَاءَ وَدَخَلَ عَلَى أَبِي تَقَدَّمَ حُجَّابُهُ وَخَاصَّةُ قُوَّادِهِ، فَقَامُوا بَيْنَ مَجْلِسِ أَبِي وَبَيْنَ بَابِ الدَّارِ سِمَاطَيْنِ(117) إِلَى أَنْ يَدْخُلَ وَيَخْرُجَ، فَلَمْ يَزَلْ أَبِي مُقْبِلاً عَلَيْهِ(118) يُحَدِّثُهُ حَتَّى نَظَرَ إِلَى غِلْمَانِ الخَاصَّةِ، فَقَالَ حِينَئِذٍ: إِذَا شِئْتَ فَقُمْ جَعَلَنِيَ اللهُ فِدَاكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، ثُمَّ قَالَ لِغِلْمَانِهِ: خُذُوا بِهِ خَلْفَ السِّمَاطَيْنِ كَيْلَا يَرَاهُ الأَمِيرُ - يَعْنِي المُوَفَّقَ -، فَقَامَ وَقَامَ أَبِي فَعَانَقَهُ وَقَبَّلَ وَجْهَهُ وَمَضَى، فَقُلْتُ لِحُجَّابِ أَبِي وَغِلْمَانِهِ: وَيْلَكُمْ مَنْ هَذَا الَّذِي فَعَلَ بِهِ أَبِي هَذَا الَّذِي فَعَلَ؟ فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنَ العَلَوِيَّةِ يُقَالُ لَهُ: الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُعْرَفُ بِابْنِ الرِّضَا، فَازْدَدْتُ تَعَجُّباً، فَلَمْ أَزَلْ يَوْمِي ذَلِكَ قَلِقاً مُتَفَكِّراً فِي أَمْرِهِ وَأَمْرِ أَبِي وَمَا رَأَيْتُ مِنْهُ حَتَّى كَانَ اللَّيْلُ، وَكَانَتْ عَادَتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ العَتَمَةَ، ثُمَّ يَجْلِسَ فَيَنْظُرَ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ المُؤَامَرَاتِ وَمَا يَرْفَعُهُ إِلَى السُّلْطَانِ، فَلَمَّا صَلَّى وَجَلَسَ(119) جِئْتُ فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ، أَلَكَ حَاجَةٌ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا أَبَةِ إِنْ أَذِنْتَ سَالتُكَ عَنْهَا، فَقَالَ: قَدْ أَذِنْتُ لَكَ يَا بُنَيَّ فَقُلْ مَا أَحْبَبْتَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَةِ، مَنْ كَانَ الرَّجُلُ الَّذِي أَتَاكَ بِالغَدَاةِ وَفَعَلْتَ بِهِ مَا فَعَلْتَ مِنَ الإِجْلَالِ وَالإِكْرَامِ وَالتَّبْجِيلِ وَفَدَيْتَهُ بِنَفْسِكَ وَبَأَبَوَيْكَ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، ذَاكَ إِمَامُ الرَّافِضَةِ، ذَاكَ ابْنُ الرِّضَا، فَسَكَتَ سَاعَةً،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(116) الموفَّق هو أخو الخليفة المعتمد على الله أحمد بن المتوكِّل، وكان صاحب جيشه.
(117) السماط: الصفُّ من الناس، يعني رديفين منظَّمين. وفي الكافي: (فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين إلى أنْ).
(118) أي مقبلاً على أبي محمّد (عليه السلام).
(119) في بعض النُّسَخ: (فلمَّا نظر وجلس).

(٦٢)

فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، لَوْ زَالَتِ الخِلَافَةُ عَنْ خُلَفَاءِ بَنِي العَبَّاسِ مَا اسْتَحَقَّهَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ غَيْرُ هَذَا، فَإِنَّ هَذَا يَسْتَحِقُّهَا فِي فَضْلِهِ وَعَفَافِهِ وَهَدْيِهِ وَصِيَانَةِ نَفْسِهِ وَزُهْدِهِ وَعِبَادَتِهِ وَجَمِيلِ أَخْلَاقِهِ وَصَلَاحِهِ، وَلَوْ رَأَيْتَ أَبَاهُ لَرَأَيْتَ رَجُلاً جَلِيلاً نَبِيلاً خَيِّراً فَاضِلاً، فَازْدَدْتُ قَلَقاً وَتَفَكُّراً وَغَيْظاً عَلَى أَبِي مِمَّا سَمِعْتُ مِنْهُ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي هِمَّةٌ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا السُّؤَالَ عَنْ خَبَرِهِ، وَالبَحْثَ عَنْ أَمْرِهِ، فَمَا سَالتُ عَنْهُ أَحَداً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَمِنَ القُوَّادِ وَالكُتَّابِ وَالقُضَاةِ وَالفُقَهَاءِ وَسَائِرِ النَّاسِ إِلَّا وَجَدْتُهُ عِنْدَهُمْ فِي غَايَةِ الإِجْلَالِ وَالإِعْظَامِ وَالمَحَلِّ الرَّفِيعِ وَالقَوْلِ الجَمِيلِ وَالتَّقْدِيمِ لَهُ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ بَيْتِهِ وَمَشَايِخِهِ وَغَيْرِهِمْ، وَكُلٌّ يَقُولُ: هُوَ إِمَامُ الرَّافِضَةِ، فَعَظُمَ قَدْرُهُ عِنْدِي، إِذْ لَمْ أَرَ لَهُ وَلِيًّا وَلَا عَدُوّاً إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ القَوْلَ فِيهِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ.
فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَهْلِ المَجْلِسِ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، فَمَا خَبَرُ أَخِيهِ جَعْفَرٍ؟ فَقَالَ: وَمَنْ جَعْفَرٌ فَيُسْأَلَ عَنْ خَبَرِهِ(120) أَوْ يُقْرَنَ بِهِ؟ إِنَّ جَعْفَراً مُعْلِنٌ بِالفِسْقِ، مَاجِنٌ(121)، شِرِّيبٌ لِلْخُمُورِ، وَأَقَلُّ مَنْ رَأَيْتُهُ مِنَ الرِّجَالِ، وَأَهْتَكُهُمْ لِسَتْرِهِ، فَدْمٌ خَمَّارٌ(122)، قَلِيلٌ فِي نَفْسِهِ، خَفِيفٌ، وَاللهِ لَقَدْ وَرَدَ عَلَى السُّلْطَانِ وَأَصْحَابِهِ فِي وَقْتِ وَفَاةِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) مَا تَعَجَّبْتُ مِنْهُ، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكُونُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَـمَّا اعْتَلَّ بَعَثَ إِلَى أَبِي أَنَّ ابْنَ الرِّضَا قَدِ اعْتَلَّ، فَرَكِبَ مِنْ سَاعَتِهِ مُبَادِراً إِلَى دَارِ الخِلَافَةِ، ثُمَّ رَجَعَ مُسْتَعْجِلاً وَمَعَهُ خَمْسَةُ نَفَرٍ مِنْ خُدَّامِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ، كُلُّهُمْ مِنْ ثِقَاتِهِ وَخَاصَّتِهِ، فَمِنْهُمْ نِحْرِيرٌ(123)، وَأَمَرَهُمْ بِلُزُومِ دَارِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) وَتَعَرُّفِ خَبَرِهِ وَحَالِهِ، وَبَعَثَ إِلَى نَفَرٍ مِنَ المُتَطَبِّبِينَ، فَأَمَرَهُمْ بِالاخْتِلَافِ إِلَيْهِ(124)، وَتَعَاهُدِهِ صَبَاحاً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(120) المراد به جعفر الكذَّاب.
(121) الماجن: من لم يبالِ بما قال وما صنع. والشرِّيب - كسكِّين -: المولع بالشراب.
(122) الفدم: العيى عن الكلام في رخاوة وقلَّة فهم، والأحمق، والمراد الثاني.
(123) كان من خواصِّ خدم الخليفة، وكان شقيًّا من الأشقياء. والنحرير: الحاذق الفطن.
(124) يعنى بالاختلاف: التردُّد للاطِّلاع على أحواله (عليه السلام).

(٦٣)

وَمَسَاءً، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمَيْنِ جَاءَهُ مَنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدْ ضَعُفَ، فَرَكِبَ حَتَّى بَكَّرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَ المُتَطَبِّبِينَ بِلُزُومِهِ، وَبَعَثَ إِلَى قَاضِي القُضَاةِ فَأَحْضَرَهُ مَجْلِسَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ أَصْحَابِهِ عَشَرَةً مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ فِي دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ وَوَرَعِهِ، فَأَحْضَرَهُمْ، فَبَعَثَ بِهِمْ إِلَى دَارِ الحَسَنِ (عليه السلام)، وَأَمَرَهُمْ بِلُزُومِ دَارِهِ لَيْلاً وَنَهَاراً، فَلَمْ يَزَالُوا هُنَاكَ حَتَّى تُوُفِّيَ (عليه السلام) لِأَيَّامٍ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، فَصَارَتْ سُرَّ مَنْ رَأَى ضَجَّةً وَاحِدَةً: مَاتَ ابْنُ الرِّضَا.
وَبَعَثَ السُّلْطَانُ إِلَى دَارِهِ مَنْ يُفَتِّشُهَا وَيُفَتِّشُ حُجَرَهَا، وَخَتَمَ عَلَى جَمِيعِ مَا فِيهَا، وَطَلَبُوا أَثَرَ وَلَدِهِ، وَجَاءُوا بِنِسَاءٍ يَعْرِفْنَ بِالحَبْلِ، فَدَخَلْنَ عَلَى جَوَارِيهِ، فَنَظَرْنَ إِلَيْهِنَّ، فَذَكَرَ بَعْضُهُنَّ أَنَّ هُنَاكَ جَارِيَةً بِهَا حَمْلٌ(125)، فَأَمَرَ بِهَا، فَجُعِلَتْ فِي حُجْرَةٍ، وَوُكِّلَ بِهَا نِحْرِيرٌ الخَادِمُ وَأَصْحَابُهُ وَنِسْوَةٌ مَعَهُمْ، ثُمَّ أَخَذُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَهْيِئَتِهِ، وَعُطِّلَتِ الأَسْوَاقُ، وَرَكِبَ أَبِي وَبَنُو هَاشِمٍ وَالقُوَّادُ وَالكُتَّابُ وَسَائِرُ النَّاسِ إِلَى جَنَازَتِهِ (عليه السلام)، فَكَانَتْ سُرَّ مَنْ رَأَى يَوْمَئِذٍ شَبِيهاً بِالقِيَامَةِ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ تَهْيِئَتِهِ بَعَثَ السُّلْطَانُ إِلَى أَبِي عِيسَى بْنِ المُتَوَكِّلِ، فَأَمَرَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَلَمَّا وُضِعَتِ الجَنَازَةُ لِلصَّلَاةِ دَنَا أَبُو عِيسَى مِنْهَا، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، فَعَرَضَهُ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ مِنَ العَلَوِيَّةِ وَالعَبَّاسِيَّةِ وَالقُوَّادِ وَالكُتَّابِ وَالقُضَاةِ وَالفُقَهَاءِ وَالمُعَدَّلِينَ، وَقَالَ: هَذَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، ابْنُ الرِّضَا، مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ(126) عَلَى فِرَاشِهِ، حَضَرَهُ مِنْ خَدَمِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَثِقَاتِهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَمِنَ المُتَطَبِّبِينَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَمِنَ القُضَاةِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، ثُمَّ غَطَّى وَجْهَهُ وَقَامَ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ خَمْساً وَأَمَرَ بِحَمْلِهِ، فَحُمِلَ مِنْ وَسَطِ دَارِهِ، وَدُفِنَ فِي البَيْتِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ أَبُوهُ (عليه السلام).
فَلَمَّا دُفِنَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ اضْطَرَبَ السُّلْطَانُ وَأَصْحَابُهُ فِي طَلَبِ وَلَدِهِ، وَكَثُرَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(125) في بعض النُّسَخ: (لها حبل)، وفي بعضها: (بها حبل).
(126) يعني مات من غير قتل ولا ضرب ولا خنق.

(٦٤)

التَّفْتِيشُ فِي المَنَازِلِ وَالدُّورِ، وَتَوَقَّفُوا عَلَى قِسْمَةِ مِيرَاثِهِ، وَلَمْ يَزَلِ الَّذِينَ وُكِّلُوا بِحِفْظِ الجَارِيَةِ الَّتِي تَوَهَّمُوا عَلَيْهَا الحَبَلَ مُلَازِمِينَ لَهَا سَنَتَيْنِ وَأَكْثَرَ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُمْ بُطْلَانُ الحَبَلِ، فَقَسَّمَ مِيرَاثَهُ بَيْنَ أُمِّهِ وأَخِيهِ جَعْفَرٍ، وَادَّعَتْ أُمُّهُ وَصِيَّتَهُ، وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ القَاضِي. وَالسُّلْطَانُ عَلَى ذَلِكَ يَطْلُبُ أَثَرَ وَلَدِهِ، فَجَاءَ جَعْفَرٌ بَعْدَ قِسْمَةِ المِيرَاثِ إِلَى أَبِي، وَقَالَ لَهُ: اجْعَلْ لِي مَرْتَبَةَ أَبِي وَأَخِي وَأُوصِلَ إِلَيْكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ عِشْرِينَ الفَ دِينَارٍ مُسَلَّمَةً، فَزَبَرَهُ(127) أَبِي وَأَسْمَعَهُ، وَقَالَ لَهُ: يَا أَحْمَقُ، إِنَّ السُّلْطَانَ (أَعَزَّهُ اللهُ) جَرَّدَ سَيْفَهُ وَسَوْطَهُ فِي الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ أَبَاكَ وَأَخَاكَ أَئِمَّةٌ لِيَرُدَّهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ صَرْفُهُمْ عَنْ هَذَا القَوْلِ فِيهِمَا، وَجَهَدَ أَنْ يُزِيلَ أَبَاكَ وَأَخَاكَ عَنْ تِلْكَ المَرْتَبَةِ فَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ كُنْتَ عِنْدَ شِيعَةِ أَبِيكَ وَأَخِيكَ إِمَاماً فَلَا حَاجَةَ بِكَ إِلَى السُّلْطَانِ يُرَتِّبُكَ مَرَاتِبَهُمْ وَلَا غَيْرِ السُّلْطَانِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُمْ بِهَذِهِ المَنْزِلَةِ لَمْ تَنَلْهَا بِنَا، وَاسْتَقَلَّهُ [أَبِي] عِنْدَ ذَلِكَ وَاسْتَضْعَفَهُ وَأَمَرَ أَنْ يُحْجَبَ عَنْهُ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ أَبِي، وَخَرَجْنَا وَالأَمْرُ عَلَى تِلْكَ الحَالِ، وَالسُّلْطَانُ يَطْلُبُ أَثَرَ وَلَدِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) حَتَّى اليَوْمَ(128).
وكيف يصحُّ الموت إلَّا هكذا؟ وكيف يجوز ردُّ العيان وتكذيبه؟ وإنَّما كان السلطان لا يفتر عن طلب الولد لأنَّه قد كان وقع في مسامعه خبره، وَقَدْ كَانَ وُلِدَ (عليه السلام) قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ بِسِنِينَ، وَعَرَضَهُ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَقَالَ لَهُمْ: «هَذَا إِمَامُكُمْ مِنْ بَعْدِي، وَخَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ، أَطِيعُوهُ فَلَا تَتَفَرَّقُوا مِنْ بَعْدِي فَتَهْلِكُوا فِي أَدْيَانِكُمْ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(127) أي زجره.
(128) راجع: الكافي (ج 1/ ص 503 - 506/ باب مولد أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام)/ ح 1)، والإرشاد (ج 2/ ص 321 - 325)، وروضة الواعظين (ص 249 - 251)، وإعلام الورى (ج 2/ ص 147 - 150).

(٦٥)

أَمَا إِنَّكُمْ لَنْ تَرَوْهُ بَعْدَ يَوْمِكُمْ هَذَا»(129)،(130)، فغيَّبه ولم يُظهِره، فلذلك لم يفتر السلطان عن طلبه.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الأَمْرِ هُوَ الَّذِي تُخْفَى وِلَادَتُهُ عَلَى النَّاسِ، وَيَغِيبُ عَنْهُمْ شَخْصُهُ، لِئَلَّا يَكُونَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ إِذَا خَرَجَ(131)، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُقْسَمُ مِيرَاثُهُ وَهُوَ حَيٌّ(132)، وقد أخرجت ذلك مسنداً في هذا الكتاب في موضعه.
وقد كان مرادنا بإيراد هذا الخبر تصحيحاً لموت الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام)، فلمَّا بطل وقوع الغيبة لمن ادُّعيت له من محمّد بن عليٍّ [ابن] الحنفيَّة، والصادق جعفر ابن محمّد، وموسى بن جعفر، والحسن بن عليٍّ العسكري (عليهم السلام)، بما صحَّ من وفاتهم، فصحَّ وقوعها بمن نصَّ عليه النبيُّ والأئمَّة الأحد عشر (صلوات الله عليهم)، وهو الحجَّة بن الحسن بن عليِّ بن محمّد العسكري (عليهم السلام)، وقد أخرجت الأخبار المسندة في ذلك الكتاب في أبواب النصوص عليه (صلوات الله عليه).
وكلُّ من سألنا من المخالفين عن القائم (عليه السلام) لم يخل من أنْ يكون قائلاً بإمامة الأئمَّة الأحد عشر من آبائه (عليهم السلام) أو غير قائل بإمامتهم، فإنْ كان قائلاً بإمامتهم لزمه القول بإمامة الإمام الثاني عشر، لنصوص آبائه الأئمَّة (عليهم السلام) عليه باسمه ونسبه، وإجماع شيعتهم على القول بإمامته، وأنَّه القائم الذي يظهر بعد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(129) رواه الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 357/ ح 319).
(130) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 52/ ص 26): (بيان: قوله (عليه السلام): «أمَا إنَّكم لا ترونه» أي أكثركم أو عن قريب، فإنَّ الظاهر أنَّ محمّد بن عثمان كان يراه في أيَّام سفارته، وهو الظاهر من الخبر الآتي. مع أنَّه يحتمل أنْ يكون في أيَّام سفارته تصل إليه الكُتُب من وراء حجاب أو بوسائط، وما أخبر به في الخبر الآتي يكون إخباراً عن هذه المرَّة لكنَّهما بعيدان).
ومراده (رحمه الله) من الخبر الآتي ما سيأتي تحت الرقم (389/3).
(131) سيأتي مسنداً تحت الرقم (210/2)، فانتظر.
(132) سيأتي مسنداً تحت الرقم (212/2)، فانتظر.

(٦٦)

غيبة طويلة فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً. وإنْ لم يكن السائل من القائلين بالأئمَّة الأحد عشر (عليهم السلام) لم يكن له علينا جواب في القائم الثاني عشر من الأئمَّة (عليهم السلام)، وكان الكلام بيننا وبينه في إثبات إمامة آبائه الأئمَّة الأحد عشر (عليهم السلام).
وهكذا لو سألنا يهودي فقال لنا: لِـمَ صارت الظهر أربعاً والعصر أربعاً والعتمة أربعاً والغداة ركعتين والمغرب ثلاثاً؟ لم يكن له علينا في ذلك جواب، بل لنا أنْ نقول له: إنَّك منكر لنبوَّة النبيِّ الذي أتى بهذه الصلوات وعدد ركعاتها، فكلِّمنا في نبوَّته وإثباتها، فإنْ بطلت بطلت هذه الصلوات وسقط السؤال عنها، وإنْ ثبتت نبوَّته (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لزمك الإقرار بفرض هذه الصلوات على عدد ركعاتها، لصحَّة مجيئها عنه، واجتماع أُمَّته عليها، عرفت علَّتها أم لم تعرفها، وهكذا الجواب لمن سأل عن القائم (عليه السلام) حذو النعل بالنعل.
[جواب عن اعتراض]:
وقد يعترض معترض جاهل بآثار الحكمة، غافل عن مستقيم التدبير لأهل الملَّة، بأنْ يقول: ما بال الغيبة وقعت بصاحب زمانكم هذا دون من تقدَّم من آبائه الأئمَّة بزعمكم، وقد نجد شيعة آل محمّد (عليهم السلام) في زماننا هذا أحسن حالاً وأرغد عيشاً منهم في زمن بني أُميَّة، إذ كانوا في ذلك الزمان مطالبين بالبراءة من أمير المؤمنين (عليه السلام)، إلى غير ذلك من أحوال القتل والتشريد. وهم في هذا الحال وادعون سالمون، قد كثرت شيعتهم وتوافرت أنصارهم وظهرت كلمتهم بموالاة كبراء أهل الدولة لهم وذوي السلطان والنجدة منهم.
فأقول - وبالله التوفيق -: إنَّ الجهل غير معدوم من ذوي الغفلة وأهل التكذيب والحيرة، وقد تقدَّم من قولنا: إنَّ ظهور حُجَج الله (عليهم السلام) واستتارهم

(٦٧)

جرى في وزن الحكمة(133) حسب الإمكان والتدبير لأهل الإيمان، وإذا كان ذلك كذلك فليقل ذوو النظر والتمييز: إنَّ الأمر الآن - وإنْ كان الحال كما وصفت - أصعب والمحنة أشدُّ ممَّا تقدَّم من أزمنة الأئمَّة السالفة (عليهم السلام)، وذلك أنَّ الأئمَّة الماضية أسرُّوا في جميع مقاماتهم إلى شيعتهم والقائلين بولايتهم والمائلين من الناس إليهم حتَّى تظاهر ذلك بين أعدائهم أنَّ صاحب السيف هو الثاني عشر من الأئمَّة (عليهم السلام)، وأنَّه (عليه السلام) لا يقوم حتَّى تجيء صيحة من السماء باسمه واسم أبيه، والأنفس منيتة(134) على نشر ما سمعت وإذاعة ما أحسَّت، فكان ذلك منتشراً بين شيعة آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وعند مخالفيهم من الطواغيت وغيرهم، وعرفوا منزلة أئمَّتهم من الصدق ومحلَّهم من العلم والفضل، وكانوا يتوقَّفون عن التسرُّع إلى إتلافهم، ويتحامون القصد لإنزال المكروه بهم مع ما يلزم من حال التدبير في إيجاب ظهورهم كذلك، ليصل كلُّ امرئ منهم إلى ما يستحقُّه من هداية أو ضلالة، كما قال الله تعالى: ﴿مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً﴾ [الكهف: 17]، وقال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلَا تَأْسَ عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ﴾ [المائدة: 68]، وهذا الزمان قد استوفى أهله كلَّ إشارة من نصٍّ وآثار، فتناهت بهم الأخبار واتَّصلت بهم الآثار إلى أنَّ صاحب هذا الزمان (عليه السلام) هو صاحب السيف والأنفس منيتة على [ما وصفنا من] نشر ما سمعت وذكر ما رأت وشاهدت، فلو كان صاحب هذا الزمان (عليه السلام) ظاهراً موجوداً لنشر شيعته ذلك، ولتعدَّاهم إلى مخالفيهم بحسن ظنِّ بعضهم بمن يدخل فيهم ويُظهِر الميل إليهم، وفي أوقات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(133) كذا، يعني في ميزان الحكمة.
(134) في بعض النُّسَخ: (مبنيَّة). والمنيتة أي المائلة كما في بعض اللغات. وفي بعض النُّسَخ: (منبعثة). وكذا ما يأتي.

(٦٨)

الجدال بالدلالة على شخصه والإشارة إلى مكانه، كفعل هِشَامِ بْنِ الحَكَمِ مَعَ الشَّامِيِّ وَقَدْ نَاظَرَهُ بِحَضْرَةِ الصَّادِقِ (عليه السلام) فَقَالَ الشَّامِيُّ لِهِشَامٍ: مَنْ هَذَا الَّذِي تُشِيرُ إِلَيْهِ وتَصِفُهُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ؟ قَالَ هِشَامٌ: هُوَ هَذَا، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الصَّادِقِ (عليه السلام).
فكان يكون ذلك منتشراً في مجالسهم كانتشاره بينهم مع إشارتهم إليه بوجود شخصه ونسبه ومكانه، ثمّ لم يكونوا حينئذٍ يُمهَلون ولا يُنظَرون كفعل فرعون في قتل أولاد بني إسرائيل للذي قد كان ذاع منهم وانتشر بينهم من كون موسى (عليه السلام) بينهم وهلاك فرعون ومملكته على يديه، وكذلك كان فعل نمرود قبله في قتل أولاد رعيَّته وأهل مملكته في طلب إبراهيم (عليه السلام) زمان انتشار الخبر بوقت ولادته وكون هلاك نمرود وأهل مملكته ودينه على يديه، كذلك طاغية زمان وفاة الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) والد صاحب الزمان (عليه السلام) وطلب ولده والتوكيل بداره وحبس جواريه وانتظاره بهنَّ وضع الحمل الذي كان بهنَّ(135)، فلولا أنَّ إرادتهم كانت ما ذكرنا من حال إبراهيم وموسى (عليهما السلام) لما كان ذلك منهم، وقد خلَّف (عليه السلام) أهله وولده وقد علموا من مذهبه ودينه أنْ لا يرث مع الولد والأبوين أحد إلَّا زوج أو زوجة، كلَّا ما يُتوهَّم غير هذا عاقل، ولا فهم غير هذا مع ما وجب من التدبير والحكمة المستقيمة ببلوغ غاية المدَّة في الظهور والاستتار، فإذا كان ذلك كذلك وقعت الغيبة فاستتر عنهم شخصه وضلُّوا عن معرفة مكانه، ثمّ نشر ناشر من شيعته شيئاً من أمره بما وصفناه وصاحبكم في حال الاستتار فوردت عادية من طاغوت الزمان أو صاحب فتنة من العوامِّ تفحَّص عمَّا ورد من الاستتار وذُكِرَ من الأخبار، فلم يجد حقيقة يُشار إليها، ولا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(135) في بعض النُّسَخ: (وضع حمل إنْ كان بهنَّ).

(٦٩)

شبهة يتعلَّق بها، انكسرت العادية وسكنت الفتنة وتراجعت الحميَّة، فلا يكون حينئذٍ على شيعته ولا على شيء من أشيائهم(136) لمخالفيهم متسلِّق ولا إلى اصطلامهم سبيل متعلِّق(137)، وعند ذلك تخمد النائرة وترتدع العادية، فتظاهر أحوالهم عند الناظر في شأنهم، ويتَّضح للمتأمِّل أمرهم، ويتحقَّق المؤمن المفكِّر في مذهبهم، فيلحق بأولياء الحجَّة من كان في حيرة الجهل وينكشف عنهم ران الظلمة(138) عند مهلة التأمُّل للحقِّ(139) بيِّناته وشواهد علاماته كحال اتِّضاحه وانكشافه عند من يتأمَّل كتابنا هذا مريدا للنجاة، هارباً من سُبُل الضلالة، ملتحقاً بمن سبقت لهم من الله الحسنى، فآثر على الضلالة الهدى.
[جواب عن اعتراض آخر]:
وممَّا سأل عنه جُهَّال المعاندين للحقِّ أنْ قالوا: أخبرونا عن الإمام في هذا الوقت يدَّعي الإمامة أم لا يدَّعيها، ونحن نصير إليه فنسأله عن معالم الدِّين، فإنْ كان يجيبنا ويدَّعي الإمامة علمنا أنَّه الإمام، وإنْ كان لا يدَّعي الإمامة ولا يجيبنا إذا صرنا إليه، فهو ومن ليس بإمام سواء.
فقيل لهم: قد دلَّ على إمام زماننا الصادق الذي قبله، وليست به حاجة إلى أنْ يدَّعي هو أنَّه إمام إلَّا أنْ يقول ذلك على سبيل الاذِّكار والتأكيد، فأمَّا على سبيل الدعوى التي تحتاج إلى برهان فلا، لأنَّ الصادق الذي قبله قد نصَّ عليه وبيَّن أمره وكفاه مؤونة الادِّعاء، والقول في ذلك نظير قولنا في عليِّ بن أبي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(136) في بعض النُّسَخ: (من أسبابهم).
(137) تسلَّق الجدار: تسوَّره وصعد عليه، والمتسلِّق: آلة التسلُّق. والاصطلام: الاستيصال.
(138) أي تغطية الظلمة. وفي بعض النُّسَخ: (درن الظلمة)، والدرن: الوسخ.
(139) في بعض النُّسَخ: (المتأمِّل للحقِّ).

(٧٠)

طالب (عليه السلام) في نصِّ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) واستغنائه عن أنْ يدَّعي هو لنفسه أنَّه إمام. فأمَّا إجابته إيَّاكم عن معالم الدِّين، فإنْ جئتموه مسترشدين متعلِّمين، عارفين بموضعه، مقرِّين بإمامته عرَّفكم وعلَّمكم. وإنْ جئتموه أعداءً له، مرصدين بالسعاية إلى أعدائه، منطوين على مكروهة عند أعداء الحقِّ، متعرِّفين مستور أُمور الدِّين لتذيعوه لم يجبكم، لأنَّه يخاف على نفسه منكم.
فمن لم يقنعه هذا الجواب قلبنا عليه السؤال في النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وهو في الغار، أنْ لو أراد الناس أنْ يسألوه عن معالم الدِّين هل كانوا يلقونه ويصلون إليه أم لا؟ فإنْ كانوا يصلون إليه فقد بطل أنْ يكون استتاره في الغار، وإنْ كانوا لا يصلون إليه فسواء وجوده في العالم وعدمه على علَّتكم.
فإنْ قلتم: إنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كان متوقّياً.
قيل: وكذلك الإمام (عليه السلام) في هذا الوقت متوقٍّ.
فإنْ قلتم: إنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بعد ذلك قد ظهر ودعا إلى نفسه.
قلنا: وما في ذلك من الفرق، أليس قد كان نبيًّا قبل أنْ يخرج من الغار ويظهر وهو في الغار مستتر ولم ينقض ذلك نبوَّته؟ وكذلك الإمام يكون إماماً وإنْ كان يستتر بإمامته ممَّن يخافه على نفسه.
ويقال لهم: ما تقولون في أفاضل أصحاب محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) والمتقدِّم في الصدق منهم، لو لقيتهم كتيبة المشركين يطلبون نفس النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فلم يعرفوه فسألوهم عنه: هل هو هذا؟ وهو بين أيديهم أو كيف أخفى(140)؟ وأين هو؟ فقالوا: ليس نعرف موضعه، أو ليس هو هذا، هل كانوا في ذلك كاذبين مذمومين غير صادقين ولا محمودين أم لا؟ فإنْ قلتم: كاذبين، خرجتم من دين الإسلام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(140) أي كيف أخفى نفسه. وفي بعض النُّسَخ: (كيف أخذ).

(٧١)

بتكذيبكم أصحاب النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وإنْ قلتم: لا يكون ذلك كذلك، لأنَّهم يكونون قد حرَّفوا كلامهم وأضمروا معنى أخرجهم من الكذب وإنْ كان ظاهره ظاهر كذب، فلا يكونون مذمومين بل محمودين، لأنَّهم دفعوا عن نفس النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) القتل.
قيل لهم: وكذلك الإمام، إذا قال: لست بإمام، ولم يُجب أعداءه عمَّا يسألونه عنه، لا يزيل ذلك إمامته، لأنَّه خائف على نفسه، وإنْ أبطل جحده لأعدائه أنَّه إمام في حال الخوف إمامته أبطل على أصحاب النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أنْ يكونوا صادقين في إجابتهم المشركين بخلاف ما علموه عند الخوف، وإنْ لم يزل ذلك صدق الصحابة لم يزل أيضاً ستر الإمام نفسه إمامته، ولا فرق في ذلك، ولو أنَّ رجلاً مسلماً وقع في أيدي الكُفَّار وكانوا يقتلون المسلمين إذا ظفروا بهم فسألوه: هل أنت مسلم؟ فقال: لا، لم يكن ذلك بمخرج له من الإسلام، فكذلك الإمام إذا جحد عند أعدائه ومن يخافه على نفسه أنَّه إمام لم يُخرجه ذلك من الإمامة.
فإنْ قالوا: إنَّ المسلم لم يُجعَل في العالم ليُعلِّم الناس ويقيم الحدود، فلذلك افترق حكماهما ووجب أنْ لا يستر الإمام نفسه.
قيل لهم: لم نقل: إنَّ الإمام يستر نفسه [عن جميع الناس](141)، لأنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد نصبه وعرَّف الخلق مكانه بقول الصادق الذي قبله فيه ونصبه له، وإنَّما قلنا: إنَّ الإمام لا يقرُّ عند أعدائه بذلك خوفاً منهم أنْ يقتلوه، فأمَّا أنْ يكون مستوراً عن جميع الخلق فلا، لأنَّ الناس جميعاً لو سألوا عن إمام الإماميَّة من هو؟ لقالوا: فلان بن فلان مشهور عند جميع الأُمَّة، وإنَّما تكلَّمنا في أنَّه هل يقرُّ عند أعدائه أم لا يقرُّ، وعارضناكم باستتار النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في الغار وهو مبعوث معه المعجزات وقد أتى بشرع مبتدع ونسخ كلِّ شرع قبله، وأريناكم أنَّه إذا خاف كان له أنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(141) هذه الزيادة بين المعقوفتين كانت في بعض النُّسَخ دون بعض.

(٧٢)

يجحد عند أعدائه أنَّه إمام ولا يجيبهم إذا سألوه، ولا يُخرجه ذلك من أنْ يكون إماماً، ولا فرق في ذلك.
فإنْ قالوا: فإذا جوَّزتم للإمام أنْ يجحد إمامته أعداءه عند الخوف، فهل يجوز للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أنْ يجحد نبوَّته عند الخوف من أعدائه؟
قيل لهم: قد فرَّق قوم من أهل الحقِّ بين النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وبين الإمام، بأنْ قالوا: إنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) هو الداعي إلى رسالته والمبيِّن للناس ذلك بنفسه، فإذا جحد ذلك وأنكره للتقيَّة بطلت الحجَّة، ولم يكن أحد يُبيِّن عنه، والإمام قد قام له النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بحجَّته وأبان أمره، فإذا سكت أو جحد كان النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قد كفاه ذلك.
وليس هذا جوابنا، ولكنَّا نقول: إنَّ حكم النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وحكم الإمام سيَّان في التقيَّة إذا كان قد صدع بأمر الله (عزَّ وجلَّ) وبلَّغ رسالته وأقام المعجزات، فأمَّا قبل ذلك فلا، وَقَدْ مَحَا النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) اسْمَهُ مِنَ الصَّحِيفَةِ فِي صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ حِينَ أَنْكَرَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وحَفْصُ بْنُ الأَحْنَفِ نُبُوَّتَهُ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ (عليه السلام): «امْحُهُ، وَاكْتُبْ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ»(142)، فَلَمْ يُضِرَّ ذَلِكَ نُبُوَّتَهُ إِذَا كَانَتِ الأَعْلَامُ فِي البَرَاهِينِ قَدْ قَامَتْ لَهُ بِذَلِكَ مِنْ قَبْلُ، وَقَدْ قَبِلَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) عُذْرَ عَمَّارٍ حِينَ حَمَلَهُ المُشْرِكُونَ عَلَى سَبِّ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وَأَرَادُوا قَتْلَهُ، فَسَبَّهُ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، قَالَ: «قَدْ أَفْلَحَ الوَجْهُ يَا عَمَّارُ»، قَالَ: مَا أَفْلَحَ وقَدْ سَبَبْتُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ (عليه السلام): «أَلَيْسَ قَلْبُكَ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ؟»، قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(142) راجع ما رواه أبو داود الطيالسي في مسنده (ص 97)، والمنقري في وقعة صفِّين (ص 509)، وابن هشام في سيرته (ج 3/ ص 782)، وأحمد بن حنبل في مسنده (ج 27/ ص 354/ ح 16800)، والنسائي في سُنَنه (ج 5/ ص 167/ ح 8575)، وأبو يعلى في مسنده (ج 6/ ص 69 و70/ ح 3323).

(٧٣)

اللهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمانِ﴾ [النحل: 106](143).
والقول في ذلك ينافي الشريعة من إجازة ذلك في وقت وحظره في وقت آخر، وإذا جاز للإمام أنْ يجحد إمامته ويستر أمره جاز أنْ يستر شخصه متى أوجبت الحكمة غيبته، وإذا جاز أنْ يغيب يوماً لعلَّة موجبة جاز سنة، وإذا جاز سنة جاز مائة سنة، وإذا جاز مائة سنة جاز أكثر من ذلك إلى الوقت الذي توجب الحكمة ظهوره كما أوجبت غيبته، ولا قوَّة إلَّا بالله.
ونحن نقول مع ذلك(144): إنَّ الإمام لا يأتي جميع ما يأتيه من اختفاء وظهور وغيرهما إلَّا بعهد معهود إليه من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، كما قد وردت به الأخبار عن أئمَّتنا (عليهم السلام).
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ المُتَوَكِّلِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ صَالِحٍ الهَرَوِيِّ، عَنْ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالحَقِّ بَشِيراً، لَيَغِيبَنَّ القَائِمُ مِنْ وُلْدِي بِعَهْدٍ مَعْهُودٍ إِلَيْهِ مِنِّي حَتَّى يَقُولَ أَكْثَرُ النَّاسِ مَا للهِ فِي آلِ مُحَمَّدٍ حَاجَةٌ، وَيَشُكُّ آخَرُونَ فِي وِلَادَتِهِ، فَمَنْ أَدْرَكَ زَمَانَهُ فَلْيَتَمَسَّكْ بِدِينِهِ، وَلَا يَجْعَلْ لِلشَّيْطَانِ إِلَيْهِ سَبِيلاً بِشَكِّهِ(145) فَيُزِيلَهُ عَنْ مِلَّتِي وَيُخْرِجَهُ مِنْ دِينِي، فَقَدْ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الجَنَّةِ مِنْ قَبْلُ، وَإِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) جَعَلَ الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(143) راجع ما رواه الحميري (رحمه الله) في قرب الإسناد (ص 12 و13/ ح 38)، والكليني (عليه السلام) في الكافي (ج 2/ ص 219/ باب التقيَّة/ ح 10)، والطبراني في تفسيره (ج 4/ ص 84 و85)، والحاكم في مستدركه (ج 2/ ص 357).
(144) في بعض النُّسَخ: (في ذلك).
(145) في بعض النُّسَخ: (يُشكِّكه).

(٧٤)

[اعتراضات لابن بشَّار]:
وقد تكلَّم علينا أبو الحسن عليُّ بن أحمد بن بشَّار في الغيبة، وأجابه أبو جعفر محمّد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي(146)، وكان من كلام عليِّ بن أحمد بن بشَّار علينا في ذلك أنْ قال في كتابه:
أقول: إنَّ كلَّ المبطلين أغنياء عن تثبيت إنّيَّة من يدَّعون له، وبه يتمسَّكون، وعليه يعكفون ويعطفون، لوجود أعيانهم وثبات إنّيَّاتهم، وهؤلاء - يعني أصحابنا - فقراء إلى ما قد غني عنه كلُّ مبطل سلف من تثبيت إنّيَّة من يدَّعون له وجوب الطاعة، فقد افتقروا إلى ما قد غني عنه سائر المبطلين، واختلفوا بخاصَّة ازدادوا بها بطلاناً، وانحطُّوا بها عن سائر المبطلين، لأنَّ الزيادة من الباطل تحطُّ والزيادة من الخير تعلو، والحمد لله ربِّ العالمين.
ثمّ قال: وأقول قولاً تعلم فيه الزيادة على الإنصاف منَّا وإنْ كان ذلك غير واجب علينا، أقول: إنَّه معلوم أنَّه ليس كلُّ مدَّعٍ ومدَّعى له بمحقٍّ، وإنَّ كلَّ سائل لمدَّعٍ تصحيح دعواه بمنصف(147)، وهؤلاء القوم ادَّعوا أنَّ لهم من قد صحَّ عندهم أمره ووجب له على الناس الانقياد والتسليم، وقد قدَّمنا أنَّه ليس كلُّ مدَّعٍ ومدَّعى له بواجب له التسليم، ونحن نُسلِّم لهؤلاء القوم الدعوى، ونقرُّ على أنفسنا بالإبطال - وإنْ كان ذلك في غاية المحال - بعد أنْ يوجدونا إنّيَّة المدَّعى له، ولا نسألهم تثبيت الدعوى، فإنْ كان معلوماً أنَّ في هذا أكثر من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(146) محمّد بن عبد الرحمن بن قبة - بالقاف المكسورة وفتح الباء الموحَّدة - الرازي، أبو جعفر، متكلِّم، عظيم القدر، حسن العقيدة، كان قديماً من المعتزلة وتبصَّر وانتقل، وكان شيخ الإماميَّة في زمانه، كما في رجال النجاشي (ص 375/ الرقم 1023)، وخلاصة الأقوال (ص 243/ الرقم 32).
(147) في بعض النُّسخ: (ليس كلُّ مدَّعٍ ومدَّعى له فمحقٌّ، وإنْ كان [كلُّ - خ ل] سائل للمدَّعى تصحيح دعواه فمنصف).

(٧٥)

الإنصاف فقد وفينا بما قلنا، فإنْ قدروا عليه فقد أبطلوا، وإنْ عجزوا عنه فقد وضح ما قلناه من زيادة عجزهم عن تثبيت ما يدَّعون على عجز كلِّ مبطل عن تثبيت دعواه. وأنَّهم مختصُّون من كلِّ نوع من الباطل بخاصَّة يزدادون بها انحطاطاً عن المبطلين أجمعين، لقدرة كلِّ مبطل سلف على تثبيت دعواه إنّيَّة من يدَّعون له وعجز هؤلاء عمَّا قدر عليه كلُّ مبطل إلَّا ما يرجعون إليه من قولهم: (إنَّه لا بدَّ ممَّن تجب به حجَّة الله (عزَّ وجلَّ))، وأجل لا بدَّ من وجوده فضلاً عن كونه، فأوجدونا الإنّيَّة من دون إيجاد الدعوى.
وَلَقَدْ خُبِّرْتُ عَنْ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ أَبِي غَانِمٍ(148) أَنَّهُ قَالَ لِبَعْضِ مَنْ سَأَلَهُ، فَقَالَ: بِمَ تُحَاجُّ الَّذِينَ(149) كُنْتَ تَقُولُ وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَخْصٍ قَائِمٍ مِنْ أَهْلِ هَذَا البَيْتِ؟ قَالَ لَهُ(150): أَقُولُ لَهُمْ: هَذَا جَعْفَرٌ.
فيا عجباً أيخصم الناس بمن ليس هو بمخصوم(151) وقد كان شيخ في هذه الناحية (رحمه الله) يقول: قد وسمت هؤلاء باللَّابدّيَّة، أي إنَّه لا مرجع لهم ولا معتمد إلَّا إلى أنَّه لا بدَّ من أنْ يكون هذا الذي [ليس] في الكائنات، فوسمهم من أجل ذلك، ونحن نُسمِّيهم بها، أي إنَّهم دون كلِّ من له بُدٌّ يعكف عليه، إذ كان أهل الأصنام التي أحدها البدُّ قد عكفوا على موجود وإنْ كان باطلاً، وهم قد تعلَّقوا بعدم ليس وباطل محض، وهم اللَّابدّيَّة حقًّا، أي لا بدَّ لهم يعكفون عليه(152)، إذ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(148) هو غير عليِّ بن أبي غانم الذي عنونه منتجب الدِّين في فهرسته (ص 95/ الرقم 330)، بل هو رجل آخر لم أعثر على عنوانه في كُتُب الرجال.
(149) في بعض النُّسَخ: (الذي).
(150) يعنى أبو جعفر قال للمعترض.
(151) لـمَّا كان جواب أبي جعفر ابن أبي غانم للمعترض: (أقول: إنَّه جعفر)، تعجَّب منه ابن بشَّار، لأنَّ جعفر ليس بقابل أنْ يُخاصَم فيه، أولم يكن مورداً لها.
(152) كذا.

(٧٦)

كان كلُّ مطاعٍ معبود، وقد وضح ما قلنا من اختصاصهم من كلِّ نوع الباطل بخاصَّة يزدادون بها انحطاطاً، والحمد لله.
ثمّ قال: نختم الآن هذا الكتاب بأنْ نقول: إنَّما نناظر ونخاطب من قد سبق منه الإجماع على أنَّه لا بدَّ من إمام قائم من أهل هذا البيت تجب به حجَّة الله ويسدُّ به فقر الخلق وفاقتهم، ومن لم يجتمع معنا على ذلك فقد خرج من النظر في كتابنا فضلاً عن مطالبتنا به، ونقول لكلِّ من اجتمع معنا على هذا الأصل من الذي قدَّمنا في هذا الموضع: كنَّا وإيَّاكم قد أجمعنا على أنَّه لا يخلو أحد من بيوت هذه الدار من سراج زاهر، فدخلنا الدار فلم نجد فيها إلَّا بيتاً واحداً، فقد وجب وصحَّ أنَّ في ذلك البيت سراجاً، والحمد لله ربِّ العالمين.
فأجابه أبو جعفر محمّد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي بأنْ قال: إنَّا نقول - وبالله التوفيق -: ليس الإسراف في الادِّعاء والتقوُّل على الخصوم ممَّا يثبت بهما حجَّة، ولو كان ذلك كذلك لارتفع الحجاج بين المختلفين واعتمد كلُّ واحد على إضافة ما يخطر بباله من سوء القول إلى مخالفه، وعلى ضدِّ هذا بُنِيَ الحجاج ووضع النظر والإنصاف أولى ما يعامل به أهل الدِّين، وليس قول أبي الحسن: ليس لنا ملجأ نرجع إليه، ولا قيِّماً نعطف عليه، ولا سنداً نتمسَّك بقوله حجَّة، لأنَّ دعواه هذا مجرَّد من البرهان، والدعوى إذا انفردت عن البرهان كانت غير مقبول عند ذوي العقول والألباب، ولسنا نعجز عن أنْ نقول: بلى لنا والحمد لله من نرجع إليه ونقف عند أمره ومن كان ثبتت حجَّته وظهرت أدلَّته.
فإنْ قلت: فأين ذلك؟ دلُّونا عليه.
قلنا: كيف تُحِبُّون أنْ ندلَّكم عليه؟ أتسألوننا أنْ نأمره أنْ يركب ويصير إليكم ويعرض نفسه عليكم، أو تسألونا أنْ نبني له داراً ونُحوِّله إليها ونُعلِم بذلك أهل الشرق والغرب؟ فإنْ رمتم ذلك فلسنا نقدر عليه، ولا ذلك بواجب عليه.

(٧٧)

فإنْ قلتم: من أيِّ وجه تلزمنا حجَّته وتجب علينا طاعته؟
قلنا: إنَّا نقرُّ أنَّه لا بدَّ من رجل من ولد أبي الحسن عليِّ بن محمّد العسكري (عليهما السلام) تجب به حجَّة الله دلَّلناكم على ذلك حتَّى نضطرُّكم إليه إنْ أنصفتم من أنفسكم، وأوَّل ما يجب علينا وعليكم أنْ لا نتجاوز ما قد رضي به أهل النظر واستعملوه، ورأوا أنَّ من حادَّ عن ذلك فقد ترك سبيل العلماء، وهو أنَّا لا نتكلَّم في فرع لم يثبت أصله، وهذا الرجل الذي تجحدون وجوده فإنَّما يثبت له الحقُّ بعد أبيه، وأنتم قوم لا تخالفونا في وجود أبيه، فلا معنى لترك النظر في حقِّ أبيه والاشتغال(153) بالنظر معكم في وجوده، فإنَّه إذا ثبت الحقُّ لأبيه، فهذا ثابت ضرورةً عند ذلك بإقراركم، وإنْ بطل أنْ يكون الحقُّ لأبيه فقد آل الأمر إلى ما تقولون وقد أبطلنا، وهيهاتَ لن يزداد الحقُّ إلَّا قوَّة ولا الباطل إلَّا وهناً، وإنْ زخرفه المبطلون، والدليل على صحَّة أمر أبيه أنَّا وإيَّاكم مجمعون على أنَّه لا بدَّ من رجل من ولد أبي الحسن تثبت به حجَّة الله وينقطع به عذر الخلق، وأنَّ ذلك الرجل تلزم حجَّته من نأى عنه من أهل الإسلام كما تلزم من شاهده وعاينه، ونحن وأكثر الخلق ممَّن قد لزمتنا الحجَّة من غير مشاهدة، فننظر في الوجه الذي لزمتنا منه الحجَّة ما هي، ثمّ ننظر من أولى من الرجلين اللذين لا عقب لأبي الحسن غيرهما، فأيُّهما كان أولى فهو الحجَّة والإمام، ولا حاجة بنا إلى التطويل، ثمّ نظرنا من أيِّ وجه تلزم الحجَّة من نأى عن الرُّسُل والأئمَّة (عليهم السلام)، فإذا ذلك بالأخبار التي توجب الحجَّة وتزول عن ناقليها تهمة التواطؤ عليها والإجماع على تخرُّصها ووضعها. ثمّ فحصنا عن الحال فوجدنا فريقين ناقلين يزعم أحدهما أنَّ الماضي نصَّ على الحسن (عليه السلام) وأشار إليه، ويروون مع الوصيَّة وما له من خاصَّة الكبر أدلَّة يذكرونها وعلماً يُثبتونه، ووجدنا الفريق الآخر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(153) في بعض النُّسَخ: (والانتقال).

(٧٨)

يروون مثل ذلك لجعفر لا يقول غير هذا، فإنَّه أولى بنا، نظرنا فإذا الناقل لأخبار جعفر جماعة يسيرة، والجماعة اليسيرة يجوز عليها التواطؤ والتلاقي والتراسل، فوقع نقلهم موقع شبهة لا موقع حجَّة، وحُجَج الله لا تثبت بالشُّبُهات، ونظرنا في نقل الفريق الآخر فوجدناهم جماعات متباعدي الديار والأقطار، مختلفي الهمم والآراء، متغايرين، فالكذب لا يجوز عليهم لنأي بعضهم عن بعض ولا التواطؤ ولا التراسل والاجتماع على تخرُّص خبر ووضعه، فعلمنا أنَّ النقل الصحيح هو نقلهم، وأنَّ المحقَّ هؤلاء، ولأنَّه إنْ بطل ما قد نقله هؤلاء على ما وصفنا من شأنهم لم يصحّ خبر في الأرض وبطلت الأخبار كلُّها، فتأمَّل - وفَّقك الله - في الفريقين فإنَّك تجدهم كما وصفت، وفي بطلان الأخبار هدم الإسلام، وفي تصحيحها تصحيح خبرنا، وفي ذلك دليل على صحَّة أمرنا، والحمد لله ربِّ العالمين.
ثمّ رأيت الجعفريَّة(154) تختلف في إمامة جعفر من أيِّ وجهٍ تجب؟ فقال قوم: بعد أخيه محمّد، وقال قوم: بعد أخيه الحسن، وقال قوم: بعد أبيه. ورأيناهم لا يتجاوزون ذلك، ورأينا أسلافهم وأسلافنا قد رووا قبل الحادث ما يدلُّ على إمامة الحسن، وهو ما رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: «إِذَا تَوَالَتْ ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ: مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ وَالحَسَنُ فَالرَّابِعُ القَائِمُ»(155).
وغير ذلك من الروايات، وهذه وحدها توجب الإمامة للحسن، وليس إلَّا الحسن وجعفر. فإذا لم تثبت لجعفر حجَّة على من شاهده في أيَّام الحسن والإمام ثابت الحجَّة على من رآه ومن لم يرَه فهو الحسن اضطراراً، وإذا ثبت الحسن (عليه السلام) وجعفر عندكم مبرَّأ تبرَّأ منه والإمام لا يتبرَّأ من الإمام، والحسن قد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(154) يعني القائلين بإمامة جعفر الكذَّاب.
(155) سيأتي مسنداً تحت الرقم (244/3)، فانتظر.

(٧٩)

مضى، ولا بدَّ عندنا وعندكم من رجل من ولد الحسن (عليه السلام) تثبت به حجَّة الله، فقد وجب بالاضطرار للحسن ولد قائم (عليه السلام).
وقل يا أبا جعفر - أسعدك الله - لأبي الحسن (أعزَّه الله)(156): يقول محمّد ابن عبد الرحمن: قد أوجدناك إنّيَّة المدَّعى له، فأين المهرب؟ هل تقرُّ على نفسك بالإبطال كما ضمنت أو يمنعك الهوى من ذلك، فتكون كما قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: 119]؟
فأمَّا ما وسم به أهل الحقِّ من اللَّابدّيَّة لقولهم: (لا بدَّ ممن تجب به حجَّة الله)، فيا عجباً فلا يقول أبو الحسن: لا بدَّ ممَّن تجب به حجَّة الله؟ وكيف لا يقول وقد قال عند حكايته عنَّا وتعييره إيَّانا: (أجل لا بدَّ من وجوده فضلاً عن كونه)، فإنْ كان يقول ذلك فهو وأصحابه من اللَّابدّيَّة، وإنَّما وسم نفسه وعاب إخوانه، وإنْ كان لا يقول ذلك فقد كفينا مؤونة تنظيره ومثله بالبيت والسراج، وكذا يكون حال من عاند أولياء الله يعيب نفسه من حيث يرى أنَّه يعيب خصمه، والحمد لله المؤيِّد للحقِّ بأدلَّته. ونحن نُسمِّي هؤلاء بالبدّيَّة، إذ كانوا عبدة البدِّ، قد عكفوا على ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنهم شيئاً. وهكذا هؤلاء، ونقول: يا أبا الحسن - هداك الله -، هذا حجَّة الله على الجنِّ والإنس ومن لا تثبت حجَّته على الخلق إلَّا بعد الدعاء والبيان محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قد أخفى شخصه في الغار حتَّى لم يعلم بمكانه ممَّن احتجَّ الله عليهم به إلَّا خمسة نفر(157).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(156) يعنى بأبي جعفر محمّد بن عبد الرحمن بن قبة، وبأبي الحسن عليِّ بن أحمد بن بشَّار.
(157) المراد بالخمسة: عليُّ بن أبي طالب، وأبو بكر، وعبد الله بن أريقط الليثي، وأسماء بنت أبي بكر، وعامر بن فهيرة. والقصَّة كما في إعلام الورى (ج 1/ ص 148 و149) هكذا: (بقي رسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في الغار ثلاثة أيَّام، ثمّ أذن الله له في الهجرة، وقال: «اخرج عن مكَّة يا محمّد، فليس لك بها ناصر بعد أبي طالب»، فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) من الغار، وأقبل راعٍ لبعض قريش يقال له: ابن أريقط، فدعاه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وقال له: «يا ابن أريقط، أئتمنك على دمي؟»، قال: إذاً والله أحرسك وأحفظك ولا أدلُّ عليك، فأين تريد يا محمّد؟ قال: «يثرب»، قال: والله لأسلكنَّ بك مسلكاً لا يهتدي إليه أحد، قال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «ائت عليًّا وبشِّره بأنَّ الله قد أذن لي في الهجرة، فيُهيِّئ لي زاداً وراحلةً»، وقال أبو بكر: ائت أسماء بنتي وقل لها: تُهيِّئ لي زاداً وراحلتين، وأعلم عامر بن فهيرة أمرنا - وكان من موالي أبى بكر، وقد كان أسلم -، قل له: ائتنا بالزاد والراحلتين، فجاء ابن أريقط إلى عليٍّ (عليه السلام) فأخبره بذلك فبعث عليُّ بن أبي طالب إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بزاد وراحلة، وبعث ابن فهيرة بزاد وراحلتين. وخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) من الغار، وأخذ به ابن أريقط على طريق نخلة بين الجبال، فلم يرجعوا إلى الطريق إلَّا بقديد).

(٨٠)

فإنْ قلت: إنَّ تلك غيبة بعد ظهوره وبعد أنْ قام على فراشه من يقوم مقامه.
قلت لك: لسنا نحتجُّ عليك في حال ظهوره ولا استخلافه لمن يقوم مقامه من هذا في قبيل ولا دبير(158)، وإنَّما نقول لك: أليس تثبت حجَّته في نفسه في حال غيبته على من لم يعلم بمكانه لعلَّة من العلل؟ فلا بدَّ من أنْ تقول: نعم، قلنا: ونُثبِت حجَّة الإمام وإنْ كان غائباً لعلَّة أُخرى، وإلَّا فما الفرق؟ ثمّ نقول: وهذا أيضاً لم يغب حتَّى ملأ آباؤه (عليهم السلام) آذان شيعتهم بأنَّ غيبته تكون، وعرَّفوهم كيف يعملون عند غيبته.

فإنْ قلت: في ولادته، فهذا موسى (عليه السلام) مع شدَّة طلب فرعون إيَّاه وما فعل بالنساء والأولاد لمكانه حتَّى أذن الله في ظهوره، وَقَدْ قَالَ الرِّضَا (عليه السلام) فِي وَصْفِهِ: «بِأَبِي وَأُمِّي شَبِيهِي، وَسَمِيُّ جَدِّي، وَشَبِيهُ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ»(159).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(158) القبيل: ما أقبلت به إلى صدرك. والدبير: ما أدبرت به عن صدرك. ويقال: فلان ما يعرف قبيلاً ولا دبيراً. والمراد ما أقبلت به المرأة من غزلها وما أدبرت. وهذا الكلام تعريض لابن بشَّار، يعنى أنَّه لا يدري ما يقول، ولسنا نحتج عليه في هذا الأمر.
(159) رواه المصنِّف (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 2/ ص 9 و10/ ح 14)، والطبري (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 460/ ح 441/45)، والخزَّاز في كفاية الأثر (ص 158 و159).

(٨١)

وحجَّة أُخرى، نقول لك: يا أبا الحسن، أتقرُّ أنَّ الشيعة قد روت في الغيبة أخباراً؟ فإنْ قال: لا، أوجدناه الأخبار، وإنْ قال: نعم، قلنا له: فكيف تكون حالة الناس إذا غاب إمامهم؟ فكيف تلزمهم الحجَّة في وقت غيبته؟ فإنْ قال: يقيم من يقوم مقامه، فليس يقوم عندنا وعندكم مقام الإمام إلَّا الإمام، وإذا كان إماماً قائماً(160) فلا غيبة، وإنْ احتجَّ بشيء آخر في تلك الغيبة فهو بعينه حجَّتنا في وقتنا لا فرق فيه ولا فصل.
ومن الدليل على فساد أمر جعفر موالاته وتزكيته فارس بن حاتم (لعنه الله)(161) وقد برئ منه أبوه، وشاع ذلك في الأمصار حتَّى وقف عليه الأعداء فضلاً عن الأولياء.
ومن الدليل على فساد أمره استعانته بمن استعان في طلب الميراث من أُمِّ الحسن (عليه السلام)، وقد أجمعت الشيعة أنَّ آباءه (عليه السلام) أجمعوا أنَّ الأخ لا يرث مع الأُمِّ.
ومن الدليل على فساد أمره قوله: إنِّي إمام بعد أخي محمّد، فليت شعري متى تثبت إمامة أخيه وقد مات قبل أبيه حتَّى تثبت إمامة خليفته؟ ويا عجباً إذا كان محمّد يستخلف ويقيم إماماً بعده وأبوه حيٌّ قائم وهو الحجَّة والإمام، فما يصنع أبوه؟ ومتى جرت هذه السُّنَّة في الأئمَّة وأولادهم حتَّى نقبلها منكم؟ فدلُّونا على ما يوجب إمامة محمّد حتَّى إذا ثبتت قبلنا إمامة خليفته؟
والحمد لله الذي جعل الحقَّ مؤيَّداً، والباطل مهتوكاً ضعيفاً زاهقاً.
فأمَّا ما حكى عن ابن أبي غانم (رحمه الله) فلم يرد الرجل بقوله عندنا يثبت إمامة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(160) يعني إذا كان من يقوم إماماً قائماً.
(161) هو فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني، نزيل العسكر، من أصحاب الرضا (عليه السلام)، غالٍ ملعون، أهدر أبو الحسن العسكري (عليه السلام) دمه، وضمن لمن يقتله الجنَّة، فقتله جنيد. راجع: اختيار معرفة الرجال (ج 2/ ص 807 و808/ ح 1006).

(٨٢)

جعفر، وإنَّما أراد أنْ يعلم السائل أنَّ أهل هذه البيت لم يفنوا حتَّى لا يوجد منهم أحداً.
وأمَّا قوله: (وكلُّ مطاعٍ معبود) فهو خطأ عظيم، لأنَّا لا نعرف معبوداً إلَّا الله، ونحن نطيع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ولا نعبده.
وأمَّا قوله: (نختم الآن هذا الكتاب بأنْ نقول: إنَّما نناظر ونخاطب من قد سبق منه الإجماع بأنَّه لا بدَّ من إمام قائم من أهل هذه البيت تجب به حجَّة الله...)، إلى قوله: (وصحَّ أنَّ في ذلك البيت سراجاً، ولا حاجة بنا إلى دخوله)، فنحن - وفَّقك الله - لا نخالفه، وأنَّه لا بدَّ من إمام قائم من أهل هذا البيت تجب به حجَّة الله، وإنَّما نخالفه في كيفيَّة قيامه وظهوره وغيبته.
وأمَّا ما مثَّل به من البيت والسراج فهو مُنًى، وقد قيل: إنَّ المنى رأس أموال المفاليس، ولكنَّا نضرب مثلاً على الحقيقة لا نميل فيه على خصم ولا نحيف فيه على ضدٍّ، بل نقصد فيه الصواب، فنقول: كنَّا ومن خالفنا قد أجمعنا على أنَّ فلاناً مضى وله ولدان وله دار، وأنَّ الدار يستحقُّها منهما من قدر على أنْ يحمل بإحدى يديه ألف رطل، وأنَّ الدار لا تزال في يدي عقب الحامل(162) إلى يوم القيامة، ونعلم أنَّ أحدهما يحمل والآخر يعجز، ثمّ احتجنا أنْ نعلم مَن الحامل منهما؟ فقصدنا مكانهما لمعرفة ذلك، فعاق عنهما عائق منع عن مشاهدتهما، غير أنَّا رأينا جماعات كثيرة في بلدان نائية متباعدة بعضها عن بعض يشهدون أنَّهم رأوا أنَّ الأكبر منهما قد حمل ذلك، ووجدنا جماعة يسيرة في موضع واحد يشهدون أنَّ الأصغر منهما فعل ذلك، ولم نجد لهذه الجماعة خاصَّة يأتوا بها، فلم يجز في حكم النظر وحفيظة الإنصاف وما جرت به العادة وصحَّت به التجربة ردُّ شهادة تلك الجماعات وقبول شهادة هذه الجماعة، والتهمة تلحق هؤلاء وتبعد عن أُولئك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(162) يعني أولاده وأحفاده.

(٨٣)

فإنْ قال خصومنا: فما تقولون في شهادة سلمان وأبي ذرٍّ وعمَّار والمقداد لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وشهادة تلك الجماعات وأُولئك الخلق لغيره، أيُّهما كان أصوب؟
قلنا لهم: لأمير المؤمنين (عليه السلام) وأصحابه أُمور خُصَّ بها وخُصُّوا بها دون من بإزائهم، فإنْ أوجدتمونا مثل ذلك أو ما يقاربه لكم فأنتم المحقُّون:
أوَّلها أنَّ أعداءه كانوا يقرُّون بفضله وطهارته وعلمه، وَقَدْ رُوِّينَا وَرَوَوْا لَهُ مَعَنَا أَنَّهُ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) خَبَّرَ أَنَّ اللهَ يُوَالِي مَنْ يُوَالِيهِ وَيُعَادِي مَنْ يُعَادِيهِ(163)، فوجب لهذا أنْ يُتَّبع دون غيره.
والثاني أنَّ أعداءه لم يقولوا له: نحن نشهد أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أشار إلى فلان بالإمامة ونصبه حجَّة للخلق، وإنَّما نصبوه لهم على جهة الاختيار كما قد بلغك.
والثالث أنَّ أعداءه كانوا يشهدون على أحد أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه لا يكذب، لِقَوْلِهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «مَا أَظَلَّتِ الخَضْرَاءُ وَلَا أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ»(164)، فكانت شهادته وحده أفضل من شهادتهم.
والرابع أنَّ أعداءه قد نقلوا ما نقله أولياؤه ممَّا تجب به الحجَّة، وذهبوا عنه بفساد التأويل.
والخامس أنَّ أعداءه رَوَوْا فِي الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ أَنَّهُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ(165)، وَرَوَوْا أَيْضاً أَنَّهُ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قَالَ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»(166)، فلمَّا شهدا لأبيهما بذلك وصحَّ أنَّهما من أهل الجنَّة بشهادة الرسول،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(163) حديث متواتر رواه الخاصَّة والعامَّة بألفاظ مختلفة، راجع على سبيل المثال: سُنَن ابن ماجة (ج 1/ ص 43/ ح 116)، وكتاب سُلَيم بن قيس (ص 198).
(164) مسند أحمد (ج 11/ ص 70/ ح 6519).
(165) سُنَن ابن ماجة (ج 1/ ص 44/ ح 118)، سُنَن الترمذي (ج 5/ ص 321/ ح 3856).
(166) صحيح البخاري (ج 10/ ص 36/ ح 5495)، صحيح مسلم (ج 1/ ص 8).

(٨٤)

وجب تصديقهما، لأنَّهما لو كذبا في هذا لم يكونا من أهل الجنَّة، وكانا من أهل النار، وحاشا لهما الزكيَّين الطيِّبين الصادقين.
فليوجدنا أصحاب جعفر خاصَّة هي لهم دون خصومهم حتَّى يُقبَل ذلك، وإلَّا فلا معنى لترك خبر متواتر لا تهمة في نقله ولا على ناقليه وقبول خبر لا يؤمن على ناقليه تهمة التواطؤ عليه ولا خاصَّة معهم يُثبِتون بها، ولن يفعل ذلك إلَّا تائه حيران.
فتأمَّل - أسعدك الله - في النظر فيما كتبت به إليك ممَّا ينظر به الناظر لدينه، المفكِّر في معاده، المتأمِّل بعين الخيفة والحذار إلى عواقب الكفر والجحود، موفَّقاً إنْ شاء الله تعالى، أطال الله بقاءك وأعزَّك وأيَّدك وثبَّتك وجعلك من أهل الحقِّ وهداك له وأعاذك من أنْ تكون من ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ [الكهف: 104]، ومن الذين يستزلُّهم الشيطان بخُدَعه وغروره وإملائه وتسويله، وأجرى لك أجمل ما عوَّدك.
وكتب بعض الإماميَّة إلى أبي جعفر بن قبة كتاباً يسأله فيه عن مسائل، فورد في جوابها:
أمَّا قولك - أيَّدك الله - حاكياً عن المعتزلة أنَّها زعمت أنَّ الإماميَّة تزعم أنَّ النصَّ على الإمام واجب في العقل، فهذا يحتمل أمرين، إنْ كانوا يريدون أنَّه واجب في العقل قبل مجيء الرُّسُل (عليهم السلام) وشرع الشرائع فهذا خطأ، وإنْ أرادوا أنَّ العقول دلَّت على أنَّه لا بدَّ من إمام بعد الأنبياء (عليهم السلام) فقد علموا ذلك بالأدلَّة القطعيَّة وعلموه أيضاً بالخبر الذي ينقلونه عمَّن يقولون بإمامته.
وأمَّا قول المعتزلة: إنَّا قد علمنا يقيناً أنَّ الحسن بن عليٍّ (عليه السلام) مضى ولم ينصَّ، فقد ادَّعوا دعوى يخالفون فيها، وهم محتاجون إلى أنْ يدلُّوا على صحَّتها،

(٨٥)

وبأيِّ شيء ينفصلون ممَّن زعم من مخالفيهم أنَّهم قد علموا من ذلك ضدَّ ما ادَّعوا أنَّهم علموه؟
ومن الدليل على أنَّ الحسن بن عليٍّ (عليه السلام) قد نصَّ على ثبات إمامته، وصحَّة النصِّ من النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وفساد الاختيار، ونقل الشيع عمَّن قد أوجبوا بالأدلَّة تصديقه أنَّ الإمام لا يمضي أو ينصَّ على إمام كما فعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، إذ كان الناس محتاجين في كلِّ عصر إلى من يكون خبره لا يختلف ولا يتكاذب كما اختلفت أخبار الأُمَّة عند مخالفينا هؤلاء وتكاذبت، وأنْ يكون إذا أمر ائتمر بطاعته، ولا يد فوق يده، ولا يسهو ولا يغلط، وأنْ يكون عالماً ليُعلِّم الناس ما جهلوا، وعادلاً ليحكم بالحقِّ، ومن هذا حكمه فلا بدَّ من أنْ ينصَّ عليه علَّام الغيوب على لسان من يُؤدِّي ذلك عنه، إذ كان ليس في ظاهر خلقته ما يدلُّ على عصمته.
فإنْ قالت المعتزلة: هذه دعاوي تحتاجون إلى أنْ تدلُّوا على صحَّتها.
قلنا: أجل لا بدَّ من الدلائل على صحَّة ما ادَّعيناه من ذلك، وأنتم فإنَّما سألتم عن فرع، والفرع لا يُدَلُّ عليه دون أنْ يُدَلَّ على صحَّة أصله، ودلائلنا في كُتُبنا موجودة على صحَّة هذه الأُصول، ونظير ذلك أنَّ سائلاً لو سألنا الدليل على صحَّة الشرائع لاحتجنا أنْ ندلَّ على صحَّة الخبر وعلى صحَّة نبوَّة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وعلى أنَّه أمر بها، وقبل ذلك أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) واحد حكيم، وذلك بعد فراغنا من الدليل على أنَّ العالم محدَث، وهذا نظير ما سألونا عنه، وقد تأمَّلت في هذه المسألة فوجدت غرضها ركيكاً، وهو أنَّهم قالوا: لو كان الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) قد نصَّ على من تدَّعون إمامته لسقطت الغيبة.
والجواب في ذلك: أنَّ الغيبة ليست هي العدم، فقد يغيب الإنسان إلى بلد يكون معروفاً فيه ومشاهداً لأهله، ويكون غائباً عن بلد آخر، وكذلك قد يكون

(٨٦)

الإنسان غائباً عن قوم دون قوم، وعن أعدائه لا عن أوليائه، فيقال: إنَّه غائب، وإنَّه مستتر، وإنَّما قيل: غائب، لغيبته عن أعدائه وعمَّن لا يُوثَق بكتمانه من أوليائه، وأنَّه ليس مثل آبائه (عليهم السلام) ظاهراً للخاصَّة والعامَّة، وأولياؤه مع هذا ينقلون وجوده وأمره ونهيه، وهم عندنا ممَّن تجب بنقلهم الحجَّة إذا كانوا يقطعون العذر لكثرتهم واختلافهم في هممهم ووقوع الاضطرار مع خبرهم، ونقلوا ذلك كما نقلوا إمامة آبائه (عليهم السلام) وإنْ خالفهم مخالفوهم فيها، وكما تجب بنقل المسلمين صحَّة آيات النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) سوى القرآن وإنْ خالفهم أعداؤهم من أهل الكتاب والمجوس والزنادقة والدهريَّة في كونها. وليست هذه مسألة تشتبه على مثلك مع ما أعرفه من حسن تأمُّلك.
وأمَّا قولهم(167): إذا ظهر فكيف يُعلَم أنَّه محمّد بن الحسن بن عليٍّ (عليهم السلام)؟
فالجواب في ذلك: أنَّه قد يجوز بنقل من تجب بنقله الحجَّة من أوليائه كما صحَّت إمامته عندنا بنقلهم.
وجواب آخر، وهو: أنَّه قد يجوز أنْ يُظهِر معجزاً يدلُّ على ذلك.
وهذا الجواب الثاني هو الذي نعتمد عليه ونجيب الخصوم به، وإنْ كان الأوَّل صحيحاً.
وأمَّا قول المعتزلة: فكيف لم يحتجّ عليهم عليُّ بن أبي طالب بإقامة المعجز يوم الشورى؟
فإنَّا نقول: إنَّ الأنبياء والحُجَج (عليهم السلام) إنَّما يُظهِرون من الدلالات والبراهين حسب ما يأمرهم الله (عزَّ وجلَّ) به ممَّا يعلم الله أنَّه صالح للخلق، فإذا ثبتت الحجَّة عليهم بقول النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فيه ونصِّه عليه، فقد استغنى بذلك عن إقامة المعجزات، اللَّهُمَّ إلَّا أن يقول قائل: إنَّ إقامة المعجزات كانت أصلح في ذلك الوقت، فنقول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(167) أي قول المعتزلة.

(٨٧)

له: وما الدليل على صحَّة ذلك؟ وما يُنكِر الخصم من أنْ تكون إقامته لها ليس بأصلح، وأنْ يكون الله (عزَّ وجلَّ) لو أظهر معجزاً على يديه في ذلك الوقت لكفروا أكثر من كفرهم ذلك الوقت، ولادَّعوا عليه السحر والمخرقة، وإذا كان هذا جائزاً لم يُعلَم أنَّ إقامة المعجز كانت أصلح.
فإنْ قالت المعتزلة: فبأيِّ شيء تعلمون أنَّ إقامة(168) من تدَّعون إمامته المعجز على أنَّه ابن الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) أصلح؟
قلنا لهم: لسنا نعلم أنَّه لا بدَّ من إقامة المعجز في تلك الحال، وإنَّما نُجوِّز ذلك، اللَّهُمَّ إلَّا أنْ يكون لا دلالة غير المعجز، فيكون لا بدَّ منه لإثبات الحجَّة، وإذا كان لا بدَّ منه كان واجباً، وما كان واجباً كان صلاحاً لا فساداً، وقد علمنا أنَّ الأنبياء (عليهم السلام) قد أقاموا المعجزات في وقت دون وقت ولم يقيموها في كلِّ يوم ووقت ولحظة وطرفة وعند كلِّ محتجٍّ عليهم ممَّن أراد الإسلام، بل في وقت دون وقت على حسب ما يعلم الله (عزَّ وجلَّ) من الصلاح، وقد حكى الله (عزَّ وجلَّ) عن المشركين أنَّهم سألوا نبيَّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أنْ يرقى في السماء، وأنْ يُسقِط السماء عليهم كسفاً، أو يُنزِّل عليهم كتابا يقرؤونه، وغير ذلك ممَّا في الآية(169)، فما فعل ذلك بهم، وسألوه أنْ يُحيي لهم قصيَّ بن كلاب، وأنْ ينقل عنهم جبال تهامة، فما أجابهم إليه، وإنْ كان (عليه السلام) قد أقام لهم غير ذلك من المعجزات، وكذا حكم ما سألت المعتزلة عنه، ويقال لهم كما قالوا لنا لم نترك أوضح الحُجَج وأبين الأدلَّة من تكرُّر المعجزات والاستظهار بكثرة الدلالات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(168) في بعض النُّسَخ: (أنْ أقام).
(169) وهي قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالمَلَائِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً﴾ (الإسراء: 90 - 93).

(٨٨)

وأمَّا قول المعتزلة: إنَّه احتجَّ بما يحتمل التأويل.
فيقال: فما احتجَّ عندنا على أهل الشورى إلَّا بما عرفوا من نصِّ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، لأنَّ أُولئك الرؤساء لم يكونوا جُهَّالاً بالأمر، وليس حكمهم حكم غيرهم من الأتباع. ونقلب هذا الكلام على المعتزلة، فيقال لهم: لِـمَ لم يبعث الله (عزَّ وجلَّ) بأضعاف من بعث من الأنبياء؟ ولِـمَ لم يبعث في كلِّ قرية نبيًّا وفي كلِّ عصر ودهر نبيًّا أو أنبياء إلى أنْ تقوم الساعة؟ ولِـمَ لم يُبيِّن معاني القرآن حتَّى لا يشكَّ فيه شاكٌّ؟ ولِـمَ تركه محتملاً للتأويل؟ وهذه المسائل تضطرُّهم إلى جوابنا.
إلى هاهنا كلام أبي جعفر بن قبة (رحمه الله).
[كلام لأحد المشايخ في الردِّ على الزيديَّة]:
وقال غيره من متكلِّمي مشايخ الإماميَّة: إنَّ عامَّة مخالفينا قد سألونا في هذا الباب عن مسائل، ويجب عليهم أنْ يعلموا أنَّ القول بغيبة صاحب الزمان (عليه السلام) مبنيٌّ على القول بإمامة آبائه (عليهم السلام)، والقول بإمامة آبائه (عليهم السلام) مبنيٌّ على القول بتصديق محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وإمامته، وذلك أنَّ هذا باب شرعيٌّ وليس بعقليٍّ محض، والكلام في الشرعيَّات مبنيٌّ على الكتاب والسُّنَّة كما قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ﴾ يعني في الشرعيَّات ﴿فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: 59]، فمتى شهد لنا الكتاب والسُّنَّة وحجَّة العقل فقولنا هو المجتبى، ونقول:
إنَّ جميع طبقات الزيديَّة والإِمَامِيَّةُ قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قَالَ: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَهُمَا الخَلِيفَتَانِ مِنْ بَعْدِي، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ»، وتلقَّوا هذا الحديث بالقبول، فوجب أنَّ الكتاب لا يزال معه من العترة من يعرف التنزيل والتأويل علماً يقيناً يُخبر عن مراد الله (عزَّ وجلَّ)، كما كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يُخبر عن المراد، ولا يكون معرفته بتأويل الكتاب استنباطاً ولا استخراجاً، كما لم تكن معرفة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بذلك استخراجاً ولا

(٨٩)

استنباطاً ولا استدلالاً، ولا على ما تجوز عليه اللغة وتجري عليه المخاطبة، بل يُخبر عن مراد الله ويُبيِّن عن الله بياناً تقوم بقوله الحجَّة على الناس، كذلك يجب أنْ يكون معرفة عترة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بالكتاب على يقين ومعرفة وبصيرة، قال الله (عزَّ وجلَّ) في صفة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف: 108]، فأتباعه من أهله وذرّيَّته وعترته هم الذين يُخبرون عن الله (عزَّ وجلَّ) مراده من كتابه على يقين ومعرفة وبصيرة، ومتى لم يكن المخبر عن الله (عزَّ وجلَّ) مراده ظاهراً مكشوفاً فإنَّه يجب علينا أنْ نعتقد أنَّ الكتاب لا يخلو من مقرون به من عترة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يعرف التأويل والتنزيل، إذ الحديث يوجب ذلك.
وقال علماء الإماميَّة: قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى العَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ﴾ [آل عمران: 33 و34]، فوجب بعموم هذه الآية أنْ لا يزال في آل إبراهيم مصطفى، وذلك أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) جنَّس الناس في هذا الكتاب جنسين، فاصطفى جنساً منهم وهم الأنبياء والرُّسُل والخلفاء (عليهم السلام)، وجنساً أُمروا باتِّباعهم، فما دام في الأرض من به حاجة إلى مدبِّر وسائس ومعلِّم ومقوِّم يجب أنْ يكون بإزائهم مصطفى من آل إبراهيم، ويجب أنْ يكون المصطفى من آل إبراهيم ذرّيَّة بعضها من بعض، لقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ﴾، وقد صحَّ أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وأمير المؤمنين والحسن والحسين (صلوات الله عليهم) المصطفون من آل إبراهيم، فوجب أنْ يكون المصطفى بعد الحسين (عليه السلام) منه لقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ﴾، ومتى لم تكن الذرّيَّة منه لا تكون الذرّيَّة بعضها من بعض إلَّا أنْ تكون في بطن دون جميعهم، وكانت الإمامة قد انتقلت عن الحسن إلى أخيه الحسين (عليه السلام) وجب أنْ يكون منه ومن صلبه من يقوم مقامه، وذلك معنى قوله تعالى: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾، فدلَّت الآية على ما دلَّت السُّنَّة عليه.

(٩٠)

[استدلال على وجود إمام غائب من العترة يظهر ويملأ الأرض عدلاً]:
وقال بعض علماء الإماميَّة: كان الواجب علينا وعلى كلِّ عاقل يؤمن بالله وبرسوله وبالقرآن وبجميع الأنبياء الذين تقدَّم كونهم كون نبيِّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، أنْ يتأمَّل حال الأُمَم الماضية والقرون الخالية، فإذا تأمَّلنا وجدنا حال الرُّسُل والأُمَم المتقدِّمة شبيهة بحال أُمَّتنا، وذلك أنَّ قوَّة كلِّ دين كانت في زمن أنبيائهم (عليهم السلام) إنَّما كانت متى قبلت الأُمَم الرُّسُل، فكثر أتباع الرسول في عصره ودهره، فلم تكن أُمَّة كانت أطوع لرسولها بعد أنْ قوي أمر الرسول من هذه الأُمَّة، لأنَّ الرُّسُل الذين عليهم دارت الرحى قبل نبيِّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) نوح وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام)، هم الرُّسُل الذين في يد الأُمَم آثارهم وأخبارهم، ووجدنا حال تلك الأُمَم اعترض في دينهم الوهن في المتمسِّكين به، لتركهم كثيراً ممَّا كان يجب عليهم محافظته في أيَّام رُسُلهم وبعد مضيِّ رُسُلهم، وكذلك ما قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكِتَابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ﴾ [المائدة: 15].
وبذلك وصف الله (عزَّ وجلَّ) أمر تلك القرون، فقال (عزَّ وجلَّ): ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: 59]، وقال الله (عزَّ وجلَّ) لهذه الأُمَّة: ﴿وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الحديد: 16].
وَفِي الأَثَرِ: «أَنَّهُ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَبْقَى فِيهِمْ مِنَ الإِسْلَامِ إِلَّا اسْمُهُ، وَمِنَ القُرْآنِ إِلَّا رَسْمُهُ»(170)، وَقَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنَّ الإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيباً، وَسَيَعُودُ غَرِيباً، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ»(171).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(170) نهج البلاغة (ص 540/ ح 369).
(171) سُنَن ابن ماجة (ج 2/ ص 1320/ ح 3987 و3988)، سُنَن الترمذي (ج 4/ ص 129/ ح 2764).

(٩١)

فكان الله (عزَّ وجلَّ) يبعث في كلِّ وقت رسولاً يُجدِّد لتلك الأُمَم ما انمحى من رسوم الدِّين، واجتمعت الأُمَّة إلَّا من لا يُلتَفت إلى اختلافه، ودلَّت الدلائل العقليَّة أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد ختم الأنبياء بمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فلا نبيَّ بعده، ووجدنا أمر هذه الأُمَّة في استعلاء الباطل على الحقِّ، والضلال على الهدى، بحالٍ زعم كثير منهم أنَّ الدار اليوم دار كفر وليست بدار الإسلام، ثمّ لم يجرِ على شيء من أُصول شرائع الإسلام ما جرى في باب الإمامة، لأنَّ هذه الأُمَّة يقولون: لم يقم [لهم] بالإمامة منذ قتل الحسين (عليه السلام) إمام عادل لا من بني أُميَّة ولا من ولد عبَّاس الذين جارت أحكامهم على أكثر الخلق، ونحن والزيديَّة وعامَّة المعتزلة وكثير من المسلمين يقولون: إنَّ الإمام لا يكون إلَّا من ظاهره ظاهر العدالة، فالأُمَّة في يد الجائرين يلعبون بهم ويحكمون في أموالهم وأبدانهم بغير حكم الله، وظهر أهل الفساد على أهل الحقِّ وعدم اجتماع الكلمة، ثمّ وجدنا طبقات الأُمَّة كلَّهم يُكفِّر بعضهم بعضاً، ويبرأ بعضهم من بعض.
ثمّ تأمَّلنا أخبار الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فوجدناها قد وردت بأنَّ الأرض تُملَأ قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً برجل من عترته، فدلَّنا هذا الحديث على أنَّ القيامة لا تقوم على هذه الأُمَّة إلَّا بعد ما مُلِئَت الأرض عدلاً، فإنَّ هذا الدِّين الذي لا يجوز عليه النسخ ولا التبديل سيكون له ناصر يُؤيِّده الله (عزَّ وجلَّ) كما أيَّد الأنبياء والرُّسُل لـمَّا بعثهم لتجديد الشرائع وإزالة ما فعله الظالمون، فوجب لذلك أنْ تكون الدلائل على من يقوم بما وصفناه موجودة غير معدومة، وقد علمنا عامَّة اختلاف الأُمَّة وسبرنا أحوال الفِرَق، فدلَّنا أنَّ الحقَّ مع القائلين بالأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) دون من سواهم من فِرَق الأُمَّة، ودلَّنا ذلك على أنَّ الإمام اليوم هو الثاني عشر منهم، وأنَّه الذي أخبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) به ونصَّ عليه، وسنورد في هذا الكتاب ما روي عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في عدد الأئمَّة (عليهم السلام) وأنَّهم

(٩٢)

اثنا عشر والنصَّ على القائم الثاني عشر والإخبار بغيبته قبل ظهوره وقيامه بالسيف إنْ شاء الله تعالى.
[اعتراضات للزيديَّة]:
قال بعض الزيديَّة: إنَّ الرواية التي دلَّت على أنَّ الأئمَّة اثنا عشر قول أحدثه الإماميَّة قريباً، وولَّدوا فيه أحاديث كاذبة.
فنقول - وبالله التوفيق -: إنَّ الأخبار في هذا الباب كثيرة، والمفزع والملجأ إلى نقلة الحديث، وقد نقل مخالفونا من أصحاب الحديث نقلاً مستفيضاً من حديث عبد الله بن مسعود، مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ القَطَّانُ المعْرُوفُ بِأَبِي عَلِيِّ ابْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الرَّازِيِّ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لِأَصْحَابِ الحَدِيثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَلَفِ بْنِ يَزِيدَ المرْوَزِيُّ بِالرَّيِّ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِمِائَةٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيِّ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ المعْرُوفِ بِإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى(172)، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُجَالِدٍ(173)، عَنِ الشَّعْبِيِّ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(172) هو يحيى بن يحيى بن بكر بن عبد الرحمن التميمي الحنظلي، أبو زكريَّا النيسابوري، ثقة. وأمَّا إسحاق بن راهويه فهو أبو يعقوب الحنظلي المروزي المحدِّث الفقيه، قال ابن حنبل: إسحاق عندنا إمام من أئمَّة المسلمين، وما عبر جسر أفضل منه. (راجع: تهذيب التهذيب: ج 1/ ص 190 - 192/ الرقم 408، وج 2/ ص 318/ الرقم 7696).
(173) في بعض النُّسَخ: (هشام بن خالد)، وفي أكثرها: (هشام بن مجالد)، وفي مسند أحمد (ج 6/ ص 321/ ح 3781) هذا الحديث بعينه (عن حمَّاد بن زيد، عن المجالد، عن الشعبي)، وعليه فالمراد هشام بن سنبر الدستوائي الذي يأتي، يروي عن مجالد بن سعيد بن عمير أبى عمر، وهو كما قال ابن حجر ليس بالقوي. وفي كفاية الأثر (ص 24 و25) أيضاً (عن هشام الدستوائي، عن مجالد بن سعيد)، وهذا هو الصواب لما في طريق الشيخ في كتاب الغيبة (ص 133/ ح 97): (عن عيسى بن يونس، عن مجالد بن سعيد). وقلنا: المراد بهشام أبو بكر البصري، واسم أبيه (سنبر)، وهو ثقة ثبت. وفى الخصال (ص 466 و467/ ح 6): (هيثم بن خالد)، وهو تصحيف. وأمَّا الشعبي فهو عامر بن شراحيل أبو عمرو، ثقة مشهور فقيه فاضل كما في تقريب التهذيب (ج 1/ ص 461/ الرقم 3103). وأمَّا مسروق فهو مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي، ثقة فقيه عابد.

(٩٣)

عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ نَعْرِضُ مَصَاحِفَنَا عَلَيْهِ إِذْ قَالَ لَهُ فَتَى شَابٌّ: هَلْ عَهِدَ إِلَيْكُمْ نَبِيُّكُمْ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كَمْ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ خَلِيفَةٌ؟ قَالَ: إِنَّكَ لَحَدَثُ السِّنِّ، وَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ [مِنْ] قَبْلِكَ، نَعَمْ عَهِدَ إِلَيْنَا نَبِيُّنَا (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً بِعَدَدِ نُقْبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ».
وقد أخرجت بعض طُرُق هذا الحديث في هذا الكتاب، وبعضها في كتاب النصِّ على الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) بالإمامة.
ونقل مخالفونا من أصحاب الحديث نقلاً ظاهراً مستفيضاً من حديث جابر بن سمرة، مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الدِّينَوَرِيُّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ(174)، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ شَاذَانَ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ذَكْوَانَ(175)، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ السُّوَائِيِّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فَقَالَ: «يَلِي هَذِهِ الأُمَّةَ اثْنَا عَشَرَ»، قَالَ: فَصَرَخَ النَّاسُ، فَلَمْ أَسْمَعْ مَا قَالَ، فَقُلْتُ لِأَبِي - وَكَانَ أَقْرَبَ إِلَى رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) مِنِّي -: مَا قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)؟ فَقَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكُلُّهُمْ لَا يُرَى مِثْلُهُ».
وقد أخرجت طُرُق هذا الحديث أيضاً، وبعضهم روى: «اثنا عشر أميراً»، وبعضهم روى: «اثنا عشر خليفة»، فدلَّ ذلك على أنَّ الأخبار التي في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(174) في الخصال (ص 473/ ح 29): (أبو بكر بن أبي زواد)، ولم أظفر به.
(175) في بعض النُّسَخ من الخصال: (مخول بن ذكوان)، ولم أجده.

(٩٤)

يد الإماميَّة عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) والأئمَّة (عليهم السلام) بذكر الأئمَّة الاثني عشر أخبار صحيحة(176).
قالت الزيديَّة: فإنْ كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قد عرَّف أُمَّته أسماء الأئمَّة الاثني عشر، فلِمَ ذهبوا عنه يميناً وشمالاً وخبطوا هذا الخبط العظيم؟
فقلنا لهم: إنَّكم تقولون: إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) استخلف عليًّا (عليه السلام) وجعله الإمام بعده ونصَّ عليه وأشار إليه وبيَّن أمره وشهَّره، فما بال أكثر الأُمَّة ذهبت عنه وتباعدت منه حتَّى خرج من المدينة إلى ينبع(177) وجرى عليه ما جرى، فإنْ قلتم: إنَّ عليًّا (عليه السلام) لم يستخلفه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فلِمَ أودعتم كُتُبكم ذلك وتكلَّمتم عليه؟ فإنَّ الناس قد يذهبون عن الحقِّ وإنْ كان واضحاً، وعن البيان وإنْ كان مشروحاً كما ذهبوا عن التوحيد إلى التلحيد، ومن قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: 11]، إلى التشبيه.
[اعتراض آخر للزيديَّة]:
قالت الزيديَّة: وممَّا تكذب به دعوى الإماميَّة أنَّهم زعموا أنَّ جعفر بن محمّد (عليهما السلام) نصَّ لهم على إسماعيل وأشار إليه في حياته، ثمّ إنَّ إسماعيل مات في حياته فَقَالَ: «مَا بَدَا لله فِي شَيْءٍ كَمَا بَدَا لَهُ فِي إِسْمَاعِيلَ ابْنِي»(178)، فإنْ كان الخبر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(176) روى أحمد في مسنده هذا الحديث ونحوه من أربع وثلاثين طريقاً عن جابر بن سمرة، راجع: المسند (ج 34/ ص 409 - 529). ورواه الخطيب البغدادي أيضاً في التاريخ (ج 14/ ص 354) من حديث جابر بن سمرة، ونحوه في (ج 6/ ص 261) من حديث عبد الله بن عمرو، وأخرجه مسلم في صحيحه كتاب الإمارة بطُرُق عديدة من حديث جابر.
(177) في بعض النُّسَخ: (البقيع).
(178) رواه المصنِّف (رحمه الله) في التوحيد (ص 336/ ح 10 و11)، المفيد (رحمه الله) في الفصول المختارة (ص 309)، وتصحيح اعتقادات الإماميَّة (ص 66)، والمسائل العكبريَّة (ص 99 و100).

(٩٥)

الاثنا عشر صحيحاً فكان لا أقلَّ من أنْ يعرفه جعفر بن محمّد (عليهما السلام) ويُعرِّف خواصَّ شيعته لئلَّا يغلط هو وهم هذا الغلط العظيم.
فقلنا لهم: بِمَ قلتم: إنَّ جعفر بن محمّد (عليهما السلام) نصَّ على إسماعيل بالإمامة؟ وما ذلك الخبر؟ ومن رواه؟ ومن تلقَّاه بالقبول؟ فلم يجدوا إلى ذلك سبيلاً، وإنَّما هذه حكاية ولَّدها قوم قالوا بإمامة إسماعيل، ليس لها أصل، لأنَّ الخبر بذكر الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) قد رواه الخاصُّ والعامُّ عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) والأئمَّة (عليهم السلام)، وقد أخرجت ما روي عنهم في ذلك في هذا الكتاب. فأمَّا قَوْلُهُ: «مَا بَدَا لله فِي شَيْءٍ كَمَا بَدَا لَهُ فِي إِسْمَاعِيلَ ابْنِي»، فإنَّه يقول: ما ظهر لله أمر كما ظهر له في إسماعيل ابني إذ اخترمه في حياتي(179) ليعلم بذلك أنَّه ليس بإمام بعدي(180). وعندنا من زعم أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يبدو له اليوم في شيء لم يعلمه أمس فهو كافر والبراءة منه واجبة، كما روي عن الصادق (عليه السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(179) اخترمه: أهلكه واستأصله.
(180) قال الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 429 و430) بعد إيراد الأخبار المشتملة على البداء في قيام القائم (عليه السلام): (فالوجه في هذه الأخبار أنْ نقول - إنْ صحَّت -: إنَّه لا يمتنع أنْ يكون الله تعالى قد وقَّت هذا الأمر في الأوقات التي ذُكِرَت، فلمَّا تجدَّد ما تجدَّد تغيَّرت المصلحة واقتضت تأخيره إلى وقت آخر، وكذلك فيما بعد، ويكون الوقت الأوَّل وكلُّ وقت يجوز أنْ يُؤخَّر مشروطاً بأنْ لا يتجدَّد ما يقتضي المصلحة تأخيره إلى أنْ يجيء الوقت الذي لا يُغيِّره شيء فيكون محتوماً. وعلى هذا يتأوَّل ما روي في تأخير الأعمار عن أوقاتها والزيادة فيها عند الدعاء والصدقات وصلة الأرحام، وما روي في تنقيص الأعمار عن أوقاتها إلى ما قبله عند فعل الظلم وقطع الرحم وغير ذلك، وهو تعالى وإنْ كان عالماً بالأمرين، فلا يمتنع أنْ يكون أحدهما معلوماً بشرط والآخر بلا شرط، وهذه الجملة لا خلاف فيها بين أهل العدل. وعلى هذا يتأوَّل أيضاً ما روي من أخبارنا المتضمِّنة للفظ البداء ويُبيَّن أنَّ معناها النسخ على ما يريده جميع أهل العدل فيما يجوز فيه النسخ، أو تغيُّر شروطها إنْ كان طريقها الخبر عن الكائنات، لأنَّ البداء في اللغة هو الظهور، فلا يمتنع أنْ يظهر لنا من أفعال الله تعالى ما كنَّا نظنُّ خلافه، أو نعلم ولا نعلم شرطه).

(٩٦)

حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى العَطَّارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الله الرَّازِيُّ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ الحُسَيْنِ اللُّؤْلُؤِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ وسَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله الصَّادِقِ (عليه السلام)، قَالَ: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ يَبْدُو لَهُ فِي شَيْءٍ اليَوْمَ لَمْ يَعْلَمْهُ أَمْسِ فَابْرَؤُوا مِنْهُ»(181).
وإنَّما البداء الذي يُنسَب إلى الإماميَّة القول به هو ظهور أمره، يقول العرب: (بدا لي شخص)، أي ظهر لي، لا بداء ندامة، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيراً.
وكيف ينصُّ الصادق (عليه السلام) على إسماعيل بالإمامة مع قَوْلِهِ فِيهِ: «إِنَّهُ عَاصٍ لَا يُشْبِهُنِي ولَا يُشْبِهُ أَحَداً مِنْ آبَائِي»؟
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ المتَوَكِّلِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى العَطَّارُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ الأَشْعَرِيِّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ، قَالَ: سَالتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) عَنْ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَ: «عَاصٍ، لَا يُشْبِهُنِي وَلَا يُشْبِهُ أَحَداً مِنْ آبَائِي».
حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ وَالبَرْقِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: ذَكَرْتُ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، فَقَالَ: «وَاللهِ لَا يُشْبِهُنِي وَلَا يُشْبِهُ أَحَداً مِنْ آبَائِي».
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الله، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الجَبَّارِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ المخْتَارِ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ صَبِيحٍ، قَالَ: جَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ لِي: تَعَالَ حَتَّى أُرِيَكَ ابْنَ الرَّجُلِ، قَالَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(181) رواه المصنِّف (رحمه الله) في الاعتقادات (ص 41).

(٩٧)

فَذَهَبْتُ مَعَهُ، قَالَ: فَجَاءَ بِي إِلَى قَوْمٍ يَشْـرَبُونَ فِيهِمْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: فَخَرَجْتُ مَغْمُوماً، فَجِئْتُ إِلَى الحَجَرِ فَإِذَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ مُتَعَلِّقٌ بِالبَيْتِ يَبْكِي قَدْ بَلَّ أَسْتَارَ الكَعْبَةِ بِدُمُوعِهِ، قَالَ: فَخَرَجْتُ أَشْتَدُّ فَإِذَا إِسْمَاعِيلُ جَالِسٌ مَعَ القَوْمِ، فَرَجَعْتُ فَإِذَا هُوَ آخِذٌ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ قَدْ بَلَّهَا بِدُمُوعِهِ، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فَقَالَ: «لَقَدِ ابْتُلِيَ ابْنِي بِشَيْطَانٍ يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِهِ»(182).
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَةِ نَبِيٍّ وَلَا فِي صُورَةِ وَصِيِّ نَبِيٍ(183)، فكيف يجوز أنْ ينصَّ عليه بالإمامة مع صحَّة هذا القول منه فيه.
[اعتراض آخر]:
قالت الزيديَّة: بأيِّ شيء تدفعون إمامة إسماعيل؟ وما حجَّتكم على الإسماعيليَّة القائلين بإمامته؟
قلنا لهم: ندفع إمامته بما ذكرنا من الأخبار، وبالأخبار الواردة بالنصِّ على الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام)، وبموته في حياة أبيه.
فأمَّا الأخبار الواردة بالنصِّ على الأئمَّة الاثني عشر فقد ذكرناها في هذا الكتاب.
وأمَّا الأخبار الواردة بموته في حياة الصادق (عليه السلام) مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الله، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الحَسَنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ وَالحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الله الأَعْرَجِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «لَـمَّا مَاتَ إِسْمَاعِيلُ أَمَرْتُ بِهِ وَهُوَ مُسَجَّى أَنْ يُكْشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَبَّلْتُ جَبْهَتَهُ وَذَقَنَهُ وَنَحْرَهُ، ثُمَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(182) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 71/ ح 59)، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 1/ ص 229).
(183) راجع: اختيار معرفة الرجال (ج 2/ ص 581 و582 و593/ ح 516 و548).

(٩٨)

أَمَرْتُ بِهِ فَغُطِّيَ، ثُمَّ قُلْتُ: اكْشِفُوا عَنْهُ، فَقَبَّلْتُ أَيْضاً جَبْهَتَهُ وَذَقَنَهُ وَنَحْرَهُ، ثُمَّ أَمَرْتُهُمْ فَغَطَّوْهُ، ثُمَّ أَمَرْتُ بِهِ فَغُسِّلَ، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَقَدْ كُفِّنَ، فَقُلْتُ: اكْشِفُوا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَبَّلْتُ جَبْهَتَهُ وَذَقَنَهُ وَنَحْرَهُ وَعَوَّذْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ: دَرِّجُوهُ»، فَقُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ عَوَّذْتَهُ؟ قَالَ: «بِالقُرْآنِ»(184).
قال مصنِّف هذا الكتاب: في هذا الحديث فوائد:
أحدها الرخصة بتقبيل جبهة الميِّت وذقنه ونحره قبل الغسل وبعده إلَّا أنَّه من مسَّ ميِّتاً قبل الغسل بحرارته فلا غسل عليه، فإنَّ مسَّه بعد ما يبرد فعليه الغسل، وإنْ مسَّه بعد الغسل فلا غسل عليه، فلو ورد في الخبر أنَّ الصادق (عليه السلام) اغتسل بعد ذلك أو لم يغتسل لعلمنا بذلك أنَّه مسَّه قبل الغسل بحرارته أو بعد ما برد.
وللخبر فائدة أُخرى، وهي: أنَّه قال: «أَمَرْتُ بِهِ فَغُسِّلَ»، ولم يقل: غسَّلته، وفي هذا الحديث أيضاً ما يُبطِل إمامة إسماعيل، لأنَّ الإمام لا يُغسِّله إلَّا إمام إذا حضره(185).
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ الصَّفَّارُ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ ويَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي كَهْمَسٍ، قَالَ: حَضَرْتُ مَوْتَ إِسْمَاعِيلَ وَأَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(184) رواه المصنِّف (رحمه الله) في من لا يحضره الفقيه (ج 1/ ص 161/ ح 449).
(185) فيه نظر، لأنَّه يمكن أنْ يقال: الأخبار التي وردت بأنَّ الإمام لا يُغسِّله إلَّا الإمام مع ضعف سندها لا تدلُّ على وجوب المباشرة، إنَّما دلالته على أنَّ وليَّ الإمام في التجهيز هو الإمام الذي بعده، سواء باشر ذلك بنفسه أو أمر من يفعل بإذنه أو برضاه إنْ غاب، وفى التهذيب (ج 1/ ص 303/ ح 885/50)، والاستبصار (ج 1/ ص 207/ باب كيفيَّة غسل الميِّت/ ح 729/4) بطريق صحيح أعلائي عن معاوية بن عمَّار، قال: «أمرني أبو عبد الله (عليه السلام) أنْ أغمز بطنه، ثمّ أُوضِّيه بالأشنان، ثمّ أغسل رأسه بالسدر ولحييه، ثمّ أفيض على جسده منه، ثمّ أدلك به جسده، ثمّ أفيض عليه ثلاثاً، ثمّ أغسله بالماء القراح، ثمّ أفيض عليه الماء بالكافور، وبالماء القراح، وأطرح فيه سبع ورقات سدر».

(٩٩)

جَالِسٌ عِنْدَهُ، فَلَمَّا حَضَرَهُ المَوْتُ شَدَّ لَحْيَيْهِ وَغَطَّاهُ بِالمِلْحَفَةِ ثُمَّ أَمَرَ بِتَهْيِئَتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ أَمْرِهِ دَعَا بِكَفَنِهِ وَكَتَبَ فِي حَاشِيَةِ الكَفَنِ: «إِسْمَاعِيلُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ»(186).
حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ أَخِيهِ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُرَّةَ مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: لَـمَّا مَاتَ إِسْمَاعِيلُ فَانْتَهَى أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) إِلَى القَبْرِ أَرْسَلَ نَفْسَهُ فَقَعَدَ عَلَى جَانِبِ القَبْرِ لَمْ يَنْزِلْ فِي القَبْرِ، ثُمَّ قَالَ: «هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بِإِبْرَاهِيمَ وَلَدِهِ»(187).
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَبَانٍ، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، قَالَ: لَـمَّا مَاتَ إِسْمَاعِيلُ خَرَجَ إِلَيْنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فَتَقَدَّمَ السَّرِيرَ بِلَا حِذَاءٍ وَلَا رِدَاءٍ.
حَدَّثَنَا أَبِي (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الله، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ أَخِيهِ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ والأَرْقَطِ ابْنِ عَمِّ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) عِنْدَ إِسْمَاعِيلَ حِينَ قُبِضَ، فَلَمَّا رَأَى الأَرْقَطُ جَزَعَهُ قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الله قَدْ مَاتَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، قَالَ: فَارْتَدَعَ، ثُمَّ قَالَ: «صَدَقْتَ أَنَا لَكَ اليَوْمَ أَشْكُرُ».
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى العَطَّارُ (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الله، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الخَطَّابِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ الثَّقَفِيِ، عَنْ أَبِي كَهْمَسٍ، قَالَ: حَضَرْتُ مَوْتَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، فَرَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) وَقَدْ سَجَدَ سَجْدَةً فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(186) رواه الطوسي (رحمه الله) في تهذيب الأحكام (ج 1/ ص 289 و309/ ح 842/10 و898/66).
(187) روى قريباً منه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 3/ ص 193/ باب من يدخل القبر ومن لا يدخل/ ح 3).

(١٠٠)

فَنَظَرَ إِلَيْهِ قَلِيلاً ونَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ، [قَالَ]: ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَةً أُخْرَى أَطْوَلَ مِنَ الأُولَى، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وقَدْ حَضَرَهُ الموْتُ فَغَمَّضَهُ وَرَبَطَ لَحْيَيْهِ وَغَطَّى عَلَيْهِ مِلْحَفَةً، ثُمَّ قَامَ وَقَدْ رَأَيْتُ وَجْهَهُ وَقَدْ دَخَلَهُ مِنْهُ شَيْءٌ اللهُ أَعْلَمُ بِهِ، قَالَ: ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَمَكَثَ سَاعَةً، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا مُدَّهِناً مُكْتَحِلاً عَلَيْهِ ثِيَابٌ غَيْرُ الثِّيَابِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ وَوَجْهُهُ غَيْرُ الَّذِي دَخَلَ بِهِ، فَأَمَرَ وَنَهَى فِي أَمْرِهِ(188) حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُ دَعَا بِكَفَنِهِ فَكَتَبَ فِي حَاشِيَةِ الكَفَنِ: «إِسْمَاعِيلُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ».
حَدَّثَنَا أَبِي (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الله، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ أَبِي الحَسَنِ ظَرِيفِ بْنِ نَاصِحٍ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: مَاتَتِ ابْنَةٌ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فَنَاحَ عَلَيْهَا سَنَةً، ثُمَّ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ آخَرُ فَنَاحَ عَلَيْهِ سَنَةً، ثُمَّ مَاتَ إِسْمَاعِيلُ فَجَزِعَ عَلَيْهِ جَزَعاً شَدِيداً فَقَطَعَ النَّوْحَ، قَالَ: فَقِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): أَصْلَحَكَ اللهُ أَيُنَاحُ فِي دَارِكَ؟ فَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قَالَ لَـمَّا مَاتَ حَمْزَةُ: ليبكينَّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِيَ لَهُ(189)».
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مَتِّيلٍ الدَّقَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الكُوفِيِّ، قَالَ: لَـمَّا حَضَرَتْ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي عَبْدِ اللهِ الوَفَاةُ جَزِعَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) جَزَعاً شَدِيداً، قَالَ: فَلَمَّا غَمَّضَهُ دَعَا بِقَمِيصٍ غَسِيلٍ أَوْ جَدِيدٍ فَلَبِسَهُ ثُمَّ تَسَرَّحَ وَخَرَجَ يَأْمُرُ وَيَنْهَى، قَالَ: فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، لَقَدْ ظَنَنَّا أَنْ لَا يُنْتَفَعَ بِكَ زَمَاناً لِمَا رَأَيْنَا مِنْ جَزَعِكَ، قَالَ: «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ نَجْزَعُ مَا لَمْ تَنْزِلِ المصِيبَةُ، فَإِذَا نَزَلَتْ صَبَرْنَا»(190).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(188) يعني في تجهيز إسماعيل.
(189) في بعض النُّسَخ: (لكنَّ حمزة لا بواكي له).
(190) روى قريباً منه المصنِّف (رحمه الله) في من لا يحضره الفقيه (ج 1/ ص 187/ ح 567).

(١٠١)

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّقَّاقُ (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ الكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ البَرْمَكِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ الهَيْثَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ بِجَّادٍ العَابِدُ، قَالَ: لَـمَّا مَاتَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَفَرَغْنَا مِنْ جَنَازَتِهِ جَلَسَ الصَّادِقُ جَعْفَرُ ابْنُ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ وَهُوَ مُطْرِقٌ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا دَارُ فِرَاقٍ ودَارُ التِوَاءٍ(191) لَا دَارُ اسْتِوَاءٍ عَلَى أَنَّ فِرَاقَ المأْلُوفِ حُرْقَةٌ لَا تُدْفَعُ وَلَوْعَةٌ لَا تُرَدُّ(192) وَإِنَّمَا يَتَفَاضَلُ النَّاسُ بِحُسْنِ العَزَاءِ وَصِحَّةِ الفِكْرِ، فَمَنْ لَمْ يَثْكَلْ أَخَاهُ ثَكِلَهُ أَخُوهُ، وَمَنْ لَمْ يُقَدِّمْ وَلَداً كَانَ هُوَ المقَدَّمَ دُونَ الوَلَدِ»، ثُمَّ تَمَثَّلَ (عليه السلام) بِقَوْلِ أَبِي خِرَاشٍ الهُذَلِيِّ يَرْثِي أَخَاهُ:

وَلَا تَحْسَبِي أَنِّي تَنَاسَيْتُ عَهْدَهُ * * * وَلَكِنَّ صَبْرِي يَا أُمَامُ جَمِيلٌ(193)،(194)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(191) التواء: الاعوجاج.
(192) اللوعة: حرقة الحزن.
(193) في بعض النُّسَخ: (يا أميم جميل)، والأميم هو المضروب على أُمِّ رأسه.
(194) رواه المصنِّف (رحمه الله) في أماليه (ص 309/ ح 356/4)، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 444)، والراوندي (رحمه الله) في مكارم أخلاق النبيِّ والأئمَّة (عليهم السلام) (ص 317)، وورَّام في تنبيه الخواطر (ج 2/ ص 484).
قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 79/ ص 74): (بيان: قال الفيروزآبادي: لواه فتله وثنَّاه فالتوى وتلوَّى، وعن الأمر تثاقل كالتوى، وفلاناً على فلان آثره، وتلوَّى انعطف كالتوى، والبقل ذوي، وبه ذهب وبما في الإناء استأثر به وغلب على غيره، وبه العقاب طارت به، وبهم الدهر أهلكهم، وبكلامه خالف به عن جهته. انتهى. والأكثر مناسب كما لا يخفى أي دار ذهاب وانعطاف إلى دار أُخرى، ودار استيثار واستبداد وبوار وهلاك ويتلوَّى فيها للمصائب، لأدار استواء أي اعتدال واستقامة، أو استيلاء على المطلوب. واللوعة حرقة في القلب، والثكل - بالضمِّ - الموت والهلاك، وفقدان الجيب أو الولد، وقد ثكله كفرح، وأُمام - بالضمِّ - مرخَّم أُمامة اسم امرأة).

(١٠٢)

[اعتراض آخر]:
قالت الزيديَّة: لو كان خبر الأئمَّة الاثني عشر صحيحاً لما كان الناس يشكُّون بعد الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في الإمامة حتَّى يقول طائفة من الشيعة بعبد الله وطائفة بإسماعيل وطائفة تتحيَّر حتَّى إِنَّ الشِّيعَةَ مِنْهُمْ مَنِ امْتَحَنَ عَبْدَ الله بْنَ الصَّادِقِ (عليه السلام) فَلَمَّا لَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ مَا أَرَادَ خَرَجَ وهُوَ يَقُولُ: إِلَى أَيْنَ؟ إِلَى المرْجِئَةِ أَمْ إِلَى القَدَرِيَّةِ أَمْ إِلَى الحَرُورِيَّةِ؟ وَإِنَّ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ سَمِعَهُ يَقُولُ هَذَا، فَقَالَ لَهُ: «لَا إِلَى المرْجِئَةِ، وَلَا إِلَى القَدَرِيَّةِ، وَلَا إِلَى الحَرُورِيَّةِ، وَلَكِنْ إِلَيَّ»(195)، فانظروا من كم وجه يبطل خبر الاثني عشر: أحدها جلوس عبد الله للإمامة، والثاني إقبال الشيعة إليه، والثالث حيرتهم عند امتحانه، والرابع أنَّهم لم يعرفوا أنَّ إمامهم موسى بن جعفر (عليهما السلام) حتَّى دعاهم موسى إلى نفسه وفي هذه المدَّة مات فقيههم زُرَارَةُ بْنُ أَعْيَنَ وَهُوَ يَقُولُ وَالمُصْحَفُ عَلَى صَدْرِهِ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَئْتَمُّ بِمَنْ أَثْبَتَ إِمَامَتَهُ هَذَا المصْحَفُ)(196).
فقلنا لهم: إنَّ هذا كلَّه غرور من القول وزخرف، وذلك أنَّا لم ندَّعِ أنَّ جميع الشيعة عرف في ذلك العصر الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) بأسمائهم، وإنَّما قلنا: إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أخبر أنَّ الأئمَّة بعده الاثنا عشر، الذين هم خلفاؤه وأنَّ علماء الشيعة قد رووا هذا الحديث بأسمائهم، ولا يُنكَر أنْ يكون فيهم واحد أو اثنان أو أكثر لم يسمعوا بالحديث، فأمَّا زرارة بن أعين فإنَّه مات قبل انصراف من كان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(195) راجع ما رواه الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 270 و271/ ج 5/ باب 12/ ح 1)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 351 و352/ باب ما يُفصَل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة/ ح 7)، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 197 و198)، وأبو غالب الزراري في تاريخ آل زرارة (ص 75 و76)، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 221 و222)، والطوسي (رحمه الله) في اختيار معرفة الرجال (ج 2/ ص 565 و566/ ح 502).
(196) روى قريباً منه أبو غالب الزراري في تاريخ آل زرارة (ص 79).

(١٠٣)

وفده ليعرف الخبر ولم يكن سمع بالنصِّ على موسى بن جعفر (عليهما السلام) من حيث قطع الخبر عذره، فَوَضَعَ المُصْحَفَ الَّذِي هُوَ القُرْآنُ عَلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَئْتَمُّ بِمَنْ يُثْبِتُ هَذَا المصْحَفُ إِمَامَتَهُ. وهل يفعل الفقيه المتديِّن عند اختلاف الأمر عليه إلَّا ما فعله زرارة؟ على أنَّه قد قيل: إنَّ زرارة قد كان علم بأمر موسى ابن جعفر (عليهما السلام) وبإمامته، وإنَّما بعث ابنه عبيداً ليتعرَّف من موسى بن جعفر (عليهما السلام) هل يجوز له إظهار ما يعلم من إمامته أو يستعمل التقيَّة في كتمانه؟ وهذا أشبه بفضل زرارة بن أعين وأليق بمعرفته.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ جَعْفَرٍ الهَمَدَانِيُّ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الهَمْدَانِيِّ (رضي الله عنه)، قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا (عليه السلام): يَا ابْنَ رَسُولِ الله، أَخْبِرْنِي عَنْ زُرَارَةَ هَلْ كَانَ يَعْرِفُ حَقَّ أَبِيكَ (عليه السلام)؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، فَقُلْتُ لَهُ: فَلِمَ بَعَثَ ابْنَهُ عُبَيْداً لِيَتَعَرَّفَ الخَبَرَ إِلَى مَنْ أَوْصَى الصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام)؟ فَقَالَ: «إِنَّ زُرَارَةَ كَانَ يَعْرِفُ أَمْرَ أَبِي (عليه السلام) وَنَصَّ أَبِيهِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا بَعَثَ ابْنَهُ لِيَتَعَرَّفَ مِنْ أَبِي (عليه السلام) هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ التَّقِيَّةَ فِي إِظْهَارِ أَمْرِهِ وَنَصِّ أَبِيهِ عَلَيْهِ؟ وَأَنَّهُ لَـمَّا أَبْطَأَ عَنْهُ ابْنُهُ طُولِبَ بِإِظْهَارِ قَوْلِهِ فِي أَبِي (عليه السلام)، فَلَمْ يُحِبَّ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى ذَلِكَ دُونَ أَمْرِهِ، فَرَفَعَ المصْحَفَ وقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ إِمَامِي مَنْ أَثْبَتَ هَذَا المصْحَفُ إِمَامَتَهُ مِنْ وُلْدِ جَعْفَرِ ابْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام)»(197).
والخبر الذي احتجَّت به الزيديَّة ليس فيه أنَّ زرارة لم يعرف إمامة موسى ابن جعفر (عليهما السلام)، وإنَّما فيه أنَّه بعث ابنه عبيداً ليسأل عن الخبر.
حَدَّثَنَا أَبِي (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى العَطَّارُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ الأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ زُرَارَةَ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(197) رواه أبو غالب الزراري (رحمه الله) في تاريخ آل زرارة (ص 82 و83).

(١٠٤)

عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَـمَّا بَعَثَ زُرَارَةُ عُبَيْداً ابْنَهُ إِلَى المَدِينَةِ لِيَسْأَلَ عَنِ الخَبَرِ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، فَلَمَّا اشْتَدَّ بِهِ الأَمْرُ أَخَذَ المصْحَفَ وَقَالَ: مَنْ أَثْبَتَ إِمَامَتَهُ هَذَا المُصْحَفُ فَهُوَ إِمَامِي(198). وهذا الخبر لا يوجب أنَّه لم يعرف. على أنَّ راوي هذا الخبر أحمد بن هلال(199) وهو مجروح عند مشايخنا (رضي الله عنهم).
حَدَّثَنَا شَيْخُنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ (رضي الله عنه)، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: مَا رَأَيْنَا وَلَا سَمِعْنَا بِمُتَشَيِّعٍ رَجَعَ عَنِ التَّشَيُّعِ إِلَى النَّصْبِ إِلَّا أَحْمَدَ بْنَ هِلَالٍ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ مَا تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ النَّبِيَّ وَالأَئِمَّةَ (صلوات الله عليهم) لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى اللهُ دِينَهُ، وَالشَّاكُّ فِي الإِمَامِ عَلَى غَيْرِ دِينِ اللهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عليهما السلام) أَنَّهُ سَيَسْتَوْهِبُهُ مِنْ رَبِّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ الصَّفَّارُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الصُّهْبَانِ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ العَبَّاسِ، عَنْ مَرْوَكِ ابْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ دُرُسْتَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ الوَاسِطِيِّ، عَنْ أَبِي الحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليهما السلام)، قَالَ: ذُكِرَ بَيْنَ يَدَيْهِ زُرَارَةُ بْنُ أَعْيَنَ، فَقَالَ: «وَاللهِ إِنِّي سَأَسْتَوْهِبُهُ مِنْ رَبِّي يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَهَبُهُ لِي، وَيْحَكَ إِنَّ زُرَارَةَ بْنَ أَعْيَنَ أَبْغَضَ عَدُوَّنَا فِي اللهِ وَأَحَبَّ وَلِيَّنَا فِي اللهِ».
حَدَّثَنَا أَبِي ومُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى العَطَّارُ جَمِيعاً، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي العَبَّاسِ الفَضْلِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «أَرْبَعَةٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(198) رواه أبو غالب الزراري (رحمه الله) في تاريخ آل زرارة (ص 79).
(199) هو أحمد بن هلال العبرتائي، روىت فيه ذموم عن الإمام العسكري (عليه السلام)، كما في اختيار معرفة الرجال (ج 2/ ص 816).

(١٠٥)

أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً: بُرَيْدٌ العِجْلِيُّ، وَزُرَارَةُ بْنُ أَعْيَنَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَالأَحْوَلُ(200)، أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً»(201).
فالصادق (عليه السلام) لا يجوز أنْ يقول لزرارة: إنَّه من أحبّ الناس إليه وهو لا يعرف إمامه موسى بن جعفر (عليهما السلام).
[اعتراض آخر]:
قالت الزيديَّة: لا يجوز أنْ يكون من قول الأنبياء: إنَّ الأئمَّة اثنا عشر، لأنَّ الحجَّة باقية على هذه الأُمَّة إلى يوم القيامة، والاثنا عشر بعد محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قد مضى منهم أحد عشر، وقد زعمت الإماميَّة أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة.
فيقال لهم: إنَّ عدد الأئمَّة (عليهم السلام) اثنا عشر، والثاني عشر هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ثمّ يكون بعده ما يذكره من كون إمام بعده أو قيام القيامة ولسنا مستعبدين في ذلك إلَّا بالإقرار باثني عشر إماماً واعتقاد كون ما يذكره الثاني عشر (عليه السلام) بعده.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ فَهْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ الحَسَنِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُوسَى الوَجِيهِيِّ(202)، عَنِ المِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَارِثِ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ (عليه السلام): يَا أَمِيرَ المؤْمِنِينَ، أَخْبِرْنِي بِمَا يَكُونُ مِنَ الأَحْدَاثِ بَعْدَ قَائِمِكُمْ، قَالَ: «يَا ابْنَ الحَارِثِ، ذَلِكَ شَيْءٌ ذِكْرُهُ مَوْكُولٌ إِلَيْهِ، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عَهِدَ إِلَيَّ أَنْ لَا أُخْبِرَ بِهِ إِلَّا الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ (عليهما السلام)».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(200) يعني محمّد بن النعمان البجلي مؤمن الطاق.
(201) رواه الطوسي (رحمه الله) في اختيار معرفة الرجال (ج 1/ ص 347/ ح 215).
(202) عمر بن موسى الوجيهي، زيدي، له كتاب قراءة زيد بن عليٍّ (عليه السلام)، وقال: سمعت زيد بن عليٍّ يقول: هذا قراءة أمير المؤمنين (عليه السلام).

(١٠٦)

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ (رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الجَلُودِيُّ، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ يُونُسَ ابْنِ أَرْقَمَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ الشَّيْبَانِيِّ(203)، عَنِ الضَّحَاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَمِيرِ المؤْمِنِينَ (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ يَذْكُرُ فِيهِ أَمْرَ الدَّجَّالِ وَيَقُولُ فِي آخِرِهِ: «لَا تَسْأَلُونِّي عَمَّا يَكُونُ بَعْدَ هَذَا فَإِنَّهُ عَهِدَ إِلَيَّ حَبِيبِي (عليه السلام) أَنْ لَا أُخْبِرَ بِهِ غَيْرَ عِتْرَتِي»، قَالَ النَّزَّالُ بْنُ سَبْرَةَ، فَقُلْتُ لِصَعْصَعَةَ بْنِ صُوحَانَ: مَا عَنَى أَمِيرُ المؤْمِنِينَ بِهَذَا القَوْلِ؟ فَقَالَ صَعْصَعَةُ: يَا ابْنَ سَبْرَةَ، إِنَّ الَّذِي يُصَلِّي عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ خَلْفَهُ هُوَ الثَّانِي عَشَرَ مِنَ العِتْرَةِ، التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام)، وهُوَ الشَّمْسُ الطَّالِعَةُ مِنْ مَغْرِبِهَا، يَظْهَرُ عِنْدَ الرُّكْنِ وَالمقَامِ، فَيُطَهِّرُ الأَرْضَ وَيَضَعُ المِيزَانَ بِالقِسْطِ فَلَا يَظْلِمُ أَحَدٌ أَحَداً، فَأَخْبَرَ أَمِيرُ المؤْمِنِينَ (عليه السلام) أَنَّ حَبِيبَهُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عَهِدَ إِلَيْهِ أَنْ لَا يُخْبِرَ بِمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرَ عِتْرَتِهِ الأَئِمَّةِ.
ويقال للزيديَّة: أفيكذب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في قوله: «إنَّ الأئمَّة اثنا عشر»؟ فإنْ قالوا: إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لم يقل هذا القول، قيل لهم: إنْ جاز لكم دفع هذا الخبر مع شهرته واستفاضته وتلقِّي طبقات الإماميَّة إيَّاه بالقبول، فما أنكرتم ممَّن يقول: إنَّ قَوْلَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ» ليس من قول الرسول (عليه السلام)؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(203) أمَّا الحسين بن معاذ فالظاهر هو الحسين بن معاذ بن خليف البصري الذي ذكره ابن حبَّان في الثقات (ج 8/ ص 187). وأمَّا قيس بن حفص فالظاهر هو قيس بن حفص بن القعقاع التميمي الدارمي مولاهم أبو محمّد البصري المتوفَّى (227هـ) الذي ذكره العجلي في معرفة الثقات (ج 1/ ص 45/ الرقم 48). وأمَّا يونس بن أرقم فلم أجد من ذكره. وأمَّا أبو سنان الشيباني المصحَّف في نُسَخ الكتاب بأبي سيَّار فهو سعيد بن سنان البرجمي الشيباني الكوفي الذي ذكره ابن حبَّان في الثقات (ج 6/ ص 356)، وقال: (كان عابداً فاضلاً) انتهى، يروي عن ضحَّاك بن مزاحم الهلالي أبي القاسم، ويقال: أبو محمّد، قال عبد الله بن أحمد: ثقة مأمون، وقال ابن معين وكذا أبو زرعة: ثقة. وهو يروي عن النزَّال بن سبرة - بفتح المهملة وسكون الموحَّدة - الهلالي، وهو كوفي تابعي من كبار التابعين ذكره ابن حبَّان في الثقات كما في التهذيب.

(١٠٧)

[اعتراض آخر]:
قالت الزيديَّة: اختلفت الإماميَّة في الوقت الذي مضى فيه الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام)، فمنهم من زعم أنَّ ابنه كان ابن سبع سنين، ومنهم من قال: إنَّه كان صبيًّا(204) أو رضيعاً، وكيف كان فإنَّه في هذه الحال لا يصلح للإمامة ورئاسة الأُمَّة، وأنْ يكون خليفة الله في بلاده وقيِّمه في عباده وفئة المسلمين إذا عضَّتهم الحروب، ومدبِّر جيوشهم، والمقاتل عنهم، والذابُّ عن حوزتهم، والدافع عن حريمهم، لأنَّ الصبيَّ الرضيع والطفل لا يصلحان لمثل هذه الأُمور، ولم تجرِ العادة فيما سلف قديماً وحديثاً أنْ تلقى الأعداء بالصبيان، ومن لا يحسن الركوب، ولا يثبت على السرج، ولا يعرف كيف يصرف العنان، ولا ينهض بحمل الحمائل، ولا بتصريف القناة، ولا يمكنه الحمل على الأعداء في حومة الوغا، فإنَّ أحد أوصاف الإمام أنْ يكون أشجع الناس.
[الجواب]:
يقال لمن خطب بهذه الخطبة: إنَّكم نسيتم كتاب الله (عزَّ وجلَّ)، ولولا ذلك لم ترموا الإماميَّة بأنَّهم لا يحفظون كتاب الله، وقد نسيتم قصَّة عيسى (عليه السلام) وهو في المهد حين يقول: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ...﴾ الآية [مريم: 30 و31]، أخبرونا لو آمن به بنو إسرائيل ثمّ حزبهم أمر من العدوِّ(205) كيف كان يفعل المسيح (عليه السلام)؟ وكذلك القول في يحيى (عليه السلام)، وقد أعطاه الله الحكم صبيًّا، فإنْ جحدوا ذلك فقد جحدوا كتاب الله، ومن لم يقدر على دفع خصمه إلَّا بعد أنْ يجحد كتاب الله فقد وضح بطلان قوله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(204) في بعض النُّسَخ: (جنيناً).
(205) حزبه أمر، أي أصابه.

(١٠٨)

ونقول في جواب هذا الفصل: إنَّ الأمر لو أفضى بأهل هذا العصر إلى ما وصفوا لنقض الله العادة فيه، وجعله رجلاً بالغاً كاملاً فارساً شجاعاً بطلاً قادراً على مبارزة الأعداء والحفظ لبيضة الإسلام والدفع عن حوزتهم. وهذا جواب لبعض الإماميَّة على أبي القاسم البلخي.
[اعتراض آخر]:
قالت الزيديَّة: قد شكَّ الناس في صحَّة نسب هذا المولود، إذ أكثر الناس يدفعون أنْ يكون للحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) ولد.
فيقال لهم: قد شكَّ بنو إسرائيل في المسيح ورموا مريم بما قالوا: ﴿لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا﴾ [مريم: 27](206)، فتكلَّم المسيح ببراءة أُمِّه (عليها السلام) فقال: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ [مريم: 30]، فعلم أهل العقول أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) لا يختار لأداء الرسالة مغمور النَّسَب ولا غير كريم المنصب، كذلك الإمام (عليه السلام) إذا ظهر كان معه من الآيات الباهرات والدلائل الظاهرات ما يُعلَم به أنَّه بعينه دون الناس هو خلف الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام).
قال بعضهم: ما الدليل على أنَّ الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) تُوفِّي؟
قيل له: الأخبار التي وردت في موته هي أوضح وأشهر وأكثر من الأخبار التي وردت في موت أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام)، لأنَّ أبا الحسن (عليه السلام) مات في يد الأعداء ومات أبو محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) في داره على فراشه، وجرى في أمره ما قد أوردت الخبر به مسنداً في هذا الكتاب.
فقال قائل منهم: فهلَّا دلَّكم تنازع أُمِّ الحسن وجعفر في ميراثه أنَّه لم يكن له ولد؟ لأنَّا بمثل هذا نعرف من يموت ولا عقب له أنْ لا يظهر ولده ويُقسَّم ميراثه بين ورثته؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(206) وقوله: ﴿فَرِيًّا﴾ أي عظيماً بديعاً أو قبيحاً منكراً، من الافتراء وهو الكذب.

(١٠٩)

فقيل له: هذه العادة مستفيضة، وذلك أنَّ تدبير الله في أنبيائه ورُسُله وخلفائه ربَّما جرى على المعهود المعتاد وربَّما جرى بخلاف ذلك، فلا يُحمَل أمرهم في كلِّ الأحوال على العادات كما لا يُحمَل أمر المسيح (عليه السلام) على العادات.
قال: فإنْ جاز له أنْ يُشَكَّ(207) في هذا لِـمَ لا يجوز أنْ نشكَّ في كلِّ من يموت ولا عقب له ظاهر؟
قيل له: لا نشكُّ في أنَّ الحسن (عليه السلام) كان له خلف من عقبه بشهادة من أثبت له ولداً من فضلاء ولد الحسن والحسين (عليهما السلام) والشيعة الأخيار، لأنَّ الشهادة التي يجب قبولها هي شهادة المثبت لا شهادة النافي، وإنْ كان عدد النافين أكثر من عدد المثبتين، ووجدنا لهذا الباب فيما مضى مثالاً وهو قصَّة موسى (عليه السلام)، لأنَّ الله سبحانه لـمَّا أراد أنْ يُنجِّي بني إسرائيل من العبوديَّة ويُصيِّر دينه على يديه غضًّا طريًّا أوحى إلى أُمِّه: ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَالقِيهِ فِي اليَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ﴾ [القَصص: 7]، فلو أنَّ أباه عمران مات في ذلك الوقت لما كان الحكم في ميراثه إلَّا كالحكم في ميراث الحسن (عليه السلام)، ولم يكن في ذلك دلالة على نفي الولد.
وخفي على مخالفينا فقالوا: إنَّ موسى في ذلك الوقت لم يكن بحجَّة والإمام عندكم حجَّة، ونحن إنَّما شبَّهنا الولادة والغيبة بالولادة والغيبة، وغيبة يوسف (عليه السلام) أعجب من كلِّ عجب لم يقف على خبره أبوه وكان بينهما من المسافة ما يجب أنْ لا ينقطع لولا تدبير الله (عزَّ وجلَّ) في خلقه أنْ ينقطع خبره عن أبيه وهؤلاء إخوته دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون.
وشبَّهنا أمر حياته بقصَّة أصحاب الكهف، فإنَّهم لَبِثُوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً، وهم أحياء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(207) في بعض النُّسَخ: (فإنْ جاز لنا أنْ نشكَّ).

(١١٠)

فإنْ قال قائل: إنَّ هذه أُمور قد كانت، ولا دليل معنا على صحَّة ما تقولون.
قيل له: أخرجنا بهذه الأمثلة أقوالنا من حدِّ الإحالة إلى حدِّ الجواز، وأقمنا الأدلَّة على صحَّة قولنا بأنَّ الكتاب لا يزال معه من عترة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) من يعرف حلاله وحرامه ومحكمه ومتشابهه، وبما أسندناه في هذا الكتاب من الأخبار عن النبيِّ والأئمَّة (صلوات الله عليهم).
فإنْ قال: فكيف التمسُّك به ولا نهتدي إلى مكانه ولا يقدر أحد على إتيانه؟
قيل له: نتمسَّك بالإقرار بكونه وبإمامته وبالنجباء الأخيار والفضلاء الأبرار القائلين بإمامته، المثبتين لولادته وولايته، المصدِّقين للنبيِّ والأئمَّة (عليهم السلام) في النصِّ عليه باسمه ونَسَبه من أبرار شيعته، العالمين بالكتاب والسُّنَّة، العارفين بوحدانيَّة الله (تعالى ذكره)، النافين عنه شُبَه المحدِّثين المحرِّمين للقياس، المسلِّمين لما يصحُّ وروده عن النبيِّ والأئمَّة (عليهم السلام).
فإنْ قال قائل: فإنْ جاز أنْ يكون نتمسَّك بهؤلاء الذين وصفتهم ويكون تمسُّكنا بهم تمسُّكاً بالإمام الغائب، فلِمَ لا يجوز أنْ يموت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ولا يُخلِّف أحداً فيقتصر أُمَّته على حُجَج العقول والكتاب والسُّنَّة؟
قيل له: ليس الاقتراح على الله (عزَّ وجلَّ) علينا، وإنَّما علينا فعل ما نُؤمَر به، وقد دلَّت الدلائل على فرض طاعة هؤلاء الأئمَّة الأحد عشر (عليهم السلام) الذين مضوا ووجب القعود معهم إذا قعدوا والنهوض معهم إذا نهضوا، والإسماع منهم إذا نطقوا، فعلينا أنْ نفعل في كلِّ وقت ما دلَّت الدلائل على أنَّ علينا أنْ نفعله.
[اعتراض آخر لبعضهم]:
قال بعض الزيديَّة: فإنَّ للواقفة ولغيرهم أنْ يعارضوكم في ادِّعائكم أنَّ

(١١١)

موسى بن جعفر (عليهما السلام) مات، وأنَّكم وقفتم على ذلك بالعرف والعادة والمشاهدة، وذلك أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد أخبر في شأن المسيح (عليه السلام) فقال: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ [النساء: 157]، وكان عند القوم في حكم المشاهدة والعادة الجارية أنَّهم قد رأوه مصلوباً مقتولاً، فليس بمنكر مثل ذلك في سائر الأئمَّة الذين قال بغيبتهم طائفة من الناس.
الجواب: يقال لهم: ليس سبيل الأئمَّة (عليهم السلام) في ذلك سبيل عيسى بن مريم (عليهما السلام)، وذلك أنَّ عيسى بن مريم ادَّعت اليهود قتله، فكذَّبهم الله (تعالى ذكره) بقوله: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾، وأئمَّتنا (عليهم السلام) لم يرد في شأنهم الخبر عن الله أنَّهم شُبِّهوا وإنَّما قال ذلك قوم من طوائف الغلاة، وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بِقَتْلِ أَمِيرِ المؤْمِنِينَ (عليه السلام) بِقَوْلِهِ: «إِنَّهُ سَتُخْضَبُ هَذِهِ مِنْ هَذَا» يعني لحيته من دم رأسه، وأخبر من بعده من الأئمَّة (عليهم السلام) بقتله، وكذلك الحسن والحسين (عليهما السلام) قد أخبر النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عن جبرئيل بأنَّهما سيقتلان، وأخبرا عن أنفسهما بأنَّ ذلك سيجري عليهما، وأخبر من بعدهما من الأئمَّة (عليهم السلام) بقتلهما، وكذلك سبيل كلِّ إمام بعدهما من عليِّ بن الحسين إلى الحسن بن عليٍّ العسكري (عليهم السلام) قد أخبر الأوَّل بما يجري على من بعده وأخبر من بعده بما جرى على من قبله، فالمخبرون بموت الأئمَّة (عليهم السلام) هم النبيُّ والأئمَّة (عليهم السلام) واحد بعد واحد، والمخبرون بقتل عيسى (عليه السلام) كانت اليهود، فلذلك قلنا: إنَّ ذلك جرى عليهم على الحقيقة والصحَّة لا على الحسبان والحيلولة ولا على الشكِّ والشبهة، لأنَّ الكذب على المخبرين بموتهم غير جائز، لأنَّهم معصومون وهو على اليهود جائز.
[شُبُهات من المخالفين ودفعها]:
قال مخالفونا: إنَّ العادات والمشاهدات تدفع قولكم بالغيبة.

(١١٢)

فقلنا: إنَّ البراهمة(208) تقدر أنْ تقول مثل ذلك في آيات النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وتقول للمسلمين: إنَّكم بأجمعكم لم تشاهدوها، فلعلَّكم قلَّدتم من لم يجب تقليده أو قبلتم خبراً لم يقطع العذر، ومن أجل هذه المعارضة قالت عامَّة المعتزلة - على ما يُحكى عنهم -: إنَّه لم تكن للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) معجزة غير القرآن، فأمَّا من اعترف بصحَّة الآيات التي هي غير القرآن احتاج إلى أنْ يُطلِق الكلام في جواز كونها بوصف الله (تعالى ذكره) بالقدرة عليها، ثمّ في صحَّة وجود كونها على أُمور قد وقفنا عليها وهي غير كثيرة الرواة.
فقالت الإماميَّة: فارضوا منَّا بمثل ذلك، وهو أنْ نُصحِّح هذه الأخبار التي تفرَّدنا بنقلها عن أئمَّتنا (عليهم السلام) بأنْ تدلَّ على جواز كونها بوصف الله (تعالى ذكره) بالقدرة عليها وصحَّة كونها بالأدلَّة العقليَّة والكتابيَّة والأخبار المرويَّة المقبولة عند نقلة العامَّة.
قال الجدليُّ: فنقول: إنَّه ليس بإزائنا جماعة تروي عن نبيِّنا (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ضدَّ ما نروي ممَّا يُبطِله ويناقضه، أو يدَّعون أنَّ أوَّلنا ليس كآخرنا؟
فيقال له: ما أنكرت من برهمي قال لك: إنَّ العادات والمشاهدات والطبيعيَّات تمنع أنْ يتكلَّم ذراع مسموم مشوي، وتمنع من انشقاق القمر، وأنَّه لو انشقَّ القمر وانفلق لبطل نظام العالم؟
وأمَّا قوله: (ليس بإزائهم من يدفع أنَّ أوَّلنا ليس كآخرنا)، فإنَّه يقال له: إنَّكم تدفعون عن ذلك أشدّ الدفع، ولو شهد هذه الآيات الخلق الكثير لكان حكمه حكم القرآن، فقد بان أنَّ الجدليَّ مستعمل للمغالطة، مستفرق فيما لم يستفرق.
قال الجدليُّ: أوَتدفعونا عن قولنا: إنَّه كان لنبيِّنا (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) من الأتباع في حياته وبعد وفاته جماعة لا يحصرهم العدد يروون آياته ويُصحِّحونها؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(208) البراهمة: قوم لا يُجوِّزون على الله تعالى بعثة الرُّسُل.

(١١٣)

فيقال له: إنَّ جماعة لم يحصرهم العدد قد عاينوا آيات رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) التي هي تظليل الغمامة وكلام الذراع المسمومة وحنين الجذع وما في بابه، ولكن هذه عامَّة الأُمَّة تقول: إنَّ هذه آيات رواها نفر يسير في الأصل، فلِمَ ادَّعيت أنَّ أحداً لا يدفعك عن هذه الدعوى؟
قال الجدليُّ: ولـمَّا كان هذا هكذا كانت أخبارنا عن آيات نبيِّنا (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كالأخبار عن آيات موسى والأخبار عن آيات المسيح التي ادَّعتها النصارى لها ومن أجلها ما ادَّعوا، وكأخبار المجوس والبراهمة عن أيَّام آبائهم وأسلافهم.
قلنا: قد عرفنا أنَّ البراهمة تزعم أنَّ لآبائهم وأسلافهم أمثالاً موجودة ونظائر مشاهدة، فلذلك قبلوه على طريق الإقناع، وليس هذا ممَّا تُنكِره، وإنَّما عرفناه للوجه الذي من أجله عورض بما عورض به، فليكن من وراء الفصل من حيث طولب(209).
قال الجدليُّ: وبإزاء هذه الفرقة من القطعيَّة جماعات تفضلها وجماعات في مثل حالها تروي عمَّن يسندون إليه الخبر خبرهم في النصِّ ضدَّ ما يروون.
فيقال له: ومن هذه الجماعات التي تفضلها؟ وأين هم في ديار الله؟ وأين يسكنون من بلاد الله؟ أوَما وجب عليك أنْ تعلم أنَّ كتابك يُقرَأ؟ ومن ليس من أهل الصناعة يعلم استعمالك للمغالطة.
قال الجدليُّ: وما كنت أحسب أنَّ امرءاً مسلماً تسمح نفسه بأنْ يجعل الأخبار عن آيات رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عَروضاً(210) للأخبار في غيبة ابن الحسن بن عليِّ ابن محمّد بن عليِّ بن موسى بن جعفر (عليهم السلام) ويدَّعي تكافؤ التواتر فيهما، والله المستعان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(209) في بعض النُّسَخ: (فليكن من ذكر الفضل...) إلخ.
(210) العروض من الكلام، فحواه، يقال: (هذه مسألة عروض هذه)، أي نظيره.

(١١٤)

فيقال له: إنَّا قد بيَّنَّا الوجه الذي من أجله ادَّعينا التساوي في هذا الباب وعرَّفناك أنَّ الذي نُسمِّيه الخبر المتواتر هو الذي يرويه ثلاثة أنفس فما فوقهم، وأنَّ الأخبار عن آيات رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في الأصل إنَّما يرويها العدد القليل، والمحنة(211) بيننا وبينك أنْ نرجع إلى أصحاب الحديث فنطلب منهم من روى انشقاق القمر وكلام الذراع المسمومة وما يجانس ذلك من آياته، فإنْ أمكنه أنْ يروي كلَّ آية من هذه الآيات عن عشرة أنفس من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عاينوا أو شاهدوا فالقول قوله، وإلَّا فإنَّ الموافق ادَّعى التكافؤ فيما هما مثلان ونظيران ومشبهان، والحمد لله.
وأقول - وبالله التوفيق -: إنَّا قد استُعبدنا بالإقرار بعصمة الإمام كما استُعبدنا بالقول به، والعصمة ليست في ظاهر الخليقة فتُرى وتُشاهَد، ولو أقررنا بإمامة إمام وأنكرنا أنْ يكون معصوماً لم نكن أقررنا به، فإذا جاز أنْ نكون مستعبدين من كلِّ إمام بالإقرار بشيء غائب عن أبصارنا فيه جاز أنْ نُستَعبد بالإقرار بإمامة إمام غائب عن أبصارنا لضرب من ضروب الحكمة يعلمه الله تبارك وتعالى اهتدينا إلى وجهه أو لم نهتدِ ولا فرق.
وأقول أيضاً: إنَّ حال إمامنا (عليه السلام) اليوم في غيبته حال النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في ظهوره، وذلك أنَّه (عليه السلام) لـمَّا كان بمكَّة لم يكن بالمدينة، ولـمَّا كان بالمدينة لم يكن بمكَّة، ولـمَّا سافر لم يكن بالحضر، ولـمَّا حضر لم يكن في السفر، وكان (عليه السلام) في جميع أحواله حاضراً بمكان غائباً عن غيره من الأماكن، ولم تسقط حجَّته (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عن أهل الأماكن التي غاب عنها، فهكذا الإمام (عليه السلام) لا تسقط حجَّته وإنْ كان غائباً عنَّا كما لم تسقط حجَّة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عمَّن غاب عنه، وأكثر ما استُعبد به الناس من شرائط الإسلام وشرائعه فهو مثل ما استُعبدوا به من الإقرار بغيبة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(211) في بعض النُّسَخ: (والمجنَّة)، وهي الترس.

(١١٥)

الإمام، وذلك أنَّ الله تبارك وتعالى مدح المؤمنين على إيمانهم بالغيب قبل مدحه لهم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإيمان بسائر ما أنزل الله (عزَّ وجلَّ) على نبيِّه وعلى من قبله من الأنبياء (صلوات الله عليهم أجمعين) وبالآخرة، فقال: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: 2 - 5]، وإنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كان يكون بين أصحابه فيُغمى عليه وهو يتصابُّ عرقاً، فإذا أفاق قال: قال الله (عزَّ وجلَّ) كذا وكذا، أمركم بكذا، ونهاكم عن كذا. وأكثر مخالفينا يقولون: إنَّ ذلك كان يكون عند نزول جبرئيل (عليه السلام) عليه، فَسُئِلَ الصَّادِقُ (عليه السلام) عَنِ الغَشْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَأْخُذُ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أَكَانَتْ تَكُونُ عِنْدَ هُبُوطِ جَبْرَئِيلَ (عليه السلام) فَقَالَ: «لَا، إِنَّ جَبْرَئِيلَ كَانَ إِذَا أَتَى النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَهُ، وَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ قَعَدَ بَيْنَ يَدَيْهِ قِعْدَةَ العَبْدِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عِنْدَ مُخَاطَبَةِ الله (عزَّ وجلَّ) إِيَّاهُ بِغَيْرِ تَرْجُمَانٍ وَوَاسِطَةٍ».
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ (رضي الله عنه)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ(212)، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ عُلْوَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام).
فالناس لم يشاهدوا الله تبارك وتعالى يناجي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ويخاطبه، ولا شاهدوا الوحي، ووجب عليهم الإقرار بالغيب الذي لم يشاهدوه وتصديق رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في ذلك، وقد أخبرنا الله (عزَّ وجلَّ) في محكم كتابه أنَّه ليس منَّا أحد ﴿يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: 18]، وقال (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار: 10 - 12]،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(212) هو أبو جعفر الزيَّات. وفي بعض النُّسَخ: (محمّد بن الحسين بن يزيد)، ولم أجده.

(١١٦)

ونحن لم نرَهم ولم نشاهدهم، ولو لم نوقع التصديق بذلك لكنَّا خارجين من الإسلام، رادِّين على الله (تعالى ذكره) قوله، وقد حذَّرنا الله تبارك وتعالى من فتنة الشيطان، فقال: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الجَنَّةِ﴾ [الأعراف: 27]، ونحن لا نراه، ويجب علينا الإيمان بكونه والحذر منه، وقال النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في ذكر المسألة في القبر: «إِنَّهُ إِذَا سُئِلَ المَيِّتُ فَلَمْ يَجِبْ بِالصَّوَابِ ضَرَبَهُ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ ضَرْبَةً مِنْ عَذَابِ اللهِ، مَا خَلَقَ اللهُ مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا تَذْعَرُ لَهَا(213) مَا خَلَا الثَّقَلَيْنِ»(214)، ونحن لا نرى شيئاً من ذلك، ولا نشاهده ولا نسمعه، وأخبرنا عنه (عليه السلام) أنَّه عُرِجَ به إلى السماء. ونحن لم نرَ [شيئاً من] ذلك [ولا نشاهده ولا نسمعه].
وأخبرنا (عليه السلام): «مَنْ زَارَ أَخَاهُ فِي اللهِ (عزَّ وجلَّ) شَيَّعَهُ سَبْعُونَ الف مَلَكٍ يَقُولُونَ: أَلَا طِبْتَ وَطَابَتْ لَكَ الجَنَّةُ»(215)،(216)، ونحن لا نراهم ولا نسمع كلامهم ولو لم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(213) أي تفزع. وذعرته ذعراً: أفزعته، وقد ذعر فهو مذعور.
(214) راجع ما رواه العيَّاشي (رحمه الله) في تفسيره (ج 2/ ص 227 و228/ ح 20)، والطوسي (رحمه الله) في أماليه (ص 347 - 349/ ح 719/59).
(215) راجع ما رواه المصنِّف (رحمه الله) في ثواب الأعمال (ص 186)، ومصادقة الإخوان (ص 56/ باب زيارة الإخوان)، والمقنع (ص 229)، وحسين بن سعيد الكوفي (رحمه الله) في كتاب المؤمن (ص 58 و60/ ح 148 و152 - 154)، والحميري (رحمه الله) في قرب الإسناد (ص 36/ ح 116)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 2/ ص 175/ باب زيارة الإخوان)، والمفيد (رحمه الله) في الاختصاص (ص 188).
(216) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 71/ ص 342): (قوله: «طبت وطابت لك الجنَّة» أي طهرت من الذنوب والأدناس الروحانيَّة وحلَّت لك الجنَّة ونعيمها، أو دعاء له بالطهارة من الذنوب وتيسُّر الجنَّة له سالماً من الآفات والعقوبات المتقدِّمة عليها، قال في النهاية: قد يرد الطيِّب بمعنى الطاهر، ومنه حديث عليٍّ (عليه السلام) لـمَّا مات رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «بأبي أنت وأُمِّي طبت حيًّا وميِّتاً» أي طهرت، انتهى. وقال الطيِّبي في (شرح المشكاة) في قوله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «طبت وطاب ممشاك»: أصل الطيِّب ما تستلذُّه الحواسُّ والنفس، والطيِّب من الإنسان من تزكَّى عن نجاسة الجهل والفسق، وتحلَّى بالعلم ومحاسن الأفعال. وطبت إمَّا دعاء له بأنْ يطيب عيشه في الدنيا. وطاب ممشاك كناية عن سلوك طريق الآخرة بالتعرِّي عن الرذائل أو خبره بذلك).

(١١٧)

نُسلِّم الأخبار الواردة في مثل ذلك وفيما يشبهه من أُمور الإسلام لكنَّا كافرين بها، خارجين من الإسلام.
[مناظرة المؤلِّف مع ملحد عند ركن الدولة]:
ولقد كلَّمني بعض الملحدين في مجلس الأمير السعيد ركن الدولة (رضي الله عنه)، فقال لي: وجب على إمامكم أنْ يخرج فقد كاد أهل الروم يغلبون على المسلمين.
فقلت له: إنَّ أهل الكفر كانوا في أيَّام نبيِّنا (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أكثر عدداً منهم اليوم، وقد أسرَّ (عليه السلام) أمره وكتمه أربعين سنة بأمر الله (جلَّ ذكره)، وبعد ذلك أظهره لمن وثق به وكتمه ثلاث سنين عمَّن لم يثق به، ثمّ آل الأمر إلى أنْ تعاقدوا على هجرانه وهجران جميع بني هاشم والمحامين عليه لأجله، فخرجوا إلى الشعب وبقوا فيه ثلاث سنين، فلو أنَّ قائلاً قال في تلك السنين: لِـمَ لا يخرج محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فإنَّه واجب عليه الخروج لغلبة المشركين على المسلمين، ما كان يكون جوابنا له إِلَّا أَنَّهُ (عليه السلام) بِأَمْرِ الله (تَعَالَى ذِكْرُهُ) خَرَجَ إِلَى الشِّعْبِ حِينَ خَرَجَ، وَبِإِذْنِهِ غَابَ(217)، وَمَتَى أَمَرَهُ بِالظُّهُورِ وَالخُرُوجِ خَرَجَ وَظَهَرَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بَقِيَ فِي الشِّعْبِ هَذِهِ المدَّةَ حَتَّى أَوْحَى الله (عزَّ وجلَّ) إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ بَعَثَ أَرَضَةً عَلَى الصَّحِيفَةِ المكْتُوبَةِ بَيْنَ قُرَيْشٍ فِي هِجْرَانِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وَجَمِيعِ بَنِي هَاشِمٍ المَخْتُومَةِ بِأَرْبَعِينَ خَاتَماً، المعَدَّلَةِ(218) عِنْدَ زَمَعَةَ بْنِ الأَسْوَدِ، فَأَكَلَتْ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ وَتَرَكَتْ مَا كَانَ فِيهَا مِنِ اسْمِ الله (عزَّ وجلَّ)، فَقَامَ أَبُو طَالِبٍ فَدَخَلَ مَكَّةَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قُرَيْشٌ قَدَّرُوا أَنَّهُ قَدْ جَاءَ لِيُسَلِّمَ إِلَيْهِمُ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) حَتَّى يَقْتُلُوهُ أَوْ يُرْجِعُوهُ عَنْ نُبُوَّتِهِ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وَعَظَّمُوهُ فَلَمَّا جَلَسَ قَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّ ابْنَ أَخِي محمّد لَمْ أُجَرِّبْ عَلَيْهِ كَذِباً قَطُّ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(217) مثل قوله تعالى: ﴿وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً﴾ [المزَّمِّل: 10].
(218) كذا، ولعلَّ الصواب: (المحفوظة) أو (المودعة).

(١١٨)

وَإِنَّهُ قَدْ أَخْبَرَنِي أَنَّ رَبَّهُ أَوْحَى إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ بَعَثَ عَلَى الصَّحِيفَةِ المكْتُوبَةِ بَيْنَكُمْ الأَرَضَةَ، فَأَكَلَتْ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ وَتَرَكَتْ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ (عزَّ وجلَّ). فَأَخْرَجُوا الصَّحِيفَةَ وَفَكُّوهَا فَوَجَدُوهَا كَمَا قَالَ، فَآمَنَ بَعْضٌ وَبَقِيَ بَعْضٌ عَلَى كُفْرِهِ، وَرَجَعَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وَبَنُو هَاشِمٍ إِلَى مَكَّةَ. هكذا الإمام (عليه السلام) إذا أذن الله له في الخروج خرج.
وشيء آخر، وهو: أنَّ الله (تعالى ذكره) أقدر على أعدائه الكُفَّار من الإمام، فلو أنَّ قائلاً قال: لِـمَ يمهل اللهُ أعداءَه ولا يبيدهم وهم يكفرون به ويشركون؟ لكان جوابنا له: أنَّ الله (تعالى ذكره) لا يخاف الفوت فيعاجلهم بالعقوبة، و﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: 23]، ولا يقال له: لِـمَ ولا كيف، وهكذا إظهار الإمام إلى الله الذي غيَّبه فمتى أراده أذن فيه فظهر.
فقال الملحد: لست أُومن بإمام لا أراه ولا تلزمني حجَّته ما لم أرَه.
فقلت له: يجب أنْ تقول: إنَّه لا تلزمك حجَّة الله (تعالى ذكره) لأنَّك لا تراه، ولا تلزمك حجَّة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لأنَّك لم ترَه.
فقال للأمير السعيد ركن الدولة (رضي الله عنه): أيُّها الأمير راع ما يقول هذا الشيخ فإنَّه يقول: إنَّ الإمام إنَّما غاب ولا يُرى لأنَّ الله (عزَّ وجلَّ) لا يُرى.
فقال له الأمير (رحمه الله): لقد وضعت كلامه غير موضعه وتقوَّلت عليه، وهذا انقطاع منك وإقرار بالعجز.
وهذا سبيل جميع المجادلين لنا في أمر صاحب زماننا (عليه السلام) ما يلفظون في دفع ذلك وجحوده إلَّا بالهذيان والوساوس والخرافات المموَّهة.
وذكر أبو سهل إسماعيل بن عليٍّ النوبختي(219) في آخر كتاب (التنبيه):

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(219) هو إسماعيل بن عليِّ بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت، كان شيخ المتكلِّمين من أصحابنا الإماميَّة ببغداد ووجههم، متقدِّم النوبختيِّين في زمانه، له جلالة في الدِّين والدنيا، يجري مجرى الوزراء، صنَّف كُتُباً كثيرة جملة منها في الردِّ على أرباب المقالات الفاسدة، وله كتاب (الأنوار في تواريخ الأئمَّة الأطهار (عليهم السلام))، رأى مولانا الحجَّة (عليه السلام) عند وفاة أبيه الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام)، وله احتجاج على الحلَّاج صار ذلك سبباً لفضيحة الحلَّاج وخذلانه. (الكنى والألقاب للمحدَّث القمِّي (رحمه الله): ج 1/ ص 93 و94).

(١١٩)

وكثيراً ما يقول خصومنا: لو كان ما تدَّعون من النصِّ حقًّا لادَّعاه عليٌّ (عليه السلام) بعد مضيِّ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم).
فيقال لهم: كيف يدَّعيه فيقيم نفسه مقام مدَّعٍ يحتاج إلى شهود على صحَّة دعواه وهم لم يقبلوا قول النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فكيف يقبلون دعواه لنفسه؟ وتخلُّفه عن بيعة أبي بكر ودفنه فاطمة (عليها السلام) من غير أنْ يُعرِّفهم جميعاً خبرها حتَّى دفنها سرًّا أدلّ دليل على أنَّه لم يرضَ بما فعلوه.
فإنْ قالوا: فلِمَ قبلها بعد عثمان؟
قيل لهم: أعطوه بعض ما وجب له فقبله، وكان في ذلك مثل النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) حين قبل المنافقين والمؤلِّفة قلوبهم.
وربَّما قال خصومنا - إذا عضَّهم الحجاج(220) ولزمتهم الحجَّة في أنَّه لا بدَّ من إمام منصوص عليه، عالم بالكتاب والسُّنَّة، مأمون عليهما، لا ينساهما ولا يغلط فيهما، ولا تجوز مخالفته، واجب الطاعة بنصِّ الأوَّل عليه -: فمن هو هذا الإمام سمُّوه لنا ودلُّونا عليه؟
فيقال لهم: هذا كلام في الأخبار وهو انتقال من الموضع الذي تكلَّمنا فيه، لأنَّا إنَّما تكلَّمنا فيما توجبه العقول إذا مضى النبيُّ (عليه السلام)، وهل يجوز أنْ لا يستخلف وينصَّ على إمام بالصفة التي ذكرناها؟ فإذا ثبت ذلك بالأدلَّة فعلينا وعليهم التفتيش عن عين الإمام في كلِّ عصر من قِبَل الأخبار ونقل الشيع النصَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(220) عضَّ الرجل بصاحبه يعضُّ عضيضاً، أي لزمه. (الصحاح: ج 3/ ص 1092/ مادَّة عضض).

(١٢٠)

على عليٍّ (عليه السلام) وهم الآن من الكثرة واختلاف الأوطان والهمم على ما هم عليه يوجب العلم والعمل لاسيّما وليس بإزائهم فرقة تدَّعي النصَّ لرجل بعد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) غير عليٍّ (عليه السلام)، فإنْ عارضونا بما يدَّعيه أصحاب زرادشت(221) وغيرهم من المبطلين.
قيل لهم: هذه المعارضة تلزمكم في آيات النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فإذا انفصلتم بشيء فهو فصلنا، لأنَّ صورة الشيع في هذا الوقت كصورة المسلمين في الكثرة، فإنَّهم لا يتعارفون وأنَّ أسلافهم يجب أنْ يكونوا كذلك(222)، بل أخبار الشيع أوكد لأنَّه ليس معهم دولة ولا سيف ولا رهبة ولا رغبة وإنَّما تُنقَل الأخبار الكاذبة لرغبة أو رهبة أو حمل عليها بالدُّوَل، وليس في أخبار الشيعة شيء من ذلك، وإذا صحَّ بنقل الشيعة النصَّ من النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) على عليٍّ (عليه السلام) صحَّ بمثل ذلك نقلها النصَّ من عليٍّ على الحسن، ومن الحسن على الحسين، ثمّ على إمام إمام إلى الحسن بن عليٍّ، ثمّ على الغائب الإمام بعده (عليهم السلام)، لأنَّ رجال أبيه الحسن (عليه السلام) الثقات كلُّهم قد شهدوا له بالإمامة، وغاب (عليه السلام) لأنَّ السلطان طلبه طلباً ظاهراً، ووكَّل بمنازله وحرمه سنتين.
فلو قلت: إنَّ غيبة الإمام (عليه السلام) في هذا العصر من أدلّ الأدلَّة على صحَّة الإمامة.
قلت: صدقاً لصدق الأخبار المتقدِّمة في ذلك وشهرتها.
وقد ذكر بعض الشيعة ممَّن كان في خدمة الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) وأحد ثقاته أنَّ السبب بينه وبين ابن الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) متَّصل، وكان يخرج من كُتُبه وأمره ونهيه على يده إلى شيعته إلى أنْ تُوفِّي وأوصى إلى رجل من الشيعة مستور، فقام مقامه في هذا الأمر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(221) كناية عن المخالفين للحقِّ. وزرادشت رئيس مذهب المجوس.
(222) في بعض النُّسَخ: (وإنَّ إسلامهم يجب أنْ يكون كذلك).

(١٢١)

وقد سألونا في هذه الغيبة(223) وقالوا: إذا جاز أنْ يغيب الإمام ثلاثين سنة وما أشبهها فما تُنكِرون من رفع عينه عن العالم؟
فيقال لهم: في ارتفاع عينه ارتفاع الحجَّة من الأرض وسقوط الشرائع إذا لم يكن لها من يحفظها، وأمَّا إذا استتر الإمام للخوف على نفسه بأمر الله (عزَّ وجلَّ) وكان له سبب معروف متَّصل به وكانت الحجَّة قائمة إذ كانت عينه موجودة في العالم وبابه وسببه معروفان وإنَّما عُدِمَ إفتائه وأمره ونهيه ظاهراً وليس في ذلك بطلان للحجَّة، ولذلك نظائر قد أقام النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في الشعب مدَّة طويلة وكان يدعو الناس في أوَّل أمره سرًّا إلى أنْ أمن وصارت له فئة، وهو في كلِّ ذلك نبيٌّ مبعوث مرسَل فلم يُبطِل توقِّيه وتستُّره من بعض الناس بدعوته نبوَّته ولا أدحض ذلك حجَّته، ثمّ دخل (عليه السلام) الغار فأقام فيه فلا يعرف أحد موضعه ولم يُبطِل ذلك نبوَّته، ولو ارتفعت عينه لبطلت نبوَّته، وكذلك الإمام يجوز أنْ يحبسه السلطان المدَّة الطويلة ويمنع من لقائه حتَّى لا يفتي ولا يُعلِّم ولا يُبيِّن، والحجَّة قائمة ثابتة واجبة وإنْ لم يفتِ ولم يُبيِّن، لأنَّه موجود العين في العالم، ثابت الذات، ولو أنَّ نبيًّا أو إماماً لم يُبيِّن ويُعلِّم ويفتِ(224) لم تبطل نبوَّته ولا إمامته ولا حجَّته، ولو ارتفعت ذاته لبطلت الحجَّة، وكذلك يجوز أنْ يستتر الإمام المدَّة الطويلة إذا خاف ولا تبطل حجَّة الله (عزَّ وجلَّ).
فإنْ قالوا: فكيف يصنع من احتاج إلى أنْ يسأل عن مسألة؟
قيل له: كما كان يصنع والنبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في الغار من جاء إليه ليسلم وليتعلَّم منه، فإنْ كان ذلك سائغاً في الحكمة كان هذا مثله سائغاً.
ومن أوضح الأدلَّة على الإمامة أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) جعل آية النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أنَّه أتى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(223) في بعض النُّسَخ: (وقد سألونا في ذلك).
(224) في بعض النُّسَخ: (ويقل).

(١٢٢)

بقَصص الأنبياء الماضين (عليهم السلام) وبكلِّ علم [من] توراة وإنجيل وزبور من غير أنْ يكون يعلم الكتابة ظاهراً، أو لقي نصرانيًّا أو يهوديًّا، فكان ذلك أعظم آياته، وقُتِلَ الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام) وخلَّف عليَّ بن الحسين (عليهما السلام) متقارب السنِّ كانت سنُّه أقلّ من عشرين سنة، ثمّ انقبض عن الناس فلم يلقَ أحداً ولا كان يلقاه إلَّا خواصّ أصحابه وكان في نهاية العبادة ولم يخرج عنه من العلم إلَّا يسيراً لصعوبة الزمان وجور بني أُميَّة، ثمّ ظهر ابنه محمّد بن عليٍّ المسمَّى بالباقر (عليه السلام) لفتقه العلم(225) فأتى من علوم الدِّين والكتاب والسُّنَّة والسِّيَر والمغازي بأمر عظيم، وأتى جعفر بن محمّد (عليهما السلام) من بعده من ذلك بما كثر وظهر وانتشر، فلم يبقَ فنٌّ في فنون العلم إلَّا أتى فيه بأشياء كثيرة، وفسَّر القرآن والسُّنَن، ورُويت عنه المغازي وأخبار الأنبياء من غير أنْ يرى هو وأبوه محمّد بن عليٍّ أو عليُّ بن الحسين (عليهم السلام) عند أحد من رواة العامَّة أو فقهائهم يتعلَّمون منهم شيئاً، وفي ذلك أدلّ دليل على أنَّهم إنَّما أخذوا ذلك العلم عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، ثمّ عن عليٍّ (عليه السلام)، ثمّ عن واحد واحد من الأئمَّة، وكذلك جماعة الأئمَّة (عليهم السلام) هذه سنَّتهم في العلم(226) يُسأَلون عن الحلال والحرام فيجيبون جوابات متَّفقة من غير أنْ يتعلَّموا ذلك من أحد من الناس، فأيُّ دليل أدلّ من هذا على إمامتهم وأنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) نصبهم وعلَّمهم وأودعهم علمه وعلوم الأنبياء (عليهم السلام) قبله؟ وهل رأينا في العادات من ظهر عنه مثل ما ظهر عن محمّد بن عليٍّ وجعفر بن محمّد (عليهم السلام) من غير أنْ يتعلَّموا ذلك من أحد من الناس؟
فإنْ قال قائل: لعلَّهم كانوا يتعلَّمون ذلك سرًّا.
قيل لهم: قد قال مثل ذلك الدهريَّة في النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أنَّه كان يتعلَّم الكتابة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(225) في بعض النُّسَخ: (لبقره العلم).
(226) في بعض النُّسَخ: (سبيلهم في العلم).

(١٢٣)

ويقرأ الكتاب سرًّا. وكيف يجوز أنْ يُظَنَّ ذلك بمحمّد بن عليٍّ وجعفر بن محمّد ابن عليٍّ (عليهم السلام) وأكثر ما أتوا به لا يُعرَف إلَّا منهم، ولا سُمِعَ من غيرهم؟
وقد سألونا فقالوا: ابن الحسن لم يظهر ظهوراً تامًّا للخاصَّة والعامَّة، فمن أين علمتم وجوده في العالم؟ وهل رأيتموه أو أخبرتكم جماعة [قد] تواترت أخبارها أنَّها شاهدته وعاينته؟
فيقال لهم: إنَّ أمر الدِّين كلَّه بالاستدلال يُعلَم، فنحن عرفنا الله (عزَّ وجلَّ) بالأدلَّة ولم نشاهده، ولا أخبرنا عنه من شاهده، وعرفنا النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وكونه في العالم بالأخبار، وعرفنا نبوَّته وصدقه بالاستدلال، وعرفنا أنَّه استخلف عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) بالاستدلال، وعرفنا أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وسائر الأئمَّة (عليهم السلام) بعده عالمون بالكتاب والسُّنَّة ولا يجوز عليهم في شيء من ذلك الغلط ولا النسيان ولا تعمُّد الكذب بالاستدلال، وكذلك عرفنا أنَّ الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) إمام مفترض الطاعة، وعلمنا بالأخبار المتواترة عن الأئمَّة الصادقين (عليهم السلام) أنَّ الإمامة لا تكون بعد كونها في الحسن والحسين (عليهما السلام) إلَّا في ولد الإمام ولا يكون في أخ ولا قرابة، فوجب من ذلك أنَّ الإمام لا يمضي إلَّا أنْ يُخلِّف من ولده إماماً(227)، فلمَّا صحَّت إمامة الحسن (عليه السلام) وصحَّت وفاته ثبت أنَّه قد خلَّف من ولده إماماً، هذا وجه من الدلالة عليه.
ووجه آخر: وهو أنَّ الحسن (عليه السلام) خلَّف جماعة من ثقاته ممَّن يروي(228) عنه الحلال والحرام ويُؤدِّي كُتُب شيعته وأموالهم ويُخرجون الجوابات، وكانوا بموضع من الستر(229) والعدالة بتعديله إيَّاهم في حياته، فلمَّا مضى أجمعوا جميعاً على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(227) في بعض النُّسَخ: (من بعده إماماً).
(228) في بعض النُّسَخ: (يُؤدِّي عنه الحلال).
(229) في بعض النُّسَخ: (في الستر).

(١٢٤)

أنَّه قد خلَّف ولداً هو الإمام وأمروا الناس أنْ لا يسألوا عن اسمه وأنْ يستروا ذلك من أعدائه، وطلبه السلطان أشدّ طلب ووكَّل بالدور والحبالى من جواري الحسن (عليه السلام)، ثمّ كانت كُتُب ابنه الخلف بعده تخرج إلى الشيعة بالأمر والنهي على أيدي رجال أبيه الثقات أكثر من عشرين سنة، ثمّ انقطعت المكاتبة ومضى أكثر رجال الحسن (عليه السلام) الذين كانوا شهدوا بأمر الإمام بعده وبقي منهم رجل واحد قد أجمعوا على عدالته وثقته، فأمر الناس بالكتمان وأنْ لا يذيعوا شيئاً من أمر الإمام، وانقطعت المكاتبة، فصحَّ لنا ثبات عين الإمام بما ذكرت من الدليل، وبما وصفت عن أصحاب الحسن (عليه السلام) ورجاله ونقلهم خبره، وصحَّة غيبته بالأخبار المشهورة في غيبة الإمام (عليه السلام) وأنَّ له غيبتين إحداهما أشدّ من الأُخرى.
ومذهبنا في غيبة الإمام في هذا الوقت لا يشبه مذهب الممطورة(230) في موسى بن جعفر، لأنَّ موسى مات ظاهراً ورآه الناس ميِّتاً ودُفِنَ دفناً مكشوفاً ومضى لموته أكثر من مائة سنة وخمسين سنة لا يدَّعي أحد أنَّه يراه ولا يكاتبه ولا يراسله، ودعواهم أنَّه حيٌّ فيه إكذاب الحواسِّ التي شاهدته ميِّتاً، وقد قام بعده عدَّة أئمَّة، فأتوا من العلوم بمثل ما أتى به موسى (عليه السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(230) المراد بالممطورة: الواقفيَّة. كما في مجمع البحرين (ج 3/ ص 483)، قال فيه: والممطر - كمنبر - ما يُلبَس في المطر يُتوقَّى به. والممطورة: الكلاب المبتلَّة بالمطر. وقال أبو محمّد الحسن بن موسى النوبختي في كتابه فِرَق الشيعة (ص 81 و82): (وقد لقَّب الواقفة بعض مخالفيها ممَّن قال بإمامة عليِّ بن موسى (الممطورة)، وغلب عليها هذا الاسم وشاع لها. وكان سبب ذلك أنَّ عليَّ بن إسماعيل الميثمي ويونس بن عبد الرحمن ناظرا بعضهم، فقال له عليُّ بن إسماعيل - وقد اشتدَّ الكلام بينهم -: ما أنتم إلَّا كلاب ممطورة. أراد أنَّكم أنتن من جيف، لأنَّ الكلاب إذا أصابها المطر فهي أنتن من الجيف. فلزمهم هذا اللقب، فهم يُعرَفون به اليوم، لأنَّه إذا قيل للرجل: إنَّه ممطور فقد عُرِفَ أنَّه من الواقفة على موسى بن جعفر (عليهما السلام) خاصَّة، لأنَّ كلَّ من مضى منهم فله واقفة قد وقفت عليه، وهذا اللقب لأصحاب موسى خاصَّة) انتهى.

(١٢٥)

وليس في دعوانا هذه - غيبة الإمام - إكذاب للحسِّ، ولا محال، ولا دعوى تُنكِرها العقول، ولا تخرج من العادات، وله إلى هذا الوقت من يدَّعي من شيعته الثقات المستورين أنَّه باب إليه وسبب يُؤدِّي عنه إلى شيعته أمره ونهيه، ولم تطل المدَّة في الغيبة طولاً يخرج من عادات من غاب، فالتصديق بالأخبار يوجب اعتقاد إمامة ابن الحسن (عليه السلام) على ما شرحت، وأنَّه قد غاب كما جاءت الأخبار في الغيبة، فإنَّها جاءت مشهورة متواترة، وكانت الشيعة تتوقَّعها وتترجَّاها(231) كما ترجون بعد هذا من قيام القائم (عليه السلام) بالحقِّ وإظهار العدل. ونسأل الله (عزَّ وجلَّ) توفيقاً وصبراً جميلاً برحمته.
وقال أبو جعفر محمّد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي في نقض كتاب (الإشهاد) لأبي زيد العلوي: قال صاحب الكتاب بعد أشياء كثيرة ذكرها لا منازعة فيها: وقالت الزيديَّة والمؤتمَّة(232): الحجَّة من ولد فاطمة بِقَوْلِ الرَّسُولِ المُجْمَعِ عَلَيْهِ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَيَوْمَ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ: «أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ كِتَابَ الله وعِتْرَتِي، أَلَا إِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ، أَلَا وَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا مَا اسْتَمْسَكْتُمْ بِهِمَا». ثمّ أكَّد صاحب الكتاب هذا الخبر وقال فيه قولاً لا مخالفة فيه، ثمّ قال بعد ذلك: إنَّ المؤتمَّة خالفت الإجماع وادَّعت الإمامة في بطن من العترة ولم توجبها لسائر العترة(233)، ثمّ لرجل من ذلك البطن في كلِّ عصر.
فأقول - وبالله الثقة -: إنَّ في قول النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) على ما يقول الإماميَّة دلالة واضحة، وذلك أَنَّ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قَالَ: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(231) في بعض النُّسَخ: (تتوخَّاها).
(232) يعني الإماميَّة - الاثني عشريَّة -.
(233) يريد أنَّ لفظ (العترة) عامٌّ يشملهم جميعاً، فجميع العترة داخل.

(١٢٦)

كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي»، دلَّ على أنَّ الحجَّة من بعده ليس من العجم ولا من سائر قبائل العرب، بل من عترته أهل بيته، ثمّ قرن قوله بما دلَّ [به] على مراده فقال: «ألَا وإنَّهما لن يفترقا حتَّى يردا عليَّ الحوض»، فأعلمنا أنَّ الحجَّة من عترته لا تفارق الكتاب، وإنَّا متى تمسَّكنا بمن لا يفارق الكتاب لن نضلَّ، ومن لا يفارق الكتاب ممَّن فرض على الأُمَّة أنْ يتمسَّكوا به، ويجب في العقول أنْ يكون عالماً بالكتاب، مأموناً عليه، يعلم ناسخه من منسوخه، وخاصَّه من عامِّه، وحتمه من ندبه، ومحكمه من متشابهه، ليضع كلَّ شيء من ذلك موضعه الذي وضعه الله (عزَّ وجلَّ)، لا يُقدِّم مؤخَّراً ولا يُؤخِّر مقدَّماً. ويجب أنْ يكون جامعاً لعلم الدِّين كلِّه ليمكن التمسُّك به والأخذ بقوله فيما اختلفت فيه الأُمَّة وتنازعته من تأويل الكتاب والسُّنَّة، ولأنَّه إنْ بقي منه شيء لا يعلمه لم يمكن التمسُّك به، ثمّ متى كان بهذا المحلِّ أيضاً لم يكن مأموناً على الكتاب، ولم يؤمن أنْ يغلط فيضع الناسخ منه مكان المنسوخ، والمحكم مكان المتشابه، والندب مكان الحتم، إلى غير ذلك ممَّا يكثر تعداده، وإذا كان [هذا] هكذا صار الحجَّة والمحجوج سواء، وإذا فسد هذا القول صحَّ ما قالت الإماميَّة من أنَّ الحجَّة من العترة لا يكون إلَّا جامعاً لعلم الدِّين معصوماً مؤتمنا على الكتاب، فإنْ وجدت الزيديَّة في أئمَّتها من هذه صفته فنحن أوَّل من ينقاد له، وإنْ تكن الأُخرى فالحقُّ أولى ما اتُّبع.
وقال شيخ من الإماميَّة: إنَّا لم نقل: إنَّ الحجَّة من ولد فاطمة (عليها السلام) قولاً مطلقاً، وقلناه بتقييد وشرائط، ولم نحتجّ لذلك بهذا الخبر فقط، بل احتججنا به وبغيره، فأوَّل ذلك أنَّا وجدنا النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قد خصَّ من عترته أهل بيته أمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) بما خصَّ به ودلَّ على جلالة خطرهم وعظم شأنهم وعلوِّ حالهم عند الله (عزَّ وجلَّ) بما فعله بهم في الموطن بعد الموطن والموقف بعد الموقف ممَّا شهرته تُغني عن ذكره بيننا وبين الزيديَّة، ودلَّ الله تبارك وتعالى على ما

(١٢٧)

وصفناه من علوِّ شأنهم بقوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ [الأحزاب: 33]، وبسورة هل أتى وما يشاكل ذلك، فلمَّا قدَّم (عليه السلام) هذه الأُمور وقرَّر عند أُمَّته أنَّه ليس في عترته من يتقدَّمهم في المنزلة والرفعة ولم يكن (عليه السلام) ممَّن يُنسَب إلى المحاباة ولا ممَّن يُولِّي ويُقدِّم إلَّا على الدِّين علمنا أنَّهم (عليهم السلام) نالوا ذلك منه استحقاقاً بما خصَّهم به، فلمَّا قال بعد ذلك كلّه: «قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ كِتَابَ الله وَعِتْرَتِي» علمنا أنَّه عنى هؤلاء دون غيرهم، لأنَّه لو كان هناك من عترته من له هذه المنزلة لخصَّه (عليه السلام) ونبَّه على مكانه، ودلَّ على موضعه لئلَّا يكون فعله بأمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) محاباةً، وهذا واضح، والحمد لله، ثمّ دلَّنا على أنَّ الإمام بعد أمير المؤمنين الحسن باستخلاف أمير المؤمنين (عليه السلام) إيَّاه واتِّباع أخيه له طوعاً.
وأمَّا قوله: (إنَّ المؤتمَّة خالفت الإجماع وادَّعت الإمامة في بطن من العترة)، فيقال له: ما هذا الإجماع السابق الذي خالفناه فإنَّا لا نعرفه، اللَّهُمَّ إلَّا أنْ تُجعَل مخالفة الإماميَّة للزيديَّة خروجاً من الإجماع، فإنْ كنت إلى هذا تومئ فليس يتعذَّر على الإماميَّة أنْ تنسبك إلى مثل ما نسبتها إليه وتدَّعي عليك من الإجماع مثل الذي ادَّعيته عليها. وبعد فأنت تقول: إنَّ الإمامة لا تجوز(234) إلَّا لولد الحسن والحسين (عليهما السلام)، فبيِّن لنا لِـمَ خصَّصت ولدهما دون سائر العترة لنُبيِّن لك بأحسن من حجَّتك ما قلناه، وسيأتي البرهان في موضعه إنْ شاء الله.
ثمّ قال صاحب الكتاب: وقالت الزيديَّة: الإمامة جائزة للعترة وفيهم لدلالة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عليهم عامًّا لم يُخصِّص بها بعضاً دون بعض، ولقول الله (عزَّ وجلَّ) لهم دون غيرهم بإجماعهم: ﴿أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا...﴾ الآية [فاطر: 32].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(234) في بعض النُّسَخ: (لا تكون).

(١٢٨)

فأقول - وبالله التوفيق -: قد غلط صاحب الكتاب فيما حكى، لأنَّ الزيديَّة إنَّما تُجيز الإمامة لولد الحسن والحسين (عليهما السلام)(235) خاصَّة، والعترة في اللغة العمُّ وبنو العمِّ، الأقرب فالأقرب، وما عرف أهل اللغة قطُّ ولا حكى عنهم أحد أنَّهم قالوا: العترة لا تكون إلَّا ولد الابنة من ابن العمِّ، هذا شيء تمنَّته الزيديَّة وخدعت به أنفسها وتفرَّدت بادِّعائه بلا بيان ولا برهان، لأنَّ الذي تدَّعيه ليس في العقل ولا في الكتاب ولا في الخبر ولا في شيء من اللغات، وهذه اللغة وهؤلاء أهلها فاسألوهم يُبيَّن لكم أنَّ العترة في اللغة الأقرب فالأقرب من العمِّ وبني العمِّ.
فإنْ قال صاحب الكتاب: فلِمَ زعمت أنَّ الإمامة لا تكون(236) لفلان وولده، وهم من العترة عندك؟
قلنا له: نحن لم نقل هذا قياساً وإنَّما قلناه اتِّباعاً لما فعله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بهؤلاء الثلاثة(237) دون غيرهم من العترة، ولو فعل بفلان(238) ما فعله بهم لم يكن عندنا إلَّا السمع والطاعة.
وأمَّا قوله: إنَّ الله تبارك وتعالى قال: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا...﴾ الآية.
فيقال له: قد خالفك خصومك من المعتزلة وغيرهم في تأويل هذه الآية، وخالفتك الإماميَّة وأنت تعلم من السابق بالخيرات عند الإماميَّة، وأقلّ ما كان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(235) في مقولة المترجم في الكتاب المسمَّى بنامه ى دانشوران (ج 4/ ص 278): (الزيديَّة إنَّما تُجيز الإمامة لولد الحسين (عليه السلام)).
(236) في بعض النُّسَخ: (لا تجوز).
(237) يعني أمير المؤمنين والسبطين (عليهم السلام).
(238) أي لو فعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) مثلاً بعبَّاس وولديه عبد الله والفضل ما فعل بهؤلاء الثلاثة لم يكن... إلخ.

(١٢٩)

يجب عليك - وقد ألَّفت كتابك هذا لتُبيِّن الحقَّ وتدعو إليه - أنْ تُؤيِّد الدعوى بحجَّة، فإنْ لم تكن فإقناع، فإنْ لم يكن فترك الاحتجاج(239) بما لم يمكنك أنْ تُبيِّن أنَّه حجَّة لك دون خصومك، فإنَّ تلاوة القرآن وادِّعاء تأويله بلا برهان أمر لا يعجز عنه أحد، وقد ادَّعى خصومنا وخصومك أنَّ قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ...﴾ الآية [آل عمران: 110]، هم جميع علماء الأُمَّة، وأنَّ سبيل علماء العترة وسبيل علماء المرجئة سبيل واحد، وأنَّ الإجماع لا يتمُّ والحجَّة لا تثبت بعلم العترة، فهل بينك وبينها فصل؟ وهل تقنع منها بما ادَّعت أو تسألها البرهان؟ فإنْ قال: بل أسألها البرهان، قيل له: فهاتِ برهانك أوَّلاً على أنَّ المعنيَّ بهذه الآية التي تلوتها هم العترة، وأنَّ العترة هم الذرّيَّة، وأنَّ الذرّيَّة هم ولد الحسن والحسين (عليهما السلام) دون غيرهم من ولد جعفر وغيره ممَّن أُمَّهاتهم فاطميَّات.
ثمّ قال: ويقال للمؤتمَّة: ما دليلكم على إيجاب الإمامة لواحد دون الجميع وحظرها على الجميع، فإنْ اعتلُّوا بالوارثة والوصيَّة، قيل لهم: هذه المغيريَّة(240)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(239) يعني إنْ لم تكن حجَّة فبدليل إقناعي، وإنْ لم يكن دليل إقناعي فترك الاحتجاج بما ليس لك حجَّة، بل يمكن أنْ يكون حجَّة لخصومك.
(240) المغيريَّة هم أصحاب المغيرة بن سعيد العجلي مولى بجيلة الذي خرج بظاهر الكوفة في إمارة خالد بن عبد الله القسري، فظفر به وأحرقه وأحرق أصحابه سنة (119هـ) كما في تاريخ الطبري (ج 5/ ص 456)، وقد تظافرت الروايات بكونه كذَّاباً، وروى الكشِّي (رحمه الله) روايات كثيرة في ذمِّه. (راجع: اختيار معرفة الرجال: ج 2/ ص 489 - 494). وهو وأصحابه أنكروا إمامة أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليهما السلام)، وقالوا بإمامة محمّد بن عبد الله بن الحسن، فلمَّا قُتِلَ صاروا لا إمام لهم ولا وصيَّ ولا يُثبِتون لأحد إمامة بعد. وفي بعض النُّسَخ المصحَّحة (المفترية)، وفى هامشه: (اعلم أنَّ الفرق بين المفترية والزيديَّة أنَّ المفترية لا يقولون بإمامة الحسين بعد أخيه الحسن (عليهما السلام)، بل يقولون: إنَّ الإمام بعد الحسن (عليه السلام) ابنه الحسن المثنَّى، والزيديَّة قائلون بإمامة عليِّ بن الحسين من بعد أبيه، لكن لم يقولوا بإمامة محمّد بن عليِّ بن الحسين (عليهم السلام)، بل قائلون بإمامة زيد بن عليِّ بن الحسين (عليهما السلام) بعد أبيه، وأيضاً قائلون بإمامة ولد الحسن من كان منهم ادَّعى الإمامة. انتهى. وفى بعض النُّسَخ: (المعترية).

(١٣٠)

تدَّعي الإمامة لولد الحسن ثمّ في بطن من ولد الحسن بن الحسن في كلِّ عصر وزمان بالوارثة والوصيَّة من أبيه وخالفوكم بعد فيما تدَّعون كما خالفتم غيركم فيما يدَّعي.
فأقول - وبالله الثقة -: الدليل على أنَّ الإمامة لا تكون إلَّا لواحد أنَّ الإمام لا يكون إلَّا الأفضل، والأفضل يكون على وجهين: إمَّا أنْ يكون أفضل من الجميع أو أفضل من كلِّ واحد من الجميع، فكيف كانت القصَّة فليس يكون الأفضل إلَّا واحداً لأنَّه من المحال أنْ يكون أفضل من جميع الأُمَّة أو من كلِّ واحد من الأُمَّة وفي الأُمَّة من هو أفضل منه، فلمَّا لم يجز هذا وصحَّ بدليل تعترف الزيديَّة بصحَّته أنَّ الإمام لا يكون إلَّا الأفضل صحَّ أنَّها لا تكون إلَّا لواحد في كلِّ عصر، والفصل فيما بيننا وبين المغيريَّة سهل واضح قريب والمنَّة لله، وهو أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) دلَّ على الحسن والحسين (عليهما السلام) دلالة بيِّنة وبان بهما من سائر العترة بما خصَّهما به ممَّا ذكرناه ووصفناه، فلمَّا مضى الحسن كان الحسين أحقّ وأولى بدلالة الحسن لدلالة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عليه واختصاصه إيَّاه وإشارته إليه، فلو كان الحسن أوصى بالإمامة إلى ابنه لكان مخالفاً للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وحاشا له من ذلك. وبعد فلسنا نشكُّ ولا نرتاب في أنَّ الحسين (عليه السلام) أفضل من الحسن بن الحسن بن عليٍّ، والأفضل هو الإمام على الحقيقة عندنا وعند الزيديَّة، فقد تبيَّن لنا بما وصفنا كذب المغيريَّة وانتقض الأصل الذي بنوا عليه مقالتهم، ونحن لم نخصّ عليَّ بن الحسين بن عليٍّ (عليهم السلام) بما خصَّصناه به محاباةً، ولا قلَّدنا في ذلك أحداً، ولكنَّ الأخبار قرعت سمعنا فيه بما لم تقرع في الحسن بن الحسن.
ودلَّنا على أنَّه أعلم منه ما نُقِلَ(241) من علم الحلال والحرام عنه، وعن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(241) في بعض النُّسَخ: (ما فضل).

(١٣١)

الخلف من بعده، وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، ولم نسمع للحسن بن الحسن بشيء يمكننا أنْ نقابل بينه وبين من سمعناه من علم عليِّ بن الحسين (عليهما السلام)، والعالم بالدِّين أحقّ بالإمامة ممَّن لا علم له، فإنْ كنتم يا معشر الزيديَّة عرفتم للحسن بن الحسن علماً بالحلال والحرام فأظهروه، وإنْ لم تعرفوا له ذلك فتفكَّروا في قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [يونس: 35]، فلسنا ندفع الحسن بن الحسن عن فضل وتقدُّم وطهارة وزكاة وعدالة، والإمامة لا يتمُّ أمرها إلَّا بالعلم بالدِّين والمعرفة بأحكام ربِّ العالمين وبتأويل كتابه، وما رأينا إلى يومنا هذا ولا سمعنا بأحد قالت الزيديَّة بإمامته إلَّا وهو يقول في التأويل - أعني تأويل القرآن - على الاستخراج وفي الأحكام على الاجتهاد والقياس، وليس يمكن معرفة تأويل القرآن بالاستنباط(242) لأنَّ ذلك كان ممكناً لو كان القرآن إنَّما أُنزل بلغة واحدة، وكان علماء أهل تلك اللغة يعرفون المراد، فأمَّا القرآن قد نزل بلغات كثيرة، وفيه أشياء لا يُعرَف المراد منها إلَّا بتوقيف مثل الصلاة والزكاة والحجِّ(243) وما في هذا الباب منه، وفيه أشياء لا يُعرَف المراد منها إلَّا بتوقيف ممَّا نعلم وتعلمون أنَّ المراد منه إنَّما عُرِفَ بالتوقيف دون غيره، فليس يجوز حمله على اللغة لأنَّك تحتاج أوَّلاً أنْ تعلم أنَّ الكلام الذي تريد أنْ تتأوَّله ليس فيه توقيف أصلاً، لا في جمله ولا في تفصيله.
فإنْ قال منهم قائل: لم يُنكَر أنْ يكون ما كان سبيله أنْ يُعرَف بالتوقيف فقد وقَّف اللهُ رسولَه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عليه، وما كان سبيله أنْ يُستَخرج فقد وكل إلى العلماء وجعل بعض القرآن دليلاً على بعض فاستغنينا بذلك عمَّا تدَّعون من التوقيف والموقّف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(242) في بعض النُّسَخ: (بالاستخراج).
(243) يعني لفظ (الصلاة) و(الزكاة) و(الحجّ).

(١٣٢)

قيل له: لا يجوز أنْ يكون ذلك على ما وصفتم لأنَّا نجد للآية الواحدة تأويلين متضادَّين كلُّ واحد منهما يجوز في اللغة ويحسن أنْ يتعبَّد الله به، وليس يجوز أنْ يكون للمتكلِّم الحكيم كلام يحتمل مرادين متضادَّين.
فإنْ قال: ما يُنكَر أنْ يكون في القرآن دلالة على أحد المرادين وأنْ يكون العلماء بالقرآن متى تدبَّروه علموا المراد بعينه دون غيره؟
فيقال للمعترض بذلك: أنكرنا هذا الذي وصفته لأمر نُخبِرك به: ليس تخلو تلك الدلالة التي في القرآن على أحد المرادين من أنْ تكون محتملة للتأويل أو غير محتملة، فإنْ كانت محتملة للتأويل فالقول فيها كالقول في هذه الآية، وإنْ كانت لا تحتمل التأويل فهي إذاً توقيف ونصٌّ على المراد بعينه ويجب أنْ لا يشكل على أحد علم اللغة معرفة المراد، وهذا ما لا تُنكِره العقول، وهو من فعل الحكيم جائز حسن، ولكنَّا إذا تدبَّرنا آي القرآن لم نجد هكذا ووجدنا الاختلاف في تأويلها قائماً بين أهل العلم بالدِّين واللغة، ولو كان هناك آيات تُفسِّر آيات تفسيراً لا يحتمل التأويل لكان فريق من المختلفين في تأويله من العلماء باللغة معاندين، ولأمكن كشف أمرهم بأهون السعي، ولكان من تأوَّل الآية خارجاً من اللغة ومن لسان أهلها، لأنَّ الكلام إذا لم يحتمل التأويل فحملته على ما لا يحتمله خرجت عن اللغة التي وقع الخطاب بها، فدلُّونا يا معشر الزيديَّة على آية واحدة اختلف أهل العلم في تأويلها في القرآن ما يدلُّ نصًّا وتوقيفاً على تأويلها، وهذا أمر متعذِّر وفي تعذُّره دليل على أنَّه لا بدَّ للقرآن من مترجم يعلم مراد الله تعالى فيُخبِر به، وهذا عندي واضح.
ثمّ قال صاحب الكتاب: وهذه الخطَّابيَّة تدَّعي الإمامة لجعفر بن محمّد من أبيه (عليهما السلام) بالوراثة والوصيَّة، ويقفون على رجعته، ويخالفون كلَّ من قال بالإمامة، ويزعمون أنَّكم وافقتموهم في إمامة جعفر (عليه السلام) وخالفوكم فيمن سواه.

(١٣٣)

فأقول - وبالله الثقة -: ليس تصحُّ الإمامة بموافقة موافق ولا مخالفة مخالف، وإنَّما تصحُّ بأدلَّة الحقِّ وبراهينه، وأحسب أنَّ صاحب الكتاب غلط والخطَّابيَّة قوم غلاة، وليس بين الغلوِّ والإمامة(244) نسبة، فإنْ قال: فإنِّي أردت الفرقة التي وقفت(245) عليه، قيل له: فيقال لتلك الفرقة: نعلم أنَّ الإمام بعد جعفر موسى بمثل ما علمتم أنتم به أنَّ الإمام بعد محمّد بن عليٍّ جعفر، ونعلم أنَّ جعفراً مات كما نعلم أنَّ أباه مات، والفصل بيننا وبينكم هو الفصل بينكم وبين السبائيَّة والواقفة على أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، فقولوا كيف شئتم(246).
ويقال لصاحب الكتاب: وأنت فما الفصل بينك وبين من اختار الإمامة لولد العبَّاس وجعفر وعقيل - أعني لأهل العلم والفضل منهم -، واحتجَّ باللغة في أنَّهم من عترة الرسول، وقال: إنَّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عمَّ جميع العترة ولم يخصّ إلَّا ثلاثة(247) هم أمير المؤمنين والحسن والحسين (صلوات الله عليهم)، عرِّفناه وبيِّن لنا.
ثمّ قال صاحب الكتاب: وهذه الشمطيَّة تدَّعي إمامة عبد الله بن جعفر ابن محمّد من أبيه(248) بالوراثة والوصيَّة، وهذه الفطحيَّة تدَّعي إمامة إسماعيل بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(244) في بعض النُّسَخ: (والإماميَّة).
(245) يعني على جعفر بن محمّد (عليهما السلام).
(246) يعني كلَّ ما قلتم في ردِّ السبائيَّة، فنحن عارضناكم بمثله.
(247) كذا، وفي هامش بعض النُّسَخ: الظاهر (ولم يخصّ بالثلاثة). أقول: ويمكن أنْ يكون (إلَّا) في قوله: (إلَّا ثلاثة) زائداً من النُّسَّاخ.
(248) كذا، وفى فِرَق الشيعة للنوبختي (ص 77 و78): السمطيَّة هم الذين جعلوا الإمامة في محمّد بن جعفر وولده من بعده، وهذه الفرقة تُسمَّى (السمطيَّة) نسبةً إلى رئيس لهم يقال له: يحيى بن أبي السميط، انتهى. وفى المحكي عن المقريزي: يحيى بن شميط الأحمسي، ويُذكَر أنَّه كان قائداً من قوَّاد مختار بن أبي عبيدة الثقفي. (المواعظ والاعتبار: ج 4/ ص 180). والظاهر التعدُّد، لتقدُّم المختار عن محمّد بتسعين سنة.

(١٣٤)

جعفر(249) عن أبيه بالوراثة والوصيَّة، وقبل ذلك [إنَّ]ـما قالوا بإمامة عبد الله بن جعفر ويُسمَّون اليوم إسماعيليَّة لأنَّه لم يبقَ للقائلين بإمامة عبد الله بن جعفر خلف ولا بقيَّة، وفرقة من الفطحيَّة يقال لهم: القرامطة(250) قالوا بإمامة محمّد بن إسماعيل بن جعفر بالوراثة والوصيَّة. وهذه الواقفة على موسى بن جعفر تدَّعي الإمامة لموسى وترتقب لرجعته.
وأقول: الفرق بيننا وبين هؤلاء سهل واضح قريب:
أمَّا الفطحيَّة فالحجَّة عليها أوضح من أنْ تخفى، لأنَّ إسماعيل مات قبل أبي عبد الله (عليه السلام)، والميِّت لا يكون خليفة الحيِّ، وإنَّما يكون الحيُّ خليفة الميِّت، ولكنَّ القوم عملوا على تقليد الرؤساء وأعرضوا عن الحجَّة وما في بابها. وهذا أمر لا يحتاج فيه على إكثار لأنَّه ظاهر الفساد، بيِّن الانتقاد.
وأمَّا القرامطة فقد نقضت الإسلام حرفاً حرفاً، لأنَّها أبطلت أعمال الشريعة وجاءت بكلِّ سوفسطائيَّة، وإنَّ الإمام إنَّما يُحتاج إليه للدِّين وإقامة حكم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(249) كذا، وفي كتاب النوبختي: الفطحيَّة فرقة يقولون بإمامة عبد الله بن جعفر، وسمُّوا بذلك لأنَّ عبد الله كان أفطح الرأس، وقال بعضهم: كان أفطح الرجلين، وقال بعض الرواة: نُسبوا إلى رئيس لهم من أهل الكوفة يقال له: عبد الله بن فطيح. (فِرَق الشيعة: ص 78).
(250) هم فرقة من المباركيَّة، وإنَّما سمُّوا بهذا برئيس لهم من أهل السواد من الأنباط كان يُلقَّب (قرمطويه)، كانوا في الأصل على مقالة المباركيَّة، ثمّ خالفوهم فقالوا: لا يكون بعد محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) إلَّا سبعة أئمَّة: عليُّ بن أبي طالب إلى جعفر بن محمّد ثمّ محمّد بن إسماعيل، وهو الإمام القائم المهدى، وهو رسول. وزعموا أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) انقطعت عنه الرسالة في حياته في اليوم الذي أُمِرَ فيه بنصب عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) للناس في غدير خُمٍّ، فصارت الرسالة في ذلك اليوم في عليِّ ابن أبي طالب، واعتلُّوا في ذلك بقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه»، وأنَّ هذا القول منه خروج من الرسالة والنبوَّة والتسليم منه في ذلك لعليٍّ (عليه السلام) بأمر الله (عزَّ وجلَّ)، وأنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بعد ذلك كان مأموماً لعليٍّ محجوجاً به. (قاله النوبختي في فِرَق الشيعة: ص 72 و73). وفى تلبيس إبليس لابن الجوزي (ص 633) تحقيق لسبب تسمية القرامطة بهذا الاسم.

(١٣٥)

الشريعة، فإذا جاءت القرامطة تدَّعي أنَّ جعفر بن محمّد أو وصيَّه استخلف رجلاً دعا إلى نقض الإسلام والشريعة والخروج عمَّا عليه طبائع الأُمَّة لم نحتج في معرفة كذبهم إلى أكثر من دعواهم المتناقض الفاسد الركيك.
وأمَّا الفصل بيننا وبين سائر الفِرَق، فهو أنَّ لنا نقلة أخبار وحملة آثار قد طبَّقوا البلدان كثرةً، ونقلوا عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) من علم الحلال والحرام ما يُعلَم بالعادة الجارية والتجربة الصحيحة أنَّ ذلك كلَّه لا يجوز أنْ يكون كذباً مولَّداً، وحكوا مع نقل ذلك عن أسلافهم أنَّ أبا عبد الله (عليه السلام) أوصى بالإمامة إلى موسى (عليه السلام)، ثمّ نُقِلَ إلينا من فضل موسى (عليه السلام) وعلمه ما هو معروف عند نقلة الأخبار، ولم نسمع لهؤلاء بأكثر من الدعوى، وليس سبيل التواتر وأهله سبيل الشذوذ وأهله، فتأمَّلوا الأخبار الصادقة تعرفوا بها فصل ما بين موسى (عليه السلام) ومحمّد وعبد الله بني جعفر، وتعالَوا نمتحن هذا الأمر بخمس مسائل من الحلال والحرام ممَّا قد أجاب فيه موسى (عليه السلام) فإنْ وجدنا لهذين فيه جواباً عند أحد من القائلين بإمامتهما فالقول كما يقولون، وقد روت الإماميَّة أنَّ عبد الله بن جعفر سُئِلَ: كم في مائتي درهم؟ قال: خمسة دراهم، قيل له: وكم في مائة درهم؟ فقال: درهمان ونصف(251)،(252).
ولو أنَّ معترضاً اعترض على الإسلام وأهله فادَّعى أنَّ هاهنا من قد عارض القرآن(253) وسألنا أنْ نفصل بين تلك المعارضة والقرآن، لقلنا له: أمَّا القرآن فظاهر، فأظهر تلك المعارضة حتَّى نفصل بينها وبين القرآن. وهكذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(251) يعني لم يعلم عبد الله أنَّ نصاب الدرهم في الزكاة مائتان، ولا زكاة فيما دون ذلك، فأجاب في المسألة بالقياس، وأخطأ.
(252) راجع: الكافي (ج 1/ ص 351 و352/ باب ما يفصل به بين دعوى المحقِّ والمبطل في أمر الإمامة/ ح 7).
(253) يعني ادَّعى أنَّه جاء رجل وأتى بمثل هذا القرآن.

(١٣٦)

نقول لهذه الفِرَق، أمَّا أخبارنا فهي مرويَّة محفوظة عند أهل الأمصار من علماء الإماميَّة، فأظهروا تلك الأخبار التي تدَّعونها حتَّى نفصل بينها وبين أخبارنا، فأمَّا أنْ تدَّعوا خبراً لم يسمعه سامع ولا عرفه أحد ثمّ تسألونا الفصل بين [هذا] الخبر، فهذا ما لا يعجز عن دعوى مثله أحد، ولو أبطل مثل هذه الدعوى أخبار أهل الحقِّ من الإماميَّة لأبطل مثل هذه الدعوى من البراهمة أخبار المسلمين، وهذا واضح، ولله المنَّة.
وقد ادَّعت الثنويَّة أنَّ ماني أقام المعجزات، وأنَّ لهم خبراً يدلُّ على صدقهم، فقال لهم الموحِّدون: هذه دعوى لا يعجز عنها أحد، فأظهروا الخبر لندلَّكم على أنَّه لا يقطع عذراً ولا يوجب حجَّةً، وهذا شبيه بجوابنا لصاحب الكتاب.
ويقال لصاحب الكتاب: قد ادَّعت البكريَّة والأباضيَّة(254) أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) نصَّ على أبي بكر، وأنكرت أنت ذلك كما أنكرنا نحن أنَّ أبا عبد الله (عليه السلام) أوصى إلى هذين، فبيِّن لنا حجَّتك ودلَّنا على الفصل بينك وبين البكريَّة والأباضيَّة لندلَّك بمثله على الفصل بيننا وبين من سمَّيت.
ويقال لصاحب الكتاب: أنت رجل تدَّعي أنَّ جعفر بن محمّد كان على مذهب الزيديَّة، وأنَّه لم يدَّعِ الإمامة من الجهة التي تذكرها الإماميَّة، وقد ادَّعى القائلون بإمامة محمّد بن إسماعيل بن جعفر بن محمّد خلاف ما تدَّعيه أنت وأصحابك، ويذكرون أنَّ أسلافهم رووا ذلك عنه، فعرِّفنا الفصل بينكم وبينهم لنأتيك بأحسن منه، وأنصف من نفسك فإنَّه أولى بك.
وفرق آخر: وهو أنَّ أصحاب محمّد بن جعفر وعبد الله بن جعفر معترفون بأنَّ الحسين نصَّ على عليٍّ، وأنَّ عليًّا نصَّ على محمّد، وأنَّ محمّداً نصَّ على جعفر،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(254) الأباضيَّة: فرقة من الخوارج أصحاب عبد الله بن أباض التميمي.

(١٣٧)

ودليلنا أنَّ جعفراً نصَّ على موسى (عليهم السلام) هو بعينه دون غيره دليل هؤلاء على أنَّ الحسين نصَّ على عليٍّ. وبعد فإنَّ الإمام إذا كان ظاهراً واختلفت إليه(255) شيعته ظهر علمه وتبيَّن معرفته بالدِّين، ووجدنا رواة الأخبار وحملة الآثار قد نقلوا عن موسى من علم الحلال والحرام ما هو مدوَّن مشهور، وظهر من فضله في نفسه ما هو بيِّن عند الخاصَّة والعامَّة، وهذه هي أمارات الإمامة، فلمَّا وجدناها لموسى دون غيره علمنا أنَّه الإمام بعد أبيه دون أخيه.
وشيء آخر، وهو: أنَّ عبد الله بن جعفر مات ولم يُعقِّب ذَكَراً، ولا نصَّ على أحد، فرجع القائلون بإمامته عنها إلى القول بإمامة موسى (عليه السلام)، والفصل بعد ذلك بين أخبارنا وأخبارهم هو أنَّ الأخبار لا توجب العلم حتَّى يكون في طُرُقه وواسطته قوم يقطعون العذر إذا أخبروا، ولسنا نشاحُّ(256) هؤلاء في أسلافهم بل نقتصر على أنْ يوجدونا في دهرنا من حملة الأخبار ورواة الآثار ممَّن يذهب مذهبهم عدداً يتواتر بهم الخبر كما نوجدهم نحن ذلك، فإنْ قدروا على هذا فليُظهِروه، وإنْ عجزوا فقد وضح الفرق بيننا وبينهم في الطرف الذي يلينا ويليهم(257)، وما بعد ذلك موهوب لهم، وهذا واضح، والحمد لله.
وأمَّا الواقفة على موسى (عليه السلام) فسبيلهم سبيل الواقفة على أبي عبد الله (عليه السلام)، ونحن فلم نشاهد موت أحد من السلف وإنَّما صحَّ موتهم عندنا بالخبر، فإنْ وقف واقف على بعضهم سألناه الفصل بينه وبين من وقف على سائرهم، وهذا ما لا حيلة لهم فيه.
ثمّ قال صاحب الكتاب: ومنهم فرقة قطعت على موسى وائتمُّوا بعده

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(255) يعني بالاختلاف الإياب والذهاب.
(256) أي لا ننازع.
(257) في بعض النُّسَخ: (بيننا وبينهم).

(١٣٨)

بابنه عليِّ بن موسى (عليهما السلام) دون سائر ولد موسى (عليه السلام)، وزعموا أنَّه استحقَّها بالوراثة والوصيَّة، ثمّ في ولده حتَّى انتهوا إلى الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام)، فادَّعوا له ولداً وسمُّوه الخلف الصالح، فمات قبل أبيه(258)، ثمّ إنَّهم رجعوا إلى أخيه الحسن وبطل في محمّد ما كانوا توهَّموا - وقالوا: بدا لله من محمّد إلى الحسن كما بدا له من إسماعيل بن جعفر إلى موسى وقد مات إسماعيل في حياة جعفر - إلى أنْ مات الحسن بن عليٍّ في سنة ثلاث وستِّين ومائتين، فرجع بعض أصحابه إلى إمامة جعفر بن عليٍّ، كما رجع أصحاب محمّد بن عليٍّ بعد وفاة محمّد إلى الحسن، وزعم بعضهم أنَّ جعفر بن عليٍّ استحقَّ الإمامة من أبيه عليِّ بن محمّد بالوراثة والوصيَّة دون أخيه الحسن، ثمّ نقلوها في ولد جعفر بالوراثة والوصيَّة، وكلُّ هذه الفِرَق يتشاحُّون على الإمامة ويُكفِّر بعضهم بعضاً، ويُكذِّب بعضهم بعضاً، ويبرأ بعضهم من إمامة بعض، وتدَّعي كلُّ فرقة الإمامة لصاحبها بالوراثة والوصيَّة وأشياء من علوم الغيب، الخرافات أحسن منها، ولا دليل لكلِّ فرقة فيما تدَّعي وتخالف الباقين غير الوراثة والوصيَّة، دليلهم شهادتهم لأنفسهم دون غيرهم قولاً بلا حقيقة ودعوى بلا دليل، فإنْ كان هاهنا دليل فيما يدَّعي كلُّ طائفة غير الوراثة والوصيَّة وجب إقامته، وإنْ لم يكن غير الدعوى للإمامة بالوراثة والوصيَّة فقد بطلت الإمامة لكثرة من يدَّعيها بالوراثة والوصيَّة، ولا سبيل إلى قبول دعوى طائفة دون الأُخرى إنْ كانت الدعوى واحدة، ولاسيّما وهم في إكذاب بعضهم بعضاً مجتمعون، وفيما يدَّعي كلُّ فرقة منهم منفردون.
فأقول - والله الموفِّق للصواب -: لو كانت الإمامة تبطل لكثرة من يدَّعيها لكان سبيل النبوَّة سبيلها، لأنَّا نعلم أنَّ خلقاً قد ادَّعاها وقد حكى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(258) في بعض النُّسَخ بعد قوله: (وسمُّوه الخلف الصالح) هكذا: (ومنهم فرقة قالت بإمامة محمّد بن عليٍّ، فمات قبل أبيه، ثمّ إنَّهم رجعوا إلى أخيه الحسن...) إلخ.

(١٣٩)

صاحب الكتاب عن الإماميَّة حكايات مضطربة وأوهم أنَّ تلك مقالة الكلِّ وأنَّه ليس فيهم إلَّا من يقول بالبداء.
ومن قال: إنَّ الله يبدو له من إحداث رأي وعلم مستفاد فهو كافر بالله. وما كان غير هذا فهو قول المغيريَّة، ومن ينحل للأئمَّة علم الغيب، فهذا كفر بالله وخروج عن الإسلام عندنا.
وأقلُّ ما كان يجب عليه أنْ يذكر مقالة أهل الحقِّ، وأنْ لا يقتصر على أنَّ القوم اختلفوا حتَّى يدلَّ على أنَّ القول بالإمامة فاسد.
وبعد فإنَّ الإمام عندنا يُعرَف من وجوه سنذكرها ثمّ نعتبر ما يقول هؤلاء، فإنْ لم نجد بيننا وبينهم فصلاً حكمنا بفساد المذهب، ثمّ عدنا نسأل صاحب الكتاب عن أنَّ أيَّ قول هو الحقُّ من بين الأقاويل.
أمَّا قوله: (إنَّ منهم فرقة قطعت على موسى وائتمُّوا بعده بابنه عليِّ بن موسى)، فهو قول رجل لا يعرف أخبار الإماميَّة(259)، لأنَّ كلَّ الإماميَّة - إلَّا شرذمة وقفت وشذوذ قالوا بإمامة إسماعيل وعبد الله بن جعفر - قالوا بإمامة عليِّ بن موسى ورووا فيه ما هو مدوَّن في الكُتُب، وما يذكر من حملة الأخبار ونقلة الآثار خمسة مالوا إلى هذه المذاهب في أوَّل حدوث الحادث، وإنَّما كثر من كثر منهم بعد، فكيف استحسن صاحب الكتاب أنْ يقول: (ومنهم فرقة قطعت على موسى)؟ وأعجب من هذا قوله: (حتَّى انتهوا إلى الحسن فادَّعوا له ابناً)، وقد كانوا في حياة عليِّ بن محمّد وسمُّوا للإمامة ابنه محمّداً إلَّا طائفة من أصحاب فارس بن حاتم، وليس يحسن بالعاقل أنْ يشنع على خصمه بالباطل الذي لا أصل له.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(259) في بعض النُّسَخ: (أخبار الناس).

(١٤٠)

والذي يدلُّ على فساد قول القائلين بإمامة محمّد هو بعينه ما وصفناه في باب إسماعيل بن جعفر، لأنَّ القصَّة واحدة وكلُّ واحد منهما مات قبل أبيه، ومن المحال أنْ يستخلف الحيُّ الميِّتَ ويوصي إليه بالإمامة، وهذا أبين فساداً من أنْ يحتاج في كسره إلى كثرة القول.
والفصل بيننا وبين القائلين بإمامة جعفر أنَّ حكاية القائلين بإمامته عنه اختلفت وتضادَّت، لأنَّ منهم ومنَّا من حكى عنه أنَّه قال: (إنِّي إمام بعد أخي محمّد)، ومنهم من حكى عنه أنَّه قال: (إنِّي إمام بعد أخي الحسن)، ومنهم من قال: إنَّه قال: (إنِّي إمام بعد أبي عليِّ بن محمّد).
وهذه أخبار كما ترى يُكذِّب بعضها بعضاً، وخبرنا في أبي محمّد الحسن بن عليٍّ خبر متواتر لا يتناقض، وهذا فصل بيِّن، ثمّ ظهر لنا من جعفر ما دلَّنا على أنَّه جاهل بأحكام الله (عزَّ وجلَّ)، وهو أنَّه جاء يطالب أُمَّ أبي محمّد بالميراث، وفي حكم آبائه (أنَّ الأخ لا يرث مع الأُمِّ)، فإذا كان جعفر لا يحسن هذا المقدار من الفقه حتَّى تبيَّن فيه نقصه وجهله، كيف يكون إماماً؟ وإنَّما تعبَّدنا الله بالظاهر من هذه الأُمور، ولو شئنا أنْ نقول لقلنا، وفيما ذكرناه كفاية ودلالة على أنَّ جعفراً ليس بإمام.
وأمَّا قوله: (إنَّهم ادَّعوا للحسن ولداً)، فالقوم لم يدَّعوا ذلك إلَّا بعد أنْ نقل إليهم أسلافهم حاله وغيبته وصورة أمره واختلاف الناس فيه عند حدوث ما يحدث، وهذه كُتُبهم فمن شاء أنْ ينظر فيها فلينظر.
وأمَّا قوله: (إنَّ كلَّ هذه الفِرَق يتشاحُّون(260) ويُكفِّر بعضهم بعضاً)، فقد صدق في حكايته، وحال المسلمين في تكفير بعضهم بعضاً هذه الحال فليقل كيف أحبّ، وليطعن كيف شاء، فإنَّ البراهمة تتعلَّق به فتطعن بمثله في الإسلام،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(260) أي يتنازعون. وتشاحَّ القوم أو الخصمان في الجدل: أراد كلٌّ أنْ يكون هو الغالب.

(١٤١)

من سأل خصمه عن مسألة يريد بها نقض مذهبه إذا رُدَّت عليه كان فيها من نقض مذهبه مثل الذي قدر أنْ يلزمه خصمه، فإنَّما هو رجل يسأل نفسه وينقض قوله، وهذه قصَّة صاحب الكتاب، والنبوَّة أصل والإمامة فرع، فإذا أقرَّ صاحب الكتاب بالأصل لم يحسن به أنْ يطعن في الفرع بما رجع على الأصل، والله المستعان.
ثمّ قال: ولو جازت الإمامة بالوراثة والوصيَّة لمن يُدَّعى له بلا دليل متَّفق عليه لكانت المغيريَّة أحقّ بها، لإجماع الكلِّ معها على إمامة الحسن بن عليٍّ الذي هو أصلها المستحقُّ للإمامة من أبيه بالوراثة والوصيَّة وامتناعها بعد إجماع الكلِّ معها على إمامة الحسن من إجازتها لغيره.
هذا مع اختلاف المؤتمَّة في دينهم، منهم من يقول بالجسم، ومنهم من يقول بالتناسخ، ومنهم من تجرَّد التوحيد، ومنهم من يقول بالعدل ويُثبِت الوعيد، ومنهم من يقول بالقدر ويُبطِل الوعيد، ومنهم من يقول بالرؤية، ومنهم من ينفيها مع القول بالبداء، وأشياء يطول الكتاب بشرحها، يُكفِّر بها بعضهم بعضاً، ويتبرَّأ بعضهم من دين بعض، ولكلِّ فرقة من هذه الفِرَق بزعمها رجال ثقات عند أنفسهم، أدُّوا إليهم عن أئمَّتهم ما هم متمسِّكون به.
ثمّ قال صاحب الكتاب: وإذا جاز كذا جاز كذا، شيء لا يجوز عندنا ولم نأتِ بأكثر من الحكاية، فلا معنى لتطويل الكتاب بذكر ما ليس فيه حجَّة ولا فائدة.
فأقول - وبالله الثقة -: لو كان الحقُّ لا يثبت إلَّا بدليل متَّفق عليه ما صحَّ حقٌّ أبداً، ولكان أوَّل مذهب يبطل مذهب الزيديَّة، لأنَّ دليلها ليس بمتَّفق عليه، وأمَّا ما حكاه عن المغيريَّة فهو شيء أخذته عن اليهود، لأنَّها تحتجُّ أبداً بإجماعنا وإيَّاهم على نبوَّة موسى (عليه السلام) ومخالفتهم إيَّانا في نبوَّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم).

(١٤٢)

وأمَّا تعييره إيَّانا بالاختلاف في المذاهب، وبأنَّه كلُّ فرقة منَّا تروي ما تدين به عن إمامها، فهو مأخوذ من البراهمة، لأنَّها تطعن به - بعينه دون غيره - على الإسلام، ولولا الإشفاق من أنْ يتعلَّق بعض هؤلاء المجان(261) بما أحكيه عنهم لقلت كما يقولون.
والإمامة - أسعدكم الله - إنَّما تصحُّ عندنا بالنصِّ وظهور الفضل والعلم بالدِّين مع الإعراض عن القياس والاجتهاد في الفرائض السمعيَّة وفي فروعها، ومن هذا الوجه عرفنا إمامة الإمام، وسنقول في اختلاف الشيعة قولاً مقنعاً.
قال صاحب الكتاب: ثمّ لم يخل اختلافهم من أنْ يكون مولَّداً من أنفسهم أو من عند الناقلين إليهم أو من عند أئمَّتهم، فإنْ كان اختلافهم من قِبَل أئمَّتهم فالإمام من جمع الكلمة، لا من كان سبباً للاختلاف بين الأُمَّة لاسيّما وهم أولياؤه دون أعدائه، ومن لا تقيَّة بينهم وبينه، وما الفرق بين المؤتمَّة والأُمَّة إذ كانوا(262) مع أئمَّتهم وحُجَج الله عليهم في أكثر ما عابوا على الأُمَّة التي لا إمام لها من المخالفة في الدِّين وإكفار بعضهم بعضاً، وإنْ يكن اختلافهم من قِبَل الناقلين إليهم دينهم فما يؤمنهم من أنْ يكون هذا سبيلهم معهم فيما ألقوا إليه من الإمامة، لاسيّما إذا كان المدَّعى له الإمامة معدوم العين غير مرئيِّ الشخص، وهو حجَّة عليهم فيما يدَّعون لإمامهم من علم الغيب إذا كان خيرته والتراجمة بينه وبين شيعته كذَّابين يكذبون عليه، ولا علم له بهم، وإنْ يكن اختلاف المؤتمَّة في دينها من قِبَل أنفسها دون أئمَّتها فما حاجة المؤتمَّة إلى الأئمَّة إذ كانوا بأنفسهم مستغنين وهو بين أظهرهم ولا ينهاهم وهو الترجمان لهم من الله والحجَّة عليهم؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(261) مجن الشيء غلظ وصلب. مزح وقلَّ حياء، كأنَّه صلب وجهه فهو ما جن والجمع مجان. وفي بعض النُّسَخ: (الفُجَّار)، وفى بعضها: (المخالفين). والإشفاق: الخوف.
(262) في بعض النُّسَخ: (بين المؤتمَّة والأئمَّة إذا كانوا).

(١٤٣)

هذا أيضاً من أدلّ الدليل على عدمه وما يُدَّعى من علم الغيب له، لأنَّه لو كان موجودا لم يسعه ترك البيان لشيعته كما قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ...﴾ الآية [النحل: 64]، فكما بيَّن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لأُمَّته وجب على الإمام مثله لشيعته.
فأقول - وبالله الثقة -: إنَّ اختلاف الإماميَّة إنَّما هو من قِبَل كذَّابين دلَّسوا أنفسهم فيهم في الوقت بعد الوقت، والزمان بعد الزمان، حتَّى عظم البلاء، وكان أسلافهم قوم يرجعون إلى ورع واجتهاد وسلامة ناحية، ولم يكونوا أصحاب نظر وتميُّز، فكانوا إذا رأوا رجلاً مستوراً يروي خبراً أحسنوا به الظنَّ وقبلوه، فلمَّا كثر هذا وظهر شكوا إلى أئمَّتهم فأمرهم الأئمَّة (عليهم السلام) بأنْ يأخذوا بما يُجمَع عليه، فلم يفعلوا وجروا على عادتهم، فكانت الخيانة من قِبَلهم لا من قِبَل أئمَّتهم، والإمام أيضاً لم يقف على كلِّ هذه التخاليط التي رُويت، لأنَّه لا يعلم الغيب(263) وإنَّما هو عبد صالح يعلم الكتاب والسُّنَّة، ويعلم من أخبار شيعته ما ينهى إليه.
وأمَّا قوله: (فما يؤمنهم أنْ يكون هذا سبيلهم فيما ألقوا إليهم من أمر الإمامة)، فإنَّ الفصل بين ذلك أنَّ الإمامة تُنقَل إليهم بالتواتر، والتواتر لا ينكشف عن كذب، وهذه الأخبار فكلُّ واحد منها إنَّما خبر واحد لا يوجب خبره العلم، وخبر الواحد قد يصدق ويكذب، وليس هذا سبيل التواتر، هذا جوابنا، وكلُّ ما أتى به سوى هذا فهو ساقط.
ثمّ يقال له: أخبرنا عن اختلاف الأُمَّة هل تخلو من الأقسام التي قسمتها؟ فإذا قال: لا، قيل له: أفليس الرسول إنَّما بُعِثَ لجمع الكلمة؟ فلا بدَّ من نعم،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(263) أي لا يعلمه بذاته ومن عند نفسه، بل يعلم الغيب من جانب الله تعالى متى أراد إذا أراد الله أنْ يُعلِمه.

(١٤٤)

فيقال له: أوَليس قد قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [النحل: 64]؟ فلا بدَّ من نعم، فيقال له: فهل بيَّن؟ فلا بدَّ من نعم، فيقال له: فما سبب الاختلاف؟ عرِّفناه واقنع منَّا بمثله.
وأمَّا قوله: (فما حاجة المؤتمَّة إلى الأئمَّة إذ كانوا بأنفسهم مستغنين وهو بين أظهرهم لا ينهاهم...) إلى آخر الفصل. فيقال له: أولى الأشياء بأهل الدِّين الإنصاف، أيُّ قول قلناه وأومأنا به إلى أنَّا بأنفسنا مستغنين حتَّى يقرعنا به صاحب الكتاب ويحتجَّ علينا؟ أو أيُّ حجَّة توجَّهت له علينا توجب ما أوجبه؟ ومن لم يبالِ بأيِّ شيء قابل خصومه كثرت مسائله وجواباته.
وأمَّا قوله: (وهذا من أدلّ دليل على عدمه، لأنَّه لو كان موجوداً لم يسعه ترك البيان لشيعته كما قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾)، فيقال لصاحب الكتاب: أخبرنا عن العترة الهادية يسعهم أنْ لا يُبيِّنوا للأُمَّة الحقَّ كلَّه؟ فإنْ قال: نعم، حجَّ نفسه وعاد كلامه وبالاً عليه، لأنَّ الأُمَّة قد اختلفت وتباينت وكفَّر بعضها بعضاً، فإنْ قال: لا، قيل: هذا من أدلّ دليل على عدم العترة وفساد ما تدَّعيه الزيديَّة، لأنَّ العترة لو كانوا كما تصف الزيديَّة لبيَّنوا للأُمَّة ولم يسعهم السكوت والإمساك، كما قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾، فإنْ ادَّعى أنَّ العترة قد بيَّنوا الحقَّ للأُمَّة غير أنَّ الأُمَّة لم تقبل ومالت إلى الهوى، قيل له: هذا بعينه قول الإماميَّة في الإمام وشيعته، ونسأل الله التوفيق.
ثمّ قال صاحب الكتاب: ويقال لهم: [لِـمَ] استتر إمامكم عن مسترشده؟ فإنْ قالوا: تقيَّةً على نفسه، قيل لهم: فالمسترشد أيضاً يجوز له أنْ يكون في تقيَّة من طلبه لاسيّما إذا كان المسترشد يخاف ويرجو ولا يعلم ما يكون قبل كونه فهو في تقيَّة، وإذا جازت التقيَّة للإمام فهي للمأموم أجوز، وما بال الإمام في تقيَّة من

(١٤٥)

إرشادهم وليس هو في تقيَّة من تناول أموالهم، والله يقول: ﴿اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً...﴾ الآية [يس: 21]، وقال: ﴿إِنَّ كَثِيراً مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ﴾ [التوبة: 34]، فهذا ممَّا يدلُّ على أنَّ أهل الباطل عرض الدنيا يطلبون، والذين يتمسَّكون بالكتاب لا يسألون الناس أجراً وهم مهتدون. ثمّ قال: وإنْ قالوا كذا قيل كذا، فشيء لا يقوله إلَّا جاهل منقوص.
والجواب عمَّا سأل: أنَّ الإمام لم يستتر عن مسترشده إنَّما استتر خوفاً على نفسه من الظالمين. فأمَّا قوله: (فإذا جازت التقيَّة للإمام فهي للمأموم أجوز)، فيقال له: إنْ كنت تريد أنَّ المأموم يجوز له أنْ يتَّقي من الظالم ويهرب عنه متى خاف على نفسه كما جاز للإمام، فهذا لعمري جائز، وإنْ كنت تريد أنَّ المأموم يجوز له أنْ لا يعتقد إمامة الإمام للتقيَّة، فذلك لا يجوز إذا قرعت الأخبار سمعه وقطعت عذره، لأنَّ الخبر الصحيح يقوم مقام العيان وليس على القلوب تقيَّة، ولا يعلم ما فيها إلَّا الله.
وأمَّا قوله: (وما بال الإمام في تقيَّة من إرشادهم وليس في تقيَّة من تناول أموالهم والله يقول: ﴿اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً﴾)، فالجواب عن ذلك إلى آخر الفصل يقال له: إنَّ الإمام ليس في تقيَّة من إرشاد من يريد الإرشاد، وكيف يكون في تقيَّة وقد بيَّن لهم الحقَّ وحثَّهم عليه ودعاهم إليه، وعلَّمهم الحلال والحرام حتَّى شهروا بذلك وعرفوا به؟ وليس يتناول أموالهم وإنَّما يسألهم الخُمُس الذي فرضه الله (عزَّ وجلَّ) ليضعه حيث أُمِرَ أنْ يضعه، والذي جاء بالخُمُس هو الرسول وقد نطق القرآن بذلك، قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ...﴾ الآية [الأنفال: 41]، وقال: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً...﴾ الآية [التوبة: 103]، فإنْ كان في أخذ المال عيب أو طعن فهو على من ابتدأ به، والله المستعان.

(١٤٦)

ويقال لصاحب الكتاب: أخبرنا عن الإمام منكم إذا خرج وغلب هل يأخذ الخُمُس؟ وهل يُجبي(264) الخراج؟ وهل يأخذ الحقَّ من الفيء والمغنم والمعادن وما أشبه ذلك؟ فإنْ قال: لا، فقد خالف حكم الإسلام، وإنْ قال: نعم، قيل له: فإنْ احتجَّ عليه رجل مثلك بقول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً﴾، وبقوله: ﴿إِنَّ كَثِيراً مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ...﴾، بأيِّ شيء تجيبه حتَّى تجيبك الإماميَّة بمثله، وهذا وفَّقكم الله شيء كان الملحدون يطعنون به على المسلمين، وما أدري من دلَّسه لهؤلاء. واعلم - علَّمك الله الخير وجعلك من أهله - إنَّما يعمل بالكتاب والسُّنَّة ولا يخالفهما، فإنْ أمكن خصومنا أنْ يدلُّونا على أنَّه خالف في أخذ ما أخذ الكتاب والسُّنَّة، فلعمري أنَّ الحجَّة واضحة لهم، وإنْ لم يمكنهم ذلك فليعلموا أنَّه ليس في العمل بما يوافق الكتاب والسُّنَّة عيب، وهذا بيِّن.
ثمّ قال صاحب الكتاب: ويقال لهم: نحن لا نجيز الإمامة لمن لا يعرف، فهل توجدونا سبيلاً إلى معرفة صاحبكم الذي تدَّعون حتَّى نُجيز له الإمامة كما نُجوِّز للموجودين من سائر العترة؟ وإلَّا فلا سبيل إلى تجويز الإمامة للمعدومين، وكلُّ من لم يكن موجوداً فهو معدوم، وقد بطل تجويز الإمامة لمن تدَّعون.
فأقول - وبالله أستعين -: يقال لصاحب الكتاب: هل تشكُّ في وجود عليِّ بن الحسين وولده (عليهم السلام) الذين نأتمُّ بهم؟ فإذا قال: لا، قيل له: فهل يجوز أنْ يكونوا أئمَّة؟ فإنْ قال: نعم، قيل له: فأنت لا تدري لعلَّنا على صواب في اعتقاد إمامتهم وأنت على خطأ، وكفى بهذا حجَّة عليك. وإنْ قال: لا، قيل له: فما ينفع من إقامة الدليل على وجود إمامنا وأنت لا تعترف بإمامة مثل عليِّ بن الحسين (عليهما السلام) مع محلِّه من العلم والفضل عند المخالف والموافق؟ ثمّ يقال له: إنَّا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(264) من الجباية، وهي أخذ الخراج أو الزكاة وجمعها.

(١٤٧)

إنَّما علمنا أنَّ في العترة من يعلم التأويل ويعرف الأحكام بخبر النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) الذي قدَّمناه، وبحاجتنا إلى من يُعرِّفنا المراد من القرآن ومن يفصل بين أحكام الله وأحكام الشيطان، ثمّ علمنا أنَّ الحقَّ في هذه الطائفة من ولد الحسين (عليهم السلام) لما رأينا كلَّ من خالفهم من العترة يعتمد في الحكم والتأويل على ما يعتمد عليه علماء العامَّة من الرأي والاجتهاد والقياس في الفرائض السمعيَّة التي لا علَّة في التعبُّد بها إلَّا المصلحة، فعلمنا بذلك أنَّ المخالفين لهم مبطلون. ثمّ ظهر لنا من علم هذه الطائفة بالحلال والحرام والأحكام ما لم يظهر من غيرهم، ثمّ ما زالت الأخبار ترد بنصِّ واحد على آخر حتَّى بلغ الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام)، فلمَّا مات ولم يظهر النصُّ والخلف بعده رجعنا إلى الكُتُب التي كان أسلافنا رووها قبل الغيبة، فوجدنا فيها ما يدلُّ على أمر الخلف من بعد الحسن (عليه السلام)، وأنَّه يغيب عن الناس ويخفى شخصه، وأنَّ الشيعة تختلف، وأنَّ الناس يقعون في حيرة من أمره، فعلمنا أنَّ أسلافنا لم يعلموا الغيب، وأنَّ الأئمَّة أعلموهم ذلك بخبر الرسول، فصحَّ عندنا من هذا الوجه بهذه الدلالة كونه ووجوده وغيبته، فإنْ كان هاهنا حجَّة تدفع ما قلناه فلتظهرها الزيديَّة، فما بيننا وبين الحقِّ معاندة، والشكر لله.
ثمّ رجع صاحب الكتاب إلى أنْ يعارضنا بما تدَّعيه الواقفة على موسى بن جعفر، ونحن(265) فلم نقف على أحد ونسأل الفصل بين الواقفين، وقد بيَّنَّا أنَّا علمنا أنَّ موسى (عليه السلام) قد مات بمثل ما علمنا أنَّ جعفراً مات، وأنَّ الشكَّ في موت أحدهما يدعو إلى الشكِّ في موت الآخر، وأنَّه قد وقف على جعفر (عليه السلام) قوم أنكرت الواقفة على موسى عليهم، وكذلك أنكرت قول الواقفة على(266) أمير المؤمنين (عليه السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(265) من كلام أبي جعفر ابن قبة في دفع المعارضة.
(266) في هامش بعض النُّسَخ: (الظاهر أنَّ الصواب: الواقفة على محمّد بن أمير المؤمنين).

(١٤٨)

فقلنا لهم: يا هؤلاء حجَّتكم على أُولئك هي حجَّتنا عليكم، فقولوا كيف شئتم تحجُّوا أنفسكم.
ثمّ حكى(267) عنَّا أنَّا كنَّا نقول للواقفة: إنَّ الإمام لا يكون إلَّا ظاهراً موجوداً. وهذه حكاية من لا يعرف أقاويل خصمه، وما زالت الإماميَّة تعتقد أنَّ الإمام لا يكون إلَّا ظاهراً مكشوفاً أو باطناً مغموراً، وأخبارهم في ذلك أشهر وأظهر من أنْ تخفى، ووضع الأُصول الفاسدة للخصوم أمر لا يعجز عنه أحد، ولكنَّه قبيح بذي الدِّين والفضل والعلم، ولو لم يكن في هذا المعنى إلَّا خبر كميل بن زياد(268) لكفى.
ثمّ قال: فإنْ قالوا كذا قيل لهم كذا - لشيء لا نقوله -، وحجَّتنا ما سمعتم، وفيها كفاية، والحمد لله.
ثمّ قال: ليس الأمر كما تتوهَّمون في بني هاشم، لأنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) دلَّ أُمَّته على عترته بإجماعنا وإجماعكم التي هي خاصَّته التي لا يقرب أحد منه (عليه السلام) كقربهم، فهي لهم دون الطلقاء وأبناء الطلقاء، ويستحقُّها واحد منهم في كلِّ زمان، إذ كان الإمام لا يكون إلَّا واحداً بلزوم الكتاب والدعاء إلى إقامته بدلالة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عليهم «أَنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَ الكِتَابَ حَتَّى يَرِدُوا عَلَيَّ الحَوْضَ»، وهذا إجماع، والذي اعتللتم به من بني هاشم ليس هم من ذرّيَّة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وإنْ كانت لهم ولادة، لأنَّ كلَّ بني ابنة ينتمون إلى عصبتهم(269) ما خلا ولد فاطمة، فإنَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(267) يعني أبا زيد العلوي.
(268) سيجيء الخبر في باب ما أخبر به أمير المؤمنين (عليه السلام) من وقوع الغيبة.
(269) أي ينتسبون. وعصبة الرجل - محرَّكة -: بنوه وقرابته لأبيه، وإنَّما سمُّوا عصبة لأنَّهم عصبوا به أي أحاطوا به، فالأب طرف والابن طرف، والعمُّ جانب والأخ جانب. (الصحاح للجوهري: ج 1/ ص 182/ مادَّة عصب). والعصبة اسم جنس يُطلَق على الواحد والكثير. وقال الفيروزآبادي: (العصبة: الذين يرثون الرجل عن كلالة من غير والد ولا ولد، فأمَّا في الفرائض فكلُّ من لم يكن له فريضة مسمَّاة فهو عصبة) (القاموس المحيط: ج 1/ ص 105).

(١٤٩)

رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عصبتهم وأبوهم، والذرّيَّة هم الولد لقول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [آل عمران: 36].
فأقول - وبالله أعتصم -: إنَّ هذا الأمر لا يصحُّ بإجماعنا وإيَّاكم عليه، وإنَّما يصحُّ بالدليل والبرهان، فما دليلك على ما ادَّعيت، وعلى أنَّ الإجماع بيننا إنَّما هو في ثلاثة: أمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام)، ولم يذكر الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ذرّيَّته وإنَّما ذكر عترته، فملتم أنتم إلى بعض العترة دون بعض بلا حجَّة وبيان أكثر من الدعوى، واحتججنا نحن بما رواه أسلافنا عن جماعة حتَّى انتهى خبرهم إلى نصِّ الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام) على عليٍّ ابنه، ونصَّ عليٌّ على محمّد، ونصَّ محمّد على جعفر، ثمّ استدللنا على صحَّة إمامة هؤلاء دون غيرهم ممَّن كان في عصرهم من العترة بما ظهر من علمهم بالدِّين وفضلهم في أنفسهم، وقد حمل العلم عنهم الأولياء والأعداء، وذلك مبثوث في الأمصار، معروف عند نقلة الأخبار، وبالعلم تتبيَّن الحجَّة من المحجوج، والإمام من المأموم، والتابع من المتبوع، وأين دليلكم يا معشر الزيديَّة على ما تدَّعون؟
ثمّ قال صاحب الكتاب: ولو جازت الإمامة لسائر بني هاشم مع الحسن والحسين (عليهما السلام) لجازت لبني عبد مناف مع بني هاشم، ولو جازت لبني عبد مناف مع بني هاشم لجازت لسائر ولد قصيّ، ثمّ مدَّ في هذا القول.
فيقال له: أيُّها المحتجُّ عن الزيديَّة إنَّ هذا لشيء لا يُستَحقُّ بالقرابة وإنَّما يُستَحقُّ بالفضل والعلم، ويصحُّ بالنصِّ والتوقيف، فلو جازت الإمامة لأقرب رجل من العترة لقرابته لجازت لأبعدهم فافصل بينك وبين من ادَّعى ذلك وأظهر حجَّتك وافصل الآن بينك وبين من قال: ولو جازت لولد الحسن لجازت لولد جعفر، ولو جازت لهم لجازت لولد العبَّاس، وهذا فصل لا تأتي به الزيديَّة أبداً إلَّا أنْ تفزع إلى فصلنا وحجَّتنا وهو النصُّ من واحد على واحد وظهور العلم بالحلال والحرام.

(١٥٠)

ثمّ قال صاحب الكتاب: وإنْ اعتلُّوا بعليٍّ (عليه السلام) فقالوا: ما تقولون فيه أهو من العترة أم لا؟ قيل لهم: ليس هو من العترة، ولكنَّه بان من العترة ومن سائر القرابة بالنصوص عليه يوم الغدير بإجماع.
فأقول - وبالله أستعين -: يقال لصاحب الكتاب: أمَّا النصوص يوم الغدير فصحيح، وأمَّا إنكارك أنْ يكون أمير المؤمنين من العترة فعظيم، فدلَّنا على أيِّ شيء تُعوِّل فيما تدَّعي؟ فإنَّ أهل اللغة يشهدون أنَّ العمَّ وابن العمِّ من العترة. ثمّ أقول: إنَّ صاحب الكتاب نقض بكلامه هذا مذهبه، لأنَّه معتقد أنَّ أمير المؤمنين ممَّن خلَّفه الرسول في أُمَّته، ويقول في ذلك: إنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) خلَّف في أُمَّته الكتاب والعترة، وإنَّ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ليس من العترة، وإذا لم يكن من العترة فليس ممَّن خلَّفه الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وهذا متناقض كما ترى. اللَّهُمَّ إلَّا أنْ يقول: إنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) خلَّف العترة فينا بعد أنْ قُتِلَ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، فنسأله أنْ يفصل بينه وبين من قال: وخلَّف الكتاب فينا منذ ذلك الوقت، لأنَّ الكتاب والعترة خُلِّفا معاً، والخبر ناطق بذلك شاهد به، ولله المنَّة.
ثمّ أقبل صاحب الكتاب بما هو حجَّة عليه، فقال: ونسأل من ادَّعى الإمامة لبعض دون بعض إقامة الحجَّة، ونسي نفسه وتفرُّده بادِّعائها لولد الحسن والحسين (عليهما السلام) دون غيرهم، ثمّ قال: فإنْ أحالوا على الأباطيل من علم الغيب وأشباه ذلك من الخرافات وما لا دليل لهم عليه دون الدعوى عورضوا بمثل ذلك لبعض، فجاز أنَّ العترة من الظالمين لأنفسهم إنْ كان الدعوى هو الدليل.
فيقال لصاحب الكتاب: قد أكثرت في ذكر علم الغيب، والغيب لا يعلمه إلَّا الله، وما ادَّعاه لبشر إلَّا مشرك كافر، وقد قلنا لك ولأصحابك: دليلنا على ما ندَّعي الفهم والعلم، فإنْ كان لكم مثله فأظهروه، وإنْ لم يكن إلَّا التشنيع والتقوُّل وتقريع الجميع بقول قوم غلاة فالأمر سهل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

(١٥١)

ثمّ قال صاحب الكتاب: ثمّ رجعنا إلى إيضاح حجَّة الزيديَّة بقول الله تبارك وتعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا...﴾ الآية [فاطر: 32].
فيقال له: نحن نُسلِّم لك أنَّ هذه الآية نزلت في العترة، فما برهانك على أنَّ السابق بالخيرات هم ولد الحسن والحسين دون غيرهم من سائر العترة؟ فإنَّك لست تريد إلَّا التشنيع على خصومك وتدَّعي لنفسك.
ثمّ قال: قال الله (عزَّ وجلَّ) وذكر الخاصَّة والعامَّة من أُمَّة نبيِّه: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً...﴾ الآية [آل عمران: 103]، ثمّ قال: انقضت مخاطبة العامَّة، ثمّ استأنف مخاطبة الخاصَّة فقال: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ...﴾ إلى قوله للخاصَّة: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 104 - 110]، فقال: هم ذرّيَّة إبراهيم (عليه السلام) دون سائر الناس، ثمّ المسلمون دون من أشرك من ذرّيَّة إبراهيم (عليه السلام) قبل إسلامه وجعلهم شهداء على الناس فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا...﴾ إلى قوله: ﴿وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [الحجّ: 77 و78]، وهذا سبيل الخاصَّة من ذرّيَّة إبراهيم (عليه السلام)، ثمّ اعتلَّ بآيات كثيرة تشبه هذه الآيات من القرآن.
فيقال له: أيُّها المحتجُّ أنت تعلم أنَّ المعتزلة وسائر فِرَق الأُمَّة تنازعك في تأويل هذه الآيات أشدّ منازعة، وأنت فليس تأتي بأكثر من الدعوى، ونحن نُسلِّم لك ما ادَّعيت ونسألك الحجَّة فيما تفرَّدت به من أنَّ هؤلاء هم ولد الحسن والحسين (عليهما السلام) دون غيرهم، فإلى متى تأتي بالدعوى وتعرض عن الحجَّة؟ وتُهوِّل علينا بقراءة القرآن وتوهم أنَّ لك في قراءته حجَّة ليست لخصومك؟ والله المستعان.
ثمّ قال صاحب الكتاب: فليس من دعا إلى الخير من العترة - كمن أمر

(١٥٢)

بالمعروف ونهى عن المنكر وجاهد فِي الله حقَّ جهاده - سواء وسائر العترة ممَّن لم يدع إلى الخير ولم يجاهد فِي الله حقَّ جهاده، كما لم يجعل الله من هذا سبيله من أهل الكتاب سواء وسائر أهل الكتاب، وإنْ كان تارك ذلك فاضلاً عابداً، لأنَّ العبادة نافلة والجهاد فريضة لازمة كسائر الفرائض صاحبها يمشي بالسيف إلى السيف، ويُؤثِر على الدعة الخوف، ثمّ قرأ سورة الواقعة وذكر الآيات التي ذكر الله (عزَّ وجلَّ) فيها الجهاد، وأتبع الآيات بالدعاوي، ولم يحتجّ لشيء من ذلك بحجَّة فنطالبه بصحَّتها [أ]و نقابله بما نسأله فيه الفصل.
فأقول - وبالله أستعين -: إنْ كان كثرة الجهاد هو الدليل على الفضل والعلم والإمامة فالحسين (عليه السلام) أحقُّ بالإمامة من الحسن (عليه السلام)، لأنَّ الحسن وادع معاوية والحسين (عليه السلام) جاهد حتَّى قُتِلَ، وكيف يقول صاحب الكتاب؟ وبأيِّ شيء يدفع هذا؟ وبعد فلسنا نُنكِر فرض الجهاد ولا فضله ولكنَّا رأينا الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لم يحارب أحداً حتَّى وجد أعواناً وأنصاراً وإخواناً فحينئذٍ حارب، ورأينا أمير المؤمنين (عليه السلام) فعل مثل ذلك بعينه، ورأينا الحسن (عليه السلام) قد همَّ بالجهاد فلمَّا خذله أصحابه وادع ولزم منزله، فعلمنا أنَّ الجهاد فرض في حال وجود الأعوان والأنصار، والعالم - بإجماع العقول - أفضل من المجاهد الذي ليس بعالم، وليس كلُّ من دعا إلى الجهاد يعلم كيف حكم الجهاد، ومتى يجب القتال، ومتى تحسن الموادعة، وبما ذا يستقبل أمر هذه الرعيَّة، وكيف يصنع في الدماء والأموال والفروج. وبعد فإنَّا نرضى من إخواننا بشيء واحد، وهو أنْ يدلُّونا على رجل من العترة ينفي التشبيه والجبر عن الله ولا يستعمل الاجتهاد والقياس في الأحكام السمعيَّة ويكون مستقلًّا كافياً حتَّى نخرج معه فإنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة على قدر الطاقة وحسب الإمكان، والعقول تشهد أنَّ تكليف ما لا يُطاق فاسد والتغرير بالنفس قبيح، ومن التغرير أنْ تخرج

(١٥٣)

جماعة قليلة لم تشاهد حرباً ولا تدرَّبت بدربة أهله(270) إلى قوم متدرِّبين بالحروب تمكَّنوا في البلاد وقتلوا العباد وتدرَّبوا بالحروب، ولهم العُدَد والسلاح والكُراع(271) ومن نصرهم من العامَّة - ويعتقدوا أنَّ الخارج عليهم مباح الدم - مثل جيشهم أضعافاً مضاعفة، فكيف يسومنا(272) صاحب الكتاب أنْ نلقى بالأغمار(273) المتدرِّبين بالحروب؟ وكم عسى أنْ يحصل في يد داعٍ إنْ دعا من هذا العدد(274)؟ هيهاتَ هيهاتَ، هذا أمر لا يزيله إلَّا نصر الله العزيز العليم الحكيم.
قال صاحب الكتاب بعد آيات من القرآن تلاها يُنازَع في تأويلها أشدّ منازعة، ولم يُؤيِّد تأويله بحجَّة عقل ولا سمع: فافهم - رحمك الله - مَنْ أحقّ أنْ يكون لله شهيداً؟ مَنْ دعا إلى الخير كما أُمِرَ، ونهى عن المنكر وأمر بالمعروف وجاهد فِي الله حقَّ جهاده حتَّى استُشهِدَ، أم مَنْ لم يُرَ وجهه ولا عُرِفَ شخصه؟! أم كيف يتَّخذه الله شهيداً على من لم يرَهم ولا نهاهم ولا أمرهم فإنْ أطاعوه أدُّوا ما عليهم وإنْ قتلوه مضى إلى الله (عزَّ وجلَّ) شهيداً؟! ولو أنَّ رجلاً استشهد قوماً على حقٍّ يطالب به لم يروه ولا شهدوه هل كان شهيداً؟ وهل يستحقُّ بهم حقًّا إلَّا أنْ يشهدوا على ما لم يروه فيكونوا كذَّابين وعند الله مبطلين؟! وإذا لم يجز ذلك من العباد فهو غير جائز عند الحَكَم العدل الذي لا يجور، ولو أنَّه استشهد قوماً قد عاينوا وسمعوا فشهدوا له والمسألة على حالها، أليس كان يكون محقًّا وهم صادقون وخصمه مبطل وتمضي الشهادة ويقع الحكم، وكذلك قال الله تعالى:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(270) دَرَبَ به - كفَرَحَ - درباً ودُربةً - بالضمِّ -: ضرى، كتدرَّب. والدُّربة - بالضمِّ -: عادة وجرأة على الأمر والحرب.
(271) الكُراع - بالضمِّ -: اسم لجمع الخيل.
(272) سامه الأمر: كلَّفه إيَّاه.
(273) الغمر - مثلَّثة الغين -: من لم يُجرِّب الأُمور والجاهل، جمعه أغمار.
(274) يعني إنْ دعا الإمام أو غيره مثلاً المتدرِّبين بالحروب كم يجتمع له منهم.

(١٥٤)

﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [الزخرف: 86]، أوَلا ترى أنَّ الشهادة لا تقع بالغيب دون العيان؟ وكذلك قول عيسى: ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ...﴾ الآية [المائدة: 117].
فأقول - وبالله أعتصم -: يقال لصاحب الكتاب: ليس هذا الكلام لك بل هو للمعتزلة وغيرهم علينا وعليك، لأنَّا نقول: إنَّ العترة غير ظاهرة، وإنَّ من شاهدنا منها لا يصلح أنْ يكون إماماً، وليس يجوز أنْ يأمرنا الله (عزَّ وجلَّ) بالتمسُّك بمن لا نعرف منهم ولا نشاهده ولا شاهده أسلافنا، وليس في عصرنا ممَّن شاهدناه منهم ممَّن يصلح أنْ يكون إماماً للمسلمين، والذين غابوا لا حجَّة لهم علينا، وفي هذا أدلّ دليل على أنَّ معنى قَوْلِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا، كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي» ليس ما يسبق إلى قلوب الإماميَّة والزيديَّة، وللنظَّام(275) وأصحابه أنْ يقولوا: وجدنا الذي لا يفارق الكتاب هو الخبر القاطع للعذر، فإنَّه ظاهر كظهور الكتاب يُنتَفع به، ويمكن اتِّباعه والتمسُّك به.
فأمَّا العترة فلسنا نشاهد منهم عالماً يمكن أنْ نقتدي به، وإنْ بلغنا عن واحد منهم مذهب بلغنا عن آخر أنَّه يخالفه، والاقتداء بالمختلفين فاسد، فكيف يقول صاحب الكتاب؟
ثمّ اعلم أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لـمَّا أمرنا بالتمسُّك بالعترة كان بالعقل والتعارف والسيرة ما يدلُّ على أنَّه أراد علماءهم دون جُهَّالهم، والبررة الأتقياء دون غيرهم، فالذي يجب علينا ويلزمنا أنْ ننظر إلى من يجتمع له العلم بالدِّين مع العقل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(275) هو أبو إسحاق إبراهيم بن سيَّار بن هانئ البصري ابن أُخت أبي هذيل العلَّاف شيخ المعتزلة. وكان النظَّام صاحب المعرفة بالكلام أحد رؤساء المعتزلة، أُستاذ الجاحظ. ولُقِّب بالنظَّام - كشدَّاد - لأنَّه كان يُنظِّم الخرز في سوق البصرة ويبيعها. وقالت المعتزلة: إنَّما سُمِّي ذلك لحسن كلامه نثراً ونظماً. (راجع: الكنى والألقاب للمحدِّث القمِّي: ج 3/ ص 253 و254).

(١٥٥)

والفضل والحلم والزهد في الدنيا والاستقلال بالأمر فنقتدي به ونتمسَّك بالكتاب وبه.
وإنْ قال: فإنْ اجتمع ذلك في رجلين وكان أحدهما ممَّن يذهب إلى مذهب الزيديَّة والآخر إلى مذهب الإماميَّة بمن يُقتدى منهما ولمن يُتَّبع؟ قلنا له: هذا لا يتَّفق، فإنْ اتَّفق فرق بينهما دلالة واضحة إمَّا نصٌّ من إمام تقدَّمه وإمَّا شيء يظهر في علمه كما ظهر في أَمِيرِ المؤْمِنِينَ يَوْمَ النَّهَرِ حِينَ قَالَ: «وَاللهِ مَا عَبَرُوا النَّهَرَ وَلَا يَعْبُرُوا، وَاللهِ مَا يُقْتَلُ مِنْكُمْ عَشَرَةٌ وَلَا يَنْجُوا مِنْهُمْ عَشَرَةٌ»(276)، وإمَّا أنْ يظهر من أحدهما مذهب يدلُّ على أنَّ الاقتداء به لا يجوز كما ظهر من علم الزيديَّة القول بالاجتهاد والقياس في الفرائض السمعيَّة والأحكام، فيُعلَم بهذا أنَّهم غير أئمَّة. ولست أُريد بهذا القول زيد بن عليٍّ وأشباهه، لأنَّ أُولئك لم يُظهِروا ما يُنكَر ولا ادَّعوا أنَّهم أئمَّة وإنَّما دعوا إلى الكتاب والرضا من آل محمّد، وهذه دعوة حقٍّ.
وأمَّا قوله: (كيف يتَّخذه الله شهيداً على من لم يرَهم ولا أمرهم ولا نهاهم؟)، فيقال له: ليس معنى الشهيد عند خصومك ما تذهب إليه، ولكن إنْ عبت الإماميَّة بأنَّ من لم يُرَ وجهه ولا عُرِفَ شخصه لا يكون بالمحلِّ الذي يدَّعونه له، فأخبرنا عنك مَن الإمام الشهيد من العترة في هذا الوقت، فإنْ ذكر أنَّه لا يعرفه دخل فيما عاب ولزمه ما قدَّر أنَّه يلزم خصومه، فإنْ قال: هو فلان، قلنا له: فنحن لم نرَ وجهه ولا عرفنا شخصه، فكيف يكون إماماً لنا وشهيداً علينا؟! فإنْ قال: إنَّكم وإنْ لم تعرفوه فهو موجود الشخص معروف علمه من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(276) راجع ما رواه ابن أبي شيبة في المصنَّف (ج 8/ ص 732/ ح 13)، والمسعودي في مروج الذهب (ج 2/ ص 405)، والدارقطني في سُنَنه (ج 3/ ص 99/ ح 3223)، والبيهقي في سُنَنه (ج 8/ ص 185)، وابن المغازلي في مناقب عليِّ بن أبي طالب (ص 69 و70 و79/ ح 83 و87)، والخوارزمي في المناقب (ص 262 و263/ ح 245).

(١٥٦)

علمه وجهله من جهله، قلنا: سألناك بالله هل تظنُّ أنَّ المعتزلة والخوارج والمرجئة والإماميَّة تعرف هذا الرجل أو سمعت به أو خطر ذكره ببالها؟ فإنْ قال: هذا ما لا يضرُّه ولا يضرُّنا، لأنَّ السبب في ذلك إنَّما هو غلبة الظالمين على الدار وقلَّة الأعوان والأنصار، قلت له: لقد دخلت فيما عبت وحججت نفسك من حيث قدَّرت أنَّك تحاجُّ خصومك، وما أقرب هذه الغيبة من غيبة الإماميَّة غير أنَّكم لا تنصفون.
ثمّ يقال: قد أكثرت في ذكر الجهاد ووصف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتَّى أوهمت أنَّ من لم يخرج فليس بمحقٍّ، فما بال أئمَّتك والعلماء من أهل مذهبك لا يخرجون؟ وما لهم قد لزموا منازلهم واقتصروا على اعتقاد المذهب فقط؟ فإنْ نطق بحرف فتقابله الإماميَّة بمثله. ثمّ قيل له برفق ولين: هذا الذي عبته على الإماميَّة وهتفت بهم من أجله وشنَّعت به على أئمَّتهم بسببه وتوصَّلت بذكره إلى ما ضمَّنته كتابك، قد دخلت فيه وملت إلى صحَّته، وعوَّلت عند الاحتجاج عليه، والحمد لله الذي هدانا لدينه.
ثمّ يقال له: أخبرنا هل في العترة اليوم من يصلح للإمامة؟ فلا بدَّ من أنْ يقول: نعم، فيقال له: أفليس إمامته لا تصحُّ إلَّا بالنصِّ على ما تقوله الإماميَّة ولا معه دليل معجز يُعلَم به أنَّه إمام وليس سبيله عندكم سبيل من يجتمع أهل الحلِّ والعقد من الأُمَّة فيتشاورون في أمره ثمّ يختارونه ويبايعونه؟ فإذا قال: نعم، قيل له: فكيف السبيل إلى معرفته؟ فإنْ قالوا: يُعرَف بإجماع العترة عليه، قلنا لهم: كيف تجتمع عليه؟ فإنْ كان إماميًّا لم ترضَ به الزيديَّة، وإنْ كان زيديًّا لم ترضَ به الإماميَّة، فإنْ قال: لا يُعتَبر بالإماميَّة في مثل هذا، قيل له: فالزيديَّة على قسمين: قسم معتزلة وقسم مثبِّتة، فإنْ قال: لا يُعتَبر بالمثبِّتة في مثل هذا، قيل له: فالمعتزلة قسمان: قسم يجتهد في الأحكام بآرائها، وقسم يعتقد أنَّ الاجتهاد ضلال، فإنْ

(١٥٧)

قال: لا يُعتَبر بمن نفى الاجتهاد، قيل له: فإنْ بقي - ممَّن يرى الاجتهاد - منهم أفضلهم وبقي - ممَّن يُبطِل الاجتهاد - منهم أفضلهم، ويبرأ بعضهم من بعض بمن نتمسَّك؟ وكيف نعلم المحقَّ منهما هو من تومئ أنت وأصحابك إليه دون غيره؟ فإنْ قال: بالنظر في الأُصول، قلنا: فإنْ طال الاختلاف واشتبه الأمر كيف نصنع وبما نتفصَّى من قَوْلِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا، كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي»؟ والحجَّة من عترته لا يمكن أحداً(277) أنْ يعرفه إلَّا بعد النظر في الأُصول والوقوف على أنَّ مذاهبه كلَّها صواب، وعلى أنَّ من خالفه فقد أخطأ، وإذا كان هكذا فسبيله وسبيل كلِّ قائل من أهل العلم سبيل واحد، فما تلك الخاصَّة التي هي للعترة دلَّنا عليها وبيِّن لنا جميعها لنعلم أنَّ بين العالم من العترة وبين العالم من غير العترة فرقاً وفصلاً.
وأُخرى يقال لهم: أخبرونا عن إمامكم اليوم أعنده الحلال والحرام؟ فإذا قالوا: نعم، قلنا لهم: وأخبرونا عمَّا عنده ممَّا ليس في الخبر المتواتر هل هو مثل ما عند الشافعي وأبي حنيفة ومن جنسه أو هو خلاف ذلك؟ فإنْ قال: بل عنده الذي عندهما ومن جنسه، قيل لهم: وما حاجة الناس إلى علم إمامكم الذي لم يُسمَع به، وكُتُب الشافعي وأبي حنيفة ظاهرة مبثوثة موجودة؟ وإنْ قال: بل عنده خلاف ما عندهما، قلنا: فخلاف ما عندهما هو النصُّ المستخرَج الذي تدَّعيه جماعة من مشايخ المعتزلة وإنَّ الأشياء كلَّها على إطلاق العقول إلَّا ما كان في الخبر القاطع للعذر على مذهب النظَّام وأتباعه، أو مذهب الإماميَّة أنَّ الأحكام منصوصة، واعلموا أنَّا لا نقول منصوصة على الوجه الذي يسبق إلى القلوب، ولكنَّ المنصوص عليه بالجمل التي من فهمها فهم الأحكام من غير قياس ولا اجتهاد، فإنْ قالوا: عنده ما يخالف هذا كلّه، خرجوا من التعارف،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(277) أي لأحد.

(١٥٨)

وإنْ تعلَّقوا بمذهب من المذاهب، قيل لهم: فأين ذلك العلم؟ هل نقله عن إمامكم أحد يُوثَق بدينه وأمانته؟ فإنْ قالوا: نعم، قيل لهم: قد عاشرناكم الدهر الأطول فما سمعنا بحرف واحد من هذا العلم، وأنتم قوم لا ترون التقيَّة ولا يراها إمامكم، فأين علمه؟ وكيف لم يظهر ولم ينتشر؟ ولكن أخبرونا ما يؤمنَّا أنْ تكذبوا فقد كذبتم على إمامكم كما تدَّعون أنَّ الإماميَّة كذبت على جعفر بن محمّد (عليهما السلام)، وهذا ما لا فصل فيه.
مسألة أُخرى: ويقال لهم: أليس جعفر بن محمّد عندكم كان لا يذهب إلى ما تدَّعيه الإماميَّة، وكان على مذهبكم ودينكم؟ فلا بدَّ من [أنْ يقولوا]: نعم، اللَّهُمَّ إلَّا أنْ تبرؤوا منه، فيقال لهم: وقد كذبت الإماميَّة فيما نقلته عنه، وهذه الكُتُب المؤلَّفة التي في أيديهم إنَّما هي من تأليف الكذَّابين؟ فإذا قالوا: نعم، قيل لهم: فإذا جاز ذلك فلِمَ لا يجوز أنْ يكون إمامكم يذهب مذهب الإماميَّة ويدين بدينها وأنْ يكون ما يحكي سلفكم ومشايخكم عنه مولّداً موضوعاً لا أصل له؟ فإنْ قالوا: ليس لنا في هذا الوقت إمام نعرفه بعينه نروي عنه علم الحلال والحرام، ولكنَّا نعلم أنَّ في العترة من هو موضع هذا الأمر وأهله، قلنا لهم: دخلتم فيما عبتموه على الإماميَّة بما معها من الأخبار من أئمَّتها بالنصِّ على صاحبهم والإشارة إليه والبشارة به، وبطل جميع ما قصصتم به من ذكر الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فصار إمامكم بحيث لا يُرى ولا يُعرَف، فقولوا كيف شئتم، ونعوذ بالله من الخذلان.
ثمّ قال صاحب الكتاب: وكما أمر الله العترة بالدعاء إلى الخير(278) وصف سبق السابقين منهم وجعلهم شهداء وأمرهم بالقسط، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالقِسْطِ﴾ [المائدة: 8]، ثمّ أتبع ذلك بضرب من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(278) في قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ﴾ [آل عمران: 104].

(١٥٩)

التأويل وقراءة آيات من القرآن ادَّعى أنَّها في العترة، ولم يحتجّ لشيء منها بحجَّة أكثر من أنْ يكون الدعوى، ثمّ قال: وقد أوجب الله تعالى على نبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ترك الأمر والنهي إلى أنْ هيَّأ له أنصاراً فقال: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا...﴾ إلى قوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 68 و69]، فمن لم يكن من السابقين بالخيرات، المجاهدين في الله ولا من المقتصدين الواعظين بالأمر والنهي عند إعواز الأعوان(279) فهو من الظالمين لأنفسهم، وهذا سبيل من كان قبلنا من ذراري الأنبياء (عليهم السلام)، ثمّ تلا آيات من القرآن.
فيقال له: ليس علينا، لمن(280) أراد بهذا الكلام؟ ولكن أخبرنا عن الإمام من العترة عندك من أيِّ قسم هو؟ فإنْ قال: من المجاهدين، قيل له: فمن هو؟ ومن جاهد ويعلم من خرج؟ وأين خيله ورجله؟ فإنْ قال: هو ممَّن يعظ بالأمر والنهي عند إعواز الأعوان، قيل له: فمن سمع أمره ونهيه؟ فإنْ قال: أولياؤه وخاصَّته، قلنا: فإنْ اتُّبِعَ هذا وسقط فرض ما سوى ذلك عنه لإعواز الأعوان وجاز أنْ لا يسمع أمره ونهيه إلَّا أولياؤه، فأيُّ شيء عبته على الإماميَّة؟ ولِـمَ ألَّفت كتابك هذا؟ وبمن عرَّضت؟ وليت شعري وبمن قرَّعت بآي القرآن وألزمته فرض الجهاد؟
ثمّ يقال له وللزيديَّة جميعاً: أخبرونا لو خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) من الدنيا ولم ينصّ على أمير المؤمنين (عليه السلام) ولا دلَّ عليه ولا أشار إليه أكان يكون ذلك من فعله صواباً وتدبيراً حسناً جائزاً؟ فإنْ قالوا: نعم، فقلنا لهم: ولو لم يدلّ على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(279) اعوزَّ اعوزازاً الرجل: افتقر وساءت حاله فهو معوزٌّ، وأعوزه المطلوب: أعجزه وصعب عليه نيله. أعوز في الشيء: احتجت إليه، لم أقدر عليه. وفى بعض النُّسَخ: (اعوزاز الأعوان)، وأعوز اعوزازاً احتال، اختلَّت حاله.
(280) لعلَّ اللَّام في قوله: (لمن) مفتوحة، والجملة تتضمَّن معنى الاستفهام، وقوله: (ليس علينا) جملة مستقلَّة، أي ليس ما قلت علينا. وفى بعض النُّسَخ: (لمن المراد).

(١٦٠)

العترة أكان يكون ذلك جائزاً؟ فإنْ قالوا: نعم، قلنا: ولو لم يدلّ فأيُّ شيء أنكرتم على المعتزلة والمرجئة والخوارج وقد كان يجوز أنْ لا يقع النصُّ فيكون الأمر شورى بين أهل الحلِّ والعقد؟ وهذا ما لا حيلة فيه، فإنْ قالوا: لا ولا بدَّ من النصِّ على أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ومن الأدلَّة على العترة، قيل لهم: لِـمَ؟ حتَّى إذا ذكروا الحجَّة الصحيحة فننقلها إلى الإمام في كلِّ زمان، لأنَّ النصَّ إنْ وجب في زمن وجب في كلِّ زمان، لأنَّ العلل الموجبة له موجودة أبداً، ونعوذ بالله من الخذلان.
مسألة أُخرى: يقال لهم: إذا كان الخبر المتواتر حجَّة رواه العترة والأُمَّة، وكان الخبر الواحد من العترة كخبر الواحد من الأُمَّة يجوز على الواحد منهم من تعمُّد الباطل ومن السهو والزلل ما يجوز على الواحد من الأُمَّة وما ليس في الخبر المتواتر ولا خبر الواحد فسبيله عندكم الاستخراج، وكان يجوز على المتأوِّل منكم ما يجوز على المتأوِّل من الأُمَّة، فمن أيِّ وجه صارت العترة حجَّة؟ فإنْ قال صاحب الكتاب: إذا أجمعوا فإجماعهم حجَّة، قيل له: فإذا أجمعت الأُمَّة فإجماعها حجّة، وهذا يوجب أنَّه لا فرق بين العترة والأُمَّة، وإنْ كان هكذا فليس في قَوْلِهِ: «خَلَّفْتُ فِيكُمْ كِتَابَ الله وعِتْرَتِي» فائدة إلَّا أنْ يكون فيها من هو حجَّة في الدِّين، وهذا قول الإماميَّة.
واعلموا - أسعدكم الله - أنَّ صاحب الكتاب أشغل نفسه بعد ذلك بقراءة القرآن وتأويله على من أحبّ ولم يقل في شيء من ذلك: (الدليل على صحَّة تأويلي كيت كيت)، وهذا شيء لا يعجز عنه الصبيان، وإنَّما أراد أنْ يعيب الإماميَّة بأنَّها لا ترى الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد غلط فإنَّها ترى ذلك على قدر الطاقة، ولا ترى أنْ تُلقي بأيديها إلى التهلكة، ولا أنْ تخرج مع من لا يعرف الكتاب والسُّنَّة ولا يحسن أنْ يسير في الرعيَّة بسيرة العدل والحقِّ.

