الرجعة (٧)
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
ذكر بعض الأخوة الأعزاء بمعرض تعليقه، وأثناء حوار حول موضوع الرجعة أنّ هناك أدلّة قرآنية فسرت (الجنّتان المدهامّتان) بالبرزخيتان، وأنّ طول عمر الإمام الحسين (عليه السلام) عندما يرجع بعد ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) سيكون لآلاف السنين، مع نص بعض الروايات الشريفة على أنّ الشخص في زمان الظهور سيولد له ألف مولود من صلبه، ألا يدل ذلك على تبدّل النظام، فكيف تقولون بأنّ النظام في زمان الرجعة لا يتبدل، ثم قال: هل يمكن لك أنْ تعطيني تفسيراً تؤكد فيه أنّ هذه الأمور ليست بخصوصيات للرجعة، وهي لا تدل على تبدل النظام؟
والجواب على ما ذكره الأخ العزيز يأتي بنقطتين:
الأولى منهما: نحن لم نقل إنّ الرجعة ليست لها خصوصيات، بل لها خصوصيات ولكن معها نقول بعدم تبدل النظام نظير ما أنّ للدنيا في بعض الفترات خصوصيات تختلف عنها في فترات أُخرى، مع أنّ الجميع يقال له دنيا، وهو محكوم بقوانين الدنيا، ولا يقال إنّ الدنيا تبدلت وتغيرت قوانينها، فما كان في زمن نوح (عليه السلام) من طول العمر هو في الدنيا، وقصره الآن لا يدل على تبدل قوانين الدنيا، فهي هي وإنْ امتاز مقطع منها بخصوصيات معينة دون مقطع آخر.
ثانياً: إنّ هناك مجموعة من الأدلة الروائية تؤكد على أنّ الرجعة ستكون في الدنيا، ويستفاد منها إنها في أطار الحديث عن كون الرجعة في الدنيا، أي بخصوصيات الدنيا وقوانينها، ومن تلك الأدلّة ما سُئل به أبو جعفر (عليه السلام) كما في (مختصر بصائر الدرجات) ص١٩، حيث أجاب (عليه السلام) في حديث طويل مقصد الحاجة منه (...أنّ من قُتل لابدّ أنْ يرجع إلى الدنيا حتى يذوق الموت).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) يقول: أول من تنشقّ الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي (عليهما السلام). وما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من قوله: ...ما لله آية أعظم منّي فإذا رجعوا إلى الدنيا يعرفهم أعداءهم إذا رأوهم في الدنيا.
وفي (تصحيح اعتقادات الإمامية) للشيخ المفيد (قدس سره) قوله الذي ينص على الرجعة في الدنيا حيث قال: إنّما يرجع إلى الدنيا عند قيام القائم من مَحَضَ الإيمان محضاً أو مَحَضَ الكُفر محضاً فأمّا ما سوى هذين فلا رجوع إليهم إلى يوم المآب.
وفي تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا﴾، يقول أبو عبد الله (عليه السلام): ذلك في الرجعة.
وفي (تفسير علي بن إبراهيم) في تفسير قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً في عَقِبِهِ﴾ قال: يعني فإنهم يرجعون - أي الأئمة (عليهم السلام) - إلى الدنيا.
وفي قصة الملأ من بني إسرائيل الذين قال فيهم القرآن الكريم: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ﴾، ففي تفسيرها أنّ أولئك كانوا سبعين ألف بيت، كان يأتيهم الطاعون فيميت بعضاً منهم ويبقي بعضاً إلى أنْ أجمعوا أمرهم على أنْ يخرجوا بأجمعهم، فما أنْ وصلوا على شط بحر ووضعوا رحالهم ناداهم الله تعالى أنْ موتوا فماتوا بأجمعهم، ثم مر بهم نبي من الأنبياء يقال له ارميا دعا الله بأنْ يحييهم فأحياهم الله تعالى وبقوا إلى أنْ ماتوا بآجالهم في الدنيا.
وقصة الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها فأماته الله ثم بعثه لا تخفى على أحد، وأوضح منها قصة أصحاب الكهف.
وقد روي بأسانيد مختلفة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ورواه الخاص والعام: إنّما كان في الأمم السابقة سيكون في هذه الأمة حذو القذة بالقذة.
وعليه فالرجعات التي وقعت في تلك الأمم بأشكالها وحيثياتها لابدّ أنْ تقع فينا.
فما ذكر من (الجنّتان المدهامّتان) لا يمكن قبوله دليلاً على تبدّل القوانين أبان الرجعة، إذ لو فرض إنهما نفس الجنتين الموعود بهما في القيامة، وانهما ليستا ماديتين لأمكن أنْ نقول إنّهما نظير ما وقع في الدنيا من قضايا ليست بمادية، ولم يتغير النظام، فرجوع الآلاف من الناس إلى الحياة الدنيا بعد الموت لم يحصل معه تغير للنظام كما لم ينقلب النظام ويتغير بنار إبراهيم (عليه السلام) التي صارت برداً وسلاماً، ولم نسمع عن تغيره بعروج النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بدناً وروحاً إلى السماء السابعة، ووقوفه قاب قوسين أو أدنى من ذي الجلال والعلا، كما انه لم يتبدل النظام أو يتغير بخفاء الإمام (عجّل الله فرجه) وطول غيبته وبقائه هذا العمر الطويل بل لم نقل بنقصان أي مهمة أو دور له في حفظ الشريعة المقدسة وأنه بقي إماماً للأمة وقائداً لها ويجب الاعتقاد به وبحياته، وانّه يدير شؤونها.
فالتغيرات التي حصلت في هذه الدُنيا لأُناس كانوا أنبياء أو أئمة أو صلحاء لم تبدّل النظام الدنيوي، وإنْ وصفت بأنها خوارق العادة أو الطبيعة، فكذلك سيكون عالم الرجعة من أنّه خارق للعادات أو الطبيعة لذاك الزمان دون أنْ تكون مغيرة للنظام أو موجبة لإنقلاب الكون، هذا ما يمكن أنْ يقدم جواباً لمن يدّعي أنّ لديه أدلّة تنص على أنّ الرجعة توجب تغيّراً أو تبدّلاً في النظام الدنيوي بشكل كامل ويخرج عن مسمى عالم الدنيا مع تأكيد اعتقادنا بالتغير الطفيف.