ضرورة وجود النواب (١)
ندى سهيل عبد محمد الحسيني
النظام الذي كان لابد من إتباعه في غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو نظام (النيابة) الذي لجأ إليه الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) إبان غيبته، من أجل إثبات وجوده الشخصي، وإنه هو الإمام محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام) أولا، وممارسة دوره القيادي ثانياً، إذ كون النواب قنوات الاتصال الدقيقة بينه عليه السلام وبين شيعته.
وكان هذا النظام هو النظام الأمثل الذي أثبت نجاحه على نحو سبعين عاماً تقريباً من عمر الغيبة الصغرى، أي منذ استشهاد الإمام العسكري (عليه السلام) عام (٢٦٠هـ) حتى وفاة النائب الرابع علي بن محمد السمري (رضي الله عنه) عام(٣٢٩هـ) وكان اختيار النواب بمواصفات خاصة تنم عن دقة العمل المتخذ في هذه المرحلة، والأسلوب الأمثل الذي اتبع في انسيابية المعلومات بين الإمام (عجّل الله فرجه) وبين قواعده الشعبية، فبوجود هؤلاء النواب، لم تستشعر الشيعة الفراغ الناجم من غياب الإمام (عجّل الله فرجه) إبان عهد الغيبة الصغرى، فكان بحق النظام الأنسب الذي أثبت جدارة مهمة الإمام (عجّل الله فرجه) في غيبته.
وقبل الولوج في خضم حياة هؤلاء النواب، لابدَّ من الحديث عن نظام النيابة، وهذا ما سنتناوله في ضوء النقاط الآتية وضمن حلقات:
أولاً: مفهوم النيابة.
ثانياً: لمحات عن نظام النيابة.
ثالثاً: أقسام النيابة.
رابعاً: فلسفة النيابة الخاصة.
أولاً: مفهوم النيابة:
النيابة لغة: النيابة بكسر النون من ناب، وناب عنّي فلان ينوب نوباً ومناباً، أي قام مقامي، وناب عنّي في هذا الأمر نيابة إذا قام مقامك، وناب الوكيل عنّي في كذا، ينوب نيابة فهو نائب، وجمع النائب نوّاب، ككافر وكفّار.
وقيل (النوّب): اسم لجمع نائب مثل: زائر وزوّر، وقيل هو جمع ويقال: أنبته (أنا) عنه، واستنبته، والإنابة بمعنى: التفويض والتوكيل.
النيابة اصطلاحاً: هي قيام شخص مقام غيره في التصرف بإذن منه، أو مِن وليه في أمر أو عمل ما، يقال: نائب الإمام، ونائب الرئيس، ونائب القاضي، ونائب الشعب.
ونائب الإمام: هو من ينوب عن الإمام الغائب المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه).
ثانياً: لمحات عن نظام النيابة:
إنّ القراءة الدقيقة لحياة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وسيرتهم (عليهم السلام) ترشدنا إلى أنّ نظام النيابة لم يكن خاصاً بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وإنه قد تم اعتماد مثل هذا النظام من عصر الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) وانتهاء بالإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام) إلى أنْ استقر وتجلّى أمر هذا النظام بشكل أوضح في زمن غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فقد اتخذوا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عدداً من الثقات المخلصين في إيمانهم من شيعتهم وجعلوهم وكلاء ونواباً عنهم، يتحركون بإذنهم وبأمرهم، ويشكِّلون قنوات للارتباط بالمؤمنين الموالين.
ويؤيد ما ذكرناه من وجود وكلاء ونواب للأئمة المعصومين (عليهم السلام) ما ذكره الشيخ الطوسي(ت/٤٦٠هـ) حيث قال: ...وقبل ذكر من كان سفيراً حال الغيبة نذكر طرفاً من أخبار من كان يختص بكل إمام ويتولى له الأمر على وجه من الإيجاز ونذكر من كان ممدوحاً منهم حسن الطريقة، ومن كان مذموما سيِّء المذهب ليعرف الحال في ذلك.
ثم قال: فمن الممدوحين حمران بن أعين، الذي قال فيه الإمام الباقر (عليه السلام) (لا يرتد والله أبدا)، ومنهم المفضل بن عمر الذي كان بوابا للإمام الصادق (عليه السلام) إلى أنْ قال: ومنهم أيوب بن نوح بن دراج، الذي كان وكيلاً للإمام الهادي (عليه السلام)، ومنهم علي بن جعفر الهماني، كان من وكلاء الإمامين العسكريين (عليهما السلام) وغيرهم من الأصحاب الذين لا يسع المجال لذكرهم. ثم ذكر أسماء جماعة من الوكلاء المذمومين.
إلا أنَّ نظام النيابة الذي أنشئ في عصر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يختلف عما كان عليه في عصر الأئمة السابقين عليهم السلام، ونوضح ذلك من خلال الآتي:
أولا: إنَّ وكلاء ونواب الأئمة (عليهم السلام) كانوا مراجع للناس في المناطق التي كانوا يسكنونها بعيداً عن منطقة سكن الإمام المعصوم (عليه السلام) إضافة إلى أنَّ الأئمة (عليهم السلام) كانوا يقابلون الناس ويشاهدونهم حتى مع وجود هؤلاء الوكلاء، وكان موضع سكناهم معلوما عند عامَّة الناس، ولم يكن هذا الأمر متوافراً للناس كافة في مدة الغيبة الصغرى، بل كان محصوراً بالنواب الأربعة وبعض خواص الإمام (عجّل الله فرجه)، الذين يتمتعون بأعلى درجات الثقة.
ثانيا: إنَّ الإمامين الهادي والعسكري (عليها السلام) عاشا في ظروف قاسية اقتضت غيابهما عن الساحة العامة نوعاً ما، لذا عملا على تأسيس نظام النيابة، بمعنى أوسع مما كان عليه في عصر الأئمة السابقين (عليهم السلام)، بحيث أنهم (عليهم السلام) أرادوا أنْ يُعنى هذا النظام بالقيام بمهمات الإمام (عليه السلام) الاجتماعية والسياسية والفكرية والفقهية، ولكن ليس بالشكل المستقل عن الإمام (عليه السلام)، وإنما بشكله النيابي، كل هذا من أجل تحضير عقول الناس لقبول مسألة غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، ولكي لا يكون الأمر مستهجنا، كان الاتصال بهم في كثير من الأحيان يتم عبر بعض الموثوق بهم حتى يعودوا شيعتهم فكرا وسلوكا على غيبة الإمام (عجّل الله فرجه).
إذن كان نظام النيابة في زمن العسكريين تمهيدا لعصر غيبة الإمام الحجة (عجّل الله فرجه)، بينما كان في زمن الغيبة الصغرى تمهيداً من الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) للغيبة الكبرى.