تعريف المهدوية للحضارات الأخرى
مجتبى السادة
إننا نعيش فترة أيام حاسمة في تاريخ البشرية الفكري، بما تنطوي عليه من تحولات ثقافية ومخاضات فكرية كبرى من قبيل صراع الحضارات أو حوار الحضارات أو تكامل الحضارات أو.... وانطلاقاً من القرآن الكريم الذي أسس لمبدأ (تعارف الحضارات) بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: ١٣).. فالأمم والشعوب والحضارات(١) مهما تنوعت وتوزعت على مساحات الأرض إلّا أنها مطالبة بالتعارف، وهذا ما يريده سبحانه وتعالى للإنسانية، وهو مستوى رفيع وراقٍ من العلاقات، وهذا يستتبع معه الانفتاح والتواصل والحوار، والذي من أبعاده أن تتعرف كل أمّة وكل حضارة على أفكار وثقافات وعقائد الأمم والحضارات الأخرى، ومن هذه الأمور المتفق عليها والمشتركة فكرة المخلص الموعود، مما يتطلب منا مهمة ومسؤولية تعريف وإيضاح حقيقة المهدوية للأمم والشعوب الأخرى.
تعريف المهدوية للآخر ضرورة حضارية:
التطلع إلى قراءة العقيدة المهدوية من منحى عقلي وعلى ضوء فلسفة التاريخ، يتطلب منّا أن ندرسها برؤية حضارية باعتبارها قيمة إنسانية عُليا ومسألة مصيرية متعلقة بمستقبل البشرية.
كثيرون بحثوا القضية المهدوية من ناحية النصوص والروايات، وكثيرون دخلوا في مسائل كلامية ومناظرات بهذا الخصوص، غير أن الدراسات الفكرية والتي تبحث هذه المسألة برؤية حضارية قليلة جداً، ولا نبالغ إن قلنا: ابتعادنا عن دراسة المهدوية من منظار حضاري، يوقعنا في نزاعات كلامية وطائفية هي بعيدة كل البعد عن مقاصد الشريعة الإسلامية وأهداف الأطروحة المهدوية.
إذا تأملنا في مفهوم(٢) أو مصطلح (تعريف المهدوية للآخر)(٣) أو الحضارات المختلفة، يمكننا أن نكتشف قيمته الفكرية والعملية وأهميته الحضارية، من خلال الآتي:
١) الخروج من الإطار الضيق للقضية المهدوية، ونحن الذين حصرناها كأنها مسألة مذهبية خاصة بأتباع أهل البيت (عليهم السلام) فقط، وإن توسعت فتحصر كعقيدة إسلامية تهم المسلمين وحدهم، وهذه تورث السجال الطائفي.. مما يحتاج أن ننظر لها بمنظار أوسع وننطلق من أرضية أن المهدوية لكل البشرية.
٢) تجاوز إشكالية تأطيرها في الجانب العقدي فقط، كأصل من أصول الدين ومن مبدأ الإمامة، ونقتصر بالنظر لها على هذا الأساس.. وهذه الإشكالية تضيق عملية الفهم للمهدوية وفهم المبادئ والقيم المرتبطة بها كالعدالة والعالمية وتطور العلم و...، مما يجعل رؤيتنا قاصرة على الاستفادة فكرياً وحضارياً وعلمياً من خصائصها ومميزاتها العديدة.
٣) فكرة ومبدأ المخلص الموعود موجودة عند كل الأمم والشعوب والأديان، ولكن عندما لا يوجد تعارف بين الحضارات بخصوص هذه الفكرة، فإن هذا الانقطاع عن تكوين المعرفة وسيادة الجهل بالمهدوية لدى الآخر، سيولد نوعاً من سوء الفهم، ويخلق مشكلات فكرية وثقافية مع الحضارات الأخرى انطلاقاً من مبدأ ومفهوم صراع الحضارات.
ولا شك في أن مفهوم أو مصطلح (تعريف المهدوية للحضارات الأخرى) عند بلورته وطرحه على أرض الواقع كمنظومة معرفية متكاملة، سيتيح للأمم والشعوب المختلفة التعرف على واقع وحقيقة المخلص الإسلامي (الأطروحة المهدوية الإمامية) بمنظور شامل ومتكامل ومتزن، وبناءً على القواسم المشتركة لمبدأ وفكرة المخلص عند الحضارات، وسواء نظرنا إلى أصل الفكرة برؤى دينية أو بنظرة فلسفية، فالمهم أن نرسخ حقيقة أن نهاية العالم تقترن مع نشر التوحيد وتحقيق العدالة وسعادة البشرية، وهذه هي الرسالة التي نودّ إيصالها للآخر عند الحديث عن المهدوية.
من هنا نأمل أن يكون هذا البحث دافعاً لدراسة المفاهيم المهدوية برؤية فكرية حضارية تتعالى على النظرات الثقافية الضيقة، وتفتح مجال التفكير في الثقافة المهدوية بمنهج معرفي حضاري يتطابق مع أهداف وغايات الإمامة الخاتمة..
إذاً حاجتنا إلى رؤية حضارية في قراءتنا للمهدوية هو للخروج من أَسْر الماضي وضيقه إلى أفق المستقبل ورحابته، وما إيضاح حقائق المهدوية للأمم والحضارات المختلفة إلّا جانب واحد من هذه الرؤية الحضارية، وقبل ذلك نطمح لبناء المنظومة الفكرية التعريفية للمهدوية على قاعدة القواسم المشتركة لمفهوم (المخلص)، وبما يخدم الإنسانية ويحقق بعض الأهداف المهدوية.
وعلينا أن نعلم أيضاً أن الإيمان بالإمامة الخاتمة (المهدوية) ومعرفة مكانتها وخصائصها الفريدة، يزيد إحاطة الناس بحقيقتها، فنقل (منظومة البناء المعرفي(٤) للأطروحة المهدوية الإمامية) للآخرين وإيضاحها لهم، له أثر عميق وشفاف لدى الشعوب الأخرى، ولا سيما أهدافها العظمى ومقاصدها الحضارية، إضافة لدورها الوثيق في النظرة التفاؤلية الإيجابية للمستقبل ونهاية العالم، فضلاً عن دورها النفسي الهام عند المستضعفين والمحرومين من هذه الشعوب.
يجب الإدراك بأن المهدوية تمتلك المقومات الضرورية في تقديم ذاتها للآخرين بنجاح، فلم يعد ممكناً لكثير من المفكرين الغربيين تصور خيارات أخرى لمستقبل البشرية سوى الصورة (القريبة والمشابهة) للحضارة المهدوية.. وبسهولة يدرك من لديه الحد الأدنى من الاطلاع والمعرفة على أفكار وثقافة الشعوب الغربية وأطروحات فلاسفتهم، والمستوى الذي وصل إليه وضعهم النفسي، سبب شغفهم التام لفكرة (المخلص)، فالحاضر غالباً ما ينساق وراء رؤية المستقبل.
وفي هذا السياق هناك حاجة ملحة وأهمية خاصة لتعريف الآخرين بمبدأ الإمامة الخاتمة (المهدوية) والمستقبل المشرق للإنسانية الذي سيتحقق على يديها، فهذا من أهم الأولويات الفكرية الحالية، وأحد مجالات الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية المطروحة على طاولة البحث والتي تهتم بها مراكز البحوث العالمية، فضلاً على أن كل الديانات السماوية والفلسفات البشرية بشّرت بالمخلص، وهذه الفكرة أمر مشترك بين الأمم والحضارات المختلفة، وتعتبر رمزاً لنشر العدل والسلام.
