الردّ الساطع على ابن كاطع
ما هي الوصيّة التي وصفوها بالمقدَّسة؟
تأليف: الشيخ علي آل محسن
تقديم: مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة المركز:
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
بعد أن كثر الحديث عن المدعو أحمد إسماعيل كاطع وما جاء به من دعاوى وأكاذيب وصلت إلى أكثر من (50) دعوى باطلة ما أنزل الله بها من سلطان رأى مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي عليه السلام ضرورة التصدّي لبيان زيف هذه الدعاوي والردّ عليها ليس من باب أنَّ ما جاء به أُمور علمية تعتمد الدليل العلمي والبرهان المنطقي فأنت لا تجد في طيّات دعاويه غير الزيف والتدليس والكذب والافتراء والانتقاء في الاعتماد على الروايات _ وهذه كتبه وكتب أصحابه خير شاهد على ما نقول _، بل من باب أنَّ الشبهة قد تجد لها مساحة في بعض النفوس الضعيفة أوّلاً فتحتاج إلى بعض التوضيحات وبلورة الأُصول والقيم وبيان الأُسس التي يعتمد عليها المنهج العلمي لدى السير البشري عموماً والطائفة بشكل خاصّ، مضافاً إلى إلقاء الحجَّة على المغترّ به والمتَّبع خطاه لئلَّا يقول أحد: (لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً مُنْذِراً وَأَقَمْتَ لَنا عَلَماً هادِياً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى)(1).
لذا فإنَّ نشر هذا الكرّاس للردّ على ابن كاطع يعتبر حلقة من حلقات التصدّي لأهل البدع والزيغ، مضافاً إلى باقي أنشطة مركز الدراسات في ردّ الشبهات من خلال موقعه في النت وصفحات التواصل الاجتماعي وصحيفة صدى المهدي وغيرها.
نسأله تعالى الثبات على الحقّ (يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك).
مدير المركز
السيّد محمّد القبانچي
رواية كتاب الغيبة:
الرواية التي أسموها برواية الوصيّة(2) رواها شيخ الطائفة الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة)، وهذا نصّها:
أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصري، عن عمّه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيّد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم _ في الليلة التي كانت فيها وفاته _ لعلي عليه السلام: يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة. فأملا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصيَّته حتَّى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي، إنَّه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً، ومن بعدهم اثنا عشر مهديّاً، فأنت يا علي أوّل الاثني عشر إماماً، سمَّاك الله تعالى في سمائه: عليّاً المرتضى، وأمير المؤمنين، والصدّيق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصحُّ هذه الأسماء لأحد غيرك، يا علي أنت وصيّي على أهل بيتي حيّهم وميّتهم، وعلى نسائي، فمن ثبَّتَّها لقيتْني غداً، ومن طلَّقْتَها فأنا بريء منها، لم ترَني ولم أرَها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أُمَّتي من بعدي، فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها إلى ابني الحسن البرّ الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه سيّد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد المستحفَظ من آل محمّد عليهم السلام، فذلك اثنا عشر إماماً، ثمّ يكون من بعده اثنا عشر مهديّاً، (فإذا حضرته الوفاة) فليسلّمها إلى ابنه أوّل المقرَّبين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أوّل المؤمنين)(3).
سند رواية الوصيّة:
هذه الرواية سندها ضعيف، بل مظلم جدَّاً، وأغلب رواتها مجاهيل، لم يرد لهم ذكر في كتب الرجال، لا بمدح ولا بقدح.
وإليك بيان حال بعضهم:
1 _ علي بن سنان الموصلي العَدْل:
وهذا مهمل في كتب الرجال، لم يرد له فيها ذكر، لا بمدح ولا قدح، فيكون مجهول الحال.
ووصفه بالعَدْل لا يدلُّ على التوثيق؛ لأنَّه ربَّما يكون وصفاً لأحد أجداده، فلا يُعلَم أنَّه وصف له، ولو سلَّمنا بأنَّه وصف له فلعلَّ المراد به شيء آخر غير التوثيق.
قال السيّد الخوئي قدس سره في ترجمة الفقيه الدارمي العَدْل:
(لا يبعد أنَّ الرجل من العامّة، وأنَّ كلمة (العدل) من ألقابه، وهذه كلمة تُطلَق على الكُتَّاب في القضاء والحكومات، فيقال: كاتب العدل)(4).