(١٦١)

وأعجب من هذا أنَّ أصحابنا من الزيديَّة في منازلهم لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر ولا يجاهدون، وهم يعيبوننا بذلك، وهذا نهاية من نهايات التحامل ودليل من أدلَّة العصبيَّة، نعوذ بالله من اتِّباع الهوى، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
مسألة أُخرى: ويقال لصاحب الكتاب: هل تعرف في أئمَّة الحقِّ أفضل من أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)؟ فمن قوله: لا، فيقال له: فهل تعرف من المنكر بعد الشرك والكفر شيئاً أقبح وأعظم ممَّا كان من أصحاب السقيفة؟ فمن قوله: لا، فيقال له: فأنت أعلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد أو أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ فلا بدَّ من أنْ يقول: أمير المؤمنين، فيقال له: فما باله لم يجاهد القوم؟ فإنْ اعتذر بشيء، قيل له: فاقبل مثل هذا العذر من الإماميَّة، فإنَّ الناس جميعاً يعلمون أنَّ الباطل اليوم أقوى منه يومئذٍ وأعوان الشيطان أكثر ولا تُهوِّل علينا بالجهاد وذكره، فإنَّ الله تعالى إنَّما فرضه لشرائط لو عرفتها لقلَّ كلامك وقصر كتابك، ونسأل الله التوفيق.
مسألة أُخرى: يقال لصاحب الكتاب: أتُصوِّبون الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) في موادعته معاوية أم تُخطِّئونه؟ فإذا قالوا: نُصوِّبه، قيل لهم: أتُصوِّبونه وقد ترك الجهاد وأعرض عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الوجه الذي تؤمُّون إليه؟ فإنْ قالوا: نُصوِّبه لأنَّ الناس خذلوه، ولم يأمنهم على نفسه، ولم يكن معه من أهل البصائر من يمكنه أنْ يقاوم بهم معاوية وأصحابه، فإذا عرفوا صحَّة ذلك قيل لهم: فإذا كان الحسن (عليه السلام) مبسوط العذر ومعه جيش أبيه وقد خطب له الناس على المنابر وسلَّ سيفه وسار إلى عدوِّ الله وعدوِّه للجهاد لما وصفتم وذكرتم، فلِمَ لا تعذرون جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في تركه الجهاد وقد كان أعداؤه في عصره أضعاف من كان مع معاوية، ولم يكن معه من شيعته [مائة نفر] قد تدرَّبوا

(١٦٢)

بالحروب، وإنَّما كان قوم من أهل السرِّ لم يشاهدوا حرباً ولا عاينوا وقعةً، فإنْ بسطوا عذره فقد أنصفوا، وإنْ امتنع منهم ممتنع فسُئِلَ الفصل، ولا فصل.
وبعد فإنْ كان قياس الزيديَّة صحيحاً فزيد بن عليٍّ أفضل من الحسن بن عليٍّ، لأنَّ الحسن وادع وزيد حارب حتَّى قُتِلَ، وكفى بمذهب يُؤدِّي إلى تفضيل زيد بن عليٍّ على الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) قبحاً، والله المستعان، وحسبنا الله ونعم الوكيل(281).
وإنَّما ذكرنا هذه الفصول في أوَّل كتابنا هذا لأنَّها غاية ما يتعلَّق بها الزيديَّة وما ردَّ عليهم وهي أشدّ الفِرَق علينا. وقد ذكرنا الأنبياء والحُجَج الذين وقعت بهم الغيبة (صلوات الله عليهم)، وذكرنا في آخر الكتاب المعمَّرين، ليخرج بذلك ما نقوله في الغيبة وطول العمر من حدِّ الإحالة إلى حدِّ الجواز، ثمّ صحَّحنا النصوص على القائم الثاني عشر من الأئمَّة (عليه وعليهم السلام) من الله (تعالى ذكره) ومن رسوله والأئمَّة الأحد عشر (صلوات الله عليهم) مع إخبارهم بوقوع الغيبة، ثمّ ذكرنا مولده (عليه السلام)، ومن شاهده، وما صحَّ من دلالاته وأعلامه، وما ورد من توقيعاته لتأكيد الحجَّة على المنكرين لوليِّ الله والمغيَّب في ستر الله، والله الموفِّق للصواب، وهو خير مستعان.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(281) هذا آخر ما نقله عن كتاب ابن قبة.

(١٦٣)

الباب الأوّل (282): في غيبة إدريس النبيِّ (عليه السلام)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(282) النُّسَخ مختلفة في عنوان الأبواب، وهنا في بعضها: (الباب الأوَّل)، وفى بعضها: (الباب الثاني)، وفى بعضها: (باب) فقط، وفى بعضها: (باب) مع الرقم الهندسي.

(١٦٥)

فأوَّل الغيبات غيبة إدريس النبيِّ (عليه السلام) المشهورة حتَّى آل الأمر بشيعته إلى أنْ تعذَّر عليهم القوت، وقتل الجبَّار من قتل منهم وأفقر وأخاف باقيتهم، ثمّ ظهر (عليه السلام) فوعد شيعته بالفرج وبقيام القائم من ولده، وهو نوح (عليه السلام)، ثمّ رفع الله (عزَّ وجلَّ) إدريس (عليه السلام) إليه، فلم تزل الشيعة يتوقَّعون قيام نوح (عليه السلام) قرناً بعد قرن، وخلفاً عن سلف، صابرين من الطواغيت على العذاب المهين حتَّى ظهرت نبوَّة نوح (عليه السلام).
[1/1] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى ابْنِ المُتَوَكِّلِ (رضي الله عنهم)، قَالُوا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى العَطَّارُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ جَمِيعاً، عَنِ الحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي البِلَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ البَاقِرِ (عليهما السلام)، قَالَ: «كَانَ بَدْءُ نُبُوَّةِ إِدْرِيسَ (عليه السلام) أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَانِهِ مَلِكٌ جَبَّارٌ، وَأَنَّهُ رَكِبَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي بَعْضِ نُزَهِهِ، فَمَرَّ بِأَرْضٍ خَضِرَةٍ نَضِرَةٍ لِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنَ الرَّافِضَةِ(283)، فَأَعْجَبَتْهُ، فَسَأَلَ وُزَرَاءَهُ: لِمَنْ هَذِهِ الأَرْضُ؟ قَالُوا: لِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ عَبِيدِ المَلِكِ فُلَانٍ الرَّافِضِيِّ، فَدَعَا بِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَمْتِعْنِي بِأَرْضِكَ هَذِهِ(284)، فَقَالَ: عِيَالِي أَحْوَجُ إِلَيْهَا مِنْكَ، قَالَ: فَسُمْنِي بِهَا(285) أُثْمِنْ لَكَ، قَالَ: لَا أُمْتِعُكَ بِهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(283) الرافضة هم الدين تركوا مذهب سلطانهم. والرفض في اللغة: الترك، والروافض جنود تركوا قائدهم وانصرفوا وذهبوا عنه. أو المراد الذين رفضوا الشرك والمعاصي أو مذهب المَلِك أو الدنيا ونعيمها. وفي إثبات الوصيَّة (ص 26): (فقيل: إنَّها لرجل من الرافضة كان لا يتبعه على كفره ويرفضه يُسمَّى رافضيًّا فدُعِيَ به...) إلخ.
(284) أي اجعلها لي أنتفع بها وألتذّ بها.
(285) السوم طلب الشراء، أي بعني. و(أثمن لك)، أي أُعطيك الثمن.

(١٦٧)

وَلَا أَسُومُكَ، دَعْ عَنْكَ ذِكْرَهَا، فَغَضِبَ المَلِكُ عِنْدَ ذَلِكَ وَأَسِفَ وَانْصَرَفَ إِلَى أَهْلِهِ وَهُوَ مَغْمُومٌ مُتَفَكِّرٌ فِي أَمْرِهِ، وَكَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ مِنَ الأَزَارِقَةِ(286) وَكَانَ بِهَا مُعْجَباً يُشَاوِرُهَا فِي الأَمْرِ إِذَا نَزَلَ بِهِ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ فِي مَجْلِسِهِ بَعَثَ إِلَيْهَا لِيُشَاوِرَهَا فِي أَمْرِ صَاحِبِ الأَرْضِ، فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ، فَرَأَتْ فِي وَجْهِهِ الغَضَبَ، فَقَالَتْ: أَيُّهَا المَلِكُ مَا الَّذِي دَهَاكَ(287) حَتَّى بَدَا الغَضَبُ فِي وَجْهِكَ قَبْلَ فِعْلِكَ(288)؟ فَأَخْبَرَهَا بِخَبَرِ الأَرْضِ وَمَا كَانَ مِنْ قَوْلِهِ لِصَاحِبِهَا وَمِنْ قَوْلِ صَاحِبِهَا لَهُ، فَقَالَتْ: أَيُّهَا المَلِكُ إِنَّمَا يَهْتَمُّ بِهِ(289) مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّغْيِيرِ وَالاِنْتِقَامِ، فَإِنْ كُنْتَ تَكْرَهُ أَنْ تَقْتُلَهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ فَأَنَا أَكْفِيكَ أَمْرَهُ وَأُصَيِّرُ أَرْضَهُ بِيَدَيْكَ بِحُجَّةٍ لَكَ فِيهَا العُذْرُ عِنْدَ أَهْلِ مَمْلَكَتِكَ، قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَتْ: أَبْعَثُ إِلَيْهِ أَقْوَاماً مِنْ أَصْحَابِيَ الأَزَارِقَةِ حَتَّى يَأْتُوكَ بِهِ فَيَشْهَدُوا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَنَّهُ قَدْ بَرِئَ مِنْ دِينِكَ، فَيَجُوزَ لَكَ قَتْلُهُ وَأَخْذُ أَرْضِهِ، قَالَ: فَافْعَلِي ذَلِكِ».
قَالَ: «وَكَانَ لَهَا أَصْحَابٌ مِنَ الأَزَارِقَةِ عَلَى دِينِهَا يَرَوْنَ قَتَلَ الرَّوَافِضِ مِنَ المُؤْمِنِينَ، فَبَعَثَتْ إِلَى قَوْمٍ مِنَ الأَزَارِقَةِ(290)، فَأَتَوْهَا، فَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى فُلَانٍ الرَّافِضِيِّ عِنْدَ المَلِكِ أَنَّهُ قَدْ بَرِئَ مِنْ دِينِ المَلِكِ، فَشَهِدُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ بَرِئَ مِنْ دِينِ المَلِكِ، فَقَتَلَهُ وَاسْتَخْلَصَ أَرْضَهُ، فَغَضِبَ اللهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِ عِنْدَ ذَلِكَ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَى إِدْرِيسَ أَنِ ائْتِ عَبْدِي هَذَا الجَبَّارَ، فَقُلْ لَهُ: أَمَا رَضِيتَ أَنْ قَتَلْتَ عَبْدِيَ المُؤْمِنَ ظُلْماً حَتَّى اسْتَخْلَصْتَ أَرْضَهُ خَالِصَةً لَكَ؟ فَأَحْوَجْتَ عِيَالَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَأَجَعْتَهُمْ، أَمَا وَعِزَّتِي لَأَنْتَقِمَنَّ لَهُ مِنْكَ فِي الآجِلِ، وَلَأَسْلُبَنَّكَ مُلْكَكَ فِي العَاجِلِ، وَلَأُخَرِّبَنَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(286) المراد بهم أهل الروم أو الديلم، لأنَّ زرقة العيون غالبة فيهم. والأزارقة أيضاً هم الذين يبيحون مال من على غير عقيدتهم ويستحلُّون دمه، نظير عقيدة الخوارج في الإسلام، والمراد هنا المعنى الثاني.
(287) دهى فلاناً، أي أصابه بداهية.
(288) أي قبل إتيانك بما غضبت له.
(289) في بعض النُّسَخ: (يغتمُّ ويأسف).
(290) في بعض النُّسَخ: (إلى قوم منهم).

(١٦٨)

مَدِينَتَكَ، وَلَأُذِلَّنَّ عِزَّكَ، وَلَأُطْعِمَنَّ الكِلَابَ لَحْمَ امْرَأَتِكَ، فَقَدْ غَرَّكَ يَا مُبْتَلَى حِلْمِي عَنْكَ.
فَأَتَاهُ إِدْرِيسُ (عليه السلام) بِرِسَالَةِ رَبِّهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ وَحَوْلَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ: أَيُّهَا الجَبَّارُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، وَهُوَ يَقُولُ لَكَ: أَمَا رَضِيتَ أَنْ قَتَلْتَ عَبْدِيَ المُؤْمِنَ ظُلْماً حَتَّى اسْتَخْلَصْتَ أَرْضَهُ خَالِصَةً لَكَ وَأَحْوَجْتَ عِيَالَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَأَجَعْتَهُمْ، أَمَا وَعِزَّتِي لَأَنْتَقِمَنَّ لَهُ مِنْكَ فِي الآجِلِ، وَلَأَسْلُبَنَّكَ مُلْكَكَ فِي العَاجِلِ، وَلَأُخَرِّبَنَّ مَدِينَتَكَ، وَلَأُذِلَّنَّ عِزَّكَ، وَلَأُطْعِمَنَّ الكِلَابَ لَحْمَ امْرَأَتِكَ.
فَقَالَ الجَبَّارُ: اخْرُجْ عَنِّي يَا إِدْرِيسُ، فَلَنْ تَسْبِقَنِي بِنَفْسِكَ(291). ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَأَخْبَرَهَا بِمَا جَاءَ بِهِ إِدْرِيسُ، فَقَالَتْ: لَا تَهُولَنَّكَ رِسَالَةُ إِلَهِ إِدْرِيسَ، أَنَا أَكْفِيكَ أَمْرَ إِدْرِيسَ، أُرْسِلُ إِلَيْهِ مَنْ يَقْتُلُهُ فَتَبْطُلُ رِسَالَةُ إِلَهِهِ وَكُلُّ مَا جَاءَكَ بِهِ، قَالَ: فَافْعَلِي، وَكَانَ لِإِدْرِيسَ أَصْحَابٌ مِنَ الرَّافِضَةِ مُؤْمِنُونَ يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ فِي مَجْلِسٍ لَهُ فَيَأْنَسُونَ بِهِ وَيَأْنَسُ بِهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ إِدْرِيسُ بِمَا كَانَ مِنْ وَحْيِ اللهِ (عزَّ وجلَّ) إِلَيْهِ وَرِسَالَتِهِ إِلَى الجَبَّارِ، وَمَا كَانَ مِنْ تَبْلِيغِهِ رِسَالَةَ اللهِ (عزَّ وجلَّ) إِلَى الجَبَّارِ، فَأَشْفَقُوا عَلَى إِدْرِيسَ وَأَصْحَابِهِ، وَخَافُوا عَلَيْهِ القَتْلَ.
وَبَعَثَتِ امْرَأَةُ الجَبَّارِ إِلَى إِدْرِيسَ أَرْبَعِينَ رَجُلاً مِنَ الأَزَارِقَةِ لِيَقْتُلُوهُ، فَأَتَوْهُ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي كَانَ يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ فِيهِ أَصْحَابُهُ، فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَانْصَرَفُوا وَقَدْ رَآهُمْ أَصْحَابُ إِدْرِيسَ، فَحَسِبُوا أَنَّهُمْ أَتَوْا إِدْرِيسَ لِيَقْتُلُوهُ، فَتَفَرَّقُوا فِي طَلَبِهِ، فَلَقُوهُ، فَقَالُوا لَهُ: خُذْ حِذْرَكَ يَا إِدْرِيسُ فَإِنَّ الجَبَّارَ قَاتِلُكَ قَدْ بَعَثَ اليَوْمَ أَرْبَعِينَ رَجُلاً مِنَ الأَزَارِقَةِ لِيَقْتُلُوكَ، فَاخْرُجْ مِنْ هَذِهِ القَرْيَةِ، فَتَنَحَّى إِدْرِيسُ عَنِ القَرْيَةِ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَ فِي السَّحَرِ نَاجَى إِدْرِيسُ رَبَّهُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(291) أي لا يمكنك الفرار بنفسك والتقدُّم بحيث لا يمكنني اللحوق بك لإهلاكها، أو لا تغلبني في أمر نفسك بأنْ تتخلَّصها منِّي.

(١٦٩)

بَعَثْتَنِي إِلَى جَبَّارٍ فَبَلَّغْتُ رِسَالَتَكَ، وَقَدْ تَوَعَّدَنِي هَذَا الجَبَّارُ بِالقَتْلِ، بَلْ هُوَ قَاتِلي إِنْ ظَفِرَ بِي، فَأَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) أَنْ تَنَحَّ عَنْهُ، وَاخْرُجْ مِنْ قَرْيَتِهِ، وَخَلِّنِي وَإِيَّاهُ، فَوَعِزَّتِي لَأُنْفِذَنَّ فِيهِ أَمْرِي، وَلَأُصَدِّقَنَّ قَوْلَكَ فِيهِ، وَمَا أَرْسَلْتُكَ بِهِ إِلَيْهِ، فَقَالَ إِدْرِيسُ: يَا رَبِّ، إِنَّ لِي حَاجَةً، قَالَ اللهُ (عزَّ وجلَّ): سَلْ تُعْطَهَا، قَالَ: أَسْأَلُكَ أَنْ لَا تُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ القَرْيَةِ وَمَا حَوْلَهَا وَمَا حَوَتْ عَلَيْهِ حَتَّى أَسْأَلَكَ ذَلِكَ، قَالَ اللهُ (عزَّ وجلَّ): يَا إِدْرِيسُ، إِذاً تَخْرُبُ القَرْيَةُ وَيَشْتَدُّ جَهْدُ أَهْلِهَا وَيَجُوعُونَ، قَالَ إِدْرِيسُ: وَإِنْ خَرِبَتْ وَجَهَدُوا وَجَاعُوا، قَالَ اللهُ (عزَّ وجلَّ): فَإِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكَ مَا سَالتَ، وَلَنْ أُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَسْأَلَنِي ذَلِكَ، وَأَنَا أَحَقُّ مَنْ وَفَى بِوَعْدِهِ.
فَأَخْبَرَ إِدْرِيسُ أَصْحَابَهُ بِمَا سَأَلَ اللهُ مِنْ حَبْسِ المَطَرِ عَنْهُمْ، وَبِمَا أَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ وَوَعَدَهُ أَنْ لَا يُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَسْأَلَهُ ذَلِكَ. فَاخْرُجُوا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ مِنْ هَذِهِ القَرْيَةِ إِلَى غَيْرِهَا مِنَ القُرَى، فَخَرَجُوا مِنْهَا، وَعِدَّتُهُمْ يَوْمَئِذٍ عِشْرُونَ رَجُلاً، فَتَفَرَّقُوا فِي القُرَى، وَشَاعَ خَبَرُ إِدْرِيسَ فِي القُرَى بِمَا سَأَلَ رَبَّهُ تَعَالَى، وَتَنَحَّى إِدْرِيسُ إِلَى كَهْفٍ فِي جَبَلٍ شَاهِقٍ، فَلَجَأَ إِلَيْهِ، وَوَكَّلَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) بِهِ مَلَكاً يَأْتِيهِ بِطَعَامِهِ عِنْدَ كُلِّ مَسَاءٍ، وَكَانَ يَصُومُ النَّهَارَ، فَيَأْتِيهِ المَلَكُ بِطَعَامِهِ عِنْدَ كُلِّ مَسَاءٍ، وَسَلَبَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) عِنْدَ ذَلِكَ مُلْكَ الجَبَّارِ وَقَتَلَهُ وَأَخْرَبَ مَدِينَتَهُ وَأَطْعَمَ الكِلَابَ لَحْمَ امْرَأَتِهِ غَضَباً لِلْمُؤْمِنِ، فَظَهَرَ فِي المَدِينَةِ جَبَّارٌ آخَرُ عَاصٍ، فَمَكَثُوا بِذَلِكَ بَعْدَ خُرُوجِ إِدْرِيسَ مِنَ القَرْيَةِ عِشْرِينَ سَنَةً لَمْ تُمْطِرِ السَّمَاءُ عَلَيْهِمْ قَطْرَةً مِنْ مَائِهَا عَلَيْهِمْ، فَجَهَدَ القَوْمُ وَاشْتَدَّتْ حَالُهُمْ وَصَارُوا يَمْتَارُونَ الأَطْعِمَةَ(292) مِنَ القُرَى مِنْ بُعْدٍ، فَلَمَّا جَهَدُوا مَشَى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي نَزَلَ بِنَا مِمَّا تَرَوْنَ بِسُؤَالِ إِدْرِيسَ رَبَّهُ أَنْ لَا يُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَيْنَا حَتَّى يَسْأَلَهُ هُوَ، وَقَدْ خَفِيَ إِدْرِيسُ عَنَّا وَلَا عِلْمَ لَنَا بِمَوْضِعِهِ، وَاللهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْهُ، فَأَجْمَعَ أَمْرُهُمْ عَلَى أَنْ يَتُوبُوا إِلَى اللهِ وَيَدْعُوهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(292) أي يجمعون الأطعمة من أطراف القرى.

(١٧٠)

وَيَفْزَعُوا إِلَيْهِ وَيَسْأَلُوهُ أَنْ يُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى مَا حَوَتْ قَرْيَتُهُمْ، فَقَامُوا عَلَى الرَّمَادِ، وَلَبِسُوا المُسُوحَ، وَحَثَوْا عَلَى رُؤُوسِهِمُ التُّرَابَ، وَعَجُّوا(293) إِلَى اللهِ تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ وَالاِسْتِغْفَارِ وَالبُكَاءِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَى إِدْرِيسَ: يَا إِدْرِيسُ، إِنَّ أَهْلَ قَرْيَتِكَ قَدْ عَجُّوا إِلَيَّ بِالتَّوْبَةِ وَالاِسْتِغْفَارِ وَالبُكَاءِ وَالتَّضَرُّعِ، وَأَنَا اللهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ أَقْبَلُ التَّوْبَةَ وأَعْفُو عَنِ السَّيِّئَةِ، وَقَدْ رَحِمْتُهُمْ، وَلَمْ يَمْنَعْنِي إِجَابَتَهُمْ إِلَى مَا سَأَلُونِي مِنَ المَطَرِ إِلَّا مُنَاظَرَتُكَ فِيمَا سَالتَنِي أَنْ لَا أُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَسْأَلَنِي، فَسَلْنِي يَا إِدْرِيسُ حَتَّى أُغِيثَهُمْ وَأُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ، قَالَ إِدْرِيسُ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَسْأَلُكَ ذَلِكَ(294)، قَالَ اللهُ (عزَّ وجلَّ): أَلَمْ تَسْالنِي يَا إِدْرِيسُ فَأَجَبْتُكَ إِلَى مَا سَالتَ، وَأَنَا أَسْأَلُكَ أَنْ تَسْأَلَنِي فَلِمَ لَا تَجِبُ مَسْأَلَتِي؟ قَالَ إِدْرِيسُ: اللَّهُمَّ لَا أَسْأَلُكَ، فَأَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَى المَلَكِ الَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ إِدْرِيسَ بِطَعَامِهِ كُلَّ مَسَاءٍ أَنِ احْبِسْ عَنْ إِدْرِيسَ طَعَامَهُ وَلَا تَأْتِهِ بِهِ، فَلَمَّا أَمْسَى إِدْرِيسُ فِي لَيْلَةِ ذَلِكَ اليَوْمِ فَلَمْ يُؤْتَ بِطَعَامِهِ حَزِنَ وَجَاعَ فَصَبَرَ، فَلَمَّا كَانَ فِي [لَيْلَةِ] اليَوْمِ الثَّانِي فَلَمْ يُؤْتَ بِطَعَامِهِ اشْتَدَّ حُزْنُهُ وَجُوعُهُ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ مِنَ اليَوْمِ الثَّالِثِ فَلَمْ يُؤْتَ بِطَعَامِهِ اشْتَدَّ جُهْدُهُ وَجُوعُهُ وَحُزْنُهُ وَقَلَّ صَبْرُهُ، فَنَادَى رَبَّهُ: يَا رَبِّ، حَبَسْتَ عَنِّي رِزْقِي مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْبِضَ رُوحِي، فَأَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَيْهِ: يَا إِدْرِيسُ، جَزِعْتَ أَنْ حَبَسْتُ عَنْكَ طَعَامَكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا وَلَمْ تَجْزَعْ وَلَمْ تَذْكُرْ(295) جُوعَ أَهْلِ قَرْيَتِكَ وَجُهْدَهُمْ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً، ثُمَّ سَالتُكَ عَنْ جُهْدِهِمْ وَرَحْمَتِي إِيَّاهُمْ أَنْ تَسْأَلَنِي أَنْ أُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ تَسْالنِي وَبَخِلْتَ عَلَيْهِمْ بِمَسْأَلَتِكَ إِيَّايَ، فَأَدَّبْتُكَ بِالجُوعِ(296)، فَقَلَّ عِنْدَ ذَلِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(293) المسح - بالكسر -: البلاس معرَّب پلاس. والحثُّ: الصبُّ. والعجُّ: رفع الصوت. وفى نسخة: (ورجعوا).
(294) أمره تعالى إيَّاه بالدعاء على سبيل الندب أو التخيير، وعرض إدريس (عليه السلام) عن التأخير زجرهم عن الفساد وتنبيههم لئلَّا يخالفوا ربَّهم بعد دخوله فيهم.
(295) في بعض النُّسَخ: (ولم تُنكِر).
(296) في البحار: (فأذقتك الجوع).

(١٧١)

صَبْرُكَ وَظَهَرَ جَزَعُكَ، فَاهْبِطْ مِنْ مَوْضِعِكَ فَاطْلُبِ المَعَاشَ لِنَفْسِكَ فَقَدْ وَكَلْتُكَ فِي طَلَبِهِ إِلَى حِيلَتِكَ.
فَهَبَطَ إِدْرِيسُ (عليه السلام) مِنْ مَوْضِعِهِ إِلَى قَرْيَةٍ يَطْلُبُ أُكْلَةً مِنْ جُوعٍ، فَلَمَّا دَخَلَ القَرْيَةَ نَظَرَ إِلَى دُخَانٍ فِي بَعْضِ مَنَازِلِهَا، فَأَقْبَلَ نَحْوَهُ، فَهَجَمَ عَلَى عَجُوزٍ كَبِيرَةٍ وَهِيَ تُرَقِّقُ قُرْصَتَيْنِ لَهَا عَلَى مِقْلَاةٍ، فَقَالَ لَهَا: أَيَّتُهَا المَرْأَةُ أَطْعِمِينِي فَإِنِّي مَجْهُودٌ مِنَ الجُوعِ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ مَا تَرَكَتْ لَنَا دَعْوَةُ إِدْرِيسَ فَضْلاً نُطْعِمُهُ أَحَداً، وَحَلَفَتْ أَنَّهَا مَا تَمْلِكُ غَيْرَهُ شَيْئاً، فَاطْلُبِ المَعَاشَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ هَذِهِ القَرْيَةِ، فَقَالَ لَهَا: أَطْعِمِينِي مَا أُمْسِكُ بِهِ رُوحِي وَتَحْمِلُنِي بِهِ رِجْلِي إِلَى أَنْ أَطْلُبَ، قَالَتْ: إِنَّمَا هُمَا قُرْصَتَانِ وَاحِدَةٌ لِي وَالأُخْرَى لِابْنِي، فَإِنْ أَطْعَمْتُكَ قُوتِي مِتُّ، وَإِنْ أَطْعَمْتُكَ قُوتَ ابْنِي مَاتَ، وَمَا هَاهُنَا فَضْلٌ أُطْعِمُكَهُ، فَقَالَ لَهَا: إِنَّ ابْنَكَ صَغِيرٌ يُجْزِيهِ نِصْفُ قُرْصَةٍ فَيَحْيَا بِهِ وَيُجْزِينِي النِّصْفُ الآخَرُ فَأَحْيَا بِهِ وَفِي ذَلِكِ بُلْغَةٌ لِي وَلَهُ، فَأَكَلَتِ المَرْأَةُ قُرْصَتَهَا وَكَسَرَتِ الأُخْرَى بَيْنَ إِدْرِيسَ وَبَيْنَ ابْنِهَا، فَلَمَّا رَأَى ابْنُهَا إِدْرِيسَ يَأْكُلُ مِنْ قُرْصَتِهِ اضْطَرَبَ حَتَّى مَاتَ، قَالَتْ أُمُّهُ: يَا عَبْدَ اللهِ، قَتَلْتَ عَلَيَّ ابْنِي جَزَعاً عَلَى قُوتِهِ، قَالَ [لَهَا] إِدْرِيسُ: فَأَنَا أُحْيِيهِ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى فَلَا تَجْزَعِي، ثُمَّ أَخَذَ إِدْرِيسُ بِعَضُدَيِ الصَّبِيِّ، ثُمَّ قَالَ: أَيَّتُهَا الرُّوحُ الخَارِجَةُ عَنْ بَدَنِ هَذَا الغُلَامِ بِأَمْرِ اللهِ ارْجِعِي إِلَى بَدَنِهِ بِإِذْنِ اللهِ، وَأَنَا إِدْرِيسُ النَّبِيُّ. فَرَجَعَتْ رُوحُ الغُلَامِ إِلَيْهِ بِإِذْنِ اللهِ، فَلَمَّا سَمِعَتِ المَرْأَةُ كَلَامَ إِدْرِيسَ وَقَوْلَهُ: أَنَا إِدْرِيسُ، وَنَظَرَتْ عَلَى ابْنِهَا قَدْ عَاشَ بَعْدَ المَوْتِ، قَالَتْ: أَشْهَدُ أَنَّكَ إِدْرِيسُ النَّبِيُّ، وَخَرَجَتْ تُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهَا فِي القَرْيَةِ: أَبْشِرُوا بِالفَرَجِ فَقَدْ دَخَلَ إِدْرِيسُ قَرْيَتَكُمْ.
وَمَضَى إِدْرِيسُ حَتَّى جَلَسَ عَلَى مَوْضِعِ مَدِينَةِ الجَبَّارِ الأَوَّلِ، فَوَجَدَهَا وَهِيَ تَلٌّ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ، فَقَالُوا لَهُ: يَا إِدْرِيسُ، أَمَا رَحِمْتَنَا فِي هَذِهِ العِشْرِينَ سَنَةً الَّتِي جُهِدْنَا فِيهَا وَمَسَّنَا الجُوعُ وَالجُهْدُ فِيهَا؟ فَادْعُ اللهَ لَنَا أَنْ يُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَيْنَا، قَالَ: لَا حَتَّى يَأْتِيَنِي جَبَّارُكُمْ هَذَا وَجَمِيعُ أَهْلِ قَرْيَتِكُمْ مُشَاةً حُفَاةً فَيَسْأَلُونِي ذَلِكَ، فَبَلَغَ الجَبَّارَ قَوْلُهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَرْبَعِينَ رَجُلاً يَأْتُوهُ بِإِدْرِيسَ، فَأَتَوْهُ

(١٧٢)

فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ الجَبَّارَ بَعَثَنَا إِلَيْكَ لِنَذْهَبَ بِكَ إِلَيْهِ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَمَاتُوا، فَبَلَغَ الجَبَّارَ ذَلِكَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ خَمْسَمِائَةِ رَجُلٍ لِيَأْتُوهُ بِهِ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا لَهُ: يَا إِدْرِيسُ، إِنَّ الجَبَّارَ بَعَثَنَا إِلَيْكَ لِنَذْهَبَ بِكَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ إِدْرِيسُ: انْظُرُوا إِلَى مَصَارِعِ أَصْحَابِكُمْ، فَقَالُوا لَهُ: يَا إِدْرِيسُ قَتَلْتَنَا بِالجُوعِ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً، ثُمَّ تُرِيدُ أَنْ تَدْعُوَ عَلَيْنَا بِالمَوْتِ، أَمَا لَكَ رَحْمَةٌ؟ فَقَالَ: مَا أَنَا بِذَاهِبٍ إِلَيْهِ، وَمَا أَنَا بِسَائِلِ اللهَ أَنْ يُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ حَتَّى يَأْتِيَنِي جَبَّارُكُمْ مَاشِياً حَافِياً وَأَهْلُ قَرْيَتِكُمْ.
فَانْطَلَقُوا إِلَى الجَبَّارِ فَأَخْبَرُوهُ بِقَوْلِ إِدْرِيسَ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يَمْضِيَ مَعَهُمْ وَجَمِيعُ أَهْلِ قَرْيَتِهِمْ إِلَى إِدْرِيسَ مُشَاةً حُفَاةً، فَأَتَوْهُ حَتَّى وَقَفُوا بَيْنَ يَدَيْهِ خَاضِعِينَ لَهُ طَالِبِينَ إِلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ اللهَ (عزَّ وجلَّ) لَهُمْ أَنْ يُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ إِدْرِيسُ: أَمَّا الآنَ فَنَعَمْ، فَسَأَلَ اللهَ (عزَّ وجلَّ) إِدْرِيسُ عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ يُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى قَرْيَتِهِمْ وَنَوَاحِيهَا، فَأَظَلَّتْهُمْ سَحَابَةٌ مِنَ السَّمَاءِ وَأَرْعَدَتْ وَأَبْرَقَتْ وَهَطَلَتْ عَلَيْهِمْ(297) مِنْ سَاعَتِهِمْ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ الغَرَقُ، فَمَا رَجَعُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ حَتَّى أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ مِنَ المَاءِ»(298)،(299).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(297) هطلت السماء: نزلت عليهم متتابعاً، وهطل المطر إذا تتابع.
(298) رواه الراوندي (رحمه الله) في قَصص الأنبياء (ص 77 - 80/ ح 58).
(299) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 11/ ص 276): (بيان: فسمني أي بعني. أثمن لك: أُعطيك الثمن. قبل فعلك أي إتيانك بما غضبت له. فلن تسبقني بنفسك هو تهديد بالقتل، أي لا يمكنك الفرار بنفسك والتقدُّم بحيث لا يمكنني اللحوق بك لإهلاكها، أو لا تغلبني في أمر نفسك بأنْ تتخلَّصها منِّي، ويحتمل أنْ يكون المراد: لا تغلبني متفرِّداً بنفسك من غير معاون فلم تتعرَّض لي. حتَّى أهمَّتهم أنفسهم أي خوف أنفسهم أوقعهم في الهموم، أو لم يهتمّهم إلَّا هم أنفسهم وطلب خلاصها. ثمّ اعلم أنَّ الظاهر أنَّ أمره تعالى إدريس (عليه السلام) بالدعاء لهم لم يكن على سبيل الحتم والوجوب، بل على الندب والاستحباب، وكان غرضه (عليه السلام) في التأخير وفي طلب القوم أنْ يأتوه متذلِّلين تنبيههم وزجرهم عن الطغيان والفساد، ولئلَّا يخالفوا ربَّهم بعد دخوله بينهم، وأنَّ أولياء الله يغضبون لربِّهم أكثر من سخطه تعالى لنفسه، لسعة رحمته وعظم حلمه تعالى شأنه).

(١٧٣)

[2/1] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ الكُوفِيُّ(300)، قَالَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الحَسَنِ المِيثَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الفَضْلِ الهَاشِمِيِّ، قَالَ: قَالَ الصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام): «لَـمَّا أَظْهَرَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نُبُوَّةَ نُوحٍ (عليه السلام) وَأَيْقَنَ الشِّيعَةُ بِالفَرَجِ اشْتَدَّتِ البَلْوَى وَعَظُمَتِ الفِرْيَةُ إِلَى أَنْ آلَ الأَمْرُ إِلَى شِدَّةٍ شَدِيدَةٍ نَالَتِ الشِّيعَةَ وَالوُثُوبِ عَلَى نُوحٍ بِالضَّرْبِ المُبَرِّحِ(301) حَتَّى مَكَثَ (عليه السلام) فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، يَجْرِي الدَّمُ مِنْ أُذُنِهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، وَذَلِكَ بَعْدَ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ مِنْ مَبْعَثِهِ، وَهُوَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ يَدْعُوهُمْ لَيْلاً وَنَهَاراً فَيَهْرَبُونَ، وَيَدْعُوهُمْ سِرًّا فَلَا يُجِيبُونَ، وَيَدْعُوهُمْ عَلَانِيَةً فَيُوَلُّونَ، فَهَمَّ بَعْدَ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ، وَجَلَسَ بَعْدَ صَلَاةِ الفَجْرِ لِلدُّعَاءِ، فَهَبَطَ إِلَيْهِ وَفْدٌ مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَهُمْ ثَلَاثَةُ أَمْلَاكٍ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالُوا لَهُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، لَنَا حَاجَةٌ، قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالُوا: تُؤَخِّرُ الدُّعَاءَ عَلَى قَوْمِكَ فَإِنَّهَا أَوَّلُ سَطْوَةٍ لِلهِ (عزَّ وجلَّ) فِي الأَرْضِ، قَالَ: قَدْ أَخَّرْتُ الدُّعَاءَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ أُخْرَى، وَعَادَ إِلَيْهِمْ فَصَنَعَ مَا كَانَ يَصْنَعُ، ويَفْعَلُونَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ ثَلَاثُمِائَةِ سَنَةٍ أُخْرَى وَيَئِسَ مِنْ إِيمَانِهِمْ جَلَسَ فِي وَقْتِ ضُحَى النَّهَارِ لِلدُّعَاءِ، فَهَبَطَ عَلَيْهِ وَفْدٌ مِنَ السَّمَاءِ السَّادِسَةِ [وَهُمْ ثَلَاثَةُ أَمْلَاكٍ] فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: نَحْنُ وَفْدٌ مِنَ السَّمَاءِ السَّادِسَةِ خَرَجْنَا بُكْرَةً وَجِئْنَاكَ ضَحْوَةً، ثُمَّ سَأَلُوهُ مِثْلَ مَا سَأَلَهُ وَفْدُ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى مِثْلِ مَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(300) في بعض النُّسَخ: (محمّد بن هشام، قال: حدَّثنا أحمد بن زياد الكوفي).
(301) في النهاية (ج 1/ ص 113): (برح به: إذا شقَّ عليه، ومنه الحديث: «ضرباً غير مبرِّح» أي غير شاقٍّ).

(١٧٧)

أَجَابَ أُولَئِكَ إِلَيْهِ، وَعَادَ (عليه السلام) إِلَى قَوْمِهِ يَدْعُوهُمْ فَلَا يَزِيدُهُمْ دُعَاؤُهُ إِلَّا فِرَاراً، حَتَّى انْقَضَتْ ثَلَاثُمِائَةِ سَنَةٍ تَتِمَّةُ تِسْعِمِائَةِ سَنَةٍ، فَصَارَتْ إِلَيْهِ الشِّيعَةُ وَشَكَوْا مَا يَنَالُهُمْ مِنَ العَامَّةِ وَالطَّوَاغِيتِ، وَسَأَلُوهُ الدُّعَاءَ بِالفَرَجِ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَصَلَّى وَدَعَا، فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَجَابَ دَعْوَتَكَ، فَقُلْ لِلشِّيعَةِ: يَأْكُلُوا التَّمْرَ وَيَغْرِسُوا النَّوَى وَيُرَاعُوهُ حَتَّى يُثْمِرَ، فَإِذَا أَثْمَرَ فَرَّجْتُ عَنْهُمْ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَعَرَّفَهُمْ ذَلِكَ فَاسْتَبْشَرُوا بِهِ، فَأَكَلُوا التَّمْرَ وَغَرَسُوا النَّوَى وَرَاعُوهُ حَتَّى أَثْمَرَ(302)، ثُمَّ صَارُوا إِلَى نُوحٍ (عليه السلام) بِالتَّمْرِ وَسَأَلُوهُ أَنْ يُنْجِزَ لَهُمُ الوَعْدَ، فَسَأَلَ اللهَ (عزَّ وجلَّ) فِي ذَلِكَ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: قُلْ لَهُمْ: كُلُوا هَذَا التَّمْرَ وَاغْرِسُوا النَّوَى فَإِذَا أَثْمَرَ فَرَّجْتُ عَنْكُمْ، فَلَمَّا ظَنُّوا أَنَّ الخُلْفَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِمْ ارْتَدَّ مِنْهُمُ الثُّلُثُ وَثَبَتَ الثُّلُثَانِ، فَأَكَلُوا التَّمْرَ وَغَرَسُوا النَّوَى حَتَّى إِذَا أَثْمَرَ أَتَوْا بِهِ نُوحاً (عليه السلام) فَأَخْبَرُوهُ وَسَأَلُوهُ أَنْ يُنْجِزَ لَهُمُ الوَعْدَ، فَسَأَلَ اللهَ (عزَّ وجلَّ) فِي ذَلِكَ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: قُلْ لَهُمْ: كُلُوا هَذَا التَّمْرَ واغْرِسُوا النَّوَى، فَارْتَدَّ الثُّلُثُ الآخَرُ وَبَقِيَ الثُّلُثُ، فَأَكَلُوا التَّمْرَ وَغَرَسُوا النَّوَى، فَلَمَّا أَثْمَرَ أَتَوْا بِهِ نُوحاً (عليه السلام)، ثُمَّ قَالُوا لَهُ: لَمْ يَبْقَ مِنَّا إِلَّا القَلِيلُ، وَنَحْنُ نَتَخَوَّفُ عَلَى أَنْفُسِنَا بِتَأَخُّرِ الفَرَجِ أَنْ نَهْلِكَ، فَصَلَّى نُوحٌ (عليه السلام)، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ، لَمْ يَبْقَ مِنْ أَصْحَابِي إِلَّا هَذِهِ العِصَابَةُ، وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْهِمُ الهَلَاكَ إِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمُ الفَرَجُ، فَأَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَيْهِ: قَدْ أَجَبْتُ دُعَاءَكَ، فَاصْنَعِ الفُلْكَ، وَكَانَ بَيْنَ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ وَبَيْنَ الطُّوفَانِ خَمْسُونَ سَنَةً».
[3/2] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ المُتَوَكِّلِ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى العَطَّارُ (رضي الله عنهم)، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى العَطَّارُ، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ الحَسَنِ ابْنِ أَبَانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ وَعَبْدِ الكَرِيمِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(302) في بعض النُّسَخ: (فرَّجت عنهم، فأخبرهم نوح بما أوحى الله إليه، ففعلوا ذلك وراعوه حتَّى أثمر).

(١٧٨)

ابْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ أَبِي الدَّيْلَمِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الصَّادِقِ (عليه السلام)، قَالَ: «عَاشَ نُوحٌ بَعْدَ النُّزُولِ مِنَ السَّفِينَةِ خَمْسِينَ سَنَةً(303)، ثُمَّ أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ: يَا نُوحُ، قَدِ انْقَضَتْ نُبُوَّتُكَ وَاسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ، فَانْظُرِ الاِسْمَ الأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ العِلْمِ وَآثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ الَّتِي مَعَكَ، فَادْفَعْهَا إِلَى ابْنِكَ سَامٍ، فَإِنِّي لَا أَتْرُكُ الأَرْضَ إِلَّا وَفِيهَا عَالِمٌ تُعْرَفُ بِهِ طَاعَتِي وَيَكُونُ نَجَاةً فِيمَا بَيْنَ قَبْضِ النَّبِيِّ وَمَبْعَثِ النَّبِيِّ الآخَرِ، وَلَمْ أَكُنْ أَتْرُكُ النَّاسَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَدَاعٍ إِلَيَّ وَهَادٍ إِلَى سَبِيلي وَعَارِفٍ بِأَمْرِي، فَإِنِّي قَدْ قَضَيْتُ أَنْ أَجْعَلَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادِياً أَهْدِي بِهِ السُّعَدَاءَ، وَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى الأَشْقِيَاءِ».
قَالَ: «فَدَفَعَ نُوحٌ (عليه السلام) الاِسْمَ الأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ العِلْمِ وَآثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ إِلَى ابْنِهِ سَامٍ، فَأَمَّا حَامٌ وَيَافِثُ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمَا عِلْمٌ يَنْتَفِعَانِ بِهِ».
قَالَ: «وَبَشَّرَهُمْ نُوحٌ بِهُودٍ، وَأَمَرَهُمْ بِاتِّبَاعِهِ، وَأَنْ يَفْتَحُوا الوَصِيَّةَ كُلَّ عَامٍ فَيَنْظُرُوا فِيهَا، وَيَكُونَ عِيداً لَهُمْ كَمَا أَمَرَهُمْ آدَمُ (عليه السلام)».
قَالَ: «فَظَهَرَتِ الجَبَرِيَّةُ فِي وُلْدِ حَامٍ وَيَافِثَ، فَاسْتَخْفَى وُلْدُ سَامٍ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْمِ، وجَرَتْ عَلَى سَامٍ بَعْدَ نُوحٍ الدَّوْلَةُ لِحَامٍ وَيَافِثَ، وَهُوَ قَوْلُ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ﴾ [الصافَّات: 78]، يَقُولُ: تَرَكْتُ عَلَى نُوحٍ دَوْلَةَ الجَبَّارِينَ، وَيُعِزُّ اللهُ مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بِذَلِكَ».
قَالَ: «وَوُلِدَ لِحَامٍ السِّنْدُ وَالهِنْدُ وَالحَبَشُ، وَوُلِدَ لِسَامٍ العَرَبُ وَالعَجَمُ، وَجَرَتْ عَلَيْهِمُ الدَّوْلَةُ، وَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ الوَصِيَّةَ عَالِمٌ بَعْدَ عَالِمٍ حَتَّى بَعَثَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) هُوداً (عليه السلام)»(304).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(303) أورده العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 11/ ص 288 و289/ باب جُمَل أحوال نوح (عليه السلام)/ ح 11)، وقال: (ذُكِرَ في (ص) - يعنى قَصص الأنبياء - بهذا الإسناد إلى قوله: «كما أمرهم آدم (عليه السلام)»، إلَّا أنَّ فيه: (خمسمائة سنة) بدل (خمسين سنة)، وهو الصواب كما يدلُّ عليه ما مرَّ من الأخبار. ورواه في الكافي أيضاً... وفيه: خمسمائة سنة).
(304) رواه بتفاوت الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 8/ 285/ ح 430)، والراوندي (رحمه الله) في قَصص الأنبياء (ص 90 و91/ ح 79).

(١٧٩)

[4/3] وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ الدَّقَّاقُ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ الكُوفِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَمِّهِ الحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ النَّوْفَلِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ الصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام): «لَـمَّا حَضَرَتْ نُوحاً (عليه السلام) الوَفَاةُ دَعَا الشِّيعَةَ، فَقَالَ لَهُمْ: اعْلَمُوا أَنَّهُ سَتَكُونُ مِنْ بَعْدِي غَيْبَةٌ تَظْهَرُ فِيهَا الطَّوَاغِيتُ، وَأَنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) يُفَرِّجُ عَنْكُمْ بِالقَائِمِ مِنْ وُلْدِي، اسْمُهُ هُودٌ، لَهُ سَمْتٌ وَسَكِينَةٌ وَوَقَارٌ، يُشْبِهُنِي فِي خَلْقِي وَخُلُقِي، وَسَيُهْلِكُ اللهُ أَعْدَاءَكُمْ عِنْدَ ظُهُورِهِ بِالرِّيحِ، فَلَمْ يَزَالُوا يَتَرَقَّبُونَ هُوداً (عليه السلام) وَيَنْتَظِرُونَ ظُهُورَهُ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ وَقَسَتْ قُلُوبُ أَكْثَرِهِمْ، فَأَظْهَرَ اللهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَبِيَّهُ هُوداً (عليه السلام) عِنْدَ اليَأْسِ مِنْهُمْ وَتَنَاهِي البَلَاءِ بِهِمْ، وَأَهْلَكَ الأَعْدَاءَ بِالرِّيحِ العَقِيمِ الَّتِي وَصَفَهَا اللهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَقَالَ: ﴿مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾ [الذاريات: 42]، ثُمَّ وَقَعَتِ الغَيْبَةُ [بِهِ] بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ ظَهَرَ صَالِحٌ (عليه السلام)»(305).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(305) قال الطبرسي (رحمه الله) في مجمع البيان (ج 4/ ص 287): (جملة ما ذكره السُّدِّي ومحمّد بن إسحاق وغيرهما من المفسِّرين في قصَّة هود أنَّ عاداً كانوا ينزلون اليمن، وكانت مساكنهم منها بالشحر والأحقاف، وهي رمال يقال لها: رمل عالج والدهناء ويبرين ما بين عمان إلى حضرموت. وكان لهم زرع ونخل، ولهم أعمار طويلة، وأجساد عظيمة، وكانوا أصحاب أصنام يعبدونها، فبعث الله تعالى إليهم هوداً نبيًّا، وكان من أوسطهم نسباً، وأفضلهم حسباً، فدعاهم إلى التوحيد وخلع الأنداد، فأبوا عليه وكذَّبوه وآذوه، فأمسك الله عنهم المطر سبع سنين، وقيل: ثلاث سنين، حتَّى قحطوا. وكان الناس في ذلك الزمان إذا نزل بهم بلاء أو جهد التجأوا إلى بيت الله الحرام بمكَّة، مسلمهم وكافرهم، وأهل مكَّة يومئذٍ العماليق من ولد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، وكان سيِّد العماليق إذ ذاك بمكَّة رجلاً يقال له: معاوية بن بكر، وكانت أُمُّه من عاد، فبعث عاد وفداً إلى مكَّة ليستسقوا لهم، فنزلوا على معاوية بن بكر وهو بظاهر مكَّة خارجاً من الحرم، فأكرمهم وأنزلهم، وأقاموا عنده شهراً يشربون الخمر. فلمَّا رأى معاوية طول مقامهم وقد بعثهم قومهم يتغوَّثون من البلاء الذي نزل بهم شقَّ ذلك عليه، وقال: هلك أخوالي، وهؤلاء مقيمون عندي، وهم ضيفي، أستحي أنْ آمرهم بالخروج إلى ما بُعِثُوا إليه. وشكا ذلك إلى قينتيه اللتين كانتا تُغنّيانهم، وهما الجرادتان، فقالتا: قل شعرا نُغنِّيهم به لا يدرون من قاله، فقال معاوية بن بكر:

ألَا يا قيل ويحك قم فهينم * * * لعلَّ الله يصبحنا غماما
فيسقي أرض عاد إنَّ عاداً * * * قد أمسوا ما يبينون الكلاما
وإنَّ الوحش تأتيهم جهاراً * * * ولا تخشى لعادي سهاما
وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم * * * نهاركم وليلكم التماما
فقبح وفدكم من وفد قوم * * * ولا لقوا التحيَّة والسلاما

فلمَّا غنَّتهم الجرادتان بهذا، قال بعضهم لبعض: إنَّما بعثكم قومكم يتغوَّثون بكم من هذا البلاء، فادخلوا هذا الحرم، واستسقوا لهم. فقال رجل منهم قد آمن هود سرًّا: والله لا تُسْقَون بدعائكم، ولكن إنْ أطعتم نبيَّكم سُقيتم، فزجروه، وخرجوا إلى مكَّة يستسقون بها لعاد، وكان قيل بن عنزر رأس وفد عاد، فقال: يا إلهنا، إنْ كان هود صادقاً فاسقنا، فإنَّا قد هلكنا. فأنشأ الله سبحانه سحاباً ثلاثاً: بيضاء، وحمراء، وسوداء. ثمّ ناداه منادٍ من السماء: يا قيل، اختر لنفسك ولقومك. فاختار السحابة السوداء التي فيها العذاب، فساق الله سبحانه تلك السحابة بما فيها من النقمة إلى عاد. فلمَّا رأوها استبشروا بها وقالوا: ﴿هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾، يقول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الأحقاف: 24]، فسخَّرها الله تعالى عليهم ﴿سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً﴾ [الحاقَّة: 7]، أي: دائمة، فلم تدع من عاد أحداً إلَّا هلك. واعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة، وما يصيبه ومن معه إلَّا ما تلين عليه الجلود، وتلتذُّ النفوس).

(١٨٠)

[5/4] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ وَكَرَّامِ بْنِ عَمْرٍو(306)، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ أَبِي الدَّيْلَمِ، عَنِ الصَّادِقِ أَبِي عَبْدِ اللهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام)، قَالَ: «لَـمَّا بَعَثَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) هُوداً (عليه السلام) أَسْلَمَ لَهُ العَقِبُ مِنْ وُلْدِ سَامٍ، وَأَمَّا الآخَرُونَ فَقَالُوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً، فَأُهْلِكُوا بِالرِّيحِ العَقِيمِ، وَأَوْصَاهُمْ هُودٌ وَبَشَّرَهُمْ بِصَالِحٍ (عليه السلام)»(307).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(306) كذا، وهو لقب عبد الكريم بن عمرو.
(307) رواه الراوندي (رحمه الله) في قَصص الأنبياء (ص 94/ ح 83).

(١٨١)

[6/1] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ الحَسَنِ الصَّفَّارُ وَسَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الخَطَّابِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ صَالِحاً (عليه السلام) غَابَ عَنْ قَوْمِهِ زَمَاناً(308)، وكَانَ يَوْمَ غَابَ عَنْهُمْ كَهْلاً، مُبْدَحَ البَطْنِ، حَسَنَ الجِسْمِ، وَافِرَ اللِّحْيَةِ، خَمِيصَ البَطْنِ(309)، خَفِيفَ العَارِضَيْنِ مُجْتَمِعاً، رَبْعَةً مِنَ الرِّجَالِ(310)، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ لَمْ يَعْرِفُوهُ بِصُورَتِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ: طَبَقَةٌ جَاحِدَةٌ لَا تَرْجِعُ أَبَداً، وَأُخْرَى شَاكَّةٌ فِيهِ، وَأُخْرَى عَلَى يَقِينٍ، فَبَدَأَ (عليه السلام) حَيْثُ رَجَعَ بِالطَّبَقَةِ الشَّاكَّةِ(311)، فَقَالَ لَهُمْ: أَنَا صَالِحٌ، فَكَذَّبُوهُ وَشَتَمُوهُ وَزَجَرُوهُ، وَقَالُوا: بَرِئَ اللهُ مِنْكَ، إِنَّ صَالِحاً كَانَ فِي غَيْرِ صَورَتِكَ».
قَالَ: «فَأَتَى الجُحَّادَ، فَلَمْ يَسْمَعُوا مِنْهُ القَوْلَ وَنَفَرُوا مِنْهُ أَشَدَّ النُّفُورِ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ، وَهُمْ أَهْلُ اليَقِينِ، فَقَالَ لَهُمْ: أَنَا صَالِحٌ، فَقَالُوا أَخْبِرْنَا خَبَراً لَا نَشُكُّ فِيكَ مَعَهُ أَنَّكَ صَالِحٌ، فَإِنَّا لَا نَمْتَرِي أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الخَالِقُ يَنْقُلُ وَيُحَوِّلُ فِي أَيِّ صُورَةٍ شَاءَ، وَقَدْ أُخْبِرْنَا وَتَدَارَسْنَا فِيمَا بَيْنَنَا بِعَلَامَاتِ القَائِمِ إِذَا جَاءَ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ عِنْدَنَا إِذَا أَتَى الخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ، فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: أَنَا صَالِحٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(308) غيبته (عليه السلام) كانت بعد هلاك قومه، ورجوعه كان إلى من آمن به ونجا من العذاب.
(309) مبدح البطن: لعلَّ المراد به واسع البطن عظيمه، وأمَّا خميص البطن أي ضامره، والمراد به ما تحت البطن حيث يشدُّ المنطقة، فلا منافاة.
(310) الربعة: المتوسِّط بين الطول والقصر.
(311) في بعض النُّسَخ: (بطبقة الشاكَّة).

(١٨٥)

الَّذِي أَتَيْتُكُمْ بِالنَّاقَةِ، فَقَالُوا: صَدَقْتَ، وَهِيَ الَّتِي نَتَدَارَسُ، فَمَا عَلَامَتُهَا؟ فَقَالَ: ﴿لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ [الشعراء: 155]، قَالُوا: آمَنَّا بِاللهِ وَبِمَا جِئْتَنَا بِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿أَنَّ صَالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ﴾، فَقَالَ أَهْلُ اليَقِينِ: ﴿إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ وَهُمُ الشُّكَّاكُ وَالجُحَّادُ: ﴿إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ [الأعراف: 75 و76]»، قُلْتُ: هَلْ كَانَ فِيهِمْ ذَلِكَ اليَوْمَ عَالِمٌ بِهِ؟ قَالَ: «اللهُ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَ الأَرْضَ بِلَا عَالِمٍ(312) يَدُلُّ عَلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ)، وَلَقَدْ مَكَثَ القَوْمُ بَعْدَ خُرُوجِ صَالِحٍ سَبْعَةَ أَيَّامٍ عَلَى فَتْرَةٍ لَا يَعْرِفُونَ إِمَاماً، غَيْرَ أَنَّهُمْ عَلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ دِينِ اللهِ (عزَّ وجلَّ)، كَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ، فَلَمَّا ظَهَرَ صَالِحٌ (عليه السلام) اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا مَثَلُ القَائِمِ (عليه السلام) مَثَلُ صَالِحٍ».

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(312) في بعض النُّسَخ: (بغير عالم).

(١٨٦)

وأمَّا غيبة إبراهيم خليل الرحمن (صلوات الله عليه) فإنَّها تشبه غيبة قائمنا (صلوات الله عليه)، بل هي أعجب منها، لأنَّ الله (عزَّ وجلَّ) غيَّب أثر إبراهيم (عليه السلام) وهو في بطن أُمِّه حتَّى حوَّله (عزَّ وجلَّ) بقدرته من بطنها إلى ظهرها، ثمّ أخفى أمر ولادته إلى وقت بلوغ الكتاب أجله.
[7/1] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ(313)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: «كَانَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) مُنَجِّماً لِنُمْرُودَ بْنِ كَنْعَانَ(314)، وَكَانَ نُمْرُودُ لَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنْ رَأْيِهِ، فَنَظَرَ فِي النُّجُومِ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي، فَأَصْبَحَ، فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ فِي لَيْلَتِي هَذِهِ عَجَباً(315)، فَقَالَ لَهُ نُمْرُودُ: وَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: رَأَيْتُ مَوْلُوداً يُولَدُ فِي أَرْضِنَا هَذِهِ، فَيَكُونُ هَلَاكُنَا عَلَى يَدَيْهِ، وَلَا يَلْبَثُ إِلَّا قَلِيلاً حَتَّى يُحْمَلَ بِهِ، فَعَجِبَ مِنْ ذَلِكَ نُمْرُودُ، وَقَالَ لَهُ: هَلْ حَمَلَتْ بِهِ النِّسَاءُ؟ فَقَالَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(313) كأنَّ فيه سقطاً لما رواه الكليني في الكافي بإسناده عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي أيُّوب الخزَّاز، عن أبي بصير.
(314) قال المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي: (هو نمرود بن كنعان من أحفاد سام بن نوح، وكان بينه وبين نوح سبعة آباء، وكان مَلِك الشرق والغرب، وادَّعى الأُلوهيَّة، وأمر بعمل الأصنام على صورته ونشرها على بلاده وأمرهم بعبادتها والسجود لها، ولم يكن في عهده مؤمن ظاهراً حتَّى بعث الله تعالى خليل الرحمن).
(315) قال المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي: (العجب إنكار ما يرد عليك، وقد يتعجَّب الإنسان من الشيء لعظم موقعه عنده لحسنه أو لقبحه مع خفاء سببه).
وقال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول: (لا يدلُّ على جواز النظر فيها والحكم بها لغير من أحاط بها علماً)

(١٨٩)

لَا، وَكَانَ فِيمَا أُوتِيَ بِهِ مِنَ العِلْمِ أَنَّهُ سَيُحْرَقُ بِالنَّارِ، وَلَمْ يَكُنْ أُوتِيَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى سَيُنْجِيهِ».
قَالَ: «فَحَجَبَ النِّسَاءَ عَنِ الرِّجَالِ، فَلَمْ يَتْرُكْ امْرَأَةً إِلَّا جُعِلَتْ بِالمَدِينَةِ حَتَّى لَا يَخْلُصَ إِلَيْهِنَّ الرِّجَالُ(316)».
قَالَ: «وَوَقَعَ(317) أَبُو إِبْرَاهِيمَ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَحَمَلَتْ بِهِ(318)، وَظَنَّ أَنَّهُ صَاحِبُهُ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(316) أي لا يصل إليهنَّ، وفي الصحاح (ج 3/ ص 1037/ مادَّة خلص): (خلص إليه الشيء: وصل).
وقال المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي: (خلص فلان إلى فلان وصل إليه. وفي معراج النبوَّة جعلهنَّ في المدينة ومنع الرجال من الدخول فيها ووكل على أبواب المدينة أُمناء منهم آزر، فحضرت زوجته عنده، فواقعها، فحملت بإبراهيم (عليه السلام)).
وقال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول: (على بناء المجهول، يقال: خلص إليه، أي وصل).
(317) في بعض النُّسَخ: (وباشر بدون على).
(318) قال المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي: (قال الفاضل الأمين الأسترآبادي: هذا الحديث صريح في أنَّ آزر كان أبا إبراهيم (عليه السلام)، وقد انعقد إجماع الفرقة المحقَّة على أنَّ أجداد نبيِّنا (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كانوا مسلمين إلى آدم (عليه السلام)، وقد تواترت عنهم (عليهم السلام): نحن من الأصلاب الطاهرات والأرحام المطهَّرات لم تُدنِّسهم الجاهليَّة بأدناسها. وفي كُتُب الشافعيَّة كالقاموس وكشرح الهمزيَّة لابن حجر المكّي تصريح بأنَّ آزر كان عمُّ إبراهيم (عليه السلام)، وكان أبوه تارخ. ويمكن حمل هذا الحديث على التقيَّة بأنْ يكون هذا مذهب أبي حنيفة. انتهى. أقول: تارخ غير آزر كما صرَّح به بعض العامَّة، وعلى هذا لا يرد أنَّ تارخ هو آزر، وأكثرهم على الاتِّحاد).
وقال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول: (اعلم أنَّ العامَّة اختلفوا في أبي إبراهيم، قال الرازي في تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ﴾ [الأنعام: 74]: ظاهر هذه الآية تدلُّ على أنَّ اسم والد إبراهيم هو آزر، ومنهم من قال: اسمه تارخ، قال الزجَّاج: لا خلاف بين النسَّابين أنَّ اسمه تارخ، ومن الملحدة من جعل هذا طعناً في القرآن. أقول: ثمّ ذكر لتوجيه ذلك وجوها...، إلى أنْ قال: والوجه الرابع: أنَّ والد إبراهيم (عليه السلام) كان تارخ، وآزر كان عمًّا له، والعمُّ قد يُطلَق عليه لفظ الأب كما حكى الله عن أولاد يعقوب أنَّهم قالوا: ﴿نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾ [البقرة: 133]، ومعلوم أنَّ إسماعيل كان عمًّا ليعقوب، وقد أطلقوا عليه لفظ الأب فكذا هاهنا. أقول: ثمّ قال بعد كلام: قالت الشيعة: إنَّ أحداً من آباء الرسول وأجداده ما كان كافراً، وأنكروا أنَّ والد إبراهيم كان كافراً، وذكروا أنَّ آزر كان عمُّ إبراهيم وما كان والداً له، واحتجُّوا على قولهم بوجوه: الحجَّة الأُولى: أنَّ آباء نبيِّنا ما كانوا كُفَّاراً، ويدلُّ عليه وجوه منها قوله تعالى: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ [الشعراء: 218 و219]، قيل : معناه أنَّه كان ينقل روحه عن ساجد إلى ساجد، وبهذا التقدير فالآية دالَّة على أنَّ جميع آباء محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كانوا مسلمين، وحينئذٍ يجب القطع بأنَّ والد إبراهيم كان مسلماً. ثمّ قال: وممَّا يدلُّ أيضاً على أنَّ أحداً من آباء محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ما كانوا مشركين قوله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «لم أزل أُنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات»، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ [التوبة: 28]، وذلك يوجب أنْ يقال: إنَّ أحداً من أجداده ما كان من المشركين. انتهى. وقال الشيخ الطبرسي (رحمه الله) بعد نقل ما مرَّ من كلام الزجَّاج: وهذا الذي قاله الزجاج يقوِّي ما قاله أصحابنا أنَّ آزر كان جدُّ إبراهيم لأُمِّه، أو كان عمُّه من حيث صحَّ عندهم أنَّ آباء النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى آدم كلُّهم كانوا موحِّدين، وأجمعت الطائفة على ذلك. انتهى. أقول: الأخبار الدالَّة على إسلام آباء النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) من طُرُق الشيعة مستفيضة بل متواترة، وكذا في خصوص والد إبراهيم قد وردت بعض الأخبار، وقد عرفت إجماع الفرقة المحقَّة على ذلك بنقل المخالف والمؤالف، وهذا الخبر صريح في كون والده (عليه السلام) آزر، فلعلَّه ورد تقيَّةً).

(١٩٠)

فَأَرْسَلَ إِلَى نِسَاءٍ مِنَ القَوَابِلِ لَا يَكُونُ فِي البَطْنِ شَيْءٌ إِلَّا عَلِمْنَ بِهِ، فَنَظَرْنَ إِلَى أُمِّ إِبْرَاهِيمَ، فَالزَمَ اللهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَا فِي الرَّحِمِ الظَّهْرَ، فَقُلْنَ: مَا نَرَى شَيْئاً فِي بَطْنِهَا، فَلَمَّا وَضَعَتْ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ [بِهِ] أَرَادَ أَبُوهُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إِلَى نُمْرُودَ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: لَا تَذْهَبْ بِابْنِكَ إِلَى نُمْرُودَ فَيَقْتُلَهُ، دَعْنِي أَذْهَبْ بِهِ إِلَى بَعْضِ الغِيرَانِ(319) أَجْعَلْهُ فِيهِ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ أَجَلُهُ وَلَا تَكُونَ أَنْتَ تَقْتُلُ ابْنَكَ، فَقَالَ لَهَا: فَاذْهَبِي بِهِ، فَذَهَبَتْ بِهِ إِلَى غَارٍ، ثُمَّ أَرْضَعَتْهُ، ثُمَّ جَعَلَتْ عَلَى بَابِ الغَارِ صَخْرَةً، ثُمَّ انْصَرَفَتْ عَنْهُ، فَجَعَلَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) رِزْقَهُ فِي إِبْهَامِهِ، فَجَعَلَ يَمُصُّهَا فَيَشْرَبُ لَبَناً(320)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(319) جمع الغار، وهو الكهف في الجبل.
(320) في الكافي: (فيشخب لبنها).

(١٩١)

وَجَعَلَ يَشِبُّ(321) فِي اليَوْمِ كَمَا يَشِبُّ غَيْرُهُ فِي الجُمْعَةِ، وَيَشِبُّ فِي الجُمْعَةِ كَمَا يَشِبُّ غَيْرُهُ فِي الشَّهْرِ، وَيَشِبُّ فِي الشَّهْرِ كَمَا يَشِبُّ غَيْرُهُ فِي السَّنَةِ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ إِنَّ أُمَّهُ قَالَتْ لِأَبِيهِ: لَوْ أَذِنْتَ لِي حَتَّى أَذْهَبَ إِلَى ذَلِكَ الصَّبِيِّ فَأَرَاهُ فَعَلْتُ، قَالَ: فَافْعَلِي، فَأَتَتِ الغَارَ، فَإِذَا هِيَ بِإِبْرَاهِيمَ (عليه السلام)، وَإِذَا عَيْنَاهُ تَزْهَرَانِ كَأَنَّهُمَا سِرَاجَانِ، فَأَخَذَتْهُ وَضَمَّتْهُ إِلَى صَدْرِهَا وَأَرْضَعَتْهُ ثُمَّ انْصَرَفَتْ عَنْهُ، فَسَأَلَهَا أَبُوهُ عَنِ الصَّبِيِّ، فَقَالَتْ لَهُ: قَدْ وَارَيْتُهُ فِي التُّرَابِ، فَمَكَثَتْ تَعْتَلُّ وَتَخْرُجُ فِي الحَاجَةِ وَتَذْهَبُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) فَتَضُمُّهُ إِلَيْهَا وَتُرْضِعُهُ ثُمَّ تَنْصَرِفُ، فَلَمَّا تَحَرَّكَ أَتَتْهُ أُمُّهُ كَمَا كَانَتْ تَأْتِيهِ وصَنَعَتْ كَمَا كَانَتْ تَصْنَعُ، فَلَمَّا أَرَادَتِ الاِنْصِرَافَ أَخَذَ بِثَوْبِهَا(322)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(321) قال المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي: (يشبُّ فلان بالكسر ويُضَمُّ: يرتفع ويكبر).
وقال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول: (قوله (عليه السلام): «يشبُّ في اليوم» بكسر الشين: أي ينمو، لعلَّ المراد أنَّ في الأُسبوع الأوَّل يشبُّ كلَّ يوم كما يشبُّ غيره في الجمعة، أي الأُسبوع تسمية للكلِّ باسم الجزء، ثمّ في بقيَّة الشهر يشبُّ في كلِّ أُسبوع كما يشبُّ غيره في شهر، ثمّ في بقية السنة يشبُّ في كلِّ شهر كما يشبُّ غيره في السنة. ويحتمل أنْ لا تكون هذه التشبيهات مبنيَّة على المساواة الحقيقيَّة، بل على محض الإسراع في النموِّ، وهذا شائع في المحاورات).
(322) قال المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي: (في معارج النبوَّة: قال لأُمِّه: هل غير هذه البقعة منزل آخر؟ قالت: نعم أوسع وأحسن وأزين، وهذه البقعة ضيِّقة، وانَّما أسكنتك فيها خوفاً من العدوِّ وتحُّرزاً من قتلك، فالتمسها أنْ تُخرجه معها، فلمَّا أخرجته ليلاً رأى (عليه السلام) أرضاً موضوعة مبسوطة وسماء مرفوعة مزيَّنة بزينة الكواكب، فقال ما حكاه عنه (جلَّ شأنه) بقوله: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي...﴾ الآية [الأنعام: 76]، والمراد بالكوكب الجنس أو الزهرة كما قيل: ﴿هَذَا رَبِّي﴾ أي على زعمكم، وقيل: تقديره: أهذا ربِّي بحذف حرف الاستفهام، قاله على سبيل الإنكار. وقيل: إنَّه (عليه السلام) كان في مقام الاستدلال على وجود الصانع والمستدلّ، قيل: إتمام الاستدلال لا يحصل له العلم بالمطلوب، فلمَّا تمَّ استدلاله حصل له اليقين بالربِّ الحقيقي فقال: ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ [الأنعام: 79]. وهذا ليس بشيء، لأنَّه كان له علم بالربِّ بحسب الفطرة، وقيل غير ذلك).

(١٩٢)

فَقَالَتْ لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ لَهَا: اذْهَبِي بِي مَعَكِ، فَقَالَتْ لَهُ: حَتَّى أَسْتَأْمِرَ أَبَاكَ»(323).
فَلَمْ(324) يَزَلْ إِبْرَاهِيمُ (عليه السلام) فِي الغَيْبَةِ مَخْفِيًّا لِشَخْصِهِ، كَاتِماً لِأَمْرِهِ، حَتَّى ظَهَرَ فَصَدَعَ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَأَظْهَرَ اللهُ قُدْرَتَهُ فِيهِ. ثُمَّ غَابَ (عليه السلام) الغَيْبَةَ الثَّانِيَةَ، وَذَلِكَ حِينَ نَفَاهُ الطَّاغُوتُ عَنْ مِصْرَ، فَقَالَ: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾، قَالَ اللهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ [مريم: 48 - 50]، يَعْنِي بِهِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ قَدْ كَانَ دَعَا اللهَ (عزَّ وجلَّ) أَنْ يَجْعَلَ لَهُ لِسانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ، فَجَعَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ وَلِإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا، فَأَخْبَرَ عَلِيٌّ (عليه السلام) بِأَنَّ القَائِمَ هُوَ الحَادِي عَشَرَ(325) مِنْ وُلْدِهِ، وَأَنَّهُ المَهْدِيُّ الَّذِي يَمْلَأُ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، وَأَنَّهُ تَكُونُ لَهُ غَيْبَةٌ وَحَيْرَةٌ يَضِلُّ فِيهَا أَقْوَامٌ وَيَهْتَدِي فِيهَا آخَرُونَ، وَأَنَّ هَذَا كَائِنٌ كَمَا أَنَّهُ مَخْلُوقٌ.
وَأَخْبَرَ (عليه السلام) فِي حَدِيثِ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِ «أَنَّ الأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ قَائِمٍ بِحُجَّةٍ، إِمَّا ظَاهِرٍ مَشْهُورٍ أَوْ خَافٍ مَغْمُورٍ، لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُهُ»(326).
وقد أخرجت هذين الخبرين في هذا الكتاب بإسنادهما في باب ما أخبر به

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(323) تتمَّة الحديث في الكافي (ج 8/ ص 366 - 368/ ح 558)، فليُراجَع.
وراجع: شرح أُصول الكافي للمازندراني (ج 12/ ص 529 و530)، ومرآة العقول (ج 26/ ص 548 - 551).
(324) من هنا كلام المصنِّف (رحمه الله) لا بقيَّة الحديث.
(325) كذا، ولعلَّه وهم من الراوي، والصواب العاشر.
(326) سيأتي مسنداً تحت الرقم (186/2)، فانتظر.

(١٩٣)

أمير المؤمنين (عليه السلام) من وقوع الغيبة، وكرَّرت ذكرهما للاحتياج إليه على أثر ما ذكرت من قصَّة إبراهيم (عليه السلام).
ولإبراهيم (عليه السلام) غيبة أُخرى سار فيها في البلاد وحده للاعتبار.
[8/2] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ جَمِيعاً، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: خَرَجَ إِبْرَاهِيمُ (عليه السلام) ذَاتَ يَوْمٍ يَسِيرُ فِي البِلَادِ لِيَعْتَبِرَ، فَمَرَّ بِفَلَاةٍ مِنَ الأَرْضِ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ يُصَلِّي قَدْ قَطَعَ إِلَى السَّمَاءِ صَوْتَهُ(327)، وَلِبَاسُهُ شَعَرٌ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ (عليه السلام)، فَعَجِبَ مِنْهُ، وَجَلَسَ يَنْتَظِرُ فَرَاغَهُ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَرَّكَهُ بِيَدِهِ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّ لِي حَاجَةً، فَخَفِّفْ».
قَالَ: «فَخَفَّفَ الرَّجُلُ، وَجَلَسَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (عليه السلام): لِمَنْ تُصَلِّي؟ فَقَالَ: لِإِلَهِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: وَمَنْ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: الَّذِي خَلَقَكَ وَخَلَقَنِي، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: لَقَدْ أَعْجَبَنِي نَحْوُكَ(328)، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُوَاخِيَكَ فِي اللهِ (عزَّ وجلَّ)، فَأَيْنَ مَنْزِلُكَ إِذَا أَرَدْتُ زِيَارَتَكَ وَلِقَاءَكَ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: مَنْزِلِي خَلْفَ هَذِهِ النُّطْفَةِ(329) - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى البَحْرِ -، وَأَمَّا مُصَلَّايَ فَهَذَا المَوْضِعُ تُصِيبُنِي فِيهِ إِذَا أَرَدْتَنِي إِنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ لِإِبْرَاهِيمَ: لَكَ حَاجَةٌ؟ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: نَعَمْ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ لَهُ: تَدْعُو اللهَ وَأُؤَمِّنُ أَنَا عَلَى دُعَائِكَ، أَوْ أَدْعُو أَنَا وَتُؤَمِّنُ أَنْتَ عَلَى دُعَائِي، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: وَفِيمَ نَدْعُو اللهَ؟ فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: لِلْمُذْنِبِينَ المُؤْمِنِينَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَا، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَلِـمَ؟ فَقَالَ: لِأَنِّي دَعَوْتُ اللهَ مُنْذُ ثَلَاثِ سِنِينَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(327) كذا، وفي الكافي: (طوله). والقطع كما في الوافي: العمود. ولعلَّه تصحيف: (رفع).
(328) أي طريقتك في العبادة، والنحو: الطريق.
(329) النطفة: الماء الصافي، قلَّ أو كثر.

(١٩٤)

بِدَعْوَةٍ لَمْ أَرَ إِجَابَتَهَا إِلَى السَّاعَةِ، وَأَنَا أَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ (عزَّ وجلَّ) أَنْ أَدْعُوَهُ بِدَعْوَةٍ حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَجَابَنِي، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَفِيمَا دَعَوْتَهُ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إِنِّي لَفِي مُصَلَّايَ هَذَا ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ مَرَّ بِي غُلَامٌ أَرْوَعُ(330) النُّورُ يَطْلُعُ مِنْ جَبْهَتِهِ، لَهُ ذُؤَابَةٌ مِنْ خَلْفِهِ، وَمَعَهُ بَقَرٌ يَسُوقُهَا كَأَنَّمَا دُهِنَتْ دَهْناً، وَغَنَمٌ يَسُوقُهَا كَأَنَّمَا دُخِسَتْ دَخْساً(331)، قَالَ: فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ: يَا غُلَامُ، لِمَنْ هَذِهِ البَقَرُ والغَنَمُ؟ فَقَالَ: لِي(332)، فَقُلْتُ: وَمَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ (عزَّ وجلَّ)، فَدَعَوْتُ اللهَ (عزَّ وجلَّ) عِنْدَ ذَلِكَ وَسَالتُهُ أَنْ يُرِيَنِي خَلِيلَهُ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (عليه السلام): فَأَنَا إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، وَذَلِكَ الغُلَامُ ابْنِي، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ عِنْدَ ذَلِكَ: الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِينَ الَّذِي أَجَابَ دَعْوَتِي».
قَالَ: «ثُمَّ قَبَّلَ الرَّجُلُ صَفْحَتَيْ وَجْهِ إِبْرَاهِيمَ وَعَانَقَهُ، ثُمَّ قَالَ: الآنَ فَنَعَمْ، وَادْعُ(333) حَتَّى أُؤَمِّنَ عَلَى دُعَائِكَ، فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ (عليه السلام) لِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ المُذْنِبِينَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ بِالمَغْفِرَةِ وَالرِّضَا عَنْهُمْ».
قَالَ: «وَأَمَّنَ الرَّجُلُ عَلَى دُعَائِهِ».
[قَالَ]: فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «فَدَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ بَالِغَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ المُذْنِبِينَ مِنْ شِيعَتِنَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ»(334)،(335).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(330) الأروع - كجعفر - من الرجال: الذي يُعجبك حسنه.
(331) الدخس - بالمعجمة بين المهملتين -: الورم والسمن.
(332) في الكافي: (فقال: لإبراهيم).
(333) في الكافي: (فقم وادعُ).
(334) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 8/ ص 392 - 394/ ح 591).
(335) قال المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 12/ ص 573): (قوله: «منزلي خلف هذه النطفة» النطفة البحر، ويقال للماء القليل والكثير نطفة، وهي بالقليل أخصّ. «إذ مرَّ بي غلام أروع» الأروع من يعجبك بحسنه ونضرة منظرة أو بشجاعته. «ومعه بقر يسوقها كأنَّما دُهِنَت دهناً» دهنه دهناً ودهنة بلَّه، والاسم الدُّهن بالضمِّ، وهو كناية عن سمنها وطراوة جسدها، ولفظة (ما) كافَّة. «وغنم يسوقها كأنَّما دُخِسَت دخساً» أي مُلِئَت جلدها باللحم والشحم، وكلُّ شيء ملأته فقد خسته، وكلُّ ذي سمن دخيس).
وقال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 26/ ص 603): (قوله (عليه السلام): «نحوك» أي طريقتك في العبادة أو مثلك. قوله: «خلف هذه النطفة»، قال الفيروزآبادي: النطفة - بالضمِّ - الماء الصافي قلَّ أو كثر. وقال المطرزي: النطفة البحر. قوله: «أروع»، قال الجوهري: الأروع من الرجال الذي يُعجبك حسنه. قوله (عليه السلام): «كأنَّما دُهِنَت دهناً»، يقال: دهنه أي طلاه بالدُّهن، وهو كناية عن سمنها، أي مُلِئَت دهناً، أو صفائها، أي طُلِيَت به. قوله (عليه السلام): «كأنَّما دُخِسَت دخساناً» في أكثر النُّسَخ بالخاء المعجمة، وفي بعضها بالمهملة. قال الجوهري: الدخيس اللحم المكتنز، وكلُّ ذي سمن دخيس. وقال الجزري: كلُّ شيء ملأته فقد دخسته، والدخاس الامتلاء والزحام. قوله (عليه السلام): «من يومه ذلك» أي إلى القيامة).

(١٩٥)

وأمَّا غيبة يوسف (عليه السلام) فإنَّها كانت عشرين سنة لم يُدهِّن فيها ولم يكتحل ولم يتطيَّب ولم يمسّ النساء حتَّى جمع الله ليعقوب شمله وجمع بين يوسف وإخوته وأبيه وخالته، كان منها ثلاثة أيَّام في الجُبِّ، وفي السجن بضع سنين، وفي الملك باقي سنيه. وكان هو بمصر ويعقوب بفلسطين، وكان بينهما مسيرة تسعة أيَّام، فاختلفت عليه الأحوال في غيبته من إجماع إخوته على قتله، ثمّ إلقائهم إيَّاه في غيابت الجُبِّ، ثمّ بيعهم إيَّاه بثمن بخس دراهم معدودة، ثمّ بلواه بفتنة امرأة العزيز، ثمّ بالسجن بضع سنين، ثمّ صار إليه بعد ذلك ملك مصر(336) وجمع الله (تعالى ذكره) شمله وأراه تأويل رؤياه.
[9/1] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى العَطَّارُ، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ الحَسَنِ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الحَسَنِ المِيثَمِيِّ، عَنِ الحَسَنِ الوَاسِطِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: «قَدِمَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى يُوسُفَ لِيَشْتَرِيَ مِنْهُ طَعَاماً فَبَاعَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ يُوسُفُ: أَيْنَ مَنْزِلُكَ؟ قَالَ لَهُ: بِمَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا».
قَالَ: «فَقَالَ لَهُ: فَإِذَا مَرَرْتَ بِوَادِي كَذَا وَكَذَا فَقِفْ فَنَادِ: يَا يَعْقُوبُ، يَا يَعْقُوبُ، فَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ إِلَيْكَ رَجُلٌ عَظِيمٌ جَمِيلٌ جَسِيمٌ وَسِيمٌ، فَقُلْ لَهُ: لَقِيتُ رَجُلاً بِمِصْرَ وَهُوَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكَ: إِنَّ وَدِيعَتَكَ عِنْدَ اللهِ (عزَّ وجلَّ) لَنْ تَضِيعَ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(336) الذي يظهر من القرآن وبعض الأخبار أنَّه صار عزيز مصر لا مَلِكه، والعزيز رئيس الدولة، والمَلِك هو فرعون مصر.

(١٩٩)

قَالَ: «فَمَضَى الأَعْرَابِيُّ حَتَّى انْتَهَى إِلَى المَوْضِعِ، فَقَالَ لِغِلْمَانِهِ: احْفَظُوا عَلَيَّ الإِبِلَ، ثُمَّ نَادَى: يَا يَعْقُوبُ، يَا يَعْقُوبُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَعْمَى طَوِيلٌ جَسِيمٌ جَمِيلٌ يَتَّقِي الحَائِطَ بِيَدِهِ حَتَّى أَقْبَلَ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَنْتَ يَعْقُوبُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَبْلَغَهُ مَا قَالَ لَهُ يُوسُفُ».
قَالَ: «فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: يَا أَعْرَابِيُّ، أَلَكَ حَاجَةٌ إِلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ)؟ فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ، إِنِّي رَجُلٌ كَثِيرُ المَالِ وَلِي ابْنَةُ عَمٍّ لَيْسَ يُولَدُ لِي مِنْهَا، وَأُحِبُّ أَنْ تَدْعُوَ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنِي وَلَداً».
قَالَ: «فَتَوَضَّأَ يَعْقُوبُ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ دَعَا اللهَ (عزَّ وجلَّ)، فَرُزِقَ أَرْبَعَةَ أَبْطُنٍ - أَوْ قَالَ سِتَّةَ أَبْطُنٍ - فِي كُلِّ بَطْنٍ اثْنَانِ. فَكَانَ يَعْقُوبُ (عليه السلام) يَعْلَمُ أَنَّ يُوسُفَ (عليه السلام) حَيٌّ لَمْ يَمُتْ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ سَيُظْهِرُهُ لَهُ بَعْدَ غَيْبَتِهِ، وَكَانَ يَقُولُ لِبَنِيهِ: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 96]، وَكَانَ أَهْلُهُ وَأَقْرِبَاؤُهُ يُفَنِّدُونَهُ عَلَى ذِكْرِهِ لِيُوسُفَ حَتَّى إِنَّهُ لَـمَّا وَجَدَ رِيحَ يُوسُفَ قَالَ: ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لَا أَنْ تُفَنِّدُونِ * قَالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ القَدِيمِ * فَلَمَّا أَنْ جَاءَ البَشِيرُ﴾ وهُوَ يَهُودَا ابْنُهُ وَالقَى قَمِيصَ يُوسُفَ ﴿عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 94 - 96]»(337).
[10/2] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى العَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ السَّرَّاجِ، عَنْ بِشْرِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ المُفَضَّلِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(337) قال العلَّامة المجلسي في بحار الأنوار (ج 12/ ص 286): (بيان: الوسامة: أثر الحسن. ويظهر من هذا الخبر أنَّ يهودا لم يذهب مع إخوته في المرَّة الأخيرة، وهو خلاف المشهور كما عرفت، وذكر المفسِّرون أنَّ قائل هذا القول كان أولاد أولاده).

(٢٠٠)

- الجُعْفِيِّ أَظُنُّهُ(338) - عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «أَتَدْرِي مَا كَانَ قَمِيصُ يُوسُفَ (عليه السلام)؟»، قُلْتُ: لَا، قَالَ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) لَـمَّا أُوقِدَتْ لَهُ النَّارُ أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) بِثَوْبٍ مِنْ ثِيَابِ الجَنَّةِ وَالبَسَهُ إِيَّاهُ فَلَمْ يَضُرَّهُ مَعَهُ حَرٌّ وَلَا بَرْدٌ، فَلَمَّا حَضَرَ إِبْرَاهِيمَ المَوْتُ جَعَلَهُ فِي تَمِيمَةٍ(339) وَعَلَّقَهُ عَلَى إِسْحَاقَ، وَعَلَّقَهُ إِسْحَاقُ عَلَى يَعْقُوبَ، فَلَمَّا وُلِدَ لِيَعْقُوبَ يُوسُفُ عَلَّقَهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ فِي عَضُدِهِ حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، فَلَمَّا أَخْرَجَ يُوسُفُ القَمِيصَ مِنَ التَّمِيمَةِ وَجَدَ يَعْقُوبُ رِيحَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لَا أَنْ تُفَنِّدُونِ(340)﴾ [يوسف: 94]، فَهُوَ ذَلِكَ القَمِيصُ الَّذِي أُنْزِلَ مِنَ الجَنَّةِ»، قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَإِلَى مَنْ صَارَ ذَلِكَ القَمِيصُ؟ قَالَ: «إِلَى أَهْلِهِ، ثُمَّ قَالَ: كُلُّ نَبِيٍّ وَرَّثَ عِلْماً أَوْ غَيْرَهُ فَقَدِ انْتَهَى إِلَى [آلِ] مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)»(341)،(342).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(338) في الكافي: (عن المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)).
(339) التميمة: الخرزة التي تُعلَّق على الإنسان وغيره من الحيوانات، ويقال لكلِّ عوذة تُعلَّق عليه.
(340) التفنيد: النسبة إلى الفند، وهو نقصان عقل يحدث من الهرم.
(341) رواه المصنِّف (رحمه الله) في علل الشرائع (ج 1/ ص 53/ باب 45/ ح 2)، الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 209 و210/ ج 4/ باب 5/ ح 58)، والعيَّاشي (رحمه الله) في تفسيره (ج 2/ ص 193 و194/ ح 71)، والقمِّي (رحمه الله) في تفسيره (ج 1/ ص 354 و355)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 232/ باب ما عند الأئمَّة من آيات الأنبياء (عليهم السلام)/ ح 5)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 693/ ح 6).
(342) قال المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 5/ ص 322): (قوله: «جعله في تميمة»: التميمة عوذة تُعلَّق على الإنسان. قوله: «لولا أنْ تُفنِّدون»: أي تنبسوني إلى الفند، وهو نقصان يحدث من هرم، وفي القاموس: فنَّده تفنيداً كذَّبه وعجَّزه وخطَّأ رأيه كأفنده).
وقال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 3/ ص 40): (التميمة: عوذة تُعلَّق على الإنسان، من باب التفعيل أي عقده. «وجد يعقوب ريحه»: أي في كنعان وبينهما مسيرة تسعة أيَّام من البدو حين أقبل به إليه يهود، أو قيل: كان بينهما ثمانون فرسخاً. «لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ» بكسر النون وحذف الياء: أي تنسبوني إلى الفند، وهو بالتحريك: نقصان عقل يحدث من هرم، قيل: وجواب (لو) محذوف تقديره لصدَّقتموني، أو لقلت إنَّه قريب).
وقال (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 12/ ص 249): (بيان: قصَّة القميص على ما ورد في الخبر ذكرها العامَّة والخاصَّة بطُرُق كثيرة، وقال الطبرسي (رحمه الله): قوله: «لولا أنْ تُفنِّدون» معناه: لولا أنْ تُسِّفهوني، عن ابن عبَّاس ومجاهد. وقيل: لولا أنْ تُضعِّفوني في الرأي، عن ابن إسحاق. وقيل: لولا أنْ تُكذِّبوني. والفند: الكذب، عن سعيد بن جبير والسُّدِّي والضحَّاك، وروي ذلك أيضاً عن ابن عبَّاس. وقيل: لولا أنْ تُهرِّموني، عن الحسن وقتادة).

(٢٠١)

فَرُوِيَ «أَنَّ القَائِمَ (عليه السلام) إِذَا خَرَجَ يَكُونُ عَلَيْهِ قَمِيصُ يُوسُفَ، وَمَعَهُ عَصَا مُوسَى، وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ (عليهم السلام)».
والدليل على أنَّ يعقوب (عليه السلام) علم بحياة يوسف (عليه السلام) وأنَّه إنَّما غُيِّب عنه لبلوى واختبار: أَنَّهُ لَـمَّا رَجَعَ إِلَيْهِ بَنُوهُ يَبْكُونَ، قَالَ لَهُمْ: يَا بَنِيَّ، لِـمَ تَبْكُونَ وَتَدْعُونَ بِالوَيْلِ؟ وَمَا لِي مَا أَرَى فِيكُمْ حَبِيبِي يُوسُفَ؟ قالُوا: ﴿يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ [يوسف: 17]، وهَذَا قَمِيصُهُ قَدْ أَتَيْنَاكَ بِهِ، قَالَ: القُوهُ إِلَيَّ، فَالقَوْهُ إِلَيْهِ وَالقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ لَهُمْ: يَا بَنِيَّ، أَلَسْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ الذِّئْبَ قَدْ أَكْلَ حَبِيبِي يُوسُفَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: مَا لِي لَا أَشَمُّ رِيحَ لَحْمِهِ؟! وَمَا لِي أَرَى قَمِيصَهُ صَحِيحاً؟ هَبُوا أَنَّ القَمِيصَ(343) انْكَشَفَ مِنْ أَسْفَلِهِ، أَرَأَيْتُمْ مَا كَانَ فِي مَنْكِبَيْهِ وعُنُقِهِ كَيْفَ خَلَصَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْرِقَهُ؟ إِنَّ هَذَا الذِّئْبَ لَمَكْذُوبٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّ ابْنِي لَمَظْلُومٌ، ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ [يوسف: 18]، وَتَوَلَّى عَنْهُمْ لَيْلَتَهُمْ تِلْكَ لَا يُكَلِّمُهُمْ، وَأَقْبَلَ يَرْثِي يُوسُفَ وَيَقُولُ: حَبِيبِي يُوسُفُ الَّذِي كُنْتُ أُوثِرُهُ عَلَى جَمِيعِ أَوْلَادِي فَاخْتُلِسَ مِنِّي، حَبِيبِي يُوسُفُ الَّذِي كُنْتُ أَرْجُوهُ مِنْ بَيْنِ أَوْلَادِي فَاخْتُلِسَ مِنِّي، حَبِيبِي يُوسُفُ الَّذِي أُوَسِّدُهُ يَمِينِي وَأُدَثِّرُهُ بِشِمَالِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(343) أي احسبوا. تقول: هب زيداً منطلقاً، بمعنى أحسب، يتعدَّى إلى مفعولين، ولا يُستَعمل منه ماضٍ ولا مستقبل في هذا المعنى. (الصحاح للجوهري: ج 1/ ص 235/ مادَّة وهب).

(٢٠٢)

فَاخْتُلِسَ مِنِّي، حَبِيبِي يُوسُفُ الَّذِي كُنْتُ أُونِسُ بِهِ وَحْدَتِي فَاخْتُلِسَ مِنِّي، حَبِيبِي يُوسُفُ لَيْتَ شِعْرِي فِي أَيِّ الجِبَالِ طَرَحُوكَ، أَمْ فِي أَيِّ البِحَارِ غَرَّقُوكَ، حَبِيبِي يُوسُفُ لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَكَ فَيُصِيبُنِي الَّذِي أَصَابَكَ.
ومن الدليل على أنَّ يعقوب (عليه السلام) علم بحياة يوسف (عليه السلام) وأنَّه في الغيبة قوله: ﴿عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً﴾ [يوسف: 83]، وقوله لبنيه: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا القَوْمُ الكَافِرُونَ﴾ [يوسف: 87].
وَقَالَ الصَّادِقُ (عليه السلام): «إِنَّ يَعْقُوبَ (عليه السلام) قَالَ لِمَلَكِ المَوْتِ: أَخْبِرْنِي عَنِ الأَرْوَاحِ تَقْبِضُهَا مُجْتَمِعَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً؟ قَالَ: بَلْ مُتَفَرِّقَةً، قَالَ فَهَلْ قَبَضْتَ رُوحَ يُوسُفَ فِي جُمْلَةِ مَا قَبَضْتَ مِنَ الأَرْوَاحِ؟ قَالَ: لَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ لِبَنِيهِ: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾»(344)،(345).
فحال العارفين في وقتنا هذا بصاحب زماننا الغائب (عليه السلام) حال يعقوب (عليه السلام) في معرفته بيوسف وغيبته، وحال الجاهلين به وبغيبته والمعاندين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(344) راجع ما رواه المصنِّف (رحمه الله) في علل الشرائع (ج 1/ ص 52/ باب 44/ ح 1)، والعيَّاشي (رحمه الله) في تفسيره (ج 2/ ص 189 و190/ ح 64)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 8/ ص 199/ ح 238).
(345) قال المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 12/ ص 263): (قوله: ﴿فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾ أي استمعوا لحديث القوم منهما واطلبوا خبرهما، تقول: تحسَّست من الشيء إذا تخبَّرت خبره).
وقال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 26/ ص 103 و104): (قوله تعالى: ﴿فَتَحَسَّسُوا﴾، التحسُّس: طلب الإحساس، أي تعرفوا منهما وتفحصوا عن حالهما. قوله (عليه السلام): «تقبضها مجتمعة»، لعلَّ السؤال عن الاجتماع والتفرُّق في الأخذ لأنَّه إذا قبضها مجتمعة يمكن أنْ يغفل عن خصوص كلِّ واحد بخلاف ما إذا أخذ روحاً روحاً، أو لأنَّه إذا قبضها مجتمعة يمكن أنْ تسلم إليه بعد مرور الأيَّام ليجتمع عدد كثير منها، ولما يصل روح يوسف (عليه السلام) إليه بعد لذلك، وهذا المَلَك إمَّا عزرائيل ويقبض الأرواح من أعوانه وإمَّا غيره ويقبض منه، والأخير أظهر).

(٢٠٣)

في أمره حال أهله وأقربائه(346) الذين بلغ من جهلهم بأمر يوسف وغيبته حتَّى قالوا لأبيهم يعقوب: ﴿تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ القَدِيمِ﴾ [يوسف: 95]. وقول يعقوب لـمَّا ألقى البشير قميص يوسف على وجهه فارتدَّ بصيراً: ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 96]، دليل على أنَّه قد كان علم أنَّ يوسف حيٌّ، وأنَّه إنَّما غُيِّب عنه للبلوى والامتحان.
[11/3] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ سَدِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ فِي القَائِمِ سُنَّةً مِنْ يُوسُفَ»، قُلْتُ: كَأَنَّكَ تَذْكُرُ خَبَرَهُ أَوْ غَيْبَتَهُ، فَقَالَ لِي: «وَمَا تُنْكِرُ هَذِهِ الأُمَّةُ أَشْبَاهُ الخَنَازِيرِ، إِنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ كَانُوا أَسْبَاطاً أَوْلَادَ أَنْبِيَاءَ تَاجَرُوا يُوسُفَ وَبَايَعُوهُ وَهُمْ إِخْوَتُهُ وَهُوَ أَخُوهُمْ فَلَمْ يَعْرِفُوهُ حَتَّى قَالَ لَهُمْ: ﴿أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي﴾ [يوسف: 90]؟ فَمَا تُنْكِرُ هَذِهِ الأُمَّةُ أَنْ يَكُونَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) فِي وَقْتٍ مِنَ الأَوْقَاتِ يُرِيدُ أَنْ يَسْتُرَ حُجَّتَهُ عَنْهُمْ؟ لَقَدْ كَانَ يُوسُفُ يَوْماً مَلِكَ مِصْرَ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَالِدِهِ مَسِيرَةُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً(347)، فَلَوْ أَرَادَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُعَرِّفَهُ مَكَانَهُ لَقَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَاللهِ لَقَدْ سَارَ يَعْقُوبُ وَوُلْدُهُ عِنْدَ البِشَارَةِ فِي تِسْعَةِ أَيَّامٍ إِلَى مِصْرَ، فَمَا تُنْكِرُ هَذِهِ الأُمَّةُ أَنْ يَكُونَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) يَفْعَلُ بِحُجَّتِهِ مَا فَعَلَ بِيُوسُفَ أَنْ يَكُونَ يَسِيرُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيَمْشِي فِي أَسْوَاقِهِمْ وَيَطَأُ بُسُطَهُمْ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) لَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ نَفْسَهُ كَمَا أَذِنَ لِيُوسُفَ (عليه السلام) حِينَ قَالَ لَهُمْ: ﴿هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي﴾ [يوسف: 89 و90]؟»(348).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(346) في بعض النُّسَخ: (حال إخوة يوسف).
(347) قد مرَّ ويأتي أنَّه مسيرة تسعة أيَّام، ولعلَّه مبنيٌّ على سرعة السير عند البشارة.
(348) رواه المصنِّف (رحمه الله) في علل الشرائع (ج 1/ ص 244/ باب 179/ ح 3)، وابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 121 و122/ ح 117).

(٢٠٤)

وأمَّا غيبة موسى النبيِّ (عليه السلام) فإنَّه:
[12/1] حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ الآدَمِيُّ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ آدَمَ النَّسَائِيُّ(349)، عَنْ أَبِيهِ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا المُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَيِّدِ العَابِدِينَ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ سَيِّدِ الشُّهَدَاءِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ سَيِّدِ الوَصِيِّينَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (صلوات الله عليهم)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «لَـمَّا حَضَرَتْ يُوسُفَ (عليه السلام) الوَفَاةُ جَمَعَ شِيعَتَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ حَدَّثَهُمْ بِشِدَّةٍ تَنَالُهُمْ، يُقْتَلُ فِيهَا الرِّجَالُ، وَتُشَقُّ بُطُونُ الحَبَالَى، وَتُذْبَحُ الأَطْفَالُ، حَتَّى يُظْهِرَ اللهُ الحَقَّ فِي القَائِمِ مِنْ وُلْدِ لَاوَى بْنِ يَعْقُوبَ، وَهُوَ رَجُلٌ أَسْمَرُ طُوَالُ، وَنَعَتَهُ لَهُمْ بِنَعْتِهِ، فَتَمَسَّكُوا بِذَلِكَ، وَوَقَعَتِ الغَيْبَةُ وَالشِّدَّةُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُمْ مُنْتَظِرُونَ قِيَامَ القَائِمِ أَرْبَعَ مِائَةِ سَنَةٍ، حَتَّى إِذَا بُشِّرُوا بِوِلَادَتِهِ، وَرَأَوْا عَلَامَاتِ ظُهُورِهِ، وَاشْتَدَّتْ عَلَيْهِمُ البَلْوَى، وَحُمِلَ عَلَيْهِمْ بِالخَشَبِ وَالحِجَارَةِ، وَطُلِبَ الفَقِيهُ الَّذِي كَانُوا يَسْتَرِيحُونَ إِلَى أَحَادِيثِهِ فَاسْتَتَرَ، وَرَاسَلُوهُ فَقَالُوا: كُنَّا مَعَ الشِّدَّةِ نَسْتَرِيحُ إِلَى حَدِيثِكَ، فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى بَعْضِ الصَّحَارِي، وَجَلَسَ يُحَدِّثُهُمْ حَدِيثَ القَائِمِ وَنَعْتَهُ وَقُرْبَ الأَمْرِ، وَكَانَتْ لَيْلَةً قَمْرَاءَ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ مُوسَى (عليه السلام)، وَكَانَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ حَدِيثَ السِّنِّ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ دَارِ فِرْعَوْنَ يُظْهِرُ النُّزْهَةَ، فَعَدَلَ عَنْ مَوْكِبِهِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(349) كذا، والظاهر أنَّه عبيد بن آدم بن إياس العسقلاني، فصُحِّف، وليس هو محمّد بن آدم بن سليمان الجهني المصيِّصي الذي روى عن سعيد بن جبير.

(٢٠٧)

وَأَقْبَلَ إِلَيْهِمْ وَتَحْتَهُ بَغْلَةٌ وَعَلَيْهِ طَيْلَسَانُ خَزٍّ، فَلَمَّا رَآهُ الفَقِيهُ عَرَفَهُ بِالنَّعْتِ، فَقَامَ إِلَيْهِ وَانْكَبَّ عَلَى قَدَمَيْهِ فَقَبَّلَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: الحَمْدُ لِلهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتَّى أَرَانِيَكَ.
فَلَمَّا رَأَى الشِّيعَةُ ذَلِكَ عَلِمُوا أَنَّهُ صَاحِبُهُمْ، فَأَكَبُّوا عَلَى الأَرْضِ شُكْراً لِلهِ (عزَّ وجلَّ)، فَلَمْ يَزِدْهُمْ عَلَى أَنْ قَالَ: أَرْجُو أَنْ يُعَجِّلَ اللهُ فَرَجَكُمْ(350)، ثُمَّ غَابَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَخَرَجَ إِلَى مَدِينَةِ مَدْيَنَ، فَأَقَامَ عِنْدَ شُعَيْبٍ مَا أَقَامَ، فَكَانَتِ الغَيْبَةُ الثَّانِيَةُ أَشَدَّ عَلَيْهِمْ مِنَ الأُولَى، وَكَانَتْ نَيِّفاً وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَاشْتَدَّتِ البَلْوَى عَلَيْهِمْ، وَاسْتَتَرَ الفَقِيهُ، فَبَعَثُوا إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا صَبْرَ لَنَا عَلَى اسْتِتَارِكَ عَنَّا، فَخَرَجَ إِلَى بَعْضِ الصَّحَارِي وَاسْتَدْعَاهُمْ، وَطَيَّبَ نُفُوسَهُمْ(351)، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) أَوْحَى إِلَيْهِ أَنَّهُ مُفَرِّجٌ عَنْهُمْ بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَقَالُوا بِأَجْمَعِهِمْ: الحَمْدُ لِلهِ، فَأَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَيْهِ(352): قُلْ لَهُمْ: قَدْ جَعَلْتُهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً لِقَوْلِهِمْ: الحَمْدُ لِلهِ، فَقَالُوا: كُلُّ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: قُلْ لَهُمْ: قَدْ جَعَلْتُهَا عِشْرِينَ سَنَةً، فَقَالُوا: لَا يَأْتِي بِالخَيْرِ إِلَّا اللهُ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: قُلْ لَهُمْ: قَدْ جَعَلْتُهَا عَشْراً، فَقَالُوا لَا يَصْرِفُ السُّوءَ إِلَّا اللهُ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: قُلْ لَهُمْ: لَا تَبْرَحُوا، فَقَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي فَرَجِكُمْ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ مُوسَى (عليه السلام) رَاكِباً حِمَاراً.
فَأَرَادَ الفَقِيهُ أَنْ يُعَرِّفَ الشِّيعَةَ مَا يَسْتَبْصِرُونَ بِهِ فِيهِ، وَجَاءَ مُوسَى حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُ الفَقِيهُ: مَا اسْمُكَ؟ فَقَالَ: مُوسَى، قَالَ: ابْنُ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ عِمْرَانَ، قَالَ: ابْنُ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ قَاهِثِ بْنِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ: بِمَا ذَا جِئْتَ؟ قَالَ: جِئْتُ بِالرِّسَالَةِ مِنْ عِنْدِ اللهِ (عزَّ وجلَّ)، فَقَامَ إِلَيْهِ، فَقَبَّلَ يَدَهُ، ثُمَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(350) أي قال موسى (عليه السلام): أرجو أنْ يُعجِّل الله تعالى فرجكم، ولم يزد على هذا الدعاء، ولم يتكلَّم بشيء آخر سوى ذلك، ثمّ غاب عنهم.
(351) في بعض النُّسَخ: (وطيَّب قلوبهم).
(352) أي إلى الفقيه، ولعلَّه كان نبيًّا، أو المراد الإلهام كما كان لأُمِّ موسى (عليه السلام).

(٢٠٨)

جَلَسَ بَيْنَهُمْ، فَطَيَّبَ نُفُوسَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ أَمْرَهُ، ثُمَّ فَرَّقَهُمْ، فَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ الوَقْتِ وَبَيْنَ فَرَجِهِمْ بِغَرْقِ فِرْعَوْنَ أَرْبَعُونَ سَنَةً»(353).
[13/2] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى العَطَّارُ وَأَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ جَمِيعاً، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ البَزَنْطِيِّ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدٍ الحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ يُوسُفَ بْنَ يَعْقُوبَ (صلوات الله عليهما) حِينَ حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ جَمَعَ آلَ يَعْقُوبَ وَهُمْ ثَمَانُونَ رَجُلاً، فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ القِبْطَ سَيَظْهَرُونَ عَلَيْكُمْ وَيَسُومُونَكُمْ سُوءَ العَذَابِ، وَإِنَّمَا يُنْجِيكُمُ اللهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ بِرَجُلٍ مِنْ وُلْدِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ اسْمُهُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ (عليه السلام)، غُلَامٌ طُوَالٌ جَعْدٌ آدَمُ. فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُسَمِّي ابْنَهُ عِمْرَانَ وَيُسَمِّي عِمْرَانُ ابْنَهُ مُوسَى».
فَذَكَرَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي الحُسَيْنِ(354)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «مَا خَرَجَ مُوسَى حَتَّى خَرَجَ قَبْلَهُ خَمْسُونَ كَذَّاباً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كُلُّهُمْ يَدَّعِي أَنَّهُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ.
فَبَلَغَ فِرْعَوْنَ أَنَّهُمْ يُرْجِفُونَ بِهِ وَيَطْلُبُونَ هَذَا الغُلَامَ(355)، وقَالَ لَهُ كَهَنَتُهُ وَسَحَرَتُهُ: إِنَّ هَلَاكَ دِينِكَ وَقَوْمِكَ عَلَى يَدَيْ هَذَا الغُلَامِ الَّذِي يُولَدُ العَامَ مِنْ بَنِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(353) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 13/ ص 37): (بيان: قوله (عليه السلام): «وكانت نيِّفاً وخمسين سنة» أي كان المقدَّر أوَّلاً هكذا، ولذا أخبرهم بعد مضيِّ نيِّف وعشر سنين ببقاء أربعين سنة، ثمّ خفَّف الله عنهم مرَّات حتَّى أظهر لهم موسى (عليه السلام) في الساعة بعد رجوعه عن مدين، وكان بقاؤه فيها عشر سنين ومدَّة ذهابه وإيابه نيِّفاً).
(354) في بعض النُّسَخ: (أبي الحصين).
(355) في بعض النُّسَخ: (يرجعون به ويظنُّون هذا الغلام). وأرجف القوم بالأخبار: أي خاضوا فيها وافتتنوا.

(٢٠٩)

إِسْرَائِيلَ. فَوَضَعَ القَوَابِلَ عَلَى النِّسَاءِ، وَقَالَ: لَا يُولَدُ العَامَ وَلَدٌ إِلَّا ذُبِحَ، وَوَضَعَ عَلَى أُمِّ مُوسَى قَابِلَةً، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَالُوا: إِذَا ذُبِحَ الغِلْمَانُ وَاسْتُحْيِيَ النِّسَاءُ هَلَكْنَا، فَلَمْ نَبْقَ، فَتَعَالَوْا: لَا نَقْرَبِ النِّسَاءَ، فَقَالَ عِمْرَانُ أَبُو مُوسَى (عليه السلام): بَلْ بَاشِرُوهُنَّ فَإِنَّ أَمْرَ اللهِ وَاقِعٌ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ، اللَّهُمَّ مَنْ حَرَّمَهُ فَإِنِّي لَا أُحَرِّمُهُ، وَمَنْ تَرَكَهُ فَإِنِّي لَا أَتْرُكُهُ، وَوَقَعَ عَلَى أُمِّ مُوسَى(356)، فَحَمَلَتْ، فَوَضَعَ عَلَى أُمِّ مُوسَى قَابِلَةً تَحْرُسُهَا، فَإِذَا قَامَتْ قَامَتْ وَإِذَا قَعَدَتْ قَعَدَتْ، فَلَمَّا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَقَعَتْ عَلَيْهَا المَحَبَّةُ، وَكَذَلِكَ حُجَجُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ، فَقَالَتْ لَهَا القَابِلَةُ: مَا لَكِ يَا بُنَيَّةُ تَصْفَرِّينَ وَتَذُوبِينَ؟ قَالَتْ: لَا تَلُومِينِي فَإِنِّي إِذَا وَلَدْتُ أُخِذَ وَلَدِي فَذُبِحَ، قَالَتْ: لَا تَحْزَنِي فَإِنِّي سَوْفَ أَكْتُمُ عَلَيْكِ، فَلَمْ تُصَدِّقْهَا، فَلَمَّا أَنْ وَلَدَتْ التَفَتَتْ إِلَيْهَا وَهِيَ مُقْبِلَةٌ، فَقَالَتْ: مَا شَاءَ اللهُ، فَقَالَتْ لَهَا: أَلَمْ أَقُلْ إِنِّي سَوْفَ أَكْتُمُ عَلَيْكِ؟ ثُمَّ حَمَلَتْهُ فَأَدْخَلَتْهُ المِخْدَعَ(357) وَأَصْلَحَتْ أَمْرَهُ، ثُمَّ خَرَجَتْ إِلَى الحَرَسِ، فَقَالَتِ: انْصَرِفُوا - وَكَانُوا عَلَى البَابِ -، فَإِنَّمَا خَرَجَ دَمٌ مُنْقَطِعٌ، فَانْصَرَفُوا، فَأَرْضَعَتْهُ، فَلَمَّا خَافَتْ عَلَيْهِ الصَّوْتَ أَوْحَى اللهُ إِلَيْهَا أَنِ اعْمَلِي التَّابُوتَ، ثُمَّ اجْعَلِيهِ فِيهِ، ثُمَّ أَخْرِجِيهِ لَيْلاً فَاطْرَحِيهِ فِي نِيلِ مِصْرَ، فَوَضَعَتْهُ فِي التَّابُوتِ، ثُمَّ دَفَعَتْهُ فِي اليَمِّ، فَجَعَلَ يَرْجِعُ إِلَيْهَا وَجَعَلَتْ تَدْفَعُهُ فِي الغَمْرِ، وَإِنَّ الرِّيحَ ضَرَبَتْهُ فَانْطَلَقَتْ بِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَدْ ذَهَبَ بِهِ المَاءُ هَمَّتْ أَنْ تَصِيحَ، فَرَبَطَ اللهُ عَلَى قَلْبِهَا».
قَالَ: «وَكَانَتِ المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَهِيَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَتْ لِفِرْعَوْنَ: إِنَّهَا أَيَّامُ الرَّبِيعِ، فَأَخْرِجْنِي وَاضْرِبْ لِي قُبَّةً عَلَى شَطِّ النِّيلِ حَتَّى أَتَنَزَّهَ هَذِهِ الأَيَّامَ، فَضُرِبَتْ لَهَا قُبَّةٌ عَلَى شَطِّ النِّيلِ إِذْ أَقْبَلَ التَّابُوتُ يُرِيدُهَا، فَقَالَتْ: هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى عَلَى المَاءِ؟ قَالُوا: إِي وَاللهِ يَا سَيِّدَتَنَا إِنَّا لَنَرَى شَيْئاً، فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(356) في بعض النُّسَخ: (وباشر أُمَّ موسى).
(357) المِخدع والمُخدع - بالكسر والضمِّ -: الخزانة والبيت الداخل.

(٢١٠)

ثَارَتْ إِلَى المَاءِ، فَتَنَاوَلَتْهُ بِيَدِهَا، وَكَادَ المَاءُ يَغْمُرُهَا حَتَّى تَصَايَحُوا عَلَيْهَا، فَجَذَبَتْهُ وَأَخْرَجَتْهُ مِنَ المَاءِ، فَأَخَذَتْهُ، فَوَضَعَتْهُ فِي حَجْرِهَا، فَإِذَا هُوَ غُلَامٌ أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَسْتَرُهُمْ، فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ مِنْهَا مَحَبَّةٌ، فَوَضَعَتْهُ فِي حَجْرِهَا، وَقَالَتْ: هَذَا ابْنِي، فَقَالُوا: إِي وَاللهِ يَا سَيِّدَتَنَا، وَاللهِ مَا لَكِ وَلَدٌ وَلَا لِلْمَلِكِ، فَاتَّخِذِي هَذَا وَلَداً، فَقَامَتْ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَقَالَتْ: إِنِّي أَصَبْتُ غُلَاماً طَيِّباً حُلْواً نَتَّخِذُهُ وَلَداً، فَيَكُونُ قُرَّةَ عَيْنٍ لِي وَلَكَ، فَلَا تَقْتُلْهُ، قَالَ: وَمِنْ أَيْنَ هَذَا الغُلَامُ؟ قَالَتْ: وَاللهِ مَا أَدْرِي إِلَّا أَنَّ المَاءَ جَاءَ بِهِ، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ حَتَّى رَضِيَ، فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ أَنَّ المَلِكَ قَدْ تَبَنَّى ابْناً لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ رُؤُوسِ مَنْ كَانَ مَعَ فِرْعَوْنَ إِلَّا بَعَثَ إِلَيْهِ امْرَأَتَهُ لِتَكُونَ لَهُ ظِئْراً أَوْ تَحْضُنَهُ، فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنِ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ ثَدْياً، قَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ: اطْلُبُوا لِابْنِي ظِئْراً وَلَا تُحَقِّرُوا أَحَداً، فَجَعَلَ لَا يَقْبَلُ مِنِ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ، فَقَالَتْ أُمُّ مُوسَى لِأُخْتِهِ: قُصِّيهِ(358) انْظُرِي أَتَرَيْنَ لَهُ أَثَراً؟ فَانْطَلَقَتْ حَتَّى أَتَتْ بَابَ المَلِكِ، فَقَالَتْ: قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَطْلُبُونَ ظِئْراً، وَهَاهُنَا امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ تَأْخُذُ وَلَدَكُمْ وَتَكْفُلُهُ لَكُمْ، فَقَالَتْ: أَدْخِلُوهَا، فَلَمَّا دَخَلَتْ قَالَتْ لَهَا امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ: مِمَّنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَتِ: اذْهَبِي يَا بُنَيَّةِ فَلَيْسَ لَنَا فِيكِ حَاجَةٌ، فَقُلْنَ لَهَا النِّسَاءُ: انْظُرِي عَافَاكِ اللهُ يَقْبَلُ أَوْ لَا يَقْبَلُ، فَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ قَبِلَ هَلْ يَرْضَى فِرْعَوْنُ أَنْ يَكُونَ الغُلَامُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالمَرْأَةُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ - يَعْنِي الظِّئْرَ -؟ فَلَا يَرْضَى، قُلْنَ: فَانْظُرِي يَقْبَلُ أَوْ لَا يَقْبَلُ، قَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ: فَاذْهَبِي فَادْعِيهَا، فَجَاءَتْ إِلَى أُمِّهَا وَقَالَتْ: إِنَّ امْرَأَةَ المَلِكِ تَدْعُوكِ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهَا، فَدُفِعَ إِلَيْهَا مُوسَى، فَوَضَعَتْهُ فِي حَجْرِهَا، ثُمَّ القَمَتْهُ ثَدْيَهَا، فَازْدَحَمَ اللَّبَنُ فِي حَلْقِهِ، فَلَمَّا رَأَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ أَنَّ ابْنَهَا قَدْ قَبِلَ قَامَتْ إِلَى فِرْعَوْنَ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَصَبْتُ لِابْنِي ظِئْراً،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(358) يعنى اتبعيه، يقال: قصَّ الأثر واقتصَّه إذا تبعه.

(٢١١)

وَقَدْ قَبِلَ مِنْهَا، فَقَالَ: مِمَّنْ هِيَ؟ قَالَتْ: مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ فِرْعَوْنُ: هَذَا مِمَّا لَا يَكُونُ أَبَداً، الغُلَامُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالظِّئْرُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمْ تَزَلْ تُكَلِّمُهُ فِيهِ وَتَقُولُ: مَا تَخَافُ مِنْ هَذَا الغُلَامِ؟ إِنَّمَا هُوَ ابْنُكَ يَنْشَؤُ فِي حَجْرِكَ، حَتَّى قَلَبَتْهُ عَنْ رَأْيِهِ وَرَضِيَ. فَنَشَأَ مُوسَى (عليه السلام) فِي آلِ فِرْعَوْنَ، وَكَتَمَتْ أُمُّهُ خَبَرَهُ وَأُخْتُهُ وَالقَابِلَةُ، حَتَّى هَلَكَتْ أُمُّهُ وَالقَابِلَةُ الَّتِي قَبِلَتْهُ، فَنَشَأَ (عليه السلام) لَا يَعْلَمُ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ».
قَالَ: «وَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَطْلُبُهُ وَتَسْأَلُ عَنْهُ فَيَعْمَى عَلَيْهِمْ خَبَرُهُ».
قَالَ: «فَبَلَغَ فِرْعَوْنَ أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَهُ وَيَسْأَلُونَ عَنْهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَزَادَ فِي العَذَابِ عَلَيْهِمْ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمْ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الإِخْبَارِ بِهِ وَالسُّؤَالِ عَنْهُ».
قَالَ: «فَخَرَجَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ إِلَى شَيْخٍ لَهُمْ عِنْدَهُ عِلْمٌ، فَقَالُوا: قَدْ كُنَّا نَسْتَرِيحُ إِلَى الأَحَادِيثِ، فَحَتَّى مَتَى وَإِلَى مَتَى نَحْنُ فِي هَذَا البَلَاءِ؟ قَالَ: وَاللهِ إِنَّكُمْ لَا تَزَالُونَ فِيهِ حَتَّى يَجِيءَ اللهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِغُلَامٍ مِنْ وُلْدِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ اسْمُهُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ غُلَامٌ طُوَالٌ جَعْدٌ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ مُوسَى يَسِيرُ عَلَى بَغْلَةٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَرَفَعَ الشَّيْخُ رَأْسَهُ فَعَرَفَهُ بِالصِّفَةِ، فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُكَ يَرْحَمُكَ اللهُ؟ قَالَ: مُوسَى، قَالَ: ابْنُ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ عِمْرَانَ.
قَالَ: «فَوَثَبَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَقَبَّلَهَا، وَثَارُوا إِلَى رِجْلِهِ فَقَبَّلُوهَا، فَعَرَفَهُمْ وَعَرَفُوهُ وَاتَّخَذَ شِيعَةً. فَمَكَثَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ خَرَجَ فَدَخَلَ مَدِينَةً لِفِرْعَوْنَ فِيهَا رَجُلٌ مِنْ شِيعَتِهِ يُقَاتِلُ رَجُلاً مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ مِنَ القِبْطِ، فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ القِبْطِيِّ، فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ، وَكَانَ مُوسَى (عليه السلام) قَدْ أُعْطِيَ بَسْطَةً فِي الجِسْمِ وَشِدَّةً فِي البَطْشِ، فَذَكَرَهُ النَّاسُ وَشَاعَ أَمْرُهُ، وَقَالُوا: إِنَّ مُوسَى قَتَلَ رَجُلاً مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، فَأَصْبَحَ فِي المَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا مِنَ الغَدِ إِذَا الرَّجُلُ الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأَمْسِ

(٢١٢)

يَسْتَصْرِخُهُ عَلَى آخَرَ، فَقَالَ لَهُ مُوسى: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ [القَصص: 18]، بِالأَمْسِ رَجُلٌ وَاليَوْمَ رَجُلٌ، ﴿فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ المُصْلِحِينَ * وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى المَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ المَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ﴾ [القَصص: 19 - 21]، فَخَرَجَ مِنْ مِصْرَ بِغَيْرِ ظَهْرٍ(359) وَلَا دَابَّةٍ وَلَا خَادِمٍ، تَخْفِضُهُ أَرْضٌ وَتَرْفَعُهُ أُخْرَى حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَرْضِ مَدْيَنَ، فَانْتَهَى إِلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ، فَنَزَلَ فَإِذَا تَحْتَهَا بِئْرٌ وَإِذَا عِنْدَهَا ﴿أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ﴾، وَإِذَا جَارِيَتَانِ ضَعِيفَتَانِ، وَإِذَا مَعَهُمَا غُنَيْمَةٌ لَهُمَا، قَالَ: ﴿مَا خَطْبُكُمَا﴾؟ قَالَتَا: ﴿أَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ [القَصص: 23]، وَنَحْنُ جَارِيَتَانِ ضَعِيفَتَانِ لَا نَقْدِرُ أَنْ نُزَاحِمَ الرِّجَالَ، فَإِذَا سَقَى النَّاسُ سَقَيْنَا، فَرَحِمَهُمَا مُوسَى (عليه السلام)، فَأَخَذَ دَلْوَهُمَا وَقَالَ لَهُمَا: قَدِّمَا غَنَمَكُمَا، فَسَقَى لَهُمَا، ثُمَّ رَجَعَتَا بُكْرَةً قَبْلَ النَّاسِ، ثُمَّ تَوَلَّى مُوسَى إِلَى الشَّجَرَةِ فَجَلَسَ تَحْتَهَا، فَقالَ: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القَصص: 24]، - فَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى شِقِّ تَمْرَةٍ -، فَلَمَّا رَجَعَتَا إِلَى أَبِيهِمَا قَالَ: مَا أَعْجَلَكُمَا فِي هَذِهِ السَّاعَةِ؟ قَالَتَا: وَجَدْنَا رَجُلاً صَالِحاً رَحِمَنَا فَسَقَى لَنَا، فَقَالَ لِإِحْدَاهُمَا: اذْهَبِي فَادْعِيهِ لِي، فَجَاءَتْهُ ﴿تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ [القَصص: 25]»، - فَرُوِيَ أَنَّ مُوسَى (عليه السلام) قَالَ لَهَا: وَجِّهِينِي إِلَى الطَّرِيقِ وَامْشِي خَلْفِي فَإِنَّا بَنُو يَعْقُوبَ لَا نَنْظُرُ فِي أَعْجَازِ النِّسَاءِ -، ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ القَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَتْ إِحْدَاهُما يَا أَبَتِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(359) أي بلا رفيق ومعين، أو بغير زاد وراحلة.

(٢١٣)

اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ﴾ [القَصص: 25 - 27]، - فَرُوِيَ أَنَّهُ قَضَى أَتَمَّهُمَا، لِأَنَّ الأَنْبِيَاءَ (عليهم السلام) لَا يَأْخُذُونَ إِلَّا بِالفَضْلِ وَالتَّمَامِ -، فَلَمَّا قَضى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ أَخْطَأَ عَنِ الطَّرِيقِ لَيْلاً، فَرَأَى نَاراً، فَقالَ لِأَهْلِهِ: امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ بِخَبَرٍ مِنَ الطَّرِيقِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّارِ إِذَا شَجَرَةٌ تَضْطَرِمُ(360) مِنْ أَسْفَلِهَا إِلَى أَعْلَاهَا، فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا تَأَخَّرَتْ عَنْهُ، فَرَجَعَ وَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً، ثُمَّ دَنَتْ مِنْهُ الشَّجَرَةُ، فَـ ﴿نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الوَادِ الأَيْمَنِ فِي البُقْعَةِ المُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ العالَمِينَ * وَأَنْ القِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ [القَصص: 30 و31]، فَإِذَا حَيَّةٌ مِثْلُ الجِذْعِ، لِأَسْنَانِهَا(361) صَرِيرٌ، يَخْرُجُ مِنْهَا مِثْلُ لَهَبِ النَّارِ، فَوَلَّى مُوسَى مُدْبِراً، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ (عزَّ وجلَّ): ارْجِعْ، فَرَجَعَ وَهُوَ يَرْتَعِدُ وَرُكْبَتَاهُ تَصْطَكَّانِ، فَقَالَ: يَا إِلَهِي هَذَا الكَلَامُ الَّذِي أَسْمَعُ كَلَامُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَلَا تَخَفْ، فَوَقَعَ عَلَيْهِ الأَمَانُ، فَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى ذَنَبِهَا، ثُمَّ تَنَاوَلَ لَحْيَيْهَا، فَإِذَا يَدُهُ فِي شُعْبَةِ العَصَا قَدْ عَادَتْ عَصاً، وَقِيلَ لَهُ: ﴿اخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالوَادِ المُقَدَّسِ طُوَى﴾ [طه: 12]، - فَرُوِيَ أَنَّهُ أُمِرَ بِخَلْعِهِمَا لِأَنَّهُمَا كَانَتَا مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ -.
[وَرُوِيَ فِي قَوْلِهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾ أَيْ خَوْفَيْكَ: خَوْفَكَ مِنْ ضِيَاعِ أَهْلِكَ، وَخَوْفَكَ مِنْ فِرْعَوْنَ].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(360) الضرام: اشتعال النار، واضطرمت النار إذا التهبت. (الصحاح).
(361) في بعض النُّسَخ: (لأنيابها). والجذع من الدوابِّ الشابُّ الفتى، فمن الإبل ما دخل في السنة الخامسة، ومن البقر والمعز ما في الثانية، ومن الضأن ما تمَّت له سنة.

(٢١٤)

ثُمَّ أَرْسَلَهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَتَيْنِ بِيَدِهِ وَالعَصَا»(362)،(363).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(362) رواه الراوندي (رحمه الله) في قَصص الأنبياء (ص 151 - 155/ ح 160).
(363) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 13/ ص 42 - 44): (بيان: الغمر: الماء الكثير ومعظم البحر. والتبنِّي: اتِّخاذ ولد الغير ابناً. «فإذا قحم اللبن» لعلَّه كناية عن كثرة سيلان اللبن من قولهم: قحم في الأمر: رمى بنفسه فيه فجاءةً من غير رويَّة. وفي بعض النُّسَخ: (يجمُّ) أي يكثر، وفي بعضها: (فازدحم). قوله تعالى: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى المَدِينَةِ﴾ أي آخرها، واختصر طريقاً قريباً حتَّى سبقهم إلى موسى. ﴿يَسْعَى﴾ أي يُسرع في المشي، فأخبره بذلك وأنذره، وكان الرجل خربيل مؤمن آل فرعون، وقيل: رجل اسمه شمعون، وقيل: شمعان. ﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ المَلَأَ﴾ أي الأشراف من آل فرعون، ﴿يَأْتَمِرُونَ بِكَ﴾ أي يتشاورون فيك، وقيل: يأمر بعضهم بعضاً. قوله تعالى: ﴿تَهْتَزُّ﴾ أي تتحرَّك. قوله تعالى: ﴿كَأَنَّها جَانٌّ﴾ قال السيِّد المرتضى (رحمه الله) في كتاب (الغُرَر والدُّرَر): فإنْ سأل سائل فقال: ما تقولون في قوله تعالى: ﴿فَالقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ [الأعراف: 107]، وقوله: ﴿كَأَنَّها جَانٌّ﴾، والثعبان هي الحيَّة العظيمة الخلقة، والجانُّ الصغير من الحيَّات، وبأيِّ شيء تزبلون التناقض عن هذا الكلام؟ والجواب: أوَّل ما نقوله: إنَّ الحالتين مختلفتان، فحالة كونها كالجانِّ كانت في ابتداء النبوَّة وقبل مسير موسى (عليه السلام) إلى فرعون، وحالة كونها ثعباناً كانت عند لقائه فرعون وإبلاغه الرسالة، والتلاوة تدلُّ على ذلك، وقد ذكر المفسِّرون وجهين: أحدهما أنَّه تعالى إنَّما شبَّهها بالثعبان في إحدى الآيتين لعظم خلقها وكبر جسمها وهول منظرها، وشبَّهها في الآية الأُخرى بالجانِّ لسرعة حركتها ونشاطها وخفَّتها، فاجتمع لها مع أنَّها في جسم الثعبان وكبر خلقه نشاط الجانِّ وسرعة حركته، وهذا أبهر في باب الإعجاز وأبلغ في خرق العادة. والثاني أنَّه تعالى لم يرد بذكر الجانِّ في الآية الأُخرى الحيَّة، وإنَّما أراد أحد الجنِّ، فكأنَّه تعالى أخبر بأنَّ العصا صارت ثعباناً في الخلقة وعظم الجسم، وكانت مع ذلك كأحد الجنِّ في هول المنظر وإفزاعها لمن شاهدها. ويمكن أنْ يكون للآية تأويل آخر وهو أنَّ العصا لـمَّا انقلبت حيَّة صارت أوَّلاً بصفة الجانِّ وعلى صورته، ثمّ صارت بصفة الثعبان على تدريج، ولم تصر كذلك ضربة واحدة. وقال (رحمه الله) في كتاب تنزيه الأنبياء: فإنْ قيل: ما معنى قول شعيب (عليه السلام): ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ...﴾ الآية؟ وكيف يجوز في الصداق هذا التخيير والتفويض؟ وأيُّ فائدة للبنت فيما شرطه هو لنفسه وليس يعود عليها من ذلك نفع؟ قلنا: يجوز أنْ تكون الغنم كانت لشعيب (عليه السلام) وكانت الفائدة باستيجار من يرعيها عائدة عليه إلَّا أنَّه أراد أنْ يُعوِّض بنته عن قيمة رعيها فيكون ذلك مهراً لها. فأمَّا التخيير فلم يكن إلَّا فيما زاد على الثماني حجج ولم يكن فيما شرطه مقترحاً تخيير وإنَّما كان فيما تجاوزه وتعدَّاه. ووجه آخر: وهو أنَّه يجوز أنْ تكون الغنم كانت للبنت وكان الأب المتولِّي لأمرها والقابض لصداقها، لأنَّه لا خلاف أنَّ قبض الأب مهر بنته البكر البالغ جائز، وليس لأحد من الأولياء ذلك غيره، وأجمعوا على أنَّ بنت شعيب (عليه السلام) كانت بكراً. ووجه آخر: وهو أنَّه حذف ذكر الصداق وذكر ما شرطه لنفسه مضافاً إلى الصداق، لأنَّه جائز أنْ يشرط الوليُّ لنفسه ما يخرج عن الصداق، وهذا يخالف الظاهر. ووجه آخر: وهو أنَّه يجوز أنْ يكون من شريعته (عليه السلام) العقد بالتراضي من غير صداق معيَّن، ويكون قوله: ﴿عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي﴾ على غير وجه الصداق، وما تقدَّم من الوجوه أقوى).

(٢١٥)

فَرُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: «كُنْ لِمَا لَا تَرْجُو أَرْجَى مِنْكَ لِمَا تَرْجُو، فَإِنَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ (عليه السلام) خَرَجَ لِيَقْتَبِسَ لِأَهْلِهِ نَاراً، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ وَهُوَ رَسُولٌ نَبِيٌّ»(364)،(365)، فَأَصْلَحَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمْرَ عَبْدِهِ وَنَبِيِّهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(364) رواه المصنِّف (رحمه الله) في أماليه (ص 243 و244/ ح 261/9)، وفي من لا يحضره الفقيه (ج 3/ ص 165/ ح 3609، وج 4/ ص 399/ ح 5854)، وابن بابويه (رحمه الله) في فقه الرضا (ص 359)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 5/ ص 83/ باب الرزق من حيث لا يُحتسَب/ ح 2)، وابن شعبة (رحمه الله) في تُحَف العقول (ص 208).
(365) قال المجلسي الأوَّل (رحمه الله) في روضة المتَّقين (ج 6/ ص 444): (« كن لما لا ترجو أرجى منك ممَّا ترجو» أي ينبغي أنْ يكون رجاؤك ممَّا لا ترجو منه أكثر ممَّا ترجو فإنَّ كثيراً ما يُشاهَد أنْ لا يحصل من المرجوِّ ويحصل من جانب لا يرجوه، بل لم يكن يحتمل أنْ يكون يحصل من ذاك شيء. «فإنَّ موسى (عليه السلام)» ذهب ليلتمس ناراً لأهله عند الولادة في الصحراء عندما شاهد ناراً فلمَّا قرب عنده خاطبه الله تعالى وجعله نبيًّا، ومتى كان يخطر بباله ذلك؟).
وقال (رحمه الله) في (ج 13/ ص 108 و109): («كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو» أي إذا نظرت إلى نفسك تجدها أنَّ رجاءها من مواضع اعتادت النفع منها، فينبغي أنْ تعارضها بأنْ تقول: إنَّه كثيراً ما كان رجاء من موضع ولم يحصل منه ووقع من موضع لم تكن ترجوها، فيجب عليك أنْ يكون رجاؤك من فضل الله تعالى ولا يكون إلى موضع أكثر من غيره، بل إذا كنت ترجو لله فهو تعالى يحصل مطلوبك في أيِّ موضع يريد، والغالب أنَّه لا يحصل من موضع ترجوه لئلَّا تتوجَّه إلى الأسباب، بل لتتوجَّه إلى مسبِّب الأسباب، بل إذا كان الرجاء من غيره فحاصله الخيبة والحرمان كما تقدَّم في خبر الحسين بن علوان وغيره من الأخبار).

(٢١٦)

مُوسَى (عليه السلام) فِي لَيْلَةٍ، وَهَكَذَا يَفْعَلُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالقَائِمِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنَ الأَئِمَّةِ (عليهم السلام)، يَصْلُحُ لَهُ أَمْرَهُ فِي لَيْلَةٍ كَمَا أَصْلَحَ أَمْرَ نَبِيِّهِ مُوسَى (عليه السلام)، وَيُخْرِجُهُ مِنَ الحَيْرَةِ وَالغَيْبَةِ إِلَى نُورِ الفَرَجِ وَالظُّهُورِ.
[14/3] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا المُعَلَّى ابْنُ مُحَمَّدٍ البَصْرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «فِي القَائِمِ (عليه السلام) سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ (عليه السلام)»، فَقُلْتُ: وَمَا سُنَّتُهُ مِنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ؟ قَالَ: «خَفَاءُ مَوْلِدِهِ، وَغَيْبَتُهُ عَنْ قَوْمِهِ»، فَقُلْتُ: وَكَمْ غَابَ مُوسَى عَنْ أَهْلِهِ وَقَوْمِهِ؟ فَقَالَ: «ثَمَانِي وَعِشْرِينَ سَنَةً»(366).
[15/4] وَحَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ المُكَتِّبُ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الهَاشِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ(367)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الحَنَفِيَّةِ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «المَهْدِيُّ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ، يُصْلِحُ اللهُ لَهُ أَمْرَهُ فِي لَيْلَةٍ».
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «يُصْلِحُهُ اللهُ فِي لَيْلَةٍ».
[16/5] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ(368)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(366) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 109/ ح 95).
(367) الظاهر هو أحمد بن سليمان بن عبد المَلِك بن أبي شيبة الجزري أبو الحسين الرُّهاوي الحافظ المعنون في تهذيب التهذيب (ج 1/ ص 29/ الرقم 60)، فقيه صدوق. والرُّهاوي - بضمِّ الراء المهملة - كما في خلاصة تهذيب تهذيب الكمال (ص 6).
(368) يعني المنقري.

