سنّة الوارثة في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)
السيد مرتضى جمال الدين
إنّ الله جلت عظمته أبى إلا أنْ يجري الأمور بأسبابها، فعندما سَنَّ الله حكم المواريث جعلها على أساس القرابة حيث قال تعالى: ﴿وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.
فقد جعلها سنّة كونية، وبذلك فإنّ ما في الآباء ترثه الأبناء، ليست الوراثة المادية من أموال فحسب، بل حتى الوراثة المعنوية، من كفاءات وقابليات ومعنويات، وهذا ما أثبته علم الوراثة والهندسة الوراثية بالذات، ولذلك أنّك تجد التشابه بين السمات الظاهرية بين الأنبياء والأوصياء، وأنّ ذلك جار في ذرية محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقد أشبهوا النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في بعض سماته الظاهرية وكل سماته الأخلاقية من الرفعة والشموخ والعلم والحكمة والحلم والشجاعة والكرم والإباء والصبر والعبادة والخشوع... الخ.
وهذه السنّة جارية في جميع المخلوقات حتى النباتية والحيوانية، وكما أنّها لن تتغير في هذه المخلوقات، كذلك لن تتغير في سلالة الأنبياء.
وبعد هذا فإنك ستعرف فائدة كون الأنبياء والأوصياء من أسرة واحدة، في أنهم يتوارثون الكتاب والعلم والنبوة، فضلاً عن السمات الخَلقية الخُلقية كابرٌ عن كابر، ولكن باختيار رباني وجعل إلهي لا دخل للغير في ذلك مهما كان عظيماً. ولذا فإنّ قانون الوراثة سنّة إلهية وحقيقة قرآنية، وهناك وراثة خاصة هي وراثة العلم والكتاب.
قال تعالى: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾.
فلاشك أن سليمان بن داوود (عليهما السلام) هو وريثه، ولكن لا تقتصر الوراثة على الأمور المادية فحسب، بل ذكرت الآية أنّه (عليه السلام) ورث الفهم والعلم ومن ضمنها علم منطق الطير، حيث ذكرت هذه الآية هذا الوجه وهناك وجوه كثيرة أخرى من الوراثة، وكذلك قال تعالى على لسان نبي الله زكري (عليه السلام): ﴿فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً﴾، وهي واضحة في وراثة النبوة والعلم من آل يعقوب (عليه السلام) تلك السلالة الطاهرة فجاء النداء: ﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً﴾ إلى أن قال: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً﴾ إذن ورث يحيى (عليه السلام) الكتاب والنبوة، وهذا نموذج آخر من وراثة الأنبياء، وعلى هذا فقس.
فهي وراثة العلم والكتاب في سلالة الأنبياء لمن اصطفاهُ الله، قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾.
وهكذا تكون الوراثة باقية إلى خاتم الأنبياء (عليهم السلام) وإلى خاتم الأوصياء المهدي (عجّل الله فرجه) قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾، انظر فائدة الأسرة الواحدة للأنبياء (عليهم السلام) وهي وراثة العلم والكتاب، لذا فإنّ تراث الأنبياء من آدم (عليه السلام) إلى خاتم الأنبياء (صلّى الله عليه وآله وسلم) ثم إلى الأوصياء وصولاً إلى القائم عليه السلام، فهو الوارث الأخير الوحيد لتركة الأنبياء (عليهم السلام)، فانظر بعين الاعتبار الآيات التي تربط بين الوراثة والإمامة لتتفتح لك الأبواب في علم الإمامة، لتكون دلالة واضحة على هذه السنن القرآنية. فقد ورد في الكافي الشريف عن المفضل بن عمر قال:
قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): إنّ سليمان ورث داوود (عليهما السلام) وإنّ محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) ورث سليمان (عليه السلام)، وإنّا ورثنا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) وإنّ عندنا علم التوراة والإنجيل والزبور وتبيان ما في الألواح. قال: قلت: إنّ هذا لهو العلم؟ قال (عليه السلام): ليس هذا هو العلم، إنّ العلم يحدث يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة.
- وعن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: ألواح موسى (عليه السلام) عندنا وعصى موسى عندنا ونحن ورثة النبيين.
- وعن أبي عبد الله (عليه السلام): إنما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل، كانت بنو إسرائيل أيُّ أهل بيت وجد التابوت على بابهم أوتوا النبوة، فمن صار إليه السلاح منا أوتي الإمامة.
وفي هذا الحديث يربط الإمام (عليه السلام) بين ما حصل في أنبياء بني إسرائيل وبين أهل البيت (عليهم السلام) وما هي إلا سنّة إلهية لن تتبدل.
عن أبي العلاء قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ عندي الجفر الأبيض. قال: قلتُ: فأي شيء فيه؟ قال (عليه السلام): زبور داوود وتوراة موسى وإنجيل عيسى وصحف إبراهيم (عليهم السلام)، والحلال والحرام، ومصحف فاطمة (عليها السلام)، ما أزعم إنَّ فيه قرآناً، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد، حتى فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش، وعندي الجفر الأحمر. قال: قلت: وأي شيء في الجفر الأحمر؟ قال (عليه السلام): السلاح، وذلك إنّما يفتح للدم، وصاحب السيف للقتل.. .
والظاهر أنّ الحلال والحرام في الرواية هو الجامعة لأنه في رواية أبي بصير عندما دخل على أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يا أبا محمد وإنّ عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة. قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟
قال (عليه السلام): صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وإملائه من فلق فيه وخط علي بيمينه فيها كل الحلال والحرام وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش.. .
وعن الصادق (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): الأئمة اثنا عشر من أهل بيتي أعطاهم الله فهمي وعلمي وحكمتي وخلقهم من طينتي... .
وهذا يدل على الوراثة المادية والمعنوية، وهناك روايات كثيرة من هذا القبيل تدل على وراثة خاتم الأنبياء لجميع الأنبياء والرسل والعلماء وقد ورّثها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى الأئمة (عليهم السلام) من ذريته، وهي محفوظة عند بقية الله الأعظم والخلف الأكرم صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)، وذلك عندما يخرج (عجّل الله فرجه) فإنّ هذه التركة هي دليل صدقه وسبيل إعجازه وسوف يعرض التوراة على أهل التوراة والإنجيل على أهل الإنجيل ويحاججهم فيؤمن من يؤمن ويكفر من يكفر، وسوف يقرأ القرآن كما أُنزل غضاً طرياً، ويخزى كل كذابٍ مدعٍ لمنصب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) حيث يعجز أنْ يأتي بهذه التركة وهذا العلم.
- إذن عرفنا أنّ الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) أسرة واحدة وأنّهم يتوارثون فيها بينهم تراث الأنبياء (من العلم والقابليات..) وإنها باقية في ذرية نبينا الأكرم محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم).
فإنّ الله سبحانه وتعالى سوف يُوِّرثَ خاتم الأوصياء الحجة بن الحسن المهدي القائم (عجّل الله فرجه) هذه التركة وسوف يجري فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام) ويظهر على يديه معاجزهم.