الجغرافيا السياسية للتشيع
لفرانسوا توال
(الحلقة ٢)
سماحة السيد علاء الموسوي/ باحث واستاذ في الحوزة العلمية في النجف
في العدد السابق تحدّث المؤلّف الفرنسي عن الجغرافية السياسية للشيعة، ومهّد في مقاله عن تاريخ التشيّع وعرض قسماً من التحليلات حول مسألة (العقيدة المهدوية) التي تعتبر الحجر الأساس في العقيدة الإسلامية الشيعية.
وفي هذا العدد يؤكّد المؤلّف الفرنسي على العقيدة المهدوية ويُقارنها ببعض الأفكار المعاصرة في العالم، والتي تسعى ـ ولو في الجانب النظري ـ إلى تحرير البشريّة، ويعتقد بأن الحركة المهدوية ستكون أمكن في هذا المضمار لخروجها عن إطار الفئوية وسنواصل ما عرضه كاتب المقالة من آراء هذا المؤلف الفرنسي في كتابه (الجغرافيا السياسية للتشيّع).
قال المؤلف: كل شخص سيُدرك بيُسر ووضوح ان مذهب التشيع بما يتمتع به من بناء عقيدي وفكري سيكون قادراً على تغيير الثوابت السياسية في العالم.
من جهة أخرى فان التشيع مع وجوده الواسع والمتوزّع على دول عديدة، يمارس نضالاً يُعدُّ من وجهة نظره المذهبية جهاداً عالمياً يشمل بآثاره ونتائجه أنحاء المعمورة.
أقول: ان فهم الإسلام المحمدي بصورته المتكاملة سيؤدي بلا ريب الى هذه النتيجة وهي ان التشيع الذي يمثل امتداد الإسلام الأصيل لابد وأن يكون حاملاً لمشروع عالمي في هداية وانقاذ الإنسانية، وأن لا يكون فكراً خاصاً محدود الرقعة ضيّق الأهداف. إن أهداف التشيع هي بالضبط أهداف النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في نشر الهداية على جميع بقاع الأرض وايصال رسالة الرحمة إلى كل زوايا المجتمعات والبشر.
وان الغاية التي يسير إليها فكر التشيع ومشروعه الجهادي الفكري والسياسي هي تحقيق العدالة في عرض الدنيا وطولها.
وما ذلك الا على يد المنقذ المنتظر الامام المهدي أرواحنا فداه والذي تصب كل الجهود المبذولة من قبل الشيعة على اختلاف طبقاتهم وفي جميع الأزمنة في مصب التمهيد لظهوره والاستعداد لنصرته في مشروعه العالمي الذي أعطاه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عنواناً متميزاً منذ أكثر من ١٤٠٠ سنــة وهو: (يملؤها قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلمـــاً وجورا).إن مشروع الإسلام العالمي في نشر الهداية والعدل، ليس مشروعاً استعمارياً يراد منه نشر سيطرة فئة معينة من الناس على كافة بقاع الأرض، ولا فرض رأي بشري محدود على بقية الآراء البشرية. بل هو مشروع إلهي لنشر هدى السماء وعدالتها، يقوم به الامام المهدي عليه السلام ويقوم معه عدة من أنصاره من كافة الملل والشعوب، لا من قبيلة واحدة ولا من عنصر واحد ولا من سلالة معينة فتجد فيهم العربي والفارسي والتركي والصقلبي وغيرهم.
إن عالمية الإسلام لا تكمن في تنوع العناصر والسلالات المشاركة في نصرة الامام المهدي عليه السلام ، بل تكمن في إلهية رسالته وكونها مشروعاً ربانياً يقف على مسافة واحدة من جميع البشر نعم.. من نتائج ربانية المشروع أن لا يكون لأنصاره لون أو عرق أو نسب خاص.
