(١٥ شوّال المكرَّم) سنة (٣هـ):
إخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمّار وهو في معركة اُحُد عن فضل علي عليه السلام والإمام المهدي عليه السلام:
روى الخزّاز رحمه الله عن محمّد بن عبد الله بن المطَّلب الشيباني، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسين بن حفص الخثعمي الكوفي، قال: حدَّثنا عبّاد بن يعقوب، قال: حدَّثنا علي بن هاشم، عن محمّد بن عبد الله، عن أبي عبيدة بن محمّد بن عمّار، عن أبيه، عن جدّه عمّار، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض غزواته(١)، وقتل علي عليه السلام أصحاب الألوية وفرَّق جمعهم، وقتل عمرو بن عبد الله الجمحمي، وقتل شيبة بن نافع، أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت له: يا رسول الله صلّى الله عليك، إنَّ علياً قد جاهد في الله حقّ جهاده. فقال: (لأنَّه منّي وأنا منه، وارث علمي، وقاضي ديني، ومنجز وعدي، والخليفة بعدي، ولولاه لم يعرف المؤمن المحض، حربه حربي وحربي حرب الله، وسلمه سلمي وسلمي سلم الله، ألا إنَّه أبو سبطي والأئمّة من صلبه يخرج الله تعالى الأئمّة الراشدين، ومنهم مهدي هذه الأمّة). فقلت: بأبي أنت واُمّي يا رسول الله، ما هذا المهدي؟ قال: (يا عمّار، إنَّ الله تبارك وتعالى عهد إليَّ أنَّه يخرج من صلب الحسين تسعة، والتاسع من ولده يغيب عنهم، وذلك قوله عز وجل: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) [الملك: ٣٠]، يكون له غيبة طويلة يرجع عنها قوم ويثبت عليها آخرون، فإذا كان في آخر الزمان يخرج فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً ويقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل، وهو سميّي وأشبه الناس بي. يا عمّار ستكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فاتَّبع علياً وحزبه، فإنَّه مع الحقّ والحقّ معه. يا عمّار إنَّك ستقاتل بعدي مع علي صنفين: الناكثين والقاسطين، ثمّ تقتلك الفئة الباغية). قلت: يا رسول الله، أليس ذلك على رضا الله ورضاك؟ قال: (نعم على رضا الله ورضاي، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه...)(٢).
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــ
(١) المراد غزوة اُحُد. اتَّفق المؤرّخون على أنَّها كانت في شوّال من السنة الثالثة للهجرة، واختلفوا في اليوم الذي وقعت فيه، وأشهر الأقوال أنَّه السبت للنصف من شوّال. وكان سبب وقوعها أنَّ قريشاً لمَّا رجعت من بدر إلى مكّة وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر، قال أبو سفيان: يا معشر قريش لا تدعو النساء تبكي على قتلاكم، فإنَّ البكاء والدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والحرقة والعداوة لمحمّد ويشمت بنا أصحاب محمّد. فجمعت قريش ثلاثة آلاف مقاتل، ومائتا فارس، وسبعمائة دارع، وأخرجوا معهم النساء يذكّرنَّهم ويحثنَّهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلمَّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك جمع أصحابه وأخبرهم أنَّ قريشاً تجمَّعت تريد المدينة، وحثَّ أصحابه على الجهاد والخروج. وعبَّأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه وكانوا سبعمائة رجل ووضع عبد الله بن جبير في خمسين من الرماة على باب الشعب، وأشفق أن يأتي كمينهم من ذلك المكان، وأمرهم بعدم مفارقة مراكزهم مهما حدث.
ودفع الراية إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وحمل الأنصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة، فنظر أصحاب عبد الله بن جبير إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينتهبون سواد القوم، فتركوا مراكزهم، فانحطَّ خالد بن الوليد على عبد الله بن جبير وقد فرَّ أصحابه وبقي في نفر قليل، فقتلهم على باب الشعب، ثمّ أتى المسلمين من أدبارهم، وانهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هزيمة عظيمة، وأقبلوا يصعدون في الجبال وفي كلّ وجه.
وكان حمزة يحمل على القوم، فإذا رأوه انهزموا ولم يثبت له أحد، وكانت هند بنت عتبة عليها اللعنة قد أعطت وحشياً عهداً: لئن قتلت محمّداً أو علياً أو حمزة لأعطينَّك رضاك، وكان وحشي عبداً لجبير بن مطعم، فقال وحشي: أمَّا محمّد فلا أقدر عليه، وأمَّا علي فرأيته رجلاً حذراً كثير الالتفات فلم أطمع فيه، فكمنت لحمزة فرأيته يهدّ الناس هدّاً، فمرَّ بي فوطئ على جرف نهر، فسقط فأخذت حربتي فهززتها ورميته فوقعت في خاصرته، فأتيته فشققت بطنه، فأخذت كبده، وجئت بها إلى هند، فأخذتها في فمها فلاكتها، فجعلها الله في فيها مثل الداغصة، فلفظتها ورمت بها، فبعث الله ملكاً فحمله فردَّه إلى بدنه. وانجلت المعركة عن سبعين شهيداً من المسلمين، واثنين وعشرين قتيلاً من المشركين. (راجع: تفسير القمّي ١: ١١٠؛ تاريخ الطبري ٢: ١٨٧).
(٢) كفاية الأثر: ١٢٠ - ١٢٢.