المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) في الفكر الإسلامي

المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) في الفكر الإسلامي

السيد ثامر هاشم حبيب العميدي
تقديم وتحقيق: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
الطبعة الأولى: 1443هـ

رقم الإصدار: 272

الفهرس

مقدّمة المركز..................3.
مُقَدَّمةُ المؤلِّف..................9.
عالميَّة الاعتقاد بالمهدي (عجَّل الله فرجه)..................10.
تهافت القول بأُسطوريَّة فكرة الظهور..................17.
الفصل الأوَّل: المهدي (عجَّل الله فرجه) في الكتاب والسُّنَّة..................19.
بعض الآيات المُفَسَّرة في المهدي (عجَّل الله فرجه)..................21.
نظرة في أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه)..................28.
أوَّلاً: من أخرج أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه)..................28.
ثانياً: من روى أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) من الصحابة..................33.
ثالثاً: طُرُق أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) في كُتُب السُّنَّة إجمالاً..................36.
رابعاً: صحَّة أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه)..................39.
خامساً: تصريح العلماء بتواتر أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه)..................44.
الفصل الثاني: من هو الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)؟..................51.
أحاديث في نسب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)؟..................54.
المهدي: كناني، قرشي، هاشمي..................54.
حديث المهدي من أولاد عبد المطَّلب..................55.
حديث المهدي من ولد أبي طالب..................56.
أحاديث المهدي من ولد العبَّاس..................57.
أوَّلاً: الأحاديث المجملة في هذا المعنى..................57.
ضعف الأحاديث المجملة مع عدم دلالتها على نسب المهدي (عجَّل الله فرجه)..................58.
ثانياً: الأحاديث المصرِّحة بهذا المعنى..................60.
حديث المهدي من ولد عليٍّ (عليه السلام)..................63.
أحاديث المهدي من أهل البيت (عليهم السلام)..................63.
أحاديث المهدي من العترة (عليهم السلام)..................65.
أحاديث المهدي من ولد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)..................66.
حديث المهدي من ولد فاطمة (عليها السلام)..................68.
حديث المهدي من ولد الإمام الحسن السبط (عليه السلام)..................70.
بطلان الحديث من سبعة وجوه..................71.
الحديث غير معارض لأحاديث: المهدي من ولد الحسين (عليه السلام)..................74.
ما ورد معارضاً لكون المهدي (عجَّل الله فرجه) من أولاد الحسين (عليه السلام)..................75.
أحاديث اسم أبيه اسم أبي (عبد الله)..................76.
حقيقة هذا التعارض، وبيان قيمته العلميَّة..................77.
مؤيِّدات كون المهدي (عجَّل الله فرجه) من ولد الحسين (عليه السلام)..................82.
حديث الثقلين..................82.
حديث: «من مات ولم يعرف إمام زمانه»..................86.
حديث: «إنَّ الأرض لا تخلو من قائم لله بحجَّة»..................87.
أحاديث (الخلفاء اثنا عشر)..................89.
النصُّ على الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) يُوضِّح المراد بالخلفاء الاثني عشر..................93.
المهدي (عجَّل الله فرجه) من أولاد الحسين، وأنَّه التاسع من ولده (عليهم السلام)..................102.
المهدي هو محمّد بن الحسن العسكري (عليهما السلام)..................105.
ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)..................115.
إخبار الإمام العسكري بولادة ابنه المهدي (عليهما السلام)..................117.
شهادة القابلة بولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)..................118.
من شهد برؤية المهدي من أصحاب الأئمَّة (عليهم السلام) وغيرهم..................118.
شهادة وكلاء المهدي ومن وقف على معجزاته (عجَّل الله فرجه) برؤيته..................133.
شهادة الخدم والجواري والإماء برؤية المهدي (عجَّل الله فرجه)..................134.
تصرُّف السلطة دليل على ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)..................135.
اعترافات علماء الأنساب بولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)..................138.
اعتراف علماء أهل السُّنَّة بولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)..................141.
اعتراف أهل السُّنَّة بأنَّ المهدي هو ابن العسكري (عليهما السلام)..................146.
الفصل الثالث: شُبُهات حول المهدي (عجَّل الله فرجه)..................153.
التذرُّع بخلوِّ الصحيحين من أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه)..................155.
أحاديث الصحيحين المفسَّرة في المهدي (عجَّل الله فرجه)..................158.
1 - أحاديث خروج الدجَّال في الصحيحين..................158.
2 - أحاديث نزول عيسى (عليه السلام) في الصحيحين..................159.
3 - أحاديث من يحثي المال في (صحيح مسلم)..................161.
4 - أحاديث خسف البيداء في (صحيح مسلم)..................162.
التذرُّع بتضعيفات ابن خلدون لأحاديث المهدي..................164.
حقيقة تضعيفات ابن خلدون..................164.
تضعيفات ابن خلدون بلغة الأرقام..................168.
حصر المهدي بعيسى بن مريم (عليهما السلام)..................170.
التذرُّع بدعاوى المهدويَّة السابقة..................174.
الفصل الرابع: المهدي ومنطق العقل والعلم..................179.
السؤال الأوَّل: كيف كان إماماً وهو في الخامسة من عمره؟..................182.
السؤال الثاني: طول العمر..................187.
السؤال الثالث: لماذا هذه الغيبة الطويلة؟..................194.
السؤال الرابع: كيف الاستفادة من الإمام الغائب؟..................195.
المصادر والمراجع..................201.

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المركز:
إنكار الحقائق والواضحات قد لا يكون مجرَّد فكرة طارئة تمرُّ على ذهن بعض الناس في بعض الأوقات، وإنَّما هو منهج تفكير تمَّ تشخيصه منذ القِدَم يقوم على المحاججة والجدال، نعم قد يبدو في سطحه الظاهر متوافقاً مع قواعد الاستدلال والتفكير السليم، ولكنَّه في العمق قد يُعبِّر عن نزعة ذاتيَّة تبحث عن الإثارة أكثر ممَّا هي تعبير عن فكرة يسندها التحقيق أو الواقع، وبطبيعة الحال لم يغادر هذا المنهج فكرة أو عقيدة مهما بلغت من الوضوح والحضور إلَّا واستطال عليها بالتشكيك والتوهين بدءاً من أوَّليَّات اليقين، ثمّ لا ينتهي عند غاية أو حدٍّ معيَّن من تفاصيل المعرفة.
ولأنَّنا لسنا في وارد البحث عن الأسباب والبواعث لهذه الظاهرة لخروجها عن موضوع الكلام، ولكن من المؤكَّد أنَّ هناك إشكاليَّة منهجيَّة عند البعض في التعاطي السلبي مع الثوابت والحقائق مهما ابتعدت عن الغموض والالتباس، سواء كانت تلك الحقائق من المحسوسات الخارجيَّة أو الغيبيَّات الماورائيَّة، ومع أنَّ علم السلوك البشري المتداول في عالمنا اليوم اعتنى بالظاهرة الأُولى من الإنكار بالدراسة والبحث إلَّا أنَّه لم يهتمّ كثيراً بالظاهرة الثانية ولم يُعطِها حقَّها من الاستقصاء والتأمُّل، وكأنَّه افترض أنَّ هذه الدائرة من الإنكار لا تُشكِّل شذوذاً أو جنوحاً عن الاستقامة، وهو الأمر الذي يرفضه القرآن

(٣)

الكريم ويُصرِّح بخلافه، يقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ﴾ (غافر: 56)، ولا يخفى أنَّ حصر السبب وإرجاع الداعي إلى الكِبر دون غيره يُؤشِّر بوضوح إلى النزعة النفسيَّة والبُعد الشخصي في تبنِّي هذا الموقف تجاه الأشياء.
والعقيدة المهدويَّة ومعالم القضيَّة المهدويَّة لم تكن استثناءً عن تلك العقائد الغيبيَّة التي وقعت محلّاً للتشكيك تارةً أو التأويل المزيَّف تارةً أُخرى على طول امتداداها الزمني، فقد أخذت حظَّها من الطعن والتشويه في الماضي والحاضر، كذلك فحركة التزييف والتلاعب لم تقتصر على حقائق التاريخ الكبرى، بل تعدَّاها إلى حقائق المستقبل أيضاً، وهذا هو المتوقَّع ضرورة أنَّ الماضي حينما يفسد وينحرف لا بدَّ للمستقبل أنْ يدفع ضريبة ذلك وبأشكال مختلفة، وعندها فقط لا نستغرب أنْ تكون حقيقة الإمام المهدي المنتظَر (عجَّل الله فرجه) من أكثر القضايا التي تعرَّضت لتلك التراكمات الخاطئة والتي تكاثرت نتيجة ذلك الواقع، فأصبحت بين من يحاول إنكارها من أصلها، وبين من يحاول حرفها عن مصداقها ومسارها الثابت في رواية النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحديثه المتواتر، فها هو التاريخ يُحدِّثنا عن بواكير هذه المجادلة وهذا التحريف في عصر الخلافة الأُمويَّة وبالتحديد على يد معاوية بن أبي سفيان لتطبيق فكرة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) على عيسى بن مريم بغية إبعادها عن الواقع الإسلامي والقضاء على جذوتها الإيمانيَّة وفاعليَّتها الرساليَّة المرتبطة بنبيِّ هذا الدِّين محمّد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقد سجَّل المؤرِّخون قوله لبعض بني هاشم: (وقد زعمتم أنَّ لكم ملكاً هاشميًّا، ومهديًّا قائماً، والمهدي عيسى بن مريم، وهذا الأمر في أيدينا حتَّى نُسلِّمه إليه)(1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الملاحم والفتن لابن طاوس (ص 238/ ح 345).

(٤)

ولا يخفى ما في هذا الكلام من محاولة، والتي هي الأولى بحسب علمنا تسعى لقتل الفكرة المهدويَّة وجعلها من خصائص الدِّين المسيحي بعيداً عن الإسلام الذي ارتضاه الله تعالى أنْ يكون المعبِّر عن إرادة السماء وقرارها الحتمي في مصير البشر، وهو مع ذلك يحاول تسخيرها لصالح الملك الأُموي ثمّ ليسلب الخلافة عن أهل البيت (عليهم السلام) على امتداد التاريخ والمستقبل أيضاً.
وبنفس هذا المقدار من التجنِّي على الحقيقة، بل وأكثر منه محاولات الخلافة العبَّاسيَّة أيضاً، وسعيها لشرعنة خلافتها باستغلال هذه العقيدة وتحريف شجرة نسبها من خصوص الطالبيِّين إلى بني العبَّاس، فضلاً عمَّا لاقته في عهدهم من التحريف الكبير في النصوص والأحاديث، سواء فيما يرتبط بشخصيَّة المهدي المنتظَر أو حتَّى في استثمار تفاصيل علاماته وأمارات ظهوره، حتَّى انطلت حيلتهم تلك على الكثير من عوامِّ الناس والبسطاء، ولأجل ذلك نفهم ما ورد في حديث الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله: «وَإِنْ كَانَ مَكَرُ بَنِي اَلْعَبَّاسِ بِالْقَائِمِ لِتَزُولَ مِنْهُ قُلُوبُ اَلرِّجَالِ»(2)، أو ما ورد عن الإمام الكاظم (عليه السلام) في توصيفه الموجز لملك بني العبَّاس بأنَّه ملك «مَكْر وَخُدَاع»(3).
ولم تنتهِ حركة التآمر والتشكيك بالقضيَّة المهدويَّة عند هذا الحدِّ، بل اتَّخذت أشكالاً متعدِّدة وصوراً مختلفة، ونحن وإنْ لم نكن بصدد تتبُّع حلقاتها ومراحلها التاريخيَّة، ولكن الذي يمكن رصده بوضوح أنَّ منعطفاً جديداً بعد الخلافة العبَّاسيَّة أخذ يتعاطى مع هذه العقيدة يقوم على الإنكار والتكذيب، وهو الأمر الذي لم يكن حاصلاً من ذي قبل، فكان من أبرز هذه المحاولات المكشوفة والشاذَّة هو الطعن بأحاديثها وأخبارها الثابتة عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والرواة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 235/ ح 50).
(3) الغيبة للنعماني (ص 314/ باب 18/ ح 9).

(٥)

من أصحابه، فكان ابن خلدون في طليعة الأقلام التي فتحت الباب في ذلك، ثمّ تبعه كُتَّاب آخرون تقليداً واتِّباعاً على غير بصيرة من الأمر.
ومع أنَّ هذه المحاولة أُريد لها أنْ تتَّسم بطابع البحث والتحقيق بدعوى ضعف أسانيد تلك الأحاديث أو جرح رواتها إلَّا أنَّ كلَّ ذلك يدلُّ على خلل كبير في فهم أُصول العلم والرواية، لوضوح أنَّ القضيَّة المهدويَّة وثبوتها في الإسلام قد تجاوز أخبار الآحاد، وارتقت بفضل نقولات الأحاديث إلى مصافِّ القضايا اليقينيَّة، لما تُوفِّر لها من عديد الأخبار والأحاديث المتواترة، والتي كان يجهل ابن خلدون الواضحات منها، كما شخَّص ذلك ابن حجر العسقلاني بقوله فيه: (ولم يكن مطَّلعاً على الأخبار على جليَّتها لاسيّما أخبار المشرق، وهو بيِّن لمن نظر في كلامه)(4).
وهذا المقدار من الإيجاز والتشخيص والذي يحكي حقيقة المستوى العلمي لابن خلدون في الحديث والرواية كان كافياً لعدم متابعته وتقليده سواداً على بياض لا لشيء إلَّا لكونه عالماً مختصًّا بعلم الاجتماع ومستوعباً لفنونه وتطبيقاته، وما أجمل ما أجاب به الإمام الصادق (عليه السلام) حينما سُئِلَ عن إمكانيَّة أنْ يكون العالم جاهلاً، فقال: «نَعَمْ، عَالِمٌ بِمَا يَعْلَمُ وَجَاهِلٌ بِمَا يَجْهَلُ»(5).
ولكن مع ذلك نجد الإصرار من قِبَل البعض ولا زالوا ينهجون ذات النهج وذات السبيل وإنِ اتَّخذوا من (حرّيَّة الرأي) أو (البحث العلمي) أو (نقد الفكر الشيعي) طريقاً جديداً يعتقدون أنَّه يُعطيهم الحقَّ والذريعة لإنكار هذه العقيدة أو التشويش عليها.
وبطبيعة الحال لم يكن لأهل التخصُّص والتحقيق وذوي البحث والدراية أنْ يستغنوا بثبات العقيدة المهدويَّة وعمق برهانها من أنْ يُوظِّفوا أقلامهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(4) إنباء الغمر بأبناء العمر (ج 2/ ص 340).
(5) الاحتجاج (ج 2/ ص 96).

(٦)

وجهودهم العلميَّة للدفاع عنها والاحتجاج عليها بما يزيل عنها ما علق بها من أوهام وظنون وتأويلات فاسدة سواء في الماضي أو الحاضر، ومن جملة هؤلاء الأفذاذ والكُتَّاب المرموقين الأُستاذ والباحث الكبير الدكتور ثامر العميدي (حفظه الله)، والذي قدَّم بكتابه هذا المعنون (المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) في الفكر الإسلامي) جهداً كبيراً أبان فيه بدراسة مستفيضة ما هو واقع عمَّا أُلصق به من تقوُّلات وأفكار سقيمة، ونقد ما افتراه البعض في ذلك الطريق، واكتسح الأشواك المطروحة في هذا المقام.
ولأهمّيَّة الكتاب فقد تمَّت ترجمته إلى ستّ لغات، وهي: الإندونيسيَّة، ولغة الهوسا الإفريقيَّة، واللغة الكرديَّة، ولغة الأوردو، واللغة الإنكليزيَّة، كما أنَّ هنالك ترجمتين له بالفارسيَّة، وأخيراً فقد نال الكتاب في سنة (1422هـ) جائزة (كتاب الثقافة المهدويَّة للسنوات العشر السابقة في الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة).
ولذلك فقد ارتأى مركز الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وهو المعنيُّ بنشر الثقافة المهدويَّة والدفاع عنها أنْ يقوم بتقديم هذا الجهد المبارك للقُرَّاء الكرام بطباعته مرَّةً أُخرى بعد أخذ الإذن من المؤلِّف الكبير.
آملين منهم الاستفادة منه والانتفاع به، سائلين المولى تعالى أنْ يجزي مؤلِّفه عن المؤمنين كلَّ خير وإحسان، إنَّه سميع مجيب.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أنْ يُعجِّل في فرج سيِّدنا ومولانا صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه)، ويجعلنا من أنصاره وأعوانه، وأنْ يتقبَّله منَّا بقبولٍ حسنٍ.

مركز الدراسات التخصُّصيَّة
في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)

(٧)

بسم الله الرحمن الرحيم

مُقَدَّمةُ المؤلِّف:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطيِّبين الطاهرين، وصحبه المخلصين، ومن اتَّبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
وبعد..
اعتقد المسلمون منذ فجر الرسالة الإسلاميَّة وإلى اليوم بصحَّة ما بشَّر به النبيُّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من ظهور رجل من أهل بيته (عليهم السلام) في آخر الزمان - يُسمَّى المهدي - يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً.
وعلى ذلك كان ترقُّب المؤمنين وانتظارهم مهدي أهل البيت قرناً فقرناً، ولم يشذّ عنهم إلَّا شرذمة قليلة من دعاة التجديد والتحضُّر، نتيجةً لتأثُّرهم بالدراسات والبحوث الاستشراقيَّة غير الموضوعيَّة من أمثال ما كتبه فان فلوتن، ودونالدسن، وجولدزيهر، وغيرهم من المستشرقين الذين حاولوا - بتطرُّفهم المعهود في التحليل والاستنتاج بخصوص ما يتَّصل بعقائد المسلمين - إنكار ظهور المهدي (عجَّل الله فرجه) في آخر الزمان.
وقد يكون بعض من اغترَّ بمناهجهم حَسَن النيَّة في الدعوة إلى التجديد في فهم القضايا الإسلاميَّة ومحاولة إبراز توافقها وانسجامها مع المفاهيم الحضاريَّة التي فرضتها المدنيَّة المعاصرة، فرأى أنَّ في إنكار فكرة ظهور المهدي (عجَّل الله فرجه) ردًّا حاسماً على الدعوات الصليبيَّة - المقنَّعة بقناع الاستشراق - التي استهدفت الإسلام فصوَّرته - ببحوثها وكتاباتها - آلة جامدة لا تنبض بالحياة.

(٩)

وهكذا انعكست آثار بعض الدراسات الاستشراقيَّة على ثقافة البعض منَّا، ممَّا أسهم في إيجاد خرق من الداخل، ترى من خلاله تأويل بعض الثوابت الدِّينيَّة، والتشكيك بقسم منها كقضيَّة ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في آخر الزمان، وربَّما قد تسمع الترديد المملِّ لأقوال المستشرقين إزاء مسألة الظهور، وما كان هذا ليتمَّ لولا التفاعل اللَّامدروس مع تلك الثقافات المحمومة، والتأثُّر بها لدرجة الاعتقاد بأنَّها حقائق مسلَّمة على الرغم ممَّا فيها من خبث ودهاء وتطرُّف في التحليل والاستنتاج، وكيد بالإسلام والمسلمين، وكيف لا، وهذا جولدزيهر، ودي بوير، ومكدونالد، وبندلي جوزي يُصرِّحون بتناقض القرآن الكريم(6)؟! فلا غرابة أنْ نجد - في حركات التبشير الصليبي - من يطعن بعقيدة المسلمين بظهور المهدي (عجَّل الله فرجه)(7)، هذا مع أنَّ فكرة الظهور لم تكن حكراً على المسلمين وحدهم كما سيتبيَّن من دراستها في هذه المقدَّمة.
عالميَّة الاعتقاد بالمهدي (عجَّل الله فرجه):
إنَّ فكرة ظهور المنقذ العظيم الذي سينشر العدل والرخاء بظهوره في آخر الزمان، ويقضي على الظلم والاضطهاد في أرجاء العالم، ويُحقِّق العدل والمساواة في دولته الكريمة، فكرة آمن بها أهل الأديان الثلاثة، واعتنقتها معظم الشعوب.
فقد آمن اليهود بها، كما آمن النصارى بعودة عيسى (عليه السلام)، وصدَّق بها الزرادشتيُّون بانتظارهم عودة بهرام شاه، واعتنقها مسيحيو الأحباش بترقُّبهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(6) المستشرقون والإسلام (ص 17)، دراسات في الفكر الفلسفي الإسلامي (ص 68)، بحوث في القرآن الكريم لعبد الجبَّار شرارة (ص 52 - 54)، فقد بيَّن مزاعم المستشرقين وأقوالهم بتناقض القرآن الكريم، وفنَّد جميع مفترياتهم.
(7) عقيدة الشيعة لدونالدسن (ص 231)، والسيادة العربيَّة لفان فلوتن (ص 107 و132).

(١٠)

عودة مَلِكهم تيودور كمهديٍّ في آخر الزمان، وكذلك الهنود اعتقدوا بعودة فيشنو، ومثلهم المجوس إزاء ما يعتقدونه من حياة أُوشيدر.
وهكذا نجد البوذيِّين ينتظرون ظهور بوذا، كما ينتظر الأسبان مَلِكهم روذريق، والمغول قائدهم جنگيزخان.
وقد وُجِدَ هذا المعتقد عند قدامى المصريِّين، كما وُجِدَ في القديم من كُتُب الصينيِّين(8).
وإلى جانب هذا نجد التصريح من عباقرة الغرب وفلاسفته بأنَّ العالم في انتظار المصلح العظيم الذي سيأخذ بزمام الأُمور ويُوحِّد الجميع تحت راية واحدة وشعار واحد:
منهم: الفيلسوف الإنجليزي الشهير برتراند راسل، قال: (إنَّ العالم في انتظار مصلح يُوحِّد العالم تحت عَلَمٍ واحد وشعار واحد)(9).
ومنهم: العلَّامة آينشتاين صاحب (النظريَّة النسبيَّة)، قال: (إنَّ اليوم الذي يسود العالم كلَّه الصلح والصفاء، ويكون الناس متحابِّين متآخين ليس ببعيد)(10).
والأكثر من هذا كلِّه هو ما جاء به الفيلسوف الإنجليزي الشهير برنارد شو حيث بشَّر بمجيء المصلح في كتابه (الإنسان والسوبرمان).
وفي ذلك يقول الأُستاذ الكبير عبَّاس محمود العقَّاد في كتابه (برنارد شو) معلِّقاً: (يلوح لنا أنَّ سوبرمان شو ليس بالمستحيل، وأنَّ دعوته إليه لا تخلو من حقيقة ثابتة)(11).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(8) المهديَّة في الإسلام (ص 43 و44)، والإمامة وقائم القيامة (ص 270).
(9) المهدي الموعود ودفع الشُّبُهات عنه (ص 6).
(10) المهدي الموعود ودفع الشُّبُهات عنه (ص 7).
(11) برناردشو لعبَّاس محمود العقَّاد (ص 76).

(١١)

أمَّا عن المسلمين فهم على اختلاف مذاهبهم وفِرَقهم يعتقدون بظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في آخر الزمان، وعلى طبق ما بشَّر به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولا يختصُّ هذا الاعتقاد بمذهب دون آخر، ولا فرقة دون أُخرى. وما أكثر المصرِّحين من علماء أهل السُّنَّة ابتداءً من القرن الثالث الهجري وإلى اليوم بأنَّ فكرة الظهور محلُّ اتِّفاقهم، بل ومن عقيدتهم أجمع، الأكثر من هذا إفتاء الفقهاء منهم بوجوب قتل من أنكر ظهور المهدي (عجَّل الله فرجه)، وبعضهم قال بوجوب تأديبه بالضرب الموجع والإهانة حتَّى يعود إلى الحقِّ والصواب على رغم أنفه - على حدِّ تعبيرهم - كما سنُشير إليه في الفتوى الصادرة على طبق معتقد المذاهب الأربعة.
ولهذا قال ابن خلدون معبِّراً عن عقيدة المسلمين بظهور المهدي (عجَّل الله فرجه): (اعلم أنَّ المشهور بين الكافَّة من أهل الإسلام على ممرِّ الأعصار أنَّه لابدَّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت، يُؤيِّد الدِّين، ويُظهِر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلاميَّة، ويُسمَّى بالمهدي)(12).
وقد وافقه على ذلك الأُستاذ أحمد أمين الأزهري المصري - على الرغم ممَّا عُرِفَ عنهما من تطرُّف إزاء هذه العقيدة -، فقال معبِّراً عن رأي أهل السُّنَّة بها: (أمَّا عند أهل السُّنَّة فقد آمنوا بها أيضاً)(13)، ثمّ ذكر نصَّ ما ذكره ابن خلدون(14).
ثمّ قال: (وقد أحصى ابن حجر الأحاديث المرويَّة في المهدي، فوجدها نحو الخمسين)(15).
ثمّ ذكر ما قرأه من كُتُب أهل السُّنَّة حول المهدي (عجَّل الله فرجه)، فقال: (قرأتُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(12) تاريخ ابن خلدون (ج 1/ ص 311).
(13) المهدي والمهدويَّة (ص 41).
(14) المهدي والمهدويَّة (ص 110).
(15) المهدي والمهدويَّة (ص 41).

(١٢)

رسالة للأُستاذ أحمد بن محمّد بن الصدِّيق في الردِّ على ابن خلدون سمَّاها: (إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون)، وقد فنَّد كلام ابن خلدون في طعنه على الأحاديث الواردة في المهدي وأثبت صحَّة الأحاديث، وقال: إنَّها بلغت حدَّ التواتر)(16).
وقال في موضع آخر: (قرأتُ رسالة أُخرى في هذا الموضوع عنوانها: (الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة) لأبي الطيِّب بن أبي أحمد بن أبي الحسن الحسيني)(17).
وقال أيضاً: (قد كتب الإمام الشوكاني كتاباً في صحَّة ذلك سمَّاه: (التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظَر والدجَّال والمسيح))(18).
إذن لا فرق بين الشيعة وأهل السُّنَّة من حيث الإيمان بظهور المنقذ ما دام أهل السُّنَّة قد وجدوا في ذلك خمسين حديثاً من طُرُقهم، وعدُّوا ظهور المهدي (عجَّل الله فرجه) من أشراط الساعة، وأثبتوا بطلان كلام ابن خلدون في تضعيفه لبعض الأحاديث الواردة في ذلك، وأنَّهم ألَّفوا في الردِّ أو القول بالتواتر كُتُباً ورسائل. بل لا فرق بين جميع المسلمين وبين غيرهم من أهل الأديان والشعوب الأُخرى من حيث الإيمان بأصل الفكرة وإنِ اختلفوا في مصداقها، مع اتِّفاق المسلمين على أنَّ اسمه (محمّد) كاسم النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولقبه عندهم هو (المهدي).
ومن هنا يُعلَم أنَّ اتِّفاق أهل الأديان السابقة ومعظم الشعوب والقوميَّات وعباقرة الغرب وفلاسفته - مع تعدُّد الأديان، وتباين المعتقدات، واختلاف الأفكار والآراء والعادات - على أصل الفكرة، لا يمكن أبداً أنْ يكون بلا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(16) المهدي والمهدويَّة (ص 106 و107).
(17) المهدي والمهدويَّة (ص 109 و110).
(18) المهدي والمهدويَّة (ص 110).

(١٣)

مستند، لاستحالة تحقُّق مثل هذا الاتِّفاق جزافاً. فإذا أضفنا إلى ذلك اتِّفاق المذاهب الإسلاميَّة جميعاً على صحَّة الاعتقاد بظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في آخر الزمان، وأنَّه من أهل البيت (عليهم السلام) - كما سيأتي مفصَّلاً -، عُلِمَ أنَّ اتِّفاقهم هذا لا بدَّ وأنْ يكون معبِّراً عن إجماع هذه الأُمَّة التي لا تجتمع على ضلالة على ما هو مقرَّر في محلِّه، وحينئذٍ فلا يضرُّ اعتقادهم بظهور مهدي أهل البيت (عليهم السلام) اختلاف تشخيصه عند من سبقهم من أهل الأديان والشعوب، إذ بالإمكان معرفته حقَّ معرفته من خلال مصادر المسلمين المعتمدة، لما عُرِفَ عنهم من اتِّباع منهج النقل عن طريق السماع والتحديث شفةً عن شفةٍ وصولاً إلى مصدر التشريع، وبما لا نظير له في حضارات العالم أجمع.
ومع هذا نقول: إنَّ اعتقاد أهل الكتاب بظهور المنقذ في آخر الزمان لا يبعد أنْ يكون من تبشير أديانهم بمهدي أهل البيت (عليهم السلام) كتبشيرها بنبوَّة نبيِّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، إلَّا أنَّهم أخفوا ذلك عناداً وتكبُّراً إلَّا من آمن منهم بالله واتَّقى.
ويدلُّ على ذلك وجود ما يشير في أسفار التوراة إلى ظهور المهدي (عجَّل الله فرجه) في آخر الزمان، كما في النصِّ الذي نقله الكاتب أبو محمّد الأُردني من (سفر أرميا) وإليك نصُّه: (اصعدي أيَّتها الخيل وهيِّجي المركبات، ولتخرج الأبطال: كوش وفوط القابضان المجنَّ، واللوديُّون القابضون القوس، فهذا اليوم للسيِّد ربِّ الجنود، يوم نقمة للانتقام من مبغضيه، فيأكل السيف ويشبع...، لأنَّ للسيِّد ربِّ الجنود ذبيحة في أرض الشمال عند نهر الفرات)(19).
وهناك ما هو أوضح من هذا بكثير جدًّا، فقد قال الباحث السُّنِّي سعيد أيُّوب في كتابه (المسيح الدجَّال): (ويقول كعب: مكتوب في أسفار الأنبياء: المهدي ما في عمله عيب)، ثمّ علَّق على هذا النصِّ بقوله: (وأشهد أنَّني وجدته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(19) الكتاب المقدَّس تحت المجهر (ص 155)، والنصُّ نقله من سفر إرميا (46: 2 - 11).

(١٤)

كذلك في كُتُب أهل الكتاب، لقد تتبَّع أهل الكتاب أخبار المهدي كما تتبَّعوا أخبار جدِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فدلَّت أخبار سفر الرؤيا إلى امرأة يخرج من صلبها اثنا عشر رجلاً، ثمّ أشار إلى امرأة أُخرى، أي: التي تلد الرجل الأخير الذي هو من صُلب جدَّته، وقال السفر: إنَّ هذه المرأة الأخيرة ستحيط بها المخاطر، ورمز للمخاطر باسم (التنِّين)، وقال: (والتنِّين وقفَ أمام المرأة العتيدة حتَّى تلد ليبتلع ولدها متى ولدت) (الرؤيا 12: 3)، أي: إنَّ السلطة كانت تريد قتل هذا الغلام، ولكن بعد ولادة الطفل. يقول باركلي في تفسيره: (عندما هجمت عليها المخاطر اختطف الله ولدها وحفظه)، والنصُّ: (واختطف الله ولدها) (الرؤيا 12: 5)، أي: إنَّ الله غيَّب هذا الطفل كما يقول باركلي. وذكر السفر أنَّ غيبة الغلام ستكون ألفاً ومائتين وستِّين يوماً، وهي مدَّة لها رموزها عند أهل الكتاب. ثمّ قال باركلي عن نسل المرأة عموماً: إنَّ التنِّين سيعمل حرباً شرسة مع نسل المرأة، كما قال السفر: (فغضب التنِّين على المرأة، وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله). (الرؤيا 12: 13))(20).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(20) عقيدة المسيح الدجَّال في الأديان (ص 379 و380).
أقول: المهدي عند الشيعة هو الإمام الثاني عشر من أئمَّة أهل البيت، وأوَّلهم عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وحديث «المَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ» مقطوع بصحَّته، ومصرَّح بتواتره عند أهل السُّنَّة كما سيوافيك، وهو عند الشيعة المولود الثاني عشر لفاطمة (عليها السلام)، ثلاثة بالمباشرة، وهم: الحسنان ومحسن، وتسعة بدونها وهم الأئمَّة من ولد الحسين (عليه السلام)، وأمَّا عن أولاد الحسن (عليه السلام) فهم كذلك من بني فاطمة (عليها السلام) إلَّا أنَّهم أُخرجوا من مجموع الاثني عشر لكونهم ليسوا بأئمَّة، ولا يرد مثل هذا على ما لم يكن إماماً وهو محسن، لأنَّ ولادته من فاطمة (عليها السلام) بالمباشرة، ولهذا قال الأُستاذ سعيد أيُّوب: (هذه هي أوصاف المهدي، وهي نفس أوصافه عند الشيعة الإماميَّة الاثني عشريَّة)، ثمّ علَّق عليه في (هامش ص 379) بما يدلُّ على تقارب الأوصاف. وهذا وإنْ كان ممكناً إلَّا أنَّ اعتقاد الشيعة وغيرهم بظهور المهدي في آخر الزمان لم يكن على أساس الاستدلال بما في كُتُب العهدين كما سنُبيِّنه مفصَّلاً في هذا الكتاب.

(١٥)

وهذا وإنْ لم يصحّ لمسلم الاحتجاج به لما مُنيت به كُتُب العهدين من تحريف وتبديل، إلَّا أنَّه يدلُّ وبوضوح على معرفة أهل الكتاب بالمهدي (عجَّل الله فرجه)، ثمّ اختلافهم فيما بعد في تشخيصه، إذ ليس كلُّ ما جاء به الإسلام قد تفرَّد به عن الأديان السابقة، فكثير من الأُمور الكلّيَّة التي جاء بها الإسلام كانت في الشرائع السابقة قبله.
قال الشاطبي: (وكثير من الآيات أُخبر فيها بأحكام كلّيَّة كانت في الشرائع المتقدِّمة، وهي في شريعتنا، ولا فرق بينهما)(21).
وإذا تقرَّر هذا فلا يضرُّ اعتقاد المسلم بصحَّة ما بشَّر به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من ظهور رجل من أهل بيته في آخر الزمان، أنْ يكون هذا المعتقَد موجوداً عند أهل الكتاب (اليهود والنصارى) أو عند غيرهم ممَّن سبق الإسلام، ولا يخرج هذا المعتقَد عن إطاره الإسلامي بعد أنْ بشَّر به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وبعد الإيمان بأنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ﴿مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ (النجم: 3 و4).
وأمَّا عن اعتقادات الشعوب المختلفة بأصل هذه الفكرة كما مرَّ، فيمكن تفسيرها على أساس أنَّ فكرة ظهور المنقذ لا تتعارض مع فطرة الإنسان وطموحاته وتطلُّعاته، ولو فكَّر الإنسان قليلاً في اشتراك معظم الشعوب بأصل الفكرة لأدرك أنَّ وراء هذا الكون حكمة بالغة في التدبير، يستمدُّ الإنسان من خلالها قوَّته في الصمود إزاء ما يرى من انحراف وظلم وطغيان، ولا يُترَك فريسة يأسه دون أنْ يُزوَّد بخيوط الأمل والرجاء بأنَّ العدل لا بدَّ له أنْ يسود.
وأمَّا عن اختلاف أهل الأديان السابقة والشعوب في تشخيص اسم المنقذ المنتظَر، فلا علاقة له في إنكار ما بشَّر به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وليس هناك ما يدعو إلى بيان فساد تشخيصهم لاسم المنقذ، ما دام الإسلام قد تصدَّى بنفسه لهذه المهمَّة فبيَّن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(21) الموافقات للشاطبي (ج 3/ ص 366/ المسألة الرابعة).

(١٦)

اسمه، وحسبه، ونسبه، وأوصافه، وسيرته، وعلامات ظهوره، وطريقة حكمه، حتَّى تواترت بذلك الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها من طُرُق أهل السُّنَّة، كما صرَّح بذلك أعلامهم وحُفَّاظهم وفقهاؤهم ومحدِّثوهم، وقد روى تلك الأخبار عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما يزيد على خمسين صحابيًّا كما سنبرهن عليه في هذا البحث.
وأمَّا عن اختلاف المسلمين فيما بينهم من حيث تشخيص اسم المهدي (عجَّل الله فرجه) كما هو معلوم بين أهل السُّنَّة والشيعة، فليس فيه أدنى حجَّة للمستشرقين وأذنابهم، بل هو - على العكس - من الأدلَّة القاطعة عليه؛ لأنَّه من قبيل الاختلاف في تفاصيل شيء متحقّق الوجود، كاختلافهم في القرآن الكريم بين القول بقِدَمِه وحدوثه من الله تعالى، مع اتِّفاقهم على تكفير منكره، وقس عليه سائر اختلافاتهم الأُخرى في تفاصيل بعض العقائد دون أُصولها.
تهافت القول بأُسطوريَّة فكرة الظهور:
إنَّ النتيجة المنطقيَّة لما تقدَّم قاضية بتفاهة مزاعم المستشرقين ومن وافقهم بأُسطوريَّة فكرة ظهور المهدي (عجَّل الله فرجه) في آخر الزمان، ذلك لأنَّ الأُسطورة التي ينتشر الإيمان بها بمثل هذه الصورة، لا شكَّ أنَّها سلبت عقول المؤمنين بها، وصنعت لهم تاريخاً، ولكن التاريخ لا يعرف أُمَّة خلقت تاريخها أُسطورةً، فكيف الحال مع أُمَّة هي من أرقى أُمَم العالم حضارةً في القرون الوسطى باعتراف المستشرقين أنفسهم؟!
والعجيب أنَّ القائلين بهذا يعترفون برقيِّ الحضارة الإسلاميَّة وسموِّها بين الحضارات العالميَّة، ولا يُنكِرون دور الإسلام العظيم في تهذيب نفوس المؤمنين من سائر البِدَع والخرافات والعادات البالية التي تمجُّها النفوس، وتستنكرها العقول، ولم يلتفتوا إلى أنَّ أُمَّة كهذه لا يمكن اتِّفاقها على الاعتقاد بأُسطورة.

(١٧)

وأغلب الظنِّ أنَّ هؤلاء المستشرقين لـمَّا وجدوا عقائد أسلافهم ملأى بالخرافات والأساطير والضلالات، كبُرَ عليهم أنْ يكتبوا عن الإسلام - الذي هو أنقى من الذهب الإبريز - دون أنْ يُضيفوا عليه شيئاً من أحقادهم، ولهذا وصفوا ما تواتر نقله عن النبيِّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بشأن ظهور المهدي (عجَّل الله فرجه) في آخر الزمان بأنَّه من الأساطير.
والمصيبة ليست هنا، لأنَّا نعلم أنَّ القوم ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً﴾ (الكهف: 5)، بل المصيبة تكمن في كتابات من تقمَّص لباس السيِّد جمال الدِّين الأفغاني، والشيخ محمّد عبده، ونظائرهما من قادة الإصلاح، ممَّا ساعد على إخفاء حقيقتها وواقعها الذي لم يكن غير الاستظلال بفيء الخصوم، وطلب الهداية ممَّن غرق في بحر الضلال، من دون تروٍّ مطلوب، ولا التفات مسؤول إلى ما يُهدِّد تراث الإسلام الخالد، ويستهدف أُصوله الشامخة.
ومن هنا وجب التحذير من هؤلاء وأُولئك، والاحتراز عن كلِّ ما يُنفَث، أو يُبَثُّ، قبل بيان الدليل القاطع على عقيدة المسلمين بالمهدي (عجَّل الله فرجه) في فصول هذا البحث.
والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

السيِّد ثامر هاشم العميدي

(١٨)

بعض الآيات المُفَسَّرة في المهدي (عجَّل الله فرجه):
لا يخفى أنَّ القرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة صنوان لمشرِّع واحد. وعقيدة المسلمين بالمهدي (عجَّل الله فرجه) المتواترة عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بلا شكٍّ ولا شبهة - كما سيأتي في هذا الفصل - قد أيَّدها القرآن الكريم بجملة من الآيات المباركة التي حملها الكثير من المفسِّرين على المهدي (عجَّل الله فرجه) المبشَّر بظهوره في آخر الزمان.
وإذا ما تواتر شيء عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلا بدَّ من التسليم بأنَّ القرآن الكريم لم يهمله بالمرَّة وإنْ لم تُدركه عقولنا؛ لقوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ (النحل: 89).
إذن استجلاء هذه العقيدة من الآيات المباركة منوط بمن يفهم القرآن حقَّ فهمه، ولا شكَّ بأنَّ أهل البيت (عليهم السلام) هم عِدل القرآن بنصِّ حديث الثقلين المتواتر عند جميع المسلمين، وعليه فإنَّ ما ثبت تفسيره عنهم (عليهم السلام) من الآيات بالمهدي (عجَّل الله فرجه) لا بدَّ من الإذعان إليه والتصديق به.
وفي هذا الصدد قد وقفنا على الكثير من أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) المفسِّرة لعدد من الآيات المباركة بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه). وسوف لن نذكر منها إلَّا ما كان مؤيِّداً بما في تفاسير أصحاب المذاهب الأُخرى ورواياتهم.
1 - فمنها: ما نُمهِّد له بالقول: إنَّ أعداء هذا الدِّين من أهل الكتاب والمنافقين والمشركين ومن والاهم ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (التوبة: 32).
فهذه الآية العجيبة بيَّنت لنا أنَّ حال هؤلاء كحال من يريد بنفخة فم

(٢١)

إطفاء نور عظيم منبثٍّ في الآفاق، ويريد الله تعالى أنْ يزيده ويُبلِغَهُ الغاية القُصوى في الإشراق والإضاءة. وفي هذا منتهى التصغير لهم والتحقير لشأنهم والتضعيف لكيدهم؛ لأنَّ نفخة الفم القادرة على إطفاء النور الضعيف - كنور الفانوس - لن تقدر على إطفاء نور الإسلام العظيم الساطع.
وهذا من عجائب التعبير القرآني، ومن دقائق التصوير الإلهي، لما فيه من تمثيل فنِّي رائع بلغ القمَّة في البيان، ولن تجد له نظيراً قطُّ في غير القرآن.
ثمّ تابع القرآن الكريم ليُبيِّن لنا بعد هذا المثال، إرادة الله (عزَّ وجلَّ) الظهور التامَّ لهذا الدِّين رغم أنوفهم، فقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (التوبة: 33).
والمراد بـ﴿دِينِ الْحَقِّ﴾ هو دين الإسلام بالضرورة؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (آل عمران: 85).
وقوله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾، أي: لينصره على جميع الأديان، والضمير في قوله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ﴾ راجع إلى ﴿دِينِ الْحَقِّ﴾ عند معظم المفسِّرين وأشهرهم، وجعلوه هو المتبادر من لفظ الآية.
وهذه بشرى عظيمة من الله تعالى لرسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بنصرة هذا الدِّين وإعلاء كلمته، وقد اقترنت هذه البشرى بالتأكيد على أنَّ إرادة أعداء الدِّين إطفاء نور الإسلام سوف لن تغلب إرادته تعالى إظهار دينه القويم على سائر الأديان، ولو كره المشركون.
والإظهار في الآية لا يُراد به غير الغلبة والاستيلاء، قال الرازي في تفسيره: (واعلم أنَّ ظهور الشيء على غيره قد يكون بالحجَّة، وقد يكون بالكثرة والوفور، وقد يكون بالغلبة والاستيلاء. ومعلوم أنَّه تعالى بشَّر بذلك، ولا يجوز

(٢٢)

أنْ يُبشِّر إلَّا بأمر مستقبل غير حاصل، وظهور هذا الدِّين بالحجَّة مقرَّر معلوم، فالواجب حمله على الظهور بالغلبة)(22).
ولا يخفى أنَّ تلك الغلبة على الأديان الأُخرى قد تحقَّقت في عهد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وخير دليل على ذلك أنَّهم دفعوا الجزية للمسلمين عن يدٍ وهم صاغرون. ولا يخفى أيضاً أنَّ تلك الغلبة والنصرة كانت بما يتناسب وصيرورة الإسلام ديناً قويًّا مهاب الجانب وذا شوكة.
ولكن واقعنا اليوم ليس كذلك، والذين دفعوا لنا الجزية بالأمس قد سيطروا اليوم على مقدَّساتنا، والعدوُّ أحاط بنا، وغُزِينا في عقر ديارنا، مع ما يلاحظ من نشاط التبشير لأديان أهل الكتاب على قدمٍ وساق.
وإذا كنَّا نعتقد حقًّا بأنَّ القرآن الكريم صالح ليومه وغده، فهل يكون معنى ظهور الدِّين على سائر الأديان منطبقاً على واقع الإسلام اليوم الذي يكاد يكون مطوَّقاً بأنظمة المسلمين وسياساتهم؟ وهل لتلك البشرى من مصداق واقعي غير كثرة من ينتمي إلى الإسلام مع ما في هذه الكثرة من تضادٍّ وتناقض واختلاف في العقائد والأحكام؟!
هذا مع أنَّ المرويَّ عن قتادة في قوله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾، قال: (الأديان ستَّة: الذين آمنوا، والذين هادوا، والصابئين، والنصارى، والمجوس، والذين أشركوا. فالأديان كلُّها تدخل في دين الإسلام، والإسلام لا يدخل في شيء منها، فإنَّ الله قضى فيما حكم وأنزل أنْ يُظهِر دينه على الدِّين كلِّه ولو كره المشركون)(23).
وفي تفسير ابن جزّي: (وإظهاره: جعله أعلى الأديان وأقواها، حتَّى يعمُّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(22) تفسير الرازي (ج 16/ ص 40).
(23) الدُّرُّ المنثور (ج 3/ ص 231).

(٢٣)

المشارق والمغارب)(24). وهذا هو المرويُّ عن أبي هريرة كما نصَّ عليه جملة من المفسِّرين(25).
وفي (الدُّرِّ المنثور): (وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، والبيهقي في (سُنَنه) عن جابر (رضي الله عنه) في قوله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾، قال: لا يكون ذاك حتَّى لا يبقى يهودي ولا نصراني صاحب ملَّة إلَّا الإسلام)(26).
وعَنِ الْمِقْدَاد بْنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «لَا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ، وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ، إِمَّا بِعِزِّ عَزِيزٍ وَإِمَّا بذُلِّ ذَلِيلٍ، إِمَّا يُعِزُّهُمُ اللهُ فَيَجْعَلُهُمْ مِنْ أَهْلِهِ فَيُعَزُّوا بِهِ، وَإِمَّا يُذِلُّهُمْ فَيَدِينُونَ لَهُ»(27).
ومن هنا ورد في الأثر عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنَّ الآية مبشِّرة بظهور المهدي (عجَّل الله فرجه) في آخر الزمان، وأنَّه - بتأييد من الله تعالى - سيُظهِر دين جدِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على سائر الأديان حتَّى لا يبقى على وجه الأرض مشرك. وهو قول السُّدِّي المفسِّر(28).
قال القرطبي: (وقال السُّدِّي: ذاك عند خروج المهدي، لا يبقى أحد إلَّا دخل في الإسلام)(29).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(24) تفسير ابن جزِّي (ج 1/ ص 336).
(25) راجع: تفسير الطبري (ج 10/ ص 150/ ح 12933)، وتفسير الرازي (ج 16/ ص 40)، وتفسير القرطبي (ج 8/ ص 121)، والدُّرّ المنثور (ج 3/ ص 231).
(26) الدُّرُّ المنثور (ج 3/ ص 231).
(27) تفسير الثعلبي (ج 5/ ص 36)، سُنَن البيهقي (ج 9/ ص 181)، تفسير البغوي (ج 2/ ص 286)؛ وبتفاوت يسير في: تفسير يحيى بن سلام (ج 1/ ص 458 و459)، مسند أحمد (ج 39/ ص 236/ ح 23814)، تفسير ابن زمنين (ج 3/ ص 243).
(28) مجمع البيان (ج 5/ ص 45).
(29) تفسير القرطبي (ج 8/ ص 121).

(٢٤)

2 - ومنها: قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ (سبأ: 51).
فقد أخرج الطبري في تفسيره عن حذيفة بن اليمان تفسيرها في الجيش الذي يُخسَف به(30)، وسيأتي ما يدلُّ على أنَّ ذلك الخسف لم يحصل إلى الآن على الرغم من روايته في كُتُب الصحاح والمسانيد المعتبرة، وأنَّه من أشراط الساعة المقترنة بظهور المهدي (عجَّل الله فرجه) بلا خلاف(31).
وما أخرجه الطبري ذكره القرطبي في (التذكرة) مرسَلاً عن حذيفة بن اليمان(32)، وبه صرَّح أبو حيَّان في تفسيره(33)، والمقدسي الشافعي في (عقد الدُّرَر)(34)، والسيوطي في (الحاوي للفتاوي)، وأورده الزمخشري في كشَّافه عن ابن عبَّاس(35).
وقال الطبرسي (رحمه الله) في (مجمع البيان): (أورده الثعلبي في تفسيره، وروى أصحابنا في أحاديث المهدي عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي جعفر (عليه السلام) مثله)(36).
3 - ومنها: قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ (الزخرف: 61).
فقد صرَّح البغوي في تفسيره(37)، وكذلك الزمخشري(38)، والرازي(39)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(30) تفسير الطبري (ج 22/ ص 129/ ح 22082).
(31) اُنظر تفصيل ذلك في الفصل الثالث من هذا البحث.
(32) التذكرة في أحوال الموتى وأُمور الآخرة (ج 2/ ص 323 و324).
(33) البحر المحيط (ج 8/ ص 565).
(34) عقد الدُّرَر (ص 75 و76).
(35) الكشَّاف (ج 3/ ص 296).
(36) مجمع البيان (ج 8/ ص 228 و229).
(37) تفسير البغوي (ج 4/ ص 143).
(38) الكشَّاف (ج 3/ ص 494).
(39) تفسير الرازي (ج 27/ ص 222).

(٢٥)

والقرطبي(40)، والنسفي(41)، والخازن(42)، وتاج الدِّين الحنفي(43)، وأبو حيَّان(44)، وابن كثير(45)، وأبو السعود(46)، والهيثمي(47) أنَّ الآية بخصوص نزول عيسى بن مريم (عليه السلام) في آخر الزمان.
وقد أوَّلها مجاهد في تفسيره - وهو من رؤوس التابعين ومشاهيرهم في التفسير - بنزول عيسى (عليه السلام) أيضاً(48).
وقد أشار السيوطي في (الدُّرِّ المنثور) إلى ما أخرجه أحمد بن حنبل، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد من طُرُق، عن ابن عبَّاس أنَّها بخصوص ما ذكرناه(49).
وقال الكنجي الشافعي في كتابه (البيان): (وقد قال مقاتل بن سليمان ومن تابعه من المفسِّرين في تفسير قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾: هو المهدي (عليه السلام)، يكون في آخر الزمان، وبعد خروجه يكون قيام الساعة وأمارتها)(50).
ومثل هذا التصريح تجده عند ابن حجر الهيتمي(51)، والشبلنجي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(40) تفسير القرطبي (ج 16/ ص 105).
(41) تفسير النسفي (ج 4/ ص 118).
(42) تفسير الخازن (ج 4/ ص 112).
(43) الدُّرُّ اللقيط (ج 8/ ص 24).
(44) البحر المحيط (ج 9/ ص 386).
(45) تفسير ابن كثير (ج 4/ ص 142).
(46) تفسير أبي السعود (ج 8/ ص 52).
(47) موارد الظمآن (ج 5/ ص 436/ ح 1758).
(48) تفسير مجاهد (ج 2/ ص 583).
(49) الدُّرُّ المنثور (ج 6/ ص 19 و20).
(50) البيان في أخبار صاحب الزمان (ص 528).
(51) الصواعق المحرقة (ص 162).

(٢٦)

الشافعي(52)، والسفاريني الحنبلي(53)، والقندوزي الحنفي(54)، والشيخ الصبَّان(55).
ولا خلاف بين هؤلاء وأُولئك؛ لأنَّ نزول عيسى سيكون مقارناً لظهور المهدي (عجَّل الله فرجه) كما في صحيحي البخاري ومسلم وسائر كُتُب الحديث الأُخرى، كما سنُبيِّنه في الفصل الثالث من هذا البحث.
ويُؤيِّده إشادة بعض من ذكرنا الصريحة بذلك، فقد نقلوا عن (تفسير الثعلبي) أنَّه أخرج في تفسير هذه الآية عن ابن عبَّاس، وأبي هريرة، وقتادة، ومالك بن دينار، والضحَّاك ما يدلُّ على أنَّها في نزول عيسى بن مريم، مع التصريح بوجود الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وقت نزول عيسى بن مريم، وأنَّه يُصلِّي خلف المهدي (عليهما السلام)(56).
4 - ومنها: قوله تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ (التكوير: 15 و16).
فقد ورد في الأثر عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنَّه قال: «إِمَامٌ يَخْنِسُ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، ثُمَّ يَظْهَرُ كَالشِّهَابِ يَتَوَقَّدُ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، فَإِنْ أَدْرَكْتِ زَمَانَه قَرَّتْ عَيْنُكِ»(57).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(52) نور الأبصار (ص 343).
(53) عنه الإمام المهدي عند أهل السُّنَّة (ج 2/ ص 58).
(54) ينابيع المودَّة (ج 2/ ص 453/ ح 255).
(55) إسعاف الراغبين (ص 54).
(56) تفسير الثعلبي (ج 8/ ص 341).
(57) الكافي (ج 1/ ص 341/ باب في الغيبة/ ح 22)؛ وبتفاوت يسير في: الإمامة والتبصرة (ص 119/ ح 113)، الهداية الكبرى (ص 362)، الغيبة للنعماني (ص 151/ باب 10/ ح 6)، كمال الدِّين (ص 324 و325/ باب 32/ ح 1)، الغيبة للطوسي (ص 159/ ح 116).

(٢٧)

ولا يخفى أنَّ هذا من الإخبار المعجز الذي علمه أهل البيت (عليهم السلام) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والذي تلقَّاه من الوحي عن الله (جلَّ شأنه).
ونكتفي بهذا القدر، على أنَّ الشيخ القندوزي الحنفي قد أورد الكثير من الآيات التي فسَّرها أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وظهوره في آخر الزمان(58).
نظرة في أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه):
إنَّ نظرة واحدة في أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) الواردة في كُتُب المسلمين تكفي للجزم بتواترها عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من دون أدنى تردُّد، ولـمَّا لم يكن بوسع البحث تسجيل كلِّ ما ورد من أحاديث في المهدي (عجَّل الله فرجه) بكُتُب المسلمين لكثرتها الهائلة؛ لذا سنقتصر على ذكر ما يدلُّ على قطعيَّة صدورها عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعلى النحو الآتي:
أوَّلاً: من أخرج أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه):
لا يبعد القول بأنَّه ما من محدِّث من محدِّثي الإسلام إلَّا وقد أخرج بعض الأحاديث المبشِّرة بظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في آخر الزمان، وقد أفردوا كُتُباً كثيرة في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) خاصَّة(59).
وأمَّا عن العلماء والمحدِّثين الذين أخرجوا أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) أو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(58) راجع: ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 235 - 254/ باب 71).
(59) أوصلها الأُستاذ عليّ محمّد عليّ دخيل في كتابه الإمام المهدي (عليه السلام) (ص 259 - 265) إلى ثلاثين كتاباً من كُتُب أهل السُّنَّة في الإمام المهدي خاصَّة، بينما أوصلها العلَّامة ذبيح الله المحلَّاتي إلى أربعين كتاباً، وقد أدرجها بأسمائها وأسماء مؤلِّفيها في كتاب مهدي أهل البيت (ص 18 - 21). وفي نفس الكتاب المذكور ذكر قائمة أُخرى للكُتُب المؤلَّفة من قِبَل الشيعة في الإمام المهدي (عليه السلام)، فأوصلها إلى مائة وعشرة كُتُب. وهناك كُتُب كثيرة في المهدي لم تُدرَج في هذين الكتابين.

(٢٨)

أوردوها عمَّن تقدَّم عليهم على سبيل الاحتجاج بها - حسبما وقفنا عليه في كُتُبهم -، فهم:
1 - ابن سعد، صاحب الطبقات الكبرى (ت 230 هـ).
2 - ابن أبي شيبة (ت 235هـ).
3 - أحمد بن حنبل (ت 241هـ).
4 - البخاري (ت 256هـ)، ذكر المهدي (عجَّل الله فرجه) بالوصف دون الاسم.
5 - ومثله فعل مسلم (ت 261هـ) في صحيحه، كما سنُبيِّنه في الفصل الثالث من هذا البحث.
6 - أبو بكر الإسكافي (ت 620هـ).
7 - ابن ماجة (ت 273هـ).
8 - أبو داود (ت 275هـ).
9 - ابن قتيبة الدينوري (ت 276هـ).
10 - الترمذي (ت 279هـ).
11 - البزَّار (ت 292هـ).
12 - أبو يعلى الموصلي (ت 307هـ).
13 - الطبري (ت 310هـ).
14 - العقيلي (ت 322هـ).
15 - نعيم بن حمَّاد (ت 328 هـ).
16 - شيخ الحنابلة في وقته البربهاري (ت 329هـ) في كتابه (شرح السُّنَّة).
17 - ابن حبَّان البستي (ت 354هـ).
18 - المقدسي (ت 355 هـ).
19 -الطبراني (ت 360هـ).

(٢٩)

20 - أبو الحسن الآبري (ت 363هـ).
21 - الدارقطني (ت 385هـ).
22 - الخطَّابي (ت 388هـ).
23 - الحاكم النيسابوري (ت 405هـ).
24 - أبو نعيم الأصبهاني (ت 430هـ).
25 - أبو عمرو الداني (ت 444هـ).
26 - البيهقي (ت 458هـ).
27 - الخطيب البغدادي (ت 463هـ).
28 - ابن عبد البرِّ المالكي (ت 463هـ).
29 - الديلمي (ت 509هـ).
30 - البغوي (ت 510 أو 516هـ).
31 - القاضي عياض (ت 544هـ).
32 - الخوارزمي الحنفي (ت 568هـ).
33 - ابن عساكر (ت 571هـ).
34 - ابن الجوزي (ت 597هـ).
35 - ابن الأثير الجزري (ت 606 هـ).
36 - ابن العربي (ت 638هـ).
37 - محمّد بن طلحة الشافعي (ت 652هـ).
38 - العلَّامة سبط ابن الجوزي (ت 654 هـ).
39 - ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي (ت 655هـ).
40 - المنذري (ت 656هـ).
41 - الكنجي الشافعي (ت 658هـ).

(٣٠)

42 - القرطبي المالكي (ت 671هـ).
43 - ابن خلِّكان (ت 681هـ).
44 - محبُّ الدِّين الطبري (ت 694هـ).
45 - العلَّامة ابن منظور (ت 711هـ)، في مادَّة (هَدِيَ) من (لسان العرب).
46 - ابن تيميَّة (ت 728هـ).
47 - الجويني الشافعي (ت 730هـ).
48 - علاء الدِّين بن بلبان (ت 739هـ).
49 - وليُّ الدِّين التبريزي (ت بعد سنة 741هـ).
50 - المزِّي (ت 739هـ).
51 - الذهبي (ت 748هـ).
52 - ابن الوردي (ت 749هـ).
53 - الزرندي الحنفي (ت 750هـ).
54 - ابن قيِّم الجوزيَّة (ت 751هـ).
55 - ابن كثير (ت 774هـ).
56 - سعد الدِّين التفتازاني (ت 793هـ).
57 - نور الدِّين الهيثمي (ت 807هـ).
58 - ابن خلدون المغربي (ت 808هـ) الذي صحَّح أربعة أحاديث من أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) على الرغم من موقفه المعروف، والذي سيأتيك بيانه في الفصل الثالث.
59 - الشيخ محمّد الجزري الدمشقي الشافعي (ت 833هـ).
60 - أبو بكر البوصيري (ت 840هـ).
61 - ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ).

