الأربعون في المهدي (عجّل الله فرجه) وقصة الجزيرة الخضراء

الأربعون في المهدي (عجّل الله فرجه) وقصة الجزيرة الخضراء

السيد جلال الموسوي (رحمه الله)
تقديم وتحقيق: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)
رقم الإصدار: 269
الطبعة الثالثة (المحققة) 1443هـ

الفهرس

مقدَّمة المركز..................3
تنبيه..................6
الإهداء..................9
المقدَّمة..................11
توجيه الخَبَر..................12
إشارة..................14
الأربعون..................16
لا مؤاخذة..................18
الآية الأُولى: ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ...﴾ ..................21
الحكاية الأُولى: السيِّد ابن طاوس (رحمه الله) ..................22
إشارة..................22
الآية الثانية: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْأَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ...﴾ ..................25
الحكاية الثانية: السيِّد محمّد مهدي بحر العلوم (رحمه الله) ..................26
إشارة..................26
الآية الثالثة: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾..................29
الحكاية الثالثة: الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري (قدّس سرّه) ..................30
إشارة..................31
الآية الرابعة: ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا...﴾ ..................33
الحكاية الرابعة: السيِّد أبو الحسن الأصفهاني (قدّس سرّه) ..................34
إشارة..................36
الآية الخامسة: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ ...﴾ ..................39
الحكاية الخامسة: [دعاء علَّمه الإمام (عجَّل الله فرجه) لشخص] ..................40
إشارة..................41
الآية السادسة: ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ ...﴾ ..................43
الحكاية السادسة: آية الله العلاَّمة الحلِّي (رحمه الله) ..................44
إشارة..................44
الآية السابعة: ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ ...﴾ ..................47
الحكاية السابعة: السيِّد محسن الجبل عاملي..................48
إشارة..................51
الآية الثامنة: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ...﴾ ..................53
الحكاية الثامنة: المقدَّس الأردبيلي (قدّس سرّه) ..................54
إشارة..................55
الآية التاسعة: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ﴾..................57
الحكاية التاسعة: مسجد جمكران..................58
إشارة..................62
الآية العاشرة: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ...﴾ ..................65
الحكاية العاشرة: السيِّد محمّد مهدي بحر العلوم (قدّس سرّه) ..................66
إشارة..................67
الآية الحادية عشرة: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾..................69
الحكاية الحادية عشرة: الحاجُّ مؤمن..................70
إشارة..................72
الآية الثانية عشرة: ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ ...﴾ ..................75
الحكاية الثانية عشرة: السيِّد ابن طاوس (رحمه الله) ..................76
إشارة..................76
الآية الثالثة عشرة: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ...﴾ ..................79
الحكاية الثالثة عشرة: السيِّد الرشتي..................80
إشارة..................84
الآية الرابعة عشرة: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ ...﴾ ..................87
الحكاية الرابعة عشرة: الشيخ الحرُّ العاملي (قدّس سرّه) ..................88
إشارة..................89
الآية الخامسة عشرة: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ...﴾ ..................91
الحكاية الخامسة عشر: الشيخ حسين آل رحيم..................92
إشارة..................96
الآية السادسة عشرة: ﴿يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ...﴾ ..................99
الحكاية السادسة عشرة: الشيخ محمّد بن عيسى..................100
إشارة..................103
الآية السابعة عشرة: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ...﴾ ..................105
الحكاية السابعة عشرة: ابن أبي الجواد النعماني..................106
إشارة..................107
الآية الثامنة عشرة: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ ...﴾ ..................109
الحكاية الثامنة عشرة: مسجد الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) ..................110
إشارة..................121
الآية التاسعة عشرة: ﴿بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾..................125
الحكاية التاسعة عشرة: عبد الغفَّار الخوئي..................126
إشارة..................129
الآية العشرون: ﴿قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً ...﴾ ..................131
الحكاية العشرون: السيِّد بحر العلوم (قدّس سرّه) ..................132
إشارة..................132
الآية الحادية والعشرون: ﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ...﴾ ..................135
الحكاية الحادية والعشرون: الشيخ عليٌّ البغدادي..................136
إشارة..................146
الآية الثانية والعشرون: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ...﴾ ..................149
الحكاية الثانية والعشرون: محمّد عليّ الجولاگر..................150
إشارة..................153
الآية الثالثة والعشرون: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ...﴾ ..................157
الحكاية الثالثة والعشرون: دعاء الفَرَجْ..................158
إشارة..................160
الآية الرابعة والعشرون: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ...﴾ ..................163
الحكاية الرابعة والعشرون: الشيخ محمّد الكوفي..................164
إشارة..................165
الآية الخامسة والعشرون: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً ...﴾ ..................167
الحكاية الخامسة والعشرون: السيِّد عبد الكريم..................168
إشارة..................169
الآية السادسة والعشرون: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ ...﴾ ..................173
الحكاية السادسة والعشرون: الشيخ محمّد جواد الأنصاري..................174
إشارة..................174
الآية السابعة والعشرون: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا...﴾ ..................177
الحكاية السابعة والعشرون: الشيخ الأعظم (قدّس سرّه) ..................178
إشارة..................179
الآية الثامنة والعشرون: ﴿وَعْدَ اللهِ لَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ ...﴾ ..................181
الحكاية الثامنة والعشرون: الحاجُّ محمّد عليّ فشندي..................182
إشارة..................187
الآية التاسعة والعشرون: ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرضِ ...﴾ ..................189
الحكاية التاسعة والعشرون: [رجل من صلحاء الشيعة] ..................190
إشارة..................191
الآية الثلاثون: ﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ ...﴾ ..................193
الحكاية الثلاثون: السيِّد محمّد مهدي بحر العلوم (قدّس سرّه) ..................194
إشارة..................195
الآية الحادية والثلاثون: ﴿سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾..................197
الحكاية الحادية والثلاثون: السيِّد عبد الكريم هاشمي نجاد..................198
إشارة..................199
الآية الثانية والثلاثون: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرضُ بِنُورِ رَبِّهَا ...﴾ ..................201
الحكاية الثانية والثلاثون: كريمة الشيخ الأراكي..................202
إشارة..................203
الآية الثالثة والثلاثون: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ...﴾ ..................205
الحكاية الثالثة والثلاثون: السيِّد الأبطحي..................206
إشارة..................211
الآية الرابعة والثلاثون: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً ...﴾ ..................213
الحكاية الرابعة والثلاثون: الشيخ عليّ فريدة الإسلام..................214
إشارة..................215
الآية الخامسة والثلاثون: ﴿وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ...﴾ ..................217
الحكاية الخامسة والثلاثون: ضربة صفِّين..................218
إشارة..................219
الآية السادسة والثلاثون: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ ...﴾ ..................221
الحكاية السادسة والثلاثون: عليُّ بن مهزيار الأهوازي..................222
إشارة..................226
الآية السابعة والثلاثون: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ ...﴾ ..................229
الحكاية السابعة والثلاثون: السيِّد حسين القاضي (قدّس سرّه) ..................230
إشارة..................230
الآية الثامنة والثلاثون: ﴿حم * عسق﴾..................233
الحكاية الثامنة والثلاثون: الميرزا الأصفهاني (قدّس سرّه) ..................234
إشارة..................235
الآية التاسعة والثلاثون: ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا ...﴾ ..................237
الحكاية التاسعة والثلاثون: الشيخ محمّد تقي البافقي..................238
إشارة..................239
الآية الأربعون: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ...﴾ ..................241
الحكاية الأربعون: السيِّد بحر العلوم (قدّس سرّه) ..................242
إشارة..................243
الملحقات..................245
الجزيرة الخضراء..................247
إشارة..................265
زيارة آل ياسين..................267
دعاء العهد..................269
المصادر والمراجع..................271

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدَّمة المركز

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على سيِّدنا محمّد وآله الطاهرين.
الاعتقاد بالمهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) من الأُمور المجمع عليها بين المسلمين، بل من الضروريَّات التي لا يشوبها شكٌّ(1).
وقد جاءت الأخبار الصحيحة المتواترة عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّ الله تعالى سيبعث في آخر الزمان رجلاً من أهل البيت (عليهم السلام) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً، وجاء أنَّ ظهوره من المحتوم الذي لا يتخلَّف، حتَّى لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم واحد لطوَّل الله (عزَّ وجلَّ) ذلك اليوم حتَّى يظهر.
وكيف وأنَّى يتخلَّف وعد الله (عزَّ وجلَّ) في إظهار دينه على الدِّين كلِّه ولو كره المشركون؟! وكيف لا يُحقِّق تعالى وعده للمستضعفين المؤمنين باستخلافهم في الأرض، وبتمكين دينهم الذي ارتضى لهم، وإبدالهم من بعد خوفهم أمناً، ليعبدوه تعالى لا يُشركون به شيئاً؟!
وقد أجمع المسلمون على أنَّ المهديَّ المنتظر (عجَّل الله فرجه) من أهل البيت (عليهم السلام)، وأنَّه من ولد فاطمة (عليها السلام). وأجمع الإماميَّة - ومعهم عدد من علماء السُّنَّة - أنَّه (عجَّل الله فرجه) من ولد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، فأثبتوا اسمه ونعته وهويَّته الكاملة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) روي عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما أُنزل على محمّد». راجع: لسان الميزان (ج 5/ ص 130/ ح 437)، وينابيع المودَّة (ج 3/ ص 295/ ح 1).

(٣)

هكذا فقد اعتقد الإماميَّة - ومعهم بعض علماء السُّنَّة - أنَّ المهدي المنتظَر (عجَّل الله فرجه) قد وُلِدَ فعلاً، وأنَّه حيٌّ يُرزَق، لكنَّه غائب مستور. وماذا تُنكِر هذه الأُمَّة أنْ يستر الله (عزَّ وجلَّ) حجَّته في وقتٍ من الأوقات؟ وماذا تُنكِر أنْ يفعل الله تعالى بحجَّته كما فعل بيوسف (عليه السلام) أنْ يسير في أسواقهم ويطأ بُسُطهم وهم لا يعرفونه، حتَّى يأذن الله (عزَّ وجلَّ) له أنْ يُعرِّفهم بنفسه كما أذن ليوسف: ﴿قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي﴾ (يوسف: 90)(2)؟
أوَلم يخلف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أُمَّته الثقلين: كتاب الله وعترته، وأخبر بأنَّهما لن يفترقا حتَّى يردا عليه الحوض؟ أوَلم يُخبِر (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنْ سيكون بعده اثنا عشر خليفة كلُّهم من قريش، وأنَّ عدد خلفائه عدد نقباء موسى(عليه السلام)؟ وإذا كان الله تعالى لم يترك جوارح الإنسان حتَّى أقام لها القلب إماماً لتردَّ عليه ما شكَّت فيه، فيقرُّ به اليقين ويبطل الشكَّ، فكيف يترك هذا الخلق كلَّهم في حيرتهم وشكِّهم واختلافهم لا يُقيم لهم إماماً يردُّون إليه شكَّهم وحيرتهم(3)؟ وحقًّا ﴿لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ (الحجّ: 46).
ولا ريب أنَّ للعقيدة الشيعيَّة في المهدي المنتظَر (عجَّل الله فرجه) - وهي عقيدة قائمة على الأدلَّة القويمة العقليَّة - رجحاناً كبيراً على عقيدة من يرى أنَّ المهدي المنتظَر (عجَّل الله فرجه) لم يُولَد بعد، يقرُّ بذلك كلُّ من ألقى السمع وهو شهيد إلى قول الصادق المصدِّق (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليَّة»(4).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) الاستدلال منتزع من الكافي (ج 1/ ص 337/ باب في الغيبة/ ح 4).
(3) راجع محاججة مؤمن الطاق مع عمرو بن عبيد في كمال الدِّين (ص 207 - 210/باب 21/ح 23).
(4) حديث مشهور تناقله علماء الطرفين في مجاميعهم الحديثيَّة بتعابير تتَّفق في مضمونها؛ اُنظر على سبيل المثال: مسند أبي داود (ص 259)،ومسند أحمد (ج 28/ ص 88 و89/ ح 16876)، ومسند أبي يعلى (ج 13/ ص 366/ ح 7375)، وصحيح ابن حبَّان (ج 10/ ص 434)، والمعجم الأوسط للطبراني (ج 6/ص 70)، ومجمع الزوائد (ج 5/ص 218 و225).

(٤)

ناهيك عن أنَّ من معطيات الاعتقاد بالإمام الحيِّ أنَّها تمنح المذهب غناءً وحيويَّةً لا تخفى على من له تأمُّل وبصيرة(5).
ولا ريب أنَّ إحساس الفرد المؤمن أنَّ إمامه معه يعاني كما يعاني، وينتظر الفرج كما ينتظر، سيمنحه ثباتاً وصلابةً مضاعفةً، ويستدعي منه الجهد الدائب في تزكية نفسه وتهيئتها ودعوتها إلى الصبر والمصابرة والمرابطة، ليكون في عداد المنتظرين الحقيقيِّين لظهور مهديِّ آل محمّد (عليهم السلام). خاصَّة وأنَّه يعلم أنَّ اليُمن بلقاء الإمام لن يتأخَّر عن شيعته لو أنَّ قلوبهم اجتمعت على الوفاء بالعهد، وأنَّه لا يحبسهم عن إمامهم إلَّا ما يتَّصل به ممَّا يكرهه ولا يُؤثِره منهم(6).
ولا يُماري أحد في فضل الإمام المستور الغائب - غيبة العنوان لا غيبة المعنون - في تثبيت شيعته وقواعده الشعبيَّة المؤمنة وحراستها، كما لا يماري في فائدة الشمس وضرورتها وإنْ سترها السحاب. كيف ولولا مراعاته ودعائه (عجَّل الله فرجه) لاصطلمها الأعداء ونزل بها اللأواء(7)، ولا يشكُّ أحد من الشيعة أنَّ إمامه أمان لأهل الأرض كما أنَّ النجوم أمان لأهل السماء(8).
وقد وردت روايات متكاثرة عن أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) تنصبُّ في مجال ربط الشيعة بإمامهم المنتظَر (عجَّل الله فرجه)، وجاء في بعضها أنَّه (عجَّل الله فرجه) يحضر الموسم فيرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه(9)، وأنَّه (عجَّل الله فرجه) يدخل عليهم ويطأ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) راجع كلام المستشرق الفرنسي الفيلسوف هنري كاربون في مناقشاته مع العلَّامة الطباطبائي (رحمه الله) في كتاب (الشمس الساطعة).
(6) راجع: الاحتجاج للطبرسي (ج 2/ص 325)، عنه بحار الأنوار (ج 53/ص 177/ح 8).
(7) راجع توقيعه (عجَّل الله فرجه) للشيخ المفيد (رحمه الله) في الاحتجاج للطبرسي (ج 2/ ص 323).
(8) قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض». راجع: علل الشرائع (ج 1/ص 123/باب 103/ ح 1)، وقريباً منه في المعجم الكبير للطبراني (ج 7/ص 22).
(9) كمال الدِّين (ص 440/ باب 43/ ح 8)، عنه بحار الأنوار (ج 52/ ص 152/ ح 4).

(٥)

بُسُطهم(10)، كما وردت روايات جمَّة في فضل الانتظار(11)، وفي فضل إكثار الدعاء بتعجيل الفرج فإنَّ فيه فرج الشيعة(12).
وقد عنى مركز الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه) بالاهتمام بكلِّ ما يرتبط بهذا الإمام الهمام، سواءً بطباعة ونشر الكُتُب المختصَّة به (عجَّل الله فرجه)، أو إقامة الندوات العلميَّة التخصُّصيَّة في الإمام (عجَّل الله فرجه) ونشرها في كُتيِّبات أو من خلال شبكة الإنترنيت، ومن جملة نشاطات هذا المركز نشر سلسلة التراث المهدويِّ، ويتضمَّن تحقيق ونشر الكُتُب المؤلَّفة في الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه)، من أجل إغناء الثقافة المهدويَّة، ورفداً للمكتبة الإسلاميَّة الشيعيَّة، نسأله (عزَّ من مسؤول) أنْ يأخذ بأيدينا، وأنْ يُبارك في جهودنا ومساعينا، وأنْ يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم، والحمد لله ربِّ العالمين.
تنبيه:
لـمَّا كانت بعض القَصص والحكايات المذكورة في الكتاب لا تنسجم مع التحليل العلمي والسندي لذا قمنا بالتعليق عليها وتركنا البعض الآخر في بقعة الإمكان، إذ إنَّ الهدف الأساس من كتابة مثل هذه الحكاياة هو إيجاد الارتباط الروحي والقلبي مع المولى صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه)، فليس من الضروري معاملة هذه الحكايات على أساس البحث السندي الدقيق المتَّبع في أروقة الحوزة العلميَّة والمناهج الدراسيَّة، إذ إنَّ المتحصَّل الإجمالي من هذه الحكايات وغيرها العشرات بل المئات هو حصول العلم الإجمالي بوقوع أمثال هذه اللقاءات في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(10) الكافي (ج 1/ ص 337/ باب في الغيبة/ ح 4).
(11) منها ما رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 287/ باب 25/ ح 6) بسنده عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «أفضل العبادة انتظار الفرج».
(12) راجع: كمال الدِّين (ص 485/ باب 45/ ح 4).

(٦)

عصر الغيبة الكبرى، وهذا ما يفيدنا في هذا الباب، وليس المهمُّ تحقيق صحَّة كلِّ قضيَّة وواقعة.

مدير المركز
السيِّد محمّد القبانچي

(٧)

الإهداء

إليك يا بن السادة المقرَّبين..
يا بن النجباء الأكرمين..
يا بن الهداة المهديِّين..
يا بن سيِّدة نساء العالمين..
أيُّها المهديُّ أُهدي هذا الجهد المتواضع قائلاً: ﴿يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾ (يوسف: 88).
بحقِّ عمِّك المحسن (عليه السلام).

المؤلِّف

(٩)

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدَّمة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله آل الله، واللعن على أعدائهم أعداء الله.
روى الشيخ الطوسي (رحمه الله) في كتاب (الغيبة)، والطبرسي (رحمه الله) في (الاحتجاج)، أنَّه خرج التوقيع إلى أبي الحسن السمري النائب الرابع للإمام الحجَّة بن الحسن (عجَّل الله فرجه)، في الغيبة الصغرى، جاء فيه:
«يَا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ اَلسَّمُرِيَّ، أَعْظَمَ اَللهُ أَجْرَ إِخْوَانِكَ فِيكَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ سِتَّةِ أَيَّامٍ، فَاجْمَعْ أَمْرَكَ وَلَا تُوصِ إِلَى أَحَدٍ فَيَقُومَ مَقَامَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ، فَقَدْ وَقَعَتِ اَلْغَيْبَةُ اَلتَّامَّةُ، فَلَا ظُهُورَ إِلَّا بَعْدَ إِذْنِ اَللهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَذَلِكَ بَعْدَ طُولِ اَلْأَمَدِ، وَقَسْوَةِ اَلْقُلُوبِ، وَاِمْتِلَاءِ اَلْأَرْضِ جَوْراً، وَسَيَأْتِي شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي اَلمُشَاهَدَةَ، أَلَا فَمَنِ اِدَّعَى اَلمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوجِ اَلسُّفْيَانِيِّ وَاَلصَّيْحَةِ فَهُوَ كَذَّابٌ مُفْتَرٍ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ اَلْعَلِيِّ اَلْعَظِيمِ»(13).
وقع هذا الخبر الشريف مثاراً للجدل والنقاش، وخصوصاً في كيفيَّة الجمع بينه وبين عشرات الحكايات التي تدلُّ على مشاهدة الجمال الأنور لمولانا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(13) الغيبة للطوسي (ص 395/ ح 365)، الاحتجاج (ج 2/ ص 297). ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 516/ باب 45/ ح 44)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في تاج المواليد (ص 68 و69)، وفي إعلام الورى (ج 2/ ص 260)، وابن حمزة (رحمه الله) في الثاقب في المناقب (ص 603/ ح 551/15)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1128 و1129/ ح 46)، والإربلي (رحمه الله) في كشف الغمَّة (ج 3/ ص 338).

(١١)

صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه) في عالم اليقظة لا النوم، خاصَّةً وأنَّ كبار علمائنا كالشيخ الأنصاري والعلَّامة بحر العلوم والسيِّد أبي الحسن الأصفهاني والمقدَّس الأردبيلي وغيرهم، كانوا من جملة من تشرَّف بلقائه (عجَّل الله فرجه).
فمن جهة لا نحتمل أدنى احتمال كذب هؤلاء المقدَّسين في دعواهم، ومن جهة أُخرى فإنَّ الحديث يُكذِّب مدَّعي المشاهدة، فكان لابدَّ من الجمع بينهما بنحو من أنحاء الجمع.
وقد تصدَّى جمع من علمائنا الأبرار للجمع بينهما، وذكروا وجوهاً عديدة لذلك، ورعايةً للاختصار نذكر وجهاً واحداً مضافاً إلى ما قيل في تضعيف هذا الخبر من جهة جهالة الراوي وهو أبو محمّد الحسن بن أحمد المكتَّب.
توجيه الخَبَر:
ذكر العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في (البحار) في خصوص هذا الخبر ما يلي:
(لعلَّه محمول على من يدَّعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه (عليه السلام) إلى الشيعة على مثال السفراء)(14).
إذن، فالمراد من المشاهدة التي يُكذَّب مدَّعيها في زمن الغيبة الثانية (الكبرى) هو المشاهدة مع ادِّعاء النيابة الخاصَّة التي انتهت بصريح الرواية بموت النائب الرابع عليِّ بن محمد السمري. وتوضيح هذا الوجه كما يلي:
النيابة أو السفارة الخاصَّة للإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) تحتاج إلى تعيين من قِبَله (عجَّل الله فرجه)، وهكذا كان بالنسبة للنائب الأوَّل وهو عثمان بن سعيد.
وحينما دنى أجل عثمان بن سعيد أخبره الإمام (عجَّل الله فرجه) بذلك وأمره بالوصيَّة إلى محمّد بن عثمان الخلَّاني ليخلفه في النيابة الخاصَّة، فأضحى الأخير النائب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(14) بحار الأنوار (ج 52/ ص 151/ ذيل الحديث 1).

(١٢)

الثاني للإمام في الغيبة الصغرى، وكان يشاهد الإمام (عجَّل الله فرجه) ويتلقَّى منه الأوامر والتعليمات وأجوبة المسائل التي كانت توجَّه إليه.
وحينما دنى أجل محمّد بن عثمان نعيت إليه نفسه من قِبَل الإمام (عجَّل الله فرجه) وأمر بالوصيَّة إلى الحسين بن روح ليكون النائب الخاصّ الثالث.
وهكذا الأمر بالنسبة إلى الحسين بن روح حيث أوصى بأمر من الإمام (عجَّل الله فرجه) إلى عليِّ بن محمّد السمري الذي صار النائب الرابع للإمام (عجَّل الله فرجه) والسفير الخاصّ في الغيبة الصغرى التي استمرَّت لسبعين عاماً تقريباً، حيث بدأت من وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) في أوائل سنة (260هـ) إلى وفاة السمري سنة (329هـ).
والنكتة المهمَّة هنا هي أنَّه في كلِّ مرَّة كان يخرج توقيع من الإمام (عجَّل الله فرجه) للنائب الفعلي يُبيِّن له النائب اللَّاحق، ولم يرد في أيٍّ من تلك التواقيع مسألة تكذيب مدَّعي المشاهدة إلَّا التوقيع الأخير الذي أدرجناه في أوَّل المقدَّمة.
ومن ثَمَّ تتَّضح لنا أهمّيَّة تضمين التوقيع الشريف فقرة تكذيب مدَّعي المشاهدة، فإنَّ ذلك إنَّما هو لسدِّ باب افتراء النيابة الخاصَّة وتضليل الشيعة وإغوائهم.
إذن، فمن أخذ هذه الفقرة بدون ملاحظة ظروف صدور التوقيع ومناسباته، فإنَّه سيقع حتماً في ذلك التوهُّم وهو تكذيب مدَّعي المشاهدة المجرَّدة عن النيابة الخاصَّة، وأمَّا لو لوحظت الفقرة منظمَّة إلى صدر الخبر مضافاً إلى تلك القرائن السياقيَّة، فإنَّه لن يشتبه الأمر على أحد في إمكان التشرُّف بخدمته من دون ادِّعاء النيابة أو السفارة الخاصَّة.
ولعلَّه، يمكن لنا من خلال التدقيق في نفس هذا الخبر أنْ نستكشف أنَّ المراد من المشاهدة هنا هو (الظهور) وانتهاء أمد الغيبة الكبرى، خصوصاً إذا علمنا أنَّ من العلامات القريبة من الظهور هو خروج السفياني والصيحة.

(١٣)

فتكذيب مدَّعي المشاهدة قبل هاتين العلامتين، يعني عدم تكذيبه بعدها، فيكون المراد من المشاهدة، المشاهدة زمن الحضور بعد الغيبة الكبرى، وهو منفيٌّ في كلِّ الحكايات التي نُقِلَت عن تشرُّفات العلماء بلقاء الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه)، فلا يدَّعي أحد منهم انتهاء الغيبة الكبرى.
والله العالم.
إشارة:
ورد في بعض الأخبار عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه شبَّه استفادة الناس من الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في غيبته باستفادتهم من الشمس إذا حجبتها الغيوم(15).
وهذا التشبيه منه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد يكون ناظراً إلى نكتة من جملة نكات أُخرى ذكرها العلماء في خصوص هذا التشبيه.
وهذه النكتة هي أنَّ للشمس غروبان: غروب أصغر وغروب أكبر، ويتحقَّق الغروب الأصغر بمجرَّد اختفاء قرصها، ولكن يبقى الناس يستفيدون من نورها حتَّى ذهاب الحمرة المغربيَّة حيث يبدأ الغروب الأكبر للشمس.
وهكذا بالنسبة إلى المهدي من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقد كان له غيبة صغرى استمرَّت زهاء السبعين سنة، وكان الناس يستفيدون من وجوده الشريف على الرغم من غياب شخصه، وذلك عن طريق سفرائه الأربعة، واستمرَّت تلك الغيبة حتَّى وفاة النائب الرابع وبدأت الغيبة الكبرى.
ثمّ إنَّ للشمس شروقان: أصغر وأكبر، ويبدأ الشروق الأصغر بالفجر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(15) روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 253/ باب 23/ ح 3) بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: ... يا رسول الله، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال (عليه السلام): «إي والذي بعثني بالنبوَّة إنَّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإنْ تجلَّلها سحاب».

(١٤)

الصادق، وشيئاً فشيئاً تضيء السماء وإنْ كان قرص الشمس بعد لم يظهر للأنظار، ويستمرُّ ذلك حتَّى ظهور القرص فيبدأ الشروق الأكبر.
وهكذا الحال بالنسبة للمهدي من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فإنَّ له ظهورٌ أكبر يسبقه ظهور أصغر كالشمس بالضبط، وظهوره الأكبر يبدأ بظهور شخصه الشريف بجسده الظاهري، ويسبق ذلك ظهور أصغر يقترن بغياب شخصه عن عامَّة الناس، إلَّا أنَّ بعض المؤمنين يتشرَّف بزيارته ولقائه والاستفادة منه.
وفي الحقيقة أنَّ هذه المرحلة برزخ بين الظهور الأكبر والغيبة الكبرى التامَّة.
ويعتقد بعض العلماء أنَّ عصرنا الحاضر هو نفس هذه المرحلة البرزخيَّة أو الظهور الأصغر.
ويمكن الاستشهاد لهذه الدعوى ببعض القرائن والمعالم:
منها: انتشار فكرة المهدويَّة على مدى واسع في الفكر الإسلامي، بل وحتَّى في الفكر غير الإسلامي بعنوان المصلح الأكبر للعالم الخاضع تحت هيمنة الظلم والجور. وهذا ما لم يكن موجوداً قبل مائتي سنة مثلاً.
ومنها: تسمية الناس أولادهم باسم: مهدي ومنتظر، وتسمية المؤسَّسات والمراكز الثقافيَّة والتعليميَّة وغيرها بمثل تلك الأسماء والعناوين، وبالنتيجة نشر هذا الاسم الشريف على مستوى واسع في العالم، وهذا الأمر لم يكن موجوداً قبل عقود من الزمن.
ومنها: ازدياد عدد الأشخاص الذين يتشرَّفون بلقائه والاستفاضة من وجوده الشريف، في أماكن متعدِّدة ومختلفة، حتَّى قيل بأنَّ أصل نشوء الإسلام في أميركا كان على يد رجل تشرَّف بلقاء المهدي (عجَّل الله فرجه).
هذه الأُمور وغيرها من القرائن تكشف عن أنَّ هذا العصر هو عصر الظهور الأصغر، الذي سيتَّصل قريباً بالظهور الأكبر إنْ شاء الله تعالى.

(١٥)

الأربعون:
كما سيتَّضح للقارئ الكريم، فإنَّنا ذكرنا في هذا الكتاب أربعين آية، وأربعين رواية، وأربعين حكاية، وأربعين إشارة، وذلك تيمُّناً بهذا الرقم فإنَّه رقم متميِّز، ولعلَّ فيه خصوصيَّات لها تأثيرها في عالم التكوين، وقد ذُكِرَت بعض الشواهد على امتياز هذا العدد أو شرفه، في بعض كُتُب علمائنا الأبرار، مضافاً إلى وروده في بعض الروايات الشريفة.
فقد ورد في النبوي المروي في كتاب (لبِّ اللباب) للقطب الراوندي: «من أخلص العبادة لله أربعين صباحاً ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه»(16).
وورد: أنَّ آدم (عليه السلام) بكى على خطيئته أربعين عاماً حتَّى غفر الله له(17).
وورد في (الكافي): «ما أخلص عبد الإيمان بالله أربعين صباحاً إلَّا زهَّده الله (عزَّ وجلَّ) في الدنيا وبصَّره داءها ودواءها فأثبت الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه»(18).
وورد: أنَّ بهلول النبَّاش التجأ إلى بعض جبال المدينة أربعين يوماً يستغفر ويتضرَّع حتَّى قُبِلَت توبته في اليوم الأربعين ونزلت فيه آية من القرآن(19).
وورد: أنَّ داود (عليه السلام) بكى على الخطيئة أربعين يوماً(20).
وورد: أنَّ النبيَّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بُعِثَ وهو ابن أربعين سنة(21).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(16) عنه بحار الأنوار (ج 53/ ص 326)، وقريباً منه في: عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 2/ ص 74/ ح 321).
(17) راجع: تفسير الطبراني (ج 1/ ص 154).
(18) الكافي (ج 2/ ص 16/ باب الإخلاص/ ح 6)، وفيه: (ما أجمل عبد ذكر الله (عزَّ وجلَّ) أربعين يوماً إلَّا زهَّده...).
(19) راجع: أمالي الصدوق (ص 97 - 100/ ح 76/3).
(20) الكشَّاف (ج 3/ ص 528)، وفيه أنَّه (عليه السلام) بكى على خطيئته أربعين سنة.
(21) شرح الأخبار (ج 1/ ص 261).

(١٦)

وورد في الذكر الحكيم أنَّ الله تعالى جعل ميقات نبيِّه موسى بن عمران (عليه السلام) أربعين يوماً(22).
وورد في النبوي أنَّ موسى ما أكل وما شرب ولا نام ولا اشتهى شيئاً من ذلك في ذهابه ومجيئه أربعين يوماً شوقاً إلى ربِّه(23).
وورد: أنَّ النبيَّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أُمِرَ أنْ يهجر خديجة أربعين يوماً قبل بعثته(24).
وورد: أنَّ من ترك أكل اللحم أربعين صباحاً ساء خُلُقه، ومن أكل اللحم أربعين صباحاً ساء خُلُقه(25).
وورد: أنَّ من أكل الزيت وادَّهن به لم يقربه الشيطان أربعين يوماً(26).
وورد في (إكمال الدِّين) للصدوق (رحمه الله)في ولادة المهدي (عجَّل الله فرجه) أنَّه (عجَّل الله فرجه) لـمَّا وُلِدَ وسجد وشهد بالتوحيد والرسالة وإمامة آبائه (عليهم السلام)، قالت حكيمة: فصاح أبو محمّد الحسن (عليه السلام) فقال: «يا عمَّة، تناوليه فهاتيه»، قالت: فتناولته وأتيت بهنحوه، فلمَّا مثلت بين يَدَي أبيه وهو على يدي سلَّم على أبيه، فتناوله الحسن (عليه السلام) منِّي والطير ترفرف على رأسه، فصاح بطير منها فقال: «احمله واحفظه وردَّه إلينا في كلِّأربعين يوماً»(27).
وورد عن كشَّاف الحقائق الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «من دعا إلى الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(22) قال تعالى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ (الأعراف: 142).
(23) بحار الأنوار (ج 53/ ص 327).
(24) المصدر السابق.
(25) بحار الأنوار (ج 53/ ص 326)، وفي إحياء علوم الدِّين (ج 8/ ص 173) عن عليٍّ (عليه السلام): «من ترك اللحم أربعين يوماً ساء خُلُقه، ومن داوم عليه أربعين يوماً قسا قلبه».
(26) المحاسن (ج 2/ ص 485/ ح 532).
(27) كمال الدِّين (ص 428/ باب 42/ ح 2).

(١٧)

[تعالى] أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا (عليه السلام)، فإنْ مات قبله أخرجه الله [تعالى] من قبره وأعطاه بكلِّ كلمة ألف حسنة ومحى عنه ألف سيِّئة، وهو: اللَّهُمَّ ربَّ النور العظيم، وربَّ الكرسي الرفيع...» إلخ(28).
وورد: أنَّ الإمام الحجَّة بن الحسن (عجَّل الله فرجه) يظهر وهو ابن أربعين سنة(29).
وهناك عشرات الموارد التي ذُكِرَ فيها هذا الرقم ولا يسع المجال لإحصائها هنا، كلُّها تدلُّ على امتياز هذا العدد.
لا مؤاخذة:
قد يُعترَض علينا بأنَّ هذا الكتاب لم يأتِ بجديد، وإنَّما نقل الموجود في بطون الكُتُب المعروفة وغير المعروفة لعامَّة الناس.
قلت: نعم، الحكايات الواردة في هذا الكتاب ليست من نسج خيالي وفكري وإنَّما هي من الكُتُب المعتبرة عندي وعند القارئ العزيز، فهذا صحيح، ولكن:
أوَّلاً: لم يرد مثل هذا الترتيب والجمع في كتاب آخر، حيث ذكرت في الكتاب أربعين آية من آيات الذكر الشريف ترتبط بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) أو بعصره وأصحابه.
ثمّ أربعين رواية عن النبيِّ وأهل بيته (عليهم السلام) في نفس الجهة.
ثمّ نقلت أربعين حكاية تشرُّف بلقاء الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) مع إشارة مختصرة عقيب كلِّ حكاية.
وهذا الترتيب لم نجده في مصنَّف آخر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(28) المزار لابن المشهدي (ص 663)، وسنورد هذا العهد الشريف في ملحقات الكتاب (ص 269).
(29) راجع: كمال الدِّين (ص 652/ باب 57/ ح 12).

(١٨)

ثانياً: أنَّ الحكايات التي أوردتها في الكتاب هي حكايات تشرُّف مشاهير علمائنا، إلَّا ما ندر كحكاية كريمة الشيخ الأراكي (قدّس سرّه) والتي نقلها نفس سماحة آية الله العظمى الشيخ محمّد عليّ الأراكي(30)، وحكاية الحاجِّ عليٍّ البغدادي(31).
وهذه ميزة يمتاز بها هذا الكتاب، حيث جمع بعض حكايات العلماء خاصَّة.
ثالثاً: أنَّ هذه الحكايات، نُقِلَت من عدَّة كُتُب قد يصل عددها إلى العشرة، وجمعها في كتاب واحد يغني القارئ العزيز عن الرجوع إلى تلك الكُتُب المتفرِّقة، والتي يصعب على عامَّة الناس اقتناؤها خصوصاً أنَّ بعضها غير معرَّب.

السيِّد جلال الموسوي
(15/ شعبان/ 1422هـ)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(30) ستأتي في (ص 202/ الحكاية 32)، فانتظر.
(31) ستأتي في (ص 136/ الحكاية 21)، فانتظر.

(١٩)

الآية الأولى: ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ (البقرة: 1 - 3)

اِبْنُ بَابوَيْه (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلدَّقَّاقُ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اَللهِ اَلْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ اَلنَّخَعِيُّ، عَنْ عَمِّهِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي اَلْقَاسِمِ، قَالَ: سَأَلْتُ اَلصَّادِقَ (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ اَللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾، فَقَالَ: «اَلمُتَّقُونَ شِيعَةُ عَلِيٍّ (عليه السلام)، وَاَلْغَيْبُ فَهُوَ اَلْحُجَّةُ اَلْغَائِبُ»، وَشَاهِدُ ذَلِكَ قَوْلُ اَللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَيَقُولُونَ لَوْ لَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ [يونس: 20](32).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(32) كمال الدِّين (ص 340 و341/ باب 33/ ح 20).

(٢١)

الحكاية الأولى: السيِّد ابن طاوس (رحمه الله)

ذُكِرَ في ملحقات كتاب (أنيس العابدين) نقلاً عن السيِّد ابن طاوس (رضي الله عنه) أنَّه قال:
سمعت سحراً في السرداب(33) عن صاحب الأمر (عجَّل الله فرجه) كان يناجي ويقول: «اللَّهُمَّ إنَّ شيعتنا خُلِقَت من شعاع أنوارنا وبقيَّة طينتنا، وقد فعلوا ذنوباً كثيرةً اتِّكالاً على حبِّنا وولايتنا، فإنْ كانت ذنوبهم بينك وبينهم فاصفح عنهم فقد رضينا، وما كان منها فيما بينهم فأصلح بينهم وقاصّ بها عن خُمُسنا، وأدخلهم الجنَّة، وزحزحهم عن النار، ولا تجمع بينهم وبين أعدائنا في سخطك»(34).
إشارة:
في هذه المناجاة والدعاء نكات مهمَّة:
الأُولى: ترتبط بخلقة شيعة أهل البيت (عليهم السلام) حيث تُصرِّح الفقرة الأُولى من المناجاة أنَّ خلقتهم متميِّزة عن خلقة سائر الناس، فهم مخلوقون من فاضل طينة أئمَّتهم الأطهار وشعاع أنوارهم المطهَّرة، وهذا الأمر كما يكون مدعاة لافتخار الشيعة بخلقهم ينبغي أنْ يكون محفِّزاً لهم على التأسِّي بأهل البيت (عليهم السلام)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(33) موضع في مدينة سامرَّاء، وهو الطابق تحت الأرضي لبيت الإمام العسكري (عليه السلام)، وكانت غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) فيه، وهو الآن مجاور الروضة العسكريَّة (على مشرِّفها السلام).
(34) جنَّة المأوى (ص 138/ الحكاية 55)، النجم الثاقب (ج 2/ ص 120/ الحكاية 19).

(٢٢)

والتخلُّق بأخلاقهم الفاضلة وتطبيق الشريعة الإسلاميَّة كما كان أهل البيت (عليهم السلام) يفعلون.
الثانية: أنَّ بعض الشيعة قد يتَّكل على حبِّه وولائه لأهل البيت (عليهم السلام) فتنزلُّ قدمه عند المغريات فينخدع بزينة الدنيا وزخارفها، وهذا وإنْ كان مكروهاً للأئمَّة (عليهم السلام) إلَّا أنَّهم (عليهم السلام) لبعث الأمل في نفوس شيعتهم ورحمة منهم بهم يتوسَّلون إلى الله للتشفُّع لهم عنده ولزحزحتهم عن النار وإدخالهم الجنَّة بعيداً عن أعداء الله الكائنين في سخطه، فإنَّه لا توجد مسانخة بين أنوار أهل البيت (عليهم السلام) وطينتهم وبين النار، وكذا شيعتهم.
وبطبيعة الحال فإنَّ هذا لا يعني أنَّ هناك تشجيعاً على التفريط بالخوف، ولكنَّه من باب الموازنة بين الخوف والرجاء كما أُمرنا به في الذكر الحكيم والروايات الشريفة(35).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(35) قال تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (الزمر: 9).
روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 2/ ص 71/ باب الخوف والرجاء/ ح 13) بسنده عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «كان أبي (عليه السلام) يقول: إنَّه ليس من عبد مؤمن إلَّا [و]في قلبه نوران: نور خيفة ونور رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا لم يزد على هذا».

(٢٣)

الآية الثانية: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْأَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ (فُصِّلت: 53)

مُحَمَّدُ بْنُ اَلْعَبَّاسِ (رحمه الله): حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ اَلْأَنْبَارِيِّ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام) فِي قَوْلِهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾، قَالَ: «﴿فِي الْآفَاقِ﴾ اِنْتِقَاصُ اَلْأَطْرَافِ عَلَيْهِمْ، ﴿وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾ بِالمَسْخِ ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ أَيْ أَنَّهُ اَلْقَائِمُ (عليه السلام)»(36).
وروى الحافظ القندوزي بإسناده عن أبي بصير، قال: سُئِلَ الباقر (عليه السلام) عن هذه الآية: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾، قال: «يرون قدرة الله في الآفاق، وفي أنفسهم الغرائب والعجائب، حتَّى يتبيَّن لهم أنَّ خروج القائم (عليه السلام) هو الحقُّ من الله (عزَّ وجلَّ) يراه الخلق لا بدَّ منه»(37).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(36) تأويل الآيات الظاهرة (ج 2/ ص 541/ ح 17).
(37) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 248/ ح 41).

(٢٥)

الحكاية الثانية: السيِّد محمّد مهدي بحر العلوم (رحمه الله)

نقل جناب المولى السلماسي (طاب ثراه)، قال: صلَّينا مع جنابه (السيِّد بحر العلوم) في داخل حرم العسكريَّين (عليهما السلام)، فلمَّا أراد النهوض من التشهُّد إلى الركعة الثالثة عرضته حالة فوقف هنيئة ثمّ قام.
ولـمَّا فرغنا تعجَّبنا كلُّنا، ولم نفهم ما كان وجهه، ولم يتجرَّأ أحدٌ منَّا على السؤال عنه إلى أنْ أتينا المنزل...، فأشار إليَّ بعض السادة من أصحابنا أنْ أسأله عنه، فقلت: لا، وأنت أقرب منَّا. فالتفت السيِّد (رحمه الله) إليَّ وقال: فيمَ تقاولون؟
قلت - وكنت أجسر الناس عليه -: إنَّهم يريدون الكشف عمَّا عرض لكم في حال الصلاة.
فقال: إنَّ الحجَّة (عجَّل الله فرجه) دخل الروضة للسلام على أبيه (عليه السلام)، فعرضني ما رأيتم من مشاهدة جماله الأنور إلى أنْ خرج منها(38).
إشارة:
السيِّد محمّد مهدي الطباطبائي (بحر العلوم) من علماء الشيعة الفطاحل، تشرَّف مراراً بخدمة وليِّ الله الأعظم الإمام الحجَّة بن الحسن العسكري المهدي (عجَّل الله فرجه)، وقد نقل المحدِّث القمِّي (رحمه الله) في كتاب رجاله ثمان حكايات ترتبط بكرامات هذه العالم الجليل وتشرُّفاته بخدمة ناموس العصر (عجَّل الله فرجه)، ورد في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(38) جنَّة المأوى (ص 62/ الحكاية 11)، النجم الثاقب (ج 2/ ص 287/ الحكاية 75).

(٢٦)

إحداها أنَّ الإمام (عجَّل الله فرجه) ولفرط حبِّه ولطفه وكرمه بالسيِّد، احتضنه وضمَّه إلى صدره الشريف.
فهنيئاً له، وقدَّس الله نفسه، ونوَّر رمسه.

* * *

(٢٧)

الآية الثالثة: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾ (إبراهيم: 5)

اَلصَّدُوقُ (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى اَلْعَطَّارُ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ اَلْمِيثَمِيِّ، عَنْ مُثَنًّى اَلْحَنَّاطِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «أَيَّامُ اَللهِ (عزَّ وجلَّ) ثَلَاثَةٌ: يَوْمَ يَقُومُ اَلْقَائِمُ، وَيَوْمَ اَلْكَرَّةِ، وَيَوْمَ اَلْقِيَامَةِ»(39).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(39) الخصال (ص 108/ ح 75)، ورواه (رحمه الله) بسند آخر في معاني الأخبار (ص 365 و366/ باب معنى أيَّام الله (عزَّ وجلَّ)/ ح 1).

(٢٩)

الحكاية الثالثة: الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري (قدّس سرّه)

نقل السيِّد حسن الأبطحي في كتابه (الكمالات الروحيَّة) الجزء الثاني أنَّ أحد تلامذة الشيخ الأنصاري قال: خرجت ذات ليلة من منزلي في مدينة كربلاء المقدَّسة بعد منتصف الليل، وكان الظلام دامساً والأزقَّة مملوءة بالوحل على أثر هطول المطر، وكنت أحمل معي سراجاً.
وبينما أنا سائر في الطريق، رأيت من بعيد شخصاً يقترب، فدقَّقت النظر فعرفت أنَّه الأُستاذ الشيخ الأنصاري (قدّس سرّه)، وبرؤيته في ذلك الظلام تساءلت مع نفسي: ترى إلى أين يذهب الأُستاذ في هذا الليل المظلم وفي هذه الأزقَّة الموحلة مع ما به من ضعف في البصر؟
وتخوُّفاً عليه من أنْ يكون قد كمن له أحد في الطريق مشيت خلفه دون أنْ يشعر.
وسار الشيخ حتَّى وصل إلى باب دار ووقف عندها وأخذ يقرأ الزيارة الجامعة بخشوع.
وبعد أنْ أتمَّ قراءة الزيارة فُتِحَتْ له الباب ودخل إلى داخل الدار، فلم أعُدْ أرى شخصه ولكنِّي سمعته يتحدَّث مع شخص في داخل الدار.
بعد ساعة تشرَّفت بزيارة الحرم المطهَّر ورأيت الشيخ هناك.
وفي ما بعد وعندما زرت سماحته سألته عن قصَّته تلك الليلة، وبعد إصرار كثير أجابني قائلاً:

(٣٠)

أحياناً أحصل على إذن للتشرُّف بخدمة إمام العصر (عجَّل الله فرجه) ولقائه، فأذهب وأقف إلى جنب تلك الدار وأزوره بالزيارة الجامعة، فإنْ صدر إذن ثانٍ تشرَّفت بزيارته في تلك الدار وسألته عن بعض المطالب وأستمدُّ منه العون وأعود.
ثمّ إنَّ الشيخ (قدّس سرّه) أخذ منِّي عهداً على عدم إفشاء هذا الأمر ما دام هو على قيد الحياة(40).
إشارة:
يُستفاد من هذه القضيَّة أُمور:
منها: مقام الشيخ الأنصاري (قدّس سرّه)، فهو مضافاً إلى كونه من كبار علماء الطائفة حتَّى صارت مصنَّفاته متوناً تدور حولها أبحاث الخارج فقهاً وأُصولاً، مضافاً إلى ذلك نجده قد وصل إلى درجة عالية من التقوى والورع والزهد حتَّى حظى بإذن وليِّ الله الأعظم (عجَّل الله فرجه) لزيارته والتشرُّف بخدمته والاستفادة من علومه، ولعمري إنَّه لمقام شامخ.
ومنها: اعتبار الزيارة الجامعة من جهة أنَّه (قدّس سرّه) لم يستأذن للدخول إلى ساحة الإمام الشريفة إلَّا بهذه الزيارة العالية سنداً ومتناً رغم وجود من يحاول التشكيك فيها لعدم توفيقه لدرك معانيها السامية واللطيفة.
ومنها: أنْ للإمام (عجَّل الله فرجه) بيتاً في كربلا، ولا يُستبعَد أنْ يكون له بيتاً أيضاً في النجف والكاظمين وسامرَّاء والمدينة المنوَّرة ومكَّة المكرَّمة، بل وفي غيرها من البلاد، ولكن هذه البيوت لا يهتدي إليها إلَّا من حظى بتوفيق إلهي للتشرُّف بخدمته (عجَّل الله فرجه)، وإلَّا فإنَّه لن يهتدي إلى ذلك المكان مهما حاول وبحث عنه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(40) اللقاء مع صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) (ص 104 و105/ الحكاية 42).

(٣١)

نسأل الله سبحانه وتعالى أنْ يُوفِّقنا لطاعته واجتناب معصيته، ويُؤهِّلنا للوصول إلى مقام خدَّام خدَّام مولانا ومولى الكونين أبي القاسم الحجَّة بن الحسن العسكري (عجَّل الله فرجه)، آمين.

* * *

(٣٢)

الآية الرابعة: ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (الأعراف: 187)

روى الحافظ سليمان القندوزي في قوله تعالى: ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾.
قال: روى المفضَّل بن عمر، عن الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «ساعة قيام القائم (عليه السلام)»(41).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(41) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 250 و251/ ح 48)، هذا ولكنَّه رواه عند قوله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ (محمّد: 18).

(٣٣)

الحكاية الرابعة: السيِّد أبو الحسن الأصفهاني (قدّس سرّه)(42)

كان أحد علماء بلاد اليمن ويُلقَّب بـ (بحر العلوم) وهو زيدي المذهب يُنكِر الوجود المقدَّس لمولانا صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه).
وكان هذا العالم قد كتب رسائل كثيرة إلى علماء الشيعة في زمانه طالباً منهم الأدلَّة المقنعة على إثبات وجوده الشريف، ولكنَّه لم يقتنع بأجوبتهم وأدلَّتهم.
فكتب أخيراً رسالة مفصَّلة إلى سماحة الحجَّة آية الله السيِّد أبي الحسن الأصفهاني (قدّس سرّه) والذي كان في النجف الأشرف، طالباً منه الأدلَّة القاطعة على إثبات وجود الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه).
أجابه السيِّد أبو الحسن الأصفهاني برسالة جاء فيها: أقدم إلى النجف الأشرف وسأُجيبك شفاهةً عن مسألتك.
ولـمَّا كان هذا العالم الزيدي طالباً للحقيقة في واقع الأمر، لذا شدَّ الرحال مع ولده سيِّد إبراهيم وجمع من مريديه إلى النجف الأشرف.
وعندما وصل إلى النجف التقى السيِّد الأصفهاني وقال له: لقد جئت إلى النجف كما دعوتني، وآمل أنْ تجيبني كما وعدتني.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(42) السيِّد أبو الحسن الأصفهاني من كبار مراجع التشيُّع، نُقِلَت عنه كرامات كثيرة حتَّى صار مضرب مثل للتقوى والصلاح والورع.

(٣٤)

قال له السيِّد: نعم، تعالَ غداً مساءً إلى منزلي وسأُجيبك عن سؤالك.
وفي مساء اليوم الثاني جاء بحر العلوم اليماني مع ولده إلى منزل السيِّد الأصفهاني، وبعد تناول طعام العشاء والبحث في بعض المطالب العلميَّة حول وجود المولى صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه) انصرف بقيَّة الضيوف وبقى بحر العلوم وولده عند السيِّد مع بعض الخواصِّ.
وبعد انتصاف الليل قال المرحوم السيِّد الأصفهاني لخادمه (مشهدي حسين): احمل السراج وتعالَ معنا.
وقال للسيِّد بحر العلوم وولده: هيَّا بنا نذهب لترون بأنفسكما صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه).
يقول السيِّد ميرجهاني: كنَّا حضوراً هناك، فأردنا أنْ نذهب معهم فلم يقبل السيِّد الأصفهاني وقال: ليأتِ بحر العلوم وولده فقط.
فذهبوا ولم نعرف إلى أين يذهبون، ولكن في اليوم الثاني وعندما التقينا ببحر العلوم وولده سألناه عمَّا جرى في الليلة السابقة فقال:
بحمد الله لقد تشرَّفنا باعتناق مذهبكم، ونحن الآن نعتقد بوجود وليِّ العصر والزمان (عجَّل الله فرجه).
قلت: وكيف ذاك؟
قال: لقد أرانا السيِّد الأصفهاني الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه).
فسألته: وكيف أراكم بقيَّة الله (عجَّل الله فرجه)؟
قال: عندما خرجنا من المنزل لم نكن ندري إلى أين يذهب بنا السيِّد، حتَّى وصلنا إلى وادي السلام، وفي وسط الوادي محلٌّ يقال له: (مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)، عندما وصلنا إلى المقام أخذ السيِّد الأصفهاني السراج من مشهدي حسين وأخذني معه إلى داخل المقام، وهناك جدَّد وضوءه وصلَّى أربع ركعات في

(٣٥)

المقام وتلفَّظ ببعض الكلمات التي لم أفهمها في حين كان ابني يضحك على أفعاله تلك، وفجأةً أضاء الفضاء.
وهناك يقول إبراهيم ابن بحر العلوم: في هذه الأثناء كنت خارج المقام، وكان أبي والسيِّد أبو الحسن الأصفهاني داخل المقام، وبعد عدَّة دقائق سمعت صوت أبي الذي كان يصيح بصوت عالٍ ثمّ أُغمي عليه.
اقتربت منه فرأيت السيِّد الأصفهاني يُمرِّغ له كتفيه حتَّى أفاق.
وعندما رجعنا من هناك قال ليأبي: لقد رأيت حضرة بقيَّة الله ووليِّ العصر (عجَّل الله فرجه)، وقد شرَّفني باعتناق المذهب الشيعي الاثني عشري، ولم يقل أبي أكثر من ذلك.
بعد عدَّة أيَّام رجع بحر العلوم وولده ومن معهم إلى اليمن، وصار سبباً في تشيُّع أربعة آلاف يماني زيدي واعتقادهم بالمذهب الاثني عشري(43).
إشارة:
لا يخفى أنَّ الأُسلوب الذي اتَّبعه السيِّد أبو الحسن الأصفهاني مع بحر العلوم اليمني لإثبات وجود الحجَّة (عجَّل الله فرجه) هو من أفضل أساليب الإقناع، ولكن ليس هو الأُسلوب الوحيد، بل هناك أساليب كثيرة يمكن اعتمادها في هذا المجال، ولعلَّ السيِّد الأصفهاني كان قاطعاً بأنَّ تلك الأساليب لا تنفع مع هذا الرجل، ولأنَّ هناك فائدة كبيرة في إقناعه بوجود الحجَّة (عجَّل الله فرجه) كتشيُّع آلاف الناس بتشيُّعه اضطرَّ السيِّد لاستعمال هذا الأُسلوب، ولا شكَّ في أنَّه إنَّما تمَّ بإجازة الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) وإلَّا فإنَّ الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) ليس روحاً يمكن إحضارها وتسخيرها متى ما شاء الآخرون - نعوذ بالله من مثل هذه التصوُّرات -، بل لا يمكن لأحد أنْ يراه ويتعرَّف عليه إلَّا بإرادة الله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(43) اللقاء مع صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) (ص 128 - 131/ الحكاية 54).

(٣٦)

فكلُّ ما جرى إذن إنَّما جرى لحكمة ومصلحة إلهيَّة، وقد لا تتوفَّر هذه المصلحة في الموارد الأُخرى.
اللَّهُمَّ أحينا حياة محمّد وآل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأمتنا مماتهم، وتوفَّنا على ملَّتهم، إنَّك سميع الدعاء.

