الاغتراب.. داء ثقافةٍ أم هزيمة مثقف؟؟
الاغتراب.. ماذا يعني في مفهوم الرشد الثقافي ومتطلبات المعرفة الناضجة؟
هل هو افراز لعولمة الفكر والثقافة، أم هو ردة فعل لها.. هل هو البديل الثــقـافـي لـلـعـولـمـة الفكرية أم محنة انسانية أخرى؟
على ما يبدو أن الاغتراب هو حالة الانكماش أو التقوقع أو فقل: هي حالة الارتضاع من ثقافات الآخر، وإذا كانت العولمة هي حالة الانفتاح وكسر الحواجز، فإن الاغتراب هو حالة من حالات الموت الفكري الذي لا يسمح للثقافة الحية أن تنمو وتترعرع في هذه الأجواء الموبوءة..
بعض مثقفينا ـ هداهم الله ـ استمزجوا ثقافة الأصل بالثقافة الوليدة لظروف المهجر واستشعروا أنهم قُطعوا من أصولهم واجتثوا من فوق أرض الوطن فما لهم من قرار.. وإذا كانت العولمة تفتح نوافذها على الجميع ـ بغض النظر عن دواعي هذا الانفتاح ـ فإن الاغتراب خانقٌ للثقافات الأخرى مميت لها، وعلى هذا الأساس فإن العولمة لعلها (أرحم) من الاغتراب القاتل.. هذه الرسالة تستوحي مفاهيمها من مهجر الاغتراب حين يهاجر الجسد وتبقى الروح مثقلة بطموحات العيش على الفُتات الثقافي للآخر ومنه تُلغى كل متبنيات ثقافة الأم وتُحال إلى تهميشات لا تجد حتى مكاناً لها من بين أولئك الذين غبطونا على معالم فكرنا الرشيد.. القضية المهدوية احدى الخسائر التي يقدمها هؤلاء المغتربون بثقافاتهم وأحاسيسهم ووجدانهم، وقد يتخيل أننا نقصد بالاغتراب هو الجلوس على القمم الجليدية الأوربية فقط، بل الاغتراب ـ وأخطر الاغتراب ـ أن يعيش المثقف في بلده مغترباً عن كل عطاءات وطنه الثقافية وأصوله الفكرية ليقتطع روحه من أصولها الثابتة ويعيش هائماً في مهب الريح.. وإلا ما الذي قدمه مثقفو الداخل قبل مثقفي الخارج لقراءاتهم للثقافة المهدوية سوى التضبيب والتهميش والانهزام من مسؤولية البحث والمشاركة، وهذه أعتى حالات الاغتراب، بل الضياع في وطن المهدي وثقافة الانتظار..
السيد محمد علي الحلو
رئيس التحرير