الصفحة الرئيسية » البحوث والمقالات المهدوية » (٦٦٦) مقدمة في علم نفس الغَيْبَة
 البحوث والمقالات المهدوية

المقالات (٦٦٦) مقدمة في علم نفس الغَيْبَة

القسم القسم: البحوث والمقالات المهدوية الشخص الكاتب: الدكتور مشتاق العلي تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠٢١/٠٤/١٠ المشاهدات المشاهدات: ٤٥٣٨ التعليقات التعليقات: ٠

مقدمة في علم نفس الغَيْبَة

الدكتور مشتاق العلي

قدّمة في تطوّر علم النفس:
إنَّ تطوُّر العلوم وارتقاءها من طور إلى طور أمر طبيعيٌّ سُننيٌّ لا يختلف عليه اثنان؛ ذلك أنَّ التفكير لا يبقى على حاله، وطرائق معالجته وتوجيهه والخلوص إلى نتائج نهائية لا تثبت على سَمْتٍ واحدٍ، بل تتنوَّع بحسب تنوُّع الظروف الزمانية والمكانية التي يمرُّ بها الإنسان.
ولا ينفلت (علم النفس Pspchologp) عن هذا السبيل، بل يخضع لمعاييره وموازينه التي تُعَدُّ سُنَّة كونية.
فعلم النفس من العلوم القديمة التي خامرت أذهان العلماء منذ العصور السالفة التي انتظم فيها الفكر وتوجَّه الإنسان فيها إلى تنظيم حياته والمجالات التي تتعكَّز عليها، ويُؤشِّر مؤرِّخو العلوم أنَّ (علم النفس Pspchologp) كان من ضمن خانات الحقل الفلسفيِّ، إذ (ظلَّ الإنسان لقرون عديدة يُفكِّر في إجابة السؤال الذي شغل باله دائمًا وهو: من أنا ومن أكون؟ ولإجابة هذا السؤال حاول منذ القِدَم دراسة النفس الإنسانية، وبذلك تطوَّر تاريخ علم النفس مع تطوُّر العلوم المتعدِّدة التي انفصلت عن الفلسفة (أُمِّ العلوم) في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وأصبح ينتمي إلى مجموعة العلوم الإنسانية...، ويعنى علم النفس بدراسة أنواع السلوك الإنساني في جميع مراحل حياة الإنسان المختلفة في محاولة الكشف عن القوانين والمبادئ العامَّة التي تحكم السلوك وتُوجِّهه، والعمل على تنظيم هذه المبادئ في نظام معرفي متكامل) (١).
وأخذت العلوم بالاستقلال من سطوة الحقل الفلسفيِّ وتكوُّن بنيانها الخاصِّ في القرنين السابع والثامن عشر الميلاديين، ولكن الاستقلال الثابت لعلم النفس عن الفلسفة كان في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على يد الألماني ولهلم فونت (W.Wundt) (الذي يُعَدُّ الرائد لعلم النفس الحديث، والذي افتتح أوَّل مختبر لعلم النفس عام (١٨٧٩م) في جامعة لايبزك) (٢).
ولم يقف علم النفس عند حدود ما بُني عليه في مرحلة الريادة، بل تفرَّع إلى فروع عديدة بحسب تفرُّع الخانات المعرفية وسواها التي تُؤثِّر في السلوك وبنحو واسع بحيث يُشكِّل ظاهرة ملفتة.
ويُسوِّغ لنا هذا التطوُّر والانتقال من طور إلى طور أن نطرح فكرتنا في تأسيس خانة جديدة في مغمار الحقل النفسيِّ التي تعالج موضوعة مهمَّة من موضوعات السلوك الإنساني ببُعديه الفرديّ والجمعيّ.
التمهيد:
علم نفس الغيبة (المصطلح والمباني):
إذا كان (علم النفس Pspchologp) يُعرَّف بأنَّه: العلم الذي يدرس السلوك الإنساني (Human behavior) بطريقة علمية، وهدفه الوصول إلى المعرفة المنظِّمة للسلوك، والتي تعينه على فهم السلوك وضبطه والتنبُّؤ به (٣)، وإذا كان السلوك الإنساني: كلُّ الأفعال والنشاطات التي تصدر عن الفرد سواء أكانت ظاهرة أم غير ظاهرة (٤)، وإذا كان علم النفس-في الوقت نفسه- مقسَّمًا على علوم بحسب الحقل الذي يعتني به، من قبيل: علم نفس الشخصية، علم النفس الحربي، علم النفس التجاري، علم النفس الصناعي، علم النفس الجنائي، وغيرها، فإنَّ موضوع علاقة (الفرد) ب (الغَيْبَة) والتعالق الطردي بينهما يستحقُّ أن نفرد له علماً مستقلًّا يضاف إلى علوم النفس المتعدِّد، نقترح له مصطلحًا (علم نفس الغَيْبَة)؛ لتحقُّق مصاديق الفرضيات الثلاث السابقة فيه، إذا تناولنا فيه: دراسة السلوك الإنسانيّ في زمن الغيبة؛ بغية فهمه، وضبطه، والتنبُّؤ به، تمهيدًا للظهور المبارك.
بحيث: يكون موضوع هذا العلم المقترح: السلوك الإنسانيّ بلحاظ موضوع محدَّد وهو (الغَيبة)، وفيه ملامح معيَّنة، منها الظاهر كنشاطات الفرد الملحوظة من مثل النشاطات المخالفة للشريعة أو الموافقة لها، ومنها غير الظاهرة كالأفكار المنحرفة التي تُشوِّه الخطَّ المهدوي بالهواجس أو الاعتقادات، وكلُّ ما مرَّ سيكون حقلاً صالحاً لأن نراقب عن طريق السلوك الإنسانيّ على وفق مقاييس محدَّدة.
فضلاً عن كون (الغَيْبَة) ومتلازماتها ليست حكراً على المسلمين، بل هي مطلب إنسانيّ كونيّ يُعبَّر عنه بالأدبيات العامَّة ب (انتظار المُخلِّص)، وهذا كلُّه يُؤثِّر في السلوك قبل الغيبة وبعدها.
وفي ضوء ما ذكرنا يمكن الوقوف عند المحطّات الثلاث لتعريف (علم نفس الغَيْبَة) في ضوء المحطّات الثلاث ل (علم النفس العام ّGeneral Pspchology) التي عرضناها في التعريف المتقدِّم، وهي على النحو الآتي:

المبحث الأوَّل: محطَّة وصف السلوك لفهمه

وتتحدَّد بتعرُّف سلوك الإنسان قبل الغيبة وبعدها؛ لعلَّنا نفهم سبب قضاء الله بتحقُّق الغيبة التي تحتمل أنَّها كانت عقاباً جماعياً للبشرية؛ لأنَّها لم تنضبط بضوابط الشريعة السماوية، فحرم الله سبحانه وتعالى الأفراد جميعهم من حضور قائدهم حضوراً مادّياً؛ إذ أسهمت ذنوب البشر بغيبته.
فمن المعلوم أنَّ الله سبحانه وتعالى أرسل الرُّسُل والأنبياء (عليهم السلام) لغاية مفصلية لخَّصها قوله تعالى: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ﴾ (النساء: ١٦٥)؛ أي إنَّ الناس لم يُترَكوا على جهلهم، بل بعث الله سبحانه وتعالى من يُرشِدهم إلى الطريق الحقِّ، ولكنّ الناس مالوا عنهم وآذوا الرُّسُل والأنبياء (عليهم السلام) طيلة تاريخ البشرية، إلَّا البعض، وقد لخَّصت الآيات (١٦٣- ١٧١) من سورة النساء هذا الأمر كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً * وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً * رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً * لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً * يا أَيهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً * يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً﴾.
وقد أدّى هذا النفور عن الصراط القويم على مدى مسيرة تاريخ البشرية إلى تشويش بوصلة الاتِّجاه بالسلوك الإنسانيّ ممَّا جعلها تنحرف عن الجادَّة.
وقد شخَّص أهل البيت (عليهم السلام) مراحل ذلك الانحراف تشخيصاً دقيقاً في أحاديث كثيرة، لعلَّ أهمَّها الحديث التفصيلي الطويل المروي عن أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) الذي رواه الشيخ الصدوق (ت ٣٨١ ه) في كتابه (كمال الدين وتمام النعمة)، وسنذكره بكامله ونُخضِعه للتحليل لتكتمل الصورة في تحديد مراحل الانحراف التي حدَّدها أمير المؤمنين (عليه السلام) بأربع مراحل هي:
١- مرحلة تغييب القِيَم.
٢- مرحلة انقلاب القِيَم.
٣- مرحلة بناء قيمي جديد منحرف.
٤- مرحلة إظهار القِيَم الجديدة المنحرفة.
إذ روي عن النَّزال بن سبرة، قال: خطبنا أمير المؤَمنين عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فحمدَ اللهَ (عزَّ وجلَّ) وأثنى عليه وصلّى على مُحمَّدٍ وآلهِ، ثمَّ قال: «سَلُوني أيُّها النَّاسُ قَبْلَ أن تَفقِدُوني-ثلاثاً-»، فقامَ إليه صعصَعَةُ بن صُوحانَ، فقال: يا أمير المؤمنين، متى يخرجُ الدَّجّالُ؟