(٢١٧)

سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «فِي صَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ أَرْبَعُ سُنَنٍ مِنْ أَرْبَعَةِ أَنْبِيَاءَ: سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ عِيسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ، وَسُنَّةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ)، فَأَمَّا مِنْ مُوسَى فَخَائِفٌ يَتَرَقَّبُ، وَأَمَّا مِنْ يُوسُفَ فَالسِّجْنُ، وَأَمَّا مِنْ عِيسَى فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّهُ مَاتَ، وَلَمْ يَمُتْ، وَأَمَّا مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فَالسَّيْفُ»(369)،(370).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(369) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 93 و94/ ح 84)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 60/ ح 57).
(370) قال الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 60): (فما تضمَّن هذا الخبر من الخصال كلُّها حاصلة في صاحبنا. فإنْ قيل: صاحبكم لم يُسجَن في الحبس. قلنا: لم يُسجَن في الحبس وهو في معنى المسجون، لأنَّه بحيث لا يُوصَل إليه ولا يُعرَف شخصه على التعيين، فكأنَّه مسجون).

(٢١٨)

[17/1] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ القَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ السُّكَّرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا البَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ لِلصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام): أَخْبِرْنِي بِوَفَاةِ مُوسَى ابْنِ عِمْرَانَ (عليه السلام)، فَقَالَ: «إِنَّهُ لَـمَّا أَتَاهُ أَجَلُهُ وَاسْتَوْفَى مُدَّتَهُ وَانْقَطَعَ أُكُلُهُ أَتَاهُ مَلَكُ المَوْتِ (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا كَلِيمَ اللهِ، فَقَالَ مُوسَى: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا مَلَكُ المَوْتِ، قَالَ: مَا الَّذِي جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جِئْتُ لِأَقْبِضَ رُوحَكَ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى (عليه السلام): مِنْ أَيْنَ تَقْبِضُ رُوحِي؟ قَالَ: مِنْ فَمِكَ؟ قَالَ مُوسَى (عليه السلام): كَيْفَ وَقَدْ كَلَّمْتُ بِهِ رَبِّي (جلّ جلاله)؟ قَالَ: فَمِنْ يَدَيْكَ، قَالَ: كَيْفَ وَقَدْ حَمَلْتُ بِهِمَا التَّوْرَاةَ؟ قَالَ: فَمِنْ رِجْلَيْكَ، قَالَ: كَيْفَ وَقَدْ وَطِئْتُ بِهِمَا طُورَ سَيْنَاءَ؟ قَالَ: فَمِنْ عَيْنِكَ، قَالَ: كَيْفَ وَلَمْ تَزَلْ إِلَى رَبِّي بِالرَّجَاءِ مَمْدُودَةً؟ قَالَ: فَمِنْ أُذُنَيْكَ، قَالَ: كَيْفَ وَقَدْ سَمِعْتُ بِهِمَا كَلَامَ رَبِّي (عزَّ وجلَّ)؟ قَالَ: فَأَوْحَى اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى مَلَكِ المَوْتِ: لَا تَقْبِضْ رُوحَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُرِيدُ ذَلِكَ، وَخَرَجَ مَلَكُ المَوْتِ، فَمَكَثَ مُوسَى (عليه السلام) مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَمْكُثَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَدَعَا يُوشَعَ بْنَ نُونٍ فَأَوْصَى إِلَيْهِ وَأَمَرَهُ بِكِتْمَانِ أَمْرِهِ وَبِأَنْ يُوصِيَ بَعْدَهُ إِلَى مَنْ يَقُومُ بِالأَمْرِ، وَغَابَ مُوسَى (عليه السلام) عَنْ قَوْمِهِ، فَمَرَّ فِي غَيْبَتِهِ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَحْفِرُ قَبْراً، فَقَالَ لَهُ: أَلَا أُعِينُكَ عَلَى حَفْرِ هَذَا القَبْرِ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: بَلَى، فَأَعَانَهُ حَتَّى حَفَرَ القَبْرَ وَسَوَّى اللَّحْدَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ فِيهِ مُوسَى (عليه السلام) لِيَنْظُرَ كَيْفَ هُوَ، فَكَشَفَ اللهُ لَهُ الغِطَاءَ، فَرَأَى مَكَانَهُ فِي الجَنَّةِ، فَقَالَ: يَا رَبِّ اقْبِضْنِي إِلَيْكَ، فَقَبَضَ مَلَكُ المَوْتِ رُوحَهُ مَكَانَهُ وَدَفَنَهُ فِي القَبْرِ وَسَوَّى عَلَيْهِ التُّرَابَ، وَكَانَ الَّذِي يَحْفِرُ القَبْرَ مَلَكُ المَوْتِ(371) فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(371) لفظة (الموت) ليست في الأمالي، ولا في بعض نُسَخ الكتاب.

(٢٢١)

وَكَانَ ذَلِكَ فِي التِّيهِ، فَصَاحَ صَائِحٌ مِنَ السَّمَاءِ: مَاتَ مُوسَى كَلِيمُ اللهِ، وَأَيُّ نَفْسٍ لَا تَمُوتُ؟
فَحَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ أَبِيهِ (عليهم السلام) أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) سُئِلَ عَنْ قَبْرِ مُوسَى أَيْنَ هُوَ؟ فَقَالَ: «هُوَ عِنْدَ الطَّرِيقِ الأَعْظَمِ عِنْدَ الكَثِيبِ الأَحْمَرِ»(372).
ثُمَّ إِنَّ يُوشَعَ بْنَ نُونٍ (عليه السلام) قَامَ بِالأَمْرِ بَعْدَ مُوسَى (عليه السلام) صَابِراً مِنَ الطَّوَاغِيتِ عَلَى اللَّأْوَاءِ(373) وَالضَّرَّاءِ وَالجَهْدِ وَالبَلَاءِ حَتَّى مَضَى مِنْهُمْ ثَلَاثُ طَوَاغِيتَ، فَقَوِيَ بَعْدَهُمْ أَمْرُهُ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ مِنْ مُنَافِقِي قَوْمِ مُوسَى (عليه السلام) بِصَفْرَاءَ بِنْتِ شُعَيْبٍ امْرَأَةِ مُوسَى (عليه السلام) فِي مِائَةِ الفِ رَجُلٍ، فَقَاتَلُوا يُوشَعَ بْنَ نُونٍ (عليه السلام)، فَقَتَلَهُمْ وَقَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً وَهَزَمَ البَاقِينَ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَأَسَرَ صَفْرَاءَ بِنْتَ شُعَيْبٍ، وَقَالَ لَهَا: قَدْ عَفَوْتُ عَنْكِ فِي الدُّنْيَا إِلَى أَنْ القَى نَبِيَّ اللهِ مُوسَى (عليه السلام) فَأَشْكُوَ إِلَيْهِ مَا لَقِيتُ مِنْكِ وَمِنْ قَوْمِكِ.
فَقَالَتْ صَفْرَاءُ: وَا وَيْلَاهْ، وَاللهِ لَوْ أُبِيحَتْ لِيَ الجَنَّةُ لَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَرَى فِيهَا رَسُولَ اللهِ وَقَدْ هَتَكْتُ حِجَابَهُ، وَخَرَجْتُ عَلَى وَصِيِّهِ بَعْدَهُ، فَاسْتَتَرَ الأَئِمَّةُ بَعْدَ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ إِلَى زَمَانِ دَاوُدَ (عليه السلام) أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ، وَكَانُوا أَحَدَ عَشَرَ، وَكَانَ قَوْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَخْتَلِفُونَ إِلَيْهِ فِي وَقْتِهِ وَيَأْخُذُونَ عَنْهُ مَعَالِمَ دِينِهِمْ، حَتَّى انْتَهَى الأَمْرُ إِلَى آخِرِهِمْ، فَغَابَ عَنْهُمْ، ثُمَّ ظَهَرَ [لَهُمْ] فَبَشَّرَهُمْ بِدَاوُدَ (عليه السلام)، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ دَاوُدَ (عليه السلام) هُوَ الَّذِي يُطَهِّرُ الأَرْضَ مِنْ جَالُوتَ وَجُنُودِهِ، وَيَكُونُ فَرَجُهُمْ فِي ظُهُورِهِ، فَكَانُوا يَنْتَظِرُونَهُ، فَلَمَّا كَانَ زَمَانُ دَاوُدَ (عليه السلام) كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ إِخْوَةٍ وَلَهُمْ أَبٌ شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَكَانَ دَاوُدُ (عليه السلام) مِنْ بَيْنِهِمْ حَامِلَ الذِّكْرِ، وَكَانَ أَصْغَرَ إِخْوَتِهِ لَا يَعْلَمُونَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(372) راجع ما رواه المصنِّف (رحمه الله) في أماليه (ص 304/ ح 343/2)، وفي علل الشرائع (ج 1/ ص 70/ باب 61/ ح 1)، والقمِّي (رحمه الله) في تفسيره (ج 1/ ص 165).
(373) اللَّأواء: الشدَّة.

(٢٢٢)

أَنَّهُ دَاوُدُ النَّبِيُّ المُنْتَظَرُ الَّذِي يُطَهِّرُ الأَرْضَ مِنْ جَالُوتَ وَجُنُودِهِ، وَكَانَتِ الشِّيعَةُ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَدْ وُلِدَ وَبَلَغَ أَشُدَّهُ، وَكَانُوا يَرَوْنَهُ وَيُشَاهِدُونَهُ وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ هُوَ.
فَخَرَجَ دَاوُدُ (عليه السلام) وَإِخْوَتُهُ وَأَبُوهُمْ لَـمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالجُنُودِ، وَتَخَلَّفَ عَنْهُمْ دَاوُدُ، وَقَالَ: مَا يُصْنَعُ بِي فِي هَذَا الوَجْهِ؟ فَاسْتَهَانَ بِهِ إِخْوَتُهُ وَأَبُوهُ، وَأَقَامَ فِي غَنَمِ أَبِيهِ يَرْعَاهَا، فَاشْتَدَّ الحَرْبُ وَأَصَابَ النَّاسَ جَهْدٌ، فَرَجَعَ أَبُوهُ وَقَالَ لِدَاوُدَ: احْمِلْ إِلَى إِخْوَتِكَ طَعَاماً يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى العَدُوِّ، وكَانَ (عليه السلام) رَجُلاً قَصِيراً قَلِيلَ الشَّعْرِ طَاهِرَ القَلْبِ، أَخْلَاقُهُ نَقِيَّةٌ، فَخَرَجَ وَالقَوْمُ مُتَقَارِبُونَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ قَدْ رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى مَرْكَزِهِ، فَمَرَّ دَاوُدُ (عليه السلام) عَلَى حَجَرٍ، فَقَالَ الحَجَرُ لَهُ بِنِدَاءٍ رَفِيعٍ: يَا دَاوُدُ، خُذْنِي فَاقْتُلْ بِي جَالُوتَ فَإِنِّي إِنَّمَا خُلِقْتُ لِقَتْلِهِ، فَأَخَذَهُ وَوَضَعَهُ فِي مِخْلَاتِهِ الَّتِي كَانَتْ تَكُونُ فِيهَا حِجَارَتُهُ الَّتِي كَانَ يَرْمِي بِهَا غَنَمَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ العَسْكَرَ سَمِعَهُمْ يُعَظِّمُونَ أَمْرَ جَالُوتَ، فَقَالَ لَهُمْ: مَا تُعَظِّمُونَ مِنْ أَمْرِهِ فَوَاللهِ لَئِنْ عَايَنْتُهُ لَأَقْتُلَنَّهُ، فَتَحَدَّثُوا بِخَبَرِهِ حَتَّى أُدْخِلَ عَلَى طَالُوتَ، فَقَالَ لَهُ: يَا فَتَى، مَا عِنْدَكَ مِنَ القُوَّةِ؟ وَمَا جَرَّبْتَ مِنْ نَفْسِكَ؟ قَالَ: قَدْ كَانَ الأَسَدُ يَعْدُو عَلَى الشَّاةِ مِنْ غَنَمِي فَأُدْرِكُهُ فَآخُذُ بِرَأْسِهِ وَأَفُكُّ لَحْيَيْهِ عَنْهَا فَآخُذُهَا مِنْ فِيهِ، وَكَانَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْحَى إِلَى طَالُوتَ أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ جَالُوتَ إِلَّا مَنْ لَبِسَ دِرْعَكَ فَمَلَأَهَا، فَدَعَا بِدِرْعِهِ، فَلَبِسَهَا دَاوُدُ (عليه السلام) فَاسْتَوَتْ عَلَيْهِ، فَرَاعَ(374) ذَلِكَ طَالُوتَ وَمَنْ حَضَرَهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ: عَسَى اللهُ أَنْ يَقْتُلَ بِهِ جَالُوتَ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا وَالتَقَى النَّاسُ قَالَ دَاوُدُ (عليه السلام): أَرُونِي جَالُوتَ، فَلَمَّا رَآهُ أَخَذَ الحَجَرَ فَرَمَاهُ بِهِ فَصَكَّ بِهِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَدَمَغَهُ(375) وَتَنَكَّسَ عَنْ دَابَّتِهِ، فَقَالَ النَّاسُ: قَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ، وَمَلَّكَهُ النَّاسُ(376)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(374) أي أعجب، من راعه يروعه، أي أفزعه وأعجبه.
(375) دمغه، أي شجَّه حتَّى بلغت الشجَّة الدماغ.
(376) أي عدُّوه مَلِكاً لهم. وفي بعض النُّسَخ: (وملَّكه اللهُ (عزَّ وجلَّ) الناسَ).

(٢٢٣)

حَتَّى لَمْ يَكُنْ يُسْمَعُ لِطَالُوتَ ذِكْرٌ، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِ الزَّبُورَ، وَعَلَّمَهُ صَنْعَةَ الحَدِيدِ فَلَيَّنَهُ لَهُ(377)، وأَمَرَ الجِبَالَ وَالطَّيْرَ أَنْ تُسَبِّحَ مَعَهُ، وَأَعْطَاهُ صَوْتاً لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ حُسْناً، وَأَعْطَاهُ قُوَّةً فِي العِبَادَةِ، وَأَقَامَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ نَبِيًّا».
وَهَكَذَا(378) يَكُونُ سَبِيلُ القَائِمِ (عليه السلام) لَهُ عَلَمٌ إِذَا حَانَ وَقْتُ خُرُوجِهِ انْتَشَرَ ذَلِكَ العَلَمُ مِنْ نَفْسِهِ، وَأَنْطَقَهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) فَنَادَاهُ: اخْرُجْ يَا وَلِيَّ اللهِ فَاقْتُلْ أَعْدَاءَ اللهِ، وَلَهُ سَيْفٌ مُغْمَدٌ إِذَا حَانَ وَقْتُ خُرُوجِهِ اقْتَلَعَ ذَلِكَ السَّيْفُ مِنْ غِمْدِهِ(379)، وَأَنْطَقَهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ)، فَنَادَاهُ السَّيْفُ: اخْرُجْ يَا وَلِيَّ اللهِ فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَقْعُدَ عَنْ أَعْدَاءِ اللهِ، فَيَخْرُجُ (عليه السلام) ويَقْتُلُ أَعْدَاءَ اللهِ حَيْثُ ثَقِفَهُمْ(380)، وَيُقِيمُ حُدُودَ اللهِ، وَيَحْكُمُ بِحُكْمِ اللهِ (عزَّ وجلَّ).
حدَّثني بذلك أبو الحسن أحمد بن ثابت الدواليني بمدينة السلام، عن محمّد بن الفضل النحوي، عن محمّد بن عليِّ بن عبد الصمد الكوفي، عن عليِّ بن عاصم، عن محمّد بن عليِّ بن موسى، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليٍّ (عليهم السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في آخر حديث طويل - قد أخرجته في هذا الكتاب في باب ما روي عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) من النصِّ على القائم (عليه السلام) وأنَّه الثاني عشر من الأئمَّة (عليهم السلام) -.
«ثُمَّ(381) إِنَّ دَاوُدَ (عليه السلام) أَرَادَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ سُلَيْمَانَ (عليه السلام)، لِأَنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) أَوْحَى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(377) قالوا: إنَّما كُشِفَ ذوب الحديد قبل ميلاد المسيح بألف سنة، وهو زمان داود (عليه السلام)، ويُسَمُّونه عصر الحديد، وفي التنزيل: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الحَدِيدَ﴾ [سبأ: 10].
(378) كلام المصنِّف (رحمه الله).
(379) الغِمد - بكسر المعجمة -: غلاف السيف.
(380) أي حيث وجدهم وصادفهم.
(381) تتمَّة الخبر.

(٢٢٤)

إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَخْبَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ضَجُّوا مِنْ ذَلِكَ، وَقَالُوا: يَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا حَدَثاً وَفِينَا مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، فَدَعَا أَسْبَاطَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ لَهُمْ: قَدْ بَلَغَنِي مَقَالَتُكُمْ فَأَرُونِي عِصِيَّكُمْ، فَأَيُّ عَصاً أَثْمَرَتْ فَصَاحِبُهَا وَلِيُّ الأَمْرِ مِنْ بَعْدِي، فَقَالُوا: رَضِينَا، فَقَالَ: لِيَكْتُبْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمُ اسْمَهُ عَلَى عَصَاهُ، فَكَتَبُوهُ، ثُمَّ جَاءَ سُلَيْمَانُ (عليه السلام) بِعَصَاهُ فَكَتَبَ عَلَيْهَا اسْمَهُ، ثُمَّ أُدْخِلَتْ بَيْتاً وَأُغْلِقَ البَابُ وَحَرَسَتْهُ رُؤُوسُ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ صَلَّى بِهِمُ الغَدَاةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ فَفَتَحَ البَابَ فَأَخْرَجَ عِصِيَّهُمْ وَقَدْ أَوْرَقَتْ وَعَصَا سُلَيْمَانَ قَدْ أَثْمَرَتْ، فَسَلَّمُوا ذَلِكَ لِدَاوُدَ (عليه السلام)، فَاخْتَبَرَهُ بِحَضْرَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ، أَيُّ شَيْءٍ أَبْرَدُ؟ قَالَ: عَفْوُ اللهِ عَنِ النَّاسِ وَعَفْوُ النَّاسِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، قَالَ: يَا بُنَيَّ، فَأَيُّ شَيْءٍ أَحْلَى؟ قَالَ: المَحَبَّةُ، وَهُوَ رَوْحُ اللهِ فِي عِبَادِهِ، فَافْتَرَّ دَاوُدُ ضَاحِكاً(382)، فَسَارَ بِهِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ: هَذَا خَلِيفَتِي فِيكُمْ مِنْ بَعْدِي، ثُمَّ أَخْفَى سُلَيْمَانُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرَهُ، وَتَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ وَاسْتَتَرَ مِنْ شِيعَتِهِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْتَتِرَ، ثُمَّ إِنَ امْرَأَتَهُ قَالَتْ لَهُ ذَاتَ يَوْمٍ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا أَكْمَلَ خِصَالَكَ وَأَطْيَبَ رِيحَكَ، وَلَا أَعْلَمُ لَكَ خَصْلَةً أَكْرَهُهَا، إِلَّا أَنَّكَ فِي مَؤُونَةِ أَبِي، فَلَوْ دَخَلْتَ السُّوقَ فَتَعَرَّضْتَ لِرِزْقِ اللهِ رَجَوْتُ أَنْ لَا يُخَيِّبَكَ، فَقَالَ لَهَا سُلَيْمَانُ (عليه السلام): إِنِّي وَاللهِ مَا عَمِلْتُ عَمَلاً قَطُّ وَلَا أُحْسِنُهُ، فَدَخَلَ السُّوقَ، فَجَالَ يَوْمَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يُصِبْ شَيْئاً، فَقَالَ لَهَا: مَا أَصَبْتُ شَيْئاً، قَالَتْ: لَا عَلَيْكَ، إِنْ لَمْ يَكُنِ اليَوْمَ كَانَ غَداً، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ خَرَجَ إِلَى السُّوقِ فَجَالَ يَوْمَهُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ، وَرَجَعَ فَأَخْبَرَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: يَكُونُ غَداً إِنْ شَاءَ اللهُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ اليَوْمِ الثَّالِثِ مَضَى حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَاحِلِ البَحْرِ، فَإِذَا هُوَ بِصَيَّادٍ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ أَنْ أُعِينَكَ وَتُعْطِيَنَا شَيْئاً؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَعَانَهُ، فَلَمَّا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(382) افترَّ، أي ضحك ضحكاً حسناً.

(٢٢٥)

فَرَغَ أَعْطَاهُ الصَّيَّادُ سَمَكَتَيْنِ، فَأَخَذَهُمَا وَحَمِدَ اللهَ (عزَّ وجلَّ)، ثُمَّ إِنَّهُ شَقَّ بَطْنَ إِحْدَاهُمَا فَإِذَا هُوَ بِخَاتَمٍ فِي بَطْنِهَا، فَأَخَذَهُ فَصَرَّهُ فِي ثَوْبِهِ(383)، فَحَمِدَ اللهَ وَأَصْلَحَ السَّمَكَتَيْنِ وَجَاءَ بِهِمَا إِلَى مَنْزِلِهِ، فَفَرِحَتِ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ، وَقَالَتْ لَهُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَدْعُوَ أَبَوَيَّ حَتَّى يَعْلَمَا أَنَّكَ قَدْ كَسَبْتَ، فَدَعَاهُمَا، فَأَكَلَا مَعَهُ، فَلَمَّا فَرَغُوا قَالَ لَهُمْ: هَلْ تَعْرِفُونِّي؟ قَالُوا: لَا وَاللهِ إِلَّا أَنَّا لَمْ نَرَ إِلَّا خَيْراً مِنْكَ، قَالَ: فَأَخْرَجَ خَاتَمَهُ فَلَبِسَهُ فَحَنَّ عَلَيْهِ الطَّيْرُ وَالرِّيحُ وَغَشِيَهُ المُلْكُ، وَحَمَلَ الجَارِيَةَ وَأَبَوَيْهَا إِلَى بِلَادِ إِصْطَخْرَ، وَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ الشِّيعَةُ وَاسْتَبْشَرُوا بِهِ، فَفَرَّجَ اللهُ عَنْهُمْ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنْ حَيْرَةِ غَيْبَتِهِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ أَوْصَى إِلَى آصَفَ بْنِ بَرْخِيَا بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، فَلَمْ يَزَلْ بَيْنَهُمْ تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ الشِّيعَةُ وَيَأْخُذُونَ عَنْهُ مَعَالِمَ دِينِهِمْ، ثُمَّ غَيَّبَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى آصَفَ غَيْبَةً طَالَ أَمَدُهَا، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُمْ فَبَقِيَ بَيْنَ قَوْمِهِ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ إِنَّهُ وَدَّعَهُمْ، فَقَالُوا لَهُ: أَيْنَ المُلْتَقَى؟ قَالَ: عَلَى الصِّرَاطِ، وَغَابَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللهُ، فَاشْتَدَّتِ البَلْوَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِغَيْبَتِهِ، وَتَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ بُخْتَنَصَّرُ، فَجَعَلَ يَقْتُلُ مَنْ يَظْفَرُ بِهِ مِنْهُمْ وَيَطْلُبُ مَنْ يَهْرُبُ وَيَسْبِي ذَرَارِيَّهُمْ، فَاصْطَفَى مِنَ السَّبْيِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ يَهُودَا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ فِيهِمْ دَانِيَالُ، وَاصْطَفَى مِنْ وُلْدِ هَارُونَ عُزَيْراً، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ صِبْيَةٌ صِغَارٌ، فَمَكَثُوا فِي يَدِهِ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ فِي العَذَابِ المُهِينِ، وَالحُجَّةُ دَانِيَالُ (عليه السلام) أَسِيرٌ فِي يَدِ بُخْتَنَصَّرَ تِسْعِينَ سَنَةً، فَلَمَّا عَرَفَ فَضْلَهُ وَسَمِعَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَهُ وَيَرْجُونَ الفَرَجَ فِي ظُهُورِهِ وَعَلَى يَدِهِ أَمَرَ أَنْ يُجْعَلَ فِي جُبٍّ عَظِيمٍ وَاسِعٍ وَيُجْعَلَ مَعَهُ الأَسَدُ لِيَأْكُلَهُ، فَلَمْ يَقْرَبْهُ، وَأَمَرَ أَنْ لَا يُطْعَمَ، فَكَانَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَأْتِيهِ بِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ عَلَى يَدِ نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ، فَكَانَ دَانِيَالُ يَصُومُ النَّهَارَ وَيُفْطِرُ بِاللَّيْلِ عَلَى مَا يُدْلَى إِلَيْهِ مِنَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(383) أي ربطه في ثوبه.

(٢٢٦)

الطَّعَامِ، فَاشْتَدَّتِ البَلْوَى عَلَى شِيعَتِهِ وَقَوْمِهِ وَالمُنْتَظِرِينَ لَهُ وَلِظُهُورِهِ وَشَكَّ أَكْثَرُهُمْ فِي الدِّينِ لِطُولِ الأَمَدِ.

فَلَمَّا تَنَاهَى البَلَاءُ بِدَانِيَالَ (عليه السلام) وَبِقَوْمِهِ رَأَى بُخْتَنَصَّرُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ مَلَائِكَةً مِنَ السَّمَاءِ قَدْ هَبَطَتْ إِلَى الأَرْضِ أَفْوَاجاً إِلَى الجُبِّ الَّذِي فِيهِ دَانِيَالُ مُسَلِّمِينَ عَلَيْهِ يُبَشِّرُونَهُ بِالفَرَجِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ نَدِمَ عَلَى مَا أَتَى إِلَى دَانِيَالَ، فَأَمَرَ بِأَنْ يُخْرَجَ مِنَ الجُبِّ، فَلَمَّا أُخْرِجَ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ مِمَّا ارْتَكَبَ مِنْهُ مِنَ التَّعْذِيبِ، ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْهِ النَّظَرَ فِي أُمُورِ مَمَالِكِهِ وَالقَضَاءَ بَيْنَ النَّاسِ، فَظَهَرَ مَنْ كَانَ مُسْتَتِراً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَرَفَعُوا رُؤُوسَهُمْ واجْتَمَعُوا إِلَى دَانِيَالَ (عليه السلام) مُوقِنِينَ بِالفَرَجِ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا القَلِيلَ عَلَى تِلْكَ الحَالِ حَتَّى مَاتَ وَأَفْضَى الأَمْرُ بَعْدَهُ إِلَى عُزَيْرٍ (عليه السلام)، فَكَانُوا يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ وَيَأْنَسُونَ بِهِ وَيَأْخُذُونَ عَنْهُ مَعَالِمَ دِينِهِمْ، فَغَيَّبَ اللهُ عَنْهُمْ شَخْصَهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ، وَغَابَتِ الحُجَجُ بَعْدَهُ، وَاشْتَدَّتِ البَلْوَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى وُلِدَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا (عليه السلام) وَتَرَعْرَعَ، فَظَهَرَ ولَهُ سَبْعُ سِنِينَ، فَقَامَ فِي النَّاسِ خَطِيباً، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَّرَهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ مِحَنَ الصَّالِحِينَ إِنَّمَا كَانَتْ لِذُنُوبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنَّ العَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ، وَوَعَدَهُمُ الفَرْجَ بِقِيَامِ المَسِيحِ (عليه السلام) بَعْدَ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنْ هَذَا القَوْلِ، فَلَمَّا وُلِدَ المَسِيحُ (عليه السلام) أَخْفَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) وِلَادَتَهُ وَغَيَّبَ شَخْصَهُ، لِأَنَّ مَرْيَمَ (عليها السلام) لَـمَّا حَمَلَتْهُ انْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيًّا، ثُمَّ إِنَّ زَكَرِيَّا وَخَالَتَهَا أَقْبَلَا يَقُصَّانِ أَثَرَهَا حَتَّى هَجَمَا عَلَيْهَا وَقَدْ وَضَعَتْ مَا فِي بَطْنِهَا، وَهِيَ تَقُولُ: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا﴾ [مريم: 23]، فَأَطْلَقَ اللهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِسَانَهُ بِعُذْرِهَا وَإِظْهَارِ حُجَّتِهَا، فَلَمَّا ظَهَرَتْ اشْتَدَّتِ البَلْوَى وَالطَّلَبُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَكَبَّ الجَبَابِرَةُ وَالطَّوَاغِيتُ عَلَيْهِمْ حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِ المَسِيحِ مَا قَدْ أَخْبَرَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) بِهِ، وَاسْتَتَرَ شَمْعُونُ بْنُ حَمُّونَ وَالشِّيعَةُ حَتَّى أَفْضَى بِهِمُ الاِسْتِتَارُ إِلَى جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ البَحْرِ، فَأَقَامُوا بِهَا، فَفَجَّرَ اللهُ لَهُمُ العُيُونَ العَذْبَةَ، وَأَخْرَجَ لَهُمْ مِنْ كُلِّ

(٢٢٧)

الثَّمَرَاتِ، وَجَعَلَ لَهُمْ فِيهَا المَاشِيَةَ، وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ سَمَكَةً تُدْعَى القُمُدَّ لَا لَحْمٌ لَهَا وَلَا عَظْمٌ، وَإِنَّمَا هِيَ جِلْدٌ وَدَمٌ، فَخَرَجَتْ مِنَ البَحْرِ، فَأَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَى النَّحْلِ أَنْ تَرْكَبَهَا، فَرَكِبَتْهَا، فَأَتَتِ النَّحْلُ إِلَى تِلْكَ الجَزِيرَةِ، وَنَهَضَ النَّحْلُ وَتَعَلَّقَ بِالشَّجَرِ فَعَرَشَ وَبَنَى وَكَثُرَ العَسَلُ، وَلَمْ يَكُونُوا يَفْقِدُونَ شَيْئاً مِنْ أَخْبَارِ المَسِيحِ (عليه السلام)»(384).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(384) راجع ما رواه العيَّاشي (رحمه الله) في تفسيره (ج 1/ ص 134 و135/ ح 445)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 955).

(٢٢٨)

[18/1] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الطَّالَقَانِيُّ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى الجَلُودِيِّ البَصْرِيُّ بِالبَصْرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَطِيَّةَ الشَّامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ البَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سُلَيْمَانَ(385)، وَكَانَ قَارِئاً لِلْكُتُبِ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي الإِنْجِيلِ: «يَا عِيسَى جِدَّ فِي أَمْرِي وَلَا تَهْزَلْ، وَاسْمَعْ وَأَطِعْ، يَا ابْنَ الطَّاهِرَةِ الطُّهْرِ البِكْرِ البَتُولِ، أَنْتَ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ، أَنَا خَلَقْتُكَ آيَةً لِلْعَالَمِينَ، فَإِيَّايَ فَاعْبُدْ، وَعَلَيَّ فَتَوَكَّلْ، خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ، فَسِّرْ لِأَهْلِ سُورِيَا بِالسُّرْيَانِيَّةِ، بَلِّغْ مَنْ بَيْنَ يَدَيْكَ، أَنِّي أَنَا اللهُ الدَّائِمُ الَّذِي لَا أَزُولُ، صَدِّقُوا النَّبِيَّ الأُمِّيَّ صَاحِبَ الجَمَلِ وَالمِدْرَعَةِ وَالتَّاجِ - وَهِيَ العِمَامَةُ - وَالنَّعْلَيْنِ وَالهِرَاوَةِ - وَهِيَ القَضِيبُ - الأَنْجَلَ العَيْنَيْنِ، الصَّلْتَ الجَبِينِ، الوَاضِحَ الخَدَّيْنِ، الأَقْنَى الأَنْفِ(386)، مُفَلَّجَ الثَّنَايَا، كَأَنَّ عُنُقَهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ، كَأَنَّ الذَّهَبَ يَجْرِي فِي تَرَاقِيهِ، لَهُ شَعَرَاتٌ مِنْ صَدْرِهِ إِلَى سُرَّتِهِ، لَيْسَ عَلَى بَطْنِهِ وَلَا عَلَى صَدْرِهِ شَعْرٌ، أَسْمَرَ اللَّوْنِ، دَقِيقَ المَسْرُبَةِ(387)، شَثْنَ الكَفِّ وَالقَدَمِ(388)، إِذَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(385) كذا، والصواب: حدَّثنا هشام بن سنبر أبو عبد الله، عن حمَّاد بن أبي سليمان.
(386) المدرعة - كمكنسة -: ثوب كالدراعة، ولا تكون إلَّا من صوف. والهراوة: العصا. وفي القاموس (ج 4/ ص 55): النَّجَل - بالتحريك -: سعة العين، فهو أنجل. والصلت الجبين: أي واسعة. وأقنى الأنف: محدبه، أي ارتفع وسط قصبة أنفه وضاق منخراه.
(387) مفلج الثنايا: أي منفرجها. وقوله: (كأنَّ الذهب يجري في تراقيه): التراقي جمع الترقوة، وهو العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق، ولعلَّه كناية عن حمرة ترقوته. والمسرُبة - بضمِّ الراء -: ما دُقَّ من شعر الصدر سائلاً إلى الجوف.
(388) شثن الكفَّين والقدمين: أي إنَّهما يميلان إلى الغلظ والقصر. وقيل: هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر، ويُحمَد ذلك في الرجال لأنَّه أشدّ لقبضهم، ويُذَمُّ في النساء. (النهاية: ج 2/ ص 444).

(٢٣١)

التَفَتَ التَفَتَ جَمِيعاً، وَإِذَا مَشَى فَكَأَنَّمَا يَتَقَلَّعُ مِنَ الصَّخْرِ، وَيَنْحَدِرُ مِنْ صَبَبٍ(389)، وَإِذَا جَاءَ مَعَ القَوْمِ بَذَّهُمْ(390)، عَرَقُهُ فِي وَجْهِهِ كَاللُّؤْلُؤِ، وَرِيحُ المِسْكِ تَنْفَحُ مِنْهُ، لَمْ يُرَ قَبْلَهُ مِثْلُهُ وَلَا بَعْدَهُ، طَيِّبُ الرِّيحِ، نَكَّاحٌ لِلنِّسَاءِ، ذُو النَّسْلِ القَلِيلِ، إِنَّمَا نَسْلُهُ مِنْ مُبَارَكَةٍ(391) لَهَا بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ لَا صَخَبٌ فِيهِ وَلَا نَصَبٌ(392)، يُكَفِّلُهَا فِي آخِرِ الزَّمَانِ كَمَا كَفَّلَ زَكَرِيَّا أُمَّكَ، لَهَا فَرْخَانِ مُسْتَشْهَدَانِ، كَلَامُهُ القُرْآنُ، وَدِينُهُ الإِسْلَامُ، وَأَنَا السَّلَامُ، فَطُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَ زَمَانَهُ، وَشَهِدَ أَيَّامَهُ، وَسَمِعَ كَلَامَهُ.
قَالَ عِيسَى: «يَا رَبِّ، وَمَا طُوبَى؟ قَالَ: شَجَرَةٌ فِي الجَنَّةِ أَنَا غَرَسْتُهَا بِيَدِي تُظِلُّ الجِنَانَ، أَصْلُهَا مِنْ رِضْوَانٍ، مَاؤُهَا مِنْ تَسْنِيمٍ(393)، بَرْدُهُ بَرْدُ الكَافُورِ، وَطَعْمُهُ طَعْمُ الزَّنْجَبِيلِ، مَنْ شَرِبَ مِنْ تِلْكَ العَيْنِ شَرْبَةً لَا يَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَداً.
فَقَالَ عِيسَى (عليه السلام): اللَّهُمَّ اسْقِنِي مِنْهَا، قَالَ: حَرَامٌ يَا عِيسَى عَلَى البَشَرِ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْهَا حَتَّى يَشْرَبَ ذَلِكَ النَّبِيُّ، وَحَرَامٌ عَلَى الأُمَمِ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْهَا حَتَّى تَشْرَبَ مِنْهَا أُمَّةُ ذَلِكَ النَّبِيِّ. يَا عِيسَى، أَرْفَعُكَ إِلَيَّ ثُمَّ أُهْبِطُكَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ لِتَرَى مِنْ أُمَّةِ ذَلِكَ النَّبِيِّ العَجَائِبَ، وَلِتُعِينَهُمْ عَلَى اللَّعِينِ الدَّجَّالِ، أُهْبِطُكَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ لِتُصَلِّيَ مَعَهُمْ، إِنَّهُمْ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ»(394).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(389) أي يرفع رجليه من الأرض رفعاً بيِّناً بقوَّة دون احتشام، لا كمن يمشى اختيالاً ويقارب خطاه لأنَّ ذلك من مشي النساء. والصبب ما انحدر من الأرض أو الطريق.
(390) في النهاية (ج 1/ ص 110): (في الحديث: «بذَّ القائلين»، أي سبقهم وغلبهم).
(391) يعني الزهراء (سلام الله عليها).
(392) الصخب - بالتحريك -: الضجَّة والصياح والجبلة. والنصب: التعب والداء.
(393) اسم عين في الجنَّة، ويقال: هو أرفع شراب أهلها، تسنمهم من فوقهم.
(394) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 16/ ص 145 و146): (بيان: لا يبعد أنْ يكون سوريا في تلك اللغة اسم سورى، قال في القاموس: السورى كطوبى موضع بالعراق، وهو من بلد السريانيِّين. وقال: المدرعة كمكنسة: ثوب كالدرَّاعة، ولا تكون إلَّا من صوف. وقال: النجل - بالتحريك -: سعة العين فهو أنجل. قوله: «صلت الجبين»، قال الجزري: أي واسعة. وقال الفيروزآبادي: رجل مفجل الثنايا: منفرجها. قوله: «كأنَّ الذهب يجري في تراقيه»، لعلَّه كناية عن حمرة ترقوته (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، أو سطوع النور منها. قوله: «بذَّهم»، قال الجزري: فيه بذَّ العالمين، أي سبقهم وغلبهم. أقول: فالمعنى أنَّه كان يغلبهم في الحسن والبهاء، ويمتاز بينهم، أو يسبقهم في المشي، والأوَّل أظهر، إذ سيأتي ما يخالف الثاني. والصخب - بالتحريك -: الصياح والجلبة).

(٢٣٢)

وَكَانَتْ(395) لِلْمَسِيحِ (عليه السلام) غَيْبَاتٌ يَسِيحُ فِيهَا فِي الأَرْضِ، فَلَا يَعْرِفُ قَوْمُهُ وَشِيعَتُهُ خَبَرَهُ، ثُمَّ ظَهَرَ فَأَوْصَى إِلَى شَمْعُونَ بْنِ حَمُّونَ (عليه السلام)، فَلَمَّا مَضَى شَمْعُونُ غَابَتِ الحُجَجُ بَعْدَهُ، وَاشْتَدَّتِ الطَّلَبُ، وَعَظُمَتِ البَلْوَى، وَدَرَسَ الدِّينُ، وَضُيِّعَتِ الحُقُوقُ، وَأُمِيتَتِ الفُرُوضُ وَالسُّنَنُ، وَذَهَبَ النَّاسُ يَمِيناً وَشِمَالاً لَا يَعْرِفُونَ أَيًّا مِنْ أَيٍّ، فَكَانَتِ الغَيْبَةُ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً.
[19/2] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ الصَّفَّارُ وَسَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ جَمِيعاً، عَنِ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُغِيرَةِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي خَلَفٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «بَقِيَ النَّاسُ بَعْدَ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ (عليه السلام) خَمْسِينَ وَمِائَتَيْ سَنَةٍ بِلَا حُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ».
[20/3] حَدَّثَنَا أَبِي (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى العَطَّارُ، عَنْ يَعْقُوبَ ابْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي خَلَفٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: «كَانَ بَيْنَ عِيسَى وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، مِنْهَا مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ عَاماً لَيْسَ فِيهَا نَبِيٌّ وَلَا عَالِمٌ ظَاهِرٌ»، قُلْتُ: فَمَا كَانُوا؟ قَالَ: «كَانُوا مُتَمَسِّكِينَ بِدِينِ عِيسَى (عليه السلام)»، قُلْتُ: فَمَا كَانُوا؟ قَالَ: «كَانُوا مُؤْمِنِينَ»، ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): «وَلَا يَكُونُ الأَرْضُ إِلَّا وَفِيهَا عَالِمٌ».
وكان ممَّن ضرب في الأرض لطلب الحجَّة سلمان الفارسي (رضي الله عنه)، فلم يزل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(395) من كلام المصنِّف (رحمه الله).

(٢٣٣)

ينتقل من عالم إلى عالم ومن فقيه إلى فقيه، ويبحث عن الأسرار ويستدلُّ بالأخبار منتظراً لقيام القائم سيِّد الأوَّلين والآخرين محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أربعمائة سنة حتَّى بُشِّر بولادته، فلمَّا أيقن بالفرج خرج يريد تهامة فسُبِيَ.

* * *

(٢٣٤)

[21/1] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى العَطَّارُ وَأَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ جَمِيعاً، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ أَبِيهِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليهما السلام)، قَالَ: قُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، أَلَا تُخْبِرُنَا كَيْفَ كَانَ سَبَبُ إِسْلَامِ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ؟ قَالَ: «حَدَّثَنِي أَبِي (صلوات الله عليه) أَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (صلوات الله عليه) وَسَلْمَانَ الفَارِسِيَّ وَأَبَا ذَرٍّ وَجَمَاعَةً مِنْ قُرَيْشٍ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فَقَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) لِسَلْمَانَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَلَا تُخْبِرُنَا بِمَبْدَإِ أَمْرِكَ؟ فَقَالَ سَلْمَانُ: وَاللهِ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ لَوْ أَنَّ غَيْرَكَ سَأَلَنِي مَا أَخْبَرْتُهُ.
أَنَا كُنْتُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ شِيرَازَ مِنْ أَبْنَاءِ الدَّهَاقِينِ، وَكُنْتُ عَزِيزاً عَلَى وَالِدَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا سَائِرٌ مَعَ أَبِي فِي عِيدٍ لَهُمْ إِذَا أَنَا بِصَوْمَعَةٍ، وَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ يُنَادِي: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ عِيسَى رُوحُ اللهِ، وَأَنَّ مُحَمَّداً حَبِيبُ اللهِ، فَرَسَخَ وَصْفُ مُحَمَّدٍ(396) فِي لَحْمِي وَدَمِي، فَلَمْ يَهْنِئْنِي طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ، فَقَالَتْ لِي أُمِّي: يَا بُنَيَّ، مَا لَكَ اليَوْمَ لَمْ تَسْجُدْ لِمَطْلَعِ الشَّمْسِ؟
قَالَ: فَكَابَرْتُهَا حَتَّى سَكَتَتْ، فَلَمَّا انْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلِي إِذَا أَنَا بِكِتَابٍ مُعَلَّقٍ فِي السَّقْفِ، فَقُلْتُ لِأُمِّي: مَا هَذَا الكِتَابُ؟ فَقَالَتْ: يَا رُوزْبِهُ، إِنَّ هَذَا الكِتَابَ لَـمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِيدِنَا رَأَيْنَاهُ مُعَلَّقاً، فَلَا تَقْرَبْ ذَلِكَ المَكَانَ فَإِنَّكَ إِنْ قَرِبْتَهُ قَتَلَكَ أَبُوكَ.
قَالَ: فَجَاهَدْتُهَا حَتَّى جُنَّ اللَّيْلُ فَنَامَ أَبِي وَأُمِّي، فَقُمْتُ وَأَخَذْتُ الكِتَابَ، وَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا عَهْدٌ مِنَ اللهِ إِلَى آدَمَ أَنَّهُ خَالِقٌ مِنْ صُلْبِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(396) في بعض النُّسَخ: (فرصف حُبُّ محمّد).

(٢٣٧)

نَبِيًّا يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدٌ، يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ وَيَنْهَى عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ. يَا رُوزْبِهُ، ائْتِ وَصِيَّ عِيسَى وَآمِنْ وَاتْرُكِ المَجُوسِيَّةَ.
قَالَ: فَصَعِقْتُ صَعْقَةً وَزَادَنِي شِدَّةً.
قَالَ: فَعَلِمَ بِذَلِكَ أَبِي وَأُمِّي، فَأَخَذُونِي وَجَعَلُونِي فِي بِئْرٍ عَمِيقَةٍ، وَقَالُوا لِي: إِنْ رَجَعْتَ وَإِلَّا قَتَلْنَاكَ، فَقُلْتُ لَهُمْ: افْعَلُوا بِي مَا شِئْتُمْ، حُبُّ مُحَمَّدٍ لَا يَذْهَبُ مِنْ صَدْرِي.
قَالَ سَلْمَانُ: مَا كُنْتُ أَعْرِفُ العَرَبِيَّةَ قَبْلَ قِرَاءَتِيَ الكِتَابَ، وَلَقَدْ فَهَّمَنِي اللهُ (عزَّ وجلَّ) العَرَبِيَّةَ مِنْ ذَلِكَ اليَوْمِ.
قَالَ: فَبَقِيتُ فِي البِئْرِ، فَجَعَلُوا يُنْزِلُونَ فِي البِئْرِ إِلَيَّ أَقْرَاصاً صِغَاراً.
قَالَ: فَلَمَّا طَالَ أَمْرِي رَفَعْتُ يَدِي إِلَى السَّمَاءِ، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، إِنَّكَ حَبَّبْتَ مُحَمَّداً وَوَصِيَّهُ إِلَيَّ، فَبِحَقِّ وَسِيلَتِهِ عَجِّلْ فَرَجِي وَأَرِحْنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ، فَأَتَانِي آتٍ عَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ، فَقَالَ: قُمْ يَا رُوزْبِهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَتَى بِي إِلَى الصَّوْمَعَةِ، فَأَنْشَأْتُ أَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ عِيسَى رُوحُ اللهِ، وَأَنَّ مُحَمَّداً حَبِيبُ اللهِ، فَأَشْرَفَ عَلَيَّ الدَّيْرَانِيُّ، فَقَالَ: أَنْتَ رُوزْبِهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: اصْعَدْ، فَأَصْعَدَنِي إِلَيْهِ، وَخَدَمْتُهُ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ قَالَ: إِنِّي مَيِّتٌ، فَقُلْتُ لَهُ: فَعَلَى مَنْ تُخْلِفُنِي؟ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ أَحَداً يَقُولُ بِمَقَالَتِي هَذِهِ إِلَّا رَاهِباً بِأَنْطَاكِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَادْفَعْ إِلَيْهِ هَذَا اللَّوْحَ، وَنَاوَلَنِي لَوْحاً، فَلَمَّا مَاتَ غَسَّلْتُهُ وَكَفَّنْتُهُ وَدَفَنْتُهُ وَأَخَذْتُ اللَّوْحَ وَسِرْتُ بِهِ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ وَأَتَيْتُ الصَّوْمَعَةَ وَأَنْشَأَتُ أَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ عِيسَى رُوحُ اللهِ، وَأَنَّ مُحَمَّداً حَبِيبُ اللهِ، فَأَشْرَفَ عَلَيَّ الدَّيْرَانِيُّ، فَقَالَ: أَنْتَ رُوزْبِهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: اصْعَدْ، فَصَعِدْتُ إِلَيْهِ، فَخَدَمْتُهُ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ قَالَ لِي: إِنِّي مَيِّتٌ، فَقُلْتُ: عَلَى مَنْ تُخْلِفُنِي؟ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ أَحَداً يَقُولُ بِمَقَالَتِي هَذِهِ إِلَّا رَاهِباً بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ،

(٢٣٨)

فَإِذَا أَتَيْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ وَادْفَعْ إِلَيْهِ هَذَا اللَّوْحَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ غَسَّلْتُهُ وَكَفَّنْتُهُ وَدَفَنْتُهُ وَأَخَذْتُ اللَّوْحَ وَأَتَيْتُ الصَّوْمَعَةَ وَأَنْشَأْتُ أَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ عِيسَى رُوحُ اللهِ، وَأَنَّ مُحَمَّداً حَبِيبُ اللهِ، فَأَشْرَفَ عَلَيَّ الدَّيْرَانِيُّ، فَقَالَ: أَنْتَ رُوزْبِهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: اصْعَدْ، فَصَعِدْتُ إِلَيْهِ، وَخَدَمْتُهُ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ قَالَ لِي: إِنِّي مَيِّتٌ، فَقُلْتُ: عَلَى مَنْ تُخْلِفُنِي؟ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ أَحَداً يَقُولُ بِمَقَالَتِي هَذِهِ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ قَدْ حَانَتْ وِلَادَتُهُ، فَإِذَا أَتَيْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَادْفَعْ إِلَيْهِ هَذَا اللَّوْحَ.
قَالَ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ غَسَّلْتُهُ وَكَفَّنْتُهُ وَدَفَنْتُهُ وَأَخَذْتُ اللَّوْحَ وَخَرَجْتُ، فَصَحِبْتُ قَوْماً، فَقُلْتُ لَهُمْ: يَا قَوْمُ، اكْفُونِيَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ أَكْفِكُمُ الخِدْمَةَ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَأْكُلُوا شَدُّوا عَلَى شَاةٍ فَقَتَلُوهَا بِالضَّرْبِ، ثُمَّ جَعَلُوا بَعْضَهَا كَبَاباً وَبَعْضَهَا شِوَاءً، فَامْتَنَعْتُ مِنَ الأَكْلِ، فَقَالُوا: كُلْ، فَقُلْتُ: إِنِّي غُلَامٌ دَيْرَانِيٌّ، وَإِنَّ الدَّيْرَانِيِّينَ لَا يَأْكُلُونَ اللَّحْمَ، فَضَرَبُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمْسِكُوا عَنْهُ حَتَّى يَأْتِيَكُمْ شَرَابُكُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَشْرَبُ، فَلَمَّا أَتَوْا بِالشَّرَابِ قَالُوا: اشْرَبْ، فَقُلْتُ: إِنِّي غُلَامٌ دَيْرَانِيٌّ، وَإِنَّ الدَّيْرَانِيِّينَ لَا يَشْرَبُونَ الخَمْرَ، فَشَدُّوا عَلَيَّ وَأَرَادُوا قَتْلِي، فَقُلْتُ لَهُمْ: يَا قَوْمِ، لَا تَضْرِبُونِي وَلَا تَقْتُلُونِي فَإِنِّي أُقِرُّ لَكُمْ بِالعُبُودِيَّةِ، فَأَقْرَرْتُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَأَخْرَجَنِي وَبَاعَنِي بِثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ رَجُلٍ يَهُودِيٍّ.
قَالَ: فَسَأَلَنِي عَنْ قِصَّتِي، فَأَخْبَرْتُهُ، وَقُلْتُ لَهُ: لَيْسَ لِي ذَنْبٌ إِلَّا أَنِّي أَحْبَبْتُ مُحَمَّداً وَوَصِيَّهُ، فَقَالَ اليَهُودِيُّ: وَإِنِّي لَأُبْغِضُكَ وَأُبْغِضُ مُحَمَّداً، ثُمَّ أَخْرَجَنِي إِلَى خَارِجِ دَارِهِ، وَإِذَا رَمْلٌ كَثِيرٌ عَلَى بَابِهِ، فَقَالَ: وَاللهِ يَا رُوزْبِهُ لَئِنْ أَصْبَحْتُ وَلَمْ تَنْقُلْ هَذَا الرَّمْلَ كُلَّهُ مِنْ هَذَا المَوْضِعِ لَأَقْتُلَنَّكَ.
قَالَ: فَجَعَلْتُ أَحْمِلُ طُولَ لَيْلَتِي، فَلَمَّا أَجْهَدَنِي التَّعَبُ رَفَعْتُ يَدِي إِلَى

(٢٣٩)

السَّمَاءِ، وَقُلْتُ: يَا رَبِّ، إِنَّكَ حَبَّبْتَ مُحَمَّداً وَوَصِيَّهُ إِلَيَّ، فَبِحَقِّ وَسِيلَتِهِ عَجِّلْ فَرَجِي وَأَرِحْنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ، فَبَعَثَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) رِيحاً فَقَلَعَتْ ذَلِكَ الرَّمْلَ مِنْ مَكَانِهِ إِلَى المَكَانِ الَّذِي قَالَ اليَهُودِيُّ، فَلَمَّا أَصْبَحَ نَظَرَ إِلَى الرَّمْلِ قَدْ نُقِلَ كُلُّهُ، فَقَالَ: يَا رُوزْبِهُ، أَنْتَ سَاحِرٌ وَأَنَا لَا أَعْلَمُ، فَلَأُخْرِجَنَّكَ مِنْ هَذِهِ القَرْيَةِ لِئَلَّا تُهْلِكَهَا.
قَالَ: فَأَخْرَجَنِي وَبَاعَنِي مِنِ امْرَأَةٍ سُلَمِيَّةٍ، فَأَحَبَّتْنِي حُبًّا شَدِيداً، وَكَانَ لَهَا حَائِطٌ، فَقَالَتْ: هَذَا الحَائِطُ لَكَ كُلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ وَهَبْ وَتَصَدَّقْ.
قَالَ: فَبَقِيتُ فِي ذَلِكَ الحَائِطِ مَا شَاءَ اللهُ، فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ يَوْمٍ فِي الحَائِطِ إِذَا أَنَا بِسَبْعَةِ رَهْطٍ قَدْ أَقْبَلُوا تُظِلُّهُمْ غَمَامَةٌ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللهِ مَا هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أَنْبِيَاءَ، وَلَكِنَّ فِيهِمْ نَبِيًّا.
قَالَ: فَأَقْبَلُوا حَتَّى دَخَلُوا الحَائِطَ وَالغَمَامَةُ تَسِيرُ مَعَهُمْ، فَلَمَّا دَخَلُوا إِذَا فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وَأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وَأَبُو ذَرٍّ وَالمِقْدَادُ وعَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ(397) وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَدَخَلُوا الحَائِطَ، فَجَعَلُوا يَتَنَاوَلُونَ مِنْ حَشَفِ النَّخْلِ وَرَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يَقُولُ لَهُمْ: كُلُوا الحَشَفَ وَلَا تُفْسِدُوا عَلَى القَوْمِ شَيْئاً، فَدَخَلْتُ عَلَى مَوْلَاتِي، فَقُلْتُ لَهَا: يَا مَوْلَاتِي، هَبِي لِي طَبَقاً مِنْ رُطَبٍ، فَقَالَتْ: لَكَ سِتَّةُ أَطْبَاقٍ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(397) فيه وهم كما لا يخفى، لأنَّ إسلام عقيل على ما ذكروه قبل الحديبيَّة، وهو لم يشهد المواقف التي قبلها، وقد أُخرج مع المشركين كرهاً إلى بدر، وأُسِرَ وفداه عمُّه العبَّاس بن عبد المطَّلب، وكان حمزة (رضي الله عنه) استُشهِدَ يوم أُحُد، وإسلام سلمان كان بقباء حين قدوم النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) المدينة مهاجراً، وعدُّه ابن عبد البرِّ فيمن شهد بدراً، فإنْ لم نقبل ذلك فلا أقلَّ من حضوره في غزوة الأحزاب، فإنَّ المسلمين حفروا الخندق بمشورته، فكيف يُجمَع بين حمزة وعقيل مع النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في حائط من حيطان المدينة قبل إسلام سلمان (رضي الله عنه)؟ ولا يقال: لعلَّ عقيل تصحيف جعفر، لأنَّ جعفر حينذاك في الحبشة، وقَدِمَ المدينة بعد فتح خيبر. ثمّ اعلم أنَّ الأمر في الخبر سهل، لأنَّه مرسَل، وهو كما ترى يشبه القَصص والأساطير، والله العالم.

(٢٤٠)

قَالَ: فَجِئْتُ، فَحَمَلْتُ طَبَقاً مِنْ رُطَبٍ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: إِنْ كَانَ فِيهِمْ نَبِيٌّ فَإِنَّهُ لَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَيَأْكُلُ الهَدِيَّةَ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُلْتُ: هَذِهِ صَدَقَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): كُلُوا، وَأَمْسَكَ رَسُولُ اللهِ وَأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ وَعَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَقَالَ لِزَيْدٍ: مُدَّ يَدَكَ وَكُلْ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ عَلَامَةٌ، فَدَخَلْتُ إِلَى مَوْلَاتِي، فَقُلْتُ لَهَا: هَبِي لِي طَبَقاً آخَرَ، فَقَالَتْ: لَكَ سِتَّةُ أَطْبَاقٍ.
قَالَ: فَجِئْتُ، فَحَمَلْتُ طَبَقاً مِنْ رُطَبٍ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُلْتُ: هَذِهِ هَدِيَّةٌ، فَمَدَّ يَدَهُ، وَقَالَ: بِسْمِ اللهِ كُلُوا، وَمَدَّ القَوْمُ جَمِيعاً أَيْدِيَهُمْ فَأَكَلُوا، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ أَيْضاً عَلَامَةٌ.
قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا أَدُورُ خَلْفَهُ إِذْ حَانَتْ مِنَ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) التِفَاتَةٌ، فَقَالَ: يَا رُوزْبِهُ تَطْلُبُ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَكَشَفَ عَنْ كَتِفَيْهِ، فَإِذَا أَنَا بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ مَعْجُومٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَلَيْهِ شَعَرَاتٌ.
قَالَ: فَسَقَطْتُ عَلَى قَدَمِ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أُقَبِّلُهَا، فَقَالَ لِي: يَا رُوزْبِهُ، ادْخُلْ إِلَى هَذِهِ المَرْأَةِ وَقُلْ لَهَا: يَقُولُ لَكِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: تَبِيعِينَا هَذَا الغُلَامَ؟ فَدَخَلْتُ، فَقُلْتُ لَهَا: يَا مَوْلَاتِي، إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ لَكِ: تَبِيعِينَا هَذَا الغُلَامَ؟ فَقَالَتْ: قُلْ لَهُ: لَا أَبِيعُكَ إِلَّا بِأَرْبَعِمِائَةِ نَخْلَةٍ، مِائَتَيْ نَخْلَةٍ مِنْهَا صَفْرَاءَ، وَمِائَتَيْ نَخْلَةٍ مِنْهَا حَمْرَاءَ.
قَالَ: فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: وَمَا أَهْوَنَ مَا سَأَلَتْ، ثُمَّ قَالَ: قُمْ يَا عَلِيُّ فَاجْمَعْ هَذَا النَّوَى كُلَّهُ، فَجَمَعَهُ وَأَخَذَهُ فَغَرَسَهُ، ثُمَّ قَالَ: اسْقِهِ، فَسَقَاهُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ، فَمَا بَلَغَ آخِرَهُ حَتَّى خَرَجَ النَّخْلُ وَلَحِقَ بَعْضُهُ بَعْضاً، فَقَالَ لِي: ادْخُلْ إِلَيْهَا وَقُلْ لَهَا: يَقُولُ لَكِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: خُذِي شَيْئَكِ وَادْفَعِي إِلَيْنَا شَيْئَنَا.
قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا، وَقُلْتُ ذَلِكَ لَهَا، فَخَرَجَتْ وَنَظَرَتْ إِلَى النَّخْلِ، فَقَالَتْ: وَاللهِ لَا أَبِيعُكَهُ إِلَّا بِأَرْبَعِمِائَةِ نَخْلَةٍ كُلُّهَا صَفْرَاءُ.

(٢٤١)

قَالَ: فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام)، فَمَسَحَ جَنَاحَيْهِ عَلَى النَّخْلِ، فَصَارَ كُلُّهُ أَصْفَرَ.
قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي: قُلْ لَهَا: إِنَّ مُحَمَّداً يَقُولُ لَكِ: خُذِي شَيْئَكِ وَادْفَعِي إِلَيْنَا شَيْئَنَا.
قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا ذَلِكَ، فَقَالَتْ: وَاللهِ لَنَخْلَةٌ مِنْ هَذِهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مُحَمَّدٍ وَمِنْكَ، فَقُلْتُ لَهَا: وَاللهِ لَيَوْمٌ وَاحِدٌ مَعَ مُحَمَّدٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتِ فِيهِ، فَأَعْتَقَنِي رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وَسَمَّانِي سَلْمَانَ»(398).
قال مصنِّف هذا الكتاب (رضي الله عنه): كان اسم سلمان روزبه بن خشبوذان، وما سجد قطُّ لمطلع الشمس، وإنَّما كان يسجد لله (عزَّ وجلَّ)، وكانت القبلة التي أُمِرَ بالصلاة إليها شرقيَّة، وكان أبواه يظنَّان أنَّه إنَّما يسجد لمطلع الشمس كهيأتهم، وكان سلمان وصيُّ وصيِّ عيسى (عليه السلام) في أداء ما حُمِّل إلى من انتهت إليه الوصيَّة من المعصومين، وهو آبي (عليه السلام)، وقد ذكر قوم أنَّ (آبي)(399) هو أبو طالب، وإنَّما اشتبه الأمر به لأنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) سُئِلَ عَنْ آخِرِ أَوْصِيَاءِ عِيسَى (عليه السلام) فَقَالَ: «آبِي»(400)، فَصَحَّفَهُ النَّاسُ وَقَالُوا: أَبِي، ويقال له: بردة، أيضاً.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(398) رواه الفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 275 - 278).
(399) آبي - بمدِّ الهمزة وإمالة الياء - من ألقاب علماء النصارى. وسيأتي في باب نوادر الكتاب أواخر الجزء الثاني أنَّ آخر أوصياء عيسى (عليه السلام) رجل يقال له: بالط. وكأنَّ اسم ذلك الرجل (آبي بالط).
(400) كذا، ولعلَّ النكتة في عدم النصب حفظ صورة الكلمة لئلَّا يشتبه بـ (أبي).

(٢٤٢)

ومثل قُسِّ بن ساعدة الأياديِّ في علمه وحكمته، كان يعرف النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وينتظر ظهوره، ويقول: إنَّ لله ديناً خير من الدِّين الذي أنتم عليه، وَكَانَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: «يُحْشَرُ يَوْمَ القِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ(401)».
[22/1] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ العَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «بَيْنَا رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ذَاتَ يَوْمٍ بِفِنَاءِ الكَعْبَةِ يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ، إِذْ أَقْبَلَ إِلَيْهِ وَفْدٌ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): مَنِ القَوْمُ؟ قَالُوا: وَفْدُ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، قَالَ: فَهَلْ عِنْدَكُمْ عِلْمٌ مِنْ خَبَرِ قُسِّ بْنِ سَاعِدِةَ الأَيَادِيِّ؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ؟ قَالُوا: مَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ المَوْتِ وَرَبِّ الحَيَاةِ، كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى قُسِّ بْنِ سَاعِدِةَ الأَيَادِيِّ وَهُوَ بِسُوقِ عُكَاظٍ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ وَيَقُولُ: اجْتَمِعُوا أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِذَا اجْتَمَعْتُمْ فَأَنْصِتُوا، فَإِذَا أَنْصَتُّمْ فَاسْمَعُوا، فَإِذَا سَمِعْتُمْ فَعُوا، فَإِذَا وَعَيْتُمْ فَاحْفَظُوا، فَإِذَا حَفِظْتُمْ فَاصْدُقُوا، أَلَا إِنَّهُ مَنْ عَاشَ مَاتَ، وَمَنْ مَاتَ فَاتَ، وَمَنْ فَاتَ فَلَيْسَ بِآتٍ، إِنَّ فِي السَّمَاءِ خَبَراً، وَفِي الأَرْضِ عِبَراً، سَقْفٌ مَرْفُوعٌ، وَمِهَادٌ مَوْضُوعٌ، وَنُجُومٌ تَمُورُ(402)، وَلَيْلٌ يَدُورُ، وَبِحَارُ مَاءٍ [لَا] تَغُورُ، يَحْلِفُ قُسٌّ مَا هَذَا بِلَعِبٍ، وَإِنَّ مِنْ وَرَاءِ هَذَا لَعَجَباً، مَا لِي أَرَى النَّاسَ يَذْهَبُونَ فَلَا يَرْجِعُونَ، أَرَضُوا بِالمُقَامِ فَأَقَامُوا، أَمْ تَرَكُوا فَنَامُوا؟ يَحْلِفُ قُسٌّ يَمِيناً غَيْرَ كَاذِبَةٍ أَنَّ لِلهِ دِيناً هُوَ خَيْرٌ مِنَ الدِّينِ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(401) المراد أنَّه على دين الحقِّ والتوحيد، وليس في زمانه من يدين بدين الحقِّ غيره.
(402) مار الشيء يمور موراً، أي تحرَّك وجاء وذهب.

(٢٤٥)

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): رَحِمَ اللهُ قُسًّا يُحْشَرُ يَوْمَ القِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ، قَالَ: هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ يُحْسِنُ مِنْ شِعْرِهِ شَيْئاً؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ:

فِي الأَوَّلِينَ الذَّاهِبِينَ * * * مِنَ القُرُونِ لَنَا بَصَائِرُ
لَـمَّا رَأَيْتُ مَوَارِداً * * * لِلْمَوْتِ لَيْسَ لَهَا مَصَادِرُ
وَرَأَيْتُ قَوْمِي نَحْوَهَا * * * تَمْضِي الأَكَابِرُ وَالأَصَاغِرُ
لَا يَرْجِعُ المَاضِي إِلَيَ * * * وَلَا مِنَ البَاقِينَ غَابِرٌ(403)
أَيْقَنْتُ أَنِّي لَا مَحَالَةَ * * * حَيْثُ صَارَ القَوْمُ صَائِرٌ

وبلغ من حكمة قُسِّ بن ساعدة ومعرفته أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كان يسأل من يقدم عليه من أياد من حِكَمه ويصغي إليه سمعه.
[23/2] حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ ابْنُ الحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الضَّحَّاكِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ(404)، أَنَّ وَفْداً مِنْ أَيَادٍ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فَسَأَلَهُمْ عَنْ حِكَمِ قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ، فَقَالُوا: قَالَ قُسٌّ:

يَا نَاعِيَ المَوْتِ وَالأَمْوَاتِ فِي جَدَثٍ * * * عَلَيْهِمُ مِنْ بَقَايَا بَزِّهِمْ خِرَقٌ
دَعْهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ يَوْماً يُصَاحُ بِهِمْ * * * كَمَا يُنَبَّهُ مِنْ نَوْمَاتِهِ(405) الصَّعِقُ
مِنْهُمْ عُرَاةٌ وَمِنْهُمْ فِي ثِيَابِهِمُ * * * مِنْهَا الجَدِيدُ وَمِنْهَا الأَوْرَقُ الخَلَقُ(406)
حَتَّى يَعُودُوا بِحَالٍ غَيْرِ حَالَتِهِمْ * * * خَلْقٌ جَدِيدٌ وَخَلْقٌ بَعْدَهُمْ خُلِقُوا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(403) كذا، وفي بعض نُسَخ الحديث هكذا:

لا يرجع الماضي ولا * * * يبقى من الباقين غابر

(404) المراد بهشام هشام بن محمّد بن السائب الكلبي، كما يظهر من كتاب مقتضب الأثر (ص 37).
(405) في بعض نُسَخ الحديث: (من رقداته).
(406) في بعض النُّسَخ: (ومنها الرثُّ والخلق). والرثُّ: البالي كالخلق.

(٢٤٦)

مَطَرٌ وَنَبَاتٌ، وَآبَاءٌ وَأُمَّهَاتٌ، وَذَاهِبٌ وَآتٍ، وَآيَاتٌ فِي أَثَرِ آيَاتٍ، وَأَمْوَاتٌ بَعْدَ أَمْوَاتٍ، ضَوْءٌ وَظَلَامٌ، وَلَيَالٍ وَأَيَّامٌ، وَفَقِيرٌ وَغَنِيٌّ، وَسَعِيدٌ وَشَقِيٌّ، وَمُحْسِنٌ وَمُسِيءٌ، نَبَأٌ لِأَرْبَابِ الغَفْلَةِ(407) لِيُصْلِحَنَّ كُلُّ عَامِلٍ عَمَلَهُ، كَلَّا بَلْ هُوَ اللهُ وَاحِدٌ، لَيْسَ بِمَوْلُودٍ وَلَا وَالِدٍ، أَعَادَ وَأَبْدَا، وَإِلَيْهِ المَآبُ غَداً.
وَأَمَّا بَعْدُ، يَا مَعْشَرَ أَيَادٍ أَيْنَ ثَمُودُ وَعَادٌ؟ وَأَيْنَ الآبَاءُ وَالأَجْدَادُ؟ أَيْنَ الحَسَنُ الَّذِي لَمْ يُشْكَرْ، وَالقَبِيحُ الَّذِي لَمْ يُنْقَمْ، كَلَّا وَرَبِّ الكَعْبَةِ لَيَعُودَنَّ مَا بَدَا، وَلَئِنْ ذَهَبَ يَوْمٌ لَيَعُودَنَّ يَوْمٌ.
وهو قُسُّ بن ساعدة بن حذاقة بن زهر بن أياد بن نزار، أوَّل من آمن بالبعث من أهل الجاهليَّة، وأوَّل من توكَّأ على عصا(408)، ويقال: إنَّه عاش ستّمائة سنة، وكان يعرف النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) باسمه ونسبه ويُبشِّر الناس بخروجه، وكان يستعمل التقيَّة، ويأمر بها في خلال ما يعظ به الناس.
[24/3] حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ ابْنُ الحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَهْدِيُّ بْنُ سَابِقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَمَعَ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ وُلْدَهُ فَقَالَ: إِنَّ المِعَا تَكْفِيهِ البَقْلَةُ وَتَرْوِيهِ المَذْقَةُ(409)، وَمَنْ عَيَّرَكَ شَيْئاً فَفِيهِ مِثْلُهُ، وَمَنْ ظَلَمَكَ وُجِدَ مَنْ يَظْلِمُهُ، مَتَى عَدَلْتَ عَلَى نَفْسِكَ عُدِلَ عَلَيْكَ مِنْ فَوْقِكَ، فَإِذَا نَهَيْتَ عَنْ شَيْءٍ فَابْدَأْ بِنَفْسِكَ، وَلَا تَجْمَعْ مَا لَا تَأْكُلُ، وَلَا تَأْكُلْ مَا لَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَإِذَا ادَّخَرْتَ فَلَا يَكُونَنَّ كَنْزُكَ إِلَّا فِعْلَكَ، وَكُنْ عَفَّ العَيْلَةِ مُشْتَرَكَ الغِنَى تَسُدُّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(407) في بعض النُّسَخ: (أين الأرباب الغفلة)، وفي بعضها: (الفعلة).
(408) أي أوَّل من توكَّأ على عصا من أهل الجاهليَّة، أو لضعف كثرة السنِّ أو نحوها، ذلك لئلَّا يُنتَقض بما حكاه الله سبحانه عن موسى (عليه السلام): ﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْهَا...﴾ الآية [طه: 18].
(409) المَذقة - بفتح الميم والقاف وسكون الدال -: الشربة من اللبن الممذوق. والمذق: المزج والخلط، يقال: مذقت اللبن فهو مذيق إذا خلطته بالماء.

(٢٤٧)

قَوْمَكَ، وَلَا تُشَاوِرَنَّ مَشْغُولاً وَإِنْ كَانَ حَازِماً، وَلَا جَائِعاً وَإِنْ كَانَ فَهِماً، وَلَا مَذْعُوراً وَإِنْ كَانَ نَاصِحاً، وَلَا تَضَعَنَّ فِي عُنُقِكَ طَوْقاً لَا يُمْكِنُكَ نَزْعُهُ إِلَّا بِشِقِّ نَفْسِكَ، وَإِذَا خَاصَمْتَ فَاعْدِلْ، وَإِذَا قُلْتَ فَاقْتَصِدْ، وَلَا تَسْتَوْدِعَنَّ أَحَداً دِينَكَ وَإِنْ قَرُبَتْ قَرَابَتُهُ، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ لَمْ تَزَلْ وَجِلاً وَكَانَ المُسْتَوْدَعُ بِالخِيَارِ فِي الوَفَاءِ بِالعَهْدِ، وَكُنْتَ لَهُ عَبْداً مَا بَقِيتَ، فَإِنْ جَنَى عَلَيْكَ كُنْتَ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَإِنْ وَفَى كَانَ المَمْدُوحُ دُونَكَ، عَلَيْكَ بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّهَا تُكَفِّرُ الخَطِيئَةَ(410).
فَكَانَ قُسٌّ لَا يَسْتَوْدِعُ دِينَهُ أَحَداً، وَكَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا يَخْفَى مَعْنَاهُ عَلَى العَوَامِّ، وَلَا يَسْتَدْرِكُهُ إِلَّا الخَوَاصُّ.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(410) راجع: المصون في الأدب لأبي أحمد العسكري (ص 179 و180)، والأوائل لأبي هلال العسكري (ص 68)، وجمهرة الأمثال له (ج 1/ ص 249)، والحكمة الخالدة لابن مسكويه (ص 155 و156).

(٢٤٨)

وكان تُبَّع المَلِك أيضاً ممَّن عرف النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وانتظر خروجه، لأنَّه قد وقع إليه خبره، فعرفه أنَّه سيخرج من مكَّة نبيٌّ يكون مهاجرته إلى يثرب.
[25/1] مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ الصَّفَّارُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ أَبَانٍ رَفَعَهُ أَنَّ تُبَّعَ قَالَ فِي مَسِيرِهِ:

حَتَّى أَتَانِي مِنْ قُرَيْظَةَ عَالِمٌ * * * حِبْرٌ لَعَمْرُكَ فِي اليَهُودِ مُسَوَّد
قَالَ ازْدَجِرْ عَنْ قَرْيَةٍ مَحْجُوبَةٍ * * * لِنَبِيِّ مَكَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ مُهْتَد
فَعَفَوْتُ عَنْهُمْ عَفْوَ غَيْرِ مُثَرَّبٍ(411) * * * وَتَرَكْتُهُمْ لِعِقَابِ(412) يَوْمٍ سَرْمَد
وَتَرَكْتُهَا للهِ أَرْجُو عَفْوَهُ * * * يَوْمَ الحِسَابِ مِنَ الجَحِيمِ المُوقَد
وَلَقَدْ تَرَكْتُ لَهُ بِهَا مِنْ قَوْمِنَا * * * نَفَراً أُولِي حَسَبٍ وَمِمَّنْ يُحْمَد
نَفَراً يَكُونُ النَّصْرُ فِي أَعْقَابِهِمْ * * * أَرْجُو بِذَاكَ ثَوَابَ رَبِّ مُحَمَّد
مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ بَيْتاً ظَاهِراً * * * للهِ فِي بَطْحَاءِ مَكَّةَ يُعْبَد
قَالُوا بِمَكَّةَ بَيْتُ مَالٍ دَاثِرٍ(413) * * * وَكُنُوزُهُ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَد
فَأَرَدْتُ أَمْراً حَالَ رَبِّي دُونَهُ * * * وَاللهُ يَدْفَعُ عَنْ خَرَابِ المَسْجِد
فَتَرَكْتُ مَا أَمَّلْتُهُ فِيهِ لَهُمْ * * * وَتَرَكْتُهُمْ مَثَلًا لِأَهْلِ المَشْهَد(414)،(415)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(411) ثربه وثرب عليه: لامه، قبَّح عليه فعله، وعيَّره بذنبه.
(412) أي لخوف العقاب.
(413) الدَّثر - بالفتح -: المال الكثير.
(414) أي من كان ذا قلب حاضر.
(415) راجع: سيرة ابن إسحاق (ج 1/ ص 29 و30/ ح 35)، وتاريخ الطبري (ج 1/ ص 531 - 534)، وتفسير الثعلبي (ج 9/ ص 96 و97).

(٢٥١)

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «قَدْ أُخْبِرَ أَنَّهُ(416) سَيَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ - يَعْنِي مَكَّةَ - نَبِيٌّ يَكُونُ مُهَاجَرَتُهُ إِلَى يَثْرِبَ، فَأَخَذَ قَوْماً مِنَ اليَمَنِ فَأَنْزَلَهُمْ مَعَ اليَهُودِ لِيَنْصُرُوهُ إِذَا خَرَجَ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ:

شَهِدْتُ عَلَى أَحْمَدَ أَنَّهُ * * * رَسُولٌ مِنَ اللهِ بَارِئِ النَّسَم
فَلَوْ مُدَّ عُمْرِي إِلَى عُمْرِهِ * * * لَكُنْتُ وَزِيراً لَهُ وَابْنَ عَمّ
وَكُنْتُ عَذَاباً عَلَى المُشْرِكِينَ * * * أَسْقِيهِمْ كَأْسَ حَتْفٍ(417) وَغَم»(418)

[26/2] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الحَمِيدِ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ صَبِيحٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ تُبَّعاً قَالَ لِلْأَوْسِ وَالخَزْرَجِ: كُونُوا هَاهُنَا حَتَّى يَخْرُجَ هَذَا النَّبِيُّ، أَمَّا أَنَا فَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَخَدَمْتُهُ وَلَخَرَجْتُ مَعَهُ»(419).
[27/3] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ البَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الجَبَّارِ العُطَارِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ ابْنُ بُكَيْرٍ الشَّيْبَانِيُّ(420)، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى المَدَنِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: (لَا يَشْتَبِهَنَّ عَلَيْكُمْ أَمْرُ تُبَّعٍ فَإِنَّهُ كَانَ مُسْلِماً)(421).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(416) في بعض النُّسَخ: (كان الخبر أنَّه).
(417) الحتف: الموت.
(418) راجع: مناقب آل أبي طالب (ج 2/ ص 93).
(419) رواه الطبرسي (رحمه الله) في مجمع البيان (ج 9/ ص 111)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1074/ ح 9)، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 1/ ص 17).
(420) هو يونس بن بكير الشيباني المعنون في تهذيب التهذيب (ج 11/ ص 382/ الرقم 745)، قال ابن معين: صدوق.
(421) تاريخ مدينة دمشق (ج 11/ ص 6)، الدُّرُّ المنثور (ج 6/ ص 31).

(٢٥٢)

وكان عبد المطَّلب وأبو طالب من أعرف العلماء وأعلمهم بشأن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وكانا يكتمان ذلك عن الجُهَّال وأهل الكفر والضلال.
[28/1] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ابْنِ زَكَرِيَّا القَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي الهَيْثَمُ بْنُ عَمْرٍو المُزَنِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَقِيلٍ الهُذَلِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ يُوضَعُ لِعَبْدِ المُطَّلِبِ فِرَاشٌ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ لَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا هُوَ إِجْلَالاً لَهُ، وَكَانَ بَنُوهُ يَجْلِسُونَ حَوْلَهُ حَتَّى يَخْرُجَ عَبْدُ المُطَّلِبِ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يَخْرُجُ وَهُوَ غُلَامٌ، فَيَمْشِي حَتَّى يَجْلِسَ عَلَى الفِرَاشِ، فَيَعْظُمُ ذَلِكَ عَلَى أَعْمَامِهِ(422)، وَيَأْخُذُونَهُ لِيُؤَخِّرُوهُ، فَيَقُولُ لَهُمْ عَبْدُ المُطَّلِبِ إِذَا رَأَى ذَلِكَ مِنْهُمْ: دَعُوا ابْنِي، فَوَاللهِ إِنَّ لَهُ لَشَأْناً عَظِيماً، إِنِّي أَرَى أَنَّهُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ يَوْمٌ وَهُوَ سَيِّدُكُمْ، إِنِّي أَرَى غُرَّتَهُ غُرَّةً تَسُودُ النَّاسَ، ثُمَّ يَحْمِلُهُ فَيُجْلِسُهُ مَعَهُ وَيَمْسَحُ ظَهْرَهُ وَيُقَبِّلُهُ وَيَقُولُ: مَا رَأَيْتُ قُبْلَةً أَطْيَبَ مِنْهُ وَلَا أَطْهَرَ قَطُّ، وَلَا جَسَداً اليَنَ مِنْهُ وَلَا أَطْيَبَ مِنْهُ، ثُمَّ يَلْتَفِتُ إِلَى أَبِي طَالِبٍ، وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ وَأَبَا طَالِبٍ لِأُمٍّ وَاحِدَةٍ، فَيَقُولُ: يَا أَبَا طَالِبٍ، إِنَّ لِهَذَا الغُلَامِ لَشَأْناً عَظِيماً، فَاحْفَظْهُ وَاسْتَمْسِكْ بِهِ، فَإِنَّهُ فَرْدٌ وَحِيدٌ، وَكُنْ لَهُ كَالأُمِّ، لَا يَصِلُ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ، ثُمَّ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ فَيَطُوفُ بِهِ أُسْبُوعاً، فَكَانَ عَبْدُ المُطَّلِبِ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ يَكْرَهُ اللَّاتَ وَالعُزَّى، فَلَا يُدْخِلُهُ عَلَيْهِمَا.
فَلَمَّا تَمَّتْ لَهُ سِتُّ سِنِينَ مَاتَتْ أُمُّهُ آمِنَةُ بِالأَبْوَاءِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، وَكَانَتْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(422) في بعض النُّسَخ: (فيُعظِّمان ذلك أعمامه).

(٢٥٥)

قَدِمَتْ بِهِ عَلَى أَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي عَدِيٍّ، فَبَقِيَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يَتِيماً لَا أَبَ لَهُ وَلَا أُمَّ، فَازْدَادَ عَبْدُ المُطَّلِبِ لَهُ رِقَّةً وَحِفْظاً، وَكَانَتْ هَذِهِ حَالَهُ حَتَّى أَدْرَكَتْ عَبْدَ المُطَّلِبِ الوَفَاةُ، فَبَعَثَ إِلَى أَبِي طَالِبٍ وَمُحَمَّدٌ عَلَى صَدْرِهِ وَهُوَ فِي غَمَرَاتِ المَوْتِ وَهُوَ يَبْكِي وَيَلْتَفِتُ إِلَى أَبِي طَالِبٍ وَيَقُولُ: يَا أَبَا طَالِبٍ، انْظُرْ أَنْ تَكُونَ حَافِظاً لِهَذَا الوَحِيدِ الَّذِي لَمْ يَشَمَّ رَائِحَةَ أَبِيهِ وَلَا ذَاقَ شَفَقَةَ أُمِّهِ، انْظُرْ يَا أَبَا طَالِبٍ أَنْ يَكُونَ مِنْ جَسَدِكَ بِمَنْزِلَةِ كَبِدِكَ فَإِنِّي قَدْ تَرَكْتُ بَنِيَّ كُلَّهُمْ وَأَوْصَيْتُكَ بِهِ لِأَنَّكَ مِنْ أُمِّ أَبِيهِ. يَا أَبَا طَالِبٍ، إِنْ أَدْرَكْتَ أَيَّامَهُ فَاعْلَمْ أَنِّي كُنْتُ مِنْ أَبْصَرِ النَّاسِ وَأَعْلَمِ النَّاسِ بِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَتَّبِعَهُ فَافْعَلْ، وَانْصُرْهُ بِلِسَانِكَ وَيَدِكَ وَمَالِكَ، فَإِنَّهُ وَاللهِ سَيَسُودُكُمْ وَيَمْلِكُ مَا لَمْ يَمْلِكْ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آبَائِي. يَا أَبَا طَالِبٍ، مَا أَعْلَمُ أَحَداً مِنْ آبَائِكَ مَاتَ عَنْهُ أَبُوهُ عَلَى حَالِ أَبِيهِ وَلَا أُمُّهُ عَلَى حَالِ أُمِّهِ، فَاحْفَظْهُ لِوَحْدَتِهِ، هَلْ قَبِلْتَ وَصِيَّتِي فِيهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ قَدْ قَبِلْتُ، وَاللهُ عَلَيَّ بِذَلِكَ شَهِيدٌ، فَقَالَ عَبْدُ المُطَّلِبِ: فَمُدَّ يَدَكَ إِلَيَّ، فَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهِ، فَضَرَبَ يَدَهُ عَلَى يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ عَبْدُ المُطَّلِبِ: الآنَ خُفِّفَ عَلَيَّ المَوْتُ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُقَبِّلُهُ وَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنِّي لَمْ أُقَبِّلْ أَحَداً مِنْ وُلْدِي أَطْيَبَ رِيحاً مِنْكَ، وَلَا أَحْسَنَ وَجْهاً مِنْكَ، وَيَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ قَدْ بَقِيَ حَتَّى يُدْرِكَ زَمَانَهُ، فَمَاتَ عَبْدُ المُطَّلِبِ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، فَضَمَّهُ أَبُو طَالِبٍ إِلَى نَفْسِهِ لَا يُفَارِقُهُ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ، وكَانَ يَنَامُ مَعَهُ حَتَّى لَا يَأْتَمِنُ عَلَيْهِ أَحَداً(423).
[29/2] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ البَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الجَبَّارِ العُطَارِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ ابْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ المَدَنِيِّ(424)، قَالَ: حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(423) رواه الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 1/ ص 61 و62)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1069 - 1071/ ح 5).
(424) هو محمّد بن إسحاق بن يسار أبو بكر المطَّلبي، مولاهم المدني، نزيل العراق، إمام المغازي. (تقريب التهذيب: ج 2/ ص 54/ الرقم 5743).

(٢٥٦)

ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، قَالَ: كَانَ يُوضَعُ لِعَبْدِ المُطَّلِبِ جَدِّ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فِرَاشٌ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، فَكَانَ لَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ بَنِيهِ إِجْلَالاً لَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يَأْتِي حَتَّى يَجْلِسَ عَلَيْهِ، فَيَذْهَبُ أَعْمَامُهُ لِيُؤَخِّرُوهُ، فَيَقُولُ جَدُّهُ عَبْدُ المُطَّلِبِ: دَعُوا ابْنِي، فَيَمْسَحُ عَلَى ظَهْرِهِ وَيَقُولُ: إِنَّ لِابْنِي هَذَا لَشَأْناً(425).
فتُوفِّي عبد المطَّلب والنبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ابن ثمان سنين بعد عام الفيل بثمان سنين.
[30/3] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ خَالِدِ بْنِ اليَاسَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَهْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا طَالِبٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ المُطَّلِبِ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ فِي الحِجْرِ(426) إِذْ رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي، فَأَتَيْتُ كَاهِنَةَ قُرَيْشٍ وَعَلَيَّ مِطْرَفُ خَزٍّ، وَجُمَّتِي(427) تَضْرِبُ مَنْكِبِي، فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيَّ عَرَفَتْ فِي وَجْهِيَ التَّغَيُّرَ فَاسْتَوَتْ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ قَوْمِي، فَقَالَتْ: مَا شَأْنُ سَيِّدِ العَرَبِ مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ؟ هَلْ رَابَهُ مِنْ حَدَثَانِ الدَّهْرِ رَيْبٌ(428)؟ فَقُلْتُ لَهَا: بَلَى، إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ وَأَنَا قَائِمٌ فِي الحِجْرِ كَأَنَّ شَجَرَةً قَدْ نَبَتَتْ عَلَى ظَهْرِي قَدْ نَالَ رَأْسُهَا السَّمَاءَ وَضَرَبَتْ أَغْصَانُهَا الشَّرْقَ وَالغَرْبَ، وَرَأَيْتُ نُوراً يَظْهَرُ مِنْهَا أَعْظَمَ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ سَبْعِينَ ضِعْفاً، وَرَأَيْتُ العَرَبَ وَالعَجَمَ سَاجِدَةً لَهَا، وَهِيَ كُلَّ يَوْمٍ تَزْدَادُ عِظَماً وَنُوراً، وَرَأَيْتُ رَهْطاً مِنْ قُرَيْشٍ يُرِيدُونَ قَطْعَهَا، فَإِذَا دَنَوْا مِنْهَا أَخَذَهُمْ شَابٌّ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهاً وَأَنْظَفِهِمْ ثِيَاباً فَيَأْخُذُهُمْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(425) سيرة ابن إسحاق (ج 1/ ص 42 و43/ ح 47).
(426) يعنى حجر إسماعيل (عليه السلام).
(427) المطرف - بضمِّ الميم وكسرها وفتحها -: الثوب الذي في طرفيه علمان. والجُمَّة - بالضمِّ والشدِّ - : مجتمع شعر الرأس وما سقط على المنكبين منها، وهي أكثر من الوفرة، ويقال للرجل الطويل الجُمَّة: الجماني بالنون على غير قياس. (راجع: الصحاح للجوهري: ج 5/ ص 1890/ مادَّة جمم).
(428) رابه أمر يريبه: رأى منه ما يكرهه ويزعجه. والريب: نازلة الدهر.

(٢٥٧)

وَيَكْسِرُ ظُهُورَهُمْ وَيَقْلَعُ أَعْيُنَهُمْ، فَرَفَعْتُ يَدِي لِأَتَنَاوَلَ غُصْناً مِنْ أَغْصَانِهَا، فَصَاحَ بِيَ الشَّابُّ وَقَالَ: مَهْلاً لَيْسَ لَكَ مِنْهَا نَصِيبٌ، فَقُلْتُ: لِمَنِ النَّصِيبُ وَالشَّجَرَةُ مِنِّي؟ فَقَالَ: النَّصِيبُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَدْ تَعَلَّقُوا بِهَا، وَسَتَعُودُ(429) إِلَيْهَا، فَانْتَبَهْتُ مَذْعُوراً فَزِعاً مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ، فَرَأَيْتُ لَوْنَ الكَاهِنَةِ قَدْ تَغَيَّرَ، ثُمَّ قَالَتْ: لَئِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكَ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ صُلْبِكَ وَلَدٌ يَمْلِكُ الشَّرْقَ وَالغَرْبَ، يَنْبَأُ فِي النَّاسِ، فَسَرَى عَنِّي غَمِّي(430)، فَانْظُرْ يَا أَبَا طَالِبٍ لَعَلَّكَ تَكُونُ أَنْتَ، فَكَانَ أَبُو طَالِبٍ يُحَدِّثُ النَّاسَ بِهَذَا الحَدِيثِ وَالنَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قَدْ خَرَجَ وَيَقُولُ: كَانَتِ الشَّجَرَةُ وَاللهِ أَبَا القَاسِمِ الأَمِينَ، فَقِيلَ لَهُ: فَلِمَ لَمْ تُؤْمِنْ بِهِ؟ فَقَالَ: لِلسُّبَّةِ وَالعَارِ(431)،(432).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(429) في بعض النُّسَخ: (سيعود).
(430) سرى الغمُّ: ذهب وزال.
(431) السبَّة: العار، وقال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 15/ ص 255): (توضيح: قال الجزري: المطرف بكسر الميم وفتحها وضمِّها: الثوب الذي في طرفيه علمان، وقال: الجُمَّة من شعر الرأس: ما سقط على المنكبين، وقال الجوهري: هي بالضمِّ مجتمع شعر الرأس. أقول: لعلَّ ذكر هذا إمَّا لبيان شرافته بأنْ يكون إرسال الجمَّة من خواصِّ الشرفاء، أو اضطرابه وارتعاده، والريب: نازلة الدهر. ورابه أمر: رأى منه ما يُكرَه، قوله: (وسيعود إليها)، يحتمل أنْ يكون المراد بالذين تعلَّقوا بها الذين يريدون قلعها، ويكون قوله: وستعود بالتاء، أي ستعود تلك الجماعة بعد منازعتهم ومحاربتهم إلى هذه الشجرة، ويؤمنون بها، فيكون لهم النصيب منها، أو بالياء فيكون المستتر راجعاً إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، والبارز في (منها) إلى الجماعة، أي سيعود النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) إليهم بعد إخراجهم له فيؤمنون به، فيكون إشارة إلى فتح مكَّة، أو يكون المستتر راجعاً إلى الشابِّ، والبارز إلى الشجرة، أي سيرجع هذا الشاب إلى الشجرة في اليقظة، كما تعلَّق بها في النوم، وعلى هذا يحتمل أنْ يكون المراد بالذين تعلَّقوا بها أبا طالب وأضرابه ممَّن لم يُذكروا قبل، ويحتمل أنْ يكون المستتر راجعاً إلى النصيب، والبارز إلى الشجرة، أي يكون له (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ثواب إسلامهم، ويحتمل أنْ يكون (ستعود) بصيغة الخطاب، أي ستعود يا عبد المطَّلب إليه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عند ولادته، لكن لا تبلغ ولا تُدرك وقت نبوَّته. قوله: (لعلك تكون أنت)، أي ذلك الشابُّ، ويحتمل أنْ يكون الشابُّ أمير المؤمنين (عليه السلام)).
(432) رواه المصنِّف (رحمه الله) في أماليه (ص 334 و335/ ح 391/1)، والفتَّال في روضة الواعظين (ص 64)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1064 - 1066/ ح 2)، وابن كثير في السيرة النبويَّة (ج 1/ ص 309 و310)، وفي البداية والنهاية (ج 2/ ص 387 و388)، والمقريزي في إمتاع الأسماع (ج 3/ ص 368)، والسيوطي في كفاية الطالب (ج 1/ ص 39 و40).

(٢٥٨)

قال أبو جعفر محمّد بن عليٍّ مصنِّف هذا الكتاب (رضي الله عنه): إنَّ أبا طالب كان مؤمناً، ولكنَّه يُظهِر الشرك، ويستتر الإيمان، ليكون أشدّ تمكُّناً من نصرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم).
[31/4] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ الصَّفَّارُ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنِ العَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي سَارَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ أَبَا طَالِبٍ أَظْهَرَ الكُفْرَ وَأَسَرَّ الإِيمَانَ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ أَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَى رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): اخْرُجْ مِنْهَا فَلَيْسَ لَكَ بِهَا نَاصِرٌ، فَهَاجَرَ إِلَى المَدِينَةِ»(433).
[32/5] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُحَمَّدٍ المُسْلِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنِ الأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) يَقُولُ: «وَاللهِ مَا عَبَدَ أَبِي وَلَا جَدِّي عَبْدُ المُطَّلِبِ وَلَا هَاشِمٌ وَلَا عَبْدُ مَنَافٍ صَنَماً قَطُّ»، قِيلَ لَهُ: فَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ؟ قَالَ: «كَانُوا يُصَلُّونَ إِلَى البَيْتِ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) مُتَمَسِّكِينَ بِهِ»(434).
[33/6] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(433) رواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1078/ ح 12).
(434) رواه أبو العبَّاس الحسني في المصابيح (ص 170/ ح 54).

(٢٥٩)

سَعِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ قَمَّارٍ مَوْلًى لِبَنِي مَخْزُومٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ(435)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي العَبَّاسَ يُحَدِّثُ، قَالَ: وُلِدَ لِأَبِي عَبْدِ المُطَّلِبِ عَبْدُ اللهِ، فَرَأَيْنَا فِي وَجْهِهِ نُوراً يَزْهَرُ كَنُورِ الشَّمْسِ، فَقَالَ أَبِي: إِنَّ لِهَذَا الغُلَامِ شَأْناً عَظِيماً، قَالَ: فَرَأَيْتُ فِي مَنَامِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مَنْخِرِهِ طَائِرٌ أَبْيَضُ فَطَارَ فَبَلَغَ المَشْرِقَ وَالمَغْرِبَ ثُمَّ رَجَعَ رَاجِعاً حَتَّى سَقَطَ عَلَى بَيْتِ الكَعْبَةِ، فَسَجَدَتْ لَهُ قُرَيْشٌ كُلُّهَا، فَبَيْنَمَا النَّاسُ يَتَأَمَّلُونَهُ إِذَا صَارَ نُوراً بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَامْتَدَّ حَتَّى بَلَغَ المَشْرِقَ وَالمَغْرِبَ، فَلَمَّا انْتَبَهْتُ سَالتُ كَاهِنَةَ بَنِي مَخْزُومٍ، فَقَالَتْ لِي: يَا عَبَّاسُ، لَئِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكَ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ صُلْبِهِ وَلَدٌ يَصِيرُ أَهْلُ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ تَبَعاً لَهُ، قَالَ أَبِي: فَهَمَّنِي أَمْرُ عَبْدِ اللهِ إِلَى أَنْ تَزَوَّجَ بِآمِنَةَ، وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ نِسَاءِ قُرَيْشٍ وَأَتَمِّهَا خَلْقاً، فَلَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللهِ وَوَلَدَتْ آمِنَةُ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أَتَيْتُ فَرَأَيْتُ النُّورَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ يَزْهَرُ، فَحَمَلْتُهُ وَتَفَرَّسْتُ فِي وَجْهِهِ، فَوَجَدْتُ مِنْهُ رِيحَ المِسْكِ، وَصِرْتُ كَأَنِّي قِطْعَةُ مِسْكٍ مِنْ شِدَّةِ رِيحِي، فَحَدَّثَتْنِي آمِنَةُ وَقَالَتْ لِي: إِنَّهُ لَـمَّا أَخَذَنِي الطَّلْقُ وَاشْتَدَّ بِيَ الأَمْرُ سَمِعْتُ جَلَبَةً(436) وَكَلَاماً لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الآدَمِيِّينَ، فَرَأَيْتُ عَلَماً مِنْ سُنْدُسٍ عَلَى قَضِيبٍ مِنْ يَاقُوتٍ قَدْ ضُرِبَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَرَأَيْتُ نُوراً يَسْطَعُ مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى بَلَغَ السَّمَاءَ، وَرَأَيْتُ قُصُورَ الشَّامَاتِ كُلَّهَا شُعْلَةَ نُورٍ(437)، وَرَأَيْتُ حَوْلِي مِنَ القَطَاةِ أَمْراً عَظِيماً قَدْ نَشَرَتْ مِنْ أَجْنِحَتِهَا حَوْلِي، وَرَأَيْتُ تَابِعَ شَعِيرَةَ الأَسَدِيَّةَ قَدْ مَرَّتْ وَهِيَ تَقُولُ: آمِنَةُ مَا لَقِيَتِ الكُهَّانُ وَالأَصْنَامُ مِنْ وَلَدِكِ، وَرَأَيْتُ رَجُلاً شَابًّا مِنْ أَتَمِّ النَّاسِ طُولاً وَأَشَدِّهِمْ بَيَاضاً وَأَحْسَنِهِمْ ثِيَاباً مَا ظَنَنْتُهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(435) أبو صالح الذي يروي عن ابن عبَّاس اسمه ميزان، بصري، وثَّقه ابن معين، لكن لم أظفر على سعيد في كُتُب الرجال، وكذا راويه قمَّار أو قصَّار، والسند كما ترى عامّي مجهول مقطوع.
(436) الجلبة: اختلاط الأصوات.
(437) في بعض النُّسَخ: (شعلة نار).

(٢٦٠)

إِلَّا عَبْدَ المُطَّلِبِ قَدْ دَنَا مِنِّي، فَأَخَذَ المَوْلُودَ، فَتَفَلَ فِي فِيهِ، وَمَعَهُ طَسْتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَضْرُوبٍ بِالزُّمُرُّدِ، وَمُشْطٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَشَقَّ بَطْنَهُ شَقًّا، ثُمَّ أَخْرَجَ قَلْبَهُ فَشَقَّهُ فَأَخْرَجَ مِنْهُ نُكْتَةً سَوْدَاءَ فَرَمَى بِهَا، ثُمَّ أَخْرَجَ صُرَّةً مِنْ حَرِيرَةٍ خَضْرَاءَ فَفَتَحَهَا فَإِذَا فِيهَا كَالذَّرِيرَةِ البَيْضَاءِ فَحَشَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُ إِلَى مَا كَانَ، وَمَسَحَ عَلَى بَطْنِهِ وَاسْتَنْطَقَهُ فَنَطَقَ، فَلَمْ أَفْهَمْ مَا قَالَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فِي أَمَانِ اللهِ وَحِفْظِهِ وَكِلَاءَتِهِ، وَقَدْ حَشَوْتُ قَلْبَكَ إِيمَاناً وَعِلْماً وَحِلْماً وَيَقِيناً وَعَقْلاً وَحُكْماً، فَأَنْتَ خَيْرُ البَشَرِ، طُوبَى لِمَنِ اتَّبَعَكَ، وَوَيْلٌ لِمَنْ تَخَلَّفَ عَنْكَ، ثُمَّ أَخْرَجَ صُرَّةً أُخْرَى مِنْ حَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ فَفَتَحَهَا فَإِذَا فِيهَا خَاتَمٌ، فَضَرَبَ بِهِ عَلَى كَتِفَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أَنْفُخَ فِيكَ مِنْ رُوحِ القُدُسِ، فَنَفَخَ فِيهِ، وَالبَسَهُ قَمِيصاً، وَقَالَ: هَذَا أَمَانُكَ مِنْ آفَاتِ الدُّنْيَا، فَهَذَا مَا رَأَيْتُ يَا عَبَّاسُ بِعَيْنِي. فَقَالَ العَبَّاسُ: وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَقْرَأُ، فَكَشَفْتُ عَنْ ثَوْبِهِ فَإِذَا خَاتَمُ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَلَمْ أَزَلْ أَكْتُمُ شَأْنَهُ وَنَسِيتُ الحَدِيثَ فَلَمْ أَذْكُرْهُ إِلَى يَوْمِ إِسْلَامِي حَتَّى ذَكَّرَنِي رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)(438)،(439).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(438) في بعض النُّسَخ هنا حديث كعب، وهو موجود في الأمالي، ولا حاجة إلى ذكره بعد ما لم يكن في أكثر النُّسَخ.
(439) رواه المصنِّف (رحمه الله) في أماليه (ص 335 - 337/ ح 392/2)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1067 - 1069/ ح 4)، والسيوطي في كفاية الطالب (ج 1/ ص 48 و49).

(٢٦١)

وكان سيف بن ذي يزن عارفاً بأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وقد بشَّر به عبد المطَّلب لـمَّا وفد عليه.
[34/1] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ ابْنُ أَبِي القَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الكُوفِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُكَيْمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ بَكَّارٍ العَبْسِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ البُوفَكِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَزْهَرَ بِهَرَاةَ(440)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ البَصْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو ابْنُ بَكْرٍ(441)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَـمَّا ظَفِرَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ بِالحَبَشَةِ وَذَلِكَ بَعْدَ مَوْلِدِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بِسَنَتَيْنِ أَتَاهُ وَفْدُ العَرَبِ وَأَشْرَافُهَا وَشُعَرَاؤُهَا بِالتَّهْنِئَةِ وَتَمْدَحُهُ وَتَذْكُرُ مَا كَانَ مِنْ بَلَائِهِ وَطَلَبِهِ بِثَأْرِ قَوْمِهِ، فَأَتَاهُ وَفْدٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَمَعَهُمْ عَبْدُ المُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ وَأُمَيَّةُ ابْنُ عَبْدِ شَمْسٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جُذْعَانَ وَأَسَدُ بْنُ خُوَيْلِدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى وَوَهْبُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ فِي أُنَاسٍ مِنْ وُجُوهِ قُرَيْشٍ، فَقَدِمُوا عَلَيْهِ صَنْعَاءَ، فَاسْتَأْذَنُوا، فَإِذَا هُوَ فِي رَأْسِ قَصْرٍ يُقَالُ لَهُ: غُمْدَانُ، وهُوَ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(440) هو الأزهري اللغوي الشافعي المترجَم في الوافي بالوفيات (ج 2/ ص 34). وأمَّا راويه فلم أجده فيما عندي من كُتُب التراجم. وبوفك قرية من قرى نيسابور. وفي بعض النُّسَخ: (محمّد بن عليِّ بن حاتم البرمكي)، وفي بعضها: (النوفلي). ثمّ اعلم أنَّ أكثر رجال السندين مجاهيل أو ضعفاء.
(441) متروك كما في تقريب التهذيب (ج 1/ ص 730/ الرقم 5009). وفي بعض النُّسَخ: (بكير)، وهو تصحيف.

(٢٦٥)

اشْرَبْ هَنِيئاً عَلَيْكَ التَّاجُ مُرْتَفِعاً * * * فِي رَأْسِ غُمْدَانَ دَاراً مِنْكَ مِحْلَالاً

فَدَخَلَ عَلَيْهِ الآذِنُ فَأَخْبَرَهُ بِمَكَانِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ دَنَا عَبْدُ المُطَّلِبِ مِنْهُ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الكَلَامِ، فَقَالَ لَهُ: إِنْ كُنْتَ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ بَيْنَ يَدَيِ المُلُوكِ فَقَدْ أَذِنَّا لَكَ، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ المُطَّلِبِ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَحَلَّكَ أَيُّهَا المَلِكُ مَحَلًّا رَفِيعاً صَعْباً مَنِيعاً شَامِخاً بَاذِخاً، وَأَنْبَتَكَ مَنْبِتاً طَابَتْ أَرُومَتُهُ، وَعَذُبَتْ جُرْثُومَتُهُ(442)، وَثَبَتَ أَصْلُهُ، وَبَسَقَ فَرْعُهُ(443) فِي أَكْرَمِ مَوْطِنٍ وَأَطْيَبِ [مَوْضِعٍ وَأَحْسَنِ] مَعْدِنٍ، وَأَنْتَ أَبَيْتَ اللَّعْنَ(444)، مَلِكَ العَرَبِ وَرَبِيعَهَا الَّذِي تُخْصِبُ بِهِ. وَأَنْتَ أَيُّهَا المَلِكُ رَأْسُ العَرَبِ الَّذِي لَهُ تَنْقَادُ، وَعَمُودُهَا الَّذِي عَلَيْهِ العِمَادُ، وَمَعْقِلُهَا الَّذِي يَلْجَأُ إِلَيْهِ العِبَادُ، سَلَفُكَ خَيْرُ سَلَفٍ، وَأَنْتَ لَنَا مِنْهُمْ خَيْرُ خَلَفٍ، فَلَنْ يَخْمُلَ مَنْ أَنْتَ سَلَفُهُ، وَلَنْ يَهْلِكَ مَنْ أَنْتَ خَلَفُهُ، نَحْنُ أَيُّهَا المَلِكُ أَهْلُ حَرَمِ اللهِ وَسَدَنَةُ بَيْتِهِ أَشْخَصَنَا إِلَيْكَ الَّذِي أَبْهَجَنَا مِنْ كَشْفِ الكَرْبِ الَّذِي فَدَحَنَا(445)، فَنَحْنُ وَفْدُ التَّهْنِئَةِ لَا وَفْدُ المَرْزِئَةِ(446).
قَالَ: وَأَيُّهُمْ أَنْتَ أَيُّهَا المُتَكَلِّمُ؟ قَالَ: أَنَا عَبْدُ المُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: ابْنُ أُخْتِنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ادْنُ، فَدَنَا مِنْهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى القَوْمِ وَعَلَيْهِ فَقَالَ: مَرْحَباً وَأَهْلاً، وَنَاقَةً وَرَحْلاً، وَمُسْتَنَاخاً سَهْلاً، وَمَلِكاً وَرَبْحَلاً(447)، قَدْ سَمِعَ المَلِكُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(442) الباذخ: الشامخ. والأرومة: الأصل. والجرثومة بمعناها.
(443) الباسق: المرتفع، وبسق النخل: طال.
(444) قال الجوهري: قولهم في تحيَّة الملوك في الجاهليَّة: أبيت اللعن، قال ابن السكِّيت: أي أبيت أنْ تأتي من الأُمور ما تُلعَن عليه. (الصحاح: ج 6/ ص 2260/ مادَّة أبا).
(445) البهج: السرور. وفدحنا: أي أثقلنا وبهظنا.
(446) المرزئة: المصيبة العظيمة.
(447) في أكثر النُّسَخ وكنز الفوائد للكراجكي بدون الواو. لكن في بحار الأنوار: (وربحلاً)، وقال في بيانه: (في النهاية: الربحل - بكسر الراء وفتح الباء الموحَّدة -: الواسع العطاء). وفى بعض النُّسَخ: (ونجلاً)، والنجل: النسل.

(٢٦٦)

مَقَالَتَكُمْ، وَعَرَفَ قَرَابَتَكُمْ، وَقَبِلَ وَسِيلَتَكُمْ، فَأَنْتُمْ أَهْلُ اللَّيْلِ وَأَهْلُ النَّهَارِ، وَلَكُمُ الكَرَامَةُ مَا أَقَمْتُمْ، وَالحَبَاءُ إِذَا ظَعَنْتُمْ(448).
قَالَ: ثُمَّ أُنْهِضُوا إِلَى دَارِ الضِّيَافَةِ وَالوُفُودِ، فَأَقَامُوا شَهْراً لَا يَصِلُونَ إِلَيْهِ وَلَا يَأْذَنُ لَهُمْ بِالاِنْصِرَافِ، ثُمَّ انْتَبَهَ لَهُمْ انْتِبَاهَةً(449)، فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَأَدْنَى مَجْلِسَهُ وَأَخْلَاهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ المُطَّلِبِ، إِنِّي مُفَوِّضٌ إِلَيْكَ(450) مِنْ سِرِّ عِلْمِي أَمْراً مَا لَوْ كَانَ غَيْرُكَ لَمْ أَبُحْ لَهُ بِهِ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُكَ مَعْدِنَهُ، فَأُطْلِعُكَ طِلْعَةً(451)، فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ مَطْوِيًّا حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ فِيهِ، فَإِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ، إِنِّي أَجِدُ فِي الكِتَابِ المَكْنُونِ وَالعِلْمِ المَخْزُونِ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ لِأَنْفُسِنَا وَاحْتَجَنَّا دُونَ غَيْرِنَا خَبَراً عَظِيماً وَخَطَراً جَسِيماً، فِيهِ شَرَفُ الحَيَاةِ وَفَضِيلَةُ الوَفَاةِ، لِلنَّاسِ عَامَّةً، وَلِرَهْطِكَ كَافَّةً، وَلَكَ خَاصَّةً، فَقَالَ عَبْدُ المُطَّلِبِ: مِثْلُكَ أَيُّهَا المَلِكُ مَنْ سَرَّ وَبَرَّ، فَمَا هُوَ فِدَاكَ أَهْلُ الوَبَرِ زُمَراً بَعْدَ زُمَرٍ؟ فَقَالَ: إِذَا وُلِدَ بِتِهَامَةَ غُلَامٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ شَامَةٌ، كَانَتْ لَهُ الإِمَامَةُ وَلَكُمْ بِهِ الدِّعَامَةُ(452) إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ المُطَّلِبِ: أَبَيْتَ اللَّعْنَ، لَقَدْ أُبْتُ بِخَبَرٍ مَا آبَ بِمِثْلِهِ وَافِدٌ، وَلَوْ لَا هَيْبَةُ المَلِكِ وَإِجْلَالُهُ وَإِعْظَامُهُ لَسَالتُهُ عَنْ مَسَارِّهِ إِيَّايَ مَا أَزْدَادُ(453) بِهِ سُرُوراً، فَقَالَ ابْنُ ذِي يَزَنَ: هَذَا حِينُهُ الَّذِي يُولَدُ فِيهِ أَوْ قَدْ وُلِدَ فِيهِ، اسْمُهُ مُحَمَّدٌ، يَمُوتُ أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَيَكْفُلُهُ جَدُّهُ وَعَمُّهُ، وقَدْ وُلِدَ سِرَاراً، وَاللهُ بَاعِثُهُ جِهَاراً، وَجَاعِلٌ لَهُ مِنَّا أَنْصَاراً، لِيُعِزَّ بِهِمْ أَوْلِيَاءَهُ، وَيُذِلَّ بِهِمْ أَعْدَاءَهُ، يَضْرِبُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(448) قوله: (وأنتم أهل الليل والنهار) أي نصحبكم ونأنس بكم فيهما. والحباء: العطاء. والظعن: الارتحال.
(449) أي ذكرهم مفاجأة.
(450) في بعض النُّسخ: (إنِّي مفض إليك)، وهو الأصوب.
(451) في بعض النُّسَخ: (فأُطلعك عليه).
(452) في بعض النُّسَخ: (الزعامة) أي الرئاسة. والدعامة: عماد البيت.
(453) في بحار الأنوار وبعض نُسَخ الكتاب: (لسألته من أسراره ما أراد...) إلخ.

(٢٦٧)

بِهِمُ النَّاسَ عَنْ عُرْضٍ(454)، وَيَسْتَفْتِحُ بِهِمْ كَرَائِمَ الأَرْضِ، يَكْسِرُ الأَوْثَانَ، وَيُخْمِدُ النِّيرَانَ، وَيَعْبُدُ الرَّحْمَنَ، وَيَدْحَرُ الشَّيْطَانَ، قَوْلُهُ فَصْلٌ، وَحُكْمُهُ عَدْلٌ، يَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَيَفْعَلُهُ، وَيَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ وَيُبْطِلُهُ.
فَقَالَ عَبْدُ المُطَّلِبِ: أَيُّهَا المَلِكُ عَزَّ جَدُّكَ، وَعَلَا كَعْبُكَ(455)، وَدَامَ مُلْكُكَ، وَطَالَ عُمُرُكَ، فَهَلِ المَلِكُ سَارِّي بِإِفْصَاحٍ فَقَدْ أَوْضَحَ لِي بَعْضَ الإِيضَاحِ، فَقَالَ ابْنُ ذِي يَزَنَ: وَالبَيْتِ ذِي الحُجُبِ، وَالعَلَامَاتِ عَلَى النُّصُبِ(456)، إِنَّكَ يَا عَبْدَ المُطَّلِبِ لَجَدُّهُ غَيْرُ كَذِبٍ.
قَالَ: فَخَرَّ عَبْدُ المُطَّلِبِ سَاجِداً، فَقَالَ لَهُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ ثَلِجَ صَدْرُكَ(457) وَعَلَا أَمْرُكَ، فَهَلْ أَحْسَسْتَ شَيْئاً مِمَّا ذَكَرْتُهُ؟ فَقَالَ: كَانَ لِي ابْنٌ وَكُنْتُ بِهِ مُعْجَباً وَعَلَيْهِ رَفِيقاً، فَزَوَّجْتُهُ بِكَرِيمَةٍ مِنْ كَرَائِمِ قَوْمِي اسْمُهَا آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ، فَجَاءَتْ بِغُلَامٍ سَمَّيْتُهُ مُحَمَّداً، مَاتَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَكَفَلْتُهُ أَنَا وَعَمُّهُ.
فَقَالَ ابْنُ ذِي يَزَنَ: إِنَّ الَّذِي قُلْتُ لَكَ كَمَا قُلْتُ لَكَ، فَاحْتَفِظْ بِابْنِكَ وَاحْذَرْ عَلَيْهِ اليَهُودَ، فَإِنَّهُمْ لَهُ أَعْدَاءٌ، وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُمْ عَلَيْهِ سَبِيلاً، واطْوِ مَا ذَكَرْتُ لَكَ دُونَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ الَّذِينَ مَعَكَ، فَإِنِّي لَسْتُ آمَنُ أَنْ تَدْخُلَهُمُ النَّفَاسَةُ مِنْ أَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(454) العُرض - بضمِّ العين المهملة والضاد المعجمة بينهما راء مهملة -، قال في القاموس المحيط (ج 2/ ص 335): (يضربون الناس عن عُرض: لا يبالون من ضربوا).
(455) قال الجزري: (في حديث قيلة: والله لا يزال كعبك عالياً، هو دعاء لها بالشرف والعلوِّ، والأصل فيه: كعب القناة...، وكلُّ شيء علا وارتفع فهو كعب. ومنه سُمّيت الكعبة للبيت الحرام، وقيل: سُمّيت لتكعيبها أي تربيعها) (النهاية: ج 4/ ص 179). والمعنى: لا تزال كنت شريفاً مرتفعاً على من يعاديك. والجدُّ: البخت والنصيب.
(456) في بعض النُّسَخ: (على البيت). والنُّصُب فُسِّر بحجارة كانوا يذبحون عليها للأصنام، ويمكن أنْ يكون المراد أنصاب الحرم.
(457) في النهاية (ج 1/ ص 219): (ثلجت نفسي بالأمر...: إذا اطمأنَّت إليه وسكنت وثبتت فيها ووثقت به. ومنه حديث ابن ذي يزن: وثلج صدرك).

(٢٦٨)

تَكُونَ لَهُ الرِّئَاسَةُ، فَيَطْلُبُونَ لَهُ الغَوَائِلَ(458)، وَيَنْصِبُونَ لَهُ الحَبَائِلَ، وَهُمْ فَاعِلُونَ أَوْ أَبْنَاؤُهُمْ، وَلَوْ لَا عِلْمِي بِأَنَّ المَوْتَ مُجْتَاحِي(459) قَبْلَ مَبْعَثِهِ لَسِرْتُ بِخَيْلي وَرَجِلِي حَتَّى صِرْتُ بِيَثْرِبَ دَارِ مُلْكِهِ نُصْرَةً لَهُ، لَكِنِّي أَجِدُ فِي الكِتَابِ النَّاطِقِ وَالعِلْمِ السَّابِقِ أَنَّ يَثْرِبَ دَارُ مُلْكِهِ، وَبِهَا اسْتِحْكَامُ أَمْرِهِ وَأَهْلُ نُصْرَتِهِ وَمَوْضِعُ قَبْرِهِ، وَلَوْ لَا أَنِّي أَخَافُ فِيهِ الآفَاتِ وَأَحْذَرُ عَلَيْهِ العَاهَاتِ لَأَعْلَنْتُ عَلَى حَدَاثَةِ سِنِّهِ أَمْرَهُ فِي هَذَا الوَقْتِ، وَلَأُوطِئَنَّ أَسْنَانَ العَرَبِ عَقِبَهُ(460)، وَلَكِنِّي صَارِفٌ إِلَيْكَ عَنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ مِنِّي بِمَنْ مَعَكَ.
قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنَ القَوْمِ بِعَشَرَةِ أَعْبُدٍ وَعَشْرِ إِمَاءٍ وَحُلَّتَيْنِ مِنَ البُرُودِ، وَمِائَةٍ مِنَ الإِبِلِ، وَخَمْسَةِ أَرْطَالِ ذَهَبٍ وَعَشَرَةِ أَرْطَالِ فِضَّةٍ وَكَرِشٍ مَمْلُوءَةٍ عَنْبَراً.
قَالَ: وَأَمَرَ لِعَبْدِ المُطَّلِبِ بِعَشَرَةِ أَضْعَافِ ذَلِكَ، وَقَالَ: إِذَا حَالَ الحَوْلُ فَائْتِنِي، فَمَاتَ ابْنُ ذِي يَزَنَ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الحَوْلُ.
قَالَ: فَكَانَ عَبْدُ المُطَّلِبِ كَثِيراً مَا يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَا يَغْبِطُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ بِجَزِيلِ عَطَاءِ المَلِكِ وَإِنْ كَثُرَ فَإِنَّهُ إِلَى نَفَادٍ، وَلَكِنْ يَغْبِطُنِي بِمَا يَبْقَى لِي وَلِعَقِبِي مِنْ بَعْدِي ذِكْرُهُ وَفَخْرُهُ وَشَرَفُهُ، وَإِذَا قِيلَ مَتَى ذَلِكَ؟ قَالَ: سَتَعْلَمُنَّ نَبَأَ مَا أَقُولُ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ.
وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ يَذْكُرُ مَسِيرَهُمْ إِلَى ابْنِ ذِي يَزَنَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(458) المراد بالنفاسة: الحسد، وفى الأصل بمعنى البخل والاستبداد بالشيء والرغبة فيه. والغوائل جمع الغائلة وهي الشرُّ. والحبائل: المصائد.
(459) الاجتياح: الإهلاك والاستيصال.
(460) كذا، وفى النهاية (ج 2/ ص 413): (في حديث ابن ذي يزن: لأُوطئنَّ أسنان العرب كعبه، يريد ذوي أسنانهم وهم الأكابر والأشراف). وقال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) بعد ذكره: (أي لرفعته على أشرافهم وجملتهم موضع قدمه) (بحار الأنوار: ج 15/ ص 193).

(٢٦٩)

جَلَبْنَا الضِّحَّ تَحْمِلُهُ المَطَايَا * * * عَلَى أَكْوَارِ أَجْمَالٍ وَنُوقِ(461)
مُغَلْغَلَةً مَغَالِقُهَا تُغَالَى(462) * * * إِلَى صَنْعَاءَ مِنْ فَجٍّ عَمِيقِ
يَؤُمُّ بِنَا ابْنُ ذِي يَزَنَ ويَهْدِي(463) * * * ذَوَاتُ بُطُونِهَا أُمَّ الطَّرِيقِ(464)
وَتُزْجِي مِنْ مَخَائِلِهِ بُرُوقاً * * * مُوَاصَلَةَ الوَمِيضِ إِلَى بُرُوقِ(465)
فَلَمَّا وَافَقَتْ صَنْعَاءَ صَارَتْ * * * بِدَارِ المُلْكِ وَالحَسَبِ العَرِيقِ(466)
إِلَى مَلِكٍ يَدُرُّ لَنَا العَطَايَا * * * بِحُسْنِ بَشَاشَةِ الوَجْهِ الطَّلِيقِ(467)
* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(461) قال الجزري: (في حديث أبي خيثمة: يكون رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في الضحِّ والريح...، وذكره الهروي فقال: أراد كثرة الخيل والجيش، يقال: جاء فلان بالضحِّ والريح، أي بما طلعت عليه الشمس. وهبَّت عليه الريح. يعنون المال الكثير) (النهاية: ج 3/ ص 75). وقال: (الأكوار جمع كور - بالضمِّ -، وهو رحل الناقة بأداته) (النهاية: ج 4/ ص 208).
(462) المغلغلة - بفتح الغينين المعجمتين -: الرسالة المحمولة من بلد إلى بلد. و- بكسر الثانية -: المسرعة من الغلغلة: سرعة السير. وقوله: (تُغالى) من الغلوِّ. وفى أكثر النُّسَخ بالعين المهملة، وفي بحار الأنوار أيضاً، أي تتصاعد وتذهب.
(463) في بعض النُّسَخ وأكثر الروايات: (وتغري) أي تقطع.
(464) أُمُّ الطريق: معظمه.
(465) الإزجاء: السوق والدفع. والمخائل: جمع المخيلة وهي السحابة التي تحسبها ماطرة. والوميض: لمعان البرق.
(466) أعرق الرجل أي صار عريقاً، وهو الذي له عرق في الكرم. (الصحاح للجوهري: ج 4/ ص 1524).
(467) راجع: أخبار مكَّة للأزرقي (ج 1/ ص 149 - 154)، والعقد الفريد (ج 1/ ص 289 - 293)، والأغاني (ج 17/ ص 198 - 201)، وكنز الفوائد (ص 82 - 84)، وأعلام النبوَّة للماوردي (ص 176 - 179)، ودلائل النبوَّة للبيهقي (ج 2/ ص 9 - 14)، وتاريخ مدينة دمشق (ج 3/ ص 445 - 450)، وبحار الأنوار (ج 15/ ص 186 - 191/ ح 11).

(٢٧٠)

وكان بحيرى الراهب(468) ممَّن قد عرف النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بصفته ونعته ونسبه واسمه قبل ظهوره بالنبوَّة، وكان من المنتظرين لخروجه.
[35/1] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ القَطَّانُ وَعَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّيْبَانِيُّ(469)، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا القَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ البَرْمَكِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الهَيْثَمِ(470)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، عَنْ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى الشَّامِ تَاجِراً سَنَةَ ثَمَانٍ مِنْ مَوْلِدِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وَكَانَ فِي أَشَدِّ مَا يَكُونُ مِنَ الحَرِّ، فَلَمَّا أَجْمَعْتُ عَلَى السَّيْرِ قَالَ لِي رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي: مَا تُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ بِمُحَمَّدٍ وَعَلَى مَنْ تُخَلِّفُهُ؟ فَقُلْتُ: لَا أُرِيدُ أَنْ أُخَلِّفَهُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، أُرِيدُ أَنْ يَكُونَ مَعِي، فَقِيلَ: غُلَامٌ صَغِيرٌ فِي حَرٍّ مِثْلِ هَذَا تُخْرِجُهُ مَعَكَ؟ فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا يُفَارِقُنِي حَيْثُمَا تَوَجَّهْتُ أَبَداً، فَإِنِّي لَأُوَطِّئُ لَهُ الرَّحْلَ، فَذَهَبْتُ فَحَشَوْتُ لَهُ حَشِيَّةً [كِسَاءً وَكَتَّاناً(471)] وكُنَّا رُكْبَاناً كَثِيراً، فَكَانَ وَاللهِ البَعِيرُ الَّذِي عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ أَمَامِي لَا يُفَارِقُنِي، وَكَانَ يَسْبِقُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(468) بحيرى - بفتح الموحَّدة وكسر الحاء -. كذا ضبطه الدياربكري في تاريخ الخميس (ج 1/ ص 257).
(469) في بعض النُّسَخ: (الشامي)، ولعلَّه السناني المكتِّب.
(470) مجهول، والظاهر الصواب: (هشيم) لما ذُكِرَ هو فيمن يروي عن محمّد بن السائب الكلبي كما في تهذيب التهذيب (ج 9/ ص 157)، لكن تقدَّمت وتأتي رواية عبد الله بن محمّد عن أبيه عن الهيثم بن عمرو. وأمَّا عبد الله بن محمد فيحتمل أنْ يكون هو ابن محمّد بن مروان السدِّي الأصغر المتَّهم بالكذب، والعلم عند الله.
(471) في بعض النُّسَخ: (ريشاً وكتَّاناً)، ولعلَّه هو الصواب.

(٢٧٣)

الرَّكْبَ كُلَّهُمْ، فَكَانَ إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ جَاءَتْ سَحَابَةٌ بَيْضَاءُ مِثْلَ قِطْعَةِ ثَلْجٍ فَتُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَتَقِفُ عَلَى رَأْسِهِ لَا تُفَارِقُهُ، وَكَانَتْ رُبَّمَا أَمْطَرَتْ عَلَيْنَا السَّحَابَةُ بِأَنْوَاعِ الفَوَاكِهِ، وَهِيَ تَسِيرُ مَعَنَا، وَضَاقَ المَاءُ بِنَا فِي طَرِيقِنَا حَتَّى كُنَّا لَا نُصِيبُ قِرْبَةً إِلَّا بِدِينَارَيْنِ، وَكُنَّا حَيْثُ مَا نَزَلْنَا تَمْتَلِئُ الحِيَاضُ وَيَكْثُرُ المَاءُ وَتَخْضَرُّ الأَرْضُ، فَكُنَّا فِي كُلِّ خِصْبٍ وَطِيبٍ مِنَ الخَيْرِ، وَكَانَ مَعَنَا قَوْمٌ قَدْ وَقَفَتْ جِمَالُهُمْ، فَمَشَى إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَارَتْ، فَلَمَّا قَرُبْنَا مِنْ بُصْرَى الشَّامِ(472) إِذَا نَحْنُ بِصَوْمَعَةٍ قَدْ أَقْبَلَتْ تَمْشِي كَمَا تَمْشِي الدَّابَّةُ السَّرِيعَةُ حَتَّى إِذَا قَرُبَتْ مِنَّا وَقَفَتْ وَإِذَا فِيهَا رَاهِبٌ، وَكَانَتِ السَّحَابَةُ لَا تُفَارِقُ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) سَاعَةً وَاحِدَةً، وَكَانَ الرَّاهِبُ لَا يُكَلِّمُ النَّاسَ وَلَا يَدْرِي مَا الرَّكْبُ وَلَا مَا فِيهِ مِنَ التِّجَارَةِ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عَرَفَهُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ فَأَنْتَ أَنْتَ.
قَالَ: فَنَزَلْنَا تَحْتَ شَجَرَةٍ عَظِيمَةٍ قَرِيبَةٍ مِنَ الرَّاهِبِ قَلِيلَةِ الأَغْصَانِ لَيْسَ لَهَا حَمْلٌ، وَكَانَتِ الرُّكْبَانُ تَنْزِلُ تَحْتَهَا، فَلَمَّا نَزَلَهَا رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) اهْتَزَّتِ الشَّجَرَةُ وَالقَتْ أَغْصَانَهَا(473) عَلَى رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وَحَمَلَتْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الفَاكِهَةِ فَاكِهَتَانِ لِلصَّيْفِ وَفَاكِهَةٌ لِلشِّتَاءِ، فَتَعَجَّبَ جَمِيعُ مَنْ مَعَنَا مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَأَى بَحِيرَى الرَّاهِبُ ذَلِكَ ذَهَبَ فَاتَّخَذَ لِرَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) طَعَاماً بِقَدْرِ مَا يَكْفِيهِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(472) بُصرى - بضمِّ الموحَّدة -: مدينة حوران، فُتِحَت صلحاً لخمس بقين من ربيع الأوَّل سنة ثلاث عشرة، وهي أوَّل مدينة فُتِحَت بالشام. وقد وردها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) مرَّتين كما في المواهب اللدنّيَّة (ج 1/ ص 114 و116).
(473) في بعض نُسِخَ الحديث: (وتهصَّرت أغصان الشجرة على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)...) إلخ. وقال الجزري: (أصل الهصر أنْ تأخذ برأس العود فتثنيه إليك وتعطفه، ومنه الحديث: «إنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كان مع أبي طالب فنزل تحت شجرة فتهصَّرت أغصان الشجرة» أي تهدَّلت عليه) (النهاية: ج 5/ ص 264).

(٢٧٤)

ثُمَّ جَاءَ وَقَالَ: مَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَ هَذَا الغُلَامِ؟ فَقُلْتُ: أَنَا، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ تَكُونُ مِنْهُ؟ فَقُلْتُ: أَنَا عَمُّهُ، فَقَالَ: يَا هَذَا، إِنَّ لَهُ أَعْمَام، فَأَيُّ الأَعْمَامِ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا أَخُو أَبِيهِ مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ هُوَ، وَإِلَّا فَلَسْتُ بَحِيرَى، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا هَذَا، تَأْذَنُ لِي أَنْ أُقَرِّبَ هَذَا الطَّعَامَ مِنْهُ لِيَأْكُلَهُ؟ فَقُلْتُ لَهُ: قَرِّبْهُ إِلَيْهِ، وَرَأَيْتُهُ كَارِهاً لِذَلِكَ، وَالتَفَتُّ إِلَى النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فَقُلْتُ: يَا بُنَيَّ، رَجُلٌ أَحَبَّ أَنْ يُكْرِمَكَ فَكُلْ، فَقَالَ: هُوَ لِي دُونَ أَصْحَابِي؟ فَقَالَ بَحِيرَى: نَعَمْ هُوَ لَكَ خَاصَّةً، فَقَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): فَإِنِّي لَا آكُلُ دُونَ هَؤُلَاءِ، فَقَالَ بَحِيرَى: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي أَكْثَرُ مِنْ هَذَا، فَقَالَ: أَفَتَأْذَنُ يَا بَحِيرَى إِلَى أَنْ يَأْكُلُوا مَعِي؟ فَقَالَ: بَلَى، فَقَالَ: كُلُوا بِسْمِ اللهِ، فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا مَعَهُ، فَوَاللهِ لَقَدْ كُنَّا مِائَةً وَسَبْعِينَ رَجُلاً وَأَكَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا حَتَّى شَبِعَ وَتَجَشَّأَ، وَبَحِيرَى قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يَذُبُّ عَنْهُ وَيَتَعَجَّبُ مِنْ كَثْرَةِ الرِّجَالِ وَقِلَّةِ الطَّعَامِ، وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ يُقَبِّلُ رَأْسَهُ وَيَافُوخَهُ، وَيَقُولُ: هُوَ هُوَ وَرَبِّ المَسِيحِ، وَالنَّاسُ لَا يَفْقَهُونَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الرَّكْبِ: إِنَّ لَكَ لَشَأْناً، قَدْ كُنَّا نَمُرُّ بِكَ قَبْلَ اليَوْمِ فَلَا تَفْعَلُ بِنَا هَذَا البِرَّ، فَقَالَ بَحِيرَى: وَاللهِ إِنَّ لِي لَشَأْناً وَشَأْناً، وَإِنِّي لَأَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ، وَإِنَّ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ لَغُلَاماً لَوْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ مِنْهُ مَا أَعْلَمُ لَحَمَلْتُمُوهُ عَلَى أَعْنَاقِكُمْ حَتَّى تَرُدُّوهُ إِلَى وَطَنِهِ، وَاللهِ مَا أَكْرَمْتُكُمْ إِلَّا لَهُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ لَهُ - وَقَدْ أَقْبَلَ - نُوراً أَضَاءَ لَهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ رِجَالاً فِي أَيْدِيهِمْ مَرَاوِحُ اليَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ يُرَوِّحُونَهُ، وَآخَرِينَ يَنْثُرُونَ عَلَيْهِ أَنْوَاعَ الفَوَاكِهِ، ثُمَّ هَذِهِ السَّحَابَةُ لَا تُفَارِقُهُ، ثُمَّ صَوْمَعَتِي مَشَتْ إِلَيْهِ كَمَا تَمْشِي الدَّابَّةُ عَلَى رِجْلِهَا، ثُمَّ هَذِهِ الشَّجَرَةُ لَمْ تَزَلْ يَابِسَةً قَلِيلَةَ الأَغْصَانِ وَلَقَدْ كَثُرَتْ أَغْصَانُهَا وَاهْتَزَّتْ وَحَمَلَتْ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ مِنَ الفَوَاكِهِ، فَاكِهَتَانِ لِلصَّيْفِ وَفَاكِهَةٌ لِلشِّتَاءِ، ثُمَّ هَذِهِ الحِيَاضُ الَّتِي غَارَتْ وَذَهَبَ مَاؤُهَا أَيَّامَ

(٢٧٥)

تَمَرُّجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ(474) بَعْدَ الحَوَارِيِّينَ حِينَ وَرَدُوا عَلَيْهِمْ فَوَجَدْنَا فِي كِتَابِ شَمْعُونَ الصَّفَا أَنَّهُ دَعَا عَلَيْهِمْ فَغَارَتْ وَذَهَبَ مَاؤُهَا، ثُمَّ قَالَ: مَتَى مَا رَأَيْتُمْ قَدْ ظَهَرَ فِي هَذِهِ الحِيَاضِ المَاءُ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ لِأَجْلِ نَبِيٍّ يَخْرُجُ فِي أَرْضِ تِهَامَةَ مُهَاجِراً إِلَى المَدِينَةِ اسْمُهُ فِي قَوْمِهِ الأَمِينُ وَفِي السَّمَاءِ أَحْمَدُ، وَهُوَ مِنْ عِتْرَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ لِصُلْبِهِ، فَوَاللهِ إِنَّهُ لَهُوَ.
ثُمَّ قَالَ بَحِيرَى: يَا غُلَامُ، أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثِ خِصَالٍ بِحَقِّ اللَّاتِ وَالعُزَّى إِلَّا [مَا] أَخْبَرْتَنِيهَا، فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عِنْدَ ذِكْرِ اللَّاتِ وَالعُزَّى، وَقَالَ: لَا تَسْالنِي بِهِمَا، فَوَاللهِ مَا أَبْغَضْتُ شَيْئاً كَبُغْضِهِمَا، وَإِنَّمَا هُمَا صَنَمَانِ مِنْ حِجَارَةٍ لِقَوْمِي، فَقَالَ بَحِيرَى: هَذِهِ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ قَالَ: فَبِاللهِ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي، فَقَالَ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ فَإِنَّكَ قَدْ سَالتَنِي بِإِلَهِي وَإِلَهِكَ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَقَالَ: أَسْأَلُكَ عَنْ نَوْمِكَ وَيَقَظَتِكَ، فَأَخْبَرَهُ عَنْ نَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ وَأُمُورِهِ وَجَمِيعِ شَأْنِهِ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَا عِنْدَ بَحِيرَى مِنْ صِفَتِهِ الَّتِي عِنْدَهُ، فَانْكَبَّ عَلَيْهِ بَحِيرَى، فَقَبَّلَ رِجْلَيْهِ وَقَالَ: يَا بُنَيَّ، مَا أَطْيَبَكَ وَأَطْيَبَ رِيحَكَ، يَا أَكْثَرَ النَّبِيِّينَ أَتْبَاعاً، يَا مَنْ بَهَاءُ نُورِ الدُّنْيَا مِنْ نُورِهِ، يَا مَنْ بِذِكْرِهِ تُعْمَرُ المَسَاجِدُ، كَأَنِّي بِكَ قَدْ قُدْتَ الأَجْنَادَ وَالخَيْلَ وَقَدْ تَبِعَكَ العَرَبُ وَالعَجَمُ طَوْعاً وَكَرْهاً، وَكَأَنِّي بِاللَّاتِ وَالعُزَّى وَقَدْ كَسَرْتَهُمَا وَقَدْ صَارَ البَيْتُ العَتِيقُ لَا يَمْلِكُهُ غَيْرُكَ تَضَعُ مَفَاتِيحَهُ حَيْثُ تُرِيدُ، كَمْ مِنْ بَطَلٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَالعَرَبِ تَصْرَعُهُ، مَعَكَ مَفَاتِيحُ الجِنَانِ وَالنِّيرَانِ، مَعَكَ الذَّبْحُ الأَكْبَرُ وَهَلَاكُ الأَصْنَامِ، أَنْتَ الَّذِي لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَدْخُلَ المُلُوكُ كُلُّهَا فِي دِينِكَ صَاغِرَةً قَمِيئَةً(475)، فَلَمْ يَزَلْ يُقَبِّلُ يَدَيْهِ مَرَّةً وَرِجْلَيْهِ مَرَّةً وَيَقُولُ: لَئِنْ أَدْرَكْتُ زَمَانَكَ لَأَضْرِبَنَّ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالسَّيْفِ ضَرْبَ الزَّنْدِ بِالزَّنْدِ(476)، أَنْتَ سَيِّدُ وُلْدِ آدَمَ، وَسَيِّدُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(474) المَرَج - بالتحريك -: الفساد والغلق والاضطراب.
(475) أي ذليلة.
(476) الزند: الذي يُقدَح به النار.

