بسم الله الرحمن الرحيم
عام ٢٥٥ للهجرة ــ ٨٦٨م ــ وبالتحديد ليلةَ النصفِ من شعبان كانَ الجميعُ في حالةِ انتظارٍ... ترقّبٍ ... وجومٌ مبهمٌ يلفُّ الجميعَ... العدُّ التنازليُّ يبدأُ الآنَ لولادةِ الأملِ المنشودِ.. كانَ الحسنُ بن عليٍ العسكريّ عليه السلام من المنتظرينَ كذلك، الاّ أنهُ كانَ عنفوانَ الحقيقةِ الماثلةِ أمامَه أو المرتكزة في ذاكرتِهِ الكريمةِ والتي تُرددُ في جنباتِ أَعماقِ نفسهِ وعدَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (لو لم يبقَ من الدنيا الاّ يومٌ واحدٌ لطوّلَ اللهُ ذلكّ اليومَ ليظهرَ رجلٌ من عترتي يَملؤها قِسطاً وعدلاً بعدما مُلِئت ظُلماً وَجور) ولم يكنْ ذلكَ الرجلُ من عترتِهِ صلى الله عليه وآله وسلم غيرُ (محمدٍ) الهابطِ من ملكوتِ الرحمةِ الإلهيةِ إلى أهلِ هذهِ الأرضِ المقهورةِ.. هديةَ الربِ.. هبوطَ الرحمةِ النازلةِ على كلِ الخلقِ.. هبوطَ الفيضِ الإلهيِّ على ربواتِ السَلامِ المستباحِ بعنجهيةِ القوّةِ والسُلطةِ.. إنها لحظاتُ السعادةِ تغمُر الخَلق بنشوةِ الانتصار، وتسدلُ الأملَ على محطّاتِ الألمِ من حياةِ الامامِ الشهيد، فتبعث الحياةَ لسنينَ عجافٍ تَنضوي على زيفِ المجدِ المُتخيلِ من (انتصار) الظالم على المظلوم والذي يعيشُ في قعر هواجسِ السلطةِ وتوجّساتِ النظامِ.. أو في خضمِّ تقليديةِ العَداء الذي كان فناً شائعاً، أو قُلْ سائغاً يُحسِنُه النظامُ لآل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فكانَ الخليفةُ وريثَ العداءِ.. وكانَ الحسنُ بنُ عليٍّ العسكريُ وريثَ التسامحِ الناشيءِ من ثقةِ الحقِ عندَ صرعةِ الباطلِ، أَوُ من محاولةِ اختلاسِ الحقيقةِ على شفاهِ التاريخِ (المغتصبِ). عند بريقِ الفجرِ (الشَعبانيّ) تتوجسُ حكيمةٌ من ريبةِ التأخيرِ.. يا للهِ إنّه: أمرٌ لم تعهْدهُ عمةُ الامامِ في وعودِ ابنِ أخيها لدى إخباراتهِ للحديثِ المترامي في مجاهيلِ الغَيبِ.. عفواً: في أقاصي الغيب المشاهدِ بحسِ الإمامِ، أو أدواتِ العصمةِ الملكوتيّةِ.. ولم تنْدَهشْ حكيمةُ من قَرعِ البابِ ليخترقَ صوتُ الإمامِ أعماقَ نفسِها بأن (لا تشكي ياعمّة فإن الموعدَ قد اقتربْ).. إنّما الدهشةُ في انصياعِ رغبةِ النفسِ الجامحةِ لسماعِ الشكِ على أنهُ حقيقةٌ.. أو الدهشةُ في ضعفِ النفسِ للاستسلام لنزعاتِ الهوى عندَ غلبةِ الحقِ.. أجلْ إنَّ حكيمةَ لم تشكَّ، فهيَ حكيمةٌ في تسليمِها لأمرِ الإمامِ، إلاّ أَنَّ خَشيَة حكيمة، خضوُعُها لغفلةِ النفسِ وانكسارِها حينَ الترددِ عندَ عدمِ الصبر..
وإذا كانَ بينَ انتظارِ العسكريِ عليه السلام وبين انتظارِ حكيمةَ حكمةُ الصبرِ.. أو ثقة النفسِ.. فإنَّ انتظارَ المنتظرينَ لولادةِ اليومِ الموعودِ.. فطرةُ الانتصارِ..
رئيس التحرير