(٣١)

62 - السخاوي (ت 902هـ).
63 - السيوطي (ت 911هـ).
64 - الشعراني (ت 973 هـ).
65 - ابن حجر الهيتمي (ت 974هـ).
66 - المتَّقي الهندي (ت 975هـ).
إلى غير ذلك من المتأخِّرين كـ:
1 - الشيخ مرعي الحنبلي (ت 1033هـ).
2 - محمّد رسول البرزنجي (ت 1103هـ).
3 - الزرقاني (ت 1122هـ).
4 - محمّد بن قاسم الفقيه المالكي (ت 1182هـ).
5 - أبي العلاء العراقي المغربي (ت 1183هـ).
6 - السفاريني الحنبلي (ت 1188هـ).
7 - الزبيدي الحنفي (ت 1205هـ) في كتاب (تاج العروس) مادَّة (هَدِيَ).
8 - الشيخ الصبَّان (ت 1206هـ).
9 - محمّد أمين السويدي (ت 1246هـ).
10 - الشوكاني (ت 1250هـ).
11 - مؤمن الشبلنجي (ت 1291هـ).
12 - أحمد زيني دحلان الفقيه والمحدِّث الشافعي (ت 1304هـ).
13 - السيِّد محمّد صدِّيق القنَّوجي البخاري (ت 1307هـ).
14 - شهاب الدِّين الحلواني الشافعي (ت 1308هـ).
15 - أبي البركات الآلوسي الحنفي (ت 1317هـ).
16 - أبي الطيِّب محمّد شمس الحقِّ العظيم آبادي (ت 1329هـ).

(٣٢)

17 - الكتَّاني المالكي (ت 1345هـ).
18 - المباركفوري (ت 1353هـ).
19 - الشيخ منصور عليّ ناصف (ت بعد سنة 1371هـ).
20 - الشيخ محمّد الخضر حسين المصري (ت 1377هـ).
21 - أبي الفيض الغماري الشافعي (ت 1380هـ).
22 - فقيه القصيم بنجد الشيخ محمّد بن عبد العزيز المانع (ت 1385هـ).
23 - الشيخ محمّد فؤاد عبد الباقي (ت 1388هـ).
24 - أبي الأعلى المودودي.
25 - ناصر الدِّين الألباني.
إلى ما شاء الله من المعاصرين.
وإذا ما أضفنا إليهم أعلام المفسِّرين من أهل السُّنَّة أيضاً كما تقدَّمت الإشارة إلى بعضهم، فلك أنْ تُقدِّر حجم الاتِّفاق على رواية أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه)، والاحتجاج بها.
وأمَّا عن أعلام الشيعة ومحدِّثيهم ومفسِّريهم الذين أوردوا أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه)، فقد يسمج التعرُّض لبيان أسمائهم؛ لكون الإيمان المطلق بظهور المهدي (عجَّل الله فرجه) عندهم من أُصول عقائدهم.
ثانياً: من روى أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) من الصحابة:
إنَّ الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو الذين كانت أحاديثهم موقوفة عليهم ولها حكم الرفع إلى النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - إذ لا يُعقَل اجتهادهم في مثل هذا - كثيرون جدًّا، ولو ثبت النقل عن عُشرهم لثبت التواتر بلا شكٍّ ولا شبهة - كما في مصادر أهل السُّنَّة وحدهم -، وهم:
1 - فاطمة الزهراء (عليها السلام) (ت 11هـ).

(٣٣)

2 - معاذ بن جبل (ت 18هـ).
3 - قتادة بن النعمان (ت 23هـ).
4 - عمر بن الخطَّاب (ت 23هـ).
5 - أبو ذرٍّ الغفاري (ت 32هـ).
6 - عبد الرحمن بن عوف (ت 32هـ).
7 - عبد الله بن مسعود (ت 32 هـ).
8 - العبَّاس بن عبد المطَّلب (ت 32هـ).
9 - عثمان بن عفَّان (ت 35هـ).
10 - سلمان الفارسي (ت 35 أو 36هـ).
11 - طلحة بن عبد الله (ت 36هـ).
12 - حذيفة بن اليمان (ت 36 هـ).
13 - عمَّار بن ياسر (استُشهِدَ سنة 37هـ).
14 - الإمام عليٌّ (عليه السلام) (استُشهِدَ سنة 40هـ).
15 - الإمام الحسن السبط (عليه السلام) (ت 50هـ).
16 - تميم الداري (ت 50هـ).
17 - عبد الرحمن بن سمرة (ت 50هـ).
18 - مجمع بن جارية (ت 50 هـ).
19 - عمران بن حصين (ت 52هـ).
20 - أبو أيُّوب الأنصاري (ت 52هـ).
21 - ثوبان مولى النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (ت 54 هـ).
22 - عائشة (ت 58هـ).
23 - أبو هريرة (ت 59 هـ).

(٣٤)

24 - الإمام الحسين السبط الشهيد (عليه السلام) (استُشهِدَ سنة 61هـ).
25 - أُمُّ سَلَمة (ت 62هـ).
26 - علقمة بن قيس بن عبد الله (ت 62هـ).
27 - عبد الله بن عمر بن الخطَّاب (ت 65هـ).
28 - عبد الله بن عمرو بن العاص (ت 65هـ).
29 - عبد الله بن عبَّاس (ت 68هـ).
30 - زيد بن أرقم (ت 68هـ).
31 - عوف بن مالك (ت 73هـ).
32 - أبو سعيد الخدري (ت 74هـ).
33 - جابر بن سمرة (ت 74هـ).
34 - جابر بن عبد الله الأنصاري (ت 78هـ).
35 - عبد الله بن جعفر الطيَّار (ت 80هـ).
36 - أبو أُمامة الباهلي (ت 81هـ).
37 - بشر بن المنذر بن الجارود (ت 83هـ)، وقد اختلفوا فيه، فقيل: الراوي هو جدُّه الجارود بن عمرو (ت 20هـ).
38 - عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي (ت 86هـ).
39 - سهل بن سعد الساعدي (ت 91هـ).
40 - أنس بن مالك (ت 93هـ).
41 - أبو الطفيل (ت 100هـ، وقيل غير ذلك).
وغيرهم ممَّن لم أقف على تاريخ وفياتهم، كأُمِّ حبيبة، وأبي الجحَّاف، وأبي سلمى راعي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأبي ليلى، وأبي وائل، وحذيفة بن أسيد، والحرث ابن الربيع، وأبي قتادة الأنصاري، وزرِّ بن عبد الله، وزرارة بن عبد الله، وعبد الله

(٣٥)

ابن أبي أوفى، والعلاء، وعلقمة بن قيس (ت 62هـ)، وعليٍّ الهلالي، وقرة بن أياس.
ثالثاً: طُرُق أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) في كُتُب السُّنَّة إجمالاً:
لقد أجاد وأفاد الأُستاذ الأزهري السيِّد أحمد بن محمّد بن الصدِّيق أبو الفيض الغماري الحسني الشافعي المغربي (ت 1380هـ) في كتابه الرائع (إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون) حيث أثبت فيه تواتر أحاديث الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بما لم يسبقه أحد إليه من قبل، وذلك تفنيداً لتضعيفات ابن خلدون التي تذرَّع بها بعض معاصريه كأحمد أمين المصري ومحمّد فريد وجدي وغيرهما.
ولا بأس هنا بإطلالة قصيرة على ما ذكره من طُرُق أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) في كُتُب أهل السُّنَّة التي فُصِّلت في هذا الكتاب تفصيلاً يُعبِّر عن مقدرة فائقة في تتبُّع طُرُق وأسانيد أحاديث الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ابتداءً من طبقة الصحابة، ثمّ التابعين، ثمّ تابعي التابعين، وصولاً إلى من أخرج هذه الأحاديث من المحدِّثين.
قال أبو الفيض: (ولا يخفى أنَّ العادة قاضية باستحالة تواطؤ جماعة يبلغ عددهم ثلاثين نفساً فأزيد في جميع الطبقات، وذلك فيما بلغنا وأمكننا الوقوف عليه في الحال، فقد وجدنا خبر المهدي وارداً من حديث أبي سعيد الخدري، وعبد الله بن مسعود، وعليِّ بن أبي طالب، وأُمِّ سَلَمة، وثوبان، وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، وأبي هريرة، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وقرة بن أياس المزني، وابن عبَّاس، وأُمِّ حبيبة، وأبي أُمامة، وعبد الله ابن عمرو بن العاص، وعمَّار بن ياسر، والعبَّاس بن عبد المطَّلب، والحسين بن عليٍّ، وتميم الداري، وعائشة، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمر بن

(٣٦)

الخطَّاب، وطلحة، وعليٍّ الهلالي، وعمران بن حصين، وعمرو بن مرَّة الجهني، ومعاذ بن جبل. ومن مرسل شهر بن حوشب. وهذا في المرفوعات دون الموقوفات والمقاطيع التي هي في مثل هذا الباب من قبيل المرفوع، ولو تتبَّعنا ذلك لذكرنا منه عدداً وافراً، ولكن في المرفوع منها كفاية)(60).
أقول: إنَّما ذكرت هذا لكي يُعلَم بأنَّ ما فات السيِّد أبا الفيض الغماري من أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) هو أكثر ممَّا ذكره، فقد ذكر ستَّة وعشرين صحابيًّا مع شهر بن حوشب، ولم يذكر ثمانية وعشرين صحابيًّا وهم: أبو أيُّوب الأنصاري، وأبو الجحَّاف، وأبو ذرٍّ الغفاري، وأبو سلمى راعي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأبو وائل، وجابر بن سمرة، والجارود بن المنذر العبدي، وحذيفة بن أسيد، وحذيفة بن اليمان، والحرث بن الربيع، والإمام السبط الحسن (عليه السلام)، وزرُّ بن عبد الله، وزرارة بن عبد الله، وزيد بن أرقم، وزيد ابن ثابت، وسعد بن مالك أبو سعيد الخدري، وسلمان الفارسي، وسهل بن سعد الساعدي، وعبد الرحمن بن سمرة، وعبد الله ابن أبي أوفى، وعبد الله بن جعفر الطيَّار، وعثمان بن عفَّان، والعلاء بن شبر المزني، وعلقمة بن قيس بن عبد الله، وعمر بن الخطَّاب، وعوف بن مالك، ومجمع بن جارية، ومعاذ بن جبل، وهو من أوائل الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه)، فقد مات معاذ سنة (18هـ)(61).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(60) إبراز الوهم المكنون (ص 7 و8).
هذا، ولأبي الفيض أخ يُعَدُّ من فضلاء علماء المغرب، يُكنَّى بأبي الفضل الغماري، وهو صاحب كتاب (الإمام المهدي)، وقد زاد فيه ما ذكره أخوه في (إبراز الوهم) ثلاثة من أسماء الصحابة، وخمسة من التابعين الذين رووا أحاديث المهدي، ثمّ أثبت ألفاظ روايات من ذكرهم واحداً بعد آخر حتَّى شغل بذلك ما يزيد على نصف صفحات الكتاب.
(61) في معجم أحاديث الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) (خمس مجلَّدات) إحصاء دقيق لجميع روايات الصحابة في المهدي (عجَّل الله فرجه)، مع بيان مصادرها عند أهل السُّنَّة والشيعة الإماميَّة، فراجعه.

(٣٧)

وعلى أيَّة حالٍ، فقد تتبَّع أبو الفيض الغماري الشافعي أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) المرويَّة عن أكثر من ثلاثين صحابيًّا، مبيِّناً من رواها عنهم ومن أخرجها من المحدِّثين بكلِّ دقَّة وتفصيل.
وسوف نقتصر على ما قاله عن حديث أبي سعيد الخدري وحده، وهو أوَّل صحابي ذكره أبو الفيض، وقس عليه أحاديث الصحابة الآخرين.
قال: (أمَّا حديث أبي سعيد الخدري، فورد عنه من طريق: أبي نضرة، وأبي الصدِّيق الناجي، والحسن بن يزيد السعدي.
أمَّا طريق أبي نضرة:
فأخرجه أبو داود والحاكم كلاهما من رواية عمران القطَّان عنه.
وأخرجه مسلم في صحيحه من رواية سعيد بن زيد، ومن رواية داود بن أبي هند، كلاهما عنه. لكن وقع في (صحيح مسلم) ذكره بالوصف لا بالاسم كما سيأتي.
وأمَّا طريق أبي الصدِّيق الناجي، عن أبي سعيد:
فأخرجه عبد الرزَّاق والحاكم من رواية معاوية بن قرة عنه.
وأخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم من رواية زيد العمِّي عنه.
وأخرجه أحمد والحاكم من رواية عوف بن أبي جميلة الأعرابي عنه.
وأخرجه الحاكم من رواية سليمان بن عبيد عنه.
وأخرجه أحمد والحاكم من رواية مطر بن طهمان، وأبي هارون العبدي، كلاهما عنه.
وأخرجه أحمد أيضاً من رواية مطر بن طهمان وحده عنه.
وأخرجه أيضاً من رواية العلاء بن بشير المزني عنه.
وأخرجه أيضاً من رواية مطرف عنه.

(٣٨)

وأمَّا طريق الحسن بن يزيد السعدي:
فأخرجه الطبراني في (الأوسط) من رواية أبي واصل عبد الحميد بن واصل، عن أبي الصدِّيق الناجي، عنه)(62).
أقول: لو رجعت إلى تاريخ ابن خلدون لوجدته لم يعرف أغلب هذه الطُّرُق، إذ لم يذكر من طُرُق حديث أبي سعيد إلَّا القليل، فضلاً عمَّا تركه من أحاديث الصحابة الآخرين.
ولا يخفى أنَّ القدر المشترك في جميع هذه الطُّرُق إلى حديث أبي سعيد الخدري فقط دون سواه هو ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في آخر الزمان، ولا شكَّ أنَّ النظر إلى جميع الطُّرُق التي وردت بها أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) عن جميع الصحابة يقطع بتواتر ما بشَّر به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بل حتَّى لو افترضنا وجود طريق واحد فقط لكلِّ صحابي ذُكِرَ فهو يكفي للإذعان بالتواتر، وقد مرَّ أنَّ عددهم يزيد على الخمسين صحابيًّا.
رابعاً: صحَّة أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه):
سنذكر في هذه الفقرة بعض من صرَّح بصحَّة أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) من أعلام أهل السُّنَّة حسبما وقفنا عليه في مؤلَّفاتهم، على أنَّه ليس هدفنا الاستقصاء بل إعطاء النموذج المقتدى، وكما يلي:
1 - الإمام الترمذي (ت 279هـ)، قال عن ثلاثة أحاديث في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه): (هذا حديث حسن صحيح)(63)، وقال عن حديث رابع: (هذا حديث حسن)(64).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(62) إبراز الوهم المكنون (ص 8 و9).
(63) سُنَن الترمذي (ج 3/ ص 342 و343/ ح 2330 - 2332).
(64) سُنَن الترمذي (ج 3/ ص 343/ ح 2333).

(٣٩)

2 - الحافظ أبو جعفر العقيلي (ت 322هـ)، أورد حديثاً ضعيفاً في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، ثمّ قال: (وفي المهدي أحاديث جياد من غير هذا الوجه بخلاف هذا اللفظ)(65).
3 - الحاكم النيسابوري (ت 405هـ)، قال عن أربعة أحاديث: (هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يُخرِّجاه)(66)، وعن ثلاثة أحاديث: (هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم، ولم يُخرِّجاه)(67)، وعن ثمانية أحاديث: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يُخرِّجاه)(68).
4 - الإمام البيهقي (ت 458هـ)، قال: (والأحاديث على خروج المهدي أصحّ إسناداً)(69).
5 - الإمام البغوي (ت 510 أو 516هـ)، أخرج حديثاً في المهدي (عجَّل الله فرجه) في فصل (الصحاح)(70)، وخمسة أحاديث فيه أيضاً في فصل (الحسان) من كتابه (مصابيح السُّنَّة)(71).
6 - ابن الأثير (ت 606هـ)، قال في (النهاية) في مادَّة (هدا): (ومنه الحديث: «سُنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين»، المهدي: الذي قد هداه الله إلى الحقِّ، وقد استُعمِلَ في الأسماء حتَّى صار كالأسماء الغالبة، وبه سُمِّي المهدي الذي بشَّر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(65) الضعفاء الكبير (ج 3/ ص 254/ الرقم1257) في ترجمة عليِّ بن نفيل الحرَّاني.
(66) مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 429 و465 و553 و558).
(67) مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 450 و557 و558).
(68) مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 429 و442 و457 و458 و464 و502 و520 و554 و557).
(69) البعث والنشور (ص 136).
(70) مصابيح السُّنَّة (ج 3/ ص 488/ ح 4199).
(71) مصابيح السُّنَّة (ج 3/ ص 492 و493/ ح 4210 - 4213 و4215).

(٤٠)

به رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أنَّه يجيء في آخر الزمان)(72)، وهذا القول لا يصدر إلَّا عمَّن يرى صحَّة أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه)، بل تواترها على الأصحّ.
7 - القرطبي المالكي (ت 671هـ)، وهو من القائلين بالتواتر.
وما يهمُّنا هنا أنَّه قال عن حديث ابن ماجة في المهدي (عجَّل الله فرجه): (إسناده صحيح)(73) مصرِّحاً بأنَّ حديث «المَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ» هو أصحّ من حديث محمّد بن خالد الجندي(74) الذي سنناقشه فيما بعد.
8 - ابن تيميَّة (ت 728 هـ)، قال في (منهاج السُّنَّة): (إنَّ الأحاديث التي يحتجُّ بها - يعني: العلَّامة الحلِّي - على خروج المهدي، أحاديث صحيحة)(75).
9 - الحافظ الذهبي (ت 748 هـ)، سكت عن جميع ما صحَّحه الحاكم في مستدركه من أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) مصرِّحاً بصحَّة حديثين(76). وردُّه على بعض ما صحَّحه الحاكم من أحاديث في الفضائل ونحوها دليل على أنَّ سكوته إزاء ما صحَّحه الحاكم معبِّر عن موافقته على ذلك التصحيح.
10 - الكنجي الشافعي (ت 658هـ)، قال عن حديث أخرجه الترمذي وصحَّحه في المهدي (عجَّل الله فرجه): (هذا حديث صحيح)، وعن آخر مثله(77).
وقال عن حديث: «المهدي منِّي أجلى الجبهة»: (هذا الحديث ثابت حسن صحيح)(78).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(72) النهاية في غريب الحديث والأثر (ج 5/ ص 254).
(73) التذكرة في أحوال الموتى وأُمور الآخرة (ج 2/ ص 333).
(74) التذكرة في أحوال الموتى وأُمور الآخرة (ج 2/ ص 331).
(75) منهاج السُّنَّة (ج 8/ ص ٢٥٤).
(76) التلخيص للذهبي المطبوع بهامش مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 553 و558).
(77) البيان في أخبار صاحب الزمان (ص 481)؛ وانظر حديثي الترمذي في سُنَنه (ج 3/ ص 342 و343/ ح 2330 و2331).
(78) البيان في أخبار صاحب الزمان (ص 500 و501).

(٤١)

وقال عن حديث: «المَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ»: (هذا حديث حسن صحيح)(79).
11 - الحافظ ابن قيِّم (ت 751هـ)، اعترف بحسن بعض أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) وصحَّة بعضها الآخر بعد أنْ أورد جملة منها(80)، وابن قيِّم من القائلين بالتواتر كما سيأتي.
12 - ابن كثير (ت 774هـ)، قال عن سند حديث في المهدي (عجَّل الله فرجه): (وهذا إسناد قوي صحيح)(81)، ثمّ نقل حديثاً عن ابن ماجة وقال: (هذا حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم))(82).
13 - التفتازاني (ت 793هـ)، قال عن خروج المهدي (عجَّل الله فرجه) في آخر الزمان: (وقد ورد في هذا الباب أخبار صحاح)(83).
14 - نور الدِّين الهيثمي (ت 807هـ)، أورد جملة من الأحاديث في المهدي (عجَّل الله فرجه)، واعترف بصحَّتها ووثاقة رواتها.
فقال عن أحدها: (قلت: رواه الترمذي وغيره باختصار كثير، ورواه أحمد بأسانيد، وأبو يعلى باختصار كثير. ورجالهما ثقات)(84).
وقال عن آخر: (رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح)(85).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(79) البيان في أخبار صاحب الزمان (ص 486).
(80) راجع: المنار المنيف (ص 141 - 148).
(81) النهاية في الفتن والملاحم (ج 1/ ص 55).
(82) النهاية في الفتن والملاحم (ج 1/ ص 56 و57).
(83) شرح المقاصد (ج 5/ ص 312).
(84) مجمع الزوائد (ج 7/ ص 313 و314).
(85) مجمع الزوائد (ج 7/ ص 315).

(٤٢)

وقال عن ثالث: (ورجاله ثقات)(86).
وقال عن رابع: (رواه البزَّار، ورجاله رجال الصحيح)(87).
وقال عن خامس: (رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات)(88).
15 - السيوطي (ت 911هـ)، رمز لبعض الأحاديث الواردة في المهدي (عجَّل الله فرجه) بعلامة (صحّ)(89)، أي: صحيح، ولبعضها الآخر بعلامة (ح)(90)، أي: حسن.
16- الشوكاني (ت 1250هـ)، نقل عنه القنَّوجي في (الإذاعة) قوله بصحَّة أحاديث الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بل وتواترها أيضاً(91)، وقد مرَّ أنَّه ألَّف رسالة في تواتر أحاديث الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
17 - ناصر الدِّين الألباني، قال في مقال له بعنوان: (حول المهدي) ما نصُّه: (أمَّا مسألة المهدي فليُعلَم أنَّ في خروجه أحاديث صحيحة، قسم كبير منها له أسانيد صحيحة)(92)، على أنَّ الألباني من المصرِّحين بالتواتر أيضاً.
ونكتفي بهذا القدر للاختصار، على أنَّ بعض الباحثين قد أوصل اعترافات العلماء والمحقِّقين بصحَّة أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) إلى أكثر من ستِّين اعترافاً(93).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(86) مجمع الزوائد (ج 7/ ص 316).
(87) المصدر السابق.
(88) مجمع الزوائد (ج 7/ ص 317).
(89) الجامع الصغير (ص 552 و553/ ح 9241 و9244 و9245).
(90) الجامع الصغير (ص 459/ ح 7489، وص 552/ ح 9243).
(91) الإذاعة لما كان وما يكون (ص 150).
(92) حول المهدي (ص 644) مقال نُشِرَ في مجلَّة التمدُّن الإسلامي/ دمشق، (السنة 22/ ذي القعدة 1371هـ).
(93) دفاع عن الكافي (ج 1/ ص 343 - 405).

(٤٣)

خامساً: تصريح العلماء بتواتر أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه):
صرَّح علماء الدراية وجملة من ذوي الاختصاص بعلوم الحديث دراسةً وتدريساً بتواتر أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) الواردة في كُتُب أهل السُّنَّة من الصحاح والمسانيد وغيرها، وبالنظر لكثرتهم سوف نقتصر على ذكر بعضهم، وهم:
1 - البربهاري شيخ الحنابلة وكبيرهم في عصره (ت 329هـ)، نقل عنه الشيخ حمُّود التويجري في كتابه (الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظَر) أنَّه قال في كتابه (شرح السُّنَّة): (الإيمان بنزول عيسى بن مريم (عليه السلام) ينزل... ويُصلِّي خلف القائم من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم))(94)، ولا يخفى أنَّ (الإيمان) يعني: الاعتقاد، والاعتقاد لا يُبنى على خبر الآحاد.
2 - محمّد بن الحسين الآبري الشافعي (ت 363هـ)، قال في كتابه (مناقب الشافعي): (قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمجيء المهدي، وأنَّه من أهل بيته، وأنَّه سيملك سبع سنين، وأنَّه يملأ الأرض عدلاً، [وأنَّه] يخرج مع عيسى (عليه السلام) فيساعده على قتل الدجَّال).
وقد نقل هذا عنه القرطبي المالكي في (التذكرة)، والمزِّي في (تهذيب الكمال) في ترجمة محمّد بن خالد الجندي، وابن قيِّم في (المنار المنيف)، وغيرهم(95).
3 - القرطبي المالكي (ت 716هـ)، نقل قول الآبري المتقدِّم، وأيَّده بتصحيح ما أورده من أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه)، واحتجَّ بقول الإمام الحافظ الحاكم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(94) الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظَر (ص 28).
(95) التذكرة في أحوال الموتى وأُمور الآخرة (ج 2/ ص 331)، تهذيب الكمال (ج 25/ ص 149/ الرقم 5181)، المنار المنيف (ص 140).

(٤٤)

النيسابوري: (والأحاديث عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة، ثابتة)(96).
وقال في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن) في تفسير الآية (33) من سورة التوبة: (الأخبار الصحاح قد تواترت على أنَّ المهدي من عترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم))(97).
4 - الحافظ المتقن جمال الدِّين المزِّي (ت 742هـ)، احتجَّ بقول الآبري المتقدِّم في تواتر أحاديث الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، ولم يتعرَّض له بشيء، بل أطلقه إطلاق المسلَّمات(98).
5 - ابن قيِّم (ت 751هـ)، أيَّد قول الآبري أيضاً، وذلك بتقسيم أحاديث الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) إلى أربعة أقسام: الصحاح، والحسان، والغرائب، والموضوعة(99)، ولا يخفى بأنَّ مجموع الصحاح والحسان ممَّا يبلغ التواتر لكثرته واستفاضته.
6 - ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ)، نقل القول بالتواتر عن غيره(100)، وأيَّده بقوله: (وفي صلاة عيسى خلف رجل من هذه الأُمَّة - مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة - دلالة للصحيح من الأقوال: إنَّ الأرض لا تخلو من قائم لله بحجَّة)(101).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(96) التذكرة في أحوال الموتى وأُمور الآخرة (ج 2/ ص 331).
(97) تفسير القرطبي (ج 8/ ص 121 و122).
(98) تهذيب الكمال (ج 25/ ص 149/ الرقم 5181).
(99) المنار المنيف (ص 148).
(100) تهذيب التهذيب (ج 9/ ص 126/ الرقم 202).
(101) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (ج 6/ ص 358 و359).

(٤٥)

7 - شمس الدِّين السخاوي (ت 902هـ)، صرَّح غير واحد من العلماء بأنَّ السخاوي من المصرِّحين بتواتر أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه)، منهم: العلَّامة الشيخ محمّد العربي الفاسي في كتابه (المراصد)، والمحقِّق أبو زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي في (مبهج المقاصد)، على ما نقله عنهما أبو الفيض الغماري(102). ومنهم أبو عبد الله محمّد ابن جعفر الكتَّاني (ت 1345هـ) في (نظم المتناثر من الحديث المتواتر)(103).
8 - السيوطي (ت 911هـ)، صرَّح بتواتر أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) في (الفوائد المتكاثرة في الأحاديث المتواترة)، وفي اختصاره المسمَّى بـ(الأزهار المتناثرة)، وغيرهما من كُتُبه على حدِّ تعبير السيِّد الغماري الشافعي(104).
9 - ابن حجر الهيتمي (ت 974هـ)، دافع عن عقيدة المسلمين بظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) كثيراً، مصرِّحاً بتواترها(105).
10 - المتَّقي الهندي (ت 975هـ)، مؤلِّف (كنز العُمَّال)، دافع المتَّقي الهندي عن عقيدة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) دفاعاً مدعوماً بالحجَّة والبرهان، وذلك في كتابه (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان).
ولعلَّ أهمّ ما في هذا الكتاب هو الفتاوى الأربع المذكورة فيه بخصوص من أنكر ظهور المهدي (عجَّل الله فرجه)، وهي: فتوى ابن حجر الهيتمي الشافعي، وفتوى الشيخ أحمد أبي السرور بن الصبا الحنفي، وفتوى الشيخ محمّد بن محمّد الخطَّابي المالكي، وفتوى الشيخ يحيى بن محمّد الحنبلي.
وقد نصَّ المتَّقي على أنَّ هؤلاء هم علماء أهل مكَّة وفقهاء المسلمين على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(102) المهدي المنتظَر (ص 9 و10).
(103) نظم المتناثر من الحديث المتواتر (ص 226/ الرقم 289).
(104) إبراز الوهم المكنون (ص 4).
(105) الصواعق المحرقة (ص 162 - 167/ باب 11/ فصل 1).

(٤٦)

المذاهب الأربعة، ومن راجع فتاواهم عَلِمَ علم اليقين أنَّهم متَّفقون على تواتر أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه)، وأنَّ منكرها يجب أنْ ينال جزاءه، وصرَّحوا بوجوب ضربه وتأديبه وإهانته حتَّى يرجع إلى الحقِّ على رغم أنفه - على حدِّ تعبيرهم - وإلَّا فيُهدَر دمه(106).
11 - محمّد رسول البرزنجي (ت 1103هـ)، صرَّح بتواتر أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه)، فقال: (أحاديث وجود المهدي، وخروجه آخر الزمان، وأنَّه من عترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومن ولد فاطمة (رضي الله عنها)، بلغت حدَّ التواتر المعنوي، فلا معنى لإنكارها)(107).
12 - الشيخ محمّد بن قاسم بن محمّد جسوس (ت 1182هـ)، نقل الكتَّاني في (نظم المتناثر) تصريحه بالتواتر(108).
13 - أبو العلاء العراقي الفاسي (ت 1183هـ)، له تأليف في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وقد نقل في (نظم المتناثر) تصريحه بالتواتر(109).
14- الشيخ السفاريني الحنبلي (ت 1188هـ)، نقل القنَّوجي عنه أنَّه من القائلين بتواتر أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) في كتابه (اللوامع)(110).
15- الشيخ محمّد بن عليٍّ الصبَّان (ت 1206هـ)، نقل القول بالتواتر عن ابن حجر في (الصواعق) وغيره. واحتجَّ به، ولم يتعقَّبه بشيء، فدلَّ على أنَّه قوله أيضاً(111).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(106) البرهان في علامات مهدي آخر الزمان (ص 177 - 183).
(107) الإشاعة لأشراط الساعة (ص 215 و216).
(108) نظم المتناثر من الحديث المتواتر (ص 226/ الرقم 289).
(109) المصدر السابق.
(110) الإذاعة لما كان وما يكون (ص 183).
(111) إسعاف الراغبين (ص 54).

(٤٧)

16- الشوكاني (ت 1250هـ)، ويكفي لإثبات قوله بتواتر أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) كتابه الشهير (التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظَر والدجَّال والمسيح).
17 - مؤمن بن حسن بن مؤمن الشبلنجي (ت 1291هـ)، صرَّح بتواتر أخبار المهدي (عجَّل الله فرجه)، مؤكِّداً على أنَّه من أهل البيت (عليهم السلام)(112).
18 - أحمد زيني دحلان مفتي الشافعيَّة (ت 1304هـ)، وصف أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) بالكَثْرَة وقال: (وكثرة مخرجيها يقوي بعضها بعضاً حتَّى صارت تفيد القطع)(113)، ولا يخفى أنَّ درجة القطع في الأخبار تحصل بالتواتر.
19 - السيِّد محمّد صدِّيق حسن القنَّوجي البخاري (ت 1307هـ)، قال عن أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه): (والأحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها كثيرة جدًّا تبلغ حدَّ التواتر)(114).
20 - أبو عبد الله محمّد بن جعفر الكتَّاني المالكي (ت 1345هـ)، نقل القول بالتواتر عن جملة ممَّن ذكرناهم، إلى أنْ قال: (والحاصل: أنَّ الأحاديث الواردة في المهدي المنتظَر متواترة)(115).
إلى غير هؤلاء ممَّا لا يتَّسع هذا البحث المختصر لإيراد أقوالهم كلّهم، وقد تتبَّعهم بعض الباحثين ابتداءً من القرن الثالث الهجري وإلى الوقت الحاضر(116).
وهنا لا بدَّ من تسجيل كلمة مهمَّة للأُستاذ بديع الزمان سعيد النورسي -

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(112) نور الأبصار (ص 348).
(113) الفتوحات الإسلاميَّة (ج 2/ ص 211).
(114) الإذاعة لما كان وما يكون (ص 149).
(115) نظم المتناثر من الحديث المتواتر (ص 229/ الرقم 291).
(116) دفاع عن الكافي (ج 1/ ص 343 - 405).

(٤٨)

وهو من أفاضل علماء أهل السُّنَّة في أوائل القرن الرابع عشر الهجري -، قال: (ليس في الدنيا قاطبة عصبة متساندة نبيلة شريفة ترقى إلى شرف آل البيت ومنزلتهم، وليس فيها قبيلة متوافقة ترقى إلى اتِّفاق قبيلة آل البيت، وليس فيها مجتمع أو جماعة منوَّرة أنور من مجتمع آل البيت وجماعتهم.
نعم، إنَّ آل البيت الذين غُذُّوا بروح الحقيقة القرآنيَّة، وارتضعوا من منبعها، وتنوَّروا بنور الإيمان وشرف الإسلام، فعرجوا إلى الكمالات، وأنجبوا مئات الأبطال الأفذاذ، وقدَّموا أُلوف القُوَّاد المعنويِّين لقيادة الأُمَّة، لا بدَّ أنَّهم يُظهِرون للدنيا العدالة التامَّة لقائدهم الأعظم المهدي الأكبر، وحقَّانيَّته بإحياء الشريعة المحمّديَّة، والحقيقة الفرقانيَّة، والسُّنَّة الأحمديَّة، وتطبيقها، وإجراءاتها.
وهذا الأمر في غاية المعقوليَّة، فضلاً عن أنَّه في غاية اللزوم والضرورة، بل هو مقتضى دساتير الحياة الاجتماعيَّة)(117).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(117) أشراط الساعة (من كلّيَّات رسائل النور - الشعاع الخامس) (ص 37 و38).

(٤٩)

اتَّضح من خلال ما تقدَّم اتِّفاق المسلمين على الإيمان بظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) المبشَّر به في الأخبار المتواترة عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهنا لا بدَّ للمسلم أنْ يسأل نفسه ويقول: إذا كانت أخبار المهدي (عجَّل الله فرجه) المبشَّر بظهوره في آخر الزمان بهذه الدرجة والوضوح عند علماء الإسلام حتَّى قطعوا بصحَّتها، وصرَّحوا بتواترها، فلماذا اختلفت بعض الروايات الواردة في نسب المهدي (عجَّل الله فرجه)، وربَّما وصل بعضها إلى درجة التناقض والتضادِّ؟ ومِنْ ثَمَّ، فمن هو الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)؟ وهل يمكننا - في خضمِّ هذه الاختلافات - تشخيصه، بحيث لا تكون هناك أدنى شبهة في صرف لقب (المهدي) عن مسمَّاه في الواقع؟
وللإجابة عن ذلك لا بدَّ من بيان نوعيَّة المعوِّقات التي تعترض البعض في تشخيص نسب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) على الرغم من اعتقاده بظهوره في آخر الزمان، ولكن يجب التأكيد - قبل بيان تلك المعوِّقات - على أنَّ من يعتقد بظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بنحو قاطع، ولم يتعيَّن له من هو المهدي على طبق الواقع، فمثله كمثل من يعلم يقينا بوجوب الصلاة ولكنَّه يجهل أركانها، ومن كان كذلك فهو لا يُسمَّى مصلّياً، فكذلك الحال في من ينتظر مهديًّا لا يعرفه، كما سنبرهن عليه.
وعلى أيَّة حالٍ، فإنَّ علاج أيَّة مسألة تعترض تشخيص نسب المهدي (عجَّل الله فرجه) قد تكفَّل بها هذا الفصل، وإذا ما واصل القارئ العزيز الشوط معنا إلى آخره، سيُدرك قسطاً وافراً من الإجابة عن سؤال: من هو المهدي الموعود المنتظَر؟ ونعاهده بأنَّنا سنتجرَّد عن قناعاتنا السابقة حتَّى لا تكون حاكمة على الدليل ما

(٥٣)

دام الهدف هو الوصول إلى الحقِّ سواء كان الحقُّ معنا أو علينا، والعاقل هو من لم يكن بينه وبين الحقِّ عداء، وإنْ تأمَّل في كلامنا هذا فإنَّه سيشهد لنا بالصدق على ما نقوله في علاج معوِّقات التشخيص الحديثيَّة في المباحث التالية.
ونعني بمعوِّقات التشخيص الحديثيَّة: هي تلك الأحاديث التي تبدو متضاربة بعضها ببعض، ممَّا قد يصعب على كثير من الناس - لاسيّما أُولئك الذين ليسوا على اتِّصال مباشر بعلوم الحديث الشريف - معالجتها، ممَّا يُسهِّل - إلى حدٍّ بعيد - وقوع ضعيف الإيمان منهم في شراك اللَّامهدويِّين سواء كانوا من المتسمِّين بالإسلام أو من المعلنين العداء لهذا الدِّين.
أحاديث في نسب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)؟
الأحاديث الصحيحة الواردة في بيان نسب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) على طوائف، وجميعها مؤتلفة غير مختلفة، ولا تُشكِّل عائقاً في تشخيص نسب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) كما سيتَّضح من دراستها على النحو الآتي:
المهدي: كناني، قرشي، هاشمي:
أورد المقدسي الشافعي في (عقد الدُّرَر)، ومثله الحاكم في (المستدرك) حديثاً ينسب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) إلى كنانة، ثمّ إلى قريش، ثمّ إلى بني هاشم، وهو من رواية قتادة، عن سعيد بن المسيّب، قال: قلت لسعيد بن المسيّب: المهدي حقٌّ؟
قال: حقٌّ.
قلت: ممَّن؟ قال: من كنانة.
قلت: ثمّ ممَّن؟ قال: من قريش.
قلت: ثمّ ممَّن؟ قال: من بني هاشم... الحديث.
ثمّ قال: (أخرجه الإمام أبو عمر عثمان بن سعيد المقري في (سُنَنه))، وأورده بلفظ آخر قريب من الأوَّل عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب أيضاً.

(٥٤)

وقال: (أخرجه الإمام أبو الحسين أحمد بن جعفر المنادي، وأخرجه الإمام أبو عبد الله نعيم بن حمَّاد)(118).
وقد يُتصوَّر أنَّ الحديث يتناقض مع نفسه! إذ جمع في نسب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) أنَّه من كنانة تارةً، ومن قريش أُخرى، ومن بني هاشم ثالثة.
والجواب: لا فرق في ذلك كلِّه، فإنَّ كلَّ هاشمي هو من قريش، وكلَّ قرشي هو من كنانة؛ لأنَّ قريش هو النضر بن كنانة باتِّفاق أهل الأنساب.
حديث المهدي من أولاد عبد المطَّلب:
وهو ما رواه ابن ماجة وغيره بالإسناد عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «نَحْنُ ولد عَبْدِ اَلمُطَّلِبِ سَادَةُ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ: أَنَا، وَحَمْزَةُ، وَعَلِيٌّ، وَجَعْفَرٌ، وَاَلْحَسَنُ، وَاَلْحُسَيْنُ، وَاَلمَهْدِيُّ»(119).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(118) عقد الدُّرَر (ص 22 و23/ الباب الأوَّل).
(119) سُنَن ابن ماجة (ج 2/ ص 1368/ ح 4087)؛ ورواه بتفاوت يسير: الصدوق (رحمه الله) في أماليه (ص 562 و563/ ح 757/15)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 183/ ح 142)، والفتَّال النيسابوري (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 269)، وابن بطريق (رحمه الله) في عمدة عيون صحاح الأخبار (ص 52/ ح 48، وص 430/ ح 900) وعبد الله بن حبَّان في طبقات المحدِّثين بأصبهان (ج 2/ ص 291)، والحاكم في المستدرك (ج 3/ ص 211)، والثعلبي في تفسيره (ج 8/ ص 312)، وابن المغازلي في مناقب عليِّ بن أبي طالب (ص 60 و61/ ح 69)، والخوارزمي في مقتل الحسين (عليه السلام) (ج 1/ ص 161 و162/ ح 64)، وابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول (ص 483)، والكنجي الشافعي في البيان في أخبار صاحب الزمان (ص 488)، والمحبُّ الطبري في ذخائر العقبى (ص 15 و89)، والجويني في فرائد السمطين (ج 2/ ص 32/ ح 370)، وابن خلدون في تاريخه (ج 1/ ص 319)، وابن الصبَّاغ في الفصول المهمَّة (ج 2/ ص 1110)، والباعوني في جواهر المطالب (ج 1/ ص 228)، والصالحي الشامي في سُبُل الهدى والرشاد (ج 11/ ص 7 و8)، والسيوطي في العرف الوردي (ص 82/ ح 7)، وابن حجر الهيتمي في القول المختصر (ص 116)، والمتَّقي الهندي في كنز العُمَّال (ج 12/ ص 97/ ح 34162).

(٥٥)

وأورده في (عقد الدُّرَر) بلفظ: «نَحْنُ سَبْعَةٌ بَنُو عَبْدِ اَلمُطَّلِبِ سَادَاتُ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ: أَنَا، وَأَخِي عَلِيٌّ، وَعَمِّي حَمْزَةُ، وَجَعْفَرٌ، وَاَلْحَسَنُ، وَاَلْحُسَيْنُ، وَاَلمَهْدِيُّ»، ثمّ قال: (أخرجه جماعة من أئمَّة الحديث في كُتُبهم، منهم: الإمام أبو عبد الله محمّد ابن يزيد بن ماجة القزويني في (سُنَنه)، وأبو القاسم الطبراني في (معجمه)، والحافظ أبو نعيم الأصبهاني، وغيرهم)(120).
وهذا الحديث لا يعارض ما تقدَّم بل يُقيِّد(121) ما قبله، إذ لا خلاف في كون عبد المطَّلب جدِّ النبيِّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ابناً لهاشم، فأبناء عبد المطَّلب هاشميُّون بالضرورة، فالمهدي (عجَّل الله فرجه) إذن من أولاد عبد المطَّلب بن هاشم القرشي الكناني.
حديث المهدي من ولد أبي طالب:
وهذا الحديث أخرجه الشيخ المفيد في (الإرشاد)، والمقدسي الشافعي في (عقد الدُّرَر)، وقال: (أخرجه نعيم بن حمَّاد في كتاب (الفتن)).
والحديث من رواية سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ اَلمَنْصُورِ، فَقَالَ لِيَ اِبْتِدَاءً: يَا سَيْفَ بْنَ عَمِيرَةَ، لَا بُدَّ مِنْ مُنَادٍ يُنَادِي مِنَ اَلسَّمَاءِ بِاسْمِ رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ أَبِي طَالِبٍ.
فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ، تَرْوِي هَذَا؟
قَالَ: إِي وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لِسَمَاعِ أُذُنِي لَهُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(120) عقد الدُّرَر (ص 144/ الباب السابع)؛ ورواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (ج 2/ ص 95)، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (ج 9/ ص 440)، والمقدسي الشافعي في عقد الدُّرَر (ص 110 و111)؛ ورواه بتفاوت يسير الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 8/ ص 209 و210/ ح 255)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 433 و434/ ح 423)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1157) مختصراً، والإربلي (رحمه الله) في كشف الغمَّة (ج 3/ ص 257).
(121) المراد بالتقييد هنا: حصر نسب المهدي بأولاد عبد المطَّلب بعد أنْ كان النسب إلى قريش مطلقاً.

(٥٦)

فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ، إِنَّ هَذَا اَلْحَدِيثَ مَا سَمِعْتُهُ قَبْلَ وَقْتِي هَذَا!
فَقَالَ: يَا سَيْفُ، إِنَّهُ لَحَقٌّ، وَإِذَا كَانَ فَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يُجِيبُهُ، أَمَا إِنَّ اَلنِّدَاءَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَمِّنَا.
فَقُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ؟
فَقَالَ: نَعَمْ يَا سَيْفُ، لَوْ لَا أَنَّنِي سَمِعْتُ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ يُحَدِّثُنِي بِهِ، وَحَدَّثَنِي بِهِ أَهْلُ اَلْأَرْضِ كُلُّهُمْ مَا قَبِلْتُهُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ(122).
وهذا الحديث يُقيِّد ما قبله أيضاً؛ لأنَّ كلَّ من انتسب إلى أبي طالب بالولادة لا شكَّ في انتسابه إلى أبيه عبد المطَّلب.
وبغضِّ النظر عن التصريح الوارد في هذا الحديث بكون المهدي (عجَّل الله فرجه) من أولاد فاطمة (عليها السلام) - لما سنبحثه بطائفة أُخرى من الأحاديث - ستكون النتيجة إلى هنا هي: أنَّ المهدي المبشَّر بظهوره في آخر الزمان إنَّما هو من أولاد أبي طالب ابن عبد المطَّلب بن هاشم القرشي الكناني.
أحاديث المهدي من ولد العبَّاس:
لا شكَّ أنَّ هذه الطائفة من الأحاديث تُشكِّل عائقاً في تشخيص نسب المهدي بدقَّة؛ لأنَّ أولاد العبَّاس غير أولاد أبي طالب، ولهذا لا بدَّ من دراسة هذه الطائفة من الأحاديث، فنقول:
يمكن تقسيم الأحاديث الواردة في هذا الشأن إلى قسمين، وهما:
أوَّلاً: الأحاديث المجملة في هذا المعنى:
وهي منحصرة بأحاديث الرايات، منها: ما أخرجه أحمد في (مسنده)، عَنْ ثَوْبَانِ، عَنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ الرَّايَاتِ السُّودَ قَدْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(122) الإرشاد (ج 2/ ص 370 و371)، عقد الدُّرَر (ص 110 و111).

(٥٧)

أَقْبَلَتْ مِنْ خُرَاسَانَ، فَأْتُوهَا وَلَوْ حَبْواً عَلَى الثَّلْجِ، فَإِنَّ فِيهَا خَلِيفَةَ الله المَهْدِيَّ»(123).
وقريب منه حديث ابن ماجة في (سُنَنه)(124).
كما روى الترمذي بسنده، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّهُ قَالَ: «تَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ رَايَاتٌ سُودٌ، فَلَا يَرُدُّهَا شَيْءٌ حَتَّى تُنْصَبَ بِإِيلِيَاءَ»(125).
وهذه الأحاديث وإنْ لم يُصرَّح فيها بكون المهدي (عجَّل الله فرجه) من ولد العبَّاس، لكنَّه قد يستفيد البعض منها دلالتها عليه، بتقريب: أنَّ تلك الرايات السود يحتمل أنْ تكون هي الرايات التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني من خراسان، فوطَّد بها دولة بني العبَّاس، فتكون تلك الأحاديث ناظرة إلى المهدي العبَّاسي!
ضعف الأحاديث المجملة مع عدم دلالتها على نسب المهدي (عجَّل الله فرجه):
إنَّ حديث (مسند أحمد) و(سُنَن ابن ماجة) ضعَّفهما غير واحد من العلماء، منهم ابن قيِّم في (المنار المنيف)، ثمّ قال: (وهذا - أي: حديث ابن ماجة - والذي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(123) مسند أحمد (ج 37/ ص 70/ ح 22387) بتفاوت يسير؛ ورواه ابن المنادي في الملاحم (ص 194/ ح 138/3)، والحاكم في المستدرك (ج 4/ ص 502)، والبيهقي في دلائل النبوَّة (ج 6/ ص 516)، والذهبي في ميزان الاعتدال (ج 3/ ص 128)، وابن كثير في البداية والنهاية (ج 6/ ص 276)، والمقريزي في إمتاع الأسماع (ج 12/ ص 296 و297)، والسيوطي في العرف الوردي (ص 106/ ح 56)، وابن حجر الهيتمي في القول المختصر (ص 126)، والمتَّقي الهندي في كنز العُمَّال (ج 14/ ص 261/ ح 38651).
(124) سُنَن ابن ماجة (ج 2/ ص 1366/ ح 4082).
(125) سُنَن الترمذي (ج 3/ ص 362/ ح 2371)؛ ورواه أحمد بن حنبل في مسنده (ج 14/ ص 383/ ح 8775)، والطبراني في المعجم الأوسط (ج 4/ ص 31)، وابن كثير في البداية والنهاية (ج 6/ ص 276، وج 10/ ص 55)، وابن حجر العسقلاني في القول المسدَّد (ص 69)، والسيوطي في العرف الوردي (ص 95/ ح 24)، وابن حجر الهيتمي في القول المختصر (ص 120)، والمتَّقي الهندي في كنز العُمَّال (ج 14/ ص 261/ ح 38652).

(٥٨)

قبله لو صحَّ لم يكن فيه دليل على أنَّ المهدي الذي تولَّى من بني العبَّاس هو المهدي الذي يخرج في آخر الزمان)(126).
وممَّا يدلُّ على ذلك هو أنَّ المهدي العبَّاسي قد مات سنة (169هـ)، وقد شهد عصره تدخُّل النساء في شؤون دولته، فقد ذكر الطبري تدخُّل الخيزران زوجة الخليفة المهدي العبَّاسي بشؤون دولته، وأنَّها استولت على زمام الأُمور في عهد ابنه الهادي(127)، ومن يكون هذا شأنه فكيف يُسمَّى بخليفة الله في أرضه؟!
هذا، زيادةً على أنَّ المهدي العبَّاسي، بل خلفاء بني العبَّاس كلُّهم لم يكونوا في آخر الزمان، ولم يحث المال حثواً أحد منهم، ولم يُبايَعوا بين الركن والمقام، ولم يقتلوا الدجَّال، ولم ينزل نبيُّ الله عيسى (عليه السلام) ليُصلِّي خلف مهديِّهم، ولم تُخسَف البيداء في عهدهم، ولم تظهر أدنى علامة من علامات ظهور المهدي (عجَّل الله فرجه) في سائر عصورهم.
وأمَّا عن حديث الترمذي، فقد وصفه ابن كثير بأنَّه حديث غريب، ثمّ قال: (وهذه الرايات السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلهب بها دولة بني أُميَّة في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، بل رايات سود أُخَر تأتي بصحبة المهدي...، والمقصود أنَّ المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل خروجه وظهوره من ناحية المشرق)(128).
أقول: لا يبعد استغلال دعاة العبَّاسيِّين لمثل هذه الأحاديث ترويجاً لأمرهم، كما يدلُّ عليه وضعهم لأحاديث صريحة في هذا المعنى، كما سنقف عليه في هذا البحث، وإلَّا فمن الصعب جدًّا إنكار حديث الرايات السود الذي لا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(126) المنار المنيف (ص 150).
(127) تاريخ الطبري (ج 6/ ص 421).
(128) النهاية في الفتن والملاحم (ج 1/ ص 55 و56).

(٥٩)

يدلُّ على أكثر من خروج الجيش المؤيِّد للمهدي من جهة المشرق، لروايته بطُرُق كثيرة صحَّح الحاكم بعضها على شرط البخاري ومسلم(129).
ثانياً: الأحاديث المصرِّحة بهذا المعنى:
1 - حديث «المهدي من ولد العبَّاس عمِّي»(130)، فقد أورده السيوطي في (الجامع الصغير)، وقال: (حديث ضعيف)(131).
وقال المناوي الشافعي في (فيض القدير): (رواه الدارقطني في الأفراد...، قال ابن الجوزي: فيه محمّد بن الوليد المقري، قال ابن عدي: يضع الحديث ويصله ويسرق ويقلب الأسانيد والمتون. وقال ابن أبي معشر: هو كذَّاب، وقال السمهودي: ما بعده وما قبله أصحّ منه، وأمَّا هذا ففيه محمّد بن الوليد، وضَّاع)(132).
وضعَّفه السيوطي في (الحاوي)(133)، وابن حجر في (صواعقه)(134)، والصبَّان في (إسعافه)(135)، وأبو الفيض في (إبراز الوهم المكنون)(136)، وأوردوا كلمات كثيرة تُصرِّح بوضعه.
2 - حديث ابن عمر: «رجل يخرج من ولد العبَّاس»، فقد رواه في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(129) مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 502).
(130) تاريخ مدينة دمشق (ج 53/ ص 414)، ذخائر العقبى (ص 206)، تاريخ الإسلام (ج 10/ ص 436)، جواهر العقدين (ج 2/ ص 198).
(131) الجامع الصغير (ص 552/ ح 9242).
(132) فيض القدير شرح الجامع الصغير (ج 6/ ص 361/ ح 9242).
(133) الحاوي للفتاوي (ج 2/ ص 102).
(134) الصواعق المحرقة (ص 166).
(135) إسعاف الراغبين (ص 54).
(136) إبراز الوهم المكنون (ص 133).

(٦٠)

(خريدة العجائب) مرسَلاً عن ابن عمر(137)، وهو من الموقوف عليه، وهو زيادةً على إرساله المُسقِط لحجّيَّته لم يُصرَّح فيه بالمهدي، فالأولى إلحاقه بالقسم الأوَّل المجمل وإنْ صُرِّح فيه باسم العبَّاس.
3 - حديث ابن عبَّاس، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال لعمِّه العبَّاس: «إنَّ الله ابتدأ بي الإسلام، وسيختمه بغلام من ولدك، وهو الذي يتقدَّم عيسى بن مريم».
فقد رواه الخطيب البغدادي في (تاريخه)(138)، وفي إسناده محمّد بن مخلد، وابن مخلد هذا ضعَّفه الذهبي، وتعجَّب من عدم تضعيف الخطيب لابن مخلد، فقال: (رواه عن محمّد بن مخلد العطَّار، فهو آفته، والعجب أنَّ الخطيب ذكره في تاريخه ولم يُضعِّفه، وكأنَّه سكت عنه لانتهاك حاله)(139).
4 - حديث أُمِّ الفضل، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يا عبَّاس، إذا كانت سنة خمس وثلاثين ومائة فهي لك ولولدك، منهم السفَّاح، ومنهم المنصور، ومنهم المهدي».
وهذا الحديث أخرجه الخطيب أيضاً، وابن عساكر عن أُمِّ الفضل(140).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(137) خريدة العجائب (ص 436).
(138) تاريخ بغداد (ج 4/ ص 93)، وبتفاوت يسير في (ج 4/ ص 339)؛ ورواه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (ج 26/ ص 350 و351)، والمحبُّ الطبري في ذخائر العقبى (ص 206)، وابن حجر العسقلاني في لسان الميزان (ج 5/ ص 408)، والصالحي الشامي في سُبُل الهدى والرشاد (ج 10/ ص 92 و173)، والكناني في تنزيه الشريعة (ج 2/ ص 11/ ح 22، وص 18)، والرياربكري في تاريخ الخميس (ج 2/ ص 288)، والمتَّقي الهندي في كنز العُمَّال (ج 14/ ص 271/ ح 38693 و38694).
(139) ميزان الاعتدال (ج 1/ ص 89/ الرقم 328).
(140) تاريخ بغداد (ج 1/ ص 85)، تاريخ مدينة دمشق (ج 26/ ص 352)؛ ورواه الصالحي الشامي في سُبُل الهدى والرشاد (ج 10/ ص 92)، والكناني في تنزيه الشريعة (ج 2/ ص 25/ ح 58)، وابن حجر الهتمي في القول المختصر (ص 33 و34)، والفتني في تذكرة الموضوعات (ص 100).

(٦١)

قال الذهبي عنه: ([وفي السند] أحمد بن راشد الهلالي، عن سعيد بن خيثم، بخبر باطل في ذكر بني العبَّاس من رواية خيثم، عن حنظلة...)، إلى أنْ قال عن أحمد بن راشد: (فهو الذي اختلقه بجهل)(141).
أقول: أشار الذهبي بهذا إلى جهل أحمد بن راشد في وضع الحديث؛ لأنَّ حكم العبَّاسيين لم يبدأ بسنة (135هـ) وإنَّما بدأ حكمهم سنة (132هـ) بالاتِّفاق، وهذا من علامات جهل واضعه بابتداء حكم بني العبَّاس.
5 - ونظير هذا الحديث ما أخرجه السيوطي عن ابن عبَّاس في كتابه (اللئالئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة)، وقال: (موضوع، المتَّهم به: الغلابي)(142).
وأورده ابن كثير في (البداية والنهاية) من رواية الضحَّاك، عن ابن عبَّاس، وقال: (وهذا إسناد ضعيف، والضحَّاك لم يسمع من ابن عبَّاس شيئاً على الصحيح، فهو منقطع)(143).
كما أخرجه الحاكم عن طريق آخر وقع فيه إسماعيل بن إبراهيم المهاجر(144)، وقد حكى أبو الفيض الغماري الشافعي عن الذهبي أنَّ إسماعيل مجمع على ضعفه، وأباه ليس بذاك(145).
هذه هي الأحاديث التي قد يغترُّ بها البعض، فيتصوَّر كونها عائقاً حقيقيًّا أمام تشخيص نسب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(141) ميزان الاعتدال (ج 1/ ص 97/ الرقم 375).
(142) اللئالئ المصنوعة (ج 1/ ص ٣٩٧).
(143) البداية والنهاية (ج 6/ ص 275).
(144) مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 514).
(145) إبراز الوهم المكنون (ص 114).

(٦٢)

وقد اتَّضح أنَّ النتيجة الأخيرة في نسب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وهي كونه من أولاد أبي طالب صحيحة، لوضع أحاديث كون المهدي من ولد العبَّاس، مع عدم دلالة حديث الرايات على شيء يخالف تلك النتيجة.
وسوف يأتي في طوائف أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) الأُخرى ما يُقطَع بأنَّ المهدي ليس من ولد العبَّاس جزماً.
حديث المهدي من ولد عليٍّ (عليه السلام):
ولـمَّا كان لأبي طالب أكثر من ولد، فقد وردت أحاديث عيَّنت المراد وقيَّدت هذا الإطلاق بولده أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ليكون المهدي من أولاده (عليه السلام)، وفي ذلك وردت جملة من الأخبار، منها قول عليٍّ (عليه السلام): «هُوَ رَجُلٌ مِنِّي»(146).
وغير خافٍ على أحد أنَّ لأمير المؤمنين (عليه السلام) أكثر من ولد، وتشخيص نسب المهدي (عجَّل الله فرجه) بهذا الإطلاق متعذِّر، ولكنَّ أمره في غاية السهولة؛ لأنَّ من جملة أحاديث نسب المهدي (عجَّل الله فرجه) المصرَّح بصحَّتها وتواتر نقلها هي تلك الأحاديث الناصَّة تارةً على كون المهدي (عجَّل الله فرجه) من أهل البيت (عليهم السلام)، وأُخرى على أنَّه من العترة، وثالثة على أنَّه من النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ولا ريب في انحصار أهل البيت، والعترة، وولد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأولاد أمير المؤمنين (عليه السلام) من جهة فاطمة الزهراء (عليها السلام).
وإليك نموذجاً من تلك الأحاديث:
أحاديث المهدي من أهل البيت (عليهم السلام):
1 - حديث: «لَا تَنْقَضِي الْأَيَّامُ، وَلَا يَذْهَبُ الدَّهْرُ، حَتَّى يَمْلِكَ الْعَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، اسْمُهُ يُوَاطِئُ اسْمِي».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(146) الغيبة للطوسي (ص 51/ ح 40)، الفتن لنعيم بن حمَّاد (ص 228).