(٢٧٦)

المُرْسَلِينَ، وَإِمَامُ المُتَّقِينَ، وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَاللهِ لَقَدْ ضَحِكَتِ الأَرْضُ يَوْمَ وُلِدْتَ، فَهِيَ ضَاحِكَةٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ فَرَحاً بِكَ، وَاللهِ لَقَدْ بَكَتِ البِيَعُ وَالأَصْنَامُ وَالشَّيَاطِينُ، فَهِيَ بَاكِيَةٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، أَنْتَ دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، أَنْتَ المُقَدَّسُ المُطَهَّرُ مِنْ أَنْجَاسِ الجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ التَفَتَ إِلَى أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ: مَا يَكُونُ هَذَا الغُلَامُ مِنْكَ؟ فَإِنِّي أَرَاكَ لَا تُفَارِقُهُ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: هُوَ ابْنِي، فَقَالَ مَا هُوَ بِابْنِكَ، وَمَا يَنْبَغِي لِهَذَا الغُلَامِ أَنْ يَكُونَ وَالِدُهُ الَّذِي وَلَدَهُ حَيًّا وَلَا أُمُّهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ ابْنُ أَخِي وَقَدْ مَاتَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ حَامِلَةٌ بِهِ، وَمَاتَتْ أُمُّهُ وَهُوَ ابْنُ سِتِّ سِنِينَ، فَقَالَ: صَدَقْتَ هَكَذَا هُوَ، وَلَكِنْ أَرَى لَكَ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَى بَلَدِهِ عَنْ هَذَا الوَجْهِ، فَإِنَّهُ مَا بَقِيَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ وَلَا صَاحِبُ كِتَابٍ إِلَّا وَقَدْ عَلِمَ بِوِلَادَةِ هَذَا الغُلَامِ، وَلَئِنْ رَأَوْهُ وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا قَدْ عَرَفْتُ أَنَا مِنْهُ لَيَبْغِيَنَّهُ شَرًّا، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ هَؤُلَاءِ اليَهُودُ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: وَلِـمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ كَائِنٌ لِابْنِ أَخِيكَ هَذِهِ النُّبُوَّةُ وَالرِّسَالَةُ، وَيَأْتِيهِ النَّامُوسُ الأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى وَعِيسَى، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: كَلَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيُضَيِّعَهُ.
ثُمَّ خَرَجْنَا بِهِ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا قَرُبْنَا مِنَ الشَّامِ رَأَيْتُ وَاللهِ قُصُورَ الشَّامَاتِ كُلَّهَا قَدِ اهْتَزَّتْ وَعَلَا مِنْهَا نُورٌ أَعْظَمُ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطْنَا الشَّامَ مَا قَدَرْنَا أَنْ نَجُوزَ سُوقَ الشَّامِ مِنْ كَثْرَةِ مَا ازْدَحَمُوا النَّاسُ وَيَنْظُرُونَ إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وَذَهَبَ الخَبَرُ فِي جَمِيعِ الشَّامَاتِ حَتَّى مَا بَقِيَ فِيهَا حِبْرٌ وَلَا رَاهِبٌ إِلَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ، فَجَاءَ حِبْرٌ عَظِيمٌ كَانَ اسْمُهُ نَسْطُورَا، فَجَلَسَ حِذَاهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَلَا يُكَلِّمُهُ بِشَيْءٍ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةً، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ لَمْ يَصْبِرْ حَتَّى قَامَ إِلَيْهِ فَدَارَ خَلْفَهُ كَأَنَّهُ يَلْتَمِسُ مِنْهُ شَيْئاً، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَاهِبُ، كَأَنَّكَ تُرِيدُ مِنْهُ شَيْئاً، فَقَالَ: أَجَلْ إِنِّي أُرِيدُ مِنْهُ شَيْئاً، مَا اسْمُهُ؟ قُلْتُ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَتَغَيَّرَ وَاللهِ لَوْنُهُ، ثُمَّ قَالَ: فَتَرَى أَنْ تَأْمُرَهُ أَنْ يَكْشِفَ لِي عَنْ ظَهْرِهِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَكَشَفَ

(٢٧٧)

عَنْ ظَهْرِهِ، فَلَمَّا رَأَى الخَاتَمَ انْكَبَّ عَلَيْهِ يُقَبِّلُهُ وَيَبْكِي، ثُمَّ قَالَ: يَا هَذَا، أَسْرِعْ بِرَدِّ هَذَا الغُلَامِ إِلَى مَوْضِعِهِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ، فَإِنَّكَ لَوْ تَدْرِي كَمْ عَدُوٍّ لَهُ فِي أَرْضِنَا لَمْ تَكُنْ بِالَّذِي تُقَدِّمُهُ مَعَكَ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَعَاهَدُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَيَحْمِلُ إِلَيْهِ الطَّعَامَ، فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْهَا أَتَاهُ بِقَمِيصٍ مِنْ عِنْدِهِ، فَقَالَ لِي: أَتَرَى أَنْ يَلْبَسَ هَذَا القَمِيصَ لِيَذْكُرَنِي بِهِ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ، وَرَأَيْتُهُ كَارِهاً لِذَلِكَ، فَأَخَذْتُ أَنَا القَمِيصَ مَخَافَةَ أَنْ يَغْتَمَّ، وَقُلْتُ: أَنَا البَسُهُ، وَعَجَّلْتُ بِهِ حَتَّى رَدَدْتُهُ إِلَى مَكَّةَ، فَوَاللهِ مَا بَقِيَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ امْرَأَةٌ وَلَا كَهْلٌ وَلَا شَابٌّ وَلَا صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ إِلَّا اسْتَقْبَلُوهُ شَوْقاً إِلَيْهِ مَا خَلَا أَبُو جَهْلٍ (لَعَنَهُ اللهُ)، فَإِنَّهُ كَانَ فَاتِكاً مَاجِناً(477) قَدْ ثَمِلَ مِنَ السُّكْرِ(478).
[36/2] وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ [مُحَمَّدِ بْنِ](479) عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ أَبَا طَالِبٍ قَالَ: لَـمَّا فَارَقَهُ بَحِيرَى بَكَى بُكَاءً شَدِيداً، وَأَخَذَ يَقُولُ: يَا ابْنَ آمِنَةَ، كَأَنِّي بِكَ وَقَدْ رَمَتْكَ العَرَبُ بِوَتْرِهَا، وَقَدْ قَطَعَكَ الأَقَارِبُ، وَلَوْ عَلِمُوا لَكُنْتَ لَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الأَوْلَادِ، ثُمَّ التَفَتَ إِلَيَّ وَقَالَ: أَمَّا أَنْتَ يَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(477) الفاتك: الذي يرتكب ما دعت إليه النفس. والجري الشجاع. والماجن: الذي لا يبالي قولاً وفعلاً. والثمل: السكر، يقال: ثَمَل - كفَرَح -، والمراد هنا شدَّته، أو السكر - بالتحريك - وهو الخمر ونبيذ يُتَّخذ من التمر.
(478) اعلم أنَّ هذه القصَّة مع ضعف سندها وانقطاعها واشتمالها على الغرائب التي كانت شأن الأساطير نقلها جمع من المؤرِّخين باختلافات في متنها وألفاظها، راجع: سيرة ابن هشام (ج 1/ ص 116 - 118)، والمواهب اللدنّيَّة (ج 1/ ص 114 - 116)، وتاريخ الطبري (ج 2/ ص 32 و33)، وتاريخ الخميس (ج 1/ ص 257 و258)، وغيرها.
(479) ما بين المعقوفتين زائد من النُّسَّاخ، ولا يخفى على من له معرفة بالرجال. والمراد بعبد الرحمن عبد الرحمن بن محمّد بن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم. وبعبد الله عبد الله بن أبي بكر بن محمّد ابن عمرو بن حزم الأنصاري، كما يظهر من تهذيب التهذيب (ج 5/ ص 114/ الرقم 281، وج 6/ ص 237/ الرقم 522).

(٢٧٨)

عَمُّ فَارْعَ فِيهِ قَرَابَتَكَ المَوْصُولَةَ، وَاحْتَفِظْ فِيهِ وَصِيَّةَ أَبِيكَ، فَإِنَّ قُرَيْشاً سَتَهْجُرُكَ فِيهِ فَلَا تُبَالِ، وَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ لَا تُؤْمِنُ بِهِ ظَاهِراً وَلَكِنْ سَتُؤْمِنُ بِهِ بَاطِناً، وَلَكِنْ سَيُؤْمِنُ بِهِ وَلَدٌ تَلِدُهُ، وَسَيَنْصُرُهُ نَصْراً عَزِيزاً، اسْمُهُ فِي السَّمَاوَاتِ البَطَلُ الهَاصِرُ، وَ[فِي الأَرْضِ] الشُّجَاعُ الأَنْزَعُ(480)، مِنْهُ الفَرْخَانِ المُسْتَشْهَدَانِ، وَهُوَ سَيِّدُ العَرَبِ وَرَئِيسُهَا وَذُو قَرْنَيْهَا، وَهُوَ فِي الكُتُبِ أَعْرَفُ مِنْ أَصْحَابِ عِيسَى (عليه السلام)، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: وَاللهِ قَدْ رَأَيْتُ كُلَّ الَّذِي وَصَفَهُ بَحِيرَى وَأَكْثَرَ.
[37/3] حَدَّثَنَا أَبِي (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ يَرْفَعُهُ، قَالَ: لَـمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أَرَادَ أَبُو طَالِبٍ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الشَّامِ فِي عِيرِ قُرَيْشٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وَتَشَبَّثَ بِالزِّمَامِ، وَقَالَ: «يَا عَمِّ، عَلَى مَنْ تُخَلِّفُنِي لَا عَلَى أُمٍّ وَلَا عَلَى أَبٍ»، وَقَدْ كَانَتْ أُمُّهُ تُوُفِّيَتْ، فَرَقَّ لَهُ أَبُو طَالِبٍ وَرَحِمَهُ وَأَخْرَجَهُ مَعَهُ، وَكَانُوا إِذَا سَارُوا تَسِيرُ إِلَى رَأْسِ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ مِنَ الشَّمْسِ، فَمَرُّوا فِي طَرِيقِهِمْ بِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: بَحِيرَى، فَلَمَّا رَأَى الغَمَامَةَ تَسِيرُ مَعَهُمْ نَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ، وَاتَّخَذَ لِقُرَيْشٍ طَعَاماً، وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ يَسْأَلُهُمْ أَنْ يَأْتُوهُ، وَقَدْ كَانُوا نَزَلُوا تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى طَعَامِهِ، فَقَالُوا لَهُ: يَا بَحِيرَى، وَاللهِ مَا كُنَّا نَعْهَدُ هَذَا مِنْكَ، قَالَ: قَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ تَأْتُونِي، فَأَتَوْهُ وَخَلَّفُوا رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فِي الرَّحْلِ، فَنَظَرَ بَحِيرَى إِلَى الغَمَامَةِ قَائِمَةً، فَقَالَ لَهُمْ: هَلْ بَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدٌ لَمْ يَأْتِنِي؟ فَقَالُوا: مَا بَقِيَ مِنَّا إِلَّا غُلَامٌ حَدَثٌ خَلَّفْنَاهُ فِي الرَّحْلِ، فَقَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ طَعَامِي أَحَدٌ مِنْكُمْ، فَبَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فَلَمَّا أَقْبَلَ أَقْبَلَتِ الغَمَامَةُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ بَحِيرَى قَالَ: مَنْ هَذَا الغُلَامُ؟ قَالُوا: ابْنُ هَذَا وَأَشَارُوا إِلَى أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ بَحِيرَى: هَذَا ابْنُكَ؟ قَالَ أَبُو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(480) البطل: الشجاع. والهاصر: الأسد الشديد الذي يفترس ويكسر. والأنزع: الذي ينحسر شعر مقدَّم رأسه ممَّا فوق الجبين. وفي بعض النُّسَخ: (الأقرع)، والمراد: الأصلع.

(٢٧٩)

طَالِبٍ: هَذَا ابْنُ أَخِي، قَالَ: مَا فَعَلَ أَبُوهُ؟ قَالَ: تُوُفِّيَ، وَهُوَ حَمْلٌ، فَقَالَ بَحِيرَى لِأَبِي طَالِبٍ: رُدَّ هَذَا الغُلَامَ إِلَى بِلَادِهِ، فَإِنَّهُ إِنْ عَلِمَتْ بِهِ اليَهُودُ مَا أَعْلَمُ مِنْهُ قَتَلُوهُ، فَإِنَّ لِهَذَا شَأْناً مِنَ الشَّأْنِ، هَذَا نَبِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ، هَذَا نَبِيُّ السَّيْفِ.

* * *

(٢٨٠)

[38/1] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ القَطَّانُ وَعَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّيْبَانِيُّ (رضي الله عنهم)، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا القَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي الهَيْثَمُ بْنُ عَمْرٍو المُزَنِيُّ(481)، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ يَعْلَى النَّسَّابَةِ، قَالَ: خَرَجَ خَالِدُ بْنُ أُسَيْدِ بْنِ أَبِي العِيصِ، وَطَلِيقُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، تُجَّاراً إِلَى الشَّامِ سَنَةَ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فِيهَا، فَكَانَا مَعَهُ، وَكَانَا يَحْكِيَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَا فِي مَسِيرِهِ وَرُكُوبِهِ مِمَّا يَصْنَعُ الوَحْشُ وَالطَّيْرُ، فَلَمَّا تَوَسَّطْنَا سُوقَ بُصْرَى إِذَا نَحْنُ بِقَوْمٍ مِنَ الرُّهْبَانِ قَدْ جَاؤُوا مُتَغَيِّرِي الالوَانِ كَأَنَّ عَلَى وُجُوهِهِمُ الزَّعْفَرَانَ تُرَى مِنْهُمُ الرِّعْدَةُ، فَقَالُوا: نُحِبُّ أَنْ تَأْتُوا كَبِيرَنَا، فَإِنَّهُ هَاهُنَا قَرِيبٌ فِي الكَنِيسَةِ العُظْمَى، فَقُلْنَا: مَا لَنَا وَلَكُمْ؟ فَقَالُوا: لَيْسَ يَضُرُّكُمْ مِنْ هَذَا شَيْءٌ، وَلَعَلَّنَا نُكْرِمُكُمْ، وَظَنُّوا أَنَّ وَاحِداً مِنَّا مُحَمَّدٌ، فَذَهَبْنَا مَعَهُمْ حَتَّى دَخَلْنَا مَعَهُمُ الكَنِيسَةَ العَظِيمَةَ البُنْيَانِ، فَإِذَا كَبِيرُهُمْ قَدْ تَوَسَّطَهُمْ وَحَوْلَهُ تَلَامِذَتُهُ، وَقَدْ نَشَرَ كِتَاباً بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَخَذَ يَنْظُرُ إِلَيْنَا مَرَّةً وَفِي الكِتَابِ مَرَّةً، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَا صَنَعْتُمْ شَيْئاً، لَمْ تَأْتُونِي بِالَّذِي أُرِيدُ، وَهُوَ الآنَ هَاهُنَا.
ثُمَّ قَالَ لَنَا: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَقُلْنَا: رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: مِنْ أَيِّ قُرَيْشٍ؟ فَقُلْنَا: مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، فَقَالَ لَنَا: مَعَكُمْ غَيْرُكُمْ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ شَابٌّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ نُسَمِّيهِ يَتِيمَ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَوَاللهِ لَقَدْ نَخَرَ نَخْرَةً(482) كَادَ أَنْ يُغْشَى عَلَيْهِ، ثُمَّ وَثَبَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(481) تقدَّم الكلام فيه (ص 273)، فراجع.
(482) نخر الإنسان: مدَّ الصوت والنفس في خياشيمه.

(٢٨٣)

فَقَالَ: أَوْهِ أَوْهِ هَلَكَتِ النَّصْرَانِيَّةُ وَالمَسِيحُ، ثُمَّ قَامَ وَاتَّكَأَ عَلَى صَلِيبٍ مِنْ صُلْبَانِهِ وَهُوَ مُفَكِّرٌ وَحَوْلَهُ ثَمَانُونَ رَجُلاً مِنَ البَطَارِقَةِ وَالتَّلَامِذَةِ، فَقَالَ لَنَا: فَيَخِفُّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُرُونِيهِ؟ فَقُلْنَا لَهُ: نَعَمْ، فَجَاءَ مَعَنَا، فَإِذَا نَحْنُ بِمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قَائِمٌ فِي سُوقِ بُصْرَى، وَاللهِ لَكَأَنَّا لَمْ نَرَ وَجْهَهُ إِلَّا يَوْمَئِذٍ، كَأَنَّ هِلَالاً يَتَلَأْلَأُ مِنْ وَجْهِهِ، وَقَدْ رَبِحَ الكَثِيرَ وَاشْتَرَى الكَثِيرَ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَقُولَ لِلْقُسِّ: هُوَ هَذَا، فَإِذَا هُوَ قَدْ سَبَقَنَا، فَقَالَ: هُوَ هُوَ، قَدْ عَرَفْتُهُ وَالمَسِيحِ، فَدَنَا مِنْهُ وَقَبَّلَ رَأْسَهُ، وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ المُقَدَّسُ، ثُمَّ أَخَذَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ عَلَامَاتِهِ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يُخْبِرُهُ، فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: لَئِنْ أَدْرَكْتُ زَمَانَكَ لَأُعْطِيَنَّ السَّيْفَ حَقَّهُ، ثُمَّ قَالَ لَنَا: أَتَعْلَمُونَ مَا مَعَهُ؟ مَعَهُ الحَيَاةُ وَالمَوْتُ، مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَيِيَ طَوِيلاً، وَمَنْ زَاغَ عَنْهُ مَاتَ مَوْتاً لَا يَحْيَى بَعْدَهُ أَبَداً، هُوَ هَذَا الَّذِي مَعَهُ الذَّبْحُ الأَعْظَمُ(483)، ثُمَّ قَبَّلَ رَأْسَهُ وَرَجَعَ رَاجِعاً(484).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(483) في بعض النُّسَخ: (الربح الأعظم).
(484) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 15/ ص 202): (بيان: قوله: للقين: ألقين العبد، ولعلَّهم أرادوا أنْ يُغلِّطوه ويُكذِّبوه، فأرادوا أنْ يشيروا إلى عبد أنَّه هو فعرفه قبل ذلك، وفي بعض النُّسَخ: للقسِّ، وهو الظاهر).

(٢٨٤)

وكان أبو المويهب الراهب من العارفين بأمر النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وبصفته، وبوصيِّه أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (صلوات الله عليه).
[39/1] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ القَطَّانُ وَعَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّيْبَانِيُّ (رضي الله عنهم)، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا القَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ الدَّيْلَمِيُّ(485)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَحِيرٍ الفَقْعَسِيِّ(486)، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ آبَائِهِ، قَالُوا: خَرَجَ سَنَةً رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وَعَبْدُ مَنَاةِ بْنُ كِنَانَةَ وَنَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ صَخْرِ بْنِ يَعْمُرِ بْنِ نُعْمَامَةِ بْنِ عَدِيٍّ تُجَّاراً إِلَى الشَّامِ، فَلَقِيَهُمَا أَبُو المُوَيْهِبِ الرَّاهِبُ، فَقَالَ لَهُمَا: مَنْ أَنْتُمَا؟ قَالَا: نَحْنُ تُجَّارٌ مِنْ أَهْلِ الحَرَمِ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمَا: مِنْ أَيِّ قُرَيْشٍ؟ فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ لَهُمَا: هَلْ قَدِمَ مَعَكُمَا مِنْ قُرَيْشٍ غَيْرُكُمَا؟ قَالَا: نَعَمْ شَابٌّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ، فَقَالَ أَبُو المُوَيْهِبِ: إِيَّاهُ وَاللهِ أَرَدْتُ، فَقَالَا: وَاللهِ مَا فِي قُرَيْشٍ أَخْمَلُ ذِكْراً مِنْهُ، إِنَّمَا يُسَمُّونَهُ يَتِيمَ قُرَيْشٍ، وَهُوَ أَجِيرٌ لِامْرَأَةٍ مِنَّا يُقَالُ لَهَا: خَدِيجَةُ، فَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ؟ فَأَخَذَ يُحَرِّكُ رَأْسَهُ وَيَقُولُ: هُوَ هُوَ، فَقَالَ لَهُمَا: تَدُلَّانِي عَلَيْهِ؟ فَقَالَا: تَرَكْنَاهُ فِي سُوقِ بُصْرَى، فَبَيْنَمَا هُمْ فِي الكَلَامِ إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فَقَالَ: هُوَ هَذَا، فَخَلَا بِهِ سَاعَةً يُنَاجِيهِ وَيُكَلِّمُهُ، ثُمَّ أَخَذَ يُقَبِّلُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَأَخْرَجَ شَيْئاً مِنْ كُمِّهِ لَا نَدْرِي مَا هُوَ وَرَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يَأْبَى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(485) في بعض النُّسَخ: (قيس بن سعيد الديلمي)، وفي بعضها: (قيس بن سعد الديلي).
(486) في بعض النُّسَخ: (عبد الله بن يحيى الفقعسي)، وفي بعضها: (عبد الله بن بحير الثقفي). وفقعس أبو قبيلة من بني أسد. (الصحاح للجوهري: ج 3/ ص 959/ مادَّة فقعس).

(٢٨٧)

أَنْ يَقْبَلَهُ، فَلَمَّا فَارَقَهُ قَالَ لَنَا: تَسْمَعَانِ مِنِّي هَذَا، وَاللهِ نَبِيُّ آخِرِ الزَّمَانِ، وَاللهِ سَيَخْرُجُ قَرِيبٍ فَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاتَّبِعُوهُ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ وُلِدَ لِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ وَلَدٌ يُقَالُ لَهُ: عَلِيٌّ؟ فَقُلْنَا: لَا، قَالَ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ وُلِدَ أَوْ يُولَدُ فِي سَنَتِهِ هُوَ، أَوَّلُ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، نَعْرِفُهُ، وَإِنَّا لَنَجِدُ صِفَتَهُ عِنْدَنَا بِالوَصِيَّةِ كَمَا نَجِدُ صِفَةَ مُحَمَّدٍ بِالنُّبُوَّةِ، وَإِنَّهُ سَيِّدُ العَرَبِ وَرَبَّانِيُّهَا وَذُو قَرْنَيْهَا، يُعْطِي السَّيْفَ حَقَّهُ، اسْمُهُ فِي المَلَإِ الأَعْلَى عَلِيٌّ، هُوَ أَعْلَى الخَلَائِقِ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ ذِكْراً، وَتُسَمِّيهِ المَلَائِكَةُ البَطَلَ الأَزْهَرَ المُفَلِّجَ، لَا يَتَوَجَّهُ إِلَى وَجْهٍ إِلَّا أَفْلَجَ وَظَفِرَ، وَاللهِ لَهُوَ أَعْرَفُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِي السَّمَاءِ مِنَ الشَّمْسِ الطَّالِعَةِ(487).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(487) رواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1093 - 1095).

(٢٨٨)

الباب السابع عشر: خبر سطيح الكاهن (488)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(488) سطيح - كأمير - الكاهن الذئبي، من بنى ذئب، كان يتكهَّن في الجاهليَّة، سُمِّي بذلك لأنَّه كان إذا غضب قعد منبسطاً فيما زعموا. وقيل: سُمِّي بذلك لأنَّه لم يكن له بين مفاصله قضب تعمده، فكان أبداً منبسطاً منسطحاً على الأرض لا يقدر على قيام ولا قعود، ويقال: كان لا عظم له فيه سوى رأسه. (راجع: لسان العرب: ج 2/ ص 483/ مادَّة سطح).

(٢٨٩)

[40/1] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ رُزْمَةَ القَزْوِينِيُّ(489)، قَالَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ ابْنُ عَلِيِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ المَوْصِلِيُّ الطَّائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ يَعْلَى بْنُ عِمْرَانَ مِنْ وُلْدِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَخْزُومُ بْنُ هَانِئٍ(490) المَخْزُومِيُّ، عَنْ أَبِيهِ وَقَدْ أَتَتْ لَهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً، قَالَ: لَـمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ارْتَجَسَ إِيوَانُ كِسْرَى، وَسَقَطَتْ مِنْهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شرَافَةً، وَغَاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَهَ، وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ، وَلَمْ تَخْمُدْ قَبْلَ ذَلِكَ الفَ سَنَةٍ(491)، وَرَأَى المُوبَذَانُ(492) إِبِلاً صِعَاباً تَقُودُ خَيْلاً عِرَاباً قَدْ قَطَعَتِ الدِّجْلَةَ وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ كِسْرَى هَالَهُ مَا رَأَى، فَتَصَبَّرَ عَلَيْهَا تَشَجُّعاً، ثُمَّ رَأَى أَنْ لَا يُسِرَّ ذَلِكَ عَنْ وُزَرَائِهِ، فَلَبِسَ تَاجَهُ وَقَعَدَ عَلَى سَرِيرِهِ وَجَمَعَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا رَأَى، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ وَرَدَ عَلَيْهِ الكِتَابُ بِخُمُودِ نَارِ فَارِسَ، فَازْدَادَ غَمًّا إِلَى غَمِّهِ، وَقَالَ المُوبَذَانُ: وَأَنَا أَصْلَحَ اللهُ المَلِكَ قَدْ رَأَيْتُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، ثُمَّ قَصَّ عَلَيْهِ رُؤْيَاهُ فِي الإِبِلِ وَالخَيْلِ، فَقَالَ: أَيَّ شَيْءٍ يَكُونُ هَذَا يَا مُوبَذَانُ؟ - وَكَانَ أَعْلَمَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ -، فَقَالَ: حَادِثٌ يَكُونُ فِي نَاحِيَةِ العَرَبِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(489) ترجمه الرافعي في التدوين في أخبار قزوين (ج 2/ ص 235)، وقال: (أحمد بن محمّد بن رومة القزويني المعدَّل).
(490) في لسان العرب (ج 2/ ص 483 و484/ مادَّة سطح)، قال: (روى الأزهري بإسناده عن مخزوم ابن هانئ المخزومي، عن أبيه...)، وساق كما في المتن إلى قوله: (إلى زمن عثمان) في آخر الخبر.
(491) في لسان العرب: (مائة عام).
(492) في القاموس المحيط (ج 1/ ص 360): (المُوبذان - بضمِّ الميم وفتح الباء -: فقيه الفرس، وحاكم المجوس كالموبذ. والجمع الموابذة، واللهاء للعجمة).

(٢٩١)

فَكَتَبَ عِنْدَ ذَلِكَ: مِنْ كِسْرَى مَلِكِ المُلُوكِ إِلَى نُعْمَانِ بْنِ المُنْذِرِ، أَمَّا بَعْدُ فَوَجِّهْ إِلَيَّ بِرَجُلٍ عَالِمٍ بِمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهُ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ بِعَبْدِ المَسِيحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَيَّانَ بْنِ نُفَيْلَةَ الغَسَّانِيِّ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ: عِنْدَكَ عِلْمُ مَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ؟ قَالَ: لِيَسْالنِي المَلِكُ أَوْ لِيُخْبِرْنِي، فَإِنْ كَانَ عِنْدِي مِنْهُ عِلْمٌ وَإِلَّا أَخْبَرْتُهُ بِمَنْ يَعْلَمُهُ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا رَأَى، فَقَالَ: عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ خَالٍ لِي يَسْكُنُ بِمَشَارِفِ الشَّامِ(493) يُقَالُ لَهُ: سَطِيحٌ، قَالَ: فَأْتِهِ فَاسْالهُ، وَأَخْبِرْنِي بِمَا يَرُدُّ عَلَيْكَ، فَخَرَجَ عَبْدُ المَسِيحِ حَتَّى وَرَدَ عَلَى سَطِيحٍ وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَى المَوْتِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَحَيَّاهُ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ سَطِيحٌ جَوَاباً، فَأَنْشَأَ عَبْدُ المَسِيحِ يَقُولُ:

أَصَمَّ أَمْ يَسْمَعُ غِطْرِيفُ اليَمَنِ  * * * أَمْ فَازَ فَازْلَمَّ بِهِ شَأْوُ العَنَن(494)
يَا فَاصِلَ الخُطَّةِ أَعْيَتْ مَنْ وَمَنْ  * * * وَكَاشِفَ الكُرْبَةِ فِي الوَجْهِ الغَضَن(495)
أَتَاكَ شَيْخُ الحَيِّ مِنْ آلِ سَنَنٍ  * * * وَأُمُّهُ مِنْ آلِ ذِئْبِ بْنِ حَجَن(496)
أَرْوَقُ ضَخْمِ النَّابِ صَرَّارُ الأُذُنِ  * * * أَبْيَضُ فَضْفَاضُ الرِّدَاءِ وَالبَدَن(497)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(493) المشارف: القرى التي تقرب من المُدُن، وقيل: القرى التي بين بلاد الريف وجزيرة العرب.
(494) الغطريف - بالكسر -: السيِّد. وقوله: (فاز) أي مات. وفى بعض النُّسَخ: (فاد) بالدال وهو بمعناه. وأزلمَّ: أي ذهب مسرعاً، وأصله: أزلام، فحُذِفَت الهمزة تخفيفاً. والشأو: السبق والغاية. والعنن: الاعتراض، وشأو العنن: اعتراض الموت وسبقه.
(495) الفاصل: المبين، الحاكم. والخُطَّة - بضم الخاء وشدِّ الطاء -: الخطب، والأمر والحال، أي يا من يبين ويظهر أُموراً أعيت وأعجزت. من ومن: أي جماعة كثيرة. والوجه الغضن هو الوجه الذي فيه تكسُّر وتجعُّد من شدَّة الهمِّ والكرب الذي نزل به. (النهاية: ج 3/ ص 372).
(496) السَّنَن - محرَّكة -: الإبل تسنن في عدوها. وفى بعض النُّسَخ: (شتن) - بالمعجمة والتاء المثنَّاة الفوقانيَّة -، وفى القاموس المحيط (ج 4/ ص 238): (الشتن: النسج والحياكة). وفى تاريخ اليعقوبي: (آل يزن).
(497) أروق في بعض النُّسَخ: (أزرق)، وهو صفة للبعير ولونه، وأروق أيضاً بمعناه. وفي بعض الكُتُب: (أصك) أي الذي يصطكُّ قدماه. وقوله: (ضخم الناب) كذا في جميع النُّسَخ، وفي النهاية (ج 4/ ص 375): (في حديث سطيح: أزرق مهم الناب صرار الأُذُن، أي حديد الناب، قال الأزهري: هكذا روي، وأظنُّه مهو الناب بالواو، يقال: سيف مهو أي حديد ماضٍ، وأورده الزمخشري: أزرق ممهى الناب صرار الأُذُن، وقال: الممهى: المحدَّد، من أمهيت الحديدة إذا أحددتها، شبَّه بعيره بالنمر لزرقة عينيه وسرعة سيره). وقال: (صرَّ أُذُنه وصررها: أي نصبها وسوَّاها) (النهاية: ج 3/ ص 23). والأصوب كون هذا المصرع بعد ذلك في سياق ذكر البعير كما في سائر الكُتُب فإنَّه فيها بعد قوله: (والقطن). والفضفاض: الواسع. والبدن: الدرع، قال الجزري: (يريد به كثرة العطاء) (النهاية: ج 1/ ص 108). وقال غيره: كناية عن سعة الصدر.

(٢٩٢)

رَسُولُ قَيْلِ العُجْمِ كِسْرَى لِلْوَسَنِ * * * لَا يَرْهَبُ الرَّعْدَ وَلَا رَيْبَ الزَّمَن(498)
تَجُوبُ فِي الأَرْضِ عَلَنْدَاةٌ شَجَنٌ * * * تَرْفَعُنِي طَوْراً وَتَهْوِي بِي وَجَن(499)
حَتَّى أَتَى عَارِي الجَآجِي وَالقَطَنِ * * * تَلُفُّهُ فِي الرِّيحِ بَوْغَاءُ الدَّمَن(500)
كَأَنَّمَا حَثْحَثَ مِنْ حِضْنَيْ ثَكَن(501)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(498) القَيْل - بالفتح -: المَلِك، وقيل: الملك من ملوك حمير، وقيل: هو الرئيس دون المَلِك الأعلى، راجع (ق ول) من أقرب الموارد. وقوله: (كسرى)، في بعض الكُتُب: (يسري) أي يجري. وللوسن: أي لشأن الرؤيا التي رآها الموبذان أو الَملِك. و(الرعد) في بعض النُّسَخ: (الوعد)، وفي بعض الكُتُب: (الدهر).
(499) تجوب أي تقطع. والعلنداة: الناقة القويَّة. والشجن - بالتحريك -: الناقة المتداخلة الخلق. وفي اللسان: (علنداة شرن) أي تمشي من نشاطها على جانب. وفيه أيضاً: (ترفعني وجناً وتهوي بي وجن)، والوجن: الأرض الغليظة. والوجناء: الناقة الشديدة، أي لم تزل الناقة التي هذه صفتها ترفعني مرَّة في الأرض بهذه الصفة وتخفضني أُخرى. وفي أكثر نُسَخ الكتاب: (تهوي بي دجن) - بالدال المهملة -، والظاهر أنَّه تصحيف. ودجن بالمكان دجناً أقام به واستأنس، والدجنة: الظلمة.
(500) الجآجي جمع الجؤجؤ وهو الصدر. والقَطَن - بالتحريك -: ما بين الوركين، يعني أنَّ السير قد هزلها وذهب بلحمها. وفي بعض الكُتُب: (عالي الجآجي) وهو قريب من العاري، لأنَّ العظم إذا عرى عن اللحم يُرى مرتفعاً عالياً. والبوغاء: التراب الناعم. والدمن جمع دمنة - بكسر الدال وفتح الميم -: ما تدمن منه أي تجمع وتلبد. كذا في النهاية (ج 1/ ص 162)، وقال: (كأنَّه من المقلوب تقديره: تلفُّه الريح في بوغاء الدمن، ويشهد له الرواية الأُخرى: تلفُّه الريح ببوغاء الدمن).
(501) حثحث: أسرع وحثَّ. والحضن: الجانب. وثَكَن - بفتح أوَّله وثانيه -: جبل بالبادية. يعني من كثرة التراب والغبار الذي أصابه في سرعة سيره كأنَّما أعجل من هذا الموضع الذي اجتمع فيه التراب الكثير.

(٢٩٣)

فَلَمَّا سَمِعَ سَطِيحٌ شِعْرَهُ فَتَحَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ: عَبْدُ المَسِيحِ عَلَى جَمَلٍ يَسِيحُ إِلَى سَطِيحٍ، وَقَدْ أَوْفَى عَلَى الضَّرِيحِ(502)، بَعَثَكَ مَلِكُ بَنِي سَاسَانَ لِارْتِجَاسِ الإِيوَانِ، وَخُمُودِ النِّيرَانِ، وَرُؤْيَا المُوبَذَانِ، رَأَى إِبِلاً صِعَاباً تَقُودُ خَيْلًا عِرَاباً، قَدْ قَطَعَتِ الدِّجْلَةَ، وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهَا، وَغَاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَهَ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ المَسِيحِ، إِذَا كَثُرَتِ التِّلَاوَةُ، وَبُعِثَ صَاحِبُ الهِرَاوَةِ(503)، وَفَاضَ وَادِي سَمَاوَةَ، وَغَاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَهَ، فَلَيْسَ الشَّامُ لِسَطِيحٍ شَاماً(504)، يَمْلِكُ مِنْهُمْ مُلُوكٌ وَمَلِكَاتٌ عَلَى عَدَدِ الشُّرُفَاتِ، وَكُلَّمَا هُوَ آتٍ آتٍ، ثُمَّ قَضَى سَطِيحٌ مَكَانَهُ، فَنَهَضَ عَبْدُ المَسِيحِ إِلَى رَحْلِهِ وَيَقُولُ:

شَمِّرْ فَإِنَّكَ مَاضِي العَزْمِ شِمِّيرُ * * * لَا يُفْزِعَنَّكَ تَفْرِيقٌ وَتَغْيِيرُ(505)
إِنْ يُمْسِ مُلْكُ بَنِي سَاسَانَ أَفْرَطَهُمْ * * * فَإِنَّ ذَا الدَّهْرَ أَطْوَارٌ دَهَارِيرُ(506)
وَرُبَّمَا كَانَ قَدْ أَضْحَوْا بِمَنْزِلَةٍ * * * تَهَابُ صَوْلَهُمُ الأُسْدُ المَهَاصِيرُ(507)
مِنْهُمْ أَخُو الصَّرْحِ بَهْرَامُ وَإِخْوَتُهُ * * * وَالهُرْمُزَانُ وَسَابُورٌ وَسَابُورُ(508)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(502) (يسيح) كذا في النُّسَخ، وفي لسان العرب (ج 2/ ص 500/ مادَّة شيح)، والعقد الفريد (ج 1/ ص 294)، والنهاية (ج 2/ ص 517): (مُشيح)، والمُشيح - بضمِّ الميم وكسر المعجمة والحاء المهملة -: الجادُّ المسرع. (وقد أوفى) أي أشرف. والضريح: القبر، أي قرب أنْ يدخل القبر.
(503) المراد بالتلاوة تلاوة القرآن. والهراوة: العصا، وصاحب الهراوة هو النبيُّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، لأنَّه يأخذ العنزة بيده.
(504) أي لم يبقَ سطيح، أو يتغيَّر أحوال الشام.
(505) الشمِّير: الشديد التشمير، وفي لسان العرب (ج 2/ ص 484): (شمِّر فإنَّك ما عمَّرت شمِّير).
(506) (أفرطهم) أي تركهم وزال عنهم. والأطوار: الحالات. والدهارير: الشديد جمع الدهر، يعني أنَّ الدهر ذو تصاريف ونوائب.
(507) المهاصير جمع المهصار، وهو الشديد الذي يفترس.
(508) الصرح: القصر. وفي بعض النُّسَخ: (وهرمزان) بدون اللَّام.

(٢٩٤)

وَالنَّاسُ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ فَمَنْ عَلِمُوا * * * أَنْ قَدْ أَقَلَّ فَمَحْقُورٌ وَمَهْجُورٌ(509)
وَهُمْ بَنُو الأُمِّ لَـمَّا أَنْ رَأَوْا نَشَباً * * * فَذَاكَ بِالغَيْبِ مَحْفُوظٌ وَمَنْصُورُ(510)
وَالخَيْرُ وَالشَّرُّ مَقْرُونَانِ فِي قَرَنٍ * * * فَالخَيْرُ مُتَّبَعٌ وَالشَّرُّ مَحْذُورُ

قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى كِسْرَى أَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ سَطِيحٌ، فَقَالَ: إِلَى أَنْ يَمْلِكَ مِنَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَلِكاً قَدْ كَانَتْ أُمُورٌ، قَالَ: فَمَلَكَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ فِي أَرْبَعِ سِنِينَ، وَمَلَكَ البَاقُونَ إِلَى إِمَارَةِ عُثْمَانَ(511).
وكان سطيح وُلِدَ في سيل العرم، فعاش إلى ملك ذي نواس، وذلك أكثر من ثلاثين قرناً، وكان مسكنه بالبحرين، فيزعم عبد القيس أنَّه منهم، وتزعم الأزد أنَّه منهم، وأكثر المحدِّثين قالوا: هو من الأزد، ولا يُدرى ممَّن هو، غير أنَّ عقبه يقولون: نحن من الأزد.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(509) أولاد علَّات: أي لأُمَّهات شتَّى، كناية عن عدم الأُلفة بينهم. وقوله: (أنْ قد أقلَّ) أي افتقر وقلَّ ما في يده.
(510) (وهم بنو أُمٍّ) أي يعطف بعضهم على بعض. والنَّشَب - بالتحريك -: المال والعقار.
(511) راجع: تاريخ اليعقوبي (ج 2/ ص 8 و9)، وتاريخ الطبري (ج 1/ ص 579 - 581)، وأعلام النبوَّة لأبي حاتم الرازي (ص 199 و200)، والعقد الفريد (ج 1/ ص 293 - 295)، ومناحل الشفاء للخركوشي (ج 1/ ص 121 - 127)، وأعلام النبوَّة للماوردي (ص 182 - 184)، ودلائل النبوَّة للبيهقي (ج 1/ ص 126 - 129).

(٢٩٥)

[41/1] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، رَفَعَهُ بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: لَـمَّا بَلَغَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ زَوَّجَهُ عَبْدُ المُطَّلِبِ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ الزُّهْرِيِّ، فَلَمَّا تَزَوَّجَ بِهَا حَمَلَتْ بِرَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فَرُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: لَـمَّا حَمَلْتُ بِهِ لَمْ أَشْعُرْ بِالحَمْلِ، وَلَمْ يُصِبْنِي مَا يُصِيبُ النِّسَاءَ مِنْ ثِقَلِ الحَمْلِ، فَرَأَيْتُ فِي نَوْمِي كَأَنَّ آتٍ أَتَانِي فَقَالَ لِي: قَدْ حَمَلْتِ بِخَيْرِ الأَنَامِ، فَلَمَّا حَانَ وَقْتُ الوِلَادَةِ خَفَّ عَلَيَّ ذَلِكَ حَتَّى وَضَعْتُهُ، وَهُوَ يَتَّقِي الأَرْضَ بِيَدِهِ وَرُكْبَتَيْهِ، وَسَمِعْتُ قَائِلاً يَقُولُ: وَضَعْتِ خَيْرَ البَشَرِ، فَعَوِّذِيهِ بِالوَاحِدِ الصَّمَدِ، مِنْ شَرِّ كُلِّ بَاغٍ وَحَاسِدٍ.
(فَوُلِدَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عَامَ الفِيلِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ(512) مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ).
فَقَالَتْ آمِنَةُ: لَـمَّا سَقَطَ إِلَى الأَرْضِ اتَّقَى الأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ، وَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَخَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَرُمِيَتِ الشَّيَاطِينُ بِالنُّجُومِ، وَحُجِبُوا عَنِ السَّمَاءِ، وَرَأَتْ قُرَيْشٌ الشُّهُبَ وَالنُّجُومَ تَسِيرُ فِي السَّمَاءِ، فَفَزِعُوا لِذَلِكَ، وَقَالُوا: هَذَا قِيَامُ السَّاعَةِ، فَاجْتَمَعُوا إِلَى الوَلِيدِ بْنِ المُغِيرَةِ، فَأَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ، وَكَانَ شَيْخاً كَبِيراً مُجَرَّباً، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذِهِ النُّجُومِ الَّتِي تَهْتَدُونَ بِهَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ زَالَتْ فَهُوَ قِيَامُ السَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ ثَابِتَةً فَهُوَ لِأَمْرٍ قَدْ حَدَثَ.
وَأَبْصَرَتِ الشَّيَاطِينُ ذَلِكَ، فَاجْتَمَعُوا إِلَى إِبْلِيسَ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ مُنِعُوا مِنَ السَّمَاءِ وَرُمُوا بِالشُّهُبِ، فَقَالَ: اطْلُبُوا فَإِنَّ أَمْراً قَدْ حَدَثَ، فَجَالُوا فِي الدُّنْيَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(512) كذا، ولعلَّه يكون: (بقيت) فصُحِّف. وهذا من كلام المصنِّف (رحمه الله).

(٢٩٩)

وَرَجَعُوا وَقَالُوا: لَمْ نَرَ شَيْئاً، فَقَالَ: أَنَا لِهَذَا، فَخَرَقَ مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الحَرَمِ وَجَدَ الحَرَمَ مَحْفُوفاً بِالمَلَائِكَةِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ صَاحَ بِهِ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) فَقَالَ: اخْسَأْ يَا مَلْعُونُ، فَجَاءَ مِنْ قِبَلِ حِرَاءَ فَصَارَ مِثْلَ الصُّرَدِ، قَالَ: يَا جَبْرَئِيلُ، مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا نَبِيٌّ قَدْ وُلِدَ، وَهُوَ خَيْرُ الأَنْبِيَاءِ، قَالَ: هَلْ لِي فِيهِ نَصِيبٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَفِي أُمَّتِهِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: قَدْ رَضِيتُ.
قَالَ: وَكَانَ بِمَكَّةَ يَهُودِيٌّ يُقَالُ لَهُ: يُوسُفُ، فَلَمَّا رَأَى النُّجُومَ يُقْذَفُ بِهَا وَتَتَحَرَّكُ قَالَ: هَذَا نَبِيٌّ قَدْ وُلِدَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَهُوَ الَّذِي نَجِدُهُ فِي كُتُبِنَا أَنَّهُ إِذَا وُلِدَ - وَهُوَ آخِرُ الأَنْبِيَاءِ - رُجِمَتِ الشَّيَاطِينُ وَحُجِبُوا عَنِ السَّمَاءِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى نَادِي قُرَيْشٍ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ وُلِدَ فِيكُمُ اللَّيْلَةَ مَوْلُودٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَخْطَأْتُمْ وَالتَّوْرَاةِ، وُلِدَ إِذاً بِفِلَسْطِينَ وَهُوَ آخِرُ الأَنْبِيَاءِ وَأَفْضَلُهُمْ، فَتَفَرَّقَ القَوْمُ، فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ أَخْبَرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَهْلَهُ بِمَا قَالَ اليَهُودِيُّ، فَقَالُوا: لَقَدْ وُلِدَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ ابْنٌ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، فَأَخْبَرُوا بِذَلِكَ يُوسُفَ اليَهُودِيَّ، فَقَالَ لَهُمْ: قَبْلَ أَنْ أَسْأَلَكُمْ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالُوا: قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَ: فَاعْرِضُوهُ عَلَيَّ، فَمَشَوْا إِلَى بَابِ آمِنَةَ، فَقَالُوا: أَخْرِجِي ابْنَكِ يَنْظُرْ إِلَيْهِ هَذَا اليَهُودِيُّ، فَأَخْرَجَتْهُ فِي قِمَاطِهِ، فَنَظَرَ فِي عَيْنَيْهِ، وَكَشَفَ عَنْ كَتِفَيْهِ، فَرَأَى شَامَةً سَوْدَاءَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَعَلَيْهَا شَعَرَاتٌ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ وَقَعَ عَلَى الأَرْضِ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَتَعَجَّبَ مِنْهُ قُرَيْشٌ وَضَحِكُوا مِنْهُ، فَقَالَ: أَتَضْحَكُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ؟ هَذَا نَبِيُّ السَّيْفِ، لَيُبِيرَنَّكُمْ(513)، وَقَدْ ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى آخِرِ الأَبَدِ، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَيَتَحَدَّثُونَ بِخَبَرِ اليَهُودِيِّ، وَنَشَأَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فِي اليَوْمِ كَمَا يَنْشَأُ غَيْرُهُ فِي الجُمْعَةِ، وَيَنْشَأُ فِي الجُمْعَةِ كَمَا يَنْشَأُ غَيْرُهُ فِي الشَّهْرِ(514).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(513) أي ليُهلكنَّكم. وفي بعض النُّسَخ: (ليتبرنَّكم).
(514) راجع ما رواه القمِّي (رحمه الله) في تفسيره (ج 1/ ص 373 و374)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1066 و1067).

(٣٠٠)

[42/1] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ هَاشِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَأَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ البَزَنْطِيِّ جَمِيعاً، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ الأَحْمَرِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَـمَّا دَعَا رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ(515) لِيَضْرِبَ عُنُقَهُ فَأُخْرِجَ وَذَلِكَ فِي غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ نَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فَقَالَ لَهُ: «يَا كَعْبُ، أَمَا نَفَعَكَ وَصِيَّةُ ابْنِ حَوَّاشٍ الحِبْرِ الَّذِي أَقْبَلَ مِنَ الشَّامِ، فَقَالَ: تَرَكْتُ الخَمْرَ وَالخَمِيرَ، وَجِئْتُ إِلَى المُوسِ وَالتُّمُورِ(516)، لِنَبِيٍّ يُبْعَثُ، هَذَا أَوَانُ خُرُوجِهِ، يَكُونُ مَخْرَجُهُ بِمَكَّةَ، وَهَذِهِ دَارُ هِجْرَتِهِ، وَهُوَ الضَّحُوكُ القَتَّالُ، يَجْتَزِي بِالكُسَيْرَاتِ وَالتَّمَرَاتِ، وَيَرْكَبُ الحِمَارَ العَارِيَ، فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ، وَبَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، يَضَعُ سَيْفَهُ عَلَى عَاتِقِهِ، وَلَا يُبَالِي بِمَنْ لَاقَى، يَبْلُغُ سُلْطَانُهُ مُنْقَطَعَ الخُفِّ وَالحَافِرِ؟»، قَالَ كَعْبٌ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ، وَلَوْلَا أَنَّ اليَهُودَ تُعَيِّرُنِي أَنِّي جَبُنْتُ عِنْدَ القَتْلِ لَآمَنْتُ بِكَ وَصَدَّقْتُكَ، وَلَكِنِّي عَلَى دِينِ اليَهُودِيَّةِ عَلَيْهِ أَحْيَا وَعَلَيْهِ أَمُوتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «فَقَدِّمُوهُ وَاضْرِبُوا عُنُقَهُ»، فَقُدِّمَ وَضُرِبَ عُنُقُهُ(517).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(515) هو رئيس بني قريظة.
(516) كذا، وفي بعض النُّسَخ: (جئت إلى البؤس والتمور).
(517) رواه القمِّي (رحمه الله) في تفسيره (ج 2/ ص 191)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1082 و1083/ ح 15).

(٣٠٣)

وكان زيد بن عمر بن نفيل(518) يطلب الدِّين الحنيف ويعرف أمر النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم).
[43/1] وَحَدَّثَنَا أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ البَزَّازُ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الجَبَّارِ العُطَارِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ المَدَنِيِّ، قَالَ: كَانَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَجْمَعَ عَلَى الخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ يَضْرِبُ فِي الأَرْضِ وَيَطْلُبُ الحَنِيفِيَّةَ - دِينَ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) -، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ الحَضْرَمِيِّ كُلَّمَا أَبْصَرَتْهُ قَدْ نَهَضَ إِلَى الخُرُوجِ وَأَرَادَهُ آذَنَتْ بِهِ الخَطَّابَ بْنَ نُفَيْلٍ(519)، فَخَرَجَ زَيْدٌ إِلَى الشَّامِ يَلْتَمِسُ وَيَطْلُبُ فِي أَهْلِ الكِتَابِ الأَوَّلِ دِيْنَ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) وَيَسْأَلُ عَنْهُ، فَلَمْ يَزَلْ فِي ذَلِكَ فِيمَا يَزْعُمُونَ حَتَّى أَتَى المَوْصِلَ وَالجَزِيرَةَ كُلَّهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى أَتَى الشَّامَ فَجَالَ فِيهَا حَتَّى أَتَى رَاهِباً بِمَيْفَعَةٍ مِنْ أَرْضِ البَلْقَاءِ كَانَ يَنْتَهِى إِلَيْهِ عِلْمُ النَّصْرَانِيَّةِ فِيمَا يَزْعُمُونَ، فَسَأَلَهُ عَنِ الحَنِيفِيَّةِ دِينِ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: إِنَّكَ لَتَسْأَلُ عَنْ دِينٍ مَا أَنْتَ بِوَاجِدٍ لَهُ الآنَ مَنْ يَحْمِلُكَ عَلَيْهِ اليَوْمَ، لَقَدْ دَرَسَ عِلْمُهُ وَذَهَبَ مَنْ كَانَ يَعْرِفُهُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ خُرُوجُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ بِأَرْضِكَ الَّتِي خَرَجْتَ مِنْهَا بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ الحَنِيفِيَّةِ، فَعَلَيْكَ بِبِلَادِكَ فَإِنَّهُ مَبْعُوثٌ الآنَ، هَذَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(518) في المعارف لابن قتيبة الدينوري (ص 59): (زيد بن عمرو بن نفيل هو أبو سعيد بن زيد أحد العشرة المسمِّين للجنَّة، وكان رغب عن عبادة الأوثان، وطلب الدِّين، فقتله النصارى بالشام. وقال النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «يُبعَث أُمَّة وحده»).
(519) (وكان الخطَّاب بن نُفيل عمَّه وأخاه لأُمِّه، وكان يعاتبه على فراق دين قومه، وكان الخطَّاب قد وكَّل صفيَّة به، وقال: إذا رأيتيه قد همَّ بأمر فآذنيني به). قاله ابن هشام في السيرة النبويَّة (ج 1/ ص 150).

(٣٠٧)

زَمَانُهُ، وَلَقَدْ كَانَ سَئِمَ اليَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ، فَلَمْ يَرْضَ شَيْئاً مِنْهُمَا، فَخَرَجَ مُسْرِعاً حِينَ قَالَ لَهُ الرَّاهِبُ مَا قَالَ يُرِيدُ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِأَرْضِ لَخْمٍ عَدَوْا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ.
فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ - وَقَدْ كَانَ اتَّبَعَ مِثْلَ أَثَرِ زَيْدٍ وَلَمْ يَفْعَلْ فِي ذَلِكَ مَا فَعَلَ -، فَبَكَاهُ وَرَقَةُ وَقَالَ فِيهِ:

رَشَدْتَ وَأَنْعَمْتَ ابْنَ عَمْرٍو وَإِنَّمَا * * * تَجَنَّبْتَ تَنُّوراً مِنَ النَّارِ حَامِياً
بِدِينِكَ رَبًّا لَيْسَ رَبٌّ كَمِثْلِهِ * * * وَتَرْكِكَ أَوْثَانَ الطَّوَاغِي كَمَا هِيَا(520)

يَنْتَظِرُ خُرُوجَهُ، وَخَرَجَ فِي طَلَبِهِ، فَقُتِلَ فِي الطَّرِيقِ.

وَقَدْ تُدْرِكُ الإِنْسَانَ رَحْمَةُ رَبِّهِ * * * وَلَوْ كَانَ تَحْتَ الأَرْضِ سِتِّينَ وَادِياً(521)

[44/2] وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ المَدَنِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ(522) وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الحَصِينُ التَّمِيمِيُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ قَالَا: يَا رَسُولَ الله، أَنَسْتَغْفِرُ لِزَيْدٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، فَاسْتَغْفِرُوا لَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ»(523).
[45/3] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ البَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(520) في المعارف (ص 59): (وتركك جِنَّان الجبال كما هيا)، وجِنَّان - بكسر الجيم وشدِّ النون - جمع جانٍّ، ويريد بجِنَّان الجبال: الذين يأمرون بالفساد من شياطين الإنس.
(521) سيرة ابن إسحاق (ج 2/ ص 98 و99/ ح 135)، والسيرة النبويَّة لابن هشام (ج 1/ ص 151 و152)، وتاريخ مدينة دمشق (ج 19/ ص 497 و498).
(522) محمّد بن جعفر بن الزبير بن العوامِّ الأسدي المدني، قال ابن سعد: كان عالماً، وقال الدارقطني: ثقة مدني. (تهذيب التهذيب: ج 9/ ص 81 و82/ الرقم 124). وفي بعض النُّسَخ: (محمّد بن جعفر بن الأثير)، وهو تصحيف.
(523) سيرة ابن إسحاق (ج 2/ ص 99/ ح 136)، والسيرة النبويَّة لابن هشام (ج 1/ ص 148)، وتاريخ مدينة دمشق (ج 19/ ص 511).

(٣٠٨)

يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ المَسْعُودِيِّ، عَنْ نُفَيْلِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ جَدَّهُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبِي زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو كَانَ كَمَا رَأَيْتَ وَكَمَا بَلَغَكَ، فَلَوْ أَدْرَكَكَ كَانَ آمَنَ بِكَ، فَأَسْتَغْفِرُ لَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، فَاسْتَغْفِرْ لَهُ»، وَقَالَ: «إِنَّهُ يَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ، وَكَانَ فِيمَا ذَكَرُوا أَنَّهُ يَطْلُبُ الدِّينَ فَمَاتَ وَهُوَ فِي طَلَبِهِ».
قال مصنَّف هذا الكتاب (رحمه الله): حال النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قبل النبوَّة حال قائمنا وصاحب زماننا (عليه السلام) في وقتنا هذا، وذلك أنَّه لم يعرف خبر النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في ذلك الوقت إلَّا الأحبار والرهبان والذين قد انتهى إليهم العلم به، فكان الإسلام غريباً فيهم، وكان الواحد منهم إذا سأل الله تبارك وتعالى بتعجيل فرج نبيِّه وإظهار أمره سخر منه أهل الجهل والضلال، وقالوا له: متى يخرج هذا النبيُّ الذي تزعمون أنَّه نبيُّ السيف، وأنَّ دعوته تبلغ المشرق والمغرب، وأنَّه ينقاد له ملوك الأرض؟ كما يقول الجُهَّال لنا في وقتنا هذا: متى يخرج هذا المهدي الذي تزعمون أنَّه لا بدَّ من خروجه وظهوره؟ ويُنكِره قوم ويقرُّ به آخرون، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنَّ الإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيباً، وَسَيَعُودُ غَرِيباً [كَمَا بَدَأَ]، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ»(524)، فقد عاد الإسلام كما قال (عليه السلام) غريباً في هذا الزمان كما بدأ وسيقوى بظهور وليِّ الله وحجَّته كما قوي بظهور نبيِّ الله ورسوله، وتقرُّ بذلك أعين المنتظرين له والقائلين بإمامته كما قرَّت أعين المنتظرين لرسول الله والعارفين به بعد ظهوره، وإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) لينجز لأوليائه ما وعدهم، ويُعلي كلمته، ويتمّ نوره ولو كره المشركون.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(524) قد مرَّ ذكر مصادره في (ص 91)، فراجع.

(٣٠٩)

[46/4] حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُغِيرَةِ الكُوفِيُّ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّيَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُغِيرَةِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنَّ الإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيباً، وَسَيَعُودُ غَرِيباً، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ».
[47/5] حَدَّثَنَا المُظَفَّرُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ المُظَفَّرِ العَلَوِيُّ العَمْرِيُّ السَّمَرْقَنْدِيُّ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ العَمْرَكِيِّ بْنِ عَلِيٍّ البُوفَكِيِّ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَلِيِّ ابْنِ مُوسَى الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنَّ الإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيباً، وَسَيَعُودُ غَرِيباً كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ»(525)،(526).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(525) راجع ما رواه العيَّاشي (رحمه الله) في تفسيره (ج 2/ ص 303/ ح 118)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 336/ باب 22).
(526) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 52/ ص 191): (بيان: قال الجزري فيه: إنَّ الإسلام بدأ غريباً، وسيعود كما بدأ، فطوبى للغرباء، أي إنَّه كان في أوَّل أمره كالغريب الوحيد الذي لا أهل له عنده لقلَّة المسلمين يومئذٍ، وسيعود غريباً كما كان، أي يقلُّ المسلمون في آخر الزمان فيصيرون كالغرباء، فطوبى للغرباء، أي الجنَّة لأُولئك المسلمين الذين كانوا في أوَّل الإسلام، ويكونون في آخره، وإنَّما خصَّهم بها لصبرهم على أذى الكُفَّار أوَّلاً وآخراً ولزومهم دين الإسلام).

(٣١٠)

[48/1] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَتَبْقَى الأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟ قَالَ: «لَوْ بَقِيَتِ الأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ سَاعَةً لَسَاخَتْ»(527).
[49/2] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بْنُ مَعْرُوفٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الهَيْثَمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي الحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَتَبْقَى الأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟ فَقَالَ: «لَا»، قُلْتُ: فَإِنَّا نَرْوِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) أَنَّهَا لَا تَبْقَى بِغَيْرِ إِمَامٍ إِلَّا أَنْ يَسْخَطَ اللهُ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ أَوْ عَلَى العِبَادِ، فَقَالَ: «لَا تَبْقَى إِذاً لَسَاخَتْ»(528)،(529).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(527) رواه الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 220/ ح 182).
(528) رواه بسند آخر المصنِّف (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 246/ ح 2)، والصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 509/ ج 10/ باب 12/ ح 6)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 179/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح 11)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 140/ باب 8/ ح 11).
(529) قال المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 2/ ص 488): (يعنى أنَّ الأرض لا تبقى بغير رسول أو إمام، سواء كان الله ساخطاً على أهلها أم لا. وذلك لما مرَّ ذكره من أنَّ وجوده سبب لوجودها، وبقائه سبب لبقائها، ولا يقوم المسبَّب بدون سببه كما هو قاعدة العلَّة والمعلول، وسنزيدك إيضاحاً وتأكيداً).
وقال (رحمه الله) في (ج 5/ ص 127): (قوله: (قال: لا، لا تبقى إذاً لساخت) نفى بلا ما يُفهَم من كلام الرَّاوي من أنَّ الأرض تبقى بغير إمام وأهلها مبغوضين، ثمَّ بيَّن الأمر بأنَّها لا تبقى بغير إمام بل تغوص في الماء).

(٣١٣)

[50/3] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ زَكَرِيَّا بْنِ مُحَمَّدٍ المُؤْمِنِ، عَنْ أَبِي هَرَاسَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ: «لَوْ أَنَّ الإِمَامَ رُفِعَ مِنَ الأَرْضِ سَاعَةً لَمَاجَتْ بِأَهْلِهَا كَمَا يَمُوجُ البَحْرُ بِأَهْلِهِ(530)»(531)،(532).
[51/4] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْزِيَارَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ البَجَلِيِّ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ لَهُ فِي الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ: «وَلَوْلَا مَنْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ حُجَجِ اللهِ لَنَفَضَتِ الأَرْضُ مَا فِيهَا وَالقَتْ مَا عَلَيْهَا، إِنَّ الأَرْضَ لَا تَخْلُو سَاعَةً مِنَ الحُجَّةِ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(530) ماج، أي اضطرب.
(531) رواه الصفَّار (رحمه الله) بتفاوت يسير في بصائر الدرجات (ص 508/ ج 10/ باب 12/ ح 3)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 179/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح 12)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 139 و140/ باب 8/ ح 10)، والطبري (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 435/ ح 403/7).
(532) قال المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 2/ ص 502): (ماج البحر يموج موجاً اضطرب. دلَّ هذا الحديث على حقيقة ما مرَّ ذكره منَّا من أنَّ وجود النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أو الإمام (عليه السلام) ليس بمجرَّد أنَّ الخلق محتاجون إليه في إصلاح دينهم ودنياهم وإنْ كان ذلك أمراً مترتِّباً على وجوده ضرورةً، بل إنَّما قامت بوجوده الأرض ومن فيها، لكون وجوده الكوني علَّة غائيَّة لوجودها، فلا تقوم الأرض ومن فيها لحظة إلَّا بوجود الإنسان الكامل، وذلك لقوله (عليه السلام): «ساعة» أي لحظة، إذ على ذلك التقدير لم يلزم من فرض عدمه ساعة بطلان الأرض وأهلها).
وقال (رحمه الله) في (ج 5/ ص 127): (قوله: «لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله» ماج البحر يموج موجاً اضطربت أمواجه وكذلك الناس يموجون. شبَّه اضطراب الأرض وأهلها بموج البحر وأهله للإيضاح، وكنَّى به عن زوالها وزوال أهلها، لأنَّ الاضطراب المذكور يستلزمها. والباء في الموضعين للتعدية أو بمعنى مع).

(٣١٤)

[52/5] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الخَطَّابِ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ سُلَيْمَانَ بْنِ سُفْيَانَ المُسْتَرِقِّ، عَنْ أَحْمَدَ ابْنِ عُمَرَ الحَلَّالِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام): إِنَّا رَوَيْنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الأَرْضَ لَا تَبْقَى بِغَيْرِ إِمَامٍ»، أَوَتَبْقَى وَلَا إِمَامَ فِيهَا؟ فَقَالَ: «مَعَاذَ اللهِ، لَا تَبْقَى سَاعَةً إِذاً لَسَاخَتْ»(533).
[53/6] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ المَالِكِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ، قَالَ: قَالَ الرِّضَا (عليه السلام): «نَحْنُ حُجَجُ اللهِ فِي خَلْقِهِ، وَخُلَفَاؤُهُ فِي عِبَادِهِ، وَأُمَنَاؤُهُ عَلَى سِرِّهِ، وَنَحْنُ كَلِمَةُ التَّقْوَى، وَالعُرْوَةُ الوُثْقَى، وَنَحْنُ شُهَدَاءُ اللهِ وَأَعْلَامُهُ فِي بَرِيَّتِهِ، بِنَا يُمْسِكُ اللهُ السَّماواتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولَا، وَبِنَا يُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَنْشُرُ الرَّحْمَةَ، وَلَا تَخْلُو الأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ مِنَّا ظَاهِرٍ أَوْ خَافٍ، وَلَوْ خَلَتْ يَوْماً بِغَيْرِ حُجَّةٍ لَمَاجَتْ بِأَهْلِهَا كَمَا يَمُوجُ البَحْرُ بِأَهْلِهِ»(534).
[54/7] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْزِيَارَ، عَنْ أَخِيهِ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي خَلَفٍ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(533) روى المصنِّف (رحمه الله) بسند آخر قريباً منه في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 246/ ح 1)، وعلل الشرائع (ج 1/ ص 198/ باب 153/ ح 17).
(534) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 23/ ص 35): (بيان: قوله (عليه السلام): «نحن كلمة التقوى»، إشارة إلى قوله تعالى: ﴿وَالزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ [الفتح: 26]، وفسَّرها المفسِّرون بكلمة الشهادة، وبالعقائد الحقَّة، إذ بها يُتَّقى من النار، أو هي كلمة أهل التقوى، وإطلاقها عليهم إمَّا باعتبار أنَّهم (عليهم السلام) كلمات الله يُعبِّرون عن مراد الله، كما أنَّ الكلمات تُعبِّر عمَّا في الضمير، أو باعتبار أنَّ ولايتهم والقول بإمامتهم سبب للاتِّقاء من النار، ففيه تقدير مضاف، أي ذو كلمة التقوى. «والعروة الوثقى» إشارة إلى أنَّهم هم المقصودون بها في قوله تعالى: ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى﴾ [البقرة: 256]، ويحتمل هنا أيضاً حذف المضاف، والعروة: كلُّ ما يُتعلَّق أو يُتمسَّك به).

(٣١٥)

عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ الأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا [حُجَّةٌ] عَالِمٌ، إِنَّ الأَرْضَ لَا يُصْلِحُهَا إِلَّا ذَلِكَ، وَلَا يُصْلِحُ النَّاسَ إِلَّا ذَلِكَ».
[55/8] وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الخَزَّازِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَالتُ أَبَا الحَسَنِ (عليه السلام): أَتَبْقَى الأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟ قَالَ: فَقَالَ: «لَا»، قُلْتُ: فَإِنَّا نَرْوِي أَنَّهَا لَا تَبْقَى إِلَّا أَنْ يَسْخَطَ اللهُ عَلَى العِبَادِ، فَقَالَ: «لَا تَبْقَى إِذاً لَسَاخَتْ».
[56/9] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَمُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الخَطَّابِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ المُؤْمِنِ وَالحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ أَبِي هَرَاسَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «لَوْ أَنَّ الإِمَامَ رُفِعَ مِنَ الأَرْضِ لَمَاجَتِ الأَرْضُ بِأَهْلِهَا كَمَا يَمُوجُ البَحْرُ بِأَهْلِهِ».
[57/10] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَمُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الخَطَّابِ جَمِيعاً، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ حَمْزَةَ الطَّيَّارِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُولُ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ(535) إِلَّا اثْنَانِ لَكَانَ أَحَدُهُمَا الحُجَّةَ - أَوْ كَانَ الثَّانِي الحُجَّةَ -» الشَّكُّ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ(536)،(537).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(535) في بعض النُّسَخ: (لو لم يبقَ في الأرض)، وفي بعضها: (من الدنيا).
(536) راجع ما رواه الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 507/ ج 10/ باب 11)، وابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 28/ ح 9)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 179/ باب أنَّه لو لم يبقَ في الأرض إلَّا اثنان لكان أحدهما الحجَّة)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 141/ باب 9).
(537) قال المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 5/ ص 128): (قوله: «لو لم يبقَ في الأرض إلَّا اثنان لكان أحدهما الحجَّة» نظيره من طُرُق العامَّة ما رواه مسلم عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان»، وذلك لأنَّه كما يحتاج الناس إلى الحجَّة من حيث الاجتماع لأمر له مدخل في نظامهم ومعاشهم كذلك يحتاجون إليه من حيث الانفراد لأمر له مدخل في معرفة مبدأهم ومعادهم، وعلى هذا لو فرض انحصار الناس في اثنين لوجب احتياج أحدهما إلى الآخر وهو الإمام للأوَّل. وفيه دلالة على أنَّه لا يجتمع إمامان في عصر كما مرَّ).
وقال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 2/ ص 298) بعد ذكره ما مرَّ من قول المازندراني (رحمه الله) إلى قوله: (مبدأهم ومعادهم): (وأيضاً الحكمة الداعية إلى الأمر بالاجتماع وسدِّ باب الاختلاف المؤدِّي إلى الفساد جارية هاهنا، وإنَّما تتمُّ بحجّيَّة أحدهما، ووجوب إطاعة الآخر له).

(٣١٦)

[58/11] وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَدَعِ الأَرْضَ إِلَّا وَفِيهَا عَالِمٌ يَعْلَمُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ، فَإِذَا زَادَ المُؤْمِنُونَ شَيْئاً رَدَّهُمْ، وَإِذَا نَقَصُوا شَيْئاً أَكْمَلَهُ لَهُمْ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَالتَبَسَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ أُمُورُهُمْ»(538).
[59/12] وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) لَمْ يَدَعِ الأَرْضَ بِغَيْرِ عَالِمٍ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا عُرِفَ الحَقُّ مِنَ البَاطِلِ»(539)،(540).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(538) راجع ما رواه المصنِّف (رحمه الله) في علل الشرائع (ج 1/ ص 200/ باب 153/ ح 27)، والصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 351 و352/ ج 7/ باب 10).
(539) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 178/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح 5)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 138 و139/ باب 8/ ح 6).
(540) قال المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 5/ ص 124): (قوله: «لم يُعرَف الحقُّ من الباطل» الظهور إلف النفس بالمحسوسات والوهميَّات والمتخيَّلات المؤذية إلى الباطل والشُّبُهات، فلو لم يكن أُستادٌ مرشدٌ مؤيَّدٌ من عند الله تعالى بالعصمة عن الخطأ والغلط في العقائد والأقوال والأعمال من جميع الوجوه لمال كلُّ نفس إلى هواها والتبس عليه الحقُّ والباطل، فربَّما يعتقد أنَّ الحقَّ باطلٌ والباطلَ حقٌّ كما ترى في كثير من المتَّكلين بعقولهم من الحكماء والمتكلِّمين، هذا على فرض بقاء الأرض وأهلها بغير إمام وإلَّا فالحقُّ الثابت أنَّه لا بقاء لهما بدونه طرفة عين).
وقال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 2/ ص 296): («ولولا ذلك» استدلال على عدم خلوِّ الأرض من عالم باستلزام الخلوِّ عدم المعرفة المقصودة من الخلق والإيجاد، وعدم العبادة الموقوفة على المعرفة).

(٣١٧)

[60/13] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ فِي حَالِ اسْتِقَامَتِهِ(541)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): يَمْضِي الإِمَامُ وَلَيْسَ لَهُ عَقِبٌ؟ قَالَ: «لَا يَكُونُ ذَلِكَ»، قُلْتُ: فَيَكُونُ مَا ذَا؟ قَالَ: «لَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَغْضَبَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) عَلَى خَلْقِهِ فَيُعَاجِلَهُمْ»(542).
[61/14] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ العُصْفُرِيِّ(543)، عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لَوْ بَقِيَتِ الأَرْضُ يَوْماً بِلَا إِمَامٍ مِنَّا لَسَاخَتْ بِأَهْلِهَا، وَلَعَذَّبَهُمُ اللهُ بِأَشَدِّ عَذَابِهِ، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَنَا حُجَّةً فِي أَرْضِهِ، وَأَمَاناً فِي الأَرْضِ لِأَهْلِ الأَرْضِ، لَمْ يَزَالُوا فِي أَمَانٍ مِنْ أَنْ تَسِيخَ بِهِمُ الأَرْضُ مَا دُمْنَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُهْلِكَهُمْ ثُمَّ لَا يُمْهِلَهُمْ وَلَا يُنْظِرَهُمْ ذَهَبَ بِنَا مِنْ بَيْنِهِمْ وَرَفَعَنَا إِلَيْهِ، ثُمَّ يَفْعَلُ اللهُ مَا شَاءَ وَأَحَبَّ»(544).
[62/15] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(541) أحمد بن هلال العبرتائي من أصحاب الهادي (عليه السلام)، كان غالياً متَّهماً في دينه، ويظهر من هذا الكلام استقامته في أوَّل الأمر ثمّ تحزُّبه إلى الضلال.
(542) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 134/ ح 147)، والطبري (رحمه الله) بسند آخر في دلائل الإمامة (ص 435/ ح 402/6).
(543) كذا، وهو أبو سعيد العصفوري المعنون في جامع الرواة (ج 2/ ص 388/ باب الكنى).
(544) رواه الطبري (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 436 و437/ ح 407/11) بسند متفاوت في أوَّله.

(٣١٨)

جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جَنَاحٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الجَعْفَرِيِّ، قَالَ: سَالتُ أَبَا الحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام)، فَقُلْتُ: أَتَخْلُو الأَرْضُ مِنْ حُجَّةٍ؟ فَقَالَ: لَوْ خَلَتْ مِنْ حُجَّةٍ طَرْفَةَ عَيْنٍ لَسَاخَتْ بِأَهْلِهَا».
[63/16] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ جَمِيعاً، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ المِيثَمِيِّ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَا تَرَكَ اللهُ الأَرْضَ بِغَيْرِ عَالِمٍ يُنْقِصُ مَا زَادُوا وَيُزِيدُ مَا نَقَصُوا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاخْتَلَطَتْ عَلَى النَّاسِ أُمُورُهُمْ»(545).
[64/17] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ فُضَيْلٍ الرَّسَّانِ، قَالَ: كَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): أَخْبِرْنَا مَا فَضْلُكُمْ أَهْلَ البَيْتِ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «إِنَّ الكَوَاكِبَ جُعِلَتْ فِي السَّمَاءِ أَمَاناً لِأَهْلِ السَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتْ نُجُومُ السَّمَاءِ جَاءَ أَهْلَ السَّمَاءِ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): جُعِلَ أَهْلُ بَيْتِي أَمَاناً لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَهْلُ بَيْتِي جَاءَ أُمَّتِي مَا كَانُوا يُوعَدُونَ».
[65/18] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الحَافِظُ البَغْدَادِيُّ(546)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ الجَعْدِ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ، أَيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(545) رواه المصنِّف (رحمه الله) في علل الشرائع (ج 1/ ص 201/ باب 153/ ح 32)، والصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 352/ ج 7/ باب 10/ ح 8)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 832/ ذيل الحديث 47).
(546) هو محمّد بن عمر بن محمّد بن سالم أبو بكر التميمي، يُعرَف بابن الجعابي.

(٣١٩)

أَبِيهِ، يَرْفَعُهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «النُّجُومُ أَمَانٌ لِأَهْلِ السَّمَاءِ، وَأَهْلُ بَيْتِي أَمَانٌ لِأُمَّتِي»(547).
[66/19] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ السَّرِيِّ بْنِ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الحُسَيْنِ(548)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «النُّجُومُ أَمَانٌ لِأَهْلِ السَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ ذَهَبَ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَأَهْلُ بَيْتِي أَمَانٌ لِأَهْلِ الأَرْضِ فَإِذَا ذَهَبَ أَهْلُ بَيْتِي ذَهَبَ أَهْلُ الأَرْضِ»(549).
[67/20] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ العَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَصْرِيِّ، عَنْ أَبِي المَغْرَا حُمَيْد بْنِ المُثَنَّى العِجْلِيِّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ خَيْثَمَةَ الجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «نَحْنُ جَنْبُ اللهِ، وَنَحْنُ صَفْوَتُهُ، وَنَحْنُ حَوْزَتُهُ، وَنَحْنُ مُسْتَوْدَعُ مَوَارِيثِ الأَنْبِيَاءِ، وَنَحْنُ أُمَنَاءُ اللهِ (عزَّ وجلَّ)، وَنَحْنُ حُجَجُ اللهِ، وَنَحْنُ أَرْكَانُ الإِيمَانِ، وَنَحْنُ دَعَائِمُ الإِسْلَامِ، وَنَحْنُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَنَحْنُ مَنْ بِنَا يُفْتَحُ وَبِنَا يُخْتَمُ، وَنَحْنُ أَئِمَّةُ الهُدَى، وَنَحْنُ مَصَابِيحُ الدُّجَى، وَنَحْنُ مَنَارُ الهُدَى، وَنَحْنُ السَّابِقُونَ، وَنَحْنُ الآخِرُونَ، وَنَحْنُ العَلَمُ المَرْفُوعُ لِلْخَلْقِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(547) رواه الخاصَّة والعامَّة بألفاظ متقاربة، فراجع على سبيل المثال: عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 2/ ص 30/ ح 14)، وأمالي الطوسي (ص 259/ ح 470/8)، والمعجم الكبير للطبراني (ج 7/ ص 22)، ومستدرك الحاكم (ج 3/ ص 149).
(548) يحتمل أنْ يكون هو عبَّاس بن الحسين البلخي أبو الفضل الذي سكن بغداد وتُوفِّي سنة (258هـ). والمراد بمحمّد بن السري بن سهل إمَّا أبو المؤمَّل البغدادي أو أبو بكر القنطري أو أبو بكر البزَّاز. والعلم عند الله.
(549) رواه الطوسي (رحمه الله) في أماليه (ص 379/ ح 812/63)، وابن بطريق (رحمه الله) في العمدة (ص 308/ ح 510)، والخوارزمي في مقتل الحسين (عليه السلام) (ج 1/ ص 162/ ح 65)، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواصِّ (ص 291).

(٣٢٠)

مَنْ تَمَسَّكَ بِنَا لَحِقَ، وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنَّا غَرِقَ، وَنَحْنُ قَادَةُ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، وَنَحْنُ خِيَرَةُ اللهِ، وَنَحْنُ الطَّرِيقُ الوَاضِحُ وَالصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ إِلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ)، وَنَحْنُ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ (عزَّ وجلَّ) عَلَى خَلْقِهِ، وَنَحْنُ المِنْهَاجُ، وَنَحْنُ مَعْدِنُ النُّبُوَّةِ، وَنَحْنُ مَوْضِعُ الرِّسَالَةِ، وَنَحْنُ الَّذِينَ إِلَيْنَا تَخْتَلِفُ المَلَائِكَةُ، وَنَحْنُ السِّرَاجُ لِمَنِ اسْتَضَاءَ بِنَا، وَنَحْنُ السَّبِيلُ لِمَنِ اقْتَدَى بِنَا، وَنَحْنُ الهُدَاةُ إِلَى الجَنَّةِ، وَنَحْنُ عُرَى الإِسْلَامِ، وَنَحْنُ الجُسُورُ وَالقَنَاطِرُ(550)، مَنْ مَضَى عَلَيْهَا لَمْ يُسْبَقْ، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا مُحِقَ، وَنَحْنُ السَّنَامُ الأَعْظَمُ، وَنَحْنُ الَّذِينَ بِنَا يُنْزِلُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) الرَّحْمَةَ، وَبِنَا يُسْقَوْنَ الغَيْثَ، وَنَحْنُ الَّذِينَ بِنَا يُصْرَفُ عَنْكُمُ العَذَابُ، فَمَنْ عَرَفَنَا وَأَبْصَرَنَا وَعَرَفَ حَقَّنَا وَأَخَذَ بِأَمْرِنَا فَهُوَ مِنَّا وَإِلَيْنَا»(551).
[68/21] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ عُمَرَ اليَمَانِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ(552)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): اكْتُبْ مَا أُمْلِي عَلَيْكَ، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَتَخَافُ عَلَيَّ النِّسْيَانَ؟ فَقَالَ: لَسْتُ أَخَافُ عَلَيْكَ النِّسْيَانَ، وَقَدْ دَعَوْتُ اللهَ لَكَ أَنْ يُحَفِّظَكَ وَلَا يُنْسِيَكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ لِشُرَكَائِكَ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَنْ شُرَكَائِي يَا نَبِيَّ اللهِ؟ قَالَ: الأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِكَ، بِهِمْ تُسْقَى أُمَّتِي الغَيْثَ، وَبِهِمْ يُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُمْ، وَبِهِمْ يَصْرِفُ اللهُ عَنْهُمُ البَلَاءَ، وَبِهِمْ تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ مِنَ السَّمَاءِ، وَهَذَا أَوَّلُهُمْ - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(550) الجسور جمع الجسر، والقناطر جمع القنطرة: الجسر.
(551) رواه الصفَّار (رحمه الله) بسند آخر في بصائر الدرجات (ص 82 و83/ ج 2/ باب 3/ ح 10)، والطوسي (رحمه الله) في أماليه (ص 654/ ح 1254/4)، والخصيبي (رحمه الله) في الهداية الكبرى (ص 239 و240) مختصراً.
(552) كذا، ورواية أبي الطفيل عن أبي جعفر (عليه السلام) في غاية البعد، بل ممَّا لا يكون. وفي بعض النُّسَخ: (عن أبي عبد الله الطفيل)، ولم أجده.

(٣٢١)

الحَسَنِ (عليه السلام)، ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الحُسَيْنِ (عليه السلام) -، ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): الأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِهِ»(553).
[69/22] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّيْبَانِيُّ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ابْنِ زَكَرِيَّا القَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ صَقْرٍ العَبْدِيُّ(554)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ الأَعْمَشِ، عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ (عليهم السلام)، قَالَ: «نَحْنُ أَئِمَّةُ المُسْلِمِينَ، وَحُجَجُ اللهِ عَلَى العَالَمِينَ، وَسَادَةُ المُؤْمِنِينَ، وَقَادَةُ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، وَمَوَالِي المُؤْمِنِينَ، وَنَحْنُ أَمَانٌ لِأَهْلِ الأَرْضِ كَمَا أَنَّ النُّجُومَ أَمَانٌ لِأَهْلِ السَّمَاءِ، وَنَحْنُ الَّذِينَ بِنَا يُمْسِكُ اللهُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَبِنَا يُمْسِكُ الأَرْضَ أَنْ تَمِيدَ بِأَهْلِهَا(555)، وَبِنَا يُنَزِّلُ الغَيْثَ، وَتُنْشَرُ الرَّحْمَةُ، وَتَخْرُجُ بَرَكَاتُ الأَرْضِ، وَلَوْلَا مَا فِي الأَرْضِ مِنَّا لَسَاخَتْ بِأَهْلِهَا»، ثُمَّ قَالَ: «وَلَمْ تَخْلُ الأَرْضُ مُنْذُ خَلَقَ اللهُ آدَمَ مِنْ حُجَّةٍ لِلهِ فِيهَا ظَاهِرٍ مَشْهُورٍ أَوْ غَائِبٍ مَسْتُورٍ(556)، وَلَا تَخْلُو إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ مِنْ حُجَّةٍ لِلهِ فِيهَا، ولَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يُعْبَدِ اللهُ»، قَالَ سُلَيْمَانُ: فَقُلْتُ لِلصَّادِقِ (عليه السلام): فَكَيْفَ يَنْتَفِعُ النَّاسُ بِالحُجَّةِ الغَائِبِ المَسْتُورِ؟ قَالَ: «كَمَا يَنْتَفِعُونَ بِالشَّمْسِ إِذَا سَتَرَهَا السَّحَابُ»(557).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(553) رواه المصنِّف (رحمه الله) في أماليه (ص 485/ ح 659/1)، وعلل الشرائع (ج 1/ ص 208/ باب 156/ ح 8)، والصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 187 و188/ ج 4/ باب 1/ ح 22)، وابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 54/ ح 38)، والطوسي (رحمه الله) في أماليه (ص 441/ ح 989/46).
(554) لم أظفر به.
(555) في بعض النُّسَخ: (أنْ تمور بأهلها).
(556) في بعض النُّسَخ: (خائف مغمور).
(557) رواه المصنِّف (رحمه الله) في أماليه (ص 252 و253/ ح 277/15)، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 199).

(٣٢٢)

[70/23] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَرَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: كَانَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ حُمْرَانُ بْنُ أَعْيَنَ، وَمُؤْمِنُ الطَّاقِ، وَهِشَامُ بْنُ سَالِمٍ، وَالطَّيَّارُ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ هِشَامُ بْنُ الحَكَمِ، وَهُوَ شَابٌّ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «يَا هِشَامُ»، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، قَالَ: «أَلَا تُخْبِرُنِي كَيْفَ صَنَعْتَ بِعَمْرِو ابْنِ عُبَيْدٍ؟ وَكَيْفَ سَالتَهُ؟»، قَالَ هِشَامٌ: جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، إِنِّي أُجِلُّكَ وَأَسْتَحْيِيكَ وَلَا يَعْمَلُ لِسَانِي بَيْنَ يَدَيْكَ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَافْعَلُوهُ»، قَالَ هِشَامٌ: بَلَغَنِي مَا كَانَ فِيهِ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وجُلُوسُهُ فِي مَسْجِدِ البَصْرَةِ، وَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَيَّ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، وَدَخَلْتُ البَصْرَةَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَأَتَيْتُ مَسْجِدَ البَصْرَةِ، فَإِذَا أَنَا بِحَلْقَةٍ كَبِيرَةٍ، وَإِذَا أَنَا بِعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ عَلَيْهِ شَمْلَةٌ سَوْدَاءُ مِنْ صُوفٍ مُؤْتَزِرٌ بِهَا، وَشَمْلَةٌ مُرْتَدٍ بِهَا، وَالنَّاسُ يَسْأَلُونَهُ، فَاسْتَفْرَجْتُ النَّاسَ، فَأَفْرَجُوا لِي، ثُمَّ قَعَدْتُ فِي آخِرِ القَوْمِ عَلَى رُكْبَتَيَّ، ثُمَّ قُلْتُ: أَيُّهَا العَالِمُ أَنَا رَجُلٌ غَرِيبٌ تَأْذَنُ لِي فَأَسْأَلَكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ؟ قَالَ: فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَلَكَ عَيْنٌ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ، أَيُّ شَيْءٍ هَذَا مِنَ السُّؤَالِ؟ إِذَا تَرَى شَيْئاً كَيْفَ تَسْأَلُ عَنْهُ؟ فَقُلْتُ: هَكَذَا مَسْأَلَتِي، قَالَ: يَا بُنَيَّ، سَلْ وَإِنْ كَانَتْ مَسْأَلَتُكَ حَمْقَاءَ، قُلْتُ: أَجِبْنِي فِيهَا، قَالَ: فَقَالَ لِي: سَلْ، قَالَ: قُلْتُ: أَلَكَ عَيْنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَرَى بِهَا؟ قَالَ: الالوَانَ وَالأَشْخَاصَ، قَالَ: قُلْتُ: أَلَكَ أَنْفٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَشَمُّ بِهِ الرَّائِحَةَ، قَالَ: قُلْتُ: أَلَكَ لِسَانٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَتَكَلَّمُ بِهِ، قَالَ: قُلْتُ: أَلَكَ أُذُنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: أَسْمَعُ بِهَا الأَصْوَاتَ، قَالَ: قُلْتُ: أَفَلَكَ يَدَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِمَا؟ قَالَ: أَبْطِشُ بِهِمَا، وَأَعْرِفُ بِهِمَا اللَّيِّنَ مِنَ الخَشِنِ، قَالَ: قُلْتُ: أَلَكَ رِجْلَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِمَا؟ قَالَ: أَنْتَقِلُ بِهِمَا مِنْ مَكَانٍ إِلَى

(٣٢٣)

مَكَانٍ، قَالَ: قُلْتُ: أَلَكَ فَمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَعْرِفُ بِهِ المَطَاعِمَ عَلَى اخْتِلَافِهَا، قَالَ: قُلْتُ: أَفَلَكَ قَلْبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أُمَيِّزُ بِهِ كُلَّمَا وَرَدَ عَلَى هَذِهِ الجَوَارِحِ(558)، قَالَ: قُلْتُ: أَفَلَيْسَ فِي هَذِهِ الجَوَارِحِ غِنًى عَنِ القَلْبِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ وَهِيَ صَحِيحَةٌ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنَّ الجَوَارِحَ إِذَا شَكَّتْ فِي شَيْءٍ شَمَّتْهُ أَوْ رَأَتْهُ أَوْ ذَاقَتْهُ رَدَّتْهُ إِلَى القَلْبِ، فَلْيُقِرَّ بِهِ اليَقِينَ وَيُبْطِلُ الشَّكَّ، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّمَا أَقَامَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) القَلْبَ لِشَكِّ الجَوَارِحِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: وَلَا بُدَّ مِنَ القَلْبِ وَإِلَّا لَمْ يَسْتَيْقِنِ الجَوَارِحُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا مَرْوَانَ، إِنَّ اللهَ لَمْ يَتْرُكْ جَوَارِحَكَ حَتَّى جَعَلَ لَهَا إِمَاماً يُصَحِّحُ لَهَا الصَّحِيحَ وَيَنْفِي مَا شَكَّتْ فِيهِ، وَيَتْرُكُ هَذَا الخَلْقَ كُلَّهُمْ فِي حَيْرَتِهِمْ وَشَكِّهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ لَا يُقِيمُ لَهُمْ إِمَاماً يَرُدُّونَ إِلَيْهِ شَكَّهُمْ وَحَيْرَتَهُمْ وَيُقِيمُ لَكَ إِمَاماً لِجَوَارِحِكَ يُرَدُّ إِلَيْكَ شَكُّكَ وَحَيْرَتُكَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ، وَلَمْ يَقُلْ لِي شَيْئاً، قَالَ: ثُمَّ التَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: أَنْتَ هِشَامٌ؟ فَقُلْتُ: لَا، قَالَ: فَقَالَ لِي: أَجَالَسْتَهُ؟ فَقُلْتُ: لَا، قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ، قَالَ: فَأَنْتَ إِذاً هُوَ، قَالَ: ثُمَّ ضَمَّنِي إِلَيْهِ فَأَقْعَدَنِي فِي مَجْلِسِهِ، وَمَا نَطَقَ حَتَّى قُمْتُ. فَضَحِكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، ثُمَّ قَالَ: «يَا هِشَامُ، مَنْ عَلَّمَكَ هَذَا؟»، قَالَ: قُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، جَرَى عَلَى لِسَانِي، قَالَ: «يَا هِشَامُ، هَذَا وَاللهِ مَكْتُوبٌ فِي صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى»(559)،(560).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(558) في بعض النُّسَخ: (أُميِّز به الأُمور الواردة على هذه الجوارح).
(559) رواه المصنِّف (رحمه الله) في أماليه (ص 685 - 687/ ح 942/15)، وفي علل الشرائع (ج 1/ ص 193 - 195/ باب 152/ ح 2)، والكليني (رحمه الله) بسند آخر في الكافي (ج 1/ ص 169 - 171/ باب الاضطرار إلى الحجَّة/ ح 3)، والطوسي (رحمه الله) في اختيار معرفة الرجال (ج 2/ ص 549 - 551/ ح 490)، والطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج 2/ ص 125 - 128).
(560) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 2/ ص 265 - 268): (عمرو بن عبيد من رؤساء المعتزلة. والإجلال: التعظيم. «إذا أمرتكم» الأمر مفهوم من ألَا التحضيضيَّة، والمراد أنَّ إطاعة الأمر أوجب من رعاية الإجلال والاستحياء. وفي النهاية: الحلقة: الجماعة من الناس مستديرين كحلقة الباب وغيره. والشَّملة - بالفتح -: كساء يُشتَمل به. فاستفرجت: أي طلبت الفرجة وهي الخلل بين الشيئين، أو طلبت منهم الإفراج عن الطريق أي انكشافهم عنه فانكشفوا عنه لأجلي. أيُّها العالم: أي بزعم الناس. ووصف المسألة بالحمق على سبيل التجوُّز مبالغةً، وربَّما يُقرَأ حُمقاء بضمِّ الحاء وسكون الميم بدون ألف مصدراً. وإنَّما لم يذكر اللمس لأنَّه ليست له جارحة مخصوصة ظاهرة، أو لقلَّة الاشتباه فيه، مع أنَّه يُعرَف بالمقايسة. والمراد بالقلب النفس الناطقة المتعلِّقة أوَّلاً وبالذات بالروح الحيواني المنبعث عن القلب الصنوبري الذي نسبته إلى أعضاء الحسِّ والحركة كنسبة النفس إلى قوى الحسِّ والحركة في أنَّه ينبعث منه الدم والروح البخاري إلى سائر الأعضاء، فالنفس رئيس القوى وإمامها، والقلب وهو مستقرُّها وعرش استوائها بإذن الله رئيس سائر الأعضاء وإمامها، أو المراد بالقلب القوَّة العقليَّة التي للنفس الإنسانيَّة أو ما يشمل القوى الحسّيَّة الباطنة التي هي كالآلات للقوَّة العقليَّة في فكرتها وسائر تصرُّفاتها كما قيل. وأمَّا شكُّ الحواس وغلطها فقيل: معناه أنَّ العقل والوهم المشوب بالحسِّ يغلط، أو يشكُّ بسبب من الأسباب، ثمّ يعلم النفس بقوَّة العقل ما هو الحقُّ المتيقَّن كما يرى البصر العظيم صغيراً لبعده، والصغير كبيراً لقربه، والواحد اثنين لحول في العين، والشجرة التي في طرف الحوض منكوسة لانعكاس شعاع البصر من الماء إليها، والسمع يسمع الصوت الواحد عند الجبل ونحوه ممَّا فيه صلابة أو صقالة صوتين، لانعكاس الهواء المكيَّف بكيفيَّة السمع إلى الصماخ تارةً أُخرى، ويقال للصوت الثاني: الصداء، وكما تجد الذائقة الحلو مرًّا لغلبة المرَّة الصفراء على جرم اللسان، وكذا تشمئزُّ الشامة من الروائح الطيِّبة بالزكام، فهذه وأمثالها أغلاط حسّيَّة يعرف القلب حقيقة الأمر فيها. وقيل: معناه أنَّ النفس مع هذه القوى الحسّيَّة الظاهرة، تحتاج إلى قوَّة حاكمة عليها، إذ من شأنها من حيث هذه القوى هذه الإدراكات التصوُّريَّة دون التصديقات واليقينيَّات، فلا يستيقن إلَّا بقوَّة أُخرى هي الحاكمة باليقينيَّات، وهي القوَّة التي بها تخرج عن الشكِّ إلى اليقين، فإنَّما أقام الله القلب بإعطاء هذه القوَّة لتخرج بها النفس عن تلك المرتبة التي شأنها بحسبها الشكُّ وعدم الاستيقان إلى مرتبة اليقين، ثمّ إذا كان بحكمته لا يخل بإعطاء ما تحتاج إليه نفسك في وصولها إلى كمالها القابلة، كيف يخل بما يحتاج إليه الخلق كلُّهم، لخروجهم عن حيرتهم وشكِّهم إلى الاستيقان بما فيه بقاؤهم ونجاتهم عن الضلال والهلاك؟ فأوَّل هذا الكلام تنبيه على حكمته المقتضية للصلاح والخير وإعطاء ما يحتاج إليه المستكمل في الخروج من النقصان إلى الكمال، والوصول إلى النجاة عن الضلال، وآخره الاستدلال من تلك الحكمة على إقامة الإمام الذي إنَّما يحصل نجاة الخلق عن حيرتهم وشكِّهم بمعرفته، والأخذ عنه، والاهتداء بهداه. قوله: فقلت لا، قال ذلك تورية للمصلحة، ويمكن أنْ يكون غرضه لا أُخبرك به).

(٣٢٤)

قال مصنِّف هذا الكتاب (رضي الله عنه): وتصديق قولنا: إنَّ الإمام يُحتاج إليه لبقاء

(٣٢٥)

العالم على صلاحه أنَّه ما عذَّب الله (عزَّ وجلَّ) أُمَّة إلَّا وأمر نبيَّها بالخروج من بين أظهرهم، كما قال الله (عزَّ وجلَّ) في قصَّة نوح (عليه السلام): ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْلُ﴾ [هود: 40] منهم، وأمره الله (جلَّ وعزَّ) أنْ يعتزل عنهم مع أهل الإيمان به ولا يبقى مختلطاً بهم، وقال (عزَّ وجلَّ): ﴿وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ [هود: 37]، وكذلك قال (عزَّ وجلَّ) في قصَّة لوط (عليه السلام): ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ﴾ [هود: 81]، فأمره الله (عزَّ وجلَّ) بالخروج من بين أظهرهم قبل أنْ أنزل العذاب بهم، لأنَّه لم يكن (جلَّ وعزَّ) لينزل عليهم ونبيَّه لوط (عليه السلام) بين أظهرهم، وهكذا أمر الله (عزَّ وجلَّ) كلَّ نبيٍّ أراد هلاك أُمَّته أنْ يعتزلها كما قال إبراهيم (عليه السلام) مخوِّفاً بذلك قومه: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ﴾ [مريم: 48 و49]، أهلك الله (عزَّ وجلَّ) الذين كانوا آذوه وعنتوه وألقوه في الجحيم وجعلهم الأسفلين ونجَّاه ولوطاً، كما قال الله تعالى: ﴿وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الأَرضِ الَّتِي بارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 71]، ووهب الله [جلَّت عظمته] لإبراهيم إسحاق ويعقوب كما قال (عزَّ وجلَّ): ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ﴾ [الأنبياء: 72]، وقال الله (عزَّ وجلَّ) لنبيِّه محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): ﴿وَمَا كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ(561) [الأنفال: 33].
وَرُوِيَ فِي الأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ عَنْ أَئِمَّتِنَا (عليهم السلام) أَنَّ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أَوْ وَاحِداً مِنَ الأَئِمَّةِ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ) قَدْ دَخَلَ مَدِينَةً أَوْ قَرْيَةً فِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(561) وتمام الآية: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، وفي بعض النُّسَخ كانت هذه الزيادة في المتن.

(٣٢٦)

مَنَامِهِ فَإِنَّهُ أَمْنٌ لِأَهْلِ تِلْكَ المدِينَةِ أَوِ القَرْيَةِ مِمَّا يَخَافُونَ وَيَحْذَرُونَ وَبُلُوغٌ لِمَا يَأْمُلُونَ وَيَرْجُونَ.
وفي حديث هشام مع عمرو بن عبيد حجَّة في الانتفاع بالحجَّة الغائب (عليه السلام)، وذلك أنَّ القلب غائب عن سائر الجوارح لا يُرى بالعين ولا يُشَمُّ بالأنف ولا يُذاق بالفم ولا يُلمَس باليد وهو مدبِّر لهذه الجوارح مع غيبته عنها وبقاؤها على صلاحها، ولو لم يكن القلب لانفسد تدبير الجوارح ولم تستقم أُمورها فاحتيج إلى القلب لبقاء الجوارح على صلاحها كما احتيج إلى الإمام لبقاء العالم على صلاحه، ولا قوَّة إلَّا بالله.
وكما يُعلَم مكان القلب من الجسد بالخبر فكذلك يُعلَم مكان الحجَّة الغائب (عليه السلام) بالخبر، وهو ما ورد عن الأئمَّة (عليهم السلام) من الأخبار في كونه بمكَّة وخروجه منها في وقت ظهوره، ولسنا نعني بالقلب المضغة التي من اللحم، لأنَّ بها لا يقع الانتفاع للجوارح، وإنَّما نعني بالقلب اللطيفة التي جعلها الله (عزَّ وجلَّ) في هذه المضغة لا تُدرَك بالبصر وإنْ كُشِفَ عن تلك المضغة، ولا تُلمَس ولا تُذاق ولا توجد إلَّا بالعلم بها لحصول التمييز واستقامة التدبير من الجوارح والحجَّة بتلك اللطيفة على الجوارح [قائمة ما وُجِدَت والتكليف لها لازم ما بقيت، فإذا عُدِمَت تلك اللطيفة انفسد تدبير الجوارح وسقط التكليف عنها، فكما يجوز أنْ يحتجَّ اللهُ (عزَّ وجلَّ) بهذه اللطيفة الغائبة عن الحواسِّ على الجوارح، فكذلك جائز أنْ يحتجَّ (عزَّ وجلَّ) على جميع الخلق بحجَّة غائب عنهم به يدفع عنهم وبه يرزقهم وبه ينزل عليهم الغيث، ولا قُوَّةَ إِلَّا بالله].

* * *

(٣٢٧)

[71/1] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ الصَّفَّارُ وَسَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ جَمِيعاً، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَمُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الخَطَّابِ وَالهَيْثَمُ ابْنُ أَبِي مَسْرُوقٍ النَّهْدِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ السَّرَّادِ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ دُوَالَ دُوزَ(562)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(562) مقاتل بن سليمان الأزدي الخراساني أبو الحسن البلخي نزيل مرو، يقال له: ابن دوال دوز، عامّيٌّ بتري، اختلفوا في شأنه، فبعضهم رفعوه فوق مقامه وبجَّلوه وقالوا: ما علم مقاتل بن سليمان في علم الناس إلَّا كالبحر الأخضر في سائر البحور، وبعضهم كذَّبوه وهجروه ورموه بالتجسيم، ففي تهذيب التهذيب عن أحمد بن سيَّار المروزي، قال: مقاتل متَّهم متروك الحديث مهجور القول، سمعت إسحاق إبراهيم يقول: أخبرني حمزة بن عميرة أنَّ خارجة مرَّ بمقاتل وهو يُحدِّث الناس، فقال: حدَّثنا أبو النضر - يعنى الكلبي -، قال: فمررت عليه مع الكلبي، فقال الكلبي: والله ما حدَّثته قطُّ بهذا، ثمّ دنا منه، فقال له: يا أبا الحسن، أنا أبو النضر وما حدَّثتك بهذا قطُّ، فقال مقاتل: اسكت يا أبا النضر فإنَّ تزيين الحديث لنا إنَّما هو بالرجال. وفيه قال أبو اليمان: قام مقاتل بن سليمان فقال: سلوني عمَّا دون العرش حتَّى أُخبركم به، فقال له يوسف السمتي: من حلق رأس آدم أوَّل ما حجَّ؟ قال: لا أدري. وفيه أيضاً عن العبَّاس بن الوليد بن مزيد، عن أبيه، قال: سألت مقاتل عن أشياء فكان يُحدِّثني بأحاديث كلّ واحد ينقض الآخر، فقلت: بأيِّها آخذ؟ قال: بأيِّها شئت. وقال ابن معين: إنَّه (يعني مقاتل) ليس بثقة. وقال عمرو بن عليٍّ: متروك الحديث كذَّاب. وقال ابن سعد: أصحاب الحديث يتَّقون حديثه ويُنكِرونه. وقال النسائي: كذَّاب. وفي موضع آخر: الكذَّابون المعروفون بوضع الحديث على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أربعة وعدَّ منهم مقاتل بن سليمان. (راجع: تهذيب التهذيب: ج 10/ ص 249 - 254/ الرقم 503). وعنونه العلَّامة (رحمه الله) في قسم الضعفاء من الخلاصة (ص 410/ الرقم 1)، وقال: (مقاتل بن سليمان من أصحاب الباقر (عليه السلام)، بتري، قاله الشيخ الطوسي (رحمه الله) والكشِّي. وقال البرقي: إنَّه عامّيٌّ).

(٣٣١)

اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «أَنَا سَيِّدُ النَّبِيِّينَ، وَوَصِيِّي سَيِّدُ الوَصِيِّينَ، وَأَوْصِيَاؤُهُ سَادَةُ الأَوْصِيَاءِ، إِنَّ آدَمَ (عليه السلام) سَأَلَ اللهَ (عزَّ وجلَّ) أَنْ يَجْعَلَ لَهُ وَصِيًّا صَالِحاً، فَأَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَيْهِ: أَنِّي أَكْرَمْتُ الأَنْبِيَاءَ بِالنُّبُوَّةِ، ثُمَّ اخْتَرْتُ خَلْقِي فَجَعَلْتُ خِيَارَهُمُ الأَوْصِيَاءَ، فَقَالَ آدَمُ (عليه السلام): يَا رَبِّ، فَاجْعَلْ وَصِيِّي خَيْرَ الأَوْصِيَاءِ، فَأَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَيْهِ: يَا آدَمُ، أَوْصِ إِلَى شَيْثٍ - وَهُوَ هِبَةُ اللهِ بْنُ آدَمَ -، فَأَوْصَى آدَمُ إِلَى شَيْثٍ، وَأَوْصَى شَيْثٌ إِلَى ابْنِهِ شَبَّانَ - وَهُوَ ابْنُ نَزْلَةَ الحَوْرَاءِ(563) الَّتِي أَنْزَلَهَا اللهُ (عزَّ وجلَّ) عَلَى آدَمَ مِنَ الجَنَّةِ فَزَوَّجَهَا شَيْثاً -، وَأَوْصَى شَبَّانُ إِلَى ابْنِهِ مجلث، وَأَوْصَى مجلث إِلَى محوق، وَأَوْصَى محوق إِلَى غثميشا، وَأَوْصَى غثميشا إِلَى أَخْنُوخَ - وَهُوَ إِدْرِيسُ النَّبِيُّ (عليه السلام) -، وَأَوْصَى إِدْرِيسُ إِلَى ناخور، وَدَفَعَهَا ناخور إِلَى نُوحٍ (عليه السلام)، وَأَوْصَى نُوحٌ إِلَى سَامٍ، وَأَوْصَى سَامٌ إِلَى عثامر، وَأَوْصَى عَثَامِرُ إِلَى بَرْعَيْثَاشَا، وَأَوْصَى بَرْعَيْثَاشَا إِلَى يَافِثَ، وَأَوْصَى يَافِثُ إِلَى بَرَّةَ، وَأَوْصَى بَرَّةُ إِلَى جَفِيسَةَ(564)، وَأَوْصَى جَفِيسَةُ إِلَى عِمْرَانَ، وَدَفَعَهَا عِمْرَانُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ الخَلِيلِ (عليه السلام)، وَأَوْصَى إِبْرَاهِيمُ إِلَى ابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ، وَأَوْصَى إِسْمَاعِيلُ إِلَى إِسْحَاقَ، وَأَوْصَى إِسْحَاقُ إِلَى يَعْقُوبَ، وَأَوْصَى يَعْقُوبُ إِلَى يُوسُفَ، وَأَوْصَى يُوسُفُ إِلَى بَثْرِيَاءَ، وَأَوْصَى بَثْرِيَاءُ إِلَى شُعَيْبٍ، وَأَوْصَى شُعَيْبٌ إِلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَأَوْصَى مُوسَى إِلَى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، وَأَوْصَى يُوشَعُ إِلَى دَاوُدَ(565)، وَأَوْصَى دَاوُدُ إِلَى سُلَيْمَانَ، وَأَوْصَى سُلَيْمَانُ إِلَى آصَفَ بْنِ بَرْخِيَا، وَأَوْصَى آصَفُ بْنُ بَرْخِيَا إِلَى زَكَرِيَّا، وَدَفَعَهَا زَكَرِيَّا إِلَى عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ (عليه السلام)، وَأَوْصَى عِيسَى إِلَى شَمْعُونَ بْنِ حَمُّونَ الصَّفَا، وَأَوْصَى شَمْعُونُ إِلَى يَحْيَى بْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(563) في بعض النُّسَخ: (هو ابن له من الحوراء).
(564) في بعض النُّسَخ والفقيه: (جفسية).
(565) مضطرب لأنَّ بين يوشع بن نون وداود (عليهما السلام) أزيد من ثلاثمائة عام، فإنَّ خروج بني إسرائيل من مصر في عام (1500) قبل الميلاد، وكان داود (عليه السلام) في (1000) قبل الميلاد، فكيف يُوصي يوشع إلى داود؟ والبلاء من مقاتل بن سليمان العامِّي البتري.

(٣٣٢)

زَكَرِيَّا(566)، وَأَوْصَى يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا إِلَى مُنْذِرٍ، وَأَوْصَى مُنْذِرٌ إِلَى سُلَيْمَةَ، وَأَوْصَى سُلَيْمَةُ إِلَى بُرْدَةَ».
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «وَدَفَعَهَا إِلَيَّ بُرْدَةُ، وَأَنَا أَدْفَعُهَا إِلَيْكَ يَا عَلِيُّ، وَأَنْتَ تَدْفَعُهَا إِلَى وَصِيِّكَ، وَيَدْفَعُهَا وَصِيُّكَ إِلَى أَوْصِيَائِكَ مِنْ وُلْدِكَ، وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى تُدْفَعَ إِلَى خَيْرِ أَهْلِ الأَرْضِ بَعْدَكَ، وَلَتَكْفُرَنَّ بِكَ الأُمَّةُ، وَلَتَخْتَلِفَنَّ عَلَيْكَ اخْتِلَافاً شَدِيداً، الثَّابِتُ عَلَيْكَ كَالمُقِيمِ مَعِي، وَالشَّاذُّ عَنْكَ فِي النَّارِ، وَالنَّارُ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ»(567).
[72/2] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الهَمَدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ البَاقِرِ (عليهما السلام)، قَالَ: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى عَهِدَ إِلَى آدَمَ (عليه السلام) أَنْ لَا يَقْرَبَ الشَّجَرَةَ، فَلَمَّا بَلَغَ الوَقْتُ الَّذِي كَانَ فِي عِلْمِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا نَسِيَ فَأَكَلَ مِنْهَا، وَهُوَ قَوْلُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾ [طه: 115]، فَلَمَّا أَكَلَ آدَمُ مِنَ الشَّجَرَةِ أُهْبِطَ إِلَى الأَرْضِ، فَوُلِدَ لَهُ هَابِيلُ وَأُخْتُهُ تَوْأَماً، وَوُلِدَ لَهُ قَابِيلُ وَأُخْتُهُ تَوْأَماً، ثُمَّ إِنَّ آدَمَ أَمَرَ هَابِيلَ وَقَابِيلَ أَنْ يُقَرِّبَا قُرْبَاناً، وَكَانَ هَابِيلُ صَاحِبَ غَنَمٍ، وَكَانَ قَابِيلُ صَاحِبَ زَرْعٍ، فَقَرَّبَ هَابِيلُ كَبْشاً، وَقَرَّبَ قَابِيلُ مِنْ زَرْعِهِ مَا لَمْ يُنَقَّ، وَكَانَ كَبْشُ هَابِيلَ مِنْ أَفْضَلِ غَنَمِهِ، وَكَانَ زَرْعُ قَابِيلَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(566) وهذا أيضاً خلاف ما وقع، وإنَّما قُتِلَ يحيى في أيَّام عيسى (عليه السلام) على التحقيق.
(567) رواه المصنِّف (رحمه الله) في أماليه (ص 486 - 488/ ح 661/3)، وفي من لا يحضره الفقيه (ج 4/ ص 174 - 177/ ح 5402)، وابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 21 - 23/ ح 1)، والطوسي (رحمه الله) في أماليه (ص 442 و443/ ح 991/48)، ومحمّد بن أبي القاسم الطبري (رحمه الله) في بشارة المصطفى (ص 136 و137/ ح 87)، والراوندي (رحمه الله) في قَصص الأنبياء (ص 369 و370/ ح 478).

(٣٣٣)

غَيْرَ مُنَقًّى، فَتُقُبِّلَ قُرْبَانُ هَابِيلَ، وَلَمْ يُتَقَبَّلْ قُرْبَانُ قَابِيلَ، وَهُوَ قَوْلُ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ...﴾ الآية [المائدة: 27]، وَكَانَ القُرْبَانُ إِذَا قُبِلَ تَأْكُلُهُ النَّارُ، فَعَمَدَ قَابِيلُ إِلَى النَّارِ فَبَنَى لَهَا بَيْتاً، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ بَنَى لِلنَّارِ البُيُوتَ، وَقَالَ: لَأَعْبُدَنَّ هَذِهِ النَّارَ حَتَّى يُتَقَبَّلَ قُرْبَانِي، ثُمَّ إِنَّ عَدُوَّ اللهِ إِبْلِيسَ قَالَ لِقَابِيلَ: إِنَّهُ قَدْ تُقُبِّلَ قُرْبَانُ هَابِيلَ وَلَمْ يُتَقَبَّلْ قُرْبَانُكَ، فَإِنْ تَرَكْتَهُ يَكُونُ لَهُ عَقِبٌ يَفْتَخِرُونَ عَلَى عَقِبِكَ، فَقَتَلَهُ قَابِيلُ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى آدَمَ (عليه السلام) قَالَ لَهُ: يَا قَابِيلُ، أَيْنَ هَابِيلُ؟ فَقَالَ: مَا أَدْرِي، وَمَا بَعَثْتَنِي لَهُ رَاعِياً، فَانْطَلَقَ آدَمُ، فَوَجَدَ هَابِيلَ مَقْتُولاً، فَقَالَ: لُعِنْتِ مِنْ أَرْضٍ كَمَا قَبِلْتِ دَمَ هَابِيلَ، فَبَكَى آدَمُ عَلَى هَابِيلَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ إِنَّ آدَمَ (عليه السلام) سَأَلَ رَبَّهُ (عزَّ وجلَّ) أَنْ يَهَبَ لَهُ وَلَداً، فَوُلِدَ لَهُ غُلَامٌ، فَسَمَّاهُ هِبَةَ اللهِ، لِأَنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) وَهَبَهُ لَهُ، فَأَحَبَّهُ آدَمُ حُبًّا شَدِيداً، فَلَمَّا انْقَضَتْ نُبُوَّةُ آدَمَ (عليه السلام) وَاسْتُكْمِلَتْ أَيَّامُهُ أَوْحَى اللهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنْ يَا آدَمُ إِنَّهُ قَدِ انْقَضَتْ نُبُوَّتُكَ وَاسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ، فَاجْعَلِ العِلْمَ الَّذِي عِنْدَكَ وَالإِيمَانَ وَالاِسْمَ الأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ العِلْمِ وَآثَارَ النُّبُوَّةِ فِي العَقِبِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ عِنْدَ ابْنِكَ هِبَةِ اللهِ فَإِنِّي لَنْ أَقْطَعَ العِلْمَ وَالإِيمَانَ وَالاِسْمَ الأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ العِلْمِ وَآثَارَ النُّبُوَّةِ فِي العَقِبِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَلَنْ أَدَعَ الأَرْضَ إِلَّا وَفِيهَا عَالِمٌ يُعْرَفُ بِهِ دِينِي وَيُعْرَفُ بِهِ طَاعَتِي وَيَكُونُ نَجَاةً لِمَنْ يُولَدُ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ نُوحٍ، وَذَكَرَ آدَمُ (عليه السلام) نُوحاً (عليه السلام) وَقَالَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى بَاعِثٌ نَبِيًّا اسْمُهُ نُوحٌ، وَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ) فَيُكَذِّبُونَهُ، فَيَقْتُلُهُمُ اللهُ بِالطُّوفَانِ، وَكَانَ بَيْنَ آدَمَ وَبَيْنَ نُوحٍ (عليه السلام) عَشَرَةُ آبَاءٍ، كُلُّهُمْ أَنْبِيَاءُ اللهِ، وَأَوْصَى آدَمُ إِلَى هِبَةِ اللهِ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيُؤْمِنْ بِهِ وَلْيَتَّبِعْهُ وَلْيُصَدِّقْ بِهِ فَإِنَّهُ يَنْجُو مِنَ الغَرَقِ.
ثُمَّ إِنَّ آدَمَ (عليه السلام) لَـمَّا مَرِضَ المَرْضَةَ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا أَرْسَلَ إِلَى هِبَةِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ: إِنْ لَقِيتَ جَبْرَئِيلَ أَوْ مَنْ لَقِيتَ مِنَ المَلَائِكَةِ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: يَا

(٣٣٤)

جَبْرَئِيلُ، إِنَّ أَبِي يَسْتَهْدِيكَ مِنْ ثِمَارِ الجَنَّةِ، فَفَعَلَ، فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ: يَا هِبَةَ اللهِ، إِنَّ أَبَاكَ قَدْ قُبِضَ وَمَا نَزَلْتُ إِلَّا لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَارْجِعْ، فَرَجَعَ فَوَجَدَ أَبَاهُ قَدْ قُبِضَ، فَأَرَاهُ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) كَيْفَ يُغَسِّلُهُ، فَغَسَّلَهُ حَتَّى إِذَا بَلَغَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ قَالَ هِبَةُ اللهِ: يَا جَبْرَئِيلُ تَقَدَّمْ فَصَلِّ عَلَى آدَمَ، فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام): يَا هِبَةَ اللهِ، إِنَّ اللهَ أَمَرَنَا أَنْ نَسْجُدَ لِأَبِيكَ فِي الجَنَّةِ، فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَؤُمَّ أَحَداً مِنْ وُلْدِهِ، فَتَقَدَّمَ هِبَةُ اللهِ فَصَلَّى عَلَى آدَمَ وَجَبْرَئِيلُ خَلْفَهُ وَحِزْبٌ مِنَ المَلَائِكَةِ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً بِأَمْرِ جَبْرَئِيلَ، فَرُفِعَ مِنْ ذَلِكَ خَمْساً وَعِشْرُونَ تَكْبِيرَةً وَالسُّنَّةُ فِينَا اليَوْمَ خَمْسُ تَكْبِيرَاتٍ، وَقَدْ كَانَ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يُكَبِّرُ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ سَبْعاً وَتِسْعاً.
ثُمَّ إِنَّ هِبَةَ اللهِ لَـمَّا دَفَنَ آدَمَ أَبَاهُ أَتَاهُ قَابِيلُ فَقَالَ لَهُ: يَا هِبَةَ اللهِ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آدَمَ أَبِي خَصَّكَ مِنَ العِلْمِ بِمَا لَمْ أُخَصَّ بِهِ، وَهُوَ العِلْمُ الَّذِي دَعَا بِهِ أَخُوكَ هَابِيلُ فَتُقُبِّلَ قُرْبَانُهُ، وَإِنَّمَا قَتَلْتُهُ لِكَيْلَا يَكُونَ لَهُ عَقِبٌ فَيَفْتَخِرُونَ عَلَى عَقِبِي، فَيَقُولُونَ: نَحْنُ أَبْنَاءُ الَّذِي تُقُبِّلَ قُرْبَانُهُ، وَأَنْتُمْ أَبْنَاءُ الَّذِي لَمْ يُتَقَبَّلْ قُرْبَانُهُ، فَإِنَّكَ إِنْ أَظْهَرْتَ مِنَ العِلْمِ الَّذِي اخْتَصَّكَ بِهِ أَبُوكَ شَيْئاً قَتَلْتُكَ كَمَا قَتَلْتُ أَخَاكَ هَابِيلَ.
فَلَبِثَ هِبَةُ اللهِ وَالعَقِبُ مِنْهُ مُسْتَخْفِينَ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْمِ وَالإِيمَانِ وَالاِسْمِ الأَكْبَرِ وَمِيرَاثِ العِلْمِ وَآثَارِ عِلْمِ النُّبُوَّةِ حَتَّى بُعِثَ نُوحٌ وَظَهَرَتْ وَصِيَّةُ هِبَةِ اللهِ حِينَ نَظَرُوا فِي وَصِيَّةِ آدَمَ، فَوَجَدُوا نُوحاً (عليه السلام) قَدْ بَشَّرَ بِهِ أَبُوهُمْ آدَمُ، فَآمَنُوا بِهِ وَاتَّبَعُوهُ وَصَدَّقُوهُ، وَقَدْ كَانَ آدَمُ وَصَّى هِبَةَ اللهِ أَنْ يَتَعَاهَدَ هَذِهِ الوَصِيَّةَ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ سَنَةٍ، فَيَكُونَ يَوْمَ عِيدٍ لَهُمْ، فَيَتَعَاهَدُونَ بَعْثَ نُوحٍ (عليه السلام) فِي زَمَانِهِ الَّذِي بُعِثَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ جَرَى فِي وَصِيَّةِ كُلِّ نَبِيٍّ حَتَّى بَعَثَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلَّم).
وَإِنَّمَا عَرَفُوا نُوحاً بِالعِلْمِ الَّذِي عِنْدَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ...﴾ الآية [هود: 25]، وَكَانَ مَا بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ

(٣٣٥)

مُسْتَخْفِينَ وَمُسْتَعْلِنِينَ، وَلِذَلِكَ خَفِيَ ذِكْرُهُمْ فِي القُرْآنِ فَلَمْ يُسَمَّوْا كَمَا سُمِّيَ مَنِ اسْتَعْلَنَ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ﴾ [النساء: 164]، يَعْنِي مَنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ مِنَ المُسْتَخْفِينَ كَمَا سَمَّى المُسْتَعْلِنِينَ مِنَ الأَنْبِيَاءِ.
فَمَكَثَ نُوحٌ (عليه السلام) فِي قَوْمِهِ الفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً لَمْ يُشَارِكْهُ فِي نُبُوَّتِهِ أَحَدٌ، وَلَكِنَّهُ قَدِمَ عَلَى قَوْمٍ مُكَذِّبِينَ لِلْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: 105]، يَعْنِي مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الشعراء: 122].
ثُمَّ إِنَّ نُوحاً لَـمَّا انْقَضَتْ نُبُوَّتُهُ وَاسْتُكْمِلَتْ أَيَّامُهُ أَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَيْهِ: يَا نُوحُ، إِنَّهُ قَدِ انْقَضَتْ نُبُوَّتُكَ وَاسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ، فَاجْعَلِ العِلْمَ الَّذِي عِنْدَكَ وَالإِيمَانَ وَالاِسْمَ الأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ العِلْمِ وَآثَارَ النُّبُوَّةِ فِي العَقِبِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ عِنْدَ سَامٍ، فَإِنِّي لَنْ أَقْطَعَهَا مِنْ بُيُوتَاتِ الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ آدَمَ، وَلَنْ أَدَعَ الأَرْضَ إِلَّا وَفِيهَا عَالِمٌ يُعْرَفُ بِهِ دِينِي وَتُعْرَفُ بِهِ طَاعَتِي وَيَكُونُ نَجَاةً لِمَنْ يُولَدُ فِيمَا بَيْنَ قَبْضِ النَّبِيِّ إِلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ الآخَرِ، وَلَيْسَ بَعْدَ سَامٍ إِلَّا هُودٌ، فَكَانَ مَا بَيْنَ نُوحٍ وَهُودٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ مُسْتَخْفِينَ وَمُسْتَعْلِنِينَ، وَقَالَ نُوحٌ: إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَاعِثٌ نَبِيّاً يُقَالُ لَهُ: هُودٌ، وَإِنَّهُ يَدْعُو قَوْمَهُ إِلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ) فَيُكَذِّبُونَهُ، وَإِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) مُهْلِكُهُمْ بِالرِّيحِ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيُؤْمِنْ بِهِ وَلْيَتَّبِعْهُ فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُنَجِّيهِ مِنْ عَذَابِ الرِّيحِ، وَأَمَرَ نُوحٌ ابْنَهُ سَامَ أَنْ يَتَعَاهَدَ هَذِهِ الوَصِيَّةَ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ سَنَةٍ، وَيَكُونَ يَوْمَ عِيدٍ لَهُمْ، فَيَتَعَاهَدُونَ فِيهِ بَعْثَ هُودٍ وَزَمَانَهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ، فَلَمَّا بَعَثَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هُوداً نَظَرُوا فِيمَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْمِ وَالإِيمَانِ وَمِيرَاثِ العِلْمِ وَالاِسْمِ الأَكْبَرِ وَآثَارِ عِلْمِ النُّبُوَّةِ، فَوَجَدُوا هُوداً نَبِيًّا وَقَدْ بَشَّرَهُمْ بِهِ أَبُوهُمْ نُوحٌ،

(٣٣٦)

فَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ وَاتَّبَعُوهُ فَنَجَوْا مِنْ عَذَابِ الرِّيحِ، وَهُوَ قَوْلُ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً﴾ [الأعراف: 65]، وَقَوْلُهُ: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ المُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ [الشعراء: 123 و124]، وَقَالَ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ﴾ [البقرة: 132]، وقَوْلُهُ: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا﴾ لِنَجْعَلَهَا فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، ﴿وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ﴾ [الأنعام: 84]، لِنَجْعَلَهَا فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، فَآمَنَ العَقِبُ مِنْ ذُرِّيَّةِ الأَنْبِيَاءِ مَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ إِبْرَاهِيمَ لِإِبْرَاهِيمَ (عليه السلام)، وَكَانَ بَيْنَ هُودٍ وَإِبْرَاهِيمَ مِنَ الأَنْبِيَاءِ عَشَرَةُ أَنْبِيَاءَ، وَهُوَ قَوْلُهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: 89]، وَقَوْلُهُ: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾ [العنكبوت: 26]، وَقَوْلُ إِبْرَاهِيمَ: ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الصافَّات: 99]، وَقَوْلُهُ (جَلَّ وَعَزَّ): ﴿وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [العنكبوت: 16]، فَجَرَى بَيْنَ كُلِّ نَبِيٍّ وَنَبِيٍّ عَشَرَةُ آبَاءٍ وَتِسْعَةُ آبَاءٍ وَثَمَانِيَةُ آبَاءٍ كُلُّهُمْ أَنْبِيَاءُ، وَجَرَى لِكُلِّ نَبِيٍّ مَا جَرَى لِنُوحٍ وَكَمَا جَرَى لِآدَمَ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَشُعَيْبٍ وَإِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) حَتَّى انْتَهَى إِلَى يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام)، ثُمَّ صَارَتْ بَعْدَ يُوسُفَ فِي الأَسْبَاطِ إِخْوَتِهِ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَكَانَ بَيْنَ يُوسُفَ وَمُوسَى (عليهما السلام) عَشَرَةٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَأَرْسَلَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ، ثُمَّ أَرْسَلَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) الرُّسُلَ تَتْرَى ﴿كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ﴾ [المؤمنون: 44]، وَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَقْتُلُ فِي اليَوْمِ نَبِيَّيْنِ وَثَلَاثَةً وَأَرْبَعَةً حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يُقْتَلُ فِي اليَوْمِ الوَاحِدِ سَبْعُونَ نَبِيًّا وَيَقُومُ سُوقُ قَتْلِهِمْ فِي آخِرِ النَّهَارِ، فَلَمَّا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ عَلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ (عليه السلام) تُبَشِّرُ بِمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم).
وَكَانَ بَيْنَ يُوسُفَ وَمُوسَى (عليهما السلام) مِنَ الأَنْبِيَاءِ عَشَرَةٌ، وَكَانَ وَصِيُّ مُوسَى بْنِ

(٣٣٧)

عِمْرَانَ يُوشَعَ بْنَ نُونٍ، وَهُوَ فَتَاهُ الَّذِي قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ(568)، فَلَمْ تَزَلِ الأَنْبِيَاءُ (عليهم السلام) تُبَشِّرُ بِمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يَجِدُونَهُ﴾ يَعْنِي اليَهُودَ وَالنَّصَارَى ﴿مَكْتُوباً﴾ يَعْنِي صِفَةَ مُحَمَّدٍ وَاسْمَهُ، ﴿عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ﴾، وَهُوَ قَوْلُ اللهِ (عزَّ وجلَّ) يَحْكِي عَنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ: ﴿وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف: 6]، فَبَشَّرَ مُوسَى وَعِيسَى (عليهما السلام) بِمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كَمَا بَشَّرَتِ الأَنْبِيَاءُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً حَتَّى بَلَغَتْ مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فَلَمَّا قَضَى مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) نُبُوَّتَهُ وَاسْتُكْمِلَتْ أَيَّامُهُ أَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَيْهِ أَنْ يَا مُحَمَّدُ قَدْ قَضَيْتَ نُبُوَّتَكَ وَاسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ فَاجْعَلِ العِلْمَ الَّذِي عِنْدَكَ وَالإِيمَانَ وَالاِسْمَ الأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ العِلْمِ وَآثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، فَإِنِّي لَنْ أَقْطَعَ العِلْمَ وَالإِيمَانَ وَالاِسْمَ الأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ العِلْمِ وَآثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ مِنَ العَقِبِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ كَمَا لَمْ أَقْطَعْهَا مِنْ بُيُوتَاتِ الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَبِيكَ آدَمَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى العَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 33 و34]، فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَجْعَلِ العِلْمَ جَهْلاً، وَلَمْ يَكِلْ أَمْرَهُ إِلَى مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، وَلَكِنَّهُ أَرْسَلَ رَسُولاً مِنْ مَلَائِكَتِهِ إِلَى نَبِيِّهِ، فَقَالَ لَهُ كَذَا وَكَذَا، وَأَمَرَهُ بِمَا يُحِبُّ، وَنَهَاهُ عَمَّا يُنْكِرُ، فَقَصَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ وَمَا خَلْفَهُ بِعِلْمٍ، فَعَلَّمَ ذَلِكَ العِلْمَ أَنْبِيَاءَهُ وَأَصْفِيَاءَهُ مِنَ الآبَاءِ وَالإِخْوَانِ بِالذُّرِّيَّةِ الَّتِي بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً﴾ [النساء: 54]، فَأَمَّا الكِتَابُ فَالنُّبُوَّةُ، وَأَمَّا الحِكْمَةُ فَهُمُ الحُكَمَاءُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالأَصْفِيَاءِ مِنَ الصَّفْوَةِ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مِنَ الذُّرِّيَّةِ الَّتِي بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(568) في سورة (الكهف: 60): ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ﴾.

