الحديث عن المهدوية
السيد عبد الله الغريفي
قالها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كلمةً صريحةً واضحة وضوح الشمس (الأئمة من بعدي اثنا عشر)، ولم تكن هذه الكلمة الصريحة الواضحة مقولة دوّنتها مصادر الشيعة فقط ليكونوا متهمين، وإنّما هي مقولة دونتها كل مصادر الحديث عند المسلمين.
تعددت الألفاظ والصياغات إلا أنّها جميعا تؤكد وجود نخبة متميزة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، هذه النخبة المتميزة عددها أثنا عشر.
والسؤال هو من هم هؤلاء النخبة المتميزون بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟
ومن المؤسف جداً أنْ يكون هناك جدل بين المسلمين في تحديد هذه النخبة المتميزة.
لقد تاه المسلمون شرقاً وغرباً، ماذا يعني رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بوجود اثنى عشر؟
وفعلاً حاولت عملياً أنْ أستطلع تفسيراً مقنعاً مقبولاً لهذا النص فلم أعثر على شيء من هذا عند غيرنا من المسلمين.
قمت بعملية بحث دؤوب في الكثير من مصادر الحديث السنّية بكل شروحاتها لعلّي أجد تفسيراً مقنعاً مقبولاً فلم أتوفق إلى ذلك. وما عثرت عليه هو مجموعة محاولات مرتبكة ومشوشة ومن النماذج المرتبكة لهذا الحديث اذكر نموذجان:
النموذج الأول: محاولة ابن العربي في شرحه على (سنن الترمدي) حيث حاول أنْ يشرح هذا الحديث فأخذ يعدد، فقال نبدأ، فعددنا بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أثنى عشر أميراً فوجدنا أبا بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن ومعاوية ويزيد ومعاوية بن يزيد ومروان وعبد الملك بن مروان، وأستمر يعدد أسماء الأمويين والعباسيين ثم قال: إذن يظهر أنّ الحديث ليس واضحاً بعد أنْ عدّد أعداداً كبيرة، إذن الحديث غير واضح لأنّ الرسول يقول (اثنا عشر) ونحن عددنا ما يقرب من أربعين إلى خمسين.
النموذج الثاني: محاولة جلال الدين السيوطي حيث قال وهو يشرح هذا الحديث وقد عد من الاثني عشر الخلفاء الأربعة والحسن, ومعاوية, وابن الزبير, وعمر بن عبد العزيز, هؤلاء ثمانية وكذلك الطاهر والظاهر لما أوتيا من العدل وبقي الاثنان المنتظران، أحدهما المهدي، لأنّه من آل بيت محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) وبقي واحد لم يقدر أن يصل إليه.
وأنا لا أدري لماذا هذا التكلّف؟!
ولماذا هذا التيهان في تفسير حديث لا يمكن أنْ نجد له تفسيراً واضحاً إلا من خلال مقولة الأئمة الاثني عشر من آل بيت محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، هذا إذا قلنا إنّ الحديث بقي هكذا عائماً ونحن لا يمكن أنْ نتعقّل أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يحدّث المسلمين جميعاً عن وجود اثني عشر إماماً بعده ويحثّ الأمّة على التمسّك بهم، ويقول إنّ بقاء الدين وعز الدين بوجود هؤلاء الاثني عشر، ثم يترك هذا العنوان عائماً ضبابياً غائماً لا يبيّنه، هذا أمر لا يمكن أنْ نتعقّله أو نقبله، لكن لو سلمنا أنّ هذا الحديث بقي على ضبابيته غموضه فإننا لا نجد له تفسيراً واضحاً إلّا في الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام)، ولكننا مع ذلك نؤكد أنّه قد وردت الأحاديث الواضحة الصريحة في تحديد ذلك وفي تطبيقه على الأئمة من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، أذكر لكم هذا الحديث وقد رواه بعض مصادر كتب الحديث السنيّة كالحمويني الشافعي في (فرائد السمطين) يقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي أثنا عشر أولهم أخي وآخرهم ولدي قيل يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ومن أخوك؟ قال (صلّى الله عليه وآله وسلم) علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قالوا فمن ولدك؟ قال المهدي (عليه السلام) الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، إذن نحن عندنا أدلة على سلسلة طاهرة مباركة مشكلة من اثني عشر حلقة، الحلقة الأخيرة من هذه السلسة المباركة وهو الإمام المهدي عليه السلام من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم).
