فهرس المكتبة التخصصية
 كتاب مختار:
 البحث في المكتبة:
 الصفحة الرئيسية » المكتبة التخصصية المهدوية » كتب أخرى » عقيدة الخلاص في التراث الإنساني والديني
 كتب أخرى

الكتب عقيدة الخلاص في التراث الإنساني والديني

القسم القسم: كتب أخرى الشخص المؤلف: مركز الإمام الخميني الثقافي- بيروت تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٦/١١/٠٩ المشاهدات المشاهدات: ٨٠٧٣ التعليقات التعليقات: ٠

سلسلة الندوات الفكرية
عقيدة الخلاص في التراث الإنساني والديني

منظم الندوة: مركز الإمام الخميني الثقافي - بيروت

الفهرست

كلمة مقدّم الندوة
عقيدة المهدوية وخلاص البشرية - الرؤية والموقف
مقدمة
المعصوم ضمانة خلاص الفرد والمجتمع
الخلاص على المستوى الثقافي والعقائدي
سؤال يطرح من يملك الحقيقة الكاملة؟
الخلاص على المستوى التشريعي
مسؤولية الناس عن الغيبة
ما هي فائدة وجود الإمام غائباً؟
هل صححنا التاريخ؟
بنية الوجدان الإنساني والخلاص - أبعاد وتجليات

www.m-mahdi.net
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الكتيب عبارة عن المادة الثقافية للندوة الفكرية التي نظمها مركز الإمام الخميني الثقافي بمناسبة ذكرى ولادة الإمام محمد بن الحسن المهدي المنتظر عليه السلام تحت عنوان: عقيدة الخلاص في التراث الإنساني والديني وذلك بتاريخ ٢٨/تشرين أول/٢٠٠٢م.
كلمة مقدم الندوة

الشيخ سامر عجمي(١)

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أول من خلق الله نوره وعلى آله موضع سره، لا سيما خاتم دائرة الولاية محمد بن الحسن العسكري المهدي أرواحنا له الفداء، ونبارك لكم جميعاً ذكرى ولادته الميمونة، كما نرحب بكم ونرحب بضيفينا العزيزين الأستاذ الدكتور أسعد علي وسماحة الشيخ مالك وهبي.
إن القراءة الاستقرائية للتاريخ الثقافي العام للشعوب يخلص بنا إلى نتيجة مفادها قانون عام، من أن قضية الخلاص فطرية في الوجدان الإنساني، والحياة الدينية للشعوب تمتد جذورها إلى الإنسان الأول، إذ أن كل إنسان ينشد الخلاص ويسعى للقائه، على حد سواء في ذلك المتدين والعلماني، ولكن الخلاص ليس على صورة واحدة، بل يتفاوت ويختلف، ومنشؤ الاختلاف والبينونة ليس أصل ثبوت الخلاص، بل المفهوم والمصداق، بمعنى ما هي حقيقة الخلاص وماهيته؟ وما هو المصداق الذي ينطبق عليه ذلك المفهوم ويندرج تحته، بحيث يكون مظهر تجليه؟ والذي يشكل شاهداً على فطرية قضية الخلاص، كونها ذات بعد شمولي وغير خاضعة لمقولة الزمكان، إذ لا نكاد نجد ديناً من الأديان سواء الأرضية كالبوذية والكونفوشوسية والبراهمية والهندوسية وغيرها، أو الأديان السماوية الإبراهيمية كاليهودية والنصرانية والإسلام، إلا وتنطوي على فكرة الخلاص، وإن اختلفت مفهوماً ومصداقاً.
وكذلك فالعلمانية تعتقد الخلاص، فالماركسية مثلا، ترى إن آخر تجليات تطور الاجتماع الإنساني من خلال فلسفة الحركة الحاكمة على التاريخ ستنتهي بالمجتمع الشيوعي، وفيه خلاص البشرية. وكما سمعنا في أخريات القرن الماضي فوكوياما في نظريته نهاية التاريخ والإنسان الأخير، أن خلاص الإنسانية يكون بالديمقراطية الليبرالية. وعلى أي حال فنحن كشيعة اثني عشرية نعتقد بالمهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري، المولود في ١٥ شعبان سنة ٢٥٥ للهجرة، مخلصاً ومنقذاً ومرشداً، وأنه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، وأن علاقتنا معه تتحدد وتتجلى من خلال عدة محاور:
أولاً: معرفة الإمام عليه السلام، فجاء في الحديث: "لا يكون العبد مؤمناً حتى يعرف الله ورسوله والأئمة كلهم وإمام زمانه".
ثانياً: حب الإمام وعشقه، لا ذلك الارتباط العاطفي المجرد فقط، بل المنطلق من المعرفة.
ثالثاً: الطاعة والالتزام "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" وبهذا تجتمع الكمالات الثلاث في الإنسان، كمال العقل بالمعرفة وكمال القلب بالعشق وكمال الجسد بالطاعة والالتزام.
حول موضوع عقيدة الخلاص في التراث الإنساني والديني معنا سماحة الشيخ مالك وهبي أستاذ في الحوزة العلمية يحدثنا ضمن محور "عقيدة المهدوية وخلاص البشرية الرؤية والموقف".

