١٠ محرَّم الحرام:
دعاء الإمام الصادق عليه السلام للإمام المهدي عليه السلام في اليوم العاشر من المحرَّم:
روى السيّد ابن طاووس رحمه الله(١) عن عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدَّثنا الحسن بن علي الكوفي، عن الحسن بن محمّد الحضرمي، عن عبد الله بن سنان، قال: دخلت على مولاي أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليه السلام يوم عاشوراء وهو متغيّر اللون ودموعه تنحدر على خدّيه كاللؤلؤ، فقلت له: يا سيّدي، ممَّا بكاؤك؟ لا أبكى الله عينيك، فقال لي: (أمَا علمت أنَّ في مثل هذا اليوم اُصيب الحسين عليه السلام؟)، فقلت: بلى يا سيّدي، وإنَّما أتيتك مقتبس منك فيه علماً ومستفيد منك لتفيدني فيه، قال: (سل عمَّا بدا لك وعمَّا شئت)، فقلت: ما تقول يا سيّدي في صومه؟ قال: (صمه من غير تتبيت، وأفطره من غير تشميت، ولا تجعله يوماً كاملاً، ولكن أفطر بعد العصر بساعة ولو بشربة من ماء، فإنَّ في ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلَّت الهيجاء عن آل رسول عليه وعليهم السلام، وانكشفت الملحمة عنهم وفي الأرض منهم ثلاثون صريعاً يعزُّ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصرعهم). قال: ثمّ بكى بكاءً شديداً حتَّى اخضلَّت لحيته بالدموع، وقال: (أتدري أيّ يوم كان ذلك اليوم؟)، قلت: أنت اعلم به منّي يا مولاي، قال: (إنَّ الله عز وجل خلق النور يوم الجمعة في أوّل يوم من شهر رمضان، وخلق الظلمة في يوم الأربعاء يوم عاشوراء، وجعل لكلّ منهما شرعةً ومنهاجاً، يا عبد الله بن سنان أفضل ما تأتي به هذا اليوم أن تعمد إلى ثياب طاهرة فتلبسها وتحلّ أزرارك وتكشف عن ذراعيك وعن ساقيك، ثمّ تخرج إلى أرض مغفرة حيث لا يراك أحداً وفي دارك حين يرتفع النهار. وتُصلّي أربع ركعات تسلّم بين كلّ ركعتين، تقرأ في الركعة الأولى سورة الحمد و(قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ)، وفي الثانية سورة الحمد و(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)، وفي الثالثة سورة الحمد وسورة الأحزاب، وفي الرابعة الحمد والمنافقين. ثمّ تُسلّم وتُحوّل وجهك نحو قبر أبي عبد الله عليه السلام وتُمثّل بين يديك مصرعه، وتفرغ ذهنك وجميع بدنك وتجمع له عقلك، ثمّ تلعن قاتله ألف مرَّة يكتب لك بكلّ لعنة ألف حسنة، ويمحى عنك ألف سيّئة، ويرفع لك ألف درجة في الجنَّة، ثمّ تسعى من الموضع الذي صلَّيت فيه سبع مرَّات، وأنت تقول في كلّ مرَّة من سعيك: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، رضاً بقضاء الله وتسليماً لأمره _ سبع مرَّات _، وأنت في كلّ ذلك عليك الكآبة والحزن ثاكلاً حزيناً متأسّفاً. فإذا فرغت من ذلك وقفت في موضعك الذي صلَّيت فيه وقلت سبعين مرَّة: اللّهمّ عذّب الذين حاربوا رسلك وشاقوك، وعبدوا غيرك واستحلّوا محارمك، والعن القادة والأتباع، ومن كان منهم ومن رضي بفعلهم لعناً كثيراً. ثمّ تقول: اللّهمّ فرج عن أهل محمّد صلّى الله عليه وعليهم أجمعين، واستنقذهم من أيدي المنافقين والكفّار والجاحدين، وامنن عليهم، وافتح لهم فتحاً يسيراً، واجعل لهم من لدنك على عدوّك وعدوّهم سلطاناً نصيراً. ثمّ اقنت بعد الدعاء وقل في قنوتك: اللّهمّ إنَّ الأمَّة خالفت الأئمّة وكفروا بالكلمة، وأقاموا على الضلالة والكفر والردى والجهالة والعمى، وهجروا الكتاب الذي أمرت بمعرفته، والوصيّ الذي أمرت بطاعته، فأماتوا الحقّ وعدلوا عن القسط، وأضلّوا الأمَّة عن الحقّ وخالفوا السُنَّة، وبدَّلوا الكتاب وملكوا الأحزاب، وكفروا بالحقّ لمَّا جاءهم وتمسَّكوا بالباطل، وضيَّعوا الحقّ وأضلّوا خلقك، وقتلوا أولاد نبيّك صلى الله عليه وآله وسلم وخيرة عبادك وأصفياءك، وحملة عرشك، وخزنة سرّك، ومن جعلتهم الحكّام في سماواتك وأرضك. اللّهمّ فزلزل أقدامهم، وأخرب ديارهم، واكفف سلاحهم وأيديهم، والق الاختلاف فيما بينهم، وأوهن كيدهم، واضربهم بسيفك الصارم وحجرك الدامغ، وطمهم بالبلاء طمّاً، وارمهم بالبلاء رمياً، وعذّبهم عذاباً شديداً نكراً، وارمهم بالغلاء، وخذهم بالسنين الذي أخذت بها أعداءك، وأهلكهم بما أهلكتهم به. اللّهمّ وخذهم أخذ القرى وهي ظالمة إنَّ أخذها أليم شديد. اللّهمّ إنَّ سبلك ضائعة، وأحكامك معطَّلة، وأهل نبيّك في الأرض هائمة كالوحش السائمة. اللّهمّ اعل الحقّ واستنقذ الخلق، وامنن علينا بالنجاة واهدنا للإيمان، وعجّل فرجنا بالقائم عليه السلام، واجعله لنا ردءاً، واجعلنا له رفداً. اللّهمّ وأهلك من جعل قتل أهل بيت نبيّك عيداً، واستهلَّ فرحاً وسروراً، وخذ آخرهم بما أخذت به أوّلهم. اللّهمّ أضعف البلاء والعذاب والتنكيل على الظالمين من الأوّلين والآخرين، وعلى ظالمي آل بيت نبيّك صلى الله عليه وآله وسلم، وزدهم نكالاً ولعنةً، وأهلك شيعتهم وقادتهم وجماعتهم. اللّهمّ ارحم العترة الضائعة المقتولة الذليلة من الشجرة الطيّبة المباركة. اللّهمّ اعل كلمتهم، وأفلج حجَّتهم، وثبّت قلوبهم وقلوب شيعتهم على موالاتهم، وانصرهم وأعنهم وصبّرهم على الأذى في جنبك، واجعل لهم أيّاماً مشهوداً وأيّاماً معلومةً، كما ضمنت لأولياءك في كتابك المنزل، فإنَّك قلت: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) [النور: ٥٥]. اللّهمّ أعل كلمتهم يا لا إله إلاَّ أنت، يا لا إله إلاَّ أنت، يا لا إله إلاَّ أنت، يا أرحم الراحمين، يا حيّ يا قيّوم، فإنّي عبدك الخائف منك والراجع إليك والسائل لديك والمتوكّل عليك، واللاجئ بفناءك، فتقبَّل دعائي وتسمع نجواي، واجعلني ممَّن رضيت عمله وهديته، وقبلت نسكه وانتجبته، برحمتك إنَّك أنت العزيز الوهّاب. أسألك يا الله بلا إله إلاَّ أنت ألاَّ تفرّق بيني وبين محمّد والأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين، واجعلني من شيعة محمّد وآل محمّد _ وتذكرهم واحداً واحداً بأسمائهم إلى القائم عليه السلام _، وأدخلني فيما أدخلتهم فيه وأخرجني ممَّا أخرجتهم منه. ثمّ عفّر خدّيك على الأرض وقل: يا من يحكم بما يشاء ويعمل ما يريد، أنت حكمت في أهل بيت محمّد ما حكمت، فلك الحمد محموداً مشكوراً، وعجّل فرجهم وفرجنا بهم، فإنَّك ضمنت اعزازهم بعد الذلَّة، وتكثيرهم بعد القلَّة، وإظهارهم بعد الخمول، يا أرحم الراحمين. أسألك يا إلهي وسيّدي بجودك وكرمك أن تبلّغني أملي وتشكر قليل عملي، وأن تزيد في أيّامي، وتبلّغني ذلك المشهد، وتجعلني من الذين دُعي فأجاب إلى طاعتهم وموالاتهم، وأرني ذلك قريباً سريعاً إنَّك على كلّ شيء قدير. وارفع رأسك إلى السماء فإنَّ ذلك أفضل من حجَّة وعمرة، واعلم أنَّ الله عز وجل يعطي من صلّى هذه الصلاة في ذلك اليوم ودعا بهذا الدعاء عشر خصال: منها أنَّ الله تعالى يوقيه من ميتة السوء، ولا يعاون عليه عدوّاً إلى أن يموته، ويوقيه من المكاره والفقر، ويؤمنه الله من الجنون والجذام، ويؤمن ولده من ذلك إلى أربع أعقاب، ولا يجعل للشيطان ولا لأوليائه عليه سبيلاً)، قال: قلت: الحمد لله الذي منَّ عليَّ بمعرفتكم ومعرفة حقّكم وأداء ما افترض لكم برحمته ومنه، وهو حسبي نعم الوكيل(٢).
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــ
(١) هو السيّد علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن إسحاق بن الحسن بن محمّد بن سليمان بن داود بن الحسن المثنّى بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، ولد في الحلَّة قبل ظهر يوم الخميس في منتصف محرَّم سنة (٥٨٩ه) ونشأ بها، ثمّ هاجر إلى بغداد وأقام فيها نحواً من (١٥) سنة في زمن العبّاسيين، وعاد في أواخر عهد المستنصر المتوفّى (٦٤٠هـ) إلى الحلَّة، فبقي هناك مدَّة من الزمن ثمّ انتقل إلى المشهد الغروي فبقي فيها ثلاث سنين، ثمّ انتقل إلى كربلاء فبقي هناك ثلاث سنين، ثمّ انتقل إلى الكاظمين فبقي فيها ثلاث سنين، ثمّ عاد إلى بغداد سنة (٦٥٢هـ) وبقي فيها إلى حين احتلال المغول بغداد، فشارك في أهوالها وشملته آلامها، وكُلّف في زمن المستنصر بقبول منصب الافتاء تارةً ونقابة الطالبيين تارةً أخرى، حتَّى وصل الأمر بأن عرض عليه الوزارة فرفضها، غير أنَّه ولي النقابة بالعراق من قبل هولاكو سنة (٦٦١هـ)، له آثار قيّمة منها: إقبال الأعمال، وجمال الأسبوع، ومهج الدعوات. (أنظر: إقبال الأعمال ١: ٧ و٨/ حياة المؤلّف).
(٢) إقبال الأعمال ٣: ٦٥ - ٦٩.