فقال لهُ عليٌّ (عليه السلام): «اقْعُدْ فَقَدْ سَمِعَ اللهُ كَلامَكَ وَعَلِمَ مَا أَرَدْتَ، وَاللهِ ما المسْؤَولُ عَنْهُ بِأَعلَمَ مِنَ السائِلِ، ولَكِنْ لِذَلكَ عَلامَاتٌ وَهَيئَاتٌ يَتْبَعُ بَعْضُها بَعضْاً كَحَذْوِ النَّعْلِ بالنَّعْلِ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْبَأْتُكَ بِهَا».
قَالَ: نَعَمْ، يا أَميرَ المؤَمنين. فَقالَ (عليه السلام): «احْفَظْ فَإِنَّ عَلاَمَةَ ذَلِكَ إَذَا أَمَاتَ النَّاسُ الصَّلاة، وَأَضَاعُوا الأَمانَةَ، وَاسْتَحَلّوا الكَذِبَ، وَأَكَلُوا الرِّبا، وَأَخَذُوا الرشا، وَشَيَّدُوا البُنْيانَ، وَبَاعُوا الدِّينَ بِالدُّنيا، وَاسْتَعمَلُوا السُّفَهَاءَ، وَشَاوَرُوا النِّسَاءَ، وَقَطَعُوا الأَرْحامَ، وَاتَّبَعوا الأَهْوَاءَ، وَاسْتَخَفُّوا بِالدِّمَاءِ، وَكَانَ الحِلْمُ ضَعْفَاً، وَالظُّلْمُ فَخْراً، وَكَانَتْ الأُمراءُ فَجَرَةً، وَالوزَراءُ ظَلَمَةً، وَالعُرَفاءُ خَوَنَةً، وَالقُرَّاءُ فَسَقَةً، وَظَهَرَت شَهادَةُ الزُّورِ، وَاستُعْلِنَ الفُجُورُ، وَقَوْلُ البُهْتانِ، وَالإثمُ وَالطُّغْيانُ، وَحُلِّيَتِ المَصاحِفُ، وَزُخْرِفَتُ المَسَاجِدُ، وَطُوِّلَتِ المَنارَاتُ، وَأُكْرِمَتِ الأَشْرَارُ، وَازْدَحمتْ الصُّفُوفُ، وَاخْتَلَفَتِ القُلُوبُ، وَنُقِضَتِ العُهُودُ، وَاقْتَرَبَ المَوعُودُ، وَشَارَكَ النِّساءُ أَزْواجَهُنَّ في التِّجارَةِ حِرصاً على الدُّنيا، وَعَلَتْ أصْواتُ الفُسَّاقِ وَاسْتُمِعَ مِنْهُم، وَكَانَ زَعِيمُ القَوْمِ أرْذَلَهُمْ، وَاتُّقِيَ الفَاجِرُ مَخافَةَ شَرِّهِ، وَصُدِّق الكَاذِبُ، وَائْتُمِنَ الخائِنُ، وَاتُّخِذَتِ القِيَانُ والمَعَازِفُ، وَلَعَنَ آخِرُ هذِهِ الأُمَّةِ أَوَّلها، وَرَكَبَ ذَوَاتُ الفُرُوجِ السُّرُوجَ، وَتَشَبَّهَ النِّساءُ بِالرِّجَالِ، وَالرِّجَالُ بِالنِساءِ، وَشَهِدَ الشَّاهِدُ مِنْ غَيرِ أنْ يُسْتَشْهَدَ، وَشَهِدَ الآخَرُ قَضَاءً لِذِمَامٍ بِغَيْرِ حَقٍّ عَرَفَهُ، وَتُفقِّهَ لِغَيْرِ الدِّينِ، وَآثَرُوا عَمَلَ الدُّنيا على الآخِرَةِ، وَلَبِسُوا جُلُودَ الضَّأنِ عَلَى قُلُوبِ الذِّئَابِ وَقُلُوبُهُمْ أَنْتَنُ مِنَ الجِيَفِ وَأَمَرُّ مِنَ الصَبْرِ» (٥).
لقد بنى الإمام (عليه السلام) توصيفه لسلوك الجماعة البشرية على أُسلوب الشرط المصدَّر بالأداة (إذا) (٦) بقوله في صدر التوصيف: «إَذَا أَمَاتَ النَّاسُ الصَّلاة ...» إلى آخر الحديث، ومن المعلوم أن أُسلوب الشرط مبنيٌّ على التلازم، فنتيجته مقرونة بقيام السبب، والعكس صحيح.
ويمكن تقديم مخطَّط للمراحل الأربع الخاصَّة بتوصيف انحراف سلوك الجماعة البشرية بحسب منظار الإمام (عليه السلام) على النحو الآتي:

www.m-mahdi.com

www.m-mahdi.com

www.m-mahdi.com

لذا أدّى هذا النفور الجماعي- إلَّا القلَّة القليلة منهم ممَّن يُوصَفون بالمؤمنين- إلى أن سحب الله سبحانه وتعالى منهم الموكَّلين بالتبليغ المباشر ممَّن يرتبطون بالوحي؛ ليُشعِرهم بقيمة ما فقدوا وبشاعة ما ارتكبوا، وهو ما يُعرَف بأدبيات علم النفس ب (الحرمان) الذي ينتمي إلى (العقاب) الذي يُعرَّف بأنَّه إخضاع الفرد إلى نوع من العقاب إثر قيامه بسلوك معيَّن، فكلَّما نال الفرد عقاباً نفسياً أو جسدياً نتيجة قيامه بسلوك غير صحيح مثل اعتدائه على الآخرين كفَّ عن ذلك السلوك العدواني، ومن أساليب العقاب: اللوم الصريح والتوبيخ، والتهديد، والوعيد، والحرمان (٧).
بمعنى: أنَّ سلسلة التبليغ الرسالي على مدى تاريخ البشرية عن طريق الأنبياء والرُّسُل لم يُجدِ نفعاً مع كثير من الخلق، بل عملوا على معاداة هذا الخطِّ الإصلاحيِّ، فاستحقّوا بذلك عقوبة (الحرمان)، فتسبَّبوا بمشكلة كبيرة للكون تتمثَّل ب (غيبة القائد الإلهيِّ) الذي يرعى مصالح البشرية، ويُوجِّههم نحو الصراط القويم بما يُحقِّق الرفاهية والعدالة الاجتماعية.