في هذا البحث نحاول تلمّس معالم طريق التعريف الفكري، فعملية إحاطة الآخر (غير المسلم) بمفهوم المهدوية ليست عملية عفوية وعابرة يمكن أن تتحقق ببساطة ومن دون بصيرة وهداية، فلا بد أن نعي بوضوح مواقع أقدامنا في ساحة بناء المنظومة الفكرية التعريفة والعمل الميداني الإيضاحي حتى تفلح جهودنا وتتحقق تطلعاتنا.. وقبل ذلك تحمّل مسؤولية نشر العدالة على وجه البسيطة كلها وهداية البشرية جمعاء إلى الطريق السوي، وأن تتحول الأهداف المهدوية الكبرى إلى حاجة نفسية عميقة وهدف حضاري واضح عند المؤمنين المنتظرين، فنحث الخطى بثبات في طريق عمارة الأرض وبناء حضارة آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) المنشودة.
التعريف المطلوب:
لا نقصد بالتعريف أن يقتصر على: [تقديم معلومات كافية وشاملة عن المهدوية للأمم والشعوب المختلفة، والكشف لهم عن حقيقتها وخصائصها ومميزاتها، وإيضاح أهدافها والنتائج التي ستتحقق على يديها].. فإن هذا تعريف شكلي وهو مقبول نوعاً ما، أمّا من حيث المضمون والأساس فإن التعريف المطلوب هو: [القدرة على إدخال مفهوم المهدوية (بما يحتويه من قيم ومبادئ إنسانية) إلى المنظومة الفكرية للحضارات الأخرى، وترسيخ الفكرة لدى الرأي العام، بحيث يصبح هذا المفهوم من الأسس الثقافية الثابتة والبديهة عندهم].
فالتعريف الذي نطمح إليه لا يولد بكتابة مقالة أو بحث حول المخلص أو المنقذ الموعود أو الإمام المهدي (عليه السلام)، لأن هذا لا يحقق الشرط الأساس من التعريف، فقد نكتب مئات المقالات حول (المهدوية) من وجهة نظرنا وندعمها بالأدلة الإسلامية، ونترجمها بعدة لغات مختلفة وننشرها هنا وهناك، ويعتبر ذلك مهماً بحد ذاته ولكنه غير كافِ ولا يحقق ما نهدف إليه، لأنه يعكس تفكيرنا ومعتقدنا الذي لا يؤمن به الآخرون.. فيجب أن نتجاوز الحدود السطحية (للتعريف) إلى ما هو أعمق من ذلك، بحيث يكون للمهدوية حضور وفاعلية استثنائية في رسم الرؤى الأساسية للحضارة الإنسانية ومستقبلها.
الهدف والرؤية من التعريف:
إن الانفتاح الواعي على الأبعاد الفكرية للانتظار، ومعرفة الأهداف الكبرى للمهدوية ومتطلبات المسيرة التمهيدية وأولويات المرحلة المعاصرة، كل ذلك يدفعنا لامتلاك منهج فكري وعملي يتناغم مع تحقيق ممهدات وشرائط اليوم الموعود.. ومن هذا المنهج تنبعث ركيزة تعريف المهدوية للحضارات الأخرى، فتتجلى لنا بوضوح بعض الأهداف والرؤى من وراء ذلك:
١) إن الهدف الأساسي للمهدوية هو نشر التوحيد والعدل في كافة العالم، وكذلك التغيير الشامل لأنظمة الظلم والجور في كل أقطاب الأرض المعمورة، وفي سياق تحقيق هذا الهدف الكبير وجب علينا نقل الأطروحة المهدوية بحقيقتها للأمم الأخرى، وإيصال رسالتها وأهدافها، وتوضيح ضرورتها الحضارية وفوائدها على الناس جميعاً.. لكي يتسنّى لهذه الشعوب العارفة والمطلعة على حقيقة المهدوية أن تعيش حالة الانشداد الفطري للمخلص الموعود، وأن تؤمن به حين ظهوره فتُؤيِّده وتُؤازِره.
٢) إن إيمان الشعوب المختلفة بالمهدوية ومشروعها العالمي وأهدافها الربانية من أبرز مظاهر التمهيد للظهور، فبقدر ما ينتشر نطاق معرفته، وتتنوع أطياف المؤمنين به، وتتوسع قاعدته الشعبية في كل الأمم والحضارات، ويزداد عدد الأتباع والمريدين، بقدر ما نكون قطعنا شوطاً عملياً للتوطيد الفعلي لليوم الموعود، ونكسب رصيداً جماهيرياً للإمام (عليه السلام) حين خروجه.
٣) شَرائطُ الظهور ذات أبعاد ومقدمات استراتيجية هامة يتحتم توفرها في بداية نشوء حركة (الفتح المهدوي العالمي) ليكون الظهور ناجز الوعد، ومن أبرز هذه الشروط ومقومات النجاح، هو يأس شعوب العالم من الأنظمة والقوانين الوضعية التي لم تحقق طموحها وفشل الحلول التي طرحتها.. فعندما تتعرف هذه الشعوب على الأطروحة المهدوية بأهدافها وأساليبها ونتائجها، يجعل أملهم ينحصر في نهضته وحضارته، مما يهيئ أفضل الأرضيات لتقبل اليوم الموعود وتعليماته.
٤) إن الرؤية الواضحة للأهداف المهدوية والتغيير الجذري والشامل الذي سيحققه الإمام (عليه السلام) في مسار تاريخ البشرية، يتطلب بصيرة ثاقبة ونظرة مستقبلية لتطور المجتمع البشري، وقبل ذلك تهيئة الظروف العالمية المناسبة وعلى كافة الأصعدة ومنها الناحية الفكرية والثقافية للأمم والشعوب المختلفة لتقبل نهضته، مما يضمن ويؤكد على نجاح حضارة آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وتحقيق أهدافها المنشودة.
٥) من مظاهر الارتباط الحقيقي بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الاقتداء به واتخاذه أسوة ونموذجاً يُحتذى به، فأهداف الإمام (عليه السلام) عظيمة وغاياته كبيرة، مما يستوجب لبلوغ هذه الأهداف بذل جهود بحجمها، ولا شك فإن قيام دولة العدل الإلهي وبسط هيمنتها على العالم أجمع، وإيصال البشرية إلى ذروة تطورها وكمالها يتطلب جهوداً لا حدّ لها وبرؤية حضارية.. ومن أبجديات هذه الجهود وأبسطها تعريف شعوب العالم بهوية المخلص الموعود وأطروحته وحقائق عن نهضته، وذلك للمشاركة والتمهيد لتحقيق أهدافه (عليه السلام).
