الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
السلاح والمعجزة والمحاججة بالعقل والحجة، كل ذلك يستعمله الإمام (عجّل الله فرجه) في نهضته وحركته المقدسة، وهذه هي سنة الله تعالى في تأييده لأوليائه الصالحين وعباده المؤمنين، غاية الأمر أن هناك تراتبية بين هذه الأمور الثلاثة من حيث الظرف والمرحلة، فلا السلاح يتقدم على المحاججة ولا المعجزة تتقدم على وجود الأنصار والسلاح، وهكذا هي شريعة الإسلام ووصية النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فقد جاء في الحديث النبوي: يا علي لا تقاتل أحداً حتى تدعوه إلى الإسلام، وايم الله لأن يهدي الله (عزَّ وجل) على يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت. [الكافي للشيخ الكليني:ج٥، ص٣٦]
ولذلك في أول ظهور الإمام القائم (عجّل الله فرجه) في مكة يبدأ في الاعلان عن نفسه ويحاج الناس بكتاب الله تعالى وسنة نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) في سياق حديثه عن أول ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) في مكة قوله (عليه السلام): ينادي يا أيها الناس إنا نستنصر الله ومن أجابنا من الناس، وإنا أهل بيت نبيكم محمد ونحن أولى الناس بالله وبمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فمن حاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم، ومن حاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم، ومن حاجني في محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) وسلم فأنا أولى الناس بمحمد، ومن حاجني في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين، أليس الله يقول في محكم كتابه: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. فأنا بقية من آدم، وذخيرة من نوح، ومصطفى من إبراهيم، وصفوة من محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ألا ومن حاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله، ألا ومن حاجني في سنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فأنا أولى الناس بسنة رسول الله، فأنشد الله من سمع كلامي اليوم لما بلغ الشاهد منكم الغائب، وأسألكم بحق الله ورسوله وبحقي - فان لي عليكم حق القربى من رسول الله - إلّا أعنتمونا، ومنعتمونا ممن يظلمنا، فقد أخفنا وظلمنا وطردنا من ديارنا وأبنائنا وبغي علينا، ودفعنا عن حقنا فأوتر أهل الباطل علينا، فالله الله فينا لا تخذلونا وانصرونا ينصركم الله. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٢٩٠]
وهكذا حينما يقدم الإمام (عجّل الله فرجه) إلى النجف الأشرف في خطابه وحديثه مع الخارجين عليه من أتباع السفياني، روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): يقدم القائم (عليه السلام) حتى يأتي النجف فيخرج إليه من الكوفة جيش السفياني وأصحابه، والناس معه، وذلك يوم الأربعاء، فيدعوهم ويناشدهم حقه، ويخبرهم أنه مظلوم مقهور، ويقول: من حاجني في الله فأنا أولى الناس بالله. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٥٢، ص٣٨٧]
ونفس هذا المعنى يمكن ان نفهمه في تعامله مع أصحاب الديانات الأخرى من اليهود والنصارى، لا سيما مع ما ورد أنه (عجّل الله فرجه) يستخرج التوراة والانجيل، وليس ذلك بطبيعة الحال إلّا لأجل إقامة الحجة، فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): يستخرج التوراة وسائر كتب الله من غار بأنطاكية فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل الفرقان بالفرقان. [علل الشرائع للشيخ الصدوق: ج١، ص١٦١]، ويؤيد هذا المعنى ما رواه العامة أيضاً في مصادرهم، فقد جاء عن كعب: إنما سمي المهدي لأنه يهدى إلى أسفار من أسفار التوراة يستخرجها من جبال الشام، يدعو إليها اليهود، فيسلم على تلك الكتب جماعة كثيرة. [الملاحم والفتن للسيد ابن طاووس: ص١٦١]
كما أننا يمكن أن نستكشف من مجمل ما ورد في الأخبار والروايات أن هناك فئات من الناس سوف يعاندون الحق ويجحدونه ولا ينزلون للحق واهله بل يقدمون على حرب الإمام (عجّل الله فرجه) وقتاله، ومن الطبيعي أن طريقة تعامله (عجّل الله فرجه) معهم سواء كانوا من المسلمين أو من غيرهم تختلف عن أولئك، لأن الوظيفة الملقاة على عاتقه (عجّل الله فرجه) وهي نشر العدل والحق وقمع الباطل والجور لا يمكن أن تتسامح مع وجود مفردات الظلم والطغيان، وأما طبيعة هذا السلاح وهل يكون بالمعجزات الخارقة أو بالوسائل المتعارفة، فمن المؤكد أن الله تعالى لو أراد أن ينتصر الإمام (عجّل الله فرجه) بالمعجزة فقط لما كان هناك حاجة لتأخير ظهوره، ولا كان وجود الأنصار والأتباع شرط في قيامه (عجّل الله فرجه)، فقد دلّت جملة من الروايات أن المعارك التي تحصل تتضمن مجاهدة الأعداء ووقوع الشهداء حتى من جيش الإمام (عجّل الله فرجه)، فقد جاء عن بشير النبال أنه سأل الإمام الباقر (عليه السلام): إنهم يقولون إن المهدي لو قام لاستقامت له الأمور عفواً ولا يهريق محجمة دم. فقال: كلا والذي نفسي بيده لو استقامت لأحد عفواً لاستقامت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) حين أدميت رباعيته، وشج في وجهه، كلا والذي نفسي بيده حتى نمسح نحن وأنتم العرق والعلق، ثم مسح جبهته.
ولكن لا يعني ذلك في كل حال أن الإمام (عجّل الله فرجه) عليه سيكون بعيداً عن التأييد والتوفيق الإلهي في اعطائه كل ما يمهد له النصر والظفر، ولو كان شكل ذلك التأييد بالمعجزة أو الكرامة، فقد جرت سنة الله تعالى في إنزال مدده الغيبي على المؤمنين إذا رأى الله تعالى الصدق منهم والثبات، يقول (عزَّ وجل): ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾، ونجد هذا المعنى واضحاً وجلياً في عدد الروايات والأخبار، وليس الخسف الذي يقع في جيش السفياني إلّا صورة تحكي عن حضور الدعم والعون الإلهي الذي يرافق الإمام (عجّل الله فرجه)، وهكذا فيما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في سياق حديثه عن أصحاب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وما يتمتعون به من إمكانيات لا نجد لها تفسيراً إلّا على نحو الإعجاز: ويبعث جنداً إلى القسطنطينية، فإذا بلغوا إلى الخليج كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشوا على الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء فكيف هو؟ فعند ذلك يفتحون لهم باب المدينة فيدخلونها فيحكمون فيها بما يريدون. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٣٣٤]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
تحرسكم الزهراء عليها السلام