(٦٣)

وهذا الحديث أخرجه أحمد في (مسنده) عن ابن مسعود من عدَّة طُرُق(147)، وأخرجه أيضاً أبو داود في (سُنَنه)(148)، والطبراني في (المعجم الكبير)(149)، وصحَّحه الترمذي(150)، والكنجي الشافعي(151)، وعدَّه البغوي من الأحاديث الحسان(152).
2 - حديث: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الدَّهْرِ إِلَّا يَوْمٌ لَبَعَثَ اللهُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ يَمْلَؤُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً».
وهذا الحديث هو المرويُّ عن عليٍّ (عليه السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
أخرجه أحمد في (مسنده)(153)، وابن أبي شيبة(154)، وأبو داود(155)، والبيهقي(156)، وأشار الطبرسي (رحمه الله) في (مجمع البيان) إلى اتِّفاق المسلمين من الشيعة والسُّنَّة على روايته(157).
وقال أبو الفيض الغماري عن هذا الحديث: (هو صحيح بلا شكٍّ ولا شبهة)(158).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(147) مسند أحمد (ج6/ص44 و45/ح3572 و3573، وج7/ص174 و311/ح4098 و4279).
(148) سُنَن أبي داود (ج 2/ ص 309 و310/ ح 4282).
(149) المعجم الكبير (ج 10/ ص 134/ ح 10218).
(150) سُنَن الترمذي (ج 3/ ص 343/ ح 2331).
(151) البيان في أخبار صاحب الزمان (ص 481).
(152) مصابيح السُّنَّة (ج 3/ ص 492/ ح 4210).
(153) مسند أحمد (ج 2/ ص 163/ ح 773).
(154) المصنَّف لابن أبي شيبة (ج 8/ ص 678 و679/ ح 194).
(155) سُنَن أبي داود (ج 2/ ص 310/ ح 4283).
(156) الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد (ص 284).
(157) مجمع البيان (ج 7/ ص 120).
(158) إبراز الوهم المكنون (ص 95).

(٦٤)

3 - حديث: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَلِيَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي».
وهذا الحديث رواه ابن مسعود، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وأخرجه عن ابن مسعود: أحمد(159)، والترمذي(160)، والطبراني من عدَّة طُرُق(161)، والكنجي وصحَّحه(162)، والشيخ الطوسي (رحمه الله)(163).
وأخرجه أبو يعلى الموصلي في (مسنده) عن أبي هريرة(164).
وقال في (الدُّرِّ المنثور): (وأخرجه الترمذي وصحَّحه عن أبي هريرة)(165).
4 - حديث: «اَلمَهْدِيُّ مِنَّا أَهْلَ اَلْبَيْتِ، أَشَمُّ اَلْأَنْفِ، أَجْلَى اَلجَبْهَةِ، يَمْلَأُ اَلْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً».
وهذا من حديث أبي سعيد الخدري، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وأخرجه عنه عبد الرزَّاق(166)، وصحَّحه الحاكم على شرط مسلم(167)، وأورده الإربلي في (كشف الغمَّة)(168).
أحاديث المهدي من العترة (عليهم السلام):
وردت أحاديث كثيرة بهذا المعنى ننتخب منها واحداً، وهو حديث أبي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(159) مسند أحمد (ج 6/ ص 42/ ح 3571).
(160) سُنَن الترمذي (ج 3/ ص 343/ ح 2332).
(161) المعجم الكبير (ج 10/ ص 134 و135 و136/ ح 10220 و10221 و10227).
(162) البيان في أخبار صاحب الزمان (ص 481).
(163) الغيبة للطوسي (ص 182/ ح 141).
(164) مسند أبي يعلى (ج 12/ ص 19/ ح 6665).
(165) الدُّرُّ المنثور (ج 6/ ص 58).
(166) المصنَّف للصنعاني (ج 11/ ص 372/ ح 20773).
(167) مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 557).
(168) كشف الغمَّة (ج 3/ ص 269).

(٦٥)

سعيد الخدري، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَمْتَلِئَ الْأَرْضُ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي أَوْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي - الترديد من الراوي - يَمْلَؤُهَا قِسْطًا وَعَدْلاً، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا».
أخرجه أحمد(169)، وابن حبَّان(170)، والحاكم وصحَّحه على شرط الشيخين(171)، وأورده الصافي في (منتخب الأثر)(172).
وقال أبو الفيض الغماري الشافعي - بعد دراسة وافية لطُرُق الحديث وتتبُّع حال رواته -: (الحديث صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم)(173).
أحاديث المهدي من ولد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم):
منها: ما رواه أبو سعيد الخدري، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المَهْدِيُّ مِنِّي، أَجْلَى الْجَبْهَةِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا، يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ».
وهذا الحديث صحَّحه الحاكم على شرط مسلم(174)، كما صحَّحه الكنجي الشافعي(175)، والسيوطي(176)، والشيخ منصور عليّ ناصف في (التاج الجامع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(169) مسند أحمد (ج 17/ ص 416/ ح 11313).
(170) صحيح ابن حبَّان (ج 15/ ص 236).
(171) مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 557).
(172) منتخب الأثر (ج 2/ ص 68 و223 و230/ ح 371/ 19 و586/4 و591/9).
(173) إبراز الوهم المكنون (ص 86).
(174) مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 557).
(175) البيان في أخبار صاحب الزمان (ص 500 و501).
(176) الجامع الصغير (ص 552 و553/ ح 9244).

(٦٦)

للأُصول)(177)، وأبو الفيض(178)، وعدَّه البغوي من الحسان(179)، وحكم ابن قيِّم بجودة إسناده(180). وأخرجه عن أبي سعيد: أبو داود(181)، وعبد الرزَّاق(182)، والخطَّابي في (معالم السُّنَن)(183)، ومن الشيعة السيِّد ابن طاوس(184)، وابن بطريق(185).
ومنها: حديث أمير المؤمنين (عليه السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: «اَلمَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِي...، تَكُونُ لَهُ غَيْبَةٌ وَحَيْرَةٌ تَضِلُّ فِيهَا اَلْأُمَمُ، يَأْتِي بِذَخِيرَةِ اَلْأَنْبَيَاءِ (عليهم السلام)، فيَمْلَؤُهَا عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً».
وهذا الحديث أخرجه الشيخ الصدوق (رحمه الله) في (كمال الدِّين)(186)، واحتجَّ به الجويني الشافعي في (فرائد السمطين)(187)، والقندوزي الحنفي في (ينابيع المودَّة)(188).
وبهذا القدر يتَّضح ما ذكرناه من أنَّ المهدي (عجَّل الله فرجه) لا بدَّ وأنْ يكون من ولد عليٍّ (عليه السلام) من جهة فاطمة الزهراء (عليها السلام).
وقد ورد التصريح بهذا أيضاً كما في:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(177) التاج الجامع للأُصول (ج 5/ ص 343).
(178) إبراز الوهم المكنون (ص 78).
(179) مصابيح السُّنَّة (ج 3/ ص 492/ ح 4212).
(180) المنار المنيف (ص 142).
(181) سُنَن أبي داود (ج 2/ ص 310/ ح 4285).
(182) المصنَّف للصنعاني (ج 11/ ص 372/ ح 20773).
(183) معالم السُّنَن (ج 4/ ص 344).
(184) الملاحم والفتن لابن طاوس (ص153/ح189 و190)، عن الفتن لنعيم بن حمَّاد (ص225).
(185) عمدة عيون صحاح الأخبار (ص 433/ ح 910، وص 435/ ح 916).
(186) كمال الدِّين (ص 287/ باب 25/ ح 5).
(187) فرائد السمطين (ج 2/ ص 335/ ح 587).
(188) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 386 و387/ ح 17).

(٦٧)

حديث المهدي من ولد فاطمة (عليها السلام):
وهو من رواية أُمِّ سَلَمة، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «المَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ».
أخرجه عن أُمِّ سَلَمة: أبو داود(189)، وابن ماجة(190)، والطبراني(191)، والحاكم من طريقين(192)، وقد أخرجه أربعة من علماء أهل السُّنَّة عن (صحيح مسلم)(193)، واعترف آخرون بصحَّته وجَوْدَة إسناده، بل وصرَّح بعضهم بتواتره(194).
وقد أخرج نعيم بن حمَّاد بسنده عن عليٍّ (عليه السلام) أنَّه قال: «اَلمَهْدِيُّ رَجُلٌ مِنَّا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(189) سُنَن أبي داود (ج 2/ ص 310/ ح 4284).
(190) سُنَن ابن ماجة (ج 2/ ص 1368/ ح 4086).
(191) المعجم الكبير (ج 23/ ص 267).
(192) مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 557).
(193) أخرجه عن صحيح مسلم كلٌّ من: ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة (ص 163/ باب 11/ فصل 1)، والمتَّقي الهندي في كنز العُمَّال (ج 14/ ص 264/ ح 38662)، والشيخ محمّد بن عليٍّ الصبَّان في إسعاف الراغبين (ص 52)، والشيخ حسن العدوي الحمزاوي المالكي في مشارق الأنوار (ص 202)، فهؤلاء الأربعة اتَّفقت كلمتهم على وجود الحديث في صحيح مسلم، ولكن لا وجود له اليوم في نُسَخه المطبوعة!
(194) حكم الكنجي في البيان في أخبار صاحب الزمان (ص 486/ باب 2) بصحَّة الحديث، وجزم بصحَّته السيوطي في الجامع الصغير (ص 552/ ح 9241)، ومثله في هامش التاج الجامع للأُصول (ج 5/ ص 343)، كما عدَّه البغوي من الحسان في مصابيح السُّنَّة (ج 3/ ص 492/ ح 4211)، وقد حقَّق أبو الفيض في إبراز الوهم (ص 70) سند الحديث وانتهى إلى القول بأنَّه حديث صحيح، وأنَّ رجاله كلَّهم عدول أثبات، واعترف الألباني بجودة إسناده كما في عقيدة أهل السُّنَّة والأثر في المهدي المنتظَر للشيخ عبد المحسن بن حمد العبَّاد (ص 30)، وقد مرَّ القول بتواتره عن القرطبي وغيره، فراجع.

(٦٨)

مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ»(195)، كما أخرج عن الزهري أنَّه قال: (اَلمَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ)(196)، وعن كعب مثله أيضاً(197).
هذا، وقد ورد حديث جامع لمعظم الأخبار المتقدِّمة، وهو المرويُّ عن قتادة، - كما تقدَّم -، قال: قلت لسعيد بن المسيّب: أحقٌّ المهدي؟ قال: نعم، هو حقٌّ، قلت: ممَّن هو؟ قال: من قريش، قلت: من أيِّ قريش؟ قال: من بني هاشم، قلت: من أيِّ بني هاشم؟ قال: من ولد عبد المطَّلب، قلت: من أيِّ ولد عبد المطَّلب؟ قال: من أولاد فاطمة(198).
وعلى الرغم من الاقتراب بهذه النتيجة من جواب السؤال: مَنْ هو المهدي الموعود المنتظَر؟ إلَّا أنَّ العائق ما يزال موجوداً في تشخيص نسبه الشريف بنحو لا يقبل الترديد بين أولاد فاطمة (عليها السلام)، لوضوح أنَّ هذا النسب - بهذا الإطلاق - ينتهي إلى السبطين الحسن والحسين (عليهما السلام).
ولهذا فنحن أمام احتمالات ثلاثة، وهي:
الأوَّل: أنْ يكون المهدي (عجَّل الله فرجه) من أولاد الإمام الحسن السبط (عليه السلام).
الثاني: أنْ يكون من أولاد الإمام الحسين السبط (عليه السلام).
الثالث: أنْ يكون من أولاد السبطين معاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(195) الفتن لنعيم بن حمَّاد (ص 231)، عنه كنز العُمَّال (ج 14/ ص 591/ ح 39675)؛ ورواه السيوطي في العرف الوردي (ص 153/ ح 190)، وابن حجر الهيتمي في القول المختصر (ص 150).
(196) الفتن لنعيم بن حمَّاد (ص 231)، عنه الملاحم والفتن لابن طاوس (ص 176/ ح 237).
(197) الفتن لنعيم بن حمَّاد (ص 231)، عنه الملاحم والفتن لابن طاوس (ص 157/ ح 202).
(198) عقد الدُّرَر (ص 23/ الباب الأوَّل)؛ ورواه بتفاوت يسير نعيم بن حمَّاد في الفتن (ص 228)، وعنه السيِّد ابن طاوس في الملاحم والفتن (ص 157/ ح 201)، ورواه ابن المنادي في الملاحم (ص 179/ ح 121/8).

(٦٩)

أمَّا الاحتمال الثالث، فلا يحتاج قبوله أو ردُّه أكثر من النظر في نتائج البحث في الأخبار المؤيِّدة للاحتمالين الأوَّلين.
وأمَّا فرض احتمال رابع، وهو: كون المهدي (عجَّل الله فرجه) من أولاد غير السبطين، فهو باطل بالضرورة وغير معقول في نفسه؛ لثبوت صحَّة أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) وتواترها بخصوص كونه من أهل البيت (عليهم السلام)، ومن ولد فاطمة (عليها السلام).
إذن لم يبقَ سوى التحقيق في مثبتات الاحتمالين الأوَّلين.
ويجب التنبيه قبل ذلك إلى أنَّه: لو ثبت كذب ما يُؤيِّد الاحتمال الأوَّل، فلا نحتاج أصلاً إلى التحقيق في مثبتات الاحتمال الثاني، إذ سيصدق بالضرورة، ويكون هو المتيقَّن، المقطوع به، المطابق للواقع، لما مرَّ من استحالة كذب الاحتمالين معاً؛ لهذا سوف نستفرغ الوسع بدراسة وتحقيق مثبتات الاحتمال الأوَّل، فنقول:
حديث المهدي من ولد الإمام الحسن السبط (عليه السلام):
لم أجد ما يدلُّ على أنَّ المهدي الموعود المنتظَر هو من ولد الإمام الحسن (عليه السلام) في كُتُب أهل السُّنَّة غير حديث واحد فقط، وربَّما لا يوجد في تراث الإسلام حديث غيره، وهو ما أخرجه أبو داود السجستاني في (سُنَنه)، وإليك نصُّه، قال: حُدِّثْتُ عَنْ هَارُونَ بْنِ المُغِيرَةِ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ (رضي الله عنه) وَنَظَرَ إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ، فَقَالَ : «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ كَمَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَسَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ رَجُلٌ يُسَمَّى بِاسْمِ نَبِيِّكُمْ، يُشْبِهُهُ فِي الْخُلُقِ، وَلَا يُشْبِهُهُ فِي الْخَلْقِ - ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةً -، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً» انتهى بعين لفظه(199).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(199) سُنَن أبي داود (ج 2/ص 311/ح 4290)؛ وأخرجه عنه ابن الأثير في جامع الأُصول (ج 10/ ص 332/ ح 7837)، والمتَّقي الهندي في كنز العُمَّال (ج 13/ص 647/ح 37636).

(٧٠)

بطلان الحديث من سبعة وجوه:
من دراسة سند الحديث ومتنه، ومقارنة ذلك بأحاديث كون المهدي (عجَّل الله فرجه) من ولد الحسين (عليه السلام)، يطمئنُّ الباحث بوضعه، وذلك من سبعة وجوه، وهي:
الوجه الأوَّل: اختلاف النقل عن أبي داود في هذا الحديث، فقد أورد ابن الجزري الشافعي (ت 833هـ) هذا الحديث بسنده عن أبي داود نفسه، وفيه اسم: (الحسين) مكان (الحسن)، فقال: (والأصحّ أنَّه من ذرّيَّة الحسين بن عليٍّ، لنصّ أمير المؤمنين عليٍّ (رضي الله عنه) فيما أخبرنا به شيخنا المسند رحلة زمانه عمر بن الحسن الحرمي قراءةً عليه: أخبرنا أبو الحسن البخاري، أخبرنا عمر بن محمّد الدارقزي، أخبرنا أبو البدر الكرخي، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا أبو عمر الهاشمي، أخبرنا أبو عليٍّ اللؤلؤي، أخبرنا أبو داود الحافظ، قال: حُدِّثْتُ عَنْ هَارُونَ بْنِ المُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ (رضي الله عنه) وَنَظَرَ إِلَى ابْنِهِ اَلحُسَيْنِ، فَقَالَ : «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ كَمَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَسَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ رَجُلٌ يُسَمَّى بِاسْمِ نَبِيِّكُمْ، يُشْبِهُهُ فِي الْخُلُقِ، وَلَا يُشْبِهُهُ فِي الْخَلْقِ - ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةً -، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً»، هكذا رواه أبو داود في سُنَنه وسكت عنه) انتهى بعين لفظه(200).
وأخرجه المقدسي الشافعي في (عقد الدُّرَر)(201)، وفيه اسم: (الحسن)، وأشار محقِّقه في هامشه إلى نسخة باسم: (الحسين)، ويُؤيِّد وجود هذه النسخة نقل السيِّد صدر الدِّين الصدر عنها، إذ أورد الحديث عن (عقد الدُّرَر)، وفيه اسم: (الحسين)(202).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(200) أسنى المطالب في مناقب الإمام عليٍّ (عليه السلام) (ص 130).
(201) عقد الدُّرَر (ص 31)، عن البعث والنشور للبيهقي (ص 131/ ح 129).
(202) المهدي (عليه السلام) (ص 71 و72).

(٧١)

وهذا الاختلاف ينفي الوثوق بترجيح أحد الاسمين ما لم يعتضد بدليل من خارج الحديث، وهو مفقود في ترجيح (الحسن)، ومتوفِّر في (الحسين).
الوجه الثاني: سند الحديث منقطع؛ لأنَّ من رواه عن عليٍّ (عليه السلام) هو أبو إسحاق، والمراد به السبيعي، وهو ممَّن لم تثبت له رواية واحدة سماعاً عن عليٍّ (عليه السلام)، كما صرَّح بهذا المنذري في شرح هذا الحديث(203)، وقد كان عمره يوم شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام) سبع سنين؛ لأنَّه وُلِدَ لسنتين بقيتا من خلافة عثمان في قول ابن حجر(204).
الوجه الثالث: أنَّ سنده مجهول أيضاً؛ لأنَّ أبا داود قال: (حُدِّثت عن هارون بن المغيرة)، ولا يُعْلَم من الذي حدَّثه، ولا عِبرة في الحديث المجهول اتِّفاقاً.
الوجه الرابع: أنَّ الحديث المذكور أخرجه أبو صالح السليلي - وهو من أعلام أهل السُّنَّة - بسنده عن الإمام موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد الصادق، عن جدِّه عليِّ بن الحسين، عن جدِّه عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، وفيه اسم: (الحسين) لا (الحسن) (عليهما السلام)(205).
الوجه الخامس: أنَّه معارض بأحاديث كثيرة من طُرُق أهل السُّنَّة تُصرِّح بأنَّ المهدي (عجَّل الله فرجه) من ولد الإمام الحسين (عليه السلام)، منها حديث حذيفة بن اليمان، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَذَكَرَنَا بِمَا هُوَ كَائِنٌ، ثُمَّ قَالَ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ، لَطَوَّلَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلاً مِنْ وُلْدِي، اسْمُهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(203) مختصر سُنَن أبي داود (ج 3/ ص 118/ ذيل الحديث 4290).
(204) تهذيب التهذيب (ج 8/ ص 56/ الرقم 100).
(205) عنه الملاحم والفتن لابن طاوس (ص 285 و286/ ح 413).

(٧٢)

اسْمِي»، فَقَامَ سَلْمَانُ الْفَارْسِيُّ (رضي الله عنه)، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، مِنْ أَيِّ وُلْدِكَ؟ قَالَ: «مِنْ وَلَدِي هَذَا» وَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الْحُسَيْنِ(206).
الوجه السادس: احتمال التصحيف في الاسم من (الحسين) إلى (الحسن) في حديث أبي داود غير مستبعَد، بقرينة اختلاف النقل، ومع عكس الاحتمال فإنَّه خبر واحد لا يقاوم المتواتر، كما سنُفصِّله في محلِّه.
الوجه السابع: يحتمل قويًّا وضع الحديث، لما فيه من العِلَل المتقدِّمة، ويُؤيِّد هذا الاحتمال أنَّ الحسنيِّين وأتباعهم وأنصارهم زعموا مهدويَّة محمّد بن عبد الله بن الحسن المثنَّى ابن الإمام الحسن السبط (عليه السلام)، الذي قُتِلَ سنة (145هـ) في زمن المنصور العبَّاسي، نظير ما حصل - بعد ذلك - من قِبَل العبَّاسيِّين وأتباعهم في ادِّعاء مهدويَّة محمّد بن عبد الله المنصور الخليفة العبَّاسي الملقَّب بالمهدي (158 - 169هـ) لما في ذلك من تحقيق أهداف ومصالح سياسيَّة كبيرة لا يمكن الوصول إليها بسهولة من غير هذا الطريق المختصر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(206) المنار المنيف (ص 147 و148)، عن الطبراني في المعجم الأوسط (ج 2/ ص 55)، عقد الدُّرَر (ص 24/ الباب الأوَّل)، وفيه: (أخرجه الحافظ أبو نعيم في صفة المهدي)، ذخائر العقبى (ص 136 و137)، وفيه: (فيُحمَل ما ورد مطلقاً فيما تقدَّم على هذا المقيَّد)، فرائد السمطين (ج 2/ ص 325 و326/ ح 575)، القول المختصر (ص 48 و49/ باب 1/ ح 37)، فرائد فوائد الفكر (ص 225)، ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 390/ ح 28).
وهناك أحاديث أُخرى بهذا الخصوص في: مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) للخوارزمي (ج 1/ ص 146 و147/ ح 23)، وفرائد السمطين (ج 2/ ص 310 - 317/ ح 561 - 569)، وينابيع المودَّة (ج 3/ ص 377 - 400/ باب 93 و94).
ومن مصادر الشيعة اُنظر: كشف الغمَّة (ج 3/ ص 268 و269)، وكشف اليقين (ص 328)، وإثبات الهداة (ج 5/ ص 220 - 283/ باب 32)، وحلية الأبرار (ج 5/ ص 427 - 508/ باب 53)، وغاية المرام (ج 7/ ص 84/ باب 141/ ح 17)، وفي منتخب الأثر الشيء الكثير من تلك الأحاديث المخرَّجة من طُرُق الفريقين، فراجع.

(٧٣)

الحديث غير معارض لأحاديث: المهدي من ولد الحسين (عليه السلام):
مع فرض صحَّة الحديث - على الرغم ممَّا تقدَّم فيه - فإنَّه لا تعارض بينه وبين الأحاديث الأُخرى المصرِّحة بكون المهدي (عجَّل الله فرجه) من ولد الإمام الحسين (عليه السلام)، ويمكن الجمع بينه وبينها بأنْ يكون الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) حسيني الأب حسني الأُمِّ؛ وذلك لأنَّ زوجة الإمام عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، أُمُّ الإمام الباقر محمّد بن عليِّ بن الحسين (عليهم السلام) هي فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام).
وعلى هذا يكون الإمام الباقر (عليه السلام) حسيني الأب حسني الأُمِّ، وذرّيَّته تكون من ذرّيَّة السبطين حقيقةً.
وهذا الجمع له ما يُؤيِّده من القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ... وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ (الأنعام: 84 و85).
فعيسى (عليه السلام) أُلحق بذراري الأنبياء من جهة مريم (عليها السلام)، فلا مانع إذن في أنْ تُلحَق ذرّيَّة الإمام الباقر بالإمام الحسن السبط من جهة الأُمِّ، كما أُلحق السبطان برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من جهة فاطمة الزهراء (عليها السلام).
وهذا الجمع بين الأخبار لا ينبغي الشكُّ فيه مع افتراض صحَّة حديث أبي داود، وإنْ كان مخالفاً للصحَّة من كلِّ وجه، كما تقدَّم.
وإلى هنا اتَّضح لنا أنَّ الاحتمال الثاني - أعني كون الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) من ولد الإمام الحسين (عليه السلام) - لم يكن مجرَّد احتمال، وإنَّما هو الواقع بعينه، سواء قلنا بصحَّة حديث كون المهدي (عجَّل الله فرجه) من ولد الإمام الحسن السبط (عليه السلام) أو لم نقل بذلك.
أمَّا مع فرض القول بصحَّة الحديث، فلا تعارض بينه وبين أحاديث كون المهدي (عجَّل الله فرجه) من ولد الإمام الحسين (عليه السلام)، بل هو مؤيِّد لها كما تقدَّم.

(٧٤)

وأمَّا مع القول بعدم صحَّته - وهو الحقُّ لما تقدَّم في الوجوه السبعة -، فالحال أوضح من أنْ يحتاج إلى بيان؛ لما قلناه سابقاً من أنَّ إثبات بطلان أحد الاحتمالين يعني القطع بمطابقة الآخر للواقع لاستحالة بطلانهما معاً، إذ المتيقَّن هو كون المهدي (عجَّل الله فرجه) الموعود من ولد فاطمة (عليها السلام) حقًّا.
ما ورد معارضاً لكون المهدي (عجَّل الله فرجه) من أولاد الحسين (عليه السلام):
لقد اتَّضح من خلال البحث في طوائف أحاديث نسب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، أنَّه لا بدَّ وأنْ يكون من أولاد الإمام الحسين (عليه السلام)، وقبل بيان مثبتات هذه النتيجة - التي يترتَّب عليها اعتقاد الشيعة الإماميَّة بأنَّ المهدي (عجَّل الله فرجه) هو التاسع من صلب الإمام الحسين (عليه السلام)، وأنَّه قد وُلِدَ حقًّا، وهو محمّد بن الحسن العسكري (عليه السلام) -، لا بدَّ من التوقُّف برهة مع ما ورد معارضاً لذلك في لسان بعض الروايات - من طريق أهل السُّنَّة - التي عيَّنت اسم أبي المهدي (عجَّل الله فرجه) بـ(عبد الله)، ممَّا نجم عنها اعتقاد بعضهم بأنَّ المهدي (عجَّل الله فرجه) هو محمّد بن عبد الله، وأنَّه لم يُولَد بعد، وإنَّما سيُولَد قبيل ظهوره في آخر الزمان.
ولـمَّا كان التواتر حاصلاً لمهديٍّ واحدٍ، فلا بدَّ وأنْ يكون أحد الفريقين ينتظر مهديًّا لا واقع له، وهذا ما يستدعي وجوب مراجعة كلِّ فريق لأدلَّته بمنظار أنَّها خطأ يحتمل الصواب، والنظر لما عند الآخر باعتبار أنَّه صواب يحتمل الخطأ، وهذا وإنْ عزَّ، فلا يُعدَم عند من يسعى لإدراك الصواب - قبل فوات الأوان - أينما كان.
ولأجل معرفة الصحيح في اسم أبي المهدي، أهو عبد الله أو الحسن؟ نقول:

(٧٥)

أحاديث اسم أبيه اسم أبي (عبد الله):
نودُّ الإشارة قبل دراسة هذه الأحاديث إلى أنَّ بعض علماء الشيعة أوردوا بعضها، لا إيماناً بها، لمخالفتها لأُصول مذهبهم، وإنَّما لأمانتهم في نقلها من كُتُب أهل السُّنَّة دون تحريف أو حذف؛ إمَّا لإمكان تأويلها بما لا يتعارض وأُصول المذهب، وإمَّا للبرهنة على الأمانة في النقل، وإيقاف المسلمين على مناقشاتهم لها، وهي:
1 - الحديث الذي أخرجه ابن أبي شيبة، والطبراني، والحاكم، كلُّهم من طريق عاصم بن أبي النجود، عن زرِّ بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي»(207).
2 - الحديث الذي أخرجه أبو عمرو الداني، والخطيب البغدادي، كلاهما من طريق عاصم بن أبي النجود، عن زرِّ بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمْلِكَ النَّاسَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي»(208).
3 - الحديث الذي أخرجه نعيم بن حمَّاد، والخطيب، وابن حجر، كلُّهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(207) المصنَّف لابن أبي شيبة (ج 8/ ص 678/ ح 193)، المعجم الكبير للطبراني (ج 10/ ص 133 و135/ ح 10213 و10222)، مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 442).
وأورده من الشيعة: العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 51/ ص 82/ ح 37)، عن كشف الغمَّة للإربلي (ج 3/ ص 271)، والأخير نقله عن كتاب الأربعين لأبي نعيم (ص 76/ ح 21).
(208) السُّنَن الواردة في الفتن (ج 5/ ص 1040/ ح 555)، تاريخ بغداد (ج 1/ ص 370)، ولم يروه أحد من الشيعة.

(٧٦)

من طريق عاصم أيضاً، عن زرٍّ، عن ابن مسعود، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «المَهْدِيُّ يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي»(209).
4 - الحديث الذي أخرجه نعيم بن حمَّاد بسنده عن أبي الطفيل، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المَهْدِيُّ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي»(210).
حقيقة هذا التعارض، وبيان قيمته العلميَّة:
هذه هي الأحاديث التي جُعِلَت مبرِّراً لاختيار (محمّد بن عبد الله) كمهديٍّ في آخر الزمان، وكلُّها لا تصحُّ حجَّةً ومبرِّراً لهذا الاختيار. وقد علمت أنَّ الثلاثة الأُولى منها كلَّها تنتهي إلى ابن مسعود من طريق واحد، وهو طريق عاصم بن أبي النجود. وسوف يأتي ما في هذا الطريق مفصَّلاً.
وأمَّا الحديث الرابع، فسنده ضعيف بالاتِّفاق؛ إذ وقع فيه رِشْدِينُ بن سعد المهري، وهو: رِشْدِينُ بن أبي رِشْدِين المتَّفق على ضعفه بين أرباب علم الرجال من أهل السُّنَّة.
فعن أحمد بن حنبل أنَّه ليس يبالي عمَّن روى، وقال حرب بن إسماعيل: (سألت أحمد بن حنبل عنه، فضعَّفه)، وعن يحيى بن معين: (لا يُكتَب حديثه)، وعن أبي زرعة: (ضعيف الحديث)، وقال أبو حاتم: (منكر الحديث)، وقال الجوزجاني: (عنده معاضيل، ومناكير كثيرة)، وقال النسائي: (متروك الحديث، لا يُكتَب حديثه).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(209) الفتن لنعيم بن حمَّاد (ص 227)، وفيه يقول ابن حمَّاد: (وسمعته غير مرَّة لا يذكر: «اسم أبيه»)، تاريخ بغداد (ج 3/ ص 10)؛ وأخرجه المتَّقي الهندي في كنز العُمَّال (ج 14/ ص 268/ ح 38678)، عن تاريخ مدينة دمشق (ج 53/ ص 414)؛ ونقله السيِّد ابن طاوس (رحمه الله) في الملاحم والفتن (ص 156/ ح 196 و197)، عن الفتن لنعيم بن حمَّاد (ص 227)؛ كما أورده ابن حجر في القول المختصر (ص 40/ الرقم 4) مرسَلاً.
(210) الفتن لنعيم بن حمَّاد (ص 227)، عنه الملاحم والفتن لابن طاوس (ص 157/ ح 200).

(٧٧)

وبالجملة، فإنِّي لم أجد أحداً وثَّقه قطُّ إلَّا هيثم بن خارجة فقد وثَّقه، وكان أحمد ابن حنبل حاضراً في المجلس، فتبسَّم ضاحكاً، وهذا يدلُّك على تسالمهم على ضعفه(211).
ولا شكَّ أنَّ من كان حاله كلَّ ما عرفت فلا يُؤخَذ عنه مثل هذا الأمر الخطير.
وأمَّا الأحاديث الثلاثة الأُولى، فهي ليست بحجَّة من كلِّ وجهٍ، وممَّا يوجب وهنها وردَّها هو أنَّ عبارة: «وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي» لم يروها كبار الحفَّاظ والمحدِّثين، بل الثابت عنهم رواية: «اسْمُهُ اسْمِي» فقط من دون هذه العبارة، كما سنبرهن عليه.
هذا، مع تصريح بعض العلماء من أهل السُّنَّة الذين تتبَّعوا طُرُق عاصم بن أبي النجود بأنَّ هذه الزيادة ليست فيها، كما سيأتي مفصَّلاً.
ومن ثَمَّ، فإنَّ إسناد هذه الأحاديث الثلاثة ينتهي إلى ابن مسعود فقط، بينما المرويُّ عن ابن مسعود نفسه كما في (مسند أحمد) - وفي عدَّة مواضع -: «اسْمُهُ اسْمِي» فقط(212).
وكذلك الحال عند الترمذي، فقد روى هذا الحديث من دون هذه العبارة، مشيراً إلى أنَّ المرويَّ عن عليٍّ (عليه السلام)، وأبي سعيد الخدري، وأُمِّ سَلَمة، وأبي هريرة، هو بهذا اللفظ: «اسْمُهُ اسْمِي»، ثمّ قال - بعد رواية الحديث عن ابن مسعود بهذا اللفظ -: (وفي الباب: عن عليٍّ، وأبي سعيد، وأُمِّ سَلَمة، وأبي هريرة. هذا حديث صحيح)(213).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(211) راجع: تهذيب الكمال (ج 9/ ص 191 - 195/ الرقم 1911)، وتهذيب التهذيب (ج 3/ ص 240 و241/ الرقم 526)، ففيهما جميع ما ذُكِرَ بحقِّ رِشْدِين بن أبي رِشْدِين.
(212) مسند أحمد (ج 6/ ص 42 - 45/ ح 3571 - 3573، وج 7/ ص 174 و311/ ح 4098 و4279).
(213) سُنَن الترمذي (ج 3/ ص 343/ ح 2331).

(٧٨)

وهكذا عند أكثر الحفَّاظ، فالطبراني مثلاً أخرج الحديث عن ابن مسعود نفسه من طُرُق أُخرى كثيرة، وبلفظ: «اسْمُهُ اسْمِي»، كما في أحاديث معجمه الكبير المرقَّمة: (10214)، و(10215)، و(10217)، و(10218)، و(10219)، و(10220)، و(10221)، و(10223)، و(10225)، و(10226)، و(10227)، و(10229)، و(10230).
وكذلك الحاكم في (مستدركه) أخرج الحديث عن ابن مسعود بلفظ: «يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي» فقط، ثمّ قال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرِّجاه)(214)، وتابعه على ذلك الذهبي(215).
وكذلك نجد البغوي في (مصابيح السُّنَّة) يروي الحديث عن ابن مسعود من دون هذه الزيادة، مع التصريح بحسن الحديث(216).
وقد صرَّح المقدسي الشافعي بأنَّ تلك الزيادة لم يروها أئمَّة الحديث، فقال - بعد أنْ أورد الحديث عن ابن مسعود بدون هذه الزيادة -: (أخرجه جماعة من أئمَّة الحديث في كُتُبهم، منهم الإمام أبو عيسى الترمذي في (جامعه)، والإمام أبو داود في (سُنَنه)، والحافظ أبو بكر البيهقي، والشيخ أبو عمرو الداني، كلُّهم هكذا) أي: ليس فيه: «وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي»، ثمّ أخرج جملة من الأحاديث المؤيِّدة لذلك، مشيراً إلى من أخرجها من الأئمَّة الحفَّاظ كالطبراني، وأحمد بن حنبل، والترمذي، وأبي داود، والحافظ أبي داود، والبيهقي، عن عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وحذيفة(217).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(214) مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 442).
(215) تاريخ الإسلام (ج 18/ ص 379).
(216) مصابيح السُّنَّة (ج 3/ ص 492/ ح 4210).
(217) عقد الدُّرَر (ص 27 - 32/ باب 2).

(٧٩)

هذا، زيادةً على ما مرَّ من إشارة الترمذي إلى تخريجها عن عليٍّ (عليه السلام)، وأبي سعيد الخدري، وأُمِّ سَلَمة، وأبي هريرة، كلُّهم بلفظ: «اسْمُهُ اسْمِي» فقط.
ولا يمكن تعقُّل اتِّفاق هؤلاء الأئمَّة الحفَّاظ بإسقاط هذه الزيادة: «وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي» لو كانت مرويَّة حقًّا عن ابن مسعود، مع أنَّهم رووها من طريق عاصم بن أبي النجود، بل ويستحيل تصوُّر إسقاطهم لها لما فيها من أهمّيَّة بالغة في النقض على ما يدَّعيه الطرف الآخر.
ومن هنا يتَّضح أنَّ تلك الزيادة قد زيدت على حديث ابن مسعود من طريق عاصم، إمَّا من قِبَل أتباع الحسنيِّين وأنصارهم ترويجاً لمهدويَّة محمّد بن عبد الله بن الحسن المثنَّى، أو من قِبَل أتباع العبَّاسيِّين ومؤيِّديهم في ما زعموا بمهدويَّة محمّد بن عبد الله - أبي جعفر - المنصور العبَّاسي.
وقد يتأكَّد هذا الوضع فيما لو علمنا بأنَّ الأوَّل منهما كانت رتَّة في لسانه، ممَّا اضطرَّ أنصاره على الكذب على أبي هريرة، فحدَّثوا عنه أنَّه قال: (إنَّ المهدي اسمه محمّد بن عبد الله، في لسانه رتَّة)(218).
ولـمَّا كانت الأحاديث الثلاثة الأُولى من رواية عاصم بن أبي النجود، عن زرِّ بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، مخالفة لما أخرجه الحفَّاظ عن عاصم من أحاديث في المهدي (عجَّل الله فرجه) - كما مرَّ -، فقد تابع الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (ت 430هـ) في كتابه (مناقب المهدي) طُرُق هذا الحديث عن عاصم حتَّى أوصلها إلى واحد وثلاثين طريقاً، ولم يُرْوَ في واحد منها عبارة: «وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي»، بل اتَّفقت كلُّها على رواية: «اسْمُهُ اسْمِي» فقط.
وقد نقل نصَّ كلامه الكنجي الشافعي (ت 638هـ)، ثمّ عقَّب عليه بقوله: (ورواه غير عاصم، عن زرٍّ، وهو عمرو بن مرَّة، عن زرٍّ، كلُّ هؤلاء رووا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(218) هذا الحديث الموضوع منقول في مقاتل الطالبيِّين (ص 163 و164).

(٨٠)

«اسْمُهُ اسْمِي» إلَّا ما كان من عبيد الله بن موسى، عن زائدة، عن عاصم، فإنَّه قال فيه: «وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي». ولا يرتاب اللبيب أنَّ هذه الزيادة لا اعتبار بها مع اجتماع هؤلاء الأئمَّة على خلافها...)، إلى أنْ قال: (والقول الفصل في ذلك: إنَّ الإمام أحمد - مع ضبطه وإتقانه - روى هذا الحديث في مسنده في عدَّة مواضع: «اسْمُهُ اسْمِي»)(219).
ومن هنا يُعلَم أنَّ حديث: «وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي» فيه من الوهن ما لا يمكن الاعتماد عليه في تشخيص اسم والد المهدي المباشر.
وعليه، فإنَّ من ينتظر مهديًّا باسم (محمّد بن عبد الله) إنَّما هو في الواقع - وعلى طبق ما في التراث الإسلامي من أخبار - ينتظر سراباً يحسبه الظمآن ماءً.
ولهذا نجد الأُستاذ الأزهري سعد محمّد حسن يُصرِّح بأنَّ أحاديث «اسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي» أحاديث موضوعة، ولكن الطريف في تصريحه أنَّه نسب الوضع إلى الشيعة الإماميَّة لتُؤيِّد بها وجهة نظرها على حدِّ تعبيره(220)!
ويتَّضح ممَّا تقدَّم أنَّ نتيجة البحث في طوائف أحاديث نسب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، قد انتهت إلى كونه من ولد الإمام الحسين (عليه السلام)؛ لضعف سائر الأحاديث التي وردت مخالفة لتلك النتيجة، مع عدم وجود أيَّة قرينة تشهد بصحَّة تلك الأحاديث، بل توفَّرت القرائن الدالَّة على اختلاقها.
وإذا عدنا إلى نتيجة البحث في الطوائف المتقدِّمة نجدها مؤيَّدة بما تواتر نقله عند المسلمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(219) البيان في أخبار صاحب الزمان (ص 483 - 485).
(220) المهديَّة في الإسلام منذ أقدم العصور حتَّى اليوم (ص 69).

(٨١)

مؤيِّدات كون المهدي (عجَّل الله فرجه) من ولد الحسين (عليه السلام):
هناك أحاديث كثيرة عند الشيعة الإماميَّة عيَّنت الأئمَّة الاثني عشر بأسمائهم واحداً بعد آخر ابتداءً بالإمام عليٍّ وانتهاءً بالمهدي (عليهم السلام)، مع مجموعة من الأحاديث في تعيين كلِّ إمام لاحق بنصٍّ من الإمام السابق.
وأُخرى عند أهل السُّنَّة مصرِّحة بعدد الأئمَّة تارةً كما في الصحاح، ومشخِّصة لأسمائهم كما في كُتُب المناقب وغيرها.
وإلى جانب هذا توجد جملة من الأحاديث المتَّفق على صحَّتها تدلُّ على حياة المهدي (عجَّل الله فرجه) ما بقي في الناس اثنان، وهذا لا يتمُّ إلَّا بتقدير كونه التاسع من ولد الإمام الحسين (عليه السلام).
وسوف لن نذكر من تلك الأحاديث إلَّا ما احتُجَّ به في كُتُب الفريقين.
حديث الثقلين:
ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد انتقل إلى الرفيق الأعلى والسُّنَّة لم تُدوَّن بكلِّ تفاصيلها في عهده، وهو منزَّه عن التفريط برسالته المحكوم ببقائها إلى يوم القيامة، ومنزَّه أيضاً عن إهمال أُمَّته مع نهاية رأفته بهم وشفقته عليهم، فكيف يوكلهم إلى القرآن الكريم وحده مع ما فيه من محكم ومتشابه، ومجمل ومفصَّل، وناسخ ومنسوخ، فضلاً عمَّا في آياته من وجوه ومحامل استُخدِمَت للتدليل على صحَّة الآراء المتباينة كما نحسُّ ونلمس عند أرباب المذاهب والفِرَق الإسلاميَّة؟
هذا، مع علمه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأنَّه قد كُذِبَ عليه في حياته، فكيف الحال إذن بعد وفاته؟ والدليل عليه قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي اتُّخِذَ بكُتُب الدراية مثالاً على التواتر اللفظي: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَه مِنَ النَّارِ»(221).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(221) نهج البلاغة (ص 325/ ح 210)، صحيح البخاري (ج 1/ ص 95/ ح 105).

(٨٢)

فمن غير المعقول إذن أنْ يدع النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شريعته مسرحاً لاجتهادات الآخرين من دون أنْ يُحدِّد لهم مرجعاً يعلم ما في القرآن حقَّ علمه، وتكون السُّنَّة معلومة بكلِّ تفاصيلها عنده.
وهذا هو القدر المنسجم مع طبيعة صيانة الرسالة، وحفظها، ومراعاة استمرارها منهجاً وتطبيقاً في الحياة.
ومن هنا تتَّضح أهمّيَّة حديث الثقلين (القرآن والعترة)، وقيمة إرجاع الأُمَّة فيه إلى العترة لأخذ الدِّين الحقِّ عنهم، كما تتَّضح أسباب التأكيد عليه في مناسبات مختلفة ونُوَب متفرِّقة، منها في يوم الغدير، وآخرها في مرضه الأخير.
فعن زيد بن أرقم، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: «كَأَنِّي دُعِيتُ فَأَجَبْتُ، إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمُ اَلثَّقَلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ اَلْآخَرِ: كِتَابُ اَلله تَعَالَى، وَعِتْرَتِي، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا، فَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ اَلْحَوْضَ»، ثمّ قال: «إِنَّ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) مَوْلَايَ، وَأَنَا مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ»، ثمّ أخذ بيد عليٍّ (رضي الله عنه)، فقال: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا وَلِيُّه، اَللَّهُمَ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ»(222).
وعنه، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي، أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ اَلْآخَرِ: كَتَابَ اَللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ اَلسَّمَاءِ إِلَى اَلْأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ اَلْحَوْضَ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا»(223).
هذا فضلاً عن تأكيده (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المستمرِّ على الاقتداء بعترته أهل بيته،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(222) مستدرك الحاكم (ج 3/ ص 109).
(223) سُنَن الترمذي (ج 5/ ص 328 و329/ ح 3876).
وحديث الثقلين قد روي عن أكثر من ثلاثين صحابيًّا، وبلغ عدد رواته عبر القرون المئات، راجع: حديث الثقلين (تواتره، فقهه) للسيِّد عليٍّ الحسيني الميلاني (ص 41 - 51)، فقد ذكر فيه بعض الرواة، وفيه الكفاية.

(٨٣)

والاهتداء بهديهم، والتحذير من مخالفتهم، وذلك بجعلهم تارةً كسُفُن للنجاة، وأُخرى أماناً للأُمَّة، وثالثة كباب حطَّة.
وفي الواقع لم يكن الصحابة بحاجة إلى سؤال واستفسار من النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لتشخيص المراد بأهل البيت، وهم يرونه وقد خرج للمباهلة وليس معه غير أصحاب الكساء وهو يقول: «اللَّهُمَ هَؤلَاءِ أَهْلِي»، وهم من أكبر الناس معرفةً بخصائص هذا الكلام، وإدراكاً لما ينطوي عليه من قصر واختصاص. وإلَّا فتسعة أشهر وهي المدَّة التي أخبر عنها ابن عبَّاس في وقوف النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على باب فاطمة صباح كلَّ يوم وهو يقرأ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ [الأحزاب: 33](224) كافية لأنْ يعرف الجميع من هم أهل البيت (عليهم السلام).
ومع هذا فلا معنى لسؤالهم واستفسارهم من النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عمَّن يعصموا الأُمَّة بعده من الضلالة إلى يوم القيامة فيما لو تمسَّكت بهم مع القرآن.
فحاجة الأُمَّة - والصحابة أيضاً - ليس أكثر من تشخيص أوَّلهم ليكون المرجع للقيام بمهمَّته بعد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتَّى يأخذ دوره في عصمة الأُمَّة من الضلالة، وهو بدوره مسؤول عن تعيين من يليه في هذه المهمَّة، وهكذا حتَّى يرد آخر عاصم من الضلالة مع القرآن على النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الحوض.
وإذا علمت أنَّ عليًّا (عليه السلام) قد تعيَّن بنصوص لا تُحصى، ومنها في حديث الثقلين نفسه، فليس من الضروري إذن أنْ يتولَّى النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بنفسه تعيين من يلي أمر الأُمَّة باسمه في كلِّ عصر وجيل، إنْ لم نقل: إنَّه غير طبيعي لولا أنْ تقتضيه بعض الاعتبارات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(224) اُنظر روايات وقوف النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) على باب فاطمة (عليها السلام) وهو يقرأ الآية في تفسير الطبري (ج 22/ ص 9 - 13).

(٨٤)

فالقياس إذن في معرفة إمام كلِّ عصر وجيل: إمَّا أنْ يكون بتعيينهم دفعة واحدة، أو بنصِّ السابق على إمامة اللَّاحق، وهو المقياس الطبيعي المألوف الذي دأبت عليه الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، وعرفته البشريَّة في سياساتها منذ أقدم العصور وإلى يوم الناس هذا.
وإذا ما عدنا إلى واقع أهل البيت (عليهم السلام) نجد النصَّ قد توفَّر على إمامتهم بكلا طريقيه، ومن سَبَر الواقع التاريخي لسلوكهم علم يقيناً بأنَّهم ادَّعوا لأنفسهم الإمامة في عرض السلطة الزمنيَّة، واتَّخذوا من أنفسهم كما اتَّخذهم الملايين من أتباعهم أئمَّة وقادة للمعارضة السلميَّة للحكم القائم في زمانهم، مع إرشاد كلِّ إمام أتباعه على من يقوم بأمر الإمامة من بعده، وعلى هذا جرت سيرتهم، فكانوا عرضة للمراقبة والسجون والاستشهاد بالسمِّ تارةً، وفي سوح الجهاد تارةً أُخرى، وعلى أيدي القائمين بالحكم أنفسهم.
ثمّ لو فُرِضَ أنَّ أحدهم لم يُعيِّن لأتباعه مَنْ يقوم بأمر الإمامة من بعده، مع فرض توقُّف النصِّ عليه، فإنَّ معنى ذلك بقاء ذلك الإمام خالداً مع القرآن في كلِّ عصر وجيل؛ لأنَّ دلالة «لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ اَلْحَوْضَ» على استمرار وجود إمام من العترة في كلِّ عصر كاستمرار وجود القرآن الكريم ظاهرة واضحة، ولهذا ذهب ابن حجر إلى القول: (وفي أحاديث الحثِّ على التمسُّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهِّل منهم للتمسُّك به إلى يوم القيامة، كما أنَّ الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض، ويشهد لذلك الخبر [السابق]: «فِي كُلِّ خَلَفٍ مِنْ أُمَّتِي عُدُولٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي»)(225).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(225) الصواعق المحرقة (ص 151).

(٨٥)

حديث: «من مات ولم يعرف إمام زمانه»:
سُجِّل هذا الحديث بألفاظٍ مختلفةٍ - وكلُّها ترجع إلى معنى واحدٍ ومقصدٍ فارد - في أُمَّهات كُتُب الحديث السُّنّيَّة والشيعيَّة، ويكفي على ذلك اتِّفاق البخاري ومسلم - من أهل السُّنَّة - على روايته(226)، والكليني، والصدوق، ووالده، والحميري، والصفَّار - من الشيعة الإماميَّة - على روايته أيضاً(227)، وقد أخرجه كثيرون بطُرُق لا طاقة على استقصائها(228).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(226) صحيح البخاري (ج 11/ ص 8 و9/ ح 6305 و6306)، صحيح مسلم (ج 6/ ص 21 و22).
(227) الكافي (ج 1/ ص 371/ باب أنَّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر/ ح 5، وص376 و377/ باب من مات وليس له إمام من أئمَّة الهدى/ ح 1 - 3، وص 378/ باب ما يجب على الناس عند مضيِّ الإمام/ ح 2، وص 397/ باب في الأئمَّة (عليهم السلام) أنَّهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود.../ ح 1، وج 2/ ص 19 و20 و21/ باب دعائم الإسلام/ ح 6 و9، وج 8/ ص 146/ ح 123)، كمال الدِّين (ص 336 و337/ باب 33/ ح 9، وص 409/ باب 38/ ح 9، وص 412 - 414/ باب 39/ ح 10 - 12 و15، وص 668/ باب 58/ ح 11)، الإمامة والتبصرة (ص 63/ ح 50، وص 82 و83/ ح 69 - 71)، قرب الإسناد (ص 351/ ح 1260)، بصائر الدرجات (279/ ج 5/ باب 16/ ح 5، وص 529 و530/ ج 10/ باب 18/ ح 11 و15).
(228) اُنظر: مسند أحمد (ج 28/ ص 88 و89/ ح 16879)، مسند أبي داود الطيالسي (ص 259)، المعجم الكبير للطبراني (ج 12/ ص 337، وج 19/ ص 388، وج 20/ ص 86)، مستدرك الحاكم (ج 1/ ص 77)، حلية الأولياء (ج 3/ ص 224)، الكنى والأسماء للدولابي (ج 2/ ص 635/ ح 1134)، سُنَن البيهقي (ج 8/ ص 156و157)، جامع الأُصول (ج 4/ ص 69 و70/ ح 2052 و2053)، شرح صحيح مسلم للنووي (ج 12/ ص 238)، تلخيص المستدرك للذهبي (ج 1/ ص 77 و117)، مجمع الزوائد (ج 5/ ص 218 و219 و223 و224 و225)، تفسير ابن كثير (ج 1/ ص 530). كما أخرجه الكشِّي في رجاله (ج 2/ ص 235/ ح 428، وص 723 و724/ ح 799، وص 771 و772/ ح 899).

(٨٦)

إذن الحديث ممَّا لا مجال لأحد أنْ يناقش في سنده، وإنْ توهَّم الشيخ أبو زهرة فعدَّه من روايات (الكافي) فحسب(229)!
والحديث كما ترى في تخريجه لا يبعد القول بتواتره، وهو لا يحتمل التأويل ولا صرف دلالته الواضحة على وجوب معرفة الإمام الحقِّ على كلِّ مسلم ومسلمة، وإلَّا فإنَّ مصيره ينذر بنهاية مهولة.
ومن ادَّعى أنَّ المراد بالإمام الذي من لا يعرفه سيموت ميتة جاهليَّة هو السلطان أو الحاكم أو المَلِك ونحو ذلك وإنْ كان فاسقاً ظالماً! فعليه أنْ يُثبِت بالدليل أنَّ معرفة الظالم الفاسق من الدِّين أوَّلاً، وأنْ يُبيِّن للعقلاء الثمرة المترتِّبة على وجوب معرفة الظالم الفاسق بحيث يكون من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهليَّة.
وعلى أيَّة حالٍ، فالحديث يدلُّ على وجود إمام حقٍّ في كلِّ عصر وجيل، وهذا لا يتمُّ إلَّا مع القول بوجود الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) الذي هو حقٌّ ومن ولد فاطمة (عليها السلام) كما تقدَّم.
وممَّا يُؤيِّده:
حديث: «إنَّ الأرض لا تخلو من قائم لله بحجَّة»:
وهذا الحديث قد احتجَّ به الطرفان أيضاً، وأوردوه من طُرُق عدَّة(230).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(229) الإمام الصادق (حياته وعصره - آراؤه وفقهه) لمحمّد أبي زهرة (ص 194).
(230) أورد هذا الحديث: الإسكافي المعتزلي في المعيار والموازنة (ص 81)، واليعقوبي في تاريخه (ج 2/ ص 206)، وابن عبد ربِّه في العقد الفريد (ج 2/ ص 82)، وأبو طالب المكِّي في قوت القلوب في معاملة المحبوب (ج 1/ ص 243)، والسلمي في مجموعة آثاره (ج 3/ ص 479)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (ج 1/ ص 79 و80)، والجرجاني في الأمالي الخميسيَّة (ج 1/ ص 88)، والغزالي في إحياء علوم الدِّين (ص 122)، والطرطوشي في سراج الملوك (ص 198)، وابن حمدون في التذكرة الحمدونيَّة (ج 1/ ص 67 و68/ ح 90)، والخوارزمي في المناقب (ص 365 - 367/ ح 383)، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (ج 14/ ص 17 و18)، وابن الجوزي في صفة الصفوة (ج 1/ ص 172 و173)، ومجد الدِّين ابن الأثير في المختار من مناقب الأخيار (ج 1/ ص 127 و128)، وابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول (ص 245 و246)، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواصِّ (ص 132)، وابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 18/ ص 347) وسيأتي، إلى غير ذلك.
وقد أخرجه الكليني (رحمه الله) من طُرُق عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في الكافي (ج 1/ ص 178/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح 7، وص 335/ باب نادر في حال الغيبة/ ح 3، وص 339/ باب في الغيبة/ ح 13)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 289 - 294/ باب 26/ ح 2) من طُرُق كثيرة، وفي (ص 302/ باب 26/ ح 10).

(٨٧)

وقد رواه كميل بن زياد النخعي الجليل الثقة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) كما في (نهج البلاغة)، قال (عليه السلام) - بعد كلام طويل -: «اللَّهُمَّ بَلَى، لَا تَخْلُو الأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِله بِحُجَّةٍ»(231).
وعدم خلوِّ الأرض من قائم لله بحجَّة لا يتمُّ مع فرض عدم ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وقد تنبَّه لهذا ابن أبي الحديد حتَّى قال في شرح هذه العبارة: (كي لا يخلو الزمان ممَّن هو مهيمن لله تعالى على عباده، ومسيطر عليهم. وهذا يكاد يكون تصريحاً بمذهب الإماميَّة، إلَّا أنَّ أصحابنا يحملونه على أنَّ المراد به الأبدال)(232).
وقد فهم ابن حجر العسقلاني منه أنَّه إشارة إلى مهدي أهل البيت (عليهم السلام)، فقال ما نصُّه: (وفي صلاة عيسى خلف رجل من هذه الأُمَّة مع كونه في آخر الزمان، وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال: إنَّ الأرض لا تخلو عن قائم لله بحجَّة)(233).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(231) نهج البلاغة (ص 495 - 497/ ح 147).
(232) شرح نهج البلاغه لابن أبي الحديد (ج 18/ ص 351).
(233) فتح الباري شرح صحيح البخاري (ج 6/ 358 و359).

(٨٨)

أقول: وممَّا يُقرِّب دلالة العبارة في (النهج) على الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، هو ما اتَّصل بها من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهذا نصَّه: «يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ، إِنَّ هَذِه الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ، فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا، فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ، النَّاسُ ثَلَاثَةٌ، فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ، وَهَمَجٌ رَعَاعٌ، أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ...» إلى أنْ قال (عليه السلام): «اللَّهُمَّ بَلَى لَا تَخْلُو الأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِله بِحُجَّةٍ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً وَإِمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً، لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ الله وَبَيِّنَاتُه»(234).
ومن هنا جاء في الحديث الصحيح عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): تَكُونُ الأَرْضُ لَيْسَ فِيهَا إِمَامٌ؟ قَالَ: «لَا...» الحديث(235).
وإذا ما أُضيف هذا إلى حديث الثقلين، وحديث (من مات)، وحديث (الخلفاء اثنا عشر) الآتي، عُلِمَ أنَّ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لو لم يكن مولوداً حقًّا لوجب أنْ يكون من سبقه حيًّا إلى قيام الساعة، ولكن لا أحد يقول من المسلمين بحياة إمام غير المهدي (عجَّل الله فرجه) ثاني عشر أهل البيت (عليهم السلام)، وهم من عيَّنت الصحاح عددهم، وبيَّنت كُتُب المناقب أسماءهم.
أحاديث (الخلفاء اثنا عشر):
أخرج البخاري بسنده عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَة، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(234) نهج البلاغة (ص 495 - 497/ ح 147).
(235) الكافي (ج 1/ ص 178/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح 1)، وسند الحديث هو: (عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير، عن الحسين بن أبي العلاء، عن الإمام الصادق (عليه السلام)).

(٨٩)

يَقُولُ: «يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيراً»، فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا، فَقَالَ أَبِي: إِنَّهُ قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»(236).
وفي (صحيح مسلم): «لَا يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»(237).
وفي (مسند أحمد) بسنده عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ يُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، هَلْ سَأَلْتُمْ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كَمْ تَمْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْ خَلِيفَةٍ؟ فَقَالَ عَبْدُ الله: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ قَدِمْتُ الْعِرَاقَ قَبْلَكَ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ ، وَلَقَدْ سَأَلْنَا رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ: «اثْنَا عَشَرَ، كَعِدَّةِ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ»(238).
ويُستفاد من هذه الأحاديث أُمور، وهي:
1 - أنَّ عدد الأُمراء أو الخلفاء لا يتجاوز الاثني عشر، وكلُّهم من قريش بلا خلاف. وهذا العدد ينطبق تماماً مع ما تعتقده الشيعة بعدد الأئمَّة، وهم كلُّهم من قريش.
قد يقال: إنَّ التعبير بـ(الأُمراء) أو (الخلفاء) لا ينطبق مع واقع الأئمَّة (عليهم السلام). والجواب واضح جدًّا؛ لأنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنَّما أراد بذلك الإمرة والاستخلاف باستحقاق، وحاشاه أنْ يقصد بذلك معاوية ويزيد ومروان وأمثالهم الذين لعبوا ما شاؤوا بمقدَّرات الأُمَّة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(236) صحيح البخاري (ج 11/ ص 70/ ح 6457)؛ وأخرجه الصدوق (رحمه الله) عن جابر بن سمرة أيضاً في: كمال الدِّين (ص 272/ باب 24/ ح 19)، والخصال (ص 470/ ح 15).
(237) صحيح مسلم (ج 6/ ص 4) أخرجه من تسعة طُرُق.
(238) مسند أحمد (ج 6/ ص 321/ ح 3781، وص 406/ ح 3859)؛ وأخرجه الصدوق (رحمه الله) عن ابن مسعود في كمال الدِّين (ص 270 و271/ باب 24/ ح 16).

