النُّعمانيّة: بضم النّون وهي بليدة بين واسط وبغداد
في نصف الطريق، على ضفة دجلة، معدودة من أعمال الزاب
الأعلى. (معجم البلدان:
للحموي٥/ ٢٩٤)
والنعمانية(بالفتح): بليدة بين الحمى والحلب ويُنسب
إليها أبو العلاء أحمد بن عبد الله الضرير (أبو
العلاء المعري) كما في تلخيص الآثار، وأيضاً تطلق على
اسم وادٍ في طريق الطائف.
والنعمان (بالضمّ) اسم لجماعة أعاظم، منهم النعمان بن
المنذر الذي هو من الملوك وإليه ينسب الورد المعروف
بشقائق النعمان. (مقدمة كتاب الغيبة للنعماني، ط١ـ
تبريز)
وفي النعمانية المقدّم ذكرها أولاً ـ أعني هي التي من
أعمال واسط ـ يقع مقامٌ شريفٌ ينسب إلى الإمام المهدي
عليه السلام
فيقال له مقام الإمام المهدي.
موقع المقام:
يقع المقام في منطقة تدعى (أم عكيط) وهو على جادة
الطريق بين النعمانية وواسط (الكوت)، يبعد عن
النعمانية نحو (١٥) كيلومتراً، وعن مدينة الكوت نحو
(٢٢) كيلومتراً، ويقع المقام على يمين الذاهب من
النعمانية الى الكوت، وهو على جادّة الطريق، ويبعد على
الجادّة بنحو ١٠٠٠ م في طريق غير معبّد، ومن الخلف عن
نهر دجلة نحو ١٥٠ متراً، ومنطقة أم عكيط اليوم تابعة
للنعمانية التي هي من أقضية محافظة واسط.
وصف
المقام:
قبل الدخول الى المقام يرى القاصد إليه عدّة قبور من
جهة اليمين اتُّخذت مدفناً لأطفال أهل المنطقة، وعلمت
أخيراً أنّ الناس مُنعوا في الآ٦٥٥٣٣;ا هيكل
بناء لم يتم لحسينية كبيرة.
وقبل الدخول للمقام تجد أيواناً كبيراً جُعل لخدمة
الزائرين فيه عدّة أعمدة، ثم تدخل من باب حديدي للمقام
طوله ٢م وعرضه ٣م ولونه أخضر، يعلوه دعاء (اللهمّ كن
لوليّك...) فعند دخولك تجد رواقاً يحيط بروضته
المقام من جميع الجهات، فمن الجهة الشمالية تجد باباً
للدخول الى الروضة، وعن يمينك محراب دال على جهة القبلة
معمول بالقاشي الأزرق، وعدة ألواح معلّقة ذُكرت فيها
الزيارة ورواية ابن أبي الجواد النعماني المخصوصة بهذا
المقام وزيارة أخرى للإمام المهدي عليه السلام.
وعن اليسار توجد مكتبتان صغيرة وكبيرة من الساج
الأصلي، فيهما عدة مصاحف وكتب متنوعة العلوم من الفقه
والسيرة والتاريخ وما شاكلها.
وهناك لوحة كتب عليها دعاء أهل البيت المعمور
(المشهور).
