الصفحة الرئيسية » البحوث والمقالات المهدوية » (٦٩٢) عولمة الغرب وعالمية الدولة المهدوية
 البحوث والمقالات المهدوية

المقالات (٦٩٢) عولمة الغرب وعالمية الدولة المهدوية

القسم القسم: البحوث والمقالات المهدوية الشخص الكاتب: الدكتور عاطي عبيات تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠٢١/٠٥/٠٩ المشاهدات المشاهدات: ٤٧١٨ التعليقات التعليقات: ٠

عولمة الغرب وعالمية الدولة المهدوية

الدكتور عاطي عبيات

المقدمة:
العولمة ظاهرة لا تُنكر في العصر الراهن، حيث تسعى البشرية تدريجياً ومن خلال التطور البشري في مجالات التقنيات الحديثة، التكنولوجيا، المواصلات، المعلومات، وعالم الارتباطات للوصول إليها والعمل على تحقيقها. ولا شك أن الإنسان في هذا العصر وعلى الرغم من كل التقدم العلمي والحضاري والتكنولوجي يموج في بحر من الظلمات والفتن، فمنذ أنْ بدأت الخليقة وحصلت أول جريمة في تاريخ البشر حينما قتل قابيل هابيل، غاصت البشرية منذ ذلك الوقت في بحر من الدماء، فلا زالت شعوب الأرض تتصارع فيما بينها لأتفه الأسباب، لا لشيء سوى الأنانية وحب السلطة والمال، فنسي الخلق خالقهم أو تناسوه، وغفلوا عن سبب الوجود وغايته، قال تعالى: ﴿وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات: ٥٦)، وتعامت أبصارهم عن الحق ونصرته، فعمّ الفساد والظلم وشاع الجور والعدوان، ولا يزال الله (عزّ وجل) يبطش بطشته الكبرى بكل جبار عنيد، وكل أمة ظالمة كي تكون عبرة لمن يعتبر ودليلاً لمن يستبصر.
ولا زالت رسله تترى على أهل الأرض أمة بعد أمة، مبلّغين ومنذرين وهادين لطريق الرشاد والسداد، حيث السعادة الأبدية برضا الرب وراحة النفس وطمأنينة القلب، بشرائع إلهية فيها نَظْمُ أمر الإنسان في دنياه وسعادته في آخرته، فكانت اليهودية والنصرانية بتوراتها وإنجيلها، حتى إذا حُرّفتا وغُيّرتا، ختم الله بالإسلام وجعله كاملاً متكاملاً، فيه كل ما يحتاجه الإنسان لإصلاح أمر دنياه من قوانين وتشريعات، فلم تترك تلك الشرائع الإلهية ناحية من نواحي الحياة إلّا وبيّنت فيها الحكم وفصّلت فيها القول.
لكن الإنسان يأبى إلّا إطاعة هواه فنبذ فريق منهم كتاب الله وراء ظهورهم وعادوا إلى غيِّهم وبدؤوا يكيدون لبعضهم البعض، وبرز شياطين القوم ينظّرون ويقنّنون لأنظمة وضعية يريدون من خلالها تحقيق مصالحهم وغاياتهم الشخصية ورغباتهم النفسية، من خلال الضحك على عقول الجهال ممن لا دين لهم، إنما همج رعاع يلهثون وراء كل ناعق.
مفهوم العولمة:
لفظة العولمة هي ترجمة للمصطلح الإنجليزي (Globalization) وبعضهم يترجمها بالكونية، وبعضهم يترجمه بالكوكبة، وبعضهم بالشوملة، إلّا إنه في الآونة الأخيرة اشتهر بين الباحثين مصطلح العولمة وأصبح أكثر الترجمات شيوعاً بين أهل السياسة والاقتصاد والإعلام.
وتحليل الكلمة بالمعنى اللغوي يعني: تعميم الشيء وإكسابه الصبغة العالمية وتوسيع دائرته ليشمل العالم كله.
فأمّا العولمة مصدراً فقد جاءت توليداً من كلمة عالم ونفترض لها فعلاً هو: عَوْلم يُعولم عولمة بطريقة التوليد القياسي... وأمّا صيغة الفعللة التي تأتي منها العولمة فإنما تستعمل للتعبير عن مفهوم الإحداث والإضافة، وهي مماثلة في هذه الوظيفة لصيغة التفعيل(١).
وكثرت الأقوال حول تعريف معنى العولمة حتى إنك لا تجد تعريفاً جامعاً مانعاً يحوي جميع التعريفات، وذلك لغموض مفهوم العولمة، ولاختلافات وجهة الباحثين، فتجد للاقتصاديين تعريفاً، وللسياسيين تعريفاً، وللاجتماعيين تعريفاً وهكذا، ويمكن تقسيم هذه التعريفات إلى ثلاثة أنواع: ظاهرة اقتصادية، وهيمنة أمريكية، وثورة تكنولوجية واجتماعية.
اختلاف التصورات حول مفهوم العولمة:
هناك نظريات وآراء عديدة حول العولمة، فهناك من يرى العولمة على أنها ظاهرة مرحلية وعابرة في تاريخ البشرية، ويرى آخرون عكس ذلك، بأنها تَبَلْورٌ وانتشار للظاهرة الرأسمالية الغربية، ومنهم من يرى أن العولمة هي تحول سياسي في السياسة العالمية، وإنّ فهم هذا يحتاج إلى فكر جديد(٢) ويمكن صياغة العولمة في نظريتين: (النظرية الإيجابية المُثْبتَة - النظرية السلبية المنفية).
العولمة ومن خلال التطور في المجالات المعلوماتية والتقنية، بمثابة جسر يتم عبره توحيد العالم كلّه، لإنهاء المعاناة البشرية والقضاء على حالات الحرمان في كافة الأصعدة والمجالات العلمية، الاقتصادية، السياسية الاجتماعية، الثقافية، أو تخفيف تلك المعاناة والصدمة وسيادة الأساليب المرضية الدينية، الأخلاقية، أو على الأقل الإنسانية في العالم، وإيجاد وتأسيس الوحدة المنتقاة الإيجابية المثبتة والمتكاملة بين البشرية، لأن معنى العولمة هو تصيير الشعوب والأمم العالمية مبدءاً وسلوكاً واحداً، وفي قامة واحدة، وموقع واحد لمواجهة كافة التحديات المخلة بالتكامل البشري.
العولمة الفعلية تمتلك بعض الخصائص المثبتة والإيجابية والفوائد، وهدفها الأساسي في الواقع توحيد العالم لا غير، ودمجه في الأسواق العالمية المشتركة بقيادة عالم الرأسمالية المتمثلة بأمريكا، تلك الأسواق التي تتمثل بها كل أساليب الحياة الاجتماعية؛ التي تعمّ الاقتصاد والسياسة والثقافة أخيراً، بلغة السير وراء المنافع والمصالح الشخصية الاستكبارية، وسلطة الحضارة الغربية وسيطرتها من دون قيد أو شرط، واستيلاء الدول الغنية بكثافة على الدول الفقيرة، مما دعا بعض المفكرين الغربيين إلى الاعتقاد بخطورة العولمة وأنها تهديد بالفعل والقوة، بسبب الغطرسة الأمريكية وحالة الطغيان والتكبر على العالم.
نشأة العولمة:
يذهب بعض الباحثين إلى أن العولمة ليست وليدة اليوم، بل هي عملية تاريخية قديمة مرت عبر الزمن بمراحل ترجع إلى بداية القرن الخامس عشر إلى زمن النهضة الأوروبية الحديثة حيث نشأت المجتمعات القومية.. فبدأت العولمة ببزوغ ظاهرة الدولة القومية عندما حلت الدولة محل الإقطاعية، مما زاد في توسيع نطاق السوق ليشمل الأمة بأسرها بعد أن كان محدوداً بحدود المقاطعة.
وذهب بعض الباحثين إلى أن نشأة العولمة كانت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين، إلّا أنها في السنوات الأخيرة شهدت تنامياً سريعاً. يقول إسماعيل صبري: (نشأت ظاهرة الكوكبة (العولمة) وتنامت في النصف الثاني من القرن العشرين، وهي حالياً في أوج الحركة، فلا يكاد يمرّ يوم واحد دون أن نسمع أو نقرأ عن اندماج شركات كبرى، أو انتزاع شركةٍ السيطرةَ على شركة ثانية)(٣).
إن الدعوة إلى إقامة حكومة عالمية، ونظام مالي عالمي موحد والتخلص من السيادة القومية، بدأت في الخطاب السياسي الغربي منذ فترة طويلة، فهذا هتلر يقول في خطابه أمام الرايخ الثالث: (سوف تستخدم الاشتراكية الدولية ثورتها لإقامة نظام عالمي جديد) وفي كتابات الطبقة المستنيرة عام ١٧٨٠: (من الضروري أنْ نقيم إمبراطورية عالمية تحكم العالم كله).
وجاء في إعلان حقوق الإنسان الثاني عام ١٩٧٣: (إننا نأسف بشدة لتقسيم الجنس البشري على أسس قومية. لقد وصلنا إلى نقطة تحول في التاريخ البشري حيث يكون أحسن اختيار هو تجاوز حدود السياسة القومية، والتحرك نحو بناء نظام عالمي مبني على أساس إقامة حكومة فيدرالية تتخطى الحدود القومية).
وقال بنيامين كريم أحد قادة حركة العصر الجديد عام ١٩٨٢: (ما هي الخطة؟ إنها تشمل إحلال حكومة عالمية جديدة، وديانة جديدة).
وكانت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر قد اقترحت فكرة العولمة، يرافقها في ذلك الرئيس الأمريكي السابق رولاند ريغن. ووجهة نظر تاتشر الاقتصادية -والتي عُرفت بالتاتشرية- انبثقت من الاستحواذ اليهودي على المال والعتاد... حيث إن فكرتها الاقتصادية والتي صاغها اليهودي جوزيف تهدف إلى جعل الغني أغنى والفقير أفقر.