ولذا فان محاولة تشبيه الحركة الشيعية المهدوية العالمية بالشيوعية العالمية على اساس ما لها من طموح عالمي وبما لها من قواعد شعبية منتشرة في العديد من الدول.. أمرٌ بعيد عن الصواب. لاحظوا قول المؤلف:
(في الواقع، ان عقيدة المهدوية يمكن تشبيهها بالشيوعية العالمية. فالأقلية الشيعية تقاتل من أجل خلاص العالم من الظلم والاستبداد.
كذلك نرى النظرية الماركسية وحركة البروليتاريا تنادي بالنضال لتحرير البشرية جمعاء).
إن جهة التشابه التي ذكرها غير موجودة في النظرية الماركسية فهي لا تسعى الى تحرير البشرية جمعاء بل الى تحرير وتسليط خصوص الطبقة العاملة على بقية طبقات البشر.
وهي المعروفة عندهم بطبقة البروليتاريا، ومن الواضح ان تحرير شريحة من الناس أمرٌ جيد ومطلوب، لكن تسليطها على بقية شرائح المجتمع مما لا ينسجم مع العدالة ولا مع مفهوم تحرير البشرية جمعاء.
وأمــا الحركة المهدوية فهي تسعى الى تحرير البشرية بشكــل عام دون أن تكون العاقبة هي تسلط فئة خاصة على بقية البشر، بل أن يكون الناس جميعاً عبيداً لله تعالى يتمتعون بكامل الحقوق التي نص عليها الإسلام ودعا إليها أهل البيت عليهم السلام في رواياتهم وبشروا بانها ستتوفر لكل الناس في زمن ظهور الامام المهدي عليه السلام.
فقد روى الكنجي الشافعي باسناده عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
(تتنعم أمتي في زمن المهدي نعمةً لم يتنعموا مثلها قط يرسل السماء عليهم مدراراً ولا تدع الأرض شيئاً من نباتها الا أخرجته).
ولئن أخفق المؤلف في هذا التشبيه فقد أصاب فيما عقب به بعد ذلك فقال:
(لذلك، فان من واجب القادة السياسيين في العالم ـ فضلاً عن الباحثين والمتخصصين في شؤون المنطقة ـ أن يدركوا هذه الحقيقة: ان الاستقرار في الشرق الأوسط ومن ثم في جميع أنحاء العالم رهين بالتعامل الصحيح مع هذه القوة الجديدة التي هي: المجتمعات الشيعية).
إن التعامل الصحيح مع المجتمعات الشيعية في المنطقة لابد وأن يبتني على أمور محددة واضحة منها:
إعطاؤها حقوق المواطنة الكاملة.
اعطاؤهم الحقوق السياسية الكاملة ضمن الأطر الحاكمة في البلد الذي يتواجدون فيه، بالشكل الذي يتمتع به بقية المواطنين.
رفع الضغوط الأمنية والفكرية عن نشاطاتهم الدينية والفكرية والسياسية.
وغير ذلك من حقوق سلبت من المواطن الشيعي طيلة قرون متمادية وجعلته انساناً من الدرجة الثانية.
ولا أدري ان كان الكاتب الفرنسي يقصد (بالتعامل الصحيح) هو هذا المعنى الذي يرجع الحقوق الى أصحابها أم يقصد ما درج عليه الفكر الاستعماري من التعامل الذي يضمن مصالح المستعمرين ويوفر لهم الأجواء الهادئة، الملائمة للاستمرار في استنزاف ثروات المنطقة.
حيث يكون المدار في اعطاء الحقوق أو سلبها وفي ممارسة القمع أو المناداة بالديمقراطية هو طبيعة الظروف التي تمر بها المنطقة أو الجماعة البشرية.. لا الاستحقاق الواقعي للبشر. المعنى الذي نستشمه من كلمته الأخيرة:
يقول: (ان الاحداث أثبتت انه بالرغم من كل الممارسات القمعية التي مورست ضد الشيعة، فان هذه الظاهرة ـ ظاهرة التشيع ـ ليست بأي حال من الأحوال قابلة للخمود والوهن. وهي متماسكة إلى الحد الذي يضمن حمايتها من الاضمحلال والتشتت).
للبحث صلة