(٩٠)

بل المراد بالخليفة هو من يستمدُّ سلطته من الشارع المقدَّس، ولا ينافي ذلك ذهاب السلطنة منهم في واقعها الخارجي لتسلُّط الآخرين عليهم.
ولهذا جاء في (عون المعبود في شرح سُنَن أبي داود) ما نصُّه: (قال التوربشتي: السبيل في هذا الحديث وما يتعقَّبه في هذا المعنى أنَّه يُحمَل على المقسطين منهم، فإنَّهم هم المستحقُّون لاسم الخليفة على الحقيقة، ولا يلزم أنْ يكونوا على الولاء، وإنْ قُدِّر أنَّهم على الولاء فإنَّ المراد منه المسمّون بها على المجاز، كذا في (المرقاة))(239).
2 - أنَّ هؤلاء الاثني عشر معنيُّون بالنصِّ كما هو مقتضى تشبيههم بنقباء بني إسرائيل، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً﴾ (المائدة: 12).
3 - أنَّ هذه الأحاديث تفترض عدم خلوِّ الزمان من الاثني عشر جميعاً، وأنَّه لا بدَّ من وجود أحدهم ما بقي الدِّين إلى أنْ تقوم الساعة.
وقد أخرج مسلم في (صحيحه) وبنفس الباب ما هو صريح جدًّا بهذا، إذ ورد فيه: «لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ اثْنَانِ»(240).
وهو كما ترى ينطبق تمام الانطباق على ما تقوله الشيعة بأنَّ الإمام الثاني عشر (المهدي (عجَّل الله فرجه)) حيٌّ كسائر الأحياء، وأنَّه لا بدَّ من ظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً على وفق ما بشَّر به جدُّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وغير خافٍ على أحد أنَّ أهل السُّنَّة لم يتَّفقوا قطُّ على تسمية الاثني عشر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(239) عون المعبود (ج 11/ ص 245).
(240) صحيح مسلم (ج 6/ ص 3).

(٩١)

حتَّى إنَّ بعضهم اضطرَّ إلى إدخال يزيد بن معاوية ومروان وعبد المَلِك ونحوهم وصولاً إلى عمر بن عبد العزيز لأجل اكتمال نصاب الاثني عشر(241)!
وهو بلا أدنى شكٍّ تفسير خاطئ غير منسجم مع نصِّ الحديث؛ إذ يلزم منه خلوُّ جميع العصور بعد عصر عمر بن عبد العزيز من الخليفة، بينما المفروض أنَّ الدِّين لا يزال قائماً بوجودهم إلى قيام الساعة.
إنَّ أحاديث الخلفاء اثنا عشر تبقى بلا تفسير لو تخلَّينا عن حملها على هذا المعنى، لبداهة أنَّ السلطنة الظاهريَّة قد تولَّاها من قريش أضعاف العدد المنصوص عليه في هذه الأحاديث، فضلاً عن انقراضهم أجمع، وعدم النصِّ على أحد منهم - أُمويِّين أو عبَّاسيِّين - باتِّفاق المسلمين.
وبهذا الصدد يقول القندوزي الحنفي: (قال بعض المحقِّقين: إنَّ الأحاديث الدالَّة على كون الخلفاء بعده (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اثنا عشر قد اشتهرت من طُرُق كثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان عُلِمَ أنَّ مراد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من حديثه هذا الأئمَّة اثنا عشر من أهل بيته وعترته، إذ لا يمكن أنْ يُحْمَل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلَّتهم عن اثني عشر، ولا يمكن أنْ نحمله على الملوك الأُمويَّة لزيادتهم على اثني عشر، ولظلمهم الفاحش إلَّا عمر بن عبد العزيز، ولكونهم غير بني هاشم؛ لأنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «كُلُّهُمْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» في رواية عبد المَلِك، عن جابر، وإخفاء صوته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في هذا القول يُرجِّح هذه الرواية؛ لأنَّهم لا يُحسنون خلافة بني هاشم. ولا يمكن أنْ يُحمَل على الملوك العبَّاسية؛ لزيادتهم على العدد المذكور، ولقلَّة رعايتهم...، ويُؤيِّد هذا المعنى -

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(241) أُنظر أقوالهم في: تفسير ابن كثير (ج 2/ ص 34) عند تفسير الآية 12 من سورة المائدة، وشرح العقيدة الطحاويَّة (ص 489)، وعون المعبود شرح سُنَن أبي داود (ج 11/ ص 244 - 248)، والحاوي للفتاوي (ج 2/ ص ١٠٢).

(٩٢)

أي: أنَّ مراد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الأئمَّة الاثنا عشر من أهل بيته - ويشهده ويُرجِّحه حديث الثقلين)(242).
ولا يخفى أنَّ حديث (الخلفاء اثنا عشر) قد سبق التسلسل التاريخي للأئمَّة الاثني عشر، وضُبِطَ في كُتُب الصحاح وغيرها قبل تكامل الواقع الإمامي، فهو ليس انعكاساً لواقع وإنَّما هو تعبير عن حقيقة ربَّانيَّة نطق بها من لا ينطق عن الهوى، فقال: «اَلْخُلَفَاءُ بَعْدِي اِثْنَا عَشَرَ»، ليكون ذلك شاهداً ومصدقاً لهذا الواقع المبتدئ بأمير المؤمنين عليٍّ والمنتهي بالإمام المهدي (عليهم السلام)، وهو التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث(243).
فالصحيح إذن أنْ يُعتبَر الحديث من دلائل النبوَّة في صدقها عن الإخبار بالمغيَّبات، أمَّا محاولات تطبيقه على من عُرِفُوا بنفاقهم وجرائمهم وسفكهم للدماء من الأُمويِّين والعبَّاسيِّين وغيرهم، فهو يخالف الحديث مفهوماً ومنطوقاً، على الرغم ممَّا في ذلك من إساءة بالغة إلى مقام النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ إذ يعني ذلك أنَّه أخبر ببقاء الدِّين إلى زمان عمر بن عبد العزيز مثلاً لا إلى أنْ تقوم الساعة!
النصُّ على الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) يُوضِّح المراد بالخلفاء الاثني عشر:
لأجل متابعة الأدلَّة الأُخرى التي تُوضِّح المراد بحديث (الخلفاء اثنا عشر)، وتُعيِّن لنا شخص الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) باسمه ونسبه وحسبه؛ لا بدَّ من التذكير قبل ذلك بأمرٍ هو في غاية الأهمّيَّة، بحيث لو تدبَّره المنصف، وأمعن النظر فيه لما بقيت هناك أدنى غشاوة على عينيه، ولاكتفى بالمقاييس السابقة التي تركها لنا النبيُّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لمعرفة إمام الزمان في كلِّ عصر وجيل، ولم يطلب بعدها أيَّ دليل آخر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(242) ينابيع المودَّة (ج 3/ص 292 و293/باب 77/ في تحقيق حديث «بعدي اثنا عشر خليفة».
(243) بحث حول المهدي (عجَّل الله فرجه) (ص 107).

(٩٣)

وأعني بهذا الأمر تاريخنا الإسلامي الذي تعاقبت عليه منذ البدء أنظمة اتَّفقت على إقصاء عترة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن السلطة إقصاءً تامًّا، فضلاً عمَّا اقترفته تلك الأنظمة - الأُمويَّة والعبَّاسيَّة - من الأُمور الفادحة بحقِّ الذرّيَّة الطاهرة.
ومن البداهة أنْ يعزَّ النصُّ على الأئمَّة الاثني عشر في الكُتُب المؤلَّفة بوحيٍ من الحُكَّام، وفي ظلِّ تلك الأنظمة التي اجتاحت آل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأوشكت أنْ تبيد أولاد البتول (عليهم السلام)، حين ضرَّجت رمضاء كربلاء بدم خامس أصحاب الكساء (عليه السلام).
ومن غير المعقول أنْ يدين الظالم نفسه فيسمح برواية كون المهدي (عجَّل الله فرجه) هو التاسع من أولاد الحسين (عليه السلام)، أو أنَّ المقصود بالخلفاء الاثني عشر هم أئمَّة الشيعة الاثني عشر، اللَّهُمَّ إلَّا ما خرج من تلك الروايات عن رقابته، ورُوي بعيداً عن مسامعه.
وعلى الرغم من هذا الحصار فإنَّ ما ظهر منها انتشر كضوء النهار.

وليس يصحُّ في الأفهام شيءٌ * * * إذا احتاج النهارُ إلى دليلِ(244)

وهذا ممَّا لا ينبغي إغفاله، ونحن نستعرض باختصار بعض الأحاديث المبيِّنة لمعنى (الخلفاء اثنا عشر):
1 - في (ينابيع المودَّة) للقندوزي الحنفي نقلاً عن كتاب (المناقب) للخوارزمي الحنفي بسنده عن الإمام الرضا (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث جاء فيه التصريح باسماء الأئمَّة الاثني عشر واحداً بعد واحد ابتداءً بأمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب وانتهاءً بالإمام المهدي محمّد بن الحسن العسكري (عليهم السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(244) البيت للمتنبِّي، راجع ديوانه (ص 343).

(٩٤)

قال القندوزي بعد روايته: (أخرجه الحمويني)(245) أي: صاحب (فرائد السمطين) الجويني الحمويني الشافعي.
2 - وفي (الينابيع) أيضاً تحت عنوان: (في بيان الأئمَّة الاثني عشر بأسمائهم)، أورد عن (فرائد السمطين) بسنده عن ابن عبَّاس حديثين عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في ذكر الأئمَّة بأسمائهم، وأوَّلهم عليٌّ وآخرهم المهدي (عليهم السلام)(246).
ونفس الشيء تجده في باب (في ذكر خليفة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع أوصيائه (عليهم السلام))(247).
3 - وفيه أيضاً، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَا جَابِرُ، إِنَّ أَوْصِيَائِي وَأَئِمَّةُ اَلمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدِي، أَوَّلُهُمْ عَلِيٌّ، ثُمَّ اَلْحَسَنُ ثُمَّ اَلْحُسَيْنُ...» ثمّ ذكر الأئمَّة التسعة من أولاد الحسين بأسمائهم ابتداءً بعليِّ بن الحسين وانتهاءً بالإمام المهدي بن الحسن العسكري (عليهم السلام)(248).
4 - وفي (كمال الدِّين): حَدَّثَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ جَمِيعاً، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي اَلْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ (عليها السلام) وَبَيْنَ يَدَيْهَا لَوْحٌ فِيهِ أَسْمَاءُ اَلْأَوْصِيَاءِ، فَعَدَدْتُ اِثْنَيْ عَشَرَ اِسْماً آخِرُهُمُ اَلْقَائِمُ، ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ مُحَمَّدٌ، وَأَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ عَلِيٌّ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ)(249).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(245) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 380 و381/ باب 93/ ح 2)؛ وراجع: فرائد السمطين (ج 2/ ص 319 و320/ ح 571).
(246) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 281 - 283)، عن فرائد السمطين (ج 2/ ص 133 و134).
(247) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 377 - 379/ باب 93).
(248) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 398 و399/ باب 94/ ح 54).
(249) كمال الدِّين (ص 313/ باب 28/ ح 4).

(٩٥)

ورواه من طريق آخر عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطَّار، عن أبيه، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطَّاب، عن الحسن بن محبوب، إلى آخر السند المتقدِّم(250).
وقد يقال: إنَّ السند غير حجَّة من وجهين:
الأوَّل: أنَّ الحسين بن أحمد بن إدريس في السند الأوَّل، وأحمد بن محمّد بن يحيى العطَّار في السند الثاني لم يُوثَّقا.
قلتُ: هما من مشايخ الإجازة، ولم يذكر الصدوق (رحمه الله) أحدهما في جميع كُتُبه إلَّا مترضّياً عليه، ومن البداهة أنْ لا يقال للفاسق: (رضي الله عنه)، بل يقال ذلك للرجل الجليل، ولو تنزَّلنا بعدم دلالة هذا اللفظ على الوثاقة، فإنَّه من البعيد كلُّ البُعد أنْ يتَّفق كلٌّ منهما على الكذب على أبيه؛ لأنَّهما رويا الحديث عن أبويهما.
وممَّا يدلُّ على صدقهما أنَّ الكليني (رحمه الله) أخرج الحديث بسند صحيح عن أبي الجارود، وابتدأ السند بوالد شيخ الصدوق (رحمه الله) محمّد بن يحيى العطَّار، عن محمّد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن جابر بن عبد الله الأنصاري(251)، والمشايخ الثلاثة الأُوَل في هذا السند من أجلَّاء المحدِّثين وثقاتهم المشهورين بالاتِّفاق.
الثاني: أنَّ أبا الجارود قد طُعِنَ عليه، فالسند ليس بحجَّة.
والجواب: أنَّ أبا الجارود تابعي، ومن أين للتابعي أنْ يعلم بأنَّ في أسماء الأوصياء (عليهم السلام) ثلاثة باسم محمّد، وأربعة باسم عليٍّ؟! وهذا هو المنطبق مع الواقع، وقد مات أبو الجارود قبل إتمام هذا الواقع بعشرات السنين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(250) كمال الدِّين (ص 311 - 313/ باب 28/ ح 3).
(251) الكافي (ج 1/ ص 532/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 9).

(٩٦)

على أنَّ الشيخ المفيد (رحمه الله) قد وثَّقه في (رسالته العدديَّة)(252).
هذا، والصدوق (رحمه الله) أخرج حديث اللوح في أوَّل الباب بهذا السند، قال: (حدَّثنا أبي ومحمّد بن الحسن (رضي الله عنهما)، قالا: حدَّثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري جميعاً، عن أبي الحسن صالح بن حمَّاد والحسن بن طريف جميعاً، عن بكر بن صالح.
وحدَّثنا أبي ومحمّد بن موسى المتوكِّل ومحمّد بن عليٍّ ماجيلويه وأحمد بن عليِّ بن إبراهيم والحسن بن إبراهيم بن ناتانة وأحمد بن زياد الهمداني (رضي الله عنهم)، قالوا: حدَّثنا عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن بكر بن صالح، عن عبد الرحمن بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)...) الحديث(253).
والسندان صحيحان إلى بكر بن صالح الذي ضُعِّف. ولا يضرُّ ضعفه هنا؛ لأنَّه من غير المعقول أنْ يُخبِر الرجل الضعيف عن شيء قبل أوانه ثمّ يتحقَّق ذلك الشيء على طبق ما أخبر به، ثمّ لا يكون المخبر - بعد ذلك - صادقاً، فالرجل روى عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، فمن أين له أنْ يعلم بأولاده وصولاً إلى المهدي (عجَّل الله فرجه)؟! وهو كما يبدو من طبقته لم يُدرك الأئمَّة (الهادي والعسكري والمهدي (عليهم السلام))، ويدلُّك على هذا أنَّ من مشايخ الحسن بن طريف الراوي عن بكر بن صالح في السند الأوَّل، هو ابن أبي عمير (ت 217هـ)، ومَنْ في طبقته.
5 - ما في (كفاية الأثر في النصِّ على الأئمَّة الاثني عشر) للخزَّاز (رحمه الله)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(252) جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية (الرسالة العدديَّة) (ص 30)، فقد جعله في عداد فقهاء أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام)، ومن الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا يُطعَن عليهم ولا طريق إلى ذمِّ واحدٍ منهم، على حدِّ تعبيره (رحمه الله).
(253) كمال الدِّين (ص 308/ باب 28/ ح 1).

(٩٧)

- من أعلام القرن الرابع الهجري -، فقد خصَّص كتابه كلَّه في الأحاديث الواردة في النصِّ على الأئمَّة الاثني عشر بأسمائهم، ولا مجال لنقل رواياته، ولكن لا بأس بنقل ما جاء في مقدَّمة الكتاب، قال: (وابتدئ بذكر الروايات في النصوص عليهم [(عليهم السلام)] من جهة أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المعروفين، مثل: عبد الله بن عبَّاس، وعبد الله بن مسعود، وأبي سعيد الخدري، وأبي ذرٍّ الغفاري، وسلمان الفارسي، وجابر بن سمرة، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وعمر بن الخطَّاب، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وأبي أُمامة، وواثلة بن الأسقع، وأبي أيُّوب الأنصاري، وعمَّار بن ياسر، وحذيفة بن أُسيد، وعمران بن الحصين، وسعد بن مالك، وحذيفة بن اليمان، وأبي قتادة الأنصاري، وعليِّ بن أبي طالب، وابنيه: الحسن والحسين (عليهم السلام).
ومن النساء: أُمُّ سَلَمة، وعائشة، وفاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ثمّ أُعقبه بذكر الأخبار التي وردت عن الأئمَّة (صلوات الله عليهم) ما يوافق حديث الصحابة في النصوص على الأئمَّة ونصِّ كلِّ واحدٍ منهم على الذي بعده؛ ليعلموا - إنْ أنصفوا - ويدينوا به، ولا يكونوا كما قال الله سبحانه: ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ [الجاثية: 17])(254).
6 - وأخرج في (كمال الدِّين): عن محمّد بن عليٍّ ماجيلويه ومحمّد بن موسى بن المتوكِّل، عن محمّد بن يحيى العطَّار، عن محمّد بن الحسن الصفَّار.
وعن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفَّار، عن أبي طالب عبد الله بن الصلت القمِّي، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، قال: كُنْتُ أَنَا وَأَبُو بَصِيرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ مَوْلَى أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي مَنْزِلٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «نَحْنُ اِثْنَا عَشَرَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(254) كفاية الأثر (ص 8) من المقدَّمة.

(٩٨)

مَهْدِيًّا»، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَصِيرٍ: تَالله لَقَدْ سَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، فَحَلَفَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: لَكِنِّي سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)(255).
وأخرجه الكليني (رحمه الله) عن محمد بن يحيى وأحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسين، عن أبي طالب، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، بتمام ألفاظه(256).
وهو كما ترى ليس في سنده من يُتأمَّل في وثاقته، فجميعهم من ثقات الرواة وإنْ وُجِدَ في سند الصدوق (رحمه الله) ممدوح فقد كان إلى جنبه الثقة المأمون، وفيه كفاية على بيان المراد من حديث (الخلفاء اثنا عشر).
7 - وفي (الكافي) بسند صحيح جدًّا:
عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِيِّ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي (عليه السلام)، قَالَ: «أَقْبَلَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، وَمَعَه الْحَسَنُ اِبْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام)، وهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى يَدِ سَلْمَانَ...»، وفيه ذكر الأئمَّة الاثني عشر جميعاً (عليهم السلام) ابتداءً بعليٍّ (عليه السلام) وانتهاءً بالمهدي بن الحسن العسكري (عليهما السلام)(257).
قال الكليني (رحمه الله): وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الله، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، مِثْلَه سَوَاءً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(255) كمال الدِّين (ص 335/ باب 33/ ح 6)، وذيل الحديث نفسه أيضاً.
(256) الكافي (ج 1/ ص 534 و535/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 20).
وقد عدَّه المجلسي في مرآة العقول (ج 6/ ص 235) حديثاً مجهولاً!
وهو اشتباه قطعاً، لتوفُّر النصِّ على وثاقة رجال سند الكافي جميعاً من قِبَل الشيخ والنجاشي وجميع من تأخَّر عنهما. والظاهر أنَّه اشتبه بمحمّد بن عمران مولى أبي جعفر (عليه السلام) الذي لم يرد نصٌّ في توثيقه، وهو لا يضرُّ وجوده، لوجود الثقة معه وإحراز سماع الحديث عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) من جهة أبي بصير، فأيُّ ضير في أن يسمع الحديث من الصادق (عليه السلام) أيضاً؟
(257) الكافي (ج 1/ ص 525/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 1).

(٩٩)

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: فَقُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، وَدِدْتُ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ جَاءَ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الله.
قَالَ: فَقَالَ: لَقَدْ حَدَّثَنِي قَبْلَ الْحَيْرَةِ بِعَشْرِ سِنِينَ(258).
والمراد بالحيرة هنا: غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في سنة (260هـ)، وهي السنة التي تُوفّي فيها الإمام العسكري، وما قاله محمّد بن يحيى لا يوجب طعناً على أحمد ابن أبي عبد الله البرقي؛ لثقته بالاتِّفاق، فكأنَّ محمّد بن يحيى تمنَّى أنْ يكون من حدَّث شيخه الصفَّار بهذا الحديث قد مات في حياة الإمام العسكري أو الإمام الهادي (عليهما السلام) وليس البرقي الذي عاش إلى سنة (274هـ) أو (280هـ) على قول آخر؛ لأنَّ الإخبار عن شيء قبل وقوعه وتحقُّق ذلك الشيء على طبق الخبر يُعَدُّ من الإعجاز الذي لا يحتاج في قوَّة ثبوته إلى شهرة الخبر بتعدُّد رواته، إذ لا مجال لتكذيبه بأيِّ حالٍ من الأحوال وإنْ لم يُروَ إلَّا بسند واحد.
فجاء الجواب من الصفَّار بأنَّ ما رواه الثقة الجليل البرقي كان قبل وقوع الغيبة بعشر سنين.
ولا يخفى على أحد بأنَّ المخبر - الذي لم يُوثَّق - عن شيء قبل وقوعه، لا يُشترَط في قبول قوله أكثر من موافقته للشروط المنصوص عليها في قبول الخبر الضعيف، أو تحقُّقه على طبق خبره؛ لأنَّه كاشف عن صدقه، حتَّى وإنْ لم تُوثِّقه كُتُب الرجال(259).
ومثال هذا ما رواه الكليني والصدوق (رحمهما الله) بسند صحيح، عن أبان بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(258) الكافي (ج 1/ص 526 و527/باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ح 2).
(259) وأمَّا مع توفُّر وثاقة المخبر فلا يُشترَط ذلك بالاتِّفاق؛ إذ المفروض صدقه، وليس بعد الصدق إلَّا مطابقة الخبر للواقع، كمسألة نزول عيسى وظهور المهدي وفتنة الدجال ونحوها، وإنْ لم يتحقَّق شيء منها بعد.

(١٠٠)

أبي عيَّاش، عن سُلَيم بن قيس الهلالي، عن عبد الله بن جعفر الطيَّار، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث جاء فيه النصُّ على الإمام عليٍّ، وبعده ابنه الحسن، ثمّ ابنه الحسين، ثمّ عليُّ بن الحسين، ثمّ محمّد الباقر (عليهم السلام)، ثمّ قال: «ثُمَّ تَكْمِلَةُ اثْنَيْ عَشَرَ إِمَاماً تِسْعَةً مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ»(260).
فضعف أبان بن أبي عيَّاش لا يضرُّ هنا؛ لإخباره عن واقع قد تحقَّق على طبق ما أخبر بعد سنين من وفاته.
وفي (كمال الدِّين) للصدوق روايات كثيرة من هذا الطراز، ولكن من لا خبرة له قد جعلها ساقطة عن الاعتبار لضعفها سنداً في زعمه! على الرغم من انحصار الضعف بالرواة الذين ماتوا قبل اكتمال التسلسل التاريخي للأئمَّة الاثني عشر بأزمان بعيدة.
وينطبق هذا الإعجاز على غالبيَّة أخبار غيبة الإمام الثاني عشر (عجَّل الله فرجه) كما شهد بذلك الصدوق (رحمه الله)، فقال: (إنَّ الأئمة (عليهم السلام) قد أخبروا بغيبته (عليه السلام)، ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نُقِلَ عنهم، واستُحفِظَ في الصُّحُف ودُوِّن في الكُتُب المؤلَّفة من قبل أنْ تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقلّ أو أكثر، فليس أحد من أتباع الأئمَّة (عليهم السلام) إلَّا وقد ذكر ذلك في كثير من كُتُبه ورواياته ودوَّنه في مصنَّفاته، وهي الكُتُب التي تُعرَف بالأُصول مدوَّنة مستحفَظة عند شيعة آل محمّد (عليهم السلام) من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين، وقد أخرجت ما حضرني من الأخبار المسندة في الغيبة في هذا الكتاب في مواضعها.
فلا يخلو حال هؤلاء الأتباع المؤلِّفين للكُتُب أنْ يكونوا علموا الغيب بما وقع الآن من الغيبة، فألَّفوا ذلك في كُتُبهم ودوَّنوه في مصنَّفاتهم من قبل كونها،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(260) الكافي (ج 1/ ص 529/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 4)، كمال الدِّين (ص 270/باب 24/ح 15)، الخصال (ص 477/ح 41 من أبواب الاثني عشر).

(١٠١)

وهذا محال عند أهل اللُّبِّ والتحصيل. أو أنْ يكونوا (قد) أسَّسوا في كُتُبهم الكذب فاتَّفق الأمر لهم كما ذكروا، وتحقَّق كما وضعوا من كذبهم! على بعد ديارهم، واختلاف آرائهم، وتباين أقطارهم ومحالهم. وهذا أيضاً محال كسبيل الوجه الأوَّل، فلم يبقَ في ذلك إلَّا أنَّهم حفظوا عن أئمَّتهم المستحفظين للوصيَّة (عليهم السلام) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من ذكر الغيبة وصفة كونها في مقام بعد مقام إلى آخر المقامات ما دوَّنوه في كُتُبهم وألَّفوه في أُصولهم، وبذلك وشبهه فلج الحقُّ وزهق الباطل، إنَّ الباطل كان زهوقاً) انتهى(261).
ولا يخفى أنَّ الأُصول التي أشار لها الصدوق (رحمه الله) متواترة النسبة إلى أصحابها عنده، كتواتر نسبة (كمال الدِّين) إلى الصدوق (رحمه الله) عندنا، وهذا يعني أنَّ أخبار الغيبة حتَّى مع فرض انحصار الضعف بسندها ابتداءً فهو لا يقدح بصحَّتها بعد نقلها من تلك الكُتُب مباشرةً، وعلى الرغم من ذلك فسوف لن نحتجَّ بأخبار الشيعة الإماميَّة إلَّا بما صحَّ سنده مطلقاً إلى الإمام (عليه السلام)، أو إلى من أخبر بالواقع الإمامي قبل اكتمال تسلسله التاريخي وإنْ لم تُعرَف وثاقته.
المهدي (عجَّل الله فرجه) من أولاد الحسين، وأنَّه التاسع من ولده (عليهم السلام):
إنَّ هذه النتيجة وإنْ ثبتت فيما تقدَّم إلَّا أنَّه لا بدَّ من تأكيدها في هذا البحث ببعض النصوص التي احتجَّ بها بعض أعلام أهل السُّنَّة أوَّلاً، وباليسير الصحيح عند الشيعة روماً للاختصار، وهي:
1 - الحديث المروي عن سلمان الفارسي، وأبي سعيد الخدري، وأبي أيُّوب الأنصاري، وابن عبَّاس، وعليٍّ الهلالي - بألفاظ مختلفة - عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «يَا فَاطِمَةُ، إِنَّا أَهْلَ بَيْتٍ أُعْطِينَا سِتَّ خِصَالٍ لَمْ يُعْطَهَا أَحَدٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَلَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(261) كمال الدِّين (ص 19) من مقدَّمة المصنِّف.

(١٠٢)

يُدْرِكُهَا أَحَدٌ مِنَ الْآخِرِينَ غَيْرَنَا أَهْلِ اَلْبَيْتِ...» إلى قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «وَمِنَّا مَهْدِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِي يُصَلِّي عِيسَى خَلْفَهُ»، ثُمَّ ضَرَبَ عَلَى مَنْكِبِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)، فَقَالَ: «مِنْ هَذَا مَهْدِيُّ الْأُمَّةِ»(262).
2 - في (عقد الدُّرَر) للمقدسي الشافعي روى خبراً عن عليٍّ (عليه السلام) جاء فيه أنَّ المهدي «مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ، أَلَا فَمَنْ تَوَلَّى غَيْرَهُ لَعَنَهُ اَللهُ»(263).
وقد أورده المقدسي محتجًّا به فقال: (ولنختم هذا الفصل بشيء من كلام الإمام عليٍّ هازم الأبطال فيما تضمَّنه من الأهوال الشديدة والأُمور الصعاب وخروج الإمام المهدي مفرِّج الكروب ومفرِّق الأحزاب) ثمّ ذكر الحديث.
3 - وفي (عقد الدُّرَر): أيضاً عن جابر بن يزيد، عن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث طويل جاء فيه: «وَاَلمَهْدِيُّ يَا جَابِرُ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ»(264).
4 - وفي (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد المعتزلي في شرح قول الإمام عليٍّ (عليه السلام): «وَبِنَا تُخْتَمُ لَا بِكُمْ»، قال: (إشارة إلى المهدي الذي يظهر في آخر الزمان، وأكثر المحدِّثين على أنَّه من ولد فاطمة (عليها السلام)، وأصحابنا المعتزلة لا يُنكِرونه، وقد صرَّحوا بذكره في كُتُبهم، واعترف به شيوخهم...) إلى أنْ قال: (وروى قاضي القضاة (رحمه الله تعالى) عن كافي الكفاة أبي القاسم إسماعيل بن عبَّاد (رحمه الله) بإسناد متَّصل بعليٍّ (عليه السلام)، أنَّه ذكر المهدي وقال: «إِنَّهُ مِنْ وُلْدِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(262) أخرجه الدارقطني كما في البيان في أخبار صاحب الزمان للكنجي الشافعي (ص 501 - 503/ باب 9)، الفصول المهمَّة لابن الصبَّاغ المالكي (ج 2/ ص 1113 و1114/ فصل 12)، وفضائل الصحابة للسمعاني على ما في ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 389 و390/ باب 94/ ح 26)، وقد صرَّح في معجم أحاديث الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) (ج 1/ ص 145/ ح 77) بكثرة طُرُق هذا الحديث، وأنَّها ربَّما بلغت نحو مجلَّد.
(263) عقد الدُّرَر (ص 89 و95/ باب 4/ فصل 2).
(264) عقد الدُّرَر (ص 89/ باب 4/ فصل 2).

(١٠٣)

اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام)»، وذكر حِليتَه فقال: «رَجُلٌ أَجْلَى اَلْجَبِينِ، أَقْنَى اَلْأَنْفِ، ضَخْمُ اَلْبَطْنِ، أَزْيَلُ اَلْفَخِذَيْنِ، أَبْلَجُ اَلثَّنَايَا، بِفَخِذِهِ اَلْيُمْنَى شَامَةٌ»، وذكر هذا الحديث بعينه عبد الله بن قتيبة في كتاب (غريب الحديث)) انتهى(265).
5 - وفي (ينابيع المودَّة) عن (مناقب الخوارزمي) بسنده عن الحسين (عليه السلام)، قال: «دَخَلْتُ عَلَى جَدِّي رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَأَجْلَسَنِي عَلَى فَخِذِهِ، وَقَالَ: إِنَّ اَللهَ اِخْتَارَ مِنْ صُلْبِكَ يَا حُسَيْنُ تِسْعَةَ أَئِمَّةٍ، تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ، وَكُلُّهُمْ فِي اَلْفَضْلِ وَاَلمَنْزِلَةِ عِنْدَ اَلله سَوَاءٌ»(266).
6 - وفي (الينابيع) عن (مناقب الخوارزمي) أيضاً، بسنده عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَإِنَّ اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى فَخِذِهِ، وَهُوَ يُقَبِّلُ عَيْنَيْهِ وَيَلْثِمُ فَاهُ، وَيَقُولُ: «أَنْتَ سَيِّدٌ، اِبْنُ سَيِّدٍ، أَخُو سَيِّدٍ، أَنْتَ إِمَامٌ، اِبْنُ إِمَامٍ، أَخُو إِمَامٍ، أَنْتَ حُجَّةُ، أَبُو حُجَّةٍ، وَأَنْتَ أَبُو حُجَجٍ تِسْعَةٍ، تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ»(267).
وحديث سلمان (رضي الله عنه) رواه الصدوق (رحمه الله) في كتاب (الخصال) بسند في غاية الصحَّة، قال: حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ أَبِي خَلَفٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبَانِ اِبْنِ تَغْلِبَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ اَلْهِلَالِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ اَلْفَارِسِيِّ (رحمه الله)، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى اَلنَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَإِذَا اَلْحُسَيْنُ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَهُوَ يُقَبِّلُ عَيْنَيْهِ وَيَلْثِمُ فَاهُ، وَهُوَ يَقُولُ: «أَنْتَ سَيِّدٌ، اِبْنُ سَيِّدٍ، أَنْتَ إِمَامٌ، اِبْنُ إِمَامٍ، أَبُو اَلْأَئِمَّةِ، أَنْتَ حُجَّةٌ، اِبْنُ حُجَّةٍ، أَبُو حُجَجٍ تِسْعَةٍ مِنْ صُلْبِكَ، تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ»(268).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(265) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج 1/ ص 281 و- 282/ شرح الخطبة 16).
(266) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 395/ باب 94/ ح 45).
(267) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 394/ باب 94/ ح 44).
(268) الخصال (ص 475/ ح 38 من أبواب الاثني عشر)؛ ورواه (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 262/ باب 24/ ح 9)، وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 56/ ح 17).

(١٠٤)

7 - وفي (أُصول الكافي): عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنِ مُحَمَّدِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «يَكُونُ تِسْعَةُ أَئِمَّةٍ بَعْدَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ»(269).
ورواه الصدوق (رحمه الله)، عن أبيه، عن عليِّ بن إبراهيم كما في (الكافي) سنداً ومتناً(270).
وليس في واحد من رجال السند من يُشَكُّ في جلالته، أو يُرتاب في نقله.
8 - وفي (الينابيع) عن (فرائد السمطين) للحمويني الجويني الشافعي بسنده عَنِ اَلْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ اَلنَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أَنَا وَعَلِيٌّ وَاَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ وَتِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ مُطَهَّرُونَ مَعْصُومُونَ»(271).
المهدي هو محمّد بن الحسن العسكري (عليهما السلام):
سوف نذكر تحت هذا العنوان بعض النصوص التي لا تقبل تأويلاً لدلالتها على شخص الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) والأخبار بغيبته قبل وقوعها، وهي:
1 - ما رواه الصدوق (رحمه الله) بسند صحيح، عن مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ اَلْوَلِيدِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ اَلصَّفَّارُ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا (عليه السلام): إِنَّا لَنَرْجُو أَنْ تَكُونَ صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(269) الكافي (ج 1/ ص 533/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 15).
(270) الخصال (ص 480/ ح 50 من أبواب الاثني عشر)؛ ورواه كذلك النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 95/ باب 4/ ح 25)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 140/ ح 104).
(271) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 384/ باب 94/ ح 4)، ورواه في (ج 2/ ص 316/ ح 910) في المودة العاشرة، تحت عنوان: (في عدد الأئمَّة وأنَّ المهدي منهم (عجَّل الله فرجه))، عن فرائد السمطين (ج 2/ ص 132 و133/ ح 430، وص 313/ ح 563)؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 280/ باب 24/ ح 28)، والخزَّاز القمِّي (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 19).

(١٠٥)

وَأَنْ يَرُدَّهُ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَيْكَ مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ، فَقَدْ بُويِعَ لَكَ، وَضُرِبَتِ اَلدَّرَاهِمُ بِاسْمِكَ، فَقَالَ: «مَا مِنَّا أَحَدٌ اِخْتَلَفَتْ إِلَيْهِ اَلْكُتُبُ، وَسُئِلَ عَنِ اَلمَسَائِلِ، وَأَشَارَتْ إِلَيْهِ اَلْأَصَابِعُ، وَحُمِلَتْ إِلَيْهِ اَلْأَمْوَالُ إِلَّا اُغْتِيلَ أَوْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ، حَتَّى يَبْعَثَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) لِهَذَا اَلْأَمْرِ رَجُلاً خَفِيَّ اَلمَوْلِدِ وَاَلمَنْشَإِ، غَيْرَ خَفِيٍّ فِي نَسَبِهِ»(272).
وفي هذا الحديث إشارة إلى ما أحاط ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) من أُمور لا يعلمها إلَّا خاصَّة أبي محمّد الحسن بن عليٍّ العسكري (عليه السلام)؛ ولهذا جاء في الخبر الصحيح: إنَّ المهدي هو من يقول الناس: لم يُولَد بعد!
فقد روى الصدوق (رحمه الله) بسند صحيح جدًّا، قال: حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ مُوسَى اَلْخَشَّابُ، عَنِ اَلْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ اَلْقَصَبَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا اَلْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (عليهما السلام) يَقُولُ: «صَاحِبُ هَذَا اَلْأَمْرِ مَنْ يَقُولُ اَلنَّاسُ: لَمْ يُولَدْ بَعْدُ»(273).
2 - ما رواه المقدسي الشافعي في (عقد الدُّرَر) عن الباقر (عليه السلام): «يَكُونُ هَذَا اَلْأَمْرُ فِي أَصْغَرِنَا سِنًّا»(274)، وفيه إشارة إلى الإمام المهدي محمّد بن الحسن العسكري (عجَّل الله فرجه).
3 - ما رواه الكليني (رحمه الله) بسند صحيح: عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ فِي صَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ شَبَهاً مِنْ يُوسُفَ (عليه السلام)...»، إلى أنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(272) كمال الدِّين (ص 370/ باب 35/ ح 1)؛ ورواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 341 و342/ باب في الغيبة/ ح 25)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 173/ باب 10/ فصل 3/ ح 9).
(273) كمال الدِّين (ص 360/ باب 34/ ح 2)، وأخرجه من طُرُق أُخرى أيضاً في نفس الباب.
(274) عقد الدُّرَر (ص 42/ باب 3، وص 139/ باب 6، وص 160/ باب 7)؛ ورواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 339/ باب 23/ ح 1).

(١٠٦)

قال: «فَمَا تُنْكِرُ هَذِه الأُمَّةُ أَنْ يَفْعَلَ اللهُ (جَلَّ وَعَزَّ) بِحُجَّتِه كَمَا فَعَلَ بِيُوسُفَ، أَنْ يَمْشِيَ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَيَطَأَ بُسُطَهُمْ حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ فِي ذَلِكَ لَه كَمَا أَذِنَ لِيُوسُفَ، ﴿قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ﴾ [يوسف: 90]؟»(275).
4 - في (ينابيع المودَّة): عن الإمام الرضا (عليه السلام): «اَلْخَلَفُ اَلصَّالِحُ مِنْ وُلْدِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْعَسْكَرِيِّ، هُوَ صَاحِبُ اَلزَّمَانِ، وَهُوَ اَلمَهْدِيُّ (سَلَامُ اَلله عَلَيْهِ)».
وقد صرَّح القندوزي في (الينابيع) بوجود هذا الحديث في كتاب (الأربعين) لأبي نعيم الأصبهاني(276).
5 - وفيه: عن الإمام الرضا (عليه السلام): «إِنَّ اَلْإِمَامَ بَعْدِي اِبْنِي مُحَمَّدٌ، وَبَعْدَ مُحَمَّدٍ اِبْنُهُ عَلِيٌّ، وَبَعْدَ عَلِيٍّ اِبْنُهُ اَلْحَسَنُ، وَبَعْدَ اَلْحَسَنِ اِبْنُهُ اَلْحُجَّةُ اَلْقَائِمُ، وَهُوَ اَلمُنْتَظَرُ فِي غَيْبَتِهِ، اَلمُطَاعُ فِي ظُهُورِهِ، فَيَمْلَأَ اَلْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، وَأَمَّا مَتَى يَقُومُ فَإِخْبَارٌ عَنِ اَلْوَقْتِ، لَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: «مَثَلُهُ كَمَثَلِ اَلسَّاعَةِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً»(277).
6 - وفي (أُصول الكافي) بسند صحيح: عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْحَسَنِ اِبْنِ مُوسَى الْخَشَّابِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِلْغُلَامِ غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ»، قَالَ: قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: «يَخَافُ» وَأَوْمَأَ بِيَدِه إِلَى بَطْنِه، ثُمَّ قَالَ: «يَا زُرَارَةُ، وَهُوَ المُنْتَظَرُ، وَهُوَ الَّذِي يُشَكُّ فِي وِلَادَتِه، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَاتَ أَبُوه بِلَا خَلَفٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(275) الكافي (ج 1/ ص 336 و337/ باب في الغيبة/ ح 4).
(276) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 392/ باب 94/ ح 36).
(277) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 309 و310/ باب 80/ ح 1)، مصرِّحاً بنقله عن فرائد السمطين للحمويني الشافعي (ج 2/ ص 337 و338/ ح 591)؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 372 و373/باب 35/ح 6)، والخزَّاز القمِّي (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 275 - 277).

(١٠٧)

حَمْلٌ - أي مات أبوه وهو حمل في بطن أُمِّه -، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّه وُلِدَ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيه بِسَنَتَيْنِ، وَهُوَ المُنْتَظَرُ، غَيْرَ أَنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) يُحِبُّ أَنْ يَمْتَحِنَ الشِّيعَةَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَرْتَابُ المُبْطِلُونَ يَا زُرَارَةُ...» إلخ(278).
7 - وفيه بسند صحيح أيضاً: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «لِلْقَائِمِ غَيْبَتَانِ، إِحْدَاهُمَا قَصِيرَةٌ، وَالأُخْرَى طَوِيلَةٌ، الْغَيْبَةُ الأُولَى لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِه فِيهَا إِلَّا خَاصَّةُ شِيعَتِه، وَالأُخْرَى لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِه فِيهَا إِلَّا خَاصَّةُ مَوَالِيه»(279).
وهذا الخبر لا ريب في صدوره عن الإمام الصادق (عليه السلام)؛ لوثاقة رواته جميعاً، ودلالته على الإمام المهدي بن الحسن العسكري أبين من ضوء الشمس في رائعة النهار.
8 - وفي (كمال الدِّين) بسند صحيح: حَدَّثَنَا أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلله بْنُ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «يَأْتِي عَلَى اَلنَّاسِ زَمَانٌ يَغِيبُ عَنْهُمْ إِمَامُهُمْ»، فَقُلْتُ لَهُ: مَا يَصْنَعُ اَلنَّاسُ فِي ذَلِكَ اَلزَّمَانِ؟ قَالَ: «يَتَمَسَّكُونَ بِالْأَمْرِ اَلَّذِي هُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ»(280).
9 - وفي (أُصول الكافي): عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ أَبِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(278) الكافي (ج 1/ ص 337/ باب في الغيبة/ ح 5)؛ وانظر: كمال الدِّين (ص 342/ باب 33/ ح 24، وص 346/ باب 33/ ح 32) بسند آخر، والأوَّل أجود؛ ورواه الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 333 و334/ ح 279).
(279) الكافي (ج 1/ ص 340/ باب في الغيبة/ ح 19)؛ ورواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 175/ باب 10/ فصل 4/ ح 2).
(280) كمال الدِّين (ص 350/ باب 33/ ح 44)؛ ورواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 125/ ح 123).

(١٠٨)

عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَزَّازِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنْ بَلَغَكُمْ عَنْ صَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ غَيْبَةٌ فَلَا تُنْكِرُوهَا»(281).
أقول: لم يغب من الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) سوى المهدي بالاتِّفاق، وهو لم يكن مولوداً في زمان صدور هذا الحديث، ولهذا جاء التأكيد فيه على غيبته بعد ولادته.
وقد رواه الكليني (رحمه الله) بسند صحيح آخر، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ اِبْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَزَّازِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ(282).
10 - وفي (كمال الدِّين): حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله وَعَبْدُ اَلله بْنُ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ جَمِيعاً، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَمُحَمَّدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلْخَطَّابِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلْجَبَّارِ وَعَبْدُ اَلله بْنُ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ اَلْأَشْعَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلمُسَاوِرِ، عَنِ اَلمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ اَلْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِيَّاكُمْ وَاَلتَّنْوِيهَ، أَمَا وَاَلله لَيَغِيبَنَّ إِمَامُكُمْ سِنِيناً مِنْ دَهْرِكُمْ، وَلَتُمَحَّصُنَّ حَتَّى يُقَالَ: مَاتَ، أَوْ هَلَكَ، بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟ وَلَتَدْمَعَنَّ عَلَيْهِ عُيُونُ اَلمُؤْمِنِينَ، وَلَتُكْفَؤُنَّ كَمَا تُكْفَأُ اَلسُّفُنُ فِي أَمْوَاجِ اَلْبَحْرِ، وَلَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَخَذَ اَللهُ مِيثَاقَهُ، وَكَتَبَ فِي قَلْبِهِ اَلْإِيمَانَ، وَأَيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْهُ...»(283).
ورجال الحديث قبل محمّد بن المساور كلُّهم من أجلاء الرواة وثقاتهم بلا خلاف، وأمَّا محمّد بن مساور فقد مات سنة (183هـ) وحاله غير معلوم، وفي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(281) الكافي (ج 1/ ص 338/ باب في الغيبة/ ح 10).
(282) الكافي (ج 1/ ص 340/ باب في الغيبة/ ح 15)؛ ورواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 194/ باب 10/ فصل 4/ ح 42)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 160 و161/ ح 118).
(283) كمال الدِّين (ص 347/ باب 33/ ح 35).

(١٠٩)

وثاقة المفضَّل كلام، ولكن الحديث شاهد صدق على أمانتهما في نقله؛ لما فيه من إخبار معجز تحقَّق بعد وفاة ابن المساور بسبعة وسبعين عاماً؛ لوقوع الغيبة فعلاً في سنة (260هـ).
وقد أخرجه الكليني (رحمه الله) بسند صحيح إلى محمّد بن المساور، عن المفضَّل أيضاً(284).
وممَّا يقطع بصدوره الأحاديث الكثيرة جدًّا عن أهل البيت بهذا المعنى، كصحيح عبد الله بن سنان الذي رواه الصدوق (رحمه الله) عن أبيه وَمُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ اَلْوَلِيدِ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ اَلصَّفَّارُ، عَنِ اَلْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، فَقَالَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا صِرْتُمْ فِي حَالٍ لَا تَرَوْنَ فِيهَا إِمَامَ هُدًى، وَلَا عَلَماً يُرَى...»(285).
11 - وفي (أُصول الكافي): عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ بن عِيسَى، عَنْ أَبِيه مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِلْقَائِمِ غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ، إِنَّه يَخَافُ» وَأَوْمَأَ بِيَدِه إِلَى بَطْنِه، يَعْنِي الْقَتْلَ(286).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(284) الكافي (ج 1/ ص 336/ باب في الغيبة/ ح 3)؛ ورواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 125 و126/ ح 125)، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 264 و265)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 153 و154/ باب 10/ ح 9 و10)، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 532 و533/ ح 512/116)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 337 و338/ ح 285).
(285) كمال الدِّين (ص 348 و349/ باب 33/ ح 40)؛ ورواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 127/ح 129)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 161 و162/باب 10/فصل 2/ح 4).
(286) الكافي (ج 1/ ص 340/ باب في الغيبة/ ح 18)، وأخرجه الصدوق (رحمه الله) بسند صحيح على الأصحّ من وثاقة محمّد بن عليٍّ ماجيلويه في كمال الدِّين (ص 481/ باب 44/ ح 10).
ورواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 338/ باب في الغيبة/ ح 9)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 182 و183/ باب 10/ فصل 4/ ح 19 و21)

(١١٠)

والسند من أصحّ الأسانيد بلا خلاف.
12 - وفي (عقد الدُّرَر) للمقدسي الشافعي: عن الإمام الحسين السبط الشهيد (عليه السلام)، قال: «لِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ - يعني الإمام المهدي (عليه السلام) - غَيْبَتَانِ، إِحْدَاهُمَا تَطُولُ، حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ: مَاتَ، وَبَعْضُهُمْ: قُتِلَ، وَبَعْضُهُمْ: ذَهَبَ...»(287).
وقد مرَّ نظير هذا - بسند صحيح - في الحديث رقم (6) و(7)، فراجع.
13 - وفي (كمال الدِّين): حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله وَعَبْدُ اَلله بْنُ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ اَلرَّبِيعِ اَلمَدَائِنِيِّ(288)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، قَالَتْ: لَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ اِبْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام)، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ اَلْآيَةِ: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ [التكوير: 15 و16]، فَقَالَ: «إِمَامٌ يَخْنِسُ فِي زَمَانِهِ عِنْدَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(287) عقد الدُّرَر (ص 134/ باب 5)؛ ورواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 176/ باب 10/ فصل 4/ ح 5)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 161 و162/ ح 120) عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام).
(288) أورده الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 341/ باب في الغيبة/ ح 23): (... عن أحمد بن الحسن، عن عمر بن يزيد، عن الحسن بن الربيع الهمداني)، والظاهر صحَّته، لعدم رواية سعد والحميري عن أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد، بل روى سعد في مواضع كثيرة عن أحمد بن الحسن، والمراد به ابن عليِّ بن فضَّال الفطحي الثقة. وأمَّا عن عمر بن يزيد فسواء كان هو الصيقل أو بيَّاع السابري، فإنَّ وفاته قبل الغيبة بعشرات السنين.
ورواه (رحمه الله) أيضاً في (ج 1/ ص 341/ باب في الغيبة/ ح 22): (عن عليِّ بن محمّد، عن جعفر ابن محمّد بن موسى بن جعفر البغدادي، عن وهب بن شاذان، عن الحسن بن الربيع...).

(١١١)

اِنْقِضَاءٍ مِنْ عِلْمِهِ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، ثُمَّ يَبْدُو كَالشِّهَابِ اَلْوَقَّادِ فِي ظُلْمَةِ اَللَّيْلِ، فَإِنْ أَدْرَكْتِ ذَلِكَ قَرَّتْ عَيْنَاكِ»(289).
ويُلاحَظ في سند الحديث أنَّ أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد ثقة بالاتِّفاق، ومن قبله كذلك، وهو قد روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام)، كما صرَّح بهذا النجاشي في ترجمته(290)، وأمَّا من بعده فإنَّ إثبات صدقهم في خصوص هذا الخبر، هو تقدُّم وفاتهم لما في الخبر من إعلام معجز تحقَّق بعد وفاتهم، وورد بنقل الثقات عنهم، فالخبر شاهد على صدقهم.
14 - وفي (كمال الدِّين) بسند صحيح، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اَلْعَلَوِيُّ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ دَاوُدَ بْنِ اَلْقَاسِمِ اَلْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا اَلْحَسَنِ صَاحِبَ اَلْعَسْكَرِ (عليه السلام) يَقُولُ: «اَلْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي اِبْنِيَ اَلْحَسَنُ، فَكَيْفَ لَكُمْ بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِ اَلْخَلَفِ؟»، فَقُلْتُ: وَلِمَ، جَعَلَنِيَ اَللهُ فِدَاكَ؟ فَقَالَ: «لِأَنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ شَخْصَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ»، قُلْتُ: فَكَيْفَ نَذْكُرُهُ؟ قَالَ: «قُولُوا: اَلْحُجَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(291).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(289) كمال الدِّين (ص 324 و325/ باب 32/ ح 1)، وأخرجه في (ص 330/ باب 32/ ح 14) عن أُمِّ هانئ، عن الإمام الباقر (عليه السلام) باختلاف يسير.
ورواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 119/ ح 113)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 151 و152/ باب 10/ ح 6 و7)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 159/ ح 116).
(290) رجال النجاشي (ص 83/ الرقم 200).
(291) كمال الدِّين (ص 381/ باب 37/ ح 5)، الكافي (ج 1/ ص 328/ باب الإشارة والنصِّ على أبي محمّد (عليه السلام)/ ح 3).
ورواه ابن بابويه في الإمامة والتبصرة (ص 118/ ح 112)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ص 332 و333/ باب في النهي عن الاسم/ ح 1)، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 245 و264)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 648/ باب 56/ ح 4)، والخزَّاز القمِّي (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 288 و289)، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 320 و349)، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 427 و432)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 202/ ح 169).

(١١٢)

وهذا السند حجَّة؛ لوثاقة رجاله، والعلوي الذي فيه هو من مشايخ الشيعة الأجلَّاء كما يُعلَم من (رجال النجاشي) في ترجمة العمركي البوفكي(292).
ونكتفي بهذا القدر من الأحاديث مع التنبيه على ثلاثة أُمور، وهي:
الأوَّل: أنَّ الحديث الأخير لا يدلُّ على عدم رؤية الإمام المهدي مطلقاً؛ لأنَّ قوله (عليه السلام): «لَا تَرَوْنَ شَخْصَهُ» إذا عُطِفَ على النهي عن التسمية المعلَّل بوقوع الطلب أي الخوف على حياة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في أحاديث أُخرى صحيحة(293)، يُفهَم منه الكناية عن الغيبة، فيكون المعنى: إنَّكم لا ترون إمامكم المهدي كلَّما أردتم؛ إذ ليس قدرتكم على رؤيته كقدرتكم على رؤيتي في حياتي كلَّما أردتم؛ لأنَّه سيكون في غيبة عنكم، وإيَّاكم أنْ تذكروه باسمه، لكي لا يعرفه أعداء الله فيدُركوا أثره.
والحاصل: أنَّ نفي الرؤية كناية عن الغيبة، والنهي عن التسمية لأجل الخوف عليه، مع اختصاص النفي والنهي بزمان الغيبة، وتوجُّهه للمخاطبين بالكلام كلِّهم أو بعضهم دون غيرهم، وإلَّا فقد رآه المئات من أصحاب أبيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في حياته وبإذن منه، كما رآه غيرهم بعد وفاة أبيه (عليهما السلام) كما سيتَّضح في هذا الفصل.
الثاني: أنَّ ما ذكرناه من النصوص لا يُمثِّل في الواقع إلَّا جزءاً يسيراً من مجموع النصوص الواردة في هذا الشأن، ولم يخضع انتقاؤها لاعتبارات علميَّة،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(292) رجال النجاشي (ص 303/ الرقم 828).
(293) سنشير إلى تلك الأحاديث في أدلَّة ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).

(١١٣)

بمعنى: أنَّا لم نبحث عن الأسانيد الصحيحة لترسيخ العقيدة؛ إذ المفروض رسوخها قبل ذلك، وإنَّما كوسيلة لإثبات المدَّعى، وإلَّا فنحن لسنا بحاجة إلى الأسانيد أصلاً، لسببين:
أحدهما: توفُّر الدليل القاطع على استمرار وجود الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) إلى آخر الزمان، وقد مرَّ بيان ذلك مفصَّلاً، ومع هذا فأيُّ حاجةٍ تبقى للأسانيد؟
الآخر: توفُّر الدليل على أنَّ الأحاديث المرويَّة في المهدي (عجَّل الله فرجه) قد أُخِذَت مباشرةً من الكُتُب المؤلَّفة قبل ولادته (عجَّل الله فرجه) بعشرات السنين، وقد شهد الصدوق (رحمه الله) بذلك، وعليه فالضعف الموجود في سند بعضها على الاصطلاح لا يقدح بصحَّتها؛ لكون الإخبار فيها إعجازاً تحقَّق بعد حين، وهو آية صدقها.
الثالث: أنَّ أحاديث المهدي المسندة إلى النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإلى أهل البيت (عليهم السلام) كلُّها تُعبِّر عن حقيقة واحدة اتَّفق عشرات الصادقين على الإخبار عنها، ولا فرق في إثبات تلك الحقيقة بين ما كان سنده صحيحاً أو ضعيفاً، بحيث لو أخبر الثقة بموت زيد، ثمّ أخبر غيره بموته أيضاً، لا نقول له: كذبت. ولو جاء ثالث، ورابع، وخامسٌ... وعاشرٌ لا نقول لهم: كذبتم وإنْ لم نعرف درجة صدقهم، بل سيكون كلُّ خبر من هذه الأخبار قرينة احتمالية تضاف إلى خبر الصادق حتَّى يصبح على درجة من اليقين كلَّما تراكمت القرائن بحيث يتضاءل احتمال نقيضها حتَّى يصل إلى درجة الصفر.
إنَّ منطق قواعد حساب الاحتمال وقوانينه الرياضيَّة في تحصيل اليقين الموضوعي من تراكم الأخبار على محور واحد، يستحيل معه أنْ لا يكون ذلك المحور صادقاً ومنطبقاً مع الواقع.
ومن هنا يُعلَم أنَّ إثارة الشكوك حول أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) وسلب دلالتها على شخصه العظيم، كما يزعمه بعض المتطفِّلين على علم الحديث

(١١٤)

الشريف، متخطّياً في ذلك جميع الاعتبارات العلميَّة، وبخاصَّة بعد ثبوت انطباقها عليه (عجَّل الله فرجه)، ليس إلَّا التعبير عن هزيمة نكراء من الداخل، وعن ضحالة التفكير في كيفيَّة المساس بعقيدة ولو بالكذب والافتراء بعدم وجود الصحيح الثابت، مع التستُّر بمزاعم التصحيح كما تُخبرك محاولات تحويل العقائد إلى حرفة صحفيَّة تنطلق من أجواء الغرب، وتستظلُّ بفيئه، وتُحرِّكها أصابعه، وتُموِّلها عملاؤه، غافلة عن أنَّ العقيدة ليست قشَّة في مهبِّ الريح، وتاركة ما رسمه النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام) من المسار الصحيح لمعرفة من هو الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) باسمه ونسبه الكريم.
ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
لسنا بحاجة إلى ما يُبيِّن ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ويُثبِتها تاريخيًّا بعد أنْ عرفنا اتِّفاق كلمة المسلمين على أنَّه من أهل البيت (عليهم السلام)، وأنَّ ظهوره يكون في آخر الزمان، وعرفنا أيضاً النتيجة التي انتهى إليها البحث في طوائف نسب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وهي أنَّه لا مجال للشكِّ في كون المهدي الإمام الثاني عشر من أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام)، وهو محمّد بن الحسن بن عليِّ بن محمّد بن عليِّ بن موسى ابن جعفر بن محمّد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، وأنَّه حسيني الأب حسني الأُمِّ من جهة فاطمة بنت الحسن السبط أُمِّ الإمام الباقر محمّد بن عليِّ بن الحسين (عليهم السلام).
وهذا يعني أنَّ البحث عن ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وبيان ثبوتها شرعاً بحث غير طبيعي لولا وجود بعض الملابسات التاريخيَّة حول ولادته (عجَّل الله فرجه)، كادِّعاء عمِّه جعفر الكذَّاب بعدم وجود خلفٍ لأخيه العسكري (عليه السلام)، وقيام السلطة الحاكمة بتسليم تركة الإمام العسكري (عليه السلام) بعد وفاته لأخيه جعفر

(١١٥)

الكذَّاب أخذاً بادِّعائه الباطل فيما رواه علماء الشيعة الإماميَّة الاثني عشريَّة أنفسهم ولم يروه غيرهم قطُّ إلَّا من طُرُقهم، وفي هذا وحده كفاية للمنصف المتدبِّر، إذ كيف يروي الشيعة أمراً ويعتقدون بخلافه لو لم يثبت لهم زيف هذا الأمر وبطلانه؟!
إنَّه من قبيل رواياتهم إنكار معاوية منزلة عليٍّ (عليه السلام) من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم). فإنكار معاوية ثابتٌ، ومنزلة عليٍّ (عليه السلام) ثابتة، وثبات كليهما عند الشيعة لا يخالجه شكٌّ؛ لأنَّه على نحو اليقين، فكذلك إنكار جعفر الكذَّاب ثابت عندهم، وتصرُّف السلطة على وفق ادِّعائه ثابت أيضاً، وفي مقابل هذا ثبوت ولادة المهدي (عجَّل الله فرجه) بالإقرار والعيان، وما بعدهما من برهان.
ولكن من يقتات على موائد الغرب مع انحرافه، لا يبعد منه استغلال تلك الملابسات، وإثارتها بثوب جديد موشى بألوان (التصحيح).
ولأجل هذا نقول: إنَّ ولادة أيِّ إنسان في هذا الوجود تثبت بإقرار أبيه، وشهادة القابلة، وإنْ لم يرَه أحد قطُّ غيرهما، فكيف لو شهد المئات برؤيته، واعترف المؤرِّخون بولادته وصرَّح علماء الأنساب بنسبه، وظهر على يديه ما عرفه المقرَّبون إليه، وصدرت منه وصايا وتعليمات، ونصائح وإرشادات، ورسائل وتوجيهات، وأدعية وصلوات، وأقوال مشهورة، وكلمات مأثورة، وكان وكلاؤه معروفين، وسفراؤه معلومين، وأنصاره في كلِّ عصر وجيل بالملايين؟!
ولعمري، هل يريد من استغلَّ تلك الملابسات، وأنكر ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) أكثر من هذا لإثبات ولادته، أم تراه يقول بلسان الحال للمهدي (عجَّل الله فرجه) كما قال المشركون بلسان المقال لجدِّه النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَها تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً

(١١٦)

أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً﴾ (الإسراء: 90 - 93).
اللَّهُمَّ إنَّا لا نرجو هداية من عرف الحقَّ وتمسَّك بالباطل؛ لأنَّ من لا يقدر على الانتفاع بضياء الشمس، فهو على الانتفاع بنور القمر أعجز، وإنَّما نطمح إلى إيصال الحقِّ إلى جاهله، وتقوية الإيمان به عند من ضعف في قلبه، فنقول:
إخبار الإمام العسكري بولادة ابنه المهدي (عليهما السلام):
ويدلُّ عليه الخبر الصحيح عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام): جَلَالَتُكَ تَمْنَعُنِي مِنْ مَسْأَلَتِكَ، فَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَسْأَلَكَ؟ فَقَالَ: «سَلْ»، قُلْتُ: يَا سَيِّدِي، هَلْ لَكَ وَلَدٌ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، فَقُلْتُ: فَإِنْ حَدَثَ بِكَ حَدَثٌ، فَأَيْنَ أَسْأَلُ عَنْه؟ قَالَ: «بِالمَدِينَةِ»(294).
والخبر الصحيح عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بِلَالٍ، قَالَ: خَرَجَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ قَبْلَ مُضِيِّه بِسَنَتَيْنِ يُخْبِرُنِي بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِه، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ مِنْ قَبْلِ مُضِيِّه بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يُخْبِرُنِي بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِه(295).
والمراد بعليِّ بن محمّد هو الثقة الأديب الفاضل ابن بندار، وأمَّا عن محمّد بن عليِّ بن بلال فإنَّه من الوثاقة والجلالة أشهر من نارٍ على علم بحيث كان يراجعه من مثل أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه)، كما هو معلوم عند أهل الرجال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(294) الكافي (ج 1/ ص 328/ باب الإشارة والنصِّ إلى صاحب الدار (عليه السلام)/ ح 2)؛ ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 348)، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 426)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 232/ ح 199).
(295) الكافي (ج 1/ ص 328/ باب الإشارة والنصِّ إلى صاحب الدار (عليه السلام)/ ح 1)؛ ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 348)، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 426).