٦) الواقع العالمي الراهن لا يخلو من وجود حركات تآمرية خبيثة ضد المهدوية، تتخذ تارة طابعاً سياسياً وأخرى طابعاً فكرياً، وتعمل للقضاء عليها في وجدان الأمة الإسلامية، وتحاول تحجيمها في إطار مذهبي خاص واعتبارها من العقائد الخرافية.. ويقف وراءها مخابرات دولية معادية للإسلام وللمخلص الموعود، وتطمح إلى تفريغ المهدوية من محتواها الحقيقي، وتشويه مكانتها عند المؤمنين بها، فتتضاءل حالة الاستعداد ويَفْتُر حماس الشعوب والجماهير لها، وهكذا تموت فاعلية ثقافتها وتُقتل روحيتها الإيجابية والتفاؤلية في المجتمعات.. وعلى العكس من ذلك فإن تحمل مسؤوليتنا الحضارية ونشر الحقائق الأصيلة عن المهدوية وتعريف الآخرين بها وترويج المنظومة المعرفية بخصوصها على الأمم والحضارات، سيصيب مآرب الأعداء في المقتل، فتتحصن الشعوب المطلعة على حقيقتها، وتنشأ ثقافة لدى الرأي العام العالمي بعدم الاصطفاف مع أعدائها، وقد يكونون من أشد المناهضين لمؤامراتهم الخبيثة.
لو استطعنا أن نوصل (حقيقة المهدوية الأصلية) إلى نخبة الشعوب ومثقفيها برؤية تناسب عقليتهم وبلغتهم ليدرسوها ويتأملوا فيها، لأدَّينا جانباً وقسطاً من المسؤولية الملقاة على عاتقنا في تعريف الأمم والشعوب بآخر أنوار آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي به تتحقق سعادة البشرية جمعاء.
المرتكزات الأساسية للتعريف بالمهدوية:
تتأثر الأمم والشعوب سلوكياً وذهنياً بفكرة المخلص وذلك لعدة من العوامل، ويكون تأثيرها الثقافي والفكري متفاوتاً بناءً على اختلاف درجات وعيهم الديني والفلسفي، ومستوى حماسهم النفسي الذي تقرره ظروف واقعهم المعاش.. ومن هذه العوامل والمرتكزات التي يمكننا اعتبارها قاعدة رئيسية للانطلاق منها في تعريف المهدوية للحضارات المختلفة الآتي:
أولاً: الحاجة الفطرية للمخلِّص:
منذ فجر التاريخ وفكرة المنقذ والمخلص الموعود أصبحت كحاجة نفسية واجتماعية، وتتناسب وتتطابق مع طبيعة وفطرة الإنسان، وقد غذى التراث الديني بشتى أنواعه هذه الفكرة ونمّاها..
إن حتمية ظهور المخلص في الفكر الإنساني عموماً يجسد حاجة فطرية، وتزداد هذه الحاجة إلحاحاً كلما زاد الظلم والجور واستشرى الفساد، مما يكشف عن وجود أسس متينة قوية تستند إليها، وتعبر عن تطلع البشرية المستمر للكمال والفضيلة.
ومما لا شك فيه فإن الفكرة قد رسخت في العقل البشري والنفس الإنسانية على مدى التاريخ الطويل، وما الدعوة إلى (المدينة الفاضلة) كما عبر عنها الفلاسفة قديماً وحديثاً، إلّا صدى للإحساس الغريزي المتأصل لهذه الفكرة في عمق النفس البشرية.. فالبشرية اليوم مهيأة لانتظار المخلص الموعود مهما اختلفت الأسماء والعناوين، ولذا فالإلهام والإحساس والحاجة إلى المخلص (المهدوية) أمر مشترك بين البشر، ولا يختص بقوم أو جماعة، بل يمكن مشاهدة صور هذه الحاجة وانتظارها تتنوع وتختلف عند الأمم والحضارات، وتتفاوت حسب الظروف والواقع النفسي.
ثانياً: جميع الديانات السماوية بشَّرت بالمخلِّص:
بدأت الفكرة منذ فجر الإنسان، واستمرت في أفق الإنسانية في كل مراحل التاريخ، فالمسألة من المواضيع البارزة في المسيرة البشرية واهتماماتها المتصلة بالعدل، ولا شك أن الإيمان بحتمية ظهور المخلص من الأمور المتفق عليها عند جميع الأديان السماوية والمذاهب الوضعية، وأن هذه الفكرة ماثلة باطراد في التراث الديني الإنساني، وهي قاسم مشترك بين كل الحضارات، كون فكرة المنجي حاجة إنسانية فطرية.. فجميع الأمم والشعوب تأمل بمجيء يوم تتخلص فيه الإنسانية من الظلم والفساد والاستبداد ويحل فيها العدل والأمن والسلام.
من هنا نجد أن الكتب والتراث الديني السماوي قد أجمعت على مجيء المخلص، وأن جميع الأنبياء والرسل قد أشاروا إليه وحلموا بيومه الموعود، وهكذا نجد أن منقذ العالم ليس ملكاً لطائفة دينية معينة، وليس ملكاً لشعب من الشعوب أو أمة من الأمم، بل هو أمل الإنسانية ومنقذ البشرية، وأن الكل ينتظره ويتوق إلى عهده الميمون.. فقد اتفق الجميع على فكرة (المهدي) والانتظار لهذا المنقذ، واختلفوا في اسمه وهويته، وهذا الاختلاف لا يضر في أصل الفكرة المترسخة الأصيلة، فالكل متفق على المبدأ والمنشأ والمفهوم، وإن اختلفوا في صفته وشخصيته والكيان الذي ينتمي إليه.
ثالثاً: عالمية النهضة المهدوية:
حضارة آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هي دولة عالمية تبسط هيمنتها وسيطرتها على جميع أنحاء العالم بشكل لا توجد معها أية حكومة أخرى في أية بقعة من بقاع الأرض، حيث إن الإمام (عجّل الله فرجه) سيغير جميع الحكومات الموجودة آنذاك (مع تفاوت القدرات البشرية والاقتصادية بين الدول) ويدمجها تحت لواء حكومته العادلة، فيشكل الدولة العالمية الواحدة، التي ستجعل شعوب العالم ينظرون لأنفسهم على أنهم أسرة إنسانية واحدة على هذه الأرض، وليس أمماً وشعوباً مختلفة.
إن قدرة المهدوية على الانتشار إلى أصقاع العالم، وقدرته (عليه السلام) على تحريك المشاعر وتأجيج الهمم واستحضار ولاء الشعوب في مشارق الأرض ومغاربها والتأليف بين قلوبهم، لا يمكن فهمه إلّا من خلال فهم الخصائص المميزة للأيديولوجية الشامخة المنبثقة منها، فإن قيم ومبادئ الإسلام (الدين الخاتم) تتوافق مع الفطرة ومع الصالح العام والخاص، وكذلك فهم الثقافة(٥) الإنسانية الشاملة التي تجلّت في الأطروحة المهدوية، والتي ستوفر لجميع المنتسبين إليها من كافة الأمم والشعوب والأديان فرصة المشاركة في بناء الحضارة الفاضلة وترسيخها.. فعالمية الدولة المهدوية تبرز لنا القواسم المشتركة لكل الأديان والحضارات المختلفة، والتي تؤمن بفكرة المخلص الموعود، والذي سينشر الأخوة بين الشعوب ويوحّد البشرية تحت ظل سيادة واحدة.