والسيّد الخوئي قدس سره رجَّح من هذا الوصف أنَّه رجل من العامّة، فقال: (إنَّ كلمة (العدل) على ما يظهر من ذكرها في مشايخ الصدوق قدس سره كان يوصف بها بعض علماء العامّة، فلا يبعد أن يكون الرجل من العامّة)(5).
ولو سلَّمنا أنَّ هذا الوصف له وأنَّه يُراد به التوثيق، فلا نعلم من وصفه بهذا الوصف، فلعلَّ الواصف له بذلك لا يُعتمد عليه في جرح ولا تعديل.
2 _ علي بن الحسين:
وهو اسم مشترك، يُعرف بالراوي والمروي عنه، ولم يتَّضح بتتبّع الروايات من يروي عن أحمد بن محمّد بن الخليل، ويروي عنه علي بن سنان الموصلي العدل، وعليه فهو مجهول الحال، لا يُعرَف من هو.
ولا يُتوهَّم أنَّه علي بن الحسين بن بابويه (والد الشيخ الصدوق قدس سره)؛ لأنَّ والد الشيخ الصدوق لا يروي عن أحمد بن محمّد بن الخليل، ولا يروي عنه علي بن سنان الموصلي العدل.
مضافاً إلى أنَّ الشيخ الطوسي قدس سره يروي عن والد الشيخ الصدوق بواسطتين، هما: الشيخ المفيد، الذي يروي عن الشيخ الصدوق محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه.
قال الشيخ الطوسي قدس سره:
(علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي رضي الله عنه، كان فقيهاً جليلاً ثقةً، وله كتب كثيرة...)، إلى أن قال: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته: الشيخ المفيد رحمه الله، والحسين بن عبيد الله، عن أبي جعفر ابن بابويه (الصدوق)، عن أبيه)(6).
وأمَّا الوسائط بين الشيخ الطوسي قدس سره وبين علي بن الحسين المذكور في رواية كتاب (الغيبة) فثلاث، هي: (جماعة، عن الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل)، وهذا يدلُّ على اختلاف الطبقة بين علي بن الحسين المذكور في رواية كتاب (الغيبة) ووالد الشيخ الصدوق قدس سره.
مع أنَّ الشيخ الصدوق قدس سره يروي عن علي بن سنان الموصلي بواسطتين كما ورد ذلك في كتاب (كمال الدين وتمام النعمة)، حيث قال:
(حدَّثنا أبو العبّاس أحمد بن الحسين بن عبد الله بن محمّد بن مهران الآبي العروضي رضي الله عنه بمرو، وقال: حدَّثنا (أبو) الحسين (بن) زيد بن عبد الله البغدادي، قال: حدَّثنا أبو الحسن علي بن سنان الموصلي، قال: حدَّثني أبي، قال: لمَّا قُبِضَ سيّدنا أبو محمّد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليهما وَفَدَ من قم والجبال وفود بالأموال التي كانت تُحمل على الرسم والعادة، ولم يكن عندهم خبر وفاة الحسن عليه السلام، فلمَّا أن وصلوا إلى سُرَّ من رأى سألوا عن سيّدنا الحسن بن علي عليهما السلام، فقيل لهم: إنَّه قد فُقِدَ...)(7).
مضافاً إلى أنَّ الشيخ الصدوق قدس سره يروي عن والده بالمباشرة لا بالواسطة، وهذا يدلُّ على أنَّ علي بن الحسين الذي يروي عنه علي بن سنان الموصلي شخص آخر.
3 _ أحمد بن محمّد بن الخليل:
وهو مهمل في كتب الرجال، لم يذكروه بمدح ولا ذمّ، فلا يُعرَف من هو.
وقد اعترف بذلك ناظم العقيلي _ وهو من المدافعين بشدَّة عن أحمد إسماعيل البصري والمروّجين له _ في كتابه (انتصاراً للوصيّة) حيث قال:
(ولم يبقَ أحد من رواة الوصيّة لم يُعلَم تشيّعه إلَّا أحمد بن محمّد بن الخليل)(8).
قلتُ: مضافاً إلى أنَّه لا يُعلَم تشيّعه فإنَّه لم ينصّ أحد على وثاقته، وهذا كافٍ في إسقاط الرواية من أساسها.