ويذكر (بات روبرتسون)(٤) أن النظام العالمي الجديد نظام ماسوني عالمي، ويعلل ما يقول: (بأن على وجهَي الدولار مطبوع علامة الولايات المتحدة، وهي عبارة عن النسر الأمريكي ممسكاً بغصن الزيتون رمز السلام بأحد مخالبه، وفي المخلب الآخر يوجد (١٣) سهم رمز الحرب.
وعلى الوجه الآخر هرم غير كامل، فوقه عين لها بريق المجد، وتحت الهرم كلمات لاتينية novus Order) Seclorum) وهي شطرة من شعر فرجيل الشاعر الروماني القديم معناها نظام جديد لكل العصور).
إن الذي صمّم علامة الولايات المتحدة هذه هو تشارلز طومسون، وهو عضو في النظام الماسوني، وكان يعمل سكرتيراً للكونجرس. وهذا الهرم الناقص له معنى خاص بالنسبة للماسونيين، وهو اليوم العلامة المميزة لأتباع حركة العصر الجديد. وبعد تحليل ليس بطويل يصل المؤلف إلى وجود علاقة واضحة تربط بين النظام الماسوني والنظام العالمي الجديد.
وقد جاء في مجلة المجتمع بحثٌ عن منظمة (بلدربرج) والتي أسسها رجل الأعمال السويدي (جوزيف ريتنجر) -والذي سعى إلى تحقيق الوحدة الأوروبية، وتكوين المجتمع الأطلسي- وهي منظمة سرية تختار أعضاءها بدقة متناهية من رجال السياسة والمال، وتعقد اجتماعاتها في داخل ستار حديدي من السرية، وفي حراسة المخابرات المركزية الأمريكية وبعض الدول الأوروبية، ولا تسمح لأي عضو بالبوح بكلمة واحدة عن مناقشاتها، ولا يحق للأعضاء الاعتراض أو تقديم أي اقتراح حول مواضيع الجلسات، ويمول هذه المنظمة مؤسسة روكفلور اليهودية وبنك الملياردير اليهودي روتشيلد، ومعظم الشخصيات في هذه المنظمة هم من الماسونيين الكبار، وكثير من رؤساء الولايات المتحدة نجحوا في الانتخابات بعد عضويتهم في هذه المنظمة مثل: ريجان، وكارتر، وبوش، وكلينتون، وبعد اشتراك تاتشر في المنظمة بسنتين أصبحت رئيسة وزراء إنجلترا، وكذلك بيلر أصبح رئيساً للوزراء بعد مضي أربع سنوات من اشتراكه في المنظمة، وهي تسعى للسيطرة على العالم وإدارته وفق رؤيتها، فقرارتها تؤثر على التجارة الدولية وعلى كثير من الحكومات(٥).
فالعولمة نشأت مع العصر الحديث وتكوّنت بما أحدثه العلم من تطور في مجال الاتصالات وخصوصاً بعد بروز الإنترنت والذي أتاح مجالاً واسعاً في التبادل المعرفي والمالي، وارتباط نشأة الدولة القومية بالعولمة في العصر الحاضر فيه بُعْدٌ عن مفهوم العولمة والذي يدعو أساساً إلى نهاية سيادة الدولة والقضاء على الحدود الجغرافية، وتعميم مفهوم النظام الرأسمالي واعتماد الديموقراطية كنظام سياسي عام للدول.
ولكن هناك أحداث ظهرت ساعدت على بلورة مفهوم العولمة وتكوينه بهذه الصيغة العالمية، فانهيار سور برلين، وسقوط الاشتراكية كقوة سياسية وإيديولوجية وتفرّد القطب الأوحد بالسيطرة والتقدم التكنولوجي وزيادة الإنتاج ليشمل الأسواق العالمية، أدت إلى تكوين هذا المفهوم.
الفرق بين العولمة والعالمية:
إن التقابل بين العالمية والعولمة وإيجاد الفرق بينهما فيه نوع من الصعوبة، خصوصاً أن كلمة العولمة مأخوذة أصلاً من العالم، ولهذا نجد بعض المفكرين يذهبون إلى أن العولمة والعالمية تعني معنى واحداً وليس بينهما فرق. ولكن الحقيقة أن هذين المصطلحين يختلفان في المعنى، فإن بينهما مقابلة كالمقابلة بين الشر والخير.
العالمية: انفتاح على العالم، واحتكاك بالثقافات العالمية مع الاحتفاظ بخصوصية الأمة وفكرها وثقافتها وقيمها ومبادئها - بما ينسجم مع قيم الإسلام -. فالعالمية إثراء للفكر وتبادل للمعرفة مع الاعتراف المتبادل بالآخر دون فقدان الهوية الذاتية. وخاصية العالمية هي من خصائص الدين الإسلامي، فهو دين يخاطب جميع البشر، دين عالمي يصلح في كل زمان ومكان، فهو لا يعرف الإقليمية أو القومية أو الجنس، جاء لجميع الفئات والطبقات، فلا تحده الحدود.
ولهذا تجد الخطاب القرآني موجهاً للناس جميعاً وليس لفئة خاصة، فكم آية في القرآن تقول ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ فمن ذلك قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى﴾ (الحجرات: ١٣) وقوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً﴾ (الأعراف: ١٥٨) وقوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ﴾ (النساء: ١) إلى غير ذلك من الآيات التي ورد فيها لفظ الناس وقد تجاوزت المائتي آية؛ بل إن الأنبياء السابقين (عليهم السلام) تنسب أقوامهم إليهم (قوم نوح)، (قوم صالح) وهكذا، إلّا النبي محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه لم يرد الخطاب القرآني بنسبة قومه إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا يدل على عالمية رسالته (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو عالمي بطبعه، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: ١٠٧).
ومن أسباب تخلّفنا عن الركب الحضاري هو إقصاء الإسلام عن عالميته، وعدم زجّه في كثير من حقول الحياة بزعم المحافظة على قداسته وطهوريته، وهذا نوع من الصدّ والهجران للدين، وعدم فهم لطبيعة هذا الدين والذي من طبيعته وكينونته التفاعل مع قضايا الناس والاندماج معهم في جميع شؤون الحياة، وإيجاد الحلول لكل قضاياهم، وهذا من كمال هذا الدين وإعجازه.
فهو دين تفاعلي حضاري منذ نشأته. فمنذ فجر الرسالة النبوية نزل قوله تعالى: ﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ (الروم: ١-٤) (فيذكر الخطاب القرآني الكريم المتغيرات العالمية، لإدراك أبعاد التوازنات بين القوتين العظيمتين في ذلك الزمان، وذلك أن المسلم يحمل رسالة عالمية، ومن يحمل رسالة عالمية عليه أن يدرك الوقائع والأوضاع العالمية كلها وخاصة طبيعة وعلاقات القوى الكبرى المؤثرة في هذه الأوضاع)(٦).
أمّا العولمة: فهي انسلاخ عن قيم ومبادئ وتقاليد وعادات الأمة وإلغاء شخصيتها وكيانها وذوبانها في الآخر. فالعولمة تنفذ من خلال رغبات الأفراد والجماعات بحيث تقضي على الخصوصيات تدريجياً من غير صراع إيديولوجي. فهي (تقوم على تكريس إيديولوجيا الفردية المستسلمة) وهو اعتقاد المرء في أن حقيقة وجوده محصورة في فرديته، وأن كل ما عداه أجنبي عنه لا يعنيه، فتقوم بإلغاء كل ما هو جماعي، ليبقى الإطار (العولمي) هو وحده الموجود.
فهي تقوم بتكريس النزعة الأنانية وطمس الروح الجماعية، وتعمل على تكريس الحياد وهو التحلل من كل التزام أو ارتباط بأية قضية، وهي بهذا تقوم بوهم غياب الصراع الحضاري أي التطبيع والاستسلام لعملية الاستتباع الحضاري. وبالتالي يحدث فقدان الشعور بالانتماء لوطن أو أمة أو دولة، مما يفقد الهوية الثقافية من كل محتوى، فالعولمة عالم بدون دولة، بدون أمة، بدون وطن، إنه عالم المؤسسات والشبكات العالمية.
العولمة ليست مفهوماً مجرداً؛ بل هي تحول كلي إلى سياسات وإجراءات عملية ملموسة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والإعلام؛ بل وأخطر من ذلك كله هو أن العولمة أضحت عملية تطرح -في جوهرها- هيكلاً للقيم تتفاعل كثير من الاتجاهات والأوضاع على فرضه وتثبيته، وقسر مختلف شعوب المعمورة على تبنّي تلك القيم وهيكلها ونظرتها للإنسان والكون والحياة(٧).
آثار وعوامل تحقق العولمة الغربية:
نظرية سياسة القدرة (لهانس موكنتا)، نظرية تنازع الحضارات (لهانتينكتون)، سياسة الحرب الصليبية للمحافظين الأمريكان الجدد، سياسة الاحتلال، الانحياز، المنهج والأسلوب العسكري في الحرب ضد الإرهاب، التهديد والتخويف والإرعاب المتمثل بالأسلوب العسكري والأمني، إسقاط الأنظمة وتجزئة الدول والبلدان أو احتلالها، وذلك لاعتماد العولمة الغربية في سياستها على القطب الواحد، الرأسمالية؛ إعمال بعض مراتب القدرة والتسلط على بعض شعوب العالم، غلبة مصالح رجال الجيش ونفوذه في دولة من الدول، استخدام أساليب وأدوات جديدة للتحميق الثقافي والعلمي، التطميع الاقتصادي والتكنولوجي... وغيرها، كل تلك الأمور كانت مدعاة لبعض المفكرين الغربيين أمثال: (بولاين)، (اسكات كري)، (هوتن)، (فركلا)... وغيرهم بأن يعبّروا عن العولمة بتعابير، كالعولمة الغربية، الأمريكية، والإمبريالية أحياناً في قالب نظام جديد يقوم على قطب واحد والمدينة الفاضلة(٨).