رابعاً: معالم الدولة المهدوية الفاضلة:
عندما تتعرف الشعوب والحضارات على خصائص ومميزات الدولة المهدوية، والأهداف والنتائج والواقع الذي سيتحقق على يد القائد والمنقذ والمخلص الموعود، حينها فإن هذه الشعوب ستكون في قمة اللهفة والشوق والانتظار لذلك العهد الميمون والحضارة الموعودة.. فأي إنسان عندما يحيط علماً بحقيقة دولة العدل الإلهي، ويجد أن خصائصها تدور حول محورين (التوحيد - العدل)، فمن خلال المحور الأول (التوحيد): يظهر معنى العبودية التامة والحقيقة لخالق البشرية والكون، والتحرر من جميع العبوديات الأخرى المادية والمعنوية وعلى اختلاف أشكالها، وهذه أسمى شكل للحرية مما يليق بالإنسان..
ومن خلال المحور الثاني (العدل): يعطى الإنسان قيمته وكرامته بما هو إنسان، فتقوم الدولة بسياساتها وقوانينها ومناهجها لحفظ كرامة الإنسان وهو مقصد عالٍ لديها، ولا مجال لبروز أي شكل أو مظهر للظلم الفردي أو الاجتماعي.. وبعد ذلك تبرز الخصائص الأخرى ومعالم حضارة آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كالتطور العلمي وتكامل الوعي البشري، والرفاه الاقتصادي و... والتي هي آثار ونتائج لجهود القيادة العظيمة المتمثلة في المنقذ الموعود.
وعندها ستدرك الأمم والشعوب أن واقع البشرية الحالي هو أسوأ من المستقبل المشرق للبشرية، والذي سيتحقق على يد المخلص (المهدي (عجّل الله فرجه))، حينها ستتقلص صعوبة المهمة وستنفتح الآفاق الذهنية للأمم والشعوب للتعرف والإحاطة والبحث عن شخصية قائد تلك الحضارة ومنفذها على أرض الواقع.
خامساً: مستقبل التاريخ البشري:
قضية الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) ترتبط بأكثر الأمور إلحاحاً وحساسية في الفكر البشري، ترتبط بمستقبل الإنسانية ومسيرتها نحو التكامل أو نحو السقوط، مما ينعكس على واقعنا العملي والنفسي وعلى طريقة تفكيرنا ونظرتنا إلى الأمور.. فمسألة النهاية لتاريخ البشرية هي من أشد الأمور إثارة في ساحة الفكر العالمي المعاصر، حيث تشهد الظروف العالمية انتكاسة فظيعة في القيم الإنسانية، وتراجعاً شديداً في حقوق وكرامة الإنسان، وبدون إيمان بالمهدوية تبدو كل مكتسبات البشرية في تاريخها الطويل من أجل حياة أفضل في مهبّ الريح، كما يصبح الحديث عن استئناف مسيرة الحضارة الإسلامية غير ذي جدوى إطلاقاً.
وبنظرة كلية عن مكانة المهدوية عند الإنسانية وأهميتها الاستراتيجية، وفهماً للسنن الإلهية في التاريخ، نجد أن المسيرة الأساسية والخط العريض في حياة ومستقبل البشرية تتجه نحو (الحضارة المهدوية)، فمنذ البدء والإنسانية تتكامل وتتقدم نحو الأفضل، وأصدق مثال على ذلك التكامل في الشرائع السماوية والعلوم الإنسانية، ولذا فالبشرية تتحرك بأمل وبفطرة سليمة نحو المستقبل.. وهذا ما تؤكده الأطروحة المهدوية التي تثبت بأن الفساد والظلم شيء مؤقت، وأن هناك حياة سعيدة وعصراً متألقاً ينتظر البشرية في المستقبل على يد المنقذ الإمام المهدي (عليه السلام).
المهدوية منفتحة على أبعاد الإنسانية والحياة كلها، وفي ثقافتها الفكرية والروحية تحثّنا أن ننفتح على الآخر، فحقيقة المهدوية ومضمونها وأهدافها تأخذنا لفهم أسباب الحضارة، بيد أن الدارس للمرتكزات الأساسية للمهدوية وبحث تعريفها للآخر -إضافة للنقاط سالفة الذكر- يلحظ وجود حركة مد وجذر بين خاصتين أو نسقين أساسيين:
يرتبط الأول بالأصالة: المهدوية كعقيدة هي حقيقة منبثقة من الوحي الإلهي، وتأصلت في الفكر الإسلامي من ركنَي الإسلام: الكتاب والعترة.
ويتعلق الآخر بالنهوض: حيث إن التراث المهدوي يختزن إمكانات النهوض والإبداع في حياة البشرية، حتى تصل الإنسانية إلى مرحلة الكمال والنضج والرشد، وتؤسس الحضارة الفاضلة.
كل هذه المرتكزات والخصائص الأساسية تدل على حيوية وديناميكية الثقافة والفكر المهدوي، حيث يلتقي الدافع الديني مع الضرورات الإنسانية والاجتماعية ويحصل انسجام كبير بينهما، مما يفتح المجال أمامها واسعاً للقبول والانتشار عند مجتمعات الأمم والشعوب غير المسلمة.
الآلية الاستراتيجية للتعريف:
في الحضارات المختلفة تتنوع الفوارق وتختلف المشكلات تبعاً لهوية وخصوصية كل أمّة ومجتمع، مما ينتج عن ذلك احتياجات وهموم متغايرة، ولا سيما المُثل والأهداف والرؤى والقيم الخاصة بكل مجتمع.. ولذا فمسار التعارف الثقافي والفكري يتمايز بين أمّة وأخرى، وعلى هذا الأساس يحتاج (التعريف بالمهدوية) قبل كل شيء إلى دراسات مستمرة في شأن الهوية التاريخية والفكرية (للمخلص عند الأمم)، والاطلاع على اختلاف تشخيص هويته عند كل أمّة وكيان.
وعند فهم الهوية والأبعاد المتنوعة الخاصة بالمخلص عند كل حضارة، سوف تُتاح إمكانية إيضاح مهدوية أهل البيت (عليهم السلام) باعتبارها إطاراً أصلياً وبرنامجاً عملياً ومدعماً بالتراث الديني لكل الأديان السماوية المختلفة.. مما يُحتم علينا أن نوفر الإجابة على الأسئلة التالية، لنسلك سبيل التعريف بيسر وسهولة:
- ما هي الرسالة المراد توجيهها، ويجب التأكيد عليها دائماً عند الحديث مع الآخر عن المهدوية؟
- ما هي الرؤية والهدف من تعريف المهدوية لدى الحضارات المختلفة؟
- ما هو الخطاب السليم والأنسب عند الحديث عن المهدوية مع شعوب الحضارات الأخرى؟
- ما هي القيم المشتركة بخصوص المهدوية التي تقوم على ردم الهوة بين الثقافات والحضارات المختلفة؟
- ما هو النموذج الذي نحن بصدد طرحه لتقريب الصورة عن مهدوية أهل البيت (عليهم السلام)؟
بكل تأكيد إن قراءة شاملة لتراثنا المهدوي، ونظرة فاحصة وعميقة لثقافتنا الحالية، واستقراء واقعنا الإسلامي الحالي، تُجلّي لنا غياب ملامح أي استراتيجية لتعريف المهدوية للآخر (غير المسلم)، ولم نتمكن حتى الآن من رسم خارطة طريق التعريف.. فمن أين يمكننا أن ندرك ما يجب أن نتطرق إليه، وأي جانب يُفضّل أن نخوض فيه عند الحديث عن المهدوية مع الآخر؟..
