(١٥ جمادى الأولى) سنة (٣٦هـ):
انتهت حرب الجمل في البصرة وفيها خطب علي عليه السلام خطبة ذكر فيها ما يجري عليها من الأحداث في آخر الزمان:
قال المجلسي رحمه الله في البحار: روى كمال الدين ابن ميثم البحراني مرسلاً أنَّه لمَّا فرغ أمير المؤمنين من أمر الحرب لأهل الجمل أمر منادياً ينادي في أهل البصرة أنَّ الصلاة الجامعة لثلاثة أيّام من غد إن شاء الله، ولا عذر لمن تخلَّف إلاَّ من حجَّة أو علَّة، فلا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً. فلمَّا كان اليوم الذي اجتمعوا فيه خرج عليه السلام فصلّى بالناس الغداة في المسجد الجامع، فلمَّا قضى صلاته قام فأسند ظهره إلى حائط القبلة عن يمين المصلّي، فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وصلّى على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم واستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، ثمّ قال: (يا أهل البصرة...، كأنّي أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبقها الماء حتَّى ما يرى منها إلاَّ شرف المسجد كأنَّه جؤجؤ طير في لجَّة بحر)، فقام إليه الأحنف بن قيس فقال له: يا أمير المؤمنين، ومتى يكون ذلك؟ قال: (يا أبا بحر، إنَّك لن تدرك ذلك الزمان، وإنَّ بينك وبينه لقروناً، ولكن ليبلّغ الشاهد منكم الغائب عنكم، لكي يبلّغوا إخوانهم إذا هم رأوا البصرة قد تحولَّت أخصاصها دوراً وآجامها قصوراً، فالهرب الهرب فإنَّه لا بصيرة لكم يومئذٍ). ثمّ التفت عن يمينه فقال: (كم بينكم وبين الأبلة؟)، فقال له المنذر بن الجارود: فداك أبي واُمّي أربعة فراسخ، قال له: (صدقت، فوَالذي بعث محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم وأكرمه بالنبوَّة وخصَّه بالرسالة وعجَّل بروحه إلى الجنَّة لقد سمعت منه كما تسمعون منّي أن قال لي: يا علي، هل علمت أنَّ بين التي تسمّى البصرة والتي تسمّى الأبلة أربعة فراسخ، وسيكون التي تسمّى الأبلة موضع أصحاب العشور، ويقتل في ذلك الموضع من أمّتي سبعون ألفاً، شهيدهم يومئذٍ بمنزلة شهداء بدر). فقال له المنذر: يا أمير المؤمنين، ومن يقتلهم فداك أبي واُمّي؟ قال: (يقتلهم إخوان الجنّ، وهم جيل كأنَّهم الشياطين، سود ألوانهم، منتنة أرواحهم، شديد كلبهم، قليل سلبهم، طوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه، ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلَّة عند المتكبّرين من أهل الزمان، مجهولون في الأرض معروفون في السماء، تبكي السماء عليهم وسكّانها والأرض وسكّانها). ثمّ هملت عيناه بالبكاء، ثمّ قال: (ويحك يا بصرة، ويلك يا بصرة من جيش لا رهج له ولا حسّ)، فقال له المنذر: يا أمير المؤمنين، وما الذي يصيبهم من قبل الغرق ممَّا ذكرت؟ وما الويح؟ وما الويل؟ فقال: (هما بابان، فالويح باب الرحمة، والويل باب العذاب، يا ابن الجارود نعم تارات عظيمة منها عصبة تقتل بعضها بعضاً، ومنها فتنة تكون بها أخراب منازل وخراب ديار وانتهاك أموال وقتل رجال وسباء نساء يذبحن ذبحاً، يا ويل أمرهنَّ حديث عجيب. ومنها أن يستحلّ بها الدجّال الأكبر الأعور الممسوخ العين اليمنى والأخرى كأنَّها ممزوجة بالدم لكأنَّها في الحمرة علقة ناتئ الحدقة كهيئة حبَّة العنب الطافية على الماء فيتبعه من أهلها عدَّة من قتل بالأبلة من الشهداء أناجيلهم في صدورهم يقتل من يقتل ويهرب من يهرب. ثمّ رجف ثمّ قذف ثمّ خسف ثمّ مسخ ثمّ الجوع الأغبر ثمّ الموت الأحمر وهو الغرق. يا منذر، إنَّ للبصرة ثلاثة أسماء سوى البصرة في الزبر الأوّل لا يعلمها إلاَّ العلماء، منها الخريبة، ومنها تدمر، ومنها المؤتفكة. يا منذر، والذي فلق الحبَّة وبرء النسمة لو أشاء لأخبرتكم بخراب العرصات عرصة عرصة متى تخرب ومتى تعمر بعد خرابها إلى يوم القيامة، وإنَّ عندي من ذلك علماً جمّاً، وإن تسألوني تجدوني به عالماً لا أخطئ منه علماً ولا دافئاً، ولقد استودعت علم القرون الاُوَل وما هو كائن إلى يوم القيامة...)(١).
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــ
(١) بحار الأنوار ٣٢: ٢٥٣ - ٢٥٨/ ح ١٩٩.