(١٠ جمادى الآخرة) سنة (١٢٩٩هـ):
شفاء أحد المؤمنين من الخرس في سامراء ببركة الإمام المهدي عليه السلام:
ورد الكاظمين في شهر جمادى الأولى من سنة ألف ومائتين وتسعة وتسعين آقا محمّد مهدي التاجر، الشيرازي الأصل، وكان مولده ومنشؤه في ميناء (ملومين) من ممالك (ماچين)، بقصد الاستشفاء بزيارة أئمّة العراق عليهم السلام، على بعض التجّار المعروفين من أقربائه وبقي هناك عشرين يوماً، فعندما كان وقت حركة مركب الدخّان إلى سُرَّ من رأى جاء به أقرباؤه إلى المركب، وسلَّموه إلى راكبيه من أهل بغداد وكربلاء لصممه وعجزه عن التفهيم لما يريده وما يحتاجه، وكتبوا إلى بعض المجاورين في سُرَّ من رأى رسائل في ذلك.
وبعد أن وصل هناك في يوم الجمعة العاشر من جمادى الآخرة ذهب إلى السرداب المقدَّس في جماعة من الثقات وخادم ليقرأ له الزيارة، إلى أن أتى إلى الصُفَّة التي في السرداب، فوقف فوق البئر مدَّة يبكي ويتضرَّع ويكتب بالقلم على حائط السرداب يطلب من الحاضرين الدعاء لشفائه. فما تمَّ ابتهاله وتضرّعه حتَّى فتح الله تعالى لسانه، وخرج من الناحية المقدَّسة بلسان فصيح، وبيان مليح!
وقد أحضره مرافقوه يوم السبت إلى مجلس تدريس جناب سيّد الفقهاء العظام الأستاذ الأكبر حجّة الإسلام الميرزا محمّد حسن الشيرازي متَّعنا الله ببقائه، وبعد الحديث المناسب لذلك المقام قرأ عنده تبرّكاً سورة الحمد المباركة، وكانت القراءة جيّدة جدّاً بنحو أذعن الحاضرون بصحَّتها وحسنها.
قصيدة الشاعر عبّاس الصفّار بالمناسبة:
وفي ليلتي الأحد والاثنين اجتمع العلماء والفضلاء في الصحن الشريف فرحين مسرورين، وأضاؤا فضاءه من المصابيح والقناديل، ونظموا القصَّة ونشروها في البلاد، وكان معه في المركب مادح أهل البيت عليهم السلام الفاضل اللبيب الحاجّ ملاَّ عبّاس الصفّار الزنوزي البغدادي فقال _ وهو من قصيدة طويلة ورآه مريضاً وصحيحاً _:
وفي عامها جئتُ والزائرين * * * إلى بلدة سُرَّ من قد رآها
رأيت من الصين فيها فتى * * * وكان سميّ إمام هداها
يشير إذا ما أراد الكلام * * * وللنفس منه... كذا براها
وقد قيد السقم منه الكلام * * * وأطلق من مقلتيه دماها
فوافا إلى باب سرداب من * * * به الناس طرّاً ينال مناها
يروم بغير لسان يزور * * * وللنفس منه دهت بعناها
وقد صار يكتب فوق الجدار * * * ما فيه للروح منه شفاها
أروم الزيارة بعد الدعاء * * * ممَّن رأى أسطري وتلاها
لعلَّ لساني يعود الفصيح * * * وعلّي أزور وأدعو الإلها
إذا هو في رجل مقبل * * * تراه ورى البعض من أتقياها
تأبَّط خير كتاب له * * * وقد جاء من حيث غاب ابن طه
فأومى إليه ادع ما قد كتب * * * وجاء فلمَّا تلاه دعاها
وأوصى به سيّداً جالساً * * * أن ادعوا له بالشفاء شفاها
فقام وأدخله غيبة الإ * * * مام المغيّب من أوصياها
وجاء إلى حفرة الصُفَّة * * * التي هي للعين نور ضياها
وأسرج آخر فيها السراج * * * وأدناه من فمه ليراها
هناك دعا الله مستغفراً * * * وعيناه مشغولةً ببكاها
ومذ عاد منها يريد الصلاة * * * قد عاود النفس منه شفاها
وقد أطلق الله منه اللسان * * * وتلك الصلاة أتمّ أداها
قصيدة السيّد حيدر الحلّي بالمناسبة:
ولمَّا بلغ الخبر إلى خرّيت صناعة الشعر السيّد المؤيّد الأديب اللبيب فخر الطالبيين، وناموس العلويين، السيّد حيدر بن السيّد سليمان الحلّي أيَّده الله تعالى بعث إلى سُرَّ من رأى كتاباً صورته:
بسم الله الرحمن الرحيم
لمَّا هبَّت من الناحية المقدَّسة نسمات كرم الإمامة فنشرت نفحات عبير هاتيك الكرامة، فأطلقت لسان زائرها من اعتقاله، عندما قام عندها في تضرّعه وابتهاله، أحببت أن أنتظم في سلك من خدم تلك الحضرة، في نظم قصيدة تتضمَّن بيان هذا المعجز العظيم ونشره، وأن اُهنّئ علاَّمة الزمن وغرَّة وجهه الحسن، فرع الأراكة المحمّدية، ومنار الملَّة الأحمدية، علم الشريعة، وإمام الشيعة، لأجمع بين العبادتين في خدمة هاتين الحضرتين، فنظمت هذه القصيدة الغرّاء، وأهديتها إلى دار إقامته وهي سامراء، راجياً أن تقع موقع القبول، فقلت ومن الله بلوغ المأمول:
كذا يظهر المعجز الباهر * * * ويشهده البرّ والفاجر
وتروى الكرامة مأثورة * * * يبلّغها الغائبَ الحاضر
يقرُّ لقوم بها ناظر * * * ويقذي لقوم بها ناظر
فقلب لها ترحاً واقع * * * وقلب بها فرحاً طائر
أجل طرف فكرك يا مستدلّ * * * وأنجد بطرفك يا غائر
تصفَّح مآثر آل الرسول * * * وحسبك ما نشر الناشر
ودونكه نبأ صادقاً * * * لقلب العدوّ هو الباقر
فمن صاحب الأمر أمس استبان * * * لنا معجز أمره باهر
بموضع غيبته مذ ألمَّ * * * أخو علَّة داؤها ظاهر
رمى فمه باعتقال اللسان * * * رام هو الزمن الغادر
فأقبل ملتمساً للشفاء * * * لدى من هو الغائب الحاضر
ولقَّنه القولَ مستأجر * * * عن القصد في أمره جائر
فبيناه في تعب ناصب * * * ومن ضَجَرٍ فِكْرُه حائر
إذ انحلَّ من ذلك الاعتقال * * * وبارحه ذلك الضائر
فراح لمولاه في الحامدين * * * وهو لآلائه ذاكر
لعمري لقد مسحت داءه * * * يد كلّ خلق لها شاكر
يد لم تزل رحمة للعباد * * * لذلك أنشأها الفاطر
تحدر وإن كرهت أنفس * * * يضيق شجىً صدرُها الواغر
وقل إنَّ قائم آل النبيّ * * * له النهي وهو هو الآمر
أيمنع زائره الاعتقال * * * ممَّا به ينطق الزائر
ويدعوه صدقاً إلى حلّه * * * ويقضي على أنَّه القادر
ويكبو مرجيه دون الغياث * * * وهو يقال به العاثر
فحاشاه بل هو نعم المغيث * * * إذا نضنض الحارث الفاغر
فهذي الكرامة لا ما غدا * * * يلفقه الفاسق الفاجر
أدم ذكرها يا لسان الزمان * * * وفي نشرها فمك العاطر
وَهَنَّ بها سُرَّ من را ومن * * * به ربعها آهل عامر
هو السيّد الحسن المجتبى * * * خضم الندى غيثه الهامر
وقل يا تقدَّستِ من بقعة * * * بها يهب الزلَّة الغافر
كلا اسميك في الناس بادٍ له * * * بأوجههم أثر ظاهر
فأنت لبعضهم سُرَّ من * * * رأى وهو نعت لهم ظاهر
وأنت لبعضهم ساء من * * * رأى وبه يوصف الخاسر
لقد أطلق الحَسَنُ المكرمات * * * مهياك فهو بهي سافر(١)
فأنت حديقة زهو به * * * وأخلاقه روضك الناضر
عليم تربّى بحجر الهدى * * * ونسج التقى برده الطاهر
إلى أن قال سلَّمه الله تعالى:
كذا فلتكن عترة المرسلين * * * وإلاَّ فما الفخر يا فاخر(٢)
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــ
(١) في ديوان السيّد حيدر: (محياك وهو بها سافر).
(٢) أنظر: جنَّة المأوى: ٩٦ - ١٠٠/ الحكاية الثانية والثلاثون؛ ديوان السيّد حيدر الحلّي ١: ٢٤.