* * *

(٣٧)

الآية الخامسة: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: 105)

روى الحافظ القندوزي في (ينابيع المودَّة) بإسناده عن الإمام الباقر والإمام الصادق (عليهما السلام) في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ أنَّه (عليه السلام) قال: «هم القائم وأصحابه»(44).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(44) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 243/ ح 28).

(٣٩)

الحكاية الخامسة: [دعاء علَّمه الإمام (عجَّل الله فرجه) لشخص]

ذكر الشيخ الجليل أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي صاحب (تفسير مجمع البيان) في كتابه (كنوز النجاح)، قال:
دعاءٌ علَّمه صاحب الزمان (عليه سلام الله المَلِك المنَّان) أبا الحسن محمّد ابن أحمد بن أبي الليث (رحمه الله تعالى) في بلدة بغداد في مقابر قريش.
وكان أبو الحسن هذا قد هرب إلى مقابر قريش والتجأ إليها خوفاً من القتل، فنُجِّي منه ببركه هذا الدعاء.
قال أبو الحسن المذكور: إنَّه علَّمني أنْ أقول:
«اَللَّهُمَّ عَظُمَ اَلْبَلَاءُ، وَبَرِحَ اَلْخَفَاءُ، وَاِنْقَطَعَ اَلرَّجَاءُ، وَاِنْكَشَفَ اَلْغِطَاءُ، وَضَاقَتِ اَلْأَرْضُ وَمُنِعَتِ اَلسَّمَاءُ، وَإِلَيْكَ يَا رَبِّ اَلمُشْتَكَى، وَعَلَيْكَ اَلمُعَوَّلُ فِي اَلشِّدَّةِ وَاَلرَّخَاءِ. اَللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أُولِي اَلْأَمْرِ اَلَّذِينَ فَرَضْتَ عَلَيْنَا طَاعَتَهُمْ، فَعَرَّفْتَنَا بِذَلِكَ مَنْزِلَتَهُمْ، فَفَرِّجْ عَنَّا بِحَقِّهِمْ فَرَجاً عَاجِلاً كَلَمْحِ اَلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ. يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ، اِكْفِيَانِي فَإِنَّكُمَا كَافِيَايَ، وَاُنْصُرَانِي فَإِنَّكُمَا نَاصِرَايَ، يَا مَوْلَايَ يَا صَاحِبَ اَلزَّمَانِ، اَلْغَوْثَ اَلْغَوْثَ اَلْغَوْثَ، أَدْرِكْنِي أَدْرِكْنِي أَدْرِكْنِي».
قال الراوي: إنَّه (عجَّل الله فرجه) عند قوله: (يا صاحب الزمان) كان يشير إلى صدره الشريف(45).

(٤٠)

إشارة:
هذه الحكاية وإنْ لم يرد فيها تفاصيل اللقاء والتشرُّف إلَّا أنَّ نقل الطبرسي لها وذكر هذا الدعاء يدلُّ على قبوله لها.
والمستفاد من هذه الحكاية أنَّ الإمام (عجَّل الله فرجه) يتلطَّف على شيعته ومواليه عندما تضيق بهم الأُمور.
وهذا المعنى يُستفاد من كثير من الحكايات، كما أنَّه هو المستفاد من ألقابه وكناه (عجَّل الله فرجه) حيث يُلقَّب بـ (الغوث).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(45) جنَّة المأوى (ص 106 و107/ الحكاية 40).

(٤١)

الآية السادسة: ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ (هود: 8)

روى الحافظ القندوزي (الحنفي) بإسناده إلى الإمام محمّد الباقر والإمام جعفر الصادق (عليهما السلام) في قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أنَّهما قالا: «الأُمَّة المعدودة هم أصحاب المهدي (عجَّل الله فرجه) في آخر الزمان ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً كعدَّة أهل بدر، يجتمعون في ساعة واحدة كما يجتمع قزع الخريف»(46).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(46) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 241/ ح 20).

(٤٣)

الحكاية السادسة: آية الله العلاَّمة الحلِّي (رحمه الله)

نقل السيِّد الشهيد القاضي نور الله الشوشتري (قدّس سرّه) في (مجالس المؤمنين) أنَّه اشتهر عند أهل الإيمان أنَّ بعض علماء أهل السُّنَّة ممَّن تتلمذ عليه العلَّامة في بعض الفنون ألَّف كتاباً في ردِّ الإماميَّة ويقرأه للناس في مجالسه ويُضلِّهم، وكان لا يُعطيه أحداً خوفاً من أنْ يردَّه أحد من الإماميَّة.
فاحتال العلَّامة (رحمه الله) في تحصيل هذا الكتاب إلى أنْ جعل تتلمذه عليه وسيلة لأخذه الكتاب منه عارية، فالتجأ الرجل واستحيى من ردِّه، وقال: إنِّي آليت على نفسي أنْ لا أُعطيه أحداً أزيد من ليلة واحدة، فاغتنم الفرصة في هذا المقدار من الزمان.
فأخذه منه العلَّامة وأتى به إلى بيته لينقل منه ما تيسَّر منه للردِّ عليه.
فلمَّا اشتغل بكتابته وانتصف الليل غلبه النوم، فحضر الحجَّة (عجَّل الله فرجه) وقال: «ولِّني الكتاب وخُذْ في نومك».
فانتبه العلَّامة وقد تمَّ الكتاب بإعجازه (عجَّل الله فرجه)(47).
وفي بعض المؤلَّفات أنَّه كتب في آخر الكتاب: (كتبه الحجَّة).
إشارة:
من هذه الحكاية يُستفاد أُمور:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(47) جنَّة المأوى (ص 80/ الحكاية 22).

(٤٤)

الأوَّل: عناد المخالفين وإصرارهم على الكيل والنيل من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) على الرغم من كلِّ ما ورد في كُتُبهم في أحقّيَّة مذهب أهل البيت (عليهم السلام).
فهؤلاء ولتعصُّبهم الأعمى على مرِّ الأزمنة وليوم الناس هذا يحاولون إطفاء نور الله بأفواههم وأقلامهم، حتَّى إنَّ هذا المعاند الوارد ذكره في القصَّة سطَّر بزعمه ألفي دليل على إبطال الحقِّ! فردَّه العلَّامة (رحمه الله) بألفي دليل لإثبات مذهب الحقِّ، وسمَّى الكتاب بـ (الألفين).
الثاني: جِدُّ أتباع المذهب كالعلَّامة وغيره وتحمُّلهم العناء من أجل نصرة المذهب والحقِّ حتَّى اضطرَّ العلَّامة أنْ يحتال ويتتلمذ عند هذا الشخص الذي لا يليق لأنْ يكون تلميذاً عند العلَّامة، كلُّ ذلك من أجل الدفاع عمَّن أُمرنا بمودَّتهم ومتابعتهم في القرآن الكريم، والذين جعلهم النبيُّ الأكرم محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عِدلْ القرآن.
الثالث: لطف الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) بهؤلاء العلماء وبالشيعة والطائفة الحقَّة والفرقة المحقَّة، ولا شكَّ في ذلك، وهو مظهر الرحمة الإلهيَّة، واللطف الربَّاني حيث رأيت كيف أنَّه (عجَّل الله فرجه) تدخَّل بنفسه الشريف لنصرة أتباع مذهب أجداده الطاهرين (عليهم السلام).

* * *

(٤٥)

الآية السابعة: ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ (الرحمن: 41 و42)

روى محمّد بن الحسن الصفَّار عن إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ اَلدَّيْلَمِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ اَلدُّهْنِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام) فِي قَوْلِ اَللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ﴾، فَقَالَ: «يَا مُعَاوِيَةُ، مَا يَقُولُونَ فِي هَذَا؟»، قَالَ: قُلْتُ: يَزْعُمُونَ أَنَّ اَللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَعْرِفُ اَلمُجْرِمِينَ بِسِيمَاهُمْ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ فَيَأْمُرُ بِهِمْ فَيُؤْخَذُ بِنَوَاصِيهِمْ وَأَقْدَامِهِمْ وَيُلْقَوْنَ فِي اَلنَّارِ، قَالَ: فَقَالَ لِي: «وَكَيْفَ يَحْتَاجُ اَلْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى مَعْرِفَةِ خَلْقٍ أَنْشَأَهُمْ وَهُوَ خَلَقَهُمْ؟»، قَالَ: فَقُلْتُ: فَمَا ذَاكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟ قَالَ: «ذَلِكَ لَوْ قَدْ قَامَ قَائِمُنَا أَعْطَاهُ اَللهُ اَلسِّيمَا فَيَأْمُرُ بِالْكَافِرِ فَيُؤخَذُ بِنَوَاصِيهِمْ وَأَقْدَامِهِمْ، ثُمَّ يَخْبِطُ بِالسَّيْفِ خَبْطاً»(48).
وقرأ أبو عبد الله (عليه السلام): «هذه جهنَّم التي كنتما بها تكذبان تصليانها ولا تموتان ولا تحييان»(49).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(48) بصائر الدرجات (ص 376/ ج 7/ باب 17/ ح 8).
(49) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 345).

(٤٧)

الحكاية السابعة: السيِّد محسن الجبل عاملي

نقل صاحب كتاب (آثار الحجَّة (عجَّل الله فرجه))، قال: قال جناب الحاجُّ ميرزا عليّ الحيدري: سمعت هذه القضية من حجَّة الإسلام والمسلمين الشيخ إسحاق الرشتي ابن المرحوم آية الله الشيخ حبيب الله الرشتي.
وفي سفري إلى الشام لزيارة مرقد العقيلة زينب بنت أمير المؤمنين (عليها السلام)، التقيتُ بجناب المرحوم آية الله الحاجِّ السيِّد محسن الجبل عاملي، وسمعت قصَّته من لسانه، قال:
تشرَّفت بزيارة بيت الله الحرام أيَّام حكومة الشريف عليٍّ على أرض الحجاز، وكنت سلفاً قد عرفت أنِّي سأتشرَّف بخدمة حضرة بقيَّة الله الأعظم (عجَّل الله فرجه) في موسم الحجِّ.
ولذا عندما كنت أُؤدي مناسك الحجِّ كنت دائم الفكر في المولى (عجَّل الله فرجه)، ولكن لم أُوفَّق لشرف لقائه في ذلك الموسم.
فكَّرت في الرجوع إلى وطني، فوجدت أنَّ الطريق بين مكَّة ولبنان طويل جدًّا، ففضَّلت البقاء في مكَّة المكرَّمة برجاء إدراك توفيق زيارته (عجَّل الله فرجه) في السنة القابلة.
ولكنِّي لم أُوفَّق لذلك في السنة الثانية ولا الثالثة والرابعة وحتَّى الخامسة أو حتَّى السابعة (والترديد بين الخامسة والسابعة من جناب الحاجِّ ميرزا عليٍّ الحيدري).

(٤٨)

وفي هذا البين تعرَّفت على حاكم مكَّة (الشريف عليٍّ) وكنت أتردَّد عليه أحياناً.
والشريف عليٌّ من سادات وشرفاء مكَّة المكرَّمة، وكان زيدي المذهب (يعتقد بإمامة زيد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، فهو متوقِّف عند الإمام الرابع).
وفي السنة الأخيرة، وبعد أداء مناسك الحجِّ، وبعدما وجدت أنِّي لم أُوفَّق في هذه السنة أيضاً لشرف لقاء وليِّ العصر والزمان (عجَّل الله فرجه) تألَّمت واضطربت فخرجت من مكَّة إلى أحد الجبال المحيطة بها.
ولـمَّا وصلت إلى أعلى الجبل شاهدت واحةً خضراء جميلة مزروعة بالثَّيل لم أرَها قبل ذلك الوقت، فَلِمْتُ نفسي على عدم المجيء إلى هذا المكان طيلة تلك السنوات التي قضيتها في مكَّة!
وعندما وصلت إلى تلك الواحة الخضراء شاهدت خيمة قد أُقيمت في وسط تلك الحديقة الغنَّاء، وقد جلس جمعٌ من الرجال في تلك الخيمة يتوسَّطهم رجل تبدو عليه آثار الجلالة والهيبة والعلم، كأنَّه يُلقي عليهم الدرس، وقد سمعته يقول:
«إنَّ أولاد وذراري جدَّتنا حضرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) يُلَقَنون الإيمان والولاية ساعة الاحتضار، ولا يخرج أحدهم من الدنيا إلَّا على المذهب الحقِّ والإيمان الكامل».
وفي هذه الأثناء جاء شخص من جهة مكَّة، وقال لذلك السيِّد الجليل: إنَّ الشريف في حال احتضار، فتفضَّل وشرِّف.
عندما سمعت هذا الكلام من ذلك الشخص أسرعت على الفور في الرجوع إلى مكَّة، ودخلت مباشرةً إلى قصر المَلِك، فوجدت الشريف في حال

(٤٩)

الاحتضار وقد اجتمع حوله العلماء والقضاة من أهل السُّنَّة وهم يُلقِّنونه بحسب مذهبهم، ولكنَّه كان صامتاً لم يتفوَّه بحرف واحد، وكان ابنه بجوار سريره متأثِّراً مغتمًّا لذلك.
وفجأةً دخل علينا ذلك السيِّد الجليل الذي كان جالساً وسط الخيمة، وهو يُدرِّس أُولئك النفر من الرجال، فجلس عند رأس (الشريف عليٍّ)، ولكن بدا لي أنَّ أحداً غيري لم يلتفت، بل لم يشعر بدخوله ووجوده عند رأس الشريف، ذلك لأنَّني كنت أنظر إليه ولكن الآخرين كانوا غافلين تماماً عن وجوده. هذا وقد سلبت عنِّي قدرة التكلُّم معه والسلام عليه تماماً حتَّى كأنَّ حواسِّي قد خرجت عن اختياري ولم أكن أقدر حتَّى على الحركة ولو خطوة واحدة.
التفت ذلك السيِّد إلى الشريف عليٍّ وقال: «قل: اشهد أنْ لا إله إلَّا الله».
فقال الشريف: أشهد أنْ لا إله إلَّا الله.
قال ذلك السيِّد: «قل: اشهد أنَّ محمّداً رسول الله».
فقال الشريف: أشهد أنَّ محمّداً رسول الله.
قال السيِّد: «قل: اشهد أنَّ عليًّا حجَّة الله».
قال الشريف: أشهد أنَّ عليًّا حجَّة الله.
وهكذا على هذا المنوال أخذ السيِّد يُلَقِّن الشريف ويُشْهدُه على ولاية الأئمَّة (عليهم السلام) واحداً بعد واحد حتَّى وصل إلى الإقرار بإمام الحجَّة بن الحسن العسكري (عجَّل الله فرجه).
فقال للشريف: «يا شريف، قل: أشهد أنَّك حجَّة الله».
فقال الشريف عليٌّ لذلك السيِّد: أشهد أنَّك حجَّة الله.
وهنا علمت أنِّي تشرَّفت مرَّتين بلقاء حضرة بقيَّة الله (عجَّل الله فرجه)، ولكن للأسف كانت القدرة قد سُلِبَت منِّي تماماً، فلم أتمكَّن حتَّى من السلام عليه والكلام معه.

(٥٠)

تُوفِّي المرحوم آية الله السيِّد محسن الجبل عاملي سنة (1371هـ)، ودُفِنَ في صحن السيِّدة زينب بنت أمير المؤمنين (عليها السلام)(50).
إشارة:
يُستفاد من هذه الحكاية أُمور:
منها: أنَّ الإمام (عجَّل الله فرجه) يكون موجوداً كلَّ عام في موسم الحجِّ، ويكون معه بعض أصحابه الذين يتشرَّفون بخدمته والاستفادة من علومه الإلهيَّة، ولعلَّ هذه الاستفادة لا تنحصر بموسم الحجِّ وإنَّما يكون ذلك في مناطق ومناسبات أُخرى عندما يحظون بالفوز بلقائه (عجَّل الله فرجه).
ومنها: شدَّة شوق بعض العلماء إلى التشرُّف بخدمته حتَّى إنَّ البعض يُكرِّر السفر إلى الحجِّ مرَّات ومرَّات كي يفوز بلقائه كما في قضيَّة عليِّ بن مهزيار الآتية في هذا الكتاب(51)، كما أنَّ بعضهم ممَّن عاش في الأزمنة السابقة حيث صعوبة السفر وطول مدَّته، كان يبقى في مكَّة المعظَّمة إلى العام القادم في ما لو فاته إدراك الموسم كما حُكي عن السيِّد محمّد مهدي بحر العلوم، أو فاته الهدف من سفره كما في هذه الحكاية. فلمثل هذا فليتنافس المتنافسون.
ومنها: ما قاله (عجَّل الله فرجه) في قضيَّة أولاد وذراري أُمِّ الأئمَّة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وأنَّهم لن يخرجوا من الدنيا حتَّى يقرُّوا بولاية الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام)، ليردوا إلى القيامة على عقيدة صحيحة سليمة كاملة، وكلُّ ذلك كرامة لفاطمة بنت محمّد (عليها السلام).
وليس ذلك على الله بعزيز، وهو الذي خلق الخلق لأجلها كما روي في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(50) اللقاء مع صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) (ص 83 - 86/ الحكاية 34).
(51) ستأتي في (ص 222/ الحكاية 36)، فانتظر.

(٥١)

الحديث القدسي الشريف: «يا محمّد، لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا عليٌّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما»(52).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(52) مستدرك سفينة البحار (ج 8/ ص 243).

(٥٢)

الآية الثامنة: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ﴾ (سبأ: 18)

الشيخ الطوسي (رحمه الله) في (الغيبة)، قال: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَللهِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ اَلْهَمَدَانِيِّ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) أَنَّ أَهْلَ بَيْتِي يُؤْذُونِّي وَيُقَرِّعُونِّي بِالْحَدِيثِ اَلَّذِي رُوِيَ عَنْ آبَائِكَ (عليهم السلام) أَنَّهُمْ قَالُوا: «خُدَّامُنَا وَقُوَّامُنَا شِرَارُ خَلْقِ اَللهِ»، فَكَتَبَ: «وَيْحَكُمْ مَا تَقْرَءُونَ مَا قَالَ اَللهُ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً﴾، فَنَحْنُ وَاَللهِ اَلْقُرَى اَلَّتِي بَارَكَ [اَللهُ] فِيهَا، وَأَنْتُمُ اَلْقُرَى اَلظَّاهِرَةُ»(53).
وفي رواية ابن بابويه (رحمه الله) في (علل الشرائع) بإسناده إلى الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «يَا أَبَا بَكْرٍ، ﴿سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ﴾، فَقَالَ: «مَعَ قَائِمِنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ»(54).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(53) الغيبة للطوسي (ص 345 و346/ ح 295).
(54) علل الشرائع (ج 1/ ص 91/ باب 81/ ح 5).

(٥٣)

الحكاية الثامنة: المقدَّس الأردبيلي (قدّس سرّه)

يقول أحد خواصِّ تلامذة المقدَّس الأردبيلي (وهو بدوره من علماء زمانه البارزين وواقفاً على خصوصيَّات حياة أُستاذه):
ذات ليلة كنت أتمشَّى في صحن أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وكان الليل قد تجاوز منتصفه بعد أنْ أعيتني المطالعة.
وفجأة وفي ذلك الفضاء النوراني رأيت شخصاً من بعيد يتقدَّم نحو الحرم الشريف في حين كانت أبواب الصحن والحرم مغلقة بالأقفال! فدفعني حبُّ الاطِّلاع على تعقيبه، فرأيت أنَّ هذا الشخص كلَّما اقترب من أحد الأبواب انفتح له القفل وفُتِحَت الباب ودخل الرجل منها، فكلَّما وضع يده على باب انفتحت إلى أنْ وصل بكلِّ وقار وسكينة إلى جنب الضريح الشريف للإمام (عليه السلام).
وقف هناك وسلَّم على أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد سمعت جواب سلامه، ومن ثَمَّ بدأ بالحديث مع صاحب ذلك الصوت.
لم تمضِ برهه من كلامهما حتَّى خرج ذلك الرجل من الصحن الشريف متَّجهاً نحو مسجد الكوفة.
وسرت خلفه بحيث لا يراني، للوقوف على حاله.
وصل الرجل إلى مسجد الكوفة، وتقدَّم إلى المحراب، ورأيته يتحدَّث مع أحد الأشخاص، ولم أسمع ما كانا يقولان.

(٥٤)

وبعد أنْ تمَّت محادثتهما رجع صاحبي إلى النجف، ولـمَّا اقترب من بوَّابتها كان الفجر قد حان لتوِّه، وبدأت حركة الناس في أزقَّة المدينة.
في هذه الأثناء اعترضتني حالة عطاس لم أقدر على الحدِّ منها، فسمعني ذلك الرجل ونظر إليَّ، ولـمَّا نظرت في وجهه فإذا هو أُستاذي المرحوم آية الله المقدَّس الأردبيلي.
سلَّمت عليه وأدَّيت التحيَّة والاحترام، وقلت له: لقد كنت طوال الليلة معك، منذ لحظة دخولك إلى الحرم الشريف وإلى الآن، فتفضَّل عليَّ وأخبرني مع من كنت تتحدَّث في الحرم الشريف وفي مسجد الكوفة؟
في البدء أخذ الأُستاذ منِّي العهد على أنْ لا أفشي سرَّه هذا ما دام حيَّا، ثمّ قال: يا ولدي، أحياناً تشكل عليَّ بعض المسائل فأعجز عن حلِّها، فأتشرَّف بزيارة حلَّال المشكلات عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأخذ أجوبة تلك المسائل منه.
وفي الليلة الماضية أحالني أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى ولده صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) وقال لي: «إنَّ ولدي المهدي (عجَّل الله فرجه) في مسجد الكوفة الآن وهو إمام زمانك، فاذهب إليه وتعلَّم مسائلك منه».
ولذا فقد ذهبت إلى مسجد الكوفة بأمره (عليه السلام)، وتشرَّفت بخدمة مولانا المهدي (عجَّل الله فرجه) وسألته مسائلي، وهو الذي كان واقفاً في محراب المسجد(55).
إشارة:
المقدَّس الأردبيلي عالم جليل القدر عُرِفَ بالعلم والورع والتقوى والعبادة حتَّى صار مضرباً للمثل في التقوى والورع. تُوفِّي سنة (993هـ).
اشتهر عنه ما ورد في هذه الحكاية وأنَّه كان يتوسَّل بأمير المؤمنين (عليه السلام)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(55) اللقاء مع صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) (ص 98 - 100/ الحكاية 38).

(٥٥)

محلِّ المشكلات والمسائل، ولا غرابة في ذلك، فعليٌّ (عليه السلام) هو باب مدينة العلم، ولن يلج أحد المدينة إلَّا من بابها، وكلُّ علم لم يُؤخَذ من عليٍّ فهو جهل.
فما أحرانا أنْ نحاول ونحاول التقرُّب إلى هذا المنهل الصافي العذب الفرات ونغترف من نميره المعين، ولا شكَّ أنَّ ذلك لا يحصل إلَّا بالجدِّ والمثابرة في الطاعات والتقوى والاجتهاد في طلب العلم والمعرفة.
إنْ شاء الله تعالى.

* * *

(٥٦)

الآية التاسعة: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ﴾ (التكوير: 15)

روى الحافظ القندوزي في ينابيعه، قال: رُوي عن هانئ، عن الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ﴾، قال: «الخُنَّس إمامٌ يخنس، أي يرجع من الظهور إلى الغيبة سنة ستِّين ومائتين، ثمّ يبدو كالشهاب الثاقب»(56).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(56) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 254/ ح 58)، وراجع: الإمامة والتبصرة (ص 119/ ح 113)، والكافي (ج 1/ ص 341/ باب في الغيبة/ ح 22 و23)، والغيبة للنعماني (ص 151 و152/ باب 10/ ح 6 و7)، وكمال الدِّين (ص 324 و325/ باب 32/ ح 1)، والغيبة للطوسي (ص 159/ ح 116).

(٥٧)

الحكاية التاسعة: مسجد جمكران

ذكر العلَّامة النوري (قدّس سرّه) في (النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجَّة الغائب (عجَّل الله فرجه)/ الجزء الثاني/ الباب السابع/ الحكاية الأُولى)، قال:
نقل الشيخ الفاضل حسن بن محمّد بن حسن القمِّي المعاصر للصدوق في كتابه (تاريخ قم) عن كتاب (مؤنس الحزين في معرفة الحقِّ واليقين) من مصنَّفات الشيخ أبي جعفر محمّد بن بابويه القمِّي: باب ذكر بناء مسجد جمكران بأمر الإمام الحجَّة المهدي (عجَّل الله فرجه)، سبب بناء المسجد المقدَّس في جمكران بأمر الإمام (عجَّل الله فرجه) على ما أخبر به الشيخ العفيف الصالح حسن بن مثلة الجمكراني، قال:
كنت ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة نائماً في بيتي، فلمَّا مضى نصف من الليل فإذا بجماعة من الناس على باب بيتي فأيقظوني، وقالوا: قم وأجب الإمام المهدي صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) فإنَّه يدعوك.
قال: فقمت وتعبَّأت وتهيَّأت، فقلت: دعوني حتَّى ألبس قميصي، فإذا بنداء من جانب الباب: (هو ما كان قميصك)، فتركته وأخذت سراويلي، فنودي: (ليس ذلك منك، فخذ سراويلك)، فألقيته وأخذت سراويلي ولبسته، فقمت إلى مفتاح الباب أطلبه فنودي: (الباب مفتوح).

(٥٨)

فلمَّا جئت إلى الباب رأيت قوماً من الأكابر، فسلَّمت عليهم، فردُّوا ورحَّبوا بي، وذهبوا بي إلى موضع هو المسجد الآن، فلمَّا أمعنت النظر رأيت أريكة فُرِشَت عليها فراش حسان، وعليها وسائد حسان، ورأيت فتى في زيِّ ابن ثلاثين متَّكأ عليها، وبين يديه شيخ، وبيده كتاب يقرؤه عليه، وحوله أكثر من ستِّين رجلاً يُصَلُّون في تلك البقعة، وعلى بعضهم ثياب بيض، وعلى بعضهم ثياب خضر.
وكان ذلك الشيخ هو الخضر (عليه السلام)، فأجلسني ذلك الشيخ (عليه السلام) ودعاني الإمام (عجَّل الله فرجه) باسمي، وقال: «اذهب إلى حسن بن مسلم، وقل له: إنَّك تعمر هذه الأرض منذ سنين وتزرعها ونحن نُخربها، زرعت خمس سنين، والعام أيضاً أنت على حالك من الزراعة والعمارة، ولا رخصة لك في العود إليها، وعليك ردُّ ما انتفعت به من غلَّات هذه الأرض ليبنى فيها مسجد، وقل لحسن بن مسلم: إنَّ هذه أرض شريفة قد اختارها الله تعالى من غيرها من الأراضي وشرَّفها، وأنت قد أضفتها إلى أرضك، وقد جزاك الله بموت ولدين لك شابَّين، فلم تنتبه عن غفلتك، فإنْ لم تفعل ذلك لأصابك من نقمة الله من حيث لا تشعر».
قال حسن بن مثلة: قلت: يا سيِّدي، لا بدَّ لي في ذلك من علامة، فإنَّ القوم لا يقبلون ما لا علامة ولا حجَّة عليه، ولا يُصدِّقون قولي.
قال: «إنَّا سنعلم هناك فاذهب وبلِّغ رسالتنا، واذهب إلى السيِّد أبي الحسن وقل له: يجيء ويحضره ويطالبه بما أخذ من منافع تلك السنين، ويعطيه الناس حتَّى يبنوا المسجد، ويتمَّ ما نقص منه من غلَّة دهق ملكنا بناحية أردهال ويتمَّ المسجد، وقد وقفنا نصف دهق على هذا المسجد ليجلب غلَّته كلَّ عام ويصرف إلى عمارته. وقل للناس ليرغبوا إلى الموضع ويُعزِّروه ويُصَلُّوا هنا أربع ركعات للتحيَّة في كلِّ ركعة يقرأ سورة الحمد مرَّة، وسورة الإخلاص سبع مرَّات

(٥٩)

ويُسبِّح في الركوع والسجود سبع مرَّات، وركعتان للإمام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)، هكذا يقرأ الفاتحة، فإذا وصل إلى ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ كرَّره مائة مرَّة، ثمّ يقرؤها إلى آخرها، وهكذا يصنع في الركعة الثانية في الركوع والسجود سبع مرَّات، فإذا أتمَّ الصلاة يُهلِّل ويُسبِّح تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فإذا فرغ من التسبيح يسجد ويُصلِّي على النبيِّ وآله مائة مرَّة»، ثمّ قال (عجَّل الله فرجه) ما هذه حكاية لفظه: «فمن صلَّاها فكأنَّما صلَّى في البيت العتيق».
قال حسن بن مثلة: قلت في نفسي: كأنَّ هذا موضع أنت تزعم إنَّما هذا المسجد للإمام صاحب الزمان مشيراًإلى ذلك الفتى المتَّكئ على الوسائد، فأشار ذلك الفتى إلى أنْ اذهب.
فرجعت، فلمَّا سرت بعض الطريق دعاني ثانيةً، وقال: «إنَّ في قطيع جعفر الكاشاني الراعي معزاً يجب أنْ تشتريه، فإنْ أعطاك أهل القرية الثمن تشتريه وإلَّا فتُعطي من مالك، وتجئ به إلى هذا الموضع، وتذبحه الليلة الآتية، ثمّ تُنفِق يوم الأربعاء الثامن عشر من شهر رمضان المبارك لحم ذلك المعز على المرضى ومن به علَّة شديدة فإنَّالله يُشفي جميعهم، وذلك المعز أبلق، كثير الشعر، وعليه سبع علامات سود وبيض، ثلاث على جانب وأربع على جانب، سود وبيض كالدراهم».
فذهبت فأرجعوني ثالثةً، وقال (عجَّل الله فرجه): «تقيم بهذا المكان سبعين يوماً أو سبعاً، فإنْ حملت على السبع انطبق على ليلة القدر وهو الثالث والعشرون، وإنْ حملت على السبعين انطبق على الخامس والعشرين من ذي القعدة، وكلاهما يوم مبارك».
قال حسن بن مثلة: فعدت حتَّى وصلت إلى داري، ولم أزل الليل متفكِّراً حتَّى أسفر الصبح، فأدَّيت الفريضة، وجئت إلى عليِّ بن المنذر، فقصصت عليه

(٦٠)

الحال، فجاء معي حتَّى بلغت المكان الذي ذهبوا بي إليه البارحة، فقال: والله إنَّ العلامة التي قال لي الإمام (عجَّل الله فرجه) واحد منها أنَّ هذه السلاسل والأوتاد هاهنا.
فذهبنا إلى السيِّد الشريف أبي الحسن الرضا، فلمَّا وصلنا إلى باب داره رأينا خُدَّامه وغلمانه يقولون: إنَّ السيِّد أبا الحسن الرضا ينتظرك من السحر، أنت من جمكران؟
قلت: نعم، فدخلت عليه الساعة وسلَّمت عليه وخضعت، فأحسن في الجواب وأكرمني ومكَّن لي في مجلسه، وسبقني قبل أنْ أُحدِّثه وقال: يا حسن بن مثلة، إنِّي كنت نائماً فرأيت شخصاً يقول لي: إنَّ رجلاً من جمكران يقال له: حسن ابن مثلة يأتيك بالغدوِّ، ولتُصَدِّقَنَّ ما يقول، واعتمد على قوله، فإنَّ قوله قولنا، فلا تردَّنَّ عليه قوله، فانتبهت من رقدتي، وكنت أنتظرك الآن.
فقصَّ عليه الحسن بن مثلة القَصص مشروحاً، فأمر بالخيول لتُسرَج، وتخرَّجوا فركبوا، فلمَّا قربوا من القرية رأوا جعفر الراعي وله قطيع على جانب الطريق، فدخل حسن بن مثلة بين القطيع، وكان ذلك المعز خلف القطيع، فأقبل المعز عادياً إلى الحسن بن مثلة، فأخذه الحسن ليُعطي ثمنه الراعي ويأتي به، فأقسم جعفر الراعي: أنِّي ما رأيت هذا المعز قطُّ، ولم يكن في قطيعي إلَّا أنِّي رأيته وكلَّما أُريد أنْ آخذه لا يمكنني، والآن جاء إليكم، فأتَوْا بالمعز كما أمر به السيِّد إلى ذلك الموضع وذبحوه.
وجاء السيِّد أبو الحسن الرضا (رضي الله عنه) إلى ذلك الموضع، وأحضروا الحسن ابن مسلم واستردُّوا منه الغلَّات وجاؤوا بغلَّات دهق، وسقَّفوا المسجد بالجذوع، وذهب السيِّد أبو الحسن الرضا (رضي الله عنه) بالسلاسل والأوتاد وأودعها في بيته، فكان يأتي المرضى والأعلَّاء ويمسُّون أبدانهم بالسلاسل فيشفيهم الله تعالى عاجلاً ويصحُّون.

(٦١)

قال أبو الحسن محمّد بن حيدر: سمعت بالاستفاضة أنَّ السيِّد أبا الحسن الرضا الساكن في المحلَّة المدعوَّة بموسويان من بلدة قم، قد مرض بعد وفاة ولد له، فدخل بيته وفتح الصندوق الذي فيه السلاسل والأوتاد، فلم يجدها(57).
إشارة:
في الحكاية نكات لطيفة:
منها: أنَّ هناك مواضع في هذه الأرض مقدَّسة وشريفة لا يهتدي إليها أحد إلَّا بتعليم الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه)، فهو العارف بأسرار الكون وما فيه، ومنها هذه البقعة المباركة التي أضحت الآن مسجداً ومزاراً يقصده الآلاف من المؤمنين كلَّ ليلة أربعاء وليلة الجمعة ويومها وبقيَّة الأيَّام، ومن كافَّة الأقطار للتبرُّك به ولنيل المطالب، وعلى أمل التشرُّف بلقاء بقيَّة الله الأعظم (أرواحنا فداه).
والكرامات التي حصلت في هذا المقام والمسجد الشريف كثيرة جدًّا، وللوقوف على بعضها يُراجَع مكتب إدارة هذا المكان الشريف.
ومنها: أنَّ هناك بعض الصالحين يكونون مع الإمام (عجَّل الله فرجه) في كثير من الأوقات والأماكن، ومنهم الخضر (عليه السلام)، حيث رأينا كيف أنَّه يمثُل بين يدي الإمام (عجَّل الله فرجه) ويقرأ عليه كتاباً، فيأخذ العلوم والمعارف عنه (عجَّل الله فرجه).
ومنها: أنَّ بعض الناس يتجاوز بعض الحقوق المفروضة عليه كما ورد في (حسن بن مسلم) المزارع في أراضي أهل البيت (عليهم السلام)، وقد ابتلاه الله بولديه ولكنَّه لم يلتفت ولم يتنبه من غفلته، فما أكثر الغافلين مع كثرة ما يبتلون به من مصائب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(57) النجم الثاقب (ج 2/ ص 51 - 54/ الحكاية 1).

(٦٢)

ومنها: الاستشفاء بتلك السلاسل الحديديَّة التي مسَّتها يد الرحمة الإلهيَّة، فإذا كان هذا الأثر حاصلاً من مجرَّد المماسَّة لهذا العنصر، فكيف بمن يتشرَّف بتقبيل يده الشريفة (عجَّل الله فرجه)؟
ومنه يُعلَم صحَّة ما يقوم به الشيعة والمؤمنون بالتمسُّح بأضرحتهم الشريفة والتوسُّل إلى الله بحقِّهم طلباً للشفاء من الأمراض الصعبة والعلل الشديدة.
«اَللَّهُمَّ إِنِّي لَوْ وَجَدْتُ شُفَعَاءَ أَقْرَبَ إِلَيْكَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ اَلْأَخْيَارِ، اَلْأَئِمَّةِ اَلْأَبْرَارِ، لَجَعَلْتُهُمْ شُفَعَائِي، فَبِحَقِّهِمُ اَلَّذِي أَوْجَبْتَ لَهُمْ عَلَيْكَ أَسْأَلُكَ أَنْ تُدْخِلَنِي فِي جُمْلَةِ اَلْعَارِفِينَ بِهِمْ وَبِحَقِّهِمْ، وَفِي زُمْرَةِ اَلمَرْحُومِينَ بِشَفَاعَتِهِمْ، إِنَّكَ أَرْحَمُ اَلرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اَللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً»(58).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(58) من لا يحضره الفقيه (ج 2/ ص 617/ ح 3213).

(٦٣)

الآية العاشرة: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ﴾ (النمل: 62)

مُحَمَّدُ بْنُ اَلْعَبَّاسِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اَلْحَمِيدِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ اَلْقَائِمَ إِذَا خَرَجَ دَخَلَ اَلمَسْجِدَ اَلْحَرَامَ فَيَسْتَقْبِلُ اَلْكَعْبَةَ، وَيَجْعَلُ ظَهْرَهُ إِلَى اَلمَقَامِ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَقُولُ: يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ أَنَا أَوْلَى اَلنَّاسِ بِآدَمَ، يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ أَنَا أَوْلَى اَلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ، يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ أَنَا أَوْلَى اَلنَّاسِ بِإِسْمَاعِيلَ، يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ أَنَا أَوْلَى اَلنَّاسِ بِمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَى اَلسَّمَاءِ، فَيَدْعُو وَيَتَضَرَّعُ حَتَّى يَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ﴾»(59).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(59) تأويل الآيات الظاهرة (ج 1/ ص 402 و403/ ح 5)، وراجع: تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 56 و57/ ح 49)، وتفسير القمِّي (ج 2/ ص 205)، والغيبة للنعماني (ص 187 و188/ باب 10/ فصل 4/ ح 30).

(٦٥)

الحكاية العاشرة: السيِّد محمّد مهدي بحر العلوم (قدّس سرّه)

نقل جناب المولى السلماسي (طاب ثراه) عن ناظر أُموره في أيَّام مجاورته بمكَّة، قال:
كان (رحمه الله) مع كونه في بلد الغربة منقطعاً عن الأهل والإخوة، قويّ القلب في البذل والعطاء، غير مكترث بكثرة المصارف.
فاتَّفق في بعض الأيَّام أنْ لم نجد إلى درهم سبيلاً، فعرَّفته الحال، وكثرة المؤنة، وانعدام المال، فلم يقل شيئاً.
وكان دأبه أنْ يطوف بالبيت بعد الصبح ويأتي إلى الدار، فيجلس في الغرفة المختصَّة به ونأتي إليه بغليان فيشربه، ثمّ يخرج إلى غرفة أُخرى يجتمع فيها تلامذته من كلِّ المذاهب، فيُدرِّس لكلٍّ على مذهبه.
فلمَّا رجع من الطواف في اليوم الذي شكوته في أمسه نفوذ النفقة، وأحضرت الغليان على العادة، فإذا بالباب يدقُّه أحد، فاضطرب أشدّ الاضطراب، وقال لي: خذ الغليان وأخرجه من هذا المكان.
وقام مسرعاً خارجاً عن الوقار والسكينة والآداب ففتح الباب، ودخل شخصٌ جليل في هيأة الأعراب، وجلس في تلك الغرفة، وقعد السيِّد عند بابها، في نهاية الذلَّة والمسكنة، وأشار إليَّ أنْ لا أُقرِّب إليه الغليان.
فقعدا ساعة يتحدَّثان، ثمّ قام، فقام السيِّد مسرعاً وفتح الباب، وقبَّل يده وأركبه على جمله الذي أناخه عند الباب، ومضى لشأنه، ورجع السيِّد متغيِّر

(٦٦)

اللون، وناولني براة وقال: هذه حوالة على رجل صرَّاف، قاعد في جبل الصفا، فاذهب إليه وخذ منه ما أُحيل عليه.
قال: فأخذتها وأتيت بها إلى الرجل الموصوف، فلمَّا نظر إليها قبَّلها وقال: عليَّ بالحماميل، فذهبت وأتيت بأربعة حماميل، فجاء بالدارهم من الصنف الذي يقال له: ريال فرانسة، يزيد كلُّ واحدٍ على خمسة قرانات العجم، وما كانوا يقدرون على حمله، فحملوها على أكتافهم، وأتينا بها إلى الدار.
ولـمَّا كان في بعض الأيَّام ذهبت إلى الصرَّاف لأسأل منه حاله، وممَّن كانت تلك الحوالة، فلم أرَ صرَّافاً ولا دُكَّاناً.
فسألت من بعض من حضر في ذلك المكان عن الصرَّاف، فقال: ما عهدنا في هذا المكان صرَّافاً أبداً، وإنَّما يقعد فيه فلان.
فعرفت أنَّه من أسرار المَلِك المنَّان، وألطاف وليِّ الرحمن.
وحدَّثني بهذه الحكاية الشيخ العالم الفقيه النحرير المحقِّق الوجيه، صاحب التصانيف الرائقة، والمناقب الفائقة، الشيخ محمّد الكاظمي المجاور بالغريِّ (أطال الله بقاه)، عمَّن حدَّثه من الثقاة، عن الشخص المذكور(60).
إشارة:
ذُكِرَ في سبب بقاء السيِّد بحر العلوم في مكَّة المكرَّمة أنَّه سافر إليها قاصداً الحجَّ فلم يُدرك الموسم، فاختار المكث فيها إلى العام القابل، لصعوبة السفر آنداك واستغراقه مدَّة طويلة، هذا في ظاهر الحال.
ولعلَّ هناك أسباب أُخرى حقيقيَّة هي التي دفعت السيِّد إلى البقاء، وقد يكون ذلك بأمر من وليِّ الله (عجَّل الله فرجه) لكي ينتفع الناس من هذا البحر الزاخر الذي هو قطرة من علم الأئمَّة (عليهم السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(60) النجم الثاقب (ج 2/ص 287 - 289/الحكاية 76)، جنَّة المأوى (ص 62 - 64/الحكاية 12).

(٦٧)

ولا يخفى عليك عزيري القارئ الألطاف التي حظي بها هذا السيِّد من قِبَل الإمام (عجَّل الله فرجه) كما ذُكِرَ في الحكاية.
وباعتقادنا أنَّ مراجعنا العظام ومروِّجي المذهب الحقِّ يعيشون دائماً في ظلِّ ألطاف الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه)، وأنَّه يتلطَّف عليهم باستمرار، فما أحرانا بتجليل مراجعنا وإكبارهم والانقياد لنصائحهم وإرشاداتهم، فإنَّهم حجَّة الإمام (عجَّل الله فرجه) علينا(61).
اللَّهُمَّ ارحم الماضين منهم، واحفظ الباقين، وأيِّدهم بتأييداتك الوافرة.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(61) روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 483 و484/ باب 45/ ح 4) بسنده عن إسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمّد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) أنْ يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ، فورد[ت في] التوقيع بخطِّ مولانا صاحب الزمان (عليه السلام): «... وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنَّهم حجَّتي عليكم، وأنا حجَّة الله عليهم».

(٦٨)

الآية الحادية عشرة: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ (ص: 88)

روى الحافظ القندوزي (الحنفي) بإسناده عن عاصم بن حميد، عن الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾، قال: «لتعلمنَّ نبأه، أي نبأ القائم (عليه السلام) عند خروجه»(62).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(62) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 247/ ح 40)، وراجع: الكافي (ج 8/ ص 287/ ح 432).

(٦٩)

الحكاية الحادية عشرة: الحاجُّ مؤمن

ذكر الشهيد السيِّد عبد الحسين دستغيب في كتابه (القَصص العجيبة) قال: حدَّثني صاحب مقام اليقين المرحوم الحاج عبَّاس عليّ المعروف بالحاجِّ مؤمن، وهو من أهل المكاشفات والكرامات، قال:
في أوائل شبابي كنت أشتاق كثيراً للتشرُّف وزيارة مولاي الإمام الحجَّة، حتَّى سلبت منِّي الراحة والاستقرار شوقاً إليه، ووصل بي الأمر أنْ حرَّمت على نفسي الطعام والشراب حتَّى أحظى بلقائه (عجَّل الله فرجه)، (ولا شكَّ في أنَّ هذا التصميم منِّي كان ناشئاً عن قلَّة المعرفة وشدَّة الاشتياق).
بقيت يومين وليلتين لم أذق طعاماً ولا شراباً، وفي الليلة الثالثة اضطررت إلى شرب قليل من الماء، ثمّ عرضتني حالة غشوة، فرأيت في تلك الحالة مولاي الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه)، فاعترض عليَّ وقال: «لماذا تفعل هذا بنفسك؟ سأبعث إليك بطعام، فكُلْه».
عدت إلى حالتي الطبيعيَّة، وكان قد مضى من الليل ثُلُثه، وكنت حينئذٍ في المسجد (مسجد مردزك)، وكان المسجد مغلقاً في تلك الساعة وخالياً من الناس.
وفجأةً سمعت طرقات الباب، فتحت الباب، فرأيت رجلاً قد غطَّى رأسه بعباءة، فأخرج ظرفاً من تحت العباءة وكان مملوءاً طعاماً، وقال لي مرَّتين: «كُلْه ولا تُعطِ منه شيئاً لأحد»، ثمّ وضع الظرف تحت منبر المسجد وانصرف.

(٧٠)

أغلقت الباب ودخلت إلى المسجد، فوجدت أنَّ ذلك الإناء مملوء بالرز والدجاج المشوي، فأكلت منه، وكان لذيذاً لا تُوصَف لذَّته.
وفي اليوم الثاني قبل الغروب جاءني المرحوم الميرزا محمّد باقر، وهو من الأخيار وأبرار ذلك الزمان، فطالبني أوَّلاً بالإناء، ثمّ أعطاني مقداراً من النقود كان قد وضعها في كيس، وقال لي: أنت مأمور بالسفر، فخذ هذه النقود وسافر إلى مشهد الإمام الرضا (عليه السلام) مع قافلة السيِّد هاشم، (وهو إمام جماعة مسجد مردزك)، وستلتقي في الطريق برجل جليل القدر وتستفيد منه كثيراً.
يقول الحاجُّ مؤمن: سافرت بذلك المال مع المرحوم السيِّد هاشم، وعندما تجاوزنا مدينة طهران صادفنا شيخاً عجوزاً على قارعة الطريق، أشَّر لنا بالتوقُّف، فتوقَّفنا عن السير وأركبناه في السيَّارة بعد الاستئذان من السيِّد هاشم.
صعد الشيخ وجلس إلى جانبي، وتحرَّكت السيَّارة، في أثناء الطريق علَّمني الشيخ وكان طيِّب القلب نيِّر الضمير، علَّمني بعض الأُمور والإرشادات والمواعظ، كما أنَّه أخبرني ببعض ما سيجري عليَّ إلى أواخر حياتي، وأخبرني عن كلِّ ما فيه مصلحتي، وقد حصل كلُّ الذي أخبرني به.
ومن جملة ما أمرني به هذا الرجل هو أنَّه نهاني عن الأكل في المطاعم والمقاهي الكائنة على الطُّرُق الخارجيَّة العامَّة، وقال: إنَّ طعام الشبهة يترك أثراً سيِّئاً على القلب.
وكان مع هذا الرجل سفرة طعام يفرشها متى ما أراد أنْ يأكل، وكان يُخرج منها الخبز الطازج الشهي حتَّى ما اشهيت الطعام، وكان أحياناً يُعطيني الكشمش الأخضر.
ولـمَّا أنْ وصلنا إلى موضع (قدمگاه) قال لي: لقد اقترب أجلي، ولن أصل إلى مشهد الإمام الرضا (عليه السلام)، واعلم أنَّ تجهيزي سيكون على يد السيِّد هاشم.

(٧١)

يقول الحاجُّ مؤمن: لـمَّا سمعت ذلك منه اضطربت كثيراً، فقال لي: لا تخف، واهدأ، ولا تُخبر أحداً بشيء حتَّى تكون وفاتي، وسلِّم أمرك إلىالله.
وعندما وصلنا إلى جبل (طرق) وكان طريق الزوَّار حينذاك يمرُّ من هناك، توقَّفت السيَّارة ونزل المسافرون واشتغلوا بالسلام على الإمام الرضا (عليه السلام)، وكان معاون السائق يرشد الناس إلى منظر القبَّة الذهبيَّة السامية للإمام (عليه السلام)، ويأخذ منهم الهديَّة على ذلك.
في هذه الأثناء اتَّجه الشيخ العجوز إلى موضع هناك، ثمّ نظر إلى قبَّة الإمام الرضا (عليه السلام)، وبعد السلام والتحيَّة على الإمام (عليه السلام) بكى كثيراً، ثمّ قال: يا مولاي، لم أكن لائقاً للوصول إلى قبرك الشريف!
ثمّ نام على الأرض مستقبلاً القبلة، ووضع عباءته على رأسه.
بعد لحظات ذهبت عند رأسه وكشفت العباءة عن وجهه، فإذا هو مفارق للحياة.
جلست عند رأسه أبكي وأنحب وأنوح عليه، فاجتمع المسافرون حولي، وسألوني عن الموضوع، فأخبرتهم بالقصَّة كاملةً، وبيَّنت لهم بعض أحواله، فأخذوا بالبكاء والحسرة.
أخذنا جنازة الرجل إلى مشهد الإمام الرضا (عليه السلام)، وجهَّزناها ودفناه في صحن الإمام (عليه السلام) كما أخبرني هو بذلك(63).
إشارة:
من هذه الحكاية العجيبة، يمكن استفادة أُمور:
منها: أنَّه على الرغم من أنَّ السعي إلى التشرُّف بخدمة الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(63) الكمالات الروحيَّة (ص 58 - 62).

(٧٢)

أمر مطلوب بل هو غاية كلِّ مؤمن، إلَّا أنَّه لا ينبغي للإنسان أنْ يتوسَّل بأيِّ طريقة للوصول إلى ذلك حتَّى لو كانت تُدخِل الضرر على نفسه، بل هناك سُبُل يمكن اتِّباعها للتشرُّف والفوز بلقائه بعد الإذن منه (عجَّل الله فرجه).
ومنها: أنَّ أولياء الله في هذه الأرض كثيرون، ولكنَّهم لا يُظهِرون أنفسهم إلَّا في الموارد الضروريَّة، وعندما تكون هناك مصلحة في ذلك، وكما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنَّ الله أخفى أوليائه في عباده، فلا تحتقرنَّ أحداً من عباده فقد يكون وليًّا من أوليائه»(64).
ولولا وجود هؤلاء الصالحين والأبدال في هذه الأرض، لتغيَّر حال الناس، كما ورد ذلك في الأخبار وفي الآيات القرآنيَّة أيضاً(65)، فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يرفع العذاب عن أقوام لوجود أمثال هؤلاء الأبدال فيهم.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(64) روى الصدوق (رحمه الله) في معاني الأخبار (ص 112 و113/ باب إخفاء الله (عزَّ وجلَّ) أربعة في أربعة/ ح 1) بسنده عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر محمّد بن عليٍّ الباقر (عليه السلام)، عن أبيه عليِّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليٍّ، عن أبيه عليِّ بن أبي طالب (عليهما السلام) أنَّه قال:«إنَّ الله تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة: أخفى رضاه في طاعته فلا تستصغرنَّ شيئاً من طاعته فربَّما وافق رضاه وأنت لا تعلم، وأخفى سخطه في معصيته فلا تستصغرنَّ شيئاً من معصيته فربَّما وافق سخطه وأنت لا تعلم، وأخفى إجابته في دعوته فلا تستصغرنَّ شيئاً من دعائه فربَّما وافق إجابته وأنت لا تعلم، وأخفى وليَّه في عباده فلا تستصغرنَّ عبداً من عباد الله فربَّما يكون وليَّه وأنت لا تعلم»، ورواه (رحمه الله) في الخصال (ص 209 و210/ ح 31)، وفي كمال الدِّين (ص 296 و297/ باب 26/ ح 4).
(65) قال تعالى: ﴿وَلَوْ لَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ (البقرة: 251).
روى الطبراني في المعجم الأوسط (ج 4/ ص 239) بسنده عن ابن عمر، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إنَّ الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء».

(٧٣)

الآية الثانية عشرة: ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (المجادلة: 22)

أخرج الحافظ القندوزي في ينابيعه بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال في حديث طويل عندما يسأل النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن أوصيائه، فعدَّهم النبيُّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)إلى أنْ قال:
«ومن بعده (أي بعد الحسن العسكري) ابنه محمّد، يُدعى بالمهدي والقائم والحجَّة، فيغيب ثمّ يخرج، فإذا خرج يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً، طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محبَّته، أُولئك الذين وصفهم الله في كتابه وقال: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: 2 و3]، وقال تعالى: ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾»(66).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(66) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 284 و285/ ح 2)، وراجع: كفاية الأثر (ص 60).

(٧٥)

الحكاية الثانية عشرة: السيِّد ابن طاوس (رحمه الله)

روى السيِّد ابن طاوس في (جمال الأُسبوع) زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الأحد، برواية من شاهد في اليقظة صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) وهو يزوره بها.
والزيارة هي:
«اَلسَّلَامُ عَلَى اَلشَّجَرَةِ اَلنَّبَوِيَّةِ، وَاَلدَّوْحَةِ اَلْهَاشِمِيَّةِ اَلمُضِيئَةِ، اَلمُثْمِرَةِ بِالنُّبُوَّةِ، اَلمُونِعَةِ بِالْإِمَامَةِ، وَعَلَى ضَجِيعَيْكَ آدَمَ وَنُوحٍ، اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ اَلطَّيِّبِينَ اَلطَّاهِرِينَ، اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ وَعَلَى اَلمَلَائِكَةِ اَلمُحْدِقِينَ بِكَ وَاَلْحَافِّينَ بِقَبْرِكَ، يَا مَوْلَايَ يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ هَذَا يَوْمُ اَلْأَحَدِ وَهُوَ يَوْمُكَ وَبِاسْمِكَ وَأَنَا ضَيْفُكَ فِيهِ وَجَارُكَ، فَأَضِفْنِي يَا مَوْلَايَ وَأَجِرْنِي فَإِنَّكَ كَرِيمٌ تُحِبُّ اَلضِّيَافَةَ وَمَأْمُورٌ بِالْإِجَارَةِ، فَافْعَلْ مَا رَغِبْتُ إِلَيْكَ فِيهِ وَرَجَوْتُهُ مِنْكَ بِمَنْزِلَتِكَ وَآلِ بَيْتِكَ عِنْدَ اَللهِ وَبِمَنْزِلَتِهِ عِنْدَكُمْ، وَبِحَقِّ اِبْنِ عَمِّكَ رَسُولِ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْكُمْ أَجْمَعِينَ»(67).
إشارة:
لعلَّ المشاهد هو نفس السيِّد ابن طاوس (قدّس سرّه) لكنَّه لم يفصح عن ذلك لورعه، حيث عرفت عزيزي أنَّه نقل أيضاً المناجاة التي سمعها هو بنفسه عن الحجَّة (عجَّل الله فرجه) في السرداب سحراً، والتي ذكرناها في الحكاية الأُولى في هذا الكتاب(68).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(67) جمال الأُسبوع (ص 38).
(68) راجع (ص 22).