عقيدة المهدوية وخلاص البشرية - الرؤية والموقف

الشيخ مالك وهبي(٢)

مقدمة

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. وصلى الله على رسوله الكريم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم سادتي العلماء، إخواني الحضور، أخواتي الحاضرات، ورحمة الله وبركاته.
إن موضوع الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف مرتبط بشقين، شق من حيث المبدأ التاريخي، يعني ولادة ووجود الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، ومرتبط أيضاً بشق عند النهاية قد نسميه نهاية الزمن التاريخي، وهو الخلاص وظهور الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، وما بين الولادة والظهور "الغيبة".
لا نستطيع أن نفهم مسألة الخلاص إلا من خلال فهم الغيبة وموجباتها، ومدى ما تتركه هذه الغيبة من محفزات لدى الفرد والمجتمع في السعي نحو الخلاص، إن أهم عنصر من عناصر تشكُّل الغيبة وتحققها، هو إيجاد هذا الدافع، وعندما يدرك الإنسان مدى مسؤوليته في تحقق هذه الغيبة، يدرك أيضاً دوره في تحقق الخلاص. إذ أن هناك بحث مطروح في مسألة الخلاص، هل أن الخلاص هو فعلٌ إلهي محض إعجازي؟ أم هو فعلٌ بشري مبارك ومؤيد من الله تعالى؟ فهناك فرق بين أن نقول: إن الخلاص الذي ننتظره لا يكون إلا عبر إرادة إلهية إعجازية محضة، وبين أن نقول إن للإنسان دوراً في تحقق هذه الغاية، ولهذا لا بد أن نعود من جديد، لربط المسألة بمسألة الغيبة، وحتى أدخل في هذه المسألة عليّ أن أفترض جدلاً مسلمات، لأننا نتحدث عن قضية الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، فهذه القضية ترتكز على مبادئ عقائدية ومبادئ ثقافية أو فلسفية ترتبط بالنبوة وبفلسفة النبوة وسريانها إلى مبدأ الإمامة وفلسفة الإمامة، فنفترض أننا آمنا بضرورة هذه النبوة وضرورة هذه الإمامة، وأن الإمامة استمرار لهذه النبوة، وبالتالي إذاً ننطلق من مبدأ أنه لا بد من وجود نبي أو وصي نبي في كل مرحلة من مراحل التاريخ، وحيث أن القرآن الكريم، والمعروف والمتواتر والمسلم به عند جميع المسلمين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو خاتم الأنبياء والرسل، وأنه بعد نبينا محمد صلى الله عليه وآله لا نبي، فيتعين أن يكون الاستمرار متقدماً بأوصياء النبي، الذين نسميهم بالأئمة، بحسب البحث المبدئي العقائدي نؤمن بأن الإمام لا بد أن يكون معصوماً كما النبي، وهذه مسلمات ننطلق منها لا نستطيع أن نتجاوزها، وليس المقام مقام إثباتها ولهذا نفترضها مسلمة حين إكمال البحث في موضوع المهدوية، وإلا تارة فكرة الخلاص يمكن أن نصورها بمعزل عن مسألة المهدوية والإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، وأخرى نريد أن نبحث مسألة الخلاص في خصوص ما له علاقة بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، ليكون هدفنا من هذا البحث أن لا خلاص خارج فكرة المهدوية، يعني خارج فكرة الإمامة، وبالتالي خارج فكرة هذا المبدأ الإلهي الذي آمنا به عقائدياً، وهو ضرورة النبوة ثم ضرورة الإمامة، إذ لو أمكن وجود خلاص من دون إمام معصوم لانتفت الضرورة لوجود النبي، ولانتفت الضرورة لوجود الإمام، وبالتالي يكون البحث قد انتهى من هذه النقطة ولهذا علينا أن نبدأ مسلِّمين-كما هو مقتضيات البحث- بضرورة وجود النبوة وضرورة وجود الإمامة لنبحث في مسألة الخلاص، وبالتالي إذاً نحن نؤمن بأن وجود الإمام المعصوم ظاهراً كان أو غائباً، أن هذا الوجود أمر لا بد منه بمعزل عن الفكرة المطروحة في مجال آخر من البحث، وهو مسألة الضرورة الكونية لوجود الإمام وهذا بحث يتخطى البحث العقائدي، نتحدث عن ضرورة وجود الإمام المعصوم في المجتمع كهادٍ وكمرشدٍ وكمكملٍ لدور النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكضمانٍ وآمن من أي انحراف أو تشويه أو تبدل أو تغيير، في ما يتعلق بشرع الله سبحانه وتعالى وفيما يتعلق بطريق الوصول إليه.
المعصوم ضمانة خلاص الفرد والمجتمع