(٣٣٨)

الَّذِينَ جَعَلَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) فِيهِمُ النُّبُوَّةَ وَفِيهِمُ العَاقِبَةُ وَحِفْظُ المِيثَاقِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الدُّنْيَا، فَهُمُ العُلَمَاءُ وَوُلَاةُ الأَمْرِ وَأَهْلُ اسْتِنْبَاطِ العِلْمِ وَالهُدَاةُ، فَهَذَا بَيَانُ الفَضْلِ فِي الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ وَالحُكَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الهُدَى وَالخُلَفَاءِ الَّذِينَ هُمْ وُلَاةُ أَمْرِ اللهِ وَأَهْلُ اسْتِنْبَاطِ عِلْمِ اللهِ وَأَهْلُ آثَارِ عِلْمِ اللهِ (عزَّ وجلَّ) مِنَ الذُّرِّيَّةِ الَّتِي بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ مِنَ الصَّفْوَةِ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ مِنَ الآلِ وَالإِخْوَانِ وَالذُّرِّيَّةِ مِنْ بُيُوتَاتِ الأَنْبِيَاءِ، فَمَنْ عَمِلَ بِعَمَلِهِمْ وَانْتَهَى إِلَى أَمْرِهِمْ نَجَا بِنَصْرِهِمْ، وَمَنْ وَضَعَ وَلَايَةَ اللهِ وَأَهْلَ اسْتِنْبَاطِ عِلْمِ اللهِ فِي غَيْرِ أَهْلِ الصَّفْوَةِ مِنْ بُيُوتَاتِ الأَنْبِيَاءِ فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَجَعَلَ الجُهَّالَ وُلَاةَ أَمْرِ اللهِ وَالمُتَكَلِّفِينَ بِغَيْرِ هُدًى، وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ أَهْلُ اسْتِنْبَاطِ عِلْمِ اللهِ، فَكَذَّبُوا عَلَى اللهِ وَزَاغُوا(569) عَنْ وَصِيَّةِ اللهِ وطَاعَتِهِ، فَلَمْ يَضَعُوا فَضْلَ اللهِ حَيْثُ وَضَعَهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا أَتْبَاعَهُمْ، فَلَا تَكُونُ(570) لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ حُجَّةٌ، إِنَّمَا الحُجَّةُ فِي آلِ إِبْرَاهِيمَ، لِقَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً﴾ [النساء: 54]، فَالحُجَّةُ الأَنْبِيَاءُ وَأَهْلُ بُيُوتَاتِ الأَنْبِيَاءِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، لِأَنَّ كِتَابَ اللهِ يَنْطِقُ بِذَلِكَ وَوَصِيَّةَ اللهِ جَرَتْ بِذَلِكَ فِي العَقِبِ مِنَ البُيُوتِ الَّتِي رَفَعَهَا اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ [النور: 36]، وهِيَ بُيُوتَاتُ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالحُكَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الهُدَى، فَهَذَا بَيَانُ عُرْوَةِ الإِيمَانِ الَّتِي بِهَا نَجَا مَنْ نَجَا قَبْلَكُمْ، وَبِهَا يَنْجُو مَنِ اتَّبَعَ الأَئِمَّةَ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ: ﴿وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَاليَاسَ كُلٌّ مِنَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(569) الزيغ: الميل عن الحقِّ. وفي بعض النُّسَخ: (فقد كذَّبوا...).
(570) في بعض النُّسَخ: (ولم تكن).

(٣٣٩)

الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَاليَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى العَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * [ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ *] أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ وَالحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكافِرِينَ﴾ [الأنعام: 84 - 89]، فَإِنَّهُ وَكَّلَ بِالفَضْلِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ مِنَ الآبَاءِ وَالإِخْوَانِ وَالذُّرِّيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ اللهِ (عزَّ وجلَّ) فِي كِتَابِهِ: ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا﴾ أُمَّتُكَ ﴿فَقَدْ وَكَّلْنَا﴾ أَهْلَ بَيْتِكَ بِالإِيمَانِ الَّذِي أَرْسَلْتُكَ بِهِ، فَلَا يَكْفُرُونَ بِهَا أَبَداً، وَلَا أُضِيعُ الإِيمَانَ الَّذِي أَرْسَلْتُكَ بِهِ، وَجَعَلْتُ أَهْلَ بَيْتِكَ بَعْدَكَ عَلَماً عَلَى أُمَّتِكَ(571) وَوُلَاةً مِنْ بَعْدِكَ وَأَهْلَ اسْتِنْبَاطِ عِلْمِيَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ كَذِبٌ وَلَا إِثْمٌ وَلَا وِزْرٌ وَلَا بَطَرٌ وَلَا رِيَاءٌ، فَهَذَا تِبْيَانُ مَا بَيَّنَهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) مِنْ أَمْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، إِنَّ اللهَ تَعَالَى طَهَّرَ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّهِ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجْرَ المَوَدَّةِ وَأَجْرَى لَهُمُ الوَلَايَةَ وَجَعَلَهُمْ أَوْصِيَاءَهُ وَأَحِبَّاءَهُ وَأَئِمَّتَهُ بَعْدَهُ فِي أُمَّتِهِ(572)، فَاعْتَبِرُوا أَيُّهَا النَّاسُ فِيمَا قُلْتُ، وَتَفَكَّرُوا حَيْثُ وَضَعَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) وَلَايَتَهُ وَطَاعَتَهُ وَمَوَدَّتَهُ وَاسْتِنْبَاطَ عِلْمِهِ وَحُجَّتَهُ، فَإِيَّاهُ فَتَعَلَّمُوا، وَبِهِ فَاسْتَمْسِكُوا تَنْجُوا، وَتَكُونُ لَكُمْ بِهِ حُجَّةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالفَوْزُ، فَإِنَّهُمْ صِلَةُ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ، وَلَا تَصِلُ الوَلَايَةُ إِلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ) إِلَّا بِهِمْ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ) أَنْ يُكْرِمَهُ وَلَا يُعَذِّبَهُ، وَمَنْ يَأْتِ اللهَ بِغَيْرِ مَا أَمَرَهُ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُذِلَّهُ وَيُعَذِّبَهُ»(573).
وإنَّ الأنبياء بُعثوا خاصَّة وعامَّة، فأمَّا نوح فإنَّه أُرسل إلى من في الأرض بنبوَّة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(571) في بعض النُّسَخ: (بعدك علماء أُمَّتك)، وفي بعضها: (بعدك علماء عنك وولاة...) إلخ.
(572) في بعض النُّسَخ: (وحُجَجه ثابتة بعده في أُمَّته).
(573) هنا تمام الخبر كما في الكافي (ج 8/ ص 113 - 120/ ح 92)، والظاهر أنَّ الباقي من كلام المؤلِّف أخذه من الأخبار.

(٣٤٠)

عامَّة ورسالة عامَّة، وأمَّا هود فإنَّه أُرسل إلى عاد بنبوَّة خاصَّة، وأمَّا صالح فإنَّه أُرسل إلى ثمود وهي قرية واحدة لا تُكمِل أربعين بيتاً على ساحل البحر صغيرة(574)، وأمَّا شعيب فإنَّه أُرسل إلى مدين وهي لا تُكمِل أربعين بيتاً، وأمَّا إبراهيم نبوَّته بكوثى ربَّا وهي قرية من قرى السواد فيها بدأ أوَّل أمره، ثمّ هاجر منها وليست بهجرة قتال، وذلك قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الصافَّات: 99]، فكانت هجرة إبراهيم بغير قتال، وأمَّا إسحاق فكانت نبوَّته بعد إبراهيم، وأمَّا يعقوب فكانت نبوَّته بأرض كنعان، ثمّ هبط إلى أرض مصر فتُوفِّي بها، ثمّ حُمِلَ بعد ذلك جسده حتَّى دُفِنَ بأرض كنعان، والرؤيا التي رأى يوسف الأحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ساجدين، فكانت نبوَّته في أرض مصر بدؤها، ثمّ إنَّ الله تبارك وتعالى أرسل الأسباط اثني عشر بعد يوسف، ثمّ موسى وهارون إلى فرعون وملئه إلى مصر وحدها، ثمّ إنَّ الله تبارك وتعالى أرسل يوشع بن نون إلى بني إسرائيل من بعد موسى، فنبوَّته بدؤها في البرّيَّة التي تاه فيها بنو إسرائيل، ثمّ كانت أنبياء كثيرون منهم من قصَّه الله (عزَّ وجلَّ) على محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ومنهم من لم يقصّه على محمّد، ثمّ إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) أرسل عيسى (عليه السلام) إلى بني إسرائيل خاصَّة، فكانت نبوَّته ببيت المقدس، وكان من بعده الحواريُّون اثنا عشر، فلم يزل الإيمان يستسرُّ في بقيَّة أهله منذ رفع الله (عزَّ وجلَّ) عيسى (عليه السلام) وأرسل الله (عزَّ وجلَّ) محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى الجنِّ والإنس عامَّة، وكان خاتم الأنبياء، وكان من بعده الاثنا عشر الأوصياء، منهم من أدركنا ومنهم من سبقنا، ومنهم من بقي، فهذا أمر النبوَّة والرسالة، فكلُّ نبيِّ أُرسل إلى بني إسرائيل خاصٌّ أو عامٌّ له وصيٌّ جرت به السُّنَّة، وكان الأوصياء الذين بعد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) على سُنَّة أوصياء عيسى (عليه السلام)، وكان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) على سُنَّة المسيح (عليه السلام)، فهذا تبيان السُّنَّة وأمثال الأوصياء بعد الأنبياء (عليهم السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(574) أي بيوتاً صغيرة.

(٣٤١)

[73/3] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي الحَسَنِ الأَوَّلِ - يَعْنِي مُوسَى ابْنَ جَعْفَرٍ (عليهما السلام) -، قَالَ: «مَا تَرَكَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) الأَرْضَ بِغَيْرِ إِمَامٍ قَطُّ مُنْذُ قُبِضَ آدَمُ (عليه السلام) يَهْتَدِي بِهِ إِلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ)، وَهُوَ الحُجَّةُ عَلَى العِبَادِ، مَنْ تَرَكَهُ ضَلَّ(575)، ومَنْ لَزِمَهُ نَجَا، حَقًّا عَلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ)».
[74/4] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى العَطَّارُ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ المَدَائِنِيِّ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُوسَى السَّابَاطِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ: «لَمْ تَخْلُ الأَرْضُ مُنْذُ كَانَتْ مِنْ حُجَّةٍ عَالِمٍ يُحْيِي فِيهَا مَا يُمِيتُونَ مِنَ الحَقِّ»، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الآيَةَ: «﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ﴾ [الصفّ: 8]»(576).
[75/5] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الهَيْثَمِ بْنِ أَبِي مَسْرُوقٍ النَّهْدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ البَرْقِيِّ، عَنْ خَلَفِ بْنِ حَمَّادٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «الحُجَّةُ قَبْلَ الخَلْقِ، ومَعَ الخَلْقِ، وَبَعْدَ الخَلْقِ»(577)،(578).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(575) في بعض النُّسَخ: (هلك).
(576) رواه الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 507/ ج 10/ باب 10/ ح 17).
(577) رواه الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 507/ ج 10/ باب 11/ ح 1)، وابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 135/ ح 149)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 177/ باب أنَّ الحجَّة لا تقوم لله على خلقه إلَّا بإمام/ ح 4)، والمفيد (رحمه الله) في الاختصاص (ص 23)، وليس فيه: (وبعد الخلق)، وابن حمزة (رحمه الله) في الثاقب في المناقب (ص 117).
(578) قال المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 5/ ص 121): (قوله : «الحجَّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق»، الحجَّة قبل الخلق في الميثاق، ومع الخلق في هذه الدار، وبعد الخلق في دار الآخرة والبرزخ، ويحتمل أنْ يُراد بالحجَّة قبل الخلق آدم وبالحجَّة بعد الخلق الصاحب المنتظر لأنَّه آخر مَنْ يموت وبالحجَّة مع الخلق سائر الأنبياء والأوصياء. وبالجملة هذا الحديث يفيد أنَّه لا بدَّ لله تعالى من حجَّة على الخلق حتَّى إنَّ لزمانهم بداية ونهاية وما بينهما لا يخلو منه، فمن زعم أنَّ الزمان خالٍ منه فهو ضالٌّ مضلٌّ وميتته ميتة جاهليَّة).
وقال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 2/ ص 294): (الحجَّة: البرهان، والمراد بها هنا الإمام (عليه السلام)، إذ به تقوم حجَّة الله على الخلق. (قبل الخلق): أي قبل جميعهم من المكلَّفين كآدم (عليه السلام)، إذ كان قبل خلق حوَّاء وخلق ذرّيَّته. (ومع الخلق): لعدم خلو الأرض من الإمام، وبعدهم إذ القائم أو أمير المؤمنين (عليهما السلام) آخر من يموت من الخلق، أو يكون الحجَّة قبل كلِّ أحد ومعه وبعده، وقيل: حجّيَّة الحجَّة قبل إيجاد الخلق في الميثاق، ومعهم في الدنيا، وبعد موتهم في القيامة. وأقول: يحتمل على بعد أنْ يكون المعنى: هو قبل الخلق بالعلّيَّة، ومعهم بالزمان، وبعدهم بالغائيَّة، ولعلَّ المصنِّف (رحمه الله) حمله علي المعنى الثالث).

(٣٤٢)

[76/6] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ سُلَيْمٍ مَوْلَى طِرْبَالٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ الأَرْضَ لَمْ تَخْلُ إِلَّا وَفِيهَا عَالِمٌ، كَيْمَا إِنْ زَادَ المُسْلِمُونَ شَيْئاً رَدَّهُمْ إِلَى الحَقِّ، وَإِنْ نَقَصُوا شَيْئاً تَمَّمَهُ لَهُمْ»(579).
[77/7] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الحَسَنِ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، أَنَّ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قَالَ: «إِنَّ فِي كُلِّ خَلَفٍ مِنْ أُمَّتِي عَدْلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَنْفِي عَنْ هَذَا الدِّينِ تَحْرِيفَ الغَالِينَ وَانْتِحَالَ المُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الجَاهِلِينَ، وَإِنَّ أَئِمَّتَكُمْ قَادَتُكُمْ إِلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ)، فَانْظُرُوا بِمَنْ تَقْتَدُونَ فِي دِينِكُمْ وَصَلَاتِكُمْ»(580).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(579) رواه الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 351/ ج 7/ باب 10/ ح 2) بسند آخر.
(580) روى قريباً منه الحميري (رحمه الله) في قرب الإسناد (ص 77/ ح 250)، والكراجكي (رحمه الله) في كنز الفوائد (ص 152).

(٣٤٣)

[78/8] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الخَطَّابِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الحَجَّالِ، عَنْ حَمَّادِ ابْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي قَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، قَالَ: «الأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ (عليهما السلام) إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ»(581).
[79/9] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مَوْلَانَا أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ ابْنِ عَلِيٍّ العَسْكَرِيِّ (عليهما السلام)، فَقَالَ: «يَا أَحْمَدُ، مَا كَانَ حَالُكُمْ فِيمَا كَانَ فِيهِ النَّاسُ مِنَ الشَّكِّ وَالاِرْتِيَابِ؟»، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، لَـمَّا وَرَدَ الكِتَابُ لَمْ يَبْقَ مِنَّا رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ وَلَا غُلَامٌ بَلَغَ الفَهْمَ إِلَّا قَالَ بِالحَقِّ، فَقَالَ: «احْمَدِ اللهَ عَلَى ذَلِكَ يَا أَحْمَدُ، أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ الأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ؟ وَأَنَا ذَلِكَ الحُجَّةُ - أَوْ قَالَ: أَنَا الحُجَّةُ -»(582).
[80/10] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: خَرَجَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) إِلَى بَعْضِ رِجَالِهِ فِي عَرْضِ كَلَامٍ لَهُ: «مَا مُنِيَ أَحَدٌ مِنْ آبَائِي (عليهم السلام) بِمَا مُنِيتُ بِهِ مِنْ شَكِّ هَذِهِ العِصَابَةِ فِيَّ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الأَمْرُ أَمْراً اعْتَقَدْتُمُوهُ وَدِنْتُمْ بِهِ إِلَى وَقْتٍ ثُمَّ يَنْقَطِعُ فَلِلشَّكِّ مَوْضِعٌ، وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلاً مَا اتَّصَلَتْ أُمُورُ اللهِ (عزَّ وجلَّ)، فَمَا مَعْنَى هَذَا الشَّكِ؟!»(583).
[81/11] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(581) رواه المصنِّف (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 2/ ص 139/ ح 14)، وابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 133 و134/ ح 145)، والطبري (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 436/ ح 406/10)، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 1/ ص 242).
(582) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 100/ ح 88).
(583) رواه ابن شعبة (رحمه الله) في تُحَف العقول (ص 487).

(٣٤٤)

اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ جَمِيعاً، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الخَطَّابِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الأَشْعَثِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُولُ: «أَتَرَوْنَ الأَمْرَ إِلَيْنَا نَضَعُهُ حَيْثُ نَشَاءُ؟! كَلَّا، وَاللهِ إِنَّهُ لَعَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) إِلَى رَجُلٍ فَرَجُلٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى صَاحِبِهِ»(584).
[82/12] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ الصَّفَّارُ وَسَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ جَمِيعاً، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ وَ[الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ] الوَشَّاءِ جَمِيعاً، عَنِ الحَسَنِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) وَهُوَ يَقُولُ: «لَنْ تَخْلُوَ الأَرْضُ إِلَّا وَفِيهَا رَجُلٌ مِنَّا يَعْرِفُ الحَقَّ، فَإِذَا زَادَ النَّاسُ فِيهِ قَالَ: قَدْ زَادُوا، وَإِذَا نَقَصُوا مِنْهُ قَالَ: قَدْ نَقَصُوا، وَإِذَا جَاؤُوا بِهِ صَدَّقَهُمْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يُعْرَفِ الحَقُّ مِنَ البَاطِلِ»(585).
قَالَ عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ عَوَّاضٍ الطَّائِيُّ: بِاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَسَمِعْتُ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، بِاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَسَمِعْتُهُ مِنْهُ.
[83/13] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْزِيَارَ، عَنْ أَخِيهِ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ وَفَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ عَلِيًّا (عليه السلام) عَالِمُ هَذِهِ الأُمَّةِ(586)، وَالعِلْمُ يُتَوَارَثُ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(584) رواه الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 491/ ج 10/ باب 1/ ح 5).
(585) رواه المصنِّف (رحمه الله) بسند آخر في علل الشرائع (ج 1/ ص 201/ باب 153/ ح 31)، والصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 351/ ج 7/ باب 10/ ح 4)، والمفيد (رحمه الله) في الاختصاص (ص 289).
(586) قال المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 5/ ص 298): (قد علم (عليه السلام) ما في عالم الأمر وهو عالم الملائكة الروحانيَّة المجرَّدة وما في عالم الخلق وهو عالم الجسمانيَّات، وقد قال (عليه السلام): «والله لو شئت أنْ أُخبر كلَّ رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت»، والسبب هو أنَّ نفسه المقدَّسة لكمال نورانيَّتها وعدم تعلُّقها بالعلائق الجسمانيَّة وغيرها اتَّصلت بالحضرة الإلهيَّة اتِّصالاً تامًّا فأُفيضت عليها صورة الحقائق الكلّيَّة والجزئيَّة وصارت بحيث كانت مشاهدة لها كالمبصرات الحاضرة عند البصر. قوله: «والعلم يتوارث» لأنَّ بناء نظام الخلق على أمرين ثانيهما متوقِّف على الأوَّل، أحدهما: العلم وهو من الله تعالى، وثانيهما: العمل وهو من الخلق، فلو لم يتوارث العلم وذهب العالم بعلمه بقي الخلق جاهلين لمراشدهم ومصالحهم وطريق أعمالهم فبطل أيضاً وفسد النظام ولا حجَّة لله تعالى على الخلق حينئذٍ بعد العالم، بل الحجَّة لهم على الله، فاقتضت الحكمة البالغة توارث العلم وبقاء عالم بعد عالم لئلَّا يكون لهم حجَّة على الله).

(٣٤٥)

وَلَيْسَ يَهْلِكُ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا تَرَكَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ مَنْ يَعْلَمُ مِثْلَ عِلْمِهِ أَوْ مَا شَاءَ اللهُ».
[84/14] وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنِ الفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ وَأَبَا جَعْفَرٍ (عليهما السلام) يَقُولَانِ: «إِنَّ العِلْمَ الَّذِي [أُ]هْبِطَ مَعَ آدَمَ لَمْ يُرْفَعْ، وَالعِلْمُ يُتَوَارَثُ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنَ العِلْمِ وَآثَارِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ هَذَا البَيْتِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنَّ عَلِيًّا (عليه السلام) عَالِمُ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنَّا عَالِمٌ إِلَّا خَلَّفَ مِنْ بَعْدِهِ مَنْ يَعْلَمُ مِثْلَ عِلْمِهِ أَوْ مَا شَاءَ اللهُ»(587).
[85/15] وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ الحَارِثِ بْنِ المُغِيرَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ الأَرْضَ لَا تُتْرَكُ إِلَّا بِعَالِمٍ يَعْلَمُ الحَلَالَ وَالحَرَامَ وَمَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى النَّاسِ»، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، عَلِمَ مَا ذَا؟ قَالَ: «وِرَاثَةً مِنْ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وَعَلِيٍّ (عليه السلام)»(588).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(587) راجع ما رواه المصنِّف (رحمه الله) في علل الشرائع (ج 2/ ص 591/ باب 383/ ح 40)، والبرقي (رحمه الله) في المحاسن (ج 1/ ص 235/ ح 196)، والصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 134/ ج 3/ باب 1)، وابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 87/ ح 75)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 221/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) ورثة العلم يرث بعضهم بعضاً العلم).
(588) رواه بسند آخر الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 347/ ج 7/ باب 8/ ح 4).

(٣٤٦)

[86/16] وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): هَلْ تَكُونُ الأَرْضُ إِلَّا وَفِيهَا إِمَامٌ؟ قَالَ: «لَا تَكُونُ إِلَّا وَفِيهَا إِمَامٌ عَالِمٌ بِحَلَالِهِمْ وَحَرَامِهِمْ وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ».
[87/17] وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي العَلَاءِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: تَكُونُ الأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟ قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: أَفَيَكُونُ إِمَامَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ: «لَا، إِلَّا وَأَحَدُهُمَا صَامِتٌ»، قُلْتُ: فَالإِمَامُ يَعْرِفُ الإِمَامَ الَّذِي مِنْ بَعْدِهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: قُلْتُ: القَائِمُ إِمَامٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِمَامُ اِبْنُ إِمَامٍ قَدِ اؤْتُمَّ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ»(589)،(590).
[88/18] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ جَمِيعاً، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(589) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 101/ ح 90).
(590) قال المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 5/ ص 122): (قوله: (قلت: [أف]يكون إمامان [في وقتٍ واحدٍ]؟ قال: لا...) إلخ، في طريق العامَّة أيضاً ما يدلُّ على اعتبار الوحدة في الإمام، قال الآبي في كتاب إكمال الإكمال وحديث: «إذا بويع الخليفتان فاقتلوا الآخر منهما» يدلُّ على أنَّ شرطها الوحدة وعدم التعدُّد، وقال بعضهم: إنَّ هذا الشرط إنَّما هو بحسب الإمكان فلو بعُد موضع إمام حتَّى لا ينفذ حكمه في بعض الأقطار البعيدة جاز نصب غيره بذلك القطر. وفيه أنَّ الكلام في خليفة الأصل وإلَّا فيجوز التعدُّد في نائبه قطعاً، اللَّهُمَّ إلَّا أنْ يقول ذلك القائل: إنَّه يجوز لأهل الأقطار البعيدة أنْ يُنصِّبوا لأنفسهم خليفة كما نصَّبوا أوَّلاً، وفي شرح نهج البلاغة أنَّ في آخر الزَّمان لا يكون في كلِّ وقت وزمان إلَّا إمام واحد، وأمَّا الأنبياء والأوصياء في الزَّمن الأوَّل كانوا في عهد واحد جماعة كثيرة، وفي آخر الزَّمان مذ عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى قيام الساعة لا يكون في كلِّ حين إلَّا وصيٌّ واحد).
وقال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 2/ ص 294): («إلَّا وأحدهما صامت» أي ساكت عن الدعوة والتعريف وادِّعاء الإمامة، والناطق إمام عليه في الحال كالسبطين (عليهما السلام)).

(٣٤٧)

يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الحَارِثِ بْنِ المُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لَمْ يَتْرُكِ اللهُ (جَلَّ وَعَزَّ) الأَرْضَ بِغَيْرِ عَالِمٍ يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِمْ بِعِلْمِ الحَلَالِ وَالحَرَامِ»، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، بِمَا ذَا يَعْلَمُ؟ قَالَ: «بِوَرَاثَةٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ، وَمِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا)».
[89/19] وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنِ الحَارِثِ بْنِ المُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ العِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَ آدَمَ (عليه السلام) لَمْ يُرْفَعْ، وَمَا مَاتَ مِنَّا عَالِمٌ إِلَّا وَرَّثَ عِلْمَهُ [مَنْ بَعْدَهُ]، إِنَّ الأَرْضَ لَا تَبْقَى بِغَيْرِ عَالِمٍ».
[90/20] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ العَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ القُرَشِيِّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنَّ جَبْرَئِيلَ (عليه السلام) نَزَلَ عَلَيَّ بِكِتَابٍ فِيهِ خَبَرُ المُلُوكِ - مُلُوكِ الأَرْضِ - قَبْلي، وَخَبَرُ مَنْ بُعِثَ قَبْلي مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ»، وهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ أَخَذْنَا مِنْهُ مَوْضِعَ الحَاجَةِ إِلَيْهِ(591)، قَالَ: «لَـمَّا مَلَكَ أَشَجُّ بْنُ أَشْجَانَ(592) وَكَانَ يُسَمَّى الكَيِّسَ، وَ[كَانَ قَدْ] مَلَكَ مِائَتَيْنِ وَسِتًّا وَسِتِّينَ سَنَةً، فَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِينَ مِنْ مُلْكِهِ بَعَثَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ (عليه السلام)، وَاسْتَوْدَعَهُ النُّورَ وَالعِلْمَ وَالحِكْمَةَ وَجَمِيعَ عُلُومِ الأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ وَزَادَهُ الإِنْجِيلَ وَبَعَثَهُ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ يَدْعُوهُمْ إِلَى كِتَابِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(591) السند مشتمل على مجاهيل سوى ما فيه من الإرسال. والمتن كما ترى متضمِّن على ما هو خلاف الاعتبار، ولم يضمن المصنِّف (رحمه الله) في هذا الكتاب صحَّة جميع ما يرويه كما ضمن في الفقيه فقال فيه: (ولم أقصد قصد المصنِّفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أُفتي به وأحكم بصحَّته)، ويُفهَم منه أنَّه (رحمه الله) قصد في غير الفقيه إيراد جميع ما رووه صحَّ عنده أو لم يصحّ، ولم يحتجّ إلَّا بالصحاح منها.
(592) معرَّب: (أشك بن أشكان).

(٣٤٨)

وَحِكْمَتِهِ وَإِلَى الإِيمَانِ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، فَأَبَى أَكْثَرُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً وَكُفْراً، فَلَمَّا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ دَعَا رَبَّهُ وَعَزَمَ عَلَيْهِ، فَمَسَخَ مِنْهُمْ شَيَاطِينَ لِيُرِيَهُمْ آيَةً فَيَعْتَبِرُوا، فَلَمْ يَزِدْهُمْ ذَلِكَ إِلَّا طُغْيَاناً وَكُفْراً، فَأَتَى بَيْتَ المَقْدِسِ، فَمَكَثَ يَدْعُوهُمْ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيمَا عِنْدَ اللهِ ثَلَاثاً وَثَلَاثِينَ سَنَةً حَتَّى طَلَبَتْهُ اليَهُودُ، وَادَّعَتْ أَنَّهَا عَذَّبَتْهُ وَدَفَنَتْهُ فِي الأَرْضِ حَيًّا، وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ وَصَلَبُوهُ، وَمَا كَانَ اللهُ لِيَجْعَلَ لَهُمْ سُلْطَاناً عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا شُبِّهَ لَهُمْ، وَمَا قَدَرُوا عَلَى عَذَابِهِ وَدَفْنِهِ وَلَا عَلَى قَتْلِهِ وَصَلْبِهِ، لِقَوْلِهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [آل عمران: 55]، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى قَتْلِهِ وَصَلْبِهِ، لِأَنَّهُمْ لَوْ قَدَرُوا عَلَى ذَلِكَ كَانَ تَكْذِيباً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ﴾ [النساء: 158]، بَعْدَ أَنْ تَوَفَّاهُ (عليه السلام)، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ أَنْ يَسْتَوْدِعَ نُورَ اللهِ وَحِكْمَتَهُ وَعِلْمَ كِتَابِهِ شَمْعُونَ بْنَ حَمُّونَ الصَّفَا خَلِيفَتَهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَزَلْ شَمْعُونُ يَقُومُ بِأَمْرِ اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَيَحْتَذِي بِجَمِيعِ مَقَالِ عِيسَى (عليه السلام) فِي قَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيُجَاهِدُ الكُفَّارَ، فَمَنْ أَطَاعَهُ وَآمَنَ بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ كَانَ مُؤْمِناً، وَمَنْ جَحَدَهُ وَعَصَاهُ كَانَ كَافِراً حَتَّى اسْتَخْلَصَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَعَثَ فِي عِبَادِهِ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ، وَهُوَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا(593)، ثُمَّ قُبِضَ شَمْعُونُ وَمَلَكَ عِنْدَ ذَلِكَ أَرْدَشِيرُ بْنُ بَابَكَانَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَعَشَرَةَ أَشْهُرٍ، وَفِي ثَمَانِيَ سِنِينَ مِنْ مُلْكِهِ قَتَلَتِ اليَهُودُ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا (عليهما السلام)، فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) أَنْ يَقْبِضَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ الوَصِيَّةَ فِي وُلْدِ شَمْعُونَ، وَيَأْمُرَ الحَوَارِيِّينَ وَأَصْحَابَ عِيسَى بِالقِيَامِ مَعَهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَعِنْدَهَا مَلَكَ سَابُورُ بْنُ أَرْدَشِيرَ ثَلَاثِينَ سَنَةً حَتَّى قَتَلَهُ اللهُ، وَعِلْمُ اللهِ وَنُورُهُ وَتَفْصِيلُ حِكْمَتِهِ فِي ذُرِّيَّةِ يَعْقُوبَ بْنِ شَمْعُونَ، وَمَعَهُ الحَوَارِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِ عِيسَى (عليه السلام)، وَعِنْدَ ذَلِكَ مَلَكَ بُخْتَنَصَّرُ مِائَةَ سَنَةٍ وَسَبْعاً وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَقَتَلَ مِنَ اليَهُودِ سَبْعِينَ الفَ مُقَاتِلٍ عَلَى دَمِ يَحْيَى بْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(593) في أكثر التواريخ وبعض الروايات كان قتل يحيى قبل عروج عيسى (عليه السلام).

(٣٤٩)

زَكَرِيَّا(594)، وَخَرَّبَ بَيْتَ المَقْدِسِ، وَتَفَرَّقَتِ اليَهُودُ فِي البُلْدَانِ، وَفِي سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ مُلْكِهِ بَعَثَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) العُزَيْرَ نَبِيًّا إِلَى أَهْلِ القُرَى الَّتِي أَمَاتَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) أَهْلَهَا، ثُمَّ بَعَثَهُمْ لَهُ، وَكَانُوا مِنْ قُرًى شَتَّى، فَهَرَبُوا فَرَقاً مِنَ المَوْتِ، فَنَزَلُوا فِي جِوَارِ عُزَيْرٍ، وَكَانُوا مُؤْمِنِينَ، وَكَانَ عُزَيْرٌ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِمْ وَيَسْمَعُ كَلَامَهُمْ وَإِيمَانَهُمْ، وَأَحَبَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَوَاخَاهُمْ عَلَيْهِ، فَغَابَ عَنْهُمْ يَوْماً وَاحِداً، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَوَجَدَهُمْ صَرْعَى مَوْتَى، فَحَزِنَ عَلَيْهِمْ، وَقالَ: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [البقرة: 259]، تَعَجُّباً مِنْهُ حَيْثُ أَصَابَهُمْ وَقَدْ مَاتُوا أَجْمَعِينَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَأَمَاتَهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) عِنْدَ ذَلِكَ مِائَةَ عَامٍ، فَلَبِثَ فِيهِمْ مِائَةَ سَنَةٍ، ثُمَّ بَعَثَهُ اللهُ وَإِيَّاهُمْ، وَكَانُوا مِائَةَ الفِ مُقَاتِلٍ، ثُمَّ قَتَلَهُمُ اللهُ أَجْمَعِينَ، لَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ عَلَى يَدَيْ بُخْتَنَصَّرَ، وَمَلَكَ بَعْدَهُ مَهْرَقَيْهِ بْنُ بُخْتَنَصَّرَ سِتَّ عَشْرَ سَنَةً وَعِشْرِينَ يَوْماً، وَأَخَذَ عِنْدَ ذَلِكَ دَانِيَالَ وَحَفَرَ لَهُ جُبًّا فِي الأَرْضِ وَطَرَحَ فِيهِ دَانِيَالَ (عليه السلام) وَأَصْحَابَهُ وَشِيعَتَهُ مِنَ المُؤْمِنِينَ، فَالقَى عَلَيْهِمُ النِّيرَانَ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّ النَّارَ لَيْسَتْ تَقْرَبُهُمْ وَلَا تُحْرِقُهُمْ اسْتَوْدَعَهُمُ الجُبَّ وَفِيهِ الأُسُدُ وَالسِّبَاعُ، وَعَذَّبَهُمْ بِكُلِّ لَوْنٍ مِنَ العَذَابِ حَتَّى خَلَّصَهُمُ اللهُ (جَلَّ وَعَزَّ) مِنْهُ، وَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللهُ فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ، فَقَالَ (جَلَّ وَعَزَّ): ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الوَقُودِ﴾ [البروج: 4 و5]، فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَقْبِضَ دَانِيَالَ أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَوْدِعَ نُورَ اللهِ وَحِكْمَتَهُ مكيخا بْنَ دَانِيَالَ فَفَعَلَ، وَعِنْدَ ذَلِكَ مَلَكَ هُرْمُزُ ثَلَاثاً وَسِتِّينَ سَنَةً وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، وَمَلَكَ بَعْدَهُ بَهْرَامُ سِتًّا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَوَلِيَ أَمْرَ اللهِ مكيخا بْنُ دَانِيَالَ وَأَصْحَابُهُ المُؤْمِنُونَ وَشِيعَتُهُ الصِّدِّيقُونَ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُظْهِرُوا الإِيمَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَلَا أَنْ يَنْطِقُوا بِهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ مَلَكَ بَهْرَامُ بْنُ بَهْرَامَ سَبْعَ سِنِينَ، وَفِي زَمَانِهِ انْقَطَعَتِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(594) استيلاء بختنصَّر على بيت المقدس كان في سنة (576) قبل الميلاد، وملك أردشير بابكان في المائة الثالة بعد الميلاد، فتأمَّل.

(٣٥٠)

الرُّسُلُ، فَكَانَتِ الفَتْرَةُ، وَوَلِيَ أَمْرَ اللهِ يَوْمَئِذٍ مكيخا بْنُ دَانِيَالَ وَأَصْحَابُهُ المُؤْمِنُونَ، فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) أَنْ يَقْبِضَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ فِي مَنَامِهِ أَنْ يَسْتَوْدِعَ نُورَ اللهِ وَحِكْمَتَهُ ابْنَهُ أنشو بْنَ مكيخا، وَكَانَتِ الفَتْرَةُ بَيْنَ عِيسَى وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ (صلَّى الله عليهما) أَرْبَعَمِائَةٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَأَوْلِيَاءُ اللهِ يَوْمَئِذٍ فِي الأَرْضِ ذُرِّيَّةُ أنشو بْنِ مكيخا، يَرِثُ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَخْتَارُهُ الجَبَّارُ (عزَّ وجلَّ)، فَعِنْدَ ذَلِكَ مَلَكَ سَابُورُ بْنُ هُرْمُزَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَقَدَ التَّاجَ وَلَبِسَهُ، وَوَلِيَ أَمْرَ اللهِ (عزَّ وجلَّ) يَوْمَئِذٍ أنشو بْنُ مكيخا، وَمَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْدَشِيرُ أَخُو سَابُورَ سَنَتَيْنِ، وَفِي زَمَانِهِ بَعَثَ اللهُ الفِتْيَةَ أَصْحَابَ الكَهْفِ وَالرَّقِيمِ، وَوَلِيَ أَمْرَ اللهِ يَوْمَئِذٍ فِي الأَرْضِ دسيخا بْنُ أنشو بْنِ مكيخا، وَعِنْدَ ذَلِكَ مَلَكَ سَابُورُ بْنُ أَرْدَشِيرَ خَمْسِينَ سَنَةً، وَوَلِيَ أَمْرَ اللهِ يَوْمَئِذٍ دسيخا بْنُ أنشو بْنِ مكيخا، وَمَلَكَ بَعْدَهُ يَزْدَجَرْدُ بْنُ سَابُورَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً وَخَمْسَةَ أَشْهُرٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ يَوْماً، وَوَلِيَ أَمْرَ اللهِ يَوْمَئِذٍ فِي الأَرْضِ دسيخا (عليه السلام)، فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) أَنْ يَقْبِضَ دسيخا أَوْحَى إِلَيْهِ فِي مَنَامِهِ أَنْ يَسْتَوْدِعَ عِلْمَ اللهِ وَنُورَهُ وَتَفْصِيلَ حِكْمَتِهِ نسطورسَ بْنَ دسيخا فَفَعَلَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ مَلَكَ بَهْرَامُ جُورَ سِتًّا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً، وَوَلِيَ أَمْرَ اللهِ يَوْمَئِذٍ فِي الأَرْضِ نسطورس بْنُ دسيخا، وَعِنْدَ ذَلِكَ مَلَكَ يَزْدَجَرْدُ بْنُ بَهْرَامَ ثَمَانِيَ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً، وَوَلِيَ أَمْرَ اللهِ يَوْمَئِذٍ فِي الأَرْضِ نسطورس بْنُ دسيخا، وَعِنْدَ ذَلِكَ مَلَكَ فَيْرُوزُ بْنُ يَزْدَجَرْدَ بْنِ بَهْرَامَ سَبْعاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَوَلِيَ أَمْرَ اللهِ يَوْمَئِذٍ نسطورس بْنُ دسيخا وَأَصْحَابُهُ المُؤْمِنُونَ، فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) أَنْ يَقْبِضَهُ إِلَيْهِ أَوْحَى إِلَيْهِ فِي مَنَامِهِ أَنْ يَسْتَوْدِعَ عِلْمَ اللهِ وَنُورَهُ وَحِكْمَتَهُ وَكُتُبَهُ مرعيدا، وَعِنْدَ ذَلِكَ مَلَكَ بلاش بْنُ فَيْرُوزَ أَرْبَعَ سِنِينَ، وَوَلِيَ أَمْرَ اللهِ (عزَّ وجلَّ) مرعيدا، وَمَلَكَ بَعْدَهُ قُبَادُ بْنُ فَيْرُوزَ ثَلَاثاً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَمَلَكَ بَعْدَهُ جَامَاسْفُ أَخُو قُبَادَ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَوَلِيَ أَمْرَ اللهِ يَوْمَئِذٍ فِي الأَرْضِ مرعيدا، وَعِنْدَ ذَلِكَ مَلَكَ

(٣٥١)

كِسْرَى بْنُ قُبَادَ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، وَوَلِيَ أَمْرَ اللهِ يَوْمَئِذٍ مرعيدا (عليه السلام) وَأَصْحَابُهُ وَشِيعَتُهُ المُؤْمِنُونَ، فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) أَنْ يَقْبِضَ مرعيدا أَوْحَى إِلَيْهِ فِي مَنَامِهِ أَنْ يَسْتَوْدِعَ نُورَ اللهِ وَحِكْمَتَهُ بَحِيرَى الرَّاهِبَ فَفَعَلَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ مَلَكَ هُرْمُزُ ابْنُ كِسْرَى ثَمَانِيَ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَوَلِيَ أَمْرَ اللهِ يَوْمَئِذٍ بَحِيرَى وَأَصْحَابُهُ المُؤْمِنُونَ وَشِيعَتُهُ الصِّدِّيقُونَ، وَعِنْدَ ذَلِكَ مَلَكَ كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ أَبَرْوِيزُ، وَوَلِيَ أَمْرَ اللهِ يَوْمَئِذٍ فِي الأَرْضِ بَحِيرَى حَتَّى إِذَا طَالَتِ المُدَّةُ وَانْقَطَعَ الوَحْيُ وَاسْتُخِفَّ بِالنِّعَمِ وَاسْتُوجِبَ الغِيَرُ وَدُرِسَ الدِّينُ وَتُرِكَتِ الصَّلَاةُ وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَكَثُرَتِ الفِرَقُ وَصَارَ النَّاسُ فِي حَيْرَةٍ وَظُلْمَةٍ وَأَدْيَانٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأُمُورٍ مُتَشَتِّتَةٍ وَسُبُلٍ مُلْتَبِسَةٍ وَمَضَتْ تِلْكَ القُرُونُ كُلُّهَا، فَمَضَى صَدْرٌ مِنْهَا عَلَى مِنْهَاجِ نَبِيِّهَا (عليه السلام)، وَبَدَّلَ آخَرُونَ نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً وَطَاعَتَهُ عُدْوَاناً، فَعِنْدَ ذَلِكَ اسْتَخْلَصَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) لِنُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ مِنَ الشَّجَرَةِ المُشَرَّفَةِ الطَّيِّبَةِ وَالجُرْثُومَةِ المُثْمِرَةِ(595) الَّتِي اصْطَفَاهَا اللهُ (جَلَّ وَعَزَّ) فِي سَابِقِ عِلْمِهِ وَنَافِذِ قَوْلِهِ قَبْلَ ابْتِدَاءِ خَلْقِهِ، وَجَعَلَهَا مُنْتَهَى خِيَرَتِهِ، وَغَايَةَ صَفْوَتِهِ، وَمَعْدِنَ خَاصَّتِهِ مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)(596)، اخْتَصَّهُ بِالنُّبُوَّةِ، وَاصْطَفَاهُ بِالرِّسَالَةِ، وَأَظْهَرَ بِدِينِهِ الحَقَّ لِيَفْصِلَ بَيْنَ عِبَادِ اللهِ القَضَاءَ، وَيُعْطِيَ فِي الحَقِّ جَزِيلَ العَطَاءِ، وَيُحَارِبَ أَعْدَاءَ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَجَمَعَ عِنْدَ ذَلِكَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عِلْمَ المَاضِينَ، وَزَادَهُ مِنْ عِنْدِهِ القُرْآنَ الحَكِيمَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، ﴿لَا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فُصِّلت: 42]، فِيهِ خَبَرُ المَاضِينَ وَعِلْمُ البَاقِينَ».
[91/21] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(595) في بعض النُّسَخ: (الجرثومة المتخيَّرة).
(596) الخبر مرويٌّ عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وصدور هذه الجمل عنه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في حقِّ نفسه بعيد جدًّا.

(٣٥٢)

عَلِيٍّ الخَزَّازِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ: «يَا أَبَا حَمْزَةَ، إِنَّ الأَرْضَ لَنْ تَخْلُوَ إِلَّا وفِيهَا مِنَّا عَالِمٌ، إِنْ زَادَ النَّاسُ قَالَ: قَدْ زَادُوا، وَإِنْ نَقَصُوا قَالَ: قَدْ نَقَصُوا، وَلَنْ يُخْرِجَ اللهُ ذَلِكَ العَالِمَ حَتَّى يَرَى فِي وُلْدِهِ مَنْ يَعْلَمُ مِثْلَ عِلْمِهُ»(597).
[92/22] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ الغِفَارِيِّ(598)، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَالحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ جَمِيعاً، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صلوات الله عليه): «لَا يَزَالُ فِي وُلْدِي مَأْمُونٌ مَأْمُولٌ»(599).
[93/23] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: سَمِعْتُ الرِّضَا (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ الأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا إِمَامٌ مِنَّا».
[94/24] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ المُسْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ سُلَيْمَانَ العَامِرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: «مَا زَالَتِ الأَرْضُ إِلَّا وَلِلهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِيهَا حُجَّةٌ يَعْرِفُ الحَلَالَ وَالحَرَامَ وَيَدْعُو إِلَى سَبِيلِ اللهِ (جَلَّ وَعَزَّ)، وَلَا يَنْقَطِعُ الحُجَّةُ مِنَ الأَرْضِ إِلَّا أَرْبَعِينَ يَوْماً قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ، فَإِذَا رُفِعَتِ الحُجَّةُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(597) رواه الطبري (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 434/ ح 400/4)، وفي نوادر المعجزات (ص 195/ ح 2)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 222 و223/ ح 185).
(598) هو عبد الله بن إبراهيم الغفاري راوي جعفر بن إبراهيم الجعفري الهاشمي.
(599) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 115/ ح 104)، والطبري (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 434 و435/ ح 401/5).

(٣٥٣)

أُغْلِقَ بَابُ التَّوْبَةِ، وَلَنْ يَنْفَعَ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُرْفَعَ الحُجَّةُ، أُولَئِكَ شِرَارُ [مَنْ] خَلَقَ اللهُ، وَهُمُ الَّذِينَ تَقُومُ عَلَيْهِمُ القِيَامَةُ»(600).
[95/25] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ المُتَوَكِّلِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ ابْنُ يَحْيَى العَطَّارُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام): قَدْ بَلَغْتَ مَا بَلَغْتَ وَلَيْسَ لَكَ وَلَدٌ، فَقَالَ: «يَا عُقْبَةَ بنَ جَعْفَرٍ، إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الأَمْرِ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَرَى وَلَدَهُ مِنْ بَعْدِهِ»(601).
[96/26] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ المُتَوَكِّلِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ اللهَ أَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَ الأَرْضَ بِغَيْرِ إِمَامٍ عَدْلٍ».
[97/27] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ [بْنِ] الوَلِيدِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ الصَّفَّارُ وَسَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ جَمِيعاً، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الخَطَّابِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ سَالِمَ بْنَ أَبِي حَفْصَةَ يَلْقَانِي وَيَقُولُ لِي: أَلَسْتُمْ تَرْوُونَ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ فَمَوْتَتُهُ مَوْتَةُ جَاهِلِيَّةٍ؟ فَأَقُولُ لَهُ: بَلَى، فَيَقُولُ لِي: قَدْ مَضَى أَبُو جَعْفَرٍ، فَمَنْ إِمَامُكُمُ اليَوْمَ؟ فَأَكْرَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَنْ أَقُولَ لَهُ: جَعْفَرٌ، فَأَقُولُ لَهُ: أَئِمَّتِي آلُ مُحَمَّدٍ، فَيَقُولُ لِي: مَا أَرَاكَ صَنَعْتَ شَيْئاً، فَقَالَ (عليه السلام): «وَيْحَ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، لَعَنَهُ اللهُ، وَهَلْ يَدْرِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(600) رواه البرقي (رحمه الله) في المحاسن (ج 1/ ص 236/ ح 202)، والصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 504/ ج 10/ باب 10/ ح 1).
(601) رواه الطبري (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 435/ ح 404/8)، وفي نوادر المعجزات (ص 195 و196/ ح 3)، والخزَّاز في كفاية الأثر (ص 279)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 222/ ح 184).

(٣٥٤)

سَالِمٌ مَا مَنْزِلَةُ الإِمَامِ؟ إِنَّ مَنْزِلَةَ الإِمَامِ أَعْظَمُ مِمَّا يَذْهَبُ إِلَيْهِ سَالِمٌ وَالنَّاسُ أَجْمَعُونَ، وَإِنَّهُ لَنْ يَهْلِكَ مِنَّا إِمَامٌ قَطُّ إِلَّا تَرَكَ مِنْ بَعْدِهِ مَنْ يَعْلَمُ مِثْلَ عِلْمِهِ، وَيَسِيرُ مِثْلَ سِيرَتِهِ، وَيَدْعُو إِلَى مِثْلِ الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعِ اللهَ (عزَّ وجلَّ) مَا أَعْطَى دَاوُدَ أَنْ أَعْطَى سُلَيْمَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ»(602).
[98/28] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، [قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ](603)، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ ذَرِيحٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «وَاللهِ مَا تَرَكَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) الأَرْضَ قَطُّ مُنْذُ قُبِضَ آدَمُ إِلَّا وَفِيهَا إِمَامٌ يُهْتَدَى بِهِ إِلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ)، وَهُوَ حُجَّةُ اللهِ عَلَى العِبَادِ، مَنْ تَرَكَهُ هَلَكَ وَمَنْ لَزِمَهُ نَجَا، حَقًّا عَلَى اللهِ [(عزَّ وجلَّ)]»(604).
حدَّثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر، عن محمّد بن عيسى، عن جعفر بن بشير وصفوان بن يحيى جميعاً، عن ذريح، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، مثله سواء.
[99/29] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى(605)، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ العَلَاءِ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «لَا تَبْقَى الأَرْضُ يَوْماً وَاحِداً بِغَيْرِ إِمَامٍ مِنَّا تَفْزَعُ إِلَيْهِ الأُمَّةُ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(602) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 26/ ص 177): (بيان: قوله (عليه السلام): «ما أعطى داود» كلمة (ما) إمَّا مصدريَّة، أي لم يمنع الله تعالى من إعطاء الابن إعطاء الأب، أو موصولة، أي لم يمنع الله ما أعطاه داود من إعطاء سليمان أفضل منه).
(603) ما بين المعقوفتين كان في بعض النُّسَخ دون بعض، وفي نسخة جعله بدل (عبد الله بن جعفر).
(604) رواه المصنِّف (رحمه الله) في ثواب الأعمال (ص 205 و206)، وفي علل الشرائع (ج 1/ ص 197 / باب 153/ ح 13)، البرقي (رحمه الله) في المحاسن (ج 1/ ص 92/ ح 45) بسند آخر، وابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 31/ ح 15)، والطوسي (رحمه الله) في اختيار معرفة الرجال (ج 2/ ص 670 و671/ ح 698).
(605) في بعض النُّسَخ: (عن عبد الله بن محمّد بن عيسى).

(٣٥٥)

[100/30] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ جَمِيعاً، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُولُ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ فِي الأَرْضِ إِلَّا اثْنَانِ لَكَانَ أَحَدُهُمَا الحُجَّةَ، أَوْ كَانَ الثَّانِي الحُجَّةَ»(606).
[101/31] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، عَنِ الحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام) لِرَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنَّا الهُدَاةُ أَمْ مِنْ غَيْرِنَا؟ قَالَ: «بَلْ مِنَّا الهُدَاةُ [إِلَى اللهِ] إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، بِنَا اسْتَنْقَذَهُمُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) مِنْ ضَلَالَةِ الشِّرْكِ، وَبِنَا يَسْتَنْقِذُهُمْ مِنْ ضَلَالَةِ الفِتْنَةِ، وَبِنَا يُصْبِحُونَ إِخْوَاناً بَعْدَ ضَلَالَةِ الفِتْنَةِ، كَمَا بِنَا أَصْبَحُوا إِخْوَاناً بَعْدَ ضَلَالَةِ الشِّرْكِ، وَبِنَا يَخْتِمُ اللهُ كَمَا بِنَا فَتَحَ اللهُ»(607).
[102/32] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَمُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى ابْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ وَصَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى جَمِيعاً، عَنِ المُعَلَّى بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ المُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ، قَالَ: سَالتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): هَلْ كَانَ النَّاسُ إِلَّا وَفِيهِمْ مَنْ قَدْ أُمِرُوا بِطَاعَتِهِ مُنْذُ كَانَ نُوحٌ (عليه السلام)؟ قَالَ: «لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ»(608).
[103/33] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى العَطَّارُ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(606) قد مرَّ بسند آخر تحت الرقم (57/10)، فراجع.
(607) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 92/ ح 81).
(608) رواه البرقي (رحمه الله) في المحاسن (ج 1/ ص 235/ ح 198).

(٣٥٦)

بَزِيعٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ جَلِيسٍ لَهُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قُلْتُ فِي قَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القَصص: 88]، قَالَ: «يَا فُلَانُ، فَيَهْلِكُ كُلُّ شَيْءٍ وَيَبْقَى وَجْهُ اللهِ (عزَّ وجلَّ)؟ وَاللهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ، وَلَكِنْ مَعْنَاهَا كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا دِينَهُ، وَنَحْنُ الوَجْهُ الَّذِي يُؤْتَى اللهُ مِنْهُ، وَلَنْ يَزَالَ فِي عِبَادِ اللهِ مَا كَانَتْ لَهُ فِيهِمْ رُوبَةٌ»، قُلْتُ: وَمَا الرُّوبَةُ؟ قَالَ: «الحَاجَةُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِمْ رُوبَةٌ رَفَعَنَا اللهُ، فَصَنَعَ مَا أَحَبَّ»(609).
[104/34] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ [بْنِ] الوَلِيدِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ الصَّفَّارُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الخَطَّابِ، عَنْ جَعْفَرِ ابْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ ضُرَيْسٍ الكُنَاسِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فِي قَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾، قَالَ: «نَحْنُ الوَجْهُ الَّذِي يُؤْتَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) مِنْهُ»(610).
[105/35] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ الصَّفَّارُ وَسَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ جَمِيعاً، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ الهَاشِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ نَفِيسٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بْنُ سَمَاعَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: «نَزَلَ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) عَلَى النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بِصَحِيفَةٍ مِنَ السَّمَاءِ لَمْ يُنْزِلِ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنَ السَّمَاءِ كِتَاباً مِثْلَهَا قَطُّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، مَخْتُوماً فِيهِ خَوَاتِيمُ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، هَذِهِ وَصِيَّتُكَ إِلَى النَّجِيبِ مِنْ أَهْلِكَ، قَالَ: يَا جَبْرَئِيلُ، وَمَنِ النَّجِيبُ مِنْ أَهْلِي؟ قَالَ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، مُرْهُ إِذَا تُوُفِّيتَ أَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(609) رواه الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 85/ ج 2/ باب 4/ ح 3)، والقمِّي (رحمه الله) في تفسيره (ج 2/ ص 147) بتفاوت يسير.
(610) رواه ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 343).

(٣٥٧)

يَفُكَّ خَاتَماً مِنْهَا وَيَعْمَلَ بِمَا فِيهِ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فَكَّ عَلِيٌّ (عليه السلام) خَاتَماً، ثُمَّ عَمِلَ بِمَا فِيهِ مَا تَعَدَّاهُ، ثُمَّ دَفَعَ الصَّحِيفَةَ إِلَى الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام)، فَفَكَّ خَاتَماً وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ مَا تَعَدَّاهُ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام)، فَفَكَّ خَاتَماً فَوَجَدَ فِيهِ أَنِ اخْرُجْ بِقَوْمٍ إِلَى الشَّهَادَةِ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ إِلَّا مَعَكَ وَاشْرِ نَفْسَكَ لِلهِ (عزَّ وجلَّ)، فَعَمِلَ بِمَا فِيهِ مَا تَعَدَّاهُ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى رَجُلٍ بَعْدَهُ فَفَكَّ خَاتَماً فَوَجَدَ فِيهِ: أَطْرِقْ وَاصْمُتْ وَالزَمْ مَنْزِلَكَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى رَجُلٍ بَعْدَهُ فَفَكَّ خَاتَماً فَوَجَدَ فِيهِ أَنْ حَدِّثِ النَّاسَ وَأَفْتِهِمْ وَانْشُرْ عِلْمَ آبَائِكَ وَلَا تَخَافَنَّ أَحَداً إِلَّا اللهَ فَإِنَّكَ فِي حِرْزِ اللهِ وَضَمَانِهِ(611)، وَأُمِرَ بِدَفْعِهَا، فَدَفَعَهَا إِلَى مَنْ بَعْدَهُ، وَيَدْفَعُهَا مَنْ بَعْدَهُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ»(612).
[106/36] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّيْتُونِيُّ، عَنِ ابْنِ هِلَالٍ، عَنْ خَلَفِ بْنِ حَمَّادٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: «الحُجَّةُ قَبْلَ الخَلْقِ، وَمَعَ الخَلْقِ، وَبَعْدَ الخَلْقِ»(613).
[107/37] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِسْحَاقَ شَعِرٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ حَمْزَةَ الغَنَوِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): هَلْ كَانَ النَّاسُ إِلَّا وَفِيهِمْ مَنْ قَدْ أُمِرُوا بِطَاعَتِهِ مُنْذُ كَانَ نُوحٌ (عليه السلام)؟ قَالَ: «لَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ»(614).
[108/38] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(611) في بعض النُّسَخ: (في حرز من الله وأمان).
(612) رواه المصنِّف (رحمه الله) في علل الشرائع (ج 1/ ص 171 و172/ باب 135/ ح 1)، وابن بابويه في الإمامة والتبصرة (ص 38 و39/ ح 20).
(613) قد مرَّ بسند آخر تحت الرقم (75/5)، فراجع.
(614) قد مرَّ بسند آخر تحت الرقم (102/32)، فراجع.

(٣٥٨)

وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ جَمِيعاً، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: «لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا اثْنَانِ لَكَانَ أَحَدُهُمَا الحُجَّةَ، وَلَوْ ذَهَبَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الحُجَّةُ»(615).
[109/39] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ المُتَوَكِّلِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ يَزِيدَ الكُنَاسِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «لَيْسَ تَبْقَى الأَرْضُ يَا أَبَا خَالِدٍ يَوْماً وَاحِداً بِغَيْرِ حُجَّةٍ لِلهِ عَلَى النَّاسِ، وَلَمْ تَبْقَ مُنْذُ خَلَقَ اللهُ (جَلَّ وَعَزَّ) آدَمَ (عليه السلام) وَأَسْكَنَهُ الأَرْضَ»(616).
[110/40] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ جَمِيعاً، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خِدَاشٍ البَصْرِيِّ(617)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: تَخْلُو الأَرْضُ سَاعَةً لَا يَكُونُ فِيهَا إِمَامٌ؟ قَالَ: «لَا تَخْلُو الأَرْضُ مِنَ الحَقِّ».
[111/41] حَدَّثَنَا أَبِي (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(615) رواه الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 508/ ج 10/ باب 11/ ح 4) بسند آخر.
(616) راجع ما رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 382 و383/ باب حالات الأئمَّة (عليهم السلام) في السنِّ/ ح 1).
(617) خِداش - بالخاء المعجمة المكسورة والدال المهملة والشين المعجمة -، هو أبو خداش المهري - بفتح الميم وإسكان الهاء وبعدها راء مهملة -، نسبتها إلى مهر محلَّة بالبصرة. (راجع: خلاصة الأقوال: ص 199/ الرقم 33). وفي إيضاح الإشتباه (ص 242/ الرقم 486): (أبو خداش المهري منسوب إلى مهرة قبيلة من طيِّ) انتهى. ويوافقه كُتُب اللغة. وقال ابن داود (رحمه الله) في رجاله (ص 253/ الرقم 271): (أبو خداش المهدي بفتح الميم وسكون الهاء -، ومهرة قبيلة من طيٍّ). وقال الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص 340/ الرقم 5061/22): (مهرة محلَّة بالبصرة). ويُؤيِّد قوله (رحمه الله) ما في المتن إنْ لم نقل بتصحيف المهري بالبصري في نُسَخ الكتاب.

(٣٥٩)

عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): هَلْ تُتْرَكُ الأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟ قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: فَيَكُونُ إِمَامَانِ؟ قَالَ: «لَا، إِلَّا وَأَحَدُهُمَا صَامِتٌ».
[112/42] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ العَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ أَخِيهِ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ بَشَّارٍ الوَاسِطِيِّ، قَالَ: قَالَ الحُسَيْنُ بْنُ خَالِدٍ لِلرِّضَا (عليه السلام) وَأَنَا حَاضِرٌ: أَتَخْلُو الأَرْضُ مِنْ إِمَامٍ؟ فَقَالَ: «لَا».
[113/43] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ اللهَ أَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَ الأَرْضَ بِغَيْرِ إِمَامٍ عَدْلٍ»(618).
[114/44] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ القَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بْنُ الفَضْلِ المُقْرِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَنْصُورٍ(619)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى(620)، عَنْ زَيْدِ بْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(618) قد مرَّ تحت الرقم (96/26)، فراجع.
(619) كذا، ولم أجده، ولعلَّه محمّد بن عليِّ بن ميمون العطَّار الذي ذُكِرَ في تهذيب التهذيب (ج 9/ ص 316 و317/ الرقم 590) من جملة رواة عمرو بن عون الواسطي البزَّار الحافظ. وأمَّا راويه العبَّاس بن الفضل فلم أظفر به.
(620) هو مسلم بن صبيح الهمداني، مولاهم الكوفي العطَّار، ذكره ابن حبَّان في الثقات (ج 5/ ص 391). وراويه الحسن بن عبيد الله الظاهر هو النخعي أبو عروة الكوفي الذي ذُكِرَ من جملة رواة أبي الضحى العطَّار. يروي عنه خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن الطحَّان المتوفَّى (225هـ). (راجع: تهذيب التهذيب: ج 2/ ص 254/ الرقم 521، وج 3/ ص 87/ الرقم 187). وفي بعض النُّسَخ: (حسن بن عبد الله)، والظاهر أنَّه تصحيف.

(٣٦٠)

أَرْقَمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي [أَهْلَ بَيْتِي]، فَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ»(621).
[115/45] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بْنُ الفَضْلِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ يَحْيَى أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: لَـمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) مِنْ حَجَّةِ الوَدَاعِ نَزَلَ بِغَدِيرِ خُمٍّ، ثُمَّ أَمَرَ بِدَوْحَاتٍ فَقُمَّ مَا تَحْتَهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: «كَأَنِّي قَدْ دُعِيتُ فَأَجَبْتُ، إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ، كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا، فَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللهَ مَوْلَايَ، وَأَنَا مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ»، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، فَقَالَ: «مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ فَهَذَا وَلِيُّهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ»، قَالَ: فَقُلْتُ لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: أَنْتَ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)؟ فَقَالَ: مَا كَانَ فِي الدَّوْحَاتِ أَحَدٌ إِلَّا وَقَدْ رَآهُ بِعَيْنَيْهِ وَسَمِعَهُ بِأُذُنَيْهِ(622).
[116/46] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الحُسَيْنِ البَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ طَلْحَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ: عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قَالَ: «إِنِّي أَوْشَكَ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ، وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، كِتَابَ اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَعِتْرَتِي، كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(621) حديث متواتر رواه الخاصَّة والعامَّة بأسانيد متعدِّدة وألفاظ مختلفة، راجع على سبيل المثال: بصائر الدرجات (ص 432/ ج 8/ باب 17)، ومسند أحمد (ج 17/ ص 169 و170/ ح 11104).
(622) راجع: أنساب الأشراف (ج 2/ ص 110 و111/ ح 48)، وسُنَن النسائي (ج 5/ ص 130/ ح 8464)، والمناقب للخوارزمي (ص 154 و155/ ح 182)، والبداية والنهاية (ج 5/ ص 228)، ومجمع الزوائد (ج 9/ ص 163 و164).

(٣٦١)

وَإِنَّ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ أَخْبَرَنِي أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ، فَانْظُرُوا بِمَا ذَا تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا»(623).
[117/47] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ البَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ ابْنِ حَفْصٍ الخَثْعَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ رَفِيعٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَبَداً مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا وَعَمِلْتُمْ بِمَا فِيهِمَا، كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ»(624)،(625).
[118/48] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بْنُ عَبَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ صَالِحٍ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا، كِتَابَ اللهِ (جَلَّ وَعَزَّ) حَبْلٌ مَمْدُودٌ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ».
[119/49] حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ القُشَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي الحَسَنُ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ الدَّهَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعَّادٌ وَهُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(623) مسند أبي يعلى (ج 2/ ص 297 و298/ ح 48/1021)، المعجم الكبير للطبراني (ج 3/ ص 65 و66/ ح 2679)، مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي (ج 1/ ص 156).
(624) ذكر هذه الرواية عن أبي هريرة بهذا اللفظ هنا لا يناسب المقام، اللَّهُمَّ إلَّا أنْ يكون المراد ذكره لبيان تحريف أبي هريرة لفظ الحديث، أو إيراد جميع ما سمعه.
(625) سُنَن الدارقطني (ج 4/ ص 159 و160/ ح 4559)، الجامع الصغير للسيوطي (ج 1/ ص 605/ ح 3923)، كنز العُمَّال (ج 1/ ص 173/ ح 875).

(٣٦٢)

اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ، وَأَوْشَكَ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الآخَرِ، كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، فَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ»(626).
[120/50] حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا القُشَيْرِيُّ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ المُهَلَّبِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ العَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَطْوَلُ مِنَ الآخَرِ، كِتَابَ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، طَرَفٌ بِيَدِ اللهِ، وَعِتْرَتِي، أَلَا وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ»، فَقُلْتُ لِأَبِي سَعِيدٍ: مَنْ عِتْرَتُهُ؟ قَالَ: أَهْلُ بَيْتِهِ (عليهم السلام)(627).
[121/51] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الفَضْلِ البَغْدَادِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُمَرَ صَاحِبَ أَبِي العَبَّاسِ ثَعْلَبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ ثَعْلَبَ سُئِلَ عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ» لِـمَ سُمِّيَا الثَّقَلَيْنِ؟ قَالَ: لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِهِمَا ثَقِيلٌ.
[122/52] حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شُعَيْبٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ العَلَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ الغِفَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ رَكِينِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، كِتَابَ اللهِ (جَلَّ وَعَزَّ) وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، أَلَا وَهُمَا الخَلِيفَتَانِ مِنْ بَعْدِي، وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ»(628).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(626) راجع: مناحل الشفا للخركوشي (ج 5/ ص 289 و290/ ح 2232).
(627) رواه المصنِّف (رحمه الله) في معاني الأخبار (ص 90/ باب معنى الثقلين والعترة/ ح 1)، وفي الخصال (ص 65/ ح 97).
(628) رواه المصنِّف (رحمه الله) في أماليه (ص 500/ ح 686/15)، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 273)، والحمويني في فرائد السمطين (ج 2/ ص 144).

(٣٦٣)

[123/53] حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شُعَيْبٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ العَلَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ الحَسَنِ الحِيرِيُّ(629) بِالكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ الحُسَيْنِ العُرَنِيُّ(630)، عَنْ عَمْرِو بْنِ جُمَيْعٍ، عَنْ عَمْرِو ابْنِ أَبِي المِقْدَامِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ (عليهما السلام)، قَالَ: «أَتَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ فَقُلْتُ: أَخْبِرْنَا عَنْ حِجَّةِ الوَدَاعِ، فَذَكَرَ حَدِيثاً طَوِيلاً، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي، كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ - ثَلَاثاً -».
[124/54] حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ القُشَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الحَاتِمِ المُغِيرَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ المُهَلَّبِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الكِلَابِيُّ الكُوفِيُّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الحَمِيدِ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا، كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ».
حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ القُشَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي الحَسَنُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ الدَّهَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعَّادٌ وَهُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ، وَأَوْشَكَ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الآخَرِ، كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، فَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ»(631).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(629) كذا، وفي بعض النُّسَخ: (الحميري)، ولعلَّه الحسني فصُحِّف.
(630) في بعض النُّسَخ: (المغربي). والظاهر هو الحسن بن الحسين العرني النجَّار الذي روى في تهذيب الأحكام (ج 3/ ص 259/ باب فضل المساجد/ ح 726/46) عن عمرو بن جميع.
(631) هذا الحديث بهذا السند بعينه مضى تحت الرقم (119/49).

(٣٦٤)

حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا القُشَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا المُغِيرَةُ بْنِ مُحَمَّدِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ العَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَطْوَلُ مِنَ الآخَرِ، كِتَابَ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، طَرَفٌ بِيَدِ اللهِ، وَعِتْرَتِي، أَلَا وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ»، فَقُلْتُ لِأَبِي سَعِيدٍ: مَنْ عِتْرَتُهُ؟ قَالَ: أَهْلُ بَيْتِهِ (عليهم السلام)(632).
[125/55] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الحَافِظُ البَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ ابْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الأَشْعَثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُعَلًّى الآدَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: لَـمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) مِنْ حِجَّةِ الوَدَاعِ نَزَلَ غَدِيرَ خُمٍّ، فَأَمَرَ بِدَوْحَاتٍ فَقُمِمْنَ، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: «كَأَنِّي قَدْ دُعِيتُ فَأَجَبْتُ، إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ، كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا، فَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ»، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللهَ (جَلَّ وَعَزَّ) مَوْلَايَ، وَأَنَا مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ»، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيِّ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، فَقَالَ: «مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ»، فَقُلْتُ لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)؟ قَالَ: مَا كَانَ فِي الدَّوْحَاتِ أَحَدٌ إِلَّا وَقَدْ رَآهُ بِعَيْنِهِ وَسَمِعَهُ بِأُذُنِهِ(633).
[126/56] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ أَبُو مُحَمَّدٍ البَجَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: قَالَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(632) تقدَّم بهذا السند عيناً تحت الرقم (120/50).
(633) قد مرَّ بسند آخر تحت الرقم (115/45)، فراجع.

(٣٦٥)

رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «كَأَنِّي قَدْ دُعِيتُ فَأَجَبْتُ، وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الآخَرِ، كِتَابَ اللهِ (عزَّ وجلَّ) حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، فَإِنَّهُمَا لَنْ يَزَالَا جَمِيعاً حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا»(634).
[127/57] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ ابْنِ حَفْصٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَمْرِو بْنِ هَاشِمٍ الجَنْبِيِّ(635)، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ عَطِيَّةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ يَرْفَعُ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا [مِنْ] بَعْدِي، الثَّقَلَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ، كِتَابَ اللهِ (عزَّ وجلَّ) حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، أَلَا وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ»(636).
[128/58] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ التَّمِيمِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي سَيِّدِي عَلِيُّ بْنُ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ الحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيٍّ (صلوات الله عليهم)، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ».
[129/59] حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ شَاذَانَ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ، عَنِ الفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(634) رواه محمّد بن سليمان الكوفي (رحمه الله) في مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) (ج 2/ ص 112/ ح 604) بسند آخر.
(635) بفتح الجيم وسكون النون بعدها موحَّدة كما في تقريب التهذيب (ج 1/ ص 747/ الرقم 5142)، وقال: كوفي فيه لين. والحسني أو الحرمي كما في النُّسَخ تصحيف.
(636) مسند أحمد (ج 3/ ص 59)، مسند أبي يعلى (ج 2/ ص 376/ ح 166/1140).

(٣٦٦)

عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى(637)، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَنَشِ بْنِ المُعْتَمِرِ(638)، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ الغِفَارِيَّ (رحمه الله) آخِذاً بِحَلْقَةِ بَابِ الكَعْبَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: أَلَا مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي فَأَنَا أَبُو ذَرٍّ جُنْدَبُ بْنُ السَّكَنِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يَقُولُ: «إِنِّي خَلَّفْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ، أَلَا وَإِنَّ مَثَلَهُمَا فِيكُمْ كَسَفِينَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَ فِيهَا نَجَا وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ».
[130/60] حَدَّثَنَا شَرِيفُ الدِّينِ الصَّدُوقُ أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِئَارَةَ(639) بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَسَنِ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ النَّيْسَابُورِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ رَكِينِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ(640)، كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، فَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ»(641).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(637) هو عبيد الله بن موسى بن أبي المختار باذام العبسي، مولاهم الكوفي، كان يتشيَّع، وقال أبو حاتم: كان أثبت في إسرائيل من أبي نعيم. والمراد بإسرائيل: إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني. وفي بعض النُّسَخ: (عبد الله بن موسى)، وهو تصحيف.
(638) في بعض النُّسَخ: (حبش بن المعتمر)، وفي بعضها: (حبيش بن البشر)، وفي بعضها: (حنش بن المعتمر)، وكلُّها مصحَّف وإنْ عنون الأخير الميرزا محمّد. والصواب: (حبشي بن جنادة بن النصر) الصحابي الذي شهد حجَّة الوداع، وقال ابن عدي في الكامل (ج 2/ ص 442/ الرقم 186/555): يُكنَّى أبا الجنوب، شهد مع عليٍّ مشاهده، يروي عنه أبو إسحاق السبيعي.
(639) في بعض النُّسَخ: (زيادة)، وهو تصحيف، ولعلَّ الصواب: (زبارة)، وبنو زبارة جماعة من أهل نيشابور.
(640) في بعض النُّسَخ: (الثقلين).
(641) مسند أحمد (ج 35/ ص 512/ ح 21654)، المعجم الكبير للطبراني (ج 5/ ص 153/ ح 4921).

(٣٦٧)

[131/61] حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبْدُوسٍ العَطَّارُ النَّيْسَابُورِيُّ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنِ الفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَطِيَّةَ العَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ، كِتَابَ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، فَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ»(642).
[132/62] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، عَنِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، قَالَ: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ كِتَابَ اللهِ وَأَهْلَ بَيْتِي، فَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ»(643).
[133/63] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ الصَّفَّارُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ اليَمَانِيِّ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الهِلَالِيِّ، عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى طَهَّرَنَا وَعَصَمَنَا وَجَعَلَنَا شُهَدَاءَ عَلَى خَلْقِهِ وَحُجَجاً فِي أَرْضِهِ، وَجَعَلَنَا مَعَ القُرْآنِ وَجَعَلَ القُرْآنَ مَعَنَا لَا نُفَارِقُهُ وَلَا يُفَارِقُنَا»(644)،(645).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(642) مسند أحمد (ج 17/ ص 169 و170 و308 و309/ ح 11104 و11211)، مسند أبي يعلى (ج 2/ ص 303/ ح 54/1027)، المعجم الصغير للطبراني (ج 1/ ص 131).
(643) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 135/ ح 150).
(644) رواه الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 103/ ج 2/ باب 13/ ح 6)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 191/ باب في أنَّ الأئمَّة شهداء الله (عزَّ وجلَّ) على خلقه/ ح 5) بسند آخر.
(645) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٢/ ص 343): («إنَّ الله [تبارك] وتعالى طهَّرنا» أي من الشرك والعقائد الفاسدة والأخلاق الرديئة، «وعصمنا» أي من المعاصي والذنوب، «وجعلنا مع القرآن» حيث نعمل بما فيه، أو يدلُّ على فضلنا ووجوب طاعتنا، «وجعل القرآن معنا» لأنَّه عندهم لفظاً ومعنًى).

(٣٦٨)

[134/64] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ جَعْفَرٍ الهَمْدَانِيُّ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ غِيَاثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهم السلام)، قَالَ: «سُئِلَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صلوات الله عليه) عَنِ مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي، مَنِ العِتْرَةُ؟ فَقَالَ: «أَنَا وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ وَالأَئِمَّةُ التِّسْعَةُ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ، تَاسِعُهُمْ مَهْدِيُّهُمْ وَقَائِمُهُمْ، لَا يُفَارِقُونَ كِتَابَ اللهِ وَلَا يُفَارِقُهُمْ حَتَّى يَرِدُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) حَوْضَهُ»(646).
[135/65] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ البَرْقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ غِيَاثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام): «يَا عَلِيُّ، أَنَا مَدِينَةُ الحِكْمَةِ(647) وَأَنْتَ بَابُهَا، وَلَنْ تُؤْتَى المَدِينَةُ إِلَّا مِنْ قِبَلِ البَابِ، فَكَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي وَيُبْغِضُكَ، لِأَنَّكَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ، لَحْمُكَ مِنْ لَحْمِي، وَدَمُكَ مِنْ دَمِي، وَرُوحُكَ مِنْ رُوحِي، وَسَرِيرَتُكَ مِنْ سَرِيرَتِي، وَعَلَانِيَتُكَ مِنْ عَلَانِيَتِي، وَأَنْتَ إِمَامُ أُمَّتِي، وَخَلِيفَتِي عَلَيْهَا بَعْدِي، سَعِدَ مَنْ أَطَاعَكَ، وَشَقِيَ مَنْ عَصَاكَ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(646) رواه المصنِّف (رحمه الله) في معاني الأخبار (ص 90 و91/ باب معنى الثقلين والعترة/ ح 4)، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 60/ ح 25)، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 180 و181)، والراوندي (رحمه الله) في قَصص الأنبياء (ص 358/ ح 465).
(647) في بعض النُّسَخ: (مدينة العلم)، وفي بعضها معاً بزيادة الواو.

(٣٦٩)

وَرَبِحَ مَنْ تَوَلَّاكَ، وَخَسِرَ مَنْ عَادَاكَ، وَفَازَ مَنْ لَزِمَكَ، وَهَلَكَ مَنْ فَارَقَكَ، مَثَلُكَ وَمَثَلُ الأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِكَ [بَعْدِي] مَثَلُ سَفِينَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ، وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ النُّجُومِ كُلَّمَا غَابَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ»(648).
[معنى العترة والآل والأهل والذرّيَّة والسلالة]:
قال مصنِّف هذا الكتاب (رحمه الله): إِنْ سَأَلَ سَائِلٌ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي، كِتَابَ الله وَعِتْرَتِي، أَلَا وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ»، فقال: ما تُنكِرون أنْ يكون أبو بكر من العترة وكلُّ بني أُميَّة من العترة، أو لا يكون العترة إلَّا لولد الحسن والحسين، فلا يكون عليُّ بن أبي طالب من العترة.
فقيل له: أنكرت ذلك لما جاءت به اللغة، ودلَّ عليه قوله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فأمَّا دلالة قَوْلِهِ (عليه السلام) فَإِنَّهُ قَالَ: «عِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي»، والأهل مأخوذ من أهالة البيت وهم الذين يعمرونه، فقيل لكلِّ من عمر البيت: أهل، كما قيل لمن عمر البيت: أهله، ولذلك قيل لقريش: آل الله، لأنَّهم عُمَّار بيته، والآل: الأهل، قال الله (عزَّ وجلَّ) في قصَّة لوط: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود: 81]، وقال: ﴿إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ﴾ [القمر: 34]، فسمَّى الآل أهلاً، والآل في اللغة الأهل. وإنَّما أصله أنَّ العرب إذا ما أرادت أنْ تُصغِّر الأهل قالت: أُهيل، ثمّ استثقلت الهاء فقالت: آل، وأسقطت الهاء، فصار معنى الآل كلُّ من رجع إلى الرجل من أهله بنسبه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(648) رواه المصنِّف (رحمه الله) في أماليه (ص 341 و342/ ح 408/18)، وابن عقدة في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) (ص 43 و44/ ح 37)، وابن شاذان في مائة منقبة (ص 40 و41/ المنقبة 18)، والكراجكي (رحمه الله) في الرسالة العلويَّة (ص 48 - 50)، ومحمّد بن أبي القاسم الطبري (رحمه الله) في بشارة المصطفى (ص 63/ ح 48).

(٣٧٠)

ثمّ استُعير ذلك في الأُمَّة، فقيل لمن رجع إلى النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بدينه: آل، قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ﴾ [غافر: 46]، وإنَّما صحَّ أنَّ الآل في قصَّة فرعون متَّبعوه لأنَّ الله (عزَّ وجلَّ) إنَّما عذَّبه على الكفر ولم يُعذِّبه على النسب فلم يجز أنْ يكون قوله: ﴿أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ﴾ أهل بيت فرعون، فمتى قال قائل: آل الرجل، فإنَّما يرجع بهذا القول إلى أهله إلَّا أنْ يدلَّ عليه بدلالة الاستعارة، كما جعل اللهُ (جلَّ وعزَّ) بقوله: ﴿أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ﴾، وَرُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «مَا عَنَى إِلَّا ابْنَيْهِ»(649).
وأمَّا الأهل فهم الذرّيَّة من ولد الرجل وولد أبيه وجدِّه ودنيه على ما تعورف، ولا يقال لولد الجدِّ الأبعد: أهل، ألَا ترى أنَّ العرب لا تقول للعجم: أهلنا، وإنْ كان إبراهيم (عليه السلام) جدَّهما، ولا تقول من العرب مضر لأياد: أهلنا، ولا لربيعة، ولا تقول قريش لسائر ولد مضر: أهلنا، ولو جاز أنْ يكون سائر قريش أهل الرسول (عليه السلام) بالنَّسَب لكان ولد مضر وسائر العرب أهله، فالأهل أهل بيت الرجل ودنيه، فأهل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بنو هاشم دون سائر البطون، فإذا ثبت أنَّ قَوْلَهُ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا، كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي»، فسأل سائل: ما العترة؟ فقد فسَّرها هو (عليه السلام) بقوله: «أهل بيتي»، وهكذا في اللغة أنَّ العترة شجرة تنبت على باب جحر الضبِّ، قال الهذلي:

فما كنت أخشى أنْ أُقيم خلافهم * * * لستَّة أبيات كما ينبت العتر(650)،(651)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(649) رواه المصنِّف (رحمه الله) في معاني الأخبار (ص 94/ باب معنى الآل والأهل والعترة والأُمَّة/ ح 2)، وفيه: (ما عنى إلَّا ابنته).
(650) العتر - بكسر العين وسكون التاء -: نبت ينبت مثل المرزنجوش متفرِّقاً، فإذا طال وقطع أصله خرج منه شبه اللبن. وقيل: هو المرزنجوش، وقيل: هو العرفج.
(651) العين للفراهيدي (ج 2/ ص 66)، تهذيب اللغة (ج 2/ ص 158).

(٣٧١)

قال أبو عبيد(652) في كتاب (الأمثال) - حكاه عن أبي عبيدة(653) -: العتر والعطر(654): أصل للإنسان، ومنه قولهم: (عادت لعترها لميس)(655)، أي عادت إلى خُلُق كانت فارقته(656).
فالعترة في أصل اللغة أهل الرجل، وكذا قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «عِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي»، فتبيَّن أنَّ العترة الأهل، والأهل الولد وغيرهم، ولو لم تكن العترة الأهل وكانوا الولد دون سائر أهله لكان قَوْلُهُ (عليه السلام): «إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا، كِتَابَ الله وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ»، لم يدخل عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) في هذه الشريطة، لأنَّه لم يدخل في العترة، فلا يكون عليٌّ (عليه السلام) ممَّن لا يفارقه الكتاب، ولا ممَّن إنْ تمسَّكنا به لن نضلَّ، ولا يكون ممَّن دخل في هذا القول، فيكون كلام النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) خاصًّا دون عامٍّ، فإنْ صلح أنْ يكون خاصًّا في الولد صلح أنْ يكون في بعض الولد، لأنَّه ليس في الكلام ما يدلُّ على خصوصيَّة في جنس دون جنس.
وممَّا يدلُّ على أنَّ عليًّا (عليه السلام) داخل في العترة قَوْلُهُ (عليه السلام): «إِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ»، وقد أجمعت الأُمَّة - إلَّا من شذَّ ممَّن لا يُعَدُّ في ذلك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(652) هو القاسم بن سلام - كظلام - المتوفَّى (223هـ)، وكان من المشاهير في اللغة والحديث والأدب.
(653) هو معمر - كجعفر - ابن المثنَّى - كمعمَّى - البصري النحوي اللغوي المتوفَّى (209هـ). وفي مروج الذهب: (وفي سنة (211هـ) مات أبو عبيدة معمر بن المثنَّى...، كان يرى رأي الخوارج، وبلغ نحواً من مائة سنة، ولم يحضر جنازته أحد من الناس حتَّى اكتُري لها من يحملها ولم يكن يُسلِّم عليه شريف ولا وضيع إلَّا تُكلِّم فيه).
(654) كذا، والصحيح: (العكر) كما في كتاب الأمثال.
(655) العتر: الأصل. ولميس اسم امرأة، مثل يُضرَب لمن يرجع إلى عادة سوء تركها، واللَّام في (لعترها) بمعنى إلى كما في التنزيل: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ (الأنعام: 28).
(656) راجع: الأمثال (ص 282/ الرقم 912).

(٣٧٢)

بخلاف - أنَّ عليًّا (عليه السلام) لم يفارق حكم كتاب الله، وأنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لم يُخلِّف في وقت مضيِّه أحداً أعلم بكتاب الله منه، وقد كان الحسن والحسين (عليهما السلام) ممَّن خلَّفهما، فهل في الأُمَّة من يقول: إنَّهما كانا أعلم بكتاب الله منه؟ وهل كانا إلَّا آخذين عنه ومقتديين به؟ ولا يخلو قَوْلُهُ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا» لكلِّ عصر أراد، أو لعصر دون عصر، فإنْ كان لكلِّ عصر فالعصر الذي كان عليٌّ (عليه السلام) قائماً فيه مَنْ كان مخلِّفاً فينا؟ هل كان الحسن والحسين هما المرادين بهذا القول أو عليٌّ (عليه السلام)؟ فإنْ قال قائل: إنَّه الحسن والحسين (عليهما السلام) أوجب أنَّهما كانا في وقت مضيِّ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أعلم من أبيهما (عليهما السلام)، وخرج من لسان الأُمَّة(657)، وإنْ قال: إنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أراد بهذا وقتاً دون وقت، أجاز على نفسه أنْ يكون أراد بعض العترة دون البعض، لأنَّه ليس الوقت الذي يدَّعيه خصمنا أحقُّ بما ندَّعيه فيه من قول غيره، ولا بدَّ من أنْ يكون النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عمَّ بقوله التخليف لكلِّ الأعصار والدهور أو خصَّ، فإنْ كان عمَّ فالعصر الذي قام فيه عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) قد أوجب أنْ يكون من عترته، اللَّهُمَّ إلَّا أنْ يقال: إنَّه ظلم إذ كان بحضرته من ولده من هو أعلم منه، وهذا لا يقول به مسلم، ولا يجيزه على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) مؤمن.
وكان مرادنا بإيراد قَوْلِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ» في هذا الباب إثبات اتِّصال أمر حُجَج الله (عليهم السلام) إلى يوم القيامة، وأنَّ القرآن لا يخلو من حجَّة مقترن إليه من الأئمَّة الذين هم العترة (عليهم السلام) يعلم حكمه إلى يوم القيامة، لِقَوْلِهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ»، وهكذا قَوْلُهُ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنَّ مَثَلَهُمْ كَمَثَلِ النُّجُومِ كُلَّمَا غَابَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» تصديق لقولنا: «إنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة لله على خلقه ظاهر مشهور أو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(657) أي خرج القائل من لسان الأُمَّة وإجماعهم.

(٣٧٣)

خافٍ مغمور لئلَّا تبطل حُجَج الله (عزَّ وجلَّ) وبيِّناته»، وقد بيَّن النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) مَن العترة المقرونة إلى كتاب الله (جلَّ وعزَّ) في الخبر الذي:
حَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ القَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ السُّكَّرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا الجَوْهَرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ ابْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، كِتَابَ الله وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، فَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ كَهَاتَيْنِ - وَضَمَّ بَيْنَ سَبَّابَتَيْهِ -»، فَقَامَ إِلَيْهِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيُّ وَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، مَنْ عِتْرَتُكَ؟ قَالَ: «عَلِيٌّ وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ وَالأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ»(658).
وَحَكَى مُحَمَّدُ بْنُ بَحْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الجَبَّارِ صَاحِبِ أَبِي العَبَّاسِ ثَعْلَبٍ فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ كِتَابَ (اليَاقُوتَةِ)، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو العَبَّاسِ ثَعْلَبٌ(659)، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، قَالَ: العِتْرَةُ قِطَاعُ المِسْكِ الكِبَارُ فِي النَّافِجَةِ، وَتَصْغِيرُهَا عُتَيْرَةٌ، وَالعِتْرَةُ الرِّيقَةُ العَذْبَةُ، وَتَصْغِيرُهَا عُتَيْرَةٌ، وَالعِتْرَةُ شَجَرَةٌ تَنْبُتُ عَلَى بَابِ وِجَارِ الضَّبِّ - وَأَحْسَبُهُ أَرَادَ: وِجَارَ الضَّبُعِ لِأَنَّ الَّذِي يَكُونُ هُوَ لِلضَّبِّ مَكْنٌ(660) وَلِلضَّبُعِ وِجَارٌ -، ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا خَرَجَتِ الضَّبُّ مِنْ وِجَارِهَا تَمَرَّغَتْ عَلَى تِلْكَ الشَّجَرَةِ، فَهِيَ لِذَلِكَ لَا تَنْمُو وَلَا تَكْبُرُ، وَالعَرَبُ تَضْرِبُ مَثَلاً لِلذَّلِيلِ وَالذِّلَّةِ فَتَقُولُ: أَذَلُّ مِنْ عِتْرَةِ الضَّبِّ، قَالَ: وَتَصْغِيرُهَا عُتَيْرَةٌ، وَالعِتْرَةُ وُلْدُ الرَّجُلِ وَذُرِّيَّتُهُ مِنْ صُلْبِهِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذُرِّيَّةُ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) مِنْ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ (عليهما السلام)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(658) رواه المصنِّف (رحمه الله) في معاني الأخبار (ص 91/ باب معنى الثقلين والعترة/ ح 5).
(659) بالثاء المثلَّثة والعين المهملة، أحمد بن يحيى المتوفَّى (291هـ).
(660) بفتح الميم وسكون الكاف. وفي بعض النُّسَخ: (مسكن)، ولعلَّه تصحيف.

(٣٧٤)

عِتْرَةَ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، قَالَ ثَعْلَبٌ: فَقُلْتُ لاِبْنِ الأَعْرَابِيِّ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فِي السَّقِيفَةِ: (نَحْنُ عِتْرَةُ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم))؟ قَالَ: أَرَادَ بَلْدَتَهُ وَبَيْضَتَهُ.
وعترة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لا محالة ولد فاطمة (عليها السلام)، والدليل على ذلك ردُّ أبي بكر وإنفاذ عليٍّ (عليه السلام) بسورة براءة، وقَوْلُهُ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم):«أُمِرْتُ أَنْ لَا يُبَلِّغَهَا عَنِّي إِلَّا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنِّي»(661)، فأخذها منه ودفعها إلى من كان منه دونه، فلو كان أبو بكر من العترة نسباً - دون تفسير ابن الأعرابي أنَّه أراد البلدة - لكان محالاً أخذ سورة براءة منه ودفعها إلى عليٍّ (عليه السلام).
وقد قيل: إنَّ العترة الصخرة العظيمة يتَّخذ الضبُّ عندها جحراً يأوي إليه، وهذا لقلَّة هدايته، وقد قيل: إنَّ العترة أصل الشجرة المقطوعة التي تنبت من أُصولها وعروقها، والعترة [في] غير هذا المعنى قَوْلُ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «لَا فَرَعَةَ وَلَا عَتِيرَةَ(662)»(663)، وقال: الأصمعي: كان الرجل في الجاهليَّة ينذر نذراً على شاته(664) إذا بلغت غنمه مائة أنْ يذبح رجبيَّته(665) وعتائره، فكان الرجل ربَّما بخل بشاته فيصيد الظباء ويذبحها عن غنمه عند آلهتهم ليوفي بها نذره، وأنشد الحارث بن حلَّزة اليشكري بيتاً:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(661) راجع: مسند أحمد (ج 1/ ص 183/ ح 4)، سُنَن النسائي (ج 5/ ص 129/ ح 8462)، مسند أبي يعلى (ج 1/ ص 100/ ح 104)، مناقب عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) لابن مردويه (ص 251/ ح 368)، شواهد التنزيل للحسكاني (ج 1/ ص 318)، المناقب للخوارزمي (ص 165/ ح 196).
(662) الفَرَع - بالتحريك -: أوَّل ولد تنتجه الناقة. كانوا يذبحونه لآلهتهم يتبرَّكون بذلك، والعتيرة أيضاً هي الذبيحة التي كانت تُذبَح للأصنام في رجب فيصبُّ دمها على رأسها.
(663) مسند أحمد (ج 12/ ص 198 و199/ ح 7256)، سُنَن ابن ماجة (ج 2/ ص 1058/ ح 3168 و3169).
(664) في بحار الأنوار: (على أنَّه).
(665) في بحار الأنوار: (رجيَّه)، راجع: (ج 23/ ص 149).

(٣٧٥)

عنتاً باطلاً وظلماً كما تعترُ * * * عن حجرة الربيض الظباءُ(666)،(667)

يعني يأخذونها بذنب غيرها كما تُذبَح أُولئك الظباء عن غنمهم، وقال الأصمعي: والعترة الريح، والعترة أيضاً شجرة كثيرة اللبن صغيرة تكون نحو تهامة(668)، ويقال: العتر الذَّكَر، عتر يعتر عتراً إذا نعظ، وقال الرياشي: سألت الأصمعي(669) عن العترة فقال: هو نبت مثل المرزنجوش ينبت متفرِّقاً.
قال محمّد بن عليِّ بن الحسين مصنِّف هذا الكتاب (رضي الله عنه): والعترة عليُّ بن أبي طالب وذرّيَّته من فاطمة وسلالة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، [وهم] الذين نصَّ الله تبارك وتعالى عليهم بالإمامة على لسان نبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وهم اثنا عشر: أوَّلهم عليُّ بن أبي طالب وآخرهم المهدي (صلوات الله عليهم) على جميع ما ذهبت إليه العرب في معنى العترة، وذلك أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) من بين جميع بني هاشم ومن بين جميع ولد أبي طالب كقطاع المسك الكبار في النافجة، وعلومهم العذبة عند أهل الحكمة والعقل، وهم الشجرة التي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أصلها، وأمير المؤمنين (عليه السلام) فرعها، والأئمَّة من ولده أغصانها، وشيعتهم ورقها، وعلمهم ثمرها، وهم (عليهم السلام) أُصول الإسلام على معنى البلدة والبيضة، وهم (عليهم السلام) الهداة على معنى الصخرة العظيمة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(666) مصراع الثاني معناه أنَّ الرجل كان يقول في الجاهليَّة: إنْ بلغت إبلي مائة عترت عنها عتيرة، فإذا بلغت مائة ضنَّ بالغنم فصاد ظبياً فذبحه. والحجرة - كغرفة - حظيرة الغنم والإبل. و- كغفلة -: ناحية الدار، ولعلَّ الثاني هنا أصحّ. والربيض - كأمير -: الغنم برعاتها المجتمعة في مربضها.
(667) غريب الحديث للهروي (ج 1/ ص 196)، غريب الحديث لابن قتيبة (ج 1/ ص 76)، تهذيب اللغة (ج 2/ ص 156)، الصحاح للجوهري (ج 2/ ص 736).
(668) في معاني الأخبار (ص 92): (تكون نحو القامة).
(669) الرياشي - بكسر الراء والشين المعجمة -، هو أبو الفضل، العبَّاس بن الفرج اللغوي المقتول بالبصرة أيَّام العلوي البصري صاحب الزنج سنة سبع وخمسين ومائتين، سمع الأصمعي البصري المتوفَّى (215هـ)، اسمه عبد المَلِك بن قريب يُكنَّى أبا سعيد.

(٣٧٦)

التي يتَّخذ الضبُّ عندها جحراً يأوي إليها لقلَّة هدايته، وهم أصل الشجرة المقطوعة لأنَّهم وُتروا وظُلموا وجُفوا وقُطعوا ولم يوصلوا فنبتوا من أُصولهم وعروقهم، لا يضرُّهم قطع من قطعهم، ولا إدبار من أدبر عنهم، إذ كانوا من قِبَل الله منصوصاً عليهم على لسان نبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم).
ومن معنى العترة هم المظلومون المأخوذون بما لم يجترموه ولم يذنبوه ومنافعهم كثيرة، وهم (عليهم السلام) ينابيع العلم على معنى الشجرة الكثيرة اللبن، وهم (عليهم السلام) ذكراناً غير إناث على معنى قول من قال: إنَّ العترة هو الذَّكَر. وهم (عليهم السلام) جند الله (جلَّ وعزَّ) وحزبه على معنى قول الأصمعي: إنَّ العترة الريح، قَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «الرِّيحُ جُنْدُ الله الأَكْبَرُ» في حديث مشهور عنه، والريح عذاب على قوم ورحمة لآخرين. وهم (عليهم السلام) كذلك كالقرآن المقرون إليهم بقول النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إنّي مخلِّف فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي»، قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً﴾ [الإسراء: 82]، وقال (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة: 124 و125]. وهم (عليهم السلام) أصحاب المشاهد المتفرِّقة والبيوت النازحة(670) على معنى الذي ذهب إليه من قال: إنَّ العترة هو نبت مثل المرزنجوش ينبت متفرِّقاً، وبركاتهم (عليهم السلام) منبثَّة في المشرق والمغرب.
وأمَّا الذرّيَّة فقد قال أبو عبيدة: تأويل الذرّيَّات عندنا إذا كانت بالألف(671)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(670) نزحت الدار نزوحاً: بعدت. وبلد نازح وقوم منازيح. وقد نزح بفلان إذا بعد عن دياره غيبة بعيدة.
(671) أي بالألف والتاء: الذرّيَّات.

(٣٧٧)

الأعقاب والنسل، وأمَّا الذي في القرآن: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ [الفرقان: 74]، قرأها عليٌّ (عليه السلام) وحده(672) بهذا المعنى، والآية التي في يس: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [يس: 41]، وقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ﴾ [الأنعام: 133]، فيه لغتان: ذُرّيَّة وذِرّيَّة، مثل عُلّيَّة وعِلّيَّة، وكانت قراءته بالضمِّ وقرأها أبو عمرو، وهي قراءة أهل المدينة إلَّا ما ورد عن زيد بن ثابت أنَّه قرأ: ﴿ذِرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ﴾ [الإسراء: 3] بالكسر، وقال مجاهد في قوله: ﴿إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ﴾ [يونس: 83]: إنَّهم أولاد الذين أُرسل إليهم موسى ومات آباؤهم، فقال الفرَّاء: إنَّما سمُّوا ذرّيَّة لأنَّ آباءهم من القبط وأُمَّهاتهم من بني إسرائيل، قال: وذلك كما قيل لأولاد أهل فارس الذين سقطوا إلى اليمن: الأبناء، لأنَّ أُمَّهاتهم من غير جنس آبائهم، قال أبو عبيدة: يريد الفرَّاء أنَّهم يُسَمّون ذرّيَّة، وهم رجال مذكورون لهذا المعنى، وذرّيَّة الرجل كأنَّهم النشء الذين خرجوا منه، وهو من (ذروت) أو (ذريت) وليس بمهموز، وقال أبو عبيدة: وأصله مهموز ولكن العرب تركت الهمزة فيه وهو في مذهبه من ذرأ الله الخلق كما قال الله (جلَّ ثناؤه): ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ﴾ [الأعراف: 179]، وذرأهم أي أنشأهم وخلقهم، وقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿يَذْرَؤُكُمْ﴾ [الشورى: 11]، أي يخلقكم، فكان ذرّيَّة الرجل هم خلق الله (عزَّ وجلَّ) منه ومن نسله ومن إنشاء الله (عزَّ وجلَّ) من صلبه.
ومعنى السلالة الصفوة من كلِّ شيء، يقال: سلالة وسليل، وَفِي الحَدِيثِ قَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «اللَّهُمَّ اسْقِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ مِنْ سَلِيلِ الجَنَّةِ(673)»، ويقال: السليل هو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(672) أي بصيغة المفرد قبال الجمع.
(673) في النهاية (ج 2/ ص 392): (قيل: هو الشراب البارد، وقيل: الخالص الصافي من القذى والكدر).

(٣٧٨)

صافي شرابها، وإنَّما قيل له: (سليل) لأنَّه سُلَّ حتَّى خلص، وهو فعيل بمعنى المفعول، قالوا في تفسير قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ [المؤمنون: 12]، يعني أنَّه من صفوة طين الأرض، والسلالة النتاج، سُلَّ من أُمِّه أي نتج، وقالت هند بنت أسماء(674) وكانت تحت الحجَّاج بن يوسف الثقفي:

وهل هند إلَّا مهرة عربيَّة * * * سليلة أفراس تجلَّلها بغلُ(675)
فإنْ نتجت مهراً كريماً فبالحريِّ * * * وإنْ يكُ أقرافاً فما فعل الفحلُ(676)

وروي فما جنى الفحل. والسليل المنتوج، والسليلة المنتوجة كأنَّه يريد النتاج الخالص الصافي.
وقيل للحسن والحسين والأئمَّة [من] بعدهما (صلوات الله عليهم أجمعين): سلالة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لأنَّهم الصفوة من ولده (عليهم السلام).
وهذا معنى العترة والذرّيَّة والسلالة في لغة العرب، ونسأل الله التوفيق للصواب في جميع الأُمور برحمته.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(674) في تاج العروس (ج 14/ ص 350)، وبعض نُسَخ الصحاح والعقد الفريد (ج 7/ص 124): (هند بنت نعمان بن بشير). ويمكن أنْ يكون (أسماء) أُمَّها.
(675) قوله: (تجلَّلها) في بعض الكُتُب: (تحلَّلها) بالحاء المهملة، وفي بعضها: (تخلَّلها) بالخاء المعجمة. وفى لسان العرب (ج 11/ ص 339) وتاج العروس: (وما هند). وقوله: (بغل) كذا في تاج العروس والصحاح للجوهري (ج 5/ ص 1731)، وفي العقد الفريد: (بعل)، وفي لسان العرب: (قال ابن برِّي: وذكر بعضهم أنَّها تصحيف، وأنَّ صوابه: (نَغْل) - بفتح النون وسكون الغين المعجمة - وهو الخسيس من الناس والدوابِّ، لأنَّ البغل لا يُنسِل) انتهى. والمُهر - بضمِّ الميم وسكون الهاء -: ولد الفرس. والأُنثى: مُهرة.
(676) كذا، وفي العقد الفريد:

فإنْ أنجبت مهراً عريقاً فبالحريِّ * * * وإنْ يكُ أقراف فما أنجب الفحلُ

وفي لسان العرب: (وإنْ يكُ أقراف فمن قبل الفحلُ).

(٣٧٩)

[136/1] حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ الآدَمِيُّ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ آدَمَ الشَّيْبَانِيُّ(677)، عَنْ أَبِيهِ آدَمَ بْنِ أَبِي أَيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا المُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ وَهْبِ ابْنِ مُنَبِّهٍ، رَفَعَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «لَـمَّا عُرِجَ بِي إِلَى رَبِّي (جلّ جلاله) أَتَانِي النِّدَاءُ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبَّ العَظَمَةِ لَبَّيْكَ، فَأَوْحَى اللهُ تَعَالَى إِلَيَّ: يَا مُحَمَّدُ، فِيمَ اخْتَصَمَ المَلَأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ: إِلَهِي لَا عِلْمَ لِي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَلَّا اتَّخَذْتَ مِنَ الآدَمِيِّينَ وَزِيراً وَأَخاً وَوَصِيًّا مِنْ بَعْدِكَ؟ فَقُلْتُ: إِلَهِي وَمَنْ أَتَّخِذُ؟ تَخَيَّرْ لِي أَنْتَ يَا إِلَهِي، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ: يَا مُحَمَّدُ، قَدِ اخْتَرْتُ لَكَ مِنَ الآدَمِيِّينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقُلْتُ: إِلَهِي ابْنَ عَمِّي؟ فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ عَلِيًّا وَارِثُكَ، وَوَارِثُ العِلْمِ مِنْ بَعْدِكَ، وَصَاحِبُ لِوَائِكَ لِوَاءِ الحَمْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَصَاحِبُ حَوْضِكَ، يَسْقِي مَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ مُؤْمِنِي أُمَّتِكَ، ثُمَّ أَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَيَّ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي قَدْ أَقْسَمْتُ عَلَى نَفْسِي قَسَماً حَقًّا لَا يَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الحَوْضِ مُبْغِضٌ لَكَ وَلِأَهْلِ بَيْتِكَ وَذُرِّيَّتِكَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، حَقًّا أَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، لَأُدْخِلَنَّ جَمِيعَ أُمَّتِكَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى مِنْ خَلْقِي، فَقُلْتُ: إِلَهِي [هَلْ] وَاحِدٌ يَأْبَى مِنْ دُخُولِ الجَنَّةِ؟ فَأَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَيَّ: بَلَى، فَقُلْتُ: وَكَيْفَ يَأْبَى؟ فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ: يَا مُحَمَّدُ، اخْتَرْتُكَ مِنْ خَلْقِي، وَاخْتَرْتُ لَكَ وَصِيًّا مِنْ بَعْدِكَ، وَجَعَلْتُهُ مِنْكَ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَكَ، وَالقَيْتُ مَحَبَّتَهُ فِي قَلْبِكَ، وَجَعَلْتُهُ أَباً لِوُلْدِكَ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(677) كذا، وآدم بن أبي أياس ثقة، وهو العسقلاني لا الشيباني، كما في تقريب التهذيب (ج 1/ ص 50/ الرقم 132). ومحمّد بن آدم ابنه عامّيٌّ مهمل. ومبارك بن فضالة أيضاً عامّيٌّ مختلف فيه.

(٣٧٣)

فَحَقُّهُ بَعْدَكَ عَلَى أُمَّتِكَ كَحَقِّكَ عَلَيْهِمْ فِي حَيَاتِكَ، فَمَنْ جَحَدَ حَقَّهُ فَقَدْ جَحَدَ حَقَّكَ، وَمَنْ أَبَى أَنْ يُوَالِيَهُ فَقَدْ أَبَى أَنْ يُوَالِيَكَ، وَمَنْ أَبَى أَنْ يُوَالِيَكَ فَقَدْ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ، فَخَرَرْتُ لِلهِ (عزَّ وجلَّ) سَاجِداً شُكْراً لِمَا أَنْعَمَ عَلَيَّ، فَإِذَا مُنَادِياً يُنَادِي: ارْفَعْ يَا مُحَمَّدُ رَأْسَكَ، وَسَلْنِي أُعْطِكَ.
فَقُلْتُ: إِلَهِي اجْمَعْ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي عَلَى وَلَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِيَرِدُوا جَمِيعاً عَلَى حَوْضِي يَوْمَ القِيَامَةِ، فَأَوْحَى اللهُ تَعَالَى إِلَيَّ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي قَدْ قَضَيْتُ فِي عِبَادِي قَبْلَ أَنْ أَخْلُقَهُمْ، وَقَضَائِي مَاضٍ فِيهِمْ، لَأُهْلِكُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَأَهْدِي بِهِ مَنْ أَشَاءُ، وَقَدْ آتَيْتُهُ عِلْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ، وَجَعَلْتُهُ وَزِيرَكَ وَخَلِيفَتَكَ مِنْ بَعْدِكَ عَلَى أَهْلِكَ وَأُمَّتِكَ، عَزِيمَةً مِنِّي [لِأُدْخِلَ الجَنَّةَ مَنْ أَحَبَّهُ وَ]لَا أُدْخِلَ الجَنَّةَ مَنْ أَبْغَضَهُ وَعَادَاهُ وَأَنْكَرَ وَلَايَتَهُ بَعْدَكَ، فَمَنْ أَبْغَضَهُ أَبْغَضَكَ، وَمَنْ أَبْغَضَكَ أَبْغَضَنِي، ومَنْ عَادَاهُ فَقَدْ عَادَاكَ، وَمَنْ عَادَاكَ فَقَدْ عَادَانِي، وَمَنْ أَحَبَّهُ فَقَدْ أَحَبَّكَ، وَمَنْ أَحَبَّكَ فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَقَدْ جَعَلْتُ لَهُ هَذِهِ الفَضِيلَةَ، وَأَعْطَيْتُكَ أَنْ أُخْرِجَ مِنْ صُلْبِهِ أَحَدَ عَشَرَ مَهْدِيًّا كُلُّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ مِنَ البِكْرِ البَتُولِ، وَآخِرُ رَجُلٍ مِنْهُمْ يُصَلِّي خَلْفَهُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، يَمْلَأُ الأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ مِنْهُمْ ظُلْماً وَجَوْراً، أُنْجِي بِهِ مِنَ الهَلَكَةِ، وَأُهْدِي بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَأُبْرِئُ بِهِ مِنَ العَمَى، وَأَشْفِي بِهِ المَرِيضَ.
فَقُلْتُ: إِلَهِي وَسَيِّدِي مَتَى يَكُونُ ذَلِكَ؟ فَأَوْحَى اللهُ (جَلَّ وَعَزَّ): يَكُونُ ذَلِكَ إِذَا رُفِعَ العِلْمُ، وَظَهَرَ الجَهْلُ، وَكَثُرَ القُرَّاءُ، وَقَلَّ العَمَلُ، وَكَثُرَ القَتْلُ، وَقَلَّ الفُقَهَاءُ الهَادُونَ، وَكَثُرَ فُقَهَاءُ الضَّلَالَةِ وَالخَوَنَةُ، وَكَثُرَ الشُّعَرَاءُ، وَاتَّخَذَ أُمَّتُكَ قُبُورَهُمْ مَسَاجِدَ، وَحُلِّيَتِ المَصَاحِفُ، وَزُخْرِفَتِ المَسَاجِدُ، وَكَثُرَ الجَوْرُ وَالفَسَادُ، وَظَهَرَ المُنْكَرُ، وَأَمَرَ أُمَّتُكَ بِهِ، وَنَهَوْا عَنِ المَعْرُوفِ، وَاكْتَفَى الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ، وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ، وَصَارَتِ الأُمَرَاءُ كَفَرَةً، وَأَوْلِيَاؤُهُمْ فَجَرَةً، وَأَعْوَانُهُمْ ظَلَمَةً، وَذَوِي الرَّأْيِ مِنْهُمْ فَسَقَةً، وَعِنْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ

(٣٧٤)

بِالمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ العَرَبِ، وَخَرَابُ البَصْرَةِ عَلَى يَدِ رَجُلٍ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ يَتْبَعُهُ الزُّنُوجُ، وَخُرُوجُ رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَظُهُورُ الدَّجَّالِ يَخْرُجُ بِالمَشْرِقِ مِنْ سِجِسْتَانَ، وَظُهُورُ السُّفْيَانِيِّ.
فَقُلْتُ: إِلَهِي وَمَتَى يَكُونُ بَعْدِي مِنَ الفِتَنِ؟ فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ وَأَخْبَرَنِي بِبَلَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَفِتْنَةِ وُلْدِ عَمِّي، وَمَا يَكُونُ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، فَأَوْصَيْتُ بِذَلِكَ ابْنَ عَمِّي حِينَ هَبَطْتُ إِلَى الأَرْضِ وَأَدَّيْتُ الرِّسَالَةَ، وَللهِ الحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا حَمِدَهُ النَّبِيُّونَ، وَكَمَا حَمِدَهُ كُلُّ شَيْءٍ قَبْلي وَمَا هُوَ خَالِقُهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ»(678).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(678) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 51/ ص 70 و71): (بيان: قوله تعالى: «فيما اختصم الملأ الأعلى»، إشارة إلى قوله تعالى: ﴿مَا كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالمَلَإِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [ص: 69]، والمشهور بين المفسِّرين أنَّه إشارة إلى قوله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30]، وسؤال الملائكة في ذلك، فلعلَّه تعالى سأله أوَّلاً عن ذلك، ثمّ أخبره به وبيَّن أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة وخليفة، ثمّ سأله عن خليفته وعيَّن له الخلفاء بعده. ولا يبعد أنْ يكون الملائكة سألوا في ذلك الوقت عن خليفة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فأخبره الله بذلك، وقد مضى في باب المعراج بعض القول في ذلك.قوله تعالى: «وخراب البصرة» إشارة إلى قصَّة صاحب الزنج الذي خرج في البصرة سنة ستّ أو خمس وخمسين ومأتين، ووعد كلَّ من أتى إليه من السودان أنْ يعتقهم ويكرمهم، فاجتمع إليه منهم خلق كثير، وبذلك علا أمره، ولذا لُقِّبَ: صاحب الزنج، وكان يزعم أنَّه عليُّ بن محمّد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام). وقال ابن أبي الحديد: (وأكثر الناس يقدحون في نسبه وخصوصاً الطالبيُّون، وجمهور النسَّابين [اتَّفقوا] على أنَّه من عبد القيس، وأنَّه عليُّ بن محمّد بن عبد الرحيم، وأُمُّه أسديَّة من أسد بن خزيمة، جدُّها محمّد بن الحَكَم الأسدي من أهل الكوفة). ونحو ذلك قال ابن الأثير في الكامل، والمسعودي في مروج الذهب. ويظهر من الخبر أنَّ نسبه كان صحيحاً. ثمّ اعلم أنَّ هذه العلامات لا يلزم كونها مقارنة لظهوره (عليه السلام)؛ إذ الغرض بيان أنَّ قبل ظهوره (عليه السلام) يكون هذه الحوادث كما أنَّ كثيراً من أشراط الساعة التي روتها العامَّة والخاصَّة ظهرت قبل ذلك بدهور وأعوام، وقصَّة صاحب الزنج كانت مقارنة لولادته (عليه السلام)، ومن هذا الوقت ابتدأت علاماته إلى أنْ يظهر (عليه السلام). على أنَّه يحتمل أنْ يكون الغرض علامات ولادته (عليه السلام) لكنَّه بعيد).

(٣٧٥)

[137/2] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَابُنْدَاذَ(679)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ(680)، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «لَـمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ أَوْحَى إِلَيَّ رَبِّي (جلّ جلاله)، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَطْلَعْتُ عَلَى الأَرْضِ إطلَاعَةً، فَاخْتَرْتُكَ مِنْهَا، فَجَعَلْتُكَ نَبِيًّا، وَشَقَقْتُ لَكَ مِنِ اسْمِي اسْماً، فَأَنَا المَحْمُودُ وَأَنْتَ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ أَطْلَعْتُ الثَّانِيَةَ فَاخْتَرْتُ مِنْهَا عَلِيًّا، وَجَعَلْتُهُ وَصِيَّكَ، وَخَلِيفَتَكَ، وَزَوْجَ ابْنَتِكَ، وَأَبَا ذُرِّيَّتِكَ، وَشَقَقْتُ لَهُ اسْماً مِنْ أَسْمَائِي، فَأَنَا العَلِيُّ الأَعْلَى وَهُوَ عَلِيٌّ، وَخَلَقْتُ فَاطِمَةَ وَالحَسَنَ وَالحُسَيْنَ مِنْ نُورِكُمَا، ثُمَّ عَرَضْتُ وَلَايَتَهُمْ عَلَى المَلَائِكَةِ، فَمَنْ قَبِلَهَا كَانَ عِنْدِي مِنَ المُقَرَّبِينَ. يَا مُحَمَّدُ، لَوْ أَنَّ عَبْداً عَبَدَنِي حَتَّى يَنْقَطِعَ وَيَصِيرَ كَالشَّنِّ البَالِي، ثُمَّ أَتَانِي جَاحِداً لِوَلَايَتِهِمْ، فَمَا أَسْكَنْتُهُ جَنَّتِي وَلَا أَظْلَلْتُهُ تَحْتَ عَرْشِي. يَا مُحَمَّدُ، تُحِبُّ أَنْ تَرَاهُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَبِّ، فَقَالَ (عزَّ وجلَّ): ارْفَعْ رَأْسَكَ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَإِذَا أَنَا بِأَنْوَارِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، وَعَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، وَعَلِيِّ بْنِ مُوسَى، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَالحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، و(م ح م د) بْنِ الحَسَنِ القَائِمِ فِي وَسْطِهِمْ كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، قُلْتُ: يَا رَبِّ، وَمَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الأَئِمَّةُ، وَهَذَا القَائِمُ الَّذِي يُحَلِّلُ حَلَالِي، وَيُحَرِّمُ حَرَامِي، وَبِهِ أَنْتَقِمُ مِنْ أَعْدَائِي، وَهُوَ رَاحَةٌ لِأَوْلِيَائِي، وَهُوَ الَّذِي يَشْفِي قُلُوبَ شِيعَتِكَ مِنَ الظَّالِمِينَ وَالجَاحِدِينَ وَالكَافِرِينَ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(679) في المحكي عن إيضاح الرجال - في هامش بعض المخطوطة -: (مابنذاذ بالميم قبل الألف والباء المضمومة المنقَّطة تحتها نقطة بعد الألف ثمّ النون ثمّ الذال المعجمة المفتوحة بعد الألف وقبلها). ولم أقف على حاله.
(680) أحمد بن هلال العبرتائي متَّهم في دينه غال. ورواية ابن أبي عمير عن المفضَّل بدون الواسطة بعيد.

(٣٨٦)

فَيُخْرِجُ اللَّاتَ وَالعُزَّى طَرِيَّيْنِ فَيُحْرِقُهُمَا، فَلَفِتْنَةُ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بِهِمَا أَشَدُّ مِنْ فِتْنَةِ العِجْلِ وَالسَّامِرِيِّ»(681).
[138/3] حَدَّثَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ الفَزَارِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي المُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الجُعْفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: لَـمَّا أَنْزَلَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَرَفْنَا اللهَ وَرَسُولَهُ، فَمَنْ أُولُو الأَمْرِ الَّذِينَ قَرَنَ اللهُ طَاعَتَهُمْ بِطَاعَتِكَ؟ فَقَالَ (عليه السلام): «هُمْ خُلَفَائِي يَا جَابِرُ، وَأَئِمَّةُ المُسْلِمِينَ [مِنْ] بَعْدِي، أَوَّلُهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، ثُمَّ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ، ثُمَّ عَلِيُّ ابْنُ الحُسَيْنِ، ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ المَعْرُوفُ فِي التَّوْرَاةِ بِالبَاقِرِ، وَسَتُدْرِكُهُ يَا جَابِرُ، فَإِذَا لَقِيتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، ثُمَّ الصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ، ثُمَّ عَلِيُّ ابْنُ مُوسَى، ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، ثُمَّ سَمِيِّي وَكَنِيِّي حُجَّةُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، وَبَقِيَّتُهُ فِي عِبَادِهِ ابْنُ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، ذَاكَ الَّذِي يَفْتَحُ اللهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَى يَدَيْهِ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، ذَاكَ الَّذِي يَغِيبُ عَنْ شِيعَتِهِ وَأَوْلِيَائِهِ غَيْبَةً لَا يَثْبُتُ فِيهَا عَلَى القَوْلِ بِإِمَامَتِهِ إِلَّا مَنِ امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ».
قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَهَلْ يَقَعُ لِشِيعَتِهِ الاِنْتِفَاعُ بِهِ فِي غَيْبَتِهِ؟ فَقَالَ (عليه السلام): «إِي وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالنُّبُوَّةِ، إِنَّهُمْ يَسْتَضِيئُونَ بِنُورِهِ وَيَنْتَفِعُونَ بِوَلَايَتِهِ فِي غَيْبَتِهِ كَانْتِفَاعِ النَّاسِ بِالشَّمْسِ وَإِنْ تَجَلَّلَهَا سَحَابٌ. يَا جَابِرُ، هَذَا مِنْ مَكْنُونِ سِرِّ اللهِ، وَمَخْزُونِ عِلْمِهِ، فَاكْتُمْهُ إِلَّا عَنْ أَهْلِهِ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(681) رواه المصنِّف (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 60 و61/ ح 27)، والخزَّاز (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 152 و153).

(٣٨٧)

قَالَ جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ: فَدَخَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ (عليهما السلام)، فَبَيْنَمَا هُوَ يُحَدِّثُهُ إِذْ خَرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ البَاقِرُ (عليهما السلام) مِنْ عِنْدِ نِسَائِهِ وَعَلَى رَأْسِهِ ذُؤَابَةٌ، وَهُوَ غُلَامٌ، فَلَمَّا بَصُرَ بِهِ جَابِرٌ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُ، وَقَامَتْ كُلُّ شَعْرَةٍ عَلَى بَدَنِهِ، وَنَظَرَ إِلَيْهِ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا غُلَامُ، أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، فَقَالَ جَابِرُ: شَمَائِلُ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وَرَبِّ الكَعْبَةِ، ثُمَّ قَامَ فَدَنَا مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُكَ يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ: «مُحَمَّدٌ»، قَالَ: ابْنُ مَنْ؟ قَالَ: «ابْنُ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ»، قَالَ: يَا بُنَيَّ، فَدَتْكَ نَفْسِي، فَأَنْتَ إِذاً البَاقِرُ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، ثُمَّ قَالَ: «فَأَبْلِغْنِي مَا حَمَلَكَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)»، فَقَالَ جَابِرٌ: يَا مَوْلَايَ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بَشَّرَنِي بِالبَقَاءِ إِلَى أَنْ القَاكَ، وَقَالَ لِي: «إِذَا لَقِيتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ»، فَرَسُولُ اللهِ يَا مَوْلَايَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «يَا جَابِرُ، عَلَى رَسُولِ اللهِ السَّلَامُ مَا قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَعَلَيْكَ يَا جَابِرُ كَمَا بَلَّغْتَ السَّلَامَ»، فَكَانَ جَابِرٌ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ وَيَتَعَلَّمُ مِنْهُ، فَسَأَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ (عليهما السلام) عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ لَهُ جَابِرٌ: وَاللهِ مَا دَخَلْتُ فِي نَهْيِ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فَقَدْ أَخْبَرَنِي أَنَّكُمْ أَئِمَّةُ(682) الهُدَاةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ مِنْ بَعْدِهِ أَحْلَمُ النَّاسِ صِغَاراً، وَأَعْلَمُ النَّاسِ كِبَاراً، وَقَالَ: «لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ»، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «صَدَقَ جَدِّي رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، إِنِّي لَأَعْلَمُ مِنْكَ بِمَا سَالتُكَ عَنْهُ، وَلَقَدْ أُوتِيتُ الحُكْمَ صَبِيًّا، كُلُّ ذَلِكَ بِفَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَرَحْمَتِهِ لَنَا أَهْلَ البَيْتِ».
[139/4] حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الهَاشِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُرَاتُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ فُرَاتٍ الكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الهَمْدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الفَضْلِ العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ القَاسِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(682) كذا، والصحيح: (الأئمَّة)، كما في بحار الأنوار (ج 36/ ص 251).

(٣٨٨)

صَالِحٍ الهَرَوِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا (عليه السلام)، عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «مَا خَلَقَ اللهُ خَلْقاً أَفْضَلَ مِنِّي، وَلَا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنِّي»، قَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَنْتَ أَفْضَلُ أَمْ جَبْرَئِيلُ؟»، فَقَالَ (عليه السلام): «يَا عَلِيُّ، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَضَّلَ أَنْبِيَاءَهُ المُرْسَلِينَ عَلَى مَلَائِكَتِهِ المُقَرَّبِينَ، وَفَضَّلَنِي عَلَى جَمِيعِ النَّبِيِّينَ وَالمُرْسَلِينَ، وَالفَضْلُ بَعْدِي لَكَ يَا عَلِيُّ، وَلِلْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِكَ، فَإِنَّ المَلَائِكَةَ لَخُدَّامُنَا وَخُدَّامُ مُحِبِّينَا. يَا عَلِيُّ، الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ... وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِوَلَايَتِنَا. يَا عَلِيُّ، لَوْلَا نَحْنُ مَا خَلَقَ اللهُ آدَمَ وَلَا حَوَّا، وَلَا الجَنَّةَ وَلَا النَّارَ، وَلَا السَّمَاءَ وَلَا الأَرْضَ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ المَلَائِكَةِ وَقَدْ سَبَقْنَاهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ وَمَعْرِفَةِ رَبِّنَا (عزَّ وجلَّ) وَتَسْبِيحِهِ وَتَقْدِيسِهِ وَتَهْلِيلِهِ، لِأَنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) أَرْوَاحُنَا، فَأَنْطَقَنَا بِتَوْحِيدِهِ وَتَمْجِيدِهِ، ثُمَّ خَلَقَ المَلَائِكَةَ، فَلَمَّا شَاهَدُوا أَرْوَاحَنَا نُوراً وَاحِداً اسْتَعْظَمُوا أُمُورَنَا، فَسَبَّحْنَا لِتَعْلَمَ المَلَائِكَةُ أَنَّا خَلْقٌ مَخْلُوقُونَ، وَأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِنَا، فَسَبَّحَتِ المَلَائِكَةُ لِتَسْبِيحِنَا، وَنَزَّهَتْهُ عَنْ صِفَاتِنَا، فَلَمَّا شَاهَدُوا عِظَمَ شَأْنِنَا هَلَّلْنَا لِتَعْلَمَ المَلَائِكَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّا عَبِيدٌ وَلَسْنَا بِآلِهَةٍ يَجِبُ أَنْ نُعْبَدَ مَعَهُ أَوْ دُونَهُ، فَقَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَلَمَّا شَاهَدُوا كِبَرَ مَحَلِّنَا كَبَّرْنَا اللهَ لِتَعْلَمَ المَلَائِكَةُ أَنَّ اللهَ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُنَالَ، وَأَنَّهُ عَظِيمُ المَحَلِّ، فَلَمَّا شَاهَدُوا مَا جَعَلَ اللهُ لَنَا مِنَ العِزَّةِ وَالقُوَّةِ، قُلْنَا: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ، لِتَعْلَمَ المَلَائِكَةُ أَنْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، فَقَالَتِ المَلَائِكَةُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، فَلَمَّا شَاهَدُوا مَا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَيْنَا وَأَوْجَبَهُ لَنَا مِنْ فَرْضِ الطَّاعَةِ، قُلْنَا: الحَمْدُ لِلهِ، لِتَعْلَمَ المَلَائِكَةُ مَا يَحِقُّ الله تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَيْنَا مِنَ الحَمْدِ عَلَى نِعَمِهِ، فَقَالَتِ المَلَائِكَةُ: الحَمْدُ لِلهِ، فَبِنَا اهْتَدَوْا إِلَى مَعْرِفَةِ [تَوْحِيدِ] اللهِ تَعَالَى وَتَسْبِيحِهِ وَتَهْلِيلِهِ وَتَحْمِيدِهِ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ (عليه السلام) وَأَوْدَعَنَا صُلْبَهُ وَأَمَرَ المَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ

(٣٨٩)

لَهُ تَعْظِيماً لَنَا وَإِكْرَاماً، وَكَانَ سُجُودُهُمْ لِلهِ (عزَّ وجلَّ) عُبُودِيَّةً وَلِآدَمَ إِكْرَاماً وَطَاعَةً لِكَوْنِنَا فِي صُلْبِهِ، فَكَيْفَ لَا نَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ المَلَائِكَةِ وَقَدْ سَجَدُوا لِآدَمَ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ؟ وَأَنَّهُ لَـمَّا عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ أَذَّنَ جَبْرَئِيلُ مَثْنَى مَثْنَى، وَأَقَامَ مَثْنَى مَثْنَى، ثُمَّ قَالَ: تَقَدَّمْ يَا مُحَمَّدُ، فَقُلْتُ: يَا جَبْرَئِيلُ، أَتَقَدَّمُ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، لِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ فَضَّلَ أَنْبِيَاءَهُ عَلَى مَلَائِكَتِهِ أَجْمَعِينَ وَفَضَّلَكَ خَاصَّةً، فَتَقَدَّمْتُ وَصَلَّيْتُ بِهِمْ وَلَا فَخْرَ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى حُجُبِ النُّورِ قَالَ لِي جَبْرَئِيلُ (عليه السلام): تَقَدَّمْ يَا مُحَمَّدُ، وَتَخَلَّفْ عَنِّي، فَقُلْتُ: يَا جَبْرَئِيلُ، فِي مِثْلِ هَذَا المَوْضِعِ تُفَارِقُنِي؟ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ هَذَا انْتِهَاءُ حَدِّيَ الَّذِي وَضَعَهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) لِي فِي هَذَا المَكَانِ، فَإِنْ تَجَاوَزْتُهُ احْتَرَقَتْ أَجْنِحَتِي لِتَعَدِّي حُدُودِ رَبِّي (جلّ جلاله)، فَزُخَّ بِي زَخَّةً فِي النُّورِ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى حَيْثُ مَا شَاءَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) مِنْ مَلَكُوتِهِ، فَنُودِيتُ: يَا مُحَمَّدُ، فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّي وَسَعْدَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، فَنُودِيتُ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، فَإِيَّايَ فَاعْبُدْ، وَعَلَيَّ فَتَوَكَّلْ، فَإِنَّكَ نُورِي فِي عِبَادِي، وَرَسُولِي إِلَى خَلْقِي، وَحُجَّتِي فِي بَرِيَّتِي، لِمَنْ تَبِعَكَ خَلَقْتُ جَنَّتِي، وَلِمَنْ خَالَفَكَ خَلَقْتُ نَارِي، وَلِأَوْصِيَائِكَ أَوْجَبْتُ كَرَامَتِي، وَلِشِيعَتِكَ أَوْجَبْتُ ثَوَابِي.
فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، وَمَنْ أَوْصِيَائِي؟ فَنُودِيتُ: يَا مُحَمَّدُ، [إِنَّ] أَوْصِيَاءَكَ المَكْتُوبُونَ عَلَى سَاقِ العَرْشِ، فَنَظَرْتُ - وَأَنَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّي - إِلَى سَاقِ العَرْشِ، فَرَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ نُوراً، فِي كُلِّ نُورٍ سَطْرٌ أَخْضَرُ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ اسْمُ كُلِّ وَصِيٍّ مِنْ أَوْصِيَائِي، أَوَّلُهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَآخِرُهُمْ مَهْدِيُّ أُمَّتِي.
فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، أَهَؤُلَاءِ أَوْصِيَائِي مِنْ بَعْدِي؟ فَنُودِيتُ: يَا مُحَمَّدُ، هَؤُلَاءِ أَوْلِيَائِي وَأَحِبَّائِي وَأَصْفِيَائِي وَحُجَجِي بَعْدَكَ عَلَى بَرِيَّتِي، وَهُمْ أَوْصِيَاؤُكَ وَخُلَفَاؤُكَ وَخَيْرُ خَلْقِي بَعْدَكَ. وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُظْهِرَنَّ بِهِمْ دِينِي، وَلَأُعْلِيَنَّ بِهِمْ كَلِمَتِي، وَلَأُطَهِّرَنَّ الأَرْضَ بِآخِرِهِمْ مِنْ أَعْدَائِي، وَلَأُمَلِّكَنَّهُ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَلَأُسَخِّرَنَّ لَهُ الرِّيَاحَ، وَلَأُذَلِّلَنَّ لَهُ الرِّقَابَ الصِّعَابَ، وَلَأُرْقِيَنَّهُ فِي

(٣٩٠)

الأَسْبَابِ، وَلَأَنْصُرَنَّهُ بِجُنْدِي، وَلَأُمِدَّنَّهُ بِمَلَائِكَتِي حَتَّى يُعْلِنَ دَعْوَتِي وَيَجْمَعَ الخَلْقَ عَلَى تَوْحِيدِي، ثُمَّ لَأُدِيمَنَّ مُلْكَهُ، وَلَأُدَاوِلَنَّ الأَيَّامَ بَيْنَ أَوْلِيَائِي إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ»(683).
وَالحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(683) رواه المصنِّف (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 237 و238/ ح 22)، وفي علل الشرائع (ج 1/ ص 5 - 7/ باب 7/ ح 1).

(٣٩١)

[140/1] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي القَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيِّ الكُوفِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الجُعْفِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «لُعِنَ المُجَادِلُونَ(684) فِي دِينِ اللهِ عَلَى لِسَانِ سَبْعِينَ نَبِيًّا، وَمَنْ جَادَلَ فِي آيَاتِ اللهِ فَقَدْ كَفَرَ، قَالَ اللهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي البِلَادِ﴾ [غافر: 4]، وَمَنْ فَسَّرَ القُرْآنَ بِرَأْيِهِ فَقَدِ افْتَرَى عَلَى اللهِ الكَذِبَ، وَمَنْ أَفْتَى النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلَعَنَتْهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ سَبِيلُهَا إِلَى النَّارِ».
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرْشِدْنِي إِلَى النَّجَاةِ، فَقَالَ: «يَا ابْنَ سَمُرَةَ، إِذَا اخْتَلَفَتِ الأَهْوَاءُ، وَتَفَرَّقَتِ الآرَاءُ، فَعَلَيْكَ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنَّهُ إِمَامُ أُمَّتِي، وَخَلِيفَتِي عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدِي، وَهُوَ الفَارُوقُ الَّذِي يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، مَنْ سَأَلَهُ أَجَابَهُ، وَمَنِ اسْتَرْشَدَهُ أَرْشَدَهُ، وَمَنْ طَلَبَ الحَقَّ عِنْدَهُ وَجَدَهُ، وَمَنِ التَمَسَ الهُدَى لَدَيْهِ صَادَفَهُ، وَمَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ آمَنَهُ، وَمَنِ اسْتَمْسَكَ بِهِ نَجَّاهُ، وَمَنِ اقْتَدَى بِهِ هَدَاهُ. يَا ابْنَ سَمُرَةَ، سَلِمَ مِنْكُمْ مَنْ سَلَّمَ لَهُ وَوَالَاهُ، وَهَلَكَ مَنْ رَدَّ عَلَيْهِ وَعَادَاهُ. يَا ابْنَ سَمُرَةَ، إِنَّ عَلِيًّا مِنِّي، رُوحُهُ مِنْ رُوحِي، وَطِينَتُهُ مِنْ طِينَتِي، وَهُوَ أَخِي وَأَنَا أَخُوهُ، وَهُوَ زَوْجُ ابْنَتِي فَاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِسَاءِ العَالَمِينَ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَإِنَّ مِنْهُ إِمَامَيْ أُمَّتِي وَسَيِّدَيْ شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(684) في بعض النُّسَخ: (لعن الله المجادلين).