وفي الرواق الغربي يوجد منبر للوعظ والإرشاد، وفي هذه
الأروقة ٢٢ شباكاً تطل على المساحة الخارجية للمقام، ثم
تدخل الى روضة المقام وهي المكان الأصلي للمقام،
وللروضة هذه أربع فتحات لدخول المقام والخروج منه،
يعلو الروضة قبة كبيرة مساحتها ٨م مربع، وبجوارها
منارتان ارتفاع كل منهما٣٠ متر، ولون القبة من الخارج
أخضر، وهي ذات شبابيك عددها ثمانية، وعرض الروضة ٤١٧
متراً وارتفاعها ٢٧ متراً، ويتوسط الروضة ضريح يُنسب الى
محمد بن القاسم بن علي
بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب
عليه السلام والمشهور بالصوفي.وعرض الضريح ٣م وارتفاعه ٥/ ٢ م وهو من الألمنيوم،
وأعلى الضريح مزين بالزجاج، وعلقت عليه عدّة ألواح كتب
فيها رواية ابن ابي الجواد النعماني، وفي احدها زيارة
لصاحب القبر ونسبه، وفي وسط الضريح قبر يعلو عن الأرض
نصف متر مغطى بقماش أخضر اللون، ويعلو القبر مزهرية، ولسنا
هنا بصدد البحث عن صحة
نسبة القبر الى السيد محمد بن القاسم المذكور، فهذا
يحتاج إلى بحث مستقل وتتبّع واعبٍ قد نوفّق إلى القيام
به إن سمحت الفرصة ونسأ الله في الأجل. .
تاريخ
المقام:
لم يرد للمقام ذكر في التأريخ صريح سوى رواية من أبي
الجواد النعماني المذكورة في كتاب (رياض العلماء) والتي
خلت من التأريخ الصريح، لكن من الممكن معرفة تأريخها من
خلال البحث الرجالي لراوي الحكاية فلنأتِ أولاً على
ذكر الرواية ثم البحث عن تأريخها...
ذكر العالم الفاضل المتبحر النقّاد الآميرزا عبد الله
الإصفهاني الشهير بالأفندي في المجلّد الخامس من كتاب
<رياض العلماء وحياض الفضلاء >في ترجمة الشيخ ابن أبي
الجواد النعماني أنه ممّن رأى القائم عليه السلام في الغيبة
الكبرى وروى عنه عليه السلام، ورأيت
في بعض المواضع نقلاً عن خطّ الشيخ زين الدين علي بن
الحسن بن محمد الخازن الحائري تلميذ الشهيد أنّ ابن أبي الجواد النعماني
رأى مولانا المهدي عليه
السلام فقال له: يا مولاي لك مقام بالنعمانية ومقام
بالحلّة، فأين تكون فيهما؟ فقال له: أكون بالنعمانيّة ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء، ويوم الجمعة
وليلة الجمعة أكون بالحلّة، ولكن أهل الحلة ما يتأدبون
في مقامي، وما من رجل دخل في مقامي بالأدب يتأدب
ويسلّم عليّ وعلى الأئمة وصلّى عليّ وعليهم اثنتي عشرة
مرّة ثم صلّى ركعتين بسورتين، وناجى الله بهما
المناجاة، إلاّ أعطاه الله تعالى ما يسأله، إحداها
المغفرة.
فقلت: يا مولاي علّمني ذلك، فقال: قل: اللهمّ قد أخذ
التأديب منّي حتى مسّني الضرّ وأنت أرحم الراحمين، وإن
كان ما اقترفتُه من الذنوب استحقّ به أضعاف ما أدّبتَني
به، وأنت حليمٌ ذو أناة تعفو عن كثير حتّى يسبق عفوك
ورحمتك عذابك، وكررها عليّ ثلاثاً حتى فهمتها.
ونستفيد من هذا النص عدّة فوائد في إغناء البحث عن المقام وتأريخه.
الفائدة
الأولى:
إن هذه الحكاية نقلها العلامة النوري في كتابه النجم
الثاقب وجنة المأوى ولولا هذا النقل للحكاية من كتاب
(رياض العلماء) لضاعت علينا وذلك بسبب ضياع خمسة
مجلدات من أصل عشرة من كتاب <رياض العلماء > لمؤلفه
الآميرزا عبد الله الأفندي الذي كان حياً سنة ١٠٣٧ هـ
كما صرح بعضهم، وطبع الكتاب حرفياً بسبعة مجلدات سنة
١٤٠١ هـ في قم المقدسة بجهود العلمين السيد محمد
المرعشي النجفي والسيد أحمد الحسيني، ولكن هذه الحكاية
لا توجد
في المطبوع منه، ولعلها موجودة في المجلدات التي ضاعت
علينا.