المبحث الثاني: محطَّة ضبط السلوك

وتتحدَّد بطرائق تعديل السلوك الإنساني التي تعمل على فرز السلوكيات السلبية (الإفراط السلوكي) وتعزيز السلوكيات الإيجابية التي لم تتَّصف بالتكرار والثبات في شخصية الفرد، فكانت بذلك (عيوباً سلوكية)؛ لتذبذب حضورها في تعاملات الأفراد اليومية، ويمكن تحديد هذه الطرائق بالآتي:
١- ستراتيجية الانتظار، وهي عقاب سلبيٌّ: يتمثَّل باستبعاد شيء سارٍّ للفرد أو حرمانه منه نتيجة صدور سلوك غير مرغوب به من الفرد المحروم، من قبيل تغييب الإمام الحجَّة (عليه السلام) عن البشرية (٨).
ويؤدّي هذا العقاب إلى بحث المُعاقَب عن رفع موانع إعادة ما تمَّ استبعاده عنه؛ ليستعيده، لذا وضع أهل البيت (عليهم السلام) سلسلة من المطالب التي تعمل على إعادة ما فقدته البشرية إن تمَّ العمل على حيازتها والعمل بها، وهو ما يقارب طريقة (التعاقد السلوكي) التي تعني في أجلى صورها: الاتِّفاق على بنود معيَّنة بين طرفين؛ لتحقيق غاية منشودة، وتتضمَّن شروط جزائية في الحقوق والواجبات (٩).
وقد ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) روايات كثيرة فصَّلت بنود هذه الاتِّفاقية التي ينبغي أن يعقدها الإنسان المُنتظِر مع إمامه الغائب (عليه السلام)؛ لئلَّا تكون المطالب الخاصَّة بتعجيل فرجه الشريف غائبة عن الناس، فتغيب معها طرائق الإصلاح.
ومن ذلك ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «للقائم منّا غيبة أمدها طويل، كأنّي بالشيعة يجولون جولان النِّعَم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألَا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقسُ قلبه لطول غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة» (١٠).
إذ وضَّح هذا الحديث بندين من التعاقد السلوكي الذي يضمن للإنسان المنتظر صوابية السلوك وإسهامه في تعجيل الفرج، وهما:
- الثبات على الدين.
- رقَّة القلب في الغيبة.
لكن من يتَّصفون بهذين البندين هم من القلَّة، وهذا منطق طبيعيٌّ؛ لأنَّ المتقنين والمتميَّزين في شتّى المجالات هم القلَّة حتماً، لذا ورد عن الرسول الكريم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ما نصُّه: «إنَّ عليًّا وصيّي، ومن ولده القائم المنتظر المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً، والذي بعثني بالحقِّ بشيراً ونذيراً إنَّ الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته لأعزّ من الكبريت الأحمر» (١١).
فالبند الثالث الذي يمكن أن يضاف على التعاقد السلوكي الذي ألمحنا إليه، ذكره هذا الحديث وهو: الثبات على القول بإمامة الغائب (عليه السلام).
ولكن الثابتين على ذلك هم نادرون حتَّى وصفهم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ب (الكبريت الأحمر).
لذا صُنِّف الانتظار على صنفين:
- الانتظار السلبيّ، وهو الانتظار الذي يعمد فيه الإنسان على الانتظار بلا عمل ويتَّكئ على حصول الظهور المبارك بلا سعي، بحيث يكون الإنسان في هذه الحالة ناظراً إلى ظاهر الغيبة لا إلى وظيفتها، فالغيبة عامل تربية لإعادة الناس إلى رُشدهم، فمن لم يسعَ إلى تحقيق ذلك فهو مؤخِّر للإمام (عليه السلام).
- الانتظار الإيجابي، وهو الانتظار المطلوب الذي يعمل على تعجيل الفرج بالإسهام بتغيير ذاته ومن حوله من الجماعة البشرية، إعادة الذات والجماعة التي يحيى فيها ومعها إلى الصراط القويم.
٢- ستراتيجية الأُسوة، وهي ستراتيجية لتعديل السلوك وفقاً لسلوكيات (الأُنموذج) الذي يصدر عنه السلوك المرغوب، ويتمثَّل بالنبيِّ الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)؛ لتكون سِيَرهم المباركة بوصلةً لقيادة المحتذي بهم نحو الصلاح والتكامل (١٢).
وقد وضع المولى (جلَّ جلاله) تطبيقاً عملياً لهذه الإستراتيجية في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ (الأحزاب: ٢١).
ولم يكن الاقتداء به عصيّاً على المؤمنين؛ لئلَّا يكون مثالاً مستحيل التنفيذ، بل وردت شواهد كثيرة تُثبِت إمكانية السير على نهج هذه الأُسوة المباركة؛ إذ يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف قربه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «وكنت أتَّبعه اتِّباع الفصيل إثر أُمِّه يرفع لي كلَّ يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به» (١٣).
فما قدَّمه أمير المؤمنين (عليه السلام) يُعَدُّ دليلاً عمليّاً على إمكانية انتهاج منهج النبوَّة في حياتنا العملية، وهو مثال حيٌّ للتغيير المرغوب فيه الذي يحدث في سلوك الفرد نتيجة ملاحظته لسلوك الآخرين؛ إذ غالباً ما يتأثَّر سلوك الفرد بملاحظة سلوك الآخرين، فالإنسان يتعلَّم العديد من السلوكيات المقبولة؛ عبر ملاحظة الآخرين وتقليدهم القدوة (الأُنموذج) التي يلاحظونها (١٤).
والغاية من إيجاد هذه الإستراتيجية التربوية هي إحراز بنود التعاقد السلوكيّ الذي تحدَّثنا عنه في الإستراتيجية السابقة، فمن المؤكَّد أنَّ معرفة صفات الشيء حَرِيَّةٌ بتسهيل اتِّباعه بما يُحقِّق مفهوم القدوة (الأُنموذج)، بمعنى: أنَّ الإنسان الذي يريد الإسهام في التعجيل المبارك وإصلاح حال الجماعة البشرية بالظهور، فعليه أن يتحلّى بما تحلّى به النبيُّ الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم).