ونحن لم نحدد أو نوفر بعد طبيعة الخطاب التعريفي والرسالة المراد إيصالها للآخر، مما يُحتم علينا أن نتجاوز بناء المفهوم وندخل حيز المشاركة والتنفيذ والتداول، فنمد جسور التعارف بناءً على أسس استراتيجية واضحة ومنهج معرفي سليم، وحينها نتخلص من الرواسب الفكرية المتراكمة عبر التاريخ، ونساير الأولويات الراهنة وخصوصيات المرحلة المعاصرة، ونواكب متطلبات التعريف.
لابد من إطلاق مشروع (تعريف المهدوية للآخر)، وقبل ذلك دراسة واستيعاب فكرة المخلص عند الحضارات الأخرى بشكل عام، والتأمل في الفكرة من خلال وعي المجتمع الآخر بها (الرأي العام العالمي) أو بما له علاقة بها، لاسيما النظرة الفلسفية إلى نهاية العالم، فهي النقطة الرئيسية لتعريف المهدوية ومفتاحها.. كذلك هناك عدة خطوات منهجية وعملية في غاية الأهمية يستلزم القيام بها وتنفيذها على أرض الواقع في سبيل التمهيد للتعريف لتسير الأمور بسلاسة ويسر، وهي كالآتي:
التعرف على الآخر: التعرف عن قرب على مجتمعات الأمم والشعوب المختلفة كما هي في الواقع، وذلك من خلال مواكبة تطورها العلمي والفكري والثقافي في سياق فكرة (المخلص)، وعبر ما تقدمه النخب من معارف وأفكار فلسفية أو تاريخية بهذا الخصوص، ومتابعة آخر المستجدات التي وصلت إليها الفكرة في منظومتهم الفكرية في العصر الحالي.
لغة خطاب مشتركة: إننا بحاجة إلى عمل بحوث ودراسات (تحقيقية) معمَّقة، عن فكرة المنقذ والمخلِّص لدى الحضارات المختلفة، وإدراك قاعدتهم الفكرية وحدود المعرفة (التاريخية والدينية) لديهم، ما يمهد الطريق لننطلق في إيجاد لغة فكرية مشتركة، وذلك بتأطير العقيدة المهدوية الأصلية بلمسات من منظومتهم الفكرية، والوصول لصياغة خطاب تعريفي مناسب ومقبول لدى الآخر.
رسالة واضحة تُوجّه للآخر: صياغة تعريف لمضمون (المهدوية) على شكل رسالة فكرية ومعلومات ثقافية تحتوي على المبادئ والقيم المشتركة والمقبولة لدى الآخر.. رسالة نود إيصالها وترويجها لدى الرأي العام للآخر، وتكون لها القابلية والنجاح للتوسع والانتشار والتغلغل في منظومتهم الفكرية، حتماً لا يكفي الحديث عن العدالة والقضاء على الظلم فقط للترويج للمهدوية، بل يتحتم علينا تجديد خطاب وابتكار رسالة يكون لها صدى في مجتمع أغلبه علماني النزعة.
طرح المهدوية بشكل حضاري يواكب العصر: من خصوصيات الفكر والثقافة المهدوية أن ترفع مستوى وعي الأمة في مجال الرؤية الحضارية والكونية، وتعمّق أفقنا لفهم أفكار وفلسفات الحضارات المختلفة بعيداً عن التعصب الديني والمذهبي.. مما يوطد لتأسيس أطروحة جديدة ذات طابع فكري وثقافي وبرؤية حضارية منفتحة، تُقدم للأمم الأخرى على قاعدة الشراكة الحضارية، تعرفهم بمشروع الإمام المهدي (عليه السلام) لإنقاذ العالم وقيادة البشرية نحو طور مستقبلي جديد، وحياة قائمة على العدل وحفظ كرامة الإنسان، وتوفر السعادة والرفاه والحياة الكريمة للجميع.
طرح نموذج تاريخي (واقعي) يقرب الصورة: إنّ الشعوب الأخرى تريد أن تسمع وتعرف النموذج الذي نحن بصدد طرحه، وما يحمله من قواسم مشتركة معهم.. وفي تاريخنا الإسلامي أفضل نموذج يمكن طرحه هو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، هذا النموذج الإنساني في الأخلاق والزهد والعدل والاستقامة والشجاعة، هذا العظيم الذي تدفّقت منه الحكمة والفلسفة والعلم، وترجم ذلك عملياً في أفعاله وأقواله، وقدم لنا وللتاريخ البشري أفضل نموذج للحاكم والمسؤول العادل.. فعندما نقرأ عهده(٦) إلى مالك الأشتر عام ٣٩هـ (أي قبل ١٤٠٠ سنة) نجد هذه الوثيقة معجزة إنسانية، فهي جامعة مانعة تطرح منظومة قيم متكاملة في القانون والسياسة وعلم الاجتماع، وتهدف إلى تأسيس نظام إداري وحقوقي في الحكم يكرس المبادئ والقيم الإنسانية.
لابد أن نحمل مشعل المبادرة، فعلى مسار التاريخ الطويل ظلّت المبادرة بيد الآخر، فهو يسأل ونحن نجيب، بل نتناوب على الإجابة، وهو يبادر ويفعل وتأتي ردة الفعل من طرفنا.. ومن هنا فإن أولويات المرحلة الراهنة ومتطلبات مسيرة التمهيد تحتم علينا أن نبادر وننطلق في إيجاد أو ابتكار منظومة معرفية تربطنا مع الآخر (غير المسلم)، تؤطر لمساحة فكرية جاذبة تتداول فيها نخب المجتمعات المختلفة الأفكار والمعارف المهدوية، وتتوفر عبرها سبل الحوار والتعارف والتواصل بخصوص القواسم المشتركة المتعلقة بالمهدوية أو المخلص الموعود.
وليس من شك، فإن توفير الشروط اللازمة لتعريف المهدوية، يوجب تنفيذ منهج التعريف والآليات الضرورية وتحقيقها على أرض الواقع، وحينها يمكننا القول إننا وضعنا الأساسات الأولية لعملية إيضاح وتقديم المهدوية للحضارات المختلفة، وبدأنا نفهم المهدوية برؤية حضارية بعيداً عن منغّصات السياسية وصدام الحضارات والنزاعات الدينية والمذهبية.
المهدوية هي مخلص الحضارات:
البحث والنقاش عن المخلص في الحضارات المختلفة يعد من أعمق النقاشات وأكثرها جدية ومنهجية، لأنه يرتبط بمستقبل البشرية في هذا العالم والرؤية الكونية إلى الوجود الإنساني.. وحيث إن شخصية هذا المخلص لم تتبلور له هوية واضحة عند أتباع الأديان السابقة للإسلام والحضارات المختلفة، ولتجريد هذه القضية من حسابات المصالح المذهبية الضيقة أو المنافع السياسية والدينية المحدودة، ولرفع مستوى التفكير وتوسيع الأفق حول هذه القضية، لذا ينبغي أن تشمل البحوث وتتعمق الدراسات حول المنظورات الدينية والفلسفية لفكرة المخلص عند جميع الحضارات المختلفة.