متى بدأت إمامته (عجّل الله فرجه)؟
لقد كانت بعد وفاة أبيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في الثامن من شهر ربيع الأول سنة ٢٦٠هـ، ومن الضروري أيها الأحبة أنْ نعطي لهذا اليوم اهتماماً يتناسب مع قيمته الكبيرة جداً. ولنعلم أنّ في حياة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ثلاث محطات مهمة جداً هي: محطة الولادة يوم ولد قائم آل محمد (عجّل الله فرجه)، ومحطة الإمامة.
ومحطة الظهور، أمّا المحطة الأخيرة وهي محطة الظهور فهي محطة في المستقبل ونحن ننتظرها بكل عشق، فنسأل الله أنْ نكون ممن يحتفلون بظهور الإمام (عجّل الله فرجه) حينما يظهر.
أمّا المحطة الأولى وهي محطة الولاة، وقد اعتدنا دائماً واعتاد الشيعة أنْ يحتفلوا بولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
بقيت المحطة الثالثة وهي: يوم إمامته فلم نعتد أنْ نحتفل بها وهو يوم جدير بالاهتمام إذا كان الاهتمام بيوم الولادة مسألة مهمة جديرة بالاهتمام، فإنّ يوم الإمامة أهم من يوم الولادة فلماذا لا نحتفل بيوم إمامته وهو يوم الإمامة الخاتمة، فإذا كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يمثل النبوة الخاتمة فإمامة الإمام القائم (عجّل الله فرجه) تمثل الإمامة الخاتمة، هناك النبوة الخاتمة وهنا الإمامة الخاتمة فلماذا لا نحتفل بيوم الإمامة الخاتمة وهو يوم عظيم يجب أنْ يعيش في كل وجداننا وفي عمق مشاعرنا أنّ يوم إمامته (عجّل الله فرجه) يحمل من القيمة ما هو أكبر، فلماذا لا نحتفل بيوم إمامته فإذا كان يوم الغدير هو يوم التأسيس لخط الإمامة فإن يوم الإمامة في حياة المنتظر (عجّل الله فرجه) هو يوم الإمامة الخاتمة، فيجب أنْ يكون لهذا اليوم خصوصيته في حياتنا ويجب أنْ يكون لهذا اليوم أهميته في توجهاتنا إننا بحاجة لأنْ نعطي للإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) حضوره في كل واقعنا وأن نجعل الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) حاضراً في كل واقعنا، في واقعنا الثقافي والاجتماعي والسياسي، وفي كل وجودنا.
إذا استطاعت هذه الاحتفالات أنْ تعطي للإمام الحجة (عجّل الله فرجه) حضوره الحقيقي في حركة الأمّة وفي واقع الأمة فنحن المنتظرون الحقيقيون، وفي هذا الظرف المشحونة بالمتغيرات والمفاجئات يجب أنْ نعيش الاستنفار في علاقتنا بالإمام المنتظر فهو ليس حالةً نعيشها في داخلنا باعتبارنا شيعة يؤمنون بالإمام المنتظر (عجّل الله فرجه)، فالإمام المنتظر هو المشروع العالمي الذي ينتظره الكون بكامله، إنّه مشروع الدنيا، إنّه مشروع العالم، إنّه مشروع الكون الكبير، ونحن نعيش المرحلة الثانية من مراحل حركة الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه)، وقد قدّر له ثلاث مراحل رئيسة، المرحلة الأولى وقد انتهت بمرحلة الغيبة الصغرى، وفي هذه المرحلة كان الإمام يمارس دوره في علاقته بالأمة من خلال مجموعة سفراء عينهم الإمام وبوفاة السفير الرابع علي بن محمد السمري، سنة ٣٢٩هـ، انتهت مرحلة الغيبة الصغرى وانتهت مرحلة النيابة الخاصة ومرحلة السفارة، فمن ادعى النيابة الخاصة أو السفارة عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بعد هذا التاريخ فهو كذّاب مفتر وقد صدر اللعن المغلّظ عليه من قبل الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وهذا من مسلّمات المذهب.