إن العولمة الغربية هي نظرية وأطروحة مفروضة وبناء هندسي اجتماعي متعدد الأنظمة يفرض فيها سيطرة الإيدلوجية الغربية، وهي تسعى من خلال اعتمادها على الأسس الليبرالية والرأسمالية الجديدة إلى فرض الأساليب والثقافة الأمريكية والغربية على الشعوب والأمم العالمية ونشر ثقافة الصرف وأصالة الثروة.
إن أتباع هذا السلوك يرون: أن العولمة إرادية واختيارية وهي تحت تصرّف جماعة معينة، وزعم هؤلاء بأن هذه الإدارة في الوقت الحاضر إنما هي اختيار وتصرّف العالم الرأسمالي.
ويمكن القول من خلال هذه النظرة: بأن العولمة هي مرحلة جديدة من الإمبريالية، وقد ظهرت بداياتها موحدة، واصطنعت لها أخيراً وجهاً عالمياً. ويرى (شون هيلي) وهو من مخالفي العولمة، بأنها مشروع مفروض، ويعتقد بأن العولمة يمكن القول بها في بعض المجالات وأن الثروة في القرن الأخير لم تصل إلى مرحلة العولمة فحسب، بل أصبحت في اختيار جماعة معينة ومحدودة وأن التكنولوجيا والتطور وإنْ وصل إلى مرحلة أقدر مما كان عليه، لكنها لم تصل إلى مرحلة العولمة، بل وحتى التوسعة والتطور الاقتصادي الذي هو أساس الأرجحية التاريخية للرأسمالية هو أيضاً لم يصل إلى مرحلة العولمة(٩).
العالمية الدينيّة:
نقصد بكلمة العالمية في هذا العنوان هنا مجرّد صيرورة الشيء عالمياً دون أيّة مضاعفات أو ملابسات أو اختزانات مفهومية إضافية كالتي تقدّمت، وبالتأكيد فإنّ المنظومة المعرفية الدينية على مستوى الديانات كافة تقريباً تستبطن هذا التصور العالمي لاسيما الديانة الإسلامية التي صرّحت نصوصها بالبعد العالمي فيها، فقد جاء في القرآن الكريم ﴿وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ﴾ (الأنبياء: ١٠٧)، وجاء أيضاً ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾ (ص: ٨٧)، ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدى لِلْعالَمِينَ﴾ (آل عمران: ٩٦)، ﴿وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾ (يوسف: ١٠٤)، ﴿تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً﴾ (الفرقان: ١)، ﴿وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً﴾ (سبأ: ٢٨).
كذلك فكرة المهدوية تؤكّد هذه المقولة، وتدعم التصور القاضي بعالمية الدين، وهو ما يدفع البعض إلى القول بأنّ العولمة -إذا ما تعدّينا صيغتها اللغوية- لا تمثل موضوعاً جديداً في الحياة البشرية وإنما هي مشروعٌ استهدفته الكثير من الأمم والحضارات والأديان والقوى السابقة والغابرة، والفروقات التي تبدو إنّما هي في ميزات الواقع المعاصر، ومن هنا تكون العولمة خياراً إسلامياً في جوهرها(١٠).
غير أن النقطة المركزية في المقارنة بين العولمة الغربية والعالمية الدينية تكمن في البنى القبلية التي انطلقت منها هاتان الظاهرتان، فبحسب العرض المتقدم لظاهرة العولمة الغربية يلاحظ أن المنطلقات التي يراد عولمتها وكذلك الدوافع التي تحرّك هذا المشروع تختلف في جذرها عن العالمية الدينية في الجانبين المذكورين، لأن الجمع بين العولمة ونهاية التاريخ في التصوّر الغربي يعني أن المراد تعميم الليبرالية بالمفهوم الحديث لها، وهذا يعني نوعاً من استبطان المفاهيم الحداثية في داخل المشروع، وهي مفاهيم -بغض النظر عن الآراء فيها بين الحداثيين وما بعد الحداثيين- تقوم على الفردية والنفعية والمادية وغيرها من المفاهيم التي تستوعب الثقافة الغربية والأمريكية بالخصوص.
إذن ما يراد عولمته في المشروع الحاضر هو هذه المنظومة المعرفية والحياتية، هذا من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى فإن العنصر المحرّك لظاهرة العولمة هو العنصر الاقتصادي، وأمّا الجوانب السياسية والثقافية والحضارية واللغوية والاجتماعية و... فإنما هي أمورٌ تتبع المركز الذي يصدر عنه المشروع، وتقف في درجةٍ متأخّرةٍ عنه.
إذا أخذنا هذين الأمرين بعين الاعتبار يمكننا أن نقرأ الموائز بين العولمة الغربية والعالمية الدينية سيما الإسلامية، في المشروع الذي يراد تعميمه من خلال العولمة، فإن العولمة الغربية تريد في وقتها الراهن تعميم الليبرالية الحديثة، والليبرالية تعني قبل كل شيء أو تختزن إلغاء الطابع المعنوي للحياة وإعادة رسمها وفق أسس مصلحية نفعية فردية تفترض الإنسان محور الحياة دون أن يكون جزءاً من كلٍّ أكبر، وهذه الليبرالية لا تحمل سوى العقل الكمّي لأمور ذاك العقل الذي صبغ الفكر الغربي عموماً في الفترة الأخيرة، والشيء الطبيعي الذي يتوقّع أن ينجم عن ذلك هو ازدياد الهوّة بين الناس أجمعين، لا فقط بين الحضارات أو بين الطبقات.
والسبب في ذلك يكمن في طبيعة التصادمات المصلحية بين البشر، وهي تصادمات وإنْ أمكن الحدّ منها من خلال بعض النظم الغربية في مجال السياسة والاجتماع إلّا أنّ العقل الغربي لم يستطع أنْ يمنعها أو أنْ يحدّ منها في مجال العلاقات التي تربطه بالأمم والحضارات الأخرى، بل إن الأمر الذي يمكن التركيز عليه هنا ينبع من الفكرة التي أثارها غارودي في (حوار الحضارات)(١١) من أن النمو الغربي المذهل والموفقية الغربية على أكثر من صعيد إنما جاءا عقب ممارسة إلغاء وقمع وإذابة وإفناء وقهر للأديان والحضارات والأمم والدول الأخرى مما تشهد به سلسلة الأحداث التاريخية لحياة الاستعمار في القرنين التاسع عشر والعشرين وما يزال، وهذا يعني أن الحد الذي يحصل في الغرب من التداعيات السلبية لنزعات البراغماتية والفردية وغيرها إنما كان بفضل ممارسة تداعيات أبشع على الصعيد الخارجي، وهو أمرٌ له مداليله؛ فالرفاهية الاقتصادية والحدّ من حالات التخلف العلمي والاجتماعي في الغرب إنّما جاء في كثير من الأحيان عن طريق سلب ثروات الأمم الأخرى لاسيما القارة الأفريقية، وهذا من شأنه أن يدلّل على أن الحضارة الغربية تقع تحت مثار السؤال القائل: هل أن الغرب كان بإمكانه طبقاً لنظرياته عن الحياة والكون والإنسان أن ينهض بإصلاح مجتمعاته لولا الممارسات التي تجاوز بها نظرياته نفسها في العلاقات مع الدول الأخرى والشعوب الأخرى؟!
إنّ ما تقدم يرشدنا إلى أن المنظومة الحياتية التي تحملها العولمة إلى أقطار العالم من شأنها إذا ما سِرْنا وتداعياتها الطبيعية أن تولّد مزيداً من الانقسام البشري والفوارق الحادّة التي من شأنها أن تصنع توتّراً لا استقراراً وأنْ تولّد عنفاً وتأزماً أينما حلّت.
إنّ الآثار المذهلة والمخيفة للعولمة مما أشرنا إليه أو لم نُشِرْ ما هي إلّا تعبير منطقي عن البنى القبلية التي حملتها وتَحْملها العولمة معها وتريد من خلالها إصلاح العالم، فإذا ما أريد للعولمة أن تُدرس في إطار العالم الذي ينتفع بها -أي عالم الأثرياء وأمثالهم- فإن لها آثاراً إيجابية في غاية الأهمّية، وإذا أريد لها أن تكون في نطاق مجتمعات محدودة على حساب مجتمعاتٍ أخرى لربما أمكنها أن تحلّ الكثير من المشاكل التي يعيشها إنسان تلك المجتمعات، والتجربة الغربية خلال القرنين الماضيين شاهد على ما نقول.
إلّا أن المفارقة الهامّة هنا تكمن في الشمولية التي تريد العولمة أن تمارسها أو تعبر عنها، فقد اعتادت التجربة الغربية أن يكون لها ضحايا قبال كل إنجاز أو تقدم علمي أو حياتي أو حضاري تنجزه، فمن يمكنه أن يكون اليوم ضحية للعولمة؟ وكيف يمكن أن تنسجم العولمة مع نفسها إذا آمنت بمنطق الضحية لكل تقدّمٍ ما دامت قد أدخلت في حساباتها كلّ البشر؟
النقطة الأساسية فيما نريد الإشارة إليه هنا هي: أن العقل الغربي الذي تحمله العولمة هو نفس العقل الغربي الذي حملته الحملات الاستعمارية على العالم الثالث سابقاً -وهو ما يصحح التسمية التي ذكرها بعض الباحثين من أن العولمة هي (ما بعد الاستعمار) باعتبار أن ما بعد في مثل هذه التعابير لا تعني القطيعة مع (ما قبل) كما نقول (ما بعد الحداثة) أو (ما بعد الكانتيين) دون التخلي عن الحداثة أو عن فلسفة كانت-(١٢) وقراءة هذا العقل تؤكّد ارتكازه أو احتياجه لمنطق الضحية؛ لأن المفاهيم الليبرالية والحداثية التي ينطلق منها إنّما تتطلب وتستدعي مثل ذلك، فعندما أكون محور العالم في المذهب الإنساني، وعندما تكون أُباليّتي كامنةً في ذاتي وفي عدم أُباليتي بغيري، وعندما تكون الآفاق التي أحملها لا عالم فيها للمعنويات الأخلاقية والروحية... فمن الطبيعي حينئذٍ أن أخرج بداروينية اجتماعية ترى في بقاء الأصلح (الذي يساوق في المفهوم الغربي الأقوى) صلاحاً للبشرية ما دمت أنا هو ذاك الأقوى.