٣- ستراتيجية الابتلاء، وهي عقاب إيجابيٌّ؛ يتمثَّل بإخضاع الفرد لنوع من العقاب المباشر لقيامه بسلوك معيَّن من قبيل الكوارث الطبيعية العامَّة والمصائب الخاصَّة (١٥).
وتعتمد هذه الإستراتيجية على طرائق متعدِّدة لتحقيق الغاية منها في تصحيح السلوك المنحرف أو تقويمه بالنحو السليم، ومن ذلك طريقة (تكلفة الاستجابة) التي يُعرِّفها علماء النفس بأنَّها: الإجراء الذي يشتمل على فقدان الفرد لجزء ممَّا موجود لديه؛ نتيجةً لقيامه بسلوك غير مقبول، ممَّا سيُؤدّي إلى تقليل ذلك السلوك أو إيقافه (١٦).
وقد وردت تأكيدات تُلمِّح إلى هذا النوع من العلاجات في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) من قبيل الرواية التي رويت عن الإمام الصادق (عليه السلام) (١٧) ونصُّها: عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنَّ قدّام القائم علامات تكون من الله تعالى للمؤمنين»، قلت: فما هي جعلني الله فداك؟ قال: «ذاك قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ يعني المؤمنين قبل خروج القائم ﴿بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: ١٥٥]»، قال: «يبلوهم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم، والجوع بغلاء الأسعار، ونقص من الأموال بكساد التجارات وقلَّة الفضل، ونقص من الأنفس بالموت الذريع، ونقص من الثمرات قلَّة ريع ما يُزرَع وقلَّة بركات الثمرات، وبشِّر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم»، ثمّ قال لي: «يا محمّد، هذا تأويله، إنَّ الله تعالى يقول: ﴿وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: ٧]» (١٨).
فالابتلاء واضح هنا بكونه ستراتيجية لتصحيح السلوك، وتعتمد على (الفقدان لجزء ممَّا هو موجود عند البشر) وهو فقدان في مصادر مهمَّة تَمَسُّ حياة البشرية:
- الخوف = يُربِك الأمن النفسي.
- الجوع = يُربِك الأمن الغذائي.
- الفقر = يُربِك الأمن الاقتصادي.
- القتل = يُربِك الأمن الاجتماعي.
كلُّ هذه (الضغوطات = الابتلاءات) جاءت لغاية مزدوجة بحسب حال البشرية التي انقسمت على صنفين:
* صنف المنحرفين، وهم الكثرة.
* صنف المؤمنين، وهم القلَّة.
لذا جاءت هذه الطريقة في التربية لتحقيق:
- التنبيه على فضاعة ما يُمارَس من أعمال وهي موجَّهة إلى صنف المنحرفين؛ لتصحيح مسارهم.
- التدريب على العيش وسط الأزمات وهي موجَّهة إلى صنف المؤمنين؛ للارتقاء بنفسيتهم إلى أقصى ما يمكن.
فالابتلاء إذن ستراتيجية تربوية تعمل على توجيه الجماعة البشرية نحو إصلاح ما أفسدوه؛ ليستعيدوا ما فقدوه.
٤- ستراتيجية التمحيص، وهي ستراتيجية تمييز؛ أي التمييز بين السلوكيات المرغوبة وغير المرغوبة عن طريق ستراتيجية (النمذجة) المعبَّر عنها في الأدبيات الإسلاميَّة ب (الأُسوة) والتي تحدَّثنا عنها في ستراتيجية سابقة.
ويحتاج المؤمن في ظلِّ هذه الاستراتيجية إلى طرائق متعدِّدة لحفظ نفسه من الزلل في زمن الفتنة، ولعلَّ طريقة (ضبط الذات) مهمَّة جدّاً في تجاوز المؤمن لعقبات التمحيص التي تُعَدُّ في الواقع مشاكل اقتصادية أو صحّية أو سواها ممَّا تثير اضطرابات نفسية أو مشاكل تحتاج إلى دربة ومران على تجاوزها، وإعادة التوازن.
إذ يُعَدُّ أُسلوب (ضبط الذات) من الأساليب التي تُوفِّر الوقت والجهد على الفرد؛ لأنَّ الفرد نفسه هو المسؤول عن تطبيق الإجراءات التي تضبط سلوكه وتتحكَّم به، فهو ينبع من رغبة الفرد الشخصية في مراقبة نفسه والتحكُّم بسلوكه (١٩).
لذا نجد في الأحاديث والروايات التي تتحدَّث عن التمحيص أنَّها تربط النجاة بذات الإنسان، كما في الحديث الوارد عن النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «أمَا والله ليغيبنَّ إمامكم شيئاً من دهركم، ولتُمَحِّصَنَّ حتَّى يقال: مات، قُتِلَ، هلك بأيِّ وادٍ سلك؟ ولتدمعنَّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنَّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر، فلا ينجو إلَّا من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيَّده بروح منه...» (٢٠).
وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) حديث يُؤكِّد المضمون السابق، جاء فيه: «ويل لطغاة العرب من شرٍّ قد اقترب»، قلت: جُعلت فداك كم مع القائم من العرب؟ قال: «شيء يسير»، فقلت: والله إنَّ من يصف هذا الأمر منهم لكثير، فقال: «لا بدَّ للناس من أن يُمحَّصوا، ويُميَّزوا، ويُغربَلوا، ويخرج في الغربال خلق كثير» (٢١).
وتأتي ستراتيجية التمحيص وسيلة من وسائل تربية الإنسان، وتمرينه على تجاوز العقبات التي تُعَدُّ بمثابة الاختبار المنجّي للطالب من نكسة الفشل، والمضيفة إليه المعارف الجديدة التي تُمكِّنه من فهم الحياة بنحو أوضح، وتجعله قادراً على التعامل مع رخائها وشدَّتها باتِّزان انفعالي سليم.

