نظرات في دعاء العهد
السيِّد علاء الدِّين عبد الصاحب الموسوي
دعاء العهد:
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «من دعا إلى الله تعالى أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا [(عليه السلام)]، فإنْ مات قبله أخرجه الله تعالى من قبره وأعطاه الله بكلِّ كلمة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيِّئة، وهو هذا:
اللَّهُمَّ رَبَّ النُّورِ العَظِيمِ، وَرَبَّ الكُرْسِيِّ الرَّفِيعِ، وَرَبَّ البَحْرِ المَسْجُورِ، وَمُنْزِلَ التَّوْراةِ وَالإنْجِيلِ وَالزَّبُورِ، وَرَبَّ الظِّلِّ وَالحَرُورِ، وَمُنْزِلَ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَرَبَّ المَلَائِكَةِ المُقَرَّبِينَ وَالأَنْبِياءِ وَالمُرْسَلِينَ.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِوَجْهِكَ الكَرِيمِ، وَبِنُورِ وَجْهِكَ المُنِيرِ، وَمُلْكِكَ القَدِيمِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ بِهِ السَّماواتُ وَالأَرَضُونَ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي يَصْلَحُ بِهِ الأوَّلُونَ وَالآخِرُونَ، يَا حَيًّا قَبْلَ كُلِّ حَيٍّ، وَيَا حَيًّا بَعْدَ كُلِّ حَيٍّ، وَيَا حَيًّا حِينَ لَا حَيَّ، يَا مُحْيِيَ المَوْتى وَمُمِيتَ الأَحْياءِ، يَا حَيُّ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ.
اللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلَانَا الْإِمَامَ الهَادِيَ المَهْدِيَّ القَائِمَ بِأَمْرِكَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آبَائِهِ الطَّاهِرِينَ عَنْ جَمِيعِ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا سَهْلِهَا وَجَبَلِهَا وَبَرِّهَا وَبَحْرِهَا وَعَنِّي وَعَنْ وَالِدَيَّ مِنَ الصَّلَواتِ زِنَةَ عَرْشِ الله وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ وَمَا أَحْصَاهُ عِلْمُهُ وَأَحَاطَ بِهِ كِتَابُهُ.
اللَّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبيحةِ يَوْمِي هَذَا وَمَا عِشْتُ مِنْ أيَّامِي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ فِي عُنُقِي لَا أَحُولُ عَنْها وَلَا أَزُولُ أَبَداً.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ وَأَعْوَانِهِ وَالذَّابِّينَ عَنْهُ وَالمُسَارِعِينَ إِلَيْهِ فِي قَضَاء حَوَائِجِهِ وَالمُمْتَثِلِينَ لأَوَامِرِهِ وَالمُحَامِينَ عَنْهُ، وَالسَّابِقِينَ إلَى إِرَادَتِهِ وَالمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ.
اللَّهُمَّ إِنْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ المَوْتُ الَّذِي جَعَلْتَهُ عَلَى عِبَادِكَ حَتْماً مَقْضِيًّا فَأَخْرِجْنِي مِنْ قَبْرِي مُؤْتَزِراً كَفَنِي شَاهِراً سَيْفِي مُجَرِّداً قَنَاتِي مُلَبِّيا دَعْوَةَ الدَّاعِي فِي الحَاضِرِ وَالبَادِي.
اللَّهُمَّ أَرِنِي الطَّلْعَةَ الرَّشِيدَةَ وَالغُرَّةَ الحَمِيدَةَ وَاكْحُلْ نَاظِرِي بِنَظْرَةٍ مِنِّي إِلَيْهِ وَعَجِّلْ فَرَجَهُ وَسَهِّلْ مَخْرَجَهُ وَأَوْسِعْ مَنْهَجَهُ وَاسْلُكْ بِي مَحَجَّتَهُ وَأَنْفِذْ أَمْرَهُ وَاشْدُدْ أَزْرَهُ، وَاعْمُرِ اللَّهُمَّ بِهِ بِلَادَكَ وَأَحْيِ بِه عِبَادَكَ فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الحَقُّ: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم: ٤١]، فَأَظْهِرِ اللَّهُمَّ لَنَا وَلِيَّكَ وَابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكَ المُسَمَّى بِاسْمِ رَسُولِكَ، حَتَّى لَا يَظْفَرَ بِشَيْءٍ مِنَ البَاطِلِ إِلَّا مَزَّقَهُ وَيَحِقَّ الحَقَّ وَيُحَقِّقَهُ، وَاجْعَلْهُ اللَّهُمَّ مَفْزَعاً لِمَظْلُومِ عِبَادِكَ وَنَاصِراً لِمْن لَا يَجِدُ لَهُ ناصِراً غَيْرَكَ، وَمُجَدِّداً لِـمَا عُطِّلَ مِنْ أَحْكَامِ كِتَابِكَ وَمُشَيِّداً لِـمَا وَرَدَ مِنْ أَعْلَامِ دِينِكَ وَسُنَنِ نَبِيِّكَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَاجْعَلْهُ اللَّهُمَّ مِمَّنْ حَصَّنْتَهُ مِنْ بَأْسِ المُعْتَدِينَ، اللَّهُمَّ وَسُرَّ نَبِيِّكَ مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بِرُؤْيَتِهِ وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى دَعْوَتِهِ وَارْحَم اسْتِكانَتَنا بَعْدَهُ.
اللَّهُمَّ اكْشِفْ هذِهِ الغُمَّةَ عَنْ هذِهِ الأُمَّةِ بِحُضُورِهِ، وَعَجِّلْ لَنَا ظُهُورَهُ، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً.
بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
ثمّ تضرب على فخذك الأيمن بيدك ثلاث مرَّات وتقول كلَّ مرَّة: «العَجَلَ العَجَلَ يَا مَوْلَايَ يَا صَاحِبَ الزَّمانِ»(١).
سند هذا الدعاء:
بحار الأنوار: عن الكتاب العتيق الغروي، أخبرني السيِّد الأجل عبد الحميد بن فخَّار بن معد العلوي الحسيني الحائري، في سنة ستّ وسبعين وستّمائة، قال: أخبرني والدي، عن تاج الدِّين الحسن بن عليٍّ الدربي، عن محمّد بن عبد الله البحراني الشيباني، عن أبي محمّد الحسن بن عليٍّ، عن عليِّ بن إسماعيل، عن يحيى بن كثير، عن محمّد بن عليٍّ القرشي، عن أحمد بن سعيد، عن عليِّ بن الحَكَم، عن الربيع بن محمّد المسلي، قال: قرأت على عبد الله بن سلمى، قال: سمعت سيِّدنا الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) يقول: «من دعا إلى الله أربعين صباحاً بهذا العهد، كان من أنصار قائمنا (عليه السلام)، وإنْ مات أخرجه الله إليه من قبره، وأعطاه الله بكلِّ كلمة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيِّئة، وهو هذا العهد: اللَّهُمَّ رَبَّ النُّورِ العَظِيمِ...» إلى آخر ما في كُتُب الدعوات(٢).
من أين جاءت التسمية؟
(دعاء العهد) عنوان يُطلَق على أكثر من دعاء، منها:
١ - الدعاء الذي علَّمه النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعليٍّ (عليه السلام) والمروي عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا عليُّ، ألَا أُعلِّمك؟ ثمّ قال (له): قل: اللَّهُمَّ اجعل لي عندك عهداً، واجعل لي عندك وداً، فنزل في ذلك قوله (جلَّ وعلا): ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا﴾ [مريم: ٩٦]»(٣).
