بعد (٩ صفر الخير) سنة (٣٨هـ):
لقاء أمير المؤمنين عليه السلام مع حبّاب النصراني وأمره ببناء مسجد (براثا) وإخباره بالكثير من المغيّبات وما يفعله جيش السفياني بأهل الكوفة:
روى ابن طاووس رحمه الله عن محمّد بن المشهدي بإسناده عن محمّد بن القاسم، عن أحمد بن محمّد، عن مشايخه، عن سليمان الأعمش، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: حدَّثني أنس بن مالك وكان خادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: لمَّا رجع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من قتال أهل النهروان نزل (براثا)(١)، وكان بها راهب في قلايته، وكان اسمه الحبّاب، فلمَّا سمع الراهب الصيحة والعسكر أشرف من قلايته إلى الأرض، فنظر إلى عسكر أمير المؤمنين عليه السلام، فاستفظع ذلك ونزل مبادراً، قال: من هذا؟ ومن رئيس هذا العسكر؟ فقيل له: هذا أمير المؤمنين عليه السلام وقد رجع من قتال أهل النهروان. فجاء الحبّاب مبادراً يتخطّى الناس حتَّى وقف على أمير المؤمنين عليه السلام فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين حقّاً حقّاً. فقال له: (وما علمك بأنّي أمير المؤمنين حقّاً حقّاً؟)، قال له: بذلك أخبرنا علماؤنا وأحبارنا. فقال له: (يا حبّاب)، فقال له الراهب: وما علمك باسمي؟ فقال: (أعلمني بذلك حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال له الحبّاب: مُدْ يدك [لأبايعك]، فأنا أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأنَّ محمّداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنَّك علي بن أبي طالب وصيّه. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: (وأين تأوي؟)، فقال: أكون في قلاية لي هيهنا. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: (بعد يومك هذا لا تسكن فيها، ولكن ابن هاهنا مسجداً وسمّه باسم بانيه)، فبناه رجل اسمه (براثا) فسمّي المسجد ببراثا باسم الباني له. ثمّ قال: (ومن أين تشرب يا حبّاب؟)، فقال: يا أمير المؤمنين، من دجلة هيهنا. قال: (فلِمَ لا تحفر هيهنا عيناً أو بئراً؟)، فقال له: يا أمير المؤمنين، كلَّما حفرنا بئراً وجدناها مالحة غير عذبة. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: (احفر هاهنا بئراً)، فحفر فخرجت عليهم صخرة لم يستطيعوا قلعها، فقلعها أمير المؤمنين، فانقلعت عن عين أحلى من الشهد وألذّ من الزبد. فقال له: (يا حباب، [يكون شربك من هذه العين، أمَا أنَّه يا حبّاب] ستبني إلى جنب مسجدك هذا مدينة، وتكثر الجبابرة فيها ويعظم البلاء حتَّى أنَّه ليركب فيها كلّ ليلة جمعة سبعون ألف فرج حرام. فإذا عظم بلائهم سدّوا على مسجدك بقنطرة، ثمّ وابنه مرَّتين، ثمّ وابنه لا يهدمه إلاَّ كافر، فإذا فعلوا ذلك منعوا الحجّ ثلاث سنين، واحترقت خضرهم، وسلَّط الله عليهم رجلاً من أهل السفح لا يدخل بلداً إلاَّ أهلكه وأهلك أهله، ثمّ ليعد عليهم مرَّة أخرى، ثمّ يأخذهم القحط والغلا ثلاث سنين حتَّى يبلغ بهم الجهد، ثمّ يعود عليهم، ثمّ يدخل البصرة فلا يدع فيها قائمة إلاَّ سخطها وأهلكها وأهلك أهلها، وذلك إذا عمرت الخربة وبنى فيها مسجد جامع فعند ذلك يكون هلاك أهل البصرة. ثمّ يدخل مدينة بناها الحجّاج يقال لها: (واسط) فيفعل مثل ذلك، ثمّ يتوجَّه نحو بغداد فيدخلها عفواً. ثمّ يلتجئ الناس إلى الكوفة، ولا يكون بلد من الكوفة إلاَّ تشوّش له الأمر. ثمّ يخرج هو والذي أدخله بغداد نحو قبري لينبشه فيتلقاهما السفياني فيهزمهما ثمّ يقتلهما. ويتوجَّه جيش نحو الكوفة فيستعبد بعض أهلها. ويجيء رجل من أهل الكوفة فيلجئهم إلى سور في من لجأ إليها أمن. ويدخل جيش السفياني إلى الكوفة فلا يدعون أحداً إلاَّ قتلوه، وإنَّ الرجل منهم ليمرّ بالدرّة المطروحة العظيمة فلا يتعرَّض لها ويرى الصبي الصغير فيلحقه فيقتله. فعند ذلك يا حبّاب يتوقَّع بعدها، هيهاتَ هيهاتَ، وأمور عظام وفتن كقطع الليل المظلم، فاحفظ عنّي ما أقول لك يا حبّاب)(٢).
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــ
(١) (براثا) قرية من القرى العامرة قبل تأسيس بغداد، وهو اسم سرياني معناه (ابن العجائب) وفي اللغة العربية تعني: (الأرض الرخوة الحمراء)، ومسجدها أقدم مسجد في بغداد حيث كان ديراً وصار مسجداً بعد إسلام حبّاب المسيحي الذي كان مسؤولاً عنه على يد أمير المؤمنين عليه السلام، ويعرف قديماً بـ (جامع المنطقة) و(مشهد العتيقة). يقع المسجد في منطقة الكرخ من بغداد، مقابل المنطقة المعروفة بـ (العُطَيفيّة)، على بعد خمسة كيلومترات من مرقد الإمامين موسى الكاظم ومحمّد الجواد عليهما السلام. وذكر الشيخ عبّاس القمّي رحمه الله في مفاتيح الجنان (ص ٧٠٩) فضائل كثيرة لهذا المسجد، منها: أنَّ الله تعالى أقرَّ أن لا ينزله بجيشه إِلاَّ نبيّ أو وصيّ نبيّ، وأنَّه بيت مريم وأرض عيسى عليهما السلام، وأنَّه صلّى فيه أمير المؤمنين والحسن والحسين والأنبياء عليهم السلام لاسيّما خليل الرحمن عليه السلام.
(٢) اليقين لابن طاووس: ٤٢١ - ٤٢٣.