نحن نعتقد أن المعصوم عليه السلام يشكل ضمانة إلهية وحيدة، تأخذ بيد الفرد والمجتمع نحو الخلاص، وهذا المعنى يلخصه حوار معروف عن هشام بن الحكم، ذكر في أصول الكافي ج١، ص٢٢٣-٢٢٤، عن يونس بن يعقوب قال: كان عند أبي عبد الله عليه السلام جماعة من أصحابه منهم حمران بن أعين، ومحمد بن النعمان، وهشام بن سالم، والطيار، وجماعة فيهم هشام بن الحكم وهو شابٌ فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا هشام: ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته؟
فقال هشام: يا ابن رسول الله إني أجلك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك، فقال أبو عبد الله: إذا أمرتكم بشيء فافعلوا. قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة، فعظم ذلك عليُّ، فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد وعليه شملةٌ سوداء متزر بها من صوف، وشملةٌ مرتد بها، والناس يسألونه، فاستفرجت الناس فأفرجوا لي، ثم قعدت في آخر القوم على ركبتيّ ثم قلت: أيها العالم: إني رجلٌ غريب تأذن لي في مسألة؟ فقال لي: نعم، فقلت له: ألك عينٌ؟ فقال: يا بني أي شيء هذا من السؤال؟ وشيء تراه كيف تسأل عنه؟ فقلت هكذا مسألتي فقال: يا بني سل وإن كانت مسألتك حمقاء قلت: أجبني فيها، قال لي: سل. قلت: ألك عينٌ؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع بها؟ قال: أرى بها الألوان والأشخاص. قلت: فلك أنف؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال: أشم به الرائحة. قلت: ألك فم؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال: أذوق به الطعم، قلت: فلك أذن؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع بها؟ قال: أسمع بها الصوت، قلت: ألك قلب؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال: أميز به كلما ورد على هذه الجوارح والحواس، قلت: وليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ فقال: لا، قلت: وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة، قال: يا بني إن الجوارح إذا شكت في شيء شمتّه أو رأته أو ذاقته أو سمعته، ردته إلى القلب فيستيقن اليقين ويبطل الشك.
قال هشام: فقلت له: فإنما أقام الله القلب لشك الجوارح؟ قال: نعم، قلت: لا بد من القلب وإلاّ لم تستيقن الجوارح؟ قال: نعم، فقلت له: يا أبا مروان فالله تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماماً يصحح ويتيقن به ما شك فيه، ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم، لا يقيم لهم إماماً يردون إليه شكهم وحيرتهم، ويقيم لك إماماً لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك؟! فسكت ولم يقل لي شيئاً.
ثم التفت إليّ فقال لي: أنت هشام بن الحكم؟ فقلت: لا، قال: أمن جلسائه؟ قلت: لا، قال: فمن أين أنت؟ قال: قلت: من أهل الكوفة قال: فأنت إذاً هو، ثم ضمني إليه، وأقعدني في مجلسه وزال عن مجلسه وما نطق حتى قمت، قال: فضحك أبو عبد الله عليه السلام وقال: يا هشام من علّمك هذا؟ قلت: شيء أخذته منك وألفته، فقال: هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى.
نتحدث عن هذا الموضوع في دائرة فكرية بحتة لا في دائرة عرفانية، وهو أن وجود المعصوم يمثل هذه الضمانة، التي تمسك بالمجتمع، لتأخذه نحو أهدافه وغاياته، بدون أن يكون هناك اضطراب وإلى آخره، هذا المعنى ملخص في هذه القصة ومعروفة في مروياتنا ومذكورة في أدبياتنا.
الخلاص على المستوى الثقافي والعقائدي
أيضاً نحن نعتقد، وهذا كله له ربط بمسألة الخلاص، عندما أريد أن استخلص الفكرة لأصل إلى هذا الخلاص من رؤية دينية، أن المشكلة في المجتمع تكمن من عدة جهات سواء في الفرد أو في المجتمع، بتعبير أصح أن هناك مشكلة على المستوى الفكري، وأن هناك مشكلة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وأن هناك مشكلة على المستوى العقائدي، وهي مندرجة بالعنوان العام للفكري، وهناك مشكلة تتعلق بالظلم والعدل، فلسفة النبوة والإمامة تقوم على أساس أن الإنسان لوحده لا يمكنه أن يجد الضامن والضمانة للتخلص من المساوئ والشرور الاجتماعية والاقتصادية وغيرها بمعزل عن هذا العون الإلهي، وهذه الشرور أو الأخطاء هذا الخلل الذي قد يقع هو بالواقع قد يكون ناشئاً من منظومة فكرية وثقافية، وبالتالي لا يمكن بمعزل عن تصحيح تلك المنظومة الفكرية والثقافية أن نقوم بتصحيح عمل مما يتعلق بالجانب الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وهذا يذكرني بحديث مروي عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فورد عليه رجل من أهل الشام فقال: إني رجل صاحب كلام وفِقه وفرائض وقد جئت لمناظرة أصحابك، فقال أبو عبد الله عليه السلام: كلامك من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو من عندك؟ فقال: من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن عندي. فقال أبو عبد الله عليه السلام: فأنت إذاً شريك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: لا، قال: فسمعت الوحي عن الله عز وجل يخبرك؟ قال: لا، قال: فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: لا، فالتفت أبو عبد الله عليه السلام إليّ فقال: يا يونس بن يعقوب هذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلم، فقال للشامي كلّم هذا الغلام - يعني هشام بن الحكم - فقال: نعم. فقال لهشام: يا غلام سلني في إمامة هذا، فغضب حتى ارتعد ثم قال للشامي: يا هذا أربّك أنظر لخلقه أم خلقه لأنفسهم؟ فقال الشامي: بل ربي أنظر لخلقه، قال: ففعل بنظره لهم ماذا؟ قال: أقام لهم حجة ودليلاً كيلا يتشتتوا أو يختلفوا، يتألفهم ويقيم أودهم ويخبرهم بفرض ربهم، قال: فمن هو؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال هشام: فبعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
قال: الكتاب والسنة، قال هشام: فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة في رفع الاختلاف عنا؟ قال الشامي: نعم، قال: فلم اختلفنا أنا وأنت وصرت إلينا من الشام في مخالفتنا إياك؟ قال: فسكت الشامي، فقال أبو عبد الله عليه السلام للشامي: ما لك لا تتكلم؟ قال الشامي: إن قلت: لم نختلف كذبت، وأن قلت: إن الكتاب والسنة يرفعان عنّا الاختلاف أبطلت، لأنهما يحتملان الوجوه، وإن قلت: قد اختلفنا وكلُّ واحد منّا يدعي الحق فلم ينفعنا إذن الكتاب والسنة. إلاّ أن لي عليه هذه الحجة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: سله تجده ملياً. فقال الشامي: يا هذا من أنظر للخلق أربهم أو أنفسهم؟ فقال هشام: ربهم أنظر لهم منهم لأنفسهم، فقال الشامي: فهل أقام لهم من يجمع لهم كلمتهم ويقيم أودهم ويخبرهم بحقّهم من باطلهم؟ قال هشام: في وقت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو الساعة؟ قال الشاميُّ: في وقت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والساعة من؟ فقال هشام: هذا القاعد الذي تشد إليه الرحال، ويخبرنا بأخبار السماء والأرض وراثة عن أب عن جد... أصول الكافي ج١، ص ٢٢٥، ٢٢٦.
والآن نؤكد أن وجود القرآن لوحده اتكالاً على ما ورد في مضامينه، عندما يريد كل شخص منا أن يفهم القرآن بالطريقة التي يراها مناسبة، يوجد هذا شرخاً واختلافاً في النظرة، إلى مجموعة أمور ثقافية، لها انعكاس عملي على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والتشريعي، وجوانب مختلفة من الحياة، ومع ذلك نجد أننا لم نرفع هذا الاختلاف بيننا، ولهذا ورد في بعض الروايات، أن القرآن حماّلٌ ذو وجوه، يعني لا يمكن أن نحسم خلافاً بيننا اتكالاً على أن نصل إلى اتفاق حول فهم موحد للقرآن الكريم، وبالتالي لا بد من طريقة، لأن مراد الله تعالى واحد لن يختلف ما أراده الله تعالى من الناس واحد، إذاً لا بد أن نبحث حوله إذا اختلفنا فإما أن نكون جميعنا مخطئين، أو يكون أحدنا على الأقل على صواب، والباقون يكونون مختلفين.