ومنها:
٢ - دعاء العهد المروي في (مهج الدعوات) للسيِّد ابن طاوس عن محمّد بن عليِّ بن رقاق القمّي أبو جعفر، قال: حدَّثنا أبو الحسن محمّد بن عليِّ بن الحسن بن شاذان القمّي، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن عليِّ بن بابويه القمّي، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر، عن العبَّاس بن معروف، عن عبد السلام بن سالم، قال: حدَّثنا محمّد بن سنان بن يونس بن ظبيان، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «من دعا بهذا الدعاء مرَّة واحدة في دهره كُتِبَ في رقٍّ ورُفِعَ في ديوان القائم (عليه السلام)، فإذا قام قائمنا ناداه باسمه واسم أبيه، ثمّ يدفع إليه هذا الكتاب ويقال له: خذ هذا الكتاب العهد الذي عاهدتنا في الدنيا، وذلك قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً﴾ [مريم: ٨٧]، وادعُ به وأنت طاهر تقول: اَللَّهُمَّ يَا إِلَهَ اَلْآلِهَةِ، يَا وَاحِدُ يَا أَحَدُ، يَا آخِرَ اَلْآخِرِينَ، يَا قَاهِرَ اَلْقَاهِرِينَ، يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ، أَنْتَ اَلْعَلِيُّ اَلْأَعْلَى، عَلَوْتَ فَوْقَ كُلِّ عُلْوٍ، هَذَا يَا سَيِّدِي عَهْدِي، وَأَنْتَ مُنْجِزٌ وَعْدِي، فَصِلْ يَا مَوْلَايَ عَهْدِي، وَأَنْجِزْ وَعْدِي، آمَنْتُ بِكَ أَسْأَلُكَ بِحِجَابِكَ اَلْعَرَبِيِّ، وَبِحِجَابِكَ اَلْعَجَمِيِّ، وَبِحِجَابِكَ اَلْعِبْرَانِيِّ، وَبِحِجَابِكَ اَلسُّرْيَانِيِّ، وَبِحِجَابِكَ اَلرُّومِيِّ، وَبِحِجَابِكَ اَلْهِنْدِيِّ، وَأَثْبِتْ مَعْرِفَتَكَ بِالْعِنَايَةِ اَلْأُولَى، فَإِنَّكَ أَنْتَ اَللهُ لَا تُرَى، وَ أَنْتَ بِالمَنْظَرِ اَلْأَعْلَى، وَأَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِرَسُولِكَ اَلمُنْذِرِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَبِعَلِيٍّ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اَللهِ عَلَيْهِ اَلْهَادِي، وَبِالْحَسَنِ اَلسَّيِّدِ، وَبِالْحُسَيْنِ اَلشَّهِيدِ، سِبْطَيْ نَبِيِّكَ، وَبِفَاطِمَةَ اَلْبَتُولِ، وَبِعَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ زَيْنِ اَلْعَابِدِينَ ذِي اَلثَّفِنَاتِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْبَاقِرِ عَنْ عِلْمِكَ، وَبِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلصَّادِقِ اَلَّذِي صَدَّقَ بِمِيثَاقِكَ وَبِمِيعَادِكَ، وَمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحَصُورِ اَلْقَائِمِ بِعَهْدِكَ، وَبِعَلِيِّ بْنِ مُوسَى اَلرِّضَا اَلرَّاضِي بِحُكْمِكَ، وَبِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْحِبْرِ اَلْفَاضِلِ اَلمُرْتَضَى فِي اَلمُؤْمِنِينَ، وَبِعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْأَمِينِ اَلمُؤْتَمَنِ هَادِي اَلمُسْتَرْشِدِينَ، وَبِالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اَلطَّاهِرِ اَلزَّكِيِّ خِزَانَةِ اَلْوَصِيِّينَ، وَأَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِالْإِمَامِ اَلْقَائِمِ اَلْعَدْلِ اَلمُنْتَظَرِ اَلْمَهْدِيِّ، إِمَامِنَا وَاِبْنِ إِمَامِنَا صَلَوَاتُ اَللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، يَا مَنْ جَلَّ فَعَظُمَ وَ[هُوَ] أَهْلُ ذَلِكَ فَعَفَا وَرَحِمَ، يَا مَنْ قَدَرَ فَلَطُفَ، أَشْكُو إِلَيْكَ ضَعْفِي وَمَا قَصُرَ عَنْهُ أَمَلِي مِنْ تَوْحِيدِكَ وَكُنْهِ مَعْرِفَتِكَ، وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِالتَّسْمِيَةِ اَلْبَيْضَاءِ وَبِالْوَحْدَانِيَّةِ اَلْكُبْرَى اَلَّتِي قَصُرَ عَنْهَا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى، وَآمَنْتُ بِحِجَابِكَ اَلْأَعْظَمِ، وَبِكَلِمَاتِكَ اَلتَّامَّةِ اَلْعُلْيَا اَلَّتِي خَلَقْتَ مِنْهَا دَارَ اَلْبَلَاءِ، وَأَحْلَلْتَ مَنْ أَحْبَبْتَ جَنَّةَ اَلمَأْوَى، وَآمَنْتُ بِالسَّابِقِينَ وَاَلصِّدِّيقِينَ أَصْحَابِ اَلْيَمِينِ مِنَ اَلمُؤْمِنِينَ اَلَّذِينَ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً أَلَّا تُوَلِّيَنِي غَيْرَهُمْ، وَلَا تُفَرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ غَداً إِذَا قَدَّمْتَ اَلرِّضَا بِفَصْلِ اَلْقَضَاءِ، آمَنْتُ بِسِرِّهِمْ وَعَلَانِيَتِهِمْ وَخَوَاتِيمِ أَعْمَالِهِمْ، فَإِنَّكَ تَخْتِمُ عَلَيْهَا إِذَا شِئْتَ، يَا مَنْ أَتْحَفَنِي بِالْإِقْرَارِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَحَبَانِي بِمَعْرِفَةِ اَلرُّبُوبِيَّةِ، وَخَلَّصَنِي مِنَ اَلشَّكِّ وَاَلْعَمَى، رَضِيتُ بِكَ رَبًّا، وَبِالْأَصْفِيَاءِ حُجَجاً، وَبِالمَحْجُوبِينَ أَنْبِيَاءَ، وَبِالرُّسُلِ أَدِلَّاءَ، وَبِالمُتَّقِينَ أُمَرَاءَ، وَسَامِعاً لَكَ مُطِيعاً»(٤).
ومنها: دعاء العهد الذي يُقرَأ أربعين صباحاً، والمشهور قراءته بين الشيعة، وأنَّ من قرأه أربعين صباحاً كان من أصحاب القائم (عجَّل الله فرجه).
ومن الواضح أنَّ تسمية هذا الدعاء وردت على لسان صادق العترة (عليه السلام)، ليس كما هو الحال في دعاء كميل ودعاء أبي حمزة الثمالي (رضوان الله عليهما)، ودعاء أُمِّ داود، إذ أُطلقت التسمية على تلك الأدعية من قِبَل العلماء والناس واشتهرت.
وقبل أنْ نبدأ بشرح هذا الدعاء الجليل لا بدَّ من إيضاح أنَّني لن أسلك في هذا الشرح مسلكاً أكاديميًّا ولا حوزويًّا، بل سأتحدَّث إلى عموم الناس مقترباً من أذهانهم ومشاعرهم دون أنْ أزعجهم بالمصطلحات التي يصعب فهمها والأساليب المعقَّدة والمغلقة، لا لأنَّ المطالب المودعة في هذا الدعاء مطالب بسيطة أو هيِّنة، بل لأنَّها على عظمتها يمكن للعموم من المؤمنين أنْ ينتفعوا بها ويستفيدوا من نورها كلٌّ حسب فهمه وعلى قدر استيعابه، وهذا هو أحد أسرار البركة في كلام أهل البيت (عليهم السلام) كون كلامهم يصلح للنخبة كما يصلح للعموم من الناس، تنتهل كلُّ طبقة منه ما يناسب فهمها وعقلها ومستوى إدراكها، وتتفاعل معه بشكل وجداني يُؤثِّر في سلوكها ويُقوِّم أعمالها ويُصحِّح عقائدها وأفكارها.
أحببت أنْ أتحدَّث حول هذا الدعاء بشكل يُؤدّي إلى التفاعل الحقيقي مع معانيه، ومع من أنشئ الدعاء لأجله وهو الإمام المنتظر الغائب الشريد الطريد (أرواحنا فداه)، وعلى الله التوكُّل، ومنه التوفيق.
بسم الله الرحمن الرحيم
«اللَّهُمَّ رَبَّ النُّورِ العَظِيمِ، وَرَبَّ الكُرْسِيِّ الرَّفِيعِ، وَرَبَّ البَحْرِ المَسْجُورِ، وَمُنْزِلَ التَّوْراةِ وَالإنْجِيلِ وَالزَّبُورِ، وَرَبَّ الظِّلِّ وَالحَرُورِ، وَمُنْزِلَ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَرَبَّ المَلَائِكَةِ المُقَرَّبِينَ وَالأَنْبِياءِ وَالمُرْسَلِينَ».
البدء بالتمجيد والثناء لله تعالى في كلِّ دعاء هو الأدب الذي أكَّد عليه أئمَّة الهدى (عليهم السلام)، وقد ورد في ذلك عدَّة روايات، منها: ما روي عن عيص بن القاسم، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا طلب أحدكم الحاجة فليثن على ربِّه وليمدحه، فإنَّ الرجل إذا طلب الحاجة من السلطان هيَّأ له من الكلام أحسن ما يقدر عليه، فإذا طلبتم الحاجة فمجِّدوا الله العزيز الجبَّار وامدحوه وأثنوا عليه، تقول: يَا أَجْوَدَ مَنْ أَعْطَى، وَيَا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ، يَا أَرْحَمَ مَنِ اسْتُرْحِمَ، يَا أَحَدُ يَا صَمَدُ، يَا مَنْ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَه كُفُواً أَحَدٌ، يَا مَنْ لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً، يَا مَنْ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، وَيَقْضِي مَا أَحَبَّ، يَا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِه، يَا مَنْ هُوَ بِالمَنْظَرِ الأَعْلَى، يَا مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ، يَا سَمِيعُ يَا بَصِيرُ...»(٥).
ومنها: ما روي عن محمّد بن مسلم، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إنَّ في كتاب أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أنَّ المدحة قبل المسألة، فإذا دعوت الله تعالى فمجِّده»، قلت: كيف نُمجِّده؟ قال: «تقول: يَا مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيَّ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، يَا فَعَّالاً لِمَا يُرِيدُ، يَا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِه، يَا مَنْ هُوَ بِالمَنْظَرِ الأَعْلَى، يَا مَنْ هُوَ لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ»(٦).
وغير ذلك كثير، وقد صدر هذا الدعاء بهذه المدحة والتعظيم لله تعالى بذكر العديد من المخلوقات العظيمة له والتي هو ربُّها وخالقها والمهيمن عليها، أوَّلها «النُّور العَظِيمِ»، ولا يمكن تحديد المراد منه إلَّا بالعودة إلى الروايات الشريفة والتي ازدحمت بذكر النور ودرجاته وأنواعه، ولنذكر هنا بعض الروايات التي تتحدَّث عن أوَّل خلق لله تعالى، وهو نور نبيِّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ففي كتابي (المعاني) و(الخصال): عن أحمد بن محمّد بن عبد الرحمن المقري، عن محمّد بن إبراهيم الجرجاني، عن عبد الصمد بن يحيى الواسطي، عن الحسن بن عليٍّ المدني، عن عبد الله بن المبارك، عن سفيان الثوري، عن جعفر بن محمّد الصادق، عن أبيه، عن جدِّه، عن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: «إنَّ الله تبارك وتعالى خلق نور محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبل أنْ يخلق السماوات والأرض والعرش والكرسي واللوح والقلم والجنَّة والنار، وقبل أنْ يخلق آدم ونوحاً وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى وداود وسليمان، وكلُّ من قال الله (عزَّ وجلَّ) في قوله: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ...﴾ إلى قوله: ﴿وَهَدَيْناهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام: ٨٤ - ٨٧]، وقبل أنْ خلق الأنبياء كلَّهم بأربعمائة ألف وأربع وعشرين ألف سنة، وخلق الله (عزَّ وجلَّ) معه اثني عشر حجاباً...»(٧).
ولا شكَّ عندنا أنَّ نبيَّنا محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو أشرف خلق الله تعالى، ولا أعظم منه ولا أشرف، فيكون التمجيد لله تعالى بذكر أنَّه ربُّ ذلك الوجود الشريف مناسباً جدًّا، فنور نبيِّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو النور العظيم الذي خُلِقَ قبل الأشياء واشتُقَّت منه أنوار الأئمَّة الأوصياء من أهل البيت (عليهم السلام) وأنوار كافَّة الأنبياء والأولياء، كما ورد أنَّ الله تعالى خلق من نور محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نور العرش والكرسي، والشمس والقمر والنجوم، وضوء النهار، ونور الأبصار، ونور العقل والعلم والفهم والشعور والمعرفة، وأبصار العباد، وأسماعهم وقلوبهم، واللوح والقلم، والجنَّة، والملائكة، والأنبياء والمرسَلين، وكلَّ برٍّ وخير، ومحاسن الأخلاق من جنود العقل.
