أزمة الثقافة المعاصرة والحاجة إلى المنقذ (٢)
الشيخ محسن الأراكي
عرفنا أن العلم أداة خطرة ومهمة جداً، هذه الأداة لو وقعت بيد الإنسان الصالح، فإنه من يرقى بهذا العلم ويرقى العلم به وينفع البشرية، ولو أن هذا الإنسان لم يكن صالحاً ووقعت بيده أداة العلم. فسيكون أخطر شيء على مصير نفسه وعلى مصير غيره، ولا يوجد خطر يهدد البشرية المعاصرة أشد من خطر المجتمعات التي تسلحت بالعلم وهي فاقدة للثقافة الصحيحة.
ومن هنا يأتي دور المنقذ الذي سيحدث تغييراً واضحاً وفاعلاً كما هو معلوم في مثل هذه المجتمعات.
إن المنقذ القائد هو رأس الحركة الإنقاذية، وأنه لابد لهذه القيادة من أن تتسلح ومن أن تتمتع بقاعدة شعبية بشرية تستطيع أن تحقق أهداف هذا القائد تحت ظل قيادته، فلابد قبل ظهور القائد أن توجد مجموعة بشرية ترقى بثقافتها، وترقى بتربيتها إلى الدرجة التي تتأهل فيها لكي تكون قاعدة صالحة للقيادة الصالحة. ولذلك تأتي الآية فتقول: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾.
إذن يجب أن تكون هناك مجموعة صالحة، في مجتمع صالح، هذه المجموعة الصالحة هي التي تحكم هذا المجتمع. هي التي تقوم بتغيير أسس الثقافة البشرية، وأسس المجتمع البشري الفاسد. فلابد إذن للمصلحين ولمن يهتمون بمصير البشرية ولمن يهتمون بمصير الثقافة الإنسانية أن يهيئوا أنفسهم وأن يعدوا المجتمع البشري. وبقيادة صالحة لأن تعيد بناء ثقافة هذا المجتمع، وتعيد بناء هويته وتعيد بناءه من أساسه. فلابد إذن أن نعود إلى ثقافتنا الصحيحة، لكي يتمكن القائد من أن يقود هذه المجموعة الصالحة ذات الثقافة الصالحة لإصلاح مجتمع البشرية كله بتعميم الثقافة الصالحة على مجتمع البشرية.
إذن أولى مسؤوليات الإنسان الصالح في هذا العصر: أن يتسلح بثقافة الصالحات، وهي ثقافة النبيين (عليهم السلام) وثقافة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وثقافة القرآن الكريم، فعلينا باعتبارنا أناس يهمهم مصير مجتمع البشرية ويهمهم مصير الثقافة الإنسانية، أن نستوعب ثقافة القرآن الكريم، وأن نستوعب ثقافة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي ثقافة محيية، ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾.
ويجب أن يكون هنالك إحياء قرآني للإنسان بثقافته، ثقافة تهدي للبشرية حياتها الواقعية وحياتها الإنسانية، وهي ليست حياة الأكل والتمتع فحسب، حياة ذرهم يأكلوا ويتمتعوا، حياة الإحساس والشعور باللذة فقط، بل الحياة الأرقى منها، حياة تتمتع بالأكل واللذة، ولكن لا تقف عند حد الأكل واللذة، بل ترقى منها إلى العدل وإلى الثقافة الصحيحة التي تميز بين الباطل والحق، وتميز بين الخير والشر، وتميز بين الحسن والقبيح، وبين العدل والظلم، فتختار العدل وتترك الظلم، وتختار الصلاح وتنبذ الفساد، وتختار الخير وتُعرض عن الشر.
هذه الثقافة إذا تمتع بها المجتمع يصبح مجتمعاً مؤهلاً لكي يصلح الآخرين، ولذلك نجد الآية الكريمة تقول ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾.