شرح دعاء الافتتاح (١)
الشيخ محمد تقي مصباح يزدي
الثّناء على الله بداية الانطلاق:
اللهم إنّي أفتتح الثناء بحمدك يوجد في هذا العالم الصاخب موانع كثيرة تقف في وجه من يريد التوجّه إلى الله، ومع قدوم شهر رمضان تقلّ هذه الموانع وتتوفّر الأرضيّة المناسبة للدّعاء والعبادة، فنجد المشتاقين يترنّمون بذكر معبودهم في ربيع الدعاء والعبادة هذا.
فكيف نبدأ الدّعاء في هذا الربيع؟
إنّ أعلى كلام وأرفع حديث يمكن الدّعاء به هو الثناء على الله وحمده، أي يا ربّي كلّ ما نملكه من عطائك وكلّ من يصل إلى كمالٍ فبتفضّلك، فأفض علينا بالتوفيق للدعاء كما ينبغي.
اختيار الطريق الصحيح والتأييد الإلهي:
وأنت مسددٌ للصّواب بمنّك؛ فلو أن شخصاً وفّق للسير على طريق الحق والصواب فإن هذا يُعد منّة من الله إليه وقد سدده وأعانه في هذا الطريق.
وهذا المقطع من الدعاء يشير إلى أن الإنسان وإن خُلق حُرّاً ليختار بين الخير والشر، لكنّه إذا اختار الطريق الصحيح يكون مؤيّداً ومسدّداً من جانب الله.
وقد ورد في الحديث القدسي: من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً.
الحكمة في غضب الله ورحمته:
إن جميع الأفعال الإلهيّة قائمة على نظام الحكمة والنظام الأحسن في عالم الإمكان، ونحن لا اطّلاع لنا على كيفيّتها ومقدارها وأهدافها، وفي الموضع الذي ينبغي لله أن يرأف بعباده ويعطف عليهم، فإنه يكون من الرأفة والعطف بدرجة لا يمكن أن تُتصوّر، ولكن في بعض الأحيان لا يعود هناك مكان للرأفة والرحمة، فهنا تتجلى عظمة الله وجبروته وكبرياؤه، ففي مثل هذه الحالات نشهد الجزاء والعقاب ويكتمل إظهار العظمة الإلهية بشأن أولئك الذين يستحقون العقاب فلهذا يقول في تتمة الدعاء: وأيقنت أنك أنت أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة، وأشد المعاقبين في موضع النّكال والنّقمة، وأعظم المتجبّرين في موضع الكبرياء والعظمة.
ضرورة الخوف والرجاء:
إن ما يوجب سعادة الإنسان هو أن يفهم أنه عبد ذليل مقابل الله وعظمته، وأنه لا يملك لنفسه شيئاً. فكل الحسنات متعلقة بالله ومن الله، وكل السيئات تأتي على أثر سوء اختيارنا.
فعلى العبد أن يعلم أنه إذا اختار السير على الطريق الخاطئ فإنه یکون قد اتّجه نحو محاربة الله عمليّاً وسوف يعاقبه عقاباً شديداً.
فعلى الإنسان أن يبقى دائماً بين الخوف والرجاء ويعلم أنه من الممكن رغم العبادات الكثيرة التي أدّاها، أن يصبح بسبب زلّة واحدة مورد أكبر مکر الهيّ، ويرتحل عن هذه الدنيا بعاقبة سيئة؛ أو رغم كل مساوئه ومعاصيه، يمكن أن ينال من الله الخلاص وينتقل إلى العاقبة الحسنة.