وقد وردت روايات في ذلك:
ففي (تأويل الآيات الظاهرة): عن ابن عبَّاس، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث قال: «إنَّ الله تعالى خلقني وخلق عليًّا قبل أنْ يخلق آدم...»، إلى أنْ قال: «خلق نوراً فقسمه نصفين، فخلقني من نصفه، وخلق عليًّا من النصف الآخر قبل الأشياء كلِّها، ثمّ خلق الأشياء، فكانت مظلمة، فنورها من نوري ونور عليٍّ»(٨).
وإلى هذا أشار مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «كنت أنا ومحمّد نوراً واحداً من نور الله (عزَّ وجلَّ)، فأمر الله تبارك وتعالى ذلك النور أنْ يُشَقَّ، فقال للنصف: كن محمّداً، وقال للنصف: كن عليًّا، فمنها قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): عليٌّ منِّي وأنا من عليٍّ»(٩).
ولا نطيل في ذكر الروايات الدالَّة على أنَّ نبيَّنا الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو أوَّل نور خلقه الله تعالى ومنه اشتُقَّت أنوار الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام).
والمهمُّ هنا أنَّ أوَّل مدحة وثناء يتقدَّم بها العبد بين يدي ربِّه في هذا الدعاء هي أنَّه ربُّ ذلك النور العظيم وهو نور نبيِّنا الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولا دليل أدلّ على عظمة الله تعالى من أنْ يكون هذا النبيُّ العظيم خلقاً من خلقه، ولا شيء أحبّ إلى الله تعالى من أنْ يُتوسَّل إليه بهذا الإنسان العظيم الذي هو أشرف خلقه وأحبّهم إليه.
ثمّ يُمجِّد الله تعالى بباقي مخلوقاته العظيمة التي اشتُقَّت من النور الأوَّل، وهي «الكُرْسِيّ الرَّفِيع»، والذي اشتُقَّ من نور نبيِّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقد ذُكِرَ للكرسي معانٍ، منها: القدرة الإلهيَّة المهيمنة على جميع الأشياء(١٠).
و«البَحْر المَسْجُور» هو أحد تلك المخلوقات العجيبة، وقيل: إنَّه بحر سجَّره الله بالنار(١١)، وهذا في حدِّ ذاته أحد أعجب ما خلق الله تعالى.
ويستمرُّ بالثناء على الله تعالى الذي أنزل على عباده التوراة والإنجيل والزبور هدايةً لهم من الضلالة وإرشاداً لهم إلى سعادة دنياهم وأُخراهم.
وهو «رَبُّ الظِّلِّ وَالحَرُورِ»، وهذا من غرائب الخلق؛ لأنَّنا نعلم أنَّ الظلَّ ما هو إلَّا عدم الضوء، فالمكان المشمس إذا نُشِرَت فيه سقيفة كان ما تحتها ظلّاً، وهو نتيجة لعدم وصول الشمس إلى ما تحت السقيفة، فكيف يكون العدم خلقاً من خلق الله، ونحن لا نجد هنا إلَّا الشمس ونورها؟!
وهذا شبيه بقوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ (الملك: ٢)، فإنَّ الموت ما هو إلَّا عدم الحياة، فكيف يكون الموت وهو عدم الحياة خلقاً؟
سبحانه وتعالى تقدَّست أسماؤه.
«وَمُنْزِلَ القُرْآنِ العَظِيمِ» الذي جعله الله تعالى تبياناً لكلِّ شيء، ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدَى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ (النحل: ٨٩).
وإذا تصوَّرنا أنَّ كلمة (كلِّ شيء) تدلُّ على جميع الأشياء من سماء وأرض وكواكب وسيَّارات ومجرَّات وما تضمَّنته تلك العوالم من غرائب المخلوقات، وأنَّ هذا الكتاب العظيم متضمِّن لكلِّ تلك الأشياء بلا أنْ يغادر منها صغيراً ولا كبيراً، ولا يفوته منها مخلوق أو موجود، أمكن أنْ نقترب من الشعور الحقيقي لعظمة الخالق (عزَّ وجلَّ) الذي خلق ثمّ أودع كلَّ ما يتعلَّق بذلك الخلق في كتاب واحد صاغه صياغة معجزة، ثمّ أنزله على قلب شخص واحد هو نبيُّنا الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ ورَّثه السابقين إلى الخيرات أئمَّة الهدى (عليهم السلام): ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ (فاطر: ٣٢).
«وَرَبَّ المَلَائِكَةِ المُقَرَّبِينَ وَالأَنْبِياءِ وَالمُرْسَلِينَ»:
وأمَّا عالم الملائكة فذلك عالم عجيب واسع، ويكفي أنْ نطَّلع على بعض صفات الملائكة ممَّا ورد على لسان أمير المؤمنين (عليه السلام) لنُدرك مدى عجزنا وضعف عقولنا عن إدراك حقائق الأشياء والإحاطة بها.
قال (عليه السلام) كما ورد في (نهج البلاغة):
«ثُمَّ فَتَقَ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ الْعُلَا، فَمَلأَهُنَّ أَطْوَاراً مِنْ مَلَائِكَتِه، مِنْهُمْ سُجُودٌ لَا يَرْكَعُونَ، وَرُكُوعٌ لَا يَنْتَصِبُونَ، وَصَافُّونَ لَا يَتَزَايَلُونَ، وَمُسَبِّحُونَ لَا يَسْأَمُونَ، لَا يَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُيُونِ، وَلَا سَهْوُ الْعُقُولِ، وَلَا فَتْرَةُ الأَبْدَانِ، وَلَا غَفْلَةُ النِّسْيَانِ، وَمِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى وَحْيِه وَأَلْسِنَةٌ إلى رُسُلِه، وَمُخْتَلِفُونَ بِقَضَائِه وَأَمْرِه، وَمِنْهُمُ الْحَفَظَةُ لِعِبَادِه وَالسَّدَنَةُ لأَبْوَابِ جِنَانِه، وَمِنْهُمُ الثَّابِتَةُ فِي الأَرَضِينَ السُّفْلَى أَقْدَامُهُمْ، وَالمَارِقَةُ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا أَعْنَاقُهُمْ، وَالْخَارِجَةُ مِنَ الأَقْطَارِ أَرْكَانُهُمْ، وَالمُنَاسِبَةُ لِقَوَائِمِ الْعَرْشِ أَكْتَافُهُمْ، نَاكِسَةٌ دُونَه أَبْصَارُهُمْ مُتَلَفِّعُونَ تَحْتَه بِأَجْنِحَتِهِمْ، مَضْرُوبَةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّةِ، وَأَسْتَارُ الْقُدْرَةِ، لَا يَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ بِالتَّصْوِيرِ، وَلَا يُجْرُونَ عَلَيْه صِفَاتِ المَصْنُوعِينَ، وَلَا يَحُدُّونَه بِالأَمَاكِنِ وَلَا يُشِيرُونَ إِلَيْه بِالنَّظَائِرِ»(١٢).
وأمَّا الأنبياء (عليهم السلام) الذين خلقهم الله تعالى وجعلهم حُجَجاً بينه وبين عباده فهم أعظم من الملائكة شأناً، وأعظم دوراً في هداية خلقه، وأقوى على مواجهة مصاعب الدعوة إلى الله تعالى وتحمُّل أعبائها، حتَّى وجدناهم يواجهون التعذيب والقتل والنشر بالمناشير صابرين محتسبين.
ونجدهم في تلك الحالات الصعبة والامتحانات العسيرة تابعين لنبيِّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) متوسِّلين إلى الله تعالى به مقتدين به وبأهل بيته في صبرهم واحتسابهم. وقد ورد في الروايات العديدة ما يدلُّ على أفضليَّة الأنبياء (عليهم السلام) على الملائكة ومن ثَمَّ أفضليَّة أهل البيت (عليهم السلام) على الأنبياء والملائكة، منها: ما رواه الصدوق ݥ بإسناده عن عبد السلام بن صالح الهروي، عن عليِّ بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليٍّ، عن أبيه عليِّ بن محمّد، عن أبيه الحسين بن عليٍّ، عن أبيه عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ما خلق الله خلقاً أفضل منّي ولا أكرم عليه منّي، قال عليٌّ (عليه السلام): فقلتُ: يا رسول الله، فأنت أفضل أم جبرئيل؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا عليُّ، إنَّ الله تبارك وتعالى فضَّل أنبياءه المرسَلين على ملائكته المقرَّبين، وفضَّلني على جميع النبيِّين والمرسَلين، والفضلُ بعدي لك يا عليُّ وللأئمَّة من بعدك، وإنَّ الملائكة لخُدَّامُنا وخُدَّام محبِّينا. يا عليُّ، ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [وَيُؤْمِنُونَ بِهِ] وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [غافر: ٧]، بولايتنا. يا عليُّ، لولا نحن ما خلق اللهُ آدمَ (عليه السلام) ولا حوَّاءَ ولا الجنَّة ولا النار ولا السماء ولا الأرض، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفه ربِّنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه، لأنَّ أوَّل ما خلق الله (عزَّ وجلَّ) أرواحنا، فأنطقها بتوحيده وتمجيده، ثمّ خلق الملائكة، فلمَّا شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظمت أمرنا، فسبَّحنا لتعلم الملائكة أنَّا خلق مخلوقون وأنَّه منزَّه عن صفاتنا، فسبَّحت الملائكة بتسبيحنا ونزَّهته عن صفاتنا، فلمَّا شاهدوا عظم شأننا هلَّلنا لتعلم الملائكة أنْ لا إله إلَّا الله وأنَّا عبيد ولسنا بآلهة يجب أنْ نُعبَد معه أو دونه، فقالوا: لا إله إلَّا الله، فلمَّا شاهدوا كبر محلِّنا كبَّرنا لتعلم الملائكة أنَّ الله أكبر من أنْ ينال عظم المحلِّ إلَّا به، فلمَّا شاهدوا ما جعله الله لنا من العزَّة والقوَّة فقلنا: لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله لتعلم الملائكة أنَّه لا حول لنا ولا قوَّة إلَّا بالله، فلمَّا شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا: الحمد لله لتعلم الملائكة ما يستحقُّ الله تعالى ذكره علينا من الحمد على نِعَمه، فقالت الملائكة: الحمد لله، فبنا اهتدوا إلى معرفه توحيد الله (عزَّ وجلَّ) وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده، ثمّ إنَّ الله تبارك وتعالى خلق آدم، فأودعنا صلبه، وأمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لنا وإكراماً، وكان سجودهم لله (عزَّ وجلَّ) عبوديَّة ولآدم إكراماً وطاعة لكوننا في صلبه، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلُّهم أجمعون؟...»(١٣).