من خلال بحثنا لفكرة المخلص الموعود في الفكر الديني المقارن(٧) يتضح لنا وجود قواسم مشتركة كثيرة بين كل الأديان والحضارات، تتمثل في الأساس بالاتفاق على أصل الفكرة ومن ثم على نقاط عديدة منها:
١) اتفقت كل الأديان على أن القوة التي خلقت الحياة على الأرض سوف تنهي هذه الحياة في يوم من الأيام، كما أكدت (الأديان) على وجود علامات معينة سيكون ظهورها نذيراً بنهاية العالم.
٢) في الحقبة الأخيرة من المسيرة التاريخية البشرية، سوف يتغير الخط الموضوعي لمسار التاريخ، فتتدخل العناية الإلهية باختيار (المنقذ المنتظر) ليخلص البشرية من الظلم والجور وينشر العدل والسلام.
٣) طبيعة (المخلص الموعود) إنسانية (من بني آدم)، ولكنه يتمتع بصفات خارقة لا يتمتع بها غيره من البشر، وتستمد وجودها من قوة غيبية فيما وراء الطبيعة (شخصية قدسية ترتبط بالغيب).
٤) إن حركة التغيير الشامل العالمية ليتسنى لها النجاح، يستلزم أن تكون الظروف البيئية (كافة الجوانب) ملائمة، وتتوفر عوامل مناسبه للنهضة، وأن البشرية متقبلة ومهيئة لتحقيق الأهداف الكبرى.
٥) إن ظهور (المنجي المرتقب) يسهم في إحداث تحولات تاريخية في المسيرة الإنسانية، وإحداث تغيرات جذرية في نهاية العالم، حيث يتكامل الناس ويصبح واقع الحياة مزدهراً.
من هنا نؤكد أن بداية مشروع التعريف بالمهدوية يتم عن طريق البحث عن المشتركات العامة لفكرة المخلص بين الحضارات، وكذلك الاطلاع على المبادئ والقيم المتعلقة بها كالتوحيد والعدالة والحرية والمساواة وتطور العلم وتكامل الوعي البشري والرفاه الاقتصادي و...، وليس الهدف من وراء ذلك هو الوصول إلى أحادية الرؤية أو نمط تفكير واحد، إنما القصد إظهار اتفاق البشرية كافة وبكل أطيافها وحضاراتها على أصل الفكرة (المخلص الموعود)، ولترسيخ هذا الاتفاق على المبدأ جاء التراث الديني السماوي وكتابات الفلسفات البشرية ببشارات عديدة وإشارات صريحة بتأكيد اتحاد الفكرة وتعزيز المنحى القيمي لها كالعدالة والتوحيد.. وباعتبار أن أصل الفكرة ومنشأها الوحي الإلهي، وتتوافق مع الفطرة الإنسانية وحاجات المجتمع البشري، فقد شكلت كمبدأ صورة حلم الإنسانية والأمنية الكبرى للشعوب، فجميع البشر يأمل بمجيء قائد -أتباع الديانات السماوية يعدونه ربانياً- يخلص البشرية من الظلم والفساد وينشر العدل والسلام في كافة الأرض المعمورة.
يجب أن نعرف بأن الخلفيات الدينية للشعوب ليست على درجة واحدة في جميع الحضارات، وليست على وتيرة واحدة أيضاً في نطاق الحضارة الواحدة، فهناك شعوب تعطي أهمية ومكانة للمبادئ والتعاليم الدينية، وهناك أمم لا تمثل الخلفيات الدينية أي مكانة لديها أو تشغل حدود ضيقة.. ومن هنا نؤكد أن الهوية الدينية أو الخلفيات العقدية هي أحد المداخل الحيوية في سبيل إحراز تقدم فاعل وحقيقي في مشروع التعريف بالمهدوية وليس المدخل الوحيد، بل أن القواسم المشتركة والهموم الإنسانية الكبرى والرؤية الحضارية للمستقبل المشرق للبشرية هي أكثر المداخل حيوية وفاعلية في مشروع التعريف.
بكل تأكيد هناك اختلاف أو تعدد في وجهات نظر الأمم والشعوب وأتباع الأديان حول تشخيص هوية (المخلص)، لكن ثمة اتفاقاً بين الجميع على المبدأ وأصل الفكرة.. عموماً ينبغي التمييز بين ما يطرحه التراث والكتب للأديان السماوية وبين ما يطرحه أتباع هذه الأديان ومفسروها، فإن اختلاف الأتباع في تشخيص هوية المخلص الموعود رغم اتفاقهم على حتمية ظهوره، ناشئ من تفسير النصوص والبشارات السماوية وتأويلها استناداً إلى عوامل خارجة عنها وليس إلى تصريحات أو إشارات في النصوص نفسها، بمعنى أن تحديد هويته لا ينطلق من النصوص والبشارات في التراث الديني السماوي، بل ينطلق من انتخاب شخصية (من الكيان الديني الخاص) ومحاولة تطبيق النصوص عليها، كل ذلك لرغبة أو فوز بافتخار أن صاحب هذا الدور التاريخي المهم شخصية تنتمي لكيانهم، إضافة للعوامل السياسية أو التعصب الديني.
في التراث الثقافي لبعض الأديان والمذاهب المختلفة ذُكرت أسماء عديدة ومختلفة للمخلص الموعود، كُل حسب رؤيته وتفسيره لهذه الشخصية المهمة والتي تنتظرها البشرية منذ القدم.. ومن هنا لابد من إدراك ما يمكن أن يعتري هذه القضية من سهولة وهي الحديث عن أصل الفكرة والمبدأ، وما يعتريها أيضاً من صعوبة وهي الحديث عن التشخيص والهوية.. فعندما نمتلك معرفة واسعة عن مخلص الطرف الآخر، ونستوعب القواسم المشتركة مع اطروحته، ونتبع آليات التعريف الضرورية، سوف تسهل علينا مهمة تقديم المهدوية للطرف الآخر، عندها بكل تأكيد سيعرف الجميع على وجه الدقة حقيقة مهدوية أهل البيت (عليهم السلام)، باعتبارها تمثل منهجاً ذا رؤية حضارية وبرنامجاً عملياً يشمل كل الإنسانية ومدعماً بالتراث لكل الأديان السماوية.
أطروحة المخلِّص عند المسلمين:
من خصائص الأطروحة المهدوية عند الشيعة الإمامية تجسيد الأُمنية الكبرى للبشرية (فكرة المخلص) إلى حالة واقعية موجودة، فبلورت الفكرة بشكلها النهائي، فوضحت معالمها وبلغت أرقى صور نضجها، فبدلت حالة الأمنية والأمر النظري إلى واقع ملموس، فشخصت للعالم أنها تنتظر مخلصاً محدَّداً، شخصاً يعيش بين الناس ويشعر بآلامهم وأسقامهم، ويتلمس مشاكلهم وأتعابهم، وهو من نسل فاطمة الزهراء ݝ، وأبوه الإمام العسكري (عليه السلام) (قرشي)، وأُمُّه السيدة نرجس ݝ (رومية)، يقول السيد محمد باقر الصدر: (إن الإسلام حوّل فكرة المخلص من غيب إلى واقع، ومن مستقبل إلى حاضر، ومن فكرة ننتظر ولادتها ونبوءة نتطلع إلى مصداقها، إلى واقعٍ قائمٍ ننتظر فاعليته وإنسانٍ معينٍ يعيش بيننا بلحمه ودمه، نراه ويرانا ويعيش مع آمالنا وآلامنا ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا، ويترقب مع الآخرين اللحظة الموعودة)(٨).