إذن ما هي الضمانة لكي نصل إلى مراد حقيقي لله تعالى من القرآن الكريم؟ هذا ما يمكن أن أسميه في هذه اللحظة بالخلاص الثقافي، والتطهير الثقافي والأمن الثقافي، وأن نصل إلى مرحلة نتمكن منها أن نقول هذا ما يريده القرآن، لا أن نبقى ونقول هذا ما نفهمه من القرآن، والمسافة بين ما نفهمه من القرآن الكريم وبين ما يريده القرآن الكريم مسافة مبهمة. لا نعرف هل هي عدم؟ ليكون فهمنا متطابقاً مع ما أراده القرآن الكريم، أم أن الهوة بعيدة كل البعد؟ بحيث نكون في عالم والقرآن في عالم آخر، ما هي الضمانة لكي نصل إلى ما أراده القرآن الكريم؟ لا يمكن أن تكون الضمانة نحن، لأننا أثبتنا عبر ألفٍ من السنين أو ألف وأربعمائة من السنين أننا لسنا إلا أقواماً مختلفين، لنا آراء مختلفة، معذورون في ذلك مسألة أخرى، لكن الوصول إلى ما يريده الله تعالى يتبين في التاريخ أنه لم نصل إلى هذه الفكرة القاطعة.
سؤال يطرح من يملك الحقيقة الكاملة؟
الإمام المعصوم هو من يملك الحقيقة الكاملة، لأنه هو الذي انكشف له مراد الله تعالى كشفاً قطعياً لا مجال فيه للظن أو الاجتهاد أو البحث عن أدلة وبراهين، هو مطلع إطلاعاً تاماً وكافياً وافياً على ما يريده الله تعالى، نحن قد نعجز عن أن نثبت لأنفسنا امتلاكنا للحقيقة الكاملة، لكن المعصوم ابتداءً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي أنزل عليه القرآن الكريم، واستمراراً بخط الإمامة والأئمة عليهم السلام هم يملكون تلك الحقيقة الكاملة. إذاً لن نعثر عليها إلا من خلال العثور على صاحب العصر والزمان، لنحقق هذا الخلاص على المستوى الثقافي، ونصل إلى الحقيقة الكاملة مطهرة من كل الشوائب ومن كل الأخطاء ومن كل خلل فيها. هذا على المستوى الثقافي.
الخلاص على المستوى التشريعي
على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، الروايات مليئة بالتعبير الوارد، أنه عندما يظهر عجل الله تعالى فرجه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وهو أيضاً ربما كان المقصود من العنوان وهو الخلاص من كل ظلم يقع من البشر ضد بعضهم البعض، فلسفة النبوة قائمة على أن التخلص من الظلم وإحياء العدل لا يكون من خلال البشر، فهذا أصل من أصول القيام بمسألة النبوة، والبشر لا يمكنهم ذلك من دون هداية ربانية ولا نعني بالهداية الربانية خصوص أن يرينا التشريع لقد أرانا الله سبحانه وتعالى التشريع، ومع ذلك لم نتمكن من الوصول للعدل الإلهي، لم نتمكن من الوصول إلى الهدف النهائي الذي رسم لنا، لماذا؟ لأن المطبِّق أيضاً يجب أن يكون هو المعصوم ليطبق الشريعة كما يريد الله تعالى، وإلا فإن الحياة مليئة بالظروف المختلفة والأحوال المتناقضة، أحياناً نقدِّم حكماً على حكمٍ آخر، أحياناً يشتبه لدينا الأمر بالأحكام، أحياناً تضيع علينا بعض الأحكام، خاصة مع مرور السنين، وكلما تطاولت الأزمان، فإن التاريخ ليس أميناً لكي يحفظ لنا كل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن المؤمنون جميعاً بأن رسول الله قد بلَّغ كل الشريعة، إلا أن هذا لا يعني أنها وصلتنا تامةً، الذي يضمن وصولها تامةً هو المعصوم لا الرواة، لأن الرواة فيهم الصادق والكاذب، والصادق منهم فيه المشتبه والذي لا يشتبه، المخطئ والذي لا يخطئ، والمتواتر فيه الموهوم تواتره والمتأكد تواتره، هوى النفس يلعب دوراً كبيراً في إثبات التواتر وعدم التواتر، فالأمر هو اطمئنان النفس بالنتيجة، وكثيراً ما يكون عنصر الاطمئنان مشكَّل من هذا الركون النفسي الذي قد يكون مزيفاً أحياناً وحقيقياً أحياناً أخرى، إذاً لا ضمانة بأن ندعي بأن ما وصلنا هو ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن ما وصلنا قد وصلنا بشكل صحيح، هذا إذاً ضمانة على المستوى التشريعي من أنه لا بد من معصوم.
ضمانة على مستوى التطبيق والسلوك، في ذلك الطريق الموصل إلى ما يريده الشرع لا يكون إلا من خلال وجود نبي، ولهذا قيل أنه لو كان الهدف من النبوة، (وقائل هذا الكلام الإمام الخميني قدس سره في بعض كتبه وبشكل خاص في كتاب الحكومة الإسلامية) هو أن يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط ليبلغنا بالتشريع، لم يكن أهون عليه من أن يقول هذه هي الشريعة، ويضعها بين دفتي كتاب، ويقول خذوها وطبقوها، لماذا استمر الأمر عشرين سنة؟ لماذا بقي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو الضامن والمطبق والمشرف والحاكم والقائد والمفسِّر والمبيِّن والمتابع لكل الشريعة إلى أن توفاه الله سبحانه وتعالى، وبالتالي إذن التطبيق أمر دخيل في الهداية الإلهية والربانية، وهذا أمر كان يدركه المسلمون في ذلك الأوان.