هذه المدحة التي تتضمن كلَّ تلك الأُمور العظيمة، بل أعظم ما خلق الله تعالى، لهي مدحة وثناء عظيم يتوقَّع أنْ يكون الدعاء بعدها وما يتضمَّن من طلبات وحوائج أُمور عظيمة هي في قمَّة اهتمام الإنسان المؤمن، فماذا سيكون ذلك الطلب يا ترى؟
«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِوَجْهِكَ الكَرِيمِ، وَبِنُورِ وَجْهِكَ المُنِيرِ، وَمُلْكِكَ القَدِيمِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ بِهِ السَّماواتُ وَالأَرَضُونَ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي يَصْلَحُ بِهِ الأوَّلُونَ وَالآخِرُونَ، يَا حَيًّا قَبْلَ كُلِّ حَيٍّ، وَيَا حَيًّا بَعْدَ كُلِّ حَيٍّ، وَيَا حَيًّا حِينَ لَا حَيَّ، يَا مُحْيِيَ المَوْتى وَمُمِيتَ الأَحْياءِ، يَا حَيُّ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ».
عودة إلى التمجيد والتحميد والثناء والتوسُّل إلى الله تعالى بأعظم مخلوقاته، فوجه الله تعالى الذي يُؤتى منه، والذي يتقرَّب العباد إليه بإتيانه، والذي لا يفنى حين تفنى جميع الأشياء، ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ (القَصص: ٨٨).
ذلك الوجه الذي خلقه الله تعالى رحمةً لعباده وتيسيراً لبلوغهم مرضاته، فجعله بشراً يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، ويحزن ويفرح، ويغضب ويحلم، ويُبتلى ويصبر، وفتح له أبواب الاتِّصال به وأغدق عليه من فضله ما جعله محطًّا لوحيه وموضعاً لخطابه، وألهمه الحقائق الإلهيَّة وزوَّده بالعلوم الشرعيَّة وأدَّبه بالأدب الإلهي، ليكون أميناً على أداء رسالته إلى البشر، وصادقاً في دور القدوة الحسنة لهم في جميع أحواله وأطواره، ذلك هو محمّد سيِّد البشر (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأهل بيته الأئمَّة الطاهرون (عليهم السلام) الذين اختارهم (عزَّ وجلَّ) ليكونوا وجهه ولسانه ويده التي يبسطها على عباده بالرحمة والمغفرة.
ولنقرأ هذه الروايات التي رواها الشيخ الصدوق ݥ في كتابه (التوحيد):
- عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «نحن وجه الله الذي لا يهلك»(١٤).
- وعنه (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القَصص: ٨٨]، قال: «نحن»(١٥).
- وعن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «نحن المثاني التي أعطاها الله نبيَّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ونحن وجه الله نتقلب في الأرض بين أظهركم، عرفنا من عرفنا، ومن جهلنا فأمامه اليقين»(١٦).
- وعن خيثمة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القَصص: ٨٨]، قال: «دينه، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) دين الله، ووجهه وعينه في عباده، ولسانه الذي ينطق به، ويده على خلقه، ونحن وجه الله الذي يُؤتى منه، لن نزال في عباده ما دامت لله فيهم رويَّة»، قلت: وما الرويَّة؟ قال: «الحاجة، فإذا لم يكن لله فيهم حاجة رفعنا إليه وصنع ما أحبَّ»(١٧).
- وعن مروان بن صباح، قال: [قال] أبو عبد الله (عليه السلام): «إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) خلقنا فأحسن خلقنا، وصوَّرنا فأحسن صورنا وجعلنا عينه في عباده، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة، ووجهه الذي يُؤتى منه، وبابه الذي يدلُّ عليه، وخزائنه في سمائه وأرضه، بنا أثمرت الأشجار، وأينعت الثمار وجرت الأنهار، وبنا نزل غيث السماء ونبت عشب الأرض، بعبادتنا عُبِدَ الله، ولولا نحن ما عُبِدَ الله»(١٨).
إنَّ البدء بهذا التمجيد والتعظيم لله تعالى بذكر هذه المجموعة العظيمة من مخلوقاته يضع العبد أمام خالقه صغيراً ضئيلاً مبهوتاً أمام عظمة الخالق (عزَّ وجلَّ)، وهذا هو أحد غايات الدعاء ومقاصده المهمَّة: أنْ يتواضع العبد لربِّه وينحطَّ أمامه غاية الانحطاط ويتذلَّل له ويشعر بصغير حجمه وحقير خطره.
قد يقول قائل: لماذا هذا التأكيد على إذلال العبد لنفسه أمام خالقه وبارئه، أليس الله تعالى هو القائل في كتابه الكريم: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ﴾ (الإسراء: ٧٠)، فإذا كان الخالق قد كرَّمنا فلماذا هذا الإذلال للعبد في جميع العبادة وخصوصاً في الدعاء؟
أقول: إنَّ تكريم الله تعالى للإنسان إنَّما هو بالقياس إلى بقيَّة المخلوقات، فهو أشرفها، وهو المفضَّل عند الله تعالى من بينها، وإنَّما خلق ما خلق في الكون لأجل هذا الإنسان. وأمَّا التذلُّل الذي نجده محبوباً لله تعالى فهو تذلُّل العبد لربِّه وخالقه والمنعم عليه، والذي يُعَدُّ سُلَّماً للكمال يصعد فيه الإنسان إلى مدارج الفضيلة والرقيِّ الروحي، فكلَّما تذلَّل العبد لربِّه كلَّما زاده اللهُ عزًّا وشرفاً بين الناس وسلَّطه على المخلوقات والقوانين. هذا التذلُّل هو أحد مردودات ونتائج التكريم الإلهي، إذ لا بدَّ للإنسان أنْ يشكر خالقه الذي خلقه وكرَّمه وفضَّله على سائر خلقه، بل سخَّر له سائر خلقه، وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إلهي كفى لي عزًّا أنْ أكون لك عبداً، وكفى بي فخراً أنْ تكون لي ربًّا»(١٩).
وقد ورد في وصيَّة إمامنا الصادق (عليه السلام) لعنوان البصري: «فاطلب أوَّلاً من نفسك حقيقة العبوديَّة»(٢٠).
إنَّ حقيقة العبوديَّة فيها عوالم ظاهرة وأُخرى خفيَّة، وإنَّ من أظهر معالمها هو التذلُّل والاعتراف بالضعف والعجز المطلق أمام الخالق القادر المطلق.
إنَّ تربية الدعاء مبنيَّة على إخراج الإنسان من أوهام العظمة وخيالات التمكُّن في هذه الحياة إلى حقيقة العجز والذلَّة أمام الخالق (عزَّ وجلَّ)، ولعلَّ هذه الحالة هي أحبّ حالات العبد إلى الله تعالى، والعكس بالعكس، فإنَّ أبغض الحالات إليه تعالى أنْ يشعر العبد بالقدرة والجبروت ويتوهَّم أنَّه يملك لنفسه نفعاً أو ضرًّا من دون خالقه وبارئه. وإذا وُفِّق الإنسان إلى بلوغ هذه الحقيقة انفتح أمامه ما لا عين رأت ولا أُذُن سمعت، من أبواب النِّعَم الإلهيَّة.
من أعظم آداب الدعاء التوسُّل بأنوار النبيِّ وأهل بيته (عليهم السلام):
«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِوَجْهِكَ الكَرِيمِ...»:
علَّمنا أهل البيت (عليهم السلام) أنَّ الدعاء يبقى يحوم على رأس صاحبه لا يرتفع إلى الله تعالى حتَّى يُصلِّي العبد على محمّد وآل محمّد، وأنَّ جميع الأنبياء والأولياء والصالحين توسَّلوا بأهل البيت (عليهم السلام) في أشدّ أوقات محنهم، كآدم ونوح وإبراهيم وغيرهم (عليهم السلام).
فقد روى محمّد بن سليمان الكوفي في كتاب (مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام)) عن ابن عبَّاس، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لـمَّا نزلت الخطيئة بآدم وأُخرج من جوار ربِّ العالمين أتاه جبرئيل فقال: يا آدم، ادع ربَّك، قال: يا حبيبي جبرئيل، وبما أدعوه؟ قال: قل: يا ربِّ، أسألك بحقِّ الخمسة الذين تُخرجهم من صلبي آخر الزمان إلَّا تبت عليَّ ورحمتني، فقال: حبيبي جبرئيل سمِّهم لي، قال: محمّد النبيُّ، وعليٌّ الوصيُّ، وفاطمة بنت النبيِّ، والحسن والحسين سبطي النبيِّ، فدعا بهم آدم فتاب الله عليه وذلك قوله: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٣٧]، وما من عبد يدعو بها إلَّا استجاب الله له»(٢١).
وهذا ما يجب الالتزام به للداعين إذا أرادوا بلوغ مرادهم والتقرُّب إلى الله تعالى بعباداتهم، وهو أنْ يتوسَّلوا بالنبيِّ محمّد وآله الطاهرين (عليهم السلام). وقد أمر الله تعالى عباده أنْ يأتوه من الأبواب التي عيَّنها لهم، ولم يقبل من عبد أنْ يأتيه من حيث يشتهي ويُحِبُّ، وقصَّة إبليس مشهورة إذ طلب من الله تعالى أنْ يعفيه من السجود لآدم (عليه السلام) ووعد بأنْ يعبد الله تعالى عبادة لا يعبدها أحد من خلقه، فأجابه الباري (عزَّ وجلَّ): «إنَّما أُريد أنْ تعبدني من حيث أُريد أنا لا من حيث تريد أنت».
ففي (تفسير القمّي) في حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال إبليس: يا ربِّ، اعفني من السجود لآدم وأنا أعبدك عبادة لم يعبدكها مَلَك مقرَّب ولا نبيٌّ مرسَل، فقال الله تبارك وتعالى: لا حاجة لي إلى عبادتك، إنَّما أُريد أنْ أُعبد من حيث أُريد لا من حيث تريد»(٢٢).
