سنة (٣٧٨هـ):
التاريخ السندي لحديث الحسين بن علي بن بابويه رحمه الله لحديث الوصيّة إلى أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه:
هو محمّد بن عثمان بن سعيد العمري الأسدي، أبو جعفر العسكري، ثاني السفراء الأربعة، كان هو وأبوه سفيرين للإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وكان لهما منزلة جليلة عند الطائفة. تولّى السفارة زمناً طويلاً.
عدَّه الصدوق رحمه الله فيمن رآه عليه السلام، فقال: حدَّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: سألت محمّد بن عثمان العمري رضي الله عنه، فقلت له: أرأيت صاحب هذا الأمر؟ فقال: نعم، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام، وهو يقول: (اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني)، وفي رواية أخرى: رأيته صلوات الله عليه متعلّقاً بأستار الكعبة في المستجار، وهو يقول: (اللّهمّ انتقم لي من أعدائي)(١).
وقد تضافرت الروايات الدالّة على جلالة شأنه وعظم مقامه، منها ما رواه الكليني رحمه الله عن أبي محمّد عليه السلام، قال: (العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان، وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنَّهما الثقتان المأمونان)(٢).
ومنها ما رواه الطوسي رحمه الله عن عبد الله بن جعفر الحميري، خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري قدَّس الله روحه في التعزية بأبيه رضي الله تعالى عنه، وفي فصل من الكتاب: (إنّا لله وإنّا إليه راجعون تسليماً لأمره ورضيً بقضائه، عاش أبوك سعيداً ومات حميداً فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه عليهم السلام، فلم يزل مجتهداً في أمرهم، ساعياً فيما يقرّبه إلى الله عز وجل وإليهم، نضَّر الله وجهه وأقاله عثرته)، وفي فصل آخر: (أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء، رزئت ورزئنا وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسرَّه الله في منقلبه، وكان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولداً مثلك يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره، ويترحَّم عليه، وأقول: الحمد لله، فإنَّ الأنفس طيّبة بمكانك وما جعله الله عز وجل فيك وعندك، أعانك الله وقوّاك وعضدك ووفَّقك، وكان لك وليّاً وحافظاً وراعياً وكافياً)(٣).
وكان له كتب مصنَّفة في الفقه، فقد روى الطوسي رحمه الله عن ابن نوح، قال: أخبرني أبو نصر هبة الله ابن بنت اُمّ كلثوم بنت أبي جعفر العمري، قال: كان لأبي جعفر محمّد بن عثمان العمري كتب مصنَّفة في الفقه ممَّا سمعها من أبي محمّد الحسن عليه السلام، ومن الصاحب عليه السلام، ومن أبيه عثمان بن سعيد، عن أبي محمّد وعن أبيه علي بن محمّد عليهما السلام(٤).
وأوصى محمّد بن عثمان العمري بالسفارة إلى الحسين بن روح، فقد روى الصدوق رحمه الله عن محمّد بن علي بن متيل، عن عمّه جعفر بن محمّد بن متيل، قال: لمَّا حضرت أبا جعفر محمّد بن عثمان العمري السمّان رضي الله عنه الوفاة كنت جالساً عند رأسه أسأله واُحدّثه، وأبو القاسم الحسين بن روح [عند رجليه](٥)، فالتفت إليَّ ثمّ قال لي: أمرت أن اُوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح. قال: فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحوَّلت عند رجليه(٦).
ورواه الطوسي رحمه الله عن جماعة، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه، عن محمّد بن علي بن الحسين، عن علي بن محمّد بن متيل، عن عمّه جعفر بن أحمد بن متيل، وقال بعده: (قال ابن نوح: وحدَّثني أبو عبد الله الحسين بن علي بن بابويه القمّي قدم علينا البصرة في شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، قال: سمعت علوية الصفّار والحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنهما يذكران هذا الحديث، وذكرا أنَّهما حضرا بغداد في ذلك الوقت وشاهدا ذلك)(٧).
توفّي رضي الله عنه في آخر جمادي الأولى سنة خمس وثلاثمائة، فقد روى الطوسي رحمه الله عن أبي نصر هبة الله، قال: وجدت بخطّ أبي غالب الزراري رحمه الله وغفر له أنَّ أبا جعفر محمّد بن عثمان العمري رحمه الله مات في آخر جمادي الأولى سنة خمس وثلاثمائة(٨).
وقال الطوسي رحمه الله أيضاً: ذكر أبو نصر هبة الله [بن] محمّد بن أحمد أنَّ أبا جعفر العمري رحمه الله مات في سنة أربع وثلاثمائة، وأنَّه كان يتولّى هذا الأمر نحواً من خمسين سنة، يحمل الناس إليه أموالهم، ويخرج إليهم التوقيعات بالخطّ الذي كان يخرج في حياة الحسن عليه السلام إليهم بالمهمّات في أمر الدين والدنيا وفيما يسألونه من المسائل بالأجوبة العجيبة رضي الله عنه وأرضاه. قال أبو نصر هبة الله: إنَّ قبر أبي جعفر محمّد بن عثمان عند والدته في شارع باب الكوفة في الموضع الذي كانت دوره ومنازله (فيه)، وهو الآن في وسط الصحراء(٩)،(١٠).
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــ
(١) كمال الدين: ٤٤٠/ باب ٤٣/ ح ٩ و١٠.
(٢) الكافي ١: ٣٣٠/ باب في تسمية من رآه عليه السلام/ ح ١.
(٣) الغيبة للطوسي: ٣٦١/ ح ٣٢٣.
(٤) الغيبة للطوسي: ٣٦٣/ ح ٣٢٨.
(٥) ما بين المعقوفتين أثبتناه من الغيبة للطوسي.
(٦) كمال الدين: ٥٠٣/ باب ٤٥/ ح ٣٣؛ الخرائج والجرائح ٣: ١١٢٠ و١١٢١/ ح ٣٧.
(٧) الغيبة للطوسي: ٣٧٠ و٣٧١/ ح ٣٣٩ و٣٤٠.
(٨) الغيبة للطوسي: ٣٦٦/ ح ٣٣٤.
(٩) الغيبة للطوسي: ٣٦٦/ ح ٣٣٤.
(١٠) قبره الشريف الآن في المسجد الخلاني ببغداد بالقرب من سوق السنك وجامع عبد القادر الكيلاني ومسجد العيدروسي، وبجانبه مقبرة الفيل التي تسمّى اليوم بمقبرة الخلاني.