(٧٦)

ثمّ اعلم أنَّ هذه الزيارة للأمير (عليه السلام) باعتبار تقسيم أيَّام الأُسبوع على المعصومين (عليهم السلام) حيث إنَّ يوم السبت خفيره رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويوم الأحد خفيره أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأضاف إليه السيِّد مولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ولعلَّه استفاد ذلك من أخبار أُخرى. وتقسيم باقي أيَّام الأُسبوع على الأئمَّة (عليهم السلام).
وللمحقِّق النوري (رحمه الله) تحقيق في هذا الباب(69).
واعلم حفظك الله ورعاك أنَّ ورود هذه الزيارة على لسان المعصومين (عليهم السلام) إنَّما هي لطف منهم للمؤمنين، حيث إنَّهم يُعلِّمونهم أدب مخاطبة هذه الوجودات الطاهرة، ولولا ذاك لوقع الناس في محاذير كثيرة في مخاطبتهم للأئمَّة (عليهم السلام)، وقد يُفرِّط البعض وينتقص من مقامهم السامي، ويفرط البعض ويغلو بهم، فجاءت زيارتهم على لسانهم صوناً لنا عن ذلك ولله الحمد والشكر، ولحُجَجه المنَّة واللطف علينا ما بقينا وبقي الليل والنهار.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(69) راجع: النجم الثاقب (ج 2/ ص 122).

(٧٧)

الآية الثالثة عشرة: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (التوبة: 33)

أخرج العلَّامة الكنجي في (البيان)، والشبلنجي في (نور الأبصار)، قالا: جاء في تفسير الكتاب عن سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾، قال: هو المهدي من ولد فاطمة (عليها السلام)(70).
وروى الحافظ القندوزي بإسناده عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾، قال (عليه السلام): «والله ما يجيء تأويلها حتَّى يخرج القائم المهدي (عليه السلام)، فإذا خرج القائم لم يبقَ مشرك إلَّا كره خروجه، ولا يبقى كافر إلَّا قُتِلَ، حتَّى لو كان كافر في بطن صخرة قالت: يا مؤمن، في بطني كافر فاكسرني واقتله»(71).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(70) البيان في أخبار صاحب الزمان المطبوع ضمن كفاية الطالب (ص 528)، نور الأبصار (ص 343).
(71) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 239 و240/ ح 14)، وراجع: تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 87/ ح 52)، وتفسير فرات الكوفي (ص 481 و482/ ح 627/3)، وكمال الدِّين (ص 670/ باب 58/ ح 16).

(٧٩)

الحكاية الثالثة عشرة: السيِّد الرشتي

نقل المحقِّق الشيخ حسين النوري (قدّس سرّه) في (النجم الثاقب) هذه الحكاية الشريفة، فقال:
قد تشرَّف بزيارة النجف الأشرف جناب المستطاب التقي الصالح السيِّد أحمد بن السيِّد هاشم بن السيِّد حسن الرشتي ساكن رشت (أيَّده الله)، قبل سبعة عشر سنة تقريباً.
وقد جائني إلى المنزل مع العالم الربَّاني والفاضل الصمداني الشيخ عليٍّ الرشتي (طاب ثراه).
فلمَّا نهضنا للخروج نبَّهني الشيخ إلى أنَّ السيِّد أحمد من الصلحاء المسدَّدين، ولـمَّح إليَّأنَّ له قصَّة عجيبة، ولم يسمح المجال حينها في بيانها.
وبعد عدَّة أيَّام من اللقاء قال لي الشيخ: إنَّ السيِّد قد ذهب، ثمّ نقل لي جملة من حالات وأحوال السيِّد مع قصَّته، فتأسَّفت لذلك كثيراً لعدم سماعي القصَّة منه شخصاً، ولو أنَّ مقام الشيخ (رحمه الله) أجلّ من أنْ ينقل شيئاً خلاف ما نُقِلَ له.
وبقي هذا الموضوع في ذهني من تلك السنة وحتَّى جمادى الآخرة من هذه السنة حيث كنت راجعاً من النجف الأشرف إلى الكاظمين، فالتقيت بالسيِّد الصالح المذكور وهو راجع من سامرَّاء وكان عازماً على السفر إلى بلاد العجم، فسألته عن ما سمعته من أحواله ومن جملتها المعهود، فنقل كلَّ ذلك ما طابق النقل الأوَّل، والقضيَّة بما يلي، قال:

(٨٠)

عزمت على الحجِّ في سنة ألف ومائتين وثمانين، فجئت من حدود رشت إلى تبريز، ونزلت في بيت الحاجِّ صفر عليّ التاجر التبريزي المعروف، ولعدم وجود قافلة فقد بقيت متحيِّراً إلى أنْ جهَّز الحاجُّ جبَّار جلودار السدهي الأصفهاني قافلة إلى (طربزون)، فاكتريت منه مركباً لوحدي وسافرت.
وعندما وصلت إلى أوَّل منزل التحق بي - وبترغيب الحاجِّ صفر عليّ- ثلاثة أشخاص آخرين، أحدهم الحاجُّ الملَّا باقر التبريزي، الذي كان يحجُّ بالنيابة، وكان معروفاً لدى العلماء، والحاجُّ سيِّد حسين التاجر التبريزي، ورجل يُسمَّى الحاجّ عليّ، وكان يشتغل بالخدمة.
ثمّ ترافقنا بالسفر إلى أنْ وصلنا إلى (أرضروم)، وكنَّا عازمين على الذهاب من هناك إلى (طربزون)، وفي أحد تلك المنازل التي تقع بين هاتين المدينتين جاءني الحاجُّ جبَّار جلودار وقال بأنَّ هذا المنزل الذي قُدَّامنا مخيف فعجِّلوا حتَّى تكونوا مع القافلة دائماً، وذلك لأنَّنا كنَّا غالباً ما نتخلَّف عن القافلة بفاصلة في سائر المنازل، فتحرَّكنا سويَّةً بساعتين ونصف، أو ثلاث ساعات بقيت إلى الصبح - على التخمين -، وابتعدنا عن المنزل الذي كنَّا فيه مقدار نصف أو ثلاثة أرباع الفرسخ، فإذا بالهواء قد تغيَّر واظلمَّت الدنيا وابتدأ الثلج بالتساقط، فحينئذٍ غطَّى كلُّ واحد منَّا ومن الرفقاء رأسه وأسرع بالسير. وقد فعلت أنا كذلك لألتحق بهم، ولكنِّي لم أتمكَّن على ذلك، فذهبوا وبقيت وحدي. ثمّ نزلت بعد ذلك من فرسي وجلست على جانب الطريق، وقد اضطربت اضطراباً شديداً، لأنَّه كان معي قرابة ستّمائة تومان لنفقة الطريق.
وبعد أنْ فكَّرت وتأمَّلت بأمري قرَّرت أنْ أبقى في هذا الموضع إلى أنْ يطلع الفجر، ثمّ أرجع إلى الموضع الذي جئت منه، وآخذ معي من ذلك الموضع عدَّة أشخاص من الحرس فألتحق بالقافلة مرَّة ثانية.

(٨١)

وبهذه الأثناء رأيت بستاناً أمامي، وفي ذلك البستان فلَّاح بيده مسحاة يضرب بها الأشجار فيتساقط الثلج منها، فتقدَّم إليَّ بحيث بقيت فاصلة قليلة بينه وبيني، ثمّ قال: «من أنت؟».
قلت: ذهب أصدقائي وبقيت وحدي ولا أعرف الطريق فتهتُ.
فقال باللغة الفارسيَّة: «نافله بخوان تا راه پيدا كنى»، أي صلِّ النافلة - والمقصود منها صلاة الليل - لتعرف الطريق.
فاشتغلت بصلاة النافلة، وبعدما فرغت من التهجُّد، عاد إليَّ مرَّة أُخرى وقال: «ألم تذهب بعد؟!».
قلت: والله لا أعرف الطريق.
قال: «جامعه بخوان» اقرأ الجامعة.
ولم أكن أحفظ الجامعة وما زلت غير حافظ لها مع أنِّي تشرَّفت بزيارة العتبات المقدَّسة مراراً...، ولكنَّني وقفت مكاني وقرأت الجامعة كاملة عن ظهر الغيب، ثمّ جاء وقال: «ألم تذهب بعد؟!».
فأخذتني العبرة بلا إرادة وبكيت وقلت: ما زلت موجوداً ولا أعرف الطريق.
قال: «عاشورا بخوان» اقرأ عاشوراء.
وكذلك إنِّي لم أكن احفظ زيارة عاشوراء وما زلت غير حافظ لها، فقمت من مكاني واشتغلت بزيارة عاشوراء من الحافظة عن ظهر غيب إلى أنْ قرأتها جميعاً وحتَّى اللعن والسلام ودعاء علقمة، فرأيته عاد إليَّ مرَّة أُخرى وقال: «نرفتى، هستى» ألم تذهب؟ بعدك؟!
فقلت: لا، فإنِّي موجود وحتَّى الصباح.
قال: أنا أُوصلك إلى القافلة الآن «من حالا تو را به قافله مى رسانم».

(٨٢)

ثمّ ذهب وركب على حمار ووضع مسحاته على عاتقه وجاء فقال: اصعد خلفي على حماري «به رديف من بر اُلاغ سوار شو».
فركبت وأخذت بعنان فرسي فلم يطاوعني ولم يتحرَّك، فقال: «جلوى اسب را به من ده» ناولني لجام الفرس. فناولته، فوضع المسحاة على عاتقة الأيسر وأخذ الفرس بيده اليمنى وأخذ بالسير، فطاوعه الفرس بشكل عجيب وتبعه.
ثمّ وضع يده على ركبتي وقال: «شما چرا نافله نمى خوانيد؟ نافله، نافله، نافله» لماذا لا تصلُّون النافلة؟ النافلة، النافلة، النافلة. قالها ثلاث مرَّات.
ثمّ قال: «شما چرا عاشورا نمى خوانيد؟ عاشورا، عاشورا، عاشورا» لماذا لا تقرأون عاشوراء؟ عاشوراء، عاشوراء، عاشوراء. قالها ثلاث مرَّات.
ثمّ قال: «شما چرا جامعه نمى خوانيد؟ جامعه، جامعه، جامعه» لماذا لا تقرءون الجامعة؟ الجامعة، الجامعة، الجامعة.
وعندما كان يطوي المسافة كان يمشي بشكل مستدير، فجأة رجع وقال: «آن است رفقاى شما» هؤلاء أصحابك.
وكانوا قد نزلوا على حافَّة نهر فيه ماء يتوضَّون لصلاة الصبح، فنزلت من الحمار لأركب فرسي فلم أتمكَّن، فنزل هو وضرب المسحاة في الوفر وأركبني وحوَّل رأس فرسي إلى جهة أصحابي، وبهذه الأثناء وقع في نفسي: من يكون هذا الإنسان الذي يتكلَّم باللغة الفارسيَّة؟ علماً أنَّ أهل هذه المنطقة لا يتكلَّمون إلَّا باللغة التركيَّة، ولا يوجد بينهم غالباً إلَّا أصحاب المذهب العيسوي (المسيحيُّون)، وكيف أوصلني إلى أصحابي بهذه السرعة؟! فنظرت ورائي فلم أرَ أحداً، ولم يظهر لي أثر منه، فالتحقت برفقائي(72).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(72) النجم الثاقب (ج 2/ ص 273 - 277/ الحكاية 70).

(٨٣)

إشارة:
في هذه الحكاية أُمور مهمَّة جدًّا ينبغي الاهتمام بها كثيراً لكلِّ من أراد قضاء الحوائج من قاضي الحاجات (عزَّ وجلَّ):
الأمر الأوَّل: أهمّيَّة صلاة الليل، حيث أكَّد الإمام (عجَّل الله فرجه) على ضرورتها ثلاثاً، ولا غرابة في ذلك بعد التأكيد الحثيث عليها في القرآن الكريم حتَّى ورد في فضلها: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً﴾ (الإسراء: 79)، حيث جعل الوصول إلى المقام المحمود مشروطاً بها.
كما أنَّ الروايات الشريفة عن النبيِّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) وردت في بيان ثمرات هذه الطاعة الكريمة، وأنَّها وسيلة للرزق وقضاء الحوائج، ونور الوجه والعزَّة في الدنيا والآخرة، منها ما ورد عنهم (عليهم السلام): «المال والبنون زينة الحياة الدنيا، وركعتان يُصلِّيهما المؤمن في جوف الليل زينة الحياة الآخرة»(73).
الأمر الثاني: أهمّيَّة الزيارة الجامعة وشرفها حتَّى ورد أنَّ كبار علمائنا كانوا لا يزورون الأئمَّة (عليهم السلام) إلَّا بها لفضلها وشرفها.
وأمَّا التشكيك في سندها - نعوذ بالله - فهو من تخرُّصات قليلي الاطِّلاع والتوفيق، فقد ذكر العلَّامة المجلسي (رحمه الله) أنَّها من أصحّ الزيارات سنداً، وأعمّها مورداً، وأفصحها لفظاً، وأبلغها معنًى، وأعلاها شأناً(74).
الأمر الثالث: ما يرتبط بزيارة عاشوراء، التي لا تسانخها سائر الزيارات،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(73) تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 327/ ح 33)، ثواب الأعمال (ص 41)، تهذيب الأحكام (ج 2/ ص 120/ ح 455/223)، وفيها جميعاً: (إنَّ الثمان ركعات يُصلِّيها العبد آخر الليل زينة الآخرة).
(74) بحار الأنوار (ج 99/ ص 144).

(٨٤)

بل هي كما يُعبِّر عن ذلك المحقِّق النوري (قدّس سرّه) إنَّها من سنخ الأحاديث القدسيَّة نزلت بهذا الترتيب من الزيارة واللعن والسلام والدعاء من الحضرة الأحديَّة (جلَّت عظمته) إلى جبرئيل الأمين، ومنه إلى خاتم النبيِّين (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والمداومة عليها له آثار لا تخفى على أهل الإيمان، فبها يستدفع الضرّ والبلاء والمرض، وبها يستجلب الرزق والعافية والعلم والعزّ(75).
وقد ورد في بيان فضلها وأهمّيَّتها حكايات كثيرة جدًّا، فراجع (دار السلام) للمحقِّق النوري (قدّس سرّه).
واعلم أيُّها العزيز أنَّ الأمر من قِبَل الحجَّة (عجَّل الله فرجه) بهذه الأُمور الثلاثة مجتمعة لم يكن بلا دليل وبلا ثمرة لاجتماعها، وحاشاه وحاشا آبائه الطاهرين من أنْ يقولوا ما ليس فيه فائدة عظمى وأهمّيَّة قصوى، فهم الذين زقُّوا العلم زقًّا، وهم أبناء مدينة العلم وبابها.
ولا يخفى عليك أنَّ صلاة الليل تُهذِّب الإنسان على الإخلاص في الطاعة والعبادة.
وأنَّ الزيارة الجامعة تُهذِّبه عقائديًّا.
وأنَّ زيارة عاشوراء تُهذِّبه اجتماعيًّا وسياسيًّا، لأنَّها ثورة على الظلم والجور والفساد الذي تجسَّد في بني أُميَّة وأتباعهم، والزائر بهذه الزيارة يتبرَّأ من هؤلاء وأتباعهم، ويُعلِن ثورته ولعنه لهم ولأتباعهم.
فزيارة عاشوراء تُربِّي الثوَّار.
وبضمِّ الجامعة والنافلة يتخرَّج هذا الإنسان من مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) عابداً مخلصاً صحيح الاعتقادات ثائراً على الظلم والجور، وهذه هي أهمّ صفات أنصار الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، ولعلَّه لهذا ولغيره جاء تأكيد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ثلاثاً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(75) النجم الثاقب (ج 2/ ص 278).

(٨٥)

على المداومة على هذه الأُمور الثلاثة، بل والظاهر من كلامه التأنيب واللوم على تركها كما هو واضح من تصفُّح الحكاية المذكورة.
«اَللَّهُمَّ اِلْعَنْ أَوَّلَ ظَالِمٍ ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَآخِرَ تَابِعٍ لَهُ عَلَى ذَلِكَ، اَللَّهُمَّ اِلْعَنِ اَلْعِصَابَةَ اَلَّتِي جَاهَدَتِ اَلْحُسَيْنَ، وَشَايَعَتْ وَبَايَعَتْ وَتَابَعَتْ عَلَى قَتْلِهِ، اَللَّهُمَّ اِلْعَنْهُمْ جَمِيعاً»(76).
آمين يا ربَّ العالمين.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(76) مفاتيح الجنان (ص 668/ زيارة عاشوراء)، ورويت الزيارة بألفاظ مختلفة في: كامل الزيارات (ص 325 - 333/ ح 556/9)، مصباح المتهجِّد (ص 773 - 777)، المزار لابن المشهدي (ص 480 - 485)، مصباح الزائر (ص 269 - 272)، المزار للشهيد الأوَّل (ص 178 - 184)، المصباح للكفعمي (ص 482 - 485).

(٨٦)

الآية الرابعة عشرة: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ (محمّد: 18)

روى السيوطي (الشافعي) في تفسير هذه الآية عن الترمذي، ونعيم بن حمَّاد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «ينزل بأُمَّتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم، حتَّى تضيق عليهم الأرض، فيبعث الله رجلاً من عترتي فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً، يرضى عنه ساكن السماء والأرض...» إلخ(77).
وفي حديث ابن ماجة والحاكم عن ثوبان، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «فإنَّه خليفة الله المهدي»(78).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(77) الدُّرُّ المنثور (ج 6/ ص 58)، وراجع: المصنَّف للصنعاني (ج 11/ ص 371 و372/ ح 20770)، ومستدرك الحاكم (ج 4/ ص 465)، وعقد الدُّرَر (ص 43).
(78) الدُّرُّ المنثور (ج 6/ ص 58)، عن سُنَن ابن ماجة (ج 2/ ص 1367/ ح 4084)، ومستدرك الحاكم (ج 4/ ص 464)، وراجع: الفتن للمروزي (ص 188)، ومسند أحمد (ج 37/ ص 70/ ح 22387)، والملاحم لابن المنادي (ص 193/ ح 136/1)، دلائل النبوَّة (ج 6/ ص 515).

(٨٧)

الحكاية الرابعة عشرة: الشيخ الحرُّ العاملي (قدّس سرّه)

يقول الشيخ الأجلُّ المرحوم الحرُّ العاملي المدفون في صحن الإمام الرضا (عليه السلام):
عندما كنت في سنِّ العاشرة من العمر ابتليت بمرض صعب، عجز الأطبَّاء جميعاً عن علاجه، حتَّى وصل الأمر أنَّ أقربائي جميعاً اجتمعوا حول سريري وهم يبكون على حالي بعد أنْ يأسوا من شفائي وتيقَّنوا موتي كما أخبرهم الأطبَّاء.
وفي تلك الليلة رأيت النبيَّ الأكرم والأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) واقفين حولي.
سلَّمت عليهم وصافحتهم واحداً واحداً، وجرت بيني وبين الإمام الصادق (عليه السلام) مذاكرة نسيت الآن تفاصيلها، ولكنَّني أتذكَّر أنَّه دعا في حقِّي.
وعندما صافحت المولى وليَّ العصر والزمان (عجَّل الله فرجه) أخذت بالبكاء وقلت له: سيِّدي ومولاي أخاف أنْ أموت في مرضي ولا أُوفَّق لتحصيل العلم والعمل به.
فقال (عجَّل الله فرجه): «لا تخف، فإنَّك لن تموت من مرضك هذا، فإنَّ الله سيمنُّ عليك بالشفاء، وتعيش عمراً طويلاً».
ثمّ ناولني (عجَّل الله فرجه) قدحاً من الماء كان بيده المباركة، فشربت من ذلك الماء وشفيت من مرضي فوراً.

(٨٨)

وفي اليوم التالي تعجَّب الأقرباء وتحيَّروا جميعاً لشفائي المفاجئ، وبعد عدَّة أيَّام أخبرتهم بالقصَّة(79).
إشارة:
اعلم أنَّه وإنْ لم يُصرِّح الشيخ (قدّس سرّه) بأنَّه رآهم (عليهم السلام) في عالم اليقظة، إلَّا أنَّه من الواضح - وبعد شفائه من مرضه -أنَّ ذلك لم يكن في عالم المنام، فإنْ لم يكن في عالم اليقظة فهو في عالم غير عالم المنام جزماً، وعلمُ ذلك العالم عند خالق العوالم (عزَّ وجلَّ).
وأيضاً يُستفاد من القصَّة بأنَّ هؤلاء الصلحاء إنَّما يطلبون طول العمر من أجل العلم وتحصيله والعمل به، لا من أجل الالتذاذ بالملذَّات الدنيويَّة، وهذا ما ينبغي أنْ يسعى إليه كلُّ إنسان عاقل، فلا كرامة للحياة مع الجهل، فالجهل موت والعلم حياة، وكما قال الشاعر: (الناس موتى وأهل العلم أحياء)(80).
وقد وُفِّق هذا العالم الجليل لتأليف كتابه النبيل (وسائل الشيعة) الذي هو محلُّ استفادة طُلَّاب العلم كافَّة.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(79) إثبات الهداة (ج 5/ ص 338 و339/ الرقم 165).
(80) ديوان أمير المؤمنين (عليه السلام) (ص 24).

(٨٩)

الآية الخامسة عشرة: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة: 124)

روى الحافظ القندوزي بإسناده عن المفضَّل بن عمر، قال: سألت جعفراً الصادق (عليه السلام) عن قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾، قال (عليه السلام): «هي الكلمات التي تلقَّاها آدم من ربِّه فتاب عليه، وهو أنَّه قال: يا ربِّ، أسألك بحقِّ محمّد وعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين إلَّا تبت عليَّ، فتاب الله عليه إنَّه هو التوَّاب الرحيم».
فقلت له: يا ابن رسول الله، فما يعني بقوله: ﴿فَأَتَمَّهُنَّ﴾؟
قال: «يعني أتمَّهُنَّ إلى القائم المهدي اثني عشر إماماً، تسعة من ولد الحسين (عليهم السلام)»(81).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(81) ينابيع المودَّة (ج 1/ ص 290/ ح 6)، ورواه الصدوق (رحمه الله) في معاني الأخبار (ص 126/ باب معنى الكلمات التي ابتلى إبراهيمَ ربُّه بهنَّ فأتمَّهُنَّ/ ح 1)، والطبرسي (رحمه الله) في مجمع البيان (ج 1/ ص 375)، وابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب (ج 1/ ص 243).

(٩١)

الحكاية الخامسة عشر: الشيخ حسين آل رحيم(82)

قال العلَّامة المحدِّث النوري في (النجم الثاقب): حدَّث الشيخ العالم الفاضل الشيخ باقر الكاظمي نجل العالم العابد الشيخ هادي الكاظمي المعروف بآل طالب أنَّه كان هناك رجل مؤمن في النجف الأشرف من البيت المعروف بـ (آل رحيم) يقال له: الشيخ حسين رحيم.
وحدَّثني أيضاً العالم الفاضل والعابد الكامل مصباح الأتقياء الشيخ طه من آل سماحة العالم الجليل والزاهد العابد بلا بديل الشيخ حسين نجف، وهو إمام الجماعة في المسجد الهندي في النجف الأشرف، ومقبول في التقوى والصلاح والفضل لدى الخواصِّ والعوامِّ.
وكان الشيخ حسين المذكور رجلاً طاهر الطينة والفطرة ومن مقدَّسي المشتغلين(83).
وكان معه مرض السعال إذا سعل يخرج من صدره مع الأخلاط دم، وكان مع ذلك في غاية الفقر والاحتياج، لا يملك قوت يومه.
وكان يخرج في أغلب أوقاته إلى البادية إلى الأعراب الذين في أطراف النجف الأشرف، ليحصل له قوت ولو شعير، وما كان يتيسَّر ذلك على وجه يكفيه، مع شدَّة رجائه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(82) في جنَّة المأوى: (الشيخ محمّد حسن السريرة).
(83) يقصد بالمشتغلين أي المشتغلين بطلب العلوم الدِّينيَّة في النجف الأشرف.

(٩٢)

وكان مع ذلك المرض والفقر قد تعلَّق قلبه بالتزويج بامرأة من أهل النجف، وكان يطلبها من أهلها، وما أجابوه إلى ذلك لقلَّة ذات يده.
وكان في همٍّ وغمٍّ شديد من جهة ابتلائه بذلك.
فلمَّا اشتدَّ به الفقر والمرض، وأيس من تزويج البنت، عزم على ما هو معروف عند أهل النجف من أنَّه من أصابه أمر فواظب الرواح إلى مسجد الكوفة أربعين ليلة أربعاء، فلا بدَّ أنْ يرى صاحب الأمر (عجَّل الله فرجه) من حيث لا يعلم ويقضي له مراده.
قال الشيخ باقر (قدّس سرّه): قال الشيخ حسين: فواظبت على ذلك أربعين ليلة أربعاء، فلمَّا كانت الليلة الأخيرة وكانت ليلة شتاء مظلمة، وقد هبَّت ريح عاصفة، فيها قليل من المطر، وأنا جالس في الدكَّة التي هي داخل في باب المسجد، وكانت الدكَّة الشرقيَّة المقابلة للباب الأوَّل الأيسر، عند دخول المسجد، ولا أتمكَّن الدخول في المسجد من جهة سعال الدم، ولا يمكن قذفه في المسجد، وليس معي شيء أتَّقي فيه عن البرد، وقد ضاق صدري، واشتدَّ عليَّ همِّي وغمِّي، وضاقت الدنيا في عيني، وأُفكِّر أنَّ الليالي قد انقضت، وهذه آخرها، وما رأيت أحداً ولا ظهر لي شيء، وقد تعبت هذا التعب العظيم، وتحمَّلت المشاقَّ والخوف في أربعين ليلة، أجيء فيها من النجف إلى مسجد كوفة، ويكون لي الأياس من ذلك.
فبينما أنا أُفكِّر في ذلك وليس في المسجد أحد أبداً وقد أوقدت ناراً لأُسخِّن عليها قهوة جئت بها من النجف، لا أتمكَّن من تركها لتعوُّدي بها، وكانت قليلة جدًّا، إذا بشخص من جهة الباب الأوَّل متوجِّهاً إليَّ، فلمَّا نظرته من بعيد تكدَّرت وقلت في نفسي: هذا أعرابي من أطراف المسجد، قد جاء إليَّ ليشرب من القهوة وأبقى بلا قهوة في هذا الليل المظلم، ويزيد عليَّ همِّي وغمِّي.

(٩٣)

فبينما أنا أُفكِّر إذا به قد وصل إليَّ وسلَّم عليَّ باسمي وجلس في مقابلي، فتعجَّبت من معرفته باسمي، وظننته من الذين أخرُج إليهم في بعض الأوقات من أطراف النجف الأشرف، فصرت أسأله من أيِّ العرب يكون؟
قال: «من بعض العرب»، فصرت أذكر له الطوائف التي في أطراف النجف، فيقول: «لا، لا»، وكلَّما ذكرت له طائفة قال: «لا، لست منها».
فأغضبني وقلت له: أجل أنت من (طريطرة) مستهزءاً، وهو لفظ بلا معنى.
فتبسَّم من قولي ذلك، وقال: «لا عليك من أينما كنتُ، ما الذي جاء بك إلى هنا؟».
فقلت: وأنت ما عليك السؤال عن هذه الأُمور؟
فقال: «ما ضرُّك لو أخبرتني؟».
فتعجَّبت من حسن أخلاقه وعذوبة منطقه، فمال قلبي إليه، وصار كلَّما تكلَّم ازداد حبِّي له، فعملت له السبيل من التتن، وأعطيته، فقال: «أنت اشرب فأنا ما أشرب».
وصببت له في الفنجان قهوة وأعطيته، فأخذه وشرب شيئاً قليلاً منه، ثمّ ناولني الباقي وقال: «أنت اشربه».
فأخذته وشربته، ولم ألتفت إلى عدم شربه تمام الفنجان، ولكن كان يزداد حبِّي له آناً فآناً.
فقلت له: يا أخي، قد أرسلك الله إليَّ في هذه الليلة تأنسني، أفلا تروح معي لنجلس في حضرة مسلم (عليه السلام) ونتحدَّث؟
فقال: «سأروح معك، فحدِّث حديثك».
فقلت له: سأحكي لك الواقع، أنا في غاية الفقر والحاجة مذ شعرت على

(٩٤)

نفسي، ومع ذلك معي سعال أتنخَّع الدم وأقذفه من صدري منذ سنين ولا أعرف علاجه، وما عندي زوجة، وقد علق قلبي بامرأة من أهل محلَّتنا في النجف الأشرف، ومن جهة قلَّة ما في اليد ما تيسَّر لي أخذها، وقد غرَّني هؤلاء الملَّائيَّة(84) وقالوا لي: اُقصد في حوائجك صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) وبت أربعين ليلة أربعاء في مسجد الكوفة، فإنَّك تراه، ويقضي لك حاجاتك، وهذه آخر ليلة من الأربعين، وما رأيت فيها شيئاً، وقد تحمَّلت هذه المشاقَّ في هذه الليالي، فهذا الذي جاء بي هنا، وهذه حوائجي.
فقال لي وأنا غافل غير ملتفت: «أمَّا صدرك فقد برأ، وأمَّا الامرأة فتأخذها عن قريب، وأمَّا فقرك فيبقى على حاله حتَّى تموت».
كلُّ هذا وأنا غير ملتفت إلى هذا البيان أبداً.
فقلت: ألَا تروح إلى حضرة مسلم؟
قال: «قم»، فقمت وتوجَّه أمامي، فلمَّا وردنا أرض المسجد قال: «ألَا تُصلِّي صلاة تحيَّة المسجد؟».
فقلت: أفعل.
فوقف هو قريباً من الشاخص الموضوع في المسجد، وأنا خلفه بفاصلة، فأحرمت للصلاة وصرت أقرأ الفاتحة.
فبينما أنا أقرأ وإذا به يقرأ الفاتحة قراءة ما سمعت أحداً يقرأ مثلها أبداً، فمن حسن قراءته قلت في نفسي: لعلَّه هذا هو صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)، وذكرت بعض كلمات له تدلُّ على ذلك، ثمّ نظرت إليه بعدما خطر في قلبي ذلك، وهو في الصلاة، وإذا به قد أحاطه نور عظيم منعني من تشخيص شخصه الشريف، وهو مع ذلك يُصلِّي وأنا أسمع قراءته، وقد ارتعدت فرائصي، ولا أستطيع قطع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(84) اصطلاح يُطلِقه بعض أهالي النجف الأشرف على عموم طُلَّاب العلم.

(٩٥)

الصلاة خوفاً منه، فأكملتها على أيِّ وجه كان، وقد علا النور من وجه الأرض، فصرت أندبه وأبكي وأتضجَّر وأعتذر من سوء أدبي معه في باب المسجد، وقلت له: أنت صادق الوعد، وقد وعدتني الرواح معي إلى مسلم.
فبينما أنا أُكلِّم النور، وإذا بالنور قد توجَّه إلى جهة مسلم، فتبعته، فدخل النور الحضرة، وصار في جوِّ القبَّة، ولم يزل على ذلك ولم أزل أندبه وأبكي حتَّى إذا طلع الفجر عرج النور.
فلمَّا كان الصباح التفتُّ إلى قوله: «أمَّا صدرك فقد برأ»، وإذا أنا صحيح الصدر، وليس معي سعال أبداً.
وما مضى أُسبوع إلَّا وسهَّل الله عليَّ أخذ البنت من حيث لا أحتسب، وبقى فقري على ما كان كما أخبر (عجَّل الله فرجه)(85).
إشارة:
من هذه القصَّة يمكن استفادة بعض الأُمور التي تهمُّ المؤمن في حياته:
منها: ما يرتبط بالرياضات والمواظبة على بعض الأعمال أو الأوراد والأذكار أربعين صباحاً، فلا شكَّ في أنَّه ورد في بعض النصوص فضل المداومة على بعض الأعمال أربعين صباحاً كالإخلاص في العمل حيث ورد: «من أخلص لله أربعين صباحاً جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه»(86).
أو ما ورد في القرآن الكريم في قصَّة نبيِّ الله موسى بن عمران (عليه السلام) والميعاد الذي أتمَّه (عزَّ وجلَّ) أربعين ليلة، وهو ما تعرَّضنا إليه في المقدَّمة(87)، كلُّ هذا صحيح، ولكن وكما أشرنا إلى ذلك سابقاً بأنَّ التشرُّف بلقاء الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) لا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(85) النجم الثاقب (ج 2/ص 308 - 312/الحكاية 90)، جنَّة المأوى (ص 66 - 69/الحكاية 15).
(86) قد مرَّ في (ص 16)، فراجع.
(87) راجع (ص 17).

(٩٦)

يخضع لهذه الأُمور، فهو ليس موجوداً يمكن إحضاره بمجرَّد القيام بعمل معيَّن أربعين يوماً أو ليلةً أو صباحاً.
نعم، قد تسمو روح الإنسان من خلال الممارسات العباديَّة والأذكار والأوراد، ويعيش حالة الابتعاد عن التعلُّقات الدنيويَّة والمشتهيات النفسيَّة، ويصل إلى الصفاء الذي يُقرِّبه أكثر فأكثر من الوجود الشريف للإمام (عجَّل الله فرجه)، فيُتلطَّف عليه بفوز اللقاء، والله العالم.
ومنها: فضل هذه الأماكن المقدَّسة التي ورد ذكرها في القصَّة، وهي مسجد الكوفة والسهلة والمقامات التي فيها، فهي مظانُّ تواجده الشريف (عجَّل الله فرجه)، وكذا كلُّ مكان مقدَّس.
ولذا ينبغي للمؤمن أنْ لا يترك زيارة هذه الأماكن بنيَّة التشرُّف بخدمة والنظر إلى طلعته.
ومنها: أنَّ حاجات الإنسان التي يتوسَّل إلى الله تعالى ويُشفِّع أولياءه في قضائها، حتَّى لو كانت مشروعة، ليس بالضرورة أنْ تُقضى حتَّى بالتشرُّف بخدمة المولى (عجَّل الله فرجه)، إذ لعلَّ في فقدان الإنسان لهذه الحاجة مصلحة لا يهتدي إليها نفس الإنسان، وأمَّا قاضي الحاجات فهو أعرف بتلك المصلحة، فعدم قضاء الحاجات أحياناً يدخل في مثل هذا المعنى وغيره ممَّا لا مجال لبيانه هنا.
فطلب رفع الفقر وإنْ كان مشروعاً ولكن قد تقتضي المصلحة بقاء الإنسان على حالة فقره، وكم من أولياء الله عاشوا حالة الفقر المدقع حتَّى اضطرَّ بعضهم إلى السكنى في المساجد والحسينيَّات العامَّة لعجزه عن دفع أُجرة المنزل.
المهمُّ أنْ يكون الإنسان غنيًّا بنفسه عزيزاً لا يتذلَّل للمال وموارده، وأنْ يكون عزيزاً بدينه وسجاياه وسلوكه، فإنَّ الغنى غنى النفس والدِّين والأخلاق.
اللَّهُمَّ ارزقنا العفاف والكفاف.

* * *

(٩٧)

الآية السادسة عشرة: ﴿يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾ (الأنفال: 7)

العيَّاشي: عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ اَلْآيَةِ فِي قَوْلِ اَللهِ: ﴿يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «تَفْسِيرُهَا فِي اَلْبَاطِنِ: ﴿يُرِيدُ اللهُ﴾ فَإِنَّهُ شَيْءٌ يُرِيدُهُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ بَعْدُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ﴾ فَإِنَّهُ يَعْنِي يُحِقُّ حَقَّ آلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿بِكَلِمَاتِهِ﴾»، قَالَ: «كَلِمَاتُهُ فِي اَلْبَاطِنِ عَلِيٌّ، هُوَ كَلِمَةُ اَللهِ فِي اَلْبَاطِنِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾ فَهُمْ بَنُو أُمَيَّةَ، هُمُ اَلْكَافِرُونَ يَقْطَعُ اَللهُ دَابِرَهُمْ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ﴾ فَإِنَّهُ يَعْنِي لِيَحِقَّ حَقَّ آلِ مُحَمَّدِ حِينَ يَقُومُ اَلْقَائِمُ (عليه السلام)، وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ﴾ يَعْنِي اَلْقَائِمَ، فَإِذَا قَامَ يُبْطِلُ بَاطِلَ بَنِي أُمَيَّةَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾»(88).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(88) تفسير العيَّاشي (ج 2/ص 50/ح 24)، عنه بحار الأنوار (ج 24/ص 178 و179/ح 10).

(٩٩)

الحكاية السادسة عشرة: الشيخ محمّد بن عيسى

العلَّامة المجلسي (رحمه الله)، قال: أخبرني بعض الأفاضل الكرام والثقاة الأعلام، قال: أخبرني بعض من أثق به يرويه عمَّن يثق به ويطريه أنَّه قال: لـمَّا كان بلدة البحرين تحت ولاية الإفرنج، جعلوا واليها رجلاً من المسلمين، ليكون أدعى إلى تعميرها وأصلح بحال أهلها، وكان هذا الوالي من النواصب، وله وزير أشدّ منه يُظهِر العداوة لأهل البحرين لحبِّهم لأهل البيت (عليهم السلام)، ويحتال في إهلاكهم وإضرارهم بكلِّ حيلة.
فلمَّا كان في بعض الأيَّام دخل الوزير على الوالي وبيده رُمَّانة فأعطاها الوالي، فإذا كان مكتوباً عليها: (لا إله إلَّا الله، محمّد رسول الله، أبو بكر وعمر وعثمان وعليٌّ خلفاء رسول الله).
فتأمَّل الوالي فرأى الكتابة من أصل الرُّمَّانة بحيث لا يحتمل عنده أنْ يكون صناعة بشر، فتعجَّب من ذلك وقال للوزير: هذه آية بيِّنة وحجَّة قويَّة على إبطال مذهب الرافضة، فما رأيك في أهل البحرين؟
فقال له: أصلحك الله إنَّ هؤلاء جماعة متعصِّبون، يُنكِرون البراهين، وينبغي لك أنْ تحضرهم وتريهم هذه الرُّمَّانة، فإنْ قبلوا ورجعوا إلى مذهبنا كان لك الثواب الجزيل بذلك، وإنْ أبوا إلَّا المقام على ضلالتهم فخيِّرهم بين ثلاث: إمَّا أنْ يؤدُّوا الجزية وهم صاغرون، أو يأتوا بجواب عن هذه الآية البيِّنة التي لا محيص لهم عنها، أو تقتل رجالهم وتسبي نساءهم وأولادهم وتأخذ بالغنيمة أموالهم.

(١٠٠)

فاستحسن الوالي رأيه، وأرسل إلى العلماء والأفاضل الأخيار والنجباء والسادة الأبرار من أهل البحرين وأحضرهم وأراهم الرُّمَّانة، وأخبرهم بما رأى فيهم أنْ لم يأتوا بجواب شافٍ، من القتل والأسر وأخذ الأموال أو أخذ الجزية على وجه الصغار كالكُفَّار.
فتحيَّروا في أمرها ولم يقدروا على جواب، وتغيَّرت وجوههم، وارتعدت فرائصهم.
فقال كبراؤهم: أمهلنا أيُّها الأمير ثلاثة أيَّام لعلَّنا نأتيك بجواب ترتضيه، وإلَّا فاحكم فينا ما شئت.
فأمهلهم، وخرجوا من عنده خائفين، مرعوبين، متحيِّرين، فاجتمعوا في مجلس وأجالوا الرأي في ذلك، فاتَّفق رأيهم على أنْ يختاروا من صلحاء البحرين وزُهَّادهم عشرة، ففعلوا ثمّ اختاروا من العشرة ثلاثة، فقالوا لأحدهم: اُخرج الليلة إلى الصحراء واعبد الله فيها واستغث بإمام زماننا وحجَّة الله علينا، لعلَّه يُبيِّن لك ما هو المخرج من هذه الداهية الدهماء.
فخرج وبات طول ليلته متعبِّداً خاشعاً داعياً باكياً يدعو الله ويستغيث بالإمام (عجَّل الله فرجه) حتَّى أصبح ولم يَرَ شيئاً.
فأتاهم وأخبرهم، فبعثوا في الليلة الثانية الثاني منهم، فرجع كصاحبه ولم يأتهم بخبر، فازداد قلقهم وجزعهم.
فأحضروا الثالث وكان تقياً فاضلاً اسمه محمّد بن عيسى، فخرج الليلة الثالثة حافياً حاسر الرأس إلى الصحراء، وكانت ليلة مظلمة، فدعا وبكى وتوسَّل إلى الله تعالى في خلاص هؤلاء المؤمنين وكشف هذه البليَّة عنهم، واستغاث بصاحب الزمان (عجَّل الله فرجه).
فلمَّا كان في آخر الليل إذا هو برجل يخاطبه ويقول: «يا محمّد بن عيسى، ما لي أراك على هذه الحالة؟ ولماذا خرجت إلى هذه البرّيَّة؟».

(١٠١)

فقال له: أيُّها الرجل دعني فإنِّي خرجت لأمر عظيم وخطب جسيم، لا أذكره إلَّا لإمامي، ولا أشكوه إلَّا إلى من يقدر على كشفه عنِّي.
فقال: «يا محمّد بن عيسى، أنا صاحب الأمر فاذكر حاجاتك».
فقال: إنْ كنت هو فأنت تعلم قصَّتي ولا تحتاج إلى أنْ أشرحها لك.
فقال له: «نعم، خرجت لما دهمكم من أمر الرُّمَّانة وما كُتِبَ عليها وما أوعدكم الأمير به».
قال: فلمَّا سمعت ذلك توجَّهت إليه، وقلت له: نعم يا مولاي، قد تعلم ما أصابنا، وأنت إمامنا وملاذنا والقادر على كشفه عنَّا.
فقال (عجَّل الله فرجه): «يا محمّد بن عيسى، إنَّ الوزير (لعنه الله) في داره شجرة رُمَّان، فلمَّا حملت تلك الشجرة صنع شيئاً من الطين على هيأة الرُّمَّانة وجعلها نصفين وكتب في داخل كلِّ نصف بعض تلك الكتابة ثمّ وضعها على الرُّمَّانة وشدَّهما عليها وهي صغيرة، فأثَّر فيها وصارت هكذا.
فإذا مضيتم غداً إلى الوالي فقل له: جئتك بالجواب ولكنِّي لا أُبديه إلَّا في دار الوزير، فإذا مضيتم إلى داره فانظر عن يمينك ترى فيها غرفة، فقل للوالي: لا أُجيبك إلَّا في تلك الغرفة، وسيأبى الوزير عن ذلك، وأنت بالغ في ذلك ولا ترضَ إلَّا بصعودها، فإذا صعد فاصعد معه ولا تتركه وحده يتقدَّم عليك، فإذا دخلت الغرفة رأيت كوَّة فيها كيس أبيض، فانهض إليه وخذه، فترى فيه تلك الطينة التي عملها لهذه الحيلة، ثمّ ضعها أمام الوالي وضع الرُّمَّانة فيها لينكشف له جليَّة الحال.
وأيضاً يا محمّد بن عيسى قل للوالي: إنَّ لنا معجزة أُخرى، وهي أنَّ هذه الرُّمَّانة ليس فيها إلَّا الرماد والدخان، وإنْ أردت صحَّة ذلك فأمر الوزير بكسرها، فإذا كسرها طار الرماد والدخان على وجهه ولحيته».

(١٠٢)

فلمَّا سمع محمّد بن عيسى ذلك من الإمام فرح فرحاً شديداً، وقبَّل الأرض بين يدي الإمام (عجَّل الله فرجه) وانصرف إلى أهله بالبشارة والسرور.
فلمَّا أصبحوا مضوا إلى الوالي، ففعل محمّد بن عيسى كلَّ ما أمره الإمام به، وظهر كلُّ ما أخبره، فالتفت الوالي إلى محمّد بن عيسى وقال له: من أخبرك بهذا؟
فقال: إمام زماننا، وحجَّة الله علينا.
فقال: ومن إمامكم؟
فأخبره بالأئمَّة واحداً بعد واحد إلى أنْ انتهى إلى صاحب الأمر(عجَّل الله فرجه).
فقال الوالي: مدَّ يدك فأنا أشهد أنْ لا إله إلَّا الله، وأنَّ محمّداً عبده ورسوله، وأنَّ الخليفة بعده بلا فصل أمير المؤمنين عليٌّ (عليه السلام)، ثمّ أقرَّ بالأئمَّة (عليهم السلام) إلى آخرهم وحسن إيمانه، وأمر بقتل الوزير، واعتذر إلى أهل البحرين وأحسن إليهم وأكرمهم.
قال: وهذه القصَّة مشهورة عند أهل البحرين، وقبر محمّد بن عيسى عندهم معروف يزوره الناس(89).
إشارة:
في الحكاية الشريفة نكات مهمَّة:
منها: استمرار عناد الناصبين العداء لأهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم على الرغم من بيان العلماء للأدلَّة القاطعة على حقَّانيَّة مذهب أهل البيت (عليهم السلام).
فهؤلاء المعاندون لا زالوا يتآمرون وينصبون الفخاخ للقضاء على هذا المذهب وأتباعه، ويحاولون إطفاء هذا النور الذي أبى الله إلَّا أنْ يتمَّه ولو كره الكافرون والمشركون.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(89) بحار الأنوار (ج 52/ ص 178 - 180).

(١٠٣)

وأنت ترى عزيزي القارئ مدى خبث هؤلاء في محاولاتهم الرامية لتحقيق غرضهم الدني، ولو أنَّهم صرفوا جزءاً صغيراً من هذا الوقت الذي يصرفونه للتآمر علينا في البحث عن الحقِّ لكان خيراً لدينهم ودنياهم، ولكنَّهم ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها﴾ (النحل: 83).
ومنها: التجاء أتباع مذهب الحقِّ إلى أئمَّتهم ساعة الشدَّة والعسر، واعتقادهم الراسخ بوجود المنجي والمخلِّص لهم من الشدائد والابتلاءات. وهذا ما نحتاجه جميعاً وعلى الدوام، فهؤلاء الأطهار هم الملاذ والمأمن الذي لا بدَّ أنْ نلجأ إليه دوماً لا القوى التي نتصوَّر أنَّها عظمى.
فإذا كان هذا ظنُّنا بإمامنا المغيَّب الغوث (عجَّل الله فرجه) فإنَّه بلا شكٍّ سيُسرع إلى إنقاذنا من الويلات التي نعيشها.
ومن المعاني اللطيفة في هذه الحكاية - طبعاً لنقلها الثاني الذي قرأته في مصدر آخر - أنَّ الشيخ محمّد بن عيسى وهو ثالث العلماء الذين فزعوا إليه (عجَّل الله فرجه) سأله في آخر المحاورة التي جرت بينه وبين الإمام (عجَّل الله فرجه) قائلاً: سيِّدي، لماذا لم تُدركنا في أوَّل ليلة جئنا فيها للقائك؟
فقال (عجَّل الله فرجه): «لأنَّكم استمهلتم هؤلاء ثلاثة أيَّام، ولو أنَّكم استمهلتموهم يوماً واحداً، لجئتكم في اليوم الأوَّل»!
فعلينا عزيزي القارئ أنْ نُحسِن الظنَّ أكثر فأكثر بأئمَّتنا، وخاصَّةً بإمامنا المهدي (عجَّل الله فرجه)، لأنَّه معنا بكلِّ وجوده الشريف، فلا بدَّ أنْ يكون هذا يقيننا.

* * *

(١٠٤)

الآية السابعة عشرة: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ﴾ (الشورى: 17 و18)

روى الحافظ القندوزي بإسناده عن المفضَّل بن عمر، عن جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾، قال: «أي ﴿السَّاعَةَ﴾ قيام القائم (عليه السلام)، ﴿قَرِيبٌ﴾»(90).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(90) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 251/ ح 48).

(١٠٥)

الحكاية السابعة عشرة: ابن أبي الجواد النعماني

روى العلَّامة النوري في (النجم الثاقب) عن كتاب (رياض العلماء وحياض الفضلاء) في ترجمة الشيخ ابن أبي الجواد النعماني أنَّه ممَّن رأى القائم(عجَّل الله فرجه) في زمن الغيبة الكبرى، وروى عنه (عجَّل الله فرجه).
ورأيت في بعض المواضع نقلاً عن خطِّ الشيخ زين الدِّين عليِّ بن الحسن بن محمّد الخازن الحائري تلميذ الشهيد أنَّه قد رأى ابن أبي الجواد النعماني مولانا المهدي (عجَّل الله فرجه)، فقال له: يا مولاي لك مقام بالنعمانيَّة، ومقام بالحلَّة، فأين (متى) تكون فيهما؟
فقال له: «أكون بالنعمانيَّة ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء، ويوم الجمعة وليلة الجمعة أكون بالحلَّة، ولكن أهل الحلَّة ما يتأدَّبون في مقامي، وما من رجل دخل مقامي بالأدب يتأدَّب ويُسلِّم عليَّ وعلى الأئمَّة وصلَّى عليَّ وعليهم اثني عشر مرَّة ثمّ صلَّى ركعتين بسورتين، وناجى الله بهما المناجاة، إلَّا أعطاه الله تعالى ما يسأله، أحدها المغفرة».
فقلت: يا مولاي، علِّمني ذلك.
فقال: «قل: اللَّهُمَّ قد أخذ التأديب منِّي حتَّى مسَّني الضرُّ وأنت أرحم الراحمين، وإنْ كان ما اقترفته من الذنوب أستحقُّ به أضعاف أضعاف ما أدَّبتني به، وأنت حليم ذو أناة تعفو عن كثير حتَّى يسبق عفوُك ورحمتُك عذابَك»، وكرَّرها عليَّ ثلاثاً حتَّى فهمتها(91).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(91) النجم الثاقب (ج 2/ ص 138/ الحكاية 27)، جنَّة المأوى (ص 101/ الحكاية 34).

(١٠٦)

إشارة:
بعض الأماكن تُسمَّى بمقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وسبب التسمية أنَّه (عجَّل الله فرجه) يظهر في تلك البقعة لبعض شيعته المؤمنين ويقضي حوائجهم، فيؤمُّها الناس للتبرُّك بها وطلب الحوائج، فتُسمَّى بمقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
وهذه المقامات كثيرة في العراق وإيران وغيرها من البلدان، مع تعدُّدها في البلد الواحد أيضاً.
ولعلَّ تلك الأماكن في أصلها أماكن شريفة، فتزداد شرفاً بقدوم الإمام (عجَّل الله فرجه)، حيث إنَّنا ذكرنا سابقاً أنَّه (عجَّل الله فرجه) أعرف ببقاع الأرض وشرفها كما ورد في مسجد جمكران(92)، وكما سيأتي في قصَّة بناء مسجد الإمام الحسن (عليه السلام)(93).
ومن هنا فإنَّ زيارة الأماكن لها أدب خاصٌّ لا بدَّ من التأدُّب به قبل الدخول إليها، وأثناء الكون فيها، وحين الخروج منها.
وفي القصَّة أيضاً تعليم منه (عجَّل الله فرجه) شيعته وأصحاب الحوائج في كيفيَّة التوسُّل إلى الله (عزَّ وجلَّ) لقضائها، ولا يمكن أنْ لا يكون ذلك التوسُّل والمناجاة غير مؤثِّر في قضاء الحاجة إلَّا إذا كانت هناك مصلحة في عدم قضائها كما هو مذكور في موضوع الدعاء.
فعلى المرء أنْ يدعو وأنْ يأمل من الله الإجابة ببركة النبيِّ محمّد وآله الطاهرين (عليهم السلام).
قال تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (غافر: 60).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(92) راجع (ص 58/ الحكاية 9).
(93) ستأتي في (ص 110/ الحكاية 18)، فانتظر.

(١٠٧)

الآية الثامنة عشرة: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ (المؤمنون: 101)

أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري [الشيعي]، قال: أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اِبْنِ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ جَهْمِ بْنِ أَبِي جَهْمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا اَلْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ اَللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ اَلْأَرْوَاحَ قَبْلَ اَلْأَبْدَانِ بِأَلْفَيْ عَامٍ، ثُمَّ خَلَقَ اَلْأَبْدَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا فِي اَلسَّمَاءِ تَعَارَفَ فِي اَلْأَرْضِ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا فِي اَلسَّمَاءِ تَنَاكَرَ فِي اَلْأَرْضِ، فَإِذَا قَامَ اَلْقَائِمُ (عليه السلام) وَرَّثَ اَلْأَخَ فِي اَلدِّينِ، وَلَمْ يُوَرِّثِ اَلْأَخَ فِي اَلْوِلَادَةِ، وَذَلِكَ قَوْلُ اَللهِ (عزَّ وجلَّ) فِي كِتَابِهِ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: 1]، ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾»(94).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(94) دلائل الإمامة (ص 484 و485/ ح 481/85)، وراجع: الاعتقادات (ص 48)، والهداية (ص 343).

