(٢٦ رجب المرجَّب) سنة (٥ للبعثة):
الحقيقة المهدوية في معراج النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
١ _ ليلة المعراج وفيها رأى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ظلّ القائم عليه السلام بعد أن أخبره الله بما يجري على ابنته وبعلها وولديها من البلاء والقتل، ووعد الله له صلى الله عليه وآله وسلم بأن ينصره بالقائم عليه السلام:
روى ابن قولويه رحمه الله عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن محمّد بن سالم، عن محمّد بن خالد، عن عبد الله بن حماد البصري، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصمّ، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (لمَّا اُسري بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء(١) قيل له: إنَّ الله تبارك وتعالى يختبرك في ثلاث لينظر كيف صبرك، قال: أسلم لأمرك يا ربّ ولا قوَّة لي على الصبر إلاَّ بك، فما هنَّ؟ قيل له: أوّلهنَّ الجوع والإثرة على نفسك وعلى أهلك لأهل الحاجة، قال: قبلت يا ربّ ورضيت وسلَّمت ومنك التوفيق والصبر. وأمَّا الثانية فالتكذيب والخوف الشديد وبذلك مهجتك في محاربة أهل الكفر بمالك ونفسك، والصبر على ما يصيبك منهم من الأذى ومن أهل النفاق والألم في الحرب والجراح، قال: قبلت يا ربّ ورضيت وسلَّمت ومنك التوفيق والصبر. وأمَّا الثالثة فما يلقى أهل بيتك من بعدك من القتل، أمَّا أخوك علي فيلقى من أمَّتك الشتم والتعنيف والتوبيخ والحرمان والجحد والظلم وآخر ذلك القتل، فقال: يا ربّ قبلت ورضيت ومنك التوفيق والصبر. وأمَّا ابنتك فتُظلم وتُحرم ويُؤخذ حقّها غصباً الذي تجعله لها، وتُضرب وهي حامل، ويدخل عليها وعلى حريمها ومنزلها بغير إذن، ثمّ يمسّها هوان وذلّ، ثمّ لا تجد مانعاً، وتطرح ما في بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب. قلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، قبلت يا ربّ وسلَّمت ومنك التوفيق للصبر. ويكون لها من أخيك ابنان، يُقتل أحدهما غدراً ويُسلب ويُطعن تفعل به ذلك أمّتك، قلت: يا ربّ قبلت وسلَّمت، إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ومنك التوفيق للصبر. وأمَّا ابنها الآخر فتدعوه أمّتك للجهاد ثمّ يقتلونه صبراً ويقتلون ولده ومن معه من أهل بيته ثمّ يسلبون حرمه، فيستعين بي وقد مضى القضاء منّي فيه بالشهادة له ولمن معه، ويكون قتله حجَّة على من بين قطريها، فيبكيه أهل السماوات وأهل الأرضين جزعاً عليه، وتبكيه ملائكة لم يدركوا نصرته، ثمّ اُخرج من صلبه ذكراً به أنصرك، وإنَّ شبحه عندي تحت العرش، يملأ الأرض بالعدل ويطبّقها بالقسط، يسير معه الرعب، يقتل حتَّى يُشكَّ فيه، قلت: إنّا لله. فقيل: ارفع رأسك، فنظرت إلى رجل أحسن الناس صورةً وأطيبهم ريحاً، والنور يسطع من بين عينيه ومن فوقه ومن تحته، فدعوته فأقبل إليَّ، وعليه ثياب النور وسيما كلّ خير، حتَّى قبَّل بين عيني، ونظرت إلى الملائكة قد حفّوا به لا يحصيهم إلاَّ الله عز وجل...)(٢).