مسؤولية الناس عن الغيبة
ما الذي حصل؟ لا نريد أن نستغرق في التاريخ، لكن الذي حصل أن الناس خذلوا رسول الله بعد وفاته، وكان الخذلان يمر من مرحلة إلى مرحلة أشد، بدأً مع منع أمير المؤمنين علي عليه السلام من استلام الحكم، ثم ظهر بشكل قاسٍ جداً، عندما تفرد الأعداء بالإمام الحسين عليه السلام، إلى أن استشهد ومن معه، واستمر الخذلان والتقاعس إلى أن جاء وقت الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، وكان الخطر عليه وهو جنين، وهو في بطن أمه، ولهذا بدأت الغيبة من حين انعقاد النطفة، وخفى أمر حمله على الملأ كلهم، ولهذا اختلفنا وُلِدَ أم لم يولد؟ واستمر، وكان ظهوره نادراً، وبدأت الغيبة الصغرى، ثم الغيبة الكبرى، في الروايات أنه لماذا غاب الإمام؟ من المعروف وهذا أمر يذكره علماؤنا كلهم، يخاف القتل، إذا كان يخاف القتل فلماذا لم يظهر؟ وإن قتل؟ ما يقوله علماؤنا، وهذا أمر يحتاج إلى تدقيق، طبعاً أنا شخصياً أؤمن بهذا لكلام، ولست في مورد إثبات له، فلو كان هناك بديلاً في طول التاريخ عن الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف لم يكن هناك مانعاً، لكان ظهر وقتل، ثم جاء الإمام المعصوم الآخر، أما إذا انكشف لنا أن وجود إمام معصوم انحسر تاريخياً ومستقبلاً بهذا الإمام، فكان حفظه لا بد منه، وإذا كانت الناس غير مستعدة لحفظه ومواكبته ونصرته، فالناس تعاقب بغيبته، ولهذا ورد لدينا في بعض الروايات المروية عن الباقر عليه السلام، رواها الصدوق في كتابه كمال الدين، أن الله إذ كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم، ولهذا اتفقت كلمة العلماء السابقين، أن الذي يتحمل مسؤولية الغيبة، هم الناس. وبالتالي الذين يتحملون مسؤولية وجود هذا الظلم وهذا الخلل هم الناس، وإلا فليس الخلل من جانب الله تعالى، ولا من جانب الإمام المعصوم، وليست هواية أن يغيب الإمام المعصوم، فليست المسألة إذاً أن هناك تعبداً محضاً في غيبة الإمام المعصوم، الأصل هو ظهور الإمام، والاستثناء السلبي هو غيبته عجل الله تعالى فرجه، وللأسف الاستثناء استمر ما يزيد عن ألف سنة، والأصل لم يعمر أكثر من مائتي وخمسين سنة، وهذا الأصل أيضاً كان فيه استثناءات. كان الأصل أن يكون الإمام حاكماً، ولكن الاستثناء استمر، لم يحكم المعصوم ابتداءً من رسول الله إلا فترة ٢٣ سنة، ثم خمس سنوات في أثناء حكومة الإمام علي عليه السلام، والباقي كله استثناء سلبي. وصل إلى قمته في مسألة الغيبة، أن يقتل الإمام الحسين مع من معه ليس الأصل، بل استثناء. إذا كانت الغيبة في كل مفاعيلها من حرمان لبعض الشريعة بسبب ضياعها إما المقصود أو الطبيعي بسبب التاريخ أو الحرمان من العدل الإلهي ونيل الهداية الإلهية مستندة إلى الناس، فالناس مسؤولون عن رفع هذا السبب لكي ينالوا الخلاص، ولكي ينالوا العدل الإلهي، ولهذا لن يكون ظهور الإمام المعصوم مسألة تعبدية محضة، وهذا موجود في كتب علمائنا وأن حركة الإمام الحجة حركة إعجازية، وإلا كان يمكن للإعجاز أن يبدأ عمله من حين توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما المطلوب من الناس أن ترفع الحائل، ولهذا ورد لدينا أن انتظار الفرج خير عبادة، ما معنى أن تكون منتظراً ولا تمهد لظهور المنتظر؟ إذاً أنت لست منتظراً، ما معنى أن تكون مأموراً بالانتظار وأن تكون أسمى عبادة بينما يكون اهتمامنا بالحجة أقل من اهتمامنا بغيره من العبادات؟ مع أنه أفضل العبادات، هذا كله لزرع الحافز والداعي في قلب كل إنسان، لكي يجعل نفسه مستعدة لظهور الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، وبالتالي المطلوب من الإنسان أن يكون قد ربّى نفسه على التسليم لله تعالى عقائدياً وفكرياً وسلوكياً وتشريعياً، والتسليم بما يأتي به صاحب العصر والزمان، والاستسلام المطلق له، وأن تعم هذه الحالة، حينئذٍ سيكون له الظهور. ولهذا قيل أنه لو ارتفع الخوف من القتل لظهر، والكلام ذكره الشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي في كتبهم.
ما هي فائدة وجود الإمام غائباً؟
