التمهيد للظهور/ الآليات والنتائج
الدكتورة بشرى العطار
الأنبياء (عليهم السلام) والإمام (عجّل الله فرجه) ووحدة الهدف:
قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
تشير هذه الآية إلى هدف إرسال الأنبياء (عليهم السلام) ومناهجهم بصورة دقيقة، فلقد كانوا مسلّحين بثلاث وسائل، وهي الدلائل الواضحة والكتب السماوية، ومعيار قياس الحق والباطل، وهذه الأسلحة هي بهدف أن تكون الأفكار والمفاهيم التي جاء بها الأنبياء فاعلة ومؤثرة، وتحقق هدفها المنشود وهو ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ أي أن يتربّى الناس على العدل والقسط بحيث يصبحون واعين له، داعين إليه، سائرين في هذا الاتجاه بأنفسهمـ فالقسط هو الغاية المنشودة التي بعث الله بها الأنبياء وختم الوصاية والأوصياء بخاتمهم المنتظر (عجّل الله فرجه) وكما ورد في الدعاء: (السلام على بقية الله في بلاده وحجته على عباده المنتهي إليه مواريث الأنبياء ولديه موجود آثار الأصفياء).
وحديث الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو خاتم الأنبياء يشير إلى هذه الغاية (المهدي منا أهل البيت... يملأ الأرض قسطاً وعدلا بعد ما ملئت ظلماً وجورا)، وبهذا يتبين أنّ برنامج عمل الإمام (عجّل الله فرجه) نازل من السماء وخطة عمله هي نشر العلم وإقامة العدل على الأرض برمّتها.
سمات التابع للإمام (عجّل الله فرجه) زمن الغيبة:
الثابت عند كل المسلمين على اختلاف مذاهبهم، إنه على يد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، هذه الشخصية العظيمة يمتد نور الإسلام على العالم كله، ويتحقق على يديه قول الله (جلّ من قائل): ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾.
ولقد جاء عن الإمام علي (عليه السلام) أنه سأل أصحابه تعقيباً على هذه الآية: أظهر ذلك بعد؟ قالوا نعم، قال الإمام علي (عليه السلام): كلا فو الذي نفسي بيده حتى لا تبقى قرية إلا وينادى فيها بشهادة لا اله إلا الله بكرة وعشيا.
من جانب آخر نجد أنّ هنالك روايات كثيرة تحث المؤمنين في زمان الغيبة إلى الارتباط الوثيق بإمام الزمان رغم كونه غائباً عن الأنظار، ففي حديث للرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: يا ليتني قد لقيت إخواني. فقال له بعض الصحابة: أولسنا إخوانك؟ آمنّا بك وهاجرنا معك. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): بلى قد آمنتم وهاجرتم ويا ليتني قد لقيت إخواني، أنتم أصحابي ولكن إخواني الذين يأتون من بعدكم يؤمنون بي ويحبّوني وينصروني ويصدّقوني وما رأوني.
فالإنسان في زمن الغيبة منحه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مكانة مهمة وهي مكانة الأخ لشخص الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكما يروى عن الإمام السجاد (عليه السلام) في حديث له مع أبي خالد الكابلي: تمتد الغيبة بولي الله (عليه السلام) الثاني عشر من أوصياء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أن أهل زمان (هم) غيبته القائلون بإمامته المنتظرون لظهوره أفضل من أهل كل زمان.
إن هذه الأفضلية مطلقة حتى لزمان الأنبياء السالفين، لانّ الشريعة شريعة خاتمة، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الخاتم والأوصياء (عليهم السلام) هم الخاتمون، وهذه الأمة هي الخاتمة والشاهدة على باقي الأمم.
والملاحظ أن الإمام السجاد (عليه السلام) يعطي تبريراً لأفضليتهم هذه فيقول: لانّ الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والإفهام والمعرفة ما صارت الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة.
لذا بات لزاماً على كل فرد واعٍ أن يعيش زمان الغيبة وأن يعي أنّ لطبيعة العلاقة مع صاحب الأمر (عجّل الله فرجه) ميزة خاصة ليحظى بوسام الأخوّة التي منحها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لجماعة من المؤمنين في هذا الزمان.