(١٠٩)

الحكاية الثامنة عشرة: مسجد الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)

نقل العلَّامة آية الله الشيخ لطف الله الصافي في كتابه (أجوبة المسائل العشرة)، قال: ومن الحكايات العجيبة والصادقة التي وقعت في زماننا هذه الحكاية التي نُقِلَت لي حين البدء بطبع هذا الكتاب، ولـمَّا كان فيها بعض النكات والعِبَرْ أدرجتها في هذا الكتاب لكي يزداد القُرَّاء بصيرةً.
كما يعرف أهل قم، والمسافرون الذين يقدمون من طهران إلى مدينة قم المقدَّسة، أنَّ جناب الحاجّ (يد الله رجبيان) قد بنى مسجداً كبيراً باسم (مسجد الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام)) في مكان كان سابقاً صحراء خارج مدينة قم على جانب الطريق الواصل بين قم وطهران، وهذا المسجد الآن عامر بالمصلِّين حيث تُعقَد فيه الجماعة والمراسم الإسلاميَّة.
في ليلة الأربعاء المصادفة للثاني والعشرين من شهر رجب المبارك، سمعت هذه الحكاية المرتبطة بهذا المسجد من نفس صاحب الحكاية وهو جناب السيِّد أحمد العسكري الكرمانشاهي، وهو من الأخيار الساكن لسنوات طوال في طهران، سمعتها منه في بيت الحاجّ رجبيان وبحضوره وبحضور بعض المحترمين.
يقول السيِّد العسكري: قبل حوالي سبعة عشر عاماً وفي يوم الخميس، كنت مشتغلاً بتعقيبات صلاة الفجر، فدُقَّت باب المنزل.
فتحت الباب، فوجدت أنَّ ثلاثة شُبَّان وكلّهم يعملون في حقل ميكانيك

(١١٠)

السيَّارات، جاءوا بسيَّارة لهم وقالوا: نلتمس منك أنْ تأتي معنا اليوم إلى مسجد جمكران في قم، فاليوم الخميس وهو يوم مبارك، ونريد أنْ تأتي معنا لتدعو لنا هناك، فإنَّ لنا حاجة شرعيَّة مهمَّة.
(أُلفت نظركم إلى أنَّني كنت أعقد جلسة في المسجد أجمع فيها الشباب لتعليم الصلاة والقرآن، وهؤلاء الثلاثة كانوا من جملة أُولئك الشباب الذين يجتمعون في المسجد).
خجلت كثيراً من طلبهم، فطأطأت برأسي إلى الأرض وقلت لهم: ومن أكون حتَّى تطلبون منِّي الدعاء لكم بقضاء الحاجة؟
وعلى أيِّ حالٍ، وبعد إصرار شديد منهم، رأيت أنَّ المصلحة في عدم ردِّ طلبهم، فوافقت على السفر معهم.
ركبنا في السيَّارة وتحرَّكنا باتِّجاه مدينة قم المقدَّسة.
ولـمَّا وصلنا بالقرب من مدينة قم لم يكن في وقتها هذه المباني الكائنة الآن، وإنَّما كان هناك محطَّة قديمة وخربه فقط باسم (مقهى عليّ الأسود).
وعلى مقربة من هذا المكان الذي بنى فيه الحاجُّ رجبيان مسجد الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) انطفأ محرِّك السيَّارة وتوقَّفت عن الحركة!
ولـمَّا كان رفقائي الثلاثة من أهل الاختصاص والخبرة في تصليح السيَّارات، هبُّوا ثلاثتهم لمعرفة العطل فيها.
في هذه الأثناء أخذت مقداراً من الماء من أحدهم وكان يُدعى عليًّا، واتَّجهت إلى الصحراء على قارعة الطريق لقضاء الحاجة والتطهير.
وعندما وصلت إلى قطعة الأرض التي هي الآن مكان المسجد الفعلي، رأيت سيِّداً جميلاً جدًّا، بهيًّا جميل الوجه، أزج الحاجبين، أبيض الأسنان، على وجهه المبارك خال، وكان يرتدي ملابس بيضاء، وعباءة رقيقة تحكي ما تحتها،

(١١١)

ونعلين صفراوين، وعلى رأسه عمامة خضراء كعمائم الخراسانيِّين اليوم، واقف وبيده رمح طويل بقدر ثمانية أو تسعة أمتار، وهو يُخطِّط الأرض.
قلت في نفسي: ما بال هذا الرجل، قد جاء مبكِّراً إلى هذه البيداء التي لا تخلو من خطر الأعداء المارِّين على هذا الطريق، وهو قابض على هذا الرمح بيده؟!
قال السيِّد العسكري (وكان يعتذر ويندم على تلك العبارات التي كان قد قالها في ذلك الوقت)، قلت: يا هذا، اليوم يوم الدبَّابات والمدافع والذرَّة، فماذا تفعل بهذا الرمح؟ اذهب واقرأ دروسك.
قلت له ذلك، وذهبت إلى زاوية لقضاء الحاجة، فصاح بي من بعيد: «يا سيِّد عسكري، لا تجلس في هذا المكان فإنَّني قد خطَّطت لمسجد هنا».
ولم التفت إلى أنَّه من أين عرف اسمي، وإنَّما ائتمرت بأمره كالطفل الصغير وبدون مناقشة، أطعت كلامه وقلت: نعم سأقوم.
فقال لي: «اذهب خلف ذلك المرتفع».
ذهبت إلى المكان الذي أشار إليه، وقلت في نفسي: حين أعود أقول له: يا حبيبي يا بن رسول الله، اذهب واقرأ دروسك.
وفكَّرت في نفسي بثلاثة أسئلة أطرحها عليه، هي:
1 - لمن تريد بناء هذا المسجد، للجنِّ أم للملائكة، حتَّى قمت في هذا الصباح الباكر وجئت إلى هذه الصحراء لتُخطِّط لبناء مسجد، أمهندس أنت، بدون دراسة؟!
2 - ما دام المسجد بعد لم يُبْنَ، لماذا تمنعني من قضاء الحاجة هنا؟
3 - من الذي سيبني هذا المسجد، الجنُّ أم الملائكة؟
أعددت هذه الأسئلة في ذهني، وتقدَّمت إليه لأُسلِّم عليه، فبادرني هو

(١١٢)

بالسلام، وركَّز الرمح في الأرض، واحتضنني إلى صدره الشريف، وكنت أودُّ المزاح معه، حيث إنَّه كلَّما كنَّا نواجه سيِّداً حرِكاً كنَّا نمزح معه ونقول له: يا سيِّد هل اليوم يوم أربعاء؟
فقرَّرت في ذهني أنْ أقول له: يا سيِّد اليوم ليس أربعاء إنَّما هو الخميس، ولكن وقبل أنْ أبدأ بالكلام معه قال لي مبتسماً: «أعلم أنَّ اليوم الخميس وليس أربعاء، فما هي أسئلتك الثلاثة هاتها لنرى؟!».
لم التفت إلى أنَّه من أين عرف أنَّ في ذهني ثلاثة أسئلة قبل أنْ أتفوَّه بحرف واحد.
قلت: يا سيِّد، يا بن رسول الله، تركت درسك وجئت إلى هذه البيداء، ألم تعلم أنَّ الزمن زمن الدبَّابات والمدافع؟ فأخذت هذا الرمح بيدك وجئت إلى هذه المنطقة التي يرتادها الصديق والعدوُّ، اذهب، اذهب واقرأ درسك!
ابتسم (روحي فداه) وأشار بعينه إلى الأرض وقال: «إنِّي أُخطِّط لبناء مسجد هنا».
قلت: للجنِّ أم للملائكة؟
قال: «للبشر».
قلت: أخبرني من فضلك، لماذا منعتني من قضاء الحاجة في ذلك الموضع، وبعدُ لَم يُبْنَ المسجد؟
قال: «إنَّ أحد أعزَّاء فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وقد سقط في ذلك الموضع شهيداً، وقد خطَّطت ذلك المستطيل ليكون محراباً للمسجد.
وهنا، سقطت قطرات دمه، وسيكون هذا الموضع مكان وقوف المصلِّين المؤمنين.
وهناك ستكون المرافق الصحّيَّة، حيث سقط أعداء الله ورسوله».

(١١٣)

ثمّ أدار وجهه وحوَّلني إلى جهة الوراء وقال: «وهنا ستُبنى حسينيَّة»، وتقاطرت دموعه من عينيه، فبكيت أنا أيضاً.
ثمّ قال - مشيراً إلى موضع آخر -: «وهنا ستقام مكتبة، فهل تتبرَّع أنت بكُتُبها؟».
قلت: بثلاث شروط يا بن رسول الله، الأوَّل: أنْ أبقى حيًّا إلى ذلك الوقت.
قال: «إنْ شاء الله».
الشرط الثاني: أنْ يُبنى مسجد هنا.
قال: «بارك الله».
الشرط الثالث: أنْ يكون ذلك بقدر استطاعتي وإنْ كان كتاباً واحداً، وذلك استجابةً لأمرك لأنَّك ابن رسول الله، ولكن أرجوك أنْ ترجع وتقرأ درسك.
يا سيِّد اطرد هذه الأفكار عن مخيِّلتك!
فتبسَّم ثانيةً، وضمَّني إلى صدره.
فقلت له: لم تُخبرني بعد، من الذي سيبني هذا المسجد؟
قال (عجَّل الله فرجه): ﴿يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ (الفتح: 10).
قلت: يا سيِّدي، إنَّ دراستي تُؤهِّلني لأنْ أعرف معنى هذه الآية.
قال: «سترى بنفسك في آخر الأمر، وعندما ستراه مبنيًّا أبلغ سلامي لبانيه».
ثمّ ضمَّني مرَّةً أُخرى إلى صدره وقال: «جزاك الله خيراً».
رجعت إلى رفقائي، فوجدت بأنَّهم أصلحوا السيَّارة، فسألتهم عن سبب العطل؟

(١١٤)

قالوا: وضعنا عود كبريت تحت هذا الشريط الكهربائي وعندما رجعت أنت اشتغل المحرِّك، ولكن أخبرنا مع من كنت تتحدَّث تحت الشمس؟!
قلت: ألم تشاهدوا هذا السيِّد المهيب بهذا الرمح الطويل الذي بيده؟ كنت أتحدَّث معه.
قالوا: أيُّ سيِّد هذا الذي تتحدَّث عنه؟!
قال العسكري: أدرت وجهي لأُشير لهم إليه، فلم أرَ سيِّداً، ورأيت الأرض مسطَّحة بدون تعاريج ولا تلال ولا أحد هناك.
انتفضت من غفلتي، ودخلت وجلست في السيَّارة ولم أتفوَّه بكلمة واحدة.
ذهبنا إلى حرم السيِّدة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر (عليها السلام)، ولم أدرِ كيف صلَّيت صلاة الظهر والعصر، واتَّجهنا إلى مسجد جمكران.
وعلى أيِّ حالٍ، وصلنا إلى جمكران، فتغدَّينا هناك، ولكنِّي كنت مضطرباً، فكان رفقائي يتكلَّمون معي ولكنِّي لم أكن أسمع ما يقولون ولا أقدر على جوابهم.
وفي مسجد جمكران جلست في زاوية، وكان قد جلس على أحد جانبيّ شيخ كبير، وعلى الجانب الآخر أحد الشباب، وأنا جالس وسطهما أبكي وأُناجي.
أدَّيت صلاة المسجد، وأردت أنْ أسجد السجدة الواردة بعد الصلاة بذكر الصلوات على محمّد وآل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فرأيت سيِّداً تفوح منه رائحة طيِّبة، فقال لي: «السلام عليك يا سيِّد عسكري»، ثمّ جلس إلى جنبي وأخذ يُقدِّم لي النصيحة.
لقد كان صوته نفس صوت السيِّد الذي رأيته صباحاً إلى جانب الشارع.

(١١٥)

اشتغلت بالسجود والذكر، ولكن كان بالي قد اشتغل به، فصمَّمت أنْ أرفع رأسي من السجود وأسأله عن نفسه وأنَّه من أين يعرف اسمي؟
ولكن ما إنْ رفعت رأسي لم أجده إلى جانبي.
سألت ذلك الشيخ الذي كان إلى جانبي عن السيِّد الذي كان يُكلِّمني وأين ذهب؟
فقال الشيخ: ما رأيت أحداً.
وسألت الشابَّ الذي بجنبي، فأنكر وجوده أيضاً.
وهنا كأنَّ زلزلة أصابتني، فعلمت أنَّ ذلك السيِّد هو المهدي (عجَّل الله فرجه)، فتغيَّر حالي وأُغمي عليَّ، فجاء رفقائي ورشُّوا الماء على وجهي، وسألوني عن القضيَّة.
المهمُّ أدَّيت آداب المسجد، وقفلنا راجعين إلى طهران سريعاً.
التقيت لدى وصولي إلى طهران مباشرةً بالمرحوم الحاجّ الشيخ جواد الخراساني، وحكيت له القصَّة، فسألني عن أوصاف السيِّد، فوصفته له، فقال: لقد كان المهدي (عجَّل الله فرجه)، فاصبر لنرى هل سيُشيَّد المسجد في المكان الذي وصفه أم لا.
قبل فترة تُوفِّي والد أحد أصدقائنا، فحملنا جنازته بمعيَّة رفقاء المسجد، واتَّجهنا إلى مدينة قم لدفنه، ولـمَّا وصلنا إلى ذلك المحلِّ رأيت أنَّ بناءً قد شُيِّد في ذلك المكان، فسألت عنه فقيل لي: إنَّه مسجد باسم مسجد الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، يقوم أبناء الحاجّ حسين السوهاني ببنائه، (وكانوا قد اشتبهوا في الاسم).
وردنا مدينة قم، وأخذنا الجنازة إلى المقبرة ودفنَّاها، وكنت مضطرباً، فقلت للأصدقاء: اسمحوا لي أنْ أذهب لحاجة ما دمتم مشغولين بأكل الغداء.
استأجرت سيَّارة وذهبت إلى دُكَّان أولاد الحاجّ حسين السوهاني.

(١١٦)

وصلت إلى هناك، وسألت ابن الحاجّ حسين قائلاً: أصحيح أنَّكم مسؤولون عن بناء مسجد في طريق طهران القديم؟
قال: لا.
قلت: إذن من المسؤول عن بناء ذلك المسجد؟
قال: الحاجّ يد الله رجبيان!
وما أنْ نطق بكلمة (يد الله) انتاب قلبي الخفقان، واضطربت!
فقال لي: ماذا حصل؟
وجاء بكرسي، وأجلسني عليه، بينما كان العرق يتصبَّب من جبيني وقلت في نفسي: ﴿يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ (الفتح: 10)، إنَّه الحاجّ يد الله رجبيان. ولم أكن إلى ذلك الوقت قد تعرَّفت على هذا الرجل.
رجعت إلى طهران، وأخبرت المرحوم الحاجّ الشيخ جواد الخراساني بالقضيَّة، فقال: اذهب إلى الحاجّ يد الله رجبيان وتابع الموضوع.
فسافرت إلى قم، بعد أنِ اشتريت أربعمائة كتاب واتَّجهت إلى محلِّ عمل الحاجّ رجبيان، وهو معمل نسيج.
سألت الحارس عن الحاجّ رجبيان، فأخبرني أنَّه ذهب إلى منزله، فالتمست منه أنْ يتَّصل هاتفيًّا بالحاجّ ويُخبِره بأنَّ شخصاً جاء من طهران للقائه.
اتَّصل الحارس بالحاجّ، وتحدَّثت معه هاتفيًّا، وقلت: لقد جئت من طهران، وقد أوقفت أربعمائة نسخة كتاب لمكتبة المسجد، فلمن أُسلِّمها؟
قال الحاجّ يد الله رجبيان: وكيف فعلت ذلك، وكيف تعرَّفت علينا؟
قلت: يا حاجّ، إنَّها وقف للمسجد.
قال: لا بدَّ أنْ تُخبِرني عن مصدر هذه الكُتُب.
قلت: لا يمكنني هاتفيًّا.

(١١٧)

قال: إذن أنتظرك ليلة الجمعة القادمة، فهات الكُتُب إلى منزلنا.
وأعطاني عنوان المنزل.
رجعت إلى طهران، وأرزمت الكُتُب رُزَماً رُزَماً، ويوم الخميس جئت إلى قم بسيَّارة أحد الأصدقاء حاملاً تلك الكُتُب وقصدت منزل الحاجّ.
قال لي الحاجّ: لا يمكنني أنْ أقبل هذه الكُتُب ما لم تُخبِرني بقصَّتك.
وعلى أيِّ حالٍ، أخبرته بقصَّتي ودفعت إليه الكُتُب.
ذهبت إلى المسجد، وصلَّيت ركعتي صلاة الحجَّة (عجَّل الله فرجه) وبكيت كثيراً.
رأيت أنَّ المسجد والحسينيَّة قد بنيا طبق المخطَّط الذي رسمه الإمام (عجَّل الله فرجه).
قال لي الحاجّ يد الله رجبيان: جزاك الله خيراً، لقد وفيت بعهدك.
هذه حكاية مسجد الإمام الحسن (عليه السلام).
ومضافاً إلى هذه الحكاية، نقل الحاجّ يد الله رجبيان حكاية لطيفة أُخرى ترتبط بهذا المسجد، أنقلها إليكم باختصار.
قال الحاجّ رجبيان: طبقاً للمعمول في أعمال البناء وهو أنَّ أُجور العُمَّال تُدفَع لهم ليلة الجمعة، وذات ليلة جمعة كنت قد عزلت المال اللازم لدفع أُجور العُمَّال، فجاء رئيس العُمَّال طبقاً للعادة لأخذ أُجور عملته، وقال: جاء اليوم أحد السادة بباب المسجد وأعطاني هذه الورقة الماليَّة من فئة خمسين تومان، تبرُّعاً منه للمسجد.
فقلت له: إنَّ باني هذا المسجد لا يقبل مالاً من أحد.
فقال لي السيِّد بحِدَّة: «خذها فإنَّه سيقبلها».
أخذت منه الورقة الماليَّة، وكان قد كُتِبَ عليها: لمسجد الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)!
يقول الحاجُّ رجبيان: أخذت الورقة الماليَّة، وبعد يومين أو ثلاثة، جاءت

(١١٨)

امرأة تستعطي، وشرحت لي حالها وحاجتها وحاجة يتيميها إلى المال، فأدخلت يدي في جيبي فلم أجد فيها شيئاً من المال، وكأنِّي غفلت عن أخذ شيء من المال من منزلي، فاضطررت إلى أنْ أعطيها تلك الورقة الماليَّة (الخمسون توماناً)، وقلت في نفسي: سأضع من مالي عوضاً عنها لبناء المسجد. وأعطيت [العنوان] للمرأة لكي تأتي إليَّ أُساعدها بأكثر من هذا المقدار.
أخذت المرأة الورقة وانصرفت ولم تَعُدْ بعد ذلك مع أنِّي أعطيتها العنوان لمراجعتي.
ولكنِّي تأسَّفت وندمت على إعطاءها الورقة المالية، لأنَّها كانت مخصَّصة للمسجد.
وفي الأُسبوع اللَّاحق جاء كبير العملة لأخذ أُجور العُمَّال، وقال لي: يا حاجّ، عندي إليك حاجة، فإنْ وعدتني بقضائها أخبرتك عنها.
قلت له: قل، وسأقضي حاجتك إنْ كان بوسعي ذلك.
قال: يمكنك ذلك.
قلت له: قل حتَّى أعدك بقضائها.
وهكذا استمرَّ الأخذ والردُّ بيني وبينه.
وأخيراً قلت له: قل، فإنِّي سأفعل.
وبعد أنْ أخذ منِّي العهد على ذلك قال: أُريد تلك الورقة الماليَّة التي جئتك بها الأُسبوع الماضي، والتي دفعها ذلك السيِّد لبناء المسجد.
قلت: يا أُستاذ، لا تصبُّ الزيت على ناري، لقد جدَّدت جرحي (لأنِّي ندمت كثيراً بعد إعطاء الورقة لتلك المرأة وبقيت لمدَّة سنتين، كلَّما وقعت في يدي ورقة ماليَّة من فئة الخمسين توماناً، دقَّقت النظر فيها علَّها تكون تلك الورقة التي فرَّطت فيها بسهولة).

(١١٩)

قلت لأُستاذ البنَّائين: في تلك الليلة لم تشرح لي جيِّداً قصَّة هذه الورقة الماليَّة، واليوم أطلب منك ذلك.
قال: نعم، لقد كان الوقت حوالي الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر، وكان الطقس حارًّا جدًّا، وكنَّا مشغولين بالبناء أنا وبعض العملة، وفجأةً رأيت سيِّداً ورد من أحد أبواب المسجد، وكان نورانيًّا جذَّاباً، تبدو عليه الهيبة والجلال، فاختطف قلبي، ولم تعد يدي تطاوعني للعمل، وإنَّما كنت فقط أُريد التمتُّع بمشاهدة جماله.
جاء السيِّد ودخل إلى صالة المسجد وأخذ يتمشَّى فيها، ثمّ تقدَّم نحوي وكنت على منصَّة العمل، فأدخل يده تحت عباءته وأخرج ورقة نقديَّة وقال: «يا أُستاذ، خذ هذا المال واعطه لباني المسجد».
قلت: يا سيِّد، إنَّ باني المسجد لا يقبل مالاً من أحد، وأخشى أنْ آخذ المال منك ولا يقبله أيضاً، ويغضب عليَّ.
فقال: «قلت لك: خذها، وإنَّه سيقبلها».
ائتمرت بأمره وأخذت المال منه، وخرج من الصالة إلى الخارج.
قلت في نفسي: ترى من يكون من هذا السيِّد الذي جاء في هذا الطقس الحارِّ؟
ناديت أحد العملة باسم (مشهدي عليّ) وقلت له: اذهب خلف هذا السيِّد وانظر إلى أين يذهب، ومع من وبأيِّ واسطة نقل جاء إلى هنا.
ذهب مشهدي عليّ، ومضت أربعة دقائق وخمسة دقائق ولم يعد مشهدي عليّ، فتشتَّتت أفكاري جدًّا، فناديت مشهدي عليّ وكان واقفاً خلف أُسطوانه في المسجد، قلت له: لماذا لا تأتي؟
قال: أنا واقف أتفرَّج على هذا السيِّد.
قلت: تعالَ.

(١٢٠)

وعندما جاء قال: لقد ذهب السيِّد.
قلت: بأيِّ وسيلة نقل ذهب؟هل كانت سيَّارة؟
قال: لا، ليس من وسيلة نقل، إنَّما ذهب ماشياً.
قلت: فلماذا وقفت ولم ترجع لتُخبرني؟
قال: كنت واقفاً أتمتَّع بمشاهدته.
قال الحاجّ رجبيان: هذه قصَّة الخمسين توماناً، ولكن صدِّقوني لقد كان لهذه الورقة النقديَّة أثراً بالغاً في بناء المسجد، ولم أكن واثقاً أنِّي أستطيع بمفردي إكمال بناء هذا المسجد بهذه الهيأة، ومن حين وصول هذه الورقة النقديَّة بيدي تركت أثراً كبيراً على عمل المسجد وعلى عملي الشخصي أيضاً.
نهاية الحكاية(95).
إشارة:
عند تتبُّع سيرة أهل البيت (عليهم السلام) نجد ويجد معنا كلُّ منصف مهما كان مذهبه وعقيدته، أنَّهم ما دعوا إلَّا إلى مكارم الأخلاق، وإلى الخير، وإلى كلِّ ما من شأنه أنْ يُؤدِّي بهذا الإنسان إلى السعادة والكمال.
فإذا ما أخذت كتاباً -أيَّ كتاب - ذُكِرَت فيه حياتهم الشريفة، ما وجدت فيه إلَّا العلم، والورع، والتقوى، والصدق، والوفاء، والإحسان، والعفو، والإيثار، والسماح، والشجاعة، والإباء، والانتصار للمظلوم، لن تجد ولن يجد أحدٌ مهما دقَّق في سيرتهم، منقصة يمكن أنْ تُنسَب إليهم (عليهم السلام)، هذا إذا كان منصفاً، حتَّى لو كان عدوًّا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(95) أجوبة المسائل العشرة (فارسي) (ص 34 - 40)، عنه اللقاء مع صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) (ص 17 - 22/ الحكاية 2).

(١٢١)

فها هو معاوية بن أبي سفيان ألدُّ أعداء أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يجد إلى النيل من شخصيَّة عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) سبيلاً، ممَّا اضطرَّه إلى اللعن والشتم، وهي حيلة العاجز، فماذا يقول؟ هل يصف عليًّا بالكذب؟ حاشا لله. هل يصفه بالجبن؟ هل يصفه بالكفر؟ هل يصفه بالبخل؟ هل يصفه بعدم الوفاء؟
لا يقدر معاوية على ذلك، ولا يجرؤ عاقل على ذلك مهما كان عداؤه شديداً لأمير المؤمنين (عليه السلام)، لأنَّ نسبة هذه الأُمور إلى عليٍّ (عليه السلام) يُنكِره كلُّ عاقل بعد أنْ شهد الله لعليٍّ (عليه السلام) بأنَّه الصراط المستقيم(96)، وأنَّه النبأ العظيم(97)، وأنَّه باب حطَّة من دخله كان آمناً(98)، وأنَّه شرى نفسه لله(99)، وأنَّه صدق ما عاهد الله عليه(100)، وأنَّه... وأنَّه...
كلُّ هذا واضح للجميع، للشيعي وللسُّنِّي، للمسلم ولغير المسلم، ولم نأتِ بجديد إذا ما ذكرنا ذلك.
وحينئذٍ يحقُّ لنا أنْ نتساءل قائلين: ترى إذا كان أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) يتَّصف بكلِّ ذلك، إذن لماذا هذا العداء السافر له؟
ولماذا هذا العداء السافر لأولاده؟
فعلى مرِّ التاريخ، وكلَّما جاءت حكومة، صبَّت حِمَمَ غضبها على رؤوس أولاد عليٍّ (عليه السلام)، فاضطهدوهم وطاردوهم وشرَّدوهم وسجنوههم وصادروا أموالهم وقتلوهم جماعات جماعات، بشتَّى أنواع القتل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(96) راجع: شواهد التنزيل للحَسَكاني (ج 1/ ص 78 - 85/ ح 92 - 105).
(97) راجع: شواهد التنزيل للحَسَكاني (ج 2/ ص 417 و418/ ح 1072 - 1075).
(98) راجع: شواهد التنزيل للحَسَكاني (ج 1/ ص 360 و361/ ح 373).
(99) راجع: شواهد التنزيل للحَسَكاني (ج 1/ ص 123 - 131/ ح 133 - 142).
(100) راجع: شواهد التنزيل للحَسَكاني (ج 2/ ص 5 و6/ ح 627 و628).

(١٢٢)

فالتاريخ ينقل لنا صور مروَّعة لعمليَّات قتل جماعي أقدم عليها خلفاء بني العبَّاس وغيرهم لأولاد عليٍّ (عليه السلام).
وها هي الأرض على سعتها تضمُّ أجساداً طاهرة هنا وهناك لأولاد عليٍّ الذين فرُّوا من نير ظلم الحُكَّام الذين طاردوهم تحت كلِّ حجر ومدر.
الحكاية السابقة تُبيِّن جانباً من هذه الجرائم، فالعشرات من أولاد الإمام عليٍّ (عليه السلام) قُتلوا وبقيت قبورهم مجهولة، ومخفيَّة لعشرات السنين أو لمئات السنين، إلى أنْ شاءت الإرادة الإلهيَّة الكشف عن تلك القبور، لتكون مزاراً لأهل الحقِّ والحقيقة، ولتكون شاهداً على ظلم الجاحدين للقِيَم والمبادئ الإسلاميَّة.
فنجد في الحكاية كيف أنَّ الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) قد كشف أنَّه قد سقط في هذا المكان أحد أولاد فاطمة وعليٍّ (عليهما السلام) شهيداً مضرَّجاً بدمه، وصار موضع استشهاده محراباً يُعبَد به الله (عزَّ وجلَّ)، وأنَّ تلك الأرض التي سقطت عليها قطرات دمه الزاكي ستكون موضع وقوف المصلِّين لربِّهم تعالى، ذاكرين آلاء الرحمن، ومتذكِّرين مظلوميَّة أهل البيت (عليهم السلام).
﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (الصفّ: 8).

* * *

(١٢٣)

الآية التاسعة عشرة: ﴿بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (هود: 86)

أخرج السيِّد المؤمن الشبلنجي في (نور الأبصار)، وابن الصبَّاغ المالكي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في حديث طويل ذكره، وفيه: «فإذا خرج (يعني المهدي) أسند ظهره إلى الكعبة، واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أتباعه، فأوَّل ما ينطق به هذه الآية: ﴿بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، ثمّ يقول: أنا بقيَّة الله، وخليفته، وحجَّته عليكم، فلا يُسلِّم عليه أحد إلَّا قال: السلام عليك يا بقيَّة الله في الأرض...» إلخ(101).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(101) نور الأبصار (ص 349)، الفصول المهمَّة (ج 2/ ص 1135)، ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 331/ باب 32/ ح 16).

(١٢٥)

الحكاية التاسعة عشرة: عبد الغفَّار الخوئي

في زمن المرحوم الحاجّ الشيخ محمّد حسين المحلَّاتي جدّ المرحوم آية الله الحاجّ الشيخ بهاء الدِّين المحلَّاتي، ورد رجل بلباس مندرس مدرسة (خان شيراز) في مدينة شيراز، وطلب من خادم المدرسة أنْ يسمح له بالسكن في إحدى غُرَف تلك المدرسة.
قال له الخادم: إنَّ هذا الأمر بيد متصدِّي المدرسة وليس بيدي، فاذهب إليه - وكان المتصدِّي في ذلك الوقت رجل يُدعى سيد رنگرز - واطلب منه ذلك.
يراجع الرجل متصدِّي المدرسة ويطلب منه غرفة للسكن فيها، فيقول له المتصدِّي: هذه مدرسة ولا نُعطي غرفة إلَّا لطُلَّاب العلوم الدِّينيَّة.
فيقول الرجل: أعلم ذلك، ولكنِّني أُريد منك غرفة لأسكن فيها لعدَّة أيَّام فقط.
وأمر متصدِّي المدرسة - بلا إرادة - خادم المدرسة بأنْ يُعطي هذا الرجل غرفة في المدرسة ليرتاح فيها!
ويدخل الرجل في غرفته، ويغلق الباب على نفسه ولا يعاشر أحداً في تلك المدرسة.
كان خادم المدرسة وطبعاً للمعمول في المدارس يغلق باب المدرسة مساءً ويقفله ولكنَّه عندما يستيقظ صباحاً يجد بأنَّ الباب مفتوح.
ويتكرَّر ذلك عدَّة أيَّام، فيتحيَّر الخادم بذلك ويُخبِر متصدِّي المدرسة

(١٢٦)

بالأمر، فيأمره المتصدِّي بأنْ يقفل الباب هذه الليلة ويُعطيه المفتاح بيده ليرى من الذي يفتح القفل كلَّ ليلة ويخرج من المدرسة.
وفي الصباح يجد المتصدِّي أنَّ الباب قد فُتِحَ أيضاً، وأنَّ شخصاً قد خرج من المدرسة.
ولأنَّ هذا الأمر بدأ يحدث من حين ورود ذلك الرجل الغريب إلى المدرسة، اتَّجهت الشكوك نحوه، فيقول متصدِّي المدرسة لنفسه: لا بدَّ أنَّ هناك سرًّا ما في هذا الرجل الغريب.
ومع ذلك فإنَّ متصدِّي المدرسة يُخفي هذا في نفسه ويحاول التقرُّب إلى الرجل العجوز لاكتشاف ذلك السرِّ، فأخذ يتردَّد على غرفته ويلاطفه ويُظهِر حبَّه له، ويطلب منه أنْ يُعطيه ملابسه ليغسلها له وأنْ يعاشر طُلَّاب المدرسة، ولكن الرجل رفض كلَّ ذلك وكان يقول: لا أحتاج لأحد.
ومرَّت فترة على هذا المنوال.
وذات ليلة دعا الرجل الغريب كُلًّا من المرحوم الحاجّ الشيخ محمّد حسين المحلَّاتي ومتصدِّي المدرسة إلى حجرته، وقال لهما: لـمَّا كانت منيَّتي قد دنت، فإنِّي أُحِبُّ أنْ أقصَّ عليكما قصَّتي، وأرجو منكما أنْ تدفناني في محلٍّ لائق بعد موتي.
قال: اسمي عبد الغفَّار، وشهرتي المشهدي الخوئي، من أهل خوي، وأنا جندي.
عندما كنت في الخدمة العسكريَّة كان هناك ضابط سُنِّي تجاسر على مولاتي فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فلم أتمالك نفسي وكان إلى جانبي سكِّين وكنت أنا والضابط لوحدنا، فأخذت السكين وقتلت الضابط، وفررت من خوي وعبرت الحدود إلى العراق وذهبت إلى كربلاء. بقيت مدَّة من الزمن في كربلاء ثمّ في النجف ثمّ في الكاظمين وسامرَّاء.
ذات يوم فكَّرت في الرجوع إلى إيران والإقامة في مشهد المقدَّسة جنب قبر الإمام عليِّ بن موسى الرضا (عليه السلام) إلى آخر عمري.

(١٢٧)

وفي طريق العودة وصلت إلى شيراز، وأخذت غرفة في هذه المدرسة كما تلاحظون.
في أواخر الليل وعندما كنت أقوم للتهجُّد كنت أرى قفل وباب المدرسة ينفتحان لي، فكنت أخرج إلى جنب جبل القبلة وأُصلِّي صلاة الصبح خلف مولاي وليِّ العصر (روحي فداه)، وإنِّي لآسف جدًّا لأهل هذا البلد، إذ من بين كلِّ هؤلاء السُّكَّان لا يخرج إلَّا خمسة أفراد للصلاة خلف إمام الزمان (عجَّل الله فرجه).
وهنا ينبري المرحوم شيخ محمّد حسين المحلَّاتي ومتصدِّي المدرسة ويقولان له: دفع الله عنك البلاء إنْ شاء الله وستبقى حيًّا، وخاصَّةً وأنَّك لا تشكو من علَّة.
فيقول الرجل في جوابهما: محالٌ أنْ يخطأ قول مولاي وليِّ العصر (عجَّل الله فرجه)، فإنَّه أخبرني اليوم بأنِّي سأموت في هذه الليلة.
وعلى أيِّ حالٍ، أوصى الرجل بوصاياه، وغطَّى رأسه بلحاف ونام، وما هي إلَّا لحظة حتَّى فارق الدنيا.
وفي اليوم الثاني يُخبِر المرحوم الشيخ محمّد حسين المحلَّاتي علماء شيراز بالقضيَّة، ويُعلِن هو والمرحوم الحاجّ شيخ مهدي الكجوري عن تعطيل البلد تجليلاً لذلك الرجل، ويُشيَّع جثمانه الطاهر بكلِّ احترام وتجليل، فيُدفَن في مقبرة دار السلام في شيراز في الطرف الشرقي، ومدفنه اليوم مزار لخواصِّ أهل شيراز، حتَّى إنَّ البعض يتوسَّلون به إلى الله لقضاء الحوائج، كما أنَّ علماء شيراز ومراجع التقليد كالمرحوم المحلَّاتي كانوا على الدوام يزورون قبره.
وقبره في شيراز معروف بقبر الجندي أو (الطوبچي)(102).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(102) الكمالات الروحيَّة (ص 237 - 244).

(١٢٨)

إشارة:
ورد عن أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) أنَّه قال في ضمن ما قال: «إنَّ الله أخفى أولياءه في عباده، فلا تحتقرنَّ أحداً من عباده، فقد يكون وليًّا من أوليائه»(103).
وهذه حقيقة واضحة من خلال الوجدان، وكلُّ كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) حقيقة لا تقبل الشكَّ.
وهذا الأمر يرتبط بأُمور:
منها: أنَّ أولياء الله قد وصلوا إلى مرتبة من الكمال تعصمهم عن الرياء وحبِّ الظهور والاستعلاء على الناس، ومثل هذه الأمراض الروحيَّة إنَّما هي شأن الجُهَّال والناقصين الذين يحاولون سدَّ النقص فيهم عن طريق الاستعلاء والتغطرس على الآخرين بأُمور لم تكن يوماً ما مقياساً للكمال، كالملابس والمساكن والمناصب وحتَّى العبادات الظاهريَّة المجرَّدة عن الروح والخشوع.
أمَّا الأولياء فيتستَّرون على عباداتهم، وطاعاتهم، وفضائلهم، وقدراتهم، ولا يبدون ذلك للناس، بل إنَّ التستُّر والتكتُّم والابتعاد عن الظهور يُعَدُّ واحداً من أهمّ الأُصول عندهم في السير والتكامل.
ومن هنا تجد أنَّ سيرة هؤلاء ومقاماتهم تبقى خافية على عامَّة الناس، حتَّى يرحل هؤلاء من الدنيا فيظهر شيء قليل من مقاماتهم على لسان هذا أو ذاك الشخص الذي أعطى تعهُّداً بعدم إفشاء الأسرار مادام ذلك الوليُّ على قيد الحياة الظاهريَّة.
وللوقوف على هذه الحقيقة أكثر فأكثر، يكفي مطالعة بعض المؤلَّفات التي تناولت حياة هؤلاء الأولياء الذين وصل بعضهم إلى مقام الإنسان الكامل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(103) قد مرَّ في (ص 73)، فراجع.

(١٢٩)

وقد قرأنا في الحكاية السابقة كيف أنَّ هذا الوليَّ قد وصل إلى مقام يُؤهِّله للصلاة يوميًّا خلف الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) في زمن الغيبة الكبرى، وهو شرف لا يناله إلَّا الأوحدي من الناس.

* * *

(١٣٠)

الآية العشرون: ﴿قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ (هود: 80)

روى الحافظ القندوزي (الحنفي) بإسناده عن جعفر الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «ما كان قول لوط (عليه السلام) لقومه: ﴿قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ إلَّا تمنّياً لقوَّة القائم المهدي وشدَّة أصحابه، وهم الركن الشديد، فإنَّ الرجل منهم يُعطى قوَّة أربعين رجلاً، وإنَّ قلب رجل منهم أشدّ من زبر الحديد، لو مرُّوا بالجبال الحديد لتدكدكت، لا يكفون سيوفهم حتَّى يرضى الله (عزَّ وجلَّ)»(104).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(104) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 241/ ح 21)، ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 673/ باب 58/ ح 26).

(١٣١)

الحكاية العشرون: السيِّد بحر العلوم (قدّس سرّه)

نقل العلَّامة النوري في (جنَّة المأوى)، قال: حدَّثني العالم الصالح المتديِّن التقي جناب الميرزا حسين اللَّاهيجاني الرشتي المجاور بالنجف الأشرف، وهو من أعزَّة الصلحاء والأفاضل الأتقياء والثقة الثبت عند العلماء، قال: حدَّثني العالم الربَّاني والمؤيَّد من السماء المولى زين العابدين السلماسي المتقدِّم ذكره، قال:
إنَّ السيِّد الجليل بحر العلوم (طاب ثراه) ورد يوماً في حرم أمير المؤمنين (عليه آلاف التحيَّة والسلام)، فجعل يترنَّم بهذا المصرع:

چه خوش است صوت قرآن * * * ز تو دل ربا شنيدن
(كم هو جميل صوت القرآن من لسانك، إنَّه حقًّا يخطف القلوب).

فسُئِلَ (رحمه الله) عن سبب قراءته هذا المصرع، فقال: لـمَّا وردت في الحرم المطهَّر رأيت الحجَّة (عجَّل الله فرجه) جالساً عند الرأس يقرأ القرآن بصوت عال، فلمَّا سمعت صوته قرأت المصرع المزبور، ولـمَّا وردت الحرم ترك قراءة القرآن، وخرج من الحرم الشريف(105).
إشارة:
كثير من الناس يقرأ القرآن الكريم، ولكنَّه لا يلتفت حتَّى إلى معانيه، وإنَّما يُعجِبه فيه أنَّه كلام بديع، جميل، أنيق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(105) جنَّة المأوى (ص 137/ الحكاية 54)، النجم الثاقب (ج 2/ ص 291/ الحكاية 79).

(١٣٢)

ومثل هؤلاء لا يستفيدون من القرآن إلَّا بهذا المقدار.
وبعض الناس يقرأ القرآن ويُعجِبه فيه تلك الحقائق الرائعة التي يُبيِّنها القرآن، من علوم وقَصص وأمثال، ويقف عند هذا الحدِّ، وهو مبلغه من الاستفادة منه.
والقليل من الناس يتفاعل مع القرآن الكريم، ويعيش مع هذا القانون والمنهج الإلهي العظيم ويجعله دستوراً لحياته، وكلَّما ازداد علماً بحقائق القرآن وعلومه كلَّما ازداد شرفاً وكمالاً بتطبيقه.
وأمَّا المعصوم فعلاقته بالقرآن الكريم تتجاوز كلَّ ذلك، فالمعصوم لا ينفكُّ لحظة عن القرآن الكريم في كلِّ حركاته وسكناته، فهو القرآن المجسَّد والناطق، وإذا قرأ المعصوم القرآن فليس فقط يقف عند كلِّ آية ويتفكَّر في سبب نزولها وتفسيرها وتأويلها، بل إنَّ المعصوم عندما يقرأ القرآن كأنَّه يسمع القرآن مشافهةً من صاحب القرآن.
فالقران كلام الله، والمعصوم يقرأ كلام الله الذي يسمعه بكلِّ وجوده، لا بعينيه ولسانه فقط، ويرى حقيقة القرآن من خلال معرفته بحقيقة الله الصفاتيَّة، ومن ثَمَّ تجد أنَّ دعاء المعصوم ومناجاته وتضرُّعه إلى الله تختلف كلُّ الاختلاف عن دعاء ومناجاة سائر أولياء الله، بل لا يمكن المقايسة بينهما، ومن ثَمَّ إذا سمعت المعصوم يقرأ كلام الله تجد أنَّ قراءته تختلف عن قراءة سائر الأولياء، بل لا يمكن المقارنة بينهما.
ولذا نجد أنَّ السيِّد بحر العلوم مع ما أُوتي من علم وفضل وتقوى وكمال يقف مبهوتاً عندما يسمع قراءة الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) للقرآن الكريم، فيترنَّم بقراءة ذلك المصرع من الشعر.
ومن هذه الحكاية ومن غيرها من الحكايات المرتبطة بتشرُّف هذا السيِّد

(١٣٣)

الجليل بلقاء الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) نستكشف أنَّ السيِّد بحر العلوم كان إذا رأى الإمام (عجَّل الله فرجه) عرفه، وهذا يدلُّ على كثرة تشرُّفاته بلقاء الإمام (عجَّل الله فرجه).
فهنيئاً له هذا الشرف الذي ما ناله إلَّا بالتقوى والجدِّ والإخلاص في الطاعات، وبفضل أهل البيت (عليهم السلام) عليه.

* * *

(١٣٤)

الآية الحادية والعشرون: ﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 261)

أخرج العالم (الشافعي) جمال الدِّين المقدسي السلمي الدمشقي في كتابه (عقد الدُّرَر) بسنده عن عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) في وصف الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، قال: «فيبعث المهدي (عليه السلام) إلى أُمرائه بسائر الأمصار بالعدل بين الناس...»، إلى أنْ قال: «ويُذهِب الشرَّ، ويُبقي الخيرَ. ويزرع الإنسان مُدًّا يخرج له سبعمائة مُدٍّ، كما قال الله تعالى: ﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾»(106).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(106) عقد الدُّرَر (ص 159).

(١٣٥)

الحكاية الحادية والعشرون: الشيخ عليٌّ البغدادي

قال العلَّامة النوري في (النجم الثاقب): قضيَّة الصالح الصفي التقي الحاجّ عليٍّ البغدادي الموجود حاليًّا في وقت تأليف هذا الكتاب (وفَّقه الله)، وهي تناسب الحكاية السابقة، ولو لم يكن في هذا الكتاب الشريف إلَّا هذه الحكاية المتقنة الصحيحة التي فيها فوائد كثيرة، وقد حدثت في وقت قريب، لكفت في شرفه ونفاسته.
وتفصيلها كما يلي: في شهر رجب السنة الماضية كنت مشغولاً بتأليف رسالة (جنَّة المأوى)، فعزمت على السفر إلى النجف الأشرف لزيارة المبعث، فجئت الكاظمين ووصلت بخدمة جناب العالم العامل والفقيه الكامل السيِّد السند والحبر المعتمد الآقا السيِّد محمّد ابن العالم الأوحد السيِّد أحمد ابن العالم الجليل والدوحة النبيل السيِّد حيدر الكاظميني (أيَّده الله)، وهو من تلامذة خاتم المجتهدين وفخر الإسلام والمسلمين الأُستاذ الأعظم الشيخ مرتضى (أعلى الله تعالى مقامه)، ومن أتقياء علماء تلك البلدة الشريفة، ومن صلحاء أئمَّة جماعة الصحن والحرم الشريف، وكان ملاذاً للطلَّاب والغرباء والزوَّار. أبوه وجدُّه من العلماء المعروفين، وما زالت تصانيف جدِّه سيِّد حيدر في الأُصول والفقه وغيرهما موجودة.
فسألته إذا كان رأى أو سمع حكاية صحيحة في هذا الباب أنْ ينقلها منقل

(١٣٦)

هذه القضيَّة، وكنت قد سمعتها سابقاً ولكنِّي لم أضبط أصلها وسندها، فطلبت منه أنْ يكتبها بخطِّ يده.
فقال: سمعتها من مدَّة وأخاف أنْ أزيد فيها أو أنقص، فعليَّ أنْ ألتقي به وأسأله ومن ثَمَّ أكتبها، ولكن اللقاء به والأخذ منه صعب فإنَّه من حين وقوع هذه القضيَّة قلَّ أُنسه بالناس وسكناه في بغداد، وعندما يأتي للتشرُّف بالزيارة فإنَّه لا يذهب إلى مكان ويرجع بعد أنْ يقضي وطراً من الزيارة، فيتَّفق أنْ لا أراه في السنة إلَّا مرَّة أو مرَّتين في الطريقِ، وعلى ذلك فإنَّ مبناه على الكتمان إلَّا على بعض الخواصِّ ممَّن يأمن منه الإفشاء والإذاعة خوف استهزاء المخالفين المجاورين المنكرين ولادة المهدي (عجَّل الله فرجه) وغيبته، وخوفاً من أنْ ينسبه العوامُّ إلى الفخر وتنزيه النفس.
قلت: إنِّي أطلب منك أنْ تراه مهما كان وتسأله عن هذه القضيَّة إلى حين رجوعي من النجف، فالحاجة كبيرة والوقت ضيِّق.
ففارقته لساعتين أو ثلاث، ثمّ رجع إليَّ وقال: من أعجب القضايا أنِّي عندما ذهبت إلى منزلي جاءني شخص مباشرةً وقال: جاؤوا بجنازة من بغداد ووضعوها في الصحن الشريف وينتظرونك للصلاة عليها.
فقمت وذهبت وصلَّيت، فرأيت الحاجَّ المذكور بين المشيِّعين، فأخذته جانباً، وبعد امتناعه سمعت هذه القضيَّة، فشكرت الله على هذه النعمة السنيَّة، فكتبت القصَّة بكاملها، وثبَّتها في (جنَّة المأوى)(107).
وقد تشرَّفت بعد مدَّة مع جماعة من العلماء الكرام والسادات العظام بزيارة الكاظمين (عليهما السلام)، وذهبت من هناك إلى بغداد لزيارة النوَّاب الأربعة (رضوان الله عليهم)، فبعد أداء الزيارة وصلت بخدمة جناب العالم العامل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(107) راجع: جنَّة المأوى (ص 149 - 155/ الحكاية 59).

(١٣٧)

والسيِّد الفاضل الآقا سيِّد حسين الكاظميني، وهو أخ جناب الآقا السيِّد محمّد المذكور، وكان يسكن في بغداد، وعليه مدار الأُمور الشرعيَّة لشيعة بغداد (أيَّدهم الله)، وطلبت منه أنْ يحضر الحاجّ عليّ المذكور، وبعد أنْ حضر طلبت منه أنْ ينقل القضيَّة في ذلك المجلس، فأبى، وبعد الإصرار رضي أنْ ينقلها ولكن في غير ذلك المجلس، وذلك بسبب حضور جماعة من أهل بغداد، فذهبنا إلى مكانٍ خالٍ ونقل القضيَّة، وكان الاختلاف في الجملة في موضعين أو ثلاثة، وقد اعتذر عن ذلك بسبب طول المدَّة.
وكانت تظهر من سيمائه آثار الصدق والصلاح بنحو واضح، بحيث ظهر لجميع الحاضرين مع كثرة تدقيقهم في الأُمور الدِّينيَّة والدنيويَّة القطع بصدق الواقعة.
نقل الحاجُّ المذكور (أيَّده الله): اجتمع في ذمَّتي ثمانون توماناً من مال الإمام (عليه السلام)، فذهبت إلى النجف الأشرف، فأعطيت عشرين توماناً منه لجناب علم الهدى والتقى الشيخ مرتضى (أعلى الله مقامه)، وعشرين توماناً إلى جناب الشيخ محمّد حسين المجتهد الكاظميني، وعشرين توماناً لجناب الشيخ محمّد حسن الشروقي، وبقي في ذمَّتي عشرون توماناً، كان في قصدي أنْ أعطيها إلى جناب الشيخ محمّد حسن الكاظميني آل ياسين (أيَّده الله) عند رجوعي.
فعندما رجعت إلى بغداد كنت راغباً في التعجيل بأداء ما بقي في ذمَّتي، فتشرَّفت في يوم الخميس بزيارة الإمامين الكاظمين (عليهما السلام)، وبعد ذلك ذهبت إلى خدمة جناب الشيخ (سلَّمه الله) وأعطيته مقداراً من العشرين توماناً، وواعدته بأنِّي سوف أُعطي الباقي بعد ما أبيع بعض الأشياء تدريجيًّا، وأنْ يجيزني أنْ أُوصله إلى أهله، وعزمت على الرجوع إلى بغداد في عصر ذلك اليوم، وطلب جناب الشيخ منِّي أنْ أتأخَّر، فاعتذرت بأنَّ عليَّ أنْ أُوفِّي عُمَّال النسيج أُجورهم،

(١٣٨)

فإنَّه كان من المرسوم أنْ أُسلِّم أُجرة الأُسبوع عصر الخميس، فرجعت، وبعد أنْ قطعت ثُلُث الطريق رأيت سيِّداً جليلاً قادماً من بغداد من أمامي، فعندما قرب منِّي سلَّم عليَّ وأخذ بيدي مصافحاً ومعانقاً وقال: «أهلاً وسهلاً»، وضمَّني إلى صدره وعانقني وقبَّلني وقبَّلته، وكانت على رأسه عمامة خضراء مضيئة مزهرة، وفي خدِّه المبارك خال أسود كبير، فوقف وقال: «حاجّ عليّ على خير، على خير، أين تذهب؟».
قلت: زرت الكاظمين (عليهما السلام) وأرجع إلى بغداد.
قال: «هذه الليلة ليلة الجمعة، فارجع».
فقلت: يا سيِّدي، لا أتمكَّن.
فقال: «في وسعك ذلك، فارجع حتَّى أشهد لك بأنَّك من موالي جدِّي أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن موالينا، ويشهد لك الشيخ كذلك، فقد قال تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ﴾ [البقرة: 282]».
وكان ذلك منه إشارة إلى مطلب كان في ذهني أنْ ألتمس من جناب الشيخ أنْ يكتب لي شهادة بأنَّي من موالي أهل البيت (عليهم السلام) لأضعها في كفني.
فقلت: أيَّ شيء تعرفه؟ وكيف تشهد لي؟
قال: «من يوصل حقُّه إليه كيف لا يعرف من أوصله؟».
قلت: أيُّ حقٍّ؟
قال: «ذلك الذي أوصلته إلى وكيلي».
قلت: من هو وكيلك.
قال: «الشيخ محمّد حسن».
قلت: وكيلك؟
قال: «وكيلي، وكذلك السيِّد محمّد».

(١٣٩)

قال الحاجُّ عليٌّ: وكان قد خطر في ذهني أنَّ هذا السيِّد الجليل يدعوني باسمي مع أنِّي لا أعرفه، فقلت في نفسي: لعلَّه يعرفني وأنا نسيته. ثمّ قلت في نفسي أيضاً: إنَّ هذا السيِّد يريد منِّي شيئاً من حقِّ السادة، وأحببت أنْ أُوصل إليه شيئاً من مال الإمام (عليه السلام) الذي عندي.
فقلت: يا سيِّد، بقي عندي شيء من حقِّكم فرجعت في أمره إلى جناب الشيخ محمّد حسن لأُؤدِّي حقَّكم - يعني السادات - بإذنه.
فتبسَّم في وجهي وقال: «نعم قد أوصلت بعضاً من حقِّنا إلى وكلائنا في النجف الأشرف».
فقلت: هل قُبِلَ ذلك الذي أدَّيته؟
فقال: «نعم».
خطر في ذهني أنَّ هذا السيِّد يقول بالنسبة إلى العلماء الأعلام: (وكلائنا)، فاستعظمت ذلك، فقلت: العلماء وكلاء في قبض حقوق السادات، وغفلت.
ثمّ قال: «ارجع وزر جدِّي».
فرجعت وكانت يده اليمنى بيدي اليسرى، فعندما سرنا رأيت في جانبنا الأيمن نهراً ماؤه أبيض صافٍ جارٍ، وأشجار الليمون والنارنج والرُّمَّان والعنب وغيرها كلُّها مثمرة في وقتٍ واحدٍ مع أنَّه لم يكن موسمها، وقد تدلَّت فوق رؤوسنا.
قلت: ما هذا النهر؟ وما هذه الأشجار؟
قال: «إنَّها تكون مع كلِّ من يزورنا ويزور جدَّنا من موالينا».
فقلت: أُريد أنْ أسألك؟
قال: «اسأل».
قلت: كان الشيخ المرحوم عبد الرزَّاق رجلاً مدرِّساً، فذهبت عنده يوماً

(١٤٠)

فسمعته يقول: لو أنَّ أحداً كان عمره كلُّه صائماً نهاره قائماً ليله وحجَّ أربعين حجَّة وأربعين عمرة ومات بين الصفا والمروة ولم يكن من موالي أمير المؤمنين (عليه السلام) فليس له شيء؟
قال: «نعم، والله ليس له شيء».
فسألته عن بعض أقربائي هل هو من موالي أمير المؤمنين (عليه السلام)؟
قال: «نعم هو وكلُّ من يرتبط بك».
فقلت: سيِّدنا، لي مسألة.
قال: «اسأل».
قلت: يقرأ قُرَّاء تعزية الحسين (عليه السلام) أنَّ سليمان الأعمش جاء عند شخص وسأله عن زيارة سيِّد الشهداء (عليه السلام)، فقال: بدعة، فرأى في المنام هودجاً بين الأرض والسماء، فسأل: من في الهودج؟ فقيل له: فاطمة الزهراء وخديجة الكبرى (عليهما السلام)، فقال: إلى أين تذهبان؟ فقيل: إلى زيارة الحسين (عليه السلام) في هذه الليلة فهي ليلة الجمعة، ورأى رقاعاً تتساقط من الهودج مكتوب فيها: (أمان من النار لزوَّار الحسين (عليه السلام) في ليلة الجمعة أمان من النار يوم القيامة)، فهل هذا الحديث صحيح؟
قال: «نعم، صحيح وتامٌّ».
قلت: سيِّدنا يقولون: من زار الحسين (عليه السلام) ليلة الجمعة فهي له أمان.
قال: «نعم والله»، وجرت الدموع من عينيه المباركتين وبكى.
قلت: سيِّدنا مسألة.
قال: «اسأل».
قلت: زرنا الإمام الرضا (عليه السلام) سنة تسع وستِّين ومائتين وألف، والتقينا بأحد الأعراب الشروقيِّين من سُكَّان البادية في الجهة الشرقيَّة من النجف

(١٤١)

الأشرف في درود، واستضفناه وسألناه كيف هي ولاية الرضا (عليه السلام)؟ قال: الجنَّة، ولي خمسة عشر يوماً آكل من مال مولاي الإمام الرضا (عليه السلام)، فكيف يجرؤ منكر ونكير أنْ يدنيا منِّي في قبري وقد نبت لحمي ودمي من طعامه (عليه السلام) في مضيفه؟! فهل هذا صحيح أنَّ عليَّ بن موسى الرضا (عليه السلام) يأتي ويُخلِّصه من منكر ونكير؟
فقال: «نعم والله، إنَّ جدِّي هو الضامن».
قلت: سيِّدنا، أُريد أنْ أسألك مسألة صغيرة؟
قال: «اسأل».
قلت: وهل زيارتي للإمام الرضا (عليه السلام) مقبولة؟
قال: «مقبولة إنْ شاء الله».
قلت: سيِّدنا مسألة؟
قال: «بسم الله».
قلت: الحاجُّ محمّد حسين القزَّاز (بزَّاز باشي) ابن المرحوم الحاجّ أحمد القزَّاز (بزَّاز باشي) هل زيارته مقبولة أم لا (وقد كان رفيقنا في السفر وشريكنا في الصرف في طريق مشهد الرضا (عليه السلام))؟
قال: «العبد الصالح زيارته مقبولة».
قلت: سيِّدنا، مسألة.
قال: «بسم الله».
قلت: إنَّ فلاناً من أهل بغداد - وكان رفيقنا في السفر - هل زيارته مقبولة؟ فسكت.
قلت: سيِّدنا، مسألة.
قال: «بسم الله».