المبحث الثالث: محطَّة التنبّؤ بالسلوك

ويتحدَّد بثبات السلوك الإيجابي وتحقُّق التمحيص وتشكُّل الجماعة المصلحة (الأُمَّة المعدودة- التي جاء فيها: ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ﴾ (هود: ٨)- التي بحضورها يتحدَّد إطفاء السلوكيات غير المرغوب بها بمقاييس عددية- أي عدَّة الأصحاب والأنصار وهي (٣١٣) للقادة و(١٠٠٠٠) للجيش- كما في الرواية التي يذكرها الشيخ النعماني في غيبته التي جاء فيها: «إذا أُذِنَ للإمام دعا الله باسمه العبراني فأُتيحت له صحابته الثلاثمائة وثلاثة عشر قزع كقزع الخريف، فهم أصحاب الألوية، منهم من يُفقَد من فراشه ليلاً فيصبح بمكَّة، ومنهم من يُرى يسير في السحاب نهاراً، يُعرَف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه»، قلت: جُعلت فداك أيُّهم أعظم إيماناً؟ قال: «الذي يسير في السحاب نهاراً، وهم المفقودون، وفيهم نزلت هذه الآية: ﴿...أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ...﴾ [البقرة: ١٤٨]» (٢٢).
بحيث يكون اجتياز هذه الأُمَّة للطرائق المذكورة بنسبة معيارية مقدَّرة تقديراً ربّانياً، تكون المكافأة الربّانية للبشرية جمعاء ببركة نجاحهم وتتمثَّل ب (الظهور المبارك).
وقد عُبِّر عن هذه الأُمَّة المعدودة بتعابير أُخرى في روايات أهل البيت (عليهم السلام) من قبيل (العصابة المرحومة) كما في الحديث الذي ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) الذي جاء فيه: «من سرَّه أن يكون من أصحاب القائم، فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدّوا وانتظروا!.. هنيئاً لكم أيَّتها العصابة المرحومة» (٢٣).
إذ يُقدِّم لنا هذا الحديث المبارك ملخَّصاً مهمّاً لما نحن بصدد الختام في الحديث عنه، أعني علم نفس الغيبة، إذ يُلخِّص الإمام (عليه السلام) هنا الآتي بيانه:
* قدَّم (التنبُّؤ بالسلوك) وهو الاستجابة للتعاقد السلوكي الذي عقده المولى جلَّت قدرته والبشرية بأنَّ من يلتزم ببنود الاتِّفاق سيُرفَع عنه الحظر برؤية الإمام (عليه السلام)، و(يُسِرُّ)- بحسب تعبير حديث الإمام الصادق (عليه السلام) المذكور آنفاً- هو أمر طبيعي أن يُسِرَّ ويُفرِحَ كل من تُرفع عنه ضغوط العقاب ويُكرَّم على اجتيازه سُنن الاختبار.
* تحصُّل ذلك التكريم والتفوّق بالاختبار حينما اجتاز ستراتيجيات (ضبط السلوك) التي عبَّر عنها الحديث ب (فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدّوا وانتظروا)، فلولا الانتظار والجدّ في العمل على تنفيذ بنود التعاقد السلوكيّ؛ لما استطاع الناجون أن يُسرّوا برؤية الإمام (عليه السلام)، والتشرُّف بالخدمة بين يديه المباركتين.
* بعد كلِّ ذلك استطاعت مجموعة بشرية أن تنال ذلك المقام الشريف وبحسب الأعداد المذكورة في الروايات المباركة؛ لتكون حقّاً (أُمَّة معدودة) امتازت- بحسب توصيف الحديث المبارك- ب (المرحومة)؛ لأنَّها اجتازت عقبات التمحيص لتُرفَع عنها مصاعب العذاب.
فالإيمان بقضيَّة الإمام (عليه السلام) والانصياع لأوامر المعصوم تجعل الإنسان يسلك سلوك المطمئن والواثق بما يُحقِّق (الطمأنينة النفسية) بعيداً عن الخوف والحزن والقلق والإحباط والاكتئاب وغيرها.
والإيمانُ بالغيبة يجعل سلوكَ المؤمنين يأخذ بهم منحى المراقبة والمحاسبة والابتعاد عن الأخطاء، على عكس الذي لا يؤمن بقضيَّة الغيبة فإنَّه يسلك منحى المتخبِّط الذي لا يعرف طريقه، فيشعر بالخوف والاضطراب وفقدان الرغبة في الحياة.
النتائج والتوصيات:
* النتائج: نخلص من هَدْي ما تقدَّم إلى ما يمكن أن نفيده من هذه الأُطروحة بالآتي بيانه:
١- قراءة الفكرة المهدوية من زوايا نظر مغايرة لزاوية النظر المطروحة، أعني الروائية، أو التحليلية بلحاظ النصِّ، وهما زاويتا نظر مهمَّتان، ولكنَّهما ليستا الوحيدتين؛ إذ يمكن طرح زوايا نظر مثرية للفكرة المهدوية بفتح آفاق جديدة للفهم أو التفسير أو التأويل، ومن ضمنها ما حاولناه من وجهة نفسية.
٢- تقديم دلائل حجاجية للقارئ المفعم بالمباني الغربية متمثِّلة بفرضية: إمكانية مقاربة الفكرة المهدوية في النظرية الإسلاميَّة بمنهجية تحليلية غربية؛ بما يُقدِّم وثيقة طمأنة للموالي بأنَّ الفكرة مقبولة على أيِّ هَدْي منهجيٍّ، ووثيقة إقناع للمخالف بأنَّ الفكرة سليمة من حيث مبانيه التي لا تمتدُّ إلى النظرية الإسلاميَّة من وجهة النظر الإماميَّة.
٣- تأطير الفكرة المهدوية بكلِّ أدبياتها بإطار معرفيٍّ جديد يتواءم مع الفهم السائد للعقليات البشرية التي تؤمن باللغة العلمية أكثر من سواها؛ لاستقطاب الشرائح البعيدة عن الحاضنة ذات اللغة الدينية، عبر مخاطبتهم بلغتهم التي يألفونها.
* التوصيات: إنَّ ما قدَّمناه محض افتراض لاجتراح منهجيٍّ علميٍّ جديدٍ، نأمل أن يأخذ حيِّزه من النظر والتصويب؛ لذا نتمنّى على الباحثين العناية بالآتي بيانه:
١- رفد مفردات هذا المقترح الأوَّلي بالأدوات العلمية الكفيلة بتنضيجه وتحويله من حيِّز النظرية إلى حيِّز التطبيق.
٢- السعي إلى تقديم دراسات تطبيقية تسهم في إثراء هذا المقترح بالبحث والدراسة.

