إقرار أعداء الإسلام ببنائيّة الانتظار
السيد أسد الله الهاشمي
إنّ انتظار ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في الحقيقة هو نواة الثورات الشيعية على طول تاريخ حياة الإسلام، وهذا أمرٌ بديهيّ ومفروغ منه، حتّى أقرّ ببنائيّة الانتظار مخالفو الإسلام، الشرقيّون والغربيّون رغم عنادهم ولجاجهم مع الإسلام والقرآن والمسلمين ومذهب التشيّع التربويّ، ورغم أنّهم لا يتحرّجون من كلّ كذب وافتراء واتّهام، لكنّهم يقولون بصراحة عن بنائيّة الانتظار ويعتبرونه من العقائد الثورية النادرة للتشيّع، وإليك أقوال بعضهم:
- يقول (بتروشفسكي) المؤرّخ والخبير في شؤون إيران في روسية في تبرير تأريخنا، وفق ضوابطهم الحزبية، مستعيناً بالمسخ والتحريف: (انتظارُ المهدي في عقيدة الناس كان له الأثر الكبير على الثورات التي حدثت في ايران في القرن الثالث عشر، ولكنْ في القرن الرابع عشر والخامس عشر ترسّخت هذه العقيدة أكثر وتوسّعت، وينقل ياقوت الحموي قصّة تربوية، يقول: ...يخرج أكابر مدينة كاشان كلّ يوم فجراً إلى أطراف المدينة بِفَرَس مُزَيَّن ومهيّأً لكي يركبه الإمام المهدي عليه السلامحين ظهوره، وكذلك في زمن حكومة (السربداران) في سبزوار، بحيث يقول (ميرخواند) في (روضة الصفا): يقودون في كلّ صباح ومساء فرساً لانتظار صاحب الزمان (عليه السلام)).
في عقيدتنا أنّ كلّ ما جهد السيد (بتروشفسكي) المؤرخ والخبير الروسي في شؤون ايران أنْ يقوله هو أساطير عملها أعداء التشيّع، وكان له اليد الطولى في تعليل هذه الخرافات، لكنْ عجباً له كيف لم يخطر بباله أنّ كلّ ما تقوّلوه يحكي عن أنّ اليقظة والاطّلاع والبصيرة والاستعداد والسعي هي حصيلةُ الانتظار الثوري للتشيّع، ومثل هذا الإقرار والاعتراف الصريح لا يتماشى مع نظرية أنّ (الدين أفيون الشعوب) وعامل الانحطاط والتخلّف، فلو تنبَّهوا لذلك لأعادوا النظر في مثل هذه التعابير الناطقة عن عقيدة الانتظار المنقِذة والمنشِّطة.
- و(جيمس دار مشتيتر) المستشرق الفرنسي، واللغوي المعروف، الذي حاله كحال الغربيين يحاول الطعن في أصالة الاعتقاد بظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بشدّة، فيقول: (يخرج كلّ يوم بعد صلاة العصر مائة فارس في الحلّة الواقعة قرب بغداد، شاهرين سيوفهم، ويقتادون من حاكم المدينة فرساً مزيَّناً ومهيّأً و... وينادون: نقسم عليك بالله يا صاحب الزمان، نقسم عليك بالله إلّا ما ظهرت.
...والصفوية وإنْ كانوا سادة ومن أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يعتبرون أنفسهم نوّاب الإمام وحكّاماً موقَّتين آنيّين ويقدّمون الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) على أنفسهم. كان ملوك الصفوية يجهّزون فرسين مسرَجَيْن في قصرهم في أصفهان للإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
نقول: لا يهمّنا مدى حقّانية ما قاله هذا المستشرق واللغوي الفرنسي، ولكن كلامنا في أنّ المستشرق فهم جيّداً أنّ انتظارَ قيام قائم آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) هو قطبُ رحى المقاومة والاستقامة النادرة للشيعة أمام المستعمرين والمتسلّطين، لذا حذّر الأوربيّين المستعمرين الناهبين مِنْ: أنّ قوماً تربّوا على أحاسيس كهذه يمكن قتلهم لا تطويعهم.
نعم أيها القارئ العزيز، الانتظار في مذهب التشيّع ليس لفظاً أو قولاً، وليس توقّعاً فارغاً وأمنية مجرّدة، بل هو فكر وفعل، عمل وحركة، نضال وكفاح، سعي ومحاولة، صبر ومقاومة، جهاد وتضحية، لذا فهو مبدأ تمام الحركات والانتفاضات الإسلامية والثورات والكفاح الشعبي، من رحلة رسول الإسلام الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) وإلى يومنا هذا.
والحاصل: يتّضح مما ذكرنا أنّ:
الانتظار ليسَ مسكِّناً آنيّاً، بل هو نهضة دائمة على الظلم، وليس تصبُّراً، بل هو انتفاضة وتحرّك لإحقاق الحق وإزهاق الباطل.
الانتظارُ نوعُ ثورةِ تحوُّل، وتكامل هادف يحكي عن معنى، يحتِّم الدفاع الدائم عن الهدف، فهو ثروة روحية لتكامل وعلّو وحفظ الجوانب الإنسانية والأيدلوجية.
الانتظار عامل حركة، أسلحة قوية وقطّاعة لروح الموت، نجاة من العزلة، عامل للتحول.
وعلى هذا فكلّ انتظار خلاف هذا فهو للسفهاء عديمي الشخصية.
والآن ننظر من خلال دائرة (انتظار المنجي) إلى منتظِرِ الظهور الصّادق، أيَّ درجة نالَ من الرُّقي والكمال والتضحية والإيثار؟ وماذا يفعل في مسقط رأس إمامه المعصوم (عجّل الله فرجه) مدينة سامراء - الذي أمْرُهُ أوضح من الشمس في رابعة النهار -؟ وكيف يقف منادياً القائم، مجدّداً العهد معه للجهاد بين يديه بحماس وشوق وإيثار، قائلاً: (وأُشهدك يا مولاي، وهو عهدي إليك، فلو تطاولت الدهور، وتمادت الأعمار، لم أزدد فيك إلّا يقيناً، ولك إلّا حبّاً، وعليك إلّا متّكلاً ومعتمداً، ولظهورك إلّا متوقّعاً ومنتظراً، ولجهادي بين يديك مترقّباً، فأبذل نفسي ومالي وولدي وأهلي وجميع ما خوّلني ربي بين يديك، والتصرّف بين أمرك.
فهل رأيت حقّاً هذه العلاقة والحب والعاطفة والمودّة لأحدٍ من الأئمة العاديين غير المعصومين؟ يخاطب الإنسان بحرقة، صادقاً مخلصاً ومضطرباً، يناجي محبوبه ويبثّه من خلال إطار الانتظار المنقذ، يتململ من ألم الفراق والبعد، وينطق بشوق عن العهد والإيثار والانتظار والجهاد، معلناً استعداده، وكلّه أمل وشوق، ويستظل متألماً في ساحة محبوبة، فادياً نفسه لثورته العظيمة.
تالله هل سمعت كلاماً أكثر أملاً وتضرّعاً وأنيناً أحرّ من هذا؟
والآن أيّها المُطالع الرشيد، وفكّر مرّة أخرى بنظرة علميّة، لترى المدّعين كذباً كيف يفترون على دين الله، ويكيلون التّهم، ويقولون: إنّ انتظار فرج الإمام صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) سببُ الانحطاط والتخلُّف، بينما هذه التّهم والافتراءات أَليَقُ بساحة أصحابها القذرين مسوِّدي وجه التاريخ.