الفائدة
الثانية:
أنني لم أجد ترجمة في كتب الرجال لابن أبي الجواد
النعماني، واحتمل أن ابن أبي الجواد النعماني هو
المتكلم العالم وقدوة العارفين عبد الواحد بن الصفي النعماني صاحب كتاب< نهج
السداد في شرح الإعتقاد> المذكور في< رياض العلماء>
المطبوع ج٣/ ٢٧٩
في كتابه الذريعة بعد هذا
القول: ويؤيده (أي كلامه) أني رأيت منهُ ناذ كثيراً ما
يرد في كتاب الرجال ذكر الرجل بالكنية و في مكان آخر
بالإسم واللقب، ويعضد هذا الإحتمال قول الأفندي (ولم
أتعين خصوص عصره_أي عبد الواحد_ فلاحظ. وأظن أنه من
تلامذة الشهيد أو تلامذة تلامذته. فلاحظ) وقال الشيخ
أقا بزرك الطهراني سخة (أي كتاب
نهج السداد) عند عباس اقبال في طهران عليها تاريخ
ولادة لعلي بن حماد بن ادريس في١٥شهر رمضان سنة ٨٣١ هـ،
فيظهر أن الكتابة قبل هذا التأريخ والتأليف قبل كتابة
هذه النسخة.
وهذا الإحتمال كله يرد بعدما عرفنا أن ناقل الحكاية هو
زين الدين أبو الحسن علي بن الخازن الحائري المجاز من
قبل الشهيد الأول (ت ٧٨٦هـ.)، وتوفي هذا الشيخ الجليل
المذكور كما جاء في عدة من كتب الرجال والتاريخ سنة
٧٩٣هـ.
ويروي عن هذا الشيخ ابن فهد الحلي في سنة ٧٩١هـ.
وأحتمل أنا أن القبر الذي في المقام لهذا الشيخ لأن
بين الصوفي والصفي يرد التحريف لقرب صورتيهما في
الرسم، ومن خلال معرفة تأريخ ناقل الحكاية المتوفى سنة
٧٩٣ هـ علمنا أن المقام كان موجوداً في القرن الثامن
الهجري وربما قبلهُ، إذ سؤال السائل بقوله <يا مولاي
لك مقام بالنعمانية ومقام بالحلة، فأين تكون فيهما؟
>يدل على أن المقام كان مشيّداً ومشهوراً بين الملأ.
الفائدة
الثالثة:
إستحباب زيارة هذا المقام ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء
تبركاً بوجود الإمام فيه عليه السلام على حدّ قوله صلوات الله عليه،
والذي يستبعد ذلك نقول له قول السيد الأجل ابن طاووس
بما مضمونه< أن الإمام ليس بغائب ولكنه غائب عمن هو
غائبٌ عن الله>.
الفائدة
الرابعة:
ممكن أن يستخرج من هذه الحكاية زيارة مخصوصة
بهذا المقام ومقامهُ صلوات الله عليه بالحلّة، والعمل
بهذه الزيارة والآداب المذكورة فيها نافع لقضاء الحاجة
والمغفرة.ولقد ذكر هذا المقام في عدة كتب أيضاً، ومن الممكن
معرفة تاريخ المقام أيضاً بذكره في تلك الكتب ككتاب
<النجم الثاقب > وكتاب <جنة المأوى> للعلامة النوري
المتوفى سنة ١٣٢٠ هـ وكتاب< ماضي النجف وحاضرها >ج١ ص
٩٦ للشيخ جعفر محبوبة المتوفى سنة (١٣٧٨هـ.)