(١١٧)

شهادة القابلة بولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
وهي السيِّدة العلويَّة الطاهرة حكيمة بنت الإمام الجواد، وأُخت الإمام الهادي، وعمَّة الإمام العسكري (عليهم السلام). وهي التي تولَّت أمر نرجس أُمِّ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في ساعة الولادة(296)، وصرَّحت بمشاهدة الإمام الحجَّة بعد مولده(297)، وقد ساعدتها بعض النسوة في عمليَّة الولادة، منهنَّ جارية أبي عليٍّ الخيزراني التي أهداها إلى الإمام العسكري (عليه السلام) فيما صرَّح بذلك الثقة محمّد بن يحيى(298)، ومارية، ونسيم خادمة الإمام العسكري (عليه السلام)(299).
ولا يخفى أنَّ ولادات المسلمين لا يطَّلع عليها غير النساء القوابل، ومن يُنكِر هذا فعليه أنْ يُثبِت لنا مشاهدة غيرهنَّ لأُمِّه في مولده!
هذا، وقد أجرى الإمام العسكري (عليه السلام) السُّنَّة الشريفة بعد ولادة المهدي (عجَّل الله فرجه)، فعقَّ عنه بعقيقة(300) كما يفعل الملتزمون بالسُّنَّة حينما يرزقهم الله من فضله مولوداً.
من شهد برؤية المهدي من أصحاب الأئمَّة (عليهم السلام) وغيرهم:
شهد برؤية الإمام المهدي في حياة أبيه العسكري (عليهما السلام) وبإذن منه عدد من أصحاب العسكري وأبيه الهادي (عليهما السلام)، كما شهد آخرون منهم ومن غيرهم برؤية الإمام المهدي بعد وفاة أبيه العسكري (عليهما السلام)، وذلك في غيبته الصغرى التي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(296) كمال الدِّين (ص 424 - 430/باب 42/ح 1 و2)، الغيبة الطوسي (ص 234 - 237/ح 204).
(297) الكافي (ج 1/ ص 330 و331/ باب في تسمية من رآه (عليه السلام)/ ح 3)، كمال الدِّين (ص 433/ باب 42/ ح 14).
(298) كمال الدِّين (ص 431/ باب 42/ ح 7).
(299) كمال الدِّين (ص 430/ باب 42/ ح 5)، الغيبة للطوسي (ص 244 و245/ ح 211).
(300) كمال الدِّين (ص 430 و431 و432/ باب 42/ ح 6 و10).

(١١٨)

ابتدأت من سنة (260هـ) إلى سنة (329هـ)، ولكثرة من شهد على نفسه بذلك سوف نقتصر على ما ذكره المشايخ المتقدِّمون، وهم: الكليني (ت 329هـ) الذي أدرك الغيبة الصغرى بتمامها تقريباً، والصدوق (ت 381هـ) وقد أدرك من الغيبة الصغرى أكثر من عشرين عاماً، والشيخ المفيد (ت 413هـ)، والشيخ الطوسي (ت 460هـ)، ولا بأس بذكر اليسير جدًّا من رواياتهم الخاصَّة في تسمية من رآه (عجَّل الله فرجه)، ثمّ الاكتفاء ببيان أسماء المشاهدين للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) مع تعيين موارد رواياتهم في كُتُب المشايخ الأربعة لأجل الاختصار.
فمن تلك الروايات:
ما رواه الكليني في (أُصول الكافي) بسند صحيح: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى جَمِيعاً، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيِّ، قَالَ: اجْتَمَعْتُ أَنَا وَالشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو (رحمه الله) عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، فَغَمَزَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنْ أَسْأَلَه عَنِ الْخَلَفِ، فَقُلْتُ لَه: يَا أَبَا عَمْرٍو، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ شَيْءٍ، وَمَا أَنَا بِشَاكٍّ فِيمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْه...، إلى أنْ قال بعد إطراء العمري وتوثيقه على لسان الأئمَّة (عليهم السلام): فَخَرَّ أَبُو عَمْرٍو سَاجِداً وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: سَلْ حَاجَتَكَ، فَقُلْتُ لَه: أَنْتَ رَأَيْتَ الْخَلَفَ مِنْ بَعْدِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)؟ فَقَالَ: إِي وَالله، وَرَقَبَتُه مِثْلُ ذَا - وَأَوْمَأَ بِيَدِه -، فَقُلْتُ لَه: فَبَقِيَتْ وَاحِدَةٌ، فَقَالَ لِي: هَاتِ، قُلْتُ: فَالاسْمُ، قَالَ: مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْأَلُوا عَنْ ذَلِكَ، وَلَا أَقُولُ هَذَا مِنْ عِنْدِي، فَلَيْسَ لِي أَنْ أُحَلِّلَ وَلَا أُحَرِّمَ، وَلَكِنْ عَنْه (عليه السلام)، فَإِنَّ الأَمْرَ عِنْدَ السُّلْطَانِ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ مَضَى وَلَمْ يُخَلِّفْ وَلَداً، وَقَسَّمَ مِيرَاثَه، وَأَخَذَه مَنْ لَا حَقَّ لَه فِيه، وَهُوَ ذَا عِيَالُه يَجُولُونَ لَيْسَ أَحَدٌ يَجْسُرُ أَنْ يَتَعَرَّفَ إِلَيْهِمْ أَوْ يُنِيلَهُمْ شَيْئاً، وَإِذَا وَقَعَ الِاسْمُ وَقَعَ الطَّلَبُ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَمْسِكُوا عَنْ ذَلِكَ(301).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(301) الكافي (ج 1/ ص 329 و330/ باب في تسمية من رآه (عليه السلام)/ ح 1)، ورواه الصدوق (رحمه الله) بسند صحيح عن أبيه ومحمّد بن الحسن، عن عبد الله بن جعفر الحميري في كمال الدِّين (ص 441 و442/ باب 43/ ح 14).
ورواه الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 243 و244/ ح 209، وص 359 - 361/ ح 322).

(١١٩)

ومنها: ما رواه في (الكافي) بسند صحيح: عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ - وهو ابن بندار الثقة -، عَنْ حَمْدَانَ الْقَلَانِسِيِّ - الثقة -، قَالَ: قُلْتُ لِلْعَمْرِيِّ: قَدْ مَضَى أَبُو مُحَمَّدٍ [(عليه السلام)]؟ فَقَالَ لِي: قَدْ مَضَى، وَلَكِنْ قَدْ خَلَّفَ فِيكُمْ مَنْ رَقَبَتُه مِثْلُ هَذِهِ - وَأَشَارَ بِيَدِه -(302).
ومنها: ما رواه الصدوق (رحمه الله) بسند صحيح عن أجلَّاء المشايخ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلله بْنُ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ (رضي الله عنه): إِنِّي أَسْأَلُكَ سُؤَالَ إِبْرَاهِيمَ رَبَّهُ (جل جلاله) حِينَ قَالَ لَهُ: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: 260]، فَأَخْبِرْنِي عَنْ صَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ هَلْ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَهُ رَقَبَةٌ مِثْلُ ذِي - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عُنُقِهِ -(303).
ومنها: ما رواه الصدوق في (كمال الدِّين)، قال: وَحَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ اِبْنُ عَلِيٍّ اَلْأَسْوَدُ (رضي الله عنه)، قَالَ: سَأَلَنِي عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ (رضي الله عنه) بَعْدَ مَوْتِ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ (رضي الله عنه) أَنْ أَسْأَلَ أَبَا اَلْقَاسِمِ اَلرَّوْحِيَّ أَنْ يَسْأَلَ مَوْلَانَا صَاحِبَ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) أَنْ يَدْعُوَ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) أَنْ يَرْزُقَهُ وَلَداً ذَكَراً، قَالَ: فَسَأَلْتُهُ، فَأَنْهَى ذَلِكَ، ثُمَّ أَخْبَرَنِي بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَنَّهُ قَدْ دَعَا لِعَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، وَأَنَّهُ سَيُولَدُ لَهُ وَلَدٌ مُبَارَكٌ يَنْفَعُ اَللهُ بِهِ وَبَعْدَهُ أَوْلَادٌ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(302) الكافي (ج 1/ ص 329/ باب الإشارة والنصِّ إلى صاحب الدار (عليه السلام)/ ح 4، وص 331/ باب في تسمية من رآه (عليه السلام)/ح 4)؛ ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ص 351 و352).
(303) كمال الدِّين (ص 435/ باب 43/ ح 3).

(١٢٠)

ثمّ قال الصدوق (رحمه الله) بعد ذلك: قال مصنِّف هذا الكتاب (رضي الله عنه): كان أبو جعفر محمّد بن عليٍّ الأسود (رضي الله عنه) كثيراً ما يقول لي - إذا رآني أختلف إلى مجلس شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه)، وأرغب في كُتُب العلم وحفظه -: ليس بعجب أنْ تكون لك هذه الرغبة في العلم، وأنت ولدت بدعاء الإمام (عليه السلام)(304).
ومنها: ما رواه الشيخ الطوسي (رحمه الله) في كتاب (الغيبة) عن أجلَّاء هذه الطائفة وشيوخها، قال: وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ اَلنُّعْمَانِ وَاَلْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ اَلصَّفْوَانِيِّ، قَالَ: أَوْصَى اَلشَّيْخُ أَبُو اَلْقَاسِمِ (رضي الله عنه) إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلسَّمُرِيِّ (رضي الله عنه)، فَقَامَ بِمَا كَانَ إِلَى أَبِي اَلْقَاسِمِ - السفير الثالث -، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ حَضَرَتِ اَلشِّيعَةُ عِنْدَهُ، وَسَأَلَتْهُ عَنِ اَلمُوَكَّلِ بَعْدَهُ، وَلِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، فَلَمْ يُظْهِرْ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِأَنْ يُوصِيَ إِلَى أَحَدٍ بَعْدَهُ فِي هَذَا اَلشَّأْنِ(305).
ولا يخفى أنَّ مقام السمري مقام أبي القاسم الحسين بن روح في الوكالة عن الإمام تتطلَّب رؤيته في كلِّ أمر يحتاج إليه فيه، ومن هنا تواتر ما خرج على يد السفراء الأربعة الذين ذكرناهم في هذه الروايات من وصايا وإرشادات وأوامر وكلمات الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)(306).
وهناك روايات أُخرى كثيرة صريحة برؤية السفراء الأربعة كلٌّ في زمان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(304) كمال الدِّين (ص 502 و503/ باب 45/ ح 31)؛ ورواه الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 320/ ح 266).
(305) الغيبة للطوسي (ص 394/ ح 363).
(306) وقد جُمِعَت هذه الأُمور في ثلاث مجلَّدات مطبوعة بعنوان: (المختار من كلمات الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)) تأليف الشيخ محمّد الغروي.

(١٢١)

وكالته للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وكثير منها بمحضر من الشيعة، وها نحن نشير إلى أسماء من رآه (عجَّل الله فرجه)، وهم:
1 - إبراهيم بن إدريس، أبو أحمد(307).
2 - إبراهيم بن عبدة النيسابوري(308).
3 - إبراهيم بن محمّد التبريزي(309).
4 - إبراهيم بن مهزيار، أبو إسحاق الأهوازي(310).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(307) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص331/ باب في تسمية من رآه (عليه السلام)/ ح 8) بسنده عَنْ أَبِي عَلِيٍّ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيه، أَنَّه قَالَ: (رَأَيْتُه (عليه السلام) بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ حِينَ أَيْفَعَ، وَقَبَّلْتُ يَدَيْه وَرَأْسَه)؛ ورواه الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 268/ ح 232).
(308) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 331/ باب في تسمية من رآه (عليه السلام)/ ح 6) بسنده عَنْ خَادِمٍ لإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدَةَ النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّهَا قَالَتْ: (كُنْتُ وَاقِفَةً مَعَ إِبْرَاهِيمَ عَلَى الصَّفَا، فَجَاءَ (عليه السلام) حَتَّى وَقَفَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَقَبَضَ عَلَى كِتَابِ مَنَاسِكِه، وَحَدَّثَه بِأَشْيَاءَ)؛ ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 352)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 268/ ح 231).
(309) روى الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 258 و259/ ح 226) بسنده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْهَاشِمِيِّ مِنْ وُلْدِ اَلْعَبَّاسِ، قَالَ: (حَضَرْتُ دَارَ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام) بِسُرَّ مَنْ رَأَى يَوْمَ تُوُفِّيَ، وَأُخْرِجَتْ جَنَازَتُهُ، وَوُضِعَتْ، وَنَحْنُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلاً قُعُودٌ نَنْتَظِرُ حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا غُلَامٌ عُشَارِيٌّ حَافٍ عَلَيْهِ رِدَاءٌ قَدْ تَقَنَّعَ بِهِ، فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ قُمْنَا هَيْبَةً لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَعْرِفَهُ، فَتَقَدَّمَ وَقَامَ اَلنَّاسُ فَاصْطَفُّوا خَلْفَهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَمَشَى فَدَخَلَ بَيْتاً غَيْرَ اَلَّذِي خَرَجَ مِنْهُ). قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله اَلْهَمَدَانِيُّ: (فَلَقِيتُ بِالمَرَاغَةِ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ تَبْرِيزَ يُعْرَفُ بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلتَّبْرِيزِيِّ، فَحَدَّثَنِي بِمِثْلِ حَدِيثِ اَلْهَاشِمِيِّ لَمْ يُخْرَمْ مِنْهُ شَيْءٌ...).
(310) روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين ( ص 445 - 453/ باب 43/ ح 19) بسنده عَنْ إِبْرَاهِيمَ اِبْنِ مَهْزِيَارَ، قَالَ: قَدِمْتُ مَدِينَةَ اَلرَّسُولِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فَبَحَثْتُ عَنْ أَخْبَارِ آلِ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْأَخِيرِ (عليه السلام)، فَلَمْ أَقَعْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، فَرَحَلْتُ مِنْهَا إِلَى مَكَّةَ مُسْتَبْحِثاً عَنْ ذَلِكَ...)، إلى أنْ قال: (وَهُوَ غُلَامٌ أَمْرَدُ، نَاصِعُ اَللَّوْنِ، وَاضِحُ اَلْجَبِينِ، أَبْلَجُ اَلْحَاجِبِ، مَسْنُونُ اَلْخَدَّيْنِ، أَقْنَى اَلْأَنْفِ، أَشَمُّ أَرْوَعُ كَأَنَّهُ غُصْنُ بَانٍ، وَكَأَنَّ صَفْحَةَ غُرَّتِهِ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، بِخَدِّهِ اَلْأَيْمَنِ خَالٌ كَأَنَّهُ فُتَاتُ مِسْكٍ عَلَى بَيَاضِ اَلْفِضَّةِ، وَإِذَا بِرَأْسِهِ وَفْرَةٌ سَحْمَاءُ سَبِطَةٌ تُطَالِعُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ، لَهُ سَمْتٌ مَا رَأَتِ اَلْعُيُونُ أَقْصَدَ مِنْهُ وَلاَ أَعْرَفَ حُسْناً وَسَكِينَةً وَحَيَاءً...) الحديث؛ ورواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1099 - 1101/ ح 22).

(١٢٢)

5 - أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري(311)، ورآه مرَّةً أُخرى مع سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري (من مشايخ والد الصدوق والكليني (رحمهما الله))(312).
6 - أحمد بن الحسين بن عبد المَلِك أبو جعفر الأزْدي، وقيل: الأوْدي(313).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(311) روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 384 و385/ باب 38/ ح 1) بسنده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدٍ اَلْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام) وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنِ اَلْخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ... إلى أنْ قال: فَقُلْتُ لَهُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَلله، فَمَنِ اَلْإِمَامُ وَاَلْخَلِيفَةُ بَعْدَكَ؟ فَنَهَضَ (عليه السلام) مُسْرِعاً، فَدَخَلَ اَلْبَيْتَ، ثُمَّ خَرَجَ وَعَلَى عَاتِقِهِ غُلَامٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ اَلْقَمَرُ لَيْلَةَ اَلْبَدْرِ مِنْ أَبْنَاءِ اَلثَّلَاثِ سِنِينَ، فَقَالَ: «يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ، لَوْ لَا كَرَامَتُكَ عَلَى اَلله (عزَّ وجلَّ) وَعَلَى حُجَجِهِ مَا عَرَضْتُ عَلَيْكَ اِبْنِي هَذَا...» الحديث.
(312) روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 454 - 465/ باب 43/ ح 21) بسنده عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْقُمِّيِّ، قَالَ: (كُنْتُ اِمْرَأً لَهِجاً بِجَمْعِ اَلْكُتُبِ اَلمُشْتَمِلَةِ عَلَى غَوَامِضِ اَلْعُلُومِ وَدَقَائِقِهَا...)، إلى أنْ قال: (فَوَرَدْنَا سُرَّ مَنْ رَأَى، فَانْتَهَيْنَا مِنْهَا إِلَى بَابِ سَيِّدِنَا، فَاسْتَأْذَنَّا، فَخَرَجَ عَلَيْنَا اَلْإِذْنُ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ، وَكَانَ عَلَى عَاتِقِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ جِرَابٌ قَدْ غَطَّاهُ بِكِسَاءٍ طَبَرِيٍّ فِيهِ مِائَةٌ وَسِتُّونَ صُرَّةً مِنَ اَلدَّنَانِيرِ وَاَلدَّرَاهِمِ عَلَى كُلِّ صُرَّةٍ مِنْهَا خَتْمُ صَاحِبِهَا)، قَالَ سَعْدٌ: (فَمَا شَبَّهْتُ وَجْهَ مَوْلَانَا أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) حِينَ غَشِيَنَا نُورُ وَجْهِهِ إِلَّا بِبَدْرٍ قَدِ اِسْتَوْفَى مِنْ لَيَالِيهِ أَرْبَعاً بَعْدَ عَشْرٍ، وَعَلَى فَخِذِهِ اَلْأَيْمَنِ غُلَامٌ يُنَاسِبُ اَلمُشْتَرِيَ فِي اَلْخِلْقَةِ وَاَلمَنْظَرِ، عَلَى رَأْسِهِ فَرْقٌ بَيْنَ وَفْرَتَيْنِ كَأَنَّهُ أَلِفٌ بَيْنَ وَاوَيْنِ...) الحديث؛ ورواه الطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 506 - 517/ ح 492/96).
(313) روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 444 و445/ باب 43/ ح 18) بسنده عَنِ اَلْأَزْدِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا فِي اَلطَّوَافِ قَدْ طُفْتُ سِتًّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَطُوفَ اَلسَّابِعَ، فَإِذَا أَنَا بِحَلْقَةٍ عَنْ يَمِينِ اَلْكَعْبَةِ وَشَابٍّ حَسَنِ اَلْوَجْهِ، طَيِّبِ اَلرَّائِحَةِ، هَيُوبٍ مَعَ هَيْبَتِهِ مُتَقَرِّبٌ إِلَى اَلنَّاسِ يَتَكَلَّمُ، فَلَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْ كَلَامِهِ وَلَا أَعْذَبَ مِنْ نُطْقِهِ وَحُسْنِ جُلُوسِهِ، فَذَهَبْتُ أُكَلِّمُهُ، فَزَبَرَنِي اَلنَّاسُ، فَسَأَلْتُ بَعْضَهُمْ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا اِبْنُ رَسُولِ اَللهِ يَظْهَرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْماً لِخَوَاصِّهِ يُحَدِّثُهُمْ، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، مُسْتَرْشِداً أَتَيْتُكَ، فَأَرْشِدْنِي هَدَاكَ اَللهُ، فَنَاوَلَنِي (عليه السلام) حَصَاةً، فَحَوَّلْتُ وَجْهِي، فَقَالَ لِي بَعْضُ جُلَسَائِهِ: مَا اَلَّذِي دَفَعَ إِلَيْكَ؟ فَقُلْتُ: حَصَاةً، وَكَشَفْتُ عَنْهَا، فَإِذَا أَنَا بِسَبِيكَةِ ذَهَبٍ، فَذَهَبْتُ، فَإِذَا أَنَا بِهِ (عليه السلام) قَدْ لَحِقَنِي، فَقَالَ لِي: «ثَبَتَتْ عَلَيْكَ اَلْحُجَّةُ، وَظَهَرَ لَكَ اَلْحَقُّ، وَذَهَبَ عَنْكَ اَلْعَمَى، أَتَعْرِفُنِي؟»، فَقُلْتُ: لَا، فَقَالَ (عليه السلام): «أَنَا اَلمَهْدِيُّ، وَأَنَا قَائِمُ اَلزَّمَانِ، أَنَا اَلَّذِي أَمْلَؤُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً، إِنَّ اَلْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ، وَلَا يَبْقَى اَلنَّاسُ فِي فَتْرَةٍ، وَهَذِهِ أَمَانَةٌ لَا تُحَدِّثْ بِهَا إِلَّا إِخْوَانَكَ مِنْ أَهْلِ اَلْحَقِّ»؛ ورواه الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 253 و254/ ح 223).

(١٢٣)

7 - أحمد بن عبد الله الهاشمي من ولد العبَّاس، مع تمام تسعة وثلاثين رجلاً(314).
8 - أحمد بن محمّد بن المُطَهَّر، أبو عليٍّ، من أصحاب الهادي والعسكري (عليهما السلام)(315).
9 - أحمد بن هلال أبو جعفر العبرتائي الغال الملعون، وكان معه جماعة منهم: عليُّ بن بلال، ومحمّد بن معاوية بن حكيم، والحسن بن أيُّوب بن نوح، وعثمان بن سعيد العمري (رضي الله عنه) إلى تمام أربعين رجلاً(316).

(١٢٤)

10 - إسماعيل بن عليٍّ النوبختي، أبو سهل(317).
11 - أبو عبد الله بن صالح(318).
12 - أبو محمّد الحسن بن وجناء النصيبي(319).
13 - أبو هارون، من مشايخ محمّد بن الحسن الكرخي(320).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(314) راجع ما مرَّ في (ص 122/ الرقم 3).
(315) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 331/ باب في تسمية من رآه (عليه السلام)/ ح 5) بسنده عَنْ فَتْحٍ مَوْلَى الزُّرَارِيِّ، قَالَ: (سَمِعْتُ أَبَا عَلِيِّ بْنَ مُطَهَّرٍ يَذْكُرُ أَنَّه قَدْ رَآه، وَوَصَفَ لَه قَدَّه)؛ ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 352)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 269/ ح 223).
(316) روى الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 357/ ح 319) بسنده عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ اَلْفَزَارِيِّ اَلْبَزَّازِ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ اَلشِّيعَةِ مِنْهُمْ: عَلِيُّ بْنُ بِلَالٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَكِيمٍ، وَاَلْحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ مَشْهُورٍ قَالُوا جَمِيعاً: اِجْتَمَعْنَا إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام) نَسْأَلُهُ عَنِ اَلْحُجَّةِ مِنْ بَعْدِهِ، وَفِي مَجْلِسِهِ (عليه السلام) أَرْبَعُونَ رَجُلاً، فَقَامَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ اِبْنِ عَمْرٍو اَلْعَمْرِيُّ...، إلى أنْ قالوا: قَالَ [(عليه السلام)]: «جِئْتُمْ تَسْأَلُونِّي عَنِ اَلْحُجَّةِ مِنْ بَعْدِي»، قَالُوا: نَعَمْ، فَإِذَا غُلَامٌ كَأَنَّهُ قِطَعُ قَمَرٍ أَشْبَهُ اَلنَّاسِ بِأَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَقَالَ: «هَذَا إِمَامُكُمْ مِنْ بَعْدِي، وَخَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ، أَطِيعُوهُ وَلَا تَتَفَرَّقُوا مِنْ بَعْدِي فَتَهْلِكُوا فِي أَدْيَانِكُمْ...» الحديث.
(317) روى الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 271 - 273/ ح 237) بسنده عَنْ أَبِي سَهْلٍ إِسْمَاعِيلِ بْنِ عَلِيٍّ اَلنُّوبَخْتِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) فِي اَلمَرْضَةِ اَلَّتِي مَاتَ فِيهَا...، إلى أنْ قال: فَلَمَّا مَثُلَ اَلصَّبِيُّ بَيْنَ يَدَيْهِ سَلَّمَ، وَإِذَا هُوَ دُرِّيُّ اَللَّوْنِ، وَفِي شَعْرِ رَأْسِهِ قَطَطٌ، مُفَلَّجُ اَلْأَسْنَانِ، فَلَمَّا رَآهُ اَلْحَسَنُ (عليه السلام) بَكَى وَقَالَ: «يَا سَيِّدَ أَهْلِ بَيْتِهِ، اِسْقِنِي اَلمَاءَ فَإِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي»، وَأَخَذَ اَلصَّبِيُّ اَلْقَدَحَ اَلمَغْلِيَّ بِالمُصْطُكَيِّ بِيَدِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ، ثُمَّ سَقَاهُ، فَلَمَّا شَرِبَهُ قَالَ: «هَيِّئُونِي لِلصَّلَاةِ»، فَطُرِحَ فِي حَجْرِهِ مِنْدِيلٌ، فَوَضَّأَهُ اَلصَّبِيُّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَقَدَمَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام): «أَبْشِرْ يَا بُنَيَّ، فَأَنْتَ صَاحِبُ اَلزَّمَانِ، وَأَنْتَ اَلمَهْدِيُّ، وَأَنْتَ حُجَّةُ اَللهِ عَلَى أَرْضِهِ، وَأَنْتَ وَلَدِي وَوَصِيِّي...» الحديث.
(318) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 331/ باب في تسمية من رآه (عليه السلام)/ ح 7) بسنده عَنْ أَبِي عَبْدِ الله بْنِ صَالِحٍ أَنَّه رَآه عِنْدَ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ وَالنَّاسُ يَتَجَاذَبُونَ عَلَيْه، وَهُوَ يَقُولُ: «مَا بِهَذَا أُمِرُوا»؛ ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 352 و353).
(319) روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 443 و444/ باب 43/ ح 17) بسنده عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ وَجْنَاء اَلنَّصِيبِيِّ، قَالَ: كُنْتُ سَاجِداً تَحْتَ اَلْمِيزَابِ فِي رَابِعِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ حِجَّةً بَعْدَ اَلْعَتَمَةِ، وَأَنَا أَتَضَرَّعُ فِي اَلدُّعَاءِ إِذْ حَرَّكَنِي مُحَرِّكٌ، فَقَالَ: قُمْ يَا حَسَنَ بْنَ وَجْنَاءَ، قَالَ: فَقُمْتُ، فَإِذَا جَارِيَةٌ صَفْرَاءُ نَحِيفَةُ اَلْبَدَنِ، أَقُولُ: إِنَّهَا مِنْ أَبْنَاءِ أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقَهَا، فَمَشَتْ بَيْنَ يَدَيَّ، وَأَنَا لَا أَسْأَلُهَا عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أَتَتْ بِي إِلَى دَارِ خَدِيجَةَ (عليها السلام)، وَفِيهَا بَيْتٌ بَابُهُ فِي وَسَطِ اَلْحَائِطِ، وَلَهُ دَرَجُ سَاجٍ يُرْتَقَى، فَصَعِدَتِ اَلْجَارِيَةُ، وَجَاءَنِي اَلنِّدَاءُ: «اِصْعَدْ يَا حَسَنُ»، فَصَعِدْتُ، فَوَقَفْتُ بِالْبَابِ، فَقَالَ لِي صَاحِبُ اَلزَّمَانِ (عليه السلام): «يَا حَسَنُ، أَتَرَاكَ خَفِيتَ عَلَيَّ؟ وَاَللهِ مَا مِنْ وَقْتٍ فِي حَجِّكَ إِلَّا وَأَنَا مَعَكَ فِيهِ»، ثُمَّ جَعَلَ يَعُدُّ عَلَيَّ أَوْقَاتِي... الحديث. ورواه ابن حمزة الطوسي (رحمه الله) في الثاقب في المناقب (ص 612 و613/ ح 558/6)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 961 و962).
(320) روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 432/ باب 43/ ح 9) بسنده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ اَلْكَرْخِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هَارُونَ - رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِنَا - يَقُولُ: (رَأَيْتُ صَاحِبَ اَلزَّمَانِ (عليه السلام)، وَكَانَ مَوْلِدُهُ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَ مِائَتَيْنِ).
وروى (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 434 و435/ باب 43/ ح 1) بسنده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ اَلْكَرْخِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هَارُونَ - رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِنَا - يَقُولُ: (رَأَيْتُ صَاحِبَ اَلزَّمَانِ (عليه السلام)، وَوَجْهُهُ يُضِيءُ كَأَنَّهُ اَلْقَمَرُ لَيْلَةَ اَلْبَدْرِ، وَرَأَيْتُ عَلَى سُرَّتِهِ شَعْراً يَجْرِي كَالْخَطِّ...) الحديث؛ ورواه الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 250/ ح 219).

(١٢٥)

14 - جعفر الكذَّاب عمُّ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، رأى الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) مرَّتين(321).
15 - السيِّدة العلويَّة الطاهرة حكيمة بنت الإمام محمّد بن عليٍّ الجواد (عليهما السلام)(322).
16 - الزهري، وقيل: الزهراني، ومعه العمري (رضي الله عنه)(323).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(321) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 331/ باب في تسمية من رآه (عليه السلام)/ ح 9) بسنده عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بْنِ صَالِحٍ وَأَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ، عَنِ الْقَنْبَرِيِّ - رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ قَنْبَرٍ الْكَبِيرِ مَوْلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام) -، قَالَ: (جَرَى حَدِيثُ جَعْفَرِ اِبْنِ عَلِيٍّ، فَذَمَّه، فَقُلْتُ لَه: فَلَيْسَ غَيْرُه، فَهَلْ رَأَيْتَه؟ فَقَالَ: لَمْ أَرَه، وَلَكِنْ رَآه غَيْرِي، قُلْتُ: وَمَنْ رَآه؟ قَالَ: قَدْ رَآه جَعْفَرٌ مَرَّتَيْنِ، وَلَه حَدِيثٌ). ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 353)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 248/ ح 217).
وروى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 442/ باب 43/ ح 15) بسنده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحِ اِبْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قَنْبَرَ اَلْكَبِيرِ مَوْلَى اَلرِّضَا (عليه السلام)، قَالَ: خَرَجَ صَاحِبُ اَلزَّمَانِ عَلَى جَعْفَرٍ اَلْكَذَّابِ مِنْ مَوْضِعٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ عِنْدَمَا نَازَعَ فِي اَلْمِيرَاثِ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ: «يَا جَعْفَرُ، مَا لَكَ تَعَرَّضُ فِي حُقُوقِي؟»، فَتَحَيَّرَ جَعْفَرٌ وَبُهِتَ، ثُمَّ غَابَ عَنْهُ، فَطَلَبَهُ جَعْفَرٌ بَعْدَ ذَلِكَ فِي اَلنَّاسِ فَلَمْ يَرَهُ، فَلَمَّا مَاتَتِ اَلْجَدَّةُ أُمُّ اَلْحَسَنِ أَمَرَتْ أَنْ تُدْفَنَ فِي اَلدَّارِ، فَنَازَعَهُمْ وَقَالَ: هِيَ دَارِي لَا تُدْفَنُ فِيهَا، فَخَرَجَ (عليه السلام)، فَقَالَ: «يَا جَعْفَرُ، أَدَارُكَ هِيَ؟»، ثُمَّ غَابَ عَنْهُ، فَلَمْ يَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
ورواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 960).
(322) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 330 و331/ باب في تسمية من رآه (عليه السلام)/ ح 3) بسنده عن مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: (حَدَّثَتْنِي حَكِيمَةُ ابْنَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ - وَهِيَ عَمَّةُ أَبِيه - أَنَّهَا رَأَتْه لَيْلَةَ مَوْلِدِه وَبَعْدَ ذَلِكَ)؛ ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 351). وراجع: كمال الدِّين (ص 424 - 430/ باب 42/ ح 1 و2)، والغيبة للطوسي (ص 234 - 240/ ح 204 - 207).
(323) روى الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 271/ ح 236) بسنده عَنِ الزهري [اَلزَّهْرَانِيِّ]، قَالَ: طَلَبْتُ هَذَا اَلْأَمْرَ طَلَباً شَاقًّا حَتَّى ذَهَبَ لِي فِيهِ مَالٌ صَالِحٌ، فَوَقَعْتُ إِلَى اَلْعَمْرِيِّ وَخَدَمْتُهُ وَلَزِمْتُهُ، وَسَأَلْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام)، فَقَالَ لِي: لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ وُصُولٌ، فَخَضَعْتُ، فَقَالَ لِي: بَكِّرْ بِالْغَدَاةِ، فَوَافَيْتُ، فَاسْتَقْبَلَنِي وَمَعَهُ شَابٌّ مِنْ أَحْسَنِ اَلنَّاسِ وَجْهاً، وَأَطْيَبِهِمْ رَائِحَةً، بِهَيْأَةِ اَلتُّجَّارِ، وَفِي كُمِّهِ شَيْءٌ كَهَيْأَةِ اَلتُّجَّارِ، فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ دَنَوْتُ مِنَ اَلْعَمْرِيِّ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ، فَعَدَلْتُ إِلَيْهِ وَسَأَلْتُهُ، فَأَجَابَنِي عَنْ كُلِّ مَا أَرَدْتُ، ثُمَّ مَرَّ لِيَدْخُلَ اَلدَّارَ - وَكَانَتْ مِنَ اَلدُّورِ اَلَّتِي لَا يُكْتَرَثُ لَهَا -، فَقَالَ اَلْعَمْرِيُّ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَسْأَلَ سَلْ فَإِنَّكَ لَا تَرَاهُ بَعْدَ ذَا، فَذَهَبْتُ لِأَسْأَلَ، فَلَمْ يَسْمَعْ وَدَخَلَ اَلدَّارَ، وَمَا كَلَّمَنِي بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالَ: «مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ أَخَّرَ اَلْعِشَاءَ إِلَى أَنْ تَشْتَبِكَ اَلنُّجُومُ، مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ أَخَّرَ اَلْغَدَاةَ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ اَلنُّجُومُ»، وَدَخَلَ اَلدَّارَ.

(١٢٦)

17 - رشيق صاحب المادراي(324).
18 - أبو القاسم الروحي (رضي الله عنه)(325).
19 - عبد الله السوري(326).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(324) روى الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 248 - 250/ ح 218) عَنْ رَشِيقٍ صَاحِبِ اَلمَادَرَايِ، قَالَ: (بَعَثَ إِلَيْنَا اَلمُعْتَضِدُ، وَنَحْنُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، فَأَمَرَنَا أَنْ يَرْكَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا فَرَساً، وَنَجْنُبَ آخَرَ، وَنَخْرُجَ مُخِفِّينَ لَا يَكُونُ مَعَنَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إِلَّا عَلَى اَلسَّرْجِ مُصَلىًّ، وَقَالَ لَنَا: اِلْحَقُوا بِسَامِرَّةَ، وَوَصَفَ لَنَا مَحَلَّةً وَدَاراً، وَقَالَ: إِذَا أَتَيْتُمُوهَا تَجِدُونَ عَلَى اَلْبَابِ خَادِماً أَسْوَدَ، فَاكْبِسُوا اَلدَّارَ، وَمَنْ رَأَيْتُمْ فِيهَا فَأْتُونِي بِرَأْسِهِ. فَوَافَيْنَا سَامِرَّةَ، فَوَجَدْنَا اَلْأَمْرَ كَمَا وَصَفَهُ، وَفِي اَلدِّهْلِيزِ خَادِمٌ أَسْوَدُ، وَفِي يَدِهِ تِكَّةٌ يَنْسِجُهَا، فَسَأَلْنَاهُ عَنِ اَلدَّارِ وَمَنْ فِيهَا، فَقَالَ: صَاحِبُهَا...) إلى أنْ قال: (فَرَفَعْنَا اَلسِّتْرَ فَإِذَا بَيْتٌ كَبِيرٌ كَأَنَّ بَحْراً فِيهِ مَاءٌ، وَفِي أَقْصَى اَلْبَيْتِ حَصِيرٌ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ عَلَى اَلمَاءِ، وَفَوْقَهُ رَجُلٌ مِنْ أَحْسَنِ اَلنَّاسِ هَيْأَةً قَائِمٌ يُصَلِّي، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْنَا، وَلَا إِلَى شَيْءٍ مِنْ أَسْبَابِنَا...) الحديث.
ورواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 460 و461/ ح 5).
(325) راجع: كمال الدِّين (ص 502 و503/ باب 45/ ح 31)، والغيبة للطوسي (ص 320/ ح 266، وص 321 و322/ ح 269)؛ ولكن ليس فيها أنَّه (رضي الله عنه) قد رآه (عليه السلام).
(326) روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 441/ باب 43/ ح 13) بسنده عَنْ عَبْدِ اَلله اَلسُّورِيُّ، قَالَ: (صِرْتُ إِلَى بُسْتَانِ بَنِي عَامِرٍ، فَرَأَيْتُ غِلْمَاناً يَلْعَبُونَ فِي غَدِيرِ مَاءٍ، وَفَتًى جَالِساً عَلَى مُصَلًّى وَاضِعاً كُمَّهُ عَلَى فِيهِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: (م ح م د) بْنُ اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، وَكَانَ فِي صُورَةِ أَبِيهِ (عليه السلام))؛ ورواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 959 و960).

(١٢٧)

20 - عمرو الأهوازي(327).
21 - عليُّ بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي(328).
22 - عليُّ بن محمّد الشمشاطي رسول جعفر بن إبراهيم اليماني(329).
23 - غانم أبو سعيد الهندي(330).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(327) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 328/ باب الإشارة والنصِّ إلى صاحب الدار (عليه السلام)/ ح 3) بسنده عَنْ عَمْرٍو الأَهْوَازِيِّ، قَالَ: أَرَانِي أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنَه، وَقَالَ: «هَذَا صَاحِبُكُمْ مِنْ بَعْدِي»، وقريباً منه في (ص 332/ باب في تسمية من رآه (عليه السلام)/ ح 12). ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 348 و353 و354)، وأبو صلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 427)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 234/ ح 203).
(328) روى الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 263 - 267/ ح 228) بسنده عَنْ حَبِيبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ اِبْنِ شَاذَانَ اَلصَّنْعَانِيِّ، قَالَ: (دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ اَلْأَهْوَازِيِّ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آلِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَقَالَ: يَا أَخِي، لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ، حَجَجْتُ عِشْرِينَ حِجَّةً كُلًّا أَطْلُبُ بِهِ عِيَانَ اَلْإِمَامِ، فَلَمْ أَجِدْ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً...)، إلى أنْ قال: (فَدَخَلْتُ فَإِذَا أَنَا بِهِ جَالِسٌ، قَدِ اِتَّشَحَ بِبُرْدِهِ وَاِتَّزَرَ بِأُخْرَى، وَقَدْ كَسَرَ بُرْدَتَهُ عَلَى عَاتِقِهِ، وَهُوَ كَأُقْحُوَانَةِ أُرْجُوَانٍ قَدْ تَكَاثَفَ عَلَيْهَا اَلنَّدَى، وَأَصَابَهَا أَلَمُ اَلْهَوَى، وَإِذَا هُوَ كَغُصْنِ بَانٍ أَوْ قَضِيبِ رَيْحَانٍ، سَمْحٌ سَخِيٌّ، تَقِيٌّ نَقِيٌّ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ اَلشَّامِخِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ اَللَّازِقِ، بَلْ مَرْبُوعُ اَلْقَامَةِ، مُدَوَّرُ اَلْهَامَةِ، صَلْتُ اَلْجَبِينِ، أَزَجُّ اَلْحَاجِبَيْنِ، أَقْنَى اَلْأَنْفِ، سَهْلُ اَلْخَدَّيْنِ، عَلَى خَدِّهِ اَلْأَيْمَنِ خَالٌ كَأَنَّهُ فُتَاتُ مِسْكٍ عَلَى رَضْرَاضَةِ عَنْبَرٍ...) الحديث. ورواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 785 - 788/ ح 111).
(329) راجع: كمال الدِّين (ص 491/ باب 45/ ح 14)، ولكن ليس فيه أنَّه رآه (عليه السلام).
(330) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 515 - 517/ باب مولد الصاحب (عليه السلام)/ ح 3) بسنده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ غَانِمٍ الْهِنْدِيِّ، قَالَ: (كُنْتُ بِمَدِينَةِ الْهِنْدِ المَعْرُوفَةِ بِقِشْمِيرَ الدَّاخِلَةِ...) إلى أنْ قال: (وَخَرَجْتُ حَتَّى سِرْتُ إِلَى الْعَبَّاسِيَّةِ أَتَهَيَّأُ لِلصَّلَاةِ وَأُصَلِّي، وَإِنِّي لَوَاقِفٌ مُتَفَكِّرٌ فِيمَا قَصَدْتُ لِطَلَبِه إِذَا أَنَا بِآتٍ قَدْ أَتَانِي، فَقَالَ: أَنْتَ فُلَانٌ - اسْمُه بِالْهِنْدِ -؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَجِبْ مَوْلَاكَ، فَمَضَيْتُ مَعَه، فَلَمْ يَزَلْ يَتَخَلَّلُ بِيَ الطُّرُقَ حَتَّى أَتَى دَاراً وَبُسْتَاناً، فَإِذَا أَنَا بِه (عليه السلام) جَالِسٌ، فَقَالَ: «مَرْحَباً يَا فُلَانُ - بِكَلَامِ الْهِنْدِ -، كَيْفَ حَالُكَ؟ وَكَيْفَ خَلَّفْتَ فُلَاناً وَفُلَاناً؟» حَتَّى عَدَّ الأَرْبَعِينَ كُلَّهُمْ...) الحديث. ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 437 - 440/ باب 43/ ح 6)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1095 - 1098/ ح 21).

(١٢٨)

24 - كامل بن إبراهيم المدني(331).
25 - أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري (رضي الله عنه)(332).
26 - محمّد بن أحمد الأنصاري أبو نعيم الزيدي، وكان معه في مشاهدة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه): أبو عليٍّ المحمودي، وعلَّان الكليني، وأبو الهيثم الدِّيناري، وأبو جعفر الأحول الهمداني، وكانوا زهاء ثلاثين رجلاً فيهم: السيِّد محمّد بن القاسم العلوي العقيقي(333).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(331) روى الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 246 - 248/ ح 216) بسنده عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ اَلْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: (وَجَّهَ قَوْمٌ مِنَ اَلمُفَوِّضَةِ وَاَلمُقَصِّرَةِ كَامِلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ اَلمَدَنِيَّ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، قَالَ كَامِلٌ: ... فَسَلَّمْتُ وَجَلَسْتُ إِلَى بَابٍ عَلَيْهِ سِتْرٌ مُرْخًى، فَجَاءَتِ اَلرِّيحُ، فَكَشَفَتْ طَرَفَهُ، فَإِذَا أَنَا بِفَتًى كَأَنَّهُ فِلْقَةُ قَمَرٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَرْبَعِ سِنِينَ أَوْ مِثْلِهَا، فَقَالَ لِي: «يَا كَامِلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، فَاقْشَعْرَرْتُ مِنْ ذَلِكَ، وَأُلْهِمْتُ أَنْ قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا سَيِّدِي...) إلى أنْ قال: (ثُمَّ رَجَعَ اَلسِّتْرُ إِلَى حَالَتِهِ، فَلَمْ أَسْتَطِعْ كَشْفَهُ، فَنَظَرَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) مُتَبَسِّماً، فَقَالَ: «يَا كَامِلُ مَا جُلُوسُكَ وَقَدْ أَنْبَأَكَ بِحَاجَتِكَ اَلْحُجَّةُ مِنْ بَعْدِي؟»، فَقُمْتُ وَخَرَجْتُ وَلَمْ أُعَايِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ). ورواه الخصيبي (رحمه الله) في الهداية الكبرى (ص 359)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ص 458 و459/ح 4).
(332) روى الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 355/ ح 316) بسنده عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: (حَجَجْنَا فِي بَعْضِ اَلسِّنِينَ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَدَخَلْتُ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ بِمَدِينَةِ اَلسَّلَامِ، فَرَأَيْتُ أَبَا عَمْرٍو عِنْدَهُ...) إلى قال: (هَلْ رَأَيْتَ اِبْنَ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلَّذِي هُوَ صَاحِبُ اَلزَّمَانِ (عليه السلام)؟ فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: عَلَى أَنْ لاَ تُخْبِرَ بِذَلِكَ أَحَداً وَأَنَا حَيٌّ، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: قَدْ رَأَيْتُهُ (عليه السلام) وَعُنُقُهُ هَكَذَا - يُرِيدُ أَنَّهَا أَغْلَظُ اَلرِّقَابِ حُسْناً وَتَمَاماً -، قُلْتُ: فَالاِسْمُ؟ قَالَ: نُهِيتُمْ عَنْ هَذَا).
وراجع ما مرَّ في (ص 119).
(333) روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 470 -/ باب 43/ ح 24) بسنده عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ اَلْأَنْصَارِيِّ اَلزَّيْدِيِّ، قَالَ: (كُنْتُ بِمَكَّةَ عِنْدَ اَلمُسْتَجَارِ، وَجَمَاعَةً مِنَ اَلمُقَصِّرَةِ وَفِيهِمُ: اَلمَحْمُودِيُّ، وَعَلَّانٌ اَلْكُلَيْنِيُّ، وَأَبُو اَلْهَيْثَمِ اَلدِّينَارِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ اَلْأَحْوَلُ اَلْهَمْدَانِيُّ، وَكَانُوا زُهَاءَ ثَلَاثِينَ رَجُلاً، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مُخْلِصٌ عَلِمْتُهُ غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْقَاسِمِ اَلْعَلَوِيِّ اَلْعَقِيقِيِّ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ فِي اَلْيَوْمِ اَلسَّادِسِ مِنْ ذِي اَلْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا شَابٌّ مِنَ اَلطَّوَافِ عَلَيْهِ إِزَارَانِ مُحْرِمٌ بِهِمَا، وَفِي يَدِهِ نَعْلَانِ، فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ قُمْنَا جَمِيعاً هَيْبَةً لَهُ، فَلَمْ يَبْقَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا قَامَ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ...) إلى أنْ قال: (فَقَالَ لَنَا اَلمَحْمُودِيُّ: يَا قَوْمِ، أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا وَاَلله صَاحِبُ اَلزَّمَانِ (عليه السلام)...) الحديث.
ورواه الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 259 - 263/ ح 227).

(١٢٩)

27 - السيِّد الموسوي محمّد بن إسماعيل بن الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام)، وكان أسنّ شيخ في عصره من ولد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(334).
28 - محمّد بن جعفر أبو العبَّاس الحميري على رأس وفد من شيعة مدينة قم(335).
29 - محمّد بن الحسن بن عبيد الله التميمي الزيدي المعروف بأبي سورة(336).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(334) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 330/ باب في تسمية من آه (عليه السلام)/ ح 2) بسنده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ - وَكَانَ أَسَنَّ شَيْخٍ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بِالْعِرَاقِ -، فَقَالَ: (رَأَيْتُه بَيْنَ المَسْجِدَيْنِ وَهُوَ غُلَامٌ (عليه السلام))؛ ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 351)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 268/ ح 230).
(335) روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 476 - 479/ باب 43/ ح 26) بسنده عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ سِنَانٍ اَلمَوْصِلِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: (لَـمَّا قُبِضَ سَيِّدُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْعَسْكَرِيُّ (عليه السلام) وَفَدَ مِنْ قُمَّ وَاَلْجِبَالِ وُفُودٌ بِالْأَمْوَالِ اَلَّتِي كَانَتْ تُحْمَلُ عَلَى اَلرَّسْمِ وَاَلْعَادَةِ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ خَبَرُ وَفَاةِ اَلْحَسَنِ (عليه السلام)...)، إلى أنْ قال: (فَسِرْنَا إِلَيْهِ مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا دَارَ مَوْلَانَا اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام)، فَإِذَا وَلَدُهُ اَلْقَائِمُ سَيِّدُنَا (عليه السلام) قَاعِدٌ عَلَى سَرِيرٍ كَأَنَّهُ فِلْقَةُ قَمَرٍ، عَلَيْهِ ثِيَابٌ خُضْرٌ...) الحديث. ورواه ابن حمزة (رحمه الله) في الثاقب في المناقب (ص 608 - 611/ ح 555/3)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1104 - 1108/ ح 24).
(336) روى الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 269 و270/ ح 234 و235) بسنده عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سُورَةَ - وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلتَّمِيمِيُّ، وَكَانَ زَيْدِيًّا -، قَالَ: (سَمِعْتُ هَذِهِ اَلْحِكَايَةَ عَنْ جَمَاعَةٍ يَرْوُونَهَا عَنْ أَبِي (رحمه الله) أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى اَلْحَيْرِ، قَالَ: فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى اَلْحَيْرِ إِذَا شَابٌّ حَسَنُ اَلْوَجْهِ يُصَلِّي...) إلى أنْ قال: (فَقُلْتُ لَهُ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ...) الحديث.
وروى (رحمه الله) قريباً منه في (ص 299 - 302/ ح 255).

(١٣٠)

30 - محمّد بن صالح بن عليِّ بن محمّد بن قنبر الكبير مولى الإمام الرضا (عليه السلام)(337).
31 - محمّد بن عثمان العمري (رضي الله عنه)، وكان قد رآه مع أربعين رجلاً بإذن الإمام العسكري (عليه السلام)، وكان من جملتهم: معاوية بن حُكَيم(338).
32 - محمّد بن أيُّوب بن نوح(339).
33 - يعقوب بن منقوش(340).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(337) راجع ما مرَّ في (ص 126/ الرقم 14)، فقد روى الصدوق (رحمه الله) عنه رؤية جعفر الكذَّاب للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وظاهره أنَّه رآه أيضاً، ولكن صريح (الكافي) أنَّه لم يرَه (عجَّل الله فرجه)، ولكنَّه رأى من رآه وهو جعفر الكذَّاب.
(338) روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 433/ باب 42/ ح 13) بسنده عَنْ غِيَاثِ بْنِ أَسِيدٍ، قَالَ: شَهِدْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيَّ (قَدَّسَ اَللهُ رُوحَهُ) يَقُولُ: (لَـمَّا وُلِدَ اَلْخَلَفُ اَلمَهْدِيُّ (عليه السلام) سَطَعَ نُورٌ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ إِلَى أَعْنَانِ اَلسَّمَاءِ، ثُمَّ سَقَطَ لِوَجْهِهِ سَاجِداً لِرَبِّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ...)، إلى أنْ قَالَ: (وَكَانَ مَوْلِدُهُ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ).
وراجع ما رواه (رحمه الله) في (ص 435 و440 و441 و442/ باب 43/ ح 2 و 9 و10 و14).
(339) روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 435/ باب 43/ ح 2) بسنده عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ، وَمُحَمَّدِ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَان اَلْعَمْرِيِّ (رضي الله عنه)، قَالُوا: (عَرَضَ عَلَيْنَا أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ اِبْنُ عَلِيٍّ (عليهما السلام) [اِبْنَهُ] وَنَحْنُ فِي مَنْزِلِهِ وَكُنَّا أَرْبَعِينَ رَجُلاً، فَقَالَ: «هَذَا إِمَامُكُمْ مِنْ بَعْدِي، وَخَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ، أَطِيعُوهُ وَلَا تَتَفَرَّقُوا مِنْ بَعْدِي فِي أَدْيَانِكُمْ فَتَهْلِكُوا، أَمَا إِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَهُ بَعْدَ يَوْمِكُمْ هَذَا»، قَالُوا: فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ، فَمَا مَضَتْ إِلَّا أَيَّامٌ قَلَائِلُ حَتَّى مَضَى أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام)).
(340) روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 407/ باب 38/ ح 2) بسنده عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مَنْقُوشٍ، قَالَ: (دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى دُكَّانٍ فِي اَلدَّارِ، وَعَنْ يَمِينِهِ بَيْتٌ عَلَيْهِ سِتْرٌ مُسَبَّلٌ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، مَنْ صَاحِبُ هَذَا اَلْأَمْرِ؟ فَقَالَ: «اِرْفَعِ اَلسِّتْرَ»، فَرَفَعْتُهُ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا غُلَامٌ خُمَاسِيٌّ لَهُ عَشْرٌ أَوْ ثَمَانٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَاضِحُ اَلْجَبِينِ، أَبْيَضُ اَلْوَجْهِ، دُرِّيُّ اَلمُقْلَتَيْنِ، شَثْنُ اَلْكَفَّيْنِ، مَعْطُوفُ اَلرُّكْبَتَيْنِ، فِي خَدِّهِ اَلْأَيْمَنِ خَالٌ، وَفِي رَأْسِهِ ذُؤَابَةٌ، فَجَلَسَ عَلَى فَخِذِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، ثُمَّ قَالَ لِي: «هَذَا صَاحِبُكُمْ»، ثُمَّ وَثَبَ، فَقَالَ لَهُ: «يَا بُنَيَّ، اُدْخُلْ إِلَى اَلْوَقْتِ اَلمَعْلُومِ»، فَدَخَلَ اَلْبَيْتَ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا يَعْقُوبُ، اُنْظُرْ مَنْ فِي اَلْبَيْتِ؟»، فَدَخَلْتُ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً)؛ ورواه (رحمه الله) في (ص 436 و437/ باب 43/ ح 5)، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 250)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 958 و959).