وقد ذكرنا سابقاً أنَّ وجه الله تعالى الذي أُمرنا أنْ نأتيه منه هو النبيُّ وأهل بيته (عليهم السلام).
«اللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلَانَا الْإِمَامَ الهَادِيَ المَهْدِيَّ القَائِمَ بِأَمْرِكَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آبَائِهِ الطَّاهِرِينَ عَنْ جَمِيعِ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا سَهْلِهَا وَجَبَلِهَا وَبَرِّهَا وَبَحْرِهَا وَعَنِّي وَعَنْ وَالِدَيَّ مِنَ الصَّلَواتِ زِنَةَ عَرْشِ الله وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ وَمَا أَحْصَاهُ عِلْمُهُ وَأَحَاطَ بِهِ كِتَابُهُ»:
أوَّل ما يطلبه العبد من ربِّه بعد ذلك الثناء، هو أنْ يوصل سلامه وصلواته ودعاءه إلى سيِّده وإمامه صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)، ويُبلِّغه عن نفسه وعن والديه وعن كافَّة المؤمنين في بقاع الأرض تلك الصلوات والدعوات. فهو الإمام الهادي إلى الصراط المستقيم وإلى دين جدِّه النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأجداده الأئمَّة الطاهرين (عليهم السلام)، وهو المهدي المخصوص بهداية الله تعالى له، ليس بينه وبين الله تعالى أحد، ولا يحتاج إلى بشر، بل الكلُّ محتاج إليه. وقد قال الله تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ (يونس: ٣٥)، إذ ميَّزت الآية الكريمة بين من يهدي الناس دون أنْ يحتاج إلى أحد يهديه أو يُعلِّمه سوى الله تعالى، وبين من لا يتمكَّن من هداية أحد إلَّا بإرشاد وهداية وتعليم من غيره، والصنف الأوَّل المستغني عن هداية الناس هو الإمام المعصوم في كلِّ زمان، لأنَّه مهدي من خالقه ومسدَّد من قِبَله إلى الحقِّ والصواب والهدى. والصنف الثاني هم سائر الخلق غير المعصومين، ولا تتحقَّق لهم الهداية إلَّا على يد المعصوم المؤيَّد من الله تعالى حصراً.
وقد يتوهَّم بعض الناس أنَّ الطريق إلى الهدى والنجاة سالك لكلِّ أحد ولو من غير طريق أهل البيت (عليهم السلام)، كبعض الصوفيَّة ومدَّعي العرفان، وهو وهم باطل بنصِّ الأحاديث النبويَّة الشريفة المتَّفق عليها بين الفريقين كحديث السفينة المشهور، الذي يقول فيه النبيُّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق»(٢٣)، فإنَّ صريح هذه الرواية يدلُّ على انحصار طريق النجاة بلزوم طريقة أهل البيت (عليهم السلام)، كما كان الخلاص من الغرق والنجاة من الطوفان منحصر بركوب السفينة مع نوح (عليه السلام).
فما يتصوَّره البعض من أنَّه بلغ إلى المعرفة التامَّة والعرفان الكامل والذوبان في الله تعالى والفناء في ذاته، وهو لا يعترف بإمامة أهل البيت (عليهم السلام)، أو أنَّه يعترف بإمامتهم لكنَّه لا يسلك طريقهم الذي رسموه في أخذ المعارف وتزكية النفس، بل ذهب إلى غيرهم وأخذ من شوب علومهم، أو خلط بين ذلك وبين ذلك.
أقول: من يرتكب ذلك فهو واهم وضالٌّ عن الطريق، وقد ورد عن إمامنا أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيَّته لكميل: «يا كميل، لا تأخذ إلَّا عنَّا تكن منَّا»(٢٤).
وواضح هنا المنع من الأخذ من أيِّ مصدر سوى أئمَّة الهدى (عليهم السلام)، ولا مجال للقول: إنَّه لا بأس بأنْ نأخذ عنهم وعن غيرهم، لأنَّه سيكون من خلط الحقِّ بالباطل، ولن يُؤدِّي إلى الهدى، بل إلى التشتُّت والضياع. ومن المعلوم أنَّ مسائل الدِّين ممَّا لا يقبل التبعيض، فإنَّ مصدر تلك المسائل واحد ومحدَّد من قِبَل الباري (عزَّ وجلَّ)، ولم يجز لأحد أنْ يأخذ دينه من غير ذلك المصدر الواحد الفارد، وهم أهل بيت العصمة الذين قرنهم بكتابه وجعلهم الثقل الآخر وطهَّرهم من الرجس ونصبهم أئمَّة على الخلق، فما خرج من بيوتهم فهو الحقُّ، وما خرج من غيرها باطل لا يجوز متابعته ولا ترويجه.
نعود إلى نصِّ الدعاء، وما سأله العبد من ربِّه في أنْ يُبلِّغ الإمام صلواته عنه وعن والديه وكافَّة المؤمنين والمؤمنات، لنجد أنَّ ذلك نحو من أنحاء التواصل مع الإمام الحاضر، وهو أمر واجب على المأمومين وإنْ كان الإمام غائباً عن الأنظار، فهو وليُّ النعمة علينا، ومصدر جميع الألطاف الإلهيَّة، وهو المسؤول عنَّا وعن أعمالنا وعن مصيرنا في الدنيا والآخرة، فلا بدَّ أنْ نرتبط به ارتباطاً وثيقاً يوميًّا من خلال الدعاء له ومن خلال السلام عليه وإظهار فروض المحبَّة والاحترام له.
إنَّ إرسال السلام والصلوات للإمام (عجَّل الله فرجه) يتضمَّن عدَّة أُمور ينبغي للمؤمن أنْ يلتفت إليها ويلتزم بها:
١ - أنَّه سيكون مأمون الشرِّ، وأنَّه لن يوصل إلى الإمام أيّ نوع من الأذى والاعتداء. فهو سيلتزم الطاعة التي تسرُّ الإمام ويبتعد عن المعصية التي تؤذيه وتؤلمه، كما أنَّه سيتجنَّب الاعتداء على الآخرين، لأنَّ ذلك اعتداء على نفس الإمام وإيذاء له.
وقد ورد في الرواية عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «ما لكم تسوؤون رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟»، فقال رجل: كيف نسوؤه؟ فقال: «أمَا تعلمون أنَّ أعمالكم تُعرَض عليه، فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك، فلا تسوؤوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسرُّوه»(٢٥).
وما كان لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فهو للأئمَّة الطاهرين من أهل بيته (عليهم السلام)، كما ورد في الرواية عن عبد الله بن أبان الزيَّات وكان مكيناً عند الرضا (عليه السلام)، قال: قلت للرضا (عليه السلام): ادع الله لي ولأهل بيتي، فقال: «أوَ لستُ أفعل؟ والله إنَّ أعمالكم لتعرض عليَّ في كلِّ يوم وليلة»، فقال: فاستعظمت ذلك فقال لي: «أمَا تقرأ كتاب الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: ١٠٥]؟ قال: «هو والله عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام)»(٢٦).
٢ - أنَّه يحمل الحبَّ والودَّ الكبير للإمام (عجَّل الله فرجه) بحيث يتوسَّل بالدعاء إلى الله تعالى لإيصال صلواته ومودَّته. وفي ذلك التزام بقول الله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى﴾ (الشورى: ٢٣).
٣ - أنَّه آخذ بحجزة الإمام (عجَّل الله فرجه) إذ يأخذ كلُّ بشر بحجزة قويٍّ من الأقوياء أو حزب أو فئة يحفظ بذلك نفسه ومصالحه ويتَّخذ منهم ظهراً وسنداً في الشدائد، لكن المؤمن لا يأخذ إلَّا بحجزة الإمام ولا يعتصم إلَّا به، لأنَّ الاعتصام به اعتصام بالله تبارك وتعالى، ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (آل عمران: ١٠١).
٤ - أنَّه ينتمي إلى جماعة المؤمنين التي تحمل العقيدة الصحيحة وتلتزم الطريق المستقيم وتوالي أئمَّة الهدى (عليهم السلام)، وتلتزم إمامة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، ولا شكَّ أنَّ تركيز هذا الانتماء ممَّا يُقوّي العقيدة ويُثبِّت الجنان ويوثق أواصر الارتباط بين أفراد تلك الجماعة، إذ تراهم يُردِّدون كلَّ يوم هذه العبائر التي تُؤكِّد انتماءهم الواحد وارتباطهم الأكيد بالإمام المعصوم الغائب، ممَّا يجعلهم كتلة اجتماعيَّة قويَّة وتوجُّهاً بشريًّا عاماً يحفظ أتباعه ويقوّي عزائمهم في مواجهة الصعاب والضغوط الهائلة التي اعتاد أتباع هذا المذهب على تحمُّلها وتجاوزها.
«اللَّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبيحةِ يَوْمِي هَذَا وَمَا عِشْتُ مِنْ أيَّامِي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ فِي عُنُقِي لَا أَحُولُ عَنْها وَلَا أَزُولُ أَبَداً»:
البيعة هي التزام من الإنسان تجاه شخص ما على الطاعة والتبعيَّة في أُمور محدَّدة بقانون أو شريعة. وهي عقد لازم ما دامت الشروط من الطرفين متوفِّرة، وتجديدها توثيق وتأكيد لمضمونها، وإظهار للاستعداد للوفاء بلوازمها دائماً وفي كافَّة الظروف.
إنَّ عقيدتنا في إمامة أهل البيت (عليهم السلام) أنَّها إمامة إلهيَّة فرضها الله على العباد ولم يجعل الخيرة في ذلك إليهم، بل أوجب عليهم الامتثال والطاعة، فهو كما يختار الأنبياء دون رجوع إلى الخلق، كذلك يختار الأوصياء لهم والأئمَّة على الخلق بعدهم.
﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (القَصص: ٦٨).
ولذا فإنَّ إمامتهم (عليهم السلام) ليست ناتجة من نفس البيعة لهم كما يتوهَّم البعض، بل هي من نتائج الجعل الإلهي لإمامتهم والنصِّ على ذلك في الكتاب الكريم وفي سُنَّة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) القطعيَّة، فالبيعة ممَّا يجب على الإنسان المؤمن فعله وإظهاره والالتزام به، امتثالاً للأمر الإلهي القاضي بفرض طاعتهم وتنصيبهم أئمَّة على الخلق وولاة للأمر. فهو نتيجة للنصِّ الإلهي بفرض ولايتهم، لا سبب لتلك الولاية.