إنّ أطروحة المخلص أو المنقذ عند المسلمين والمتجسدة في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) تعطي مسيرة الصلاح والإصلاح في البشرية عامل استمرار بقوة وفاعلية أكثر، ومن جهة أخرى تحافظ على منجزات الرسالات السماوية والتي هي ثمرة جهود الأنبياء (عليهم السلام) عبر التاريخ البشري.
ينطلق الشيعة في نظرتهم إلى المهدوية من معتقد الإمامة، فهي الإمامة الباقية والتي تتفرع من النبوة، والإمام المهدي (عليه السلام) هو ذلك الإنسان الحاضر والناظر والراصد لمستوى العدالة في البشرية ومدى استعداد الناس لتقبل نهضته، مما يؤكد أن وجود الإمام في كل عصر وزمان ضرورة لا غنى عنها، وذلك لتحقيق الأهداف الإلهية، وضمن دائرة السنن الجارية وبالطرق الطبيعية.. ومن هذا المنطلق، فقد ولد الإمام الأخير عام ٢٥٥ هـ (٨٦٩م) ولازال يعيش في دار الدنيا، وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن يطول عمره الشريف، وأن يغيب عن الناس (غيبة عنوان)(٩) في هذه الحقبة الزمنية من تاريخ البشرية، بانتظار أن يأذن الله له بالظهور، وتسنح له الفرصة للقيام بالحركة الإصلاحية الشاملة على مستوى العالم بأسره.
عوائق تعريف المهدوية للحضارات:
الحديث عن تعارف الحضارات وإيضاح مفهوم المهدوية للأمم والشعوب المختلفة لا يمكن أن يتم بدون إرساء أسس استراتيجية واضحة للبناء، وفي نفس الوقت تجاوز المعوقات والصعوبات التي تقف حجر عثرة أمام جهود التعريف، وهنا لابد من إلقاء الضوء على العقبات الرئيسية لتجاوزها وتفكيكها من أجل دعم مفهوم التعريف وتيسير مهمته، بصفته خياراً استراتيجياً ومفهوماً حضارياً ومنهجاً يمكن من خلاله مناقشة كافة الهموم المشتركة والقضايا المصيرية، ومنها المسائل المتعلقة بمستقبل البشرية والرؤية الحضارية لفكرة المخلص.. ومن هذه المعوقات التي تحول دون تنفيذ المهمة الآتي:
١- عدم إدراك أهمية مشروع التعريف:
إن عدم الاهتمام بمفهوم تعريف المهدوية للحضارات المختلفة يعود بشكل أساس إلى عدم إدراك أهمية هذا المشروع أو المصطلح، بالإضافة إلى اللَّبس المسيطر على بعض المؤمنين في إدراك الأبعاد المختلفة للثقافة المهدوية، ولا يعود ذلك إلى عدم وضوح الرؤية أو سعة الأفق فحسب، بل قد يعكس ما نحمل من قصور تجاه الإمامة الخاتمة والتفاعل مع همومها، إضافة إلى ذلك فقدان الهمّ العلمي الذي هو شرط أساس وضروري لتشكيل رؤية استراتيجية لمفهوم التعريف.
لا شك في أن الثقافة المهدوية قد فقدت الكثير من منهجها الفكري، عند اقتصار مخاطبتها للمسلمين فقط، وعدم إدراك أهمية مخاطبة الآخر أو كل الأمم والشعوب، ولذا نشهد انحسار الرؤية الحضارية في الكتابات المهدوية، مما حال دون توسيع آفاقنا وتطور أفكارنا ومعارفنا المهدوية، ولا يرجع السبب إلى فقر العقيدة المهدوية ومبادئها، إنما السبب في عجزنا عن حسن التعامل مع منظومة القيم والمعارف المرتبطة بها، وعدم الاستفادة من رؤيتها الحضارية ذات العطاء المتجدد والمتقدم والمجرد عن حدود الزمان والمكان.. فالانحسار الذي نعاني منه ناتج عن أزمة فكر بالأساس، ولذا نشهد في السياق التاريخي للتراث والمعارف المهدوية بُطئاً في التطور الفكري لا يتناسب مع متطلبات مسيرة التمهيد، وإلا فان أحد المصاديق البارزة لمعنى الانتظار والاستعداد لظهوره هو تعريف العالم بمنقذه (إمام الزمان) وتهيئة البيئة المناسبة لإنجاز مهمته الإصلاحية الكبرى.
٢- عدم فهم الحضارات الأخرى:
إن عدم التعرف على مجتمعات الحضارات المختلفة كما هي في الواقع، وعدم الاطلاع على تطوراتها العلمية والفكرية والثقافية والدينية والسياسية والفلسفية الحديثة، وعدم الإحاطة بنظرتها للمستقبل ورؤيتها لنهاية التاريخ وفكرتها للمخلص الموعود، كل ذلك يخلق لنا إشكالية عدم الرؤية الصحيحة والواعية لهذه الحضارات.. ومن غير تجاوز هذه الإشكالية فسوف يتقلص تشكيل فضاء فكري خلاق يفضي إلى التواصل والتعارف المتكافئ حضارياً بيننا وبين النخب الفكرية لتلك الحضارات.
مشروع التعريف ينبغي أن يشمل كل الحضارات الفاعلة والمتجددة، فلا يصح أن ننظر لمفهوم أو مصطلح التعريف على أنه حوار أو تعارف بين الإسلام والغرب فقط، مما يجعلنا نفقد التواصل مع الحضارات الأخرى كالصينية أو الهندية مثلاً.. لذا ينقصنا تكوين المعرفة بالمناهج والأبنية الفكرية والايديولوجية والنظريات الثقافية للحضارات الغائبة تماماً عن مداركنا ودراساتنا وبحوثنا، وهذا يعني أننا لا نملك معرفة حقيقية عن بعض الحضارات الحيوية والمعاصرة.. وبنظرة إلى الأهداف الكبرى للمهدوية ومشروعها الحضاري العالمي، نجد أن أبسط مسؤوليتنا تعريفها لكل شعوب العالم، وللأسف فإننا حالياً نعاني غياب المختصين والباحثين، الذين يمكن أن يقدموا لنا معرفة واسعة بتاريخ تلك الحضارات الغائبة عنا، ويعززوا هذه الدراية بنظرة شاملة معاصرة عنها، لنتجاوز أزمة الثقة وسوء الفهم المتبادل بين الطرفين.
٣- محاربة أعداء الإسلام للمهدوية:
في قبال النزعة المتأصلة بالفطرة والمؤيدة ببشارات الأنبياء والرسل (عليهم السلام) وإيمان البشرية بفكرة المخلص، فإن ثمة موجة تشكيك وتشويه ومحاربة للقضية المهدوية، تقف وراءها جهات خبيثة معادية للإسلام وللمؤمنين، وتنتهج سبيل خلق ظروف وبيئة تفرز مناخاً يساعد على تقويض أمر المهدوية، وتكوين حالة من العداء النفسي والفكري للإمام (عجّل الله فرجه) في أوساط المؤمنين ودحض الثقافة المهدوية.. لا محيص من المواجهة لكل ما يستهدف النيل من العقيدة المهدوية والذود عنها وكشف خطط الأعداء وخبثهم.