والمرحلة الثانية في مشروع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هي مرحلة الغيبة الكبرى وقد بدأت هذه الغيبة بوفاة السفير الرابع سنة ٣٢٩هـ وما زالت، فإلى متى تستمر هذه المرحلة؟
علم ذلك عند الله حينما يأذن الله لوليه القائم بالظهور تنتهي المرحلة الثانية وهي مرحلة الغيبة الكبرى، وفي هذه المرحلة كيف يمارس الإمام (عجّل الله فرجه) دوره و قيادته للأمّة؟ الإمام يمارس دوره أو مشروعه في هذه المرحلة من خلال النيابة العامة وليس من خلال النيابة الخاصة.
فما معنى النيابة العامة؟
يعني ذلك أنّ الإمام عيّن نواباً عامين عنه وهم الفقهاء ولم يعيّن شخصاً بعينه وإنما طرح عنواناً عاماً ووضع له مواصفات معينة، فمن توفرت فيه هذه المواصفات فهو من نوّاب الإمام (عجّل الله فرجه) ويجب على الأمّة في هذه المرحلة أنْ ترتبط بالإمام الحجة من خلال الارتباط بنوابه، إذن نحن الآن في مرحلة قيادة الفقهاء ويجب علينا أنْ نرتبط بهذه القيادة، وأنّ نفهم جيداً أية قيادة لا يمكن تمارس دورها في مشروع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) إلّا القيادة الفقهائية ضمن المواصفات وضمن الشروط.
وتبقى المرحلة الثالثة في مشروع الإمام (عجّل الله فرجه) وهي المرحلة التي ننتظرها وهي مرحلة الظهور ومرحلة قيام الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فكيف يظهر؟ نريد أنْ نقول إنّ المرحلة الأخيرة هي المرحلة التي نستشرفها وهي المرحلة التي ننتظرها، وهي المرحلة التي نترقّبها، ومسؤوليتنا أنْ نعد أنفسنا لهذه المرحلة، أنْ نعدّ أنفسنا فكرياً وثقافياً لمرحلة الظهور، أنْ نعد أنفسنا روحياً وأخلاقياً، أنْ نعد أنفسنا عملياً على مستوى التقوى، وعلى مستوى الورع، وعلى مستوى الالتزام لنكون بمستوى الاستعداد لمرحلة الإمام فهو (عجّل الله فرجه) ينتظر منّا أنْ نكون الأنصار، ولن نكون أنصاراً حقيقيين له إذا لم نجسّد الإسلام حقيقةً في واقعنا في سلوكنا في قيمنا في أسرنا في كل وجودنا أما إذا كنا نعيش الاسترخاء والنوم والاستهلاك والانحراف والضياع والابتعاد والكسل ثم نقول اللهم عجّل فرجه فان هذا دعاء لا يستجاب، وإنّ الذين يدعون بتعجيل الفرج ويدعون لظهور الإمام حقيقةً هم الذين يعدّون أنفسهم إعداداً حقيقياً، فإذا أردت أيها الإنسان أنْ تكون من أنصار الإمام فعدّ نفسك، كن مجاهداً، إذا استطعنا أنْ نمارس دورنا، وكل حسب قدراته وكل حسب مستواه، كأنْ يكون المثقف الكبير يمارس دوره الثقافي الكبير، وقد يكون المثقف الصغير، يمارس دوره الثقافي الصغير قد يكون الإنسان العامي يمارس دوره في كلمة الحق و في الأمر بالمعروف و في النهي عن المنكر المهم، إذا أردت أنْ تعدّ نفسك إعداداً حقيقياً لظهور الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) فابدأ تجربة التصدّي.