الاستعداد للقاء الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه)
السيد منير الخباز
وها هنا مقدمتان:
المقدمة الأولى: الغيبة العنوانية والغيبة الشخصية:
يذهب العلماء إلى أن غيبة الإمام هي غيبة العنوان لا غيبة الشخص، فإن غيبة الشخص تعني أن نفس شخص الإمام غير موجود، مثله كمثل عيسى بن مريم (عليه السلام)، فعيسى بن مريم شخصه غائب؛ لأن شخصه قد رُفع إلى حظيرة القدس، فهي غيبة إعجازية وغير طبيعية، أمّا غيبة الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) فهي ليست كذلك، إن غيبة الإمام المنتظر غيبة العنوان وليست غيبة الشخص، أي أن الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) موجود مع الناس، إلّا أنّ شخصه غير معروف، فالإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) يحضر قضايا الناس العامة والخاصة، ولم يغب شخصه، وإنّما الذي غاب هو عنوانه.
إذن غيبة الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) غيبة طبيعية وليست إعجازية.
والإمام المنتظر يحافظ على خفائه حفظاً شخصياً عادياً وطبيعياً، من خلال تغيير الاسم والعنوان والمكان وطرق الاتصال ونوع الارتباط بالبشر، فكلّما مرَّت فترة عليه غيَّر مكانه وعنوانه وطريقة اتصاله، فغيبته غيبة عنوانية طبيعية، فهو يقوم بحفظ نفسه من أعين الظالمين، ولو كانت غيبة الإمام غيبة إعجازية فلا معنى أن ننتظر الإمام ونقول: «اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً، وقائداً وناصراً، ودليلاً وعيناً، حتّى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتعهُ فيها طويلاً»، أي ندعو له بالحفظ، فعيسى (عليه السلام) لا يحتاج إلى أن ندعو له وأن نقول: اللهم احفظ عيسى بن مريم وهو في حظيرة القدس وبين الملائكة. إنما ندعو بالحفظ لمن كانت غيبته غيبة طبيعية عادية، فهو يقوم بحفظ نفسه من الأخطار، وهو الذي يقي جسمه من الأمراض، وهو الذي يقي نفسه من التلف والضياع، لذلك نحن ندعو الله فنقول: «اللهم أصلح عبدك وخليفتك بما أصلحت به أنبياءك ورسلك، وحفه بملائكتك، وأيّده بروح القدس من عندك، واسلكه من بين يديه ومن خلفه رصداً يحفظونه من كل سوء، وأبدله من بعد خوفه أمناً يعبدك لا يشرك بك شيئاً، ولا تجعل لأحد من خلقك على وليك سلطاناً، وائذن له في جهاد عدوّك وعدوّه، واجعلني من أنصاره، إنك على كل شيء قدير»، فالدعاء له بالحفظ شاهد على غيبة العنوان لا غيبة الشخص.
المقدمة الثانية: إمكانية الارتباط بالإمام (عجّل الله فرجه):
إذا كان الإمام حاضراً بيننا وغيبته غيبة عنوان فالاتصال به أمر ممكن وميسور، فقد يتصل أحدنا بالإمام من حيث لا يشعر، وقد يختلط بالإمام ويتحدّث للإمام، والإمام يوصل له بعض الأفكار الصالحة من حيث لا يشعر، وقد يوصل له بعض الأمور التي يهديه بها من حيث لا يشعر، فاتصالنا بالإمام (عجّل الله فرجه) اتصال ميسور وممكن، إنّما نحن نريد أن نعرف العنوان، هل هذا هو الإمام أم غيره، كيف ذلك؟
الإمام يعلّمنا الطريق «ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخّر عنهم اليُمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلّا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل...».
ومحمّد بن عثمان العمري السفير الثاني للإمام (عجّل الله فرجه) يقول: «والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم - يعني الحج - يرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه»، هو موجود بينهم، ولكنهم لا يعرفون أن هذا الشخص هو الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه)، إذن إذا أردت أن تلقى الإمام يعني أن تعرفه باسمه وعنوانه فالطريق واضح «فما يحبسنا عنهم إلّا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم»، وهو التخلص من الذنوب والمعاصي، فإن ذلك الطريق الواضح أمام رؤية الإمام بعنوانه وبشخصه.
وقد يقول الإنسان: ما الغرض من اللقاء؟ وما الذي يترتّب لو التقيت بالإمام؟
الجواب: إن هناك شيء اسمه الهداية الأمرية، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا﴾، أتريد أن تصل إلى الهداية الأمرية، أتريد أن تكون مثل سلمان الفارسي وأبي ذر والمقداد وعمّار وكُميل؟ هؤلاء النخبة حينما التقوا بالأئمّة حصلوا على أعلى مرتبة من الهداية وهي الهداية الأمرية، فأيّ إنسان لا يرغب بهذا الهدف؟ فإذا أردت أن تصل إلى الهداية الأمرية فالطريق إليها هو لقاء الإمام، والطريق إلى لقاء الإمام هو رفض الذنوب والتخلي عنها.
وقد يستغرب أحد الرواية الواردة في تفسير الآية المباركة: قال تعالى: ﴿وَالَّذينَ جاهَدُوا فينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا﴾، بأن معنى هداية السبيل هو سبيل أهل البيت (عليهم السلام).
إن الآية الشريفة اشتملت على تعبير دقيق: ﴿لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا﴾، ولم تقل: (لنهدينهم إلينا)، فأنت إذا قمت بمجاهدة نفسك الأمّارة بالسوء فستصل إلى السبيل إلى الله، ولكن من هو السبيل إلى الله؟
عندما تقرأ في دعاء الندبة: «وكانوا هم السبيل إليك، والمسلك إلى رضوانك...»، فإن السبيل إلى الله هم أهل البيت (عليهم السلام)، والهداية إلى السبيل فرع المجاهدة النفسية، وفرع نبذ الذنوب والمعاصي، وهكذا تصل إلى السبيل.
إذن الأثر الثاني المترتّب على الغيبة هو استعداد الإنسان للقاء الإمام (عجّل الله فرجه)، لا أن ينكر وجود الإمام ويقول: لم يولد الإمام بعد، فهل ألتقي بمن هو لم يولد؟ من ينكر الإمام لا يحصل على هذا الأثر، ومن ينكر وجود الإمام (عجّل الله فرجه) محروم من هذا الأثر، أمّا من يعترف بوجود الإمام وأنه يمكن لقاؤه فطريق لقائه نبذ الذنوب، ومن خلاله يمكن الوصول إلى الهداية الأَمرية.
فالأثر المترتّب على الغيبة هو الاستعداد للقاء الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه).