قصة قصيرة
خطوات هادئة
السيد طارق الصافي
الحوزة العلمية / النجف الأشرف
ودّعت الشمس نهارها، فأرخى الليل سدوله لينثر لآليء نجومه على أديم السماء، كي تكون آية تحكي عظمة الله في خلقه، أجال (منتظر) نظره فيها مرة وفي أركان مسجد السهلة أخرى، كأنه أراد أن يوجد علاقة ما بينهما وبين ما يجول في خاطره من أفكار ورؤى... وضعت يدي على كتفه، فلم تبدر منه حركة مفاجئة، كرد فعل طبيعي، بل أدار لي وجهه الذي لا تفارقه الإبتسامة ممسكاً يدي وضاغطاً على أصابعي بشدة لا تتناسب مع ما يرتسم على شفتيه. سألني موقناً ان ردي سيكون بالإيجاب.
ـ هذه ليلتك الأربعون؟
ـ نعم.
ـ وماذا بعد؟
ـ ماذا تقصد؟
ـ أنت تدري.
ـ وأنت كذلك، فلم السؤال؟
ـ كنت أرقبك طول تلك الفترة. وأنت تواظب على الصلاة كل ليلة أربعاء، لا لأن بيتي مجاور للمسجد فقط، بل لأنك صديقي الأعز والأغلى، كنت أعرف النتيجة مسبقاً. لكنني تركتك تكتشف بنفسك ما تكتشف، فالتجريبيات أقوى في كثير من الأحيان من النظريات.
وإلى ماذا تعتقد اني سأصل؟
ـ لا شيء، أتعرف لماذا؟ لأنك اتجهت إلى الخارج لا إلى داخلك، فتعاملت مع اشكال العبادات لا روحها وعلى ظاهر الدعاء لاباطنه، وعلى علاقاتك
مع الآخرين لا مع نفسك أو ربك.
ـ ولم تركتني أفعل ذلك؟
ـ لأنني أعرفك كما أعرف نفسي، فلن تستجيب لي ان دعوتك إلى غير ما تريد ان تقوم به.
ـ إذاً؟
ـ المسألة بسيطة، لنبدأ من البداية.
ـ من أين؟
ـ من حق الله عليك.
ـ وبعد.
ـ حق الإمام.
ـ وبعد.
ـ حق الناس.
ـ وبعد.
ـ حقك على نفسك.
ـ هل سأراه؟
ـ المهم أن يراك كما ينبغي أن يراك.
ـ أتدري انني لم أزر والدتي منذ شهر.
ـ فلتزرها الآن، واسألها الدعاء، فإن دعاء الأمهات لا يرد.
أحاط بيديه يدي وتحولت قبضته الشديدة إلى لمسة رقيقة، هدّأت اضطرابي وحولته إلى سكون يشبه اللحظات الأولى لدخولي المسجد في ليلة الأربعاء.