(١٣١)

34 - يعقوب بن يوسف الضرَّاب الغسَّاني(341).
35 - يوسف بن أحمد الجعفري(342).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(341) روى الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 273 - 280/ ح 238) بسنده عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ اَلضَّرَّابِ اَلْغَسَّانِيِّ - فِي مُنْصَرَفِهِ مِنْ أَصْفَهَانَ -، قَالَ: (حَجَجْتُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَكُنْتُ مَعَ قَوْمٍ مُخَالِفِينَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ تَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ فَاكْتَرَى لَنَا دَاراً فِي زُقَاقٍ بَيْنَ سُوقِ اَللَّيْلِ، وَهِيَ دَارُ خَدِيجَةَ (عليها السلام) تُسَمَّى دَارَ اَلرِّضَا (عليه السلام)، وَفِيهَا عَجُوزٌ سَمْرَاءُ، فَسَأَلْتُهَا - لَـمَّا وَقَفْتُ عَلَى أَنَّهَا دَارُ اَلرِّضَا (عليه السلام) -: مَا تَكُونِينَ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ اَلدَّارِ؟ وَلِمَ سُمِّيَتْ دَارَ اَلرِّضَا؟ فَقَالَتْ: أَنَا مِنْ مَوَالِيهِمْ، وَهَذِهِ دَارُ اَلرِّضَا عَلِيِّ بْنِ مُوسَى (عليهما السلام)، أَسْكَنِيهَا اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليهما السلام)، فَإِنِّي كُنْتُ مِنْ خَدَمِهِ. فَلَمَّا سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْهَا أَنِسْتُ بِهَا، وَأَسْرَرْتُ اَلْأَمْرَ عَنْ رُفَقَائِيَ اَلمُخَالِفِينَ، فَكُنْتُ إِذَا اِنْصَرَفْتُ مِنَ اَلطَّوَافِ بِاللَّيْلِ أَنَامُ مَعَهُمْ فِي رِوَاقٍ فِي اَلدَّارِ، وَنُغْلِقُ اَلْبَابَ وَنُلْقِي خَلْفَ اَلْبَابِ حَجَراً كَبِيراً كُنَّا نُدِيرُ خَلْفَ اَلْبَابِ، فَرَأَيْتُ غَيْرَ لَيْلَةٍ ضَوْءَ اَلسِّرَاجِ فِي اَلرِّوَاقِ اَلَّذِي كُنَّا فِيهِ شَبِيهاً بِضَوْءِ اَلمَشْعَلِ، وَرَأَيْتُ اَلْبَابَ قَدِ اِنْفَتَحَ وَلَا أَرَى أَحَداً فَتَحَهُ مِنْ أَهْلِ اَلدَّارِ، وَرَأَيْتُ رَجُلاً رَبْعَةً أَسْمَرَ إِلَى اَلصُّفْرَةِ، مَا هُوَ قَلِيلَ اَللَّحْمِ، فِي وَجْهِهِ سَجَّادَةٌ، عَلَيْهِ قَمِيصَانِ وَإِزَارٌ رَقِيقٌ قَدْ تَقَنَّعَ بِهِ، وَفِي رِجْلِهِ نَعْلٌ طَاقٌ...) الحديث.
ورواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 461 و462/ ح 6) مختصراً.
(342) روى الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص 257 و258/ ح 225) بسنده عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَحْمَدَ [مُحَمَّدٍ] اَلْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: (حَجَجْتُ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَجَاوَرْتُ بِمَكَّةَ تِلْكَ اَلسَّنَةَ وَمَا بَعْدَهَا إِلَى سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ عَنْهَا مُنْصَرِفاً إِلَى اَلشَّامِ، فَبَيْنَا أَنَا فِي بَعْضِ اَلطَّرِيقِ، وَقَدْ فَاتَتْنِي صَلَاةُ اَلْفَجْرِ، فَنَزَلْتُ مِنَ اَلمَحْمِلِ وَتَهَيَّأْتُ لِلصَّلَاةِ، فَرَأَيْتُ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ فِي مَحْمِلٍ، فَوَقَفْتُ أَعْجَبَ مِنْهُمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: مِمَّ تَعْجَبُ؟ تَرَكْتَ صَلَاتَكَ، وَخَالَفْتَ مَذْهَبَكَ. فَقُلْتُ لِلَّذِي يُخَاطِبُنِي: وَمَا عِلْمُكَ بِمَذْهَبِي؟ فَقَالَ: تُحِبُّ أَنْ تَرَى صَاحِبَ زَمَانِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَوْمَأَ إِلَى أَحَدِ اَلْأَرْبَعَةِ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ لَهُ دَلَائِلَ وَعَلَامَاتٍ، فَقَالَ: أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَرَى اَلْجَمَلَ وَمَا عَلَيْهِ صَاعِداً إِلَى اَلسَّمَاءِ، أَوْ تَرَى اَلمَحْمِلَ صَاعِداً إِلَى اَلسَّمَاءِ؟ فَقُلْتُ: أَيُّهُمَا كَانَ فَهِيَ دَلَالَةٌ، فَرَأَيْتُ اَلْجَمَلَ وَمَا عَلَيْهِ يَرْتَفِعُ إِلَى اَلسَّمَاءِ، وَكَانَ اَلرَّجُلُ أَوْمَأَ إِلَى رَجُلٍ بِهِ سُمْرَةٌ، وَكَانَ لَوْنُهُ اَلذَّهَبَ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ سَجَّادَةٌ).

(١٣٢)

شهادة وكلاء المهدي ومن وقف على معجزاته (عجَّل الله فرجه) برؤيته:
لقد ذكر الصدوق (رحمه الله) من وقف على معجزات الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ورآه من الوكلاء وغيرهم مع تسمية بلدانهم، وقد أشرنا إلى بعضهم، وقد بلغوا من الكثرة حدًّا يمتنع معه اتِّفاقهم على الكذب، لاسيّما وهم من بلدان شتَّى، وإليك بعضهم:
فمن بغداد: العمري، وابنه، وحاجز، والبلالي، والعطَّار.
ومن الكوفة: العاصمي.
ومن أهل الأهواز: محمّد بن إبراهيم بن مهزيار.
ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق.
ومن أهل همدان: محمّد بن صالح.
ومن أهل الريِّ: البسَّامي، والأسدي (محمّد بن أبي عبد الله الكوفي).
ومن أهل آذربيجان: القاسم بن العلاء.
ومن أهل نيسابور: محمّد بن شاذان.
ومن غير الوكلاء:
من أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي حليس، وأبو عبد الله الكندي، وأبو عبد الله الجنيدي، وهارون القزَّاز، والنيلي، وأبو القاسم بن دبيس، وأبو عبد الله ابن فرُّوخ، ومسرور الطبَّاخ مولى أبي الحسن (عليه السلام)، وأحمد ومحمّد ابنا الحسن، وإسحاق الكاتب من بني نوبخت، وغيرهم.
ومن همدان: محمّد بن كشمرد، وجعفر بن حمدان، ومحمّد بن هارون بن عمران.
ومن الدينور: حسن بن هارون، وأحمد بن أُخَيَّة، وأبو الحسن.
ومن أصفهان: ابن باشاذالة.
ومن الصيمرة: زيدان.

(١٣٣)

ومن قم: الحسن بن النضر، ومحمّد بن محمّد، وعليُّ بن محمّد بن إسحاق، وأبوه، والحسن بن يعقوب.
ومن أهل الريِّ: القاسم بن موسى، وابنه، وأبو محمّد بن هارون، وعليُّ ابن محمّد، ومحمّد بن محمد الكليني، وأبو جعفر الرفَّاء.
ومن قزوين: مرداس، وعليُّ بن أحمد.
ومن نيسابور: محمّد بن شعيب بن صالح.
ومن اليمن: الفضل بن يزيد، والحسن بن الفضل بن يزيد، والجعفري، وابن الأعجمي، وعليُّ بن محمّد الشمشاطي.
ومن مصر: أبو رجاء، وغيره.
ومن نصيبين: أبو محمّد الحسن بن الوجناء النصيبي.
كما ذكر أيضاً من رآه (عجَّل الله فرجه) من أهل شهرزور، والصيمرة، وفارس، وقابس، ومرو(343).
شهادة الخدم والجواري والإماء برؤية المهدي (عجَّل الله فرجه):
كما شاهد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) من كان يخدم أباه العسكري (عليه السلام) في داره مع بعض الجواري والإماء، كطريف الخادم أبي نصر(344)، وخادمة إبراهيم بن عبدة النيسابوري التي شاهدت مع سيِّدها الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)(345)، وأبي الأديان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(343) كمال الدِّين (ص 442 و443/ باب 43/ ح 16).
(344) الكافي (ج 1/ ص 332/ باب في تسمية من رآه (عليه السلام)/ ح 13)، كمال الدِّين (ص 441/ باب 43/ ح 12)، الإرشاد (ج 2/ ص 354)، الغيبة للطوسي (ص 246/ ح 215)، وفيه: (ظريف) بدلاً عن (طريف).
(345) الكافي (ج 1/ ص 331/ باب في تسمية من آه (عليه السلام)/ ح 6)، الإرشاد (ج 2/ ص 352)، الغيبة للطوسي (ص 268/ ح 231).

(١٣٤)

الخادم(346)، وأبي غانم الخادم الذي قال: وُلِدَ لِأَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) وَلَدٌ، فَسَمَّاهُ مُحَمَّداً، فَعَرَضَهُ عَلَى أَصْحَابِهِ يَوْمَ اَلثَّالِثِ، وَقَالَ: «هَذَا صَاحِبُكُمْ مِنْ بَعْدِي، وَخَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ، وَهُوَ اَلْقَائِمُ اَلَّذِي تَمْتَدُّ إِلَيْهِ اَلْأَعْنَاقُ بِالاِنْتِظَارِ، فَإِذَا اِمْتَلَأَتِ اَلْأَرْضُ جَوْراً وَظُلْماً خَرَجَ فَمَلَأَهَا قِسْطاً وَ عَدْلاً»(347).
وشهد بذلك أيضاً: عقيد الخادم(348)، والعجوز الخادمة(349)، وجارية أبي عليٍّ الخيزراني التي أهداها إلى الإمام العسكري (عليه السلام)(350)، ومن الجواري اللَّواتي شهدن برؤية الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه): نسيم(351)، ومارية(352).
كما شهد بذلك مسرور الطبَّاخ مولى أبي الحسن (عليه السلام)(353)، وكلُّ هؤلاء قد شهدوا بنحو ما شهد به أبو غانم الخادم في بيت العسكري (عليه السلام).
تصرُّف السلطة دليل على ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
وُلِدَ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في شهر ربيع الآخر سنة (232هـ)، وقد عاصر ثلاثة من سلاطين بني العبَّاس، وهم: المعتزُّ (ت 255هـ)، والمهتدي (ت 256هـ)، والمعتمد (ت 279هـ).
وقد كان المعتمد شديد التعصُّب والحقد على آل البيت (عليهم السلام)، ومن تصفَّح

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(346) كمال الدِّين (ص 475/ باب 43/ ذيل الحديث 25).
(347) كمال الدِّين (ص 431/ باب 42/ ح 8).
(348) كمال الدِّين (ص 474/ باب 43/ ذيل الحديث 25)، الغيبة للطوسي (ص 271 - 273/ ح 237).
(349) الغيبة للطوسي (ص 273 - 280/ ح 238).
(350) كمال الدِّين (ص 431/ باب 42/ ح 7).
(351) كمال الدِّين (ص 441/ باب 43/ ح 11).
(352) كمال الدِّين (ص 430/ باب 42/ ح 5)، وفي هذا المورد شاهدته (عجَّل الله فرجه) نسيم مع مارية.
(353) كمال الدِّين (ص 442/ باب 43/ ح 16).

(١٣٥)

كُتُب التاريخ المشهورة كالطبري وغيره، واستقرأ ما في حوادث سنة (257هـ) و(258هـ) و(259هـ) و(260هـ)، وهي السنوات الأُولى من حكمه، عَلِمَ مدى حقده على أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام).
ولقد عاقبه الله في حياته، إذ لم يكن في يده شيءٌ من مُلْكِهِ حتَّى إنَّه احتاج إلى ثلاثمائة دينار فلم ينلها، ومات ميتة سوءٍ؛ إذ ضجر منه الأتراك فرموه في رصاص مذاب باتِّفاق المؤرِّخين.
ومن مواقفه الخسيسة أمْرُهُ شَرَطَته بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) مباشرةً بتفتيش داره تفتيشاً دقيقاً، والبحث عن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، والأمر بحبس جواري أبي محمّد (عليه السلام)، واعتقال حلائله، يساعدهم بذلك جعفر الكذَّاب طمعاً في أنْ ينال منزلة أخيه العسكري (عليه السلام) في نفوس شيعته، حتَّى جرى بسبب ذلك - كما يقول الشيخ المفيد - على مُخَلَّفي أبي محمّد (عليه السلام) كلُّ عظيمة من اعتقال، وحبس، وتهديد، وتصغير، واستخفاف، وذلٍّ(354).
كلُّ هذا والإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في الخامسة من عمره الشريف، ولا يهمُّ المعتمد العبَّاسي العمر بعد أنْ عرف أنَّ هذا الصبيَّ هو الإمام الذي سيهدُّ عرش الطاغوت نظراً لما تواتر من الخبر بأنَّ الثاني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) سيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً بعدما مُلِئَت ظلماً وجوراً.
فكان موقفه من مهدي الأُمَّة (عجَّل الله فرجه) كموقف فرعون من نبيِّ الله موسى (عليه السلام) الذي ألقته أُمُّهُ - خوفاً عليه - في اليمِّ صبيًّا، وبعض الشرِّ أهون من بعض.
ولم يكن المعتمد العبَّاسي قد عرف هذه الحقيقة وحده، وإنَّما عرفها من كان قبله كالمعتزِّ والمهتدي؛ ولهذا كان الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) حريصاً على أنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(354) الإرشاد (ج 2/ ص 336).

(١٣٦)

لا ينتشر خبر ولادة المهدي (عجَّل الله فرجه) إلَّا بين الخُلَّص من شيعته ومواليه (عليه السلام)، مع أخذ التدابير اللَّازمة والاحتياطات الكافية لصيانة قادة التشيُّع من الاختلاف بعد وفاته (عليه السلام)؛ إذ أوقفهم بنفسه على المهدي الموعود (عجَّل الله فرجه) مرَّات عديدة، وأمرهم بكتمان أمره؛ لمعرفة الطواغيت بأنَّه (الثاني عشر) الذي ينطبق عليه حديث جابر بن سمرة الذي رواه القوم وأدركوا تواتره، وإلَّا فأيُّ خطر يُهدِّد كيان المعتمد في مولود يافع لم يتجاوز من العمر خمس سنين لو لم يُدرك أنَّه هو المهدي المنتظَر التي رسمت الأحاديث المتواترة دوره العظيم بكلِّ وضوح، وبيَّنت موقفه من الجبابرة عند ظهوره؟!
ولو لم يكن الأمر على ما وصفناه، فلماذا لم تقتنع السلطة بشهادة جعفر الكذَّاب وزعمه بأنَّ أخاه العسكري (عليه السلام) مات ولم يخلف ولداً؟
أمَا كان بوسع السلطة أنْ تُعطي جعفراً الكذَّاب ميراث أخيه (عليه السلام) من غير ذلك التصرُّف الأحمق الذي يدلُّ على ذعرها وخوفها من ابن الحسن (عجَّل الله فرجه)؟!
قد يقال بأنَّ حرص السلطة على إعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه هو الذي دفعها إلى التحرِّي عن وجود الخلف؛ لكي لا يستقلَّ جعفر الكذَّاب بالميراث وحده بمجرَّد شهادته!
فنقول: ومع هذا، فإنَّه ليس من شأن السلطة الحاكمة آنذاك أنْ تتحرَّى عن هذا الأمر بمثل هذا التصرُّف المريب، بل كان على السلطة أنْ تحيل دعوى جعفر الكذَّاب إلى أحد القضاة، لاسيّما وأنَّ القضية من قضايا الميراث التي يحصل مثلها كلَّ يوم مرَّات، وعندها سيكون بوسع القاضي التحقيق واستدعاء الشهود كأُمِّ الإمام العسكري (عليه السلام) ونسائه وجواريه والمقرَّبين إليه من بني هاشم، ثمّ يستمع إلى أقوالهم ويُثبِت شهاداتهم، ثمّ يُصدِر الحكم على ضوء ما بيديه من شهادات، أمَّا أنْ تنفردَ السلطة بنفسها ويصل الأمر إلى أعلى رجل فيها، وبهذه السرعة، ولـمَّا يُدفَن

(١٣٧)

الإمام الحسن (عليه السلام)، وخروج القضيَّة عن دائرة القضاء مع أنَّها من اختصاصاته، ومن ثَمَّ مداهمة الشَّرَطة لمن في بيت الإمام العسكري (عليه السلام) بعد وفاته مباشرةً، كلُّ ذلك يدلُّ على تيقُّن السلطة من ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وإنْ لم ترَه، لما سبق من علمهم بثاني عشر أهل البيت (عليهم السلام) كما أشرنا إليه؛ ولهذا جاءت للبحث عنه لا بعنوان إعطاء ميراث العسكري (عليه السلام) لمن يستحقُّه من بعده، وإنَّما للقبض عليه والفتك به بعد أنْ لم يجدوا لذلك سبيلاً في حياة أبيه العسكري (عليه السلام).
ولهذا كان الخوف على حياته الشريفة من أسرار غيبته (عجَّل الله فرجه) كما مرَّ عليك في إخبار آبائه الكرام (عليهم السلام) عنها قبل وقوعها بعشرات السنين.
اعترافات علماء الأنساب بولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
لا شكَّ في أنَّ الرجوع إلى أصحاب كلِّ فنٍّ ضرورة، والأولى بصدد ما نحن فيه هم علماء الأنساب، وإليك بعضهم:
1 - النسَّابة الشهير أبو نصر سهل بن عبد الله بن داود بن سليمان البخاري من أعلام القرن الرابع الهجري، كان حيًّا سنة (341هـ)، وهو من أشهر علماء الأنساب المعاصرين لغيبة الإمام المهدي الصغرى التي انتهت سنة (329هـ).
قال في (سرِّ السلسلة العلويَّة): (وولد عليُّ بن محمّد التقي (عليه السلام): الحسن ابن عليٍّ العسكري (عليه السلام) من أُمِّ ولد نوبيَّة تُدعى: ريحانة، ووُلِدَ سنة إحدى وثلاثين ومائتين، وقُبِضَ سنة ستِّين ومائتين بسامرَّاء، وهو ابن تسع وعشرين سنة...، وولد عليُّ بن محمّد التقي (عليه السلام) جعفراً، وهو الذي تُسمِّيه الإماميَّة جعفر الكذَّاب، وإنَّما تُسمِّيه الإماميَّة بذلك لادِّعائه ميراث أخيه الحسن (عليه السلام) دون ابنه القائم الحجَّة (عليه السلام). لا طعن في نسبه)(355).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(355) سرُّ السلسلة العلويَّة (ص 39 و40).

(١٣٨)

2 - السيِّد العمري النسَّابة المشهور من أعلام القرن الخامس الهجري، قال ما نصُّه: (ومات أبو محمّد (عليه السلام) وولده من نرجس (عليها السلام) معلوم عند خاصَّة أصحابه وثقات أهله، وسنذكر حال ولادته والأخبار التي سمعناها بذلك، وامتُحِنَ المؤمنون بل كافَّة الناس بغيبته، وشره جعفر بن عليٍّ إلى مال أخيه وحاله، فدفع أنْ يكون له ولد، وأعانه بعض الفراعنة على قبض جواري أخيه...)(356).
3 - الفخر الرازي الشافعي (ت 606هـ)، قال في كتابه (الشجرة المباركة في أنساب الطالبيَّة) تحت عنوان: (أولاد الإمام العسكري (عليه السلام)) ما هذا نصُّه: (أمَّا الحسن العسكري الإمام (عليه السلام)، فله ابنان وبنتان: أمَّا الابنان، فأحدهما: صاحب الزمان (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)، والثاني: موسى درج في حياة أبيه. وأمَّا البنتان: ففاطمة درجت في حياة أبيها، وأُمُّ موسى درجت أيضاً)(357).
4 - المروزي الأزورقاني (ت بعد سنة 614هـ)، فقد وصف في كتاب (الفخري) جعفر ابن الإمام الهادي في محاولته إنكار ولد أخيه بالكذَّاب(358)، وفيه أعظم دليل على اعتقاده بولادة الإمام المهدي.
5 - السيِّد النسَّابة جمال الدِّين أحمد بن عليٍّ الحسيني المعروف بابن عِنَبَه (ت 828هـ)، قال في (عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب): (أمَّا عليٌّ الهادي فيُلقَّب العسكري لمقامه بسُرَّ من رأى، وكانت تُسمَّى: العسكر، وأُمُّه أُمُّ ولد، وكان في غاية الفضل ونهاية النبل، أشخصه المتوكِّل إلى سُرَّ من رأى، فأقام بها إلى أنْ تُوفّي، وأعقب من رجلين هما: الإمام أبو محمّد الحسن العسكري (عليه السلام)، وكان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(356) المجدي في أنساب الطالبيِّين (ص 130).
(357) الشجرة المباركة في أنساب الطالبيَّة (ص 78 و79).
(358) الفخري في أنساب الطالبيِّين (ص 8 و9 و219 و235 و239).

(١٣٩)

من الزهد والعلم على أمر عظيم، وهو والد الإمام محمّد المهدي (صلوات الله عليه) ثاني عشر الأئمَّة عند الإماميَّة، وهو القائم المنتظَر عندهم، من أُمِّ ولد اسمها نرجس. واسم أخيه أبو عبد الله جعفر الملقَّب بالكذَّاب؛ لادِّعائه الإمامة بعد أخيه الحسن)(359).
وقال في (الفصول الفخريَّة) مطبوع باللغة الفارسيَّة ما ترجمته: (أبو محمّد الحسن الذي يقال له: العسكري، والعسكر هو سامرَّاء، جلبه المتوكِّل وأباه إلى سامرَّاء من المدينة، واعتقلهما. وهو الحادي عشر من الأئمَّة الاثني عشر، وهو والد محمّد المهدي (عليه السلام)، ثاني عشرهم)(360).
6 - النسَّابة الزيدي السيِّد أبو الحسن محمّد الحسيني اليماني الصنعاني من أعيان القرن الحادي عشر، ذكر في المشجرة التي رسمها لبيان نسب أولاد أبي جعفر محمّد بن عليٍّ الباقر بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، وتحت اسم الإمام عليٍّ التقي المعروف بالهادي (عليه السلام) خمسة من البنين، وهم: الإمام العسكري، الحسين، موسى، محمّد، عليّ. وتحت اسم الإمام العسكري (عليه السلام) مباشرةً كتب: (محمّد بن) وبإزائه: (منتظَر الإماميَّة)(361).
7 - محمّد أمين السويدي (ت 1246هـ)، قال في (سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب): (محمّد المهدي: وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين، وكان مربوع القامة، حسن الوجه والشَّعر، أقنى الأنف، صبيح الجبهة)(362).
8 - النسَّابة المعاصر محمّد ويس الحيدري السوري، قال في (الدُّرَر البهيَّة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(359) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب (ص 199).
(360) الفصول الفخريَّة في في أُصول البريَّة (ص 134 و135).
(361) روضة الألباب لمعرفة الأنساب (ص 105).
(362) سبائك الذهب (ص 78).

(١٤٠)

في الأنساب الحيدريَّة والأوَيسيَّة) في بيان أولاد الإمام الهادي (عليه السلام): (أعقب خمسة أولاد: محمّد، وجعفر، والحسين، والإمام الحسن العسكري، وعائشة. فالحسن العسكري أعقب محمّد المهدي صاحب السرداب).
ثمّ قال بعد ذلك مباشرةً وتحت عنوان: (الإمامان محمّد المهدي والحسن العسكري): (الإمام الحسن العسكري: وُلِدَ بالمدينة سنة (231هـ)، وتُوفّي بسامرَّاء سنة (260هـ).
الإمام محمّد المهدي: لم يُذكر له ذرّيَّة، ولا أولاد له أبداً)(363).
ثمّ علَّق في هامش العبارة الأخيرة بما هذا نصُّه: (وُلِدَ في النصف من شعبان سنة (255هـ)، وأُمُّه نرجس، وُصِفَ فقالوا عنه: ناصع اللون، واضح الجبين، أبلج الحاجب، مسنون الخدِّ، أقنى الأنف، أشمّ، أروع، كأنَّه غصن بان، وكأنَّ غرَّته كوكب دُرِّي، في خدِّه الأيمن خال كأنَّه فتات مسك على بياض الفضَّة، وله وفرة سمحاء تطالع شحمة أُذُنه، ما رأت العيون أقصد منه، ولا أكثر حسناً وسكينةً وحياءً)(364).
وبعد، فهذه هي أقوال علماء الأنساب في ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وفيهم السُّنِّي والزيدي إلى جانب الشيعي، وفي المثل: أهل مكَّة أعرف بشعابها.
اعتراف علماء أهل السُّنَّة بولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
هناك اعترافات ضافية سجَّلها الكثير من أهل السُّنَّة بأقلامهم بولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وقد قام البعض باستقراء هذه الاعترافات في بحوث خاصَّة، فكانت متَّصلة الأزمان، بحيث لا تتعذَّر معاصرة صاحب الاعتراف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(363) الدُّرَر البهيَّة في الأنساب الحيدريَّة والأويسيَّة (ص 73).
(364) الدُّرَر البهيَّة (هامش ص 73 و74).

(١٤١)

اللَّاحق لصاحب الاعتراف السابق بولادة المهدي (عجَّل الله فرجه)، وذلك ابتداءً من عصر الغيبة الصغرى للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) (260 - 329هـ) وإلى الوقت الحاضر.
وسوف نقتصر على ذكر بعضهم - ومن أراد التوسُّع في ذلك فعليه مراجعة الاستقراءات السابقة لتلك الاعترافات(365) -، وهم:
1 - ابن الأثير الجزري عزُّ الدِّين (ت 630هـ)، قال في كتابة (الكامل في التأريخ) في حوادث سنة (260هـ): (وفيها تُوفّي أبو محمّد العلوي العسكري، وهو أحد الأئمَّة الاثني عشر على مذهب الإماميَّة، وهو والد محمّد الذي يعتقدونه المنتظَر)(366).
2 - ابن خلِّكان (ت 681هـ)، قال في (وفيات الأعيان): (أبو القاسم محمّد بن الحسن العسكري بن عليٍّ الهادي بن محمّد الجواد المذكور قبله، ثاني عشر الأئمَّة الاثني عشر على اعتقاد الإماميَّة المعروف بالحجَّة...، كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين)، ثمّ نقل عن المؤرِّخ الرحَّالة ابن الأزرق الفارقي (ت 577هـ) أنَّه قال في (تاريخ مَيَّافارقين): (إنَّ الحجَّة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(365) راجع كتاب الإيمان الصحيح للسيِّد القزويني، وكتاب الإمام المهدي في نهج البلاغة للشيخ مهدي فقيه إيماني، وكتاب من هو الإمام المهدي للتبريزي، وكتاب إلزام الناصب للشيخ عليٍّ اليزدي الحائري، وكتاب الإمام المهدي للأُستاذ عليّ محمّد دخيل، وكتاب دفاع عن الكافي للسيِّد ثامر العميدي. وقد ذكر الكتاب الأخير مائة وثمانية وعشرين شخصاً من أهل السُّنَّة من الذين اعترفوا بولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) مع ترتيبهم بحسب القرون، فكان أوَّلهم (أبو بكر محمّد بن هارون الروياني (ت 307هـ) في كتابه المسند (مخطوط)، وآخرهم الأُستاذ المعاصر يونس أحمد السامرائي في كتابه سامرَّاء في أدب القرن الثالث الهجري، ساعدت جامعة بغداد على طبعه سنة (1968م). انظر: دفاع عن الكافي (ج 1/ ص 568 - 592) تحت عنوان: (الدليل السادس: اعترافات أهل السُّنَّة).
(366) الكامل في التأريخ (ج 7/ ص 274) في آخر حوادث سنة (260هـ).

(١٤٢)

المذكور وُلِدَ تاسع شهر ربيع الأوَّل سنة ثمان وخمسين ومائتين، وقيل: في ثامن شعبان سنة ست وخمسين، وهو الأصحّ)(367).
أقول: الصحيح في ولادته (عجَّل الله فرجه) هو ما ذكره ابن خلِّكان أوَّلاً، وهو يوم الجمعة منتصف شهر شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وعلى ذلك اتَّفق جمهور الشيعة، وقد أخرجوا روايات صحيحة في ذلك مع شهادة أعلامهم المتقدِّمين، وقد أطلق هذا التاريخ الشيخ الكليني (رحمه الله) المعاصر للغيبة الصغرى بكاملها تقريباً إطلاق المسلَّمات، وقدَّمه على الروايات الواردة بخلافه، فقال في باب مولد الصاحب (عليه السلام): (وُلِدَ (عليه السلام) للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين)(368).
وقد روى الصدوق (رحمه الله) (ت 381هـ) عن شيخه مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِصَامٍ اَلْكُلَيْنِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ اَلْكُلَيْنِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ بَنْدَار، قَالَ: (وُلِدَ اَلصَّاحِبُ (عليه السلام) لِلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ)(369).
والكليني (رحمه الله) لم ينسب قوله إلى عليِّ بن محمّد لشهرته، وحصول الاتِّفاق عليه.
3 - الذهبي (ت 748هـ) اعترف بولادة المهدي (عجَّل الله فرجه) في ثلاثة من كُتُبه، ولم نتتبَّع كُتُبه الأُخرى.
قال في كتابه (العِبَر): (وفيها - أي: في سنة (265هـ) - وُلِدَ محمّد بن الحسن بن عليٍّ الهادي [بن] محمّد الجواد بن عليٍّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحُسَيْني، أبو القاسم الذي تُلقِّبه الرافضة: الخلف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(367) وفيات الأعيان (ج 4/ ص 176/ الرقم 562).
(368) الكافي (ج 1/ ص 514).
(369) كمال الدِّين (ص 430/ باب 42/ ح 4).

(١٤٣)

الحجَّة، وتُلقِّبه بالمهدي، وبالمنتظَر، وتُلقِّبه بصاحب الزمان، وهو خاتمة الاثني عشر)(370).
وقال في (تاريخ دول الإسلام) في ترجمة الإمام الحسن العسكري: (الحسن بن عليِّ بن محمّد بن عليٍّ الرضا بن موسى بن جعفر الصادق، أبو محمّد الهاشمي الحُسَيْني، أحد أئمَّة الشيعة الذي تدَّعي الشيعة عصمتهم، ويقال له: الحسن العسكري، لكونه سكن سامرَّاء، فإنَّها يقال لها: العسكر. وهو والد منتظَر الرافضة، تُوفّي إلى رضوان الله بسامرَّاء في ثامن ربيع الأوَّل سنة ستِّين ومائتين، وله تسع وعشرون سنة، ودُفِنَ إلى جانب والده...
وأمَّا ابنه محمّد بن الحسن الذي يدعوه الرافضة: القائم الخلف الحجَّة، فوُلِدَ سنة ثمان وخمسين، وقيل: سنة ست وخمسين)(371).
وقال في (سِيَر أعلام النبلاء): (المنتظَر الشريف أبو القاسم محمّد بن الحسن العسكري بن عليٍّ الهادي بن محمّد الجواد بن عليٍّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن زين العابدين بن عليِّ بن الحسين الشهيد بن الإمام عليِّ بن أبي طالب، العلوي، الحُسَيْني، خاتمة الاثني عشر سيِّداً)(372).
أقول: ما يعنينا من رأي الذهبي في ولادة الإمام المهدي فقد بيَّنَّاه، وأمَّا عن اعتقاده بالمهدي فهو كما في جميع أقواله الأُخرى كان ينتظر - كغيره - سراباً كما أوضحناه في من يعتقد بكون المهدي (محمّد بن عبد الله).
4 - ابن الوردي (ت 749هـ)، قال في ذيل تتمَّة المختصر المعروف بـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(370) العِبَر في خبر من غبر (ج 2/ ص 37).
(371) تاريخ الإسلام (ج 19/ ص 113/ الرقم 159).
(372) سِيَر أعلام النبلاء (ج 13/ ص 119 و120/ الرقم 60).

(١٤٤)

(تاريخ ابن الوردي): (وُلِدَ محمّد بن الحسن الخالص سنة خمس وخمسين ومائتين)(373).
5 - أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي (ت 974هـ) قال في كتابه (الصواعق المحرقة) في آخر الفصل الثالث من الباب الحادي عشر ما هذا نصُّه: (أبو محمّد الحسن الخالص، وجعل ابن خلِّكان هذا هو العسكري، وُلِدَ سنة اثنتين وثلاثين ومائتين...، مات بسُرَّ من رأى، ودُفِنَ عند أبيه وعمِّه، وعمره ثمانية وعشرون سنة، ويقال: إنَّه سُمَّ أيضاً، ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمّد الحجَّة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن آتاه الله فيها الحكمة، ويُسمَّى: القائم المنتظَر، قيل: لأنَّه سُتِرَ بالمدينة وغاب فلم يُعرَف أين ذهب) انتهى(374).
6 - الشبراوي الشافعي (ت 1171هـ) صرَّح في كتابه (الإتحاف) بولادة الإمام المهدي محمّد بن الحسن العسكري (عليهما السلام) في ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين من الهجرة(375).
7 - مؤمن بن حسن الشبلنجي (ت 1308هـ) اعترف في كتابه (نور الأبصار) باسم الإمام المهدي، ونسبه الشريف الطاهر، وكنيته، وألقابه في كلام طويل إلى أنْ قال: (وهو آخر الأئمَّة الاثني عشر على ما ذهب إليه الإماميَّة)، ثمّ نقل عن (تاريخ ابن الوردي) ما تقدَّم برقم (4)(376).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(373) تاريخ ابن الوردي (ج 1/ ص 223)، وفيه: (والحسن العسكري والد محمّد المنتظَر، صاحب السرداب، والمنتظَر ثاني عشرهم، ويُلقَّب أيضاً: القائم والمهدي والحجَّة، ومولد المنتظَر سنة خمس وخمسين ومائتين).
(374) الصواعق المحرقة (ص 207 و208)، و(ص 124/ الطبعة الثانية، و(ص 313 و314/ الطبعة الثالثة).
(375) الإتحاف بحبِّ الأشراف (ص 377).
(376) نور الأبصار (ص 341 و342).

(١٤٥)

8 - خير الدِّين الزركلي (ت 1396هـ) قال في كتابه (الأعلام) في ترجمة الإمام المهدي المنتظَر: (محمّد بن الحسن العسكري الخالص بن عليٍّ الهادي. أبو القاسم، آخر الأئمَّة الاثني عشر عند الإماميَّة...، وُلِدَ في سامرَّاء، ومات أبوه وله من العمر خمس سنين...، وقيل في تاريخ مولده: ليلة نصف شعبان سنة (255هـ)، وفي تاريخ غيبته: سنة (265هـ))(377).
أقول: ابتداء تاريخ الغيبة الصغرى هو (260هـ) باتِّفاق الشيعة أجمع وسائر من أرَّخ لتاريخ الغيبة في ما اطَّلعنا عليه، ولعلَّ ما ورد في (الأعلام) من غلط المطبعة؛ لأنَّ الزركلي لم يكتب سنة الغيبة كتابةً بل رقماً، واحتمال الغلط في طباعة الأرقام ممكن جدًّا.
إلى غير هذا من الاعترافات الكثيرة الأُخرى التي لا يسعها البحث.
اعتراف أهل السُّنَّة بأنَّ المهدي هو ابن العسكري (عليهما السلام):
هناك اعترافات أُخرى من علماء أهل السُّنَّة بخصوص كون المهدي الموعود بظهوره في آخر الزمان إنَّما هو محمّد بن الحسن العسكري (عليهما السلام) الإمام الثاني عشر من أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم أئمَّة للمسلمين جميعاً لا للرافضة وحدهم كما يدَّعيه البعض مع الأسف الشديد، وكأنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أوصى (الرافضة) وحدهم بالتمسُّك بالثقلين كتاب الله وعترته أهل بيته (عليهم السلام)!
وعلى أيَّة حالٍ، فإنَّنا سوف نذكر بعض من أنصف وصرَّح بالحقيقة، وهم:
1 - محيي الدِّين بن العربي (ت 638هـ)، صرَّح بهذه الحقيقة في كتابه (الفتوحات المكّيَّة) في الباب السادس والستِّين وثلاثمائة في المبحث الخامس على ما نقله عنه عبد الوهَّاب بن أحمد الشعراني الشافعي (ت 973هـ) في كتابه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(377) الأعلام للزركلي (ج 6/ ص 80).

(١٤٦)

(اليواقيت والجواهر)، كما نقل قوله الحمزاوي في (مشارق الأنوار)، والصبَّان في (إسعاف الراغبين)، ولكن من يدَّعي الحفاظ على التراث سوَّلت له نفسه حذف هذا الاعتراف من طبعات الكتاب؛ إذ لا يوجد في الباب المذكور - كما تتبَّعته بنفسي - ما نقله الشعراني عنه، فقال: (وعبارة الشيخ محيي الدِّين في الباب السادس والستِّين وثلاثمائة من (الفتوحات): واعلموا أنَّه لا بدَّ من خروج المهدي (عليه السلام)، ولكن لا يخرج حتَّى تمتلئ الأرض جوراً وظلماً فيملؤها قسطاً وعدلاً، ولو لم يكن من الدنيا إلَّا يوم واحد طوَّل الله تعالى ذلك اليوم حتَّى يلي ذلك الخليفة، وهو من عترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، من ولد فاطمة (رضي الله عنها)، جدُّه الحسين ابن عليِّ بن أبي طالب، ووالده حسن العسكري ابن الإمام عليٍّ النقي...)(378).
2 - كمال الدِّين محمّد بن طلحة الشافعي (ت 652هـ)، قال في كتابه (مطالب السؤول): (الباب الثاني عشر: في أبي القاسم (عليه السلام): الإمام أبي القاسم (عليه السلام) محمّد بن الحسن الخالص بن عليٍّ المتوكِّل بن محمّد القانع بن عليٍّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليٍّ زين العابدين بن الحسين الزكي بن عليٍّ المرتضى أمير المؤمنين بن أبي طالب، المهدي، الحجَّة، الخلف الصالح، المنتظَر عليهم السلام ورحمة الله وبركاته).
ثمّ أنشد أبياتاً، مطلعها:

فهذا الخلفُ الحجَّةُ قد أيَّدَه اللهُ * * * هذا منهج الحقِّ وآتاهُ سجاياهُ(379)

3 - سبط ابن الجوزي الحنبلي (ت 654هـ)، قال في (تذكرة الخواصِّ) عن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه): (هو محمّد بن الحسن بن عليِّ بن محمّد بن عليِّ بن موسى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(378) اليواقيت والجواهر (ج 2/ ص 562)، مشارق الأنوار (ص 202 و203)، إسعاف الراغبين (ص 55).
(379) مطالب السؤول (ص 480).

(١٤٧)

الرضا بن جعفر بن محمّد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، وكنيته أبو عبد الله، وأبو القاسم، وهو الخلف الحجَّة، صاحب الزمان، القائم، والمنتظَر، والتالي، وهو آخر الأئمَّة)(380).
4 - محمّد بن يوسف أبو عبد الله الكنجي الشافعي (المقتول سنة 865هـ)، قال في آخر صحيفة من كتابه (كفاية الطالب) عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ما نصُّه: (مولده بالمدينة في شهر ربيع الآخر، من سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وقُبِضَ يوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع الأوَّل سنة ستِّين ومائتين، وله يومئذٍ ثمان وعشرون سنة، ودُفِنَ في داره بسُرَّ من رأى في البيت الذي دُفِنَ فيه أبوه، وخلف ابنه وهو: الإمام المنتظَر (صلوات الله عليه). ونختم الكتاب ونذكره مفرداً)(381).
ثمّ أفرد لذكر الإمام المهدي محمّد بن الحسن العسكري (عجَّل الله فرجه) كتاباً أطلق عليه اسم: (البيان في أخبار صاحب الزمان)، وهو مطبوع في نهاية كتابه الأوَّل (كفاية الطالب)، وكلاهما بغلاف واحد، وقد تناول في البيان أُموراً كثيرة كان آخرها إثبات كون المهدي (عجَّل الله فرجه) حيًّا باقياً منذ غيبته إلى أنْ يملأ الدنيا بظهوره في آخر الزمان قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً(382).
5 - نور الدِّين عليُّ بن محمّد بن الصبَّاغ المالكي (ت 855هـ) عنون الفصل الثاني عشر من كتابه (الفصول المهمَّة) بعنوان: (في ذكر أبي القاسم الحجَّة، الخلف الصالح، ابن أبي محمّد الحسن الخالص، وهو الإمام الثاني عشر)(383).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(380) تذكرة الخواصِّ (ص 325).
(381) كفاية الطالب (ص 458).
(382) البيان في أخبار صاحب الزمان (ص 521/ باب 25).
(383) الفصول المهمَّة لابن الصبَّاغ (ج 2/ ص 1095).

(١٤٨)

وقد احتجَّ بهذا الفصل بقول الكنجي الشافعي: (وممَّا يدلُّ على كون المهدي حيًّا باقياً منذ غيبته إلى الآن، وإنَّه لا امتناع في بقائه كبقاء عيسى بن مريم والخضر وإلياس من أولياء الله تعالى، وبقاء الأعور الدجَّال، وإبليس اللعين من أعداء الله، هو الكتاب والسُّنَّة)(384)، ثمّ أورد أدلَّته على ذلك من الكتاب والسُّنَّة، مفصِّلاً تاريخ ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، ودلائل إمامته، وطرفاً من أخباره، وغيبته، ومدَّة قيام دولته الكريمة، وذكر كنيته، ونسبه، وغير ذلك ممَّا يتَّصل بالإمام المهدي محمّد بن الحسن العسكري (عليهما السلام).
6 - الفضل بن روزبهان (ت بعد 909هـ)، قال في كتابه (إبطال نهج الباطل) كلاماً جليلاً بحقِّ أهل البيت (عليهم السلام)، ثمّ قال: ونعم ما قلت فيهم منظوماً:

سلام على المصطفى المجتبى * * * سلام على السيِّد المرتضى
سلام على ستِّنا فاطمة * * * من اختارها الله خير النسا
سلام من المسك أنفاسه * * * على الحسن الألمعي الرضا
سلام على الأورعي الحسين * * * شهيد يرى جسمه كربلا
سلام على سيِّد العابدين * * * عليِّ بن الحسين المجتبى
سلام على الباقر المهتدي * * * سلام على الصادق المقتدى
سلام على الكاظم الممتحن * * * رضيِّ السجايا إمام التقى
سلام على الثامن المؤتمن * * * عليِّ الرضا سيِّد الأصفيا
سلام على المتقيِّ التقيِّ * * * محمّد الطيِّب المُرتجى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(384) راجع: الفصول المهمَّة لابن الصبَّاغ (ج 2/ ص 1119).

(١٤٩)

سلام على الأريحيِّ النقيِّ * * * عليِّ المُكرَّم هادي الورى
سلام على السيِّد العسكري * * * إمام يُجهِّزُ جيشَ الصفا
سلام على القائم المنتظَر * * * أبي القاسم القرم نور الهدى
سيطلع كالشمس في غاسقٍ * * * يُنجِّيه من سيفه المُنتضى
قويٌّ يملأ الأرضَ من عدله * * * كما مُلِئَت جور أهل الهوى
سلام عليه وآبائه * * * وأنصاره ما تدور السما(385)

7 - شمس الدِّين محمد بن طولون الحنفي مؤرِّخ دمشق (ت 953هـ)، قال في كتابه (الأئمَّة الاثنا عشر) عن الإمام المهدي (عليه السلام): (كانت ولادته (رضي الله عنه) يوم الجمعة، منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولـمَّا تُوفّي أبوه المتقدِّم ذكره (رضي الله عنهما) كان عمره خمس سنين).
ثمّ ذكر الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) وقال: وقد نظمتهم على ذلك، فقلتُ:

عليك بالأئمَّة الاثني عشرْ * * * من آل بيت المصطفى خير البشرْ
أبو تراب، حسنٌ، حسينُ * * * وبغض زين العابدينَ شينُ
محمّد الباقرُ كم علمٍ درى؟ * * * والصادق اُدع جعفراً بين الورى
موسى هو الكاظم، وابنه عليُّ * * * لقِّبه بالرضا وقدرُهُ عليُّ
محمّد التقيُّ قلبه معمورُ * * * عليُّ النقيُّ دُرُّهُ منثورُ
عسكريُّ الحسنُ المطهَّرُ * * * محمّد المهديُّ سوفَ يظهرُ(386)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(385) دلائل الصدق (ج 6/ ص 456 و457)، علماً بأنَّ الشيخ محمّد حسن المظفَّر نقل في كتابه (دلائل الصدق) كتاب (إبطال نهج الباطل) بتمامه.
(386) الأئمَّة الاثنا عشر (عليهم السلام) (ص 117 و118).

(١٥٠)

8 - أحمد بن يوسف أبو العبَّاس القرماني الحنفي (ت 1019هـ)، قال في كتابه (أخبار الدُّوَل وآثار الأُوَل) في الفصل الحادي عشر من الباب الثالث: (في ذكر الخلف الصالح الإمام أبي القاسم محمّد بن الحسن العسكري (رضي الله عنه)): (وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه الله فيها الحكمة كما أُوتيها يحيى (عليه السلام) صبيًّا. وكان مربوع القامة، حسن الوجه والشَّعر، أقنى الأنف، أجلى الجبهة...، واتَّفق العلماء(387) على أنَّ المهدي هو القائم في آخر الوقت، وقد تعاضدت الأخبار على ظهوره، وتظاهرت الروايات على إشراق نوره، وستسفر ظلمة الأيَّام والليالي بسفوره، وينجلي برؤيته الظلم انجلاء الصبح عن ديجوره، ويسير عدله في الآفاق فيكون أضوء من البدر المنير في مسيره)(388).
9 - سليمان بن إبراهيم المعروف بالقندوزي الحنفي (ت 1270هـ)، كان القندوزي من علماء الأحناف المصرِّحين بولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وأنَّه هو القائم المنتظَر، وقد مرَّت أقواله واحتجاجاته كثيراً في هذا البحث، ولا بأس بذكر قوله: (فالخبر المعلوم المحقَّق عند الثقات أنَّ ولادة القائم (عليه السلام) كانت ليلة الخامس عشر من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين في بلدة سامرَّاء)(389).
ونكتفي بهذا القدر، على أنَّ ما تركناه من أسماء العلماء الذين قالوا بولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، أو الذين صرَّحوا بكونه هو المهدي الموعود المنتظَر في آخر الزمان هم أضعاف ما ذكرناه، وقد أشرنا فيما تقدَّم إلى الاستقراءات السابقة التي اعتنت باعترافاتهم وسجَّلت أقوالهم.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(387) اُنظر إلى قوله: (واتَّفق العلماء) وقارن بما يدَّعيه أنصاف المتعلِّمين وبعض المغرَّر بهم من مزاعم باطلة تحت شعارات التصحيح.
(388) أخبار الدُّوَل وآثار الأُوَل (ص 117 و118/ الباب 3/ الفصل 11).
(389) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 306).

(١٥١)

إذا كانت هناك ثَمَّة أُمور لم تُعالَج في فصول البحث المتقدِّمة، ولها اتِّصال مباشر بمسألة الاعتقاد بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، فإنَّها لا تعدو محاولات التشكيك التي لا زالت تتردَّد على لسان بعض المتطفِّلين على تراث الإسلام الخالد، وقد تعجب لو قلت لك: إنَّهم لا يعرفون من علوم الحديث الشريف ومصطلحه شيئاً؛ ولهذا وقعوا في حبالة الشُّبُهات، وتذرَّعوا بحُجَج واهية هي أوهى من بيت العنكبوت، كما سيتَّضح ذلك من دراستها ومناقشتها في هذا الفصل، وعلى النحو الآتي:
التذرُّع بخلوِّ الصحيحين من أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه):
ومن الذرائع الواهية التي تمسَّكوا بها في هذا المقام هو أنَّ البخاري ومسلماً لم يرويا حديثاً في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)(390).
وقبل مناقشة حجَّتهم تلك نودُّ التأكيد على أُمور:
الأوَّل: في الصحيح المنقول عن البخاري أنَّه قال عن كتابه الصحيح: (أخرجت هذا الكتاب عن مائة ألف حديث صحيح - وفي لفظ آخر: عن مائتي ألف حديث صحيح -، وما تركته من الصحيح أكثر)(391)، فالبخاري إذن لم يحكم بضعف كلِّ حديث لم يروه، بل ما حكم عليه بالصحَّة يزيد على مجموع ما أخرجه عشرات المرَّات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(390) اُنظر: الإمام الصادق (حياته وعصره - آراؤه وفقهه) (ص 238 و239)، المهدي والمهدويَّة (ص 41).
(391) راجع: صحيح البخاري (ج 1/ ص 40) من المقدَّمة.

(١٥٥)

الثاني: أنَّه لا يُعرَف عن عالم من أهل السُّنَّة قطُّ قد قال بضعف ما لم يروه الشيخان، بل سيرتهم تدلُّ على العكس تماماً، فقد استدركوا على الصحيحين الكثير من الأحاديث الصحيحة، ووضعوا لأجل ذلك الكُتُب.
الثالث: من مراجعة تعريفهم للحديث الصحيح لا تجده مشروطاً بروايته في الصحيحين أو أحدهما، وكذلك الحال في تعريفهم للخبر المتواتر، ومن هنا يُعلَم أنَّه ليس من شرط صحَّة الخبر أو تواتره أنْ يكون راويه البخاري أو مسلماً أو كلاهما، بل وحتَّى لو اتَّفق البخاري ومسلم على عدم رواية خبر متواتر، فلا يقدح ذلك الاتِّفاق بتواتره عند أهل السُّنَّة، وخير ما يُمثِّل هذا هو حديث العشرة المبشَّرة بالجنَّة كما هو معلوم عند أهل السُّنَّة الذين ذهبوا إلى تواتره، ولم يروه البخاري ولا مسلم قطُّ.
الرابع: أنَّ من تذرَّع في إنكار ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بخلوِّ الصحيحين من الأحاديث الواردة بهذا الشأن، لا علم له بواقع الصحيحين، كما سنُوضِّحه في جواب هذا الاحتجاج، فنقول:
لا يخفى على أحد أنَّ الأحاديث الواردة في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) قد تعرَّضت لبيان مختلف الأُمور، كبيان اسمه الشريف، وبعض أوصافه، وعلامات ظهوره، وطريقة حكمه بين الرعيَّة، وغير ذلك من الأُمور الكثيرة الأُخرى، ولا شكَّ أنَّه ليس من الواجب التنصيص على لفظ (المهدي) في كلِّ حديث من هذه الأحاديث، لبداهة معرفة المراد من دون حاجة إلى التشخيص، فمثلاً لو ورد حديث يُبيِّن صفة من صفات المهدي الموعود به في آخر الزمان (عجَّل الله فرجه) مع التصريح بلفظ (المهدي)، ثمّ ذكر الموصوف بهذه الصفة في البخاري مثلاً لا بعنوان المهدي وإنَّما بعنوان (رجل) مثلاً، فهل يشكُّ عاقل في أنَّ الرجل المقصود هو المهدي؟ وإلَّا فكيف يُعرَف الإجمال في بعض الأحاديث؟ وهل هناك طريقة عند

(١٥٦)

علماء المسلمين شرقاً وغرباً غير ردِّ المجمل إلى المفصَّل، سواء كان المجمل والمفصَّل في كتاب واحد أو كان كلٌّ منهما في كتاب؟
وإذا ما عدنا إلى الصحيحين سنجد أنَّ البخاري ومسلماً قد رويا عشرات الأحاديث المجملة في المهدي (عجَّل الله فرجه)، وقد أرجع علماء أهل السُّنَّة تلك الأحاديث إلى الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، لوجود ما يرفع ذلك الإجمال في الأحاديث الصحيحة المخرَّجة في بقيَّة كُتُب الصحاح أو المسانيد أو المستدركات.
بل ونجد أيضاً ما يكاد يكون صريحاً جدًّا بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في صحيحي البخاري ومسلم.
وقبل أنْ نُبيِّن هذه الحقيقة نودُّ أنْ نقول بأنَّ حديث: «المَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ» قد أخرجه أربعة من علماء أهل السُّنَّة الموثوق بنقلهم عن (صحيح مسلم) صراحةً، وعند الرجوع إلى طبعات (صحيح مسلم) المتيسَّرة لا تجد لهذا الحديث أثراً!
أمَّا من صرَّح بوجود الحديث في (صحيح مسلم) وأخرجه عنه، فهم:
1 - ابن حجر الهيتمي (ت 974هـ) في الصواعق المحرقة (ص 163/ الباب الحادي عشر/ الفصل الأوَّل).
2 - المتَّقي الهندي الحنفي (ت 975هـ) في كنز العُمَّال (ج 14/ ص 264/ ح 38662).
3 - الشيخ محمّد عليّ الصبَّان (ت 1206هـ) في إسعاف الراغبين (ص 52).
4 - الشيخ حسن العدوي الحمزاوي المالكي (ت 1303هـ) في مشارق الأنوار (ص 202).

(١٥٧)

وعلى أيَّة حالٍ، فإنَّ قسماً من أحاديث الصحيحين لا يمكن تفسيره إلَّا بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
ولم يكن هذا اجتهاداً منَّا في فهم أحاديث الصحيحين، وإنَّما هو ما اتَّفق عليه خمسة من شارحي (صحيح البخاري) كما سنُوضِّحه في محلِّه.
أحاديث الصحيحين المفسَّرة في المهدي (عجَّل الله فرجه):
1 - أحاديث خروج الدجَّال في الصحيحين:
اقتصر البخاري في صحيحه على رواية خروج الدجَّال وفتنته(392)، بينما وردت في (صحيح مسلم) عشرات الأحاديث في خروج الدجَّال، وسيرته، وأوصافه، وعبثه، وفساده، وجنده، ونهايته(393).
وقد صرَّح النووي في (شرح صحيح مسلم) بأنَّ هذه الأحاديث الواردة (في قصَّة الدجَّال حجَّة لمذهب أهل الحقِّ في صحَّة وجوده، وأنَّه شخص بعينه ابتلى الله به عباده...)، إلى أنْ قال: (هذا مذهب أهل السُّنَّة، وجميع المحدِّثين، والفقهاء، والنُّظَّار)(394).
أمَّا علاقة هذه الأحاديث بظهور المهدي (عجَّل الله فرجه)، فتظهر من شهادة أعلام أهل السُّنَّة بتواتر أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) وظهوره في آخر الزمان، وخروج عيسى (عليه السلام) معه فيساعده على قتل الدجَّال، وقد مرَّت أقوالهم في إثبات تواتر تلك الأحاديث.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(392) صحيح البخاري (ج 5/ ص 401/ كتاب أحاديث الأنبياء/ باب ما ذُكِرَ عن بني إسرائيل، وج 11/ ص 30/ كتاب الفتن/ باب ذكر الدجَّال).
(393) صحيح مسلم (ج 1/ ص 107/ كتاب الإيمان/ باب في ذكر المسيح بن مريم والمسيح الدجَّال، وج 8/ ص 194/ كتاب الفتن وأشراط الساعة/ باب ذكر الدجَّال وصفته وما معه).
(394) شرح صحيح مسلم للنووي (ج 18/ ص 58).

(١٥٨)

2 - أحاديث نزول عيسى (عليه السلام) في الصحيحين:
أخرج البخاري ومسلم كلٌّ بسنده عن أبي هريرة أنَّه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ؟»(395).
وفي (صحيح مسلم) بسنده عن جابر بن عبد الله، قال: سمعت النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى اَلْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، قَالَ: «فَيَنْزِلُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (عليه السلام)، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ بِنَا، فَيَقُولُ: لَا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاء، تَكْرِمَةً لِهَذِهِ الْأُمَّةَ»(396).
وإلى هنا يتَّضح أنَّ إمام المسلمين الذي سيكون موجوداً عند نزول عيسى ابن مريم (عليه السلام) كما في الصحيحين إنَّما هو أمير الطائفة التي لا تزال تقاتل على الحقِّ إلى يوم القيامة كما في (صحيح مسلم)، بحيث يأبى عيسى من إمامة تلك الطائفة وأميرها في الصلاة تعظيماً وإجلالاً وتكرمةً لهم، وهذا هو صريح حديث مسلم من غير تأويل.
وإذا ما عدنا إلى كُتُب الصحاح الأُخرى والمسانيد وغيرها نجد الروايات الكثيرة جدًّا التي تُصرِّح بأنَّ هذا الإمام - أمير الطائفة التي تقاتل على الحقِّ إلى يوم القيامة - هو الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لا سواه.
منها: ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن سيرين: (المهدي من هذه الأُمَّة، وهو الذي يؤمُّ عيسى بن مريم)(397).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(395) صحيح البخاري (ج 5/ ص 401/ باب نزول عيسى بن مريم (عليهما السلام)/ ح 3087)، وصحيح مسلم (ج 1/ ص 94/ كتاب الإيمان/ باب بيان نزول عيسى بن مريم (عليه السلام))، وقد وردت أحاديث أُخرى بهذا المعنى في كلٍّ من البابين المذكورين.
(396) صحيح مسلم (ج 1/ ص 95/ كتاب الإيمان/ باب بيان نزول عيسى بن مريم (عليه السلام)).
(397) المصنَّف لابن أبي شيبة (ج 8/ ص 679/ ح 195)؛ ورواه نعيم بن حمَّاد في الفتن (ص 230)، والمقدسي الشافعي في عقد الدُّرَر (ص 231)، والسيوطي في العرف الوردي (ص 113/ح 71).

(١٥٩)

ومنها: ما أخرجه أبو نعيم، عن أبي عمرو الداني في (سُنَنه) بسنده عن حذيفة أنَّه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «... يَلْتَفِتُ اَلمَهْدِيُّ وَقَدْ نَزَلَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ كَأَنَّمَا يَقْطُرُ مِنْ شَعْرِهِ اَلمَاءُ، فَيَقُولُ اَلمَهْدِيُّ: تَقَدَّمْ صَلِّ بِالنَّاسِ، فَيَقُولُ عِيسَى: إِنَّمَا أُقِيمَتِ اَلصَّلاَةُ لَكَ، فَيُصَلِّي خَلْفَ رَجُلٍ مِنْ وُلْدِي»(398).
وبعد فلا حاجة للإطالة في إيراد الأحاديث الأُخرى الكثيرة المبيِّنة بأنَّ المراد بالإمام في حديث الصحيحين هو الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
وقد جمع معظم هذه الأحاديث السيوطي في رسالته (العرف الوردي في أخبار المهدي) المطبوعة في كتابه (الحاوي للفتاوي)، أخرجها من كتاب (الأربعين) للحافظ أبي نعيم، وزاد عليها ما فات منها على أبي نعيم، كالأحاديث التي ذكرها نعيم بن حمَّاد الذي قال عنه السيوطي: (وهو أحد الأئمَّة الحفَّاظ، وأحد شيوخ البخاري)(399).
أقول: ومن راجع شروح (صحيح البخاري) يعلم بأنَّهم متَّفقون على تفسير لفظة (الإمام) الواردة في حديث البخاري بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
فقد جاء في (فتح الباري بشرح صحيح البخاري) التصريح بتواتر أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) أثناء شرحه لحديث البخاري المتقدِّم حتَّى قال: (وفي صلاة عيسى خلف رجل من هذه الأُمَّة، مع كونه في آخر الزمان، وقرب قيام الساعة، دلالة للصحيح من الأقوال: إنَّ الأرض لا تخلو عن قائم لله بحجَّة)(400).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(398) العرف الوردي (ص 160/ ح 218)؛ ورواه الكنجي الشافعي في البيان في أخبار صاحب الزمان (ص 497)، والمقدسي الشافعي في عقد الدُّرَر (ص 17 و18)، وابن حجر الهيتمي في القول المختصر (ص 153)، والسمهودي في جواهر العقدين (ج 2/ ص 194).
(399) العرف الوردي (ص 158).
(400) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (ج 6/ ص 358 و359).