وعندما يطرح السؤال، حرمنا من بعض بركات الإمام الحجة، فيقول السيد المرتضى نحن من حرمنا أنفسنا ذلك، ولهذا عندما يسأل ما هو الفرق بين وجود الحجة غائباً وبين عدمه؟ ما هي فائدة وجود الإمام غائباً؟، ولماذا لم يخلق حين يأتي أوان ظهوره إن لم يخلق إلا حين يأتي أوان ظهوره؟ يكون سبب التأخير هو الله تعالى، لا الناس، أما عندما يكون موجوداً ومختبئاً وغائباً، تكون سبب الغيبة الناس، فاللطف من الله تعالى تامُ، والنقص من الناس. بينما لو لم يكن موجوداً وأُجِّل وجوده إلى أن يأتي زمان يقال أنه زمان ظهوره، لكان اللطف ممتنعاً من الله تعالى، ولامتنعت النبوة والإمامة، وهذا الأمر لا تفكيك فيه، يعني أنه لا بد من وجود معصوم، هذا لا تفكيك فيه، مُنِع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشر سنين في مكة من القيام بدوره، هل يعني هذا أن يؤجل خلقه إلى أن يولد في المدينة ليكون أقدر على القيام بالمهمة؟ مُنِع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلال أيامٍ ولو هي أيام الغار حينما اختبئ واختفى إلى أن ظهر من جديد، وبالتالي عندما نسأل عن الفرق بين وجوده غائباً وبين عدم وجوده، هذا هو الفرق، أن المسؤول هو الله أم نحن؟ والله لطفه تام، فعلينا إذاً أن نبحث عن طريقة لكي نصبح قابلين لتلقي هذا اللطف، ولظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف، إذاً الغيبة بهذا المعنى تضع الإنسان كل إنسان أمام مسؤولياته، أنك سبب غيبته فعليك أن تكون سبب عودته، وبالتالي عليك أن تهيئ المناخ كاملاً لتحقق هذا الخلاص، الذي لا مجال له إلا بوجود معصوم، وإلا فإن أي خلاص يمر من غير وجود معصوم هذا خلاف مبدأ النبوة، خلاف مبدأ الإمامة، ونكون قد خرجنا عن البحث لأن البحث له مبدؤه وله مبناه العقائدي، ولهذا عندنا أن الخلاص بالمفهوم المسيحي المرتبط بالنبي عيسى عليه السلام يلتقي مع الحجة، لا يمكن أن يدعو دين لخلاص منفصل عن دين آخر وهما المنزلان من عند إله واحد، وهما اللذان لا بد أن يلتقيا، وإن منع الناس من التقائهما، لأن الناس هم الذين منعوا من التقائهما، فلا بد أن يأتي اللقاء عندما يصبح الناس أكثر طوعاً وانقياداً للشريعة ولما يريده الله تعالى.
هل صححنا التاريخ؟
فإذن نحن عندما نفهم الغيبة بهذه الطريقة، يصبح كل إنسان مسؤول عن صياغة نفسه صياغة أخرى، يصبح من خلالها المجتمع أيضاً مصاغاً صياغة أخرى، ويرتفع الخذلان، لا أنه بمجرد أن يظهر نعود لنفعل مثلما فعل الناس أيام أبي عبد الله عليه السلام، أو مثلما فعل الناس في مراحل أخرى، إمام معصوم ويقضي في السجن ٧ سنوات أو ١٤ سنة! فهل نحن صححنا التاريخ أم لا زلنا في غلطة التاريخ؟ صححنا التاريخ يعني صرنا مجتمعاً مسؤولاً لاستقباله، أما إذا كنا لا زلنا كما نحن نكرر غلطة التاريخ ستمتد إذاً غيبة الإمام سنة بعد سنة ومائة وألف، ولهذا لا تفتشوا عن علامات صاحب العصر والزمان في الروايات، فتشوا عنها في النفوس، فتشوا عنها في القابليات، فهذه العلامات تؤكد لنا أن الذي ظهر هو الإمام أم غيره، ولهذا كان الصدق من السماء، هذه علامة إعجازية على أن الظاهر هو صاحب العصر والزمان، أما العمل فهو ليس إعجازياً إذ قد يسقط الآلاف من الشهداء والآلاف من الأيتام والجرحى... المطلوب من الناس أن يكونوا كما كان المسلمون أيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا تتدخل المعجزة إلا عندما يكون الفعل تاماً من الناس وغير مقصرين، حينئذٍ يأتيهم التأييد الإلهي، يأتيهم المدد الإلهي، كما كان أيام بدر، فإن معركة بدر كان الناس مستعدين تمام الاستعداد، لم يكن يوجد خللٌ في نواياهم أو استعداداتهم، كان الخلل في الطرف الآخر، فأتى اللطف الإلهي، وبالتالي إذاً علينا أن لا نعيش وهم أن الخلاص يمكن أن يتحقق بظهور الحجة بشكلٍ إعجازي، هو يأتي بتأييد إلهي، لكن الناس مسؤولة، وأن لا نعيش أيضاً وهم أن الخلاص يكون بطريق آخر غير طريق الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
وأستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بنية الوجدان الإنساني والخلاص - أبعاد وتجليات