ولذا فإنَّ ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) بقيت مفروضة على المسلمين حتَّى بعد تخلُّفهم عن بيعته وعدولهم بالأمر إلى غيره.
وهكذا الحال الآن في هذه الأزمنة، فإنَّ ولاية الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) على هذه الأُمَّة قائمة مستمرَّة وإنْ كان الناس في سلطة غيره وتبعاً لحكومات الجور، فإنَّ تلك الولاية أمر إلهي لا يتأثَّر باختيار الناس سلباً أو إيجاباً، نعم فاعليَّة تلك الولاية في حياة الناس من الجهات الظاهريَّة تتوقَّف على طاعة الناس ومبايعتهم ومتابعتهم للإمام (عجَّل الله فرجه)، وهي مع ذلك فاعلة في العديد من الأُمور الخفيَّة التي لا يُدركها الكثير من الناس، ولكنَّها فاعلة مؤثِّرة في مجمل أُمورهم وفي مسار الأُمور في الدنيا بأسرها.
إنَّ تكرار البيعة والتصريح بها يوميًّا حسب ما جاء في هذا الدعاء الشريف له آثار عديدة ومباركة:
١ - تذكير النفس بمسؤوليَّة الإنسان تجاه دينه وإمامه المفترض عليه طاعته، لأنَّ البيعة هي تأكيد للالتزام الشرعي بالطاعة المفروضة من الله تعالى للإمام، وتثبيت لحقِّ الإمام في الطاعة والمتابعة والموالاة في عنق المكلَّف، وإظهار لما خفي لأزمان عديدة بسبب التقيَّة وظروف الملاحقة الشديدة للشيعة وأئمَّتهم (عليهم السلام).
٢ - تأكيد إمامة أهل البيت (عليهم السلام) على الناس وبقائها، وهو ما دارت عليه البحوث الطويلة والجدل العنيف بين طوائف المسلمين طوال الأزمنة وإلى يومنا هذا.
٣ - تحقيق مفهوم الإيمان عمليًّا والالتزام بأمر النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «من مات وليس في عنقه بيعة إمام مات ميتةً جاهليَّةً»(٢٧).
٤ - سدُّ الطريق على مدَّعي الإمامة كذباً وزوراً، وما أكثرهم في كلِّ زمن.
٥ - توطين النفس على نصرة الدِّين وأئمَّة الهدى (عليهم السلام) من خلال بيعة الإمام الحاضر في الزمن الغائب عن الأنظار (عجَّل الله فرجه). وتثبيت النفس على الاستعداد للتضحية والشهادة في ذلك السبيل.
وهذه البيعة لا يحول عنها الداعي ولا يزول أبداً، وذلك لأنَّها عقيدة مبنيَّة على البرهان القاطع، والأدلَّة الناصعة الواضحة، والتي لا تُبقي مجالاً للشكِّ أو الارتياب، بل توجب الثبات والدوام والرسوخ في طاعتهم ومتابعتهم (عليهم السلام).
«اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ وَأَعْوَانِهِ وَالذَّابِّينَ عَنْهُ وَالمُسَارِعِينَ إِلَيْهِ فِي قَضَاء حَوَائِجِهِ وَالمُمْتَثِلِينَ لأَوَامِرِهِ وَالمُحَامِينَ عَنْهُ، وَالسَّابِقِينَ إلَى إِرَادَتِهِ وَالمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ»:
بعد الإقرار بالبيعة وتثبيتها وتكرارها ينتقل الداعي إلى الدعاء بالحصول على توفيق النصرة للإمام (عجَّل الله فرجه)، وهو شرف لا يحصل عليه إلَّا من سبقت له الحسنى وكُتُب في الصدِّيقين والأولياء، لأنَّ نصرة الإمام تتطلَّب أُموراً، منها:
١ - أنْ يكون الناصر للإمام (عجَّل الله فرجه) متديِّناً ملتزماً في أعلى درجات الورع والتقوى.
٢ - أنْ يكون على مستوى عالٍ من وضوح العقيدة ونقاء الفكر بعيداً عن الشُّبُهات، سليماً من الشوائب.
٣ - أنْ يكون شجاعاً قويًّا في نفسه، ثابت الجنان، راسخ الإرادة، لا تزلزله الشدائد، ولا تُحرِّكه العواصف.
٤ - أنْ يكون خاضعاً للإمام خضوعاً تامًّا ومتابعاً لأوامره ونواهيه بشكل مطلق لا تردُّد فيه ولا وهن.
إلى غير ذلك من صفات لا بدَّ من توفُّرها فيمن يشارك في نشر العدل في طول الأرض وعرضها.
إنَّ هذا الدعاء بأنْ يكون الإنسان من أنصاره وأعوانه والذابِّين عنه، يستدعي في نفس الإنسان همَّةً واندفاعاً للتحلّي بتلك الصفات ليكون أهلاً لتلك المنزلة. فهي تربية إيمانيَّة وتدريب عملي على التقوى ورسوخ العقيدة، يندفع إليها المؤمن شوقاً إلى نصرة إمامه ورغبةً في الحصول على ذلك الشرف الأعظم.
«اللَّهُمَّ إِنْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ المَوْتُ الَّذِي جَعَلْتَهُ عَلَى عِبَادِكَ حَتْماً مَقْضِيًّا فَأَخْرِجْنِي مِنْ قَبْرِي مُؤْتَزِراً كَفَنِي شَاهِراً سَيْفِي مُجَرِّداً قَنَاتِي مُلَبِّيا دَعْوَةَ الدَّاعِي فِي الحَاضِرِ وَالبَادِي»:
إذا مات الإنسان سقطت عنه التكاليف وارتاح منها ومن تبعاتها، واستعدَّ للحساب على ما اكتسب في حياته منها، فإذا كان مؤمناً صالحاً نام في قبره نومة العروس، وتنعَّم في قبره حتَّى تقوم الساعة. وليس من الوارد أنْ يتمنَّى المؤمن المنعم الذي ارتاح من الدنيا ومشاكلها وهمومها، العودة إليها وإلى ما فيها من هموم وأثقال وتكاليف وامتحانات. وقد ورد أنَّ أوَّل راحة المؤمن هو أوَّل يوم من أيَّام موته وانتقاله إلى جوار خالقه (عزَّ وجلَّ).
وقد روى الصدوق ݥ بسنده عن محمود بن لبيد أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «شيئان يكرههما ابن آدم: يكره الموت، والموت راحة المؤمن من الفتنة، ويكره قلَّة المال وقلَّة المال أقلّ للحساب»(٢٨).
بل إنَّ بعض المؤمنين يتمنَّى وهو في الحياة أنْ ينتقل إلى عالم الموت لشدَّة ما يلقى من أذى وابتلاء في هذه الحياة، وليس ببعيد عنَّا ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ يقول وهو على المنبر كما روى ذلك القاضي نعمان في (شرح الأخبار) بإسناده عن عبيدة، قال: سمعت عليًّا (عليه السلام) وهو على المنبر يقول: «اللَّهُمَّ إنِّي سئمتهم وسأموني، ومللتهم وملُّوني، فأرحني منهم وأرحهم منِّي، فما يمنع أشقاها أنْ يخضبها بدم - ووضع يده على لحيته - من هذه - ووضع يده على رأسه -»(٢٩).
لكن هذه الفقرة من الدعاء: «اللَّهُمَّ إِنْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ المَوْتُ...» إلخ، تُنبِّهنا إلى وجود جمع من المؤمنين يتصرَّفون بشكل مختلف تماماً، فهم رغم راحتهم من هذه الحياة القاسية والامتحانات الثقيلة، يتمنَّون أنْ يعودوا إليها لا ليرتاحوا أو يركنوا إلى الدعة، بل ليقاتلوا بين يدي الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ويُقتَلوا ويحصلوا على شرف الشهادة بين يديه.
إنَّهم بعدما ذاقوا حلاوة النعيم في قبورهم ورُفِعَ عنهم ما كان من تكاليف الدنيا وتخفَّفوا من تلك المسؤوليَّات وتجرَّدوا من كافَّة المزعجات، يتمنَّون العودة إلى عالم التكليف والابتلاء والامتحان لا لشيء، إلَّا لنصرة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، حبًّا له وشوقاً إلى لقائه وإيماناً بعظيم المنزلة لمن تشرَّف بنصرته واستشهد بين يديه.
فأيُّ لذَّةٍ تكون في ذلك؟ وأيُّ شعورٍ ينتاب المؤمن في نصرة الإمام الغائب؟ وأيُّ منزلةٍ تكون لأنصاره وأعوانه؟
هذا ما ستكشفه الأيَّام ويجليه نفس الظهور المبارك لحجَّة الله وبقيَّته في أرضه (عجَّل الله فرجه).
«اللَّهُمَّ أَرِنِي الطَّلْعَةَ الرَّشِيدَةَ وَالغُرَّةَ الحَمِيدَةَ وَاكْحُلْ نَاظِرِي بِنَظْرَةٍ مِنِّي إِلَيْهِ وَعَجِّلْ فَرَجَهُ وَسَهِّلْ مَخْرَجَهُ وَأَوْسِعْ مَنْهَجَهُ وَاسْلُكْ بِي مَحَجَّتَهُ وَأَنْفِذْ أَمْرَهُ وَاشْدُدْ أَزْرَهُ، وَاعْمُرِ اللَّهُمَّ بِهِ بِلَادَكَ وَأَحْيِ بِه عِبَادَكَ فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الحَقُّ: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم: ٤١]»:
تلك هي أُمنية كلِّ مؤمن ومؤمنة، أنْ يرى تلك الطلعة الرشيدة والغرَّة الحميدة، التي نوَّرها الله تعالى بنور عزَّته وألقى عليها بهاءه وجماله، وجعل فيها شمائل محمّد وعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، فالناظر إليه إنَّما ينظر إليهم، ويقتبس من نورهم.
يقول بعض أهل المعرفة: إنَّ الوجه أرشيف كامل لما يجري على الإنسان في حياته، ولما يرثه من صفات آبائه وأجداده، ولذا يتفنَّنون في قراءة الوجوه ويستنبطون من تقاسيمها ما يُخبرون به عن الغيب ويتوقَّعون به الأحداث الآتية والخصال الخافية.
