هل جربت العيش في دولة الإمام (عجّل الله فرجه)؟
الشيخ الأسدي الجبايشي
لقد قرأنا كثيراً وسمعنا عن تلك الأيام التي يعيشها الناس في دولة الإمام (عجّل الله فرجه) وما تنعم به الإنسانية جمعاء تحت ظله المبارك، كما قرأ وسمع غيرنا ممن لا يعتقد بالإمام (عجّل الله فرجه) عن (جمهورية أفلاطون) حيث يعيش الناس في أمان، بلا رادع يردعهم عن الجور والظلم غير ضمائرهم، وكم تمنى كل منا أن يعيش ولو ليوم واحد في أحضان تلك الدولة، ولو في أحلامهم.
قرأنا وما زلنا نقرأ هذه الروايات:
«فحينئذٍ تظهر الأرض كنوزها، وتبدي بركاتها، ولا يجد الرجل منكم يومئذٍ موضعاً لصدقته ولبره، لشمول الغنى جميع المؤمنين».
- فقد جاء عن (الإمام الصادق (عليه السلام)) في تفسير قوله تعالى: ﴿سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ﴾، أنه قال: «مع قائمنا أهل البيت (عليهم السلام).
وأمّا قوله: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً﴾، أي إذا قام القائم (عليه السلام) حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور، وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها».
ورد كل حق إلى أهله، ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان.
- وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد قال: «والله ما تأملون حتى يهلك المبطلون، ويضمحل الجاهلون ويأمن المتقون وقليل ما يكون حتى يكون لأحدكم موضع قدمه، وحتى يكونوا على الناس أهون من الميت (الميتة) عند صاحبها».
- «وحتى تخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب ولا ينهاها أحد».
وغير ذلك الكثير مما تعيشه الناس من الرخاء والأمان ووحدة الكلمة والتوسعة وابتذال الحوائج وكثرة الأموال حتى أن الرجل إذا أراد مالاً أخذه بالحثو.
ولو تمعنا في هذه الأحاديث لبان لنا أننا نعيش في كل عام بعض تلك الأيام أو ما يقرب منها.
نعم إنها أيام المسير إلى كربلاء الحسين (عليه السلام) وإلى أربعين الحسين (عليه السلام).
فما أن يضع الرجال والنساء خطواتهم الأولى في السير إلى كربلاء إلّا وبدت عليهم علامات التبدل في النفوس وتغيرت شخصياتهم وكأنهم ليسوا هم قبل يوم أو يومين.
فالرجل الذي تخشى الذبابة أن تمر على أنفه، تجده في يوم من الأيام واقفاً خادماً يتملق الزائرين لينظف أقدامهم بل ويغسلها، ويدهنها.
الناس كلهم في أمان، تخرج المرأة من البصرة إلى كربلاء دون أن ينهاها أحد، ودون أن تجد من يقف في طريقها أو ينال من وقارها.
الطعام والشراب والدواء، كل شيء بالمجان ومن أراد شيئاً فليأخذه بالحثو لا بالعد.
الرجل يمر على أهل بيت لا يخرج من ضيافتهم إلّا بشق الأنفس وأنه ما قبل هذه الضيافة إلّا بإلحاحهم وتوسلهم.
الرجل يقف ممسكاً على قبضة سيفه يتصيد المارة! لكن ذلك ليس للسلب أو قطع للطريق بل لدعوتهم إلى المبيت عنده والأكل من طعامه أو الشرب من شرابه.
الناس تفتح أبواب بيوتها لتسع الزائرين، كل شيء في مكانه، فصاحب الدار قد أخلى الدار من عياله ليبيتوا في مكان آخر، وجهز داره للزائرين لم يرفع من حاجياته وأمواله إلّا بقدر ما يحتاجه في مكانه الجديد، لا أحد يعبأ بما حوله من الحاجات لأنها رخيصة في قبال ما يصبو إليه.
الناس يتشاجرون فيما بينهم! لكن لا من أجل مصالح الدنيا ومنافعها، بل من أجل أن يحصل أحدهم على أكبر عدد من الزائرين للمبيت عنده في بيته الذي بذل كل طاقاته لتهيئته على أكمل الوجوه وفرش فيه أعز بسطه وأغطيته.
الرجل يفتح بيته الجديد الذي لم ينتقل إليه بعد، وقد أعده إعداداً كاملاً من جميع الجهات لأنه أقسم على نفسه أن لا يدخله أولاً إلّا زائر الحسين (عليه السلام) تبركاً وتيمناً.
الرجل يبكي ويندب حظه العاثر! لا لأنه لم يحصل على ما أراد من أموال الدنيا وغرورها، بل لأن بيته قد فرغ من الزائرين، أولم يمر أو يبيت عنده أحد منهم.
الرجل في مكان والزوجة في مكان آخر، والأطفال في أماكن متعددة أخرى! لكنها ليست بوادر الطلاق والنشوز وتفكك الأسرة، بل لأن كلاً منهم رافق جنسه وقرينه نحو الحسين (عليه السلام).
المريض يتلوى والمعاق يتحامل على نفسه في طريقه إلى المشفى! لكن الأمر ليس كما تظنون، إنه مشفى الحسين (عليه السلام).
الرجل الذي لا يرفع يداً ولا يقدم رجلاً في غيرها من الأيام، تجده اليوم رافعاً يديه وساعياً برجليه كل اليوم لأجل الحسين (عليه السلام) وببركة الحسين (عليه السلام)، وخدمة لزوار الحسين (عليه السلام).
الناس يتزاحمون على الأمكنة ويتسابقون عليها! لكنها ليست مظاهر طلب الراحة والسكينة بل ليجدوا أحسن الأمكنة لتجديد العهد للحسين (عليه السلام) ولخدمة زوار الحسين (عليه السلام).
والسؤال هل أن ما ذكرته وعايشته بنفسي ورأيته بأم عيني هي أيام من أيامنا الاعتيادية؟
كلا وألف كلا، إنها مظاهر أيام دولة الحق ودولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
أراد لنا أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أن نعيش لذتها لنطمح إلى العيش فيها أبداً، ولقد عشناها يوماً بيوم في ذكرى الحسين (عليه السلام) ومؤكد أن كثيراً من تلك المظاهر لم يتسن لنا الاطلاع عليها لسبب وآخر، ولكن بلا شك فغيرنا من العارفين من يحمل من تلك الصور أضعاف ما نحمل لعدم توغلنا بما استطاعوا أن يتوغلوا فيه.
«السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، عليك مني سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم.
السلام على الحسين (عليه السلام) وعلى علي بن الحسين (عليه السلام) وعلى أولاد الحسين (عليه السلام) وعلى أصحاب الحسين (عليه السلام)».