وفي الحقيقة جوهر خطة الأعداء قائم على استدراجنا لمعارك جانبية عديدة يفتعلونها، لإشغالنا واستفراغ طاقاتنا الفكرية والنفسية بعمليات الدفاع عن العقيدة المهدوية، وصرفنا عن مهمتنا الرئيسية (التمهيد لظهوره).. وهذه ساحة لا ينبغي أن نستدرج إليها أو نعطيهم الفرصة لتشتيت عقولنا، فتستمر الغفلة وتحجم المهمة وتضيع جهودنا وأوقاتنا في معايشة الأزمات، فمن فتنة إلى أخرى ومن مشكلة إلى شاكلة.
علينا أن نتجاوز المعارك والفتن الفكرية المرتبطة بالمهدوية والتي يعمل الخصوم والمناوئون على استدراجنا لها، فنوضح حقيقتها ونفسر للأمة دوافعها، فيبطل مفعولها ومن غير أن ننغمس فيها، ونستبدل الدفاع بمزيد من التوضيح والترسيخ للمهدوية، والتناول الإيجابي لرؤاها، وإدراك المسار الاستراتيجي لأهدافنا والمشي بخطى ثابتة في مهمتنا الأولى وهدفنا الرئيسِ.
إن رصدنا للمعوقات الفكرية والعقبات العملية التي تواجه (مفهوم التعريف) ووعينا بها، يساعد على تحويلها إلى إمكانات قد تستثمر كآليات إضافية متاحة في الساحة الفكرية في سبيل إنجاح مشروع التعريف.
المصادر:
(١) المسألة الحضارية: كيف نبتكر مستقبلنا في عالم متغير؟ -زكي الميلاد- مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت، ٢٠٠٨م.
(٢) معرفة الحداثة والاستغراب.. حقائق متضادة -حسين كتشويان نيان- مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت، ٢٠١٦م.
(٣) مجلة الموعود، العدد التاسع، شعبان ١٤٣٥هـ، مؤسسة المستقبل المشرق، ايران، دراسة: (أنماط السلوك البشري والأخلاق المعدة والممهدة للظهور) د. محمد كوراني.
(٤) التراث المهدوي.. استقراء التطور الفكري في مسيرة التراث المهدوي الشيعي -مجتبى السادة، أطياف للنشر والتوزيع- القطيف، ٢٠١٨م.
(٥) البحث عن منقذ.. دراسة مقارنة بين ثماني ديانات - فالح مهدي، دار ابن رشد، بغداد ١٩٨١م.
(٦) نحن والعالم.. من أجل تجديد رؤيتنا إلى العالم - زكي الميلاد، مؤسسة الانتشار العربي - بيروت، ٢٠١٣م.
(٧) مجلة الاستغراب - المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية - بيروت، العدد الأول - خريف ٢٠١٥م، دراسة: (في إمكانية معرفة الغرب) رضا داوري الأردكاني، ودراسة (لماذا الاستغراب؟) محمود حيدر.
(٨) بحث حول المهدي، السيد محمد باقر الصدر، دار التعارف للمطبوعات - بيروت، ١٩٧٧ م.
(٩) رؤى مهدوية.. شذرات فكرية في القضية المهدوية - مجتبى السادة، اطياف للنشر والتوزيع - القطيف، ٢٠١٦م.
الهوامش:
(١) تعرف الحضارة بأنها: نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي، فهي تتكون من أربعة عناصر، المواد الاقتصادية والنظم السياسية والتقاليد الأخلاقية ومتابعة العلوم والفنون، المصدر: موسوعة قصة الحضارة، تأليف: ول وايريل ديورانت، ترجمة: زكي نجيب محمود، المجلد الأول، ب١ – ص ٣، طبعة ١٩٨٨م.. يمكن الإشارة إلى تعريف دقيق شامل لمعنى الحضارة: (أن الحضارة تعني الحصيلة الشاملة للمدنية والثقافية فهي مجموع الحياة في صورها وأنماطها المادية والمعنوية)، المصدر: توفيق محمد سبع، قيم حضارية في القرآن الكريم، ج١ ص٣١ دار المنار – القاهرة.
(٢) طرحت هذا المفهوم أو المصطلح لأول مرة في عام ١٤٣٦هـ / ٢٠١٥م، في صحيفة (صدى المهدي – عدد ٧٦)، ولقى اهتماماً وتقبلاً في أوساط المؤمنين وفضلاء الحوزة العلمية في النجف الأشرف.
(٣) الآخر: لا يقصد به الضدية، أنما يراد منه كيان مختلف أو شيء ثاني.. ويرتبط هنا بمفهوم الهوية الجمعية، أي خارج ثقافتنا.
(٤) منظومة البناء المعرفي هي: حصيلة المعرفة الإنسانية عبر مسيرتها التاريخية، وتقوم على أساس من التنظيم والتصنيف والتراكم وفق معايير موضوعية، وتتكون عناصرها من: معلومات وحقائق ومفاهيم وتعليمات ومبادئ وقيم ونظريات واتجاهات ومهارات.. المصدر: بحث للدكتور محمد الخوالدة، بعنوان (منظومة البناء المعرفي وطرائق تدريسها)، قدم في المؤتمر العربي الثالث حول المدخل المنظومي في التدريس والتعلم - جامعة عين شمس - القاهرة - ابريل ٢٠٠٣م.
(٥) أظهرت الدراسات الاجتماعية الحديثة أن القيم والمعتقدات الدينية تشكل العنصر الأساسي في البناء الثقافي للمجتمع.. وكذلك فإن ارتقاء المجتمعات يرتبط بظهور القيادة الملهمة التي تمتلك رؤية متميزة، تؤدي إلى تحفيز الهمم والأفعال وتوليد زخم نفسي وروحي، فتخرج المجتمع من ركوده، وتدفعه للمضي في عملية بناء نفسه وإظهار قدراته العلمية.
(٦) دستور رائع في إدارة الدولة وسياسة الحكومة ومراعاة حقوق الشعب.. وقد اعتمدت هذه الرسالة في الأمم المتحدة كونها من أوائل الرسائل الحقوقية، والتي تحدد الحقوق والواجبات بين الحكومة والشعب، واعتبرت كأحد مصادر التشريع للقانون الدولي، وقد دعت الأمم المتحدة لاتخاذ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) مثالاً للحاكم الصالح - المصدر كتاب: بحوث معاصرة في الساحة الدولية، للشيخ محمد السند، ص ٣٦٤-٣٦٥.
(٧) دراسة فكرة المخلص بشكل مقارن بين ثماني ديانات هي: المصرية القديمة والهندوسية والبوذية والجينية والزرادشتية واليهودية والمسيحية والإسلامية – للتوسع في هذا المجال ارجع إلى كتاب (البحث عن منقذ) لـ: فالح مهدي – بغداد ١٩٨١م ودراسة فكرة المهدي المنتظر بين أربعة مذاهب إسلامية هي: الإباضية والإسماعيلية وأهل السُنة والشيعة الإمامة، ارجع إلى كتاب (رؤى مهدوية) لـ: مجتبى السادة – ٢٠١٦ م.
(٨) بحث حول المهدي، للسيد محمد باقر الصدر، ص ١٠.
(٩) غيبة عنوان: وهي أن الناس يرون الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بشخصه، دون أن يكونوا عارفين أو ملتفتين إلى حقيقة أنه المهدي المنتظر.