إنَّ ذلك لو صحَّ كلُّه أو بعضه، لكان الناظر إلى الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) عند ظهوره ناظراً في تضاعيف وجهه الشريف وجبهته المنيرة إلى معاناة المئات من السنين وأحزانها وآلامها، والتي مرَّت على الإمام (عجَّل الله فرجه) وهو مسؤول عن هذا الخلق مكلَّف من الله تعالى بإمامتهم وهدايتهم ورعاية شؤونهم، ولو لم يكن إلَّا ما جرى في كربلاء لكان كافياً لأنْ نرى أحزان الدنيا تزدحم في عينيه وتتراكم في محياه الجميل الحزين. كيف وتاريخ البشر وما مرَّ عليهم من أحداث أليمة وأحزان ممضَّة، كلُّ ذلك يمرُّ عليه ويشهده بنفسه ويعيشه لحظة بلحظة بكامل تفاصيله وهو الحجَّة على الناس والكهف لخائفهم والأمان لهاربهم والداعي لهم ليل نهار والمتوسِّل إلى ربِّه في نجاتهم من تبعات ذنوبهم وآثار معصيتهم وظلم بعضهم للبعض الآخر.
إنَّ من يحظى بنظرة إلى وجه الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لن يحظى بلذَّة النظر إلى نوره وبهائه فقط، بل سيمتلأ حزناً وحسرةً على ما سيرى من كآبة الإمام وحزنه وآثار ذلك عليه ووطأته على قسمات محياه (روحي وأرواح العالمين فداه).
«وَعَجِّلْ فَرَجَهُ وَسَهِّلْ مَخْرَجَهُ وَأَوْسِعْ مَنْهَجَهُ»:
الدعاء بالفرج للإمام من المستحبَّات المؤكَّدة، والروايات في ذلك عديدة، منها ما ورد في التوقيع الشريف: «وَأَكْثِرُوا الدُّعاءَ بِتَعْجِيلِ الفَرَجِ فَإِنَّ ذلِكَ فَرَجُكُمْ»(٣٠)، لكن الفرج المطلوب ليس هو مجرَّد الظهور، بل أنْ يكون ذلك سهلاً عليه، حيث يجد (عجَّل الله فرجه) مناهج الأُمور أمامه واسعة سهلة ميسَّرة، لا ضيِّقة معسرة، وطُرُق علاج الأزمات عديدة وخياراتها في متناول يده، ليكون ذلك ضماناً لسرعة تحقيق العدل ونشره في طول الأرض وعرضها بين كافَّة أبناء البشر على رغم الاختلاف الشديد في لغاتهم وثقافاتهم وطباعهم وأمزجتهم.
إنَّ من أشدّ المصاعب التي تنتظر الإمام (عجَّل الله فرجه) التعامل مع هذا الكمِّ الهائل من البشر المتعدِّد الثقافات والطباع والمعتقدات، وإيصالهم إلى القناعة التامَّة الواضحة بدين الإسلام، ليتركوا ما درجوا عليه آلاف السنين من عادات سيِّئة ومعتقدات باطلة، ويتَّخذوا من دين محمّد (عجَّل الله فرجه) ديناً وطريقة حياة.
إنَّه انقلاب كامل في حياة البشر وثقافتهم وعاداتهم وطبائعهم، سيقوده الإمام (عجَّل الله فرجه) بعلمه وبيانه وبما يُعطيه الله تعالى من المحبَّة في قلوب البشر، ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا﴾ (مريم: ٩٦).
«وَاسْلُكْ بِي مَحَجَّتَهُ»:
المحجَّة هي الطريق الأعظم الذي يجمع الناس، وكثيرة هي الطُّرُق، منها ما يوصل إلى الطاغوت، ومنها ما يوصل إلى الله تعالى، وقد جعل الله تعالى الطريق الموصل إليه منحصراً بأهل بيت نبيِّه (عليهم السلام)، ولا طريق سواه بنصِّ حديث السفينة وحديث الثقلين.
«وَاعْمُرِ اللَّهُمَّ بِهِ بِلَادَكَ وَأَحْيِ بِه عِبَادَكَ»:
إنَّما تعمر البلاد بالعدل والقسط، لا بالأبنية والشوارع والمنشآت فحسب، وهو ما ازدحمت به الأرض الآن، لكنَّها خلت من العدل والإنصاف، وضجَّت بالظلم والفساد، فعادت موحشة مظلمة من أفعال العباد.
وقد ورد عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «بالعدل قامت السماوات والأرض»(٣١)، ولا تعمر الأرض إلَّا بالعدل الذي هو عنوان حركة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وظهوره: «يملأها قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً».
من ذلك يتَّضح أنَّ الإعمار المقصود هو أنْ تشيع السعادة والإنصاف في الأرض، وتصبح المفاهيم الإنسانيَّة واقعاً معاشاً عامًّا لجميع البشر. وتُبنى جميع أحوال الحياة على العدل، وهو وضع الأشياء في محلِّها لا على المساواة كما يتوهَّم البعض، إذ قد تكون المساواة في أحيان كثيرة خلاف العدل، وقد يكون التفاوت هو عين العدل. فالقيمة المطلقة هو العدل الذي هو: (وضع الشيء في محلِّه). وأمَّا المساواة وأمثالها فهي مفاهيم نسبيَّة قد تكون جيِّدة أحياناً وقد تكون سيِّئة أحياناً أُخرى.
ثمّ إنَّ المجتمع البشري (مجتمع العباد) إنَّما يكون حيًّا إذا شاع فيه العدل وعمَّت فيه السعادة، وأمَّا مع شيوع الظلم والحيف فهو مجتمع ميِّت بحسب الموازين الإلهيَّة للحياة، ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ (البقرة: ١٧٩).
فالمجتمع الذي لا يعالج الجريمة والظلم بالقصاص مجتمع ميِّت لا حياة فيه، والعكس بالعكس، المجتمع الملتزم بحدود الله وقوانينه في ملاحقة الظلم والفساد، مجتمع حيٌّ سعيد تندر فيه الجريمة وتقلُّ فيه المظالم.
ثمّ إنَّ حياة العباد كما تتحقَّق بالعدل، تتحقَّق بكمال العقول وطهارة النفوس، وهذا ما سيشهده العالم على يد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وقد ورد عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع به عقولهم وأكمل به أحلامهم»(٣٢).
واكتمال العقول يضمن عدم صدور الظلم من العباد، بل عدم الانشغال بالتوافه من الأُمور، ويُوجِّه الإنسان إلى الاهتمام بما خُلِقَ له وبرأ من أجله، الأمر الذي ينتج انشغال البشر بالأُمور النافعة والمنتجة. ويصرفهم عن النزاعات والخلافات والحروب العبثيَّة. وهذا ممَّا يُحقِّق العدل غالباً بلا حاجة إلى قوَّة رادعة، بل يتحقَّق برغبة وإرادة الناس تلقائيًّا.
«فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الحَقُّ: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم: ٤١]»:
انتشار الفساد قد لا يكون ظاهراً بالضرورة، فقد يكون موجوداً لكنَّه مستتر خفي، يخفيه من يمارسه حياءً أو خوفاً أو مجاملةً أو نفاقاً، وهذه درجة من درجات الانتشار لا بدَّ أنْ تُعالَج بالتربيَّة والإصلاح بالتي هي أحسن.
لكن أنْ يظهر الفساد في الأرض ويعود لائحاً أمام الجميع دون اعتراض أو ردع، فهذا يعني أنَّه تجاوز مرحلة الوجود إلى مرحلة الشرعنة والقبول والإمضاء من قِبَل الكثير من البشر، وهاهنا يكمن الخطر الأكبر، فإنَّ وجود فساد في جهة ما أمر سيِّئ، لكنَّه يكون عادةً مصحوباً بالشعور بالذنب من مرتكبه ومحاولة إخفائه أو تأويله وتبريره، أمَّا أنْ يكون ظاهراً لا يحتاج صاحبه إلى عذر أو تبرير، فهذا ما يعني انقلاب المفاهيم، وهو ما أشار إليه النبيُّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الحديث المشهور الذي يحثُّ فيه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويُحذِّر من عواقب ترك ذلك إذ يقول: «كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً»(٣٣).
وهي أسوأ حالة يصلها الناس بعد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي مرحلة انقلاب المفاهيم حيث يتحوَّل المعروف في أنظارهم إلى منكر والمنكر معروفاً.
وهذا ما يشكو منه الداعي بهذا الدعاء، إذ نرى وعلى مرور الأزمنة تحوُّلاً تدريجيًّا للمفاهيم يصل بالناس إلى حالة المسخ للأفكار والتشويه للحقائق، فيعود الهتك للمؤمنين ولثوابت المجتمع حرّيَّة للرأي، وشيوع الشذوذ الجنسي والمثليَّة حقًّا مكتسباً للبشر يجب الدفاع عنه، وإشاعة الفساد في وسائل الإعلام حبًّا للحياة وإقبالاً على السعادة وانفتاحاً على الثقافات. بينما يكون الدفاع عن الحُرُمات الدِّينيَّة والأخلاقيَّة تزمُّتاً وتعصُّباً وتطرُّفاً.
«فَأَظْهِرِ اللَّهُمَّ لَنَا وَلِيَّكَ وَابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكَ المُسَمَّى بِاسْمِ رَسُولِكَ، حَتَّى لَا يَظْفَرَ بِشَيْءٍ مِنَ البَاطِلِ إِلَّا مَزَّقَهُ وَيَحِقَّ الحَقَّ وَيُحَقِّقَهُ، وَاجْعَلْهُ اللَّهُمَّ مَفْزَعاً لِمَظْلُومِ عِبَادِكَ وَنَاصِراً لِمْن لَا يَجِدُ لَهُ ناصِراً غَيْرَكَ، وَمُجَدِّداً لِـمَا عُطِّلَ مِنْ أَحْكَامِ كِتَابِكَ وَمُشَيِّداً لِـمَا وَرَدَ مِنْ أَعْلَامِ دِينِكَ وَسُنَنِ نَبِيِّكَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَاجْعَلْهُ اللَّهُمَّ مِمَّنْ حَصَّنْتَهُ مِنْ بَأْسِ المُعْتَدِينَ، اللَّهُمَّ وَسُرَّ نَبِيِّكَ مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بِرُؤْيَتِهِ وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى دَعْوَتِهِ وَارْحَم اسْتِكانَتَنا بَعْدَهُ.