الدكتور أسعد علي(٣)

بسم الله الحليم. وذي الفضل العظيم. الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على محمد وآل محمد. والسلام عليكم وعليكن ورحمة الله وبركاته.
سأظهر بالفعل ما أريد أن أحدث به بالقول، أنا أعرف وأنتم تعرفون عن سيرة الإمام الخميني، أنه كان يأتي لزيارة شيخه الشاه آبادي ويسلم عليه فقط سلام "أحوالي شم" ثم يسكت ويبقيان ساعتان بلا كلام، ثم "خدا حافظ" انتهى الحديث، يتعجب الناس كيف جلس هذان الشيخان الجليلان، هذان السيدان العظيمان، ساعتين بلا كلام، كيف يمكن ذلك؟ القلب يؤدي إلى القلب، ذكرتكم بهذا الكلام، فإذا وجدتموني بكلماتي غير مفهوم حيلوها للقلب، فالقلب سوف يقول لكم ما تفهمه قلوبكم، بلا ترجمة وبلا أية وساطة.
سماحة الشيخ قال أمراً مهماً جداً، أن لا تبحثوا عن صاحب الزمان في مثلث برمودا، ولا تفتشوا عن صاحب الزمان في أماكن، ولكن ابحثوا في النفوس، أن يكون صاحب الزمان ساكن في مكان قريب جداً، ونحن لا نراه.
ما هو رأيكم عندما تنقطع الكهرباء؟ لا نقرأ ولا نرى! وإذا انقطع الهواء ماذا يحصل؟ تستطيعون العيش بلا هواء؟ لا يمكن العيش بلا هواء، ومع ذلك نحن لا نرى الهواء، فإذا كانت أرجوحة بن نرجس تطير في الفضاء مع عطر النرجس، وتسكن في تلافيف أدمغة النسائم، ألا يمكن أن يكون هناك في النسائم؟ إذاً عيشوا بالأنسام دائماً، تنشقوا، يعني تذكروا النرجس وازرعوا في حدائقكم نرجساً فعطر النرجس يذكرنا أيضاً بأن صاحب الزمان بن نرجس، الجانب الجمالي وجانب اللطف، وهو بن العسكري الجانب الجلالي، جانب القوة جانب القدرة وسمعنا من سماحة الشيخ تقول الكتب، تقول الروايات، أنه حتى من وقت الحمل ففي أمره حتى يوم عمة الإمام العسكري، ما كانت ترى في بطن نرجس شيئاً.
عندما تشرفت بزيارة الإمام الخميني قدس سره. [كما أتشرف اليوم بزيارة مركز يحمل هذا الاسم الشريف، ويقوم بقلوب نظيفة ومتحمسة، وأنا سعيد بهؤلاء الشبان الذين يقومون بالعمل في هذا المركز، لأنهم سيتحدثون عن صاحب الزمان وينادونني بالهاتف نعم نريد الخلاص نريد الحديث عن صاحب الزمان، ولم أشعر أنهم خائفون من شيء، بل هم مطمئنون وواثقون أنهم لا يخافون أذى]، في طهران، وكان اليوم أحداً، وفي يوم الأحد نحن قليلو الكلام، أو لا نتكلم في الأصل، حملت له باسم الاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية كتاب "في أضواء القرآن"، وهو سبع قراءات لكل سورة [وهو مقدم لمولانا صاحب المساكن المتنقلة مع عطور النرجس، إلى صدور محبيه وغير محبيه، الناس يعيشون ببركات أطياب نسمات هذه الحضرة الجمالية النرجسية الجلالية العسكرية] حدثته بسرعة لأن اليوم كان ذكرى المبعث والناس يأتون ويذهبون، فقلت له هذا الكتاب أرسله إليك الاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية، ولكنهم أرسلوه ليس لأنك طردت شاهنشاه، (وأستطيع أن أصور لكم كيف حواجبه الشريفة اقتربت من بعضها وتداخلت) لأنهم لا يرون بشاهنشاه شيئاً مهماً، ففي كل ساعة يطرد ملك، لكن هم يقدسون الذي كتب آداب الصلاة، وبدأت أذكر من كلماته، وتوقفت مع سر صلاة العارفين، فبدأت حواجبه تعود إلى الانفراج، يقول الإمام الخميني في وصيته الخالدة نحن فخورون بأن أئمتنا المعصومين بدءاً بعلي بن أبي طالب، وإلى منجي البشرية حضرة المهدي صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف عليهم آلاف التحية والسلام، الذي هو بقدرة الله القادر حيّ وناظر للأمور، هذا هو رأي الإمام الخميني بالانتظار والوصول، الذي هو منجي البشرية، حضرة المهدي صاحب الزمان عليه آلاف التحية والسلام، هو بقدرة القادر حيُّ وناظر إلى الأمور، هذه عقيدة الإمام الخميني في الإمام المهدي، هو حيٌّ وناظر إلى الأمور وهذا يعفينا كثيراً من أن نبحث في كثير من الأمور في برمودا أو في غيرها.
صاحب الزمان المتجلبِب بحروف الدين، المتجلبب بسر الحركة بين الغرب والشرق، هو هنا وهنالك بالتأكيد لماذا السيد الخميني يقول المهدي؟ ويقول صاحب الزمان؟ لماذا المهدي، ماذا يعني؟ المهدي من الهدى والهداية، هل هو وحده يمتاز بالهدى والهداية؟ غريب آل محمد عالم آل محمد الإمام الباقر، الإمام علي، الإمام الهادي كلهم في الهدى والهداية، مثل ما نقول بعلبكي، مثلما نقول جنوبي، مثلما نقول دمشقي نسبةً لبيته، لبلده، لقريته، لمملكته من الممكن أيضاً أن يكون عندما نقول المهدي كذلك، أنتم تعلمون في القرآن الكريم أن الأرض سميت مهداً "جعل لكم الأرض مهد" إذاً هو مهدي لأن مملكته هذه الأرض، لأن دولته في هذه الأرض، ليس لأحد أن يتنازل عن شبر واحد فيها، ولا عن ذرة، ولا عن أي مكان، ولا عن أي طائفةٍ من الطوائف. إن المهدي لهؤلاء جميعاً، والمهد مملكته. إذاً هو المهدي لآن مملكته أنت.


 

 

 

الهوامش:

ــــــــــــــــــــــ

(١) مسؤول وحدة الأنشطة الثقافية في مركز الإمام الخميني الثقافي.
(٢) أستاذ في الحوزة العلمية وباحث ومفكر إسلامي.
(٣) أمين عام مجمع نهج البلاغة العالمي ورئيس الاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية.

التحميلات التحميلات:
التقييم التقييم:
  ٠ / ٠.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016