(١٦٠)

كما فسَّره في (إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري) بالمهدي، مصرِّحاً باقتداء عيسى بالإمام المهدي (عليهما السلام) في الصلاة(401).
كما نجد هذا في (عمدة القاري شرح صحيح البخاري)(402).
وأمَّا في (فيض الباري) فقد أورد عن ابن ماجة القزويني حديثاً مفسِّراً لحديث البخاري، ثمّ قال: (فهذا صريح في أنَّ مصداق الإمام في الأحاديث، هو الإمام المهدي...)، إلى أنْ قال: (وبأيِّ حديث بعده يؤمنون؟)(403).
وأمَّا في حاشية (البدر الساري إلى فيض الباري) فقد أطال في شرح الحديث المذكور، مبيِّناً ضرورة رجوع شارح الأحاديث إلى أحاديث الصحابة الآخرين في كُتُب الحديث ذات الصلة بالحديث الذي يُراد شرحه، وقد جمع من تلك الأحاديث المبيِّنة لحديث البخاري ما حمله على التصريح بأنَّ المراد بالإمام هو الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، قال: (وقد بيَّن هذا المعنى حديث ابن ماجة مفصَّلاً، وإسناده قويٌّ)(404).
3 - أحاديث من يحثي المال في (صحيح مسلم):
أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن جابر بن عبد الله أنَّه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي المَالَ حَثْياً لَا يَعُدُّهُ عَدَداً»(405).
وقد رواه من طُرُق أُخرى عن جابر، وأبي سعيد الخدري، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(406).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(401) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (ج 5/ ص 419).
(402) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (ج 16/ ص 39 و40).
(403) فيض الباري على صحيح البخاري (ج 4/ ص 407).
(404) حاشية البدر الساري إلى فيض الباري (ج 4/ ص 406).
(405) صحيح مسلم (ج 8/ ص 185).
(406) المصدر السابق.

(١٦١)

وصفة إحثاء المال (مبالغة في الكثرة) ليس لها موصوف قطُّ غير الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في كُتُب أهل السُّنَّة ورواياتهم.
منها: ما أخرجه الترمذي وحسَّنه بسنده عن أبي سعيد الخدري، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: «إِنَّ فِي أُمَّتِي المَهْدِيُّ...»، إلى أنْ قال: «فَيَجِيءُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: يَا مَهْدِيُّ، أَعْطِنِي أَعْطِنِي»، قَالَ: «فَيَحْثِي لَهُ فِي ثَوْبِهِ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَحْمِلَهُ»(407).
وهذا هو المرويُّ أيضاً عن أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري أيضاً، ومن عشرات الطُّرُق(408).
4 - أحاديث خسف البيداء في (صحيح مسلم):
أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن عبيد الله بن القبطيَّة أنَّه قال: دَخَلَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَبْدُ الله بْنُ صَفْوَانَ وَأَنَا مَعَهُمَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَسَأَلَاهَا عَنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(407) سُنَن الترمذي (ج 3/ ص 343/ ح 2333).
(408) راجع: الفتن لنعيم بن حمَّاد (ص 221 و222 و224)، ومسند أحمد (ج 17/ ص 54 و55/ ح 11012، وص 254 و255/ ح 11163، وج 18/ ص 127 و128/ ح 11581، وج 22/ ص 298/ ح 14406)، ومسند أبي يعلى (ج 2/ ص 470/ ح 320/1294)، وصحيح ابن حبَّان (ج 15/ ص 75)، وعلل الدراقطني (ج 11/ ص 329)، ومستدرك الحاكم (ج 4/ ص 454)، وتاريخ مدينة دمشق (ج 2/ ص 213)، والبيان في أخبار صاحب الزمان (ص 492 و503 و504)، والتذكرة في أحوال الموتى وأُمور الآخرة (ج 2/ ص 330)، وعقد الدُّرَر (ص 161 و162 و169)، والبداية والنهاية (ج 6/ ص 218، وج 10/ ص 55)، ومجمع الزوائد (ج 7/ ص 316)، وتاريخ ابن خلدون (ج 1/ ص 315 و316)، وإمتاع الأسماع (ج 12/ ص 313، وج 14/ ص 195)، والفصول المهمَّة (ج 2/ ص 1115)، والعرف الوردي (ص 58، وص 96 و97/ ح 27 و28)، والدُّرّ المنثور (ج 6/ ص 56 و58)، وسُبُل الهدى والرشاد (ج 10/ ص 171)، واليواقيت والجواهر (ج 2/ ص 563)، والقول المختصر (ص 119 و121)، والصواعق المحرقة (ص 164)، وكنز العُمَّال (ج 14/ ص 262 و273/ ح 38654 و38700 و38701).

(١٦٢)

الْجَيْشِ الَّذِي يُخْسَفُ بِهِ - وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ -، فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَعُوذُ عَائِذٌ بِالْبَيْتِ، فَيَبْعَثُ إِلَيْهِ جَيْشاً، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ»(409).
وقد يظنُّ بعض الجهلاء أنَّ هذا الحديث من وضع الزبيريِّين إبَّان ما كان من أزمة عبد الله بن الزبير مع الأُمويِّين التي انتهت بقتله. ولكن الواقع ليس كذلك؛ إذ روي الحديث من طُرُق شتَّى عن ابن عبَّاس، وابن مسعود، وحذيفة، وأبي هريرة، وجدِّ عمرو بن شعيب، وأُمِّ سلمة، وصفيَّة، وعائشة، وحفصة، ونفيرة امرأة القعقاع، وغيرهم من كبار الصحابة، مع تصحيح الحاكم لبعض طُرُقه على شرط الشيخين(410).
وبالجملة، فإنَّ خسف البيداء يكون بالجيش الذي يقاتل الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في لسان جميع الأحاديث الواردة في هذا الشأن، وهي تكفي لتوضيح المراد بحديث مسلم، قال في (غاية المأمول): (وما سمعنا بجيش خُسِفَ به للآن، ولو وقع لاشتهر أمره كأصحاب الفيل)(411).
إذن، لا بدَّ من وقوع الخسف بأعداء المهدي (عجَّل الله فرجه) إنْ عاجلاً أو آجلاً، وهنالك سيخسر المبطلون.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(409) صحيح مسلم (ج 8/ ص 166 و167).
(410) راجع: مسند أحمد (ج 44/ ص 89 و297/ ح 26487 و26702)، والتاريخ الكبير للبخاري (ج 5/ ص 119)، وسُنَن الترمذي (ج 3/ ص 317/ ح 2262)، ومستدرك الحاكم (ج 4/ ص 520)، وتلخيص المستدرك للذهبي (ج 4/ ص 520)؛ وأخرجه أبو داود في سُنَنه (ج 2/ ص 311/ ح 4289) بسند صحيح كما نصَّ على ذلك في عون المعبود شرح سُنَن أبي داود (ج 11/ ص 255 و256).
وقد جمع السيوطي الكثير من طُرُق الحديث ومن رواه من الصحابة في الدُّرِّ المنثور (ج 5/ ص 240 و241) في تفسير الآية (51) من سورة سبأ.
(411) غاية المأمول شرح التاج الجامع للأُصول (ج 5/ ص 341).

(١٦٣)

التذرُّع بتضعيفات ابن خلدون لأحاديث المهدي:
تذرَّع منكرو عقيدة ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بتضعيفات ابن خلدون لبعض أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه)، وللأسف إنَّهم لم يلتفتوا إلى ردود علماء الدراية من أهل السُّنَّة على ابن خلدون، وتناسوا أيضاً تصريح ابن خلدون نفسه أثناء تضعيفه لبعض الأحاديث الواردة في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بصحَّة بعضها الآخر.
قال الأُستاذ الأزهري سعد محمّد حسن - تلميذ الأُستاذ أحمد أمين - عن أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه): (ولقد أوسع علماء الحديث ونَقَدَتِه هذه المجموعة نقداً وتفنيداً، ورفضها بشدَّة العلَّامة ابن خلدون)(412).
ومثل هذا الزعم نجده عند أُستاذه أحمد أمين(413)، وكذلك عند أبي زهرة(414)، ومحمّد فريد وجدي(415)، وآخرين كالجبهان(416)، والسائح الليبي الذي قال: (وقد تتبَّع ابن خلدون هذه الأحاديث بالنقد، وضعَّفها حديثاً حديثاً)(417).
حقيقة تضعيفات ابن خلدون:
ممَّا لا شكَّ فيه، أنَّ ابن خلدون نفسه من القائلين بصحَّة بعض أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) وضعف بعضها الآخر، وهذا لم يكن اجتهاداً منَّا في تفسير كلام ابن خلدون، بل الرجل صرَّح بهذا في تاريخه كما سنوافيك بنقل نصِّ كلامه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(412) المهديَّة في الإسلام منذ أقدم العصور حتَّى اليوم (ص 70).
(413) المهدي والمهدويَّة (ص 108).
(414) الإمام الصادق (حياته وعصره - آراؤه وفقهه) (ص 239).
(415) دائرة معارف القرن العشرين (ج 10/ ص 481).
(416) تبديد الظلام للجبهان (ص 479 و480).
(417) تراثنا وموازين النقد لعليّ حسين السائح الليبي (ص 185)، مقال منشور في مجلَّة كلّيَّة الدعوة الإسلاميَّة في ليبيا (العدد 10/ سنة 1993م/ طبع بيروت).

(١٦٤)

ويبدو لنا أنَّ الأُستاذ أحمد أمين لم يرَ تصريح ابن خلدون بصحَّة بعض الأحاديث، فأشار إلى تضعيفاته فقط، ثمّ نقل هؤلاء عنه ذلك مع صياغة جديدة في التعبير من دون مراجعة تاريخ ابن خلدون!
ثمّ لو فرضنا أنَّ ابن خلدون لم يُصرِّح بصحَّة شيء من أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه)، أفلا يكفي تصريح غيره من علماء الحديث والدراية بصحَّة أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) وتواترها؟ مع أنَّ اختصاص ابن خلدون هو التاريخ والاجتماع!
ثمّ ما هو المقدار الذي ضعَّفه ابن خلدون حتَى يُضخَّم عمله بهذه الصورة؟ إنَّه لم يُضعِّف سوى تسعة عشر حديثاً فقط من مجموع ثلاثة وعشرين حديثاً فقط، وهو المجموع الكلِّي الذي تناوله ابن خلدون بالدراسة والنقد، لا أكثر، وهو لم يذكر من الذين أخرجوا أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) غير سبعة فقط، وهم: (الترمذي، وأبو داود، والبزَّار، وابن ماجة، والحاكم، والطبراني، وأبو يعلى الموصلي)(418)، تاركاً بذلك ثمانية وأربعين عالماً ممَّن أخرج أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه)، أوَّلهم ابن سعد صاحب الطبقات (ت 230 هـ)، وآخرهم نور الدِّين الهيثمي (ت 807هـ).
كما لم يذكر من الصحابة الذين أُسندت إليهم أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) إلَّا أربعة عشر صحابيًّا(419)، تاركاً بذلك تسعة وثلاثين صحابيًّا آخر، كما فصَّلنا ذلك في الفصل الأوَّل.
علماً بأنَّه لم يذكر من أحاديث الصحابة الأربعة عشر إلَّا اليسير جدًّا، في حين تتبَّعنا مرويَّات أبي سعيد الخدري وحده - وهو من جملة الأربعة عشر -

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(418) تاريخ ابن خلدون (ج 1/ ص 311/ الفصل 52).
(419) المصدر السابق.

(١٦٥)

فوجدناها أكثر من العدد الكلِّي الذي تناوله ابن خلدون، بل وحتَّى الذي اختاره من أحاديث أبي سعيد الخدري لم يذكر سائر طُرُقه، بل اكتفى باليسير منها، لعدم علمه ببقيَّة طُرُق الحديث الأُخرى، ومن راجع ما ذكرناه من طُرُق أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) وقارنه بما في تاريخ ابن خلدون (الفصل 52 من المجلَّد الأوَّل) عَلِمَ علم اليقين بصحَّة ما نقول.
ومن هنا تعرَّض ابن خلدون إلى مؤاخذات عنيفة، وردود مطوَّلة ومختصره، وفي هذا الصدد يقول أبو الفيض الشافعي في (إبراز الوهم) في الردِّ على من تذرَّع بتضعيفات ابن خلدون: (في الناس اليوم ممَّن يخفى عليه هذا التواتر ويجهله ويُبعِده عن صراط العلم جهلُه، ويُضِلُّه من يُنكِر ظهور المهدي وينفيه، ويقطع بضعف الأحاديث الواردة فيه، مع جهله بأسباب التضعيف، وعدم إدراكه معنى الحديث الضعيف، وتصوُّره مبادئ هذا العلم الشريف، وفراغ جرابه من أحاديث المهدي الغنيَّة - بتواترها - عن البيان لحالها والتعريف، وإنَّما استناده في إنكاره مجرَّد ما ذكره ابن خلدون في بعض أحاديثه من العلل المزوَّرة المكذوبة، ولمز به ثقات رواتها من التجريحات الملفَّقة المقلوبة، مع أنَّ ابن خلدون ليس له في هذه الرحاب الواسعة مكان، ولا ضرب له بنصيب ولا سهم في هذا الشأن، ولا استوفى منه بمكيال ولا ميزان. فكيف يعتمد فيه عليه، ويرجع في تحقيق مسائله إليه؟! فالواجب: دخول البيت من بابه، والحقُّ: الرجوع في كلِّ فنٍّ إلى أربابه، فلا يقبل تصحيح أو تضعيف إلَّا من حُفَّاظ الحديث ونُقَّاده)(420).
ثمّ نقل بعد ذلك عن جملة من حفَّاظ الحديث ونقَّاده قولهم بصحَّة أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) وتواترها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(420) إبراز الوهم المكنون (ص 13).

(١٦٦)

وقال الشيخ أحمد شاكر: (ابن خلدون قد قفا ما ليس له به علم، واقتحم قحماً لم يكن من رجالها، إنَّه تهافت في الفصل الذي عقده في مقدَّمته تهافتاً عجيباً، وغلط أغلاطاً واضحة. إنَّ ابن خلدون لم يحسن فهم قول المحدِّثين، ولو اطَّلع على أقوالهم وفقهها ما قال شيئاً ممَّا قال)(421).
وقال الشيخ العبَّاد: (ابن خلدون مؤرِّخ وليس من رجال الحديث، فلا يُعتَدُّ به في التصحيح والتضعيف، وإنَّما الاعتماد بذلك بمثل البيهقي، والعقيلي، والخطَّابي، والذهبي، وابن تيميَّة، وابن قيِّم، وغيرهم من أهل الرواية والدراية الذين قالوا بصحَّة الكثير من أحاديث المهدي)(422).
وعلى أيَّة حالٍ، فإنَّ حجَّة المتمسِّكين بتضعيفات ابن خلدون حجَّة داحضة، لاعتراف ابن خلدون نفسه بصحَّة أربعة أحاديث من مجموع ما ذكره، وهي:
1 - ما رواه الحاكم من طريق عوف الأعرابي، عن أبي الصدِّيق الناجي، عن أبي سعيد الخدري. فقد سكت عنه ابن خلدون ولم ينقده بحرف واحد، لوثاقة جميع رجاله عند أهل السُّنَّة قاطبة. وهو وإنْ لم يُصرِّح بصحَّته إلَّا أنَّ سكوته دليل على اعترافه بصحَّة الحديث(423).
2 - ما رواه الحاكم أيضاً من طريق سليمان بن عبيد، عن أبي الصدِّيق الناجي، عن أبي سعيد الخدري. قال عنه ابن خلدون: (صحيح الإسناد)(424).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(421) الردُّ على من كذَّب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي، مقال للشيخ عبد المحسن بن حمد العبَّاد، منشور في مجلَّة الجامعة الإسلاميَّة في المدينة المنوَّرة (العدد 1/ السنة 12/ الرقم 46/ سنة 1400هـ).
(422) المصدر السابق.
(423) تاريخ ابن خلدون (ج 1/ ص 316).
(424) المصدر السابق.

(١٦٧)

3 - ما رواه الحاكم عن عليٍّ (عليه السلام) حول ظهور المهدي (عجَّل الله فرجه)، وصحَّحه الحاكم على شرط الشيخين. قال ابن خلدون: (وهو إسناد صحيح كما ذكر)(425).
4 - ما رواه أبو داود السجستاني في (سُنَنه) من رواية صالح بن الخليل، عن أُمِّ سَلَمة. قال ابن خلدون عن سنده: (ورجاله رجال الصحيح لا مطعن فيهم ولا مغمز)(426).
تضعيفات ابن خلدون بلغة الأرقام:
إنَّ لغة الأرقام الحسابيَّة لا تقبل نقاشاً ولا جدلاً، وسوف نُخضِع نتائج البحث في تضعيفات ابن خلدون إلى تلك اللغة، لنرى القيمة العلميَّة لعمله على جميع الافتراضات المحتملة، وذلك بعد تصنيف أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) واستقرائها من ألف مجلَّد كما في (معجم أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه))، ويقع في خمسة مجلَّدات، اشتملت على ما يأتي:
1 - المجلَّدان الأوَّل والثاني: اشتملا على (560) حديثاً من الأحاديث المرويَّة بطُرُق الفريقين، والمسندة جميعها إلى النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
2 - المجلَّدان الثالث والرابع: اشتملا على (876) حديثاً، أُسندت إلى الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السلام)، واشترك أهل السُّنَّة برواية الكثير جدًّا منها مع الشيعة الإماميَّة.
3 - المجلَّد الخامس: اشتمل على (505) حديثاً، وكلُّها من الأحاديث المفسِّرة للآيات القرآنيَّة، وفي هذا المجلَّد تغطية وافية لجميع ما أورده المفسِّرون - من أهل السُّنَّة والشيعة - من أحاديث تفسيريَّة في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(425) تاريخ ابن خلدون (ج 1/ ص 319).
(426) تاريخ ابن خلدون (ج 1/ ص 314).

(١٦٨)

وبهذا يكون مجموع الأحاديث غير المفسِّرة للآيات (1436) حديثاً، ومع المفسِّرة سيكون المجموع (1941) حديثاً.
أمَّا عن طُرُقها جميعاً فلعلَّها تقرب من أربعة آلاف طريق.
فإذا علمت هذا، فاعلم أخي المسلم أنَّ:
1 - مجموع أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) التي تناولها ابن خلدون بالنقد هي (23) حديثاً فقط.
2 - أسانيد هذه الأحاديث (28) إسناداً فقط.
3 - الصحيح منها باعتراف ابن خلدون كما مرَّ (4) أحاديث.
4 - الضعيف منها (19) حديثاً فقط.
إذن: فأحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) التي لم تتناولها دراسة ابن خلدون هي (1918) حديثاً، منها (537) حديثاً مسنداً إلى النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، و(876) حديثاً مسنداً إلى أهل البيت (عليهم السلام)، و(505) حديثاً مفسِّراً للآيات الكريمة في المهدي (عجَّل الله فرجه).
وبهذا يُعلَم أنَّ العدد (23) لا يُشكِّل في الواقع إلَّا النِّسَب التالية:
1 - (4.107%) من مجموع الأحاديث المسندة إلى النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
2 - (1.601%) من مجموع الأحاديث المسندة إلى النبيِّ وأهل البيت (عليهم السلام).
3 - (1.184%) من مجموع سائر الأحاديث.
أمَّا لو كان ابن خلدون قد تناول بالنقد جميع أحاديث الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لارتفع عدد الأحاديث الصحيحة (وهو أربعة عنده من مجموع 23) إلى الأرقام التالية طبقاً للغة التناسب:
1 - (98) حديثاً صحيحاً، لو كان تناول بالنقد جميع ما أُسند إلى النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

(١٦٩)

2 - (250) حديثاً صحيحاً، لو كان تناوله لما أُسند إلى النبيِّ وأهل بيته (عليهم السلام).
3 - (338) حديثاً صحيحاً، لو كان تناوله لسائر الأحاديث.
ولا يخفى بأنَّ العدد الأوَّل منها يكفي للحكم بتواتر أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه).
وأمَّا عن الأحاديث المردودة عند ابن خلدون، فلو قيست بما لم يتناوله منها، لكانت بالقياس إلى مجموعها تُمثِّل النِّسَب التالية:
1 - (3.392%) من مجموع الأحاديث المسندة إلى النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
2 - (1.320%) من مجموع ما أُسند إلى النبيِّ وأهل بيته (عليهم السلام).
3 - (0.978%) من مجموع سائر الأحاديث.
وبعد، فكيف يُدَّعى بأنَّ ابن خلدون قد ضعَّف جميع أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه)؟ هذا مع ما تقدَّم عنه بأنَّه من المصرِّحين بصحَّة بعض الأحاديث على الرغم من قلَّة ما تناوله منها.
حصر المهدي بعيسى بن مريم (عليهما السلام):
ربَّما قد تذرَّع المنكرون من المستشرقين وغيرهم لظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في آخر الزمان بحديث محمّد بن خالد الجندي الذي حصر المهدي بنبيِّ الله عيسى (عليه السلام)، ولم أجد أحداً تعرَّض لهذا الحديث من علماء الإسلام إلَّا وقد سخر منه وانتقده، فهو مردود بالاتِّفاق، ولكي لا ينطلي زيفه على أحد لا بدَّ من بيان حقيقته، فنقول:
الحديث أخرجه ابن ماجة عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنِ الشَّافِعِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْجَنَدِيِّ، عَنْ أَبَانَ بن صَالِحٍ، عَنْ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّه قَالَ: «لَا يَزْدَادُ الْأَمْرُ إِلَّا شِدَّةً، وَلَا الدُّنْيَا إِلَّا إِدْبَاراً، وَلَا

(١٧٠)

النَّاسُ إِلَّا شُحًّا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ، وَلَا المَهْدِيُّ إِلَّا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ»(427).
وهذا الحديث لا يحتاج في ردِّه وإبطاله إلى عناء؛ إذ تكفي مخالفته لجميع ما تقدَّم من الأحاديث المصرَّح بصحَّتها وتواترها، ولو صحَّ الاستدلال بكلِّ ما يُروى على علَّاته، لكان علم الرجال وفنُّ دراية الحديث لغواً يجلُّ عنه علماء الإسلام، وكيف لا يكون كذلك ومعناه تصحيح الموضوعات، والحكم على الكذَّابين بأنَّهم من أعاظم الثقات، وعلى المجاهيل بأنَّهم من مشهوري الرواة، وعلى النواصب بأنَّهم من السادات؟! ولما كان في الإسلام حديث متواتر قطُّ بعد خلط الثقة المأمون بالمجروح والمطعون، ومزج الحابل بالنابل، والسليم بالسقيم.
وهل لعاقل مسلم أنْ يُصدِّق بدجَّال من دجاجلة الرواة اسمه محمّد بن خالد الجندي؟ وهو الذي وضع إلى الجند - مسيرة يومين من صنعاء - حديث الجند المشهور وضعه، وهو: «تعمل الرحال إلى أربعة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد الأقصى، ومسجد الجند)(428).
فانظر كيف حاول استمالة قلوب الناس إلى زيارة معسكر الجند بعد أنْ مهَّد له بشدِّ الرحال إلى المساجد الثلاثة المقدَّسة عند جميع المسلمين؟!
والعجب من الحافظ ابن ماجة كيف انطلت عليه زيادة محمّد بن خالد الجندي عبارة: (وَلَا المَهْدِيُّ إِلَّا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ) في هذا الحديث، مع أنَّ نفس هذا الحديث له طُرُق صحيحة أُخرى لا توجد فيها تلك الزيادة، منها ما أخرجه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(427) سُنَن ابن ماجة (ج 2/ ص 1340 و1341/ ح 4039)، وقد أخرج ابن ماجة نفسه حديث: «المَهْدِيُّ مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ» في (ج 2/ ص 1368/ ح 4086)، وقد سبق وأنْ ذكرنا من صحَّحه أو من صرَّح بتواتره من أهل السُّنَّة.
(428) التمهيد لابن عبد البرِّ (ج 23/ ص 38 و39).

(١٧١)

الطبراني والحاكم بسندهما عن أبي أُمامة وبنفس ألفاظ حديث ابن ماجة لكن من غير عبارة: (وَلَا المَهْدِيُّ إِلَّا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ)، وقد صحَّحه الحاكم، فقال: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرِّجاه)(429).
نعم أورد الحاكم حديث ابن ماجة مع زيادته أيضاً، لكنَّه صرَّح بأنَّه إنَّما أورده في مستدركه تعجُّباً لا محتجًّا به على الشيخين: البخاري ومسلم(430).
وقد تناول ابن قيِّم في (المنار المنيف) حديث: «وَلَا المَهْدِيُّ إِلَّا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ»، ونقل كلمات علماء أهل السُّنَّة بشأنه، وأنَّه ممَّا تفرَّد به محمَّد بن خالد الجندي، ونقل عن الآبري (ت 363هـ) قوله: (محمّد بن خالد - هذا - غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل)، وعن البيهقي: (تفرَّد به محمّد ابن خالد هذا، وقد قال الحاكم أبو عبد الله: هو مجهول، وقد اختلف عليه في إسناده، فروي عنه، عن أبان بن أبي عيَّاش، عن الحسن - مرسَلاً - عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم). قال: فرجع الحديث إلى رواية محمّد بن خالد وهو مجهول، عن أبان ابن أبي عيَّاش وهو متروك، عن الحسن، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو منقطع. والأحاديث على خروج المهدي أصحّ إسناداً)(431).
ونقل ابن حجر العسقلاني قدح أبي عمرو، وأبي الفتح الأزدي بمحمّد بن خالد(432).
وقال الذهبي: (قال الأزدي: منكر الحديث، وقال أبو عبد الله الحاكم:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(429) مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 440)، وانظر: المعجم الكبير للطبراني (ج 8/ ص 182 و227، وج 19/ ص 357).
(430) مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 441 و442).
(431) المنار المنيف (ص 140 و141).
(432) تهذيب التهذيب (ج 9/ ص 125 - 127/ الرقم 202).

(١٧٢)

مجهول، قلت: حديثه «وَلَا المَهْدِيُّ إِلَّا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ»، وهو خبر منكر أخرجه ابن ماجة)(433).
وقال القرطبي: (فقوله: (ولا مهدي إلَّا عيسى)، يعارض أحاديث هذا الباب)، ثمّ نقل كلمات من طعن بمحمّد بن خالد وأنكر عليه حديثه، إلى أنْ قال: (والأحاديث عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة، أصحّ من هذا الحديث، فالحكم لها دونه)(434).
وقال ابن حجر الهيتمي: (وصرَّح النسائي بأنَّه منكر، وجزم غيره من الحفَّاظ بأنَّ الأحاديث التي قبله - أي الناصَّة على أنَّ المهدي من ولد فاطمة - أصحّ إسناداً)(435).
كما وصف أبو نعيم في (الحلية) هذا الحديث بالغرابة، وقال: (لم نكتبه إلَّا من حديث الشافعي)(436).
وقال ابن تيمية: (والحديث الذي فيه: «لَا المَهْدِيُّ إِلَّا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ» رواه ابن ماجة، وهو حديث ضعيف رواه عن يونس، عن الشافعي، عن شيخ مجهول من أهل اليمن، لا تقوم بإسناده حجَّة، وليس هو في مسنده، بل مداره على يونس بن عبد الأعلى، وروي عنه أنَّه قال: حُدِّثت عن الشافعي، وفي (الخَلعِيَّات) وغيرها: حدَّثنا يونس، عن الشافعي. لم يقل: حدَّثنا الشافعي، ثمّ قال عن حديث محمّد بن خالد الجندي: وهذا تدليس يدلُّ على توهينه، ومن الناس من يقول: إنَّ الشافعي لم يروه)(437).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(433) ميزان الاعتدال (ج 3/ ص 535/ الرقم 7479).
(434) التذكرة في أحوال الموتى وأُمور الآخرة (ج 2/ ص 330 و331).
(435) الصواعق المحرقة (ص 165).
(436) حلية الأولياء (ج 9/ ص 161).
(437) منهاج السُّنَّة (ج 4/ ص 101 و102).

(١٧٣)

ولكثرة ما طُعِنَ به محمّد بن خالد الجندي حاول بعض أنصار الإمام الشافعي أنْ يدرأ عن الشافعي رواية هذا الحديث، متَّهماً تلميذ الشافعي بالكذب في رواية هذا الخبر عنه، عن محمّد بن خالد الجندي، مدَّعياً أنَّه رأى الشافعي في المنام وهو يقول: (كذب عليَّ يونس بن عبد الأعلى الصدفي)(438).
وقد فنَّد أبو الفيض الغماري حديث: «وَلَا المَهْدِيُّ إِلَّا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ» بثمانية وجوه هي في غاية الجودة والمتانة(439).
التذرُّع بدعاوى المهدويَّة السابقة:
احتجَّ اللَّامهدويُّون بدعاوى المهدويَّة السابقة في إنكار عقيدة ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في آخر الزمان، كادِّعاء الحسنيِّين مهدويَّة محمّد بن عبد الله بن الحسن، والعبَّاسيِّين مهدويَّة المهدي العبَّاسي، ونحو ذلك من الادِّعاءات الأُخرى كادِّعاء مهدويَّة ابن تومرت، أو المهدي السوداني، أو محمّد بن الحنفيَّة (رضي الله عنه).
وهذا الاحتجاج يبتني بالدرجة الأساس على قياس فكرة ظهور المهدي (عجَّل الله فرجه) بتلك الدعاوى المهدويَّة الباطلة، وليس هناك من ريب في أنَّ هذا الادِّعاء هو مجرَّد اصطناع موازنة خادعة بين الباطل من جهة والحقِّ من جهة أُخرى، ثمّ الخلط بين هذا وذاك.
أمَّا أوَّلاً: فإنَّه لم تحصل أيَّة علامة من علامات ظهور المهدي (عجَّل الله فرجه) في حياة فرد واحد من أُولئك الذين ادُّعِيَ لهم المهدويَّة، وقد مرَّ بعض هذه العلامات بروايات الصحيحين.
وأمَّا ثانياً: فلثبوت وفاة هؤلاء جميعاً، ولا يوجد أحد من المسلمين يعتقد بحياتهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(438) النهاية في الفتن والملاحم لابن كثير (ج 1/ ص 58).
(439) إبراز الوهم المكنون (ص 154 - 159).

(١٧٤)

وأمَّا ثالثاً: فإنَّهم لم يكونوا في آخر الزمان، وهو شرط ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، ولا يعرف أحد منهم قد ملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً.
وأمَّا رابعاً: وهو الأهمّ، فإنَّه لو صحَّ هذا الاحتجاج لبطلت العدالة، إذ ادَّعاها طواغيت الأرض كلُّهم من فرعون مصر إلى فراعين عصرنا، ولحكمنا على العلماء بالجهل بدعوى أدعياء العلم من الجهلاء على طول التاريخ، ولصار الشجاع في نظرنا جباناً، والكريم بخيلاً، والحليم سفيهاً، إذ ما من صفة كريمة إلَّا وقد ادَّعاها البعض فيه زوراً.
وإذا ما عدنا إلى قضيَّة (المهدي) نجدها واحدة من أهمّ القضايا التي دوَّخت بصداها ذوي الأطماع السياسيَّة، فلا جرم أنْ يدَّعيها البعض لأنفسهم أو يُروِّجها لهم أتباعهم لتحقيق مآربهم.
وكما أنَّ العاقل لا يُنكِر وجود الحقِّ بمجرَّد ادِّعاء من لا يستحقُّه، فكذلك ينبغي عليه أنْ لا يُنكِر ظهور المهدي المبشَّر به في آخر الزمان على لسان أكرم ما خلق الله (عزَّ وجلَّ) نبيِّنا الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمجرَّد دعاوى المهدويَّة الباطلة.
هذا مع تصريح علماء الإسلام بصحَّة الكثير من أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه) المرويَّة بطُرُق شتَّى بما يفيد مجموعها التواتر، كما أرسل بعضهم تواترها إرسال المسلَّمات كما تقدَّم في هذا البحث.
وبعد أنِ انكشف واقع الشُّبُهات المتقدِّمة، وأصبح ساقها هشيماً، وعودها حطاماً، وبناؤها ركاماً، بقيت إثارات وتساؤلات أُخرى حول كيفيَّة تسلُّم الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) الإمامة في صباه، وطول عمره الشريف، وغيبته الطويلة، ومدى الاستفادة منها مع ادِّعاء كون هذه الأُمور غير مقبولة عقلاً!
وهذه الإثارات هي من أهمّ ما تمسَّكوا به في المقام على الرغم من مخالفتها لمنطق العقل والعلم.

(١٧٥)

إنَّ للعقل حدوداً تستقلُّ عن رغبات الأفراد وأهوائهم الشخصيَّة وميولهم واتِّجاهاتهم، وأحكاماً يستسيغها جميع العقلاء ولا يقتصر قبولها على تصديقٍ من أصحاب تلكم الإثارات.
ويبدو أنَّ دعوى عدم تعقُّل استلام الإمامة في مرحلة مبكّرة من عمر الإمام، أو بقاء الإمام حيًّا لأكثر من العمر المعتاد، والتشكيك بالغيبة، والفائدة من الإمام الغائب، تنطلق من واحد أو أكثر من الأُمور الآتية:
1 - الجهل بما في القرآن الكريم، والسُّنَّة النبويَّة، والتاريخ الإسلامي، مع عدم العلم بإمكان بقاء الإنسان حيًّا لعدَّة قرون.
2 - التعصُّب الطائفي الذي يقود - عادةً - إلى مثل هذه الإثارات، بهدف التضليل، ومحاولة سحق الطرف الآخر بعيداً عن الحجَّة والبرهان.
3 - الخلط بين ما هو ممتنع الوقوع في نفسه كاجتماع النقيضين، وبين ما هو ممكن الوقوع ولكن لم تطَّرد العادة بوقوعه كإمامة الصغير أو وجود معمّر أكثر من المألوف.
والأوَّل من المحال العقلي، والثاني من المحال في العادة والمشاهدة، وعدم التمييز بينهما قد يجعل ما هو محال عادةً محالاً عقليًّا.
4 - محاولة ربط المفاهيم الدِّينيَّة بمعطيات الحضارة المادّيَّة التي ظهرت في أُوروبا بتأثير فلسفة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديَّين على يد (جوستاف لوبون)، و(كانط)، و(نيتشه)، و(جوته)، و(سبنسر)، وغيرهم، وهي الفلسفة القائمة على مبدأ العلّيَّة وقوانينها من الحتميَّة والسببيَّة، وبالتالي نشوء نظريَّات فلسفيَّة عقيمة كنظريَّة الوجود التي أسرفت في تعميم مبدأ العلّيَّة، ونظريَّة الحدوث التي تبنَّت تحديد هذا المبدأ، وقد ثبت بطلانهما معاً بأقوى دليل(440).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(440) راجع: فلسفتنا للسيِّد الشهيد محمّد باقر الصدر (ص 272 - 274).

(١٧٦)

وعلى الرغم من فشل المعطيات الفلسفيَّة آنذاك إلَّا أنَّ الاغترار بنظريَّاتها في تفسير مبدأ العلّيَّة وقوانينها أدَّى إلى تأويل بعض الثوابت الدِّينيَّة، والتشكيك ببعضها الآخر في محاولة فاشلة تهدف إلى ربط جملة من المفاهيم الإسلاميَّة بالآثار المعاصرة - يوم ذاك -، تارةً بعنوان الردِّ العلمي الموضوعي على الدعوات الصليبيَّة الحاقدة التي استهدفت الإسلام، فصوَّرته كآلة جامدة لا تنبص بالحياة! وتارةً أُخرى بحجَّة التجديد ومسايرة العصر!
وهكذا انعدم التوافق بين جملة من الثوابت الدِّينيَّة، وبين تلك النظريَّات الفلسفيَّة الخاطئة، ومن هنا عجز بعض المثقَّفين الإسلاميِّين من إيجاد التفسير المقبول لسائر المعجزات والخوارق والغيبيَّات على ضوء ما آمنوا به وروَّجوا له من تلك النظريَّات، ووقفوا حيارى إزاء الحقائق الدِّينيَّة الثابتة، كتسليم الأشجار على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإقبالها عليه إذا ما دعاها، وتسبيح الحصى بين يديه الشريفتين، وفوران الماء بين أصابعه المباركة سفراً وحضراً، وزيادة الطعام بحضرته المقدَّسة، ونحو ذلك من أُمور أُخرى، كشروق الشمس من مغربها، وطول عمر الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وغيبته، وكثير من أشراط الساعة، وغيرها.
فهذه الأُمور وأمثالها لم تتَّسع الفلسفة التي تأثَّر بها محمّد رشيد رضا في (مناره)، ومن تلقَّفها عنه كأحمد أمين في (فجره) و(ضحاه) و(شمسه)، ومحمّد فريد وجدي في (دائرة معارفه)، وآخرون، للإيمان بها، ومن هنا كانت قضيَّة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بكلِّ تلكم الأُمور غير معقولة بنظرهم!
ولأجل بيان حقيقة الحال جاء الفصل الرابع ليجيب على تلك الإثارات من منطق العقل والعلم على حدٍّ سواء.

* * *

(١٧٧)

إنَّ المنكرين للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بالتشخيص الذي حدَّدناه - أي بكونه محمّداً نجل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) - ينطلقون من دوافع ومنطلقات بعيدة عن منهج الإسلام في الدعوة إلى الإيمان بالعقائد، فمنهج الإسلام كما يقوم على العقل والمنطق، فإنَّه يعتمد على الفطرة، ويستند إلى الغيب.
والإيمان بالغيب جزءٌ من عقيدة المسلم؛ إذ تكرَّرت الدعوة قرآناً وسُنَّةً.
فمن القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ...﴾ (البقرة: 1 - 3)، وقوله تعالى: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ...﴾ (هود: 49).
وفي السُّنَّة النبويَّة مئات الروايات المؤكِّدة على الإيمان بالغيب والتصديق بما يُخبِر به الرُّسُل والأنبياء.
وهذا الإيمان بالغيب لا تصحُّ عقيدة المسلم بإنكاره، سواء تعقَّله وأدرك أسراره وتفصيلاته، أم لم يستطع إلى ذلك سبيلاً، كما هو الأمر مثلاً بالنسبة إلى الإيمان بالملائكة، وبالجنِّ، وبعذاب القبر، وسؤال المَلَكين في القبر، إلى غير ذلك من المغيَّبات التي ذكرها القرآن، أو أخبر بها نبيُّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ونقلها إلينا الثقات العدول المؤتمنون، ومن جملة ذلك بل من أهمّها قضيَّة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) الذي سيظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أنْ مُلِئَت ظلماً وجوراً.
فالمهدي (عجَّل الله فرجه) قد نطقت به الصحاح والمسانيد والسُّنَن، فلا يسعُ مسلماً إنكاره، لكثرة الطُّرُق، ووثاقة الرواة، ودلائل التاريخ، والمشاهدة الثابتة لشخصه كما حُقِّق في محلِّه من هذا البحث.

(١٨١)

ومن هنا وجدنا المنكرين، سواء الذين تأثَّروا بمناهج الغرب ودراسات المستشرقين، أم ممَّن نزعه عِرقُ التعصُّب لما توارثه عن سلفه، حاولوا جميعهم - بعد أنْ أعيتهم الحيلة، وأُسقط ما في أيديهم إزاء الأدلَّة النقليَّة المتظافرة، والبراهين الساطعة، والاعترافات المتتالية بشخص المهدي الموعود - أنْ يثيروا بعض الشُّبُهات الهزيلة والتلبيسات الباطلة، لصرف الأُمَّة المسلمة عن القيام بدورها، والنهوض بمسؤوليَّاتها في مرحلة الانتظار والترقُّب، متَّبعين في ذلك مغالطات مفضوحة؛ إذ زعموا أنَّ طول عمر المهدي وما يتَّصل به يتعارض مع العلم ومنطق العقل والواقع.
وسيتَّضح للقارئ - بتسديد الله تعالى وتوفيقه - كيف أنَّ منطقهم ساقط بحسب موازين العلم وأُصول المنطق الحقِّ والمنهج السليم.
ولعلَّ أهمّ الشُّبُهات التي تثار هنا هي مسألة صغر سنِّ الإمام، وطول عمره، والفائدة من الغيبة بالنسبة له، ومسألة استفادة الأُمَّة المسلمة منه وهو مستور غائب.
وسنحاول مناقشة ذلك وفق المنطق العلمي، والدليل العقلي.
السؤال الأوَّل: كيف كان إماماً وهو في الخامسة من عمره؟
والجواب:
أنَّ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) خَلَفَ أباه في إمامة المسلمين، وهذا يعني أنَّه كان إماماً بكلِّ ما في الإمامة من محتوى فكري وروحي في وقتٍ مبكّر جدًّا من حياته الشريفة.
والإمامة المبكّرة ظاهرة سَبَقَهُ إليها عدد من آبائه (عليهم السلام)، فالإمام الجواد محمّد بن عليٍّ (عليه السلام) تولَّى الإمامة وهو في الثامنة من عمره، والإمام عليُّ بن محمّد

(١٨٢)

الهادي (عليه السلام) تولَّى الإمامة وهو في التاسعة من عمره، والإمام أبو محمّد العسكري وهو والد الإمام المهدي المنتظر تولَّى الإمامة وهو في الثانية والعشرين من عمره، ويُلاحَظ أنَّ ظاهرة الإمامة المبكّرة بلغت ذروتها في الإمام المهدي والإمام الجواد، ونحن نُسمِّيها (ظاهرة) لأنَّها كانت بالنسبة إلى عدد من آباء المهدي (عليهم السلام) تُشكِّل مدلولاً حسّيًّا عمليًّا عاشه المسلمون، ووعوه في تجربتهم مع الإمام بشكل وآخر، ولا يمكن أنْ يُطالَب بإثبات ظاهرة من الظواهر هي أوضح وأقوى من تجربة أُمَّة، ونُوضِّح ذلك ضمن النقاط الآتية:
1 - لم تكن إمامة الإمام من أهل البيت (عليهم السلام) مركزاً من مراكز السلطان والنفوذ التي تنتقل بالوراثة من الأبِ إلى الابن، ويدعمها النظام الحاكم كما كان الحال في الأُمويِّين والفاطميِّين والعبَّاسيِّين، وإنَّما كانت تكتسب ولاءَ قواعدها الشعبيَّة الواسعة عن طريق التغلغل الروحي والإقناع الفكري لتلك القواعد بجدارة هذه الإمامة لزعامة الإسلام وقيادته على أُسُس فكريَّة وروحيَّة.
2 - أنَّ هذه القواعد الشعبيَّة بُنيت منذُ صدر الإسلام، وازدهرت واتَّسعت على عهد الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام)، وأصبحت المدرسة التي رعاها هذان الإمامان - في داخل هذه القواعد - تُشكِّل تيَّاراً فكريًّا واسعاً في العالم الإسلامي يضمُّ المئات من الفقهاء والمتكلِّمين والمفسِّرين والعلماء في مختلف ضروب المعرفة الإسلاميَّة والبشريَّة المعروفة وقتئذٍ، حتَّى قال الحسن بن عليٍّ الوشَّاء: (فإنِّي أدركت في هذا المسجد - يعني مسجدَ الكوفة - تسعمائة شيخٍ كلٌّ يقول: حدَّثني جعفر بن محمّد)(441).
3 - أنَّ الشروط التي كانت هذه المدرسة وما تُمثِّله من قواعد شعبيَّة في المجتمع الإسلامي تؤمن بها وتتقيَّد بموجبها في تعيين الإمام والتعرُّف على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(441) رجال النجاشي (ص 40/ الرقم 80) في ترجمة الحسن بن عليِّ بن زياد الوشَّاء.

(١٨٣)

كفاءته للإمامة شروط شديدة؛ لأنَّها تؤمن بأنَّ الإمام لا يكون إماماً إلَّا إذا كان معصوماً، وكان أعلم علماء عصره.
4 - أنَّ المدرسة وقواعدها الشعبيَّة كانت تُقدِّم تضحيات كبيرة في سبيل الصمود على عقيدتها في الإمامة؛ لأنَّها كانت في نظر السلطة المعاصرة لها تُشكِّل خطًّا عدائيًّا، ولو من الناحية الفكريَّة على الأقلّ، الأمر الذي أدَّى إلى قيام السُّلُطات وقتئذٍ وباستمرار تقريباً بحملات من التصفية والتعذيب، فَقُتِلَ من قُتِلَ، وسُجنَ من سُجِنَ، ومات المئات في ظلمات المعتقلات. وهذا يعني أنَّ الاعتقاد بإمامة أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) كان يُكلِّفهم غالياً، ولم يكن له من الإغراءات سوى ما يحسُّ به المُعْتَقِد أو يفترضه من التقرُّب إلى الله تعالى والزلفى عنده.
5 - أنَّ الأئمَّة الذين دانت هذه القواعد الشعبيَّة لهم بالإمامة لم يكونوا معزولين عنها، ولا متقوقعين في بروجٍ عاجية عالية شأن السلاطين مع شعوبهم، ولم يكونوا يحتجبون عنهم إلَّا أنْ تحجبهم السلطة الحاكمة بسجنٍ أو نفي، وهذا ما نعرفه من خلال العدد الكبير من الرواة والمحدِّثين عن كلِّ واحدٍ من الأئمَّة الأحد عشر من آباء المهدي (عجَّل الله فرجه)، ومن خلال ما نُقِلَ من المكاتبات التي كانت تحصل بين الإمام ومعاصريه، وما كان يقوم الإمام به من أسفار من ناحيةٍ، وما كان يبثُّهُ من وكلاء في مختلف أنحاء العالم الإسلامي من ناحية أُخرى، وما كان قد اعتاده الشيعة من تفقُّد أئمَّتهم وزيارتهم في المدينة المنوَّرة عندما يؤمُّون الديار المقدَّسة من كلِّ مكانٍ لأداء فريضة الحجِّ، كلُّ ذلك يفرض تفاعلاً مستمرًّا بدرجةٍ واضحةٍ بين الإمام وبين قواعده الممتدَّة في أرجاء العالم الإسلامي بمختلف طبقاتها من العلماء وغيرهم.
6 - أنَّ السلطة المعاصرة للأئمَّة (عليهم السلام) كانت تنظر إليهم وإلى زعامتهم

(١٨٤)

الروحيَّة بوصفها مصدر خطرٍ كبير على كيانها ومقدَّراتها، وعلى هذا الأساس بذلت كلَّ جهودها في سبيل تفتيت هذه الزعامة، وتحمَّلت في سبيل ذلك كثيراً من السلبيَّات، وظهرت أحياناً بمظاهر القسوة والطغيان حينما اضطرَّها تأمين مواقعها إلى ذلك، وكانت حملات المطاردة والاعتقال مستمرَّة للأئمَّة أنفسهم على الرغم ممَّا يخلفه ذلك من شعور بالألم أو الاشمئزاز عند المسلمين، ولاسيّما الموالين على اختلاف درجاتهم.
وإذا أخذنا بنظر الاعتبار هذه النقاط الستّ، وهي حقائق تاريخيَّة لا تقبل الشكَّ، أمكن أنْ نخرجَ بالنتيجة الآتية:
إنَّ ظاهرة الإمامة المبكّرة كانت ظاهرة واقعيَّة ولم تكن وَهماً من الأوهام؛ لأنَّ الإمام الذي يبرز على المسرح وهو صغير فيُعلِن عن نفسه إماماً روحيًّا وفكريًّا للمسلمين، ويدينُ له بالولاء والإمامة كلُّ ذلك التيَّار الواسع، لا بدَّ أنْ يكون في أعلى الدرجات والمراتب من العلم والمعرفة وسعة الأُفُق والتمكُّن من الفقه والتفسير والعقائد، لأنَّه لو لم يكن كذلك لما أمكن أنْ تقتنعَ تلك القواعد الشعبيَّة بإمامته، مع ما تقدَّم من أنَّ الأئمَّة كانوا في مواقع تتيحُ لقواعدهم التفاعل معهم، وللأضواء المختلفة أنْ تُسلَّط على حياتهم وموازين شخصيَّتهم، فهل ترى أنَّ صبيًّا يدعو إلى إمامة نفسه وينصب منها عَلَماً للإسلام وهو على مرأى ومسمع من جماهير قواعده الشعبيَّة، فتؤمن به وتبذل في سبيل ذلك الغالي من أمنها وحياتها بدون أنْ تُكلِّف نفسها اكتشاف حاله، وبدون أنْ تهزَّها ظاهرة هذه الإمامة المبكّرة لاستطلاع حقيقة الموقف وتقييم هذا الصبيِّ الإمام؟
وهَبْ أنَّ الناس لم يتحرَّكوا لاستطلاع الموقف، فهل يمكن أنْ تمرَّ المسألة أيَّاماً وشهوراً بل أعواماً دون أنْ تتكشَّف الحقيقة على الرغم من التفاعل الطبيعي المستمرِّ بين الصبيِّ الإمام وسائر الناس؟

(١٨٥)

وهل من المعقول أنْ يكون صبيًّا في فكره وعلمه حقًّا ثمّ لا يبدو ذلك من خلال هذا التفاعل الطويل؟
وإذا افترضنا أنَّ القواعد الشعبيَّة لإمامة أهل البيت (عليهم السلام) لم يُتَح لها أنْ تكتشف واقع الأمر، فلماذا سكتت السلطة القائمة ولم تعمل على كشف الحقيقة إذا كانت في صالحها؟ وما كان أيسر ذلك على السلطة القائمة لو كان الإمام الصبيُّ صبيًّا في فكره وثقافته كما هو المعهود في الصبيان، وما كان أنجحه من أُسلوب أنْ تُقدِّم الصبيَّ إلى شيعته وغير شيعته على حقيقته، وتبرهن على عدم كفاءته للإمامة والزعامة الروحيَّة والفكريَّة. فلئن كان من الصعب الإقناع بعدم كفاءة شخص في الأربعين أو الخمسين لتسلُّم الإمامة، فليس هناك صعوبة في الإقناع بعدم كفاءة صبيٍّ اعتياديٍّ مهما كان ذكيًّا وفطناً للإمامة بمعناها الذي يعرفه الشيعة الإماميَّة، وكان هذا أسهل وأيسر من الطُّرُق المعقَّدة وأساليب القمع والمجازفة التي انتهجتها السُّلُطات وقتئذٍ.
إنَّ التفسير الوحيد لسكوت الخلافة المعاصرة عن اللعب بهذه الورقة هو أنَّها أدركت أنَّ الإمامة المبكّرة ظاهرة حقيقيَّة وليست شيئاً مصطنعاً.
والحقيقة أنَّها أدركت ذلك بالفعل بعد أنْ حاولت أنْ تلعب بتلك الورقة - أي تعريضه للاختبار - فلم تستطع، والتأريخ يُحدِّثنا عن محاولات من هذا القبيل وعن فشلها، بينما لم يُحدِّثنا إطلاقاً عن موقف تزعزت فيه ظاهرة الإمامة المبكّرة أو واجه فيه الصبيُّ الإمام إحراجاً يفوق قدرته أو يزعزع ثقة الناس فيه.
وهذا معنى ما قلناه من أنَّ الإمامة المبكّرة ظاهرة واقعيَّة في حياة أهل البيت (عليهم السلام)، وليست مجرَّد افتراض، كما أنَّ هذه الظاهرة الواقعيَّة لها جذورها وحالاتها المماثلة في تراث السماء الذي امتدَّ عبر الرسالات والزعامات الربَّانيَّة، ويكفي مثالاً لظاهرة الإمامة المبكّرة في التراث الربَّاني:

(١٨٦)

النبيُّ يحيى (عليه السلام)، قال تعالى: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ (مريم: 12)(442).
ومتى ثبت أنَّ الإمامة المبكّرة ظاهرة واقعيَّة وموجودة فعلاً في حياة أهل البيت (عليهم السلام)، لم يَعُدْ هناك اعتراض فيما يخصُّ حياة المهدي (عجَّل الله فرجه)، وخلافته لأبيه وهو صغير.
السؤال الثاني: طول العمر:
إنَّ أهمّ ما يثيرونه في هذا المجال، ويُروِّجون له باستمرار قديماً وحديثاً، هو قولهم: إذا كان المهدي يُعبِّرُ عن إنسانٍ حيٍّ عاصرَ الأجيال المتعاقبة منذ أكثر من أحد عشر قرناً، فكيف تأتَّى له هذا العمر الطويل؟ وكيف نجا من القوانين الطبيعيَّة التي تُحتِّم مروره بمرحلة الشيخوخة(443)؟!
ومن الجائز أنْ نطرح الشُّبهة بصورة سؤالٍ كأنْ يقال: هل بالإمكان أنْ يعيش الإنسانُ قروناً طويلة؟
وللإجابة عن هذا السؤال لا بدَّ من التمهيد ببحث مسألة الإمكان هنا، فهناك ثلاثة أنواع متصوَّرة للإمكان:
الأوَّل: ما يُصطلَح عليه بالإمكان العملي، ويُراد به ما هو ممكن فعلاً وواقعاً، أي له تحقُّق ووجود ظاهر ومتعيّن.
والثاني: ما يُصطلَح عليه بالإمكان العلمي، ويُراد به ما هو غير ممتنعٍ من الناحية العلميَّة الصِّرفة، أي إنَّ العلم لا يمنع وقوعه وتحقُّقه ووجوده فعلاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(442) وقد مرَّ في الفصل الثاني برقم (5) و(8) اعتراف أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي، وأحمد بن يوسف القرماني الحنفي بأنَّ المهدي (عجَّل الله فرجه) أُعطي الحكمة وهو صبيٌّ، فراجع.
(443) هذه الشُّبهة مطروحة في كُتُب العقائد منذ القرون البعيدة، وقد ذكرها وتصدَّى للإجابة عنها كبار علماء الإماميَّة، بوجوه عديدة ومن أبعاد مختلفة، ونحن نتعرَّض لبعضها فقط.

(١٨٧)

والثالث: ما يُصطلَح عليه بالإمكان المنطقي، ويُراد به ما ليس مستحيلاً عقلاً، أي إنَّ العقل لا يمنع وقوعه وتحقُّقه.
واستناداً إلى هذا نعرض المسألة كالآتي مبتدئين بالإمكان المنطقي، فنقول:
هل إنَّ امتداد عمر الإنسان مئات السنين ممكن منطقيًّا، أي ليس مستحيلاً من وجهة نظر عقليَّة؟
والجواب: نعم بكلِّ تأكيد، فقضيَّة امتداد العمر فوق الحدِّ الطبيعي أضعافاً مضاعفةً ليست في دائرة المستحيل، كما هو واضح بأدنى تأمُّل. نعم هو ليس مألوفاً ومشاهداً، ولكن هناك حالات نقلها أهل التواريخ وتناقلتها بعض النشرات العلميَّة تجعل الإنسان لا يستغرب ولا يُنكِر، على أنَّ الغرابة ترتفع تماماً عندما يقرع سمعَ المسلم صوتُ الوحي ومنطوق القرآن في النبيِّ نوح (عليه السلام): ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً﴾ (العنكبوت: 14).
ولتقريب مسألة الإمكان بهذا المعنى نضربُ مثالاً كالآتي: لو أنَّ أحداً قال لجماعةٍ: إنِّي أستطيع أنْ أعبرَ النهر ماشياً، أو أجتاز النارَ دون أنْ أُصابَ بسوء، فلا بدَّ أنْ يستغربوا ويُنكِروا، لكنَّه لو حقَّق ما قاله بالفعل فعبر النهر ماشياً أو اجتاز النار بسلام، فإنَّ انكارهم واستغرابهم سيزول عند ذلك. فلو جاء آخر وقال مثلَ مقالة الأوَّل، فإنَّ درجة الاستغراب ستقلُّ، وهكذا لو جاء ثالث ورابع وخامس، فإنَّ ما وقع منهم من الاستغراب أوَّل مرَّة سوف لا يبقى على حالته وقوَّته في المرَّة الخامسة، بل يضعف جدًّا إلى أنْ يزول.
وهكذا نقول في مسألتنا، فإنَّ القرآن قد أخبر أنَّ نوحاً (عليه السلام) لبثَ في قومه ألف سنةٍ إلَّا خمسين عاماً، وهذا غير عمره قبل النبوَّة! وأنَّ عيسى (عليه السلام) لم يمت وإنَّما رفعه الله إليه كما في قوله تعالى: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ

(١٨٨)

رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً﴾ (النساء: 157 و158).
وأيضاً فقد جاء في روايات الصحيحين (البخاري ومسلم) أنَّه سينزل إلى الأرض، وكذلك جاء فيهما أنَّ الدجَّال موجود حيٌّ(444).
وعليه فعندما تتحدَّث الروايات الصحيحة، ويشهد الشهود، وتتوالى الاعترافات بوجود (المهدي) من عترة الرسول الأكرم، من ولد فاطمة، نجل الحسن العسكري الذي وُلِدَ سنة (255هـ)، فسوف لا يبقى عند ذلك وجه للاستغراب والإنكار إلَّا عناداً واستكباراً.
وقد جاء في تفسير الرازي: (قال بعض الأطبَّاء: العمر الإنساني لا يزيد على مائة وعشرين سنة، والآية تدلُّ على خلاف قولهم، والعقل يوافقها، فإنَّ البقاء على التركيب الذي في الإنسان ممكن لذاته وإلَّا لما بقي، ودوام تأثير المؤثِّر فيه ممكن؛ لأنَّ المؤثِّر فيه إنْ كان واجب الوجود فظاهر الدوام، وإنْ كان غيره فله مؤثِّر، وينتهي إلى الواجب وهو دائم، فتأثيره يجوز أنْ يكون دائماً. فإذن البقاء ممكن في ذاته، فإنْ لم يكن فلعارض، لكن العارض ممكن العدم، وإلَّا لما بقي هذا المقدار، لوجوب وجود العارض المانع. فظهر أنَّ كلامهم على خلاف العقل والنقل)(445).
هكذا برهن الرازي على جواز طول عمر الإنسان بخلاف المعتاد كما هو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(444) فصَّلنا الحديث عن أحاديث نزول عيسى وأحاديث خروج الدجَّال في الصحيحين (البخاري ومسلم)، وذكرنا من اعتبرها عقيدة ثابتة لأهل السُّنَّة، مع تصريحهم ببقاء الدجَّال حيًّا إلى آخر الزمان، وأنَّ عيسى (عليه السلام) سينزل في آخر الزمان ليساعد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) على قتله، راجع: الفصل الثالث: التذرُّع بخلوِّ الصحيحين من أحاديث المهدي (عجَّل الله فرجه).
(445) تفسير الرازي (ج 25/ ص 42).