وقت
زيارة المقام:
للمقام زيارة مخصوصة في كل ليلة ثلاثاء ويومها، وإن
أغلب زائري المقام هم من أهل واسط والمناطق الجنوبية،
كما يزدحم فيه الزائرون في ليلة النصف من شعبان وهي
ليلة ولادة الإمام عليه السلام وزيارة الأربعين في (٢٠صفر) في كل
سنة وليلة العاشر من المحرم، ويعد المقام دار استراحة
للزائرين الذاهبين إلى كربلاء سيراً على الأقدام
والقادمين من البصرة والكوت، ويقام في المقام كل ليلة
جمعة مجلس وعظ وإرشاد، كما تقام فيه صلاة الجمعة، ولقد
حاول نظام صدام البائد طمس هذا الأثر بتسميته بقبر
الصوفي دون إسم مقام الإمام المهدي عليه السلام.
عمارة
المقام الأخيرة :
وكان ابتداء هذه العمارة بتاريخ ١٩٩٨م ولايزال العمل
فيها مستمراً إلى هذه الغاية ،وقد ساهم فيها جماعة من
المؤمنين وأهل الخير ومن ضمنهم العلامة الاديب السيد
حبيب ابن السيد سلمان ابن السيد عبد الرضا الخطيب عالم
النعمانية ومرجع أهلها في الشؤون الدينية والاجتماعية
،وكان المقام والقبة أصغر من ذلك وكان مبنيّاً من الطابوق
والطين واللبن.
سدنة
المقام:
ومن خلال التتبع والسؤال وقفنا على عدة أسماء
لسدنة المقام وسنذكرهم على التتابع.
١ـ شعلان الكيم قبل نحو ١٠٠ سنة.
٢ـ ساجت الصخي القرشي: ت ١٩٧٤ م وبعده ذريته.
٣ـ خضير عبد عوفي الجعيفري: من ١٩٨٥م_ ٢٠٠٠م.
٤ـ سعد محيسن من< ٢٠٠٠_ ٢٠٠٣م>.
٥ـ سكر القريشي ـ ٢٠٠٣م ـ إلى عصرنا الحالي ولقد
أفادنا مشكوراً بعدة معلومات وأخبرنا راوياً عن الخادم
سعد محيسن أنه سمع
من السيد علي الياسري وهو من تلاميذ
السيد محسن الحكيم رحمه الله أن هناك صخرة كان مثبت فيها بيان
عن المقام وإسم المدفون في داخله، وفي زمن الحرب
العالمية وخلال وجود الأنكليز في البلد بقوا مرابطين
في معسكرهم بقرب المقام لمدة ثلاثة أشهر وسرقوا تلك
الصخرة وقد قام بذلك أحد الضباط البريطانيين.
كما أخبرني بهذه الحكاية رجل إسمه حيدر وهو موجود في
المقام نقلاً عن جده خادم المقام ساجت الصخي القريشي.
فائدة
أخيرة:
أحببت إيرادها هنا للباحث عن نسب صاحب القبر وهو السيد
محمد بن القاسم الصوفيّ وعن صحة نسبته إليه
وعقيدته بذكر المصادر المذكور فيها.
١ـ الأعلام ج ٦ لخير الدين الزركلي ص ٣٣٤.
٢ـ بحار الأنوار ج ٣٧ العلامة المجلسي ص ٣٠.
٣ـ تاريخ ابن خلدون ج١ ص ٢٠٠.
٤ـ تاريخ اليعقوبي ج٢ ص ٤٧١.
٥ـ شرح الأخبار ج ٣/ ٣٤٥ للقاضي النعان المغربي.
٦ـ طرائف المقال ج٢ـ السيد علي البروجردي ص ٢٣٤.
٧ـ الكٌليني والكافي للشيخ عبد الرسول الغفاري ص ١٣٨.
تحقيق محمد الحسين الجلالي مط مؤسسة النشر الإسلامي.
٨ـ المجدي في أنساب الطالبين. علي بن محمد العلوي ص
٣٧١.
٩ـ المسائل الجارودية. الشيخ المفيد ص ١١.
تحقيق الشيخ محمد كاظم مدير شانجي مط دار المفيد
بيروت.
حرره في عشرين محرم الحرام سنة ١٤٢٦هـ .
|