وما زعمه ناظم العقيلي من أنَّه لا ينبغي الشكّ في تشيّعه؛ لشهادة الشيخ الطوسي كما تقدَّم، ولاعتماد علي بن الحسين بن بابويه عليه في الرواية، ولما قاله الشيخ علي النمازي عند ترجمته، حيث قال:
(وقع في طريق الشيخ عن علي بن سنان الموصلي، عن علي بن الحسين، عنه...)، إلى قوله: (وفي هذه الرواية النصّ على الأئمّة الاثني عشر صلوات الله عليهم، وأسمائهم، وفضائلهم، فهي تفيد حسنه وكماله)(9).
مردود بأنَّ الشيخ الطوسي قدس سره لم يشهد بتشيّعه، ولا بتشيّع غيره ممَّن ذُكروا في رواية كتاب (الغيبة)، وإنَّما ذكر هذه الرواية ضمن روايات الخاصّة، والمراد بذلك أنَّها مروية عن الإمام الصادق عليه السلام، حتَّى لو كان بعض رواتها من العامّة، مثل روايات السكوني وحفص بن غياث، ونوح بن درّاج وغيرهم عن أئمّتنا عليهم السلام، فإنَّها معدودة من روايات الخاصّة رغم أنَّ هؤلاء جميعاً من العامّة.
قال الشيخ الطوسي قدس سره:
(فأمَّا إذا كان الراوي مخالفاً في الاعتقاد لأصل المذهب، وروى مع ذلك عن الأئمّة عليهم السلام نُظِرَ فيما يرويه، فإن كان هناك من طُرُق الموثوق بهم ما يخالفه وجب إطراح خبره...)، إلى أن قال: (ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث، وغياث بن كلّوب، ونوح بن درّاج، والسكوني، وغيرهم من العامّة عن أئمّتنا عليهم السلام فيما لم ينكروه، ولم يكن عندهم خلافه)(10).
وأمَّا ما زعمه ناظم العقيلي من اعتماد علي بن الحسين بن بابويه عليه في الرواية، فهو مردود بما بيَّناه من أنَّ الراوي عنه ليس علي بن الحسين بن بابويه، وإنَّما هو رجل مجهول، لا يُعرَف من هو؛ وذلك لاختلاف الطبقة كما بيَّناه فيما تقدَّم.
ولو سلَّمنا أنَّ الراوي عنه هو ابن بابويه فإنَّ ما قاله العقيلي لا يتمّ؛ لأنَّا لم نجد رواية أُخرى رواها علي بن الحسين عن أحمد بن محمّد بن الخليل إلَّا هذه الرواية، وهذا لا يُحقِّق اعتماده عليه في الرواية، مع أنَّا لم نرَ من صرَّح بأنَّ علي بن الحسين بن بابويه لا يروي إلَّا عن ثقة.
وأمَّا ما قاله النمازي فهو رأي ضعيف لا يساعد عليه التحقيق، ولم يدلُّ عليه دليل صحيح، وهو مخالف لما قاله أكثر علماء الطائفة، فلا ندري لِمَ اعتمده ناظم العقيلي وقلَّد فيه النمازي؟! مع أنَّهم يذمّون علم الرجال، ولا يعتمدون أقوال الرجاليين، إلَّا أنَّهم يعتمدون الأقوال الضعيفة إذا كانت توافقهم، ويردّون الأقوال الأُخرى إذا كانت تخالفهم.
4 _ جعفر بن أحمد المصري:
وهو مهمل في كتب الرجال أيضاً، لم نجد له ترجمة، ولم نجد من قال بوثاقته.
نعم قال ابن حجر العسقلاني:
(جعفر بن أحمد بن علي بن بيان بن زيد بن سيابة أبو الفضل الغافقي المصري، ويُعرَف بابن أبي العلاء، قال ابن عدي بعد أن ساق نسبه: كتبت عنه سنة تسع وتسعين، وسنة أربع وثلاثمائة، وأظنّه مات فيها، فحدَّثنا عن أبي صالح وعبد الله بن يوسف الكلاعي، وأبو محمّد الدمشقي التنيسي، وسعيد بن عفير، وجماعة بأحاديث موضوعة كنّا نتَّهمه بوضعها، بل نتيقَّن ذلك، وكان رافضيّاً)(11).
إلَّا أنَّ هذا الكلام لا يدلُّ على وثاقته إن لم يدلّ على ضعفه.
5 _ الحسن بن علي عمّ جعفر بن أحمد المصري:
وهو كسابقيه، مهمل في كتب الرجال، لم يذكروه بمدح ولا قدح، فيكون مجهول الحال.