فعلى سبيل المثال يرى البعض أن العولمة تطرح الديمقراطية وحقوق الإنسان كأهداف نبيلة تسعى لنشرها عالمياً من تدويل سلطاتها ونشر قيمها الخاصة، ولكننا نجد أن أباطرة العولمة يضحّون بالديمقراطية وحقوق الإنسان عندما يتعارض ذلك مع مصالحهم، حيث نلاحظ كيف دقّت العولمة أسفين الانهيار في دول شرق آسيا عندما أرادت أن تفرض سيطرتها المطلقة على هذه البلاد، فهذه الدول التي يعتبرها الغرب مثالاً لنجاح انتقال العولمة إلى المجتمعات غير الغربية ظلّت حكوماتها تسلّطية أو شبه تسلّطية رغم انصباغها بديمقراطية مزيفة.
فقد أثبت الواقع أن الإفراط الليبرالي الذي لازم العولمة يمثل تعدّياً على الديمقراطية نفسها لصالح عمالقة المال، خاصة حقوق العمال وأحوالهم المتدهورة(١٣).
أمّا في العالمية الدينية فإن الأمر مختلف؛ إذ تنطلق المنظومة الحياتية التي يطرحها الدين من قاعدة إمّا إنكار الذات كما تفعله الديانة المسيحية أو من نوعٍ من الموازنة بينها وبين الآخر كما هو الحال في الإسلام، وتنطلق من افتراض هذا العالم هو نهاية كل شيء لتصبح نتائجه حاسمة ونهائية، إلى اعتباره ممّراً لكل شيء بشري وبالتالي ليتشكل من ذلك مجال واسع لمنح الآخر ما هو دنيوي في سبيل الأفق الأخروي الآخر، مما يعني فتح المجال أمام الآخر ليقوى بدل اعتبار قوته إفناءً لي، أو لتنطلق من اعتبار الألم مصدر القوّة والقيمة كما في سانتاغراها غاندي بدل افتراضه رمزاً للفشل والنهاية وتعبيراً عن اللغوية والعبث.
وليس الدين -بالمعنى الواسع له- بحاجةٍ إلى من يثبت له هذه الميزات، فالشعوب والقبائل التي لم تمر بمرحلة الرأسمالية ولم تعرف النظام الغربي تحكي بوضوح عن تجارب في غاية الأهميّة لو جرى تعميمها لربما غيرت الكثير من أوضاع الإنسانية، فقرى وأرياف أفريقيا والعالم الإسلامي وسفوح همالايا الهند كلها تعابير واضحة عن رسوخ روح التعاون بدل التصارع المادي، وروح التضحية والتقديم للآخر بدل روح الاحتكار والابتزاز المادي والاقتصادي، وهذا الواقع يمثل شهادةً حاكيةً وكافيةً دون الحاجة إلى الرجوع إلى آمال العقل الديني، في النهاية الشديدة الروعة التي يصوغها للتاريخ البشري، والتي على أي تقدير تحكي عن الأفق الذي يحمله التصوّر الديني لشبكات العلاقات التي أعاقت تشكيل الكثير منها الأنماطُ الحياتية التي فرضتها طبيعة النظم الغربية.
إنّ الدين كجوهر لا يختزن -بصورةٍ كاملةٍ أو شبه كاملة على الأقل- الأحداث المؤلمة التي تجري المعاناة منها بسبب العولمة في وضعها الراهن، فالتصوّرات التي يحملها الدين عن المفهوم الاقتصادي والمالي -بقطع النظر عن فرص التطبيق- هي تصوّراتٌ يفترض بحسب بنيتها النظرية أن تخفّف من الانقسام الطبقي البشري ومن ارتفاع معدّلات الفقر و....
إنّ القيم الدينية المالية لا تسمح بتمركز رأس المال ﴿كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ﴾ (الحشر: ٧).
﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّـرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ﴾ (التوبة: ٣٤). ولا تقبل التجاهل الخلقي للفقير، بل تصرّ -وفي مختلف المجالات وحتّى على المستوى العبادي الشخصي (الصوم والحج نموذجاً)- على تضييق الهوّة الاجتماعية والمعنوية بين الفقير والغني، وهو أمرٌ يعدّ من أهم أساسيّات الدين بحسب دراسة نصوصه وتاريخه، هذا فضلاً عن أنّ البنية المفاهيمية للضرائب في الإسلام مثلاً يعد الفقير والمسكين ركنين من أركانها، فالمسلم عندما يمارس دفع الضريبة فإنه لا يمارسها على الطريقة الغربية وإنّما كتعبيرٍ حيٍّ في نفسه عن عمليات إغاثة الفقراء والمساكين لا مجرّد عمليّةٍ ميكانيكيةٍ اقتصاديةٍ استدعتها طبيعة الظروف والأوضاع، أو مخافة الخسارة الفادحة في نهاية المطاف من خلال التوتّر الذي يؤدّي إليه تدهور أحوال الفقراء والمساكين في طبيعة العقل الغربي الكمّي غالباً، وهذه العناصر النفسية والسلوكية وبالتالي المظاهر الاجتماعية والاقتصادية لا تسمح في حدود نمط تركيبتها بسيطرة مفاهيم ومقولات تفتخر برأس المال وتسحق حقوق الطبقة الفقيرة أو العاملة في لذّة الإقصاء للآخر الضعيف عن نعمة العمل الداعم لأبسط أشكال الحياة.
إن الرفض العالمي لظاهرة الدين الموالي للمال والسلطة سواءٌ في التجربة الكنسية أو في تجربة وعّاظ السلاطين المسلمين دليلٌ واضحٌ مرتكزٌ في أعماق التصوّر البشري على أنّ الدين نصير البائس لا الغني، من دون ممارسته نوعاً من احتقار الغنى والرفاهية سيما الدين الإسلامي، وهذا شاهدٌ على شكل العلاقة التي يحملها الدين فيما يتعلّق بموضوع المال.
الأمر الآخر الذي يمكن أن تجري ملاحظته في المنظومة الدينية هو عناصر التمايز الاجتماعي في التصور الديني، فإذا كانت الليبرالية بأشكالها القديمة والحديثة لا تتمكّن من الاستغناء عن عمالقة المال لأنّها تصنّفهم تلقائياً كأرقامٍ متقدّمةٍ في المجتمع، فإن الدين بإعطائه القيمة للعلم والتقوى كمائزٍ تفضيليٍّ في المجتمع يقصي المال عن تحوّله إلى عنصر تمايز ذي اعتبارٍ اجتماعيٍ تفضيليٍ إلّا من حيث التوظيف التقوائي له وإنْ لم يكن يرى فيه شرّاً مطلقاً ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: ١٣).
وهذا يعني فرز المجتمع على أساسٍ مغايرٍ للفرز الغربي؛ فليس العالَم فقيراً وغنياً أو غنياً فقط حينما يتجاهل الفقير كلياً بل هو عالِم وجاهل وتقي وغير تقي... وهذا التقسيم الجديد يقلّص من دخالة رجال المال -من حيث هم رجال مال- في اتخاذ القرار ويضع لمواقفهم ونفوذهم حدوداً تقتضيها الأبعاد العلمية والإيمانية، وهي أبعادٌ من شأنها أن تمنع رأس المال وأصحابه من تدمير الديمقراطية وممارسة إرهابٍ وفرضٍ وقمعٍ من نوعٍ آخر.
العولمة ذات المضمون الغربي وما تجرّه على الشعوب الأخرى من ويلاتٍ تنشأ إشكالياتها من هذه الخلفية التي انطلقت منها، وهي خلفيةٌ يعارضها الدين معارضةً شديدةً، وبالتالي فالعالمية الدينية يمكنها إذا ما أحسنت استخدام مفاهيمها أن تتجاوز هذه المخاطر نحو صيغة شمولٍ أكثر سلماً وأقلّ ضرراً، وهو ما ترشد له النصوص الإسلامية المتعلقة بمسألة المهدوية والتي تكشف بشكلٍ أو بآخر عن التصوّر الديني لنهاية التاريخ الإنساني من هذه الزاوية.
فمن جملة هذه النصوص التي تحكي عن تنعّمٍ مشتركٍ بين أبناء الإنسان ما جاء في الرواية «... يقسّم المال صحاحاً»، فقال له رجلٌ ما صحاحاً؟ قال: «بالسوية بين الناس»(١٤).
وفي روايةٍ أخرى «إذا قام قائم أهل البيت قسّم بالسوية وعدل في الرعية»(١٥)، وفي روايةٍ ثالثة «يجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض وظهرها فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم به الأرحام وسفكتم فيه الدماء الحرام وركبتم فيه ما حرّم الله فيعطي شيئاً لم يعطه أحدٌ كان قبله»(١٦)، وفي خبرٍ رابعٍ «... يطلب الرجل منكم من يصله بماله ويأخذ من زكاته لا يوجد أحدٌ يقبل منه ذلك، استغنى الناس بما رزقهم الله من فضله»(١٧)، وهي نصوصٌ صحّت أو لم تصح قُبلت أو لم تُقبل -وهو ما لا يعنينا فعلاً- تحكي عن هذا التصوّر النافذ في العقل الديني(١٨).