(١٤٢)

قلت: هل سمعت هذه الكلمة أم لا؟ فهل أنَّ زيارته مقبولة أم لا؟ فلم يجبني.
(ونقل الحاجُّ المذكور أنَّه كان ذلك الشخص وعدَّة نفر من أهل بغداد المتوفِّين قد انشغلوا في السفر باللهو واللعب، وكان ذلك الشخص قد قتل أُمَّه).
فوصلنا في الطريق إلى مكان واسع، على طرفيه بستانين مقابل بلدة الكاظمين الشريفة، وكان موضع من ذلك الطريق متَّصلاً ببستانين من جهته اليمنى لمن يأتي من بغداد، وهو ملك لبعض الأيتام السادة، وقد أدخلته الحكومة ظلماً في الطريق، وكان أهل التقوى والورع من سكنة هاتين البلدتين يجتنبون دائماً المرور من تلك القطعة من الأرض.
ورأيته (عجَّل الله فرجه) يمشي في تلك القطعة، فقلت: يا سيِّدي، هذا الموضع ملك لبعض الأيتام السادة ولا ينبغي التصرُّف فيه.
قال: «هذا الموضع ملك جدِّنا أمير المؤمنين (عليه السلام) وذرّيَّته وأولادنا، ويحلُّ لموالينا التصرُّف فيه».
وكان في القرب من ذلك المكان على الجهة اليسرى بستان ملك لشخص يقال له: الحاجّ الميرزا هادي، وهو من أغنياء العجم المعروفين، وكان يسكن في بغداد، قلت: سيِّدنا هل صحيح ما يقال بأنَّ أرض بستان الحاجّ ميرزا هادي ملك الإمام (عليه السلام)؟
قال: «ما شأنك بهذا؟»، وأعرض عن الجواب.
فوصلنا إلى ساقية ماء فُرِّعت من شطِّ دجلة للمزارع والبساتين في تلك المنطقة، وهي تمرُّ في ذلك الطريق، وعنهما يتشعَّب الطريق إلى فرعين باتِّجاه البلدة، أحد الطريقين سلطاني(108)، والآخر طريق السادة، فاختار (عجَّل الله فرجه) طريق السادة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(108) الظاهر أنَّ المقصود منه أنَّه حكومي.

(١٤٣)

فقلت: تعالَ نذهب من هذا الطريق، يعني طريق السلطاني.
قال: «لا، نذهب من طريقنا».
فما خطونا إلَّا عدَّة خطوات فوجدنا أنفسنا في الصحن المقدَّس عند موضع خلع الأحذية من دون أنْ نمرَّ بزقاق ولا سوق.
فدخلنا الإيوان من جهة باب المراد التي هي الجهة الشرقيَّة ممَّا يلي الرجل.
ولم يمكث (عجَّل الله فرجه) في الرواق المطهَّر، ولم يقرأ إذن الدخول، ودخل، ووقف على باب الحرم، فقال: «زر».
قلت: إنِّي لا أعرف القراءة.
قال: «أقرأُ لك؟».
قلت: نعم.
فقال: «أأدخل يا الله، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أمير المؤمنين...».
وهكذا سلَّم على كلِّ إمام من الأئمَّة (عليهم السلام) حتَّى بلغ في السلام إلى الإمام العسكري (عليه السلام) وقال: «السلام عليك يا أبا محمّد الحسن العسكري»، ثمّ قال: «تعرف إمام زمانك؟».
قلت: وكيف لا أعرفه؟
قال: «سلِّم على إمام زمانك».
فقلت: السلام عليك يا حجَّة الله يا صاحب الزمان يا ابن الحسن.
فتبسَّم وقال: «عليك السلام ورحمة الله وبركاته».
فدخلنا في الحرم المطهَّر، وانكببنا على الضريح المقدَّس، وقبَّلناه، فقال لي: «زر».
قلت: لا أعرف القراءة.

(١٤٤)

قال: «أقرأُ لك الزيارة؟».
قلت: نعم.
قال: «أيُّ زيارة تريد؟».
قلت: زوِّرني بأفضل الزيارات.
قال: «زيارة أمين الله هي الأفضل».
ثمّ أخذ بالقراءة وقال: «السلام عليكما يا أميني الله في أرضه وحجَّتيه على عباده...» إلخ.
وأُضيئت في هذه الأثناء مصابيح الحرم، فرأيت الشموع مضاءه ولكن الحرم مضاء ومنوَّر بنور آخر مثل نور الشمس، والشموع تضيء مثل المصباح في النهار في الشمس.
وكنت قد أخذتني الغفلة بحيث لم أنتبه إلى هذه الآيات.
فعندما انتهى من الزيارة جاء إلى الجهة التي تلي الرجل، فوقف في الجانب الشرقي خلف الرأس، وقال: «هل تزور جدِّي الحسين (عليه السلام)؟».
قلت: نعم أزوره، فهذه ليلة الجمعة.
فقرأ زيارة وارث، وقد فرغ المؤذِّنون من أذان المغرب، فقال لي: «صلِّ والتحق بالجماعة»، فجاء إلى المسجد الذي يقع خلف الحرم المطهَّر، وكانت الجماعة قد انعقدت هناك، ووقف هو منفرداً في الجانب الأيمن لإمام الجماعة محاذياً له، ودخلت أنا في الصفِّ الأوَّل حيث وجدت مكاناً لي هناك.
فعندما انتهيت لم أجده، فخرجت من المسجد وفتَّشت في الحرم فلم أرَه، وكان قصدي أنْ أُلاقيه وأُعطيه عدَّة قرانات وأتضيَّفه في تلك الليلة.
ثمّ جاء بذهني: من يكون هذا السيِّد؟! وانتبهت للآيات والمعجزات المتقدِّمة ومن انقيادي لأمره في الرجوع مع ما كان لي من الشغل المهمِّ في بغداد،

(١٤٥)

وتَسْمِيَتُهُ لي باسمي، مع أنِّي لم أكن قد رأيته من قبل، وقوله: «موالينا»، و«إنِّي أشهد»، ورؤية النهر الجاري والأشجار المثمرة في غير موسم، وغير ذلك ممَّا تقدَّم ممَّا كان سبباً ليقيني بأنَّه الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وبالخصوص في فقرة إذن الدخول وسؤاله لي بعد السلام على الإمام العسكري (عليه السلام): «هل تعرف إمام زمانك؟»، فعندما قلت: أعرفه، قال: «سلِّم»، فعندما سلَّمت تبسَّم وردَّ السلام.
فجئت عند حافظ الأحذية وسألت عنه، فقال: خرج، وسألني: هل كان هذا السيِّد رفيقك؟
قلت: نعم.
فجئت إلى بيت مضيفي وقضيت الليلة، فعندما صار الصباح ذهبت إلى جناب الشيخ محمّد حسن ونقلت له كلَّما رأيت.
فوضع يده على فمي ونهاني عن إظهار هذه القصَّة وإفشاء هذا السرِّ، وقال: وفَّقك الله تعالى.
فأخفيت ذلك ولم أُظهره لأحد إلى أنْ مضى شهر من هذه القضيَّة، فكنت يوماً في الحرم المطهَّر، فرأيت سيِّداً جليلاً قد اقترب منِّي وسألني: «ما ذا رأيت؟»، وأشار إلى قصَّة ذلك اليوم!
قلت: لم أرَ شيئاً.
فأعاد عليَّ ذلك الكلام، وأنكرت بشدَّة.
فاختفى عن نظري، ولم أرَه بعد ذلك(109).
إشارة:
من الأماكن التي يمكن للإنسان التشرُّف بلقاء المولى (عجَّل الله فرجه) فيها هي المراقد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(109) النجم الثاقب (ج 2/ ص 150 - 160/ الحكاية 31).

(١٤٦)

المقدَّسة لآبائه الطاهرين (عليهم السلام)، حيث ورد في كثير من حكايات التشرُّف بحضرته أنَّه يلتقي في تلك البقاع الطاهرة، كما في قضيَّة السيِّد بحر العلوم في حرم أمير المؤمنين (عليه السلام) وفي حرم العسكريَّين (عليهما السلام)، وفي هذه الحكاية في حرم الكاظمين الجوادين موسى ومحمّد (عليهما آلاف التحيَّة والثناء)، وكذا في حرم الإمام الرضا (عليه السلام)، والسيِّدة المعصومة (عليها السلام).
وكيف لا يكون كذلك وهذه البقاع هي أشرف بقاع الأرض، مهبط الملائكة، ومظانُّ إجابة الدعاء ونزول الخيرات والبركات والرحمة الإلهيَّة على المؤمنين؟!
ومن جملة تلك المراقد الشريفة هي مرقد أبي الأحرار وسيِّد الشهداء الإمام الحسين بن عليٍّ (عليه السلام)، وخصوصاً ليلة الجمعة، حيث يُظَنُّ وجود الإمام الحجَّة بن الحسن (عجَّل الله فرجه) في ذلك المكان الطاهر، مع أجداده الطاهرين، وأُمِّه الصدِّيقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) كما ورد في الخبر.
فعلى عُشَّاق الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) أنْ يُكثِروا من مراودة تلك البقاع، ليحظوا بهذا الشرف الرفيع وهو مشاركة تلك الأنوار الطاهرة في زيارة الحسين (عليه السلام)، مضافاً إلى ما في هذه الزيارة من الثواب، ورجاءً للتشرُّف بخدمة المولى صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه).
هذا وقد ورد في بعض حكايات التشرُّف بخدمته (عجَّل الله فرجه) أنَّ بعض المؤمنين سأل من الإمام (عجَّل الله فرجه) قائلاً: سيِّدي أيّ مكان يُكثِر تواجدك فيه؟
فأجاب (عجَّل الله فرجه) قائلاً: «في بيت الأحزان».

* * *

(١٤٧)

الآية الثانية والعشرون: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ (العصر: 1 - 3)

اِبْنُ بَابوَيْه (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هَارُونَ الْقَاضِي وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرُورٍ وَعَلِيُّ ابْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ شَاذَوَيْهِ المُؤَدِّبُ (رضي الله عنهم)، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ابْنِ جَعْفَرِ بْنِ جَامِعٍ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ الدَّقَّاقِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ:‏ سَأَلْتُ الصَّادِقَ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) عَنْ قَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾، قَالَ (عليه السلام): «﴿الْعَصْرِ﴾ عَصْرُ خُرُوجِ الْقَائِمِ (عليه السلام)،‏ ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ يَعْنِي أَعْدَاءَنَا، ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يَعْنِي بِآيَاتِنَا، ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾‏ يَعْنِي بِمُوَاسَاةِ الْإِخْوَانِ، ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾ يَعْنِي بِالْإِمَامَةِ، ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: 1- 3]، يَعْنِي فِي الْفَتْرَةِ»(110).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(110) كمال الدِّين (ص 656/ باب 58/ ح 1).

(١٤٩)

الحكاية الثانية والعشرون: محمّد عليّ الجولاكر

يقول الحاجُّ محمّد حسين التبريزي، وهو من محترمي تُجَّار تبريز، وقد حُرِمَ من نعمة الولد، وكان قد استعمل كلَّ الأدوية والعقاقير فلم تنفعه للإنجاب، يقول:
تشرَّفت بزيارة النجف الأشرف ولطلب الحاجة، ذهبت إلى مسجد السهلة، وتوسَّلت بالإمام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه).
وفي الليل رأيت في عالم المكاشفة أنَّ رجلاً جليلاً قال لي: اذهب إلى دزفول عند محمّد عليّ الجولاگر (الحائك) لكي تُقضى حاجتك.
ذهبت إلى دزفول، وسألت عن عنوان ذلك الشخص، فدلّوني عليه، وعندما رأيته أعجبني، لأنَّه كان رجلاً فقيراً طيِّب السريرة نيِّر الضمير، وكان له دُكَّان صغير يشتغل فيه بالحياكة.
سلَّمت عليه، فقال لي: وعليك السلام يا حاجّ محمّد حسين، لقد قُضِيَت حاجتك.
تعجَّبتُ من معرفته باسمي، ومن قوله: إنَّ حاجتي قد قُضِيَت. وطلبت منه أنْ يسمح لي بالمبيت عنده تلك الليلة، فوافق على ذلك.
دخلت إلى دُكَّانه المتواضع.
وحينما كان وقت الغروب أذَّنَ الرجل أذان المغرب وصلَّينا المغرب والعشاء سويَّةً.

(١٥٠)

ولـمَّا مضى من الليل بعضه، وجاء ببعض خبز الشعير على المائدة وقليل من اللبن، فأكلنا عشائنا معاً.
بتنا معاً تلك الليلة في المكان، وحينما طلع الفجر قمنا وصلَّينا صلاة الصبح، وبعد تعقيبات طويلة عاد إلى عمله وأخذ يشتغل بالحياكة.
قلت له: لقد جئت إليك لأمرين: الأوَّل هو ما أخبرتني بقضائه وهو حاجتي، والثاني هو أنِّي أُريد أنْ أسألك بأيِّ عمل وصلت إلى هذا المقام حتَّى يُحوِّلني الإمام (عجَّل الله فرجه) عليك؟
إنَّك مطَّلع على اسمي وما في قلبي!
قال: أيُّها السيِّد ما هذا السؤال؟ إنَّ حاجتك قد قُضِيَت فارجع إلى أهلك ودعك من هذه الأسئلة.
قلت له: إنِّي ضيفك، ولا بدَّ من إكرام الضيف، وطلبي هو أنْ تُخبِرني عن حالك، واعلم بأنِّي لن أنصرف من هنا ما لم تُخبِرني عن ذلك.
قال: كنتُ في نفس هذا الدُّكَّان مُشتغلاً في عملي هذا، وكان مقابل دُكَّاني هذا منزل أحد موظَّفي الدولة، وكان رجلاً ظالماً جبَّاراً.
وكان أحد الجنود يحرس بيت ذلك الموظَّف الظالم.
ذات يوم جاءني ذلك الجندي وقال: هل تعمل الطعام لنفسك بنفسك؟
قلت له: إنِّي أشتري سنويًّا مائة مَنٍّ مِنَ الحنطة والشعير وأطحنها، وأخبز مقداراً منها يوميًّا وآكله، وليس لي زوجة وأولاد.
قال: إنِّي أعمل حارساً على هذا البيت، ولا أُحِبُّ أنْ آكل من طعام هذا الظالم لأنَّ ذلك حرام، فإنْ سمحت اشتر لي مائة مَنٍّ مِنَ الشعير واخبز لي يوميًّا قرصين من الخبز، وسأكون لك شاكراً.
قبلت ذلك، وكان يأتي يوميًّا ويأخذ قرصيه منِّي وينصرف إلى عمله.

(١٥١)

وذات يوم وكنت قد خبزت له خبزه، وانتظرته ليأتي كالمعتاد لأخذ خُبزه، ولكنَّه لم يأتِ في الوقت المقرَّر.
ذهبت لأسأل عن حاله، فقالوا لي: إنَّه مريض.
ذهبت إلى عيادته، واستأذنته بالإتيان بالطبيب لمعالجته، فقال: لا حاجة إلى ذلك، فإنِّي سأموت الليلة وعندما أموت سيأتيك شخص في منتصف الليل ويُخبِرك بموتي، فتعالَ إلى هنا وقم بكلِّ ما يأمرونك به، وما بقي من الطحين فهو لك.
أردت أنْ أبقى تلك الليلة إلى جنبه فلم يقبل، ولذا رجعت إلى دُكَّاني.
وفي منتصف الليل استيقضت على صوت طرقات باب الدُّكَّان، فسمعت شخصاً يقول لي: قم يا محمّد عليّ!
قمت مسرعاً، فوجدت رجلاً لا أعرفه، فأخذني إلى المسجد، وعندما دخلنا المسجد وجدت جنازة الجندي مسجَّاة، وكان رجلان إلى جنب جثمانه، فقالا لي: تعالَ وساعدنا في أخذ الجنازة إلى جنب النهر، وغسلناها وكفَّنَّاها وصلَّيا عليها وجئنا بها إلى المسجد ودفنَّاها إلى جنبه. ورجعت إلى دُكَّاني.
بعد عدَّة ليالٍ من تلك الحادثة سمعت طرقات الباب، خرجت من الدُّكَّان فرأيت رجلاً يقول لي: السيِّد يدعوك، تعالَ معي لتتشرَّف بخدمته.
أطعت ذلك الرجل بدون نقاش، وذهبت معه حتَّى وصلنا إلى صحراء كانت نيِّرة، وكأنَّ القمر في ليلة تمامه وكماله مع أنَّ الشهر كان في آخره، فتعجَّبت من ذلك كثيراً.
بعد عدَّة لحظات وصلنا إلى صحراء النور (وتقع من شمال مدينة دزفول الإيرانيَّة)، فرأيت من بعيد عدَّة أشخاص يجلسون حول بعضهم البعض، ورأيت رجلاً يقف في خدمتهم، وكان أحد أُولئك الرجال الجالسين عظيماً جليلاً جدًّا، فعرفت أنَّه حضرة صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه).

(١٥٢)

سيطر عليَّ الرعب والخوف كثيراً، فقال لي الرجل الذي جاء لي إلى الدُّكَّان: تقدَّم، فتقدَّمت قليلاً ثمّ وقفتُ، فقال الرجل الذي يقف بخدمة أُولئك الأشخاص: تقدَّم ولا تخف، فتقدَّمت قليلاً إلى الأمام.
فقال صاحب العصر (عجَّل الله فرجه) لأحد أُولئك الأشخاص: «امنحه منصب الجندي لأجل ما قام به من خدمة للشيعة».
قلت: سيِّدي، إنِّي كاسب حائك فكيف أكون جنديًّا؟
(وكنت قد تصوَّرت بأنَّه يريد أنْ يجعلني حارساً على بيت ذلك الظالم بدلاً من الجندي).
فتبسَّم الإمام (عجَّل الله فرجه) وقال: «نحن نريد أنْ نمحك منصب الجندي».
كرَّرت نفس الكلام السابق.
فقال (عجَّل الله فرجه): «نحن نريد أنْ نُعطيك مقام الجندي المرحوم، لا أنْ تكون جنديًّا حارساً، اذهب فإنَّك في مقامه».
رجعت لوحدي، ولكن كان الظلام دامساً جدًّا، ولا أثر لذلك النور الذي كان قد انتشر في الصحراء.
وبحمد الله منذ ذلك اليوم وإلى الآن تصلني حوالات وأوامر مولاي صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)، وإنِّي على ارتباط به، ومن جملة ذلك قضيَّتُك التي أخبرني بها(111).
إشارة:
الطعام الذي يأكله الإنسان له أثر كبير في حياته، ليس فقط مادّيًّا وجسديًّا، بل معنويًّا وروحيًّا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(111) اللقاء مع صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) (ص 137 - 141/ الحكاية 57).

(١٥٣)

والأثر الروحي المعنوي للغذاء إذا لم يكن أكبر أهمّيَّةً من الأثر الجسدي، فهو على الأقلّ مساوٍ له، فإنَّ الأمراض الجسديَّة الناشئة من تناول بعض الأطعمة يمكن معالجتها بسرعة وبسهولة، ولكن الأمراض الروحيَّة الناشئة من تناول الأطعمة يصعب علاجها، وقد يتعذَّر إلى الأبد.
فأكل المال الحرام له آثار سلبيَّة جدًّا على روح الإنسان قد تُؤدِّي إلى أنْ يصبح هذا الإنسان سفَّاحاً ظالماً متجبِّراً عالياً في الأرض، يُهلِك الحرث والنسل، وحينئذٍ لا طريق له للعودة.
ومن هنا أكَّدت الآيات الشريفة والروايات الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) على ضرورة التنزُّه عن أكل المال الحرام(112)، بل وحتَّى المال المشتبه، كلُّ ذلك فراراً من تلك الآثار السيِّئة.
والعكس بالعكس، فكلَّما كان طعام الإنسان منزَّهاً عن الحرام كلَّما أثَّر ذلك في صفاء روحه ونقائها وسرَّع في كمالها، وقد ذُكِرَت في كُتُب السِّيَر كثير من الحكايات التي وصل أبطالها إلى مقامات عالية في الدنيا وفي الآخرة بسبب اجتنابهم أكل الحرام.
ومن جملة ذلك ما ورد في قضيَّة هذا الجندي الذي أبى أنْ يأكل إلَّا الطاهر من الحرام، وقد أدَّى ذلك به إلى أنْ يصير من أعوان الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) في قضاء حاجات المؤمنين المتوسِّلين به (عجَّل الله فرجه).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(112) قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ في‏ بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعيراً﴾ (النساء: 10).
روى ورَّام بن أبي فراس (رحمه الله) في تنبيه الخواطر (ج 1/ ص 69) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «إنَّ الله حرَّم الجنَّة أنْ يدخلها جسد غذي بحرام».
وروى محمّد بن فتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 457) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «إذا وقعت اللقمة من حرام في جوف العبد لعنه كلُّ مَلَك في السماوات والأرض، ما دامت تلك اللقمة في جوفه لا ينظر الله إليه».

(١٥٤)

ولعمري، فإنَّ الإنسان يكفيه قرصان من الخبز يوميًّا وعدَّة تميرات يأكلها لتُقوِّيه على حياته ومعاشه وعبادته، فلماذا كلُّ هذا الطمع والجشع الذي يُؤدِّي بالإنسان في نهاية المطاف إلى أكل المشبوه والحرام مع أنَّ الله تعالى تكفَّل له بالرزق الحلال والقوت الذي يحتاجه ويغنيه عمَّا في أيدي الناس؟
اللَّهُمَّ ارزقنا العفاف والكفاف.

* * *

(١٥٥)

الآية الثالثة والعشرون: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ (المدَّثِّر: 8 - 10)

روى الحافظ القندوزي، قال: روي عن المفضَّل بن عمر، عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾، قال: «إذا نودي في أُذُن القائم (عليه السلام)بالإذن في قيامه فيقوم، فذلك اليوم عسير على الكافرين».
قال [الصادق]: «والقرآن ضرب فيه الأمثال، ونحن نعلمه فلا يعلمه غيرنا»(113).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(113) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 253 و254/ ح 57).

(١٥٧)

الحكاية الثالثة والعشرون: دعاء الفَرَجْ

نقل السيِّد رضي الدِّين عليُّ بن طاوس في كتاب (فرج المهموم)، والعلَّامة المجلسي في (البحار)، عن كتاب (الدلائل) للشيخ أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري [الشيعي] أنَّه قال:
حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال: حدَّثني أبو الحسين بن أبي البغل الكاتب، قال: تقلَّدت عملاً من أبي منصور الصالحان، وجرى بيني وبينه ما أوجب استتاري عنه، فطلبني وأخافني، فمكثت مستتراً خائفاً، ثمّ قصدت مقابر قريش(114) ليلة الجمعة، واعتمدت المبيت هناك للدعاء والمسألة، وكانت ليلة ريح ومطر، فسألت أبا جعفر القيِّم يقفل الأبواب وأنْ يجتهد في خلوة الموضع لأخلو بما أُريده من الدعاء والمسألة خوفاً من دخول إنسان لم آمنه وأخاف من لقائه، ففعل وقفل الأبواب.
وانتصف الليل، فورد من الريح والمطر ما قطع الناس عن الموضع، فمكثت أدعو وأزور وأُصلِّي.
فبينا أنا كذلك إذ سمعت وطئاً عند مولانا موسى (عليه السلام)، وإذا هو رجل يزور، فسلَّم على آدم وعلى أُولي العزم ثمّ على الأئمَّة واحداً واحداً إلى أنِ انتهى إلى صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) فلم يذكره، فتعجَّبت من ذلك، وقلت في نفسي: لعلَّه نسي، أو لم يعرف، أو هذا مذهب لهذا الرجل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(114) يعني المرقد الطاهر للإمام الكاظم والإمام الجواد (عليهما السلام).

(١٥٨)

فلمَّا فرغ من زيارته صلَّى ركعتين وأقبل إلى مولانا أبي جعفر (عليه السلام)، وزار مثل تلك الزيارة وسلَّم ذلك السلام وصلَّى ركعتين، وأنا خائف منه إذ لم أعرفه، ورأيته شابًّا من الرجال عليه ثياب بيض وعمامة محنَّك بها وله ذؤابة ورداء على كتفه، فالتفت إليَّ وقال: «يا أبا الحسين ابن أبي البغل، أين أنت عن دعاء الفرج؟».
قلت: فما هو، يا سيِّدي؟
قال: «تُصلِّي ركعتين وتقول: يَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِيلَ وَسَتَرَ الْقَبِيحَ، يَا مَنْ لَمْ يُؤَاخِذْ بِالْجَريرَةِ، وَلَمْ يَهْتِكِ السِّتْرَ، يَا عَظِيمَ المَنِّ، يَا كَريمَ الصَّفْح، يَا حَسَنَ التَّجَاوُزِ، يَا وَاسِعَ المَغْفِرَةِ، يَا بَاسِطَ الْيَدَيْن بِالرَّحْمَةِ، يَا مُنْتَهَى كُلِّ نَجْوَى، وَغَايَةَ كُلِّ شَكْوَى، يَا عَوْنَ كُلِّ مُسْتَعِينٍ، يَا مُبْتَدِئاً بِالنِّعَم قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا، يَا رَبَّاهْ (عَشْرَ مَرَّاتٍ)، يَا مُنْتَهَى غَايَةِ رَغْبَتَاهْ (عَشْرَ مَرَّاتٍ)، أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَبِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرينَ (عليهم السلام) إِلَّا مَا كَشَفْتَ كَرْبي، وَنَفَّسْتَ هَمِّي، وَفَرَّجْتَ غَمِّي، وَأَصْلَحْتَ حَالِي.
وَتَدْعُو بَعْدَ ذَلِكَ مَا شِئْتَ وَتَسْأَلُ حَاجَتَكَ، ثُمَّ تَضَعُ خَدَّكَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَرْض وَتَقُولُ مِائَةَ مَرَّةٍ فِي سُجُودِكَ: يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ، يَا عَلِيُّ يَا مُحَمَّدُ، اكْفِيَانِي فَإنَّكُمَا كَافِيَايَ، وَانْصُرَانِي فَإنَّكُمَا نَاصِرَايَ.
ثُمَّ تَضَعُ خَدَّكَ الْأَيْسَرَ عَلَى الْأَرْض وَتَقُولُ: أَدْركْنِي يَا صَاحِبَ الزَّمَانِ، وَتُكَرِّرُ ذَلِكَ كَثِيراً وَتَقُولُ: الْغَوْثَ الْغَوْثَ الْغَوْثَ حَتَّى يَنْقَطِعَ النَّفَسُ، وَتَرْفَعُ رَأسَكَ فَإنَّ اللهَ بِكَرَمِهِ يَقْضِي حَاجَتَكَ إِنْ شَاءَ اللهُ».
فلمَّا اشتغلت بالصلاة والدعاء خرج، فلمَّا فرغت خرجت إلى أبي جعفر لأسأله عن الرجل وكيف دخل، فرأيت الأبواب على حالها مقفلة، فعجبت من ذلك وقلت: لعلَّ باباً هنا آخر لم أعلمه، وانتهيت إلى أبي جعفر القيِّم، فخرج إليَّ من باب الزيت، فسألتهُ عن الرجل ودخوله، فقال: الأبواب مقفلة كما ترى ما

(١٥٩)

فتحتها، فحدَّثته الحديث، فقال: هذا مولانا صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)، وقد شاهدته دفعات في مثل هذه الليلة عند خلوتها من الناس.
فتأسَّفت على ما فاتني منه، وخرجت عند قرب الفجر وقصدت الكرخ إلى الموضع الذي كنت مستتراً فيه.
فما أضحى النهار إلَّا وأصحاب ابن أبي الصالحان يلتمسون لقائي ويسألون عنِّي أصحابي وأصدقائي، ومعهم أمان من الوزير ورقعة بخطِّه فيها كلُّ جميل.
فحضرت مع ثقة من أصدقائي، فقام والتزمني وعاملني بما لم أعهده وقال: انتهت بك الحال إلى أنْ تشكوني إلى صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)، فإنِّي رأيته في النوم البارحة - يعني ليلة الجمعة - وهو يأمرني بكلِّ جميل، ويجفو عليَّ في ذلك جفوة خفتها.
فقلت: لا إله إلَّا الله، أشهد أنَّهم الحقُّ ومنتهى الحقِّ، رأيت البارحة مولانا في اليقظة، وقال لي كذا وكذا، وشرحت ما رأيته في المشهد، فعجب من ذلك، وجرت منه أُمور عظام حسان في هذا المعنى، وبلغتُ منه غاية لم أظنّها، وذلك ببركة مولانا (عجَّل الله فرجه)(115).
إشارة:
في التخاطب آداب لابدَّ من مراعاتها، فخطاب الولد مع والديه له أدب خاصٌّ، وخطاب الأخ مع أخيه له أدب خاصٌّ، وخطاب التلميذ مع معلِّمه له أدب خاصٌّ، وخطاب العبد مع مولاه له أدبه الخاصُّ به.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(115) فرج المهموم (ص 245 - 247)، بحار الأنوار (ج 51/ ص 304 - 306، وج 88/ ص 349 - 351/ ح 11، وج 92/ ص 200 و201/ ح 33)، عن دلائل الإمامة (ص 551 - 553/ ح 525/129).

(١٦٠)

ومقام المخاطَب له دخل كبير في تعيين ذلك الأدب المشروط به تأثير الخطاب، فكلَّما كان مقامه عالياً لزم نوع من الأدب يتناسب مع ذلك المقام، وعدم مراعاة هذه المرتبة اللازمة من الأدب قد يُؤثِّر سلباً في استجابة المخاطَب للمخاطِب.
ولـمَّا كان مقام الحضرة الإلهيَّة لا تناله أوهام الناس وعقولهم، لم يكن أحد منهم قادراً على التأدُّب اللازم في مخاطبة المولى (عزَّ وجلَّ)، إلَّا أُولئك الأطهار المعصومين من الأنبياء والأئمَّة (عليهم السلام)، فهم يعرفون كيف يتأدَّبون مع الله، وكيف يتملَّقون له لقضاء الحوائج، وكيف يتوسَّلون إليه بأحبّ الأشياء إليه لنيل المطالب، لأنَّهم الأعرف بصفات جلاله وجماله.
ومن هنا نجد أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام)- وفي موارد عديدة - علَّموا شيعتهم أدب الدعاء والمناجاة والتوسُّل إلى قاضي الحاجات.
ويكفينا للوقوف على صحَّة هذا المدَّعى إطلالة على ما ورد عنهم (عليهم السلام) من الأدعية والمناجاة، فإنَّنا سنجد غاية الأدب وأعذب الكلمات وخير التوسُّلات التي يمكن أنْ تُؤثِّر في الاستجابة للداعي وقضاء حوائجه.
ولولا مثل هذه الأدعية والمناجاة المأثورة عنهم لما اهتدى إنسان إلى أدب مخاطبه الباري (جلَّ شأنه).
على أنَّه ورد في بعض الحكايات أنَّ الإمام (عجَّل الله فرجه) له مناجاة خاصَّة به يناجي بها مولاه، ومثل هذا الدعاء وهذه المناجاة تتناسب مع مقام الإمام (عجَّل الله فرجه) وعلاقته بربِّه، حيث صرَّح الإمام (عجَّل الله فرجه) في تلك الحكايات بأنَّ هذا الدعاء خاصٌّ به.
وتعليم الأئمَّة (عليهم السلام) شيعتهم أدب الدعاء لطف إلهيٌّ، ووسيلة لنيل المنى، تستحقُّ منَّا شكراً لبارينا وامتنانا لأئمَّتنا (عليهم السلام) عليها.

* * *

(١٦١)

الآية الرابعة والعشرون: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ (الحجر: 36 - 38)

أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري [الشيعي] قال: أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيٌّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اَلمُظَفَّرُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ اَلمُظَفَّرِ اَلْعَلَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اَلْعَبَّاسُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَمِيعِ مَوْلَى إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام) عَنْ إِبْلِيسَ، قَوْلِهِ: ﴿رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ أَيُّ يَوْمٍ هُوَ؟ قَالَ: «يَا وَهْبُ، أَتَحْسَبُ أَنَّهُ يَوْمَ يَبْعَثُ اَللهُ تَعَالَى اَلنَّاسَ؟ لَا، وَلَكِنَّ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) أَنْظَرَهُ إِلَى يَوْمِ يَبْعَثُ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) قَائِمَنَا، فَإِذَا بَعَثَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) قَائِمَنَا، فَيَأْخُذُ بِنَاصِيَتِهِ، وَيَضْرِبُ عُنُقَهُ، فَذَلِكَ يَوْمُ اَلْوَقْتِ اَلمَعْلُومِ»(116).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(116) دلائل الإمامة (ص 453/ ح 430/34)، ورواه العيَّاشي (رحمه الله) في تفسيره (ج 2/ ص 242/ ح 14).

(١٦٣)

الحكاية الرابعة والعشرون: الشيخ محمّد الكوفي

يقول السيِّد حسن الأبطحي (حفظه الله): في سنة (1953م) وعندما ذهبت إلى الكوفة، كان هناك شخص باسم الحاجّ الشيخ محمّد الكوفي، يقال: إنَّه تشرَّف بخدمة حضرة بقيَّة الله الأعظم (عجَّل الله فرجه) مراراً.
فحدَّثنا الشيخ محمّد الكوفي بقصَّة هي:
سابقاً لم تكن وسائل النقل مستخدمة في طريق العراق - الحجاز، فتشرَّفت بزيارة بيت الله الحرام على الجمل، وحين العودة من هناك تخلَّفت عن القافلة وضللت الطريق حتَّى وصلت إلى بعض المستنقعات، فطمست رجلا البعير في تلك الأوحال، ولم يكن بوسعي النزول عن ظهر البعير فكاد البعير أنْ يموت.
وفجأة صحت من أعماق قلبي: (يا أبا صالح المهدي أدركني)، وكرَّرت ذلك عدَّة مرَّات، فرأيت فارساً يتقدَّم نحوي، ولم يكن يتأثَّر بذلك الطين، حتَّى وصل إليَّ وهمس بكلمات في أُذُني البعير لم أسمع منها إلَّا آخرها حيث سمعته يقول: «حتَّى الباب».
نهض بعيري من ذلك المستنقع وتحرَّك بعد أنْ أخرج رجليه من الطين وسار باتِّجاه الكوفة بسرعة.
التفتُّ إلى ذلك السيِّد وقلت له: من أنت؟
قال: «أنا المهدي».

(١٦٤)

قلت: أين أراك ثانيةً؟
قال: «متى شئت!».
ابتعد البعير عن ذلك السيِّد وسار حتَّى وصل إلى بوَّابة الكوفة، وسقط إلى الأرض.
جئت إلى البعير وهمست في أُذُنه قائلاً: (حتَّى الباب) وكرَّرت ذلك، فنهض البعير وسار حتَّى أوصلني إلى باب منزلي، وسقط هناك ومات لفوره.
يقول السيِّد حسن الأبطحي: لقد كان الحاجُّ الشيخ محمّد الكوفي طاهراً متَّقياً إلى درجة أنَّ الإنسان لا يحتمل أصلاً أنْ يُكلِّم هذا الرجل الصالح بما يخالف الحقيقة.
ثمّ أضاف الشيخ محمّد الكوفي قائلاً: بعد تلك القضيَّة تشرَّفت بخدمة بقيَّة الله (عجَّل الله فرجه) خمسة وعشرين مرَّة(117).
إشارة:
التشرُّف بخدمة المولى صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) ولقائه تارةً يكون في عالم الرؤيا، وأُخرى في عالم اليقظة، وثالثة يكون في عالم الكشف.
والالتقاء به في عالم اليقظة له أنحاء هو الآخر، فتارةً يتشرَّف الإنسان بلقائه (عجَّل الله فرجه) ولا يتعرَّف عليه، وأُخرى يتعرَّف عليه بعد انصرافه، وثالثة يتعرَّف عليه حين اللقاء.
وأفضل أنواع التشرُّف بخدمته (عجَّل الله فرجه) هو التشرُّف الناشئ من الارتباط الروحي الدائم به (عجَّل الله فرجه).
ولعلَّ الإمام (عجَّل الله فرجه) يشير إلى هذا الارتباط عندما يقول لبعض الأشخاص الذين يسألون منه قائلين: سيِّدي متى أتشرَّف بلقائك ثانيةً؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(117) اللقاء مع صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) (ص 80 و81/ الحكاية 32).

(١٦٥)

فيجيبهم الإمام (عجَّل الله فرجه): «متى شئت!».
فالإمام (عجَّل الله فرجه) يحثُّ هؤلاء على إيجاد حالة الارتباط الروحي الدائم به، وأنْ يظنَّ الإنسان أنَّه مع إمام زمانه وأنَّ الإمام (عجَّل الله فرجه) حاضر معه على الدوام، وهذا يدفع مثل هذا الإنسان إلى التخلُّق بالأخلاق المرضيَّة من قِبَل الإمام (عجَّل الله فرجه)، والاتِّصاف بصفات الأولياء الصالحين، وحينئذٍ لا تكون هناك حواجز وحُجُب تمنعه من الالتقاء به (عجَّل الله فرجه) متى شاء.
وبطبيعة الحال، فإنَّ هذا الارتباط الروحي لا يحصل بسهوله وإنَّما يحتاج إلى أكثر من الالتزامات الأخلاقيَّة فضلاً عن الالتزامات الشرعيَّة (الواجبات والمحرَّمات)، ولكنَّه غير محال.

* * *

(١٦٦)

الآية الخامسة والعشرون: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً﴾ (الإسراء: 33)

روى الحافظ القندوزي (الحنفي) بإسناده عن عبد السلام بن صالح الهروي، عن عليٍّ الرضا ابن موسى الكاظم (عليهما السلام) في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً﴾ أنَّه قال: «نزل في الحسين والمهدي (عليهما السلام)»(118).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(118) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 243/ ح 26)، وراجع: تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 290/ ح 67)، وتفسير فرات الكوفي (ص 240/ ح 324)، وكامل الزيارات (ص 135/ ح 157/5).

(١٦٧)

الحكاية الخامسة والعشرون: السيِّد عبد الكريم

يُحكى أنَّه كان في طهران سيِّد مؤمن طاهر السريرة اسمه السيِّد عبد الكريم، وكان من كسبة طهران، يعتقد أكثر علماء السير والسلوك أنَّ حضرة بقيَّة الله الأعظم (عجَّل الله فرجه) يأتي أحياناً إلى دُكَّانه المتواضع ويجلس معه ويحادثه ويؤانسه. ولذا فإنَّ بعض هؤلاء العلماء وعلى أمل التشرُّف بلقاء الحجَّة (عجَّل الله فرجه) كان يجلس ساعات وساعات في دُكَّان ذلك السيِّد ينتظرون النظر إلى الطلعة الرشيدة، وقد يكون البعض منهم قد وُفِّق لذلك وتشرَّف بخدمته.
لم يكن السيِّد عبد الكريم من أهل الدنيا حتَّى إنَّ مسكنه كان مستأجراً ولم يكن يملك داراً للسكنى.
يروي أحد تُجَّار طهران - وهو مورد ثقة كبار العلماء ومراجع التقليد - ويقول: كان السيِّد عبد الكريم قد استأجر داراً من أحد أهالي طهران، ومع أنَّ مالك الدار كان يرعى حال السيِّد عبد الكريم إلَّا أنَّه وعندما حان موعد الإجارة رفض أنْ يُجدِّد له العقد لسنة ثانية، وأمهله عشرة أيَّام لاستئجار منزل آخر.
وفي اليوم العاشر من المهلة، وعندما كان السيِّد بعد لم يحصل على منزل، اضطرَّ إلى تخلية الدار وفاءً للوعد الذي أعطاه لصاحب الدار، فنقل أثاث المنزل إلى زاوية من زوايا الزقاق، وجلس حائراً لا يدري ماذا يصنع.

(١٦٨)

وفي هذه الأثناء يتفضَّل حضرة بقيَّة الله الأعظم (عجَّل الله فرجه) بتفقُّده ويقول له: «لا تبتئس فإنَّ أجدادنا قد تحمَّلوا مصائب كثيرة».
فقال له السيِّد عبد الكريم: نعم يا سيِّدي، ولكن لم يبتلِ أحد منهم بذلَّة الاستئجار.
فيتبسَّم صاحب الأمر (عجَّل الله فرجه) ويقول له ما مضمونه: «صحيح، لقد رتَّبنا لك الأُمور، أنا ذاهب الآن وستحلُّ مشكلتك بعد عدَّة دقائق».
ويضيف التاجر الطهراني الذي ينقل هذه القضية قائلاً: في الليلة السابقة لتلك الحادثة رأيت صاحب العصر (عجَّل الله فرجه) في عالم الرؤيا، وقال لي: اذهب غداً صباحاً واشترِ منزل فلان باسم السيِّد عبد الكريم، وفي الساعة الفلانيَّة تذهب إلى الزقاق الفلاني وستجد السيِّد عبد الكريم جالساً في ذلك الزقاق وأثاثه في الشارع، فتُعطيه مفتاح المنزل.
استيقظت من النوم في الساعة الثامنة صباحاً، وذهبت إلى المنزل الذي أعطاني أوصافه، فقال لي صاحب المنزل: كنت مديناً بمبلغ من المال، فتوسَّلت بحضرة بقيَّة الله (عجَّل الله فرجه) ليُفرِّج الله عنِّي ببيع هذا المنزل لأُسدِّد ديوني بثمنه.
اشتريت المنزل من الرجل وأخذت مفتاحه، وعندما وصلت إلى المرحوم السيِّد عبد الكريم كان الإمام وليُّ العصر (عجَّل الله فرجه) قد فارقه لتوِّه.
رحم الله ذلك التاجر والسيِّد عبد الكريم(119).
إشارة:
كلُّ ما يختاره الله لعبده فيه مصلحة ذلك العبد أو مصلحة النوع البشري أو المخلوقات الأُخرى، وبعبارة أُخرى: إنَّ اختياره (عزَّ وجلَّ) مرتبط بالنظام العامِّ للكون.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(119) اللقاء مع صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) (ص 112 و113/ الحكاية 44).

(١٦٩)

وفي أغلب الأحيان - إنْ لم نقل فيها جميعاً - تخفى على الإنسان العادي تلك المصالح والارتباطات الموجودة في هذا النظام الحاكم للكون، فيتصوَّر الأمر الذي فيه مصلحة النظام ضارًّا وبالعكس، وليس ذلك إلَّا لما ذكرناه من الجهل بالمصالح والمفاسد.
ومن جملة الأُمور التي يشتبه حالها على الإنسان مسألة الفقر المادِّي.
فقد يتصوَّر البعض بأنَّ مصلحته في الغنى المادِّي مع أنَّ الواقع غير ذلك، ويمكن أنْ يكون الأمر على العكس.
والمهمُّ في الأمر هو أنَّه ليس لأيٍّ من الفقر أو الغنى دخل مباشر في كمال الإنسان، فلا الفقر كمال ولا الغنى نقص بطبيعته، لكن قد يُؤدِّي الفقر إلى الكمال، وقد يجرُّ إلى التمرُّد. وقد يأخذ الغنى بيد الإنسان إلى الكمال، وقد يُؤدِّي به إلى أنْ يكون كالأنعام، بل أضلّ.
فالصبر مع الفقر كمال، والسخط معه نقص وتسافل، والشكر مع الغنى كمال، والعبث والبذخ والترف معه تسافل.
فلا يمنع الفقر ذاتاً من الكمال، حيث رأينا في الحكاية أعلاه كيف أنَّ هذا السيِّد الجليل مع فقره المدقع الذي أدَّى به إلى أنْ يبيت ليلته تلك في الشارع من دون مأوى، مع كلِّ ذلك نجد بأنَّه قد وصل إلى مرتبة من الكمال يغبطه عليها الكثير من الأغنياء، ألَا وهو شرف لقاء المولى صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه).
نعم، بنحو الإجمال، الفقر المقرون بالصبر ممدوح، كما هو المستفاد من روايات ذمِّ الدنيا، ولعلَّ السرَّ في ذلك أنَّ أغلب الناس لا يستطيعون مقاومة إغراءات المال، فيقعون في حبائله وهي كثيرة، وهو على أيِّ حالٍ فتنة وابتلاء، كما أنَّ الإنسان يُحاسَب على حلاله ويُعاقَب على حرامه ويُعاتَب على مشتبهه.

(١٧٠)

ومن ثَمَّ ورد أنَّ آخر من يدخل الجنَّة من الأنبياء هو النبيُّ سليمان (على نبيِّنا وآله وعليه السلام)(120).
وبطبيعة الحال، يجب أنْ لا يكون ذلك داعياً للإنسان إلى الخمول والكسل والتسكُّع، بل إنَّ ذلك يعني أنْ يقنع الإنسان يما يكفيه ويُقوِّم حياته، ولا يُشغِله المال عن ذكر ربِّه.
كما أنَّ عليه أنْ يدعو ربَّه لأنْ يكفيه موؤنته ومؤونة عياله ليكفَّ يده عمَّا في أيدي الناس، وأنْ لا يحتاج إلى المخلوقين، فضلاً عن أنْ يتملَّق لهذا الشخص وذاك من أجل بعض الدراهم فيؤول أمره إلى أنْ مدح من أعطاه وذمَّ من منعه، فيكون حاله حال الحيوان الذي يُحرِّك ذيله لمن أطعمه، وينبح في وجه من منعه نعوذ بالله.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(120) راجع: التمحيص للإسكافي (ص 49/ ح 80)، عنه بحار الأنوار (ج 14/ ص 75/ ح 18، وج 69/ ص 52/ ح 76).

(١٧١)

الآية السادسة والعشرون: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (التوبة: 3)

العيَّاشي: عَنْ جَابِرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ (عليهما السلام) فِي قَوْلِ اَللهِ: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ﴾، قَالَ: «خُرُوجُ اَلْقَائِمِ، ﴿وَأَذَانٌ﴾ دَعْوَتُهُ إِلَى نَفْسِهِ»(121).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(121) تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 76/ ح 15).

(١٧٣)

الحكاية السادسة والعشرون: الشيخ محمّد جواد الأنصاري(122)

نقل مؤلِّف كتاب (در كوى بى نشانها) (في منتدى المجهولين): أنَّ العارف بالله آية الله المرحوم الشيخ نجابت سأل أُستاذه المرحوم آية الله الشيخ محمّد جواد الأنصاري - وكان آية الله الشهيد السيِّد عبد الحسين دستغيب وآية الله السيِّد أحمد الفهري حاضرين حينذاك -، قائلاً: هل تشرَّفتم بلقاء إمام العصر (عجَّل الله فرجه)؟
أجاب الأنصاري (رحمه الله): ما ازددت يقيناً.
إشارة:
في قول الشيخ آية الله الأنصاري: (ما ازددت يقيناً) معاني لطيفة يمكن الوقوف عليها بعد أنْ نعرف أنَّ من خصوصيَّاته الكتمان الشديد على سيره وسلوكه، وهو ما كان يحثُّ تلامذته عليه، حتَّى إنَّ بعض تلامذته عندما يسأله قائلاً: متى يمكننا أنْ نتشرَّف بلقاء المولى صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه)؟
يجيب الشيخ قائلاً: عندما يكون حضوره وغيبته عندنا على حدٍّ سواء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(122) الشيخ محمّد جواد الأنصاري (قدّس سرّه)، مجتهد، عارف كامل، قضى عمره الشريف في الطاعات والسير والسلوك، حتَّى بلغ المراتب العالية في هذا المضمار، وعندما سأل المرحوم الشيخ نجابت أُستاذه آية الحقِّ السيِّد علىٍّ القاضي عن المرجع من بعده في العرفان قال: رجل في همدان اسمه آية الله جواد الأنصاري. وعُرِفَ عنه أنَّه جُذِبَ جذبة إلهيَّة حوَّلت حياته بالمرَّة، ونُقِلَ أنَّه أخذ التوحيد عن الله مباشرةً. من جملة تلامذته الشيخ نجابت، الشهيد دستغيب، السيِّد الطهراني، تُوفِّي في سنة (1960م)، ودُفِنَ في مقبرة عليِّ بن جعفر في قم المقدَّسة.

(١٧٤)

ويسأله آخر عن إمكان التشرُّف بحضرته (عجَّل الله فرجه)، فيقول في الجواب: يا رجل، إنَّه يمكن التشرُّف بالحضرة الإلهيَّة المقدَّسة، فكيف لا يمكن التشرُّف بحضرة عباده؟!
وأمثال هذه التستُّرات على واقعة، ومن خلال ذلك نعرف بأنَّ مراده من قوله: (ما ازددت يقيناً) أنَّه قد تشرَّف بلقائه (عجَّل الله فرجه)، ولكن بما أنَّه كان يعيش الارتباط الروحي الدائم مع الإمام (عجَّل الله فرجه) لأنَّه كان على يقين بأنَّ الإمام (عجَّل الله فرجه) يراه ويرى أفعاله، ومثل هذا الشخص لا يختلف الأمر بالنسبة له.
وأيضاً يمكن أنْ يضمَّ كلامه معنى آخر، وهو أنَّ البعض قد يشكُّ بوجوده (عجَّل الله فرجه) ما لم يتشرَّف بلقائه، ولكن هذا هو شأن ذوي الاعتقادات الضعيفة، أمَّا أُولي الألباب واليقين والاعتقاد الراسخ فإنَّهم حتَّى إذا لم يتشرَّفوا برؤيته (عجَّل الله فرجه) في عالم الظاهر، فإنَّهم لن يشكُّوا بوجوده الشريف الثابت بالأدلَّة الكثيرة، وحينئذٍ فمثل هؤلاء الأشخاص لن يزدادوا يقيناً في مسألة وجوده الشريف عندما يتشرَّف بلقائه.

* * *

(١٧٥)

الآية السابعة والعشرون: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ﴾ (المائدة: 3)

العيَّاشي: عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي هَذِهِ اَلْآيَةِ: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ﴾: «يَوْمَ يَقُومُ اَلْقَائِمُ (عليه السلام) يَئِسَ بَنُو أُمَيَّةَ، فَهُمُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا يَئِسُوا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)»(123).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(123) تفسير العيَّاشي (ج 1/ ص 292/ ح 19).

(١٧٧)

الحكاية السابعة والعشرون: الشيخ الأعظم (قدّس سرّه)

بعد وفاة المرحوم آية الله الشيخ محمّد حسن النجفي صاحب كتاب (جواهر الكلام) رجع المسلمون إلى المرحوم الشيخ مرتضى الأنصاري، وطلبوا منه نشر رسالته العمليَّة لتقليده.
فقال لهم الشيخ الأعظم (قدّس سرّه): مع وجود سيِّد العلماء المازندراني الذي هو أعلم منِّي ويعيش الآن في بابل لن أطبع رسالتي العمليَّة.
ولذا فإنَّ نفس الشيخ الأعظم (قدّس سرّه) كتب رسالة وبعثها إلى سيِّد العلماء المازندراني وطلب منه الانتقال إلى النجف الأشرف للتصدِّي للمرجعيَّة الدِّينيَّة.
أجابه سيِّد العلماء برسالة جاء فيها: صحيح أنِّي كنت أقوى منك في الفقه عندما كنَّا نتباحث أيَّام وجودي في النجف الأشرف، ولكن وبسبب مرور سنوات طويلة عليَّ وأنا أعيش في مدينة بابل بعيداً عن المباحثة والدرس، ولذا فإنِّي أعتقد بأعلميَّتك أنت!
ومع ذلك فإنَّ الشيخ الأعظم (نور الله رمسه) كان يقول: لا أجد في نفسي اللياقة للتصدِّي للمرجعيَّة، إلَّا أنْ يجيزني مولاي وليُّ العصر والزمان (عجَّل الله فرجه) بالاجتهاد، ويُعيِّنني في مقام المرجعيَّة فإنِّي حينئذٍ فقط سأتصدَّى لهذا المقام.
وذات يوم وبينما كان المعظَّم له في مجلس الدرس وحوله تلامذته، رأوا شخصاً عليه آثار العظمة والجلال ورد إلى مجلس درس الشيخ، فأخذ الشيخ

(١٧٨)

باحترامه وإكباره وبمحضر الطُّلَّاب توجَّه ذلك الشخص إلى الشيخ الأنصاري بالسؤال قائلاً: «ما هو نظرك في امرأة مُسِخَ زوجها؟».
(وهذه المسألة لم تُطرَح في أيِّ كتاب من كُتُبنا الفقهيَّة، وذلك لرفع المسخ عن أُمَّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)).
قال الشيخ الأنصاري: هذه المسألة غير معروفة في كُتُبنا، ولذا فليس عندي الآن لها جواب.
قال الشخص: «اُفرض أنَّ مثل هذه الأمر حدث ومُسِخَ الرجل، فما هو حكم زوجته؟».
قال الشيخ الأعظم: بنظري أنَّ هذا الرجل لو مُسِخَ إلى صورة حيوان فإنَّ على زوجته أنْ تعتدَّ عدَّة الطلاق ثمّ تتزوَّج بعد ذلك لأنَّ الرجل له روح، وأمَّا إذا مُسِخَ إلى الجماد فعلى زوجته أنْ تعتدَّ عدَّة الوفاة لأنَّ الرجل فقد الروح.
فقال ذلك الشخص: «أنت المجتهد، أنت المجتهد، أنت المجتهد»، ثمّ نهض وخرج من مجلس الدرس.
وكان الشيخ يعلم أنَّ هذا الشخص هو الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه)، فقال لتلامذته: اُطلبوا الرجل، فهرع الطُّلَّاب في أثره فلم يجدوه.
وبعد هذه الإجازة من الإمام (عجَّل الله فرجه) تصدَّى الشيخ الأعظم للمرجعيَّة(124).
إشارة:
من هذه الحكاية الشريفة نستفيد أُموراً:
منها: أنَّ الشيخ الأعظم كان يعرف الإمام (عجَّل الله فرجه)، ونهتدي إلى ذلك من خلال احترامه وتجليله وإكباره له عند دخوله مجلس الدرس، ومن خلال تصدِّيه للمرجعيَّة بعد سماع الإذن منه في الاجتهاد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(124) اللقاء مع صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) (ص 144 - 146/ الحكاية 59).

(١٧٩)

ومنها: شدَّة تقوى علمائنا (رضوان الله عليهم) حيث إنَّه لمجرَّد احتماله وجود من هو أعلم منه يرفض التصدِّي للمرجعيَّة.
وقد ذُكِرَ في أحوال الشيخ الأعظم (قدّس سرّه) ما يُدهِش الإنسان في شدَّة تقواه وورعه خصوصاً أيَّام مرجعيَّته المباركة.
ومنها: تدخُّل الإمام (عجَّل الله فرجه) في ظروف الحرجة التي يمرُّ بها الشيعة لأجل إنقاذهم من العمل بلا هُدى، وقد ذكر لنا المؤرِّخون حالات كثيرة لتدخُّله ولطفه بأحوال الشيعة (أيَّدهم الله).
ومنها: مدى سعة هذا الشيخ الجليل وإحاطته بذوق الشريعة، فعلى الرغم من عدم عنونة هذه المسألة في كُتُب المسلمين الفقهيَّة إلَّا أنَّه استطاع أنْ يستنبط الجواب الصحيح عنها، وهذا يدلُّ على التأييدات الإلهيَّة لعلمائنا الربَّانيِّين (رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين). ويكفي في سعة الشيخ الأنصاري العلميَّة أنَّ كُتُبه لا زالت تُدرَّس إلى الآن كأُصول ومتون بحوث الخارج في الفقه والأُصول، بل إنَّ الكثير من آرائه العلميَّة لا زالت ثابتة ومحكمة لم يتمكَّن أحد من إثبات بطلانها أو التشكيك فيها على الرغم من تطوُّر وتقدُّم علم الأُصول، وهذا هو النور الذي يقذفه الله في قلب من يشاء(125).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(125) روى السيِّد حيدر الآملي (رحمه الله) في جامع الأسرار (ص 513) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «العلم نور وضياء يقذفه الله في قلوب أوليائه».
وروى الطبرسي (رحمه الله) في مشكاة الأنوار (ص 563) عن عنوان البصري: (ليس العلم بالتعلُّم إنَّما هو نور يقع في قلب من يريد الله تبارك وتعالى أنْ يهديه).