(١٨٩)

الثابت في طول عمر عيسى (عليه السلام)، والبرهان نفسه يصحُّ الاستدلال به على طول عمر المهدي (عجَّل الله فرجه)، ويُقرِّب هذا الاستدلال اتِّفاق الصحاح وغيرها على نزول عيسى (عليه السلام) في آخر الزمان لمساعدة المهدي (عجَّل الله فرجه) على قتل الدجَّال، وقد عرفت الجواب عن سؤال: من هو الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)؟ مفصَّلاً.
وننقل الكلام إلى الإمكان العملي، ونتساءل: هل إنَّ الإمكان العملي بالنسبة إلى نوع الإنسان متاحٌ الآن، وتساعد عليه التجربة أم لا؟
والجواب:
أنَّ التجارب المعاصرة في ضوء الإمكانات المتاحة والظروف الموجودة لم تنجح لحدِّ الآن في تحقيق مثل هذه الحالة، أي إطالة عمر الإنسان إلى حدٍّ أكثر من ضعفٍ أو ضعفي العمر الطبيعي، وهذا أمرٌ مشهود لا يحتاج إلى برهان.
وهذا لا يدلُّ على عدم طول عمر الإنسان؛ لأنَّ الإمكان العملي ينحصر بمحاولات إطالة العمر الطبيعي للإنسان بيد الإنسان نفسه، إلَّا أنَّ الأعمار بيد الله (عزَّ وجلَّ)، إذن تدخُّل الإنسان في إطالة العمر على خلاف التقدير غير ممكن.
نعم، إنَّه سبحانه يُوفِّر الأسباب الكفيلة بإدامة حياة المعمَّرين إلى حين أجلهم، ودور العلم هنا اكتشاف تلك الأسباب لا أكثر؛ إذ ليس بمقدوره إبداع الأسباب لانحصارها بيده (عزَّ وجلَّ) بلا خلاف.
وعلى هذا يُفسَّر الإمكان العلمي الآتي الذي ننقل الكلام إليه، فنتساءَل: هل إنَّ زيادة عمر إنسان أكثر من الحدِّ الطبيعي المعتاد ممكن علميًّا أم لا؟
والجواب:
أوَّلاً: نعم هي في دائرة الإمكان العلمي، ولدينا شواهد وأرقام كثيرة تُؤكِّد إمكانها علميًّا، منها:
1 - أنَّ التجارب العلميَّة آخذةٌ بالازدياد لإطالة عمر الإنسان أكثر من

(١٩٠)

المعتاد، وهذه التجارب حثيثة وجادَّة لتعطيل قانون الشيخوخة، فقد جاء في مجلَّة المقتطف المصريَّة (الجزء الثاني من المجلَّد 59/ الصادرة في آب (أغسطس) 1921م، الموافق 26/ ذي القعدة/ سنة 1339هـ/ ص 206) تحت عنوان (خلود الإنسان على الأرض) ما هذا لفظه:
قال الأُستاذ (ريمند بول) أحد أساتذة جامعة جونس هبكنس بأمريكا: (إنَّه يظهر من بعض التجارب العلميَّة أنَّ أجزاء جسم الإنسان يمكن أنْ تحيا إلى أيِّ وقتٍ أُريد، وعليه فمن المحتمل أنْ تطول حياة الإنسان إلى مائة سنة، وقد لا يوجد مانع يمنع من إطالتها إلى ألف سنة).
وذكرت هذه المجلَّة في العدد الثالث من المجلَّد (59) الصادر في أيلول من نفس العام (ص 239): (إنَّه في الإمكان أنْ يبقى الإنسان حيًّا أُلوفاً من السنين إذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبلَ حياته، وقولهم هذا ليس مجرَّد ظنٍّ، بل نتيجة عمليَّة مؤيَّدة بالامتحان).
ونكتفي بهذا القدر في تأييد ما ذكرناه من الإمكان العلمي، الذي يسعى العلماء جاهدين لتحويله إلى إمكان عملي واقعي فعلي.
2 - وفي كتاب صدر حديثاً بعنوان حقائق أغرب من الخيال (الجزء الأوَّل/ ص 24/ نشر مؤسَّسة الإيمان/ بيروت، ودار الرشيد/ دمشق)، جاء فيه: (تُوفّي (بيريرا) في عام (1955م) في وطنه الأُمِّ مونتريا في سنّ (166) عاماً، وقد شهد على عمره أصدقاؤه، وسجلَّات مجلس البلديَّة، وبيريرا نفسه الذي استطاع أنْ يتذكَّر بوضوح كبير معركة كاراجينا (حدثت في عام 1815م)! وفي نهاية حياته أُحضر إلى نيويورك حيث فحصه جمع من الأطبَّاء المختصِّين، ومع أنَّهم وجدوه محتفظاً بضغط دم رجل شابٍّ، ونبض شرياني صحيح، وقلب جيِّد، وعقل شابٍّ، فقد قرَّروا أنَّه رجل عجوز جدًّا أكثر من (150) عاماً).

(١٩١)

وجاء في (ص 23) أنَّ توماس بار عاش (162) عاماً.
على أنَّ السجستاني صاحب (السُّنَن) قد ألَّف كتاباً باسم (المعمَّرون) ذكر فيه الكثير من المعمَّرين، وفيهم من تجاوزت أعمارهم خمسمائة سنة.
3 - أنَّ مجرَّد إجراء التجارب من قِبَل الأطبَّاء للتعرُّف على مرض الشيخوخة، وأسباب الموت، والمحاولات الدائبة من قِبَلهم ونجاحها ولو بقدر محدود لإطالة عمر الإنسان، لهو دليل على الإمكان، وإلَّا لكان تصرُّفهم عبثاً، خلاف العقل.
وفي ضوء ذلك كلِّه لا يبقى مبرِّر منطقي للاستغراب والإنكار بخصوص (قضيَّة المهدي)، اللَّهُمَّ إلَّا أنْ يسبق (المهدي) العلمَ نفسه، فيتحوَّل الإمكان النظري (العلمي) إلى إمكان عملي في شخصه، قبل أنْ يصلَ العلمُ في تطوُّره إلى مستوى القدرة الفعليَّة. وهذا أيضاً لا يوجد مبرِّرٌ عقليٌّ لاستبعاده وإنكاره؛ إذ هو نظير من يسبق العلمَ في اكتشاف دواءٍ للسرطان أو غيره مثلاً. ومثل هذا السِّبق في الفكر الإسلامي قد حصل في أكثر من مفردةٍ وعنوانٍ، فقد سجَّلَ القرآن الكريم نظائر ذلك حين أوردَ وأشارَ إلى حقائق علميَّة تتعلَّق بالكونِ وبالطبيعةِ وبالإنسانِ، ثمّ جاءت التجارب العلميَّة الحديثة لتزيحَ عنها الستار أخيراً. ثمّ لماذا نذهب بعيداً وأمامنا القرآن الكريم يُصرِّح بـ(الإمكان العملي) فيما يتعلَّق بعمر نوحٍ (عليه السلام)(446)؟
وكذلك صرَّحت الآثار النبويَّة بوجود أشخاص أحياء منذ قرون متطاولةٍ، كالخضرِ، والنبيِّ عيسى (عليه السلام)، والدجَّال على ما نقله مسلمٌ في (صحيحه) من حديث الجسَّاسة، فلماذا نؤمن بمثل هذه الوجودات المشخَّصة، مع أنَّهم ليس لهم من دورٍ أو أهمّيَّةٍ فيما يتعلَّق بمستقبل الإسلام إلَّا المسيح (عليه السلام)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(446) راجع: بحث حول المهدي (عجَّل الله فرجه) (ص 37).

(١٩٢)

الذي سيكون وزيراً ومساعداً للمهدي (عجَّل الله فرجه) وقائداً لجيوشه كما في الكثير من روايات الظهور؟!
ولماذا يُنكِر البعض حياة المهدي (عجَّل الله فرجه) الذي سيكون له ذلك الدور الأعظم «يملأ الأرضَ قسطاً وعدلاً...» وينزل عيسى ليُصلِّي خلفه(447)؟!
ثانياً: لو افترضنا قانون الشيخوخة قانوناً صارماً، وإطالة عمر الإنسان أكثر من الحدِّ الطبيعي والمعتاد هو خلاف القوانين الطبيعيَّة التي دلَّنا عليها الاستقراء، فالأمرُ بالنسبةِ للمهدي (عجَّل الله فرجه) يكون حينئذٍ من قبيل المعجزة، وهي ليست حالة فريدة في التاريخ.
ثمّ إنَّ الأمرَ بالنسبة للمسلم الذي يستمدُّ عقيدتَه من القرآن الكريم والسُّنَّة المشرَّفة ليس منكراً أو مستغرباً؛ إذ هو يجدُ أنَّ القانون الطبيعي الذي هو أكثر صرامةً قد عُطِّلَ، كالذي حَدَثَ بالنسبةِ للنبيِّ إبراهيم (عليه السلام) عندما أُلقي في النار العظيمة فأنجاه الله تعالى بالمعجزة، كما صرَّح القرآن قائلاً: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ (الأنبياء: 69).
وهذه المعجزة وأمثالها من معاجز الأنبياء، والكرامات التي اختصَّ اللهُ بها أولياءَه، قد أصبحت بمفهومها الدِّيني أقرب إلى الفهم بدرجةٍ أكبر بكثير في ضوء المعطيات العلميَّة الحديثة والإنجازات الكبيرة التي حقَّقها العلماء بوسائلهم المادّيَّة. فلقد بدأنا نشهدُ من الاختراعات والاكتشافات التي لو حُدِّثنا عنها سابقاً لأنكرناها غايةَ الإنكار، ثمّ ها هي بأيدينا الآن نستخدمها ونلهو بها أحياناً، فمثلاً (التلفزيون)، فلقد كنَّا نقرأ في الروايات في أبواب الملاحم (أنَّه سيكون في آخر الزمان يَرى ويسمع مَنْ في المشرق مَنْ هو في المغْرِب)، وربَّما عَدَّ بعضُهم ذلك ضرباً من اللَّامعقول، ثمّ ها نحن نشهده ونشاهده.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(447) اعترف بهذا خمسة من شارحي صحيح البخاري كما مرَّ مفصَّلاً في أوَّل الفصل الثالث، فراجع.

(١٩٣)

واستناداً إلى ذلك نقول: إنَّ استبعاد أمرٍ وإنكاره لمجرَّد عدم وجودِ حالةٍ مماثلة أو مقاربة نشاهدها، ليس مقبولاً منطقيًّا، وليس مبرِّراً علميًّا، إذا كان الأمرُ يقع في دائرة الإمكان العلمي والمنطقي، وقامت عليه الشواهد والأدلَّة.
ونظير تلك الأخبار المنبئة في تراثنا عن بعض الاكتشافات العلميَّة الباهرة، الأخبار الأُخرى المنبئة بإعجاز عن ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بما ينطبق تمام الانطباق مع معطيات الحضارة المعاصرة.
فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «إِنَّ قَائِمَنَا إِذَا قَامَ مَدَّ اللهُ (عزَّ وجلَّ) لِشِيعَتِنَا فِي أَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقَائِمِ بَرِيدٌ، يُكَلِّمُهُمُ فَيَسْمَعُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْه وَهُوَ فِي مَكَانِه»(448).
السؤال الثالث: لماذا هذه الغيبة الطويلة؟
قالوا: لماذا كلُّ هذا الحرص على إطالة عمر المهدي (عجَّل الله فرجه) إلى هذا الحدِّ، فتُعطَّل القوانين لأجله، أو نضطرُّ إلى المعجزة؟! ولماذا لا نقبل الافتراض الآخر الذي يقول: إنَّ قيادة البشريَّة في اليوم الموعود يمكن أنْ تُترَك لشخصٍ آخر يُولَد في ذلك الزمان، ويعيش الظروف الموضوعيَّة، لينهض بمهمَّته التغييريَّة؟!
والجواب عنه - بعد الإحاطة بالمطالب المذكورة في البحث - واضح جدًّا، فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد أبقى أشخاصاً في هذا العالم أو غيره أحياءً أطول بكثير ممَّا انقضى من حياة المهدي (عجَّل الله فرجه)، وذلك لحِكَمٍ وأسرار لا نهتدي إليها، أو علمنا ببعضها، وعلى كلِّ حالٍ نؤمن بها إيماناً قطعيًّا، فليكن الأمر كذلك بالنسبة إلى المهدي؛ لأنَّا - كما أشرنا من قبل - بصفتنا مسلمين نؤمن بأنَّ الله تعالى لا يفعل عبثاً، وأيضاً نؤمن بمغيَّبات كثيرةٍ عنَّا قامت عليها البراهين المتينة من العقل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(448) الكافي (ج 8/ ص 240 و241/ ح 329).

(١٩٤)

والنقل، فلا يضرُّنا إذا لم نعلم بالحكمة في معتَقدٍ من معتقداتنا، وكذلك الحال في الأحكام الشرعيَّة والأعمال العباديَّة، فقد لا نهتدي إلى سرِّ حكمٍ من الأحكام وفلسفة قانونٍ من القوانين الإلهيَّة، لكن التعبُّد بالنصر أمر لا بدَّ منه خصوصاً بعد ثبوته بنحو اليقين.
وعليه نقول: إنْ كانت الأدلَّة التي أقمناها في الفصول السابقة على ضرورة الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه)، مع تلك المواصفات الخاصَّة، وأنَّه الحجَّة بن الحسن العسكري، وأنَّه وُلِدَ وكان إماماً بعد أبيه - وفي الخامسة من عمره الشريف -، وأنَّه حيٌّ موجود على طول عمره المبارك. فإنَّ النتيجة الحتميَّة هي القول بهذه الغيبة الطويلة، سواء علمنا - مع ذلك - بسرٍّ من أسرارها أو لم نعلم. وإنْ كان بالإمكان أنْ نتصوَّر لها بعض الأسرار بقدر أفهامنا القاصرة وعقولنا المحدودة. فأمَّا من لا يطيق من المسلمين الالتزام بالمعجزة في طول عمر الإمام والفوائد المترتِّبة على وجوده - مع كونه غائباً - وجب عليه تصحيح اعتقاده من الأصل، وفي ضوء الأدلَّة من العقل والنقل.
وعلى هذا الأساس أيضاً لا يمكننا قبول الافتراض الآخر، لأنَّ المفروض أنَّ الأدلَّة قادتنا إلى استحالة (خلوِّ الأرض من حجَّةٍ لله ولو آناً واحداً)، وبعد الإيمان بذلك - سواء علمنا بشيء من الحِكَم في ذلك، ممَّا جاء في الكُتُب العلميَّة المفصَّلة في الباب أو لم نعلم -، فلا مناص من القول بوجود الإمام منذ ولادته، وأنَّه لا مجال لفرض الافتراض الآخر أبداً.
السؤال الرابع: كيف الاستفادة من الإمام الغائب؟
وأخيراً هناك سؤال ربَّما يدور في الأذهان، وهو: إذا كان الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) كذلك، فما هي الفائدة بالنسبة للأُمَّة وهو غائبٌ مستور، متوارٍ عن الأنظار؟!

(١٩٥)

والجواب:
أنَّ الذي يُحقِّق ويُدقِّق في هذه المسألة، يجب أنْ يضع في حسابه أوَّلاً الروايات والأخبار الصحيحة التي تتحدَّث عن ظهوره الذي سيكون بصورةٍ مفاجئة وسريعة، أو على حدِّ لسان بعض الروايات (بغتة)، أي دون تحديد زمنٍ مخصوصٍ أو وقتٍ معيَّنٍ، وهذا يترتَّب عليه ترقُّب كلُّ جيلٍ من أجيال المسلمين لظهوره المبارك.
إنَّ المتأمَّل لهذه المسألة سوف لا يصعب عليه أنْ يكتشف فوائد ومزايا جمَّةً تتعلَّق بالأُمَّة المرحومة، منها:
1 - أنَّ ذلك يدعو كلَّ مؤمن إلى أنْ يكون على حالةٍ من الاستقامة على الشريعة، والتقيُّد بأوامرها ونواهيها، والابتعاد عن ظلم الآخرين، أو غصب حقوقهم، وذلك لأنَّ ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) - الذي سيكون مفاجئاً - يعني قيام دولته، وهي التي يُنتصَف فيها للمظلوم من الظالم، ويُبسَط فيها العدل ويُمحى الظلم من صفحة الوجود.
ولا يقولنَّ أحدٌ: إنَّ الشريعة ودستورها القرآن منعت الظلم والتظالم، وهذا يكفي.
فإنَّ جوابه: أنَّ الشعور والاعتقاد بوجود السلطة وبتمكُّنها وسلطنتها يُعَدُّ رادعاً قويًّا، وقد جاء في الأثر: «إِنَّ اللهَ لَيَزَعُ بِالسُّلْطَانِ مَا لَا يَزَعُ بِالْقُرآنِ»(449).
2 - أنَّ ذلك يدعو كلَّ مؤمن إلى أنْ يكون في حالةِ طوارئ مستمرَّة من حيث التهيُّؤ للانضمام إلى جيش الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، والاستعداد العالي للتضحية في سبيل فرض هيمنة الإمام الكاملة وبسط سلطته على الأرض لإقامة شرع الله تعالى. وهذا الشعور يخلق عند المؤمنين حالةً من التآزر والتعاون ورصِّ الصفوف والانسجام؛ لأنَّهم سيكونون جُنداً للإمام (عجَّل الله فرجه).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(449) سراج الملوك (ص 187).

(١٩٦)

3 - أنَّ هذه الغيبة تُحفِّز المؤمن بها للنهوض بمسؤوليَّته، وخاصَّةً في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتكون الأُمَّة بذلك متحصِّنة متحفِّزة؛ إذ لا يمكن تقيُّد أنصار الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بالانتظار فحسب، دون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استعداداً لبناء دولة الإسلام الكبرى وتهيئة قواعدها حتَّى ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
4 - أنَّ الأُمَّة التي تعيش الاعتقاد بالمهدي الحيِّ الموجود تبقى تعيش حالة الشعور بالعزَّة والكرامة، فلا تُطأطئ رأسها لأعداء الله تعالى، ولا تذلُّ لجبروتهم وطغيانهم؛ إذ هي تترقَّب وتتطلَّع لظهوره المظفَّر في كلِّ ساعة، ولذلك فهي تأنف من الذلِّ والهوان، وتستصغر قوى الاستكبار، وتستحقر كلَّ ما يملكون من عدَّةٍ وعددٍ.
إنَّ مثل هذا الشعور سيخلق دافعاً قويًّا للمقاومة والصمود والتضحية، وهذا هو الذي يُخوِّف أعداء الله وأعداء الإسلام، بل هذا هو سرُّ خوفهم ورعبهم الدائم، ولذلك حاولوا على مرِّ التاريخ أنْ يُضعِّفوا العقيدة بالمهدي، وأنْ يُسخِّروا الأقلام المأجورة للتشكيك بها، كما كان الشأن دائماً في خلق وإيجاد الفِرَق والتيَّارات الضالَّة والهدَّامة لاحتواء المسلمين، وصرفهم عن التمسُّك بعقائدهم الصحيحة، والترويج للاعتقادات الفاسدة مثلما حصل في نحلة البابيَّة، والبهائيَّة، والقاديانيَّة، والوهَّابيَّة.
هذا، ويمكن أنْ نضيف إلى هذه الثمرات والفوائد المهمَّة فوائد أُخرى يكتسبها المُعتقِد بظهور المهدي (عجَّل الله فرجه) في آخرته، ويأتي في مقدَّمتها تصحيح اعتقاده بعدل الله تعالى، ورأفته بهذه الأُمَّة التي لم يتركها الله سدى ينتهبها اليأس ويفتك بها القنوط لما تشاهده من انحراف عن الدِّين، دون أنْ يمدَّ لها حبل الرجاء بظهور الدِّين على كلِّ الأرض بقيادة المهدي (عجَّل الله فرجه).

(١٩٧)

ومنها: تحصيل الثواب والأجر على الانتظار، فقد ورد في الأثر الصحيح عن الصادق (عليه السلام): «اَلمُنْتَظِرُ لِأَمْرِنَا كَالمُتَشَحِّطِ بِدَمِهِ فِي سَبِيلِ اَلله»(450).
ومنها: الالتزام بقوله تعالى حكايةً عن وصيَّة إبراهيم (عليه السلام) لبنيه: ﴿يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (البقرة: 132)، وقد مرَّ بأنَّ من مات ولم يعرف إمام زمانه - وفي عصرنا هو المهدي (عجَّل الله فرجه) - مات ميتةً جاهليَّة.
واستناداً إلى كلِّ ما ذكرناه يظهر معنى: إنَّ الأرض لا تخلو من حجَّةٍ لله تعالى.

* * *

واخيراً، فإنَّ ممَّا تسعى إليه بُؤَر النفاق وبشكل دؤوب هو بحثها الحثيث بين صفوف المسلمين، لعلَّها تجد فيهم من تتلقَّفه وتحوطه برعايتها، وتمنحه الألقاب العلميَّة الكاذبة التي يَشْرَه إليها؛ لكي تتَّخذه مطيَّة لأغراضها وبوقاً لدعاياتها عبر المجلَّات والمؤتمرات التي تُندِّد بالإسلام وأُصوله الشامخة، ولن تجد بغيتها إلَّا فيمن انحرف عن المحجَّة البيضاء، ورمى بنفسه كالطفل في أحضان مربّية حمقاء تُسخِّره لكلِّ لعبة قذرة، كما نلحظه اليوم في تقريب سلمان رشدي ومن على شاكلته، على أمل أنْ تجد سمومهم طريقها إلى كلِّ جسد ضعيف مسلم.
ولهذا كان من الواجب الإسلامي التنبيه على هذه الوسيلة الدنيئة، وتوعية المسلمين بأهدافها وغاياتها وأخطارها، وتحصينهم بالإيمان الصحيح الذي أمر به هرم الإسلام المقدَّس: (القرآن الكريم، والسُّنَّة المطهَّرة، ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام)).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(450) كمال الدِّين (ص 645/ باب 55/ ح 6).

(١٩٨)

وتلبيةً لنداء الواجب الإسلامي، كان الحديث - في هذا الكتاب - عن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) الذي هو حديث الإسلام بنقائه وصفائه، وقد تبيَّن بالتفصيل أنّ الاعتقاد بظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في آخر الزمان إنَّما هو من مستلزمات الوثوق بصدق رسالة الإسلام الخالدة، وأنَّ التكذيب به هو تكذيب برسالة الإسلام التي أخبرت عن ظهوره!
ونحسب أنَّ في فصول هذا الكتاب - الذي اعتنى بسلاسة الأُسلوب وقوَّة الدليل - ما يُميِّزه عن غيره؛ لما فيه من تلبية وافية لحاجة المثقَّف الإسلامي بأيِّ درجةٍ كان لمعرفة حقيقة المهدي المنتظَر في الفكر الإسلامي.
والحمد لله على هدايته، والصلاة والسلام على أفضل أنبيائه ورُسُله محمّد، وعلى آله الطاهرين، وصحبه المخلصين، ومَنْ سار على نهجهم إلى يوم الدِّين.
(المحرَّم الحرام/ 1417هـ)

* * *

(١٩٩)

المصادر والمراجع

1 - القرآن الكريم.
2 - إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون: أحمد بن محمّد بن الصدِّيق/ 1347هـ/ مطبعة الترقِّي/ دمشق.
3 - الإتحاف بحُبِّ الأشراف: جمال الدِّين الشبراوي.
4 - إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: الحرُّ العاملي/ ط 1/ 1425هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
5 - إثبات الوصيَّة للإمام عليِّ بن أبي طالب: عليُّ بن الحسين بن عليٍّ الهذلي المسعودي/ ط 3/ 1426هـ/ أنصاريان/ قم.
6 - الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظَر: حمود بن عبد الله بن حمود التويجري/ ط 1/ 1403هـ/ الرئاسة العامَّة لإدارات البحوث العلميَّة والافتاء والدعوة والإرشاد/ الرياض.
7 - الاحتجاج: أحمد بن عليٍّ الطبرسي/ تعليق وملاحظات: السيِّد محمّد باقر الخرسان/ 1386هـ/ دار النعمان/ النجف الأشرف.
8 - إحياء علوم الدِّين: أبو حامد الغزالي/ دار الكتاب العربي/ بيروت.
9 - أخبار الدُّوَل وآثار الأُوَل: أبو العبَّاس أحمد بن يوسف بن أحمد الدمشقي الشهير بـ(القرماني)/ طبعة حجريَّة.
10 - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشِّي): الشيخ الطوسي/ تحقيق: السيِّد مهدي الرجائي/ 1404هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.

(٢٠١)

11 - الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة: محمّد صدِّيق خان القنَّوجي/ بعناية: بسَّام عبد الوهَّاب الجابي/ ط 1/ 1421هـ/ دار ابن حزم/ بيروت.
12 - الأربعون حديثاً في المهدي: أبو نعيم الأصبهاني/ تحقيق: عليّ جلال باقر.
13 - إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري: أحمد بن محمّد القسطلاني/ ط 7/ 1323هـ/ المطبعة الكبرى الأميريَّة/ مصر.
14 - الإرشاد: الشيخ المفيد/ تحقيق: مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام)/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
15 - إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل أهل البيت الطاهرين: الشيخ محمّد الصبَّان/ طبعة حجريَّة.
16 - أسنى المطالب في مناقب الإمام عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام): محمّد بن محمّد الدمشقي (ابن الجزري)/ نقش جهان/ طهران.
17 - الإشاعة لأشراط الساعة: محمّد بن رسول البرزجي الحسيني/ تعليق: محمّد زكريا الكاندهلوي/ قابله واعتنى به: حسين محمّد عليّ شكري/ ط 3/ 1426هـ/ دار المنهاج.
18 - أشراط الساعة: بديع الزمان سعيد النورسي/ ترجمة: إحسان قاسم الصالحي/ ط 1/ 1412هـ/ مطبعة الحوادث/ بغداد.
19 - الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد: أحمد بن الحسين البيهقي/ تحقيق وتعليق: أحمد بن إبراهيم أبو العينين/ ط 1/ 1420هـ/ دار الفضيلة/ الرياض.
20 - إعلام الورى بأعلام الهدى: الفضل بن الحسن الطبرسي/ ط 1/ 1417هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/ قم.

(٢٠٢)

21 - الأعلام: خير الدِّين الزركلي/ ط 5/ 1980م/ دار العلم للملايين/ بيروت.
22 - الأمالي الخميسيَّة: يحيى بن حسين الحسني الجرجاني/ تحقيق وتصحيح: محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل/ ط 1/ 1422هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
23 - الأمالي: الشيخ الصدوق/ ط 1/ 1417هـ/ مركز الطباعة والنشر في مؤسَّسة البعثة/ قم.
24 - الإمام الصادق (حياته وعصره - آراؤه وفقهه): محمّد أبو زهرة/ مطبعة أحمد.
25 - الإمام المهدي (عليه السلام): عليّ محمّد عليّ دخيل/ ط 2/ 1403هـ/ دار المرتضى/ بيروت.
26 - الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) عند أهل السُّنَّة: مهدي الفقيه إيماني/ 1402هـ/ ط 2/ مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)/ أصفهان.
27 - الإمامة والتبصرة: ابن بابويه/ ط 1/ 1404هـ/ مدرسة الإمام الهادي (عليه السلام)/ قم.
28 - الإمامة وقائم القيامة: مصطفى غالب/ دار ومكتبة الهلال/ بيروت.
29 - إمتاع الأسماع بما للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع: تقيُّ الدِّين أحمد بن عليّ بن عبد القادر بن محمّد المقريزي/ تحقيق وتعليق: محمّد عبد الحميد النميسي/ ط 1/ 1420هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
30 - إنباء الغمر بأبناء العمر: ابن حجر العسقلاني/ تحقيق: حسن حبشي/ 1389هـ/ المجلس الأعلى للشؤون الإسلاميَّة/ مصر.

(٢٠٣)

31 - الأئمَّة الاثنا عشر (عليهم السلام): شمس الدِّين محمّد بن طولون الصالحي/ تحقيق: الدكتور صلاح الدِّين المنجّد/ منشورات الرضي/ قم.
32 - بحار الأنوار الجامعة لدُرَر أخبار الأئمَّة الأطهار: العلَّامة المجلسي/ تحقيق: يحيى العابدي الزنجاني وعبد الرحيم الربَّاني الشيرازي/ ط 2/ 1403هـ/ مؤسَّسة الوفاء/ بيروت.
33 - البحر المحيط: أبو حيَّان الأندلسي/ تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ عليّ محمّد معوض/ ط 1/ 1422هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
34 - بحوث في القرآن الكريم: الدكتور عبد الجبَّار شرارة.
35 - البداية والنهاية: ابن كثير/ تحقيق وتدقيق وتعليق: عليّ شيري/ ط 1/ 1408هـ/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
36 - البدر الساري إلى فيض الباري (مطبوع ضمن فيض الباري على صحيح البخاري): الأُستاذ محمّد بدر عالم الميرتهي/ ط 1/ 1426هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
37 - برنارد شو: عبَّاس محمود العقَّاد/ مؤسَّسة هنداوي/ مصر.
38 - البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: المتَّقي الهندي/ تحقيق وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ 1399هـ/ مطبعة الخيَّام/ قم.
39 - بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمّد (عليهم السلام): محمّد بن الحسن ابن فرُّوخ (الصفَّار)/ تصحيح وتعليق وتقديم: الحاج ميرزا حسن كوجه باغي/ 1404هـ/ منشورات الأعلمي/ طهران.
40 - البعث والنشور: أحمد بن الحسين البيهقي/ تحقيق: عامر أحمد حيدر/ ط 1/ 1406هـ/ مركز الخدمات والأبحاث الثقافيَّة/ بيروت.

(٢٠٤)

41 - البيان في أخبار صاحب الزمان (مطبوع ضمن كفاية الطالب): محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي/ ط 2/ 1404هـ/ دار إحياء تراث أهل البيت (عليهم السلام)/ طهران.
42 - التاج الجامع للأُصول في أحاديث الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (وعليه غاية المأمول شرح التاج الجامع للأُصول): الشيخ منصور عليّ ناصف/ دار الجيل/ بيروت.
43 - تاريخ ابن الوردي: زين الدِّين ابن الوردي.
44 - تاريخ ابن خلدون: ابن خلدون/ ط 4/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
45 - تاريخ أصبهان (ذكر أخبار أصبهان): أبو نعيم الأصبهاني/ تحقيق وتصحيح: سيِّد كسروي حسن/ ط 1/ 1410هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
46 - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: الذهبي/ تحقيق: عمر عبد السلام تدمري/ ط 1/ 1407هـ/ دار الكتاب العربي.
47 - تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس: الشيخ حسين بن الحسن الرياربكري/ دار الصادر/ بيروت.
48 - تاريخ الطبري (تاريخ الأُمَم والملوك): محمّد بن جرير الطبري/ ط 4/ 1403هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
49 - التاريخ الكبير: البخاري/ المكتبة الإسلاميَّة/ دياربكر/ تركيا.
50 - تاريخ اليعقوبي: أحمد بن أبي يعقوب الكاتب العبَّاسي المعروف باليعقوبي/ دار صادر/ بيروت.
51 - تاريخ بغداد أو مدينة السلام: الخطيب البغدادي/ دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا/ ط 1/ 1417هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.

(٢٠٥)

52 - تاريخ مدينة دمشق: ابن عساكر/ تحقيق: عليّ شيري/ 1415هـ/ دار الفكر/ بيروت.
53 - تبديد الظلام وتنبيه النيام: إبراهيم سليمان الجبهان/ ط 3/ 1408هـ.
54 - التذكرة الحمدونيَّة: ابن حمدون/ تحقيق: إحسان عبَّاس وبكر عبَّاس/ ط 1/ 1996م/ دار صادر للطباعة والنشر/ بيروت.
55 - تذكرة الخواصِّ: سبط ابن الجوزي/ ط 1/ 1418هـ/ منشورات الشريف الرضي/ قم.
56 - تذكرة الموضوعات: محمّد طاهر بن عليّ الهندي الفتني.
57 - التذكرة في أحوال الموتى وأُمور الآخرة: محمّد بن أحمد القرطبي/ خرَّج أحاديثه وعلَّق عليه: الداني بن منير آل زهوي/ 1423هـ/ المكتبة العصريَّة/ بيروت.
58 - تفسير ابن جزِّي (التسهيل لعلوم التنزيل): محمّد بن أحمد، ابن جزِّي الكلبي الغرناطي/ تحقيق: عبد الله الخالدي/ شركة دار الأرقم.
59 - تفسير ابن زمنين: ابن أبي الزمنين/ تحقيق: أبو عبد الله حسين بن عكاشة ومحمّد بن مصطفى الكنز/ ط 1/ 1423هـ.
60 - تفسير ابن كثير: ابن كثير/ تقديم: يوسف المرعشلي/ 1412هـ/ دار المعرفة/ بيروت.
61 - تفسير أبي السعود (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم): أبو السعود محمّد بن محمّد العلوي/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
62 - تفسير البغوي (معالم التنزيل في تفسير القرآن): البغوي/ تحقيق: خالد عبد الرحمن العك/ دار المعرفة.

(٢٠٦)

63 - تفسير الثعلبي (الكشف والبيان عن تفسير القرآن): الثعلبي/ تحقيق: أبو محمّد بن عاشور/ مراجعة وتدقيق: نظير الساعدي/ ط 1/ 1422هـ/ دار إحياء التراث العربي.
64 - تفسير الخازن (لباب التأويل في معاني التنزيل): علاء الدِّين عليّ بن محمّد البغدادي/ تصحيح: عبد السلام محمّد عليّ شاهين/ ط 1/ 1415هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
65 - تفسير الرازي (مفاتيح الغيب): فخر الدِّين محمّد بن عمر التميمي البكري الرازي الشافعي/ ط 3.
66 - تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن): محمّد بن جرير الطبري/ تقديم: الشيخ خليل الميس/ ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطَّار/ 1415هـ/ دار الفكر/ بيروت.
67 - تفسير العيَّاشي: محمّد بن مسعود العيَّاشي/ تحقيق: السيِّد هاشم الرسولي المحلَّاتي/ المكتبة العلميَّة الإسلاميَّة/ طهران.
68 - تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن): أبو عبد الله محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي/ تصحيح: أحمد عبد العليم البردوني/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
69 - تفسير النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل): أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي.
70 - تفسير مجاهد: مجاهد بن جبر/ ت السورتي/ مجمع البحوث الإسلاميّة/ إسلام آباد.
71 - تفسير يحيى بن سلام: يحيى بن سلام التيمي البصري القيرواني/ تقديم وتحقيق: هند شلبي/ ط 1/ 1425هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.

(٢٠٧)

72 - تقريب المعارف: أبو الصلاح الحلبي/ تحقيق: فارس الحسُّون/ ط 1417هـ.
73 - التمهيد: ابن عبد البرِّ/ تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ومحمّد عبد الكبير البكري/ 1387هـ/ وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلاميَّة.
74 - تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة: عليُّ بن محمّد الكناني/ تحقيق: عليّ يوسف سليمان والسيِّد عبد الله بن الصدِّيق الغماري وعبد الوهَّاب عبد اللطيف/ ط 1/ مكتبة القاهرة.
75 - تهذيب التهذيب: ابن حجر العسقلاني/ ط 1/ 1404هـ/ دار الفكر/ بيروت.
76 - تهذيب الكمال في أسماء الرجال: جمال الدِّين أبو الحجَّاج يوسف المزِّي/ تحقيق وضبط وتعليق: بشار عواد معروف/ ط 4/ 1406هـ/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت.
77 - الثاقب في المناقب: ابن حمزة الطوسي/ تحقيق: نبيل رضا علوان/ ط 2/ 1412هـ/ مؤسَّسة أنصاريان/ قم.
78 - جامع الأُصول في أحاديث الرسول: ابن الأثير الجزري/ تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط/ ط 1/ 1389هـ/ مكتبة الحلواني ومكتبة دار البيان.
79 - الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير: جلال الدِّين السيوطي/ ط 2/ 1425هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
80 - جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية (الرسالة العدديَّة): الشيخ المفيد/ تحقيق: الشيخ مهدي نجف/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
81 - جواهر العقدين في فضل الشرفين: عليُّ بن عبد الله السمهودي/ ط 1/ 1405هـ/ مطبعة العاني/ بغداد.

(٢٠٨)

82 - جواهر المطالب في مناقب الإمام عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام): محمّد بن أحمد الدمشقي الباعوني الشافعي/ تحقيق: الشيخ محمّد باقر المحمودي/ ط 1/ 1415هـ/ مجمع إحياء الثقافة الإسلاميَّة/ قم.
83 - الحاوي للفتاوي: جلال الدِّين السيوطي/ 1424هـ/ دار الفكر/ بيروت.
84 - حديث الثقلين (تواتره، فقهه): السيِّد عليٍّ الحسيني الميلاني/ ط 4/ 1430هـ/ مركز الحقائق الإسلاميَّة.
85 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: أبو نعيم الأصفهاني/ ط 1/ دار أُمّ القرى/ القاهرة.
86 - الخرائج والجرائح: قطب الدِّين الراوندي/ بإشراف: السيِّد محمّد باقر الموحِّد الأبطحي/ ط 1/ 1409هـ/ مؤسَّسة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)/ قم.
87 - خريدة العجائب وفريدة الغرائب: سراج الدِّين عمر بن مظفَّر ابن الوردي/ تحقيق: أنور محمود زناتي/ ط 1/ 1428هـ/ مكتبة الثقافة الدِّينيَّة/ القاهرة.
88 - الخصال: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ 1362ش/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
89 - دائرة معارف القرن العشرين: محمّد فريد وجدي/دار الفكر/ بيروت.
90 - الدُّرُّ اللقيط من البحر المحيط: تاج الدِّين أبو محمّد أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم القيسي الحنفي.
91 - الدُّرُّ المنثور في التفسير بالمأثور: جلال الدِّين السيوطي/ دار المعرفة/ بيروت.

(٢٠٩)

92 - دراسات في الفكر الفلسفي الإسلامي: الدكتور حسام الدِّين الآلوسي.
93 - الدُّرَر البهيَّة في الأنساب الحيدريَّة والأويسيَّة: محمّد ويس الحيدري الأويسي الحسيني/ ط 1/ 1405هـ/ مطابع الأصيل/ حلب.
94 - دفاع عن الكافي: السيِّد ثامر هاشم حبيب العميدي/ ط 1/ 1415هـ/ مركز الغدير للدراسات الإسلاميَّة.
95 - دلائل الإمامة: محمّد بن جرير الطبري الشيعي/ ط 1/ 1413هـ/ مؤسَّسة البعثة/ قم.
96 - دلائل الصدق لنهج الحقِّ: الشيخ محمّد حسن المظفَّر/ ط 1/ 1422هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/ قم.
97 - دلائل النبوَّة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة: أحمد بن الحسين البيهقي/ وثَّق أُصوله وخرَّج حديثه وعلَّق عليه: عبد المعطي قلعجي/ ط 1/ 1405هـ/ دار الكتب العلميَّة/ بيروت.
98 - ديوان المتنبِّي: المتنبِّي/ 1403هـ/ دار بيروت/ بيروت.
99 - ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: أحمد بن عبد الله الطبري (المحبُّ الطبري)/ 1356هـ/ مكتبة القدسي لصاحبها حسام الدِّين القدسي/ القاهرة.
100 - رجال النجاشي (فهرست أسماء مصنِّفي الشيعة): أبو العبَّاس أحمد ابن عليّ بن أحمد بن العبَّاس النجاشي الأسدي الكوفي/ ط 5/ 1416هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
101 - روضة الألباب لمعرفة الأنساب: السيِّد أبو الحسن محمّد الحسيني اليماني الصنعاني.

(٢١٠)

102 - روضة الواعظين: محمّد بن الفتَّال النيسابوري/ تقديم: السيِّد محمّد مهدي السيِّد حسن الخرسان/ منشورات الشريف الرضي/ قم.
103 - سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب: أبو الفوز محمّد أمين البغدادي الشهير بـ(السويدي)/ المكتبة التجاريَّة الكبرى/ مصر.
104 - سُبُل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد: محمّد بن يوسف الصالحي الشامي/ تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ عليّ محمّد معوض/ ط 1/ 1414هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
105 - سرُّ السلسلة العلويَّة: أبو نصر البخاري/ ط 1/ 1413هـ/ انتشارات شريف الرضي.
106 - سراج الملوك: الطرطوشي/ تحقيق: نعمان صالح/ ط 1/ 1415هـ/ دار العاذريَّة/ الرياض.
107 - سُنَن ابن ماجة: أبو عبد الله محمّد بن يزيد القزويني (ابن ماجة)/ تحقيق وترقيم وتعليق: محمّد فؤاد عبد الباقي/ دار الفكر/ بيروت.
108 - سُنَن أبي داود: أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني/ تحقيق وتعليق: سعيد محمّد اللحَّام/ ط 1/ 1410هـ/ دار الفكر/ بيروت.
109 - سُنَن البيهقي: البيهقي/ دار الفكر/ بيروت.
110 - سُنَن الترمذي: أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي/ تحقيق وتصحيح: عبد الوَّهاب عبد اللطيف/ ط 2/ 1403هـ/ دار الفكر/ بيروت.
111 - السُّنَن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها: عثمان بن سعيد أبو عمرو الداني/ تحقيق: رضا الله بن محمّد إدريس المباركفوري/ ط 1/ 1416هـ/ دار العاصمة/ الرياض.

(٢١١)

112 - السيادة العربيَّة والشيعة والإسرائيليَّات في عهد بني أُميَّة: فان فلوتن/ ترجمة وتعليق: حسن إبراهيم حسن ومحمّد زكي إبراهيم/ ط 2/ مكتبة النهضة المصريَّة/ القاهرة.
113 - سِيَر أعلام النبلاء: شمس الدِّين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي/ إشراف وتخريج: شعيب الأرنؤوط/ تحقيق: حسين الأسد/ ط 9/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت.
114 - الشجرة المباركة في أنساب الطالبيَّة: فخر الدِّين الرازي.
115 - شرح المقاصد في علم الكلام: سعد الدِّين التفتازاني/ ط 1/ 1409هـ/ الشريف الرضي/ أُوفست/ قم.
116 - شرح صحيح مسلم: النووي/ 1407هـ/ دار الكتاب العربي/ بيروت.
117 - شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد المعتزلي/ تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم/ ط 1/ 1378هـ/ دار إحياء الكُتُب العربيَّة/ بيروت.
118 - صحيح ابن حبَّان بترتيب ابن بلبان: ابن حبَّان/ تحقيق: شعيب الأرنؤوط/ ط 2/ 1414هـ/ مؤسَّسة الرسالة.
119 - صحيح البخاري: محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي/ ط 2/ 1410هـ/ أوقاف مصر.
120 - صحيح مسلم: مسلم بن الحجَّاج بن مسلم القشيري النيسابوري/ دار الفكر/ بيروت.
121 - صفة الصفوة: جمال الدِّين أبو الفرج ابن الجوزي/ تحقيق: سعيد محمّد اللحَّام/ ط 3/ 1423هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
122 - الصواعق المحرقة في الردِّ على أهل البدع والزندقة: أحمد بن حجر

(٢١٢)

الهيتمي المكّي/ خرَّج أحاديثه وعلَّق حواشيه وقدَّم له: عبد الوهَّاب عبد اللطيف/ ط 2/ 1385هـ/ مكتبة القاهرة لصاحبها عليّ يوسف سليمان/ القاهرة.
123 - الضعفاء الكبير: محمّد بن عمرو العقيلي المكّي/ تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي/ ط 2/ 1418هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
124 - طبقات المحدِّثين بأصبهان والواردين عليها: أبو الشيخ الأصفهاني/ تحقيق: عبد الغفور عبد الحقِّ حسين البلوشي/ ط 2/ 1412هـ/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت.
125 - العبر في خبر من غبر: الذهبي/ تحقيق: فؤاد سيِّد/ 1961م/ الكويت.
126 - العرف الوردي في أخبار المهدي: جلال الدِّين السيوطي/ ط 1/ 1427هـ/ المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميَّة/ طهران.
127 - عقد الدُّرَر: يوسف بن يحيى المقدسي/ انتشارات نصائح.
128 - العقد الفريد: أحمد بن محمّد بن عبد ربِّه الأندلسي/ تحقيق وتصحيح: مفيد محمّد قميحة/ ط 1/ 1404هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
129 - عقيدة الشيعة: دوايت دونالدسن/ تحقيق وتصحيح: عليّ دهباشي/ ط 2/ مؤسَّسة المفيد/ بيروت.
130 - عقيدة المسيح الدجَّال في الأديان: سعيد أيُّوب/ ط 2/ 1423هـ/ دار الهادي/ بيروت.
131 - عقيدة أهل السُّنَّة والأثر في المهدي المنتظَر: الشيخ عبد المحسن بن حمد العبَّاد/ ط 1/ 1416هـ/ مكتبة السُّنَّة/ القاهرة.
132 - علل الدارقطني: الدارقطني/ تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله السلفي/ ط 1/ 1405هـ/ دار طيبة/ الرياض.

(٢١٣)

133 - عمدة الطالب في أنساب أبي طالب: أحمد بن عليٍّ الحسيني (ابن عِنَبَه)/ تصحيح: محمّد حسن آل الطالقاني/ ط 2/ 1380هـ/ منشورات المطبعة الحيدريَّة/ النجف الأشرف.
134 - عمدة القاري شرح صحيح البخاري: بدر الدِّين أبو محمّد محمود ابن أحمد العيني/ دار إحياء التراث العربي.
135 - عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار: يحيى بن الحسن الأسدي الحلِّي المعروف بـ(ابن البطريق)/ 1407هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
136 - عون المعبود شرح سُنَن أبي داود: محمّد شمس الحقِّ العظيم آبادي/ ط 2/ 1415هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
137 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام): الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي/ 1404هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
138 - غاية المرام وحجَّة الخصام: السيِّد هاشم البحراني/ تحقيق: السيِّد عليّ عاشور.
139 - الغيبة: ابن أبي زينب النعماني/ تحقيق: فارس حسُّون كريم/ ط 1/ 1422هـ/ أنوار الهدى.
140 - الغيبة: الشيخ الطوسي/ تحقيق: عبد الله الطهراني وعليّ أحمد ناصح/ ط 1/ 1411هـ/ مطبعة بهمن/ مؤسَّسة المعارف الإسلاميَّة/ قم.
141 - فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني/ ط 2/ دار المعرفة/ بيروت.
142 - الفتن: أبو عبد الله نعيم بن حمَّاد المروزي/ تحقيق وتقديم: سهيل زكار/ 1414هـ/ دار الفكر/ بيروت.

(٢١٤)

143 - الفتوحات الإسلاميَّة: أحمد زيني دحلان/ ط 1323هـ/ مصر.
144 - الفخري في أنساب الطالبيِّين: إسماعيل المروزي الأزوارقاني/ تحقيق: مهدي الرجائي/ ط 1/ 1409هـ/ مكتبة المرعشي/ قم المقدَّسة.
145 - فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين: إبراهيم بن محمّد الجويني الخراساني/ ط 1/ 1400هـ/ مؤسَّسة المحمودي/ بيروت.
146 - فرائد فوائد الفكر في الإمام المهدي المنتظَر (عجَّل الله فرجه): مرعي بن يوسف المقدسي الحنبلي/ تحقيق: سامي غريري/ ط 3/ 1427هـ/ دار الكتاب الإسلامي/ قم المقدَّسة.
147 - الفصول الفخريَّة في أُصول البريَّة: ابن عِنَبَه/ باهتمام مير جلال الدِّين الحسيني الأرموي المحدِّث.
148 - الفصول المهمَّة في معرفة الأئمَّة: عليُّ بن محمّد أحمد المالكي المكّي (ابن الصبَّاغ)/ تحقيق: سامي الغريري/ ط 1/ 1422هـ/ دار الحديث/ قم.
149 - فلسفتنا: الشهيد محمّد باقر الصدر/ ط 3/ 1425هـ/ دار الكُتُب الإسلامي.
150 - فيض الباري على صحيح البخاري: محمّد أنور شاه الكشميري الهندي الديوبندي/ تحقيق: محمّد بدر عالم الميرتهي/ ط 1/ 1426هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
151 - فيض القدير شرح الجامع الصغير: محمّد عبد الرؤوف المناوي/ تصحيح: أحمد عبد السلام/ ط 1/ 1415هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
152 - قرب الإسناد: أبو العبَّاس عبد الله بن جعفر الحميري القمِّي/ ط 1/ 1413هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/ قم.
153 - قوت القلوب في معاملة المحبوب: محمّد بن عليِّ بن عطيَّة الحارثي

(٢١٥)

المشهور بأبي طالب المكّي/ ضبطه وصحَّحه: باسل عيون السود/ ط 1/ 1417هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
154 - القول المختصر في علامات المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه): أحمد بن حجر الهيتمي المكّي/ ط 1/ 1428هـ/ دار التقوى/ دمشق.
155 - القول المسدَّد في مسند أحمد: ابن حجر العسقلاني/ ط 1/ 1404هـ/ عالم الكُتُب.
156 - الكافي: الشيخ الكليني/ تحقيق: عليّ أكبر الغفاري/ ط 5/ 1363ش/ مطبعة حيدري/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.
157 - الكامل في التاريخ: عزُّ الدِّين أبو الحسن عليُّ بن أبي الكرم محمّد ابن محمّد الشيباني (ابن الأثير)/ 1385هـ/ دار الصادر/ بيروت.
158 - الكتاب المقدَّس تحت المجهر: عودة مهاوش الأردني/ ط 1/ 1412هـ/ مؤسَّسة أنصاريان/ قم المقدَّسة.
159 - الكشَّاف عن حقائق غوامض التنزيل: جار الله الزمخشري/ 1385هـ/ شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده/ مصر.
160 - كشف الغمَّة في معرفة الأئمَّة: عليُّ بن أبي الفتح الإربلي/ ط 2/ 1405هـ/ دار الأضواء/ بيروت.
161 - كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): العلَّامة الحلِّي/ تحقيق: حسين الدرگاهي/ ط 1/ 1411هـ/ طهران.
162 - كفاية الأثر في النصِّ على الأئمَّة الاثني عشر: أبو القاسم عليُّ بن محمّد الخزَّاز القمِّي الرازي/ تحقيق: السيِّد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي/ 1401هـ/ انتشارات بيدار.
163 - كمال الدِّين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ

(٢١٦)

أكبر الغفاري/ 1405هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
164 - كنز العُمَّال في سُنَن الأقوال والأفعال: علاء الدِّين عليّ المتَّقي بن حسام الدِّين الهندي البرهان فوري (المتَّقي الهندي)/ ضبط وتفسير: الشيخ بكري حيَّاني/ تصحيح وفهرسة: الشيخ صفوة السقَّا/ 1409هـ/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت.
165 - الكنى والأسماء: محمّد بن أحمد الدولابي/ تحقيق: نظر محمّد الفاريابي/ ط 1/ 1421هـ/ دار ابن حزم/ بيروت.
166 - لسان الميزان: ابن حجر العسقلاني/ ط 2/ 1390هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
167 - اللئالئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: جلال الدِّين السيوطي/ تحقيق: صلاح بن محمّد ابن عويضة/ ط 1/ 1417هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
168 - المجدي في أنساب الطالبيِّين: عليُّ بن محمّد العلوي العمري/ تحقيق: أحمد المهدوي الدامغاني/ ط 1/ 1409هـ/ مكتبة المرعشي/ قم المقدَّسة.
169 - مجمع البيان في تفسير القرآن: أمين الإسلام أبو عليٍّ الفضل بن الحسن الطبرسي/ قدَّم له: السيِّد محسن الأمين العاملي/ ط 1/ 1415هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
170 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: عليُّ بن أبي بكر الهيثمي/ 1408هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
171 - مجموعة آثار السلمي: أبو عبد الرحمن السلمي/ ط 1/ 1369ش/ مركز نشر دانشگاهي/ طهران.

(٢١٧)

172 - المختار من مناقب الأخيار: مجد الدِّين أبو السعادات المبارك بن محمّد بن محمّد بن عبد الكريم الشيباني الجزري الموصلي (مجد الدِّين ابن الأثير)/ ط 1/ 1424هـ/ مركز زايد للتراث والتاريخ/ العين.
173 - مختصر سُنَن أبي داود: عبد العظيم بن عبد القويِّ المنذري/ تحقيق: محمّد صبحي بن حسن حلَّاق/ ط 1/ 1431هـ/ مكتبة المعارف/ الرياض.
174 - مرآة العقول في شرح أخبار الرسول: العلَّامة المجلسي/ ط 2/ 1404هـ/ قدَّم له: السيِّد مرتضى العسكري/ إخراج ومقابلة وتصحيح: السيِّد هاشم الرسولي/ دار الكُتُب الإسلاميَّة.
175 - المستدرك على الصحيحين (وبذيله التلخيص للذهبي): أبو عبد الله الحاكم النيسابوري/ إشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي/ دار المعرفة/ بيروت.
176 - المستشرقون والإسلام: عرفان عبد الحميد/ مطبعة الإرشاد/ بغداد.
177 - مسند أبي داود الطيالسي: سليمان بن داود بن الجارود الفارسي البصري الشهير بأبي داود الطيالسي/ دار المعرفة/ بيروت.
178 - مسند أبي يعلى: إسماعيل بن محمّد بن الفضل التميمي (أبو يعلى الموصلي)/ تحقيق: حسين سليم أسد/ دار المأمون للتراث.
179 - مسند أحمد: أحمد بن حنبل/ تحقيق عدَّة محقِّقين/ ط 1/ 1416هـ/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت.
180 - مشارق الأنوار في فوز أهل الاعتبار: الشيخ حسن العدوي الحمزاوي/ طبعة حجريَّة.

(٢١٨)

181 - مصابيح السُّنَّة: الحسين بن مسعود البغوي/ تحقيق: يوسف عبد الرحمن المرعشلي وآخرون/ ط 1/ 1407هـ/ دار المعرفة/ بيروت.
182 - المصنَّف: ابن أبي شيبة/ تحقيق وتعليق: سعيد اللحَّام/ ط 1/ 1409هـ/ دار الفكر/ بيروت.
183 - المصنَّف: أبو بكر عبد الرزَّاق بن همَّام الصنعاني/ عُني بتحقيق نصوصه وتخريج أحاديثه والتعليق عليه: حبيب الرحمن الأعظمي.
184 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (عليهم السلام): كمال الدِّين محمّد بن طلحة الشافعي/ تحقيق: ماجد بن أحمد العطيَّة.
185 - معالم السُّنَن (شرح سُنَن أبي داود): حمد بن محمّد البستي المعروف بـ(الخطَّابي)/ ط 1/ 1351هـ/ المطبعة العلميَّة/ حلب.
186 - معجم أحاديث الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه): الشيخ عليٌّ الكوراني/ ط 1/ 1411هـ/ مؤسَّسة المعارف الإسلاميَّة/ قم.
187 - المعجم الأوسط: سليمان بن أحمد الطبراني/ 1415هـ/ دار الحرمين.
188 - المعجم الكبير: سليمان بن أحمد الطبراني/ تحقيق وتخريج: حمدي عبد المجيد السلفي/ ط 2/ دار إحياء التراث العربي.
189 - المعيار والموازنة في فضائل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): أبو جعفر الإسكافي/ تحقيق: الشيخ محمّد باقر المحمودي/ ط 1/ 1402هـ.
190 - مقاتل الطالبيِّين: أبو الفرج الأصفهاني/ تقديم وإشراف: كاظم المظفَّر/ط 2/1385هـ/منشورات المكتبة الحيدريَّة ومطبعتها/النجف الأشرف.
191 - مقتل الحسين (عليه السلام): الموفَّق بن أحمد الخوارزمي/ تحقيق: الشيخ محمّد السماوي/ ط 2/ 1423هـ/ أنوار الهدى/ قم.

(٢١٩)

192 - الملاحم والفتن: ابن طاوس/ ط 1/ 1416هـ/ مؤسَّسة صاحب الأمر/ أصفهان.
193 - الملاحم: أحمد بن جعفر بن محمّد المعروف بـ(ابن المنادي)/ تحقيق: عبد الكريم العقيلي/ ط 1/ 1418هـ/ مطبعة أمير/ دار السيرة/ قم.
194 - المنار المنيف في الصحيح والضعيف: ابن قيِّم الجوزيَّة/ تحقيق: يحيى بن عبد الله الثمالي/ ط 4/ 1440هـ/ دار عطاءات العلم/ الرياض.
195 - مناقب عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام): عليُّ بن محمّد بن محمّد الواسطي الجُلَّابي الشافعي الشهير بـ(ابن المغازلي)/ ط 1/ 1426هـ/ مطبعة سبحان/ انتشارات سبط النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
196 - المناقب: الموفَّق بن أحمد بن محمّد المكّي الخوارزمي/ تحقيق: الشيخ مالك المحمودي/ ط 2/ 1414هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
197 - منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر (عجَّل الله فرجه): الشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني/ ط 1/ 1422هـ/ مكتب المؤلِّف/ قم.
198 - منهاج السُّنَّة النبويَّة في نقض كلام الشيعة القدريَّة: أحمد بن عبد الحليم ابن تيميَّة الحرَّاني الحنبلي الدمشقي/ تحقيق: محمّد رشاد سالم/ ط 1/ 1406هـ/ جامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلاميَّة.
199 - المهدي (عليه السلام): السيِّد صدر الدِّين الصدر/ ط 3/ 1428هـ/ بوستان كتاب/ قم.
200 - المهدي المنتظَر (عليه السلام): عبد الله بن محمّد الغماري الحسني/ ط 1/ 1427هـ/ عالم الكُتُب/ بيروت.
201 - المهدي الموعود ودفع الشُّبهات عنه: السيِّد عبد الرضا الشهرستاني.

(٢٢٠)

202 - مهدي أهل البيت: الشيخ ذبيح الله المحلَّاتي.
203 - المهدي والمهدويَّة: أحمد أمين بك/ 1951م/ دار المعارف/ مصر.
204 - المهديَّة في الإسلام منذ أقدم العصور حتَّى اليوم: سعد محمّد حسن/ ط 1/ دار الكتاب العربي/ مصر.
205 - موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبَّان: عليُّ بن أبي بكر الهيثمي/ تحقيق: حسين سليم أسد الداراني/ ط 1/ 1411هـ/ دار الثقافة العربيَّة/ دمشق.
206 - الموافقات: أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمّد اللخمي الشاطبي/ تحقيق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان/ ط 1/ دار ابن عفَّان/ السعوديَّة.
207 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال: أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي/ تحقيق: عليّ محمّد البجاوي/ ط 1/ 1382هـ/ دار المعرفة/ بيروت.
208 - نظم المتناثر من الحديث المتواتر: محمّد بن جعفر الكتَّاني/ ط 2/ دار الكُتُب السلفيَّة/ مصر.
209 - النهاية في الفتن والملاحم: ابن كثير/ تحقيق: محمّد عبد العزيز/ 1408هـ/ دار الجيل/ بيروت.
210 - النهاية في غريب الحديث والأثر: مجد الدِّين ابن الأثير/ تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمّد الطناحي/ ط 4/ 1364ش/ مؤسَّسة إسماعيليان/ قم.
211 - نهج البلاغة: خُطَب أمير المؤمنين (عليه السلام)/ ما اختاره وجمعه: الشريف الرضي/ تحقيق: الدكتور صبحي صالح/ ط 1/ 1387هـ.

(٢٢١)

212 - نور الأبصار في مناقب آل بيت النبيِّ المختار (صلّى الله عليه وآله وسلّم): مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي/ الرضي/ قم.
213 - الهداية الكبرى: الحسين بن حمدان الخصيبي/ ط 4/ 1411هـ/ مؤسَّسة البلاغ/ بيروت.
214 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: ابن خلِّكان/ تحقيق: إحسان عبَّاس/ دار الثقافة.
215 - ينابيع المودَّة لذوي القربى: سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي/ تحقيق: السيِّد عليّ جمال أشرف الحسيني/ ط 1/ 1416هـ/ دار الأُسوة.
216 - اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر: عبد الوهَّاب بن أحمد ابن عليٍّ الشعراني المصري الحنفي/ ط 1/ 1418هـ/ دار إحياء التراث العربي، مؤسَّسة التاريخ العربي/ بيروت.

* * *

(٢٢٢)