إنّ المسار الميداني للعولمة والدافع العملي لها إنما هو البعد المالي غالباً لا غير، ومن هنا يصحّ لنا عدم اعتبارها مشروعاً حضارياً أو ثقافياً أو أخلاقياً أو معنوياً أو علمياً... إنها بالدرجة الأولى مشروع مالي اقتصادي يُسخّر جوانب الحياة الأخرى بالعرض وبالتبع لنفسه دون أن يكون لقيم الفكر والحضارة والثقافة والإيمان أي أهمّية إلّا من حيث توظيفها في السياق الإنتاجي العام، فتسويق العولمة لثقافاتٍ معينةٍ ليس بالضرورة قناعةً بنموذجية هذه الثقافات، وإنما إبرازها كنموذجٍ على الصعيد العالمي بأي شكلٍ من الأشكال نظراً لكونها أكثر تناسباً مع المصالح العامّة لرؤوس الأموال. والمفارقة الجوهرية التي تحصل هنا هي في تراجع سلطة الفكر والمعرفة والثقافة والقيمة والأخلاق لصالح سلطة المال، فالمثقّفون والعلماء يوضعون حينئذٍ في الدرجة الثانية من سلّم صانعي القرار وحتّى رجال السياسة، بل إنهم على الأساس نفسه سوف يتحوّلون تدريجياً إلى مجرّد موظفين لخدمة هذا النوع من السلطة كما هو الحال في وعاظ السلاطين في القرون الغابرة.
وينجم عن صنع العولمة بقوّتها الاقتصادية طبقات خاصة من المثقفين والعلماء ممن يؤمنون بها ويؤمّنون لها تغطيةً علميةً وثقافيةً دائمةً لينفذوها إلى أعماق المجتمعات، وهذا ما حصل ويحصل فعلاً سواءٌ قصد المثقّفون ذلك أم لم يقصدوا.
أمّا على الصعيد الديني فالقضية مختلفة فعندما يريد الدين تعميم ذاته فإن هدفه الأوّل لا يتمثّل في سلطة المال والربح وإنما في المعرفة والقيمة مهما كان موقفنا من هذه المعرفة أو من تلك القيمة، أمّا المال فيمكن -على أبعد تقديرٍ- أن يشكّل وسيلةً لهذا الهدف لا هدفاً بنفسه (المؤلّفة قلوبهم نموذجاً).
وهذا معناه نوع من حاكمية القيمة والفكرة على المال والربح، وهذا الانقلاب في السلطة أو هذا التداول له مداليله العديدة وآثاره أيضاً.
إنّ هذا الانقلاب يجعل الفكر والثقافة والمعرفة والقيمة في الواجهة بحسب سلّم الأولويات، كما يرفع من شأن التضحية والتفاني والأخلاق وأهل هذه الخصال في الوسط الاجتماعي، وفي المقابل يفرض على رؤوس الأموال التراجع خطوةً إلى الوراء في موضوع الصنع الفاعل للقرار دون أن يعني ذلك سلب المشاركة لأنّ هناك فرقاً بين المشاركة والتحكّم.
وبعبارةٍ أخرى:
إنّ الشريحة التي تقود حركة التغيير والإصلاح في المجتمع الديني (ومنه العالمي) إنّما هم العلماء والمتدينون؛ أي إنّهم الذين يقودون المسيرة ويوظّفون رؤوس أموالهم أو أموال الآخرين في خدمة مشروعهم الذي هو بحسب طبيعة شخصيتهم مشروع علمي قيمي.
أمّا العولمة المعاصرة فإن السياسة نفسها تصبح دميةً فيها بيد أصحاب الأموال.
إن هذه النقطة بالذات تقودنا إلى القول بأن جوهر الدين لمّا كان عبارة عن الاعتقاد القلبي والفعل الباطني لم يكن ليتمكّن هذا الدين من النفوذ إلى السيطرة والحكم إلّا عن طريق الرضا القلبي العام ﴿لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ﴾ (البقرة: ٢٥٦)، وهذا يعني أنّ الفعل الديني والإيماني هو دائماً فعلٌ إراديٌّ نابعٌ من الذات الإنسانية في قناعاتها وميولها الفكرية والقلبية، ومن هنا فإذا لاحظنا هذا العنصر فإنّنا لن نستطيع الجزم بالمشابهة بين العولمة وبين عالميّة الدين؛ لأن العولمة الغربية تمتدّ إلى العالم كله عن طريق الاقتصاد وسلطة المال، وهذا الطريق لا يرتبط بالفعل القلبي والعقدي للبشر، أي إنهم يستقبلونه دون أن يمارسوه سيما الفقراء الذين يشكّلون الغالبية العظمى في العالم المتعولم حسب الفرض.
أمّا في الدين فالقضية مختلفة؛ فإن عالميّته لا تتم من دون إدخال دور الفعل البشري العام عن إرادةٍ ورغبةٍ، وإلّا فإن ما سيحصل ليس إلّا سيطرة قوة لا دين من دون أن نمارس نوعاً من الفصل غير المستساغ بين هذين الأمرين، فأنْ يكون الدين عالميّاً هو -كما الحب- أن يعتنقه الناس ويؤمنوا به وإلّا فإذا سيطر على العالم بقوّة السلاح أو المال مثلاً فهذا لا يعني أنه قد أصبح عالمياً بالمفهوم القرآني والفلسفي للكلمة بل مجرّد قوّةٍ مسيطرةٍ على العالم، وهناك فرقٌ شاسعٌ بين الأمرين.
إذن إدخال خصوصية الفعل القلبي في الدين يحيل المسألة إلى واقعٍ إرادي لا خارجي، وبالتالي يمنع من أي صيغة شمولٍ دون هذا الفعل الإرادي الذي يعبّر بالتالي عن قناعات الأمم والشعوب وأفراد الناس.
والأمر الظريف في هذا المجال هو النصوص الدينية التي تحكي عن العلاقة بين المخلّص والناس؛ فهذه النصوص تشير بوضوحٍ إلى إجماعٍ عامٍّ وإرادةٍ جمعيّةٍ على هذا المخلّص، وعلى حدّ تعبير البعض (تتميز الحكومة المهدوية بانبثاقها عن إجماعٍ عامٍ ويصحّ التعبير عن قائدها بأنه محبوب القلوب)، ومن جملة هذه النصوص ما جاء في كتاب منتخب الأثر «فلا يبقى يهودي ولا نصراني ولا أحدٌ ممّن يعبد غير الله إلاّ آمن به وصدّقه...»(١٩)، «ويقبل الناس على العبادات والشرع والديانة والصلاة في الجماعات»(٢٠)، «... يرضى بخلافته أهل السماوات وأهل الأرض...»(٢١).
والمشكلة المؤسفة التي حصلت وتحصل بفعل تأثير المد الغربي هي في إعادة رسم شبكة العلاقات الاجتماعية في المجتمع الإسلامي على أسس يمكن القول بأن النصوص الدينية لا توافق عليها، وقد نفذت هذه المنظومة الجديدة إلى عمق الكيان الإسلامي فحوّلت الواقع إلى محتوى غربي ذي إطارٍ دينيٍ، وقد كانت عملية إفراغ المضمون المعنوي والعاطفي للأداء والنشاط والفعالية الاجتماعية والإسلامية لصالح بيروقراطيات حاسمة(٢٢).
العالمية المهدوية ومشخصاتها:
إن الإسلام دين عالمي يتضمن شعارات وأطروحات عالمية، فمن حين ظهوره كان يسعى إلى إيجاد الحياة الطيبة في كافة أنحاء العالم وإلى سائر أبناء البشر.
وبناءً على المعتقدات الإسلامية والشيعية فإن العولمة الإسلامية والحياة الطيبة في آخر الزمان وفى عصر حكومة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ستكون حقائق واقعية وثابتة، فتلك العولمة لا يمكن قياسها بأي فكرة أو نظرية أو عرض عالمي فعلي، لا من الناحية النظرية ولا من الناحية العلمية، ولا من حيث الشمولية والعمومية أو المقاييس الموجودة، وإن معرفة مقدماتها لا تتم إلّا من خلال الأحاديث والأخبار الإسلامية، ولأجل ذلك، فإن الأصل هنا: بيان بعض خصائص الدولة المباركة للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وحكومته العالمية المفعمة بالحياة الطيبة، وليس ذكرها من باب الحصر، بل هو من باب الإحصاء والإشارة.
خصائص العالمية المهدوية:
١- الحاكمية المطلقة للإسلام وإزالة الشرك والخرافات البشرية:

إن الاعتقاد في نظرية العولمة الغربية -التي تستند على النظرية الليبرالية الديمقراطية- بالنسبية الأخلاقية والمعنوية وإعمال أصل التساهل والتسامح والحالة الإفراطية لكافة العقائد والأديان هي من ادعاءاتها الأصيلة، وأن موضع الحكومة على أساس العلمانية؛ لا يعطي أي دور للدين والمذهب في الحياة البشرية، وفي نظر أولئك: الدفاع عن المذهب، هو بمعنى التدخل في الحريات الفردية وخدش حرية العقائد وإظهار الأفكار، وهذا يتنافى مع ما أعلنت عنه الليبرالية الديمقراطية في مقدمة برامجها للبشرية حول العلمانية أو العرفية وعبادة الدنيا، وأصالة الأمور الدنيوية.
أمّا في الحكومة المهدوية العالمية، فالإسلام فيها هو الدين المطلق، وهناك روايات كثيرة تشير إلى هذا المعنى منها.
روى محمد بن مسعود في تفسير العياشي عن رفاعة بين موسى قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ قال: «إذا قام القائم (عجّل الله فرجه) لا يبقى أرض إلّا نودي فيها بشهادة لا إله إلّا الله وأنّ محمداً رسول الله» وقال الصادق (عليه السلام) بعد بيانه المفصل حول عصر الظهور للإمام المهدي (عجّل الله فرجه): «إذا قام القائم (عجّل الله فرجه) لم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان»(٢٣).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «سئل أبي -الإمام الباقر(عليه السلام)- عن قوله الله: ﴿وَقاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ﴾ [التوبة: ٣٦]، ﴿وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلهِ﴾ [الأنفال: ٣٩] فقال: لم يجئ تأويل هذه الآية ولو قام قائمنا بعد، سيرى من يدركه، ما يكون من تأويل هذه الآية، ويبلغن دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بلغ الليل حتى لا يكون شرك على وجه الأرض كما قال الله»(٢٤).