(١٨٠)

الآية الثامنة والعشرون: ﴿وَعْدَ اللهِ لَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (الروم: 6)

روى العلَّامة الشافعي المقدسي الدمشقي بسنده عن حذيفة بن اليمان، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: «ويح هذه الأُمَّة من ملوك جبابرة، كيف يقتلون ويخيفون المطيعين إلَّا من أظهر طاعتهم، فالمؤمن التقي يصانعهم بلسانه، يفرُّ منهم بقلبه، فإذا أراد الله (عزَّ وجلَّ) أنْ يعيد الإسلام عزيزاً قصم كلَّ جبَّار عنيد، وهو القادر على ما يشاء أنْ يُصلِح أُمَّة بعد فسادها».
ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يا حذيفة، لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يومٌ واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّى يملك رجل من أهل بيتي، تجري الملاحم على يديه، ويُظهِر الإسلام».
ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «﴿لَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ﴾، وهو سريع الحساب»(126).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(126) عقد الدُّرَر (ص 62 و63)، وراجع: كشف الغمَّة (ج 3/ ص 272/ ح 28)، والعرف الوردي (ص 107/ ح 57)، والقول المختصر (ص 126 و127).

(١٨١)

الحكاية الثامنة والعشرون: الحاجُّ محمّد عليّ فشندي

يقول سماحة السيِّد حسن الأبطحي (حفظه الله): حدَّثني جناب حجَّة الإسلام والمسلمين السيِّد القاضي الزاهدي الگلپايگاني قال: سمعت في طهران من جناب السيِّد الحاجّ محمّد عليّ فشندي - وهو من أخيار طهران -، قال:
في أيَّام شبابي كنت ملتزماً حدَّ الإمكان بعدم ارتكاب الذنوب، وأنْ أذهب إلى الحجِّ مراراً حتَّى أتشرَّف برؤية مولاي بقيَّة الله (روحي فداه)، ولذا تشرَّفت سنوات عديدة بزيارة مكَّة المعظَّمة.
وفي إحدى تلك السنين وكنت متعهِّداً بأُمور جمع من الحاجِّ، وفي ليلة الثامن من ذي الحجَّة ذهبت إلى صحراء عرفات مع الأثاثيَّة واللوازم وما يحتاجه الحاجُّ، وكان قصدي أنْ أصل إلى هناك قبل بقيَّة الحجيج بليلة واحدة لأنتخب المكان الأنسب لقافلتي.
وصلت إلى صحراء عرفات عصر اليوم السابع، فأنزلت الأثاث واللوازم ووضعتها في خيمة كانت قد أُعدَّت لنا، (وقد وجدت بأنَّ أحداً من الناس لم يصل بعد إلى عرفات، فكنت وحيداً فيها).
في هذه الأثناء جاءني أحد الشرطة الذين كانوا موكَّلين بحفظ الخيام هناك وقال لي: لماذا جئت بكلِّ هذه الوسائل والأثاث في هذه الليلة، ألم تعلم بأنَّه يمكن أنْ تتعرَّض للسرقة في هذا الصحراء الواسعة؟!

(١٨٢)

وعلى أيِّ حالٍ، الآن وقد جئت عليك أنْ تبقى يقظاً حتَّى الصباح لتحرسها.
في تلك الليلة، وفي ذلك المكان، اشتغلت بالعبادة والمناجاة مع ربِّي، وبقيت مستيقظاً، إلى أنْ كان منتصف الليل، فرأيت سيِّداً جليلاً على رأسه شال أخضر، جاء إلى خيمتي وناداني باسمي وقال: «السلام عليك يا حاجّ محمّد عليّ!».
قلت: وعليك السلام، وقمت من مكاني، فدخل ذلك السيِّد إلى الخيمة.
وبعد عدَّة لحظات جاء جمع من الشُّبَّان الذين نبتت لحاهم للتوِّ، وكانوا كالخدم لذلك السيِّد.
في البدء خفت منهم، ولكن بعد أنْ تكلَّمت عدَّة كلمات مع ذلك السيِّد ذهب الخوف من روعي ودخل حبُّه في قلبي، فوثقت بهم واطمئننت إليهم.
كان الشُّبَّان يقفون بباب الخيمة، وأمَّا السيِّد فقد دخل إلى داخل الخيمة.
قال لي ذلك السيِّد: «يا حاجّ محمّد عليّ، هنيئاً لك، هنيئاً لك».
قلت: ولِـمَ ذاك؟
قال: «لأنَّك تبيت في صحراء عرفات في هذه الليلة التي بات في مثلها جدِّي الإمام الحسين (عليه السلام) فيها».
قلت: وماذا عليَّ أنْ أفعل في هذه الليلة؟
قال: «تُصلِّي ركعتين تقرأ في كلٍّ منهما بعد الحمد سورة ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ أحد عشر مرَّة.
ولذا قمنا وصلَّينا مع السيِّد، وبعد الفراغ من الصلاة قرأ السيِّد دعاء بمضامين لم أكن قد سمعت بمثلها، وكان يقرأها بتوجُّه وخشوع والدموع تجري من عينيه.

(١٨٣)

حاولت أنْ أحفظ ذلك الدعاء، فقال السيِّد: «هذا الدعاء خاصٌّ بالإمام المعصوم، وإنَّك ستنساه!».
ثمّ قلت للسيِّد: أُريد منك أنْ تسمع إلى عقائدي في التوحيد، وهل هي صحيحة؟
قال: «قل».
فشرعت بالاستدلال على وجود الله بالآيات الآفاقيَّة والأنفسيَّة، وقلت: إنَّني أعتقد بوجود الله لهذه الأدلَّة.
قال: «يكفيك هذا المقدار من معرفة الله».
ثمّ عرضت بخدمته اعتقادي بمسألة الولاية.
فقال: «اعتقادك حسن».
فسألت منه قائلاً: بنظرك أين الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) الآن؟
قال: «إمام الزمان في الخيمة الآن!».
سألت منه: يقولون بأنَّ حضرة وليّ العصر (عجَّل الله فرجه) يكون في عرفات يوم عرفة، ففي أيِّ مكانٍ من صحراء عرفات يقف؟
قال: «في حدود جبل الرحمة».
قلت: فلو ذهب أحد إلى ذلك المكان فهل سيراه؟
قال: «نعم يراه، ولكن لا يعرفه».
قلت: غداً مساء ليلة عرفة، فهل يأتي حضرة وليّ العصر (عجَّل الله فرجه) إلى خيام الحُجَّاج ويتلطَّف عليهم؟
قال: «سيأتي إلى خيمتكم، لأنَّكم ستتوسَّلون بعمِّي أبي الفضل العبَّاس (عليه السلام) في الليلة القادمة».
وفي هذه الأثناء قال لي السيِّد: «يا حاجّ محمّد عليّ، هل عندك شاي؟».

(١٨٤)

(وفجأة التفت إلى أنِّي جئت بكلِّ الوسائل إلَّا الشاي).
قلت: سيِّدنا، اتِّفاقاً لقد نسيت أنْ أجلب الشاي معي، والحمد لله أنْ ذكَّرتني، فإنِّي سأذهب غداً وأجلب الشاي للمسافرين.
قال السيِّد: «الشاي عليَّ الآن».
فخرج من الخيمة وجاء بشيء ظاهره أنَّه شاي، ولكن عندما قمنا بتحضيره كان معطَّراً وحلواً بحدٍّ تيقَّنت معه أنَّه ليس من شاي الدنيا، فشربت من ذلك الشاي.
ثمّ قال لي: «هل عندك طعام نأكله؟».
قلت: نعم، عندي خبز وجبن.
قال: «أنا لا آكل الجبن».
قلت: وعندي لبن أيضاً.
قال: «هاته».
فقدَّمت له مقداراً من الخبز واللبن، فأكل شيئاً منهما، ثمّ التفت إليَّ وقال: «يا حاجّ محمّد عليّ، سأُعطيك مائة ريال (سعودي) لتأتي بعمرة نيابةً عن والدي».
قلت: سمعاً وطاعةً، فما اسم أبيك؟
قال: «اسم أبي سيِّد حسن».
قلت: وما اسمك أنت؟
قال: «سيِّد مهدي».
فأخذت المال، وفي هذه الأثناء قام ذلك السيِّد ليخرج من الخيمة، ففتحت ذراعي وعانقته مودِّعاً، وعندما أردت أنْ أُقبِّل وجهه شاهدت على وجنته اليمنى خالاً أسوداً جميلاً، فوضعت شفتي على ذلك الخال وقبَّلت وجهه.

(١٨٥)

وبعد لحظات من افتراقنا، تفحَّصت الصحراء يميناً وشمالاً فلم أرَ أحداً، وفجأةً انتبهت من غفلتي، وعرفت أنَّ ذلك السيِّد هو حضرة بقيَّة الله (أرواحنا فداه)، خاصَّة وأنَّه:
كان يعرف اسمي!
ويتكلَّم الفارسيَّة!
واسمه مهدي!
وابن إمام الحسن العسكري!
وعلى أيِّ حالٍ، جلست تلك الليلة أبكي وأنحب وأنشج نشيجاً عالياً حتَّى أسمعني الشرطة، فظنُّوا أنَّ السُّرَّاق سرقوا متاعي، فاجتمعوا حولي وسألوني، فقلت لهم: كنت مشغولاً بالمناجاة، فاشتدَّ بكائي!
وفي اليوم التالي وعندما وصلت مجموعتي وذكرت القصَّة لروحاني المجموعة، نقل بدوره ذلك إلى الحُجَّاج، فازداد شوقهم وحنينهم للمولى (عجَّل الله فرجه).
وفي أوائل وقت الغروب من ليلة عرفة صلَّينا صلاة المغرب والعشاء، وبعد الصلاة (ومع أنِّي لم أكن قد قلت لهم إنَّ الإمام (عجَّل الله فرجه) كان قد ذكر لي بأنَّنا سنتوسَّل بعمِّه العبَّاس (عليه السلام) وإنَّه سيتلطَّف ويُشرِّفنا بقدومه إلى الخيمة)، قام روحاني المجموعة وبدأ بقراءة مصيبة أبي الفضل العبَّاس (عليه السلام)، وكان البكاء والنحيب والتوجُّه يسيطر على أجواء المجلس، ولكنَّني كنت دائماً أترقَّب مجيء الإمام بقيَّة الله (روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء).
وعلى أيِّ حالٍ، كاد مجلس العزاء ينفض ويُختَم، فنفذ صبري، وقمت وخرجت من الخيمة، فرأيت حضرة وليّ العصر (روحي فداه) واقفاً بباب الخيمة يستمع إلى مجلس العزاء ويبكي، فأردت أنْ أُعلِمَ الناس بوجوده الشريف، فأشار بيده المباركة إليَّ أنِ اسكت، فكأنَّ يداً قد تصرَّفت بلساني فلم

(١٨٦)

أستطع أنْ أتفوَّه بحرف واحد، ولذا وقفت بجانب باب الخيمة والإمام بالجانب الآخر، وكنَّا نبكي على مصائب أبي الفضل العبَّاس (عليه السلام)، ولم أقدر أنْ أتحرَّك خطوة واحدة باتِّجاهه (عجَّل الله فرجه)، وعندما انتهت قراءة المصيبة ترك بقيَّة الله الأعظم (عجَّل الله فرجه) المكان وانصرف(127).
إشارة:
يُستفاد من هذه الحكاية أُمور:
منها: ما ذكرناه سابقاً من تشرُّف الديار المقدَّسة بزيارة الإمام (عجَّل الله فرجه) لها في كلِّ عام، فهو يقف مع الحجيج في عرفة ويطوف حول البيت ويسعى بين الصفا والمروة مع الناس، ولذا فإنَّ الكثير من الناس يُكرِّر السفر إلى بيت الله الحرام للحجِّ وللتشرُّف بخدمة المولى مخصوصاً في صحراء عرفات، فإنَّه قطعاً يكون موجوداً من الزوال إلى الغروب يدعو للمؤمنين ويُؤمِّن على دعاء الصالحين.
ومنها: علاقة الإمام (عجَّل الله فرجه) الخاصَّة بمصيبة عمِّه أبي الفضل العبَّاس (عليه السلام)، ولذا ينبغي على المؤمنين الإكثار من التوسُّل بساحة أبي الفضل العبَّاس (عليه السلام)، فإنَّ في ذلك إدخال السرور على قلب الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه).
ومنها: جواز النيابة بالعمرة عن الأئمَّة (عليهم السلام)، بل إنَّ في ذلك ثواب عظيم حتَّى للنائب، وقد وجدنا كيف أنَّ الإمام (عجَّل الله فرجه) استناب الحاجّ فشندي للزيارة عن أبيه الإمام العسكري (عليه السلام)، وحري بالمؤمنين أنْ يعتمروا نيابةً عن أئمَّتهم فإنَّ في ذلك عظيم الثواب لهم.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(127) الكمالات الروحيَّة (ص 140 - 145).

(١٨٧)

الآية التاسعة والعشرون: ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ (القَصص: 6)

روى صاحب تفسير (البرهان) عن (الشيباني) أنَّه روى عن الباقر والصادق (عليهما السلام) أنَّهما قالا:
«إنَّ فرعون وهامان هنا شخصان من جبابرة قريش يُحييهما الله تعالى عند قيام (القائم) من آل محمّد في آخر الزمان، فينتقم منهما بما أسلفا»(128).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(128) تفسير البرهان (ج 4/ص 254/ح 8100/14)، عن نهج البيان (ج 4/ص 145 و146).

(١٨٩)

الحكاية التاسعة والعشرون: [رجل من صلحاء الشيعة]

روى العالم الجليل الفقيه السيِّد حسن بن حمزة، وهو من كبار علماء الشيعة، وينتهي نسبه الشريف إلى سيِّد الشهداء الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام) بستَّة آباء، أنَّ رجلاً من صلحاء الشيعة قال:
خرجت من منزلي في سنة من السنين قاصداً زيارة بيت الله الحرام وأداء مناسك الحجِّ، وقد اتَّفق أنَّ تلك السنة كانت شديدة الحرِّ، وقد تفشَّت الأمراض المعدية أثناء الطريق، ونتيجةً لغفلتي تأخَّرت عن القافلة كثيراً، وأخذ العطش شيئاً فشيئاً يُؤثِّر بي ويضرُّ بحالي في تلك الصحراء الحارَّة، فسقطت على الأرض لشدَّة العطش وكدت أنْ أهلك.
وفجأةً سمعت صهيل جواد بالقرب منِّي.
عندما فتحت عيني رأيت شابًّا حسن الوجه طيِّب الرائحة ممتطياً ظهر الجواد، فوقف عند رأسي وكان يحمل بيده قدحاً من الماء.
نزل الشابُّ عن ظهر جواده وأعطاني ذلك القدح فشربت منه، وكان الماء بارداً وحلواً لم أشرب مثله طيلة حياتي إلى الآن.
سألت من ذلك الشابِّ قائلاً: من أنت حتَّى تلطَّفت عليَّ بهذا اللطف؟!
قال: «أنا حجَّة الله على عباد ربِّي، أنا بقيَّة الله في الأرض، أنا الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أنْ تُملأ ظلماً وجوراً، أنا ابن الحسن بن عليِّ بن محمّد بن عليِّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)».

(١٩٠)

وعندما عرفت أنَّه إمام العصر (عجَّل الله فرجه) قال لي: «أغمض عينيك».
امتثلت لأمره وأغمضت عيني، وبعد لحظات قال لي: «افتح عينيك»، فتحت عيني وإذا بي وأنا أسير مع القافلة، فنظرت إليه فغاب عن بصري(129).
إشارة:
تقدَّم منَّا أنَّ أحد ألقابه (عجَّل الله فرجه) هو (الغوث)، ولذا نجد بأنَّه (عجَّل الله فرجه) يغيث الملهوفين والضالِّين والمحتاجين أيَّام غيبته الشريفة، وأعظم مصاديق الغوث يتحقَّق أيَّام ظهوره (عجَّل الله فرجه) حيث ينتقم للمستضعفين من المستكبرين والجبابرة، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً كما قال هو (عجَّل الله فرجه) في هذه الحكاية.
اللَّهُمَّ عجِّل فرجه الشريف، واجعل فرجنا بفرجه عاجلاً قريباً.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(129) اللقاء مع صاحب الزمان (ص 86 و87/ الحكاية 35).

(١٩١)

الآية الثلاثون: ﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ (السجدة: 29)

روى الحافظ سليمان القندوزي (الحنفي) بإسناده عن ابن درَّاج، عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ أنَّه كان يقول في هده الآية: «﴿يَوْمَ الْفَتْحِ﴾ يوم تُفتَح الدنيا على القائم (عليه السلام)، ولا ينفع أحداً تقرَّب بالإيمان ما لم يكن قبل ذلك مؤمناً. وأمَّا من كان قبل هذا الفتح موقناً بإمامته ومنتظراً لخروجه، فذلك الذي ينفعه إيمانه، ويُعظِّم الله (عزَّ وجلَّ) عنده قدره وشأنه، وهذا أجر الموالين لأهل البيت»(130).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(130) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 246 و247/ ح 37).

(١٩٣)

الحكاية الثلاثون: السيِّد محمّد مهدي بحر العلوم (قدّس سرّه)

ركضة طويريج معروفة عند العراقيِّين خصوصاً، وهو عزاء يقام يوم العاشر من المحرم، حيث تأتي أفواج الناس من قضاء (طويريج) الذي يبعد أربعة فراسخ عن مدينة كربلاء المقدَّسة (على مشرِّفها آلاف التحيَّة والثناء)، يأتون مهرولين حتَّى يصلوا إلى حرم سيِّد الشهداء الإمام الحسين بن عليٍّ (عليه السلام)، ثمّ يخرجون إلى حرم ابي الفضل العبَّاس (عليه السلام)، حفاة باكين شعث غُبْر يندبون مولاهم الحسين (عليه السلام)، حتَّى إنَّ علماء الدِّين وبعض المراجع كانوا يشتركون أيضاً في هذا العزاء حيث يقفون لاستقبال تلك الجموع على مشارف كربلاء، ثمّ يشاركون في العزاء في بكاء ونحيب.
وعندما تسأل هؤلاء المراجع: ما هو الدليل على استحباب المشاركة في هذا العزاء؟ يُجيبك أحدهم: وكيف لا أُشارك وقد شارك العلَّامة السيِّد بحر العلوم (رحمه الله) الناسَ في هذه الركضة وهذا العزاء؟
وكان السيِّد بحر العلوم (رحمه الله) ذات يوم عاشوراء في إحدى السنين يقف مع عدَّة من طلبة العلوم الدِّينيَّة في كربلاء لاستقبال تلك الجموع التي جاءت من طويريج لإقامة عزاء سيِّد الشهداء وأبي الأحرار الحسين بن فاطمة (عليه السلام)، وفجأةً يرى الطُّلَّاب أنَّ السيِّد بحر العلوم على عظمته ومقامه العلمي الشامخ دخل وسط تلك الجموع لاطماً وجهه وصدره باكياً مهرولاً معهم، وحاول الطُّلَّاب منع السيِّد والحدَّ من كلِّ تلك الأحاسيس الطاهرة والخالصة فلم يفلحوا،

(١٩٤)

فاضطرُّوا إلى الاستسلام للأمر الواقع، ولكنَّهم حاولوا الحفاظ على السيِّد من أنْ يقع على الأرض، ومن وقع على الأرض في هذا العزاء لا ينجو من الموت إلَّا بمعجزة، لأنَّ الناس في هذه الركضة كالسيل العارم وكأمواج البحر الهائج لا يقف بوجهها شيء.
(وذات مرَّة سقط بعض الأشخاص على الأرض، فداستهم الجموع بالأرجل، فحدثت مأساة فظيعة راح ضحيَّتها أكثر من أربعين شهيداً عند باب الحرم الحسيني).
أحاط الطلبة بالسيِّد بحر العلوم حتَّى فرغ من المشاركة في العزاء.
وبعد إتمام العزاء سأل بعض الخواصِّ من السيِّد عن علَّة مشاركته على ذلك النحو، فقال (رحمه الله): عندما وصلت إلى تلك المجاميع المعزّية رأيت بقيَّة الله الأعظم (عجَّل الله فرجه) حافياً حاسراً بين تلك الجموع وهو يلطم على صدره ويضرب على رأسه ويبكي، فلم أطق إلَّا أنْ شاركت بخدمته في العزاء(131).
إشارة:
مصيبة الحسين (عليه السلام) لا تقربها مصيبة، ومظلوميَّته (عليه السلام) منار يقتدي به الثوَّار والمظلومون لنيل حقوقهم والصبر والصمود ضدَّ الطغاة.
ولعظم مصيبة الحسين (عليه السلام) ورد في الأحاديث على لسان عدد من الأئمَّة (عليهم السلام) أنَّهم كانوا يقولون: «لا يوم كيومك يا أبا عبد الله»(132).
والكلُّ يبكي ويندب الحسين (عليه السلام)، ولكلٍّ منهم أُسلوب خاصٌّ في بيان انزجاره لقتل الحسين (عليه السلام) وأهل بيته، ولبيان حزنه عليه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(131) الكمالات الروحيَّة (ص 254 - 256).
(132) أمالي الصدوق (ص 177/ ح 179/3)، مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 238)، مثير الأحزان (ص 13)، الملهوف على قتلى الطفوف (ص 19).

(١٩٥)

والعراقيُّون لهم أساليب كثيرة لذلك، منها ركضة طويريج التي تُعَدُّ ثورة عارمة على الظلم، ولذا حاولت الأنظمة الجائرة منع هذه العزاء، لأنَّها ترى أنَّ فيه تهديداً لكياناتها الظالمة.
ومهما حاولنا وصف أهمّيَّة هذا العزاء فإنَّ القارئ لن يقف على ذلك إلَّا أنْ يرى بنفسه ويحضر في تلك المراسم، فإنَّه سيعرف كم لها من الأثر في تأجيج الحزن والبكاء والنحيب على الحسين (عليه السلام)، ولذا ما فات الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) يشارك فيه أيضاً، وهو أحقُّ الناس بذلك، فهو الطالب بثار جدِّه الحسين (عليه السلام).

* * *

(١٩٦)

الآية الحادية والثلاثون: ﴿سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ (القدر: 5)

مُحَمَّدُ بْنُ اَلْعَبَّاسِ: عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هَوْذَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اَللهِ بْنِ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى اَلصَّنْعَانِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «قَالَ لِي أَبِي (مُحَمَّدٌ): قَرَأَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام): ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾، وَعِنْدَهُ اَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ (عليهما السلام)، فَقَالَ لَهُ اَلْحُسَيْنُ: يَا أَبَتَاهْ، كَأَنَّ بِهَا مِنْ فِيكَ حَلَاوَةً، فَقَالَ لَهُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللهِ وَاِبْنِي، إِنِّي أَعْلَمُ فِيهَا مَا لَا تَعْلَمُ، إِنَّهَا لَـمَّا نَزَلَتْ بُعِثَ إِلَى جَدِّكَ رَسُولِ اَللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَقَرَأَهَا عَلَيَّ، ثُمَّ ضَرَبَ عَلَى كَتِفِيَ اَلْأَيْمَنِ وَقَالَ: يَا أَخِي وَوَصِيِّي وَوَلِيَّ أُمَّتِي بَعْدِي وَحَرْبَ أَعْدَائِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، هَذِهِ اَلسُّورَةُ لَكَ مِنْ بَعْدِي، وَلِوُلْدِكَ مِنْ بَعْدِكَ، إِنَّ جَبْرَئِيلَ أَخِي مِنَ اَلمَلَائِكَةِ حَدَّثَ إِلَيَّ أَحْدَاثَ أُمَّتِي فِي سُنَّتِهَا، وَإِنَّهُ لَيُحَدِّثُ ذَلِكَ إِلَيْكَ كَأَحْدَاثِ اَلنُّبُوَّةِ، وَلَهَا نُورٌ سَاطِعٌ فِي قَلْبِكَ وَقُلُوبِ أَوْصِيَائِكَ إِلَى مَطْلَعِ فَجْرِ اَلْقَائِمِ (عليه السلام)»(133).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(133) تأويل الآيات الظاهرة (ج 2/ ص 820 و821/ ح 9).

(١٩٧)

الحكاية الحادية والثلاثون: السيِّد عبد الكريم هاشمي نجاد

نقل العلَّامة السيِّد حسن الأبطحي (حفظه الله)، قال: حدَّثني الشهيد حجَّة الإسلام والمسلمين الحاجّ السيِّد عبد الكريم هاشمي نجاد الذي كان له أُستاذ يُسمَّى الشيخ عليّ فريدة الإسلام الكاشاني، قال:
ذات ليلة كنت مع المرحوم أُستاذي بالكونِ في غرفته الكائنة في الطابق العلوي في مدينة قم المقدَّسة، وكان الأُستاذ واقفاً ووجهه إلى ساحة المنزل يزور مولانا صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه) بزيارة آل ياسين الشريفة.
وكنت أنا بجواره أُعِدُّ الموقد للتدفئة.
وفجأةً وجدت أنَّ أُستاذي انتفض في أثناء القراءة وازداد توجُّهه وخضوعه وخشوعه وبكاؤه.
رفعت رأسي لأقف على السبب فرأيت أنَّ حضرة بقيَّة الله (عجَّل الله فرجه) واقف بين السماء والأرض مقابل أُستاذي ينظر إليه مبتسماً، حتَّى إنَّني كنت قادراً على تمييز خصوصيَّات قيافته الشريفة، وحتَّى لون ملابسه، وكنت أرى ذلك بوضوح.
ثمّ عُدْتُ ثانيةً إلى عملي، ومرَّة ثانية رفعت رأسي فرأيت مولاي (عجَّل الله فرجه) بنفس الخصوصيَّات والملامح السابقة، وهكذا كرَّرت ذلك عدَّة مرَّات، وفي كلِّ مرَّة كنت أُشاهد جماله الأنور (عجَّل الله فرجه)، وفي المرَّة الأخيرة اشتغلت بإيجار الفحم، فوجدت أُستاذي قد هدأ وذهبت عنه تلك الحالة وأنهى الزيارة، فرفعت رأسي إلى السماء فلم أجد المولى صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه).

(١٩٨)

وعندما جلست أنا وأُستاذي في الغرفة بعد هذا الجريان، وكان أُستاذي قد أخفى عليَّ ذلك ظنًّا منه بأنِّي لم أرَ شيئاً، فسألته قائلاً: حضرة الأُستاذ، بأيِّ هيأة كنت ترى صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه)؟!
فتعجَّب الأُستاذ وقال: فهل كنت تراه أنت أيضاً؟
قلت: نعم كنت أراه بملابس مخطَّطة وعمامة خضراء وقيافة جذَّابة، وعلى وجهه خال.
ثمّ بيَّنتُ له كلَّ الخصوصيَّات التي كنت أراها، وكان الأُستاذ يُصدِّق ذلك مؤيِّداً، ثمّ أثنى عليَّ وسُرَّ لما حصلتُ عليه من لياقة للتشرُّف بلقاء الإمام (عجَّل الله فرجه)(134).
إشارة:
زيارة آل ياسين (عليهم السلام) من الزيارات المعتبرة الشريفة التي يُزار بها الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) يوم الجمعة وغيرها.
وبالتتبُّع وجدت أنَّ أولياء الله يواظبون عليها ويُؤكِّدون على قراءتها، وإنِّي لقاطع عزيزي القارئ بأنَّنا لو واظبنا عليها فإنَّنا سنجد تحوُّلاً عميقاً قد حصل في روحيَّاتنا وحتَّى في سلوكنا، ولذا فإنَّ هذه الزيارة الشريفة من كنوزنا التي لا بدَّ من المحافظة عليها، وسنورد متن هذه الزيارة في ملحقات الكتاب إنْ شاء الله(135).
وأُشير هنا إلى أنَّ السيِّد عبد الكريم هاشمي نجاد من الشخصيَّات المرموقة في عالمنا الإسلامي، له دور كبير في الثورة الإسلاميَّة المباركة في إيران، استُشهِدَ على يد أعداء الإسلام في مدينة مشهد الإمام الرضا (عليه السلام).
وقد ذكر السيِّد الأبطحي في كتابه (الكمالات الروحيَّة/ الجزء الثاني) في ذيل هذه الحكاية: أنَّه عندما كان يدرس في النجف الأشرف كان السيِّد هاشمي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(134) اللقاء مع صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) (ص 28 - 30/ الحكاية 5).
(135) ستأتي في (ص 267)، فانتظر.

(١٩٩)

نجاد معه، وذات ليلة جمعة كانا في حرم أبي الفضل العبَّاس (عليه السلام) للزيارة، فتوسَّل السيِّد الأبطحي بأبي الفضل العبَّاس (عليه السلام) أنْ يزيد في يقينه بوجود الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه)، ولـمَّا انصرفا لزيارة مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) وبدون اطِّلاع من السيِّد هاشمي نجاد بالأمر، نقل الأخير قصَّة تشرُّفه بلقاء الحجَّة، وهي الحكاية أعلاه، ويضيف السيِّد الأبطحي: فعرفت أنَّ هذه منحة من مولاي أبي الفضل العبَّاس (عليه السلام).

* * *

(٢٠٠)

الآية الثانية والثلاثون: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ (الزمر: 69)

أخرج العلَّامة (الحنفي) الحافظ القندوزي في ينابيعه بسنده عن أبي الحسن عليِّ بن موسى الرضا (عليه السلام) في حديث ذكر فيه (المهدي) وأنَّه الرابع من ولده، إلى أنْ قال: «فإذا خرج ﴿أَشْرَقَتِ الْأَرضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾...» الحديث(136).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(136) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 297/ ضمن الحديث 7)، وراجع: تفسير القمِّي (ج 2/ ص 253)، وكمال الدِّين (ص 345 و346/ باب 33/ ح 31)، ودلائل الإمامة (ص 454/ ح433/37، وص 486/ ح 483/87)، والإرشاد (ج 2/ ص 381)، والغيبة للطوسي (ص 467 و468/ ح 484).

(٢٠١)

الحكاية الثانية والثلاثون: كريمة الشيخ الأراكي

نقل مؤلِّف كتاب گنجينه ى علما (خزانة العلماء) في (الجزء الثاني/ ص 64) عن سماحة آية الله العظمى المرجع الراحل الشيخ محمّد عليّ الأراكي أنَّه نقل له قائلاً:
أرادت ابنتي وهي زوجة حجَّة الإسلام السيِّد الأراكي أنْ تتشرَّف بحجِّ بيت الله الحرام، وكانت تخاف أنْ لا تتمكَّن من أداء مناسك الحجِّ لشدَّة الزحام، قلت لها: إذا داومتِ على ذكر: (يا حفيظ يا عليم)، فإنَّ الله سيعينكِ على ذلك.
تشرَّفت ابنتي بزيارة بيت الله الحرام، وبعد عودتها نقلت لي هذه الحكاية وقالت: داومت على ذلك الذكر الشريف، ولله الحمد فقد أدَّيت المناسك براحة، إلى أنْ أردت ذات يوم الطواف، وكان جمع من الحُجَّاج الأفارقة يطوفون، وكان الزحام شديداً جدًّا، فقلت في نفسي: كيف يمكنني في هذا الزحام الطواف؟
وتحسَّرت على وجود رجل محرم معي حتَّى يحافظ عليَّ من ملامسة الرجال حال الطواف.
وفجأةً سمعت صوت شخص يقول لي: لوذي بإمام الزمان (عجَّل الله فرجه) حتَّى تطوفي على راحتك.
قلت: وأين هو إمام الزمان (عجَّل الله فرجه)؟
قال: هو ذا هذا الرجل الذي يسير أمامكِ.

(٢٠٢)

نظرت إلى تلك الجهة فرأيت رجلاً جليلاً يمشي أمامي وحوله دائرة مفرغة قطرها حوالي المتر، ولا يدخل أحد من الحجيج في تلك الدائرة، وإذا بالهاتف يقول لي: اُدخلي في هذا الحريم وطوفي خلف حضرة وليِّ العصر (عجَّل الله فرجه)، وكنت قريبة جدًّا منه بحيث إنَّ يدي كانت تصل إليه، وقد مسحت يدي على عباءته ومسحت بها وجهي، وكنت أقول له: سيِّدي فديتك بنفسي، مولاي فديتك بروحي، وكنت مسرورة جدًّا إلى درجة أنِّي نسيت أنْ أُسلِّم عليه.
والحاصل، أنِّي طفت سبعة أشواط خلف الإمام (عجَّل الله فرجه) حول الكعبة بدون أنْ يلمس بدني بدن رجل غريب على الرغم من كلِّ ذلك الزحام، وكنت أتعجَّب من أنَّه كيف لا يدخل أحد من هؤلاء الناس في حريم هذه الدائرة؟
ويضيف الشيخ الأراكي قائلاً: ولأنَّ حاجة ابنتي كانت منحصرة في هذا الأمر، لذا فإنَّها لم تطلب شيئاً آخر في تلك الساعة(137).
إشارة:
لا شكَّ أنَّ الإمام (عجَّل الله فرجه) رحمة للعالمين، وخصوصاً لأُولئك الذين يحاولون تطبيق الشريعة والابتعاد عن المعاصي والتنزُّه عن المحرَّمات حتَّى غير الاختياريَّة منها، وكما ورد في الحديث الشريف: «عبدي تقدَّم إليَّ خطوة أتقدَّم إليك خطوتين»(138)، فإنَّ الله تعالى يُهيِّئ لمثل هذا الإنسان الدليل على الطاعات واجتناب المحرَّمات.
ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، بل إنَّ بعض النساء ولأسباب معيَّنة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(137) اللقاء مع صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) (ص 73 و74/ الحكاية 27).
(138) روى البخاري في صحيحه (ج 11/ ص 198/ ح 6759)، عن أنس بن مالك، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، عن الله (عزَّ وجلَّ)، قال: «إذا تقرَّب العبد إليَّ شبراً تقرَّبت إليه ذراعاً، وإذا تقرَّب منِّي ذراعاً تقرَّبت منه باعاً، وإذا أتاني مشياً أتيته هرولةً».

(٢٠٣)

قد يصلن إلى الكمال أسرع من الرجال مع ما يتمتَّعن به من روح لطيفة عاطفيَّة، وهناك الكثير من النساء وصلن إلى حالات كمال عالية، وبعضهنَّ إلى حالة الارتباط الروحي بالإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه)، ولا مجال هنا لذكرهنَّ.
إذن، طريق التشرُّف بلقاء المهدي (عجَّل الله فرجه) ليس حكراً على الرجال، وعلى نسائنا السعي والجدّ لنيل هذا الشرف العظيم، وذلك بالطاعات والعبادات وأداء الوظائف الشرعيَّة.

* * *

(٢٠٤)

الآية الثالثة والثلاثون: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (القَصص: 5)

روى في تفسير (البرهان) عن الشيباني في (نهج البيان)، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) أنَّهما قالا:«إنَّ هذه الآية مخصوصة بصاحب الأمر الذي يظهر في آخر الزمان، ويبيد الجبابرة والفراعنة، ويملك الأرض شرقاً وغرباً، فيملأها عدلاً كما مُلِئَت جوراً».
وأخرج الحافظ سليمان القندوزي (الحنفي)، قال - في حديث -: قال أبو محمّد العسكري للمهدي (عليه السلام) في اليوم السابع من ولادته: «تكلَّم يا بنيَّ»، فشهد الشهادتين، وصلَّى على آبائه واحداً بعد واحد، ثمّ قرأ قوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾(139).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(139) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 301 و302)، عن كمال الدِّين (ص 424 و425/ باب 42/ ح 1).

(٢٠٥)

الحكاية الثالثة والثلاثون: السيِّد الأبطحي

يقول السيِّد حسن الأبطحي في كتابه (الكمالات الروحيَّة/ الجزء الثاني): تشرَّفت بزيارة المدينة المنوَّرة سنة (1974م)، وذات ليلة وبعد منتصف الليل كنت جالساً بمعيَّة الحاجّ خادمي خلف باب مسجد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكانت أبواب المسجد مغلقة، والناس نيام، والهدوء يعمُّ الأطراف، وكانت الساحة أمام باب المسجد واسعة جدًّا، وذلك بعد تخريب المباني أمام باب السلام وحتَّى مسجد الغمامة.
كان الحاجُّ خادمي وعلى عادته مشغولاً بذكر مولاه صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)، فكان يطرق كلَّ باب يُؤدِّي به إلى العشق المهدوي وذكر حالاته (عجَّل الله فرجه)، يُظهِر الحبَّ والودَّ والولاء.
قال لي: عندي سؤال.
قلت: تفضَّل واسأل.
قال: هل يمكن أنْ لا يكون لبقيَّة الله (أرواحنا فداه) منزلٌ في المدينة؟
قلت: ولِـمَ لا يمكن ذلك؟ فإنَّه لا يجب أنْ يكون له منزل خاصٌّ به والحال أنَّ بيوت شيعته ومحبِّيه كلَّها منزله ومتعلِّقة به.
قال: إنَّه (عجَّل الله فرجه) له منزل في المدينة المنوَّرة.
قلت: فأين هو ذلك المنزل؟
قال: لو كنت أعلم بمكانه لما جلست هنا.

(٢٠٦)

(كنت أعلم أنَّ هذه الحالات عندما تحصل لمحبِّي المولى (عجَّل الله فرجه) فإنَّه ببعض المتابعة يمكن الاستفادة منها).
قلت: لو كنتُ أعتقد بذلك أي لو كنت متيقِّناً من أنَّه (عجَّل الله فرجه) له منزل خاصٌّ في المدينة المنوَّرة لحاولت خلال هذه الأيَّام القليلة العثور عليه من خلال طرق أبواب البيوت بيتاً بيتاً، والاستفسار عن اسم صاحب المنزل إلى أنْ أجده، فإنَّه لن تستغرق هذه العمليَّة أكثر من خمسة أو ستَّة أيَّام مع الجدّيَّة والبرمجة الصحيحة، فإنَّ بيوت المدينة ليست كثيرة، والوصول إلى هذا الهدف المقدَّس يستحقُّ العناء حتَّى لو لقينا التعب وإيذاء الناس لنا وطردنا، مع أنَّني أعتقد أنَّ غيرة الإمام (عجَّل الله فرجه) ولطفه ومحبَّته لا تسمح له بأنْ يترك وليَّه يتحمَّل كلَّ ذلك من أجل الوصول إليه فإنَّه سيساعده ليهتدي إلى منزله بعد طرق باب أو بابين فقط. ولكن ولأنِّي غير متيقِّن من وجود منزلٍ خاصٍّ به (عجَّل الله فرجه) فإنِّي لم أقم بهذا العمل سابقاً.
المهمُّ، إنِّي حاولت تشجيعه وإثارته إلى درجة أنَّه قام واقفاً على رجلية في تلك الليلة الظلماء، ووقفت أنا أيضاً، وكان الحاجُّ خادمي متحيِّراً من أين يبدأ بالبحث، وكان يلتفت يميناً وشمالاً، وكنت أنا أنتظر لطفاً من صاحب الأمر(عجَّل الله فرجه) في كلِّ لحظة.
وفجأةً، ومع أنَّ هذا الميدان الواسع كان هادئاً، ساكتاً جدًّا، سمعنا صوت رجل من طرف الشارع المقابل لمسجد الغمامة ينادي بلسان فارسي ويقول: (من هنا، من هنا)!
تحرَّكنا إلى جهة الصوت، فرأينا من بعيد رجلاً لم نتمكَّن من رؤية ملامحه وقيافته وملابسه، ولكن كان يبدو أنَّه ينادينا نحن.
فقال الحاجُّ خادمي ودموعه تجري من عينيه: إنَّه يرشدنا إلى بيت وليِّ العصر (عجَّل الله فرجه).

(٢٠٧)

وبدون تأخير تحرَّك باتِّجاه ذلك المكان.
ولـمَّا كنت بطيء التصديق، قلت في نفسي: لعلَّ أحد الإيرانيِّين من رفقائنا تصوَّر بأنَّنا ضللنا الطريق فحاول هدايتنا إلى منزلنا.
ولكن هذا الشخص بعد أنْ أرشدنا إلى الجهة ذهب إلى إحدى الأزقَّة في المنطقة ولم نعد نراه.
كان الحاجُّ خادمي يسير مسرعاً إلى تلك الجهة، ويقول: إنِّي أشمُّ عطراً عجيباً.
وأخيراً وبعد دقائق وصلنا إلى ذلك المحلِّ، وكان مفترق ثلاث طُرُق فوقفنا حائرين في أيِّ طريق نسير؟
ولكن هذه الحيرة وهذا الترديد لم يستمرّ إلَّا لحظات، حين سمعنا صوت دراجة ناريَّة كسر الهدوء المخيَّم على المكان في آخر الشارع المقابل لمسجد الغمامة، وعندما وصل إلينا خفَّف من سرعته وتوقَّف عندنا، وقال مشيراً إلى شارع فرعي خلف فندق الحرم: (من هذه الجهة، من هذه الجهة)، قالها بلسان فارسي طليق، ثمّ انطلق بدرَّاجته مسرعاً.
هنا بدأت أشعر بأنَّ هذه الإرشادات ليست طبيعيَّة، إذ لو كان الشخص الأوَّل قد أرشدنا صدفةً فإنَّ هذا السائق للدرَّاجة لا يمكن أنْ يكون أمراً عفويًّا، خصوصاً وأنَّه كان يتكلَّم الفارسيَّة، والإيرانيُّون لا يستفيدون من الدرَّاجات الناريَّة الضخمة، ولا يمكن أنْ يكون هذا الرجل قد ظنَّ أنَّنا من رفقائه التائهين.
وعلى أيِّ حالٍ، فإنَّ الحاجَّ خادمي، وبينما كانت دموعه تجري على خدَّيه، وذكرُ (يا صاحب الزمان) جارٍ على لسانه، تحرَّك باتِّجاه ذلك الشارع الفرعي، وكنت أسير معه متحيِّراً مبهوتاً.
وما أنْ مشينا عدَّة خطوات حتَّى شاهدنا جماعة من الشباب يصل عددهم

(٢٠٨)

إلى العشرة تقريباً يتوسَّطهم رجل مهيب بلباس عربي، وهو يتحدَّث وهم يستمعون له، وكانوا يتقدَّمون نحونا، وكان واضحاً أنَّهم خرجوا من أحد تلك البيوت يريدون الذهاب إلى مكان ما، ولـمَّا وصلوا بحذائنا التفت ذلك الشخص الجليل إلينا وقال: السلام عليكم.
أجبنا السلام، وكانت نظرته إلينا خاطفة للقلوب إلى درجة أنَّنا وقفنا مبهوتين ننظر إليه.
اتَّكأ الحاجُّ خادمي على الحائط ودموعه تجري، وكان ينظر إليهم وقد اجتازونا.
وأخذت أُفكِّر في نفسي: تُرى من أيِّ المنازل خرج هؤلاء؟
وعندما نظرت ورائي وجدت أنَّ مصباحاً يضيء عند باب أحد البيوت، وكان واضحاً أنَّ هؤلاء القوم قد خرجوا من ذلك المنزل، وكان ذلك المنزل له باب خشبيَّة، وبدل الزجاج كانت قضبان حديديَّة وُضِعَت على الباب كالشبابيك، وكان المنزل من الطراز القديم وبناؤه بسيط، وكان خلف الباب مصباح مضيء ورجل يقف عند الباب يبدو أنَّه الخادم، وفي أعلى الباب لوح كُتِبَ عليه بهذا الترتيب وبخطٍّ ذهبي بارز:
منزل
(المهدي الغوث)
عندما نظر الحاجُّ خادمي إلى هذه اللوحة تيقَّن أنَّه قد وصل بسهولة إلى مقصده، وأنَّه قد اهتدى إلى منزل حضرة بقيَّة الله (أرواحنا فداه)، ولذا فقد جلس خلف الباب على الأرض.
وأمَّا أنا فقد كنت أُحاول التحقيق أكثر في القضيَّة، ولذا أوصلت نفسي إلى قضبان الحديد المثبتة على الباب الخشبيَّة، وسألت الرجل الذي كان واقفاً تحت ذلك الضوء خلف الباب، سألته بالعربيَّة، قائلاً: صاحب البيت فيه؟

(٢٠٩)

 الرجل بلطف وابتسامة: الآن راح.
فعرفت أنَّ الرجل الجليل الذي كان يتوسَّط أُولئك الشباب هو صاحب المنزل، وأنَّ اسمه (المهدي)، وأنَّ لقبه (الغوث)، ولكن هل حقيقةً هو صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) أم أنَّه شخص آخر صادف أنَّ اسمه ولقبه هو (المهدي الغوث) وأنَّه يسكن هنا؟!
ولكنِّي في أعماقي كدت أنْ أسقط لوجهي، فهل حقًّا أنِّي قد تشرَّفت بخدمة المولى ونلت هذا الفيض العظيم؟!
ومن جهة أُخرى، مع الالتفات بأنَّ راكب الدرَّاجة قد أرشدنا بالفارسيَّة إلى هذا الموضع، وأنَّ أهل السُّنَّة لا يتسمَّون باسم المهدي، وحتَّى الشيعة في المدينة المنوَّرة قلَّ ما يتسمَّون بهذا الاسم تقيَّةً، كلُّ هذه الأُمور كانت تبعث الأمل في قلبي بأنِّي قد أكون حصلت على لياقة الفوز بهذا اللقاء.
وعلى أيِّ حالٍ، بقينا حدود الساعة من الوقت عند باب ذلك المنزل، حتَّى أُطفأت المصابيح، ويبدو أنَّ الخادم ذهب للنوم.
رجعنا باتِّجاه محلِّ إقامتنا، وفي صبيحة تلك الليلة تحرَّكت قافلتنا نحو مكَّة المعظَّمة، ولم أستطع في ذلك السفر أنْ أذهب إلى ذلك المنزل، ولكن في السفرات التالية وحين وُفِّقت لزيارة المدينة المنوَّرة ذهبت إلى ذلك الشارع، فرأيت عدَّة بيوت مشابهة لبعضها البعض الآخر، ولا يوجد على أيٍّ منها ذلك اللوح الذهبي، ولكن الحاجّ خادمي كان يقول: في كلِّ سفرة تشرَّفت بزيارة المدينة المنوَّرة ذهبت إلى زيارة ذلك البيت بنفس المواصفات والخصوصيَّات(140).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(140) اللقاء مع صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) (ص 24 - 28/ الحكاية 4).

(٢١٠)

إشارة:
تقدَّم في قضيَّة الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري (قدّس سرّه) أنَّه كان يزور أحياناً الإمام (عجَّل الله فرجه) في منزله في كربلاء المقدَّسة، وأشرنا هناك أنَّه ليس من البعيد أنْ يكون للإمام (عجَّل الله فرجه) منزل أو أكثر في البلدان المختلفة، وهذه الحكاية تُؤيِّد ما ذكرناه سابقاً(141).
وممَّا يمكن استفادته من هذه الحكاية أنَّ نار الشوق إذا استعرت في قلب العاشق لرؤية الإمام (عجَّل الله فرجه) فإنَّه سيكون أقرب لدرك هذا الشرف، بل ورد في بعض النقولات أنَّ الإمام (عجَّل الله فرجه) في معرض الإجابة عن سؤال يطرحه بعض من يتشرَّف بخدمته ولقائه وهو: (سيدي متى نراك ثانيةً؟).
يقول (عجَّل الله فرجه): «متى شئت»(142).
وبالطبع فإنَّ هذه الرغبة في التشرُّف بحضرته (عجَّل الله فرجه) والتي تنتهي بلقائه ليست الرغبة العابرة السطحيَّة، وإنَّما تلك الرغبة الأكيدة الممزوجة بالحرقة والشوق والتوسُّل والبكاء على فراقه حقيقةً، تلك الرغبة التي تسلب النوم من عيني العاشق وتُسهِّده ليلة وتغصب راحته، فلا يقرُّ له قرار حتَّى يلتقي بحبيبه، وهنا تشمله العناية واللطف والمحبَّة المهدويَّة، ويتفضَّل عليه بنظرة لطلعته الرشيدة وغرَّته الحميدة، فيتبدَّل الفراق إلى وصال، وكلاهما لذيذ عند العاشق.
وقد ورد في بعض قضايا عشَّاقه ومواليه (عجَّل الله فرجه) أنَّ الإمام (عجَّل الله فرجه) أبلغهم سلامه من خلال بعض الوسائط، لأنَّهم كانوا على الدوام بذكره والدعاء له والبكاء على فراقه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(141) راجع (ص 30/ الحكاية 3).
(142) راجع (ص 165/ الحكاية 24).

(٢١١)

فحريٌّ بنا جميعاً أنْ لا ننسى إمامنا صباحاً ومساءً، وعلى الدوام نشتغل بالدعاء له بتعجيل الفرج، وخصوصاً دعاء العهد الذي ورد استحباب قراءته صباح كلِّ يوم لتجديد البيعة له (عجَّل الله فرجه).
وسنذكر دعاء العهد إنْ شاء الله في ملحقات الكتاب(143).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(143) سيأتي في (ص 269)، فانتظر.

(٢١٢)

الآية الرابعة والثلاثون: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ (الشعراء: 4)

أخرج الحافظ القندوزي بإسناده عن عليِّ بن موسى الرضا (عليه السلام) في حديث أنَّه قال: «الرابع من ولدي ابن سيِّدة الإماء، يُطهِّر الله به الأرض من كلِّ جور ويُقدِّسها من كلِّ ظلم...»، إلى أنْ قال: «وهو الذي ينادي منادٍ من السماء يسمعه جميع أهل الأرض: ألَا إنَّ حجَّة الله قد ظهر عند بيت الله فاتَّبعوه فإنَّ الحقَّ فيه ومعه»، ثمّ قال: «وهو قول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾»(144).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(144) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 387/ ح 19)، ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 371 و372/ باب 35/ ح 5)، والخزَّاز (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 274 و275)، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 241)، والجويني في فرائد السمطين (ج 2/ ص 336 و337/ ح 590).

(٢١٣)

الحكاية الرابعة والثلاثون: الشيخ عليّ فريدة الإسلام

نقل سماحة السيِّد حسن الأبطحي (حفظه الله) في كتابه (الكمالات الروحيَّة) عن سماحة حجَّة الإسلام والمسلمين المرحوم شيخ عليّ الكاشاني فريدة الإسلام أنَّه قال:
ذات ليلة كنت في غرفة الضيوف في منزل آية الله الشيخ الكوهستاني في مدينة كوهستان مشتغلاً بأداء صلاة المغرب، وفجأةً شاهدت الجمال الأنور لمولانا صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) حيث دخل إلى الغرفة وجلس في زاوية منها وظهره إلى القبلة بنحو كنت أرى وجهه أثناء صلاتي.
فكَّرت في نفسي أنِّي إذا قطعت الصلاة للسلام عليه فإنَّه لن يرضى بذلك وسيغادر المحلَّ، فالأفضل أنْ أُتِمَّ صلاتي، فإنْ كان مريداً للتلطُّف عليَّ والسماح لي بمحادثته فإنَّه سيصبر إلى أنْ أُتمَّها، ولذا أكملت صلاتي، وكان (عجَّل الله فرجه) يُلقِّنني أثناء الصلاة ببعض الجملات، وخصوصاً جملة: (يا من له الدنيا والآخرة ارحم من ليس له الدنيا والآخرة)، التي كنت أقرأها في السجدة الأخيرة، فكان الإمام (عجَّل الله فرجه) يُكرِّرها بتوجُّه وخشوع أكبر.
وبمجرَّد أنْ أردت الخروج من الصلاة بالتسليم، غادر وليُّ العصر (عجَّل الله فرجه) المكان(145).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(145) اللقاء مع صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) (ص 70 و71/ الحكاية 24).

(٢١٤)

إشارة:
الشيخ عليٌّ الكاشاني فاضل جليل، له حالات روحانيَّة عجيبة، نقل بعضها السيِّد حسن الأبطحي في كتابه عروج الروح (پرواز روح)(146)، ولا شكَّ أنَّ الأرض لا تخلو من مثل هؤلاء الصالحين الذين قضوا أعمارهم بالطاعات والرياضات والمجاهدات.
ومن هذه الحكاية يظهر لنا بوضوح أنَّه كان قد تشرَّف مراراً بخدمة المولى صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)، فإنَّه عرفه بمجرَّد رؤيته، فإنَّ بعض الأشخاص يتشرَّفون بخدمة المولى ولا يتعرَّفون عليه إلَّا بعد التفرُّق، وبعضهم يتعرَّف عليه أثناء التشرُّف، والبعض الآخر والمعظَّم له منهم يعرفون ملامحه الشريفة، فما أنْ تقع أعينهم عليه حتَّى يعلمون أنَّه هو، وهكذا كان حال السيِّد مهدي بحر العلوم (رحمه الله) كما اتَّضح لنا سابقاً، وأنَّه تعرَّف على الإمام (عجَّل الله فرجه) بمجرَّد أنْ رآه يركض مع المعزِّين في كربلاء يوم عاشوراء(147).
وأمَّا الشيخ الكوهستاني، فهو صاحب الكرامات الكثيرة، وله مقام جليل، حتَّى ورد في النقولات الصحيحة أنَّ الملائكة كانت تخدمه وتحرسه على باب غرفته، فلا يتجرَّأ أحد على الدخول عليه، وكان منزله منتدى عشَّاق الإمام (عجَّل الله فرجه)، وطبقاً لما نُقِلَ فإنَّ روحانيَّة خاصَّة كانت تُهيمن على داره، وقد ذكر أيضاً في (عروج الروح) بعض حالاته وكراماته(148).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(146) معراج الروح (ص 175).
(147) راجع (ص 194/ الحكاية 30).
(148) معراج الروح (ص 158).

(٢١٥)

الآية الخامسة والثلاثون: ﴿وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ (الحجّ: 60)

روى الحافظ القندوزي سليمان الحنفي بإسناده عن سلام بن المستنير، عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾، قال: «إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لـمَّا أخرجته قريش من مكَّة وهرب منهم إلى الغار وطلبوه ليقتلوه فعوقب، ثمّ في بدر عاقب لأنَّه قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وحنظلة بن أبي سفيان، وأبا جهل، وغيرهم، فلمَّا قُبِضَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بغى عليه ابن هند [بنت عتبة بن ربيعة] (يعني: معاوية بن أبي سفيان) بخروجه عن طاعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وبقتل ابنه يزيد الحسين (عليه السلام) بغياً وعدواناً...، ثمّ قال تعالى: ﴿لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ﴾ يعني بالقائم المهدي من ولده»(149).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(149) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 244/ ح 30)، ورواه القمِّي (رحمه الله) في تفسيره (ج 2/ ص 86 و87).