اللَّهُمَّ اكْشِفْ هذِهِ الغُمَّةَ عَنْ هذِهِ الأُمَّةِ بِحُضُورِهِ، وَعَجِّلْ لَنَا ظُهُورَهُ، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً. بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ»:
لا بدَّ لكلِّ مؤمن يدعو بهذا الدعاء أنْ يتأمَّل في حال نفسه ويسألها صادقاً: هل هو - حين يدعو بتعجيل الظهور - يُعَدُّ من جملة أهل الباطل أم من أهل الحقِّ الذين يدعون إليه ويلتزمون به؟
إنَّنا حين نقول: «حَتَّى لَا يَظْفَرَ بِشَيْءٍ مِنَ البَاطِلِ إِلَّا مَزَّقَهُ»، هل نستعدُّ لقبول حكم الإمام (عجَّل الله فرجه) في أنفسنا وأموالنا؟ وهل فيما كسبناه من أملاك وأعيان حرام لا بدَّ من إعادته إلى أهله، وهل في أفكارنا وعقائدنا التي حملناها ودافعنا عنها باطل سيُمزِّقه الإمام (عجَّل الله فرجه)؟
هل بنينا حياتنا وعقائدنا على البراهين التي تجعلنا معذورين أمام الباري (عزَّ وجلَّ) وأمام حجَّته على أرضه وأبرياء من الجهات الشرعيَّة حتَّى إذا كنَّا مخطئين؟ أم أنَّنا تعصَّبنا للباطل واتَّبعنا أهواءنا ونزعنا رداء الشرع وضوابط الدِّين لأجل منافع الدنيا وأهواء النفس؟
إنَّ الإمام (عجَّل الله فرجه) لن يطال بعقوبته من اتَّبع الطُّرُق الشرعيَّة في ما يملك أو فيما يعمل أو فيما يعتقد ما دام ذلك مبنيًّا على الحجَّة الشرعيَّة، لكنَّه سيطال بحسابه من سوى ذلك ممَّن اتَّبع الشهوات وتجاوز وظلم وأسرف، فهل نحن من أُولئك أم من هؤلاء؟
إنَّ حساب المرء لنفسه اليوم أهون بكثير من أنْ يُحاسَب أمام الإمام في يوم الظهور، أو يُحاسَب في يوم القيامة، وقد ورد في الرواية الشريفة: «حاسبوا أنفسكم قبل أنْ تُحاسَبوا»(٣٤).
إنَّ التعبير بالتمزيق للباطل فيه إشارة إلى أنَّ للباطل نسيجاً مترابطاً، كشبكة متفرِّعة ممتدَّة من الأشخاص والفئات والكيانات الاجتماعيَّة تلتفُّ حول فكرة باطلة أو سلوك منحرف، فهو ليس حالة فرديَّة فقط، أو حالة منفصلة، ولذا هي بحاجة إلى تمزيق وتشتيت وتفريق، للتخلُّص من آثارها ونتائجها على الواقع المعاش.
ثمّ إنَّ تحقيق الحقِّ قد يعني إعلانه والبتُّ فيما اختلف فيه الناس، وهذا لا يكفي، لأنَّ المطلوب هو تحقيق العدالة لا تشخيص الباطل فقط، ولذا قال: «وَيَحِقَّ الحَقَّ وَيُحَقِّقَهُ»، فتحقيق الحقِّ بعد تشخيصه وبيانه هو الهدف.
وبهذا يكون الإمام (عجَّل الله فرجه) مفزعاً للمظلومين من العباد الذين طالما ترقَّبوا وانتظروا من ينصفهم من الأقوياء الظلمة ويُرجِع إليهم ما سُلِبَ من حقوقهم المعنويَّة أو المادّيَّة أو الاجتماعيَّة، وناصراً لمن لم يجد قبل ظهور الإمام (عجَّل الله فرجه) ناصراً على الظالمين والمتعدِّين، وتلك هي من أعظم نتائج الظهور وأحلى ثمراته والتي ستشيع الفرح والسرور والارتياح لدى معظم البشر، لأنَّ معظمهم كان من هذه الفئة المظلومة المسحوقة.
كما أنَّ من أعظم نتائج الظهور هو إحياء معالم دين محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بلا تقيَّة ولا خوف من أحد، وتطبيق أحكام شريعته بحذافيرها على الجميع بلا تمييز ولا مجاملة ولا محاباة. فهو المجدِّد لما عُطِّل من أحكام الكتاب العزيز وما ضُيِّع من سُنَن سيِّد المرسَلين (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ومن الطبيعي أنْ يكون الإمام (عجَّل الله فرجه) مع هذا المشروع الكبير في إصلاح الأُمَّة وإعادة الأُمور إلى نصابها هدفاً للفاسدين وللأشرار الذين سيقاومون مشروعه ويمتنعون من الانصياع إليه، ممَّا يدعونا إلى الدعاء له بالحفظ من شرورهم والسلامة من كيدهم والتحصين من بأسهم، ليعود النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سعيداً بظهوره سعادة تنتشر في أوساط المظلومين في الأرض وتشمل كافَّة المؤمنين المضطهدين في كافَّة الأزمنة والعصور.
اللَّهُمَّ عجِّل فرجه ويسِّر مخرجه، واجعلنا من أعوانه ومقوّية سلطانه.
والحمد لله أوَّلاً وآخراً، والصلاة على نبيِّه وعلى آله الطاهرين.
الهوامش:
(١) مفاتيح الجنان للقمّي (ص ٧٧٥ - ٧٧٧).
(٢) بحار الأنوار للمجلسي (ج٨٣/ ص٢٨٤ - ٢٨٦/ ح٤٧).
(٣) مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لمحمّد بن سليمان الكوفي (ج ١/ ص١٩٤/ ح١١٩).
(٤) مهج الدعوات لابن طاووس (ص ٣٣٤ - ٣٣٦).
(٥) الكافي للكليني (ج ٢/ ص٤٨٥/ باب الثناء قبل الدعاء/ ح٦).
(٦) الكافي للكليني (ج ٢/ ص٤٨٤/ باب الثناء قبل الدعاء/ ح٢).
(٧) معاني الأخبار للصدوق (ص ٣٠٦ و٣٠٧/ باب معنى القميص والرداء.../ ح١)، الخصال للصدوق (ص ٤٨١ و٤٨٢/ ح٥٥).
(٨) تأويل الآيات الظاهر للأسترآبادي (ج ٢/ ص٥٠١ و٥٠٢/ ح٢٠).
(٩) بحار الأنوار للمجلسي (ج ٢٦/ ص٣/ ح١).
(١٠) عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: «الْعَرْشُ لَيْسَ هُوَ الله، وَالْعَرْشُ اسْمُ عِلْمٍ وَقُدْرَةٍ، وَعَرْشٍ فِيه كُلُّ شَيْءٍ، ثُمَّ أَضَافَ الْحَمْلَ إِلَى غَيْرِه خَلْقٍ مِنْ خَلْقِه لأَنَّه اسْتَعْبَدَ خَلْقَه بِحَمْلِ عَرْشِه وهُمْ حَمَلَةُ عِلْمِه، وخَلْقاً يُسَبِّحُونَ حَوْلَ عَرْشِه وهُمْ يَعْمَلُونَ بِعِلْمِه، ومَلَائِكَةً يَكْتُبُونَ أَعْمَالَ عِبَادِه، واسْتَعْبَدَ أَهْلَ الأَرْضِ بِالطَّوَافِ حَوْلَ بَيْتِه، وَاللهُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كَمَا قَالَ، وَالْعَرْشُ وَمَنْ يَحْمِلُه وَمَنْ حَوْلَ الْعَرْشِ وَاللهُ الْحَامِلُ لَهُمُ الْحَافِظُ لَهُمُ المُمْسِكُ الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ وَفَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ». (الكافي: ج ١/ ص ١٣١/ باب العرش والكرسي/ ح ٢).
(١١) راجع: تفسير مجمع البيان (ج ٩/ ص ٢٧٢).
(١٢) نهج البلاغة (ص ٤١ و٤٢/ الخطبة ١).
(١٣) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للصدوق (ج ١/ ص٢٣٧ و٢٣٨/ ح٢٢).
(١٤) التوحيد للصدوق (ص ١٥٠/ ح٤).
(١٥) التوحيد للصدوق (ص ١٥٠/ ح٥).
(١٦) التوحيد للصدوق (ص ١٥٠/ ح٦).
(١٧) التوحيد للصدوق (ص ١٥١/ ح٧).
(١٨) التوحيد للصدوق (ص ١٥١ و١٥٢/ ح٨).
(١٩) الخصال للصدوق (ص ٤٢٠/ ح ١٤).
(٢٠) مشكاة الأنوار للطبرسي (ص ٥٦٣/ ح١٩٠١).
(٢١) مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لمحمّد بن سليمان الكوفي (ج ١/ ص٥٤٧/ ح٤٨٧).
(٢٢) تفسير القمّي (ج ١/ ص٤٢).
(٢٣) بصائر الدرجات للصفَّار (ص ٣١٧/ ج٦/ باب ١٣/ ح٤).
(٢٤) تحف العقول لابن شعبة الحرَّاني (ص ١٧١).
(٢٥) الكافي للكليني (ج ١/ ص٢١٩/ باب عرض الأعمال على النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمَّة (عليهم السلام)/ ح٣).
(٢٦) الكافي للكليني (ج ١/ ص٢١٩ و٢٢٠/ باب عرض الأعمال على النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمَّة (عليهم السلام)/ ح٤).
(٢٧) الفصول المختارة للمفيد (ص ٢٤٥).
(٢٨) الخصال للصدوق (ص ٧٤/ ح١١٥).
(٢٩) شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي (ج ٢/ ص٤٥٠/ ح٨٠٦).
(٣٠) الغيبة للطوسي (ص ٢٩٢ و٢٩٣/ ح٢٤٧).
(٣١) عوالي اللئالي للأحسائي (ج ٤/ ص١٠٣/ ح١٥٠).
(٣٢) مختصر بصائر الدرجات للحلّي (ص ١١٧).
(٣٣) الكافي للكليني (ج ٥/ ص٥٩/ باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر/ ح١٤).
(٣٤) الكافي للكليني (ج ٨/ ص١٤٣/ ح١٠٨).