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «ولا يبقى في الأرض خراب إلّا قد عمِّر، ولا يبقى في الأرض معبود من دون الله تعالى من صنم ووثن وغيره إلّا وقعت فيه نار فاحترق»(٢٥).
وأجاب الإمام الصادق (عليه السلام) في موضع آخر على أسئلة المفضل وتطبيقه (الآية ٣٣ من سورة التوبة) على عصر الحكومة المهدوية العالمية فقال: «فوالله يا مفضل، ليرفع عن الملل والأديان الاختلاف، ويكون الدين كله واحداً، كما قال جل ذكره ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ﴾ [آل عمران: ١٩] وقال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: ٨٥]»(٢٦).
٢- العدالة والقسط:
الجميع يعرف بأن أهم ميزة في الحكومة المهدوية العالمية هي العدالة، وأن هناك أخباراً وأحاديث كثيرة مروية حول عصر الظهور وحاجته الهامة إلى هذه الميزة والضرورة والهوية المفقودة التي تبحث عنها البشرية، ومن بين تلك الأخبار، قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لو لم يبق من الدنيا إلّا ليلة لطوّل الله تلك الليلة حتى يملك رجل من أهل بيتي، يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(٢٧).
إن الحكومة المهدوية العالمية ستنشر العدالة في كافة أرجاء العالم من دون تمييز بين أفراد البشرية، ، كما قال الإمام الحسين (عليه السلام): «إذا قام قائم العدل وسع عدله البر والفاجر»(٢٨).
فالعدالة ستشمل كافة المجالات الفردية والاجتماعية البشرية.
٣- استقرار الأمن:
إن مشاهدة الأحاديث الواردة في خصوص الحكومة المهدوية العالمية يظهر منها حالة القلق وعدم الاستقرار في المرافق العامة للحياة البشرية قبل الظهور، وسيتم بعدها إقامة الأمن والاستقرار في كافة أرجاء العالم، وقد وصف الإمام علي (عليه السلام) في كلام له هذه الظاهرة باستقرار الأمن، وزيادة البركة في عصر ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) فقال: «لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، وذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتّى تمشى المرأة إلى الشام لا تضع قدميها إلّا على النبات، وعلى رأسها زينتها، لا يهيجها سبع ولا تخاف»(٢٩).
٤- رفع الفقر والحرمان والتحسن الاقتصادي الدائم:
لا يوجد في النهضة المهدوية العالمية: النزعات والخلافات، ولا الأزمات الاقتصادية، ولا التمييز العنصري بين أفراد البشر بسبب ما أحدثته العولمة الغربية من حالات الفقر والحرمان، ولا ترتفع الأزمات فحسب، بل إن البشرية ستصل إلى حالة النضوج والاستغناء الكامل، فلا يبقى في الأرض فقير يحتاج إلى إعانة أو صدقة؛ وهناك شواهد ونماذج عديدة على هذا الادعاء.. ومنها قول الإمام الصادق (عليه السلام): «إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها واستغنى الناس عن ضوء الشمس وذهبت الظلمة، ويعمر الرجل في ملكه حتى يولد له ألف ذكر لا يولد فيهم أُنثى، وتُظهِرُ الأرض كنوزها حتى يراها الناس على وجهها، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ويأخذ منه زكاته فلا يجد أحداً يقبل منه ذلك، استغنى الناس بما رزقهم الله من فضله»(٣٠).
وشرح الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً حالة الاستغناء العامة قائلاً: «وحكم بين الناس بحكم داود وحكم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فحينئذٍ تظهر الأرض كنوزها، وتبدي بركاتها، فلا يجد الرجل منكم يومئذٍ موضعاً لصدقته، ولا لبره، لشمول الغنى جميع المؤمنين»(٣١).
إن هناك أخباراً وروايات نبوية كثيرة تبين فيها حالات التطور والازدهار الاقتصادي والإنساني الدائم في النهضة المهدوية العالمية، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يكون في أمتي المهدي...، يرسل السماء عليهم مدراراً، ولا تدّخر الأرض شيئاً من نباتها»(٣٢).
٥- رقي وتكامل العلوم والفنون:
إن العالم اليوم يتحرك نحو العولمة، ومع وجود التطور والازدهار في كافة المجالات والشؤون العلمية والتكنولوجية، إلّا أنها لم تقدر أن ترفع حالات المعاناة والقلق الذي تعاني منه البشرية، أو إيصالها إلى الأمن والاستقرار والمساواة والعدالة؛ وهناك الكثير من الأمور الغامضة والإبهامات التي عجزت العولمة عن إيجاد الحلول المناسبة لها من خلال مسيرة التطور والاختراعات البشرية.
ولم تستطع العولمة الغربية تقديم يد العون والمساعدة لرفع تلك المعاناة بسبب العجز وعدم القدرة، هذا في الوقت الذي تصل البشرية أوجّها في الحكومة العالمية المهدوية وتحقيقها إنجازات علمية وتقنية تفوق التصورات، وقد أشار الإمام الصادق (عليه السلام) في بلاغة كلامه إلى جوانب عديدة من ذلك التطور والرقي في المجال العلمي والتكنولوجي فقال (عليه السلام): «العلم سبعة وعشرون حرفاً فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فيبثها في الناس، وضم إليها الحرفين، حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً»(٣٣).
وتشير الروايات التي تخبر عن عصر الظهور إلى مدى التكامل والنضوج ووصولها إلى أكمل مراحلها. قال الإمام الباقر (عليه السلام): «إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم، وكملت بها أحلامهم»(٣٤).
وفي ظل الحكومة المهدوية العلمية تتوسع العلوم، والأفهام والمعارف وتنشر في البيوت وتكثر الدروس والأبحاث العلمية رجالاً ونساءً وتنتشر في أقصى نقاط العالم. قال الامام الباقر (عليه السلام): «تؤتون الحكمة في زمانه حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله وسنة رسوله»(٣٥).
وتشير هذه الروايات إلى هذا الواقع مضافاً إلى الوضع الراقي والعالي لمستوى العلم والفهم البشري في عصر الظهور وهو: أن الشعوب فترةَ حكومته كانت قد تربّت على ثقافات وآداب دينية، وتعلّمت أحكام الشريعة واستمرت في نهجها على اعتماد تلك الثقافات والوعي حتى بلغ الأمر إلى أن المرأة وهي في بيتها تحكم بكتاب الله وسنة نبيه العادلة.
٦- اعتماد الاستدلال وكسب الرضا والقبول لإقناع الرأي العالمي:
إن العالمية المهدوية تمتلك أيضاً قابلية اعتماد الاستدلال والبراهين العقلية، وقد بين الإمام الحسن (عليه السلام) ذلك في حديثه عن ملامح الظهور للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فقال: «فكذلك حتى يبعث الله رجلاً في آخر الزمان، وكلب من الدهر، وجهل من الناس يؤيده الله بملائكته، ويعصم أنصاره، وينصره بآياته، ويظهره على أهل الأرض حتى يدينوا طوعاً وكرهاً، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً وبرهاناً، يدين له عرض البلاد وطولها، لا يبقى كافر إلّا آمن به، ولا صالح إلّا صلح، ويصطلح في ملكه السباع؛ وتخرج الأرض نبتها...»(٣٦).
وتصرح هذه الرواية على أن بعض الجهال من الناس والضالّين منهم لعلّهم يخضعون ابتداء إلى الحكومة المهدوية كرهاً ولكنهم سيخضعون له رغبة وطوعاً أخيراً بعد مشاهدتهم عدله ونورانيته وبراهينه الواضحة والشفافة، ولذا فإن نظام الحكومة المهدوية العالمية هو نظام قائم على الشرعية الكاملة، بمعنى احتوائه حالات الإقناع والقبول والأحقية والقوانين، تلك الشرعية التي لا تشبه شرعية الأنظمة السياسية القائمة المسماة (بالأنموذج الغربي) المعاصر المبني على تضليل الرأي العام العالمي، وذلك من خلال أساليبه في المراقبة وتزوير الآراء العامة، ونفوذ الإعلام والتبليغ الواسع، لكن الشرعية المهدوية تقوم على حالة الإقناع تحصيلاً للرضا القلبي للشعوب في كافة أنحاء العالم، بل كافة الوجودات العالمية.
٧- الحوار مع كافة الأديان:
يظهر من الأخبار والروايات التي تتحدث عن العالمية المهدوية بأن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يدعو كافة الموحدين وغير الموحدين وأتباع سائر الأديان والمذاهب إلى الإسلام واعتناقه واتباع تعاليمه المنجية.
ولا يعني هذا إجبارهم على رفض دينهم واعتناق الدين الإسلامي قطعاً، بل إن محور عمل الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) -وكما يظهر من اسمه- يدور حول هداية المجتمعات البشرية، ومن البديهي أيضاً أن أصل وأساس الهداية ينبغي أن يُبنى على حالات الإقناع والقبول التام، وقد أشارت بعض الروايات إلى هذا الأمر وهو: أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يقوم بمهمة الكشف عن الكتب المحرفة كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها وسيحتجّ بالنسخ الأصلية ويستدل بها ويحاورهم ويحكم على أساسها ليهديهم إلى دين الإسلام لقبول الحكومة المهدوية العالمية، وقد أشار الإمام الباقر (عليه السلام) إلى هذا بقوله: «والله لكأني أنظر إليه وقد أسند ظهره إلى الحجر، ثم ينشد الله حقه ثم يقول: يا أيها الناس من يحاجّني في الله فأنا أولى الناس بالله، يا أيها الناس من يحاجّني في آدم فأنا أولى الناس بآدم، يا أيها الناس من يحاجّني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، يا أيها الناس من يحاجّني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم، يا أيها الناس من يحاجّني في موسى فأنا أولى الناس بموسى، يا أيها الناس من يحاجّني في عيسى فأنا أولى الناس بعيسى، يا أيها الناس من يحاجّني في محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنا أولى الناس بمحمد، يا أيها الناس من يحاجّني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله. ثم ينتهي إلى المقام فيصلي عنده ركعتين ثم ينشد الله حقه»(٣٧).