6 _ والد الحسن بن علي:
وهو علي بن بيان بن زيد بن سيابة المصري، وهو أيضاً مجهول الحال، لم يذكره علماء الرجال بمدح ولا قدح.
والنتيجة:
أنَّ أكثر رواة رواية كتاب (الغيبة) مجاهيل، لا يُعرَفون من هم، ولم تثبت وثاقتهم، فتكون الرواية ساقطة، لا تصلح للاستدلال بها على شيء، فضلاً عن صلاحيتها للاستدلال على إثبات اثني عشر إماماً بعد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام.
أقوال العلماء في رواية الوصيّة:
قال الشيخ المجلسي قدس سره بعد أن ذكر بعض الأخبار الظاهرة في أنَّ بعد الاثني عشر إماماً اثني عشر مهديّاً:
(هذه الأخبار مخالفة للمشهور، وطريق التأويل أحد وجهين:
الأوّل: أن يكون المراد بالاثني عشر مهديّاً: النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الأئمّة سوى القائم عليه السلام، بأن يكون مُلْكهم بعد القائم عليه السلام، وقد سبق أنَّ الحسن بن سليمان أوَّلَها بجميع الأئمّة، وقال برجعة القائم عليه السلام بعد موته، وبه أيضاً يمكن الجمع بين بعض الأخبار المختلفة التي وردت في مدَّة ملكه عليه السلام.
والثاني: أن يكون هؤلاء المهديّون من أوصياء القائم، هادين للخلق في زمن سائر الأئمّة الذين رجعوا؛ لئلَّا يخلو الزمان من حجَّة، وإن كان أوصياء الأنبياء والأئمّة أيضاً حُجَجَاً، والله تعالى يعلم)(12).
وقال الحرّ العاملي قدس سره في (الفوائد الطوسية):
(فائدة 38: حديث الاثني عشر بعد الاثني عشر عليهم السلام: اعلم أنَّه قد ورد هذا المضمون في بعض الأخبار، وهو لا يخلو من غرابة وإشكال، ولم يتعرَّض له أصحابنا إلَّا النادر منهم على ما يحضرني الآن، ولا يمكن اعتقاده جزماً قطعاً؛ لأنَّ ما ورد بذلك لم يصل إلى حدّ اليقين، بل تجويزه احتمالاً على وجه الإمكان مشكل؛ لما يأتي إن شاء الله تعالى من كثرة معارضه. وبالجملة فهو محلّ التوقّف إلى أن يتحقَّق وتظهر قوَّته على معارضه، والذي يحضرني الآن من ذلك أنَّه ورد من طرق:
أحدها: ما رواه الشيخ في كتاب (الغيبة) في جملة الأحاديث التي رواها من طريق المخالفين في النصّ على الأئمّة عليهم السلام، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد البصري، عن عمّه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيّد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي عليه السلام: يا أبا الحسن أحضر دواة وصحيفة. فأملى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصيَّته، حتَّى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي، إنَّه يكون بعدي اثنا عشر إماماً، ومن بعدهم اثنا عشر مهديّاً...) الخ(13).
وقال الشيخ البياضي العاملي قدس سره:
(الرواية بالاثني عشر بعد الاثني عشر شاذّة، ومخالفة للروايات الصحيحة المتواترة الشهيرة بأنَّه ليس بعد القائم دولة، وأنَّه لم يمضِ من الدنيا إلَّا أربعين يوماً فيها الهرج، وعلامة خروج الأموات، وقيام الساعة، على أنَّ البَعْدية في قوله: (من بعدهم) لا تقتضي البعدية الزمانية كما قال تعالى: (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) (الجاثية: 23)، فجاز كونهم في زمان الإمام، وهم نوّابه عليه السلام.
إن قلتَ: قال في الرواية: (فإذا حضرته _ يعني المهدي _ الوفاة فليسلّمها إلى ابنه) ينفي هذا التأويل.
قلتُ: لا يدلُّ هذا على البقاء بعده، يجوز أن يكون لوظيفة الوصيّة؛ لئلَّا يكون ميتة جاهلية، ويجوز أن يبقى بعده من يدعو إلى إمامته، ولا يضرُّ ذلك في حصر الاثني عشر فيه وفي آبائه.