(٣٩٥)

الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ، وَتِسْعَةً مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ تَاسِعُهُمْ قَائِمُ أُمَّتِي، يَمْلَأُ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً»(685).
[141/2] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ المُتَوَكِّلِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ الكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ النَّخَعِيُّ، عَنْ عَمِّهِ الحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى أَطْلَعَ إِلَى الأَرْضِ(686) إطْلَاعَةً فَاخْتَارَنِي مِنْهَا فَجَعَلَنِي نَبِيًّا، ثُمَّ أَطْلَعَ الثَّانِيَةَ فَاخْتَارَ مِنْهَا عَلِيًّا فَجَعَلَهُ إِمَاماً، ثُمَّ أَمَرَنِي أَنْ أَتَّخِذَهُ أَخاً وَوَلِيًّا وَوَصِيًّا وَخَلِيفَةً وَوَزِيراً، فَعَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْ عَلِيٍّ، وَهُوَ زَوْجُ ابْنَتِي، وَأَبُو سِبْطَيَّ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، أَلَا وَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَنِي وإِيَّاهُمْ حُجَجاً عَلَى عِبَادِهِ، وَجَعَلَ مِنْ صُلْبِ الحُسَيْنِ أَئِمَّةً يَقُومُونَ بِأَمْرِي وَيَحْفَظُونَ وَصِيَّتِي، التَّاسِعُ مِنْهُمْ قَائِمُ أَهْلِ بَيْتِي، وَمَهْدِيُّ أُمَّتِي، أَشْبَهُ النَّاسِ بِي فِي شَمَائِلِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، يَظْهَرُ بَعْدَ غَيْبَةٍ طَوِيلَةٍ وَحَيْرَةٍ مُضِلَّةٍ، فَيُعْلِنُ أَمْرَ اللهِ، وَيُظْهِرُ دِينَ اللهِ (جَلَّ وَعَزَّ)، يُؤَيَّدُ بِنَصْرِ اللهِ، وَيَنْصُرُ بِمَلَائِكَةِ اللهِ، فَيَمْلَأُ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً»(687).
[142/3] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ المُتَوَكِّلِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ الكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ النَّخَعِيُّ، عَنْ عَمِّهِ الحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «حَدَّثَنِي جَبْرَئِيلُ عَنْ رَبِّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(685) رواه المصنِّف (رحمه الله) في أماليه (ص 78/ ح 45/3)، من قوله: (قال عبد الرحمن بن سمرة: قلت: يا رسول الله، أرشدني إلى النجاة...)، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 100) كما في الأمالي.
(686) كذا في جميع النُّسَخ، وهكذا فيما سيأتي تحت الرقم (149/10)، والقياس: (على الأرض).
(687) رواه الخزَّاز (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 10 و11)، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 182 و183).

(٣٩٦)

العِزَّةِ (جلّ جلاله) أَنَّهُ قَالَ: مَنْ عَلِمَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدِي وَرَسُولِي، وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَلِيفَتِي، وَأَنَّ الأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِهِ حُجَجِي، أُدْخِلُهُ الجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، وَنَجَّيْتُهُ مِنَ النَّارِ بِعَفْوِي، وَأَبَحْتُ لَهُ جِوَارِي، وَأَوْجَبْتُ لَهُ كَرَامَتِي، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْهِ نِعْمَتِي، وَجَعَلْتُهُ مِنْ خَاصَّتِي وَخَالِصَتِي، إِنْ نَادَانِي لَبَّيْتُهُ، وَإِنْ دَعَانِي أَجَبْتُهُ، وَإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ، وَإِنْ سَكَتَ ابْتَدَأْتُهُ، وَإِنْ أَسَاءَ رَحِمْتُهُ، وَإِنْ فَرَّ مِنِّي دَعَوْتُهُ، وَإِنْ رَجَعَ إِلَيَّ قَبِلْتُهُ، وَإِنْ قَرَعَ بَابِي فَتَحْتُهُ. وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي، أَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَشْهَدْ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدِي وَرَسُولِي، أَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَشْهَدْ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَلِيفَتِي، أَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَشْهَدْ أَنَّ الأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِهِ حُجَجِي، فَقَدْ جَحَدَ نِعْمَتِي، وَصَغَّرَ عَظَمَتِي، وَكَفَرَ بِآيَاتِي وَكُتُبِي، إِنْ قَصَدَنِي حَجَبْتُهُ، وَإِنْ سَأَلَنِي حَرَمْتُهُ، وَإِنْ نَادَانِي لَمْ أَسْمَعْ نِدَاءَهُ، وَإِنْ دَعَانِي لَمْ أَسْتَجِبْ دُعَاءَهُ، وَإِنْ رَجَانِي خَيَّبْتُهُ، وَذَلِكَ جَزَاؤُهُ مِنِّي، وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ».
فَقَامَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنِ الأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؟ قَالَ: «الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ، ثُمَّ سَيِّدُ العَابِدِينَ فِي زَمَانِهِ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ، ثُمَّ البَاقِرُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَسَتُدْرِكُهُ يَا جَابِرُ، فَإِذَا أَدْرَكْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، ثُمَّ الصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ الكَاظِمُ مُوسَى ابْنُ جَعْفَرٍ، ثُمَّ الرِّضَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى، ثُمَّ التَّقِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثُمَّ النَّقِيُّ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ الزَّكِيُّ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، ثُمَّ ابْنُهُ القَائِمُ بِالحَقِّ مَهْدِيُّ أُمَّتِي الَّذِي يَمْلَأُ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً. هَؤُلَاءِ يَا جَابِرُ خُلَفَائِي وَأَوْصِيَائِي وَأَوْلَادِي وَعِتْرَتِي، مَنْ أَطَاعَهُمْ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَاهُمْ فَقَدْ عَصَانِي، وَمَنْ أَنْكَرَهُمْ أَوْ أَنْكَرَ وَاحِداً مِنْهُمْ فَقَدْ أَنْكَرَنِي، بِهِمْ يُمْسِكُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَبِهِمْ يَحْفَظُ اللهُ الأَرْضَ أَنْ تَمِيدَ(688) بِأَهْلِهَا»(689).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(688) ماد يميد، أي اضطرب وتحرَّك.
(689) رواه الخزَّاز (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 143 - 145)، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ص 183 و184)، والراوندي (رحمه الله) في قَصص الأنبياء (ص 365 و366/ ح 470)، والطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج 1/ ص 87 و88).

(٣٩٧)

[143/4] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ الكُوفِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، عَنْ عَمِّهِ الحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي القَاسِمِ، عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «الأَئِمَّةُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ، أَوَّلُهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَآخِرُهُمُ القَائِمُ، هُمْ خُلَفَائِي وَأَوْصِيَائِي وَأَوْلِيَائِي وَحُجَجُ اللهِ عَلَى أُمَّتِي بَعْدِي، المُقِرُّ بِهِمْ مُؤْمِنٌ، وَالمُنْكِرُ لَهُمْ كَافِرٌ(690)»(691).

[144/5] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ البَرْقِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الجَارُودِ العَبْدِيِّ، عَنِ الأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) ذَاتَ يَوْمٍ وَيَدُهُ فِي يَدِ ابْنِهِ الحَسَنِ (عليه السلام) وَهُوَ يَقُولُ: «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ذَاتَ يَوْمٍ وَيَدِي فِي يَدِهِ هَكَذَا، وَهُوَ يَقُولُ: خَيْرُ الخَلْقِ بَعْدِي وَسَيِّدُهُمْ أَخِي هَذَا، وَهُوَ إِمَامُ كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ(692) بَعْدَ وَفَاتِي، أَلَا وَإِنِّي أَقُولُ: خَيْرُ الخَلْقِ بَعْدِي وَسَيِّدُهُمْ ابْنِي هَذَا، وَهُوَ إِمَامُ كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَمَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ(693) بَعْدَ وَفَاتِي، أَلَا وَإِنَّهُ سَيُظْلَمُ بَعْدِي كَمَا ظُلِمْتُ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وَخَيْرُ الخَلْقِ وَسَيِّدُهُمْ بَعْدَ الحَسَنِ ابْنِي أَخُوهُ الحُسَيْنُ المَظْلُومُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(690) في بعض النُّسَخ: (لهم جاحد).
(691) رواه المصنِّف (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 61 و62/ ح 28)، وفي من لا يحضره الفقيه (ج 4/ ص 179 و180/ ح 5406)، والخزَّاز (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 145 و146 و153 و154)، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 173).
(692) في بعض النُّسَخ: (أمير كلِّ مؤمن).
(693) في بعض النُّسَخ: (وهو إمام كلِّ مسلم وأمير كلِّ مؤمن).

(٣٩٨)

بَعْدَ أَخِيهِ المَقْتُولُ فِي أَرْضِ كَرْبَلَاءَ، أَمَا إِنَّهُ(694) وَأَصْحَابُهُ مِنْ سَادَةِ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمِنْ بَعْدِ الحُسَيْنِ تِسْعَةٌ مِنْ صُلْبِهِ خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، وَحُجَجُهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَأُمَنَاؤُهُ عَلَى وَحْيِهِ، وَأَئِمَّةُ المُسْلِمِينَ، وَقَادَةُ المُؤْمِنِينَ، وَسَادَةُ المُتَّقِينَ، تَاسِعُهُمُ القَائِمُ الَّذِي يَمْلَأُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) بِهِ الأَرْضَ نُوراً بَعْدَ ظُلْمَتِهَا، وَعَدْلاً بَعْدَ جَوْرِهَا، وَعِلْماً بَعْدَ جَهْلِهَا، وَالَّذِي بَعَثَ أَخِي مُحَمَّداً بِالنُّبُوَّةِ، وَاخْتَصَّنِي بِالإِمَامَةِ، لَقَدْ نَزَلَ بِذَلِكَ الوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى لِسَانِ الرُّوحِ الأَمِينِ جَبْرَئِيلَ، وَلَقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) - وَأَنَا عِنْدَهُ - عَنِ الأَئِمَّةِ بَعْدَهُ، فَقَالَ لِلسَّائِلِ: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ البُرُوجِ﴾ [البروج: 1] إِنَّ عَدَدَهُمْ بِعَدَدِ البُرُوجِ، وَرَبِّ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ وَالشُّهُورِ إِنَّ عَدَدَهُمْ كَعَدَدِ الشُّهُورِ، فَقَالَ السَّائِلُ: فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يَدَهُ عَلَى رَأْسِي فَقَالَ: أَوَّلُهُمْ هَذَا، وَآخِرُهُمُ المَهْدِيُّ، مَنْ وَالاهُمْ فَقَدْ وَالَانِي، وَمَنْ عَادَاهُمْ فَقَدْ عَادَانِي، وَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَقَدْ أَبْغَضَنِي، وَمَنْ أَنْكَرَهُمْ فَقَدْ أَنْكَرَنِي، وَمَنْ عَرَفَهُمْ فَقَدْ عَرَفَنِي، بِهِمْ يَحْفَظُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) دِينَهُ، وَبِهِمْ يَعْمُرُ بِلَادَهُ، وَبِهِمْ يَرْزُقُ عِبَادَهُ، وَبِهِمْ نَزَلَ القَطْرُ مِنَ السَّمَاءِ، وَبِهِمْ يَخْرُجُ بَرَكَاتُ الأَرْضِ، هَؤُلَاءِ أَصْفِيَائِي وَخُلَفَائِي وَأَئِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَمَوَالِي المُؤْمِنِينَ»(695).
[145/6] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِدِينِي، وَيَرْكَبَ سَفِينَةَ النَّجَاةِ بَعْدِي، فَلْيَقْتَدِ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَلْيُعَادِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(694) في بعض النُّسَخ: (في أرض كرب وبلاء، ألَا وإنَّه).
(695) رواه الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 184 و185)، والراوندي (رحمه الله) في قَصص الأنبياء (ص 364 و365/ ح 469).

(٣٩٩)

عَدُوَّهُ، وَلْيُوَالِ وَلِيَّهُ، فَإِنَّهُ وَصِيِّي، وَخَلِيفَتِي عَلَى أُمَّتِي فِي حَيَاتِي وَبَعْدَ وَفَاتِي، وَهُوَ إِمَامُ كُلِّ مُسْلِمٍ، وَأَمِيرُ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي، قَوْلُهُ قَوْلِي، وَأَمْرُهُ أَمْرِي، وَنَهْيُهُ نَهْيِي، وَتَابِعُهُ تَابِعِي، وَنَاصِرُهُ نَاصِرِي، وَخَاذِلُهُ خَاذِلِي»، ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): «مَنْ فَارَقَ عَلِيًّا بَعْدِي لَمْ يَرَنِي وَلَمْ أَرَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ خَالَفَ عَلِيًّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ، وَجَعَلَ مَأْوَاهُ النَّارَ [وَبِئْسَ المَصِيرُ]، وَمَنْ خَذَلَ عَلِيًّا خَذَلَهُ اللهُ يَوْمَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ، وَمَنْ نَصَرَ عَلِيًّا نَصَرَهُ اللهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَلَقَّنَهُ حُجَّتَهُ عِنْدَ المُسَاءَلَةِ»، ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): «الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ إِمَامَا أُمَّتِي بَعْدَ أَبِيهِمَا، وَسَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَأُمُّهُمَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالَمِينَ، وَأَبُوهُمَا سَيِّدُ الوَصِيِّينَ، وَمِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ تِسْعَةُ أَئِمَّةٍ، تَاسِعُهُمُ القَائِمُ مِنْ وُلْدِي، طَاعَتُهُمْ طَاعَتِي، وَمَعْصِيَتُهُمْ مَعْصِيَتِي، إِلَى اللهِ أَشْكُو المُنْكِرِينَ لِفَضْلِهِمْ، وَالمُضِيعِينَ لِحُرْمَتِهِمْ بَعْدِي، وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَنَاصِراً لِعِتْرَتِي، وَأَئِمَّةِ أُمَّتِي، وَمُنْتَقِماً مِنَ الجَاحِدِينَ لِحَقِّهِمْ، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ [الشعراء: 227]».
[146/7] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «أَنَا سَيِّدُ مَنْ خَلَقَ اللهُ (عزَّ وجلَّ)، وَأَنَا خَيْرٌ مِنْ جَبْرَئِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَحَمَلَةِ العَرْشِ وَجَمِيعِ مَلَائِكَةِ اللهِ المُقَرَّبِينَ وَأَنْبِيَاءِ اللهِ المُرْسَلِينَ، وَأَنَا صَاحِبُ الشَّفَاعَةِ وَالحَوْضِ الشَّرِيفِ، وَأَنَا وَعَلِيٌّ أَبَوَا هَذِهِ الأُمَّةِ، مَنْ عَرَفَنَا فَقَدْ عَرَفَ اللهَ (عزَّ وجلَّ)، وَمَنْ أَنْكَرَنَا فَقَدْ أَنْكَرَ اللهَ (عزَّ وجلَّ)، وَمِنْ عَلِيٍّ سِبْطَا أُمَّتِي، وَسَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ، وَمِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ تِسْعَةُ أَئِمَّةٍ، طَاعَتُهُمْ طَاعَتِي، وَمَعْصِيَتُهُمْ مَعْصِيَتِي، تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ وَمَهْدِيُّهُمْ».

(٤٠٠)

[147/8] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ (رضي الله عنه)، قَالَ: أَخْبَرَنَا(696) أَحْمَدُ ابْنُ مُحَمَّدٍ الهَمَدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الحَسَنِ(697) السَّائِحُ، قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ العَسْكَرِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ (عليهم السلام)، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام): يَا عَلِيُّ، لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مَنْ طَابَتْ وِلَادَتُهُ، وَلَا يُبْغِضُكَ إِلَّا مَنْ خَبُثَتْ وِلَادَتُهُ، وَلَا يُوَالِيكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُعَادِيكَ إِلَّا كَافِرٌ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ عَرَفْنَا عَلَامَةَ خَبِيثِ الوِلَادَةِ وَالكَافِرِ فِي حَيَاتِكَ بِبُغْضِ عَلِيٍّ وَعَدَاوَتِهِ، فَمَا عَلَامَةُ خَبِيثِ الوِلَادَةِ وَالكَافِرِ بَعْدَكَ إِذَا أَظْهَرَ الإِسْلَامَ بِلِسَانِهِ وَأَخْفَى مَكْنُونَ سَرِيرَتِهِ؟ فَقَالَ (عليه السلام): يَا ابْنَ مَسْعُودٍ، عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِمَامُكُمْ بَعْدِي وَخَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ، فَإِذَا مَضَى فَابْنِيَ الحَسَنُ إِمَامُكُمْ بَعْدَهُ وَخَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ، فَإِذَا مَضَى فَابْنِيَ الحُسَيْنُ إِمَامُكُمْ بَعْدَهُ وَخَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ، ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ أَئِمَّتُكُمْ وَخُلَفَائِي عَلَيْكُمْ، تَاسِعُهُمْ قَائِمُ أُمَّتِي، يَمْلَأُ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، لَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مَنْ طَابَتْ وِلَادَتُهُ، وَلَا يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مَنْ خَبُثَتْ وِلَادَتُهُ، وَلَا يُوَالِيهِمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُعَادِيهِمْ إِلَّا كَافِرٌ، مَنْ أَنْكَرَ وَاحِداً مِنْهُمْ فَقَدْ أَنْكَرَنِي، وَمَنْ أَنْكَرَنِي فَقَدْ أَنْكَرَ اللهَ (عزَّ وجلَّ)، وَمَنْ جَحَدَ وَاحِداً مِنْهُمْ فَقَدْ جَحَدَنِي، وَمَنْ جَحَدَنِي فَقَدْ جَحَدَ اللهَ (عزَّ وجلَّ)، لِأَنَّ طَاعَتَهُمْ طَاعَتِي، وَطَاعَتِي طَاعَةُ اللهِ، وَمَعْصِيَتَهُمْ مَعْصِيَتِي، وَمَعْصِيَتِي مَعْصِيَةُ اللهِ (عزَّ وجلَّ). يَا ابْنَ مَسْعُودٍ، إِيَّاكَ أَنْ تَجِدَ فِي نَفْسِكَ حَرَجاً مِمَّا أَقْضِي فَتَكْفُرَ، فَوَعِزَّةِ رَبِّي مَا أَنَا مُتَكَلِّفٌ، وَلَا نَاطِقٌ عَنِ الهَوَى فِي عَلِيٍّ وَالأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ، ثُمَّ قَالَ (عليه السلام) - وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ -: اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَى خُلَفَائِي وَأَئِمَّةَ أُمَّتِي بَعْدِي، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُمْ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُمْ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(696) في بعض النُّسَخ: (حدَّثنا).
(697) في بعض النُّسَخ: (عليِّ بن الحسين).

(٤٠١)

وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُمْ، وَلَا تُخْلِ الأَرْضَ مِنْ قَائِمٍ مِنْهُمْ بِحُجَّتِكَ ظَاهِراً أَوْ خَافِياً مَغْمُوراً، لِئَلَّا يَبْطُلَ دِينُكَ وحُجَّتُكَ [وَبُرْهَانُكَ] وَبَيِّنَاتُكَ، ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): يَا ابْنَ مَسْعُودٍ، قَدْ جَمَعْتُ لَكُمْ فِي مَقَامِي هَذَا مَا إِنْ فَارَقْتُمُوهُ هَلَكْتُمْ، وَإِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ نَجَوْتُمْ، وَالسَّلَامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى»(698).
[148/9] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ(699)، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الهِلَالِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ (رضي الله عنه)، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فَإِذَا الحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى فَخِذِهِ، وَهُوَ يُقَبِّلُ عَيْنَيْهِ وَيَلْثِمُ فَاهُ، وَيَقُولُ: «أَنْتَ سَيِّدٌ ابْنُ سَيِّدٍ، أَنْتَ إِمَامٌ ابْنُ إِمَامٍ [أَخُو إِمَامٍ] أَبُو أَئِمَّةٍ، أَنْتَ حُجَّةُ اللهِ ابْنُ حُجَّتِهِ(700) وَأَبُو حُجَجٍ تِسْعَة مِنْ صُلْبِكَ، تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ»(701).
[149/10] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ الصَّفَّارُ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ اليَمَانِيِّ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الهِلَالِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلْمَانَ الفَارِسِيَّ (رضي الله عنه) يَقُولُ: كُنْتُ جَالِساً بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فِي مَرْضَتِهِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا، فَدَخَلَتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام)، فَلَمَّا رَأَتْ مَا بِأَبِيهَا مِنَ الضَّعْفِ بَكَتْ حَتَّى جَرَتْ دُمُوعُهَا عَلَى خَدَّيْهَا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «مَا يُبْكِيكِ يَا فَاطِمَةُ؟»، قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْشَى عَلَى نَفْسِي وَوُلْدِي الضَّيْعَةَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(698) رواه الطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج 1/ ص 88 و89).
(699) كأنَّ فيه إرسال.
(700) أنت حجَّة ابن حجَّة (خ ل).
(701) رواه المصنِّف (رحمه الله) في الخصال (ص 475/ ح 38)، وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 56/ ح 17)، وسُلَيم بن قيس (رحمه الله) في كتابه (ص 460/ ح 77)، وابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 110/ ح 96)، والخزَّاز (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 45 و46).

(٤٠٢)

بَعْدَكَ»، فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بِالبُكَاءِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا فَاطِمَةُ، أَمَا عَلِمْتِ أَنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اخْتَارَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) لَنَا الآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا، وَأَنَّهُ حَتَمَ الفَنَاءَ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ، وَأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَطْلَعَ إِلَى الأَرْضِ إِطْلَاعَةً فَاخْتَارَنِي مِنْ خَلْقِهِ فَجَعَلَنِي نَبِيًّا، ثُمَّ أطْلَعَ إِلَى الأَرْضِ إطْلَاعَةً ثَانِيَةً فَاخْتَارَ مِنْهَا زَوْجَكِ، وَأَوْحَى إِلَيَّ أَنْ أُزَوِّجَكِ إِيَّاهُ، وَأَتَّخِذَهُ وَلِيًّا وَوَزِيراً، وَأَنْ أَجْعَلَهُ خَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي؟ فَأَبُوكِ خَيْرُ أَنْبِيَاءِ اللهِ وَرُسُلِهِ، وَبَعْلُكِ خَيْرُ الأَوْصِيَاءِ، وَأَنْتِ أَوَّلُ مَنْ يَلْحَقُ بِي مِنْ أَهْلِي، ثُمَّ أَطْلَعَ إِلَى الأَرْضِ إطْلَاعَةً ثَالِثَةً فَاخْتَارَكِ وَوَلَدَيْكِ، فَأَنْتِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَابْنَاكِ حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَأَبْنَاءُ بَعْلِكِ أَوْصِيَائِي إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، كُلُّهُمْ هَادُونَ مَهْدِيُّونَ، وَأَوَّلُ الأَوْصِيَاءِ بَعْدِي أَخِي عَلِيٌّ، ثُمَّ حَسَنٌ، ثُمَّ حُسَيْنٌ، ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ فِي دَرَجَتِي، وَلَيْسَ فِي الجَنَّةِ دَرَجَةٌ أَقْرَبَ إِلَى اللهِ مِنْ دَرَجَتِي وَدَرَجَةِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، أَمَا تَعْلَمِينَ يَا بُنَيَّةِ أَنَّ مِنْ كَرَامَةِ اللهِ إِيَّاكِ أَنَّ زَوْجَكِ خَيْرُ أُمَّتِي، وَخَيْرُ أَهْلِ بَيْتِي، أَقْدَمُهُمْ سِلْماً، وَأَعْظَمُهُمْ حِلْماً، وَأَكْثَرُهُمْ عِلْماً؟».
فَاسْتَبْشَرَتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام) وَفَرِحَتْ بِمَا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، ثُمَّ قَالَ: «يَا بُنَيَّةِ، إِنَّ لِبَعْلِكِ مَنَاقِبَ: إِيمَانُهُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ، فَلَمْ يَسْبِقْهُ إِلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي، وَعِلْمُهُ بِكِتَابِ اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَسُنَّتِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي يَعْلَمُ جَمِيعَ عِلْمِي غَيْرَ عَلِيٍّ (عليه السلام)، وَإِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) عَلَّمَنِي عِلْماً لَا يَعْلَمُهُ غَيْرِي، وَعَلَّمَ مَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ عِلْماً، فَكُلُّ مَا عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ فَأَنَا أَعْلَمُهُ، وَأَمَرَنِيَ اللهُ أَنْ أُعَلِّمَهُ إِيَّاهُ فَفَعَلْتُ، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي يَعْلَمُ جَمِيعَ عِلْمِي وَفَهْمِي وَحِكْمَتِي غَيْرُهُ، وَإِنَّكِ يَا بُنَيَّةِ زَوْجَتُهُ، وَابْنَاهُ سِبْطَايَ حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ، وَهُمَا سِبْطَا أُمَّتِي، وَأَمْرُهُ بِالمَعْرُوفِ وَنَهْيُهُ عَنِ المُنْكَرِ، فَإِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) آتَاهُ الحِكْمَةَ وَفَصْلَ الخِطَابِ. يَا بُنَيَّةِ، إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ أَعْطَانَا اللهُ (عزَّ وجلَّ) سِتَّ خِصَالٍ لَمْ يُعْطِهَا أَحَداً مِنَ الأَوَّلِينَ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَلَمْ يُعْطِهَا أَحَداً مِنَ الآخِرِينَ غَيْرَنَا، نَبِيُّنَا سَيِّدُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ وَهُوَ أَبُوكِ، وَوَصِيُّنَا سَيِّدُ

(٤٠٣)

الأَوْصِيَاءِ وَهُوَ بَعْلُكِ، وَشَهِيدُنَا سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ وَهُوَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ عَمُّ أَبِيكِ».
قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا مَعَهُ؟»، قَالَ: «لَا، بَلْ سَيِّدُ شُهَدَاءِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ مَا خَلَا الأَنْبِيَاءَ وَالأَوْصِيَاءَ، وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ذُو الجَنَاحَيْنِ الطَّيَّارُ فِي الجَنَّةِ مَعَ المَلَائِكَةِ، وَابْنَاكِ حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ سِبْطَا أُمَّتِي وَسَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمِنَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَهْدِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ الَّذِي يَمْلَأُ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً».
قَالَتْ: «وَأَيُّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَمَّيْتَهُمْ أَفْضَلُ؟»، قَالَ: «عَلِيٌّ بَعْدِي أَفْضَلُ أُمَّتِي، وَحَمْزَةُ وَجَعْفَرٌ أَفْضَلُ أَهْلِ بَيْتِي بَعْدَ عَلِيٍّ وَبَعْدَكِ وَبَعْدَ ابْنَيَّ وَسِبْطَيَّ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَبَعْدَ الأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِ ابْنِي هَذَا - وَأَشَارَ إِلَى الحُسَيْنِ -، مِنْهُمُ المَهْدِيُّ، إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اخْتَارَ اللهُ لَنَا الآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا».
ثُمَّ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) إِلَيْهَا وَإِلَى بَعْلِهَا وَإِلَى ابْنَيْهَا، فَقَالَ: «يَا سَلْمَانُ، أُشْهِدُ اللهَ أَنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَهُمْ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَهُمْ، أَمَا إِنَّهُمْ مَعِي فِي الجَنَّةِ»، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ (عليه السلام)، فَقَالَ: «يَا أَخِي، أَنْتَ سَتَبْقَى بَعْدِي، وَسَتَلْقَى مِنْ قُرَيْشٍ شِدَّةً مِنْ تَظَاهُرِهِمْ عَلَيْكَ وَظُلْمِهِمْ لَكَ، فَإِنْ وَجَدْتَ عَلَيْهِمْ أَعْوَاناً فَجَاهِدْهُمْ وَقَاتِلْ مَنْ خَالَفَكَ بِمَنْ وَافَقَكَ، وَإِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَاصْبِرْ، وَكُفَّ يَدَكَ، وَلَا تُلْقِ بِهَا إِلَى التَّهْلُكَةِ، فَإِنَّكَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، وَلَكَ بِهَارُونَ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ إِذ اسْتَضْعَفَهُ قَوْمُهُ وَكَادُوا يَقْتُلُونَهُ، فَاصْبِرْ لِظُلْمِ قُرَيْشٍ إِيَّاكَ وَتَظَاهُرِهِمْ عَلَيْكَ فَإِنَّكَ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَهُمْ بِمَنْزِلَةِ العِجْلِ وَمَنْ تَبِعَهُ.
يَا عَلِيُّ، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ قَضَى الفُرْقَةَ وَالاِخْتِلَافَ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ، وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهُدى حَتَّى لَا يَخْتَلِفَ اثْنَانِ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَلَا يُنَازَعَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ، وَلَا يَجْحَدَ المَفْضُولُ لِذِي الفَضْلِ فَضْلَهُ، وَلَوْ شَاءَ لَعَجَّلَ النَّقِمَةَ

(٤٠٤)

وَكَانَ مِنْهُ التَّغْيِيرُ حَتَّى يُكَذَّبَ الظَّالِمُ وَيُعْلَمَ الحَقُّ أَيْنَ مَصِيرُهُ، وَلَكِنَّهُ جَعَلَ الدُّنْيَا دَارَ الأَعْمَالِ، وَجَعَلَ الآخِرَةَ دَارَ القَرَارِ، ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالحُسْنَى﴾ [النجم: 31]»، فَقَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «الحَمْدُ لِلهِ شُكْراً عَلَى نَعْمَائِهِ، وَصَبْراً عَلَى بَلَائِهِ».
[150/11] حَدَّثَنَا أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ الدَّوَالِيبِيُّ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الفَضْلِ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ الكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ ابْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهم السلام)، قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وَعِنْدَهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): مَرْحَباً بِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، يَا زَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، فَقَالَ لَهُ أُبَيٌّ: وَكَيْفَ يَكُونُ يَا رَسُولَ اللهِ زَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَحَدٌ غَيْرُكَ؟ فَقَالَ لَهُ: يَا أُبَيُّ، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالحَقِّ نَبِيًّا إِنَّ الحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ فِي السَّمَاءِ أَكْبَرُ مِنْهُ فِي الأَرْضِ، فَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ عَنْ يَمِينِ العَرْشِ(702): مِصْبَاحٌ هَادٍ وَسَفِينَةُ نَجَاةٍ، وإِمَامٌ غَيْرُ وَهْنٍ(703)، وَعِزٌّ وَفَخْرٌ، وَبَحْرُ عِلْمٍ وَذُخْرٌ، [فَلِمَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ؟!]، وَإِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) رَكَّبَ فِي صُلْبِهِ نُطْفَةً طَيِّبَةً مُبَارَكَةً زَكِيَّةً خُلِقَتْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقٌ فِي الأَرْحَامِ أَوْ يَجْرِيَ مَاءٌ فِي الأَصْلَابِ أَوْ يَكُونَ لَيْلٌ وَنَهَارٌ، وَلَقَدْ لُقِّنَ دَعَوَاتٌ مَا يَدْعُو بِهِنَّ مَخْلُوقٌ إِلَّا حَشَرَهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) مَعَهُ، وَكَانَ شَفِيعَهُ فِي آخِرَتِهِ، وَفَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كَرْبَهُ، وَقَضَى بِهَا دَيْنَهُ، وَيَسَّرَ أَمْرَهُ، وَأَوْضَحَ سَبِيلَهُ، وَقَوَّاهُ عَلَى عَدُوِّهِ، وَلَمْ يَهْتِكْ سِتْرَهُ.
فَقَالَ أُبَيٌّ: وَمَا هَذِهِ الدَّعَوَاتُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: تَقُولُ إِذَا فَرَغْتَ مِنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(702) في بعض النُّسَخ: (يمين عرش الله).
(703) في بعض النُّسَخ: (وإمام عزٍّ وهن)، وفي بعضها: (وعزٍّ وفخر وعلم وذخر).

(٤٠٥)

صَلَاتِكَ وَأَنْتَ قَاعِدٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِكَلِمَاتِكَ وَمَعَاقِدِ عَرْشِكَ(704) وَسُكَّانِ سَمَاوَاتِكَ [وَأَرْضِكَ] وَأَنْبِيَائِكَ وَرُسُلِكَ [أَنْ تَسْتَجِيبَ لِي]، فَقَدْ رَهِقَنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرٌ، فَأَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَجْعَلَ لِي مِنْ عُسْرِي يُسْراً، فَإِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) يُسَهِّلُ أَمْرَكَ، وَيَشْرَحُ لَكَ صَدْرَكَ، وَيُلَقِّنُكَ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسِكَ.
قَالَ لَهُ أُبَيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا هَذِهِ النُّطْفَةُ الَّتِي فِي صُلْبِ حَبِيبِي الحُسَيْنِ؟ قَالَ: مَثَلُ هَذِهِ النُّطْفَةِ كَمَثَلِ القَمَرِ، وَهِيَ نُطْفَةُ تَبْيِينٍ وَبَيَانٍ، يَكُونُ مَنِ اتَّبَعَهُ رَشِيداً وَمَنْ ضَلَّ عَنْهُ غَوِيًّا.
قَالَ: فَمَا اسْمُهُ وَمَا دُعَاؤُهُ؟ قَالَ: اسْمُهُ عَلِيٌّ، وَدُعَاؤُهُ: يَا دَائِمُ يَا دَيْمُومُ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا كَاشِفَ الغَمِّ وَيَا فَارِجَ الهَمِّ، وَيَا بَاعِثَ الرُّسُلِ، وَيَا صَادِقَ الوَعْدِ، مَنْ دَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ حَشَرَهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) مَعَ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، وَكَانَ قَائِدَهُ إِلَى الجَنَّةِ.
قَالَ لَهُ أُبَيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَهَلْ لَهُ مِنْ خَلَفٍ أَوْ وَصِيٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، لَهُ مَوَارِيثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، قَالَ: فَمَا مَعْنَى مَوَارِيثِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: القَضَاءُ بِالحَقِّ، وَالحُكْمُ بِالدِّيَانَةِ، وَتَأْوِيلُ الأَحْلَامِ(705)، وَبَيَانُ مَا يَكُونُ. قَالَ: فَمَا اسْمُهُ؟ قَالَ: اسْمُهُ مُحَمَّدٌ، وَإِنَّ المَلَائِكَةَ لَتَسْتَأْنِسُ بِهِ فِي السَّمَاوَاتِ، وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ لِي عِنْدَكَ رِضْوَانٌ وَوُدٌّ، فَاغْفِرْ لِي وَلِمَنْ تَبِعَنِي مِنْ إِخْوَانِي وَشِيعَتِي، وَطَيِّبْ مَا فِي صُلْبِي، فَرَكَّبَ اللهُ فِي صُلْبِهِ نُطْفَةً مُبَارَكَةً طَيِّبَةً زَكِيَّةً، فَأَخْبَرَنِي جَبْرَئِيلُ (عليه السلام)(706) أَنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) طَيَّبَ هَذِهِ النُّطْفَةَ وَسَمَّاهَا عِنْدَهُ جَعْفَراً،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(704) أي بخصال استحقَّ به العرش العزَّ، أو بمواضع انعقادها منه. وفي بعض النُّسَخ: (أسألك بملكك ومعاقد عزِّك)، وفي بعض النُّسَخ: (أسألك بمعاقد عرشك...) إلخ، بدون الزوائد التي كانت بين المعقوفتين.
(705) في بعض النُّسَخ: (الأحكام).
(706) كذا في بعض النُّسَخ، وفي أكثرها: (فأخبرني عليه وآله السلام أنَّ الله...) إلخ.

(٤٠٦)

وَجَعَلَهُ هَادِياً مَهْدِيًّا وَرَاضِياً مَرْضِيًّا، يَدْعُو رَبَّهُ فَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ: يَا دَيَّانُ(707) غَيْرَ مُتَوَانٍ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اجْعَلْ لِشِيعَتِي مِنَ النَّارِ وِقَاءً، وَلَهُمْ عِنْدَكَ رِضَاءً(708)، فَاغْفِرْ ذُنُوبَهُمْ، وَيَسِّرْ أُمُورَهُمْ، وَاقْضِ دُيُونَهُمْ، وَاسْتُرْ عَوْرَاتِهِمْ، وَهَبْ لَهُمُ الكَبَائِرَ الَّتِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، يَا مَنْ لَا يَخَافُ الضَّيْمَ، وَلَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، اجْعَلْ لِي مِنْ كُلِّ [هَمٍّ] وَغَمٍّ فَرَجاً، وَمَنْ دَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ حَشَرَهُ اللهُ عِنْدَهُ أَبْيَضَ الوَجْهِ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ إِلَى الجَنَّةِ. يَا أُبَيُّ، وَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَكَّبَ عَلَى هَذِهِ النُّطْفَةِ نُطْفَةً زَكِيَّةً مُبَارَكَةً طَيِّبَةً أَنْزَلَ عَلَيْهَا الرَّحْمَةَ، وَسَمَّاهَا عِنْدَهُ مُوسَى، [وَجَعَلَهُ إِمَاماً].
قَالَ لَهُ أُبَيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ، كُلُّهُمْ يَتَوَاصَفُونَ وَيَتَنَاسَلُونَ وَيَتَوَارَثُونَ وَيَصِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً؟ قَالَ: وَصَفَهُمْ لِي جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) عَنْ رَبِّ العَالَمِينَ (جلّ جلاله)، فَقَالَ: فَهَلْ لِمُوسَى مِنْ دَعْوَةٍ يَدْعُو بِهَا سِوَى دُعَاءِ آبَائِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: يَا خَالِقَ الخَلْقِ، وَيَا بَاسِطَ الرِّزْقِ، وَيَا فَالِقَ الحَبِّ [وَالنَّوَى]، وَيَا بَارِئَ النَّسَمِ وَمُحْيِيَ المَوْتَى وَمُمِيتَ الأَحْيَاءِ، وَ[يَا] دَائِمَ الثَّبَاتِ، وَمُخْرِجَ النَّبَاتِ، افْعَلْ بِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ، مَنْ دَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ قَضَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) حَوَائِجَهُ، وَحَشَرَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مَعَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، وَإِنَّ اللهَ رَكَّبَ فِي صُلْبِهِ نُطْفَةً طَيِّبَةً زَكِيَّةً مَرْضِيَّةً، وَسَمَّاهَا عِنْدَهُ عَلِيًّا، وَكَانَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) فِي خَلْقِهِ رَضِيًّا فِي عِلْمِهِ وَحُكْمِهِ، وَجَعَلَهُ حُجَّةً لِشِيعَتِهِ يَحْتَجُّونَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلَهُ دُعَاءٌ يَدْعُو بِهِ: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي الهُدَى، وَثَبِّتْنِي عَلَيْهِ، وَاحْشُرْنِي عَلَيْهِ آمِناً، أَمْنَ مَنْ لَا خَوْفَ عَلَيْهِ وَلَا حُزْنَ وَلَا جَزَعَ، إِنَّكَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ المَغْفِرَةِ، وَإِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) رَكَّبَ فِي صُلْبِهِ نُطْفَةً مُبَارَكَةً طَيِّبَةً زَكِيَّةً مَرْضِيَّةً وَسَمَّاهَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ، فَهُوَ شَفِيعُ شِيعَتِهِ، وَوَارِثُ عِلْمِ جَدِّهِ، لَهُ عَلَامَةٌ بَيِّنَةٌ وَحُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ إِذَا وُلِدَ يَقُولُ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(707) في بعض النُّسَخ: (يا ديَّان غير متوان)، والظاهر: يا دانياً.
(708) في بعض النُّسَخ: (رضواناً).

(٤٠٧)

لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ: يَا مَنْ لَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا مِثَالَ، أَنْتَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا خَالِقَ إِلَّا أَنْتَ، تُفْنِي المَخْلُوقِينَ وَتَبْقَى أَنْتَ، حَلُمْتَ عَمَّنْ عَصَاكَ، وَفِي المَغْفِرَةِ رِضَاكَ، مَنْ دَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ شَفِيعَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَكَّبَ فِي صُلْبِهِ نُطْفَةً لَا بَاغِيَةً وَلَا طَاغِيَةً، بَارَّةً مُبَارَكَةً طَيِّبَةً طَاهِرَةً، سَمَّاهَا عِنْدَهُ عَلِيًّا، فَالبَسَهَا السَّكِينَةَ وَالوَقَارَ، وَأَوْدَعَهَا العُلُومَ وَالأَسْرَارَ وَكُلَّ شَيْءٍ مَكْتُومٍ، مَنْ لَقِيَهُ وَفِي صَدْرِهِ شَيْءٌ أَنْبَأَهُ بِهِ وَحَذَّرَهُ مِنْ عَدُوِّهِ، وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ: يَا نُورُ يَا بُرْهَانُ، يَا مُنِيرُ يَا مُبِينُ، يَا رَبِّ اكْفِنِي شَرَّ الشُّرُورِ وَآفَاتِ الدُّهُورِ، وَأَسْأَلُكَ النَّجَاةَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، مَنْ دَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ كَانَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ شَفِيعَهُ وَقَائِدَهُ إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَكَّبَ فِي صُلْبِهِ نُطْفَةً وَسَمَّاهَا عِنْدَهُ الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، فَجَعَلَهُ نُوراً فِي بِلَادِهِ، وَخَلِيفَةً فِي أَرْضِهِ، وَعِزًّا لِأُمَّتِهِ، وَهَادِياً لِشِيعَتِهِ، وَشَفِيعاً لَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَنَقِمَةً عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، وَحُجَّةً لِمَنْ وَالَاهُ، وَبُرْهَاناً لِمَنِ اتَّخَذَهُ إِمَاماً، يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: يَا عَزِيزَ العِزِّ فِي عِزِّهِ، يَا عَزِيزاً عِزَّنِي بِعِزِّكَ، وَأَيِّدْنِي بِنَصْرِكَ، وَأَبْعِدْ عَنِّي هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وَادْفَعْ عَنِّي بِدَفْعِكَ، وَامْنَعْ عَنِّي بِمَنْعِكَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ خِيَارِ خَلْقِكَ، يَا وَاحِدُ يَا أَحَدُ، يَا فَرْدُ يَا صَمَدُ، مَنْ دَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ حَشَرَهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) مَعَهُ، وَنَجَّاهُ مِنَ النَّارِ وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَإِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) رَكَّبَ فِي صُلْبِ الحَسَنِ نُطْفَةً مُبَارَكَةً زَكِيَّةً طَيِّبَةً طَاهِرَةً مُطَهَّرَةً، يَرْضَى بِهَا كُلُّ مُؤْمِنٍ مِمَّنْ أَخَذَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) مِيثَاقَهُ فِي الوَلَايَةِ، وَيَكْفُرُ بِهَا كُلُّ جَاحِدٍ، فَهُوَ إِمَامٌ تَقِيٌّ نَقِيٌّ بَارٌّ مَرْضِيٌّ هَادٍ مَهْدِيٌّ، أَوَّلُ العَدْلِ وَآخِرُهُ(709)، يُصَدِّقُ اللهَ (عزَّ وجلَّ) وَيُصَدِّقُهُ اللهُ فِي قَوْلِهِ، يَخْرُجُ مِنْ تِهَامَةَ حَتَّى(710) تَظْهَرَ الدَّلَائِلُ وَالعَلَامَاتُ، وَلَهُ بِالطَّالَقَانِ كُنُوزٌ لَا ذَهَبٌ وَلَا فِضَّةٌ إِلَّا خُيُولٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(709) في بعض النُّسَخ: (مهدي يحكم بالعدل ويأمر به).
(710) في بعض النُّسَخ: (حين).

(٤٠٨)

مُطَهَّمَةٌ(711) وَرِجَالٌ مُسَوَّمَةٌ، يَجْمَعُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) لَهُ مِنْ أَقَاصِي البِلَادِ عَلَى عَدَدِ أَهْلِ بَدْرٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً، مَعَهُ صَحِيفَةٌ مَخْتُومَةٌ فِيهَا عَدَدُ أَصْحَابِهِ وَأَسْمَاؤُهُمْ وَأَنْسَابُهُمْ وَبُلْدَانُهُمْ وَصَنَائِعُهُمْ وَكَلَامُهُمْ وَكُنَاهُمْ(712)، كَرَّارُونَ، مُجِدُّونَ فِي طَاعَتِهِ.
فَقَالَ لَهُ أُبَيٌّ: وَمَا دَلَائِلُهُ وَعَلَامَاتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ لَهُ: عَلَمٌ إِذَا حَانَ وَقْتُ خُرُوجِهِ انْتَشَرَ ذَلِكَ العَلَمُ مِنْ نَفْسِهِ، وَأَنْطَقَهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَنَادَاهُ العَلَمُ: اخْرُجْ يَا وَلِيَّ اللهِ فَاقْتُلْ أَعْدَاءَ اللهِ، وَلَهُ رَايَتَانِ(713) وَعَلَامَتَانِ، وَلَهُ سَيْفٌ مُغَمَّدٌ، فَإِذَا حَانَ وَقْتُ خُرُوجِهِ اقْتَلَعَ ذَلِكَ السَّيْفُ مِنْ غِمْدِهِ، وَأَنْطَقَهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ)، فَنَادَاهُ السَّيْفُ: اخْرُجْ يَا وَلِيَّ اللهِ، فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَقْعُدَ عَنْ أَعْدَاءِ اللهِ، فَيَخْرُجُ وَيَقْتُلُ أَعْدَاءَ اللهِ حَيْثُ ثَقِفَهُمْ، وَيُقِيمُ حُدُودَ اللهِ، وَيَحْكُمُ بِحُكْمِ اللهِ، يَخْرُجُ وَجَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ وَشُعَيْبٌ وَصَالِحٌ عَلَى مُقَدَّمِهِ، فَسَوْفَ تَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ، وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ)، وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ. يَا أُبَيُّ، طُوبَى لِمَنْ لَقِيَهُ، وَطُوبَى لِمَنْ أَحَبَّهُ، وَطُوبَى لِمَنْ قَالَ بِهِ، يُنْجِيهِمُ اللهُ مِنَ الهَلَكَةِ بِالإِقْرَارِ بِهِ وَبِرَسُولِ اللهِ وَبِجَمِيعِ الأَئِمَّةِ، يَفْتَحُ لَهُمُ الجَنَّةَ، مَثَلُهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَثَلِ المِسْكِ يَسْطَعُ رِيحُهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ أَبَداً، وَمَثَلُهُمْ فِي السَّمَاءِ كَمَثَلِ القَمَرِ المُنِيرِ الَّذِي لَا يُطْفَأُ نُورُهُ أَبَداً.
قَالَ أُبَيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ حَالُ(714) هَؤُلَاءِ الأَئِمَّةِ عَنِ اللهِ (عزَّ وجلَّ)؟ قَالَ: إِنَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(711) المطهَّم - كمعظَّم -: السمين الفاحش، والنحيف الجسم الدقيقة - ضدٌّ -، كذا في القاموس المحيط (ج 4/ ص 145). وفي الصحاح للجوهري (ج 5/ ص 1977/ مادَّة طهم): المطهَّم: التامُّ من كلِّ شيء.
(712) في بعض النُّسَخ: (وحلاهم وكناهم).
(713) في بعض النُّسَخ: (هما رايتان)، وفي العيون: (وهما رايتان).
(714) في بعض النُّسَخ: (كيف جاءك بيان هؤلاء الأئمَّة).

(٤٠٩)

اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْزَلَ عَلَيَّ اثْنَيْ عَشَرَ خَاتَماً وَاثْنَتَيْ عَشَرَةَ صَحِيفَةً، اسْمُ كُلِّ إِمَامٍ عَلَى خَاتَمِهِ وَصِفَتُهُ فِي صَحِيفَتِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ»(715).
[151/12] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي القَاسِمِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ البَرْقِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ القُرَشِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ البَاقِرِ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهم السلام)، قَالَ: «دَخَلْتُ أَنَا وَأَخِي عَلَى جَدِّي رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فَأَجْلَسَنِي عَلَى فَخِذِهِ، وَأَجْلَسَ أَخِيَ الحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ الأُخْرَى، ثُمَّ قَبَّلَنَا وَقَالَ: بِأَبِي أَنْتُمَا مِنْ إِمَامَيْنِ صَالِحَيْنِ(716)، اخْتَارَكُمَا اللهُ مِنِّي وَمِنْ أَبِيكُمَا وَأُمِّكُمَا، وَاخْتَارَ مِنْ صُلْبِكَ يَا حُسَيْنُ تِسْعَةَ أَئِمَّةٍ تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ، وَكُلُّكُمْ فِي الفَضْلِ وَالمَنْزِلَةِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى سَوَاءٌ»(717)،(718).
[152/13] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ المُتَوَكِّلِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ ابْنُ يَحْيَى العَطَّارُ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الخَطَّابِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي الجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ (عليها السلام) وَبَيْنَ يَدَيْهَا لَوْحٌ فِيهِ أَسْمَاءُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(715) رواه المصنِّف (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 62 - 65/ ح 29)، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 185 - 190)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 550 و551/ ح 11، وج 3/ ص 1166 و1167/ ذيل الحديث 64) مختصراً.
(716) في بعض النُّسَخ: (سبطين) مكان (صالحين).
(717) رواه الخصيبي (رحمه الله) في الهداية الكبرى (ص 374 و375) بسند آخر، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 190 و191).
(718) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 36/ ص 255): (بيان: الظاهر رجوع ضمير «كلُّهم» إلى التسعة، فلا ينافي فضل أمير المؤمنين والحسنين (عليهم السلام) عليهم كما يظهر من بعض الأخبار).

(٤١٠)

الأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِهَا(719)، فَعَدَدْتُ اثْنَيْ عَشَرَ آخِرُهُمُ القَائِمُ، ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ مُحَمَّدٌ، وَأَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ عَلِيٌّ، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ(720).
[153/14] حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام)، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي القَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا غِيَاثُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «أَبْشِرُوا ثُمَّ أَبْشِرُوا - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ -، إِنَّمَا مَثَلُ أُمَّتِي كَمَثَلِ غَيْثٍ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَوْ آخِرُهُ، إِنَّمَا مَثَلُ أُمَّتِي كَمَثَلِ حَدِيقَةٍ أُطْعِمَ مِنْهَا فَوْجٌ عَاماً، ثُمَّ أُطْعِمَ مِنْهَا فَوْجٌ عَاماً، لَعَلَّ آخِرَهَا فَوْجاً أَنْ يَكُونَ أَعْرَضَهَا بَحْراً، وَأَعْمَقَهَا طُولاً وَفَرْعاً، وَأَحْسَنَهَا جَنًى، وَكَيْفَ تَهْلِكُ أُمَّةٌ أَنَا أَوَّلُهَا، وَاثْنَا عَشَرَ مِنْ بَعْدِي مِنَ السُّعَدَاءِ وَأُوْلِي الالبَابِ، وَالمَسِيحُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ آخِرُهَا؟ وَلَكِنْ يَهْلِكُ بَيْنَ ذَلِكَ(721) نُتْجُ الهَرْجِ، لَيْسُوا مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُمْ»(722)،(723).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(719) (من ولدها) ليس في العيون والخصال.
(720) رواه المصنِّف (رحمه الله) في الخصال (ص 477 و478/ ح 42)، وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 52/ ح 6 و7) بسندين مختلفين، وفي من لا يحضره الفقيه (ج 4/ ص 180/ ح 5408)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 532/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 9)، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 346)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 139/ ح 103).
(721) في بعض النُّسَخ: (من ذلك).
(722) رواه المصنِّف (رحمه الله) في الخصال (ص 475 و476/ ح 39)، وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 56/ ح 18)، والخزَّاز (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 230 و231)، والكراجكي (رحمه الله) في الاستنصار (ص 13).
(723) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 36/ ص 242): (بيان: تيح الهرج، أي من تهيَّأ للهرج والفساد، قال الفيروزآبادي: تاح له الشيء يتوح: تهيَّأ كتاح يتيح، وأتاحه الله فأُتيح.
والمتيح كمنبر من يعرض فيما لا يعنيه أو يقع في البلايا. وفي كثير من النُّسَخ: (نتج الهرج) أي من ينتج في زمان الهرج. ويحتمل أنْ يكون كناية عن فساد النسب والأصل. وفي أخبار العامَّة مكان اللفظين (ثبج أعوج) كما سيأتي بالثاء المثلَّثة والباء الموحَّدة بعده، قال الجزري: فيه: «خيار أُمَّتي أوَّلها وآخرها، وبين ذلك ثبج أعوج ليس منك ولست منه»، الثبج: الوسط).

(٤١١)

[154/15] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الهِلَالِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرٍ الطَّيَّارَ يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ وَالحَسَنَ وَالحُسَيْنَ (عليهما السلام) وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَذَكَرَ حَدِيثاً جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَأَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يَقُولُ: «إِنِّي أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ أَخِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا اسْتُشْهِدَ فَابْنِيَ الحَسَنُ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ ابْنِيَ الحُسَيْنُ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا اسْتُشْهِدَ فَابْنُهُ عَلِيٌّ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَسَتُدْرِكُهُ يَا عَلِيُّ، ثُمَّ ابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَسَتُدْرِكُهُ يَا حُسَيْنُ، ثُمَّ تُكَمِّلُهُ اثْنَيْ عَشَرَ إِمَاماً تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ»، قَالَ عَبْدُ اللهِ: ثُمَّ اسْتَشْهَدْتُ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا) وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَشَهِدُوا لِي عِنْدَ مُعَاوِيَةَ، قَالَ سُلَيْمُ بْنُ قَيْسٍ: وَقَدْ كُنْتُ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ سَلْمَانَ وَأَبِي ذَرٍّ وَالمِقْدَادِ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَحَدَّثُونِي أَنَّهُمْ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)»(724)،(725).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(724) رواه المصنِّف (رحمه الله) في الخصال (ص 477/ ح 41)، وابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 110 و111/ ح 97)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 529/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 4)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 96 و97/ باب 4/ ح 27)، والحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 420)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 137 و138/ ح 101)، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 179 و180).
(725) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 6/ ص 216 و217): (قوله: كنَّا عند معاوية قال بعض الأفاضل: حكاية لما وقع في زمان أحد الثلاثة لأنَّ عمر بن أُمِّ سَلَمة قُتِلَ بصفين، انتهى. ولا يخفى ما فيه، لأنَّه ذكر ابن عبد البرِّ وغيره عمر بن أبي سَلَمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر القرشي المخزومي ربيب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أُمُّه أُمُّ سَلَمة المخزوميَّة أُمُّ المؤمنين، يُكنَّى أبا حفص، وُلِدَ في السنة الثانية من الهجرة بأرض الحبشة وشهد مع عليٍّ (عليه السلام) يوم الجمل، واستعمله على فارس وعلى البحرين، وتُوفّي بالمدينة في خلافة عبد المَلِك بن مروان سنة ثلاث وثمانين. وقوله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «وستُدركه يا عليُّ»، كان لعليِّ بن الحسين عند شهادة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) سنتان، لأنَّ شهادته كانت في سنة الأربعين من الهجرة، وولادة عليِّ بن الحسين في سنة ثمان وثلاثين، وكان للباقر عند شهادة الحسين (عليه السلام) أربع سنين تقريباً، لأنَّ الشهادة كانت في سنة إحدى وستِّين وولادة الباقر (عليه السلام) في سنة سبع وخمسين على ما ذكره المصنِّف (رحمه الله). وقوله: «ثمّ تكملة» كلام عبد الله بن جعفر، والتكملة التتمَّة أي ثمّ ذكرت عند معاوية تتمَّتهم تفصيلاً، أو هو من كلام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أي ثمّ تكملتهم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، والأوَّل أظهر، وفي بعض النُّسَخ بالياء على صيغة المضارع، أي ثمّ يكمل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) اثني عشر يُسمِّيهم).

(٤١٢)

[155/16] حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَلَفِ بْنِ يَزِيدَ المَرْوَزِيُّ بِالرَّيِّ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِمِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ - فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ - المَعْرُوفِ بِإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى(726)، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ خَالِدٍ(727)، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ نَعْرِضُ مَصَاحِفَنَا عَلَيْهِ، إِذْ قَالَ لَهُ فَتًى شَابٌّ: هَلْ عَهِدَ إِلَيْكُمْ نَبِيُّكُمْ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كَمْ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ خَلِيفَةٌ؟ قَالَ: إِنَّكَ لَحَدَثُ السِّنِّ، وَإِنَّ هَذَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(726) هو يحيى بن يحيى بن بكير بن عبد الرحمن الحنظلي أبو زكريا النيسابوري، ثقة ثبت إمام كما في تقريب التهذيب (ج 2/ ص 318/ ح 7696).
(727) كذا، وفي بعض النُّسَخ: (هيثم عن مخالد)، والصواب: هشام عن مجالد، والمراد بهشام هشام ابن سنبر الدستوائي، وبمجالد مجالد بن سعد بن عمير، وقد تقدَّم تحقيق ذلك في (ص 93 و94).

(٤١٣)

لَشَيْءٌ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ، نَعَمْ عَهِدَ إِلَيْنَا نَبِيُّنَا (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَهُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً بِعَدَدِ نُقْبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ»(728).
[156/17] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ القَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ البَغْدَادِيُّ(729)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبْدُوسٍ الحَرَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ بْنُ الحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَمِّهِ قَيْسِ بْنِ عُبَيْدٍ(730)، قَالَ: كُنَّا جُلُوساً فِي حَلْقَةٍ فِيهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ عَبْدُ اللهِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: هَلْ حَدَّثَكُمْ نَبِيُّكُمْ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كَمْ يَكُونُ بَعْدَهُ مِنَ الخُلَفَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ، اثْنَا عَشَرَ، عِدَّةَ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ»(731).
[157/18] حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ عَتَّابُ بْنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الفَضْلِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَوَّارِ [وَ]ابْنُ وَرَّاقٍ النُّفَيْليُّ(732)، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ بْنُ الحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ.
قَالَ عَتَّابٌ: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْمَاطِيُّ(733)، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(728) رواه المصنِّف (رحمه الله) في أماليه (ص 385 و386/ ح 495/4)، وفي الخصال (ص 466 و467/ ح 6)، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 53/ ح 10)، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 261).
(729) راجع ترجمته في تاريخ بغداد (ج 5/ ص 150/ الرقم 2582).
(730) في الخصال: (قيس بن عبد)، ولم أجده.
(731) رواه المصنِّف (رحمه الله) في أماليه (ص 386/ ح 496/5)، وفي الخصال (ص 467/ ح 7)، وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 53/ ح 9).
(732) كذا، وفي بعض النُّسَخ: (ونزار الدئلي)، وفي بعضها: (ونزار الديلمي).
(733) في بعض النُّسَخ: (أبلي)، ولم أجده.

(٤١٤)

قَالَ عَتَّابٌ: وَحَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الحَرَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الوَزَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، كُلُّهُمْ قَالُوا: عَنْ عَمِّهِ قَيْسِ بْنِ عُبَيْدٍ.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ عَتَّابٌ: وَهَذَا حَدِيثُ مُطَرِّفٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوساً فِي المَسْجِدِ، وَمَعَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: فِيكُمْ عَبْدُ اللهِ [بْنُ مَسْعُودٍ]، قَالَ: نَعَمْ أَنَا عَبْدُ اللهِ، فَمَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ، أَخْبَرَكُمْ نَبِيُّكُمْ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كَمْ يَكُونُ فِيكُمْ مِنْ خَلِيفَةٍ؟ قَالَ: لَقَدْ سَالتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ مُنْذُ قَدِمْتُ العِرَاقَ، نَعَمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً عِدَّةَ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَالَ أَبُو عَرُوبَةَ فِي حَدِيثِهِ: نَعَمْ عِدَّةُ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَالَ جَرِيرٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، قَالَ: «الخُلَفَاءُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ كَعِدَّةِ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ»(734).
[158/19] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ القَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ - يَعْنِي الهَمْدَانِيَّ -، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ وَعَبْدِ المَلِكِ ابْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي عِنْدَ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ أَمِيراً»، ثُمَّ أَخْفَى صَوْتَهُ، فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا الَّذِي أَخْفَى رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)؟ قَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»(735).
[159/20] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ القَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(734) رواه المصنِّف (رحمه الله) في أماليه (ص 386 و387/ ح 497/6)، وفي الخصال (ص 467 و468/ ح 8)، وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 54/ ح 11)، والخزَّاز (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 26 و27).
(735) رواه المصنِّف (رحمه الله) في أماليه (ص 387/ ح 499/8)، وفي الخصال (ص 469/ ح 12)، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 54/ ح 12)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 121/ باب 6/ ح 11).

(٤١٥)

عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ السُّكَّرِيُّ المَرْوَزِيُّ(736)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عَمَّارٍ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَزِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: جِئْتُ مَعَ أَبِي إِلَى المَسْجِدِ وَرَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يَخْطُبُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يَكُونُ مِنْ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ - يَعْنِي أَمِيراً -»، ثُمَّ خَفَضَ مِنْ صَوْتِهِ فَلَمْ أَدْرِ مَا يَقُولُ، فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا قَالَ؟ قَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»(737).
[160/21] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الدِّينَوَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ(738)، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ذَكْوَانَ(739)، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فَقَالَ: «يَلي هَذَا الأَمْرَ اثْنَا عَشَرَ»، قَالَ: فَصَرَخَ النَّاسُ(740)، فَلَمْ أَسْمَعْ مَا قَالَ، فَقُلْتُ لِأَبِي - وَكَانَ أَقْرَبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) مِنِّي -: مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)؟ فَقَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكُلُّهُمْ لَا يُرَى مِثْلُهُ»(741).
وقد أخرجت الطُّرُق في هذا الحديث من طريق عبد الله بن مسعود، ومن طريق جابر بن سمرة في كتاب النصِّ على الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) بالإمامة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(736) في نُسَخ الخصال: (اليشكري المروزي).
(737) رواه المصنِّف (رحمه الله) في الخصال (ص 469/ ح 13)، والخزَّاز (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 50)، والطبراني في المعجم الكبير (ج 2/ ص 197).
(738) في الخصال: (أبو بكر بن أبي زواد)، وفي بعض نُسَخه: (أبو بكر بن أبي رواد)، ولم أجده.
(739) في الخصال: (قال: حدَّثنا محمّد، قال: حدَّثنا مخول بن ذكوان).
(740) صراخهم هذا عند قوله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في خطبته: «يكون بعدي اثنا عشر»، أو إخفاء صوته (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يكشف النقاب عن أُمور خفيَّة لا تخفى على المتدرِّب الخبير، وهل يكون ذلك إلَّا خوفاً من أنْ يقول: (كلُّهم من عترتي)؟ كما خافوا وفعلوا ما فعلوا عند قوله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «ائتوني بدواة وقرطاس»، ولعلَّه قال، ولكن حرَّفوا كلامه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم).
(741) رواه المصنِّف (رحمه الله) في الخصال (ص 473/ ح 29).

(٤١٦)

[161/22] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ الطَّيَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ، عَنْ بُرْدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً»؟ قَالَ مَكْحُولٌ: نَعَمْ، وَذَكَرَ لَفْظَةً أُخْرَى.
[162/23] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى القَصْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ بِشْرُ بْنُ مُوسَى بْنِ صَالِحٍ(742)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ خَلَفُ بْنُ الوَلِيدِ البَصْرِيُّ، عَنْ إِسْرَائِيلَ(743)، عَنْ سَمَّاكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يَقُولُ: «يَقُومُ مِنْ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ أَمِيراً»، ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لَمْ أَفْهَمْهَا، فَسَالتُ القَوْمَ، فَقَالُوا: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»(744).
[163/24] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى القَصْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بْنُ الكُمَيْتِ بْنِ بُهْلُولٍ المَوْصِلِيُّ(745)، قَالَ: حَدَّثَنَا غَسَّانُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ مَوْلَى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(742) عنونه الخطيب في التاريخ (ج 7/ ص 89)، وقال: (كان ثقةً أميناً عاقلاً ركيناً). وُلِدَ سنة (191هـ)، ومات يوم السبت لأربع بقين بن ربيع الأوَّل سنة ثمان وثمانين ومائتين. وفي أكثر النُّسَخ: (بشر بن أبي موسى)، وهو تصحيف.
(743) يعني إسرائيل بن يونس المترجَم في تهذيب التهذيب (ج 1/ ص 229/ الرقم 496)، وتاريخ بغداد (ج 7/ ص 23/ الرقم 3488).
(744) رواه المصنِّف (رحمه الله) في الخصال (ص 475/ ح 36)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 121/ باب 6/ ح 12).
(745) قال الخطيب في التاريخ (ج 8/ ص 87/ الرقم 4183): (الحسين بن الكميت بن البهلول بن عمر أبو عليٍّ الموصلي، قَدِمَ بغداد وحدَّث بها عن غسَّان بن الربيع وأبي سَلَمة...) إلى آخر ما قال. وفي بعض النُّسَخ: (أبو عليٍّ الحسن بن الليث)، وهو تصحيف.

(٤١٧)

عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «لَا يَزَالُ أَمْرُ أُمَّتِي ظَاهِراً حَتَّى يَمْضِيَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»(746).
[164/25] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الهِلَالِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا (عليه السلام) فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَجَمَاعَةٌ يَتَحَدَّثُونَ وَيَتَذَاكَرُونَ العِلْمَ وَالفِقْهَ، فَذَكَرْنَا قُرَيْشاً [وَشَرَفَهَا] وَفَضْلَهَا وَسَوَابِقَهَا وَهِجْرَتَهَا وَمَا قَالَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) مِنَ الفَضْلِ، مِثْلَ قَوْلِهِ: «الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ»، وَقَوْلِهِ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ»، وَ«قُرَيْشٌ أَئِمَّةُ العَرَبِ»، وَقَوْلِهِ: «لَا تَسُبُّوا قُرَيْشاً»، وَقَوْلِهِ: «إِنَّ لِلْقُرَشِيِّ قُوَّةَ رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمْ»، وَقَوْلِهِ: «مَنْ أَبْغَضَ قُرَيْشاً أَبْغَضَهُ اللهُ»، وَقَوْلِهِ: «مَنْ أَرَادَ هَوَانَ قُرَيْشٍ أَهَانَهُ اللهُ»، وَذَكَرُوا الأَنْصَارَ وَفَضْلَهَا وَسَوَابِقَهَا وَنُصْرَتَهَا وَمَا أَثْنَى اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِهِ، وَمَا قَالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) مِنَ الفَضْلِ، وَذَكَرُوا مَا قَالَ فِي سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَغَسِيلِ المَلَائِكَةِ، فَلَنْ يَدَعُوا شَيْئاً مِنْ فَضْلِهِمْ حَتَّى قَالَ كُلُّ حَيٍّ: مِنَّا فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مِنَّا رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وَمِنَّا جَعْفَرٌ، وَمِنَّا حَمْزَةُ، وَمِنَّا عُبَيْدَةُ بْنُ الحَارِثِ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ(747)، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَسَعْدٌ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَسَالِمٌ، وَابْنُ عَوْفٍ، فَلَمْ يَدَعُوا مِنَ الحَيَّيْنِ أَحَداً مِنْ أَهْلِ السَّابِقَةِ إِلَّا سَمَّوْهُ، وَفِي الحَلْقَةِ أَكْثَرُ مِنْ مِائَتَيْ رَجُلٍ، فَمِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(746) رواه المصنِّف (رحمه الله) في أماليه (ص 387 و388/ ح 500/9)، وفي الخصال (ص 475/ ح 37)، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 262).
(747) زيد بن حارثة لم يكن قرشيًّا إنَّما هو مولى. وليس هو تصحيف زيد بن خارجة، لأنَّه أنصاري خزرجي بدري.

(٤١٨)

وَعَمَّارٌ، وَالمِقْدَادُ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَهَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ، وَابْنُ عُمَرَ، وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ (عليهما السلام)، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَمِنَ الأَنْصَارِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو الهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ(748)، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَزَيْدُ ابْنُ أَرْقَمَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى، وَأَبُو لَيْلَى، ومَعَهُ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَاعِدٌ بِجَنْبِهِ غُلَامٌ صَبِيحُ الوَجْهِ أَمْرَدُ، فَجَاءَ أَبُو الحَسَنِ البَصْرِيُّ وَمَعَهُ ابْنُهُ الحَسَنُ غُلَامٌ أَمْرَدُ صَبِيحُ الوَجْهِ، مُعْتَدِلُ القَامَةِ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَإِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، فَلَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَجْمَلُ هَيْأَةً، غَيْرَ أَنَّ الحَسَنَ أَعْظَمُهُمَا وَأَطْوَلُهُمَا، فَأَكْثَرَ القَوْمُ فِي ذَلِكَ مِنْ بُكْرَةٍ إِلَى حِينِ الزَّوَالِ، وَعُثْمَانُ فِي دَارِهِ لَا يَعْلَمُ بِشَيْءٍ مِمَّا هُمْ فِيهِ، وَعَلِيُّ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) سَاكِتٌ لَا يَنْطِقُ، لَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.
فَأَقْبَلَ القَوْمُ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الحَسَنِ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ؟ فَقَالَ: «مَا مِنَ الحَيَّيْنِ إِلَّا وَقَدْ ذَكَرَ فَضْلاً وَقَالَ حَقًّا، وَأَنَا أَسْأَلُكُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ، بِمَنْ أَعْطَاكُمُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) هَذَا الفَضْلَ؟ أَبِأَنْفُسِكُمْ وَعَشَائِرِكُمْ وَأَهْلِ بُيُوتَاتِكُمْ أَوْ بِغَيْرِكُمْ؟»، قَالُوا: بَلْ أَعْطَانَا اللهُ وَمَنَّ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وَعَشِيرَتِهِ لَا بِأَنْفُسِنَا وَعَشَائِرِنَا وَلَا بِأَهْلِ بُيُوتَاتِنَا، قَالَ: «صَدَقْتُمْ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي نِلْتُمْ بِهِ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ؟ وَأَنَّ ابْنَ عَمِّي رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قَالَ: إِنِّي وَأَهْلَ بَيْتِي كُنَّا نُوراً يَسْعَى بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) آدَمَ (عليه السلام) بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ الفَ سَنَةٍ، فَلَمَّا خَلَقَ آدَمَ (عليه السلام) وَضَعَ ذَلِكَ النُّورَ فِي صُلْبِهِ وَأَهْبَطَهُ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ حَمَلَهُ فِي السَّفِينَةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(748) هو محمّد بن مسلمة بن سَلَمة بن حريش بن خالد الخزرجي الأنصاري، أحد الثلاثة الذي قتلوا كعب بن الأشرف، وهو الذي استخلفه النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في بعض غزواته. وفي بعض النُّسَخ: (محمّد ابن سَلَمة)، وهو نسبة إلى الجدِّ.

(٤١٩)

فِي صُلْبِ نُوحٍ (عليه السلام)، ثُمَّ قَذَفَ بِهِ فِي النَّارِ فِي صُلْبِ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام)، ثُمَّ لَمْ يَزَلِ اللهُ (عزَّ وجلَّ) يَنْقُلُنَا مِنَ الأَصْلَابِ الكَرِيمَةِ إِلَى الأَرْحَامِ الطَّاهِرَةِ، وَمِنَ الأَرْحَامِ الطَّاهِرَةِ إِلَى الأَصْلَابِ الكَرِيمَةِ مِنَ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ، لَمْ يَلْتَقِ وَاحِدٌ(749) مِنْهُمْ عَلَى سِفَاحٍ قَطُّ؟»، فَقَالَ أَهْلُ السَّابِقَةِ وَالقِدْمَةِ وَأَهْلُ بَدْرٍ وَأَهْلُ أُحُدٍ: نَعَمْ قَدْ سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، ثُمَّ قَالَ: «أَنْشُدُكُمُ اللهَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ(عزَّ وجلَّ) فَضَّلَ فِي كِتَابِهِ السَّابِقَ عَلَى المَسْبُوقِ فِي غَيْرِ آيَةٍ، وَأَنِّي لَمْ يَسْبِقْنِي إِلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَإِلَى رَسُولِهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ؟»، قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ: «فَأَنْشُدُكُمُ اللهَ أَتَعْلَمُونَ حَيْثُ نَزَلَتْ: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ﴾ [التوبة: 100]، وَ﴿السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ﴾ [الواقعة: 10 و11]، سُئِلَ عَنْهَا رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فَقَالَ: «أَنْزَلَهَا اللهُ تَعَالَى فِي الأَنْبِيَاءِ وَأَوْصِيَائِهِمْ، فَأَنَا أَفْضَلُ أَنْبِيَاءِ اللهِ وَرُسُلِهِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَصِيِّي أَفْضَلُ الأَوْصِيَاءِ؟»، قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ: «فَأَنْشُدُكُمُ اللهَ (عزَّ وجلَّ) أَتَعْلَمُونَ حَيْثُ نَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، وَحَيْثُ نَزَلَتْ: ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ [المائدة: 55]، وَحَيْثُ نَزَلَتْ: ﴿وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا المُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً﴾ [التوبة: 16]، قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَهَذِهِ خَاصَّةٌ فِي بَعْضِ المُؤْمِنِينَ أَمْ عَامَّةٌ لِجَمِيعِهِمْ؟ فَأَمَرَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) نَبِيَّهُ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أَنْ يُعَلِّمَهُمْ وُلَاةَ أَمْرِهِمْ، وَأَنْ يُفَسِّرَ لَهُمْ مِنَ الوَلَايَةِ مَا فَسَّرَ لَهُمْ مِنْ صَلَاتِهِمْ وَزَكَاتِهِمْ وَصَوْمِهِمْ وَحَجِّهِمْ، فَنَصَبَنِي لِلنَّاسِ بِغَدِيرِ خُمٍّ، ثُمَّ خَطَبَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) أَرْسَلَنِي بِرِسَالَةٍ ضَاقَ بِهَا صَدْرِي، وَظَنَنْتُ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبِيَّ، فَأَوْعَدَنِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(749) في بعض النُّسَخ: (لم يلف أحد).

(٤٢٠)

لَأُبَلِّغَنَّهَا أَوْ لَيُعَذِّبَنِّي، ثُمَّ أَمَرَ فَنُودِيَ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) مَوْلَايَ وَأَنَا مَوْلَى المُؤْمِنِينَ، وَأَنَا أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: قُمْ يَا عَلِيُّ، فَقُمْتُ، فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، فَقَامَ سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ (رضي الله عنه)، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَاؤُهُ كَمَاذَا؟ فَقَالَ (عليه السلام): وَلَاؤُهُ كَوَلَائِي(750)، مَنْ كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَعَلِيٌّ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً﴾ [المائدة: 3]، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ بِتَمَامِ النِّعْمَةِ وَكَمَالِ نُبُوَّتِي وَدِينِ اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَوَلَايَةِ عَلِيٍّ بَعْدِي(751).
فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ وعُمَرُ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللهِ هَذِهِ الآيَاتُ خَاصَّةٌ لِعَلِيٍّ؟ قَالَ: بَلَى فِيهِ وفِي أَوْصِيَائِي إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، قَالَا: يَا رَسُولَ اللهِ، بَيِّنْهُمْ لَنَا، قَالَ: عَلِيٌّ أَخِي وَوَزِيرِي وَوَارِثِي وَوَصِيِّي وَخَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي وَوَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي، ثُمَّ ابْنِيَ الحَسَنُ، ثُمَّ ابْنِيَ الحُسَيْنُ، ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، القُرْآنُ مَعَهُمْ وَهُمْ مَعَ القُرْآنِ لَا يُفَارِقُونَهُ وَلَا يُفَارِقُهُمْ حَتَّى يَرِدُوا عَلَيَّ حَوْضِي؟»، فَقَالُوا كُلُّهُمْ: اللَّهُمَّ نَعَمْ قَدْ سَمِعْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ وَشَهِدْنَا كَمَا قُلْتَ سَوَاءً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ حَفِظْنَا جُلَّ مَا قُلْتَ، وَلَمْ نَحْفَظْهُ كُلَّهُ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَفِظُوا أَخْيَارُنَا وَأَفَاضِلُنَا.
فَقَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «صَدَقْتُمْ لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَسْتَوُونَ فِي الحِفْظِ، أَنْشُدُكُمُ اللهَ مَنْ حَفِظَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لَـمَّا قَامَ فَأَخْبَرَ بِهِ».
فَقَامَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَالبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَسَلْمَانُ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَالمِقْدَادُ، وَعَمَّارُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(750) في بعض النُّسَخ: (والاه كماذا؟ فقال: والاه كولائي).
(751) في بعض النُّسَخ: (تمام نبوَّتي وتمام ديني دين الله (عزَّ وجلَّ) وولاية عليٍّ بعدي).

(٤٢١)

ابْنُ يَاسِرٍ (رضي الله عنهم)، فَقَالُوا: نَشْهَدُ لَقَدْ حَفِظْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى المِنْبَرِ وَأَنْتَ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَنْصِبَ لَكُمْ إِمَامَكُمْ وَالقَائِمَ فِيكُمْ بَعْدِي وَوَصِيِّي وَخَلِيفَتِي وَالَّذِي فَرَضَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) عَلَى المُؤْمِنِينَ فِي كِتَابِهِ طَاعَتَهُ فَقَرَنَهُ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَتِي، فَأَمَرَكُمْ بِوَلَايَتِي وَوَلَايَتِهِ، فَإِنِّي رَاجَعْتُ رَبِّي (عزَّ وجلَّ) خَشْيَةَ طَعْنِ أَهْلِ النِّفَاقِ وَتَكْذِيبِهِمْ، فَأَوْعَدَنِي رَبِّي لَأُبْلِغَنَّهَا أَوْ لَيُعَذِّبَنِّي. أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) أَمَرَكُمْ فِي كِتَابِهِ بِالصَّلَاةِ فَقَدْ بَيَّنْتُهَا لَكُمْ، وَبِالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالحَجِّ فَبَيَّنْتُهَا لَكُمْ وَفَسَّرْتُهَا لَكُمْ، وَأَمْرَكُمْ بِالوَلَايَةِ، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنَّهَا لِهَذَا خَاصَّةً - وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى كَتِفِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -، ثُمَّ لِابْنَيْهِ مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ لِلْأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ وُلْدِهِمْ، لَا يُفَارِقُونَ القُرْآنَ وَلَا يُفَارِقُهُمُ القُرْآنُ حَتَّى يَرِدُوا عَلَيَّ حَوْضِي. أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ بَيَّنْتُ لَكُمْ مَفْزَعَكُمْ(752) بَعْدِي، وَإِمَامَكُمْ وَدَلِيلَكُمْ وَهَادِيَكُمْ، وَهُوَ أَخِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَهُوَ فِيكُمْ بِمَنْزِلَتِي فِيكُمْ، فَقَلِّدُوهُ دِينَكُمْ وَأَطِيعُوهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِكُمْ، فَإِنَّ عِنْدَهُ جَمِيعَ مَا عَلَّمَنِي اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَحِكْمَتُهُ، فَسَلُوهُ وَتَعَلَّمُوا مِنْهُ وَمِنْ أَوْصِيَائِهِ بَعْدَهُ، وَلَا تُعَلِّمُوهُمْ وَلَا تَتَقَدَّمُوهُمْ وَلَا تَخَلَّفُوا عَنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ مَعَ الحَقِّ وَالحَقُّ مَعَهُمْ لَا يُزَايِلُونَهُ وَلَا يُزَايِلُهُمْ»، ثُمَّ جَلَسُوا.
فَقَالَ سُلَيْمٌ: ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): «أَيُّهَا النَّاسُ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ [الأحزاب: 33]، فَجَمَعَنِي وَفَاطِمَةَ وَابْنَيَّ حَسَناً وَحُسَيْناً، ثُمَّ القَى عَلَيْنَا كِسَاءً، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَلُحْمَتِي، يُؤْلِمُنِي مَا يُؤْلِمُهُمْ، وَيَجْرَحُنِي مَا يَجْرَحُهُمْ، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَأَنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: أَنْتِ عَلَى خَيْرٍ، إِنَّمَا أُنْزِلَتْ فِيَّ وَفِي أَخِي [عَلِيٍّ] وَفِي ابْنَيَّ الحَسَنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(752) المفزع: الملجأ.

(٤٢٢)

وَالحُسَيْنِ وَفِي تِسْعَةٍ مِنْ وُلْدِ ابْنِيَ الحُسَيْنِ خَاصَّةً، لَيْسَ مَعَنَا فِيهَا أَحَدٌ غَيْرُنَا؟»، فَقَالُوا كُلُّهُمْ: نَشْهَدُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْنَا بِذَلِكَ، فَسَالنَا رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فَحَدَّثَنَا كَمَا حَدَّثَتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ (رضي الله عنها).
ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «أَنْشُدُكُمُ الله أَتَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) لَـمَّا أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119]، فَقَالَ سَلْمَانُ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَامَّةٌ هَذِهِ أَمْ خَاصَّةٌ؟ فَقَالَ (عليه السلام): أَمَّا المَأْمُورُونَ فَعَامَّةُ المُؤْمِنِينَ أُمِرُوا بِذَلِكَ، وَأَمَّا الصَّادِقُونَ فَخَاصَّةٌ لِأَخِي عَلِيٍّ وَأَوْصِيَائِي مِنْ بَعْدِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ؟»، قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ: «أَنْشُدُكُمُ اللهَ أَتَعْلَمُونَ أَنِّي قُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: لِـمَ خَلَّفْتَنِي مَعَ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؟ فَقَالَ: إِنَّ المَدِينَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِي أَوْ بِكَ، وَأَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي؟»، قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ: «أَنْشُدُكُمُ اللهَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) أَنْزَلَ فِي سُورَةِ الحَجِّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ...﴾ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ [الحجّ: 77 و78]، فَقَامَ سَلْمَانُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَنْتَ عَلَيْهِمْ شَهِيدٌ وَهُمْ شُهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ الَّذِينَ اجْتَبَاهُمُ اللهُ وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ؟ قَالَ (عليه السلام): عَنَى بِذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً خَاصَّةً دُونَ هَذِهِ الأُمَّةِ، قَالَ سَلْمَانُ: بَيِّنْهُمْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: أَنَا وَأَخِي عَلِيٌّ وَأَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِي؟»، قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ: «أَنْشُدُكُمُ اللهَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قَامَ خَطِيباً لَمْ يَخْطُبْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لِئَلَّا تَضِلُّوا(753)، فَإِنَّ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ أَخْبَرَنِي وَعَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(753) في بعض النُّسَخ: (لن تضلُّوا)، وفي بعض نُسَخ الحديث: (لا تضلُّوا).

(٤٢٣)

حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَهُوَ شِبْهُ المُغْضَبِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَكُلُّ أَهْلِ بَيْتِكَ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَوْصِيَائِي مِنْهُمْ، أَوَّلُهُمْ أَخِي وَوَزِيرِي وَوَارِثِي وَخَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي وَوَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ بَعْدِي، هُوَ أَوَّلُهُمْ، ثُمَّ ابْنِيَ الحَسَنُ، ثُمَّ ابْنِيَ الحُسَيْنُ، ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ، وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى يَرِدُوا عَلَيَّ الحَوْضَ، شُهَدَاءَ اللهِ فِي أَرْضِهِ وَحُجَجَهُ عَلَى خَلْقِهِ وَخُزَّانُ عِلْمِهِ وَمَعَادِنُ حِكْمَتِهِ، مَنْ أَطَاعَهُمْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَاهُمْ عَصَى اللهَ (عزَّ وجلَّ)؟»، فَقَالُوا كُلُّهُمْ: نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قَالَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَمَادَى بِعَلِيٍّ (عليه السلام) السُّؤَّالُ، فَمَا تَرَكَ شَيْئاً إِلَّا نَاشَدَهُمُ اللهَ فِيهِ وَسَأَلَهُمْ عَنْهُ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِ مَنَاقِبِهِ وَمَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، كُلَّ ذَلِكَ يُصَدِّقُونَهُ وَيَشْهَدُونَ أَنَّهُ حَقٌّ(754).
[165/26] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ المُقْرِي كَانَ يُلَقَّبُ بِقَطَاةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى السُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبَانٍ(755)، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَالتُ عَبْدَ اللهِ(756): هَلْ أَخْبَرَكَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كَمْ بَعْدَهُ خَلِيفَةً؟ قَالَ: نَعَمْ، اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ.
[166/27] حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ المُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ البَصْرِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ [بْنِ] الحَكَمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنَّ خُلَفَائِي وَأَوْصِيَائِي، وَحُجَجَ اللهِ عَلَى الخَلْقِ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ، أَوَّلُهُمْ أَخِي وَآخِرُهُمْ وَلَدِي»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ أَخُوكَ؟ قَالَ: «عَلِيُّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(754) رواه سُلَيم بن قيس (رحمه الله) في كتابه (ص 191 - 202/ ح 11).
(755) في بعض النُّسَخ: (عبد العزيز بن خالد)، وكلاهما من رواة سفيان.
(756) يعني ابن مسعود.

(٤٢٤)

ابْنُ أَبِي طَالِبٍ»، قِيلَ: فَمَنْ وَلَدُكَ؟ قَالَ: «المَهْدِيُّ الَّذِي يَمْلَؤُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالحَقِّ نَبِيًّا لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اللهُ ذَلِكَ اليَوْمَ(757) حَتَّى يَخْرُجَ فِيهِ وَلَدِيَ المَهْدِيُّ، فَيَنْزِلَ رُوحُ اللهِ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ فَيُصَلِّيَ خَلْفَهُ، وَتُشْرِقَ الأَرْضُ بِنُورِهِ(758)، وَيَبْلُغَ سُلْطَانُهُ المَشْرِقَ وَالمَغْرِبَ»(759).
[167/28] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ الوَرَّاقُ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بْنُ أَبِي مَسْرُوقٍ النَّهْدِيُّ، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ عُلْوَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنِ الأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يَقُولُ: «أَنَا وَعَلِيٌّ وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ وَتِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ مُطَهَّرُونَ مَعْصُومُونَ»(760).
[168/29] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ القَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا القَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ الصَّقْرِ العَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «أَنَا سَيِّدُ النَّبِيِّينَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سَيِّدُ الوَصِيِّينَ، وَإِنَّ أَوْصِيَائِي بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ، أَوَّلُهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَآخِرُهُمُ القَائِمُ (عليهم السلام)»(761).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(757) في بعض النُّسَخ: (لأطال الله ذلك اليوم).
(758) في بعض النُّسَخ: (بنور ربِّه)، وفي بعض النُّسَخ: (بنور ربِّها).
(759) رواه الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 173 و174).
(760) رواه المصنِّف (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 65 و66/ ح 30)، والخزَّاز (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 19)، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 181)، وابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب (ج 1/ ص 253 254).
(761) رواه المصنِّف (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 66/ ح 31)، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 181).

(٤٢٥)

[169/30] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى العَطَّارُ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وَأَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ العَبَّاسِ بْنِ حَرِيشٍ(762) الرَّازِيُّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) أَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (صلوات الله عليه) قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: آمِنُوا بِلَيْلَةِ القَدْرِ، إِنَّهَا تَكُونُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَوُلْدِهِ الأَحَدَ عَشَرَ مِنْ بَعْدِهِ»(763)،(764).
[170/31] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَمُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الخَطَّابِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنِ الحَجَّاجِ الخَشَّابِ، عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنَّمَا مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي فِي هَذِهِ الأُمَّةِ مَثَلُ نُجُومِ السَّمَاءِ كُلَّمَا غَابَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ»(765).
[171/32] حَدَّثَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ ابْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، عَنْ آبَائِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(762) ضعيف جدًّا، صنع كتاباً في تفسير ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾، ولا يُعوَّل عليه.
(763) رواه المصنِّف (رحمه الله) في الخصال (ص 479 و480/ ح 47)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 533/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 12)، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 345 و346)، والحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 425)، والكراجكي (رحمه الله) في الاستنصار (ص 7 و8) باختلاف يسير.
(764) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 6/ ص 229): (فيه ردٌّ على من زعم من المخالفين أنَّ ليلة القدر لم تبقَ بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)).
(765) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 157 و158/ باب 10/ فصل 1/ ح 16).

(٤٢٦)

(صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِم)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) اخْتَارَ مِنَ الأَيَّامِ الجُمُعَةَ، وَمِنَ الشُّهُورِ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَمِنَ اللَّيَالِي لَيْلَةَ القَدْرِ، وَاخْتَارَنِي عَلَى جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ، وَاخْتَارَ مِنِّي عَلِيًّا، وَفَضَّلَهُ عَلَى جَمِيعِ الأَوْصِيَاءِ، وَاخْتَارَ مِنْ عَلِيٍّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ، وَاخْتَارَ مِنَ الحُسَيْنِ الأَوْصِيَاءَ مِنْ وُلْدِهِ، يَنْفُونَ عَنِ التَّنْزِيلِ تَحْرِيفَ الغَالِينَ وَانْتِحَالَ المُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ المُضِلِّينَ، تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ، وَ[هُوَ] ظَاهِرُهُمْ، وَهُوَ بَاطِنُهُمْ».
[172/33] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الهَمْدَانِيُّ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْقِلٍ القَرْمِيسِينِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ البَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مِهْزَمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «الأَئِمَّةُ اثْنَا عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي أَعْطَاهُمُ اللهُ تَعَالَى فَهْمِي وَعِلْمِي وَحُكْمِي وَخَلَقَهُمْ مِنْ طِينَتِي، فَوَيْلٌ لِلْمُتَكَبِّرِينَ عَلَيْهِم بَعْدِي، القَاطِعِينَ فِيهِمْ صِلَتِي، مَا لَهُمْ لَا أَنَالَهُمُ اللهُ شَفَاعَتِي»(766).
[173/34] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ هَمَّامٍ أَبُو عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ مُوسَى الخَشَّابِ، عَنْ أَبِي المُثَنَّى النَّخَعِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «كَيْفَ تَهْلِكُ أُمَّةٌ أَنَا وَعَلِيٌّ وَأَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِي أُولُو الألبَابِ(767)، أَنَا أَوَّلُهَا وَالمَسِيحُ بْنُ مَرْيَمَ آخِرُهَا؟ وَلَكِنْ يَهْلِكُ بَيْنَ ذَلِكَ مَنْ لَسْتُ مِنْهُ وَلَيْسَ مِنِّي»(768).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(766) رواه المصنِّف (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 66/ ح 32)، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 172).
(767) كذا، وفي بعض النُّسَخ: (أُولو الآيات).
(768) رواه المصنِّف (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 66/ ح 33).

(٤٢٧)

[174/35] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى العَطَّارُ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الجَبَّارِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الأَزْدِيِّ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَيِّدِ العَابِدِينَ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ سَيِّدِ الشُّهَدَاءِ الحُسَيْنِ ابْنِ عَلِيٍّ، عَنْ سَيِّدِ الأَوْصِيَاءِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «الأَئِمَّةُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ، أَوَّلُهُمْ أَنْتَ يَا عَلِيُّ، وَآخِرُهُمُ القَائِمُ الَّذِي يَفْتَحُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) عَلَى يَدَيْهِ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا»(769).
[175/36] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي القَاسِمِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ البَرْقِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ القُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ(770)، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يَقُولُ: «إِنَّ لِلهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَكاً يُقَالُ لَهُ: دَرْدَائِيلُ، كَانَ لَهُ سِتَّةَ عَشَرَ الفَ جَنَاحٍ مَا بَيْنَ الجَنَاحِ إِلَى الجَنَاحِ هَوَاءٌ وَالهَوَاءُ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، فَجَعَلَ يَوْماً يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: أَفَوْقَ رَبِّنَا (جلّ جلاله) شَيْءٌ؟ فَعَلِمَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا قَالَ، فَزَادَهُ أَجْنِحَةً مِثْلَهَا، فَصَارَ لَهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ الفَ جَنَاحٍ، ثُمَّ أَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَيْهِ أَنْ طِرْ، فَطَارَ مِقْدَارَ خَمْسِينَ عَاماً فَلَمْ يَنَلْ رَأْسَ قَائِمَةٍ مِنْ قُوَّامِ العَرْشِ، فَلَمَّا عَلِمَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِتْعَابَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ: أَيُّهَا المَلَكُ عُدْ إِلَى مَكَانِكَ فَأَنَا عَظِيمٌ فَوْقَ كُلِّ عَظِيمٍ وَلَيْسَ فَوْقِي شَيْءٌ وَلَا أُوصَفُ بِمَكَانٍ، فَسَلَبَهُ اللهُ أَجْنِحَتَهُ وَمَقَامَهُ مِنْ صُفُوفِ المَلَائِكَةِ، فَلَمَّا وُلِدَ الحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليهما السلام) - وَكَانَ مَوْلِدُهُ عَشِيَّةَ الخَمِيسِ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ - أَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَى مَالِكٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(769) رواه المصنِّف (رحمه الله) في أماليه (ص 172 و173/ ح 175/11)، وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 66 و67/ ح 34)، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 102)، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 173)، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 1/ ص 256).
(770) يعني جرير بن عبد الحميد الضبي أبا عبد الله الرازي الثقة، وثَّقه النسائي. (راجع: تهذيب التهذيب (ج 2/ ص 65/ الرقم 116).

(٤٢٨)

خَازِنِ النَّارِ أَنْ أَخْمِدِ النِّيرَانَ عَلَى أَهْلِهَا لِكَرَامَةِ مَوْلُودٍ وُلِدَ لِمُحَمَّدٍ، وَأَوْحَى إِلَى رِضْوَانَ خَازِنِ الجِنَانِ أَنْ زَخْرِفِ الجِنَانَ وَطَيِّبْهَا لِكَرَامَةِ مَوْلُودٍ وُلِدَ لِمُحَمَّدٍ فِي دَارِ الدُّنْيَا(771)، وَأَوْحَى اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى حُورِ العِينِ: تَزَيَّنَّ وَتَزَاوَرْنَ لِكَرَامَةِ مَوْلُودٍ وُلِدَ لِمُحَمَّدٍ فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَأَوْحَى اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَى المَلَائِكَةِ أَنْ قُومُوا صُفُوفاً بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ وَالتَّكْبِيرِ لِكَرَامَةِ مَوْلُودٍ وُلِدَ لِمُحَمَّدٍ فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَأَوْحَى اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى جَبْرَئِيلَ (عليه السلام) أَنِ اهْبِطْ إِلَى نَبِيِّي مُحَمَّدٍ فِي الفِ قَبِيلٍ - وَالقَبِيلُ الفُ الفٍ مِنَ المَلَائِكَةِ - عَلَى خُيُولٍ بُلْقٍ، مُسْرَجَةً مُلْجَمَةً، عَلَيْهَا قِبَابُ الدُّرِّ وَاليَاقُوتِ، وَمَعَهُمْ مَلَائِكَةٌ يُقَالُ لَهُمُ: الرُّوحَانِيُّونَ، بِأَيْدِيهِمْ أَطْبَاقٌ مِنْ نُورٍ أَنْ هَنِّئُوا مُحَمَّداً بِمَوْلُودٍ، وَأَخْبِرْهُ: يَا جَبْرَئِيلُ، أَنِّي قَدْ سَمَّيْتُهُ الحُسَيْنَ، وَهَنِّئْهُ وَعَزِّهِ وَقُلْ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، يَقْتُلُهُ شِرَارُ أُمَّتِكَ عَلَى شِرَارِ الدَّوَابِّ، فَوَيْلٌ لِلْقَاتِلِ، وَوَيْلٌ لِلسَّائِقِ، وَوَيْلٌ لِلْقَائِدِ، قَاتِلُ الحُسَيْنِ أَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ، وَهُوَ مِنِّي بَرِيءٌ، لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَدٌ إِلَّا وَقَاتِلُ الحُسَيْنِ (عليه السلام) أَعْظَمُ جُرْماً مِنْهُ، قَاتِلُ الحُسَيْنِ يَدْخُلُ النَّارَ يَوْمَ القِيَامَةِ مَعَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ، وَالنَّارُ أَشْوَقُ إِلَى قَاتِلِ الحُسَيْنِ مِمَّنْ أَطَاعَ اللهَ إِلَى الجَنَّةِ».
قَالَ: «فَبَيْنَا جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) يَهْبِطُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ إِذْ مَرَّ بِدَرْدَائِيلَ، فَقَالَ لَهُ دَرْدَائِيلُ: يَا جَبْرَئِيلُ، مَا هَذِهِ اللَّيْلَةُ فِي السَّمَاءِ هَلْ قَامَتِ القِيَامَةُ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا؟ قَالَ: لَا، ولَكِنْ وُلِدَ لِمُحَمَّدٍ مَوْلُودٌ فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَقَدْ بَعَثَنِيَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَيْهِ لِأُهَنِّئَهُ بِمَوْلُودِهِ، فَقَالَ المَلَكُ: يَا جَبْرَئِيلُ، بِالَّذِي خَلَقَكَ وَخَلَقَنِي إِذَا هَبَطْتَ إِلَى مُحَمَّدٍ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: بِحَقِّ هَذَا المَوْلُودِ عَلَيْكَ إِلَّا مَا سَالتَ رَبَّكَ أَنْ يَرْضَى عَنِّي فَيَرُدَّ عَلَيَّ أَجْنِحَتِي وَمَقَامِي مِنْ صُفُوفِ المَلَائِكَةِ، فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(771) قوله: (في دار الدنيا) هنا وما يأتي لا يخفى ما فيه، والصواب: (في الأرض)، ولعلَّ التصرُّف من الراوي. والدنيا: نقيض الآخرة، وصف لا اسم.

(٤٢٩)

عَلَى النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فَهَنَّأَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) وَعَزَّاهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): تَقْتُلُهُ أُمَّتِي؟ فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): مَا هَؤُلَاءِ بِأُمَّتِي أَنَا بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَاللهُ (عزَّ وجلَّ) بَرِيءٌ مِنْهُمْ، قَالَ جَبْرَئِيلُ: وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُمْ يَا مُحَمَّدُ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عَلَى فَاطِمَةَ (عليها السلام) فَهَنَّأَهَا وَعَزَّاهَا، فَبَكَتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام) وَقَالَتْ: يَا لَيْتَنِي لَمْ أَلِدْهُ، قَاتِلُ الحُسَيْنِ فِي النَّارِ، فَقَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): وَأَنَا أَشْهَدُ بِذَلِكَ يَا فَاطِمَةُ، وَلَكِنَّهُ لَا يُقْتَلُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُ إِمَامٌ يَكُونُ مِنْهُ الأَئِمَّةُ الهَادِيَةُ بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): وَالأَئِمَّةُ بَعْدِي الهَادِي عَلِيٌّ، وَالمُهْتَدِي الحَسَنُ، وَالنَّاصِرُ الحُسَيْنُ، وَالمَنْصُورُ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ، وَالشَّافِعُ(772) مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَالنَّفَّاعُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالأَمِينُ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ، وَالرِّضَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى، وَالفَعَّالُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَالمُؤْتَمَنُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالعَلَّامُ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَمَنْ يُصَلِّي خَلْفَهُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (عليه السلام) القَائِمُ (عليه السلام).
فَسَكَتَتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام) مِنَ البُكَاءِ، ثُمَّ أَخْبَرَ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بِقِصَّةِ المَلَكِ وَمَا أُصِيبَ بِهِ»، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَخَذَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) الحُسَيْنَ (عليه السلام) وَهُوَ مَلْفُوفٌ فِي خِرَقٍ مِنْ صُوفٍ، فَأَشَارَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ بِحَقِّ هَذَا المَوْلُودِ عَلَيْكَ، لَا بَلْ بِحَقِّكَ عَلَيْهِ وَعَلَى جَدِّهِ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، إِنْ كَانَ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ابْنِ فَاطِمَةَ عِنْدَكَ قَدْرٌ فَارْضَ عَنْ دَرْدَائِيلَ وَرُدَّ عَلَيْهِ أَجْنِحَتَهُ وَمَقَامَهُ مِنْ صُفُوفِ المَلَائِكَةِ»، فَاسْتَجَابَ اللهُ دُعَاءَهُ وَغَفَرَ لِلْمَلَكِ [وَرَدَّ عَلَيْهِ أَجْنِحَتَهُ وَرَدَّهُ إِلَى صُفُوفِ المَلَائِكَةِ]، فَالمَلَكُ لَا يُعْرَفُ فِي الجَنَّةِ إِلَّا بِأَنْ يُقَالَ: هَذَا مَوْلَى الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَابْنِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)(773).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(772) في بعض النُّسَخ: (الشفَّاع)، وفي بعضها: (النفَّاح).
(773) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 43/ ص 250): (بيان: لعلَّ هذا - على تقدير صحَّة الخبر - كان بمحض خطور البال، من غير اعتقاد بكون الباري تعالى ذا مكان، أو المراد بقوله: (فوق ربِّنا شيء) فوق عرش ربِّنا إمَّا مكاناً أو رتبةً، فيكون ذلك منه تقصيراً في معرفة عظمته وجلاله، فيكون على هذا ذكر نفي المكان لرفع ما ربَّما يتوهَّم متوهِّم، والله يعلم).

(٤٣٠)

[176/37] حَدَّثَنَا المُظَفَّرُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ المُظَفَّرِ العَلَوِيُّ السَّمَرْقَنْدِيُّ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ(774)، عَنِ الحَسَنِ بْنِ مُوسَى الخَشَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحَكَمُ بْنُ بُهْلُولٍ الأَنْصَارِيُّ(775)، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ هَمَّامٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ المَدَنِيِّ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ قَيْسٍ الهِلَالِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا (عليه السلام) يَقُولُ: «مَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) آيَةٌ مِنَ القُرْآنِ إِلَّا أَقْرَأَنِيهَا وَأَمْلَاهَا عَلَيَّ وَكَتَبْتُهَا بِخَطِّي وَعَلَّمَنِي تَأْوِيلَهَا وَتَفْسِيرَهَا وَنَاسِخَهَا وَمَنْسُوخَهَا وَمُحْكَمَهَا وَمُتَشَابِهَهَا، وَدَعَا اللهَ (عزَّ وجلَّ) لِي أَنْ يُعَلِّمَنِي فَهْمَهَا وَحِفْظَهَا، فَمَا نَسِيتُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ وَلَا عِلْماً أَمْلَاهُ عَلَيَّ فَكَتَبْتُهُ، وَمَا تَرَكَ شَيْئاً عَلَّمَهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) مِنْ حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ وَلَا أَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ وَمَا كَانَ أَوْ يَكُونُ مِنْ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ إِلَّا عَلَّمَنِيهِ وَحَفِظْتُهُ وَلَمْ أَنْسَ مِنْهُ حَرْفاً وَاحِداً، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي وَدَعَا اللهَ (عزَّ وجلَّ) أَنْ يَمْلَأَ قَلْبِي عِلْماً وَفَهْماً وَحِكْمَةً وَنُوراً، لَمْ أَنْسَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً، وَلَمْ يَفُتْنِي شَيْءٌ لَمْ أَكْتُبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَتَخَوَّفُ عَلَيَّ النِّسْيَانَ فِيمَا بَعْدُ؟ فَقَالَ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): لَسْتُ أَتَخَوَّفُ عَلَيْكَ نِسْيَاناً وَلَا جَهْلاً وَقَدْ أَخْبَرَنِي رَبِّي (جلّ جلاله) أَنَّهُ قَدِ اسْتَجَابَ لِي فِيكَ وَفِي شُرَكَائِكَ الَّذِينَ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِكَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ شُرَكَائِي مِنْ بَعْدِي؟ قَالَ: الَّذِينَ قَرَنَهُمُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) بِنَفْسِهِ وَبِي، فَقَالَ: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ...﴾ الآية [النساء: 59]، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: الأَوْصِيَاءُ مِنِّي إِلَى أَنْ يَرِدُوا عَلَيَّ الحَوْضَ، كُلُّهُمْ هَادٍ مُهْتَدٍ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، هُمْ مَعَ القُرْآنِ وَالقُرْآنُ مَعَهُمْ، لَا يُفَارِقُهُمْ وَلَا يُفَارِقُونَهُ، بِهِمْ تُنْصَرُ أُمَّتِي، وَبِهِمْ يُمْطَرُونَ، وَبِهِمْ يُدْفَعُ عَنْهُمُ البَلَاءُ وَيُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُمْ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، سَمِّهِمْ لِي،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(774) في بعض النُّسَخ: (محمّد بن نصير).
(775) في بعض النُّسَخ: (الحسن بن بهلول)، ولم أظفر به على كلا العنوانين.

(٤٣١)

فَقَالَ: ابْنِي هَذَا - وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الحَسَنِ -، ثُمَّ ابْنِي هَذَا - وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الحُسَيْنِ (عليه السلام) -، ثُمَّ ابْنٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ: عَلَيٌّ، وَسَيُولَدُ فِي حَيَاتِكَ، فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، ثُمَّ تُكَمِّلُهُ اثْنَيْ عَشَرَ، فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، سَمِّهِمْ لِي [رَجُلاً فَرَجُلاً]، فَسَمَّاهُمْ رَجُلاً رَجُلاً، فِيهِمْ وَاللهِ يَا أَخَا بَنِي هِلَالٍ مَهْدِيُّ أُمَّتِي مُحَمَّدٌ الَّذِي يَمْلَأُ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، وَاللهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ مَنْ يُبَايِعُهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ، وَأَعْرِفُ أَسْمَاءَ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ»(776).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(776) رواه العيَّاشي (رحمه الله) في تفسيره (ج 1/ ص 253 و254/ ح 177).

(٤٣٢)

[177/1] حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرُورٍ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ المُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الجُعْفِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «المَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِي، اسْمُهُ اسْمِي، وَكُنْيَتُهُ كُنْيَتِي، أَشْبَهُ النَّاسِ بِي خَلْقاً وَخُلْقاً، تَكُونُ بِهِ غَيْبَةٌ وَحَيْرَةٌ تَضِلُّ فِيهَا الأُمَمُ، ثُمَّ يُقْبِلُ كَالشِّهَابِ الثَّاقِبِ يَمْلَؤُهَا عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً»(777).
[178/2] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ الصَّفَّارُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «طُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَ قَائِمَ أَهْلِ بَيْتِي وَهُوَ يَأْتَمُّ بِهِ فِي غَيْبَتِهِ قَبْلَ قِيَامِهِ، وَيَتَوَلَّى أَوْلِيَاءَهُ، وَيُعَادِي أَعْدَاءَهُ، ذَلِكَ مِنْ رُفَقَائِي وَذَوِي مَوَدَّتِي وَأَكْرَمُ أُمَّتِي عَلَيَّ يَوْمَ القِيَامَةِ»(778).
[179/3] حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدٍ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو البَلْخِيُّ(779)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ حَمَّادٍ(780)، عَنْ سَهْلِ بْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(777) رواه الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 226).
(778) رواه قريباً منه الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 456/ ح 466).
(779) عبد الواحد هو عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوري العطَّار الذي حدَّثه بنيسابور سنة (352 هـ). وأمَّا أبو عمرو البلخي أو اللجي - كما في بعض النُّسَخ - الظاهر هو محمّد بن عمر ابن عبد العزيز أبو عمرو الكشِّي فصُحِّف، لأنَّه من غلمان محمّد بن مسعود العيَّاشي ويروي عنه كثيراً.
(780) في بعض النُّسَخ: (خلف بن حامد)، وفي بعضها: (خلف بن جابر).

(٤٣٥)

زِيَادٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ الجَبَليِّ، عَنِ الخَطَّابِ بْنِ مُصْعَبٍ، عَنْ سَدِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «طُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَ قَائِمَ أَهْلِ بَيْتِي وَهُوَ مُقْتَدٍ بِهِ قَبْلَ قِيَامِهِ، يَأْتَمُّ بِهِ وَبِأَئِمَّةِ الهُدَى مِنْ قَبْلِهِ، وَيَبْرَأُ إِلَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ مِنْ عَدُوِّهِمْ، أُولَئِكَ رُفَقَائِي وَأَكْرَمُ أُمَّتِي عَلَيَّ».
[180/4] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى [بْنِ] المُتَوَكِّلُ (رضي الله عنهم)، قَالُوا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ وَمُحَمَّدُ ابْنُ يَحْيَى العَطَّارُ جَمِيعاً، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ وَأَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ البَرْقِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الخَطَّابِ جَمِيعاً، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ السَّرَّادُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الحُصَيْنِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «المَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِي، اسْمُهُ اسْمِي، وَكُنْيَتُهُ كُنْيَتِي، أَشْبَهُ النَّاسِ بِي خَلْقاً وَخُلْقاً، تَكُونُ لَهُ غَيْبَةٌ وَحَيْرَةٌ حَتَّى تَضِلَّ الخَلْقُ عَنْ أَدْيَانِهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُقْبِلُ كَالشِّهَابِ الثَّاقِبِ فَيَمْلَؤُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»(781).
[181/5] حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبْدُوسٍ العَطَّارُ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْدَانُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّيْسَابُورِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ [بْنِ] بَزِيعٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ ابْنِ عَلِيٍّ البَاقِرِ، عَنْ أَبِيهِ سَيِّدِ العَابِدِينَ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ سَيِّدِ الشُّهَدَاءِ الحُسَيْنِ ابْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ سَيِّدِ الأَوْصِيَاءِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «المَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِي، تَكُونُ لَهُ غَيْبَةٌ وَحَيْرَةٌ تَضِلُّ فِيهَا الأُمَمُ، يَأْتِي بِذَخِيرَةِ الأَنْبِيَاءِ (عليهم السلام) فَيَمْلَؤُهَا عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً»(782).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(781) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 119 و120/ ح 114).
(782) رواه الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 226 و227).

(٤٣٦)

[182/6] وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «أَفْضَلُ العِبَادَةِ انْتِظَارُ الفَرَجِ»(783).
[183/7] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ المُتَوَكِّلِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ الكُوفيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ البَرْمَكِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الفُرَاتِ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) إِمَامُ أُمَّتِي، وَخَلِيفَتِي عَلَيْهَا مِنْ بَعْدِي، وَمِنْ وُلْدِهِ القَائِمُ المُنْتَظَرُ الَّذِي يَمْلَأُ اللهُ بِهِ الأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالحَقِّ بَشِيراً إِنَّ الثَّابِتِينَ عَلَى القَوْلِ بِهِ فِي زَمَانِ غَيْبَتِهِ لَأَعَزُّ مِنَ الكِبْرِيتِ الأَحْمَرِ»، فَقَامَ إِلَيْهِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلِلْقَائِمِ مِنْ وُلْدِكَ غَيْبَةٌ؟ قَالَ: «إِي وَرَبِّي، ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: 141]. يَا جَابِرُ، إِنَّ هَذَا الأَمْرَ [أَمْرٌ] مِنْ أَمْرِ اللهِ وَسِرٌّ مِنْ سِرِّ اللهِ، مَطْوِيٌّ عَنْ عِبَادِ اللهِ فَإِيَّاكَ وَالشَّكَّ فِيهِ فَإِنَّ الشَّكَّ فِي أَمْرِ اللهِ (عزَّ وجلَّ) كُفْرٌ»(784).
[184/8] حَدَّثَنَا أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ عَلِيِّ بْنِ الشَّاهِ الفَقِيهُ المَرْوَرُوذِيُّ بِمَرْوَ اَلرُّوذَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الخَالِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ القَطَّانُ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ الإِمَامِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام) فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يَذْكُرُ فِيهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قَالَ لَهُ: «يَا عَلِيُّ، وَاعْلَمْ أَنَّ أَعْجَبَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(783) راجع: سُنَن الترمذي (ج 5/ ص 225/ ح 3642)، والمعجم الكبير للطبراني (ج 10/ ص 101/ ح 10088).
(784) رواه الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 227).

(٤٣٧)

النَّاسِ إِيمَاناً وَأَعْظَمَهُمْ يَقِيناً قَوْمٌ يَكُونُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ لَمْ يَلْحَقُوا النَّبِيَّ، وَحَجَبَتْهُمُ الحُجَّةُ، فَآمَنُوا بِسَوَادٍ عَلَى بَيَاضٍ»(785).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(785) رواه المصنِّف (رحمه الله) في من لا يحضره الفقيه (ص 366/ ضمن الحديث 5762)، والطبرسي (رحمه الله) في مكارم الأخلاق (ص 440).

(٤٣٨)

[185/1] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى العَطَّارُ وَأَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ جَمِيعاً، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الخَطَّابِ وَأَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَأَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ خَالِدٍ البَرْقِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ جَمِيعاً، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ مَالِكٍ الجُهَنِيِّ.
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ الصَّفَّارُ وَسَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ مُنْذِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قَابُوسَ(786)، عَنِ النَّصْرِ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ سُلَيْمَانَ بْنِ سُفْيَانَ المُسْتَرِقِّ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ مَالِكٍ الجُهَنِيِّ، عَنِ الحَارِثِ بْنِ المُغِيرَةِ النَّصْرِيِّ، عَنِ الأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) فَوَجَدْتُهُ مُتَفَكِّراً يَنْكُتُ فِي الأَرْضِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، مَا لِي أَرَاكَ مُتَفَكِّراً تَنْكُتُ فِي الأَرْضِ أَرَغِبْتَ فِيهَا؟ فَقَالَ: «لَا وَاللهِ مَا رَغِبْتُ فِيهَا وَلَا فِي الدُّنْيَا يَوْماً قَطُّ، وَلَكِنْ فَكَّرْتُ فِي مَوْلُودٍ يَكُونُ مِنْ ظَهْرِي الحَادِيَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِي، هُوَ المَهْدِيُّ يَمْلَؤُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، تَكُونُ لَهُ حَيْرَةٌ وَغَيْبَةٌ يَضِلُّ فِيهَا أَقْوَامٌ وَيَهْتَدِي فِيهَا آخَرُونَ»، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، كَمَا أَنَّهُ مَخْلُوقٌ، وَأَنَّى لَكَ بِالعِلْمِ بِهَذَا الأَمْرِ يَا أَصْبَغُ، أُولَئِكَ خِيَارُ هَذِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(786) منذر بن محمد بن المنذر أبو الجهم القابوسي، ثقة من أصحابنا من بيت جليل (جش وصه)، وصُحِّف في جميع النُّسَخ بزيد بن محمّد. وأمَّا النضر أو النصر بن أبي السريِّ - كما في بعض النُّسَخ - فلم أجده، وفى الكافي مكانه (منصور بن السندي)، ولم أظفر به أيضاً.

(٤٤١)

الأُمَّةِ مَعَ أَبْرَارِ هَذِهِ العِتْرَةِ»، قُلْتُ: وَمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «ثُمَ يَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ فَإِنَّ لَهُ إِرَادَاتٍ وَغَايَاتٍ وَنِهَايَاتٍ»(787)،(788).
[186/2] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ (رضي الله عنهم)، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي القَاسِمِ مَاجِيلَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الكُوفِيِّ القُرَشِيِّ المُقْرِئِ، عَنْ نَصْرِ بْنِ مُزَاحِمٍ المِنْقَرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ(789)، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ.
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ (رضي الله عنه)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(787) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 120 و121/ ح 115)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 338/ باب في الغيبة/ ح 7)، والمفيد (رحمه الله) في الاختصاص (ص 209)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 336/ ح 282)، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 228).
(788) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 4/ ص 42 و43): (في النهاية: فيه: بينا هو ينكت إذ انتبه، أي يُفكِّر ويُحدِّث نفسه، وأصله من النكت بالحصى ونكت الأرض بالقضيب، وهو أنْ يُؤثِّر فيها بطرفه فعل المفكِّر المهموم، ومنه الحديث: فجعل ينكت بقضيب، أي يضرب الأرض بطرفه، انتهى. «أرغبة» أي أتنكت لرغبة، وضمير «فيها» راجع إلى الأرض. ومعلوم أنَّه ليس هذا الفعل لرغبة في نفس الأرض، بل المعنى أنَّ اهتمامك وتفكُّرك لأنْ تملك الأرض وتصير والياً فيها، ويحتمل إرجاع الضمير إلى الخلافة، وربَّما يُحمَل الكلام على المطايبة. «من ظهر الحادي عشر» كذا في أكثر النُّسَخ، فالمعنى من ظهر الإمام الحادي عشر. و«من ولدي» نعت «مولود»، وربَّما يُقرَأ ظهر بالتنوين أي وراء، والمراد أنَّه يُولَد بعد هذا الدهر، والحادي عشر مبتدأ خبره المهدي، وفي إكمال الدِّين وغيره وبعض نُسَخ الكتاب: ظهري، فلا يحتاج إلى تكلُّف. والعدل والقسط متقاربان وكذا الظلم والجو، فالعطف فيهما للتفسير والتأكيد، والعدل نقيض الظلم والقسط الإنصاف وهو ضدُّ الجور. «له حيرة» لعلَّ المراد بها التحيُّر في المساكن وأنَّه كلَّ زمان في بلدة وناحية. «يضلُّ فيها» أي في الغيبة والحيرة وضلالتهم إنكارهم لوجود الإمام ورجوعهم عن مذهب الإماميَّة).
(789) الظاهر هو عمر بن سعد بن أبي الصيد الأسدي الذي روى نصر في صفِّينه عنه عن فضيل بن خديج. وفي بعض النُّسَخ: (عمر بن سعيد)، وفي بعضها: (محمّد بن سعيد)، وفي بعضها: (عمير ابن سعيد).

(٤٤٢)

الصَّفَّارِ وَسَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ جَمِيعاً، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنْدَبٍ الفَزَارِيِّ، عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ بْنِ نَصْرِ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ القُرَشِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ الأَنْصَارِيُّ القَاضِي بِالرَّيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ التَّيْمِيُّ(790)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ حُمَيْدٍ الحَنَّاطُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنْدَبٍ الفَزَارِيِّ، عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ.
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ جَعْفَرٍ الهَمَدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنْدَبٍ الفَزَارِيِّ، عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ.
وَحَدَّثَنَا الشَّيْخُ أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ ابْنِ الصَّلْتِ القُمِّيُّ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَبَّاسِ الهَرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ السَّعْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الحَنْظَلِيُّ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الفَزَارِيُّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنْدَبٍ، عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ، - وَاللَّفْظُ لِفُضَيْلِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ -، قَالَ: أَخَذَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) بِيَدِي فَأَخْرَجَنِي إِلَى ظَهْرِ الكُوفَةِ، فَلَمَّا أَصْحَرَ تَنَفَّسَ ثُمَّ قَالَ: يَا كُمَيْلُ، إِنَّ هَذِهِ القُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا، احْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ: النَّاسُ ثَلَاثَةٌ: عَالِمٌ رَبَّانِيٌّ، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ، وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(790) كوفي، متعبِّد، صدوق، رُمِيَ بالتشيُّع. (تقريب التهذيب: ج 1/ ص 444/ ح 2993).

(٤٤٣)

كُلِّ نَاعِقٍ، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ العِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ. يَا كُمَيْلُ، العِلْمُ خَيْرٌ مِنَ المَالِ، العِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ المَالَ، وَالمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ وَالعِلْمُ يَزْكُو(791) عَلَى الإِنْفَاقِ. يَا كُمَيْلُ، مَحَبَّةُ العِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِهِ، يَكْسِبُ الإِنْسَانُ بِهِ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ، وَجَمِيلَ الأُحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَصَنِيعُ(792) المَالِ يَزُولُ بِزَوَالِهِ. يَا كُمَيْلُ، مَاتَ خُزَّانُ الأَمْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ، أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ وَأَمْثَالُهُمْ فِي القُلُوبِ مَوْجُودَةٌ. هَاهْ إِنَّ هَاهُنَا - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ - لَعِلْماً جَمًّا(793) لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً، بَلْ أَصَبْتُ لَقِناً(794) غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ، يَسْتَعْمِلُ آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا، وَمُسْتَظْهِراً بِحُجَجِ اللهِ(795) (عزَّ وجلَّ) عَلَى خَلْقِهِ، وَبِنِعَمِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ(796) لِيَتَّخِذَهُ الضُّعَفَاءُ وَلِيجَةً دُونَ وَلِيِّ الحَقِّ. أَوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ العِلْمِ(797) لَا بَصِيرَةَ لَهُ فِي أَحْنَائِهِ(798) يَنْقَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ بِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ، أَلَا لَا ذَا وَلَا ذَاكَ(799) أَوْ مَنْهُوماً بِاللَّذَّاتِ، سَلِسَ القِيَادِ لِلشَّهَوَاتِ. أَوْ مُغْرَماً(800) بِالجَمْعِ وَالِادِّخَارِ، لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ فِي شَيْءٍ، أَقْرَبُ شَيْءٍ شَبَهاً بِهِمَا الأَنْعَامُ السَّائِمَةُ، كَذَلِكَ يَمُوتُ العِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ. اللَّهُمَّ بَلَى لَا تَخْلُو الأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ بِحُجَّةٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(791) أي ينمو.
(792) في بعض النُّسَخ: (ومنفعة المال تزول).
(793) أي كثيراً. وأصبت أي وجدت.
(794) أي سريع الفهم.
(795) أي مستعلياً. وفي بعض النُّسَخ: (يستظهر بحُجَج الله).
(796) في بعض النُّسَخ: (على عباده).
(797) في بعض النُّسَخ: (أو منقاداً لحملة الحقِّ، لا بصيرة له في أحيائه).
(798) الضمير يرجع إلى العلم. والأحناء: الأطراف. أي لعدم علمه بالبرهان والحجَّة.
(799) (لا ذا) إشارة إلى المنقاد. (ولا ذاك) إشارة إلى اللقن. ويجوز أنْ يكون بمعنى: لا هذا المنقاد محمود عند الله ولا ذاك اللقن.
(800) بفتح الراء، أي مولِعاً. وفي بعض النُّسَخ: (أو مغرياً) من الإغراء.

(٤٤٤)

[إِمَّا] ظَاهِرٍ مَشْهُورٍ أَوْ خَافٍ مَغْمُورٍ لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُهُ، وَكَمْ ذَا وَأَيْنَ أُولَئِكَ؟ أُولَئِكَ وَاللهِ الأَقَلُّونَ عَدَداً، وَالأَعْظَمُونَ خَطَراً، بِهِمْ يَحْفَظُ اللهُ حُجَجَهُ وبَيِّنَاتِهِ حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ، هَجَمَ بِهِمُ العِلْمُ عَلَى حَقَائِقِ الأُمُورِ، وَبَاشَرُوا رُوحَ اليَقِينِ، وَاسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ المُتْرَفُونَ، وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الجَاهِلُونَ، [وَ]صَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالمَحَلِّ الأَعْلَى. يَا كُمَيْلُ، أُولَئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ، آهِ آهِ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ».
وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنْدَبٍ: «انْصَرِفْ إِذَا شِئْتَ».
وَحَدَّثَنَا بِهَذَا الحَدِيثِ أَبُو أَحْمَدَ القَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ السَّرَّاجُ الهَمَدَانِيُّ بِهَمَدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ القَاسِمُ بْنُ [أَبِي] صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ القَاضِي الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ حُمَيْدٍ الحَنَّاطُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنْدَبٍ الفَزَارِيِّ، عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ، قَالَ: أَخَذَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) بِيَدِي فَأَخْرَجَنِي إِلَى نَاحِيَةِ الجَبَّانَةِ، فَلَمَّا أَصْحَرَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: «يَا كُمَيْلُ بْنُ زِيَادٍ احْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ: القُلُوبُ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا...» وَذَكَرَ الحَدِيثَ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: «اللَّهُمَّ بَلَى لَنْ تَخْلُو الأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ بِحُجَّةٍ لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُهُ»، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: «ظَاهِرٍ [مَشْهُورٍ] أَوْ خَافٍ مَغْمُورٍ»، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: «إِذَا شِئْتَ فَقُمْ».
وَأَخْبَرَنَا بِهَذَا الحَدِيثِ الحَاكِمُ أَبُو مُحَمَّدٍ بَكْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الفَضْلِ الحَنَفِيُّ الشَّاشِيُّ [بِإِيلَاقَ]، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ البَزَّازِ الشَّافِعِيُّ(801) بِمَدِينَةِ السَّلَامِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ القَاضِي، قَالَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(801) المعنون في تاريخ بغداد (ج 3/ ص 75/ الرقم 1067)، وكان ثقةً ثبتاً كثير الحديث حسن التصنيف.

(٤٤٥)

حَدَّثَنَا ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ الحَنَّاطِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنْدَبٍ الفَزَارِيِّ، عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ، قَالَ: أَخَذَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) بِيَدِي فَأَخْرَجَنِي إِلَى نَاحِيَةِ الجَبَّانَةِ، فَلَمَّا أَصْحَرَ جَلَسَ، ثُمَّ تَنَفَّسَ، ثُمَّ قَالَ: «يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ، احْفَظْ مَا أَقُولُ لَكَ، القُلُوبُ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا، النَّاسُ ثَلَاثَةٌ: فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ، وهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ...» وَذَكَرَ الحَدِيثَ بِطُولِهِ إِلَى آخِرِهِ.
وَحَدَّثَنَا بِهَذَا الحَدِيثِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ الأَسْوَارِيُّ بِإِيلَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعْدَوَيْهِ البَرْذَعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ المَشْرِقِيُّ(802)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ أَبُو حَاتِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الفَزَارِيُّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ ثَابِتِ ابْنِ أَبِي صَفِيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنْدَبٍ، عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: أَخَذَ بِيَدِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) فَأَخْرَجَنِي إِلَى نَاحِيَةِ الجَبَّانَةِ، فَلَمَّا أَصْحَرَ جَلَسَ، ثُمَّ تَنَفَّسَ، ثُمَّ قَالَ: «يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ، القُلُوبُ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا...» وَذَكَرَ الحَدِيثَ بِطُولِهِ إِلَى آخِرِهِ مِثْلَهُ.
وَحَدَّثَنَا بِهَذَا الحَدِيثِ أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّقْرِ الصَّائِغُ العَدْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ القَاضِي، عَنْ ضِرَارِ بْنِ صُرَدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ الحَنَّاطِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنْدَبٍ الفَزَارِيِّ، عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ... وَذَكَرَ الحَدِيثَ بِطُولِهِ إِلَى آخِرِهِ.
وَحَدَّثَنَا بِهَذَا الحَدِيثِ الحَاكِمُ أَبُو مُحَمَّدٍ بَكْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الفَضْلِ الحَنَفِيُّ الشَّاشِيُّ بِإِيلَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ البَزَّازُ الشَّافِعِيُّ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى أَبُو عَلِيٍّ الأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(802) كذا، وفي بعض النُّسَخ: (عبد الله بن محمّد بن الحسن البرقي)، ولم أجده.

(٤٤٦)

عَبْدُ اللهِ بْنُ الهَيْثَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ النَّخَعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الفَضْلِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الهَيَّاجِ(803) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الحَارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّائِبُ أَبُو مُنْذِرٍ الكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ لُوطِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ، قَالَ: أَخَذَ بِيَدِي أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) بِالكُوفَةِ فَخَرَجْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الجَبَّانَةِ. وَذَكَرَ فِيهِ: «اللَّهُمَّ بَلَى لَا تَخْلُو الأَرْضِ مِنْ قَائِمٌ بِحُجَّةٍ ظَاهِرٍ [مَشْهُورٍ] أَوْ بَاطِنٍ مَغْمُورٍ لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُهُ»، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: «انْصَرِفْ إِذَا شِئْتَ».
وَحَدَّثَنِي أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الفَضْلِ بْنِ عِيسَى(804)، عَنْ عَبْدِ اللهِ النَّوْفَلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ هِشَامٍ الكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ لُوطِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنْدَبٍ، عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَالَ لَهُ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ لَا تُخْلِي الأَرْضَ مِنْ قَائِمٍ بِحُجَّةٍ إِمَّا ظَاهِرٍ مَشْهُورٍ أَوْ خَائِفٍ(805) مَغْمُورٍ لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُهُ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي القَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الكُوفِيِّ، عَنْ نَصْرِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ لُوطِ بْنِ يَحْيَى الأَزْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنْدَبٍ، عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) - فِي كَلَامٍ [لَهُ] طَوِيلٍ -: «اللَّهُمَّ بَلَى لَا تَخْلُو الأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلهِ بِحُجَّةٍ ظَاهِرٍ [مَشْهُورٍ] أَوْ خَافٍ مَغْمُورٍ لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُهُ»، [وَقَالَ فِي آخِرِهِ: «انْصَرِفْ إِذَا شِئْتَ»].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(803) في بعض النُّسَخ: (أبي الصباح).
(804) كذا في النُّسَخ، ولم أعرفه.
(805) كذا في أكثر النُّسَخ، وفي بعضها: (خافٍ).

(٤٤٧)

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرُورٍ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ الأَحْمَرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنْدَبٍ، عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا (عليه السلام) يَقُولُ فِي آخِرِ كَلَامٍ لَهُ: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ لَا تُخْلِي الأَرْضَ مِنْ قَائِمٍ بِحُجَّةٍ ظَاهِرٍ أَوْ خَافٍ مَغْمُورٍ لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُكَ وَبَيِّنَاتُكَ».
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ المُتَوَكِّلِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ الكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ البَرْمَكِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُوسَى البَرْقِيُّ(806)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الزَّيَّاتِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ لَا تُخْلِي الأَرْضَ مِنْ قَائِمٍ بِحُجَّةٍ إِمَّا ظَاهِرٍ أَوْ خَافٍ مَغْمُورٍ لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُكَ وَبَيِّنَاتُكَ»(807).
ولهذا الحديث طُرُق كثيرة.
[187/3] حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ الفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ المُذَكِّرُ بِنَيْسَابُورَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ الحَارِثِ البَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمٍ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى الأَسْلَمِيُّ المَدِينِيُّ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ جُوَيْنٍ(808)، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، قَالَ: شَهِدْنَا الصَّلَاةَ عَلَى أَبِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(806) كذا، ولم أجده. وفي بعض النُّسَخ: (الرقيّ).
(807) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 136/ باب 8/ ح 1) مختصراً، والرضي (رحمه الله) في نهج البلاغة (ص 495 و497/ ح 147)، وفي خصائص الأئمَّة (ص 105 و106)، والمفيد (رحمه الله) في أماليه (ص 247 - 250/ ح 3)، وفي الإرشاد (ج 1/ ص 227 و228)، والطوسي (رحمه الله) في أماليه (ص 20 و21/ ح 23/23).
(808) عمارة بن جوين - بجيم مصغَّر - أبو هارون العبدي، شيعي تابعي، ضعَّفه العامَّة لتشيُّعه ظاهراً. وفي بعض النُّسَخ: (عمارة بن جرير) أو (حريز)، وكلاهما تصحيف. وأمَّا إبراهيم بن يحيى راويه فلم أجده لا في رجال الخاصَّة ولا العامَّة.

(٤٤٨)

بَكْرٍ، ثُمَّ اجْتَمَعْنَا إِلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ فَبَايَعْنَاهُ، وَأَقَمْنَا أَيَّاماً نَخْتَلِفُ إِلَى المَسْجِدِ إِلَيْهِ حَتَّى سَمَّوْهُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ يَوْماً إِذْ جَاءَهُ يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ المَدِينَةِ - وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ مِنْ وُلْدِ هَارُونَ أَخِي مُوسَى (عليهما السلام) - حَتَّى وَقَفَ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَيُّكُمْ أَعْلَمُ بِعِلْمِ نَبِيِّكُمْ وَبِكِتَابِ رَبِّكُمْ حَتَّى أَسْأَلَهُ عَمَّا أُرِيدُ؟
قَالَ: فَأَشَارَ عُمَرُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ اليَهُودِيُّ: أَكَذَلِكَ أَنْتَ يَا عَلِيُّ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ سَلْ عَمَّا تُرِيدُ»، قَالَ: إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ وَعَنْ ثَلَاثٍ وَعَنْ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عليه السلام): «لِـمَ لَا تَقُولُ: إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ سَبْعٍ؟»، قَالَ لَهُ اليَهُودِيُّ: أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ فَإِنْ أَصَبْتَ فِيهِنَّ سَالتُكَ عَنِ الثَّلَاثِ الأُخْرَى، فَإِنْ أَصَبْتَ فِيهِنَّ سَالتُكَ عَنِ الوَاحِدَةِ، وَإِنْ أَخْطَأْتَ فِي الثَّلَاثِ الأُولَى لَمْ أَسْالكَ عَنْ شَيْءٍ.
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عليه السلام): «وَمَا يُدْرِيكَ إِذَا سَالتَنِي فَأَجَبْتُكَ أَخْطَأْتُ أَمْ أَصَبْتُ؟»، قَالَ: فَضَرَبَ يَدَهُ إِلَى كُمِّهِ فَأَخْرَجَ كِتَاباً عَتِيقاً، فَقَالَ: هَذَا وَرِثْتُهُ عَنْ آبَائِي وَأَجْدَادِي إِمْلَاءُ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَخَطُّ هَارُونَ، وَفِيهِ الخِصَالُ الَّتِي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهَا.
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عليه السلام): «عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْكَ إِنْ أَجَبْتُكَ فِيهِنَّ بِالصَّوَابِ أَنْ تُسْلِمَ»، فَقَالَ اليَهُودِيُّ: وَاللهِ لَئِنْ أَجَبْتَنِي فِيهِنَّ بِالصَّوَابِ لَأُسْلِمَنَّ السَّاعَةَ عَلَى يَدَيْكَ.
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عليه السلام): «سَلْ»، قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَوَّلِ حَجَرٍ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، وَأَخْبِرْنِي عَنْ أَوَّلِ شَجَرَةٍ نَبَتَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، وَأَخْبِرْنِي عَنْ أَوَّلِ عَيْنٍ نَبَعَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ.
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عليه السلام): «يَا يَهُودِيُّ، أَمَّا أَوَّلُ حَجَرٍ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ فَإِنَّ

(٤٤٩)

اليَهُودَ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا صَخْرَةُ بَيْتِ المَقْدِسِ، وَكَذَبُوا وَلَكِنَّهُ الحَجَرُ الأَسْوَدُ نَزَلَ بِهِ آدَمُ (عليه السلام) مَعَهُ مِنَ الجَنَّةِ فَوَضَعَهُ فِي رُكْنِ البَيْتِ وَالنَّاسُ يَتَمَسَّحُونَ بِهِ وَيُقَبِّلُونَهُ وَيُجَدِّدُونَ العَهْدَ وَالمِيثَاقَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللهِ (عزَّ وجلَّ)»، قَالَ اليَهُودِيُّ: أَشْهَدُ بِاللهِ لَقَدْ صَدَقْتَ.
قَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عليه السلام): «وَأَمَّا أَوَّلُ شَجَرَةٍ نَبَتَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ فَإِنَّ اليَهُودَ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا الزَّيْتُونَةُ، وَكَذَبُوا وَلَكِنَّهَا النَّخْلَةُ مِنَ العَجْوَةِ، نَزَلَ بِهَا آدَمُ (عليه السلام) مَعَهُ مِنَ الجَنَّةِ وَبِالفَحْلِ، فَأَصْلُ النَّخْلِ كُلِّهِ مِنَ العَجْوَةِ»، قَالَ لَهُ اليَهُودِيُّ: أَشْهَدُ بِاللهِ لَقَدْ صَدَقْتَ.
قَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عليه السلام): «وَأَمَّا أَوَّلُ عَيْنٍ نَبَعَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ فَإِنَّ اليَهُودَ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا العَيْنُ الَّتِي نَبَعَتْ تَحْتَ صَخْرَةِ بَيْتِ المَقْدِسِ، وَكَذَبُوا وَلَكِنَّهَا عَيْنُ الحَيَاةِ الَّتِي نَسِيَ عِنْدَهَا صَاحِبُ مُوسَى السَّمَكَةَ المَالِحَةَ، فَلَمَّا أَصَابَهَا مَاءُ العَيْنِ عَاشَتْ وَسَرَبَتْ فَاتَّبَعَهَا مُوسَى (عليه السلام) وَصَاحِبُهُ فَلَقِيَا الخَضِرَ»، قَالَ اليَهُودِيُّ: أَشْهَدُ بِاللهِ لَقَدْ صَدَقْتَ.