٢ _ رؤية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في المعراج تمثال القائم عليه السلام وهو كالكوكب الدرّي بين سائر الأئمّة عليهم السلام:
روى النعماني رحمه الله عن أبي الحارث عبد الله بن عبد الملك بن سهل الطبراني، قال: حدَّثنا محمّد بن المثنّى البغدادي، قال: حدَّثنا محمّد بن إسماعيل الرقّي، قال: حدَّثنا موسى بن عيسى بن عبد الرحمن، قال: حدَّثنا هشام بن عبد الله الدستوائي، قال: حدَّثنا علي بن محمّد، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن محمّد بن علي الباقر عليهما السلام، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطّاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنَّ الله عز وجل أوحى إليَّ ليلة اُسري بي: يا محمّد، من خلَّفت في الأرض في أمّتك _ وهو أعلم بذلك _؟ قلت: يا ربّ، أخي. قال: يا محمّد، علي بن أبي طالب؟ قلت: نعم، يا ربّ. قال: يا محمّد، إنّي اطَّلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها، فلا اُذكر حتَّى تُذكر معي، فأنا المحمود وأنت محمّد، ثمّ إنّي اطَّلعت إلى الأرض اطلاعة أخرى فاخترت منها علي بن أبي طالب فجعلته وصيّك، فأنت سيّد الأنبياء وعلي سيّد الأوصياء، ثمّ شققت له اسماً من أسمائي، فأنا الأعلى وهو علي. يا محمّد، إنّي خلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من نور واحد، ثمّ عرضت ولايتهم على الملائكة، فمن قبلها كان من المقرَّبين، ومن جحدها كان من الكافرين. يا محمّد، لو أنَّ عبداً من عبادي عبدني حتَّى ينقطع ثمّ لقيني جاحداً لولايتهم أدخلته ناري. ثمّ قال: يا محمّد، أتحبّ أن تراهم؟ فقلت: نعم. فقال: تقدَّم أمامك، فتقدَّمت أمامي فإذا علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمّد بن علي، وعلي بن محمّد، والحسن بن علي، والحجّة القائم كأنَّه الكوكب الدرّي في وسطهم، فقلت: يا ربّ، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الأئمّة، وهذا القائم، محلّل حلالي، ومحرّم حرامي، وينتقم من أعدائي. يا محمّد، أحببه فإنّي اُحبّه واُحبّ من يُحبّه)(٣).
٣ _ رؤية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في المعراج لأنوار الأئمّة عليهم السلام عن يمين العرش مع الإمام المهدي عليه السلام في ضحضاح من نور:
روى الجوهري رحمه الله في مقتضب الأثر حديثاً طويلاً جاء فيه:... فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا جارود، ليلة اُسري بي إلى السماء أوحى الله عز وجل إليَّ أن سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟ فقلت: على ما بعثتم؟ فقالوا: على نبوَّتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمّة منكما، ثمّ أوحي إليَّ أن التفت عن يمين العرش، فالتفت فإذا علي والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمّد بن علي، وعلي بن محمّد، والحسن بن علي، والمهدي في ضحضاح من نور يُصلّون، فقال لي الربّ تعالى: هؤلاء الحجج لأوليائي، هذا المنتقم من أعدائي)(٤).
٤ _ رؤية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في المعراج مكتوب على ساق العرش اسم الإمام المهدي عليه السلام يتلألأ من بين أسماء الأئمّة عليهم السلام:
روى الخزّاز رحمه الله عن محمّد بن عبد الله الشيباني رحمه الله، قال: حدَّثنا رجا ابن يحيى العراني الكاتب، قال: حدَّثنا يعقوب بن إسحاق، عن محمّد بن بشّار، قال: حدَّثنا محمّد بن جعفر، قال: حدَّثنا شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لمَّا عُرج بي إلى السماء رأيت على ساق العرش مكتوباً: لا إله إلاَّ الله، محمّد رسول الله، أيَّدته بعلي ونصرته، ورأيت اثني عشر اسماً مكتوباً بالنور فيهم علي بن أبي طالب وسبطي وبعدهما تسعة أسماء علياً علياً ثلاث مرّات، ومحمّد ومحمّد مرَّتين، وجعفر وموسى والحسن والحجَّة يتلألأ من بينهم، فقلت: يا ربّ أسامي من هؤلاء؟ فناداني ربّي جل جلاله: هم الأوصياء من ذرّيتك، بهم اُثيب واُعاقب)(٥).
٥ _ إخبار الله تعالى لنبيّه في المعراج عن خروج المهدي من ولده وذكر علامات ذلك:
روى الصدوق رحمه الله عن الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، قال: حدَّثنا أبي قال: حدَّثنا أبو سعيد سهل بن زياد الآدمي الرازي، قال: حدَّثنا محمّد بن آدم الشيباني، عن أبيه آدم بن أبي إياس، قال: حدَّثنا المبارك بن فضالة، عن وهب بن منبه، رفعه عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لمَّا عُرج بي إلى ربّي جل جلاله أتاني النداء: يا محمّد...، وأعطيتك أن أخرج من صلبه أحد عشر مهدياً كلّهم من ذرّيتك من البكر البتول، وآخر رجل منهم يُصلّي خلفه عيسى بن مريم، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت منهم ظلماً وجوراً، اُنجي به من الهلكة، وأهدي به من الضلالة، واُبرئ به من العمى، وأشفي به المريض، فقلت: إلهي وسيّدي متى يكون ذلك؟ فأوحى الله عز وجل: يكون ذلك إذا رفع العلم، وظهر الجهل، وكثر القرّاء، وقلَّ العمل، وكثر القتل، وقلَّ الفقهاء الهادون، وكثر فقهاء الضلالة والخونة، وكثر الشعراء، واتَّخذ أمَّتك قبورهم مساجد، وحليت المصاحف، وزخرفت المساجد، وكثر الجور والفساد، وظهر المنكر وأمر أمَّتك به ونهوا عن المعروف، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وصارت الأمراء كفرة، وأولياؤهم فجرة وأعوانهم ظلمة، وذوي الرأي منهم فسقة، وعند ذلك ثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وخراب البصرة على يد رجل من ذرّيتك يتبعه الزنوج، وخروج رجل من ولد الحسين بن علي، وظهور الدجّال يخرج بالمشرق من سجستان، وظهور السفياني، فقلت: إلهي ومتى يكون بعدي من الفتن؟ فأوحى الله إليَّ وأخبرني ببلاء بني أميّة وفتنة ولد عمّي، وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة، فأوصيت بذلك ابن عمّي حين هبطت إلى الأرض وأدَّيت الرسالة، ولله الحمد على ذلك كما حمده النبيّون، وكما حمده كلّ شيء قبلي وما هو خالقه إلى يوم القيامة)(٦).