قال المرتضى: لا يُقطع بزوال التكليف عند موته، بل يجوز أن يبقى حصر الاثني عشر فيه، بعد أئمّة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله، ولا يُخرجنا هذا القول عن التسمية بالاثني عشرية؛ لأنَّا كُلِّفنا بأن نعلم إمامتهم، إذ هو موضع الخلاف، وقد بيَّنَّا ذلك بياناً شافياً فيهم، ولا موافق لنا عليهم، فانفردنا بهذا الاسم عن غيرنا من مخالفيهم.
وأنا أقول: هذه الرواية آحادية، توجب ظنَّاً، ومسألة الإمامة علمية، ولأنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إن لم يبيِّن المتأخّرين بجميع أسمائهم، ولا كشف عن صفاتهم مع الحاجة إلى معرفتهم، فيلزم تأخير البيان عن الحاجة، وأيضاً فهذه الزيادة شاذّة لا تعارض الشائعة الذائعة.
إن قلتَ: لا معارضة بينهما؛ لأنَّ غاية الروايات: (يكون بعدي اثنا عشر خليفة)، (الأئمّة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل) ونحوها.
قلتُ: لو أمكن ذلك لزم العبث والتعمية في ذكر الاثني عشر، ولأنَّ في أكثر الروايات: (وتسعة من ولد الحسين)، ويجب حصر المبتدأ في الخبر، ولأنَّهم لم يُذكَروا في التوراة وأشعار قسّ وغيرها، ولا أخبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم برؤيتهم ليلة إسرائه إلى حضرة ربّه، ولمَّا عدَّ الأئمّة الاثني عشر، قال للحسن: (لا تخلو الأرض منهم)، ويعني به زمان التكليف، فلو كان بعدهم أئمّة لخلت الأرض منهم، ويبعد حمل الخلو على أنَّ المقصود به أولادهم؛ لأنَّه من المجاز، ولا ضرورة تحوج إليه)(14).
إذا عرفت ما قاله علماء الطائفة في هذه الرواية ونحوها نقول:
إنَّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام أمروا شيعتهم بالأخذ بما يرويه الأعدل والأفقه والأصدق والأورع في الحديث، ويُؤخذ بالمشهور عنهم عليهم السلام، ويُترك الشاذّ النادر، فقد ورد في مقبولة عمر بن حنظلة عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: (الحُكْم ما حَكَمَ به أعدلهما، وأفقههما، وأصدقهما في الحديث، وأورعهما، ولا يُلتفَت إلى ما يحكم به الآخر). قال: قلت: فإنَّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا، لا يفضل واحد منهما على الآخر. قال: فقال: (يُنظَر إلى ما كان من روايتهم عنَّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك، فيُؤخَذ به من حكمنا، ويُترَك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنَّ المجمع عليه لا ريب فيه)(15).
وروى ابن أبي جمهور، عن زرارة بن أعين، قال: سألت الباقر عليه السلام، فقلت: جُعلت فداك، يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان، فبأيّهما آخذ؟ فقال: (يا زرارة، خُذْ بما اشتهر بين أصحابك، ودَعْ الشاذّ النادر). فقلت: يا سيّدي إنَّهما معاً مشهوران مرويان مأثوران عنكم. فقال عليه السلام: (خُذْ بما يقول أعدلهما عندك، وأوثقهما في نفسك)(16).
ولا شكَّ في أنَّ رواية المهديّين الاثني عشر من أولاد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام رواية شاذّة مخالفة لما تواتر عنهم عليهم السلام من أنَّ الأئمّة اثنا عشر لا يزيدون ولا ينقصون، مضافاً إلى أنَّ هذه الرواية قد رواها المجاهيل الذين لا يُعرَفون، وأمَّا الروايات الحاصرة للأئمّة في اثني عشر فقد رواها الثقات من أصحاب الأئمّة خلفاً عن سلف من غير نكير من أحد، وهذا كلّه يحتّم علينا طرح رواية المهديّين الاثني عشر من ولد الإمام القائم عليه السلام.
روايات الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام:
اشتملت رواية كتاب (الغيبة) على عبارات ينبغي التوقّف عندها، والتعليق عليها:
منها: قوله: (يا علي، إنَّه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً).
وهؤلاء الاثنا عشر إماماً دلَّت عليهم روايات أُخر متواترة مرويّة من طُرُق الشيعة وأهل السُنَّة.