ويشير الإمام الباقر (عليه السلام) في بيان آخر إلى كيفية احتجاج الإمام المهدى (عجّل الله فرجه) واستدلاله على خصومه وسائر الأديان والمذاهب الأخرى فقال: «إِذَا قَامَ قَائِمُ أَهْلِ الْبَيتِ قَسَّمَ بِالسَّوِيةِ وعَدَلَ في الرَّعِيةِ، فَمَنْ أَطَاعَهُ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، ومَنْ عَصَاهُ فَقَدْ عَصَى اللهَ، وإِنَّمَا سُمِّى المَهْدِي لِأَنَّهُ يهْدَي إِلَى أَمْرٍ خَفِي، ويسْتَخْرِجُ التَّوْرَاةَ وسَائِرَ كتُبِ اللهِ (عزّ وجل) مِنْ غَارٍ بِأَنْطَاكيةَ، ويحْكمُ بَينَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ بِالتَّوْرَاةِ وأَهْلِ الْإِنْجِيلِ بِالْإِنْجِيلِ، وبَينَ أَهْلِ الزَّبُورِ بِالزَّبُورِ، وبَينِ أَهْلِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ»(٣٨).
٨- حفظ وارتقاء الكرامة الإنسانية ورعاية حقوق البشر:
إن محور العالمية المهدوية لا تخصّ الكرامة الإنسانية وحقوق البشر الصديقة فحسب بل وصولها إلى أوجّها وقمّتها وقد صوّر الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) احترام الكرامة البشرية في عصر الظهور، فقال: «ثم يُقبل إلى الكوفة فيكون منزله بها، فلا يترك عبداً مسلماً إلّا اشتراه وأعتقه ولا غارماً إلّا قضى دَيْنَه ولا مظلمة لأحد من الناس إلّا ردّها ولا يُقتل عبدٌ إلّا أدّى ثمنه ﴿فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ﴾ [النساء: ٩٢] ولا يُقتل قتيلٌ إلّا قضى عنه دَيْنَه وألحق عياله في العطاء حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً وعدواناً»(٣٩).
إن احترام وإجلال الكرامة الإنسانية ورعاية حقوق البشر لا تنتهي بعصر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وحده، بل يتم من خلال بيعة أتباعه عهداً منهم لرعاية واحترام الحقوق العامة؛ وقد وصف الإمام علي (عليه السلام) في كلام طويل له كيفية بيعة الـ(٣١٣) من أصحاب المهدي (عجّل الله فرجه) وأتباعه فقال (عليه السلام): «يبايعون على أَن لا يسرقوا ولا يزنوا ولا يسبّوا مسلماً ولا يقتلوا محرماً ولا يهتكوا حريماً محرماً ولا يهجموا منزلاً، ولا يضربوا أحداً إلّا بالحق، ولا يكنزوا ذهباً ولا فضّة ولا برّاً ولا شعيراً، ولا يأكلوا مال اليتيم، ولا يشهدوا بما لا يعلمون ولا يخربوا مسجداً، ولا يشربوا مسكراً، ولا يلبسوا الخزّ ولا الحرير، ولا يتمنطقوا بالذّهب، ولا يقطعوا طريقاً، ولا يخيفوا سبيلاً، ولا يفسقوا بغلامٍ ولا يحبسوا طعاماً من بُرِّ، ولا شعيرٍ، ويرضونَ بالقليل، ويشتمونَ على الطيب، ويكرهونَ النّجاسة، ويأمرون بالمعروف، وينهونَ عن المنكر ويلبسون الخشنَ من الثياب ويتوسَدون التّراب على الخدودِ، ويجاهدون في الله حقّ جهاده، ويشترط على نفسهِ لهم: أن يمشي حيث يمشونَ، ويلبسَ كما يلبسونَ، ويركب كما يركبون، ويكونَ مِن حيث يريدون ويرضى بالقليل، ويملأ الأرض بعونِ اللهِ عدلاً كما ملئت جوراً يعبُد الله حقّ عبادتِه»(٤٠).
إن العالمية المهدوية في عين صلابتها وقوتها، لكنها تمتلك حالات المرونة والعطف والحنان والنقاء والصفاء والمودة وإجلال وتكريم البشرية، تلك الحكومة التي ترعى الحقوق الفردية والجماعية، فلا توقظ نائماً بلا دليل، وتدافع عن حقوقه، وتعيد حالات الاستقرار والأمن والهدوء إلى وجدان البشرية وتصبح الملاذ والمأوى لها في حالات الخوف والمعاناة وغيرها.
٩- إزالة التمييز العنصري والتعصب والطائفية:
لا مكان للتمييز العنصري والطائفية والتعصب في العالمية المهدوية، لأنها تقوم على ملاك التقوى والكفاءات لإصلاح الأمور المادية والمعنوية البشرية، والشاهد على ذلك هو: اختيار الـ(٣١٣) على ملاك التقوى والكفاءة والقابلية وأن النهضة المهدوية العالمية لا تعتمد في أدائها على الطائفية أو القومية الخاصّة بل تعتمد في أدائها وسيرها واختيار قادتها على الملاكات الإلهية والقرآنية، وإن هذا الأمر وبقية خصائصها التي تتوفر في الحكومة المهدوية هي محل لرضا كافة الأطياف والفئات البشرية في العالم والأنظمة السياسية المتنوعة وإن البشرية ستشهد بعد تطبيق العدالة في ربوع العالم رفع الفوارق الطائفية والعنصرية وحالات الحرمان والمعاناة التي ظهرت من جرّاء السياسات الاستكبارية وازدياد العنف والاعتداءات والروح التوسّعية العدوانية من قبل الدول القوية الاستكبارية على شعوب ودول العالم المستقلة.
إن اختيار الكفاءات والقدرات في العالمية المهدوية الغرض منها استيفاء كافة حقوق أبناء المجتمعات البشرية في العالم مما يعمّ الضعيف والقوي، ويعبر عنه في الاصطلاح المعاصر: عدم مواجهة العالم التوسعة اللاموزونة بل حالة تحدّي التوسعة الموزونة(٤١).
١٠- الحكومة شبه الفيدرالية:
يظهر من الأخبار والروايات أن الحكومة العالمية المهدوية ستكون شمولية وستفرض سيطرتها على العالم ويسيطر الإسلام والقوانين الإسلامية على كافة المجالات العالمية، ولكن سائر الشعوب والأمم سيبقى لها قالب نظام عام يشبه الفيدرالية، فهي من خلال تبعيتها للحكومة المركزية العالمية فإنها تمتلك أيضاً الحريات حيث تتبع فيها العادات والطبائع والثقافات الوطنية التي لا تتعارض مع الإسلام، ويلحظ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) تلك الحقوق وضرورة احترامها، ونشير هنا إلى بعض الأخبار التي تتحدث عن هذه الظاهرة.. قال الإمام الباقر (عليه السلام): «إذا قام قائمنا، اضمحلت القطائع، فلا قطائع»(٤٢) وقد أكّد الإمام الصادق (عليه السلام) هذا المعنى بقوله: «اِذا قامَ القائِمُ بَعَثَ في أَقاليمِ الأَرضِ في كُلّ إِقليمٍ رَجُلاً يقُولُ عَهدَكَ في كَفِّكَ فَإِذا وَرَدَ عَلَيكَ ما لا تَفهَمُهُ وَلا تَعرِفُ القَضاءَ فيهِ، فَانظُر إِلى كَفِّكَ وَاعمَل بِما فيها»(٤٣).
١١- إحياء التعاليم والقيم الإسلامية والبناء الإسلامي الجديد:
إن إحدى الركائز في العالمية المهدوية هي رعاية اقتضاءات الزمان والمكان في كل عصر واعتماد المسيرة والحركة على أساس التحولات الجديدة للإجابة عن الأطروحات العصرية. لقد ذُكِر سابقاً أن الإسلام ومن خلال اعتماده على ماهيته والحالات الراقية كالاجتهاد، كان قد جعل فيه حالات الانعطاف والمرونة التي تُعَدّ الجزء الذي لا ينفصل عنه أبداً، فكذلك نظام العالمية المهدوية؛ فإنه يمتلك كل تلك الخصائص، ولم يغفل عنها، بل يتسلح بها أمام التحديات التي ستواجه العالم في عصر الظهور وذلك من خلال إحياء التعاليم والقيم الإسلامية والبناء الإسلامي الجديد. قال الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا قام القائم جاء بأمر جديد»(٤٤).
يعني أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يقضي على الجاهلية، فالمهدي (عجّل الله فرجه) أيضاً سيقضي على ما كان قبله من أمور ويجدد الإسلام(٤٥).
١٢- التحولات السريعة في المحاور الإعلامية والارتباطية:
ستحصل تحولات هامة وأساسية لوسائل الإعلام وعالم التقنيات والارتباطات في ظل الدولة المهدوية العالمية. وبعبارة أخرى مستقاة من الأخبار والروايات: إنه يتبادر إلى الذهن مباشرة بحث الاستفادة من الوسائل الإعلامية كالإنترنت والتلفزيون، وارتباط الناس مع بعضهم البعض عبر تلك الوسائل، ويظهر من تلك الروايات أنها تحكي عن التطور السريع والوسيع في هذا المجالات، ويمكن تشبيه هذه الفترة من حيث وصف وسائل الإعلام والتقنيات الحديثة وعالم الارتباطات بالفترة التي هي أقوى بكثير من فترة ظهور وسائل الإعلام الكبرى... ونشير إلى بعض الروايات:
قال الإمام الصادق (عليه السلام): «إن المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق»(٤٦).