(٢١٧)

الحكاية الخامسة والثلاثون: ضربة صفِّين

نقل العلَّامة النوري في (النجم الثاقب) عن كتاب (السلطان المفرِّج عن أهل الإيمان)، قال: ومن ذلك ما نقله عن بعض أصحابنا الصالحين من خطِّه المبارك ما صورته: عن محيي الدِّين الإربلي أنَّه حضر عند أبيه ومعه رجل، فنعس فوقعت عمامته عن رأسه، فبدت في رأسه ضربة هائلة، فسأله عنها، فقال له: هي من صفِّين.
فقيل له: وكيف ذلك ووقعة صفِّين قديمة؟
فقال: كنت مسافراً إلى مصر، فصاحبني إنسان من غزَّة، فلمَّا كنَّا في بعض الطريق تذاكرنا وقعة صفِّين.
فقال لي الرجل: لو كنت في أيَّام صفِّين لروَّيت سيفي من عليٍّ وأصحابه.
فقلت: لو كنت في أيَّام صفِّين لروَّيت سيفي من معاوية وأصحابه، وها أنا وأنت من أصحاب عليٍّ (عليه السلام) ومعاوية (لعنة الله عليه).
فاعتركنا عركة عظيمة، واضطربنا، فما أحسست بنفسي إلَّا مرميًّا لما بي.
فبينما أنا كذلك وإذا بإنسان يوقظني بطرف رمحة، ففتحت عيني، فنزل إليَّ ومسح الضربة فتلاءمت، فقال: «البث هنا»، ثمّ غاب قليلاً وعاد ومعه رأس مخاصمي مقطوعاً والدوابُّ معه، فقال لي: «هذا رأس عدوِّك، وأنت نصرتنا فنصرناك، ولينصرنَّ الله من نصره».
فقلت: من أنت؟

(٢١٨)

فقال: «فلان بن فلان» يعني صاحب الأمر (عجَّل الله فرجه).
ثمّ قال لي: «وإذا سُئلت عن هذه الضربة فقل: ضُرِبتها في صفِّين»(150).
إشارة:
ورد في الأخبار: أنَّ من أحبَّ عمل قوم حُشِرَ معهم(151)، وأنَّ من أحبَّ (تولَّى) حجراً حُشِرَ معه(152)، وغير ذلك من الأخبار التي تدلُّ على هذا المعنى.
ومن هذه القضيَّة يبدو أكثر من ذلك، حيث يظهر بأنَّ من كان محبًّا لأهل الحقِّ، فإنَّ الله يعينه ويُقوِّيه ويردُّ عنه كيد الباغين بشتَّى الوسائل، واليوم الحامي للشريعة المحمّديَّة وللقِيَم الحقيقيَّة هو الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، ولا شكَّ أنَّه يتولَّى المؤمنين بالتسديد والتأييد والحراسة، فما أحرانا الصعود والثبات على الحقِّ والدفاع عنه بإخلاص، فإنَّ لنا سنداً وعماداً وحامياً وحارساً، (عجَّل الله فرجه الشريف).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(150) النجم الثاقب (ج 2/ ص 225/ الحكاية 46)، عن السلطان المفرِّج عن أهل الإيمان (ص 49 و50/ القصَّة 6).

(151) روى الآمدي (رحمه الله) في غُرَر الحِكَم (ص 170/ ح 72)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: «إيَّاك أنْ تُحِبَّ أعداء الله أو تصفي ودَّك لغير أولياء الله، فإنَّ من أحبَّ قوماً حُشِرَ معهم»، وراجع: المعجم الصغير للطبراني (ج 2/ ص 41)، والمعجم الأوسط له (ج 6/ ص 293)، ومستدرك الحاكم (ج 3/ ص 18).
(152) روى الصدوق (رحمه الله) في أماليه (ص 278/ ح 308/9) بسنده عن نوف البكالي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: «... يا نوف، من أحبَّنا كان معنا يوم القيامة، ولو أنَّ رجلاً أحبَّ حجراً لحشره الله معه»، وفي (ص 193/ ح 202/5) بسنده عن الريَّان بن شبيب، عن عليِّ بن موسى الرضا (عليه السلام)، قال: «... يا بن شبيب، إنْ سرَّك أنْ تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان، فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا، فلو أنَّ رجلاً تولَّى حجراً لحشره الله معه يوم القيامة».

(٢١٩)

الآية السادسة والثلاثون: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ (يوسف: 110)

روى الحافظ القندوزي (الحنفي) بإسناده عن أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: «ما يجيء نصر الله حتَّى تكونوا أهون على الناس من الميتة، وهو قول ربِّي (عزَّ وجلَّ) في كتابه في سورة يوسف: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾، وذلك عند قيام قائمنا المهدي (عليه السلام)»(153).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(153) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 242/ ح 23).

(٢٢١)

الحكاية السادسة والثلاثون: عليُّ بن مهزيار الأهوازي

[الصدوق]، قال:حَدَّثَنَا أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَللهِ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اَلطُّوَالُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اَلطَّبَرِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ جَدِّي عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ يَقُولُ: كُنْتُ نَائِماً فِي مَرْقَدِي إِذْ رَأَيْتُ فِي مَا يَرَى اَلنَّائِمُ قَائِلاً يَقُولُ لِي: حُجَّ فَإِنَّكَ تَلْقَى صَاحِبَ زَمَانِكَ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: فَانْتَبَهْتُ وَأَنَا فَرِحٌ مَسْرُورٌ، فَمَا زِلْتُ فِي اَلصَّلَاةِ حَتَّى اِنْفَجَرَ عَمُودُ اَلصُّبْحِ وَفَرَغْتُ مِنْ صَلَاتِي، وَخَرَجْتُ أَسْأَلُ عَنِ اَلْحَاجِّ، فَوَجَدْتُ فِرْقَةً تُرِيدُ اَلْخُرُوجَ، فَبَادَرْتُ مَعَ أَوَّلِ مَنْ خَرَجَ، فَمَا زِلْتُ كَذَلِكَ حَتَّى خَرَجُوا وَخَرَجْتُ بِخُرُوجِهِمْ أُرِيدُ اَلْكُوفَةَ، فَلَمَّا وَافَيْتُهَا نَزَلْتُ عَنْ رَاحِلَتِي وَسَلَّمْتُ مَتَاعِي إِلَى ثِقَاةِ إِخْوَانِي وَخَرَجْتُ أَسْأَلُ عَنْ آلِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَمَا زِلْتُ كَذَلِكَ فَلَمْ أَجِدْ أَثَراً وَلَا سَمِعْتُ خَبَراً، وَخَرَجْتُ فِي أَوَّلِ مَنْ خَرَجَ أُرِيدُ اَلمَدِينَةَ، فَلَمَّا دَخَلْتُهَا لَمْ أَتَمَالَكْ أَنْ نَزَلْتُ عَنْ رَاحِلَتِي وَسَلَّمْتُ رَحْلِي إِلَى ثِقَاةِ إِخْوَانِي وَخَرَجْتُ أَسْأَلُ عَنِ اَلْخَبَرِ وَأَقْفُو اَلْأَثَرَ، فَلَا خَبَراً سَمِعْتُ وَلَا أَثَراً وَجَدْتُ، فَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ نَفَرَ اَلنَّاسُ إِلَى مَكَّةَ، وَخَرَجْتُ مَعَ مَنْ خَرَجَ حَتَّى وَافَيْتُ مَكَّةَ، وَنَزَلْتُ فَاسْتَوْثَقْتُ مِنْ رَحْلِي وَخَرَجْتُ أَسْأَلُ عَنْ آلِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَلَمْ أَسْمَعْ خَبَراً

(٢٢٢)

وَلَا وَجَدْتُ أَثَراً، فَمَا زِلْتُ بَيْنَ اَلْإِيَاسِ وَاَلرَّجَاءِ مُتَفَكِّراً فِي أَمْرِي وَعَائِباً عَلَى نَفْسِي وَقَدْ جَنَّ اَللَّيْلُ، فَقُلْتُ: أَرْقُبُ إِلَى أَنْ يَخْلُوَ لِي وَجْهُ اَلْكَعْبَةِ لِأَطُوفَ بِهَا وَأَسْأَلُ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) أَنْ يُعَرِّفَنِي أَمَلِي فِيهَا، فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ وَقَدْ خَلَا لِي وَجْهُ اَلْكَعْبَةِ إِذْ قُمْتُ إِلَى اَلطَّوَافِ، فَإِذَا أَنَا بِفَتًى مَلِيحِ اَلْوَجْهِ طَيِّبِ اَلرَّائِحَةِ مُتَّزِرٍ بِبُرْدَةٍ مُتَّشِحٍ بِأُخْرَى وَقَدْ عَطَفَ بِرِدَائِهِ عَلَى عَاتِقِهِ، فَرُعْتُهُ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: مِمَّنِ اَلرَّجُلُ؟
فَقُلْتُ: مِنَ اَلْأَهْوَازِ.
فَقَالَ: أَتَعْرِفُ بِهَا اِبْنَ اَلْخَصِيبِ؟
فَقُلْتُ: رَحِمَهُ اَللهُ دُعِيَ فَأَجَابَ.
فَقَالَ: رَحِمَهُ اَللهِ، لَقَدْ كَانَ بِالنَّهَارِ صَائِماً، وَبِاللَّيْلِ قَائِماً، وَلِلْقُرْآنِ تَالِياً، وَلَنَا مُوَالِياً.
فَقَالَ: أَتَعْرِفُ بِهَا عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ؟
فَقُلْتُ: أَنَا عَلِيٌّ.
فَقَالَ: أَهْلاً وَسَهْلاً بِكَ يَا أَبَا اَلْحَسَنِ، أَتَعْرِفُ اَلصَّرِيحَيْنِ (اَلضَّرِيحَيْنِ)(154)؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: وَمَنْ هُمَا؟
قُلْتُ: مُحَمَّدٌ وَمُوسَى.
ثُمَّ قَالَ: مَا فَعَلْتَ اَلْعَلَامَةَ اَلَّتِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)؟
فَقُلْتُ: مَعِي.
فَقَالَ: أَخْرِجْهَا إِلَيَّ.
فَأَخْرَجْتُهَا إِلَيْهِ خَاتَماً حَسَناً عَلَى فَصِّهِ: مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ بَكَى مَلِيًّا، وَرَنَّ شَجِيًّا، فَأَقْبَلَ يَبْكِي بُكَاءً طَوِيلاً، وَهُوَ يَقُولُ: رَحِمَكَ اَللهُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(154) المراد منهما الإمام موسى بن جعفر، والإمام محمّد الجواد (عليهما السلام).

(٢٢٣)

فَلَقَدْ كُنْتَ إِمَاماً عَادِلاً، اِبْنَ أَئِمَّةٍ وَأَبَا إِمَامٍ، أَسْكَنَكَ اَللهُ اَلْفِرْدَوْسَ اَلْأَعْلَى مَعَ آبَائِكَ (عليهم السلام).
ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا اَلْحَسَنِ، صِرْ إِلَى رَحْلِكَ وَكُنْ عَلَى أُهْبَةٍ مِنْ كِفَايَتِكَ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ اَلثُّلُثُ مِنَ اَللَّيْلِ وَبَقِيَ اَلثُّلُثَانِ فَالْحَقْ بِنَا، فَإِنَّكَ تَرَى مُنَاكَ إِنْ شَاءَ اَللهُ.
قَالَ اِبْنُ مَهْزِيَارَ: فَصِرْتُ إِلَى رَحْلِي أُطِيلُ اَلتَّفَكُّرَ، حَتَّى إِذَا هَجَمَ اَلْوَقْتُ فَقُمْتُ إِلَى رَحْلِي وَأَصْلَحْتُهُ وَقَدَّمْتُ رَاحِلَتِي وَحَمَلْتُهَا وَصِرْتُ فِي مَتْنِهَا حَتَّى لَحِقْتُ اَلشِّعْبَ، فَإِذَا أَنَا بِالْفَتَى هُنَاكَ يَقُولُ: أَهْلاً وَسَهْلاً بِكَ يَا أَبَا اَلْحَسَنِ، طُوبَى لَكَ فَقَدْ أُذِنَ لَكَ.
فَسَارَ وَسِرْتُ بِسَيْرِهِ حَتَّى جَازَ بِي عَرَفَاتٍ وَمِنًى، وَصِرْتُ فِي أَسْفَلَ ذِرْوَةِ جَبَلِ اَلطَّائِفِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا اَلْحَسَنِ، اِنْزِلْ وَخُذْ فِي أُهْبَةِ اَلصَّلَاةِ.
فَنَزَلَ وَنَزَلْتُ حَتَّى فَرَغَ وَفَرَغْتُ، ثُمَّ قَالَ لِي: خُذْ فِي صَلَاةِ اَلْفَجْرِ وَأَوْجِزْ.
فَأَوْجَزْتُ فِيهَا، وَسَلَّمَ وَعَفَّرَ وَجْهَهُ فِي اَلتُّرَابِ، ثُمَّ رَكِبَ وَأَمَرَنِي بِالرُّكُوبِ فَرَكِبْتُ، ثُمَّ سَارَ وَسِرْتُ بِسَيْرِهِ حَتَّى عَلَا اَلذِّرْوَةَ، فَقَالَ: اِلمَحْ هَلْ تَرَى شَيْئاً؟
فَلَمَحْتُ، فَرَأَيْتُ بُقْعَةً نَزِهَةً كَثِيرَةَ اَلْعُشْبِ وَاَلْكَلَأ، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، أَرَى بُقْعَةً نَزِهَةً كَثِيرَةَ اَلْعُشْبِ وَاَلْكَلَأ.
فَقَالَ لِي: هَلْ تَرَى فِي أَعْلَاهَا شَيْئاً؟
فَلَمَحْتُ فَإِذَا أَنَا بِكَثِيبٍ مِنْ رَمْلٍ فَوْقَهُ بَيْتٌ مِنْ شَعْرٍ يَتَوَقَّدُ نُوراً.
فَقَالَ لِي: هَلْ رَأَيْتَ شَيْئاً؟
فَقُلْتُ: أَرَى كَذَا وَكَذَا.
فَقَالَ لِي: يَا اِبْنَ مَهْزِيَارَ، طِبْ نَفْساً وَقَرَّ عَيْناً فَإِنَّ هُنَاكَ أَمَلَ كُلِّ مُؤَمِّلٍ، ثُمَّ قَالَ لِي: اِنْطَلِقْ بِنَا.
فَسَارَ وَسِرْتُ حَتَّى صَارَ فِي أَسْفَلِ اَلذِّرْوَةِ، ثُمَّ قَالَ: اِنْزِلْ، فَهَاهُنَا يَذِلُّ لَكَ كُلُّ صَعْبٍ.

(٢٢٤)

فَنَزَلَ وَنَزَلْتُ حَتَّى قَالَ لِي: يَا اِبْنَ مَهْزِيَارَ، خَلِّ عَنْ زِمَامِ اَلرَّاحِلَةِ.
فَقُلْتُ: عَلَى مَنْ أُخَلِّفُهَا وَلَيْسَ هَاهُنَا أَحَدٌ؟
فَقَالَ: إِنَّ هَذَا حَرَمٌ لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا وَلِيٌّ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا وَلِيٌّ.
فَخَلَّيْتُ عَنِ اَلرَّاحِلَةِ، فَسَارَ وَسِرْتُ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ اَلْخِبَاءِ سَبَقَنِي وَقَالَ لِي: قِفْ هُنَاكَ إِلَى أَنْ يُؤْذَنَ لَكَ.
فَمَا كَانَ إِلَّا هُنَيْئَةً، فَخَرَجَ إِلَيَّ وَهُوَ يَقُولُ: طُوبَى لَكَ قَدْ أُعْطِيتَ سُؤْلَكَ.
قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ (صَلَوَاتُ اَللهِ عَلَيْهِ) وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى نَمَطٍ عَلَيْهِ نَطْعُ أَدِيمٍ أَحْمَرَ، مُتَّكِئٌ عَلَى مِسْوَرَةِ أَدِيمٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَرَدَّ عَلَيَّ اَلسَّلَامَ، وَلَمَحْتُهُ فَرَأَيْتُ وَجْهَهُ مِثْلَ فِلْقَةِ قَمَرٍ، لَا بِالْخَرِقِ وَلَا بِالْبَزقِ، وَلَا بِالطَّوِيلِ اَلشَّامِخِ وَلَا بِالْقَصِيرِ اَللَّاصِقِ، مَمْدُودَ اَلْقَامَةِ، صَلْتَ اَلْجَبِينِ، أَزَجَّ اَلْحَاجِبَيْنِ، أَدْعَجَ اَلْعَيْنَيْنِ، أَقْنَى اَلْأَنْفِ، سَهْلَ اَلْخَدَّيْنِ، عَلَى خَدِّهِ اَلْأَيْمَنِ خَالٌ، فَلَمَّا أَنْ بَصُرْتُ بِهِ حَارَ عَقْلِي فِي نَعْتِهِ وَصِفَتِهِ.
فَقَالَ لِي: «يَا اِبْنَ مَهْزِيَارَ، كَيْفَ خَلَّفْتَ إِخْوَانَكَ فِي اَلْعِرَاقِ؟».
قُلْتُ: فِي ضَنْكِ عَيْشٍ وَهَنَاةٍ، قَدْ تَوَاتَرَتْ عَلَيْهِمْ سُيُوفُ بَنِي اَلشَّيْصُبَانِ(155).
فَقَالَ: «قَاتَلَهُمُ اَللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ، كَأَنِّي بِالْقَوْمِ قَدْ قُتِلُوا فِي دِيَارِهِمْ، وَأَخَذَهُمْ أَمْرُ رَبِّهِمْ لَيْلاً وَنَهَاراً».
فَقُلْتُ: مَتَى يَكُونُ ذَلِكَ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللهِ؟
قَالَ: «إِذَا حِيلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ سَبِيلِ اَلْكَعْبَةِ بِأَقْوَامٍ لَا خَلَاقَ لَهُمْ، وَاَللهُ وَرَسُولُهُ مِنْهُمْ بِرَاءٌ، وَظَهَرَتِ اَلْحُمْرَةُ فِي اَلسَّمَاءِ ثَلَاثاً، فِيهَا أَعْمِدَةٌ كَأَعْمِدَةِ اَللُّجَيْنِ تَتَلَأْلَأُ نُوراً، وَيَخْرُجُ اَلسَّرُوسِيُّ مِنْ أَرْمِينِيَّةَ وَآذَرْبِيجَانَ، يُرِيدُ وَرَاءَ اَلرَّيِّ اَلْجَبَلَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(155) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 52/ ص 46): (الشيصبان اسم الشيطان، أي بني العبَّاس الذين هم شرك شيطان).

(٢٢٥)

اَلْأَسْوَدَ اَلمُتَلاَحِمَ بِالْجَبَلِ اَلْأَحْمَرِ لَزِيقَ جَبَلِ طَالَقَانَ، فَيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اَلمَرْوَزِيِّ وَقْعَةٌ صَيْلَمَانِيَّةٌ يَشِيبُ فِيهَا اَلصَّغِيرُ وَيَهْرَمُ مِنْهَا اَلْكَبِيرُ، وَيَظْهَرُ اَلْقَتْلُ بَيْنَهُمَا، فَعِنْدَهَا تَوَقَّعُوا خُرُوجَهُ إِلَى اَلزَّوْرَاءِ، فَلَا يَلْبَثُ بِهَا حَتَّى يُوَافِيَ بَاهَاتَ، ثُمَّ يُوَافِيَ وَاسِطَ اَلْعِرَاقِ، فَيُقِيمُ بِهَا سَنَةً أَوْ دُونَهَا، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى كُوفَانَ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمْ وَقْعَةٌ مِنَ اَلنَّجَفِ إِلَى اَلْحِيرَةِ إِلَى اَلْغَرِيِّ، وَقْعَةٌ شَدِيدَةٌ تَذْهَلُ مِنْهَا اَلْعُقُولُ، فَعِنْدَهَا يَكُونُ بَوَارُ اَلْفِئَتَيْنِ، وَعَلَى اَللهِ حَصَادُ اَلْبَاقِينَ»، ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾ [يونس: 24]».
فَقُلْتُ: سَيِّدِي يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللهِ، مَا اَلْأَمْرُ؟
قَالَ: «نَحْنُ أَمْرُ اَللهِ وَجُنُودُهُ».
قُلْتُ: سَيِّدِي يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللهِ، حَانَ اَلْوَقْتُ؟
قَالَ: «﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر: 1]»(156).
إشارة:
ورد في (البحار) للمجلسي أنَّ عليَّ بن مهزيار حجَّ عشرين حجَّة، وكان يأمل في كلِّ مرَّة أنْ يتشرَّف بلقاء المولى صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)، حتَّى يئس من ذلك وقرَّر عدم السفر ثانيةً، وذات ليلة سمع هاتفاً يأمره بالحجِّ ليصل إلى مناه(157).
وفعلاً وصل إلى مناه كما مرَّ بنا عزيزي القارئ في الحكاية أعلاه.
ومن هذا يتبيَّن لنا مدى شوق أُولئك الصالحين إلى هذا الشرف الرفيع، وتحمُّلهم عناء السفر المتكرِّر، وخصوصاً في تلك الأزمنة، حيث كان السفر إلى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(156) كمال الدِّين (ص 465 - 470/ باب 43/ ح 23).
(157) راجع: بحار الأنوار (ج 52/ ص 9 - 12/ ح 6)، عن الغيبة للطوسي (ص 263 - 267/ ح 228)، وليس فيهما أنَّه يئس من ذلك وقرَّر عدم السفر ثانيةً.

(٢٢٦)

بيت الله الحرام يستغرق وقتاً طويلاً، مضافاً إلى المخاطر المحتملة فيه في الطريق.
وبمراجعة الحكاية يتَّضح لنا جليًّا بأنَّ ابن مهزيار الأهوازي لم يكن يأمل من تشرُّفه بلقاء الحجَّة (عجَّل الله فرجه) شفاء مريض، أو أداء دَين، أو دفع عدوٍّ، وغير ذلك من الحوائج الدنيويَّة المباحة، كما هو ديدن الكثير من المؤمنين الذي يلتزمون بالأربعينات للقاء المولى وقضاء حوائجهم، وإنَّما كان همُّ ابن مهزيار هو النظر إلى تلك الطلعة الرشيدة، والتملِّي من تلك الغرَّة الحميدة، وهذا لعمري غاية الشوق وأشرفه وأكمله. وهذه هي الهجرة إلى الله ورسوله.
فينبغي أنْ يكون ذلك همّ طُلَّاب اللقاء والرؤية، بل وحتَّى زُوَّار مراقد المعصومين الطاهرة، لا الأغراض الدنيويَّة وإنْ كانت مباحة، وأنْ يترفَّع الإنسان عن مودَّة التُّجَّار ليصل إلى مودَّة العُشَّاق، كي يحظى بلذَّة الوصال، فتهون كلُّ مصائب الدنيا عنده.

* * *

(٢٢٧)

الآية السابعة والثلاثون: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (الأنفال: 39)

روى الحافظ القندوزي (الحنفي) بإسناده عن محمّد بن مسلم، قال: قلت للباقر (عليه السلام): ما تأويل قوله تعالى في الأنفال: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾؟
قال: «لم يجئ تأويل هذه الآية، فإذا جاء تأويلها يُقتَل المشركون حتَّى يُوحِّدوا الله (عزَّ وجلَّ)، وحتَّى لا يكون شرك، وذلك في قيام قائمنا»(158).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(158) ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 239/ ح 12)، وراجع: تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 56/ ح 48)، والكافي (ج 8/ ص 201/ ح 243).

(٢٢٩)

الحكاية السابعة والثلاثون: السيِّد حسين القاضي (قدّس سرّه)

يُعتبَر السيِّد حسين القاضي التبريزي من المتَّقين الصالحين، وله كرامات كثيرة وبركات جمَّة، حتَّى نُقِلَ أنَّ الإمام الخميني (قدّس سرّه) وعندما ابتُلِيَت إحدى بناته بحالة مرضيَّة، أمر بعض أهله أنْ يذهبوا إلى بيت السيِّد حسين القاضي - في قم - ويطلبوا منه جرعة من الماء للاستشفاء، وهذا يدلُّ على بركة هذا السيِّد الجليل وقربه من الربِّ تعالى.
وهذه الحكاية مرتبطة بهذه التقى الورع، قال (قدّس سرّه): في مجلس كنت مع بعص الأشخاص، وتشرَّفنا بمحضر بقيَّة الله الأعظم (أرواحنا فداه)، وكان (عجَّل الله فرجه) ينظر إلينا واحداً واحداً ويتفقَّدنا، وعندما وصل الدور إليَّ قال لي (عجَّل الله فرجه): «وأنت، ماذا تريد؟».
قلت: أُريد أنْ أكون أقرب هؤلاء الأشخاص إليك.
ففسح الإمام (عجَّل الله فرجه) مجالاً وأجلسني إلى جنبه(159).
إشارة:
ليس غريباً من مثل هؤلاء المقدَّسين أنْ يصلوا إلى هذه الكمالات، ويحظون بهذه الألطاف، وقد أفنوا أعمارهم في طاعة الله (عزَّ وجلَّ) والتوسُّل بأهل بيت نبيِّ الرحمة (عليهم السلام)، ويبدو واضحاً من هذه الحكاية مدى شوق هؤلاء الأوتاد وحبِّهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(159) اللقاء مع صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) (ص 58/ الحكاية 19).

(٢٣٠)

لمولاهم، فهو لا يريد إلَّا القرب والقرب فقط، لا المال، ولا المقام، ولا شفاء من الأسقام، ولا الولد، ولا الخلاص من الابتلاءات الدنيويَّة، بل يريد فقط القرب من الإمام (عجَّل الله فرجه)، وهذه هي المحبَّة الصادقة الخاصَّة من كلِّ شائبة.
فيا أيُّها العزيز، تعالَ لنحترق شوقاً على فراق حبيبنا، ولنبكِ ليلاً ونهاراً طلباً للوصال، فإنَّ وصاله غاية ليس بعدها غاية شرفاً وكرامةً وعزًّا، وحينئذٍ يُوفِّقنا الله لزيارته وخدمته والاستفاضة من فيوضاته الربَّانيَّة، آمين.

* * *

(٢٣١)

الآية الثامنة والثلاثون: ﴿حم * عسق﴾ (الشورى: 1 و2)

أخرج الحجَّة الشافعي جمال الدِّين المقدسي السلمي في (عقد الدُّرَر) بسنده عن أبي إسحاق الثعلبي في تفسير قوله تعالى: ﴿حم * عسق﴾، قال عبد الله بن عبَّاس:
(ح) حرب يكون بين قريش والموالي، فتكون الغلبة لقريش على الموالي.
(م) ملك بني أُميَّة.
(ع) علوُّ ولد العبَّاس.
(س) سنا المهدي.
(ق) قوَّة عيسى حين ينزل(160).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(160) عقد الدُّرَر (ص 143)، عن تفسير الثعلبي (ج 8/ ص 303).

(٢٣٣)

الحكاية الثامنة والثلاثون: الميرزا الأصفهاني (قدّس سرّه)

نقل المرحوم الحاجُّ الشيخ مجتبى القزويني قضيَّة عن أُستاذه المرحوم آية الله الميرزا مهدي الأصفهاني أنَّه قال:
في أيَّام التحصيل في النجف الأشرف كنت أستفيد من محضر السيِّد أحمد الكربلائي، وهو من كبار العرفاء في السير والسلوك وتزكية النفس، حتَّى وصلت بنظر أُستاذي إلى حدِّ الكمال، وبحسب الاصطلاح إلى مقام القطبيَّة والفناء في الله.
وقد منحني أُستاذي سمة تربية الآخرين في هذا المضمار، وكان يعتبرني عارفاً كاملاً، وقطباً وفانياً في الله، وأُستاذاً في الفلسفة الإشراقيَّة.
ولكنَّني ولأنِّي أعرف بنفسي كنت معتقداً بأنِّي بعدُ لم أعرف شيئاً من المعارف الحقَّة، ولذا لم يهدأ لي قرار، وكنت أعتبر نفسي ناقصاً في الكمالات، فخطر في ذهني أنْ أذهب ليالي الأربعاء إلى مسجد السهلة للتوسُّل بمولانا بقيَّة الله (أرواحنا فداه)، فقد جعله الله غوثاً وملاذاً للخلق، علَّه يتلطَّف عليَّ ويدلُّني على الصراط المستقيم.
ولذا، ذهبت إلى مسجد السهلة تاركاً خلفي كلَّ ما تعلَّمته من الأفكار العرفانيَّة والأفكار الصوفيَّة والمنسوجات الفلسفيَّة، وسلَّمت أمري بكلِّ إخلاص وتوبة لمولاي صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)، وفجأةً ظهر لي نور جمال المولى بقيَّة

(٢٣٤)

الله (أرواحنا فداه)، وتلطَّف عليَّ كثيراً، وبيَّن لي ميزاناً أسيرُ عليه حيث قال: «طلب المعارف من غير طريقنا أهل البيت مساوٍ لإنكارنا»(161).
إشارة:
لا شكَّ في أنَّ كلَّ علم لا ينتهي إلى أهل البيت (عليهم السلام) لا يمكن الوثوق بصحَّته(162)، ذلك لأنَّ علوم الناس يحتمل فيها عدم الصدق، لأنَّهم غير معصومين، وهذا هو الذي أدَّى إلى ضرورة بعثة الأنبياء والرُّسُل والأوصياء والأئمَّة المعصومين الذين ينطقون بحكم الله وبعلم الله الذي لا يقبل الخطأ والبطلان.
وهذه القاعدة جارية حتَّى على العرفاء، فكلُّ ورد وذكر ودعاء وإرشاد ونصيحة تصدر من هؤلاء بدون أنْ تنتسب إلى المعصوم كتاباً وسُنَّةً لا يمكن الوثوق بها، ويحتمل في حقِّها الخطأ والبطلان، بل لعلَّ فيها الآثار السيِّئة، إذ ليس كلُّ من قرأ الكُتُب الطبّيَّة صار طبيباً، فضلاً عن أُولئك الذين لم يقرأوها وإنَّما اتَّبعوا أهواءهم وأذواقهم ونتائج تخيُّلاتهم.
ومن هنا نجد بأنَّ العرفاء الحقيقيِّين يعتمدون على الآيات القرآنيَّة والأدعية الصادرة عن أهل البيت (عليهم السلام).
ومن هنا أيضاً نجد بأنَّ الصوفيَّة يحاولون إلصاق أنفسهم بطُرُق تنتهي في سلسلتها إلى أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام).
فهذا الميزان الذي بيَّنه الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) صادقٌ في كلِّ مكانٍ وزمانٍ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(161) اللقاء مع صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) (ص 60 و61/ الحكاية 22).
(162) روى الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 30/ ج 1/ باب 6/ ح 4) بسنده عن أبي مريم، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) لسَلَمة بن كهيل والحَكَم بن عتيبة: «شرِّقا وغرِّبا، لن تجدا علماً صحيحاً إلَّا شيئاً يخرج من عندنا أهل البيت».

(٢٣٥)

ولعمري فهو خير ميزان لمعرفة العلماء الربَّانيِّين وتمييزهم عن القراصنة والشياطين.
اللَّهُمَّ ثبِّتنا على الحقِّ، واجعلنا مع الصادقين.

* * *

(٢٣٦)

الآية التاسعة والثلاثون: ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ﴾ (الأنبياء: 12)

عليُّ بن إبراهيم، قال: حدَّثنا محمّد بن جعفر، قال: حدَّثنا عبد الله بن محمّد، عن أبي داود، عن سليمان بن سفيان، عن ثعلبة، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)في قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا﴾ يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ إِذَا أَحَسُّوا بِالْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، ﴿إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾ يَعْنِي اَلْكُنُوزَ اَلَّتِي كَنَزُوهَا».
قَالَ: «فَيَدْخُلُ بَنُو أُمَيَّةَ إِلَى اَلرُّومِ إِذَا طَلَبَهُمُ اَلْقَائِمُ (عليه السلام)، ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ مِنَ اَلرُّومِ وَيُطَالِبُهُمْ بِالْكُنُوزِ اَلَّتِي كَنَزُوهَا»(163).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(163) تفسير القمِّي (ج 2/ ص 68).

(٢٣٧)

الحكاية التاسعة والثلاثون: الشيخ محمّد تقي البافقي

لقد كان المرحوم آية الله الحاجُّ الشيخ محمّد تقي البافقي (رحمه الله) قويًّا جدًّا في ارتباطه بالمولى صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه)، وكان إيمانه في هذا المجال كاملاً إلى درجة أنَّه كلَّما احتاج شيئاً ذهب إلى مسجد جمكران وتشرَّف بلقاء الحجَّة (عجَّل الله فرجه) وأخذ حاجته.
يقول مؤلِّف كتاب (خزانة العلماء): قال أحد علماء الحوزة العلميَّة في مدينة قم المقدَّسة: إنَّ سماحة آية الله السيِّد محمّد رضا الگلپايگاني (قدّس سرّه) قال: في زمن آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري (مؤسِّس الحوزة العلميَّة في قم)، جاء أربعمائة من طلبة العلوم الدِّينيَّة في الحوزة العلميَّة إلى المرحوم الشيخ محمّد تقي البافقي الذي كان مقسِّماً لشهريَّة المرحوم الحائري، وطلبوا منه عباءات شتويَّة.
وما كان من المرحوم البافقي إلَّا أنْ عرض الأمر على سماحة آية الله الحائري، فقال الأخير: من أين أئتي لهم بأربعمائة عباءة شتويَّة؟
فقال له الشيخ البافقي: نأخذها من حضرة وليِّ العصر (أرواحنا فداه).
قال الشيخ الحائري: ليس عندي سبيل لأخذها منه (عجَّل الله فرجه).
فيقول الشيخ البافقي: سآخذها أنا منه إنْ شاء الله.
وفي ليلة الجمعة يذهب الشيخ البافقي إلى مسجد جمكران ويتشرَّف بخدمة المولى (عجَّل الله فرجه).

(٢٣٨)

وفي يوم الجمعة يقول الشيخ البافقي للمرحوم آية الله الحائري: لقد وعدني صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) أنَّه سيتفضَّل علينا غداً بإرسال العباءات!
وفي يوم السبت جاء أحد تُجَّار طهران ومعه أربعمائة عباءة شتويَّة وُزِّعت على الطُّلَّاب(164).
إشارة:
كما ذكرنا سابقاً إنَّ مثل هذه الألطاف ليست غريبة من مثل أهل البيت (عليهم السلام).
والإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) وارث آبائه، وهو مظهر الكرم الإلهي.
ولكن لعلَّ الغريب فيها هو ثقة الشيخ البافقي المطلقة والكاملة بهذه الألطاف الإلهيَّة، وخصوصاً في عصرنا الحاضر، حيث إنَّ أغلب الناس يفتقدون لمثل هذا الإيمان الراسخ، والارتباط الوثيق، وليس ذلك إلَّا بسبب انشغالهم بالدنيا، وتعلُّقهم بالأسباب الطبيعيَّة.
ولو كان الناس جميعاً لهم مثل هذا الارتباط واليقين لكان حالهم غير الذي هم عليه الآن من البؤس والفاقة والحرمان.
﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(164) اللقاء مع صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) (ص 77 و78/ الحكاية 29).

(٢٣٩)

الآية الأربعون: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (البقرة: 148)

العيَّاشي: عَنْ جَابِرٍ اَلْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «... وَيَجِيءُ وَاَللهِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً فِيهِمْ خَمْسُونَ اِمْرَأَةً يَجْتَمِعُونَ بِمَكَّةَ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ قَزَعاً كَقَزَعِ اَلْخَرِيفِ يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، وَهِيَ اَلْآيَةُ اَلَّتِي قَالَ اَللهُ: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ...»(165)(166).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(165) تفسير العيَّاشي (ج 1/ ص 65/ ح 117).
(166) الآية والحديث الأربعون كان تكراراً من المؤلِّف (رحمه الله) للآية والحديث الخامس، لذا ارتأينا تغييره بهذه الآية والرواية.

(٢٤١)

الحكاية الأربعون: السيِّد بحر العلوم (قدّس سرّه)

يقول العلَّامة المرحوم الميرزا القمِّي صاحب كتاب (القوانين): كنت أتباحث مع العلَّامة بحر العلوم في درس الأُستاذ الوحيد البهبهاني، وكنت غالباً ما أُقرِّر البحث له إلى أنْ جئت إلى إيران، ثمّ اشتهر شيئاً فشيئاً علم السيِّد بحر العلوم بجميع الصقاع، وكنت أستغرب وأتعجَّب من ذلك، إلى أنْ وفَّقني الله تعالى لزيارة العتبات المقدَّسة، فعندما تشرَّفت بزيارة النجف الأشرف التقيت بالسيِّد، وطرحت مسألة، فرأيت السيِّد بحر العلوم بحراً موَّاجاً وعميقاً من العلوم.
فقلت: سيِّدنا، عندما كنَّا نتباحث معاً لم تكن لك هذه المرتبة، وكنت تستفيد منِّي، ولكنَّك الآن مثل البحر؟!
فقال: يا ميرزا، هذه من الأسرار، أقولها لك فلا تُحدِّث بها أحداً ما دمت حيًّا واكتمها. وكيف لا أصير كذلك وقد ألصقني سيِّدي بصدره الشريف في ليلة من الليالي في مسجد الكوفة؟!
قلت: كيف تشرَّفتم بلقائه؟
قال: ذات ليلة ذهبت إلى مسجد الكوفة، فرأيت سيِّدي ومولاي وليَّ العصر (عجَّل الله فرجه) مشتغلاً بالعبادة، فوقفت وسلَّمت، فأجابني وقال: «تعالَ»، فتقدَّمت خطوة إليه، ثمّ قال: «تقدَّم»،

(٢٤٢)

فتقدَّمت خطوة إليه، ثمّ قال: «تقدَّم»، فتقدَّمت حتَّى فتح ذراعيه وضمَّني إلى صدره المبارك، وهنا انتقل إلى صدري ما شاء الله تعالى أنْ ينتقل(167).
إشارة:
ورد في الخبر أنَّ «العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء»(168).
ولا شكَّ في أنَّ الأتقياء الورعين والصالحين العاملين العابدين أحقّ الناس بهذا الشرف وهذا اللطف. ومجرَّد المطالعة والبحث لا يوصلان الإنسان إلى العلم الحقيقي ما دام بعيداً عن الطاعات وأداء الواجبات والانتهاء عن المنهيَّات، فقد يكون المرء حافظاً للروايات والقواعد الأُصوليَّة، لكنَّه لا يُوفَّق لاستنباط الحكم الصحيح، وإنَّ ذلك يحتاج إلى توفيق منه (عزَّ وجلَّ)، وهذا التوفيق قد يكون بوسيلة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، فإنَّ أهل البيت (عليهم السلام) هم الوسائل إلى الله، وهم أسباب الفيوضات الإلهيَّة والتوفيقات الربَّانيَّة، فإنَّ عندهم ما نزلت به رُسُله وهبطت به ملائكته، وبهم يُسلَك الى الرضوان ويُكتسَب الجنان.
فعلى أهل العلم أنْ لا يتَّكلوا على مطالعاتهم فقط في التوصل إلى مقام العلماء، بل لا بدَّ من أنْ يقرنوا ذلك بالجدِّ في العبادة والتوسُّل بأهل البيت (عليهم السلام)، وبطبيعة الحال فإنَّ هذا لا يعني التكاسل والخمول في طلب العلم والتحصيل، فإنَّ التوفيق الإلهي إنَّما يشمل المجتهدين المخلصين والعاملين لا الخاملين.
وقل ربِّ زدني علماً وألحقني بالصالحين.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(167) اللقاء مع صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) (ص 146 و147/ الحكاية 60).
(168) مرَّ في (ص180)، فراجع.

(٢٤٣)

الملحقات

* قصَّة الجزيرة الخضراء.
* زيارة آل ياسين.
* دعاء العهد.

(٢٤٥)

الجزيرة الخضراء

نتبرَّك أخيراً بذكر هذه الحكاية الشريفة، وهي قصَّة البحر الأبيض والجزيرة الخضراء، والتي وُجِدَت في رسالة مخصوصة في خزانة أمير المؤمنين (عليه السلام) بخطِّ العالم الفاضل الفضل بن يحيى بن عليٍّ، والتي نقلها العلَّامة المجلسي والعلَّامة النوري (رحمهما الله).
قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله):
أقول: وجدت رسالة مشتهرة بقصَّة الجزيرة الخضراء في البحر الأبيض أحببت إيرادها لاشتمالها على ذكر من رآه، ولما فيه من الغرائب.
وإنَّما أفردت لها باباً لأنِّي لم أظفر به في الأُصول المعتبرة، ولنذكرها بعينها كما وجدتها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لمعرفته، والشكر له على ما منحنا للاقتداء بسُنَن سيِّد بريَّته محمّد الذي اصطفاه من بين خليقته، وخصَّنا بمحبَّة عليٍّ والأئمَّة المعصومين من ذرّيَّته صلى الله عليهم أجمعين الطيِّبين الطاهرين وسلَّم تسليماً كثيراً.
وبعد..
فقد وجدت في خزانة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وسيِّد الوصيِّين، وحجَّة ربِّ العالمين، وإمام المتَّقين، عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، بخطِّ الشيخ الفاضل والعالم العامل الفضل بن يحيى بن عليٍّ الكوفي (قدَّس الله روحه) ما هذا صورته:

(٢٤٧)

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمّد وآله وسلَّم.
وبعد..
فيقول الفقير إلى عفو الله سبحانه تعالى الفضل بن يحيى بن عليٍّ الطيِّبي الإمامي الكوفي (عفا الله عنه):
قد كنت سمعت من الشيخين الفاضلين العاملين الشيخ شمس الدِّين بن نجيح الحلِّي والشيخ جلال الدِّين عبد الله بن الحزام الحلِّي (قدَّس الله روحيهما ونوَّر ضريحيهما) في مشهد سيِّد الشهداء وخامس أصحاب الكساء مولانا وإمامنا أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في النصف من شهر شعبان سنة تسع وتسعين وستّمائة من الهجرة النبويَّة (على مشرِّفها محمّد وآله أفضل الصلاة وأتمّ التحيَّة)، حكاية ما سمعاه من الشيخ الصالح التقي والفاضل الورع الزكي زين الدِّين عليِّ بن فاضل المازندراني، المجاور بالغريِّ (على مشرِّفه السلام)، حيث اجتمعا به في مشهد الإمامين الزكيَّين الطاهرين المعصومين السعيدين (عليهما السلام) بسُرَّ من رأى، وحكى لهما حكاية ما شاهده ورآه في البحر الأبيض والجزيرة الخضراء من العجائب، فمرَّ بي باعث الشوق إلى رؤياه، وسألت تيسير لقياه، والاستماع لهذا الخبر من لقلقة فيه بإسقاط رواته، وعزمت على الانتقال إلى سُرِّ من رأى للاجتماع به.
فاتَّفق أنَّ الشيخ زين الدِّين عليَّ بن فاضل المازندراني انحدر من سُرَّ من رأى إلى الحلَّة في أوائل شهر شوَّال من السنة المذكورة ليمضي على جاري عادته ويقيم في المشهد الغروي (على مشرِّفه السلام).
فلمَّا سمعت بدخوله إلى الحلَّة وكنت يومئذٍ بها قد أنتظر قدومه، فإذا أنا به وقد أقبل راكباً يريد دار السيِّد الحسيب، ذي النسب الرفيع، والحسب المنيع، السيِّد فخر الدِّين الحسن بن عليٍّ الموسوي المازندراني نزيل الحلَّة (أطال الله

(٢٤٨)

بقاه)، ولم أكن إذ ذاك الوقت أعرف الشيخ الصالح المذكور، لكن خلج في خاطري أنَّه هو.
فلمَّا غاب عن عيني تبعته إلى دار السيِّد المذكور، فلمَّا رآني مقبلاً ضحك في وجهي وعرَّفني بحضوره، فاستطار قلبي فرحاً وسروراً، ولم أملك نفسي على الصبر على الدخول إليه في غير ذلك الوقت.
فدخلت الدار مع السيِّد فخر الدِّين، فسلَّمت عليه، وقبَّلت يديه، فسأل السيِّد عن حالي، فقال له: هو الشيخ فضل بن الشيخ يحيى الطيِّبي صديقكم، فنهض واقفاً وأقعدني في مجلسه ورحَّب بي وأحفى السؤال عن حال أبي وأخي الشيخ صلاح الدِّين، لأنَّه كان عارفاً بهما سابقاً، ولم أكن في تلك الأوقات حاضراً، بل كنت في بلدة واسط، أشتغل في طلب العلم عند الشيخ العالم العامل الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن محمّد الواسطي الإمامي تغمَّده الله برحمته، وحشره في زمرة أئمَّته (عليهم السلام).
فتحادثت مع الشيخ الصالح المذكور (متَّع الله المؤمنين بطول بقائه)، فرأيت في كلامه أمارات تدلُّ على الفضل في أغلب العلوم من الفقه والحديث، والعربيَّة بأقسامها، وطلبت منه شرح ما حدَّث به الرجلان الفاضلان العالمان العاملان الشيخ شمس الدِّين والشيخ جلال الدِّين الحلّيَّان المذكوران سابقاً (عفا الله عنهما)، فقصَّ لي القصَّة من أوَّلها إلى آخرها بحضور السيِّد الجليل السيِّد فخر الدِّين نزيل الحلَّة صاحب الدار، وحضور جماعة من علماء الحلَّة والأطراف، قد كانوا أتوا لزيارة الشيخ المذكور (وفَّقه الله)، وكان ذلك في اليوم الحادي عشر من شهر شوَّال سنة تسع وتسعين وستّمائة، وهذه صورة ما سمعته من لفظه (أطال الله بقائه)، وربَّما وقع في الألفاظ التي نقلتها من لفظه تغيير، ولكنَّ المعاني واحدة. قال (حفظه الله تعالى):

(٢٤٩)

قد كنت مقيماً في دمشق الشام منذ سنين، مشتغلاً بطلب العلم عند الشيخ الفاضل الشيخ عبد الرحيم الحنفي (وفَّقه الله لنور الهداية) في علمي الأُصول والعربيَّة، وعند الشيخ زين الدِّين بن عليٍّ المغربي الأندلسي المالكي في علم القراءة، لأنَّه كان عالماً فاضلاً عارفاً بالقراءات السبع، وكان له معرفة في أغلب العلوم من الصرف والنحو والمنطق والمعاني والبيان والأُصولَيْن(169)، وكان ليِّن الطبع لم يكن عنده معاندة في البحث ولا في المذهب لحسن ذاته.
فكان إذا جرى ذكر الشيعة يقول: (قال علماء الإماميَّة)، بخلاف من المدرِّسين فإنَّهم كانوا يقولون عند ذكر الشيعة: (قال علماء الرافضة)، فاختصصت به وتركت التردُّد إلى غيره، فأقمنا على ذلك برهة من الزمان أقرأ عليه في العلوم المذكورة.
فاتَّفق أنَّه عزم على السفر من دمشق الشام، يريد الديار المصريَّة، فلكثرة المحبَّة التي كانت بيننا عزَّ عليَّ مفارقته، وهو أيضاً كذلك، فآل الأمر إلى أنَّه (هداه الله) صمَّم العزم على صحبتي له إلى مصر، وكان عنده جماعة من الغِباء مثلي، يقرؤون عليه، فصحبه أكثرهم.
فسرنا في صحبتة إلى أنْ وصلنا مدينة بلاد مصر المعروفة بالقاهرة، وهي أكبر من مدائن مصر كلِّها، فأقام بالمسجد الأزهر مدَّة يُدرِّس، فتسامع فضلاء مصر بقدومه، فوردوا كلُّهم لزيارته وللانتفاع بعلومه، فأقام في قاهرة مصر مدَّة تسعة أشهر، ونحن معه على أحسن حال، وإذا بقافلة قد وردت من الأندلس ومع رجل منها كتاب من والد شيخنا الفاضل المذكور يُعرِّفه فيه بمرض شديد قد عرض له أنَّه يتمنَّى الاجتماع به قبل الممات، ويُحدِّثه فيه على عدم التأخير.
فرقَّ الشيخ من كتاب أبيه وبكى، وصمَّم العزم على المسير إلى جزيرة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(169) الأُصولَيْن: هما علم أُصول الدِّين، وعلم أُصول الفقه.

(٢٥٠)

الأندلس، فعزم بعض تلامذة على صحبته، ومن الجملة أنا، لأنَّه (هداه الله) قد كان أحبَّني محبَّة شديدة وحسَّن لي المسير معه، فسافرت إلى الأندلس في صحبته، فحيث وصلنا إلى أوَّل قرية من الجزيرة المذكورة، عرضت لي حمَّى منعتني عن الحركة.
فحيث رآني الشيخ على تلك الحالة رقَّ لي وبكى، وقال: يعزُّ عليَّ مفارقتك، فأعطى خطيب تلك القرية التي وصلنا إليها عشرة دراهم، وأمره أنْ يتعاهدني حتَّى يكون منِّي أحد الأمرين، وإنْ منَّ الله بالعافية أتَّبعه إلى بلده، هكذا عهد إليَّ بذلك (وفَّقه الله بنور الهداية إلى طريق الحقِّ المستقيم)، ثمّ مضى إلى بلد الأندلس، ومسافة الطريق من ساحل البحر إلى بلده خمسة أيَّام.
فبقيت في تلك القرية ثلاثة أيَّام لا أستطيع الحركة لشدَّة ما أصابني من الحمَّى، ففي آخر اليوم الثالث فارقتني الحمَّى، وخرجت أدور في سكك تلك القرية، فرأيت قَفلاً قد وصل من جبال قريبة من شاطئ البحر الغربي يجلبون الصوف والسمن والأمتعة، فسألت عن حالهم، فقيل: إنَّ هؤلاة يجيئون من جهة قريبة من أرض البربر، وهي قريبة من جزائر الرافضة.
فحيث سمعت ذلك منهم ارتحت إليهم، وجذبني باعث الشوق إلى أرضهم، فقيل لي: إنَّ المسافة خمسة وعشرون يوماً، منها يومان بغير عمارة ولا ماء، وبعد ذلك فالقرى متَّصلة، فاكتريت معهم من رجل حماراً بمبلغ ثلاثة دراهم، لقطع تلك المسافة التي لا عمارة فيها، فلمَّا قطعنا معهم تلك المسافة ووصلنا أرضهم العامرة تمشَّيت راجلاً وتنقَّلت على اختياري من قرية إلى أُخرى إلى أنْ وصلت إلى أوَّل تلك الأماكن، فقيل لي: إنَّ جزيرة الروافض قد بقي بينك وبينها ثلاثة أيَّام، فمضيت ولم أتأخَّر.
فوصلت إلى جزيرة ذات أسوار أربعة، ولها أبراج محكمات شاهقات،

(٢٥١)

وتلك الجزيرة بحصونها راكبة على شاطئ البحر، فدخلت من باب كبيرة يقال لها: باب البربر، فدرت في سككها أسأل واقعاً عن مسجد البلد، فهُديت عليه، ودخلت إليه، فرأيته جامعاً كبيراً معظَّماً واقعاً على البحر من الجانب الغربي من البلد، فجلست في جانب المسجد لأستريح، وإذا بالمؤذن يُؤذِّن للظهر، ونادى بحيَّ على خير العمل، ولـمَّا فرغ دعا بتعجيل الفرج للإمام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه).
فأخذتني العبرة بالبكاء، فدخلت جماعة بعد جماعة إلى المسجد، وشرعوا في الوضوء على عين ماء تحت شجرة في الجانب الشرقي من المسجد، وأنا أنظر إليهم فرحاً مسروراً لما رأيته من وضوئهم المنقول عن أئمَّة الهدى (عليهم السلام).
فلمَّا فرغوا من وضوئهم وإذا برجل قد برز من بينهم بهيُّ الصورة، عليه السكينة والوقار، فتقدَّم إلى المحراب، وأقام الصلاة، فاعتدلت الصفوف وراءه، وصلَّى بهم إماماً وهم به مأمومون صلاة كاملة بأركانها المنقولة عن أئمَّتنا (عليهم السلام) على الوجه المرضيِّ فرضاً ونفلاً وكذا التعقيب والتسبيح، ومن شدَّة ما لقيته من وعثاء السفر وتعبي في الطريق لم يمكنِّي أنْ أُصلِّي معهم الظهر.
فلمَّا فرغوا ورأوني أنكروا عليَّ عدم اقتدائي بهم، فتوجَّهوا نحوي بأجمعهم وسألوني عن حالي ومن أين أصلي وما مذهبي؟
فشرحت لهم أحوالي وأنِّي عراقي الأصل، وأمَّا مذهبي فإنِّني رجل مسلم أقول: أشهد أنْ لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحقِّ ليُظهِره على الأديان كلِّها ولو كره المشركون.
فقالوا لي: لم تنفعك هاتان الشهادتان إلَّا لحقن دمك في دار الدنيا، لِـمَ لا تقول الشهادة الأُخرى لتدخل الجنَّة بغير حساب؟
فقلت لهم: ما تلك الشهادة الأُخرى؟ اهدوني إليها يرحمكم الله.
فقال لي إمامهم: الشهادة الثالثة هي أنْ تشهد أنَّ أمير المؤمنين، ويعسوب

(٢٥٢)

المتَّقين، وقائد الغرِّ المحجَّلين عليَّ بن أبي طالب والأئمَّة الأحد عشر من ولده أوصياء رسول الله وخلفاؤه من بعده بلا فاصلة، قد أوجب الله (عزَّ وجلَّ) طاعتهم على عباده، وجعلهم أولياء أمره ونهيه، وحُجَجاً على خلقه في أرضه، وأُمناء لبريَّته، لأنَّ الصادق الأمين محمّداً رسول ربِّ العالمين (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخبر بهم عن الله تعالى مشافهةً من نداء الله (عزَّ وجلَّ) له (عليه السلام) في ليلة معراجه إلى السماوات السبع، وقد صار من ربِّه كقاب قوسين أو أدنى، وسمَّاهم له واحداً بعد واحد (صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين).
فلمَّا سمعت مقالتهم هذه حمدت الله سبحانه على ذلك، وحصل عندي أكمل السرور، وذهبت عنِّي تعب الطريق من الفرح، وعرَّفتهم أنِّي على مذهبهم، فتوجَّهوا إليَّ توجُّه إشفاق، وعيَّنوا لي مكاناً في زوايا المسجد، وما زالوا يتعاهدوني بالعزَّة والإكرام مدَّة إقامتي عندهم، وصار إمام مسجدهم لا يفارقني ليلاً ولا نهاراً.
فسألته عن ميرة أهل بلده من أين تأتي إليهم، فإنِّي لا أرى لهم أرضاً مزروعة؟
فقال: تأتي إليهم ميرتهم من الجزيرة الخضراء من البحر الأبيض، من جزائر أولاد الإمام صاحب الأمر (عجَّل الله فرجه).
فقلت له: كم تأتيكم ميرتكم في السنة؟
فقال: مرَّتين، وقد أتت مرَّة وبقيت الأُخرى.
فقلت: له: كم بقي حتَّى تأتيكم؟
قال: أربعة أشهر.
فتأثَّرت لطول المدَّة، ومكثت عندهم مقدار أربعين يوماً أدعو الله ليلاً ونهاراً بتعجيل مجيئها، وأنا عندهم في غاية الإعزاز والإكرام.