المصادر:
١- القرآن الكريم.
٢- الإرشاد: الشيخ المفيد، تحقيق مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لتحقيق التراث، ط ٢، ١٩٩٣م.
٣- بحار الأنوار: العلَّامة المجلسي، طبعة إيران، تحقيق: الشيخ عبد الزهراء العلوي، د.ط، ١٩٨٣م.
٤- تعديل السلوك الإنساني (النظرية والتطبيق): أحمد أبو السعد، دار المسيرة، الأُردن، ٢٠١١م.
٥- تعديل السلوك (المبادئ والإجراءات): رايموند، ترجمة: فيصل الزرّاد، ومراد عليّ عيسى سعد، دار الفكر، عمان، ٢٠١٤م.
٦- السلوك: فلاح حسن جمعة، دار الكفيل، العراق، ط ١، ٢٠١٧م.
٧- الغيبة: الشيخ النعماني، تحقيق: عليّ أكبر الغفاري، دار مدين، قم المقدَّسة، د.ط، ١٤٢٦ه.
٨- الكافي: الشيخ الكليني، تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري، قم، ط ٥، ١٣٦٣ش.
٩- كمال الدين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق، قم، ط ٨، د.ت.
١٠- مدخل في علم النفس العامّ: د. عبد الأمير الشمسي، طبعة جامعة بغداد، ط ٢، د.ت.
١١- مدخل إلى علم النفس: عمّاد الزغول وعليّ الهنداوي، دار الكتاب الجامعي، الإمارات، ط٨، ٢٠١٤م.
١٢- نهج البلاغة: جمع الشريف الرضي، شركة الأعلمي، بيروت، ٢٠١٤م.
١٣- وسائل الشيعة: الحرّ العاملي، مؤسَّسة آل البيت لإحياء التراث، ط ٢، ١٤١٤ه.

الهوامش:
(١) مدخل إلى علم النفس/ عماد الزغول وعلي الهنداوي: ١.
(٢) مدخل في علم النفس العامّ/ د. الشمسي: ٨.
(٣) مدخل في علم النفس العام: د. الشمسي: ٧.
(٤) تعديل السلوك الإنسانيّ/ د. أبو السعد: ٢١/ ٢٠١١م.
(٥) كمال الدين/ الشيخ الصدوق: ٥٢٥ و٥٢٦/ باب ٤٧/ ح ١.
(٦) هناك حديث مطوَّل آخر يوازي مضمون الحديث المذكور في المتن، وهو مرويٌّ عن الإمام الصادق (عليه السلام) يتناول توصيف انحراف سلوك الجماعة البشـرية ومبنيٌّ على أُسلوب الشـرط ومتصدِّر بالأداة (إذا) أيضاً. يُنظَر: الكافي/ الشيخ الكليني: ٣٦- ٤٢/ ح ٧ و٨؛ ووسائل الشيعة ١٦: ٢٧٥- ٢٨٠/ ح (٦/٢١٥٥٤).
(٧) السلوك/ فلاح حسن جمعة: ١٥ و١٦.
(٨) يُنظَر في: مفهوم العقاب السلبيّ/ كتاب تعديل السلوك/ رايموند: ١٤١/ ٢٠١٤م.
(٩) السلوك: ١٧.
(١٠) وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام (عليه السلام)/ محمّد تقي الأصفهاني ٢: ١٥.
(١١) الغيبة/ الشيخ النعماني: ١٦٢.
(١٢) يُنظَر في: مفهوم ستراتيجية النمذجة/ كتاب تعديل السلوك/ رايموند: ٢٧٣/ ٢٠١٤م.
(١٣) نهج البلاغة/ خطب الإمام عليٍّ (عليه السلام) ٢:١٥٧ / الخطبة القاصعة.
(١٤) السلوك: ١٨.
(١٥) يُنظَر في: مفهوم العقاب الإيجابي/ كتاب تعديل السلوك/ رايموند: ١٤١/ ٢٠١٤م.
(١٦) السلوك: ١٩.
(١٧) وهناك روايات في الباب نفسه من قبيل ما روي في: الإرشاد: ٣٦١، وبحار الأنوار ٥٢: ٢٧٥.
(١٨) كمال الدين: ٦٤٩/ ح ٣، والغيبة للنعماني: ٢٥٠/ ح ٥.
(١٩) السلوك: ٢٢.
(٢٠) الكافي ١: ٣٣٦.
(٢١) بحار الأنوار ٥٢: ١١٤.
(٢٢) الغيبة/ النعماني: ٣٢٥.
(٢٣) بحار الأنوار ٥٢: ١٤٠.

التقييم التقييم:
  ٠ / ٠.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016