أمَّا ما روي من طريق الشيعة، فمنه:
1 _ ما رواه الكليني والصدوق قدَّس الله أسرارهما بأسانيدهما عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (نحن اثنا عشر إماماً، منهم حسن وحسين، ثمّ الأئمّة من ولد الحسين عليه السلام)(17).
2 _ ما رواه الكليني والصدوق والنعماني قدَّس الله أسرارهم بأسانيدهم عن أبي جعفر الثاني عليه السلام أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لابن عبّاس: (إنَّ ليلة القدر في كلّ سنة، وإنَّه ينزل في تلك الليلة أمر السَّنَة، ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال ابن عبّاس: من هم؟ قال: (أنا وأحد عشر من صلبي أئمّة محدَّثون)(18).
3 _ ما رواه الحرّ العاملي قدس سره عن كتاب الفضل بن شاذان (إثبات الرجعة) بسند صحيح عن أبي شعبة الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن آبائه، عن الإمام الحسن السبط عليه السلام، قال: (سألت جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الأئمّة بعده، فقال: الأئمّة بعدي بِعدد نقباء بني إسرائيل: اثنا عشر، أعطاهم الله علمي وفهمي...)(19).
وستأتي روايات أُخرى غيرها قريباً، فانتظرها.
وأمَّا من طريق أهل السُنَّة، فمنه:
1 _ ما أخرجه البخاري وغيره عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يكون اثنا عشر أميراً)، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنَّه قال: (كلّهم من قريش)(20).
قال البغوي: (هذا حديث متَّفق على صحَّته)(21).
2 _ وأخرج مسلم عن جابر بن سمرة، قال: دخلت مع أبي على النبيّ صلى الله عليه وسلم، فسمعته يقول: (إنَّ هذا الأمر لا ينقضي حتَّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة). قال: ثمّ تكلَّم بكلام خفي عليَّ. قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: (كلّهم من قريش)(22).
3 _ وأخرج مسلم أيضاً بسنده عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً)، ثمّ تكلَّم النبيّ صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت عليَّ، فسألت أبي: ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: (كلّهم من قريش)(23).
4 _ وأخرج مسلم أيضاً عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة)، ثمّ قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: (كلّهم من قريش)(24).
والتعبير باثني عشر إماماً أو خليفةً في كلّ هذه الروايات وغيرها يفيد الحصر؛ لأنَّه لو كان هناك غيرهم لبُيِّن ولو في بعض الروايات، ولَمَا أطبقت جميع الروايات على ذكر هذا العدد المعيَّن، ومع أنَّ الشيعة وأهل السُنَّة اختلفوا في كثير من مسائل الإمامة، وتنازعوا فيها نزاعاً شديداً، إلَّا أنَّهم أجمعوا على أنَّ عدد الخلفاء اثنا عشر، من غير زيادة ولا نقيصة، واختلافهم إنَّما هو في انطباق هذه الأحاديث، هل تنطبق على أئمّة أهل البيت عليهم السلام كما يقول الشيعة، أو تنطبق على غيرهم كما يقول أهل السُنَّة، ولم يقل أحد من هذه الأُمَّة قبل أحمد إسماعيل البصري: (إنَّ الأئمّة أربعة وعشرون)، وكفى هذا دليلاً على بطلان زعمهم.
مع أنَّ حصر الأئمّة في اثني عشر إماماً مع وجود غيرهم بَعْدَهم يستلزم العبث والتعمية كما قال البياضي العاملي رحمه الله، بل يترتَّب عليه إيقاع الناس في الضلال بإيهامهم أنَّ الأئمّة اثنا عشر بينما هم أكثر من ذلك، وهذا لا يصدر عن المعصوم عليه السلام.
ومن تتبَّع الروايات يجد أنَّ هناك روايات كثيرة واضحة الدلالة على حصر الخلفاء أو الأئمّة في اثني عشر إماماً، لا يزيدون ولا ينقصون.
منها: ما رواه الشيخ محمّد بن علي بن بابويه المعروف بالصدوق قدس سره بسند صحيح عن ثابت بن دينار، عن سيّد العابدين علي بن الحسين، عن سيّد الشهداء الحسين بن علي، عن سيّد الأوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الأئمّة من بعدي اثنا عشر، أوَّلهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها)(25).
ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره أيضاً بسند صحيح عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: (قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أخبرني بعدد الأئمّة بعدك. فقال: يا علي، هم اثنا عشر، أوَّلهم أنت، وآخرهم القائم)(26).
وبسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: (منّا اثنا عشر مهديّاً، مضى ستّة، وبقي ستّة، يصنع الله بالسادس ما أحبّ)(27).
وبسنده عن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام: (منّا اثنا عشر مهديّاً، أوَّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو القائم بالحقّ، يُحيي الله تعالى به الأرض بعد موتها، ويُظهر به دين الحقّ على الدين كلّه ولو كره المشركون، له غيبة يرتدُّ فيها قوم، ويثبت على الدين فيها آخرون، فيُؤذَون، فيقال لهم: (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (يونس: 48)، أمَا إنَّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)(28).
وبسنده عن عبد السلام بن صالح الهروي، عن مولانا الإمام علي بن موسى الرضا، عن آبائه عليهم السلام أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في حديث طويل: (فنظرت وأنا بين يدي ربّي جل جلاله إلى ساق العرش، فرأيت اثني عشر نوراً، في كلّ نور سطر أخضر عليه اسم وصيّ من أوصيائي، أوّلهم: علي بن أبي طالب، وآخرهم مهدي أُمَّتي)(29).
وبسنده عن يحيى بن أبي القاسم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الأئمّة بعدي اثنا عشر، أوّلهم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم، هم خلفائي، وأوصيائي، وأوليائي، وحُجَج الله على أُمَّتي بعدي، المقرُّ بهم مؤمن، والمنكر لهم كافر)(30).
وبسنده عن عبد الله بن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا سيّد النبيّين، وعلي بن أبي طالب سيّد الوصيّين، وإنَّ أوصيائي بعدي اثنا عشر، أوّلهم علي بن أبي طالب عليه السلام، وآخرهم القائم)(31).
ولعلَّ من أوضح الروايات الدالّة على انحصار الأئمّة في اثني عشر إماماً ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن سليم بن قيس الهلالي في حديث طويل أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام، قال: (أيّها الناس، أتعلمون أنَّ الله أنزل في كتابه: (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب: 33)، فجمعني وفاطمة وابنيَّ حسناً وحسيناً، ثمّ ألقى علينا كساءً، وقال: اللّهمّ إنَّ هؤلاء أهل بيتي ولحمتي، يؤلمني ما يؤلمهم، ويجرحني ما يجرحهم، فأذهِبْ عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً، فقالت أُمّ سَلَمة: وأنا يا رسول الله؟ فقال: أنت على خير، إنَّما أُنزلت فيَّ، وفي أخي، (وفي ابنتي فاطمة)(32)، وفي ابنيَّ الحسن والحسين، وفي تسعة من ولد ابني الحسين خاصَّة، ليس معنا فيها أحد غيرنا؟)، فقالوا كلّهم: نشهد أنَّ أُمّ سَلَمة حدَّثتنا بذلك، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحدَّثنا كما حدَّثتنا به أُمّ سَلَمة رضي الله عنها...).
إلى أن قال: قال: (أنشدكم الله، أتعلمون أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام خطيباً، لم يخطب بعد ذلك، فقال: يا أيّها الناس، إنّي تاركٌ فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فتمسَّكوا بهما لئلَّا تضلّوا، فإنَّ اللطيف الخبير أخبرني وعهد إليَّ أنَّهما لن يفترقا حتَّى يَرِدا عليَّ الحوض.
فقام عمر بن الخطاب وهو شبه المغضب، فقال: يا رسول الله، أكلّ أهل بيتك؟ قال: لا، ولكن أوصيائي منهم، أوّلهم أخي، ووزيري، ووارثي، وخليفتي في أُمَّتي، ووليّ كلّ مؤمن بعدي، هو أوّلهم، ثمّ ابني الحسن، ثمّ ابني الحسين، ثمّ تسعة من ولد الحسين، واحد بعد واحد حتَّى يَرِدوا عليَّ الحوض، شهداء الله في أرضه، وحُجَجه على خلقه، وخُزّان علمه، ومعادن حكمته، من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم عصى الله عز وجل؟)، فقالوا كلّهم: نشهد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك(33).
وقوله عليه السلام في الفقرة الأُولى: (ليس معنا فيها أحد غيرنا)، وحصر العترة المطهَّرة من الرجس في اثني عشر فقط في الفقرة الثانية يُخرج مَنْ عداهم من المهديّين الذين يدَّعيهم أحمد إسماعيل وغيرهم عن أن يكونوا من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً، كما يُخرجهم عن أن يكونوا من الثقلين اللذين يجب التمسّك بهما.