(٤٥٠)

قَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عليه السلام): «سَلْ [عَنِ الثَّلَاثِ الأُخْرَى]»، قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ كَمْ لَهَا بَعْدَ نَبِيِّهَا مِنْ إِمَامٍ عَدْلٍ، وَأَخْبِرْنِي عَنْ مَنْزِلِ مُحَمَّدٍ أَيْنَ هُوَ مِنَ الجَنَّةِ، ومَنْ يَسْكُنُ مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ؟
قَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عليه السلام): «يَا يَهُودِيُّ، يَكُونُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً عَدْلاً، لَا يَضُرُّهُمْ خِلَافُ مَنْ خَالَفَ عَلَيْهِمْ»، قَالَ لَهُ اليَهُودِيُّ: أَشْهَدُ بِاللهِ لَقَدْ صَدَقْتَ.
قَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عليه السلام): «وَ[أَمَّا] مَنْزِلُ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) مِنَ الجَنَّةِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ، وهِيَ وَسَطُ الجِنَانِ وَأَقْرَبُهَا مِنْ عَرْشِ الرَّحْمَنِ (جلّ جلاله)»، قَالَ لَهُ اليَهُودِيُّ: أَشْهَدُ بِاللهِ لَقَدْ صَدَقْتَ.
قَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عليه السلام): «وَالَّذِينَ يَسْكُنُونَ مَعَهُ فِي الجَنَّةِ هَؤُلَاءِ [الأَئِمَّةُ] الاثْنَا عَشَرَ(809)»، قَالَ لَهُ اليَهُودِيُّ: أَشْهَدُ بِاللهِ لَقَدْ صَدَقْتَ.
قَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عليه السلام): «سَلْ [عَنِ الوَاحِدَةِ]»، قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ وَصِيِّ مُحَمَّدٍ فِي أَهْلِهِ كَمْ يَعِيشُ بَعْدَهُ؟ وَهَلْ يَمُوتُ مَوْتاً أَوْ يُقْتَلُ قَتْلاً؟
قَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عليه السلام): «يَا يَهُودِيُّ، يَعِيشُ بَعْدَهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَتُخْضَبُ مِنْهُ هَذِهِ مِنْ هَذَا - وَأَشَارَ إِلَى رَأْسِهِ -»، قَالَ: فَوَثَبَ إِلَيْهِ اليَهُودِيُّ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَأَنَّكَ وَصِيُّ رَسُولِ اللهِ.
[188/4] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ ابْنُ أَبِي القَاسِمِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ [بْنِ] خَالِدٍ البَرْقِيِّ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ جَدِّهِ الحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ ابْنِ عَلِيٍّ البَاقِرِ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَخْفَى أَرْبَعَةً فِي أَرْبَعَةٍ: أَخْفَى رِضَاهُ فِي طَاعَتِهِ فَلَا تَسْتَصْغِرَنَّ شَيْئاً مِنْ طَاعَتِهِ فَرُبَّمَا وَافَقَ رِضَاهُ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ، وَأَخْفَى سَخَطَهُ فِي مَعْصِيَتِهِ فَلَا تَسْتَصْغِرَنَّ شَيْئاً مِنْ مَعْصِيَتِهِ فَرُبَّمَا وَافَقَ سَخَطَهُ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ، وَأَخْفَى إِجَابَتَهُ فِي دُعَائِهِ فَلَا تَسْتَصْغِرَنَّ شَيْئاً مِنْ دُعَائِهِ فَرُبَّمَا وَافَقَ إِجَابَتَهُ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ، وَأَخْفَى وَلِيَّهُ فِي عِبَادِهِ فَلَا تَسْتَصْغِرَنَّ عَبْداً مِنْ عِبَادِهِ(810) فَرُبَّمَا يَكُونُ وَلِيَّهُ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ»(811)،(812).
[189/5] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(809) في بعض النُّسَخ: (هؤلاء الاثنا عشر إماماً).
(810) في بعض النُّسَخ: (من عبيد الله فربَّما...) إلخ.
(811) في مناسبة هذا الحديث لعنوان الباب تأمُّل، لأنَّ المراد بالوليِّ المحبُّ لا الحجَّة.
(812) رواه المصنِّف (رحمه الله) الخصال (ص 209 و210/ ح 31)، وفي معاني الأخبار (ص 112 و113/ باب إخفاء الله (عزَّ وجلَّ) أربعة في أربعة/ ح 1).

(٤٥١)

وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى العَطَّارُ وَأَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ جَمِيعاً، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ البَرْقِيِّ وَيَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ جَمِيعاً، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ أَيْمَنَ بْنِ مُحْرِزٍ الحَضْرَمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ الكِنْدِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى المَدِينِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: «لَـمَّا بَايَعَ النَّاسُ عُمَرَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي بَكْرٍ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ شَبَابِ اليَهُودِ وَهُوَ فِي المَسْجِدِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَالنَّاسُ حَوْلَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ دُلَّنِي عَلَى أَعْلَمِكُمْ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِكِتَابِهِ وَبِسُنَّتِهِ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى عَلِيٍّ (عليه السلام)، فَقَالَ: هَذَا، فَتَحَوَّلَ الرَّجُلُ إِلَى عَلِيٍّ، فَسَأَلَهُ: أَنْتَ كَذَلِكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثٍ وَوَاحِدَةٍ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ: أَفَلَا قُلْتَ: عَنْ سَبْعٍ، فَقَالَ اليَهُودِيُّ: لَا إِنَّمَا أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ فَإِنْ أَصَبْتَ فِيهِنَّ سَالتُكَ عَنْ ثَلَاثٍ بَعْدَهُنَّ، وَإِنْ لَمْ تُصِبْ لَمْ أَسْالكَ.
فَقَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صلوات الله عليه): أَخْبِرْنِي إِنْ أَجَبْتُكَ بِالصَّوَابِ وَالحَقِّ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ وَكَانَ الفَتَى مِنْ عُلَمَاءِ اليَهُودِ وَأَحْبَارِهَا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ وُلْدِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ أَخِي مُوسَى (عليهما السلام)، فَقَالَ: نَعَمْ.
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): بِاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَئِنْ أَجَبْتُكَ بِالحَقِّ وَالصَّوَابِ لَتُسْلِمَنَّ وَلَتَدَعَنَّ اليَهُودِيَّةَ؟ فَحَلَفَ اليَهُودِيُّ وَقَالَ: مَا جِئْتُكَ إِلَّا مُرْتَاداً(813) أُرِيدُ الإِسْلَامَ، فَقَالَ: يَا هَارُونِيُّ، سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ تُخْبَرْ، قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَوَّلِ شَجَرَةٍ نَبَتَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، وَعَنْ أَوَّلِ عَيْنٍ نَبَعَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، وَعَنْ أَوَّلِ حَجَرٍ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ.
فَقَالَ [لَهُ] أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): أَمَّا سُؤَالُكَ عَنْ أَوَّلِ شَجَرَةٍ نَبَتَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ فَإِنَّ اليَهُودَ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا الزَّيْتُونَةُ وَكَذَبُوا إِنَّمَا هِيَ النَّخْلَةُ مِنَ العَجْوَةِ هَبَطَ بِهَا آدَمُ (عليه السلام) مَعَهُ مِنَ الجَنَّةِ فَغَرَسَهَا، وَأَصْلُ النَّخْلِ كُلِّهِ مِنْهَا، وَأَمَّا قَوْلُكَ: أَوَّلُ عَيْنٍ نَبَعَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ فَإِنَّ اليَهُودَ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا العَيْنُ الَّتِي بِبَيْتِ المَقْدِسِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(813) المرتاد: الطالب للشيء. وفي بعض النُّسَخ: (مرتاداً لدين الإسلام).

(٤٥٢)

تَحْتَ الحَجَرِ وَكَذَبُوا هِيَ عَيْنُ الحَيَوَانِ الَّتِي انْتَهَى مُوسَى وَفَتَاهُ إِلَيْهَا فَغَسَلَ فِيهَا السَّمَكَةَ المَالِحَةَ فَحَيِيَتْ، وَلَيْسَ مِنْ مَيِّتٍ يُصِيبُهُ ذَلِكَ المَاءُ إِلَّا حَيِيَ، وَكَانَ الخَضِرُ عَلَى مُقَدِّمَةِ ذِي القَرْنَيْنِ يَطْلُبُ عَيْنَ الحَيَاةِ، فَوَجَدَهَا الخَضِرُ (عليه السلام) وَشَرِبَ مِنْهَا وَلَمْ يَجِدْهَا ذُو القَرْنَيْنِ. وَأَمَّا قَوْلُكَ: أَوَّلُ حَجَرٍ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ فَإِنَّ اليَهُودَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الحَجَرُ الَّذِي فِي بَيْتِ المَقْدِسِ وَكَذَبُوا إِنَّمَا هُوَ الحَجَرُ الأَسْوَدُ هَبَطَ بِهِ آدَمُ (عليه السلام) مَعَهُ مِنَ الجَنَّةِ فَوَضَعَهُ فِي الرُّكْنِ وَالنَّاسُ يَسْتَلِمُونَهُ، وَكَانَ أَشَدَّ بَيَاضاً مِنَ الثَّلْجِ فَاسْوَدَّ مِنْ خَطَايَا بَنِي آدَمَ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي كَمْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ إِمَامٍ هُدًى هَادِينَ مَهْدِيِّينَ لَا يَضُرُّهُمْ خِذْلَانُ مَنْ خَذَلَهُمْ؟ وأَخْبِرْنِي أَيْنَ مَنْزِلُ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) مِنَ الجَنَّةِ؟ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أُمَّتِهِ فِي الجَنَّةِ؟
قَالَ: أَمَّا قَوْلُكَ: كَمْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ إِمَامٍ هُدًى هَادِينَ مَهْدِيِّينَ لَا يَضُرُّهُمْ خِذْلَانُ مَنْ خَذَلَهُمْ؟ فَإِنَّ لِهَذِهِ الأُمَّةِ اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً هَادِينَ مَهْدِيِّينَ لَا يَضُرُّهُمْ خِذْلَانُ مَنْ خَذَلَهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُكَ: أَيْنَ مَنْزِلُ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فِي الجَنَّةِ؟ فَفِي أَشْرَفِهَا وَأَفْضَلِهَا جَنَّةِ عَدْنٍ. وَأَمَّا قَوْلُكَ: مَنْ مَعَ مُحَمَّدٍ مِنْ أُمَّتِهِ فِي الجَنَّةِ؟ فَهَؤُلَاءِ الاِثْنَا عَشَرَ أَئِمَّةُ الهُدَى.
قَالَ الفَتَى: صَدَقْتَ فَوَ اللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّهُ لَمَكْتُوبٌ عِنْدِي بِإِمْلَاءِ مُوسَى وَخَطِّ هَارُونَ بِيَدِهِ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي كَمْ يَعِيشُ وَصِيُّ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) [مِنْ] بَعْدِهِ؟ وَهَلْ يَمُوتُ مَوْتاً أَوْ يُقْتَلُ قَتْلاً؟
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عليه السلام): وَيْحَكَ يَا يَهُودِيُّ أَنَا وَصِيُّ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أَعِيشُ بَعْدَهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَا أَزِيدُ يَوْماً وَلَا أَنْقُصُ يَوْماً(814)،(815)، ثُمَّ يُبْعَثُ أَشْقَاهَا شَقِيقُ عَاقِرِ نَاقَةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(814) هذا مخالف لما أجمعت عليه الأُمَّة في تاريخ وفاتهما (صلَّى الله عليهما)، فإنَّ رحلة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في أواخر الصفر أو أوائل الربيع، وشهادة أمير المؤمنين (عليه السلام) في (21) رمضان أو (23). وإبراهيم ابن يحيى المديني راوي الخبر رجل مجهول، وليس في رجال الصادق (عليه السلام) ذكر منه.
(815) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 36/ ص 377): (بيان: قوله (عليه السلام): «لا أزيد يوماً»، أقول: فيه إشكال، لأنَّ وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كان في صفر وشهادته (عليه السلام) في شهر رمضان وكان ما بينهما ثلاثين سنة إلَّا خمسة أشهر وأيَّاماً، فكيف يستقيم قوله (عليه السلام): «لا أزيد يوماً ولا أنقص يوماً»؟ ويمكن دفعه بأنَّ مبنى الثلاثين على التقريب، وقوله: «لا أزيد يوماً» أي على الموعد الذي وُعدت لذلك وأعلمه، والغرض أنَّ لشهادتي وقتاً معيَّناً لا يتقدَّم ولا يتأخَّر. [أو يقال: الكلام مبنيٌّ على ما هو المعروف عند أهل الحساب من أنَّهم يُسقِطون ما هو أقلّ من النصف يُكلِّمون بما هو أزيد منه، فكلُّ حدٍّ بين تسع وعشرين ونصف وبين ثلاثين ونصف من جملة مصداقاته العرفيَّة، فلا يكون شيء منهما زائداً على ثلاثين سنة عرفيَّة ولا ناقصاً عنها أصلاً، وإنَّما يُحكَم بالزيادة والنقصان إذا كان خارجاً عن الحدَّين وليس فليس، وفيما سيأتي: «لا يزيد يوماً ولا ينقص يوماً»، فالضميران إمَّا راجعان إلى الثلاثين أو إلى الوصيِّ، نظير قوله تعالى: ﴿لَا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأعراف: 34]، وهذا الخبر يُؤيِّد الأخير، وعلى الوجه الأوَّل يحتمل إرجاعهما إلى الله تعالى]).

(٤٥٣)

ثَمُودَ فَيَضْرِبُنِي ضَرْبَةً هَاهُنَا فِي مَفْرَقِي فَتُخْضَبُ مِنْهُ لِحْيَتِي، ثُمَّ بَكَى (عليه السلام) بُكَاءً شَدِيداً»، قَالَ: «فَصَرَخَ الفَتَى وَقَطَعَ كُسْتِيجَهُ(816)، وقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، [وَأَنَّكَ وَصِيُّ رَسُولِ الله]».
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ العَبْدِيُّ يَرْفَعُهُ، قَالَ: هَذَا الرَّجُلُ اليَهُودِيُّ أَقَرَّ لَهُ مَنْ بِالمَدِينَةِ أَنَّهُ أَعْلَمُهُمْ، وَأَنَّ أَبَاهُ كَانَ كَذَلِكَ فِيهِمْ(817).
[190/6] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي القَاسِمِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ البَرْقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ القَاسِمِ(818)، عَنْ حَيَّانَ السَّرَّاجِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ الغَسَّانِيِّ(819)، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: شَهِدْتُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(816) الكستيج - بالضمِّ وكسر المثنَّاة الفوقيَّة وسكون المثنَّاة التحتيَّة -: خيط غليظ يشدُّه الذمّي فوق ثيابه دون الزنَّار، وهو معرَّب كستى، والظاهر هو من شعار النصارى دون اليهود، فتأمَّل.
(817) رواه المشغري (رحمه الله) في الدُّرِّ النظيم (ص 388 و389)، والديلمي (رحمه الله) في إرشاد القلوب (ج 2/ ص 319 و320).
(818) في بعض النُّسَخ: (محمّد بن أبي الهيثم).
(819) في بعض النُّسَخ: (الكتاني)، وفي بعضها: (الكسائي)، ولم أجده.

(٤٥٤)

جِنَازَةَ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ مَاتَ شَهِدْتُ عُمَرَ حِينَ بُويِعَ وَعَلِيٌّ (عليه السلام) جَالِسٌ نَاحِيَةً إِذْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ عَلَيْهِ ثِيَابٌ حِسَانٌ، وَهُوَ مِنْ وُلْدِ هَارُونَ حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَنْتَ أَعْلَمُ هَذِهِ الأُمَّةِ بِكِتَابِهِمْ وَأَمْرِ نَبِيِّهِمْ؟
قَالَ: فَطَأْطَأَ عُمَرُ رَأْسَهُ، فَقَالَ: إِيَّاكَ أَعْنِي، وَأَعَادَ عَلَيْهِ القَوْلَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: إِنِّي جِئْتُكَ مُرْتَاداً لِنَفْسِي، شَاكًّا فِي دِينِي، فَقَالَ: دُونَكَ هَذَا الشَّابَّ، قَالَ: وَمَنْ هَذَا الشَّابُّ؟ قَالَ: هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وَهُوَ أَبُو الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ ابْنَيْ رَسُولِ اللهِ، وَهَذَا زَوْجُ فَاطِمَةَ ابْنَةِ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم).
فَأَقْبَلَ اليَهُودِيُّ عَلَى عَلِيٍّ (عليه السلام)، فَقَالَ: أَكَذَلِكَ أَنْتَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، فَقَالَ اليَهُودِيُّ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثٍ وَوَاحِدَةٍ، قَالَ: فَتَبَسَّمَ عَلِيٌّ (عليه السلام)، ثُمَّ قَالَ: «يَا هَارُونِيُّ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ: سَبْعاً؟»، قَالَ: أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ فَإِنْ عَلِمْتَهُنَّ سَالتُكَ عَمَّا بَعْدَهُنَّ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْهُنَّ عَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ لَكَ عِلْمٌ.
فَقَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «فَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِالإِلَهِ الَّذِي تَعْبُدُهُ إِنْ أَنَا أَجَبْتُكَ فِي كُلِّ مَا تُرِيدُ لَتَدَعَنَّ دِينَكَ وَلَتَدْخُلَنَّ فِي دِينِي»، فَقَالَ: مَا جِئْتُ إِلَّا لِذَلِكَ.
قَالَ: «فَسَلْ»، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَوَّلِ قَطْرَةِ دَمٍ قَطَرَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَيُّ قَطْرَةٍ هِيَ؟ وَأَوَّلُ عَيْنٍ فَاضَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَيُّ عَيْنٍ هِيَ؟ وأَوَّلُ شَيْءٍ اهْتَزَّ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَيُّ شَيْءٍ هُوَ؟ فَأَجَابَهُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الثَّلَاثِ الأُخْرَى، أَخْبِرْنِي عَنْ مُحَمَّدٍ كَمْ بَعْدَهُ مِنْ إِمَامٍ عَدْلٍ؟ وَفِي أَيِّ جَنَّةٍ يَكُونُ؟ وَمَنِ السَّاكِنُ مَعَهُ فِي جَنَّتِهِ؟
فَقَالَ: «يَا هَارُونِيُّ، إِنَّ لِمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) مِنَ الخُلَفَاءِ اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً عَدْلاً لَا يَضُرُّهُمْ خِذْلَانُ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا يَسْتَوْحِشُونَ بِخِلَافِ مَنْ خَالَفَهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَرْسَبُ(820)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(820) في بعث النُّسَخ: (أثبت).

(٤٥٥)

فِي الدِّينِ مِنَ الجِبَالِ الرَّوَاسِي فِي الأَرْضِ، وَمَسْكَنُ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فِي جَنَّةِ عَدْنٍ مَعَهُ أُولَئِكَ الِاثْنَا عَشَرَ الأَئِمَّةُ العَدْلُ(821)»، فَقَالَ: صَدَقْتَ وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنِّي لَأَجِدُهَا فِي كِتَابِ أَبِي هَارُونَ كَتَبَهُ بِيَدِهِ وَأَمْلَاهُ عَمِّي مُوسَى (عليه السلام).
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الوَاحِدَةِ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ وَصِيِّ مُحَمَّدٍ كَمْ يَعِيشُ مِنْ بَعْدِهِ؟ وَهَلْ يَمُوتُ أَوْ يُقْتَلُ؟ قَالَ: «يَا هَارُونِيُّ، يَعِيشُ بَعْدَهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَا يَزِيدُ يَوْماً وَلَا يَنْقُصُ يَوْماً، ثُمَّ يُضْرَبُ ضَرْبَةً هَاهُنَا - يَعْنِي قَرْنَهُ - فَتُخْضَبُ هَذِهِ مِنْ هَذَا».
قَالَ: فَصَاحَ الهَارُونِيُّ وقَطَعَ كُسْتِيجَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّكَ وَصِيُّهُ يَنْبَغِي أَنْ تَفُوقَ وَلَا تُفَاقَ، وَأَنْ تُعَظَّمَ وَلَا تُسْتَضْعَفَ، قَالَ: ثُمَّ مَضَى بِهِ (عليه السلام) إِلَى مَنْزِلِهِ فَعَلَّمَهُ مَعَالِمَ الدِّينِ(822).
[191/7] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى المَدِينِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: جَاءَ يَهُودِيٌّ إِلَى عُمَرَ يَسْأَلُهُ عَنْ مَسَائِلَ، فَأَرْشَدَهُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) لِيَسْأَلَهُ.
فَقَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «سَلْ»، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي كَمْ يَكُونُ بَعْدَ نَبِيِّكُمْ مِنْ إِمَامٍ عَدْلٍ؟ وَفِي أَيِّ جَنَّةٍ هُوَ؟ وَمَنْ يَسْكُنُ مَعَهُ فِي الجَنَّةِ؟
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عليه السلام): «يَا هَارُونِيُّ، لِمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بَعْدَهُ اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً عَدْلاً، لَا يَضُرُّهُمْ خِذْلَانُ مَنْ خَذَلَهُمْ، وَلَا يَسْتَوْحِشُونَ بِخِلَافِ مَنْ خَالَفَهُمْ، أَثْبَتُ فِي دِينِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(821) في بعض النُّسَخ: (الاثنا عشر إماماً العدول).
(822) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 529 و530/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 5)، والحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 422 - 424)، والكراجكي (رحمه الله) في الاستنصار (ص 15 و16)، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 168 - 171).

(٤٥٦)

اللهِ مِنَ الجِبَالِ الرَّوَاسِي، وَمَنْزِلُ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فِي جَنَّةِ عَدْنٍ، وَالَّذِينَ يَسْكُنُونَ مَعَهُ هَؤُلَاءِ الِاثْنَا عَشَرَ»، فَأَسْلَمَ الرَّجُلُ وَقَالَ: أَنْتَ أَوْلَى بِهَذَا المَجْلِسِ مِنْ هَذَا، أَنْتَ الَّذِي تَفُوقُ وَلَا تُفَاقُ، وَتَعْلُو وَلَا تُعْلَى(823).
[192/8] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الخَطَّابِ، عَنِ الحَكَمِ بْنِ مِسْكِينٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ(824)، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام)، قَالَ: «لَـمَّا هَلَكَ أَبُو بَكْرٍ وَاسْتُخْلِفَ عُمَرُ رَجَعَ عُمَرُ إِلَى المَسْجِدِ فَقَعَدَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنِّي رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ، وَأَنَا عَلَّامَتُهُمْ، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ مَسَائِلَ إِنْ أَجَبْتَنِي عَنْهَا أَسْلَمْتُ، قَالَ: وَمَا هِيَ؟ فَقَالَ: ثَلَاثٌ وَثَلَاثٌ وَوَاحِدَةٌ، فَإِنْ شِئْتَ سَالتُكَ وَإِنْ كَانَ فِي قَوْمِكَ أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنْكَ فَأَرْشِدْنِي إِلَيْهِ، فَقَالَ: عَلَيْكَ بِذَلِكَ الشَّابِّ (يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام))، فَأَتَى عَلِيًّا (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ: لِـمَ قُلْتَ: ثَلَاثٌ وَثَلَاثٌ وَوَاحِدَةٌ؟ أَلَّا قُلْتَ: سَبْعاً؟ قَالَ: [أَنَا إِذاً جَاهِلٌ إِنَّكَ] إِنْ لَمْ تُجِبْنِي فِي الثَّلَاثِ اكْتَفَيْتُ، قَالَ: فَإِنْ أَجَبْتُكَ تُسْلِمُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: سَلْ، فَقَالَ: أَسْأَلُكَ عَنْ أَوَّلِ حَجَرٍ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، وَأَوَّلِ عَيْنٍ نَبَعَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، وَأَوَّلِ شَجَرَةٍ نَبَتَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ.
فَقَالَ (عليه السلام): يَا يَهُودِيُّ، أَنْتُمْ تَقُولُونَ: [إِنَّ] أَوَّلَ حَجَرٍ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ الحَجَرُ الَّذِي فِي بَيْتِ المَقْدِسِ، وَكَذَبْتُمْ بَلْ هُوَ الحَجَرُ الَّذِي نَزَلَ بِهِ آدَمُ (عليه السلام) مِنَ الجَنَّةِ، قَالَ: صَدَقْتَ وَاللهِ إِنَّهُ لَبِخَطِّ هَارُونَ وَإِمْلَاءِ مُوسَى (عليهما السلام).
قَالَ: وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ أَوَّلَ عَيْنٍ نَبَعَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ العَيْنُ الَّتِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(823) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 134 و135/ ح 148).
(824) هو صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان بن أبي ذبيحة، قال العلَّامة في الخلاصة (ص 360/ الرقم 5): (كذَّاب غالٍ، لا يُلتَفت إليه).

(٤٥٧)

نَبَعَتْ بِبَيْتِ المَقْدِسِ، وَكَذَبْتُمْ هِيَ عَيْنُ الحَيَاةِ الَّتِي غَسَلَ فِيهَا يُوشَعُ بْنُ نُونٍ السَّمَكَةَ، وَهِيَ الَّتِي شَرِبَ مِنْهَا الخَضِرُ، وَلَيْسَ يَشْرَبُ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا حَيِيَ، قَالَ: صَدَقْتَ وَاللهِ إِنَّهُ لَبِخَطِّ هَارُونَ وَإِمْلَاءِ مُوسَى (عليهما السلام).
قَالَ: وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ أَوَّلَ شَجَرَةٍ نَبَتَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ الزَّيْتُونَةُ، وَكَذَبْتُمْ وَهِيَ العَجْوَةُ نَزَلَ بِهَا آدَمُ (عليه السلام) مِنَ الجَنَّةِ، قَالَ: صَدَقْتَ وَاللهِ إِنَّهُ لَبِخَطِّ هَارُونَ وَإِمْلَاءِ مُوسَى (عليهما السلام).
قَالَ: فَالثَّلَاثُ الأُخْرَى، قَالَ: كَمْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ إِمَامٍ هُدًى لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ؟ قَالَ: اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً، قَالَ صَدَقْتَ وَاللهِ إِنَّهُ لَبِخَطِّ هَارُونَ وَإِمْلَاءِ مُوسَى (عليهما السلام).
قَالَ: وَأَيْنَ يَسْكُنُ نَبِيُّكُمْ مِنَ الجَنَّةِ؟ قَالَ: فِي أَعْلَاهَا دَرَجَةً وَأَشْرَفِهَا مَكَاناً، فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ، قَالَ: صَدَقْتَ وَاللهِ إِنَّهُ لَبِخَطِّ هَارُونَ وَإِمْلَاءِ مُوسَى (عليهما السلام).
قَالَ: فَمَنْ يَنْزِلُ مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ؟ قَالَ: اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً، قَالَ: صَدَقْتَ وَاللهِ إِنَّهُ لَبِخَطِّ هَارُونَ وَإِمْلَاءِ مُوسَى (عليهما السلام).
قَالَ: السَّابِعَةُ؟ قَالَ: فَأَسْأَلُكَ كَمْ يَعِيشُ وَصِيُّهُ بَعْدَهُ، قَالَ: ثَلَاثِينَ سَنَةً، قَالَ: ثُمَّ يَمُوتُ أَوْ يُقْتَلُ؟ قَالَ: يُقْتَلُ فَيُضْرَبُ عَلَى قَرْنِهِ فَتُخْضَبُ لِحْيَتُهُ، قَالَ: صَدَقْتَ وَاللهِ إِنَّهُ لَبِخَطِّ هَارُونَ وَإِمْلَاءِ مُوسَى (عليهما السلام)، [فَأَسْلَمَ اليَهُودِيُّ]»(825).
[193/9] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ الفَزَارِيُّ الكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيُّ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ أَحْنَفَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(825) رواه المصنِّف (رحمه الله) في الخصال (ص 476 و477/ ح 40)، وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 56 و57/ ح 19)، والطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج 1/ ص 336 و337).

(٤٥٨)

الأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) أَنَّهُ ذَكَرَ القَائِمَ (عليه السلام) فَقَالَ: «أَمَا لَيَغِيبَنَّ حَتَّى يَقُولَ الجَاهِلُ: مَا لِلهِ فِي آلِ مُحَمَّدِ حَاجَةٌ»(826).
[194/10] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَمُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الخَطَّابِ وَالهَيْثَمِ بْنِ أَبِي مَسْرُوقٍ النَّهْدِيِّ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ سَمِعَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ لَا تُخْلِي الأَرْضَ مِنْ حُجَّةٍ لَكَ عَلَى خَلْقِكَ ظَاهِرٍ أَوْ خَافٍ مَغْمُورٍ لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُكَ وَبَيِّنَاتُكَ»(827).
[195/11] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعْدَانَ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ (عليهم السلام) أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَةٍ لَهُ عَلَى مِنْبَرِ الكُوفَةِ: «اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَا بُدَّ لِأَرْضِكَ مِنْ حُجَّةٍ لَكَ عَلَى خَلْقِكَ، يَهْدِيهِمْ إِلَى دِينِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ عِلْمَكَ، لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَّتُكَ وَلَا يَضِلَّ أَتْبَاعُ أَوْلِيَائِكَ بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَهُمْ بِهِ، إِمَّا ظَاهِرٍ لَيْسَ بِالمُطَاعِ أَوْ مُكْتَتِمٍ مُتَرَقِّبٍ، إِنْ غَابَ عَنِ النَّاسِ شَخْصُهُ فِي حَالِ هِدَايَتِهِمْ، فَإِنَّ عِلْمَهُ(828) وَآدَابَهُ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ مُثْبَتَةٌ، فَهُمْ بِهَا عَامِلُونَ».
[196/12] حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(826) روى قريباً منه الخصيبي (رحمه الله) في الهداية الكبرى (ص 361)، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 265)، والحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 430)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 340 و341/ ح 290)، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 228).
(827) رواه المصنِّف (رحمه الله) في علل الشرائع (ج 1/ ص 195/ باب 153/ ح 2)، والنوبختي (رحمه الله) في فِرَق الشيعة (ص 98)، والمفيد (رحمه الله) في الفصول المختارة (ص 325)، والكراجكي (رحمه الله) في كنز الفوائد (ص 175)، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 228).
(828) في بعض النُّسَخ: (لم يغب مثبت علمه).

(٤٥٩)

عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ الفَزَارِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ حَمَّادٍ(829)، عَنْ أَبِي الجَارُودِ، عَنْ يَزِيدَ الضَّخْمِ(830)، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يَقُولُ: «كَأَنِّي بِكُمْ تَجُولُونَ جَوَلَانَ النَّعَمِ، تَطْلُبُونَ المَرْعَى فَلَا تَجِدُونَهُ».
[197/13] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ الكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ عَبْدِ الحَمِيدِ وَعَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ مُحَمَّدٍ(831) جَمِيعاً، عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الحَزَوَّرِ، عَنِ الأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يَقُولُ: «صَاحِبُ هَذَا الأَمْرِ الشَّرِيدُ الطَّرِيدُ الفَرِيدُ الوَحِيدُ»(832).
[198/14] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّيْبَانِيُّ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ الآدَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَظِيمِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الحَسَنِيُّ (رضي الله عنه)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، قَالَ: «لِلْقَائِمِ مِنَّا غَيْبَةٌ أَمَدُهَا طَوِيلٌ، كَأَنِّي بِالشِّيعَةِ يَجُولُونَ جَوَلَانَ النَّعَمِ فِي غَيْبَتِهِ، يَطْلُبُونَ المَرْعَى فَلَا يَجِدُونَهُ، أَلَا فَمَنْ ثَبَتَ مِنْهُمْ عَلَى دِينِهِ وَلَمْ يَقْسُ قَلْبُهُ لِطُولِ أَمَدِ غَيْبَةِ إِمَامِهِ فَهُوَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ»، ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): «إِنَّ القَائِمَ مِنَّا إِذَا قَامَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، فَلِذَلِكَ تَخْفَى وِلَادَتُهُ وَيَغِيبُ شَخْصُهُ»(833).
حدَّثنا عليُّ بن أحمد بن موسى (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا محمّد بن جعفر الكوفيُّ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(829) في بعض النُّسَخ: (الحسين بن محمّد).
(830) كذا، ولم أجده.
(831) في بعض النُّسَخ: (عبد الله بن محمّد).
(832) رواه الطبري (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 531/ ح 508/112)، والحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 431).
(833) رواه الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 229).

(٤٦٠)

عن عبد الله بن موسى الرويانيِّ(834)، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيِّ، عن محمّد بن عليٍّ الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذا الحديث مثله سواء.
[199/15] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ الوَرَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيِّ، [عَنْ هِشَامٍ]، عَنْ فُرَاتِ ابْنِ أَحْنَفَ، عَنِ الأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) القَائِمُ (عليه السلام)، فَقَالَ: «أَمَا لَيَغِيبَنَّ حَتَّى يَقُولَ الجَاهِلُ: مَا لِلهِ فِي آلِ مُحَمَّدِ حَاجَةٌ»(835).
[200/16] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ جَعْفَرٍ الهَمَدَانِيُّ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام) أَنَّهُ قَالَ: «التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِكَ يَا حُسَيْنُ هُوَ القَائِمُ بِالحَقِّ، المُظْهِرُ لِلدِّينِ، وَالبَاسِطُ لِلْعَدْلِ، قَالَ الحُسَيْنُ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ؟ فَقَالَ (عليه السلام): إِي وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بِالنُّبُوَّةِ وَاصْطَفَاهُ عَلَى جَمِيعِ البَرِيَّةِ، وَلَكِنْ بَعْدَ غَيْبَةٍ وَحَيْرَةٍ، فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا عَلَى دِينِهِ إِلَّا المُخْلِصُونَ المُبَاشِرُونَ لِرَوْحِ اليَقِينِ، الَّذِينَ أَخَذَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) مِيثَاقَهُمْ بِوَلَايَتِنَا، وَكَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ»(836).
[201/17] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ زِيَادٍ المَكْفُوفِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي عُقْبَةَ الشَّاعِرِ(837)، قَالَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(834) سيأتي الكلام فيه.
(835) قد مرَّ بسند آخر تحت الرقم (193/9)، فراجع.
(836) رواه الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 229).
(837) كذا، ولم أجده. وفي بعض النُّسَخ: (عبد الله بن أبي عقب)، وفي بعضها: (عبد الله بن عفيف).

(٤٦١)

سَمِعْتُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «كَأَنِّي بِكُمْ تَجُولُونَ جَوَلَانَ الإِبِلِ تَبْتَغُونَ المَرْعَى فَلَا تَجِدُونَهُ يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ»(838).
[202/18] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الجَارُودِ زِيَادِ ابْنِ المُنْذِرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي عُقْبَةَ الشَّاعِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يَقُولُ: «كَأَنِّي بِكُمْ تَجُولُونَ جَوَلَانَ الإِبِلِ تَبْتَغُونَ المَرْعَى فَلَا تَجِدُونَهُ يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ».
[203/19] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى العَطَّارُ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ الآدَمِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا الحَسَنُ ابْنُ العَبَّاسِ بْنِ الحَرِيشِ الرَّازِيُّ(839)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الثَّانِي، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ)، قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: «إِنَّ لَيْلَةَ القَدْرِ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَإِنَّهُ يَنْزِلُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَمْرُ السَّنَةِ، وَلِذَلِكَ الأَمْرِ وُلَاةٌ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)»، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «أَنَا وَأَحَدَ عَشَرَ مِنْ صُلْبِي أَئِمَّةٌ مُحَدَّثُونَ»(840)،(841).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(838) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 122/ ح 119).
(839) الرجل ضعيف جدًّا، قال ابن الغضائري بعد عنوانه: ضعيف روى عن أبن جعفر الثاني فضل: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ﴾ كتاباً مصنَّفاً (أي موضوعاً) فاسد الألفاظ تشهد مخائله أنَّه موضوع، وهذا الرجل لا يُلتَفت إليه، ولا يُكتَب حديثه (صه).
(840) هذا الخبر وإنْ كان سنده ضعيفاً لكن متنه صحيح موافق للحقِّ.
(841) رواه المصنِّف (رحمه الله) في الخصال (ص 479 و480/ ح 47)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 532 و533/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 11)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 68/ باب 4/ ح 3)، والخزَّاز في كفاية الأثر (ص 221)، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 346)، والحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 425)، والكراجكي (رحمه الله) في الاستنصار (ص 14)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 141 و142/ ح 106).

(٤٦٢)

[204/1] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الطَّالَقَانِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ القَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ(842)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: لَـمَّا احْتُضِرَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ البَاقِرُ (عليهما السلام) عِنْدَ الوَفَاةِ دَعَا بِابْنِهِ الصَّادِقِ (عليه السلام)، فَعَهِدَ إِلَيْهِ عَهْداً، فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ: لَوِ امْتَثَلْتَ فِيَّ تِمْثَالَ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ (عليهما السلام) لَرَجَوْتُ أَنْ لَا تَكُونَ أَتَيْتَ مُنْكَراً، فَقَالَ: «يَا أَبَا الحَسَنِ، إِنَّ الأَمَانَاتِ لَيْسَتْ بِالتِّمْثَالِ، وَلَا العُهُودَ بِالرُّسُومِ، وَإِنَّمَا هِيَ أُمُورٌ سَابِقَةٌ عَنْ حُجَجِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى»، ثُمَّ دَعَا بِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ(843)، فَقَالَ لَهُ: «يَا جَابِرُ، حَدِّثْنَا بِمَا عَايَنْتَ فِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(842) في العيون: (محمّد بن عبد الرحيم).
(843) سند هذا الخبر ضعيف ومشتمل على مجاهيل، ومتنه لا يلائم ما جاء في غيره من الأخبار، ففي تفسير القمِّي (ج 2/ ص 147) بسند صحيح عن الباقر (عليه السلام)، سُئِلَ عن جابر، فقال (عليه السلام): «رحم الله جابراً بلغ من فقهه أنَّه كان يعرف تأويل هذه الآية: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرْآنَ...﴾ الآية [القَصص: 85]»، وهو ظاهر في موته في حياة أبي جعفر (عليه السلام). وروى نحوه الكشِّي (اختيار معرفة الرجال: ج 1/ ص 224 و225/ ح 90). وقد أجمعت أرباب السِّيَر ومعاجم التراجم على أنَّه مات قبل سنة (80هـ)، قال ابن قتيبة: (مات جابر بالمدينة سنة (78هـ)...، وهو ممَّن تأخر موته من أصحاب النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بالمدينة) (المعارف: ص 307). وقال ابن سعد: مات سنة (73هـ). وفي المحكي عن عمرو بن عليٍّ ويحيى بن بكير وغيرهما أنَّه مات سنة (78هـ) كما في تهذيب التهذيب (ج 2/ ص 37/ الرقم 67). وقال ابن عبد البرِّ في الاستيعاب (ج 1/ ص 220): إنَّه شهد العقبة الثانية مع أبيه، وكُفَّ بصره في آخر عمره، وتُوفِّي سنة (74هـ)، وقيل: (78هـ)، وقيل: (77هـ) بالمدينة، وصلَّى عليه أميرها أبان بن عثمان، وقيل: تُوفِّي وهو ابن أربع وتسعين. وعلى أيٍّ كان وفاته قبل ميلاد أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليه السلام) بسنين، لأنَّه (عليه السلام) وُلِدَ سنة (83هـ)، وكانت وفاة الباقر (عليه السلام) سنة (114هـ) وفي قول (116هـ)، فكيف يمكن حضور جابر عنده (عليه السلام) حين حضرته الوفاة؟ مع أنَّ الظاهر من قول النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) له: «إنَّك ستُدرك رجلاً من أهل بيتي...» إلخ، أنَّه أدرك محمّد بن عليٍّ الباقر (عليهما السلام) فحسب، ولم يُدرك بعده من الأئمَّة (عليهم السلام) أحداً. والأخبار التي تتضمَّن حياته بعد عليِّ بن الحسين (عليهما السلام) كلُّها مخدوشة، لأنَّه (عليه السلام) تُوفِّي سنة (94هـ)، وأبو عبد الله حينذاك ابن أحد عشر سنة، وتُوفِّي جابر قبل ذلك نحواً من عشرين سنة. وما قال المامقاني (رحمه الله) (في تنقيح المقال: ج 14/ ص 73) من أنَّ الكشِّي روى أنَّه (يعنى جابر) آخر من بقي من الصحابة مع أنَّ عامر بن واثلة مات سنة (110هـ)، فلازم ذلك بقاء جابر بعد سنة (110هـ) اشتباه محض، لأنَّ عامر لم يكن صحابيًّا إنَّما ذكروه في جملة الصحابة لتولُّده قبل وفاة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم). ولعلَّ مراد الكشِّي أنَّه آخر من بقي من الصحابة بالمدينة ممَّن شهد العقبة كما قال الجزري حيث قال: جابر آخر من مات ممَّن شهد العقبة. (أُسد الغابة: ج 1/ ص 257). ثمّ اعلم أنِّي أظنُّ أنَّ العلاج بأنْ نقول: سقطت جملة من لفظ الرواة أو قلم النُّسَّاخ، وصُحِّف (يا أبا جعفر)، والأصل: (ثمّ قال دعا أبي يوماً بجابر بن عبد الله... فقال له جابر: نعم يا أبا محمّد...) إلخ، فيرفع الإشكال، وأمثال هذا السقط والتحريف كثيرة في الأحاديث. ثمّ اعلم أيضاً أنَّ قولها: (لكنَّه نهى أنْ يمسَّها إلَّا نبيٌّ أو وصيُّ نبيٍّ أو أهل بيت نبيٍّ) يخالف ما سيأتي في حديث اللوح، لأنَّ فيه: (فأعطتنيه أُمُّك فاطمة فقرأته وانتسخته).

(٤٦٥)

الصَّحِيفَةِ»، فَقَالَ لَهُ جَابِرٌ: نَعَمْ يَا أَبَا جَعْفَرٍ، دَخَلْتُ عَلَى مَوْلَاتِي فَاطِمَةَ (عليها السلام) لِأُهَنِّئَهَا بِمَوْلُودِ الحَسَنِ (عليه السلام)(844)، فَإِذَا هِيَ بِصَحِيفَةٍ بِيَدِهَا مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدَةَ النِّسْوَانِ، مَا هَذِهِ الصَّحِيفَةُ الَّتِي أَرَاهَا مَعَكِ؟ قَالَتْ: «فِيهَا أَسْمَاءُ الأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِي»، فَقُلْتُ لَهَا: نَاوِلِينِي لِأَنْظُرَ فِيهَا، قَالَتْ: «يَا جَابِرُ، لَوْ لَا النَّهْيُ لَكُنْتُ أَفْعَلُ، لَكِنَّهُ نُهِيَ أَنْ يَمَسَّهَا إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ أَوْ أَهْلُ بَيْتِ نَبِيٍّ، وَلَكِنَّهُ مَأْذُونٌ لَكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى بَاطِنِهَا مِنْ ظَاهِرِهَا».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(844) كذا.

(٤٦٦)

قَالَ جَابِرٌ: فَقَرَأْتُ فَإِذَا فِيهَا: أَبُو القَاسِمِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ المُصْطَفَى، أُمُّهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ. أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ المُرْتَضَى، أُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمِ ابْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ البَرُّ. أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّقِيُّ، أُمُّهُمَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم). أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ العَدْلُ، أُمُّهُ شَهْرَبَانُويَهْ(845) بِنْتُ يَزْدَجَرْدَ بْنِ شَاهَنْشَاهَ. أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ البَاقِرُ، أُمُّهُ أُمُّ عَبْدِ اللهِ بِنْتُ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. أَبُو عَبْدِ اللهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ، أُمُّهُ أُمُّ فَرْوَةَ بِنْتُ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. أَبُو إِبْرَاهِيمَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ الثِّقَةُ، أُمُّهُ جَارِيَةٌ اسْمُهَا حَمِيدَةُ. أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا، أُمُّهُ جَارِيَةٌ اسْمُهَا نَجْمَةُ. أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّكِيُّ، أُمُّهُ جَارِيَةٌ اسْمُهَا خَيْزُرَانُ. أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَمِينُ، أُمُّهُ جَارِيَةٌ اسْمُهَا سَوْسَنُ(846). أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّفِيقُ، أُمُّهُ جَارِيَةٌ اسْمُهَا سُمَانَةُ(847)، وَتُكَنَّى بِأُمِّ الحَسَنِ. أَبُو القَاسِمِ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ، هُوَ حُجَّةُ اللهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ القَائِمُ(848)، أُمُّهُ جَارِيَةٌ اسْمُهَا نَرْجِسُ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ)(849).
قال مصنِّف هذا الكتاب (رحمه الله): جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائم (عليه السلام)، والذي أذهب إليه ما روي في النهي من تسميته، وسيأتي ذكر ما روينا(850) في ذلك من الأخبار في باب أضعه في هذا الكتاب لذلك إنْ شاء الله [تعالى ذكره].

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(845) في بعض النُّسَخ: (شاه بانويه).
(846) المشهور كما في أخبار أُخَر اسمها (سمانة).
(847) المشهور اسمها (حُديث) مصغَّراً، أو (سليل).
(848) في بعض النُّسَخ: (هو الحجَّة القائم).
(849) رواه المصنِّف (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 47 و48/ ح 1)، والطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج 2/ ص 136 و137).
(850) في بعض النُّسَخ: (رويت).

(٤٦٧)

[205/1] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ جَمِيعاً، عَنْ أَبِي الحَسَنِ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ وَالحَسَنِ بْنِ طَرِيفٍ جَمِيعاً، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ.
وَحَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ المُتَوَكِّلِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ وَأَحْمَدُ ابْنُ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَالحَسَنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَاتَانَةَ(852) وَأَحْمَدُ بْنُ زِيَادٍ الهَمَدَانِيُّ (رضي الله عنهم)، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَالَ: «قَالَ أَبِي (عليه السلام) لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَمَتَى يَخِفُّ عَلَيْكَ أَنْ أَخْلُوَ بِكَ فَأَسْأَلَكَ عَنْهَا؟ فَقَالَ لَهُ جَابِرٌ: فِي أَيِّ الأَوْقَاتِ شِئْتَ، فَخَلَا بِهِ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ لَهُ: يَا جَابِرُ، أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّوْحِ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي يَدَ[يْ] أُمِّي فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وَمَا أَخْبَرَتْكَ بِهِ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ اللَّوْحِ مَكْتُوباً، فَقَالَ جَابِرٌ: أَشْهَدُ بِاللهِ أَنِّي دَخَلْتُ عَلَى أُمِّكَ فَاطِمَةَ (عليها السلام) فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أُهَنِّؤُهَا بِوِلَادَةِ الحُسَيْنِ (عليه السلام)(853)، فَرَأَيْتُ فِي يَدِهَا لَوْحاً أَخْضَرَ ظَنَنْتُ أَنَّهُ مِنْ زُمُرُّدٍ، وَرَأَيْتُ فِيهِ كِتَابَةً بَيْضَاءَ شَبِيهَةً بِنُورِ الشَّمْسِ، فَقُلْتُ لَهَا: بِأَبِي أَنْتِ وأُمِّي يَا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ، مَا هَذَا اللَّوْحُ؟ فَقَالَتْ: هَذَا اللَّوْحُ أَهْدَاهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَى رَسُولِهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فِيهِ اسْمُ أَبِي وَاسْمُ بَعْلِي وَاسْمُ ابْنَيَّ وَأَسْمَاءُ الأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِي، فَأَعْطَانِيهِ أَبِي لِيَسُرَّنِي بِذَلِكَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(852) في بعض النُّسَخ: (الحسين بن إبراهيم)، واحتمل الأُستاذ وحيد البهبهاني في تعليقة على منهج المقال (ص 117) كونه أخا الحسن.
(853) كذا في النُّسَخ المخطوطة عندي، وفي نسخة منها: (الحسن خ ل).

(٤٧١)

قَالَ جَابِرٌ: فَأَعْطَتْنِيهِ أُمُّكَ(854) فَاطِمَةُ (عليها السلام)، فَقَرَأْتُهُ وَانْتَسَخْتُهُ، فَقَالَ لَهُ أَبِي (عليه السلام): فَهَلْ لَكَ يَا جَابِرُ أَنْ تَعْرِضَهُ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَمَشَى مَعَهُ أَبِي (عليه السلام) حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَنْزِلِ جَابِرٍ، فَأَخْرَجَ إِلَى أَبِي صَحِيفَةً مِنْ رَقٍّ، فَقَالَ: يَا جَابِرُ، انْظُرْ أَنْتَ فِي كِتَابِكَ لِأَقْرَأَهُ أَنَا عَلَيْكَ، فَنَظَرَ جَابِرٌ فِي نُسْخَتِهِ(855)، فَقَرَأَهُ عَلَيْهِ أَبِي (عليه السلام)، فَوَاللهِ مَا خَالَفَ حَرْفٌ حَرْفاً، قَالَ جَابِرٌ: فَإِنِّي أَشْهَدُ بِاللهِ أَنِّي هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي اللَّوْحِ مَكْتُوباً:
بسم الله الرحمن الرحيم، هَذَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ لِمُحَمَّدٍ نُورِهِ وَسَفِيرِهِ وَحِجَابِهِ وَدَلِيلِهِ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ مِنْ عِنْدِ رَبِّ العَالَمِينَ، عَظِّمْ يَا مُحَمَّدُ أَسْمَائِي، وَاشْكُرْ نَعْمَائِي، وَلَا تَجْحَدْ آلَائِي، إِنِّي أَنَا اللهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا قَاصِمُ الجَبَّارِينَ، [وَمُبِيرُ المُتَكَبِّرِينَ]، وَمُذِلُّ الظَّالِمِينَ، وَدَيَّانُ يَوْمِ الدِّينِ، إِنِّي أَنَا اللهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا، فَمَنْ رَجَا غَيْرَ فَضْلِي أَوْ خَافَ غَيْرَ عَدْلِي عَذَّبْتُهُ عَذاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ العَالَمِينَ، فَإِيَّايَ فَاعْبُدْ وَعَلَيَّ فَتَوَكَّلْ، إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ نَبِيًّا فَأُكْمِلَتْ أَيَّامُهُ وَانْقَضَتْ مُدَّتُهُ إِلَّا جَعَلْتُ لَهُ وَصِيًّا، وَإِنِّي فَضَّلْتُكَ عَلَى الأَنْبِيَاءِ، وَفَضَّلْتُ وَصِيَّكَ عَلَى الأَوْصِيَاءِ، وَأَكْرَمْتُكَ بِشِبْلَيْكَ بَعْدَهُ وَبِسِبْطَيْكَ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، وَجَعَلْتُ حَسَناً مَعْدِنَ عِلْمِي بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ أَبِيهِ، وَجَعَلْتُ حُسَيْناً خَازِنَ وَحْيِي، وَأَكْرَمْتُهُ بِالشَّهَادَةِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(854) يخالف ما مرَّ آنفاً في وفاة أبي جعفر محمّد بن عليٍّ (عليهما السلام).
(855) إنَّما كانت ملاقاة جابر مع أبي جعفر (عليه السلام) بعد زيارة الأربعين في المدينة قطعاً، وقد قيل: إنَّه في زيارة الأربعين مكفوف البصر، فكيف يمكن معه قراءة النسخة؟ ويمكن أنْ نقول: إنَّما يكون عماه في آخر أيَّام حياته فاشتبه على بعض من ترجمه فتوهَّم عماه في الأربعين سنة (61هـ)، وهو خلاف ما نصُّوا عليه من أنَّه كفَّ بصره آخر عمره. وما في بشارة المصطفى (ص 125) في خبر زيارته في الأربعين من قول عطيَّة: (قال: ألمسنيه فألمسته فخرَّ على القبر)، لا يدلُّ على العمى، ولعلَّ من شدَّة الحزن وكثرة البكاء ابيضَّت عيناه، أو غمرتهما العبرة في ذلك اليوم. ويُؤيِّده ما في هذا الخبر: (ثمّ جال ببصره حول القبر وقال: السلام عليكم...) إلخ.

(٤٧٢)

وَخَتَمْتُ لَهُ بِالسَّعَادَةِ، فَهُوَ أَفْضَلُ مَنِ اسْتُشْهِدَ، وَأَرْفَعُ الشُّهَدَاءِ دَرَجَةً، جَعَلْتُ كَلِمَتِيَ التَّامَّةَ مَعَهُ، وَالحُجَّةَ البَالِغَةَ عِنْدَهُ، بِعِتْرَتِهِ أُثِيبُ وَأُعَاقِبُ.
أَوَّلُهُمْ عَلِيٌّ سَيِّدُ العَابِدِينَ، وَزَيْنُ أَوْلِيَائِيَ المَاضِينَ، وَابْنُهُ سَمِيُّ جَدِّهِ(856) المَحْمُودِ، مُحَمَّدٌ البَاقِرُ لِعِلْمِي، وَالمَعْدِنُ لِحِكْمَتِي، سَيَهْلِكُ المُرْتَابُونَ فِي جَعْفَرٍ، الرَّادُّ عَلَيْهِ كَالرَّادِّ عَلَيَّ، حَقَّ القَوْلُ مِنِّي لَأُكْرِمَنَّ مَثْوَى جَعْفَرٍ، وَلَأَسُرَّنَّهُ فِي أَوْلِيَائِهِ وَأَشْيَاعِهِ وَأَنْصَارِهِ، وَانْتَحَبْتُ بَعْدَ مُوسَى فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ حِنْدِسٌ(857)، لِأَنَّ خَيْطَ فَرْضِي لَا يَنْقَطِعُ(858)، وَحُجَّتِي لَا تَخْفَى، وَأَنَّ أَوْلِيَائِي لَا يَشْقَوْنَ أَبَداً.
أَلَا وَمَنْ جَحَدَ وَاحِداً مِنْهُمْ فَقَدْ جَحَدَ نِعْمَتِي، وَمَنْ غَيَّرَ آيَةً مِنْ كِتَابِي فَقَدِ افْتَرَى عَلَيَّ، وَوَيْلٌ لِلْمُفْتَرِينَ الجَاحِدِينَ عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ عَبْدِي مُوسَى وَحَبِيبِي وَخِيَرَتِي، [أَلَا] إِنَّ المُكَذِّبَ بِالثَّامِنِ مُكَذِّبٌ بِكُلِّ أَوْلِيَائِي، وَعَلِيٌّ وَلِيِّي وَنَاصِرِي، وَمَنْ أَضَعُ عَلَيْهِ أَعْبَاءَ النُّبُوَّةِ وَأَمْتَحِنُهُ بِالاضْطِلَاعِ، يَقْتُلُهُ عِفْرِيتٌ مُسْتَكْبِرٌ، يُدْفَنُ بِالمَدِينَةِ الَّتِي بَنَاهَا العَبْدُ الصَّالِحُ ذُو القَرْنَيْنِ إِلَى جَنْبِ شَرِّ خَلْقِي.
حَقَّ القَوْلُ مِنِّي لَأُقِرَّنَّ عَيْنَهُ بِمُحَمَّدٍ ابْنِهِ(859) وَخَلِيفَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، فَهُوَ وَارِثُ عِلْمِي وَمَعْدِنُ حِكْمَتِي وَمَوْضِعُ سِرِّي وَحُجَّتِي عَلَى خَلْقِي، جَعَلْتُ الجَنَّةَ مَثْوَاهُ وَشَفَّعْتُهُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلُّهُمْ قَدِ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ، وَأَخْتِمُ بِالسَّعَادَةِ لِابْنِهِ عَلِيٍّ وَلِيِّي وَنَاصِرِي، وَالشَّاهِدِ فِي خَلْقِي، وَأَمِينِي عَلَى وَحْيِي، أُخْرِجُ مِنْهُ الدَّاعِيَ إِلَى سَبِيلي وَالخَازِنَ لِعِلْمِيَ الحَسَنَ.
ثُمَّ أُكْمِلُ ذَلِكَ بِابْنِهِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، عَلَيْهِ كَمَالُ مُوسَى وَبَهَاءُ عِيسَى وصَبْرُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(856) في بعض النُّسَخ: (شبيه جدِّه).
(857) انتحب أي تنفَّس شديداً.
(858) في بعض النُّسَخ: (لأنَّ خيط وصيَّتي).
(859) في الكافي: (بابنه (م ح م د)).

(٤٧٣)

أَيُّوبَ، سَتَذِلُّ أَوْلِيَائِي فِي زَمَانِهِ وَيُتَهَادَوْنَ رُؤُوسُهُمْ كَمَا تُهَادَى رُؤُوسُ التُّرْكِ وَالدَّيْلَمِ، فَيُقْتَلُونَ وَيُحْرَقُونَ وَيَكُونُونَ خَائِفِينَ مَرْعُوبِينَ وَجِلِينَ، تُصْبَغُ الأَرْضُ مِنْ دِمَائِهِمْ، وَيَفْشُو الوَيْلُ وَالرَّنِينُ فِي نِسَائِهِمْ(860)، أُولَئِكَ أَوْلِيَائِي حَقًّا، بِهِمْ أَدْفَعُ كُلَّ فِتْنَةٍ عَمْيَاءَ حِنْدِسٍ، وَبِهِمْ أَكْشِفُ الزَّلَازِلَ، وَأَرْفَعُ عَنْهُمُ الآصَارَ(861) وَالأَغْلَالَ، أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ، وَأُولئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ».
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَالِمٍ: قَالَ أَبُو بَصِيرٍ: لَوْ لَمْ تَسْمَعْ فِي دَهْرِكَ إِلَّا هَذَا الحَدِيثَ لَكَفَاكَ، فَصُنْهُ إِلَّا عَنْ أَهْلِهِ(862)،(863).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(860) كلُّ ذلك في زمان الغيبة لا في أيَّام ظهوره (عجَّل الله فرجه)، لأنَّ المؤمنين في أيَّامه في كمال العزَّة.
(861) في بعض النُّسَخ: (القيود).
(862) رواه المصنِّف (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 48 - 50/ ح 2)، وابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 103 - 106/ ح 92)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 527 و528/ باب ما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 3)، والخصيبي (رحمه الله) في الهداية الكبرى (ص 364 - 366)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 69 - 72/ باب 4/ ح 5)، والمفيد (رحمه الله) في الاختصاص (ص 210 - 212)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 143 - 146/ ح 108)، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 174 - 177).
(863) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٣٦/ ص 198 - 200): (بيان: الرقُّ - بالفتح والكسر -: الجلد الرقيق الذي يُكتَب فيه. وفي رواية الكليني والنعماني والشيخ والطبرسي بعد قوله: «من رقٍّ» زيادة: «فقال : يا جابر، انظر في كتابك لأقرأ عليك، فنظر جابر في نسخته فقرأه أبي، فما خالف حرف حرفاً، فقال جابر: فأشهد بالله». والسفير: الرسول المصلح بين القوم، وأطلق الحجاب عليه لأنَّه واسطة بين الله وبين الخلق كالحجاب الواسطة بين المحجوب والمحجوب عنه، أو لأنَّ له وجهين: وجهاً إلى الله ووجهاً إلى الخلق. والمراد بالأسماء إمَّا أسماء ذاته المقدَّسة أو الأئمَّة (عليهم السلام) كما مرَّ مراراً. والنعماء مفرد بمعنى النعمة العظيمة، وهي النبوَّة وما يلزمها ويلحقها، وبالآلاء سائر النِّعَم والأوصياء (عليهم السلام). وفي أكثر الروايات «مديل المظلومين» بدل قوله: «مذلُّ الظالمين». والإدالة: إعطاء الدولة والغلبة. والمظلومون: الأئمَّة وشيعتهم الذين ينصرهم الله في آخر الزمان. وديَّان الدِّين أي المجازي لكلِّ مكلَّف ما عمل من خير وشرٍّ يوم الدِّين. وفي القاموس: الدِّين - بالكسر - الجزاء والإسلام والعبادة والطاعة والحساب والقهر والسلطان والحكم والقضاء، والديَّان: القهَّار والقاضي والحاكم والحاسب والمجازي. «فمن رجا غير فضلي» كأنَّ المعنى أنَّ كلَّ ما يرجوه العباد من ربِّهم فليس جزاء لأعمالهم بحيث يجب على الله ذلك، بل هو من فضله سبحانه، وأعمالهم لا تكافئ عشراً من أعشار ما أنعم عليهم قبلها، بل هي أيضاً من نِعَمه تعالى، وإنْ لزم عليه سبحانه إعطاء الثواب بمقتضى وعده، فبعده أيضاً من فضله. وذهب الأكثر إلى أنَّ المعنى: رجا فضل غيري، ولا يخفى بعده لفظاً ومعنًى، ويُؤيِّد ما ذكرنا قوله: «أو خاف غير عدلي» إذا العقوبات التي يخافها العباد إنَّما هي من عدله، وإنَّ من اعتقد أنَّها ظلم فقد كفر. «عذَّبته عذاباً» أي تعذيباً، ويجوز أنْ يُجعَل مفعولاً به على السعة. «لا أُعذِّبه» الضمير للمصدر أو للعذاب إنْ أُريد به ما يُعذِّب به على حذف حرف الجرِّ كما ذكره البيضاوي. «بشبليك» أي ولديك تشبيهاً لهما بولد الأسد في الشجاعة، أو له (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بالأسد فيها أو الأعمّ، أو المعنى: ولدي أسدك، تشبيهاً لأمير المؤمنين (عليه السلام) بالأسد. وفي القاموس: الشبل - بالكسر -: ولد الأسد. قوله: «في أشياعه» أي بسبب كثرتهم وكمالهم. قوله: «وانتجبت بعده فتنة» على بناء المفعول كناية عن اهتمامهم بشأن تلك الفتنة، أو على بناء المعلوم مجازاً، وفي بعض النُّسَخ: «وأنتجت» من النتاج، وهو أيضاً يحتمل الوجهين، وفي أكثر نُسَخ إعلام الورى: «أُتيحت» على بناء المجهول من قولهم: أُتيح له أي قُدِّر وهُيِّئ، وفي بعضها: «أنبحت» من نباح الكلب وصياحه. وفي نُسَخ الكافي: «أُبيحت» بالباء من الإباحة على المجهول أيضاً، والأظهر ما في أكثر نُسَخ إعلام الورى، وعلى أيِّ حالٍ لا يخلو من تكلُّف. وقوله: «لأنَّ خيط فرضي» إمَّا علَّة لانتجاب موسى أو لما يدلُّ عليه الفتنة من كون ما أدَّعوه من الوقف باطلاً. وفي النعماني: «إلَّا أنَّ خيط فرضي لا ينقطع» وهو أظهر، وفيه بعده: «وحجَّتي لا تخفى، وأوليائي بالكأس الأوفى يسقون أبدال الأرض»، وفي إكمال الدِّين: «لا يسبقون» بدل «لا يشقون». ويقال: فلان مضطلع لهذا الأمر، أي قوي عليه. والعفريت: الخبيث المارد. والمراد بالعبد الصالح هنا ذو القرنين، فإنَّ بلدة طوس من بنائه، وقد صرَّح به في رواية النعماني. والتهادي أنْ يهدي بعضهم إلى بعضهم. والآصار جمع الأصر: الذنب والثقل).

(٤٧٤)

[206/2] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ شَاذَوَيْهِ المُؤَدِّبُ وَأَحْمَدُ بْنُ هَارُونَ القَاضِي (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ الفَزَارِيِّ الكُوفِيِّ، عَنْ مَالِكٍ السَّلُولِيِّ(864)، عَنْ دُرُسْتَ بْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(864) كذا، والظاهر هو مالك بن حسين السلولي. وفزارة حيٌّ من غطفان. والفزار أبو القبيلة من تميم، منهم جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري.

(٤٧٥)

عَبْدِ الحَمِيدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ أَبِي السَّفَاتِجِ، عَنْ جَابِرٍ الجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ البَاقِرِ (عليهما السلام)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مَوْلَاتِي فَاطِمَةَ (عليها السلام) وَقُدَّامَهَا لَوْحٌ يَكَادُ ضَوْؤُهُ يَغْشَى الأَبْصَارَ، فِيهِ اثْنَا عَشَرَ اسْماً، ثَلَاثَةٌ فِي ظَاهِرِهِ وَثَلَاثَةٌ فِي بَاطِنِهِ وَثَلَاثَةُ أَسْمَاءَ فِي آخِرِهِ وَثَلَاثَةُ أَسْمَاءَ فِي طَرَفِهِ، فَعَدَدْتُهَا فَإِذَا هِيَ اثْنَا عَشَرَ اسْماً، فَقُلْتُ: أَسْمَاءُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَتْ: «هَذِهِ أَسْمَاءُ الأَوْصِيَاءِ، أَوَّلُهُمْ ابْنُ عَمِّي وَأَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِي، آخِرُهُمُ القَائِمُ [صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ]»، قَالَ جَابِرٌ: فَرَأَيْتُ فِيهَا مُحَمَّداً مُحَمَّداً مُحَمَّداً فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، وَعَلِيًّا وَعَلِيًّا وَعَلِيًّا وَعَلِيًّا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ(865).
[207/3] وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى العَطَّارُ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الخَطَّابِ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي الجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ (عليها السلام) وَبَيْنَ يَدَيْهَا لَوْحٌ [مَكْتُوبٌ] فِيهِ أَسْمَاءُ الأَوْصِيَاءِ، فَعَدَدْتُ اثْنَيْ عَشَرَ آخِرُهُمُ القَائِمُ، ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ مُحَمَّدٌ وَأَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ عَلِيٌّ (عليهم السلام)(866).
وَحَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بْنُ حَمْزَةَ العَلَوِيُّ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ دُرُسْتَ السَّرْوِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ الكُوفِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ وَصَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الصَّادِقِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «يَا إِسْحَاقُ، أَلَا أُبَشِّرُكَ؟»، قُلْتُ: بَلَى جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، فَقَالَ: «وَجَدْنَا صَحِيفَةً بِإِمْلَاءِ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وَخَطِّ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، فِيهَا:
بسم الله الرحمن الرحيم، هَذَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ...»، وَذَكَرَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(865) رواه الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 178).
(866) قد مرَّ تحت الرقم (152/13)، فراجع.

(٤٧٦)

حَدِيثَ اللَّوْحِ كَمَا ذَكَرْتُهُ فِي هَذَا البَابِ مِثْلَهُ سَوَاءً، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ: ثُمَّ قَالَ الصَّادِقُ (عليه السلام): «يَا إِسْحَاقُ، هَذَا دِينُ المَلَائِكَةِ وَالرُّسُلِ، فَصُنْهُ عَنْ غَيْرِ أَهْلِهِ يَصُنْكَ اللهُ وَيُصْلِحْ بَالَكَ»، ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): «مَنْ دَانَ بِهَذَا أَمِنَ عِقَابَ اللهِ (عزَّ وجلَّ)»(867).
وَحَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الطَّالَقَانِيُّ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ القَطَّانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى الرُّويَانِيُّ أَبُو تُرَابٍ(868)، عَنْ عَبْدِ العَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الحَسَنِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الحَسَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ بَاقِرَ العِلْمِ (عليهما السلام) جَمَعَ وُلْدَهُ وَفِيهِمْ عَمُّهُمْ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثُمَّ أَخْرَجَ كِتَاباً إِلَيْهِمْ بِخَطِّ عَلِيٍّ (عليه السلام) وَإِمْلَاءِ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) مَكْتُوبٌ فِيهِ:
«هَذَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ العَلِيمِ...»، [وَذَكَرَ] حَدِيثَ اللَّوْحِ إِلَى المَوْضِعِ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ: «أُولئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ»، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ: قَالَ عَبْدُ العَظِيمِ: العَجَبُ كُلُّ العَجَبِ لِمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَخُرُوجِهِ إِذْ سَمِعَ أَبَاهُ (عليه السلام) يَقُولُ هَكَذَا وَيَحْكِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا سِرُّ اللهِ وَدِينُهُ وَدِينُ مَلَائِكَتِهِ، فَصُنْهُ إِلَّا عَنْ أَهْلِهِ وَأَوْلِيَائِهِ».
[208/4] حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(867) رواه المصنِّف (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 50 و51/ ح 3)، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 177 و178).
(868) في هامش بعض المخطوطة: (عبيد الله) بالياء ابن موسى الروباني بالباء المنقَّطة تحتها نقطة قبل الألف والنون بعدها. والروبان قرية بالكوفة، انتهى. لكن لم أجده، والرويان بالياء المثنَّاة التحتيَّة وضمِّ الراء مدينة كبيرة من جبال طبرستان خرج منها جماعة من العلماء كما في اللباب لابن الأثير (ج 2/ ص 44). وأمَّا (عبيد الله) كما في التوحيد للصدوق وبعض النُّسَخ، أو (عبد الله) كما في المتن، فلا أعلم الصواب منهما.

(٤٧٧)

أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ جَمِيعاً، عَنِ الحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي الجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ (عليها السلام) وَبَيْنَ يَدَيْهَا لَوْحٌ فِيهِ أَسْمَاءُ الأَوْصِيَاءِ، فَعَدَدْتُ اثْنَيْ عَشَرَ اسْماً، آخِرُهُمُ القَائِمُ، ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ مُحَمَّدٌ، وَأَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ عَلِيٌّ، (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ [أَجْمَعِينَ]).

* * *

(٤٧٨)

[209/1] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى العَطَّارُ وَأَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ جَمِيعاً، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ البَرْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ دَاوُدُ بْنُ القَاسِمِ الجَعْفَرِيُّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام)، قَالَ: «أَقْبَلَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) ذَاتَ يَوْمٍ وَمَعَهُ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَسَلْمَانُ الفَارِسِيُّ (رضي الله عنه)، وَأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) مُتَّكِئٌ عَلَى يَدِ سَلْمَانَ، فَدَخَلَ المَسْجِدَ الحَرَامَ فَجَلَسَ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ حَسَنُ الهَيْأَةِ وَاللِّبَاسِ، فَسَلَّمَ عَلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ فَجَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ إِنْ أَخْبَرْتَنِي بِهِنَّ(869) عَلِمْتُ أَنَّ القَوْمَ رَكِبُوا مِنْ أَمْرِكَ مَا أَقْضِي عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَأْمُونِينَ فِي دُنْيَاهُمْ وَلَا فِي آخِرَتِهِمْ، وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى عَلِمْتُ أَنَّكَ وَهُمْ شَرَعٌ سَوَاءٌ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الرَّجُلِ إِذَا نَامَ أَيْنَ تَذْهَبُ رُوحُهُ؟ وَعَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يَذْكُرُ وَيَنْسَى؟ وَعَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يُشْبِهُ وَلَدُهُ الأَعْمَامَ وَالأَخْوَالَ؟ فَالتَفَتَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَجِبْهُ، فَقَالَ: أَمَّا مَا سَالتَ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الإِنْسَانِ إِذَا نَامَ أَيْنَ تَذْهَبُ رُوحُهُ، فَإِنَّ رُوحَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالرِّيحِ وَالرِّيحُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالهَوَاءِ(870) إِلَى وَقْتِ مَا يَتَحَرَّكُ صَاحِبُهَا لِلْيَقَظَةِ، فَإِنْ أَذِنَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) بِرَدِّ تِلْكَ الرُّوحِ إِلَى صَاحِبِهَا(871) جَذَبَتْ تِلْكَ الرُّوحُ الرِّيحَ، وَجَذَبَتْ تِلْكَ الرِّيحُ الهَوَاءَ، فَرَجَعَتِ الرُّوحُ فَأَسْكَنَتْ فِي بَدَنِ صَاحِبِهَا، وَإِنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(869) في بعض النُّسَخ: (إنْ أجبتني فيهنَّ).
(870) في بعض النُّسَخ: (معلَّقة في الهواء).
(871) في بعض النُّسَخ: (على صاحبها).

(٤٨١)

لَمْ يَأْذَنِ اللهُ (عزَّ وجلَّ) بِرَدِّ تِلْكَ الرُّوحِ إِلَى صَاحِبِهَا(872) جَذَبَ الهَوَاءُ الرِّيحَ، وَجَذَبَتِ الرِّيحُ الرُّوحَ، فَلَمْ تُرَدَّ إِلَى صَاحِبِهَا إِلَى وَقْتِ مَا يُبْعَثُ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَمْرِ الذُّكْرِ وَالنِّسْيَانِ، فَإِنَّ قَلْبَ الرَّجُلِ فِي حُقٍّ، وَعَلَى الحُقِّ طَبَقٌ، فَإِنْ صَلَّى الرَّجُلُ عِنْدَ ذَلِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ صَلَاةً تَامَّةً انْكَشَفَ ذَلِكَ الطَّبَقُ عَنْ ذَلِكَ الحُقِّ فَأَضَاءَ القَلْبُ(873) وَذَكَرَ الرَّجُلُ مَا كَانَ نَسِيَهُ، وَإِنْ هُوَ لَمْ يُصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أَوْ نَقَّصَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ انْطَبَقَ ذَلِكَ الطَّبَقُ عَلَى ذَلِكَ الحُقِّ فَأَظْلَمَ القَلْبُ وَنَسِيَ الرَّجُلُ مَا كَانَ ذَكَرَ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَمْرِ المَوْلُودِ الَّذِي يُشْبِهُ أَعْمَامَهُ وَأَخْوَالَهُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ فَجَامَعَهَا بِقَلْبٍ سَاكِنٍ وَعُرُوقٍ هَادِئَةٍ وَبَدَنٍ غَيْرِ مُضْطَرِبٍ فَأَسْكَنَتْ تِلْكَ النُّطْفَةُ فِي جَوْفِ الرَّحِمِ(874) خَرَجَ الوَلَدُ يُشْبِهُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، وَإِنْ هُوَ أَتَاهَا بِقَلْبٍ غَيْرِ سَاكِنٍ وَعُرُوقٍ غَيْرِ هَادِئَةٍ وَبَدَنٍ مُضْطَرِبٍ اضْطَرَبَتْ تِلْكَ النُّطْفَةُ فَوَقَعَتْ فِي حَالِ اضْطِرَابِهَا(875) عَلَى بَعْضِ العُرُوقِ، فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عِرْقٍ مِنْ عُرُوقِ الأَعْمَامِ أَشْبَهَ الوَلَدُ أَعْمَامَهُ، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عِرْقٍ مِنْ عُرُوقِ الأَخْوَالِ أَشْبَهَ الرَّجُلُ أَخْوَالَهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّهُ وَالقَائِمُ بِحُجَّتِهِ [بَعْدَهُ] - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) -، وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّهُ وَالقَائِمُ بِحُجَّتِهِ - وَأَشَارَ إِلَى الحَسَنِ (عليه السلام) -، وَأَشْهَدُ أَنَّ الحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ وَصِيُّ أَبِيكَ وَالقَائِمُ بِحُجَّتِهِ بَعْدَكَ، وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ أَنَّهُ القَائِمُ بِأَمْرِ الحُسَيْنِ بَعْدَهُ، وَأَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ القَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، وَأَشْهَدُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ القَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(872) في بعض النُّسَخ: (على صاحبها).
(873) في بعض النُّسَخ: (ممَّا يلي القلب) مكان (فأضاء القلب).
(874) في بعض النُّسَخ: (وانسكبت تلك النطفة فوقعت في جوف الرحم).
(875) في بعض النُّسَخ: (في وقت اضطرابها).

(٤٨٢)

عَلِيٍّ، وَأَشْهَدُ عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ القَائِمُ بِأَمْرِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ ابْنِ مُوسَى أَنَّهُ القَائِمُ بِأَمْرِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، وَأَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ القَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى، وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ القَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَأَشْهَدُ عَلَى الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ القَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ لَا يُكَنَّى وَلَا يُسَمَّى حَتَّى يَظْهَرَ أَمْرُهُ فَيَمْلَأَ الأَرْضَ(876) عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، ثُمَّ قَامَ فَمَضَى.
فَقَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، اتَّبِعْهُ، فَانْظُرْ أَيْنَ يَقْصِدُ؟ فَخَرَجَ الحَسَنُ (عليه السلام) فِي أَثَرِهِ، قَالَ: فَمَا كَانَ إِلَّا أَنْ وَضَعَ رِجْلَهُ خَارِجَ المَسْجِدِ فَمَا دَرَيْتُ أَيْنَ أَخَذَ مِنْ أَرْضِ اللهِ(877)، فَرَجَعْتُ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَأَعْلَمْتُهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَتَعْرِفُهُ؟ فَقُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ وَأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ، فَقَالَ: هُوَ الخَضِرُ (عليه السلام)»(878)،(879).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(876) في بعض النُّسَخ: (فيملأها).
(877) في بعض النُّسَخ: (من الأرض).
(878) رواه المصنِّف (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 67 - 69/ ح 35)، وفي علل الشرائع (ج 1/ ص 96 - 98/ باب 85/ ح 6)، وابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 106 - 108/ ح 93)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 525 و526/ باب ما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 1)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 66 - 68/ باب 4/ ح 2)، ورواه مختصراً الكراجكي (رحمه الله) في الاستنصار (ص 32 و33)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 154 و155/ ح 114).
(879) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 58/ ص 38 و39): (بيان: «فإنَّ روحه متعلِّقة بالريح» يحتمل أنْ يكون المراد بالروح الروح الحيوانيَّة، وبالريح النفس، وبالهواء الهواء الخارج المنجذب بالنفس، وأنْ يكون المراد بالروح النفس، مجرَّدة كانت أم مادّيَّة، وبالريح الروح الحيوانيَّة لشباهتها بالريح في لطافتها وتحرُّكها ونفوذها في مجاري البدن، وبالهواء النفس. والحُقُّ جمع حُقَّة - بالضمِّ فيهما -، وهي وعاء من خشب، ولعلَّ الجمعيَّة هنا لاشتمال القلب الصنوبري على تجاويف وأغشية، أو لاشتمال محلِّه عليها، أو هي باعتبار الأفراد والحُقُّ مخفَّف حُقَّة، والطبق - محرَّكة -: غطاء كلِّ شيء، ولا يبعد أنْ يكون الكلام مبنيًّا على الاستعارة والتمثيل، فإنَّ الصلاة على محمّد وآل محمّد لـمَّا كانت سبباً للقرب من المبدأ واستعداد النفس لإفاضة العلوم عليها، فكان الشواغل النفسانيَّة الموجبة للبعد عن الحقِّ تعالى طبق عليها فتصير الصلاة سبباً لكشفه وتنوُّر القلب واستعداده لفيض الحقِّ إمَّا بإفاضة الصورة ثانية أو باستردادها من الخزانة).

(٤٨٣)

[210/2] حَدَّثَنَا المُظَفَّرُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ المُظَفَّرِ العَلَوِيُّ السَّمَرْقَنْدِيُّ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَبْرَئِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ البَغْدَادِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيُّ، عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ سَدِيرِ بْنِ حُكَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَقِيصَا، قَالَ: لَـمَّا صَالَحَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليهما السلام) مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَلَامَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَيْعَتِهِ، فَقَالَ (عليه السلام): «وَيْحَكُمْ مَا تَدْرُونَ مَا عَمِلْتُ، وَاللهِ الَّذِي عَمِلْتُ خَيْرٌ لِشِيعَتِي مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ غَرَبَتْ، أَلَا تَعْلَمُونَ أَنَّنِي إِمَامُكُمْ مُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ عَلَيْكُمْ وَأَحَدُ سَيِّدَيْ شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ بِنَصٍّ مِنْ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عَلَيَّ؟»، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ الخَضِرَ (عليه السلام) لَـمَّا خَرَقَ السَّفِينَةَ وَأَقَامَ الجِدَارَ وَقَتَلَ الغُلَامَ كَانَ ذَلِكَ سَخَطاً لِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، إِذْ خَفِيَ عَلَيْهِ وَجْهُ الحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ حِكْمَةً وَصَوَاباً، أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا وَيَقَعُ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ لِطَاغِيَةِ زَمَانِهِ إِلَّا القَائِمُ الَّذِي يُصَلِّي رُوحُ اللهِ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (عليه السلام) خَلْفَهُ، فَإِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) يُخْفِي وِلَادَتَهُ، وَيُغَيِّبُ شَخْصَهُ، لِئَلَّا يَكُونَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ إِذَا خَرَجَ، ذَلِكَ التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِ أَخِي الحُسَيْنِ ابْنِ سَيِّدَةِ الإِمَاءِ، يُطِيلُ اللهُ عُمُرَهُ فِي غَيْبَتِهِ، ثُمَّ يُظْهِرُهُ بِقُدْرَتِهِ فِي صُورَةِ شَابٍّ دُونَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ذَلِكَ لِيُعْلَمَ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»(880).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(880) رواه الخزَّاز (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 224 - 226)، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 229 و230)، وأحمد بن عليٍّ الطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج 2/ ص 9 و10).

(٤٨٤)

[211/1] حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبْدُوسٍ العَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الكَشِّيُّ(881)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَجَّاجِ، عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ الحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليهما السلام): «فِي التَّاسِعِ مِنْ وُلْدِي سُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ، وَسُنَّةٌ مِنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ (عليهما السلام)، وَهُوَ قَائِمُنَا أَهْلَ البَيْتِ، يُصْلِحُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمْرَهُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ»(882).
[212/2] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ المُعَاذِيُّ (رضي الله عنه)(883)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الهَمْدَانِيُّ الكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الفُرَاتِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ هَمْدَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهما السلام) يَقُولُ: «قَائِمُ هَذِهِ الأُمَّةِ هُوَ التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِي، وَهُوَ صَاحِبُ الغَيْبَةِ، وَهُوَ الَّذِي يُقْسَمُ مِيرَاثُهُ وَهُوَ حَيٌّ»(884).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(881) في جميع النُّسَخ: (أبو عمرو الليثي) بتصحيف، والصحيح: (الكشِّي) كما في المتن أخذاً من هامش بعض النُّسَخ المخطوطة المصحَّحة. والكشِّي صاحب رجال المعروف، وهو من غلمان محمّد بن مسعود العيَّاشي.
(882) رواه الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 230).
(883) كذا في بعض النُّسَخ، وفي أكثرها: (المعادي) بالدال المهملة. وفي اللباب لابن الأثير (ج 3/ ص 228): (المعاذي نسبة إلى معاذ يُنسَب إليه جماعة، منهم بيت كبير بخراسان).
(884) رواه الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 230 و231).

(٤٨٧)

[213/3] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ جَعْفَرٍ الهَمَدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ صَالِحٍ الهَرَوِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الجَرَّاحِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلِيطٍ، قَالَ: قَالَ الحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهما السلام): «مِنَّا اثْنَا عَشَرَ مَهْدِيًّا أَوَّلُهُمْ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيُّ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَآخِرُهُمُ التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِي، وَهُوَ الإِمَامُ القَائِمُ بِالحَقِّ، يُحْيِي اللهُ بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها، وَيُظْهِرُ بِهِ دِيْنَ الحَقِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ، لَهُ غَيْبَةٌ يَرْتَدُّ فِيهَا أَقْوَامٌ وَيَثْبُتُ فِيهَا عَلَى الدِّينِ آخَرُونَ، فَيُؤْذَوْنَ، وَيُقَالُ لَهُمْ: ﴿مَتَى هَذَا الوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [يونس: 48]، أَمَا إِنَّ الصَّابِرَ فِي غَيْبَتِهِ عَلَى الأَذَى وَالتَّكْذِيبِ بِمَنْزِلَةِ المُجَاهِدِ بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)»(885).
[214/4] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ القَزْوِينِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الأَحْوَلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَّادٌ المُقْرِئُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ (عليهما السلام) يَقُولُ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) ذَلِكَ اليَوْمَ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي، فَيَمْلَأَهَا عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، كَذَلِكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يَقُولُ»(886).
[215/5] حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى العَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَمْدَانُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عِيسَى الخَشَّابِ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام): أَنْتَ صَاحِبُ هَذَا الأَمْرِ؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنْ صَاحِبُ الأَمْرِ الطَّرِيدُ الشَّرِيدُ المَوْتُورُ بِأَبِيهِ، المُكَنَّى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(885) رواه المصنِّف (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 69/ ح 36)، وابن عيَّاش في مقتضب الأثر (ص 23)، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 194).
(886) رواه الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 231).

(٤٨٨)

بِعَمِّهِ(887)، يَضَعُ سَيْفَهُ عَلَى عَاتِقِهِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ»(888)،(889).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(887) يمكن أنْ يُقرَأ بشدِّ النون على وزان (المثنَّى) ويكون المراد أنَّ التعبير بالكنية دون الاسم لأجل عمِّه، أو يُقرَأ على وزان (المهدي) بمعنى المخفي والمستتر، فالمعنى الغائب بسبب عمِّه. والموتور: من قُتِلَ له قتيل ولم يُدرك بثأره.
(888) سيأتي في حديث محمّد بن عليِّ بن الحسين (عليهم السلام) ما يوافقه.
(889) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 115/ ح 103).

(٤٨٩)

[216/1] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى العَطَّارُ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ الأَشْعَرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ العُصْفُرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الحُسَيْنِ (عليهما السلام) يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ مُحَمَّداً وَعَلِيًّا وَالأَئِمَّةَ الأَحَدَ عَشَرَ مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ أَرْوَاحاً فِي ضِيَاءِ نُورِهِ يَعْبُدُونَهُ قَبْلَ خَلْقِ الخَلْقِ، يُسَبِّحُونَ اللهَ (عزَّ وجلَّ) وَيُقَدِّسُونَهُ، وَهُمُ الأَئِمَّةُ الهَادِيَةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)»(890).
قال مصنِّف هذا الكتاب (رضي الله عنه): قد روي هذا الخبر بغير هذا اللفظ إلَّا أنَّ مسموعي ما قد ذكرته.
[217/2] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ الوَرَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الصُّوفِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ(891) بْنِ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ العَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الحَسَنِيِّ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الكَابُليِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ زَيْنِ العَابِدِينَ (عليهما السلام)، فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِالَّذِينَ فَرَضَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) طَاعَتَهُمْ وَمَوَدَّتَهُمْ، وَأَوْجَبَ عَلَى عِبَادِهِ الِاقْتِدَاءَ بِهِمْ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فَقَالَ لِي: «يَا كَنْكَرُ(892)، إِنَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(890) روى قريباً منه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 530 و531/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 6)،
(891) في بعض النُّسَخ: (عبيد الله)، وهو الروياني الذي تقدَّم في (ص 477).
(892) كنكر لقب لأبي خالد.

(٤٩٣)

أُولِي الأَمْرِ الَّذِينَ جَعَلَهُمُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) أَئِمَّةً لِلنَّاسِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ طَاعَتَهُمْ: أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، ثُمَّ الحَسَنُ ثُمَّ الحُسَيْنُ ابْنَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، ثُمَّ انْتَهَى الأَمْرُ إِلَيْنَا»، ثُمَّ سَكَتَ.
فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، رُوِيَ لَنَا عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ [عَلِيٍّ] (عليه السلام) أَنَّ الأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ لِلهِ (عزَّ وجلَّ) عَلَى عِبَادِهِ، فَمَنِ الحُجَّةُ وَالإِمَامُ بَعْدَكَ؟ قَالَ: «ابْنِي مُحَمَّدٌ، وَاسْمُهُ فِي التَّوْرَاةِ بَاقِرٌ، يَبْقُرُ العِلْمَ بَقْراً، هُوَ الحُجَّةُ وَالإِمَامُ بَعْدِي، وَمِنْ بَعْدِ مُحَمَّدٍ ابْنُهُ جَعْفَرٌ، وَاسْمُهُ عِنْدَ أَهْلِ السَّمَاءِ الصَّادِقُ».
فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، فَكَيْفَ صَارَ اسْمُهُ الصَّادِقَ وَكُلُّكُمْ صَادِقُونَ؟ قَالَ: «حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ (عليهما السلام) أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قَالَ: إِذَا وُلِدَ ابْنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام) فَسَمُّوهُ الصَّادِقَ، فَإِنَّ لِلْخَامِسِ مِنْ وُلْدِهِ وَلَداً اسْمُهُ جَعْفَرٌ يَدَّعِي الإِمَامَةَ اجْتِرَاءً عَلَى اللهِ وَكَذِباً عَلَيْهِ، فَهُوَ عِنْدَ اللهِ جَعْفَرٌ الكَذَّابُ المُفْتَرِي عَلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ)، وَالمُدَّعِي لِـمَا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ، المُخَالِفُ عَلَى أَبِيهِ، وَالحَاسِدُ لِأَخِيهِ، ذَلِكَ الَّذِي يَرُومُ كَشْفَ سَتْرِ اللهِ عِنْدَ غَيْبَةِ وَلِيِّ اللهِ (عزَّ وجلَّ)»، ثُمَّ بَكَى عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عليهما السلام) بُكَاءً شَدِيداً، ثُمَّ قَالَ: «كَأَنِّي بِجَعْفَرٍ الكَذَّابِ وَقَدْ حَمَلَ طَاغِيَةَ زَمَانِهِ عَلَى تَفْتِيشِ أَمْرِ وَلِيِّ اللهِ وَالمُغَيَّبِ فِي حِفْظِ اللهِ وَالتَّوْكِيلِ بِحَرَمِ أَبِيهِ جَهْلاً مِنْهُ بِوِلَادَتِهِ، وَحِرْصاً مِنْهُ عَلَى قَتْلِهِ إِنْ ظَفِرَ بِهِ، [و]طَمَعاً فِي مِيرَاثِهِ حَتَّى يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ».
قَالَ أَبُو خَالِدٍ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، وَإِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ؟ فَقَالَ: «إِي وَرَبِّي إِنَّ ذَلِكَ لَمَكْتُوبٌ عِنْدَنَا فِي الصَّحِيفَةِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ المِحَنِ الَّتِي تَجْرِي عَلَيْنَا بَعْدَ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)».
قَالَ أَبُو خَالِدٍ: فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، ثُمَّ يَكُونُ مَا ذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ تَمْتَدُّ الغَيْبَةُ(893) بِوَلِيِّ اللهِ (عزَّ وجلَّ) الثَّانِي عَشَرَ مِنْ أَوْصِيَاءِ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وَالأَئِمَّةِ بَعْدَهُ. يَا أَبَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(893) في بعض النُّسَخ: (تشتدُّ الغيبة).

(٤٩٤)

خَالِدٍ، إِنَّ أَهْلَ زَمَانِ غَيْبَتِهِ القَائِلِينَ بِإِمَامَتِهِ وَالمُنْتَظِرِينَ لِظُهُورِهِ أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ، لِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعْطَاهُمْ مِنَ العُقُولِ وَالأَفْهَامِ وَالمَعْرِفَةِ مَا صَارَتْ بِهِ الغَيْبَةُ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ المُشَاهَدَةِ، وَجَعَلَهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بِمَنْزِلَةِ المُجَاهِدِينَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بِالسَّيْفِ، أُولَئِكَ المُخْلَصُونَ حَقًّا، وَشِيعَتُنَا صِدْقاً، وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِ اللهِ (عزَّ وجلَّ) سِرًّا وَجَهْراً».
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عليهما السلام): «انْتِظَارُ الفَرَجِ مِنْ أَعْظَمِ الفَرَجِ»(894).
وحدَّثنا بهذا الحديث عليُّ بن أحمد بن موسى ومحمّد بن أحمد الشيباني(895) وعليُّ بن عبد الله الورَّاق، عن محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، عن سهل بن زياد الآدمي، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني (رضي الله عنه)، عن صفوان، عن إبراهيم ابن أبي زياد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي خالد الكابلي، عن عليِّ بن الحسين (عليهما السلام).
قال مصنِّف هذا الكتاب (رضي الله عنه): ذكر زين العابدين (عليه السلام) [ل] جعفر الكذَّاب دلالة في إخباره بما يقع منه.
وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ العَسْكَرِيِّ (عليهما السلام) أَنَّهُ لَمْ يُسَرَّ بِهِ لَـمَّا وُلِدَ وَأَنَّهُ أَخْبَرَنَا بِأَنَّهُ سَيُضِلُّ خَلْقاً كَثِيراً.
كلُّ ذلك دلالة له (عليه السلام) أيضاً، لأنَّه لا دلالة على الإمامة أعظم من الإخبار بما يكون قبل أنْ يكون، كما كان مثل ذلك دلالة لعيسى بن مريم (عليه السلام) على نبوَّته إذ أنبأ الناس بما يأكلون وما يدَّخرون في بيوتهم، وكما كَانَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) حِينَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فِي نَفْسِهِ: مَنْ فَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلْتُ، جِئْتُ فَدَفَعْتُ يَدِي فِي يَدِهِ، إِلَّا كُنْتُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(894) رواه الراوندي (رحمه الله) في قَصص الأنبياء (ص 363 و364/ ح 468)، والطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج 2/ ص 48 - 50).
(895) كذا، والظاهر هو السناني.

(٤٩٥)

أَجْمَعُ عَلَيْهِ الجُمُوعَ مِنَ الأَحَابِيشِ وَكِنَانَةَ، فَكُنْتُ القَاهُ بِهِمْ(896)، فَلَعَلِّي كُنْتُ أَدْفَعُهُ؟ فَنَادَاهُ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) مِنْ خَيْمَتِهِ فَقَالَ: «إِذاً كَانَ اللهُ يُجْزِيكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ». وذلك دلالة له (عليه السلام) كدلالة عيسى بن مريم (عليه السلام). وكلُّ من أخبر من الأئمَّة (عليهم السلام) بمثل ذلك فهي دلالة تدلُّ الناس على أنَّه إمام مفترض الطاعة من الله تبارك وتعالى.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ بْنِ الفُرَاتِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ الهَيْثَمِ المَعْرُوفِ بِابْنِ سَيَابَةَ(897)، قَالَتْ: كُنْتُ فِي دَارِ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ العَسْكَرِيِّ (عليهما السلام) فِي الوَقْتِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ جَعْفَرٌ، فَرَأَيْتُ أَهْلَ الدَّارِ قَدْ سُرُّوا بِهِ، فَصِرْتُ إِلَى أَبِي الحَسَنِ (عليه السلام)، فَلَمْ أَرَهُ مَسْرُوراً بِذَلِكَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، مَا لِي أَرَاكَ غَيْرَ مَسْرُورٍ بِهَذَا المَوْلُودِ؟ فَقَالَ (عليه السلام): «يَهُونُ عَلَيْكِ أَمْرُهُ، فَإِنَّهُ سَيُضِلُّ خَلْقاً كَثِيراً»(898).
[218/3] حَدَّثَنَا الشَّرِيفُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى الكِلَابِيِّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(896) في بعض النُّسَخ: (إلَّا كنت أجمع عليه الأحابيش بركابه فكنت ألقاه بهم). والمراد بالأحابيش قريش، لأنَّهم تحالفوا بالله أنَّهم ليد على غيرهم ما سجا ليل ووضح نهار وما رسا حُبشي. وحُبشي - بضمِّ الحاء وسكون الباء وتشديد الياء التحتيَّة - جبل بأسفل مكَّة على ستَّة أميال منها، فسمُّوا أحابيش قريش باسم الجبل. وقال ابن إسحاق: إنَّ الأحابيش هم بنو الهون بن خزيمة وبنو الحارث بن عبد مناة من كنانة وبنو المصطلق من خزاعة، فلمَّا سُمّيت تلك الأحياء بالأحابيش من قِبَل تجمُّعها صار التحبيش في الكلام: التجميع. وفي بعض النُّسَخ (الزنج) مكان (الجموع).
(897) في بعض النُّسَخ: (ابن سبانة)، وفي بعضها: (ابن النسابة).
(898) ذكر المصنِّف (رحمه الله) هذا الحديث مؤيِّداً لكلامه ولا ربط له بالعنوان.

(٤٩٦)

نَجِيحٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ أَبِيهِ [حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ]، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَيِّدَ العَابِدِينَ عَلِيَّ بْنَ الحُسَيْنِ (عليهما السلام) يَقُولُ: «فِي القَائِمِ مِنَّا سُنَنٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ(899)، [سُنَّةٌ مِنْ أَبِينَا آدَمَ (عليه السلام)، وَ]سُنَّةٌ مِنْ نُوحٍ، وَسُنَّةٌ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، وَسُنَّةٌ مِنْ مُوسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ عِيسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ أَيُّوبَ، وَسُنَّةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ (صلوات الله عليهم)، فَأَمَّا [مِنْ آدَمَ وَ]نُوحٍ فَطُولُ العُمُرِ، وَأَمَّا مِنْ إِبْرَاهِيمَ فَخَفَاءُ الوِلَادَةِ وَاعْتِزَالُ النَّاسِ، وَأَمَّا مِنْ مُوسَى فَالخَوْفُ وَالغَيْبَةُ، وَأَمَّا مِنْ عِيسَى فَاخْتِلَافُ النَّاسِ فِيهِ، وَأَمَّا مِنْ أَيُّوبَ فَالفَرَجُ بَعْدَ البَلْوَى، وَأَمَّا مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فَالخُرُوجُ بِالسَّيْفِ»(900).
[219/4] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَشَّارٍ القَزْوِينِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الفَرَجِ المُظَفَّرُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الكُوفِيُّ الأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى ابْنُ عِمْرَانَ النَّخَعِيُّ، عَنْ عَمِّهِ الحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَيِّدَ العَابِدِينَ عَلِيَّ بْنَ الحُسَيْنِ (عليهما السلام) يَقُولُ: «فِي القَائِمِ سُنَّةٌ مِنْ نُوحٍ، وَهُوَ طُولُ العُمُرِ».
[220/5] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّيْبَانِيُّ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ الكُوفِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَمِّهِ الحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ أَبِيهِ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَيِّدَ العَابِدِينَ عَلِيَّ بْنَ الحُسَيْنِ (عليهما السلام) يَقُولُ: «فِي القَائِمِ سُنَّةٌ مِنْ نُوحٍ، وَهُوَ طُولُ العُمُرِ».
[221/6] وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ سَيِّدُ العَابِدِينَ (عليهما السلام):

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(899) في بعض النُّسَخ: (في القائم منَّا سُنَن من ستَّة أنبياء)، وفي بعضها: (سُنَن من سبعة أنبياء). وما بين المعقوفتين ليس في بعض النُّسَخ.
(900) رواه الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 231).

(٤٩٧)

«القَائِمُ مِنَّا تَخْفَى وِلَادَتُهُ عَلَى النَّاسِ حَتَّى يَقُولُوا: لَمْ يُولَدْ بَعْدُ، لِيَخْرُجَ حِينَ يَخْرُجُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ»(901).
[222/7] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ جَعْفَرٍ الهَمَدَانِيُّ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بِسْطَامِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ سَيِّدُ العَابِدِينَ (عليهما السلام): «مَنْ ثَبَتَ عَلَى مُوَالَاتِنَا(902) فِي غَيْبَةِ قَائِمِنَا أَعْطَاهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) أَجْرَ الفِ شَهِيدٍ مِنْ شُهَدَاءِ بَدْرٍ وَأُحُدٍ»(903).
[223/8] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِصَامٍ الكُلَيْنِيُّ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الكُلَيْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بْنُ العَلَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عَلِيٍّ القَزْوِينِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ الحَنَّاطِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ ثَابِتٍ الثُّمَالِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام) أَنَّهُ قَالَ: «فِينَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿وَأُولُوا الأَرحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ﴾ [الأنفال: 75]، وفِينَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: 28]، والإِمَامَةُ فِي عَقِبِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهما السلام) إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ. وَإِنَّ لِلْقَائِمِ مِنَّا غَيْبَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَطْوَلُ مِنَ الأُخْرَى، أَمَّا الأُولَى فَسِتَّةُ أَيَّامٍ أَوْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ سِتُّ سِنِينَ، وَأَمَّا الأُخْرَى فَيَطُولُ أَمَدُهَا حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ هَذَا الأَمْرِ أَكْثَرُ مَنْ يَقُولُ بِهِ، فَلَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ إِلَّا مَنْ قَوِيَ يَقِينُهُ وَصَحَّتْ مَعْرِفَتُهُ، وَلَمْ يَجِدْ فِي نَفْسِهِ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْنَا، وَسَلَّمَ لَنَا أَهْلَ البَيْتِ»(904).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(901) رواه الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 231).
(902) في بعض النُّسَخ: (على ولايتنا).
(903) رواه الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 231 و232)، والراوندي (رحمه الله) في الدعوات (ص 274/ ح 787).
(904) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 51/ ص 134 و135): (بيان: قوله (عليه السلام): «فستَّة أيَّام» لعلَّه إشارة إلى اختلاف أحواله (عليه السلام) في غيبته، فستَّة أيَّام لم يطَّلع على ولادته إلَّا خاصُّ الخاصِّ من أهاليه (عليه السلام)، ثمّ بعد ستَّة أشهر اطَّلع عليه غيرهم من الخواصِّ، ثمّ بعد ستِّ سنين عند وفاة والده (عليه السلام) ظهر أمره لكثير من الخلق. أو إشارة إلى أنَّه بعد إمامته لم يطَّلع على خبره إلى ستَّة أيَّام أحد، ثمّ بعد ستَّة أشهر انتشر أمره، وبعد ستِّ سنين ظهر وانتشر أمر السفراء. والأظهر أنَّه إشارة إلى بعض الأزمان المختلفة التي قُدِّرت لغيبته، وأنَّه قابل للبداء. ويُؤيِّده ما رواه الكليني بإسناده عن الأصبغ في حديث طويل قد مرَّ بعضه في باب إخبار أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثمّ قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، وكم تكون الحيرة والغيبة؟ فقال: «ستَّة أيَّام، أو ستَّة أشهر، أو ستُّ سنين»، فقلت: وإنَّ هذا لكائن؟ فقال: «نعم، كما أنَّه مخلوق، وأنَّى لك بهذا الأمر يا أصبغ؟ أُولئك خيار هذه الأُمَّة مع خيار أبرار هذه العترة»، فقلت: ثمّ ما يكون بعد ذلك؟ فقال: «ثمّ يفعل الله ما يشاء، فإنَّ له بداءات وإرادات وغايات ونهايات»، فإنَّه يدلُّ على أنَّ هذا الأمر قابل للبداء، والترديد قرينة ذلك، والله يعلم).

(٤٩٨)

[224/9] وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عليهما السلام): «إِنَّ دِينَ اللهِ (عزَّ وجلَّ)(905) لَا يُصَابُ بِالعُقُولِ النَّاقِصَةِ وَالآرَاءِ البَاطِلَةِ وَالمَقَائِيسِ الفَاسِدَةِ، وَلَا يُصَابُ إِلَّا بِالتَّسْلِيمِ، فَمَنْ سَلَّمَ لَنَا سَلِمَ، وَمَنِ اقْتَدَى بِنَا هُدِيَ، وَمَنْ كَانَ يَعْمَلُ بِالقِيَاسِ وَالرَّأْيِ هَلَكَ، وَمَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ شَيْئاً مِمَّا نَقُولُهُ أَوْ نَقْضِي بِهِ حَرَجاً كَفَرَ بِالَّذِي أَنْزَلَ السَّبْعَ المَثَانِيَ والقُرْآنَ العَظِيمَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ».

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(905) يعنى أحكامه وشريعته وفرائضه وسُنَنه لا الأُمور الاعتقاديَّة التي لا يُعرَف إلَّا بالعقول وبإرشادهم (عليهم السلام).

(٤٩٩)

[225/1] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الحُسَيْنِ(906) بْنِ الرَّبِيعِ المَدَائِنِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ(907)، عَنْ أُمِّ هَانِيِّ، قَالَتْ: لَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام)، فَسَالتُهُ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ * الجَوَارِ الكُنَّسِ﴾ [التكوير: 15 و16]، فَقَالَ: «إِمَامٌ يَخْنِسُ فِي زَمَانِهِ عِنْدَ انْقِضَاءٍ مِنْ عِلْمِهِ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، ثُمَّ يَبْدُو كَالشِّهَابِ الوَقَّادِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ(908)، فَإِنْ أَدْرَكْتِ ذَلِكَ قَرَّتْ عَيْنَاكِ»(909)،(910).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(906) في بعض النُّسَخ: (الحسن)، والسند مضطرب، ففي الكافي: أحمد بن الحسن، عن عمر بن يزيد، عن الحسن بن الربيع الهمداني... إلخ.
(907) في بعض النُّسَخ: (أسد بن ثعلبة).
(908) تأويل لا تفسير. والخُنَّس - كرُكَّع - الكواكب كلُّها أو السيَّارة أو النجوم الخمسة. وكُنَّس الظبي يكنس دخل في كناسه وهو مستتره في الشجر، لأنَّه يكنس الرمل حتَّى يصل، جمع كنس وكُنَّس كرُكَّع، والجواري الكنس هي الخُنَّس، لأنَّها تكنس في المغيب كالظباء في الكُنَّس. أو هي كلُّ النجوم، لأنَّها تبدو ليلاً وتخفى نهاراً. أو الملائكة. أو بقر الوحش وظباؤه. (القاموس المحيط: ج 2/ ص 247).
(909) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 119/ ح 113)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 341/ باب في الغيبة/ ح 23)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 159/ ح 116).
(910) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 51/ ص 51 و52): (تفسير: قال البيضاوي: «بالخنَّس» بالكواكب الرواجع من خنس إذا تأخَّر، وهي ما سوى النيِّرين من السيَّارات الجوار. «الكنَّس» أي السيَّارات التي تختفي تحت ضوء الشمس، من كنس الوحش إذا دخل كناسته. انتهى. وأقول: على تأويله على الجمعيَّة إمَّا للتعظيم أو للمبالغة في التأخُّر، أو لشموله لسائر الأئمَّة (عليهم السلام) باعتبار الرجعة، أو لأنَّ ظهوره (عليه السلام) بمنزلة ظهور الجميع. ويحتمل أنْ يكون المراد بها الكواكب، فيكون ذكرها لتشبيه الإمام بها في الغيبة والظهور كما في أكثر البطون. «فإنْ أدركتِ» أي على الفرض البعيد أو في الرجعة. «ذلك» أي ظهوره وتمكُّنه).

(٥٠٣)

[226/2] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هَارُونَ الفَامِيُّ(911) وَعَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ شَاذَوَيْهِ المُؤَدِّبُ وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرُورٍ وَجَعْفَرُ بْنُ الحُسَيْنِ (رضي الله عنهم)، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنِ العَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ القَصَبَانِيِّ.
وَحَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُغِيرَةِ الكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّيَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ العَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ القَصَبَانِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ هِلَالٍ الضَّبِّيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): إِنَّ شِيعَتَكَ بِالعِرَاقِ كَثِيرُونَ، فَوَاللهِ مَا فِي أَهْلِ بَيْتِكَ مِثْلُكَ، فَكَيْفَ لَا تَخْرُجُ؟ فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَطَاءٍ، قَدْ أَمْكَنْتَ الحَشْوَ(912) مِنْ أُذُنَيْكَ، وَاللهِ مَا أَنَا بِصَاحِبِكُمْ»، قُلْتُ: فَمَنْ صَاحِبُنَا؟ قَالَ: «انْظُرُوا مَنْ تَخْفَى عَلَى النَّاسِ وِلَادَتُهُ فَهُوَ صَاحِبُكُمْ»(913)،(914).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(911) الفامي والقاضي متَّحد، ولعلَّه القاضي الفامي، ففي بعض النُّسَخ وبعض الأسانيد: (كتب الفامي)، وفي بعضها: (القاضي).
(912) الحشو: (فضل الكلام).
(913) رواه بسند آخر بتفاوت يسير الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 342/ باب في الغيبة/ ح 26)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 171 و172/ باب 10/ فصل 3/ ح 7)، والحلبي في تقريب المعارف (ص 432).
(914) قال المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 6/ ص 269): (قوله: (ما في أهل بيتك مثلك) أي في العلم والعمل والصلاح والشهرة، والمراد بأهل البيت أولاد فاطمة (عليهم السلام)، وإرادة من انتسب إلى قريش بعيدة).
وقال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 51/ ص 34): (بيان: قال الجوهري: فلان من حشوة بني فلان بالكسر، أي من رُذَّالهم. أقول: أي تسمع كلام أراذل الشيعة وتقبل منهم في توهُّمهم أنَّ لنا أنصاراً كثيرة، وأنَّه لا بدَّ لنا من الخروج، وأنِّي القائم الموعود).

(٥٠٤)

[227/3] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ الصَّيْقَلُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي قَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ [الملك: 30]، فَقَالَ: «هَذِهِ نَزَلَتْ فِي القَائِمِ(915)، يَقُولُ: إِنْ أَصْبَحَ إِمَامُكُمْ غَائِباً عَنْكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيْنَ هُوَ، فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِإِمَامٍ ظَاهِرٍ يَأْتِيكُمْ بِأَخْبَارِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَحَلَالِ اللهِ (جَلَّ وَعَزَّ) وَحَرَامِهِ؟»، ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): «وَاللهِ مَا جَاءَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الآيَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَجِيءَ تَأْوِيلُهَا»(916).
[228/4] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الفُضَيْلِ(917)، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَرْسَلَ مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) إِلَى الجِنِّ وَالإِنْسِ، وَجَعَلَ مِنْ بَعْدِهِ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَصِيًّا، مِنْهُمْ مَنْ مَضَى وَمِنْهُمْ مَنْ بَقِيَ، وَكُلُّ وَصِيٍّ جَرَتْ فِيهِ سُنَّةٌ مِنَ الأَوْصِيَاءِ الَّذِينَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عَلَى سُنَّةِ أَوْصِيَاءِ عِيسَى (عليه السلام)، وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ، وَكَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) عَلَى سُنَّةِ المَسِيحِ»(918)،(919).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(915) في بعض النُّسَخ: (في الإمام).
(916) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 115 و116/ ح 105)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 158/ ح 115) بتفاوت يسير.
(917) في بعض النُّسَخ: (عن محمّد بن الفضل).
(918) رواه المصنِّف (رحمه الله) في الخصال (ص 478/ ح 43)، وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 59/ ح 21)، وابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 134/ ح 146)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 532/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 10)، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 345)، والكراجكي (رحمه الله) في الاستنصار (ص 17)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 141/ ح 105).
(919) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 6/ ص 228 و229): («وكلُّ وصيٍّ» أي من أوصياء محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وقيل: أي من أوصياء الأنبياء أوَّلهم هبة الله وآخرهم القائم (عليهم السلام)، والأوَّل أظهر. «جرت به سُنَّة» أي أُمِرَ بسيرة وطريقة لا يتجاوزها، واختلاف سِيَرهم ظاهر، فإنَّ بعضهم كان مشتغلاً بالعبادة، وبعضهم بنشر العلوم، وبعضهم بقلَّة التقيَّة وبعضهم بكثرتها، وبعضهم قاتل وبعضهم صالح، وقد مرَّت أخبار في أنَّهم لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلَّا بعهد من الله (عزَّ وجلَّ) وأمر منه لا يتجاوزونه، وأنَّه نزل من السماء كتاب مختوم بخواتيم بعددهم، وأنَّ كلًّا منهم يعمل بما تحت خاتمه. «على سُنَّة أوصياء عيسى» أي في العدد فما بعده مفسِّر ومتمِّم له، أو في المظلوميَّة وارتكاب التقيَّة. «على سُنَّة المسيح» أي في افتراق الناس فيه ثلاث فِرَق، فمنهم من قال بأُلوهيَّته، ومنهم من خطَّأه وأكفره، ومنهم من ثبت على الحقِّ وقال بإمامته، أو في زهده وعبادته وخشونة الملبس وجشوبة المطعم).
وقال (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 36/ ح 392): (بيان: كونه (عليه السلام) على سُنَّة المسيح إشارة إلى ما مرَّ من أنَّ الأُمَّة تفترق فيه ثلاث فِرَق، وأمَّا السُّنَن التي جرت في كلٍّ منهم فهنَّ ما اشتهر بواحدة منهنَّ كلٌّ منهم وغلبت عليه بحسب أحوال أهل زمانه، فمنهم من غلبت عليه العبادة، ومنهم من اشتغل بنشر العلوم، إلى غير ذلك).

(٥٠٥)

[229/5] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ المُتَوَكِّلِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَمَّادٍ الأَنْصَارِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ جَمِيعاً، عَنْ أَبِي الجَارُودِ زِيَادِ بْنِ المُنْذِرِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ البَاقِرِ (عليهما السلام)، قَالَ: قَالَ لِي: «يَا أَبَا الجَارُودِ، إِذَا دَارَتِ الفَلَكُ، وَقَالَ النَّاسُ: مَاتَ القَائِمُ أَوْ هَلَكَ، بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟ وَقَالَ الطَّالِبُ: أَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ وَقَدْ بُلِيَتْ عِظَامُهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ فَارْجُوهُ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فَأْتُوهُ وَلَوْ حَبْواً عَلَى الثَّلْجِ(920)»(921).
[230/6] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «فِي صَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ أَرْبَعُ سُنَنٍ مِنْ أَرْبَعَةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(920) الحبو: أنْ يمشي على يديه وركبتيه.
(921) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 156/ باب 10/ فصل 1/ ح 12) بسند آخر، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 232).

(٥٠٦)

أَنْبِيَاءَ (عليهم السلام): سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ عِيسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ، وَسُنَّةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم). فَأَمَّا مِنْ مُوسَى فَخَائِفٌ يَتَرَقَّبُ، وَأَمَّا مِنْ يُوسُفُ فَالحَبْسُ، وَأَمَّا مِنْ عِيسَى فَيُقَالُ: إِنَّهُ مَاتَ، وَلَمْ يَمُتْ، وَأَمَّا مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فَالسَّيْفُ»(922).
حدَّثنا أحمد بن زياد الهمداني (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا عليُّ بن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن عيسى، عن سليمان بن داود، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) بمثل ذلك.
[231/7] وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِصَامٍ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ [الكُلَيْنِيُّ]، قَالَ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بْنُ العَلَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ القَزْوِينِيُّ(923)، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ الحَنَّاطِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الثَّقَفِيِّ الطَّحَّانِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ البَاقِرِ (عليهما السلام) وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنِ القَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صلَّى الله عليه وعليهم)، فَقَالَ لِي مُبْتَدِئاً: «يَا مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمٍ، إِنَّ فِي القَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) شَبَهاً مِنْ خَمْسَةٍ مِنَ الرُّسُلِ: يُونُسَ بْنِ مَتَّى، وَيُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَمُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِم).
فَأَمَّا شَبَهُهُ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَرُجُوعُهُ مِنْ غَيْبَتِهِ وَهُوَ شَابٌّ بَعْدَ كِبَرِ السِّنِّ. وَأَمَّا شَبَهُهُ مِنْ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ (عليهما السلام) فَالغَيْبَةُ مِنْ خَاصَّتِهِ وَعَامَّتِهِ، وَاخْتِفَاؤُهُ مِنْ إِخْوَتِهِ، وَإِشْكَالُ أَمْرِهِ عَلَى أَبِيهِ يَعْقُوبَ (عليه السلام) مَعَ قُرْبِ المَسَافَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ وَأَهْلِهِ وَشِيعَتِهِ. وَأَمَّا شَبَهُهُ مِنْ مُوسَى (عليه السلام) فَدَوَامُ خَوْفِهِ، وَطُولُ غَيْبَتِهِ، وَخَفَاءُ وِلَادَتِهِ، وَتَعَبُ شِيعَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِمَّا لَقُوا مِنَ الأَذَى وَالهَوَانِ إِلَى أَنْ أَذِنَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) فِي ظُهُورِهِ وَنَصْرِهِ وَأَيَّدَهُ عَلَى عَدُوِّهِ. وَأَمَّا شَبَهُهُ مِنْ عِيسَى (عليه السلام) فَاخْتِلَافُ مَنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(922) قد مرَّ تحت الرقم (16/5)، فراجع.
(923) لم أجده، وكذا شيخه.

(٥٠٧)

اخْتَلَفَ فِيهِ حَتَّى قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: مَا وُلِدَ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَاتَ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: قُتِلَ وَصُلِبَ. وَأَمَّا شَبَهُهُ مِنْ جَدِّهِ المُصْطَفَى (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فَخُرُوجُهُ بِالسَّيْفِ(924)، وَقَتْلُهُ أَعْدَاءَ اللهِ وَأَعْدَاءَ رَسُولِهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وَالجَبَّارِينَ وَالطَّوَاغِيتَ، وَأَنَّهُ يُنْصَرُ بِالسَّيْفِ وَالرُّعْبِ، وَأَنَّهُ لَا تُرَدُّ لَهُ رَايَةٌ.
وَإِنَّ مِنْ عَلَامَاتِ خُرُوجِهِ: خُرُوجَ السُّفْيَانِيِّ مِنَ الشَّامِ، وَخُرُوجَ اليَمَانِيِّ [مِنَ اليَمَنِ]، وَصَيْحَةً مِنَ السَّمَاءِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَمُنَادٍ يُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ».
[232/8] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَمُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ ابْنِ أَبِي الخَطَّابِ وَالهَيْثَمُ بْنُ أَبِي مَسْرُوقٍ النَّهْدِيُّ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ السَّرَّادِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ أَقْرَبَ النَّاسِ إِلَى اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَأَعْلَمَهُمْ بِهِ وَأَرْأَفَهُمْ بِالنَّاسِ مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وَالأَئِمَّةُ (عليهم السلام)، فَادْخُلُوا أَيْنَ دَخَلُوا وَفَارِقُوا مَنْ فَارَقُوا - عَنَى بِذَلِكَ حُسَيْناً وَوُلْدَهُ (عليهم السلام) -، فَإِنَّ الحَقَّ فِيهِمْ، وَهُمُ الأَوْصِيَاءُ، وَمِنْهُمُ الأَئِمَّةُ، فَأَيْنَمَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاتَّبِعُوهُمْ، وَإِنْ أَصْبَحْتُمْ يَوْماً لَا تَرَوْنَ مِنْهُمْ أَحَداً فَاسْتَغِيثُوا بِاللهِ (عزَّ وجلَّ)، وَانْظُرُوا السُّنَّةَ الَّتِي كُنْتُمْ عَلَيْهَا وَاتَّبِعُوهَا، وَأَحِبُّوا مَنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ، وَأَبْغِضُوا مَنْ كُنْتُمْ تُبْغِضُونَ، فَمَا أَسْرَعَ مَا يَأْتِيكُمُ الفَرَجُ».
[233/9] حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الخَطَّابِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «مَا أَجَابَ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أَحَدٌ قَبْلَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَخَدِيجَةَ (عليهما السلام)، وَلَقَدْ مَكَثَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(924) في بعض النُّسَخ: (فتجريده السيف).

(٥٠٨)

رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بِمَكَّةَ ثَلَاثَ سِنِينَ مُخْتَفِياً خائِفاً يَتَرَقَّبُ وَيَخَافُ قَوْمَهُ وَالنَّاسَ(925)...»، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة إليه.
[234/10] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ سَمَاعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحَارِثِ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ (عليهما السلام)، قَالَ: «إِذَا قَامَ القَائِمُ (عليه السلام) قَالَ: ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ المُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: 21]»(926).
[235/11] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ الكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ النَّخَعِيُّ، عَنْ عَمِّهِ الحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، [عَنْ أَبِيهِ]، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «فِي صَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ عِيسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ، وَسُنَّةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم). فَأَمَّا مِنْ مُوسَى فَخَائِفٌ يَتَرَقَّبُ، وَأَمَّا مِنْ عِيسَى فَيُقَالُ فِيهِ مَا [قَدْ] قِيلَ فِي عِيسَى، وَأَمَّا مِنْ يُوسُفَ فَالسِّجْنُ وَالغَيْبَةُ، وَأَمَّا مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فَالقِيَامُ بِسِيرَتِهِ وَتَبْيِينُ آثَارِهِ(927)، ثُمَّ يَضَعُ سَيْفَهُ عَلَى عَاتِقِهِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، فَلَا يَزَالُ يَقْتُلُ أَعْدَاءَ اللهِ حَتَّى يَرْضَى اللهُ (عزَّ وجلَّ)»، قُلْتُ: وَكَيْفَ يَعْلَمُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ رَضِيَ؟ قَالَ: «يُلْقِي اللهُ (عزَّ وجلَّ) فِي قَلْبِهِ الرَّحْمَةَ».
[236/12] حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبْدُوسٍ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الكَشِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(925) في مناسبة الحديث بالباب تأمُّل، إلَّا أنْ يقال: ذُكِرَ بمناسبة ما ذُكِرَ في ذيل الحديث السابق: (وانظروا السُّنَّة التي كنتم عليها)، وهذا أيضاً غير وجيه.
(926) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 180/ باب 10/ فصل 4/ ح 12) بسند آخر.
(927) في بعض النُّسَخ: (فالقيام بالسيف وتبيين آثاره).

(٥٠٩)

القُمِّيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الأَزْدِيِّ، عَنْ ضُرَيْسٍ الكُنَاسِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الأَمْرِ فِيهِ سُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ، ابْنُ أَمَةٍ سَوْدَاءَ، يُصْلِحُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) أَمْرَهُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ»(928)،(929).
[237/13] وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَبْرَئِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ وَهْبٍ البَغْدَادِيُّ وَيَعْقُوبُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الحَسَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي خَلَفٍ الزَّامِّ(930)، عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ (عليه السلام): أَخْبِرْنِي عَنْكُمْ، قَالَ: «نَحْنُ بِمَنْزِلَةِ النُّجُومِ إِذَا خَفِيَ نَجْمٌ بَدَا نَجْمٌ، [مِنَّا] أَمْنٌ وَأَمَانٌ وَسِلْمٌ وَإِسْلَامٌ وَفَاتِحٌ وَمِفْتَاحٌ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَى بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ فَلَمْ يُدْرَ أَيٌّ مِنْ أَيٍّ أَظْهَرَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) [لَكُمْ] صَاحِبَكُمْ، فَاحْمَدُوا اللهَ (عزَّ وجلَّ)، وَهُوَ يُخَيَّرُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ»، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأَيَّهُمَا يَخْتَارُ؟ قَالَ: «يَخْتَارُ الصَّعْبَ عَلَى الذَّلُولِ»(931)،(932).
[238/14] وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ نَصْرِ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُهَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ أَخُو أَبِي عَلِيٍّ الكَابُليِّ، عَنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(928) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 166/ باب 10/ فصل 3/ ح 4) بسند آخر.
(929) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص 219): (بيان: قوله (عليه السلام): «ابن أَمَة سوداء» يخالف كثيراً من الأخبار التي وردت في وصف أُمِّه (عليه السلام) ظاهراً، إلَّا أنْ يُحمَل على الأُمِّ بالواسطة أو المربّية).
(930) هو سعد بن أبي خلف الزهري مولاهم الزَّام، ثقة، من أصحاب الكاظم (عليه السلام).
(931) رواه الطبري (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 533 و534/ ح 515/119) بتفاوت يسير.
(932) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 51/ ص 137): (بيان: «لم يُدْرَ أيٌّ من أيٍّ»: لا يُعرَف أيُّهم الإمام، أو لا يتميَّزون في الكمال تميُّزاً بيِّناً، لعدم كون الإمام ظاهراً بينهم. والصعب والذلول إشارة إلى السحابتين اللتين خُيِّر ذو القرنين بينهما، فاختار الذلول، وترك الصعب للقائم (عليه السلام)).

(٥١٠)

القَابُوسِيِّ، عَنْ نَصْرِ بْنِ السِّنْدِيِّ، عَنِ الخَلِيلِ بْنِ عَمْرٍو(933)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ الفَزَارِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أُمِّ هَانِيٍّ الثَّقَفِيَّةِ، قَالَتْ: غَدَوْتُ عَلَى سَيِّدِي مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ البَاقِرِ (عليهما السلام)، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي آيَةٌ فِي كِتَابِ اللهِ (عزَّ وجلَّ) عَرَضَتْ بِقَلْبِي، فَأَقْلَقَتْنِي وَأَسْهَرَتْ لَيْلي، قَالَ: «فَسَلِي يَا أُمَّ هَانِيٍّ»، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا سَيِّدِي، قَوْلُ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ * الجَوَارِ الكُنَّسِ﴾ [التكوير: 15 و16]، قَالَ: «نِعْمَ المَسْأَلَةُ سَألتِينِي يَا أُمَّ هَانِيٍّ، هَذَا مَوْلُودٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ هُوَ المَهْدِيُّ مِنْ هَذِهِ العِتْرَةِ، تَكُونُ لَهُ حَيْرَةٌ وغَيْبَةٌ يَضِلُّ فِيهَا أَقْوَامٌ وَيَهْتَدِي فِيهَا أَقْوَامٌ، فَيَا طُوبَى لَكِ إِنْ أَدْرَكْتِيهِ، وَيَا طُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَهُ».
[239/15] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ الصَّفَّارُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ البَرْقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ المُغِيرَةِ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ(934)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغِيبُ عَنْهُمْ إِمَامُهُمْ، فَيَا طُوبَى لِلثَّابِتِينَ عَلَى أَمْرِنَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، إِنَّ أَدْنَى مَا يَكُونُ لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ أَنْ يُنَادِيَهُمُ البَارِئُ (جلّ جلاله) فَيَقُولَ: عِبَادِي(935) وَإِمَائِي، آمَنْتُمْ بِسِرِّي، وَصَدَّقْتُمْ بِغَيْبِي، فَأَبْشِرُوا بِحُسْنِ الثَّوَابِ مِنِّي، فَأَنْتُمْ عِبَادِي وَإِمَائِي حَقًّا، مِنْكُمْ أَتَقَبَّلُ، وَعَنْكُمْ أَعْفُو، وَلَكُمْ أَغْفِرُ، وَبِكُمْ أَسْقِي عِبَادِيَ الغَيْثَ وَأَدْفَعُ عَنْهُمُ البَلَاءَ، وَلَوْلَاكُمْ لَأَنْزَلْتُ عَلَيْهِمْ عَذَابِي»، قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، فَمَا أَفْضَلُ مَا يَسْتَعْمِلُهُ المُؤْمِنُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ؟ قَالَ: «حِفْظُ اللِّسَانِ وَلُزُومُ البَيْتِ».
[240/16] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِصَامٍ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(933) السند مشتمل على مجاهيل ومهملين.
(934) يعني جابر الجعفي.
(935) في بعض النُّسَخ: (عبيدي).

(٥١١)

يَعْقُوبَ الكُلَيْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بْنُ العَلَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ القَزْوِينِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ الحَنَّاطِ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ مُسْلِمٍ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ البَاقِرَ (عليهما السلام) يَقُولُ: «القَائِمُ مِنَّا مَنْصُورٌ بِالرُّعْبِ، مُؤَيَّدٌ بِالنَّصْرِ، تُطْوَى لَهُ الأَرْضُ، وَتَظْهَرُ لَهُ الكُنُوزُ، يَبْلُغُ سُلْطَانُهُ المَشْرِقَ وَالمَغْرِبَ، وَيُظْهِرُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) بِهِ دَيْنَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ، فَلَا يَبْقَى فِي الأَرْضِ خَرَابٌ إِلَّا قَدْ عُمِرَ، وَيَنْزِلُ رُوحُ اللهِ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (عليه السلام) فَيُصَلِّي خَلْفَهُ»، قَالَ: قُلْتُ(936): يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، مَتَى يَخْرُجُ قَائِمُكُمْ؟ قَالَ: «إِذَا تَشَبَّهَ الرِّجَالُ بِالنِّسَاءِ، وَالنِّسَاءُ بِالرِّجَالِ، وَاكْتَفَى الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ، وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ، وَرَكِبَ ذَوَاتُ الفُرُوجِ السُّرُوجَ، وَقُبِلَتْ شَهَادَاتُ الزُّورِ، وَرُدَّتْ شَهَادَاتُ العُدُولِ، وَاسْتَخَفَّ النَّاسُ بِالدِّمَاءِ، وَارْتِكَابِ الزِّنَاءِ، وَأُكِلَ الرِّبَا، وَاتُّقِيَ الأَشْرَارُ مَخَافَةَ السِنَتِهِمْ، وَخُرُوجُ السُّفْيَانِيِّ مِنَ الشَّامِ، وَاليَمَانِيِّ مِنَ اليَمَنِ، وَخَسْفٌ بِالبَيْدَاءِ، وَقَتْلُ غُلَامٍ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ، اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ النَّفْسُ الزَّكِيَّةُ، وَجَاءَتْ صَيْحَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِأَنَّ الحَقَّ فِيهِ وَفِي شِيعَتِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ خُرُوجُ قَائِمِنَا، فَإِذَا خَرَجَ أَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى الكَعْبَةِ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً، وَأَوَّلُ مَا يَنْطِقُ بِهِ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [هود: 86]، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا بَقِيَّةُ اللهِ فِي أَرْضِهِ وَخَلِيفَتُهُ وَحُجَّتُهُ عَلَيْكُمْ، فَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ مُسَلِّمٌ إِلَّا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بَقِيَّةَ اللهِ فِي أَرْضِهِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ إِلَيْهِ العِقْدُ(937) - وَهُوَ عَشَرَةُ آلَافِ رَجُلٍ - خَرَجَ، فَلَا يَبْقَى فِي الأَرْضِ مَعْبُودٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(936) في بعض النُّسَخ: (خلفه، فقلت).
(937) في بعض النُّسَخ: (فإذا اجتمع له العقد).

(٥١٢)

دُونَ اللهِ (عزَّ وجلَّ) مِنْ صَنَمٍ [وَوَثَنٍ] وَغَيْرِهِ إِلَّا وَقَعَتْ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَ، وَذَلِكَ بَعْدَ غَيْبَةٍ طَوِيلَةٍ، لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يُطِيعُهُ بِالغَيْبِ وَيُؤْمِنُ بِهِ»(938).
[241/17] حَدَّثَنَا المُظَفَّرُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ المُظَفَّرِ العَلَوِيُّ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ، قَالَ: كَتَبْتُ مِنْ كِتَابِ أَحْمَدَ الدَّهَّانِ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِسْمَاعِيلَ السَّرَّاجُ، عَنْ خَيْثَمَةَ الجُعْفِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ المَخْزُومِيُّ(939)، قَالَ: ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ البَاقِرُ (عليهما السلام) سَيْرَ الخُلَفَاءِ الاِثْنَيْ عَشَرَ الرَّاشِدِينَ [صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِم]، فَلَمَّا بَلَغَ آخِرَهُمْ قَالَ: «الثَّانِي عَشَرَ الَّذِي يُصَلِّي عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (عليه السلام) خَلْفَهُ، [عَلَيْكَ] بِسُنَّتِهِ وَالقُرْآنِ الكَرِيمِ(940)».
هذا آخر الجزء الأوَّل(941) من كتاب ([إ]كمال الدِّين و[إ]تمام النعمة في إثبات الغيبة وكشف الحيرة) تصنيف الشيخ الفقيه(942) [الصدوق] أبي جعفر محمّد ابن عليِّ الحسين بن موسى بن بابويه القمِّي (رضي الله عنه).
ويتلوه الجزء الثاني أوَّله باب ما روي عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) من النصِّ على القائم (عليه السلام).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(938) رواه الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 291 و292).
(939) في بعض النُّسَخ: (أبو لبيد المخزومي).
(940) كذا في جميع النُّسَخ المخطوطة عندي، وفي بحار الأنوار (ج 51/ ص 137) أيضاً، إلَّا أنَّ في نسخة ثمينة بدون (عليك)، والحديث كما ترى فيه تقطيع. والضمير في (بسُنَّته) راجع إلى النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) إنْ كانت مع (عليك)، وبدونه راجع إلى الصاحب (عليه السلام) كما هو الظاهر.
(941) في بعض النُّسَخ: (تمَّ الجزء الأوَّل)، وفي بعضها: (نجز الجزء الأوَّل).
(942) في بعض النُّسَخ: (الشيخ العالم الصدوق).

(٥١٣)