(٢٥٣)

وفي آخر يوم من الأربعين ضاق صدري لطول المدَّة، فخرجت إلى شاطئ البحر أنظر إلى جهة المغرب التي ذكر أهل البلد أنَّ ميرتهم تأتي إليهم من تلك الجهة.
فرأيت شبحاً من بعيد يتحرَّك، فسألت عن ذلك الشبح أهل البلد وقلت لهم: هل يكون في البحر طير أبيض؟
فقالوا لي: لا، فهل رأيت شيئاً؟
قلت: نعم.
فاستبشروا وقالوا: هذه المراكب التي تأتي إلينا في كلِّ سنة من بلاد أولاد الإمام (عجَّل الله فرجه).
فما كان إلَّا قليلا حتَّى قَدِمَت تلك المراكب، وعلى قولهم: إنَّ مجيئها كان في غير الميعاد، فقَدِمَ مركب كبير وتبعه آخر وآخر حتَّى كملت سبعاً، فصعد من المركب الكبير شيخ مربوع القامة، بهيُّ المنظر، حسن الزيِّ، ودخل المسجد، فتوضَّأ الوضوء الكامل على الوجه المنقول عن أئمَّة الهدى (عليهم السلام) وصلَّى الظهرين، فلمَّا فرغ من صلاته التفت نحوي مسلِّماً عليَّ، فرددت عليه السلام، فقال: ما اسمك؟ وأظنُّ أنَّ اسمك عليٌّ.
قلت: صدقت.
فحادثني بالسرِّ محادثة من يعرفني، فقال: ما اسم أبيك؟ ويُوشَك أنْ يكون فاضلاً.
قلت: نعم، ولم أكن أشكُّ في أنَّه قد كان في صحبتنا من دمشق.
فقلت: أيُّها الشيخ، ما أعرفك بي وبأبي، هل كنت معنا حيث سافرنا من دمشق الشام إلى مصر؟
فقال: لا.

(٢٥٤)

قلت: ولا من مصر إلى الأندلس؟
قال: لا ومولاي صاحب العصر (عجَّل الله فرجه).
قلت له: فمن أين تعرفني باسمي واسم أبي؟
قال: اعلم أنَّه قد تقدَّم إليَّ وصفك، وأصلك، ومعرفة اسمك وشخصك وهيأتك واسم أبيك، وأنا أصحبك معي إلى الجزيرة الخضراء.
فسررت بذلك حيث قد ذُكِرْتُ ولي عندهم اسم، وكان من عادته أنَّه لا يقيم عندهم إلَّا ثلاثة أيَّام، فأقام أُسبوعاً، وأوصل الميرة إلى أصحابها المقرَّرة لهم، فلمَّا أخذ منهم خطوطهم بوصول المقرَّر لهم عزم على السفر، وحملني معه، وسرنا في البحر.
فلمَّا كان في السادس عشر من مسيرنا في البحر رأيت ماء أبيض، فجعلت أطيل النظر إليه، فقال لي الشيخ - واسمه محمّد -: ما لي أراك تطيل النظر إلى هذا الماء؟
فقلت له: إنِّي أراه على غير لون ماء البحر.
فقال لي: هذا هو البحر الأبيض، وتلك الجزيرة الخضراء، وهذا الماء المستدير حولها مثل السور من أيِّ الجهات أتيته وجدته، وبحكمة الله تعالى أنَّ مراكب أعدائنا إذا دخلته غرقت وإنْ كانت محكمة ببركة مولانا وإمامنا صاحب العصر (عجَّل الله فرجه).
فاستعملته وشربت منه، فإذا هو كماء الفرات.
ثمّ إنَّا لـمَّا قطعنا ذلك الماء الأبيض وصلنا إلى الجزيرة الخضراء لا زالت عامرة آهلة، ثمّ صعدنا من المركب الكبير إلى الجزيرة الخضراء ودخلنا البلد، فرأيته محصَّناً بقلاع وأبراج وأسوار سبعة واقعة على شاطئ البحر، ذات أنهار وأشجار، مشتملة على أنواع الفواكه والأثمار المنوَّعة، وفيها أسواق كثيرة،

(٢٥٥)

وحمَّامات عديدة، وأكثر عمارتها برخام شفَّاف، وأهلها في أحسن الزيِّ والبهاء، فاستطار قلبي سروراً لما رأيته.
ثمّ مضى بي رفيقي محمّد بعد ما استرحنا في منزله إلى الجامع المعظَّم، فرأيت فيه جماعة كثيرة وفي وسطهم شخص جالس عليه من المهابة والسكينة والوقار ما لا أقدر (أنْ) أصفه، والناس يخاطبونه بالسيِّد شمس الدِّين محمّد العالم، ويقرؤون عليه القرآن والفقه، والعربيَّة بأقسامها، وأُصول الدِّين والفقه الذي يقرؤونه عن صاحب الأمر (عجَّل الله فرجه) مسألة مسألة، وقضيَّة قضيَّة، وحكماً حكماً.
فلمَّا مثلت بين يديه، رحَّب بي وأجلسني في القرب منه، وأحفى السؤال عن تعبي في الطريق، وعرَّفني أنَّه تقدَّم إليه كلُّ أحوالي، وأنَّ الشيخ محمّد رفيقي إنَّما جاء بي بأمر من السيِّد شمس الدِّين العالم (أطال الله بقاءه).
ثمّ أمر لي بتخلية موضع منفرد في زاوية من زوايا المسجد، وقال لي: هذا يكون لك إذا أردت الخلوة والراحة، فنهضت ومضيت إلى ذلك الموضع، فاسترحت فيه إلى وقت العصر، وإذا أنا بالموكَّل بي قد أتى إليَّ وقال لي: لا تبرح من مكانك حتَّى يأتيك السيِّد وأصحابه لأجل العشاء معك.
فقلت: سمعاً وطاعةً.
فما كان إلَّا قليلاً وإذا بالسيِّد (سلَّمه الله) قد أقبل، ومعه أصحابه، فجلسوا ومُدَّت المائدة، فأكلنا ونهضنا إلى المسجد مع السيِّد لأجل صلاة المغرب والعشاء، فلمَّا فرغنا من الصلاتين ذهب السيِّد إلى منزله، ورجعت إلى مكاني، وأقمت على هذه الحال مدَّة ثمانية عشر يوماً، ونحن في صحبته (أطال الله بقاءه).
فأوَّل جمعة صلَّيتها معهم رأيت السيِّد (سلَّمه الله) صلَّى الجمعة ركعتين فريضة واجبة.

(٢٥٦)

فلمَّا انقضت الصلاة قلت: يا سيِّدي، قد رأيتكم صلَّيتم الجمعة ركعتين فريضة واجبة؟
قال: نعم، لأنَّ شروطها المعلومة قد حضرت فوجبت.
فقلت في نفسي: ربَّما كان الإمام (عجَّل الله فرجه) حاضراً.
ثمّ في وقت آخر سألت منه في الخلوة: هل كان الإمام حاضراً؟
فقال: لا، ولكنِّي أنا النائب الخاصُّ بأمر صدر عنه (عجَّل الله فرجه).
فقلت: يا سيِّدي، وهل رأيت الإمام (عجَّل الله فرجه)؟
قال: لا، ولكنِّي حدَّثني أبي (رحمة الله عليه) أنَّه سمع حديثه ولم يرَ شخصه، وأنَّ جدِّي (رحمة الله عليه) سمع حديثه ورأى شخصه.
فقلت له: ولِـمَ ذاك يا سيِّدي يختصُّ بذلك رجل دون آخر؟
فقال لي: يا أخي، إنَّ الله سبحانه وتعالى يُؤتي الفضل من يشاء من عباده، وذلك لحكمة بالغة وعظيمة قاهرة، كما أنَّ الله تعالى اختصَّ من عباده الأنبياء والمرسَلين، والأوصياء المنتخبين، وجعلهم أعلاماً لخلقه، وحُجَجاً على بريَّته، ووسيلةً بينهم وبينه ليهلك من هلك عن بيِّنة، ويحيي من حيَّ عن بيِّنة، ولم يخل أرضه بغير حجَّة على عباده للطفه بهم، ولا بدَّ لكلِّ حجَّة من سفير يُبلِّغ عنه.
ثمّ إنَّ السيِّد (سلَّمه الله) أخذ بيدي إلى خارج مدينتهم، وجعل يسير معي نحو البساتين، فرأيت فيها أنهاراً جارية، وبساتين كثيرة، مشتملة على أنواع الفواكه، عظيمة الحسن والحلاوة، من العنب والرُّمَّان، والكمَّثرى وغيرها ما لم أرَها في العراقين، ولا في الشامات كلِّها.
فبينما نحن نسير من بستان إلى آخر إذ مرَّ بنا رجل بهيُّ الصورة، مشتمل ببردتين من صوف أبيض، فلمَّا قرب منَّا سلَّم علينا وانصرف عنَّا، فأعجبني هيأته، فقلت للسيِّد (سلَّمه الله): من هذا الرجل؟

(٢٥٧)

قال لي: أتنظر إلى هذا الجبل الشاهق؟
قلت: نعم.
قال: إنَّ في وسطه لمكاناً حسناً، وفيه عين جارية، تحت شجرة ذات أغصان كثيرة، وعندها قبَّة مبنيَّة بالآجر، وإنَّ هذا الرجل مع رفيق له خادمان لتلك القبَّة، وأنا أمضي إلى هناك في كلِّ صباح جمعة، وأزور الإمام (عجَّل الله فرجه) منها وأُصلِّي ركعتين، وأجد هناك ورقة مكتوب فيها ما أحتاج إليه من المحاكمة بين المؤمنين، فمهما تضمَّنته الورقة أعمل به، فينبغي لك أنْ تذهب إلى هناك وتزور الإمام (عجَّل الله فرجه) من القبَّة.
فذهبت إلى الجبل، فرأيت القبَّة على ما وصف لي (سلَّمه الله)، ووجدت هناك خادمين، فرحَّب بي الذي مرَّ علينا وأنكرني الآخر، فقال له: لا تُنكِره فإنِّي رأيته في صحبة السيِّد شمس الدِّين العالم، فتوجَّه إليَّ ورحَّب بي، وحادثاني وأتيا لي بخبز وعنب، فأكلت وشربت من ماء تلك العين التي عند تلك القبَّة، وتوضَّأت وصلَّيت ركعتين.
وسألت الخادمين عن رؤية الإمام (عجَّل الله فرجه)، فقالا لي: الرؤية غير ممكنة، وليس معنا إذن في إخبار أحد، فطلبت منهم الدعاء، فدعيا لي، وانصرفت عنهما، ونزلت من ذلك الجبل إلى أنْ وصلت إلى المدينة.
فلمَّا وصلت إليها ذهبت إلى دار السيِّد شمس الدِّين العالم، فقيل لي: إنَّه خرج في حاجة له، فذهبت إلى دار الشيخ محمّد الذي جئت معه في المراكب، فاجتمعت به وحكيت له عن مسيري إلى الجبل، واجتماعي بالخادمين، وإنكار الخادم عليَّ، فقال لي: ليس لأحد رخصة في الصعود إلى ذلك المكان، سوى السيِّد شمس الدِّين وأمثاله، فلهذا وقع إنكار منه لك.
فسألته عن أحوال السيِّد شمس الدِّين (أدام الله أفضاله)، فقال: إنَّه من

(٢٥٨)

أولاد الإمام، وأنَّ بينه وبين الإمام (عجَّل الله فرجه) خمسة آباء، وأنَّه النائب الخاصُّ عن أمر صدر منه (عجَّل الله فرجه).
قال الشيخ الصالح زين الدِّين عليُّ بن فاضل المازندراني المجاور بالغريِّ (على مشرِّفه السلام): واستأذنت السيِّد شمس الدِّين العالم (أطال الله بقاءه) في نقل بعض المسائل التي يحتاج إليها عنه، وقراءة القرآن المجيد، ومقابلة المواضع المشكلة من العلوم الدِّينيَّة وغيرها، فأجاب إلى ذلك وقال: إذا كان ولا بدَّ من ذلك فابدأ أوَّلاً بقراءة القرآن العظيم.
فكان كلَّما قرأت شيئاً فيه خلاف بين القُرَّاء أقول له: قرأ حمزة كذا، وقرأ الكسائي كذا، وقرأ عاصم كذا، وأبو عمرو بن كثير كذا.
فقال السيِّد (سلَّمه الله): نحن لا نعرف هؤلاء، وإنَّما القرآن نزل على سبعة أحرف، قبل الهجرة من مكَّة إلى المدينة وبعدها لـمَّا حجَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حجَّة الوداع، نزل عليه الروح الأمين جبرئيل (عليه السلام)، فقال: «يا محمّد، اُتل عليَّ القرآن حتَّى أُعرِّفك أوائل السور، وأواخرها، وشأن نزولها».
فاجتمع إليه عليُّ بن أبي طالب، وولده الحسن والحسين (عليهم السلام)، وأُبيّ بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وحذيفه بن اليمان، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، وحسَّان بن ثابت، وجماعة من أصحابه (رضي الله عن المنتجبين منهم)، فقرأ النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) القرآن من أوَّله إلى آخره، فكان كلَّما مرَّ بموضع فيه اختلاف بيَّنه له جبرئيل (عليه السلام) وأمير المؤمنين (عليه السلام) يكتب ذاك في درج من أدم، فالجميع قراءة أمير المؤمنين ووصيِّ رسول ربِّ العالمين.
فقلت له: يا سيِّدي، أرى بعض الآيات غير مرتبطة بما قبلها وبما بعدها، كأنَّ فهمي القاصر لم يصر إلى غورية ذلك.
فقال: نعم، الأمر كما رأيته، أو ذلك (أنَّه) لـمَّا انتقل سيِّد البشر محمّد بن

(٢٥٩)

عبد الله من دار الفناء إلى دار البقاء وفعل صنما قريش ما فعلاه، من غصب الخلافة الظاهريَّة، جمع أمير المؤمنين (عليه السلام) القرآن كلَّه، ووضعه في إزار وأتى به إليهم وهم في المسجد.
فقال لهم: «هذا كتاب الله سبحانه أمرني رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنْ أعرضه إليكم لقيام الحجَّة عليكم يوم العرض بين يدي الله تعالى».
فقال له فرعون هذه الأُمَّة ونمرودها: لسنا محتاجين إلى قرآنك.
فقال (عليه السلام): «لقد أخبرني حبيبي محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بقولك هذا، وإنَّما أردت بذلك إلقاء الحجَّة عليكم».
فرجع أمير المؤمنين (عليه السلام) به إلى منزله، وهو يقول: «لا إله إلَّا أنت، وحدك لا شريك لك، لا رادَّ لما سبق في علمك، ولا مانع لما اقتضته حكمتك، فكن أنت الشاهد لي عليهم يوم العرض عليك».
فنادى ابن أبي قحافة بالمسلمين، وقال لهم: كلُّ من عنده قرآن من آية أو سورة فليأتِ بها.
فجاءه أبو عبيدة بن الجرَّاح، وعثمان، وسعد بن أبي وقَّاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وأبو سعيد الخدري، وحسَّان بن ثابت، وجماعات من المسلمين وجمعوا هذا القرآن، وأسقطوا ما كان فيه من المثالب التي صدرت منه، بعد وفاة سيِّد المرسَلين (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فلهذا ترى الآيات غير مرتبطة، والقرآن الذي جمعه أمير المؤمنين (عليه السلام) بخطِّه محفوظ عند صاحب الأمر (عليه السلام) فيه كلُّ شيء حتَّى أرش الخدش، وأمَّا هذا القرآن فلا شكَّ ولا شبهه في صحَّته، وإنَّما كلام الله سبحانه هكذا صدر عن صاحب الأمر (عليه السلام).
قال الشيخ فاضل عليُّ بن فاضل: نقلت عن السيِّد شمس الدِّين (حفظه

(٢٦٠)

الله) مسائل كثيرة تنوف على تسعين مسألة، وهي عندي جمعتها في مجلَّد، وسمَّيتها بـ (الفوائد الشمسيَّة)، ولا أُطلع عليها إلَّا الخاصَّ من المؤمنين، وستراه إنْ شاء الله تعالى.
فلمَّا كانت الجمعة الثانية وهي الوسطى من جُمَع الشهر، وفرغنا من الصلاة وجلس السيِّد (سلَّمه الله) في مجلس الإفادة للمؤمنين، وإذا أنا أسمع هرجاً ومرجاً وجزلةً عظيمةً خارج المسجد، فسألت من السيِّد عمَّا سمعته، فقال لي: إنَّ أُمراء عسكرنا يركبون في كلِّ جمعة من وسط كلِّ شهر وينتظرون الفرج، فاستأذنته في النظر إليهم، فأذن لي.
فخرجت لرؤيتهم، وإذا هم جمع كثير يُسبِّحون الله ويحمدونه، ويُهلِّلون (جلَّ وعزَّ)، ويدعون بالفرج للإمام القائم بأمر الله، والناصح لدين الله محمّد بن الحسن المهدي الخلف الصالح، صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه).
ثمّ عدت إلى مسجد السيِّد (سلَّمه الله)، فقال لي: رأيت العسكر؟
فقلت: نعم.
قال: فهل عددت أُمراءهم؟
قلت: لا.
قال: عدَّتهم ثلاثمائة ناصر، وبقي ثلاثة عشر ناصراً، ويُعجِّل الله لوليِّه الفرج بمشيَّته، إنَّه جواد كريم.
قلت: يا سيِّدي، ومتى يكون الفرج؟
قال: يا أخي، إنَّما العلم عند الله، والأمر متعلِّق بمشيَّته سبحانه وتعالى، حتَّى إنَّه ربَّما كان الإمام (عجَّل الله فرجه) لا يعرف ذلك، بل له علامات وأمارات تدلُّ على خروجه، من جملتها أنْ ينطق ذو الفقار بأنْ يخرج من غلافه، ويتكلَّم بلسان عربي مبين: قم يا وليَّ الله، فاقتل بي أعداء الله.

(٢٦١)

ومنها ثلاثة أصوات يسمعها الناس كلُّهم:
الصوت الأوَّل: أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين.
والصوت الثاني: ألَا لعنة الله على الظالمين لآل محمّد (عليهم السلام).
والثالث بدن يظهر فيُرى في قرن الشمس يقول: إنَّ الله بعث صاحب الأمر محمّد بن الحسن المهدي (عليه السلام)، فاسمعوا له وأطيعوا.
فقلت: يا سيِّدي، قد روينا عن مشايخنا أحاديث عن صاحب الأمر (عجَّل الله فرجه) أنَّه قال لـمَّا أمر بالغيبة الكبرى: من رآني بعد غيبتي فقد كذب، فكيف فيكم من يراه؟!
فقال: صدقت إنَّه (عجَّل الله فرجه) إنَّما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة أعدائه من أهل بيته وغيرهم من فراعنة بني العبَّاس، حتَّى إنَّ الشيعة يمنع بعضها بعضاً عن التحدُّث بذكره، وفي هذا الزمان تطاولت المدَّة وأيس منه الأعداء، وبلادنا نائية عنهم وعن ظلمهم وعنائهم، وببركته (عليهم السلام) لا يقدر أحد من الأعداء على الوصول إلينا.
قلت: يا سيِّدي، قد روت علماء الشيعة حديثاً عن الإمام (عليه السلام) أنَّه أباح الخُمُس لشيعته، فهل رويتهم عنه ذلك؟
قال: نعم، إنَّه (عليه السلام) رخَّص وأباح الخُمُس لشيعته من ولد عليٍّ (عليه السلام)، وقال: هم في حلٍّ من ذلك.
قلت: وهل رخَّص للشيعة أنْ يشتروا الإماء والعبيد من سبي العامَّة؟
قال: نعم، ومن سبي غيرهم، لأنَّه (عليه السلام) قال: «عاملوهم بما عاملوا به أنفسهم»، وهاتان المسألتان زائدتان على المسائل التي سمَّيتها لك.
وقال السيِّد (سلَّمه الله): إنَّه يخرج من مكَّة بين الركن والمقام في سنة وتر، فليرتقبها المؤمنون.

(٢٦٢)

فقلت: يا سيِّدي، قد أحببت المجاورة عندكم إلى أنْ يأذن الله بالفرج.
فقال لي: اعلم يا أخي أنَّه تقدَّم إليَّ كلام بعودك إلى وطنك، ولا يمكنني وإيَّاك المخالفة، لأنَّك ذو عيال، وغبت عنهم مدَّة مديدة، ولا يجوز لك التخلُّف عنهم أكثر من هذا.
فتأثَّرت من ذلك وبكيت وقلت: يا مولاي، وهل تجوز المراجعة في أمري؟
قال: لا.
قلت: يا مولاي، وهل تأذن لي في أنْ أحكي كلَّما قد رأيته وسمعته؟
قال: لا بأس أنْ تحكي للمؤمنين لتطمئنَّ قلوبهم، إلَّا كيت وكيت، وعيَّن ما لا أقوله.
فقلت: يا سيِّدي، أمَا يمكن النظر إلى جماله وبهائه (عليه السلام)؟
قال: لا، ولكن اعلم يا أخي أنَّ كلَّ مؤمن مخلص يمكن أنْ يرى الإمام ولا يعرفه.
فقلت: يا سيِّدي، أنا من جملة عبيده المخلصين، ولا رأيته.
فقال لي: بل رأيته مرَّتين، مرَّة منها لـمَّا أتيت إلى سُرَّ من رأى وهي أوَّل مرَّة جئتها، وسبقك أصحابك وتخلَّفت عنهم، حتَّى وصلت إلى نهر لا ماء فيه، فحضر عندك فارس على فرس شهباء، وبيده رمح طويل، وله سنان دمشقي، فلمَّا رأيته خفت على ثيابك، فلمَّا وصل إليك قال لك: لا تخف اذهب إلى أصحابك، فإنَّهم ينتظرونك تحت الشجرة.
فأذكرني والله ما كان، فقلت: قد كان ذلك يا سيِّدي.
قال: والمرَّة الأُخرى حين خرجت من دمشق تريد مصراً مع شيخك الأندلسي، وانقطعت عن القافلة، وخفت خوفاً شديداً، فعارضك فارس على

(٢٦٣)

فرس غرَّاء محجَّلة، وبيده رمح أيضاً، وقال لك: «سر ولا تخف إلى قرية على يمينك ونم عند أهلها الليلة، وأخبرهم بمذهبك الذي ولدت عليه، ولا تتَّقِ منهم فإنَّهم مع قرى عديدة جنوبي دمشق، مؤمنون مخلصون، يدينون بدين عليِّ ابن أبي طالب والأئمَّة المعصومين من ذرّيَّته (عليهم السلام)»، أكان ذلك يا ابن الفضل؟
قلت: نعم، وذهبت إلى عند أهل القرية ونمت عندهم فأعزُّوني، وسألتهم عن مذهبهم فقالوا لي - من غير تقيَّة منِّي -: نحن على مذهب أمير المؤمنين، ووصيِّ رسول ربِّ العالمين عليِّ بن أبي طالب والأئمَّة المعصومين من ذرّيَّته (عليهم السلام).
فقلت لهم: من أين لكم هذا المذهب؟ومن أوصله إليكم؟
قالوا: أبو ذرٍّ الغفاري (رضي الله عنه) حين نفاه عثمان إلى الشام، ونفاه معاوية إلى أرضنا هذه، فعمَّتنا بركته.
فلمَّا أصبحت طلبتُ منهم اللحوق بالقافلة، فجهَّزوا معي رجلين ألحقاني بها بعد أنْ صرَّحت لهم بمذهبي.
فقلت له: يا سيِّدي هل يحجُّ الإمام (عجَّل الله فرجه) في كلِّ مدَّة بعد مدَّة؟
قال لي: يا ابن فاضل، الدنيا خطوة مؤمن، فكيف بمن لم تقم الدنيا إلَّا بوجوده ووجود آبائه (عليهم السلام)؟ نعم يحجُّ في كلِّ عام ويزور آباءه في المدينة والعراق وطوس (على مشرِّفيها السلام)، ويرجع إلى أرضنا هذه.
ثمّ إنَّ السيِّد شمس الدِّين حثَّ عليَّ بعدم التأخير بالرجوع إلى العراق وعدم الإقامة في بلاد المغرب، وذكر لي أنَّ دراهمهم مكتوب عليها: (لا إله إلَّا الله، محمّد رسول الله، عليٌّ وليُّ الله، محمّد بن الحسن القائم بأمر الله)، وأعطاني السيِّد منها خمسة دراهم، وهي محفوظة عندي للبركة.
ثمّ إنَّه (سلَّمه الله) وجَّهني مع المراكب التي أتيت معها إلى أنْ وصلنا إلى تلك البلدة التي أوَّل ما دخلتها من أرض البربر، وكان قد أعطاني حنطةً وشعيراً،

(٢٦٤)

فبعتها في تلك البلدة بمائة وأربعين ديناراً ذهباً من معاملة بلاد المغرب، ولم أجعل طريقي على الأندلس امتثالاً لأمر السيِّد شمس الدِّين العالم (أطال الله بقاءه)، وسافرت منها مع الحجيج المغربي إلى مكَّة (شرَّفها الله تعالى) وحججت، وجئت إلى العراق، وأُريد المجاورة في الغريِّ (على مشرِّفه السلام) حتَّى الممات(170).
إشارة:
الخلاف في صدق وجود الجزيرة الخضراء والبحر الأبيض وكذبه قائم منذ زمن طويل، وكذا الخلاف في صحَّة الرواية وعدمها، فإنَّ مصبَّ الخلاف على أمرين:
[الأمر] الأوَّل: وجود مثل هذا المكان على الكرة الأرضيَّة.
والأمر الثاني: هو صحَّة هذه الرواية وعدمها حتَّى على فرض وجود تلك الجزيرة.
ومن هنا فالمختلفون ثلاثة أقسام على أقلّ التقادير، فقسم يُنكِر الأمرين معاً، وقسم يُنكِر الرواية فقط، وقسم يقبلهما معاً، وهناك أقسام أُخرى مثل أُولئك الذين يناقشون في بعض ما جاء في الرواية وليس كلِّه، وهؤلاء متفاوتون أيضاً في هذا.
ولكن الكثير من كبار علمائنا المتقدِّمين ذكروا القصَّة في كُتُبهم، وقد ذكر الشيخ النوري (قدّس سرّه) أسماءهم في (النجم الثاقب)، وقال السيِّد ياسين الموسوي في تعليقته على (النجم الثاقب): (ولم نجد نصًّا لأحد من علمائنا السابقين قد أنكرها إلَّا ما نُسِبَ إلى الشيخ جعفر الكبير (قدّس سرّه) صاحب كشف الغطاء)(171).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(170) بحار الأنوار (ج 52/ص 159 - 174)، النجم الثاقب (ج 2/ص 172 - 195/الحكاية 37).
(171) النجم الثاقب (ج 2/ هامش ص 172).

(٢٦٥)

نعم، في تأليفات بعض أفاضل علمائنا القريبين بعض الاعتراضات على القصَّة أو بعضها حيث قد يظهر التهافت في بعض الفقرات، ولكن هذه التهافتات في بعض الفقرات تهافتات ظاهريَّة يمكن بالتدقيق تصحيحها وتقويمها.
ومن أراد زيادة الاطِّلاع، فليراجع (النجم الثاقب) الجزء الثاني منه.
ثمّ إنَّه ظهر أخيراً ما يدلُّ على وجود هذا المكان ببعض الخصوصيَّات التي وردت في القصَّة، أو ما يدلُّ على وجود أماكن ونقاط في هذا العالم لم تصل إليها أقدام الإنسان، كما هو المعروف اليوم في قضايا مثلَّث برمودا، وبعض الجُزُر والغابات الكبيرة المجهولة عندنا، فلعلَّ تلك الغابات والجُزُر مسكونة ولها أهلها ولها حياتها الاجتماعيَّة الخافية علينا.
فإنكار مثل هذه الجزيرة لمجرَّد وجود بعض العبارات الموهمة أو المتهافتة فيها، غير صحيح.
هذا، وقد أخبرني أحد أساتذتي الذي لا أشكُّ في علوِّ قدره وفضله وتقواه، أنَّ هناك من يزور هذه الجزيرة في كلِّ سنة، ويبقى فيها أيَّاماً، ولعلَّ ذلك يكون في أيَّام شهر محرَّم، شهر شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) وإقامة العزاء عليه.
فهنيئاً لمن يُوفَّق لذلك ويتشرَّف بلقاء أولاد الإمام (عجَّل الله فرجه)، أو يتشرَّف بالنظر إلى الطلعة الرشيدة والغرَّة الحميدة لمولانا ومولى العالمين الحجَّة بن الحسن المهدي المنتظَر (عجَّل الله فرجه).

* * *

(٢٦٦)

زيارة آل ياسين

«سَلَامٌ عَلى آلِ يس.
السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا دَاعِيَ الله وَرَبَّانِيَّ آيَاتِهِ.
السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بَابَ الله وَدَيَّانَ دِينِهِ.
السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَلِيفَةَ الله وَنَاصِرَ حَقِّهِ.
السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ الله وَدَلِيلَ إِرَادَتِهِ.
السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا تَالِيَ كِتَابِ الله وَتَرْجُمَانَهُ.
السَّلَامُ عَلَيْكَ فِي آنَاءِ لَيْلِكَ وَأَطْرَافِ نَهَارِكَ.
السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بَقِيَّةَ الله فِي أَرْضِهِ.
السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مِيثَاقِ الله الَّذِي أَخَذَهُ وَوَكَّدَهُ.
السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَعْدَ الله الَّذِي ضَمِنَهُ.
السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا العَلَمُ المَنْصُوبُ، وَالْعِلْمُ المَصْبُوبُ، وَالغَوْثُ وَالرَّحْمَةُ الواسِعَةُ وَعْداً غَيْرَ مَكْذُوبٍ، السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقُومُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ حِيْنَ تَقْعُدْ، السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقْرَأُ وَتُبَيِّنُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تُصَلِّيَ وَتَقْنُتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تَرْكَعُ وَتَسْجُدُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تُهَلِّلُ وَتُكَبِّرُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تَحْمَدُ وَتَسْتَغْفِرُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تُصْبِحُ وَتُمْسِي، السَّلَامُ عَلَيْكَ فِي اللَيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى.
السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْإمَامُ المَأْمُونُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا المُقَدَّمُ المَأْمُولُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ بِجَوَامِعِ السَّلَامِ.

(٢٦٧)

أُشْهِدُكَ يَا مَوْلَايَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، لَا حَبِيبَ إِلَّا هُوَ وَأَهْلُهُ.
وَأُشْهِدُكَ يَا مَوْلَايَ أَنَّ عَلِيًّا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ حُجَّتُهُ، وَالحَسَنَ حُجَّتُهُ، وَالحُسَيْنَ حُجَّتُهُ، وَعَلِيَّ بْنَ الحُسَيْنِ حُجَّتُهُ، وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ حُجَّتُهُ، وَجَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ حُجَّتُهُ، وَمُوسى بْنَ جَعْفَرٍ حُجَّتُهُ، وَعَلِيَّ بْنَ مُوسى حُجَّتُهُ، وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ حُجَّتُهُ، وَعَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ حُجَّتُهُ، وَالحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ حُجَّتُهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ حُجَّةُ الله.
أَنْتُمْ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ، وَأَنَّ رَجْعَتَكُمْ حَقُّ لَا رَيْبَ فِيها يَوْمَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً.
وَأَنَّ المَوْتَ حَقٌّ، وَأَنَّ ناكِراً وَنَكِيراً حَقٌّ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ النَّشْرَ حَقٌّ، وَالْبَعْثَ حَقٌّ، وَأَنَّ الصِّراطَ حَقٌّ، وَالمِرْصَادَ حَقٌّ، وَالمِيزَانَ حَقٌّ، وَالحَشْرَ حَقٌّ، وَالحِسَابَ حَقٌّ، وَالجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ، وَالوَعْدَ وَالوَعِيدَ بِهِما حَقٌّ.
يَا مَوْلَايَ شَقِيَ مَنْ خالَفَكَ، وَسَعِدَ مَنْ أَطاعَكَ، فَاشْهَدْ عَلَى مَا أَشْهَدْتُكَ عَلَيْهِ، وَأَنا وَلِيُّ لَكَ بَرِيٌ مِنْ عَدُوِّكَ، فَالحَقُّ مَا رَضَيْتُمُوهُ وَالْبَاطِلُ مَا أَسْخَطْتُمُوهُ، وَالمَعْرُوفُ مَا أَمَرْتُمْ بِهِ، وَالمُنْكَرُ مَا نَهَيْتُمْ عَنْهُ، فَنَفْسِي مُؤْمِنَةٌ بِالله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِرَسُولِهِ وَبِأَمِيرَ المُؤْمِنِينَ وَبِكُمْ يَا مَوْلَايَ أَوَّلِكُمْ وَآخِرِكُمْ، وَنُصْرَتِي مُعَدَّةٌ لَكُمْ، وَمَوَدَّتِي خَالِصَةٌ لَكُمْ، آمِينَ آمِينَ»(172).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(172) مفاتيح الجنان (ص 752 - 754)، ورواها الطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج 2/ ص 315)، وابن المشهدي (رحمه الله) في المزار الكبير (ص 566).

(٢٦٨)

دعاء العهد

«اللَّهُمَّ رَبَّ النُّورِ العَظِيمِ، وَرَبَّ الكُرْسِيِّ الرَّفِيعِ، وَرَبَّ البَحْرِ المَسْجُورِ، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ، وَرَبَّ الظِّلِّ وَالحَرُورِ، وَمُنْزِلَ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَرَبَّ المَلَائِكَةِ المُقَرَّبِينَ، وَالْأَنْبِياءِ وَالمُرْسَلِينَ.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِوَجْهِكَ الكَرِيمِ، وَبِنُورِ وَجْهِكَ المُنِيرِ، وَمُلْكِكَ الْقَدِيمِ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ.
أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ بِهِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرَضُونَ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي يَصْلَحُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، يَا حَيًّا قَبْلَ كُلِّ حَيٍّ، وَيَا حَيًّا بَعْدَ كُلِّ حَيٍّ، وَيَا حَيًّا حِينَ لَا حَيَّ، يا مُحْيِيَ المَوْتَى وَمُمِيتَ الْأَحْياءِ، يَا حَيُّ لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ.
اللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلَانَا الْإمَامَ الهَادِيَ المَهْدِيَّ الْقَائِمَ بِأَمْرِكَ صَلواتُ الله عَلَيْهِ وَعَلَى آبَائِهِ الطَّاهِرِينَ عَنْ جَمِيعِ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا سَهْلِهَا وَجَبَلِهَا وَبَرِّهَا وَبَحْرِهَا وَعَنِّي وَعَنْ وَالِدَيَّ مِنَ الصَّلَواتِ زِنَةَ عَرْشِ الله وَمِدَادَ كَلِماتِهِ وَمَا أَحْصَاهُ عِلْمُهُ وَأَحَاطَ بِهِ كِتَابُهُ.
اللَّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبيحةِ يَوْمِي هَذَا وَمَا عِشْتُ مِنْ أَيَّامِي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ فِي عُنُقِي لَا أَحُولُ عَنْهَا وَلَا أَزُولُ أَبَداً.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ وَأَعْوَانِهِ وَالذَّابِّينَ عَنْهُ وَالمُسَارِعِينَ إِلَيْهِ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ وَالمُمْتَثِلِينَ لِأَوَامِرِهِ وَالمُحَامِينَ عَنْهُ وَالسَّابِقِينَ إِلَى إِرَادَتِهِ وَالمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ.
اللَّهُمَّ إِنْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ المَوْتُ الَّذِي جَعَلْتَهُ عَلَى عِبَادِكَ حَتْماً مَقْضِيًّا

(٢٦٩)

فَأَخْرِجْنِي مِنْ قَبْرِي مُؤْتَزِراً كَفَنِي شَاهِراً سَيْفِي مُجَرِّداً قَنَاتِي مُلَبِّياً دَعْوَةَ الدَّاعِي فِي الحَاضِرِ وَالبَادِي.
اللَّهُمَّ أَرِنِي الطَّلْعَةَ الرَّشِيدَةَ وَالغُرَّةَ الحَمِيدَةَ، وَاكْحُلْ نَاظِرِي بِنَظْرَةٍ مِنِّي إِلَيْهِ، وَعَجِّلْ فَرَجَهُ، وَسَهِّلْ مَخْرَجَهُ، وَأَوْسِعْ مَنْهَجَهُ، وَاسْلُكْ بِي مَحَجَّتَهُ، وَأَنْفِذْ أَمْرَهُ، وَاشْدُدْ أَزْرَهُ، وَاعْمُرِ اللَّهُمَّ بِهِ بِلَادَكَ، وَأَحْيِ بِه عِبَادَكَ، فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الحَقُّ: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم: 41].
فَأَظْهِرِ اللَّهُمَّ لَنا وَلِيَّكَ وَابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكَ المُسَمَّى بِاسْمِ رَسُولِكَ حَتَّى لَا يَظْفَرَ بِشَيْءٍ مِنَ البَاطِلِ إِلَّا مَزَّقَهُ، وَيَحِقَّ الحَقَّ وَيُحَقِّقَهُ.
وَاجْعَلْهُ اللَّهُمَّ مَفْزَعاً لِمَظْلُومِ عِبَادِكَ، وَنَاصِراً لِمْن لَا يَجِدُ لَهُ نَاصِراً غَيْرَكَ، وَمُجَدِّداً لِما عُطِّلَ مِنْ أَحْكَامِ كِتَابِكَ، وَمُشَيِّداً لِمَا وَرَدَ مِنْ أَعْلَامِ دِينِكَ وَسُنَنِ نَبِيِّكَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَاجْعَلْهُ اللَّهُمَّ مِمَّنْ حَصَّنْتَهُ مِنْ بَأْسِ المُعْتَدِينَ.
اللَّهُمَّ وَسُرَّ نَبِيِّكَ مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بِرُؤْيَتِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى دَعْوَتِهِ، وَارْحَم اسْتِكانَتَنا بَعْدَهُ.
اللَّهُمَّ اكْشِفْ هَذِهِ الغُمَّةَ عَنْ هَذِهِ الَأُمَّةِ بِحُضُورِهِ، وَعَجِّلْ لَنا ظُهُورَهُ، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً، وَنَرَاهُ قَرِيباً، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ».
ثمّ تضرب على فخذك الأيمن بيدك ثلاث مرَّات وتقول كلَّ مرَّة:
«العَجَلَ العَجَلَ، يَا مَوْلَايَ يَا صَاحِبَ الزَّمانِ»(173).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(173) مفاتيح الجنان (ص 775 - 777)، ورواه ابن المهشدي (رحمه الله) في المزار الكبير (ص 663 - 666)، وابن طاوس (رحمه الله) في مصباح الزائر (ص 454 - 456)، والكفعمي (رحمه الله) في مصباح الزائر (ص 550 - 552).

(٢٧٠)

المصادر والمراجع

1 - القرآن الكريم.
2 - إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: الحرُّ العاملي/ ط 1/ 1425هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
3 - أجوبة المسائل العشرة (پاسخ به ده پرسش): الشيخ لطف الله الصافي الگلپايگاني/ ط 1/ مركز تنظيم ونشر آثار آية الله الصافي/ قم.
4 - الاحتجاج: أحمد بن عليٍّ الطبرسي/ تعليق وملاحظات: السيِّد محمّد باقر الخرسان/ 1386هـ/ دار النعمان/ النجف الأشرف.
5 - إحياء علوم الدِّين: أبو حامد الغزالي/ دار الكتاب العربي/ بيروت.
6 - الإرشاد: الشيخ المفيد/ تحقيق: مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام)/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
7 - الاعتقادات في دين الإماميَّة: الشيخ الصدوق/ تحقيق: عصام عبد السيِّد/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
8 - إعلام الورى بأعلام الهدى: الفضل بن الحسن الطبرسي/ ط 1/ 1417هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/ قم.
9 - الأمالي: الشيخ الصدوق/ ط 1/ 1417هـ/ مركز الطباعة والنشر في مؤسَّسة البعثة/ قم.
10 - الإمامة والتبصرة: ابن بابويه/ ط 1/ 1404هـ/ مدرسة الإمام الهادي (عليه السلام)/ قم.

(٢٧١)

11 - بحار الأنوار الجامعة لدُرَر أخبار الأئمَّة الأطهار: العلَّامة المجلسي/ تحقيق: يحيى العابدي الزنجاني وعبد الرحيم الربَّاني الشيرازي/ ط 2/ 1403هـ/ مؤسَّسة الوفاء/ بيروت.
12 - بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمّد (عليهم السلام): محمّد بن الحسن ابن فرُّوخ (الصفَّار)/ تصحيح وتعليق وتقديم: الحاجّ ميرزا حسن كوجه باغي/ 1404هـ/ منشورات الأعلمي/ طهران.
13 - البيان في أخبار صاحب الزمان المطبوع ضمن كفاية الطالب: محمّد ابن يوسف الكنجي الشافعي/ ط 2/ 1404هـ/ دار إحياء تراث أهل البيت (عليهم السلام)/ طهران.
14 - تاج المواليد في مواليد الأئمَّة ووفياتهم: الشيخ الطبرسي/ ط 1406هـ/ مكتبة آية الله المرعشي/ قم.
15 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: السيِّد شرف الدِّين عليّ الحسيني الأسترآبادي/ ط 1/ 1407هـ/ مدرسة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)/ قم.
16 - تفسير البرهان: السيِّد هاشم البحراني/ مؤسَّسة البعثة/ قم.
17 - تفسير الثعلبي (الكشف والبيان عن تفسير القرآن): الثعلبي/ تحقيق: أبو محمّد بن عاشور/ مراجعة وتدقيق: نظير الساعدي/ ط 1/ 1422هـ/ دار إحياء التراث العربي.
18 - تفسير الطبراني: الطبراني/ ط 1/ 2008م/ دار الكتاب الثقافي/ الأُردن.
19 - تفسير العيَّاشي: محمّد بن مسعود العيَّاشي/ تحقيق: السيِّد هاشم الرسولي المحلَّاتي/ المكتبة العلميَّة الإسلاميَّة/ طهران.

(٢٧٢)

20 - تفسير القمِّي: عليُّ بن إبراهيم القمِّي/ تصحيح وتعليق وتقديم: السيِّد طيِّب الموسوي الجزائري/ ط 3/ 1404هـ/ مؤسَّسة دار الكتاب/ قم.
21 - تفسير فرات الكوفي: فرات بن إبراهيم الكوفي/ تحقيق: محمّد الكاظم/ ط 1/ 1410هـ/ مؤسَّسة طبع ونشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي/ طهران.
22 - التمحيص: محمّد بن همَّام الإسكافي/ مدرسة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)/ قم المقدَّسة.
23 - تنبيه الخواطر (مجموعة ورَّام): ورَّام بن أبي فراس المالكي الأشتري/ ط 2/ 1368ش/ مطبعة حيدري/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.
24 - تهذيب الأحكام: الشيخ الطوسي/ تحقيق وتعليق: السيِّد حسن الموسوي الخرسان/ ط 3/ 1364هـ/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.
25 - الثاقب في المناقب: ابن حمزة الطوسي/ تحقيق: نبيل رضا علوان/ ط 2/ 1412هـ/ مؤسَّسة أنصاريان/ قم.
26 - ثواب الأعمال: الشيخ الصدوق/ تحقيق: محمّد مهدي الخرسان/ ط 2/ 1368ش/ مطبعة أمير/ منشورات الشريف الرضي/ قم.
27 - جامع الأسرار: السيِّد حيدر الآملي/ ط 2/ 1368ش/ شركت انتشارات علمى وفرهنگى وابسته به وزارت فرهنگ وآموزش عالى وانجمن ايرانشناسى فرانسه.
28 - جمال الأُسبوع: ابن طاوس/ تحقيق: جواد القيُّومي/ ط 1/ 1371ش/ مطبعة أختر شمال/ مؤسَّسة الآفاق.
29 - جنَّة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجَّة (عجَّل الله فرجه): ميرزا حسين النوري الطبرسي/ ط 1/ 1427هـ/ مؤسَّسة السيِّد المعصومة (عليها السلام)/ قم.

(٢٧٣)

30 - الخرائج والجرائح: قطب الدِّين الراوندي/ بإشراف: السيِّد محمّد باقر الموحِّد الأبطحي/ ط 1/ 1409هـ/ مؤسَّسة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)/ قم.
31 - الخصال: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ 1362ش/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
32 - الدُّرُّ المنثور في التفسير بالمأثور: جلال الدِّين السيوطي/ دار المعرفة/ بيروت.
33 - دلائل الإمامة: محمّد بن جرير الطبري الشيعي/ ط 1/ 1413هـ/ مؤسَّسة البعثة/ قم.
34 - دلائل النبوَّة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة: أحمد بن الحسين البيهقي/ وثَّق أُصوله وخرَّج حديثه وعلَّق عليه: عبد المعطي قلعجي/ ط 1/ 1405هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
35 - ديوان أمير المؤمنين (عليه السلام): حسين بن معين الدِّين الميبدي/ ترجمة: مصطفى زماني/ ط 1/ 1411هـ/ دار نداء الإسلام للنشر/ قم.
36 - روضة الواعظين: محمّد بن الفتَّال النيسابوري/ تقديم: السيِّد محمّد مهدي السيِّد حسن الخرسان/ منشورات الشريف الرضي/ قم.
37 - السلطان المفرِّج عن أهل الإيمان: السيِّد بهاء الدِّين عليٌّ النيلي النجفي/ ط 1/ 1426هـ/ دليل ما/ قم.
38 - سُنَن ابن ماجة: أبو عبد الله محمّد بن يزيد القزويني (ابن ماجة)/ تحقيق وترقيم وتعليق: محمّد فؤاد عبد الباقي/ دار الفكر/ بيروت.
39 - شرح الأخبار في فضائل الأئمَّة الأطهار: القاضي النعمان المغربي/ تحقيق: السيِّد محمّد الحسيني الجلالي/ ط 2/ 1414هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.

(٢٧٤)

40 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل: عبيد الله بن أحمد المعروف بالحاكم الحَسَكاني/ تحقيق: الشيخ محمّد باقر المحمودي/ ط 1/ 1411هـ/ مؤسَّسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي.
41 - صحيح ابن حبَّان بترتيب ابن بلبان: ابن حبَّان/ تحقيق: شعيب الأرنؤوط/ ط 2/ 1414هـ/ مؤسَّسة الرسالة.
42 - صحيح البخاري: محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي/ ط 2/ 1410هـ/ أوقاف مصر.
43 - العرف الوردي في أخبار المهدي: جلال الدِّين السيوطي/ ط 1/ 1427هـ/ المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميَّة/ طهران.
44 - عقد الدُّرَر: يوسف بن يحيى المقدسي/ انتشارات نصائح.
45 - علل الشرائع: الشيخ الصدوق/ تقديم: السيِّد محمّد صادق بحر العلوم/ 1385هـ/ منشورات المكتبة الحيدريَّة ومطبعتها/ النجف الأشرف.
46 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام): الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي/ 1404هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
47 - غُرَر الحِكَم ودُرَر الكلم: عبد الواحد الآمدي التميمي/ تحقيق وتصحيح: السيِّد مهدي الرجائي/ ط 2/ 1410هـ/ دار الكتاب الإسلامي/ قم.
48 - الغيبة: ابن أبي زينب النعماني/ تحقيق: فارس حسُّون كريم/ ط 1/ 1422هـ/ أنوار الهدى.
49 - الغيبة: الشيخ الطوسي/ تحقيق: عبد الله الطهراني وعليّ أحمد ناصح/ ط 1/ 1411هـ/ مطبعة بهمن/ مؤسَّسة المعارف الإسلاميَّة/ قم.
50 - الفتن: أبو عبد الله نعيم بن حمَّاد المروزي/ تحقيق وتقديم: سهيل زكار/ 1414هـ/ دار الفكر/ بيروت.

(٢٧٥)

51 - فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين: إبراهيم بن محمّد الجويني الخراساني/ ط 1/ 1400هـ/ مؤسَّسة المحمودي/ بيروت.
52 - فرج المهموم: ابن طاوس/ 1363ش/ مطبعة أمير/ منشورات الشريف الرضي/ قم.
53 - الفصول المهمَّة في معرفة الأئمَّة: عليُّ بن محمّد أحمد المالكي المكّي (ابن الصبَّاغ)/ تحقيق: سامي الغريري/ ط 1/ 1422هـ/ دار الحديث/ قم.
54 - القول المختصر في علامات المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه): أحمد بن حجر الهيتمي المكّي/ ط 1/ 1428هـ/ دار التقوى/ دمشق.
55 - الكافي: الشيخ الكليني/ تحقيق: عليّ أكبر الغفاري/ ط 5/ 1363ش/ مطبعة حيدري/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.
56 - كامل الزيارات: جعفر بن محمّد بن قولويه/ تحقيق: الشيخ جواد القيُّومي/ ط 1/ 1417هـ/ مؤسَّسة نشر الفقاهة.
57 - الكشَّاف عن حقائق غوامض التنزيل: جار الله الزمخشري/ 1385هـ/ شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده/ مصر.
58 - كشف الغمَّة في معرفة الأئمَّة: عليُّ بن أبي الفتح الإربلي/ ط 2/ 1405هـ/ دار الأضواء/ بيروت.
59 - كفاية الأثر في النصِّ على الأئمَّة الاثني عشر: أبو القاسم عليُّ بن محمّد الخزَّاز القمِّي الرازي/ تحقيق: السيِّد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي/ 1401هـ/ انتشارات بيدار.
60 - كمال الدِّين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ 1405هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.

(٢٧٦)

61 - الكمالات الروحيَّة عن طريق اللقاء بالإمام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه): السيِّد حسن الأبطحي/ ترجمة: إبراهيم رفاعة/ مؤسَّسة البلاغ.
62 - لسان الميزان: ابن حجر العسقلاني/ ط 2/ 1390هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
63 - اللقاء مع صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه): السيِّد حسن الأبطحي/ ترجمة: السيِّد هادي سليماني/ مؤسَّسة البلاغ/ بيروت.
64 - مثير الأحزان: محمّد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الله بن نما الحلِّي/ 1369هـ/ المطبعة الحيدريَّة/ النجف الأشرف.
65 - مجمع البيان في تفسير القرآن: أمين الإسلام أبو عليٍّ الفضل بن الحسن الطبرسي/ قدَّم له: السيِّد محسن الأمين العاملي/ ط 1/ 1415هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
66 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: عليُّ بن أبي بكر الهيثمي/ 1408هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
67 - المحاسن: أحمد بن محمّد بن خالد البرقي/ تصحيح وتعليق: السيِّد جلال الدِّين الحسيني المحدِّث/ 1370هـ/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.
68 - المزار الكبير: محمّد بن جعفر المشهدي/ تحقيق: جواد القيُّومي الأصفهاني/ ط 1/ 1919هـ/ نشر القيُّوم/ قم.
69 - المزار: الشهيد الأوَّل/ ط 1/ 1410هـ/ مطبعة أمير/ مؤسَّسة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)/ قم.
70 - مستدرك سفينة البحار: الشيخ عليٌّ النمازي الشاهرودي/ تحقيق وتصحيح: الشيخ حسن بن عليٍّ النمازي/ 1418هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.

(٢٧٧)

71 - المستدرك على الصحيحين: أبو عبد الله الحاكم النيسابوري/ إشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي.
72 - مسند أبي داود: سليمان بن داود الطيالسي/ دار المعرفة/ بيروت.
73 - مسند أبي يعلى: إسماعيل بن محمّد بن الفضل التميمي (أبو يعلى الموصلي)/ تحقيق: حسين سليم أسد/ دار المأمون للتراث.
74 - مسند أحمد: أحمد بن حنبل/ تحقيق عدَّة محقِّقين/ ط 1/ 1416هـ/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت.
75 - مشكاة الأنوار: عليٌّ الطبرسي/ تحقيق: مهدي هوشمند/ ط 1/ 1418هـ/ دار الحديث.
76 - مصباح الزائر: السيِّد عليُّ بن موسى بن طاوس/ ط 1/ 1417هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/ قم.
77 - مصباح المتهجِّد: الشيخ الطوسي/ ط 1/ 1411هـ/ مؤسَّسة فقه الشيعة/ بيروت.
78 - المصباح: الكفعمي/ ط 3/ 1403هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
79 - المصنَّف: أبو بكر عبد الرزَّاق بن همَّام الصنعاني/ عُني بتحقيق نصوصه وتخريج أحاديثه والتعليق عليه: حبيب الرحمن الأعظمي.
80 - معاني الأخبار: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ 1379هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
81 - المعجم الأوسط: سليمان بن أحمد الطبراني/ 1415هـ/ دار الحرمين.

(٢٧٨)

82 - المعجم الكبير: سليمان بن أحمد الطبراني/ تحقيق وتخريج: حمدي عبد المجيد السلفي/ ط 2/ دار إحياء التراث العربي.
83 - معراج الروح: السيِّد حسن الأبطحي/ ترجمة: إبراهيم رفاعة/ ط 2/ 1413هـ/ دار البلاغة/ بيروت.
84 - مفاتيح الجنان: الشيخ عبَّاس القمِّي/ ط 3/ 2006م/ مكتبة العزيزي/ قم.
85 - الملاحم: أحمد بن جعفر بن محمّد المعروف بـ (ابن المنادي)/ تحقيق: عبد الكريم العقيلي/ ط 1/ 1418هـ/ مطبعة أمير/ دار السيرة/ قم.
86 - الملهوف على قتلى الطفوف: السيِّد عليُّ بن طاوس/ ط 1/ 1417هـ/ أنوار الهدى/ قم.
87 - من لا يحضره الفقيه: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ ط 2/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
88 - مناقب آل أبي طالب: ابن شهرآشوب/ 1376هـ/ المكتبة الحيدريَّة/ النجف الأشرف.
89 - النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجَّة الغائب (عجَّل الله فرجه): ميرزا حسين الطبرسي النوري/ تقديم وترجمة وتحقيق وتعليق: السيِّد ياسين الموسوي/ ط 1/ 1415هـ/ أنوار الهدى.
90 - نهج البيان عن كشف معاني القرآن: محمّد بن الحسن الشيباني/ تحقيق: حسين درگاهي/ ط 1/ 1413هـ/ نشر الهادي/ قم.
91 - نور الأبصار في مناقب آل بيت النبيِّ المختار (صلّى الله عليه وآله وسلّم): مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي/ الرضي/ قم.
92 - الهداية في الأُصول والفروع: الشيخ الصدوق/ ط 1/ 1418هـ/ مطبعة اعتماد/ مؤسَّسة الإمام الهادي (عليه السلام).

(٢٧٩)

93 - ينابيع المودَّة لذوي القربى: سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي/ تحقيق: السيِّد عليّ جمال أشرف الحسيني/ ط 1/ 1416هـ/ دار الأُسوة.

* * *

(٢٨٠)