٦ _ سماع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في المعراج حين وصوله إلى حجب النور بعد سدرة المنتهى نداء الله وإخباره بالمهدي من ولده يعمر به الأرض بالعدل:
روى الصدوق رحمه الله عن محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمّه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبيه، عن أبي حمزة الثمالي، عن سعد الخفّاف، عن الأصبغ بن نباتة، عن عبد الله بن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لمَّا عُرج بي إلى السماء السابعة ومنها إلى سدرة المنتهى، ومن السدرة إلى حجب النور، ناداني ربّي جل جلاله: يا محمّد، أنت عبدي وأنا ربّك، فلي فاخضع، وإيّاي فاعبد، وعليَّ فتوكَّل، وبي فثق، فإنّي قد رضيت بك عبداً وحبيباً ورسولاً ونبيّاً، وبأخيك علي خليفةً وباباً، فهو حجَّتي على عبادي، وإمام لخلقي، به يعرف أوليائي من أعدائي، وبه يُميَّز حزب الشيطان من حزبي، وبه يُقام ديني، وتُحفظ حدودي، وتُنفذ أحكامي، وبك وبه وبالأئمّة من ولده أرحم عبادي وإمائي، وبالقائم منكم اُعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي، وبه اُطهّر الأرض من أعدائي واُورثها أوليائي، وبه أجعل كلمة الذين كفروا بي السفلى وكلمتي العليا، وبه اُحيي عبادي وبلادي بعلمي، وله أظهر الكنوز والذخائر بمشيئتي، وإيّاه أظهر على الأسرار والضمائر بإرادتي، وأمدّه بملائكتي لتؤيّده على إنفاذ أمري وإعلان ديني، ذلك وليّي حقّاً، ومهدي عبادي صدقاً)(٧).
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــ
(١) تعتقد الإمامية بمعراج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء السابعة، ومنها إلى سدرة المنتهى، ومنها إلى حجب النور، وبمناجاة الله عز وجل إيّاه، وأنَّه عُرج به صلى الله عليه وآله وسلم بجسمه وروحه على الصحَّة والحقيقة لا على الرؤيا والمنام، وعن ابن عبّاس أنَّ المعراج كان مرَّتين: مرَّة من المسجد الحرام، ومرَّة من بيت اُمّ هانئ ليلة الاثنين في شهر ربيع الأوّل بعد النبوَّة بسنتين. (راجع: جواهر التاريخ ٣: ٤١٧ - ٤٣٧/ ملحق رقم ٢)؛ وروى الصدوق رحمه الله في الخصال (ص ٦٠١/ ح ٣) عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (عرج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مائة وعشرين مرَّة، ما من مرَّة إلاَّ وقد أوصى الله عز وجل فيها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالولاية لعلي والأئمّة عليهم السلام أكثر ممَّا أوصاه بالفرائض.
(٢) كامل الزيارات: ٥٤٧ - ٥٥١/ باب ١٠٨/ ح (٨٤٠/١٢).
(٣) الغيبة للنعماني: ٩٤ و٩٥/ باب ٤/ ح ٢٤؛ مقتضب الأثر: ٢٣ و٢٤.
(٤) مقتضب الأثر: ٣٨؛ كنز الفوائد للكراجكي: ٢٥٨؛ المحتضر: ٢٦٦/ ح ٣٥٢.
(٥) كفاية الأثر: ٧٤ و٧٥.
(٦) كمال الدين: ٢٥٠ - ٢٥٢/ باب ٢٣/ ح ١.
(٧) أمالي الصدوق: ٧٣١/ ح (١٠٠٢/٤)؛ مشارق أنوار اليقين: ٩٠.