وقال (عليه السلام) في موضع آخر يبعث على التأمل: «إن قائمنا إذا قام مدّ الله شيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى لا يكون بينهم وبين القائم بريد، يكلّمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه»(٤٧).
إن فهم الرواية الأولى ليس معقداً أو صعباً وذلك من خلال وجود التطورات في عصرنا الحاضر والتقنيات الحديثة كالتلفزيون والإنترنت ولكن الرواية الثانية تقول: إن التطور في عصر الظهور ومن خلال توسيع الارتباطات لا ينحصر في التكنولوجيا ووسائل الارتباط فحسب، بل إن المؤمنين أنفسهم ومن خلال الوعي الفكري والنضوج وحالات التكامل البشري يمتلكون درجة عالية من الكمالات والإلهامات التي منحها الله تعالى لهم فتكون لأبصارهم ولأسماعهم القدرة الثاقبة في السمع والبصر التي هي أبعد من التصور، وأن هذه القدرة الخارقة يمكنهم الاستعانة بها في كل المجالات.
نتيجة البحث:
إن العولمة الغربية تحتوي في مضمونها سواء في الجانب النظري أو العلمي حالات التسلّط والاستكبار ودعوى السيادة والسيطرة والاستثمار والإمبريالية، وإن هذه العولمة ومن خلال الماهية العنفوانية والاستكبارية والانحصارية، بالجانب المادي والتصنّع غير الشمولي العالمي إنما تهدف في ذلك كله إلى سيطرة العولمة ودمجها في الأسواق العالمية المشتركة وتمييع الشعوب والأمم في ثقافتها الغربية، ثم توحيدها بقيادة عالم البرجوازية والاستثمارية وحكومة أمريكا.
تلك الأسواق التي تدور حول محاور الأرباح والمنافع المادية فإن لغة الحياة الاجتماعية كالاقتصاد والسياسة والثقافة هي لغة المنافع الخاصة والاستكبار والسيطرة التامة للحضارة الغربية واستيلاء البلدان القوية على البلدان الضعيفة والثقافات الأخرى.
لكن الدولة المهدوية الإسلامية بزعامة آخر معصوم (عجّل الله فرجه) إلهي يمكنها تكميل خاتمية الدين والرسالة الشمولية العالمية، وجعل الشعوب العالمية جسداً واحداً، من خلال اتّباع التعاليم السامية الإسلامية.

المصادر:
(١) القرآن الكريم
(٢) الأمين، محمّد حسن، مجلة المنهاج، العدد ٨، ١٩٩٧م، ومحاضرته في مدينة النبطية حول تجديد الفكر الإسلامي، راجع: جريدة السفير، بتاريخ ٣٠/١/٢٠٠١م.
(٣) الأنصاري، محمد جابر، رؤية قرآنية للمتغيرات الدولية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ١٩٩٧م.
(٤) الجابري، محمد عابد، قضايا في الفكر المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٩٩٧م.
(٥) الجنحاني، الحبيب، ظاهرة العولمة الواقع والآفاق، مجلة عالم الفكر، العدد: ٢، لعام ١٩٩٩م.
(٦) رحيميان، محمد حسين، اشعاعات النور من الغدير إلى الظهور، دار الثقلين، قم، ١٣٧٩ش.
(٧) سعادت برور، علي، الظهور الجديد، دار إحياء الكتاب، طهران، ١٣٨٠.
(٨) شاهين، عبد الصبور، العولمة جريمة تذويب الأصالة، المعرفة، العدد ٤٨.
(٩) شريعت خراساني، محمود، الحكومة العالمية للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من منظار القرآن والعترة، المؤسسة الثقافية لأنصار.
(١٠) عبد الكريم، عمرو، العولمة عالم ثالث على أبواب قرن جديد، المنار الجديد، العدد ٣.
(١١) العولمة دراسة تحليلية، عبد الله عثمان وعبد الرؤوف آدم، نقلاً عن دولة المهدي وبدائل العولمة، مرتضى معاش، مجلة النبأ، العدد ٣٩-٤٠، ١٤٢٠هـ، عن موقع الانترنت annabaa.org.
(١٢) العولمة والاقتصاد والتنمية العربية، مجلة فكر ونقد، العدد ٧.
(١٣) غارودي، روجيه، حوار الحضارات، تعريب الدكتور عادل العوّا، عويدات للنشر والطباعة، بيروت، الطبعة الرابعة، ١٩٩٩م.
(١٤) غريب آبادي، كاظم، العولمة والتحول في المفاهيم السياسية الخارجية، المعلومات السياسية والاقتصادية، شهر مهر وآبان، الرقم١٩٣، ١٣٨٢ش.
(١٥) الكوراني، علي، عصر الظهور، منظمة التبليغات الإسلامية، قم، ١٣٦٩.
(١٦) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج١٣، دار نشر مسجد جمكران، ١٣٢٨ش ق، ص٢٢٧.
(١٧) المجلسي، محمد باقر، المهدى الموعود، دار الكتب الإسلامية، قم، بلا تاريخ.
(١٨) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة المصحّحة، ١٩٨٣ م.
(١٩) مرداني كيوي، إسماعيل، عولمة النظريات والتوجيهات، المعلومات السياسية والاقتصادية، مرداد وشهريور، ١٣٨٠ش.
(٢٠) منتخب الأثر، الشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني، الطبعة الأولى، قم، إيران، ١٤١٩هـ.

الهوامش:
(١) شاهين، عبد الصبور، العولمة جريمة تذويب الأصالة، المعرفة، العدد ٤٨.
(٢) مرداني كيوي، إسماعيل، عولمة النظريات والتوجيهات، المعلومات السياسية والاقتصادية، ص٣٢.
(٣) العولمة والاقتصاد والتنمية العربية، مجلة فكر ونقد، العدد ٧.
(٤) المصدر نفسه.
(٥) عبد الكريم، عمرو، العولمة عالم ثالث على أبواب قرن جديد، المنار الجديد، العدد ٣.
(٦) الأنصاري، محمد جابر، رؤية قرآنية للمتغيرات الدولية، ص٥٧.
(٧) عبد الكريم، عمرو، العولمة عالم ثالث على أبواب قرن جديد، المنار الجديد، العدد ٣.
(٨) مرداني كيوي، إسماعيل، عولمة النظريات والتوجيهات، المعلومات السياسية، الاقتصادية، ص٣٢.
(٩) غريب آبادي، كاظم، العولمة والتحول في المفاهيم السياسية الخارجية، المعلومات السياسية والاقتصادية، الرقم ١٩٣، ص٢٣ – ٢٤.
(١٠) الأمين، محمّد حسن، مجلة المنهاج، العدد ٨، ص ٢٥٤.
(١١) غارودي، روجيه، حوار الحضارات، تعريب الدكتور عادل العوّا، ص٢٧٤.
(١٢) الجابري، محمد عابد، قضايا في الفكر المعاصر، ص ١٣٧.
(١٣) عثمان، عبد الله وآدم، عبد الرؤوف، العولمة دراسة تحليلية، نقلاً عن دولة المهدي وبدائل العولمة، مرتضى معاش، مجلة النبأ، العدد ٣٩ – ٤٠.
(١٤) بحار الأنوار: ج٥١، ص٨٣.
(١٥) كفاية الأثر: ص١٦٥.
(١٦) بحار الأنوار: ج٥٢، ص٣٩٢.
(١٧) بحار الأنوار: ج٥٢، ص٣٣٧.
(١٨) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج٥١، ص ٩٢.
(١٩) الصافي الكلبيكاني، الشيخ لطف الله، منتخب الأثر، ص ٤٣٦.
(٢٠) عقد الدرر: ص١٩٥.
(٢١) كشف الغمة للأربلي: ج٣، ص٢٨٢.
(٢٢) الجنحاني، الحبيب، ظاهرة العولمة الواقع والآفاق، مجلة عالم الفكر، العدد: ٢.
(٢٣) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج١٣، ص٢٢٧.
(٢٤) الكافي للكليني: ج٨، ص٢٠١.
(٢٥) الكوراني، عصر الظهور، ص٣٥٧.
(٢٦) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج٢، ص٢٠٤ – ٢٠٥.
(٢٧) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج٥١، ص٨٤.
(٢٨) المصدر نفسه.
(٢٩) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج١٠، ص١٠٤.
(٣٠) المصدر نفسه، ص٣٦٣.
(٣١) المصدر نفسه، ص٢٢٤ – ٢٢٥.
(٣٢) المصدر نفسه، ج٥١، ص٧٨.
(٣٣) المصدر نفسه، ج٥٢، ص٣٣٦.
(٣٤) سعادت برور، علي، الظهور الجديد، ج٣، ص٤٩٥.
(٣٥) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج٥٢، ص٣٥٢.
(٣٦) شريعت خراساني، محمود، الحكومة العالمية للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من منظار القرآن والعترة، ص٢٧٨ – ٢٧٩.
(٣٧) المصدر نفسه، ص٢٢٨ – ٢٢٩.
(٣٨) المصدر نفسه، ص٢٤٣ – ٢٤٤.
(٣٩) المصدر نفسه.
(٤٠) رحيميان، محمد حسين، اشعاعات النور من الغدير إلى الظهور، ص١٨٣ – ١٨٤.
(٤١) المجلسي، محمد باقر، المهدى الموعود، ج٢، ص٢٤٠ – ٢٤٢.
(٤٢) سعادت برور، علي، الظهور الجديد، ج٣، ص٥٣٣.
(٤٣) المصدر نفسه، ص٣٠٣.
(٤٤) المجلسي، محمد باقر، المهدى الموعود، ج٢، ص٢٤٤.
(٤٥) المصدر نفسه، ص٢٤٦.
(٤٦) المصدر نفسه، ج٢، ص٢٢٠.
(٤٧) المصدر نفسه.

التقييم التقييم:
  ٠ / ٠.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016