ومن الروايات الواضحة أيضاً في الدلالة على انحصار الأئمّة في اثني عشر فقط ما رواه الخزّاز القمّي بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليهما السلام، قال: قلت له: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إنَّ قوماً يقولون: إنَّ الله تبارك وتعالى جعل الإمامة في عقب الحسن والحسين! قال: (كذبوا والله، أوَلم يسمعوا الله تعالى ذكره يقول: (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) (الزخرف: 28)؟ فهل جعلها إلَّا في عقب الحسين؟)، ثمّ قال: (يا جابر، إنَّ الأئمّة هم الذين نصَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإمامة، وهم الأئمّة الذين قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لمَّا أُسري بي إلى السماء وجدت أساميهم مكتوبة على ساق العرش بالنور اثنا عشر اسماً، منهم علي، وسبطاه، وعلي، ومحمّد، وجعفر، وموسى، وعلي، ومحمّد، وعلي، والحسن، والحجَّة القائم، فهذه الأئمّة من أهل بيت الصفوة والطهارة، والله ما يدَّعيه أحد غيرنا إلَّا حشره الله تعالى مع إبليس وجنوده)(34).
وقوله عليه السلام: (والله ما يدَّعيه أحد غيرنا إلَّا حشره الله تعالى مع إبليس وجنوده) واضح الدلالة على أنَّ الأئمّة اثنا عشر، وأنَّ كلّ من ادَّعى الإمامة من غير هؤلاء الأئمّة فهو دجّالٌ، ضالٌّ، مضلٌّ.
* * *
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــ
(1) إقبال الأعمال 1: 505.
(2) إنَّما أسموها برواية الوصيّة ليلبّسوا على الناس، ويوهموهم بأنَّها وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة وفاته، وأنا لن أُجاريهم في ذلك، بل سأطلق عليها رواية كتاب (الغيبة)، أو رواية الوصيّة التي رواها الشيخ الطوسي في كتاب (الغيبة).
(3) الغيبة: 150 و151/ ح 111.
(4) معجم رجال الحديث 6: 210/ الرقم 3302.
(5) معجم رجال الحديث 13: 50/ الرقم 8194.
(6) الفهرست: 157/ الرقم (392/19).
(7) كمال الدين: 476/ باب 43/ ح 26.
(8) انتصاراً للوصيّة: 45.
(9) المصدر السابق.
(10) العدَّة في أصول الفقه 1: 149 و150.
(11) لسان الميزان 2: 108/ الرقم 442.
(12) بحار الأنوار 53: 148 و149.
(13) الفوائد الطوسية: 115.
(14) الصراط المستقيم 2: 152 و153.
(15) الكافي 1: 67 و68/ باب اختلاف الحديث/ ح 10.
(16) عوالي اللئالي 4: 133/ ح 229.
(17) الكافي 1: 532/ باب فيما جاء في الاثني عشر.../ ح 16؛ الخصال: 478/ ح 44.
(18) الكافي 1: 533/ باب فيما جاء في الاثني عشر.../ ح 11؛ كمال الدين: 305/ باب 27/ ح 19؛ الغيبة للنعماني 68/ باب 4/ ح 3.
(19) عن إثبات الهداة 2: 233.
(20) صحيح البخاري 8: 127.
(21) شرح السُّنَّة 15: 31.
(22) صحيح مسلم 6: 3.
(23) المصدر السابق.
(24) المصدر السابق.
(25) أمالي الصدوق: 173/ ح (175/11)؛ كمال الدين: 282/ باب 24/ ح 35.
(26) أمالي الصدوق: 728/ ح (998/10).
(27) كمال الدين وتمام النعمة: 338/ باب 33/ ح 13.
(28) كمال الدين وتمام النعمة: 317/ باب 31/ ح 3.
(29) علل الشرائع 1: 6/ باب 7/ ح 1.
(30) عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 61 و62/ ح 28.
(31) عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 66/ ح 31.
(32) هذه الإضافة مذكورة في نفس الرواية في كتاب سليم بن قيس الهلالي: 200.
(33) كمال الدين: 278 و279/ باب 24/ ح 25.
(34) كفاية الأثر: 246 و247.